لم يستطع ريكاردو ان يعرف . وغداً صباحاً, ستستقل الطائرة إلى موطنها بعيداً عن ماريدا. غداً سيتوقف إرسال الازهار إلى منطقة سكنها, إذ انه لن يعرف إلى اين يرسلها. وفي غضون ايام, او اسابيع سيتلاشى فضوله.
لقد كان رجلاً امضى اعواماً في إرضاء فضوله عن التاريخ , مع انه ليس بحاجة إلى العمل.
دفعت بالصينية جانباً وهي تتساءل, كم عليه ان يبذل من الجهد كي يجدها؟
فتحت المغلف, لتقرأ( يمكنني بذل الجهد في اعمال الحفريات كما يمكنني قضاء اوقات عابثة. قابليني الساعة العاشرة عند عربة الفطائر , الملابس المناسبة جينز وحذاء تنس , ويمكنك ربط شعرك بشكل ذيل الحصان . احضري قبعة للشمس , سانتظرك .. ريكاردو)
إنها لن تذهب طبعاً . فهي ستبقى مسترخية هنا في سريرها, بعد ذلك الاسبوع الطويل من العمل.
من الطبيعي ان تخرج لتشاهد الكرنفال مرة اخرى, مرتدية ملابس سائحة. ولكنه استطاع امس, تمييزها في هذه الملابس , مع انها عادة , آمنة في مثل تلك الملابس. دون زينة او ملابس جميلة ودوماً كانت تشعر بالرضى لذلك.ريحانة
كيف امكنه ان يميز لاجيتانا عندما كانت الغجرية هي الحلم على خشبة المسرح؟ هل هو شيء مميز في مشيتها؟ كما قال " عندما تبدأين بالمشي , عند ذلك تكشف لاجيتانا عن نفسها" هزت كتفيها وهي تلقي عنها الأغطية.
سيسألها هذه الليلة , على مائدة العشاء , عما فعلته اثناء النهار . سؤال عادي, ولكن عينيه ستخبرانها انه مصمم على امتلاكها.
ماس.. إن وجدها جيدة جداً..منتديات ليلاس
لم تجرؤ على الخروج من غرفتها قبل موعد ظهورها الليلي على المسرح. فقد وجدها في تلك الحفلة, وكذلك في الشوراع امس. وقد اوقعها في شرك حضور حفلة العشاء هذه الليلة, وسيحملها على ادعاء التواء في كاحلها لكي تتجنب ذراعيه حولها.
وارتدت ملابسها بسرعة , الجينز وقميصاً قطنياً . كان الجو حاراً , فالوقت كان اوائل آذار - مارس, كما ان الصباح ينبغي ان يكون بارداً. وقد كانت تسمع على الدوام ان جو مدينة ماريدا حار جداً حتى في وقت الشتاء, كان هذا صحيحاً. لو انها الآن في موطنها على شاطئ البحر, او لو ان في استطاعتها ترك غرفتها الخانقة هذه لتركض إلى الشاطئ وتغوص في المياه. كانت المياه باردة عندما تركت منزلها منذ شهر. وكانت تحب ذلك, تحب ان تشعر بالبرودة تحت حرارة الشمس , والشعور بأنها وحدها. لابد ان الجو اكثر حرارة الآن . وعليها ان تذهب إلى الشاطئ مباشرة خارج منزلها لتتجنب السواح الذي يملكون بيوتاً على الشاطئ قرب سان جوزيه كابو. ولكنها ستكون هناك حرة , وفي امان.منتديات ليلاس
هل ستمضي طيلة النهار هنا في غرفتها.
بدأت تشعر بالضجر . وارتجفت لشعورها بأن عليها ان تمضي الساعات الطوال في هذه الغرفة, لقد سافرت امها. اوصلها ميكيل إلى المطار بعد ان اخبرها انه سيجتمع بالسيد ديسكانسو لأجل العمل بعد ان يعود إلى الفندق. وقد سر اميليو لذلك, إذ كان يريد ان ينام هناك. وهذا ماجعل ماريا تبقى وحدها, دون عمل تقوم به لتشغل تلك الساعات الطويلة.

إداؤها المسرحي , ثم حفلة العشاء , ريكاردو سيتدبر امر جلوس الموعوين طبعاً, إذ شاء ان تجلس بجانبه سينظر إليها طيلة الحفلة.
