نبذه عن أبو الشمقمق

سيرة أبو الشمقمق الهجاء في الشعر العربي

يمكنُ تعريف الهجاء في الشعر العربيّ أنّه كلُّ شعر قِيلَ في القدح أو الذمِّ للنَّيْلِ منْ شخص ما أو قبيلةٍ ما، وهو أحد أغراض الشعر العربي القديمة، وقدِ اشتهر شعراء كُثُر أجادوا الهجاء وأكثروا منه، ولعلَّ أشهرهم الحطيئة الذي هجا أباه وأمّه وهجا نفسَهُ أيضًا، والفرزدق وجرير والأخطل والراعي النميري الذين كانوا يقيمون حربًا شعريَّةً كاملة لم تهدأ إلّا بوفاتِهم، وفي هذا المقال سيتم تناول أحد شعراء الهجاء في الشعر العربي وهو الشاعر أبو الشمقمق وسيتم الحديث عنه من جوانبَ عدّة.

نبذة عن أبو الشمقمق

هو مروان بن محمد، أو الشمقمق شاعر عربيّ اشتُهرَ بشعر الهجاء كثيرًا، يرجعُ أصلُهُ إلى خراسان، وعاش في الفترة الذي عاش فيها شعراء كبارٌ أمثال: بشار بن برد، أبي نواس، وأبي العتاهية، وكانَ لَقَبُهُ بأبي الشمقمق عائدًا لطولِهِ، فقد كانَ طويلَ القامة وقبيح الشكل والمنظر وكبير الأنف، وهو من أهل البصرة، قدِمَ إلى بغداد في حياتِهِ في بدايات خلافة الرشيد، وكانَ يأخذُ مبلغًا من المال من الشاعر الشهير بشار بن برد سنويًّا بدافعِ الجزية كما يسمّيها أبو الشمقمق ويقدّر المبلغ بمئتَيْ درهم.

سافر أبو الشمقمق إلى عدَّة مدن في فترة الخلافة العباسيّة، فزار المدن التي تقع تحت حكم الخلافة كخراسان والأهواز وسجستان وسابور والموصل وغيرها، ومدحَ بعضَ ولاة هذه المدن فنال شيئًا من المال بمديحِهِ، فقد مدحَ خالد بن يزيد والي الموصل وكسبَ، ولم يجمع شعره في ديوان موحّد، بل جاء شعره متفرِّقًا، وجديرٌ بالذكر أنّه قام المستشرق غوستاف غرنباوم بجمع ما بقي من شعرِ أبي الشمقمق في كتابهِ “شعراء عباسيون”، وأمّا فيما يخصُّ تاريخ مولدِهِ ووفاتِهِ، فليس هناك مصدر مؤكد يدلُّ على تاريخ حياتِهِ، والرّاجح أنّه وُلِدَ عام 730م، وتوفِّي سنة 815م والله أعلم 1).

الأسلوب الشعري عند أبو الشمقمق

عاصر أبو الشمقمق الشعراء الفحول، كأبي العتاهية وأبي نواس وبشار بن برد، ولم يبلغْ منزلَتهم الشعرية، ولكنّه كان شديد القرب منهم، وقد احتكَّ بهم احتكاكًا كبيرًا فكانَ له معهم أخبار كثيرة، وكانَ الشاعر فقيرًا مُعدَمَ الحال، لا يملكُ منزلةً الأمراء بين الناس، فهو من عائلة فقيرة ذات نسب متواضع، فلم يجدْ ما يتقرّب به إلى الأمراء وأصحاب الأمر إلّا الشعر مستغلًا طلاقة لسانِهِ، وقد انعكسَ فقرُهُ واضحًا على كثير من أبيات شعرِهِ، حيث كانَ يصوِّرُ في كثير من قصائدِهِ شدّة فقرِهِ، ويصف بيتَهُ المتواضع جدًّا حيث كان يسكن في البصرة، حيث يقول:

في مبيت من الغَضارة قفرٍ           ليس فيه إلا النوى والنخالةْ

عطّلته الجرذان من قلة الخيـ        ـرِ وطارَ الذُّبابُ نَحو زُبالـةْ

وقال أيضًا:

برزْتُ منَ المنازلِ والقبابِ‏            فلم يعسُرْ على أحَدٍ حِجَابي

فمنزلِيَ الفَضاءُ وسَقْفُ بيتِي‏       سماءُ اللهِ أو قطَعُ السَّحابِ

وقد اشتهر شعرُهُ بالهجاء الشديد اللاذع، والهزل والشكوى من فقرِهِ وسوء حالتِهِ، حتّى ندرَ شعر الفخر والحماسة في شعرِهِ الذي لا يخلو من بعض المدائح التي تكسّبَ بها.