ووقفت عند النافذة , هل ستكون سجينة هذه الغرفة طيلة النهار. إن هذا سيجعلها تجن. كان كلام امها صحيحاً, ذلك ان ماريا لم تكن تأكل الكفاية من الطعام اثناء رحلاتها, اذ كانت تعيش على اعصابها فلا تشعر بالراحة والاسترخاء إلا عندما تعود إلى منزلها.
أليس من السخافة ان تبقى سجينة هذه الغرفة , طول النهار لأجله؟ أليست ماريدا من الاتساع بحيث تجد مكاناً تذهب إليه فلا تبقى سجينة طوال اليوم؟
ماذا لو ذهبت معه لتفرج على آثار المايان؟ ما الذي سيحدث ؟ لقد تحدث مرة عن سيارة له تبقى هنا على مايرام. وهذا يعني انها ستكون معه في سيارته. وساعة في السيارة بينما يداه على عجلة القيادة , ستكون فيها آمنة كما كانت في تلك العربة امس, وفي منطقة الآثار سيكون كثير من الناس , التلاميذ الذين تحدث عنهم, وربما تلك المرأة التي تحدثت عن انه كان يريدها لنفسه.
لم يكن له الحق في ان يسجنها هنا بسبب ملاحقته تلك لها. لن تدعه يوقعها في الشرك, وستخرج إلى الشوراع , انما ليس الى ذلك الشارع بالذات.منتديات ليلاس
وارتدت ثيابها بسرعة لتنزل السلالم ركضاً إلى الطابق الأسفل من الفندق. وفي الخارج, كانت جدران منازل ماريدا القديمة تعكس حرارة شمس الصباح وجموع الناس. كان اليوم هو الاربعاء الكبير, وهو آخر ايام الكرنفال . كانت الشوراع مليئة بالإثارة, الأزياء البراقة بين الجموع , العروض والزينات الملونة. وفيما بعد سيكون ثمة رقص وعروض رياضية.
لو انه عرض عليها ان تخرج إلى الشوراع لتشارك في الرقص, لما كانت شعرت بأن في ذلك اي محاولة من جانبه للإغواء . وهذا ماجعله يبدو خطراً عليها. فالناس تأتي إلى ماريدا لحضور احتفال الاربعاء الكبير, هذا بينما يقترح ريكاردو سوان الذهاب إلى منطقة الآثار لتمضية النهار بعيداً عن المدينة. لتمضية نهار من الهدوء لفتاة عليها ان تؤدي دورها على المسرح امام الجميع هذه الليلة.
لم تكن آثاره تثير اهتمامها . فقد ذهب التاريخ وانتهى, لو كان قد دعاها إلى تمضية الوقت على الشاطئ لاستطاع اقناعها. ولكنه لم يأت على ذكر الشواطئ التي كانت تبعد ثلاثين كليو متراً فقط. لقد حلمت به ذات ليلة, الاسبوع الماضي , وشعرت بالخوف وهي تراه يتسلل إلى رقادها.
وركضت في الشوراع مسرعة. لقد اصبحت سائحة مرة اخرى . ولم تنظر في اعين الشبان بين الجموع . لم يكن يهمها امرهم . كانت تعرف كيف تصد شبان وطنها بكلمة صارمة هي (كلا) ثم ترفض مبادلتهم النظرات, وهذه الأخيرة كانت غلطتها مع ريكاردو حيث انها سمحت لنفسها بالوقوع في شرك مبادلته النظرات من على خشبة مسرح لاكازا ديل فينيتو. ثم رفعت عينيها لتلتقيا بعينيه اثناء رقصهما معاً مما جعلها تتأكد من انه يريدها.

ماكان له أي تأثير عليها لو انها كانت قد رفضت مبادلته النظرات . لقد أرادها له , ولكنها لم تكن المرأة التي كان يحلم بها وهو يراقبها على المسرح , كانت المخلوقة التي كانت ترقص وتغني في هالة من الشهوة والغموض, هي امرأة غير موجودة إلا في خياله. اما هي, فهي ماريا كونسرتا الفتاة الطيبة التي لديها اخوها الذي يحميها دوماً ويمنع الرجال من الوصول إليها .ريحانة
بالنسبة إلى حفلة العشاء مع آخرين .... نعم .
ومعاً , بمفردهما, مع ما يصاحب ذلك من حب وملامسات ... كلا.
كان يقف قرب عربة الفطائر , مرتدياً سروالاً خفيفاً وقميصاً قطنياً باهت اللون جعله يبدو لا تينياً إلى درجة كبيرة . كان يتكلم إلى رجل مسن متكئ على عصا. وعندما اقتربت من المنعطف رأت الرجل يضحك يشاركه ريكاردو في ذلك. ثم رآها . وقال الرجل الذي بجانبه شيئاً ثم أسرع لملاقاتها .
وقفت وقد شعرت بالدوار لهذا الاحساس الذي جعلها تسرع إلى ملاقاته بهذه السرعة لكي يحيطها بذراعيه لتغرق في امواج من دقات القلب, كما حلمت تلك الليلة , لكي يوقظها هذا الحلم من النوم.
كلا , كلا , إنها لم تحلم . إنها تحلم به.منتديات ليلاس
فقال " ماريا " ولا شيء أكثر من ذلك . كان اسمها على شفتيه بينما كانت تشعر بحلقها جاف مما جعلها تزدرد ريقها قبل ان تستطيع الكلام . كان ينظر إليها بابتسامة الفوز وكأنه كان يعلم انها ستحضر.
فقالت " إنني لن اخرج معك هذا النهار يا ركاردو"
رأت على شفتيه شبه ابتسامة ارسلت الرجفة في يديها قال " هاقد ارتديت الجينز , وشعرك ذيل الحصان ولكنك نسيت القبعة"
فقالت " لأنني لست ذاهبة معك "
قال وهو يضغط على أعلى ذراعها " بل ستذهبين , يمكنك ان تقومي بألعابك إذا شئت , ولكنك لن تستطيعي خداعي"
وأصرت قائلة " اريد ان اتفرج على الاستعراض وألعاب القوى"
فقال " لو كانت هذه الأشياء تهمك لاشتركت فيها "
فقالت " لقد طلبوني فعلاً لذلك , ولكن ميكيل رفض"
واطبقت شفتيها بشدة ثم تابعت " إنني لا أريد ذلك"
فقال بلهجة خطرة في نعومتها " رقصة اخرى للغواية؟ اظهري حركاتك اماماً وخلفاً وارمقيني من تحت اهدابك السوداء هذه, ثم اخبريني انك لا تريدينني ولكن تذكري إنني افهم ألاعيبك"منتديات ليلاس
فقالت " كلا , إنها ليست كذلك. إنها ليست ألاعيب "
فقال " لا , بل هي كذلك , لقد رأيتك وانت ترقصين . وأنا أراك الآن ولكنني لا اجد فرقاً . إن رقصة الإغواء المتعجرفة التي تقومين بها تغوين بها رجلاً لتأتي بعد ذلك, وقد اتسعت عيناك سذاجة" وهز كتفيه وهو يقول " حسناً يا لا جيتانا . سأقوم أنا بلعبتك هذه"
إنه إذاً لم يصدقها . لقد تخيل شيئاً في عينيها لم يكن حقيقياً . ما الذي كان في عينيها ؟ في مشيتها ؟ كان ثمة إشارات لم تقصده بها ولكنها لم تكن تعرف كيف توقفها .

وامسك ذراعها بيده قائلاً " إن سيارتي تبعد قليلاً من هنا " واثناء سيرهما كان يحميها من الزحام بيده الأخرى . وسألته " اين ...؟"
توقف بها امام عربة تعرض قبعات , حيث اشترى لها قبعة من القش يزينها شريط احمر يتدلى من جانب واحد, شعرت بها مستقرة تماماً فوق رأسها مما اشعرها بالراحة . واخذ هو يتفرس في ملامحها بعينين ضيقتين.منتديات ليلاس
قال " إنه زي جميل"
فرفعت يدها تحاول خلعها عن رأسها قائلة " إنني لست ذاهبة معك"
وقبض على يدها آخذاً اصابعها بأصابعه وهو يقول " إنه سيكون يوماً شديد الحرارة , مما يجعل السير في شوارع ماريدا لا يحتمل , بينما أنت ستؤدين دورك هذا المساء مرتدية ثوبك الثقيل ذاك"
فقالت وهي تحك وجنتيها كما لو كان ينومها تنويماً مغناطيسياً .
" لا اريد "
قال " هناك شاطئ عمومي عند بروغريسو بعد منطقة الآثار بعدة اميال "
واخذت هي تتصور الرمال البيضاء التي يمكنها ان تخلع عندها حذاءها لتندفع في المياه الضحلة .