مختارات من شعر أبو الشمقمق

بعدَ ما وردَ من حديث عن الشاعر أبي الشمقمق لا بدَّ من عرض بعض قصائدِهِ التي توضِّحُ أسلوبَهُ الشعريّ والمواضيع التي طرقَها في قصيدَتِهِ. 2)

  • قال في إحدى قصائدِهِ:

لشتانَ ما بينَ اليزيدينِ في الندى        إذا عدَّ في الناسِ المكارمُ والمجْدُ

يزيدُ بني شَيْبَانَ أَكْرَمُ مِنْهُما           وإنْ غضبتْ قيسُ بنُ عيلانَ والأزْدُ

فتىً لم تلدْهُ من رعينٍ قبيلةٌ          ولا لَخْمُ تُنْميهِ ولمْ تُنْمِهِ نَهْدُ

ولكنْ نَمَتْهُ الغُرُّ من آلِ وائلٍ            وَبَرَّةُ تَنْمِيهِ وَمِنْ بَعْدِها هِنْدُ

  • وقال في وصف شدَّةِ فقرِهِ:

ولقد قلتُ حينَ أقْفَرَ بَيْتِي        من جِرَابِ الدَّقِيقِ والفَخَّارَه

ولقد كان آهِلاً غَيرَ قَفْرٍ           مُخْصباً خَيْرُه كثيرَ العِمَارَهْ

فأرى الفأرَ قد تجنبنَ بيتي           عائذاتٍ منهُ بدارِ الإمارَه

ودعا بالرحيلِ ذبان بيتي         بينَ مَقْصُوصَةٍ إلى طيَّاره

وأقامَ السِّنَّوْرُ في البيتِ حَوْلا        ما يَرَى في جوانبِ البَيْتِ فارَه

يُنغِضُ الرَّأْسَ منه من شِدَّةِ الجُو          عِ وعيشٍ فيه أذىً ومرارَهْ

  • وقال أيضًا:

أهلُ جودٍ ونائلٍ وفعالٍ               غلبوا الناسَ بالندى والعطيهْ

جئتهُ زائراً فأدنى مكاني            وَتَلَقَّى بِمَرْحَبٍ وَتَحِيَّهْ

لا كمثلِ الأصمِّ حارثةِ اللؤ           مِ شَبِيهِ الكُلَيْبَةِ القَلَطِيَّهْ

جئتهُ زائراً فأعرضَ عني             مثلَ إعراضِ قَحْبَةٍ سُوسِيَّهْ

  • وقال:

بَرَزْتُ منَ المنازِلِ والقِبَابِ           فلم يَعْسُرْ على أَحَدٍ حِجَابِي

فمنزليَ الفضاءُ وسقفُ بيتي           سماءُ اللهِ أوْ قطعُ السحابِ

فأنتَ إذا أردتَ دخلتَ بيتي         عليَّ مُسَلِّماً من غَيْرِ بابِ

لأني لم أجدْ مصراعَ بابٍ            يكونُ مِنَ السَّحَابِ إلى التُّرَابِ

ولا انْشَقَّ الثَّرى عن عودِ تختٍ          أؤمل أنْ أشدَّ بهِ ثيابي

ولا خِفْتُ الإبَاقَ على عَبِيدي           ولا خِفْتُ الهلاكَ على دَوَابي

ولاحاسبتُ يوماً قهرماناً            مُحاسبةً فأغْلَظُ في حِسَابِي

وفي ذا راحةٌ وَفَراغُ بالٍ             فدابُ الدهرِ ذا أبداً ودابي