وعاد يقول " سأريك الآثار في ناحية زييل شالتون ثم نذهب الى ذلك الشاطئ . وسنستمتع بهذه الهدنة من العمل هذا الصباح "
فسألته " كنت اظن ان المنطقة التي تنقب فيها عن الآثار تقوم في ناحية الجنوب؟"
اجاب " نعم , إنها لكذلك , ولكنني بدلاً منها , سآخذك إلى ناحية الشمال حيث يوجد الشاطئ"
فعضت شفتها ثم قالت " إنني لا اريد التورط معك . إن ذهبت معك فلن يحدث سوى ان تريني آثار المايان , وبعد ذلك ارحل بعيداً . ولن أراك بعد ذلك قط"
قال يذكرها " إنك ستتناولين العشاء معي هذه الليلة , لقد أرسل اخوك يخبرني بقبولك وأسرتك الدعوة ماعدا والدتك"
قالت " إنها رحلت . سبقتنا إلى الوطن"
فقال " إلى ...؟"
هزت رأسها قائلة " لن اخبرك اين نعيش . كما انني لن ارقص معك هذه الليلة كذلك" ورفعت رأسها قليلاً واستطردت " انني سأدعي بأنني اصبت بالتواء في كاحلي بعد الرقص على المسرح"
قال " إذاً , لأنني سأكون مضيفك, فإن المفروض بي ان ابقى إلى جانبك لأسليك بالنسبة لاضطرارك إلى عدم الحركة".منتديات ليلاس
فسألته بلهفة " هل نذهب الى الشاطئ اولاً ؟ هل يمكننا الذهاب إلى الشاطئ قبل منطقة الآثار ؟"
فقال ضاحكاً " هل ظننت انني سآخذك إلى هناك لألقي عليك محاضرة عن الآثار ؟ إنك تتحدثين كالأطفال "
قالت " إن لدي عملاً هذه الليلة "
قال مقطباً حاجبيه " إنني اشك في أنك تعتبرين ذلك عملاً . عندما تقفين على خشبة المسرح ..."

قالت بحدة " لا تتحدث عن لاجيتانا . وإلا ..., فتحدث عن شعب المايان , إنني كذلك , لا اهتم بحفرياتك الأثرية . كذلك يمكنك ان تلقي عليّ محاضرة عنها . ألا تلقي محاضرات احياناً على الطلاب في الولايات المتحدة ؟"
واكسب الضحك صوته دفئاً وقال " لا استطيع ان امضي شهوراً مرة واحدة دون إلقاء محاضرة . هيا بنا الآن , فضلاً عن ان هذا اليوم هو عيد الأربعاء الكبير . إنهم في بيرو يسمون ايام الكرنفال باكلي تاكي"
سألته " ماذا تعني هذه الكلمة ؟"
قال " إنها تعني دعنا نلعب"
سألته " أتعرف بيرو جيداً؟"
كانت تسأله وهي تحدث نفسها انها ستقول كلا إن هو حاول إصعادها إلى سيارته .
اجاب " إنني اذهب إلى هناك في زيارات قصيرة . ولكن لدي صديقاً متزوجاً من إبنة احد ملاك الاراضي هنا".ريحانة
فقالت " أهي تلك المرأة الشقراء التي كانت في الحفلة ؟"
فقال " كاتي ؟ نعم " وأشار إلى ناحية الشاطئ في الشمال .
قالت " إنها رائعة الجمال"
قال موافقاً " نعم "
فكرت في انه ربما كان عاشقاً لتلك المرأة الأميريكية . ذلك ان الرجال لا يحافظون دائماً على قسم الزواج . كذلك بدا على تلك الشقراء انها غارقة في الحب كما انها حامل. كان يبدو عليها زهو المرأة الحامل.
ونفت ماريا من ذهنها شعوراً غير متوقع من الحسد. انها ليس بحاجة إلى الاطفال . وان يكون لها أطفال , يعني عندها زوجاً. ولهذا كانت تفضل ان تدع الرجال بعيدين عن خشبة المسرح اثناء رقصها وغنائها.منتديات ليلاس
وقالت تذكره " غداً, سأكون قد رحلت"
فقال ببساطة وكأن رحيلها لم يكن يعني له شيئاً " دعينا نمضي هذا اليوم اولاً"
وفكرت هي في الخطر الذي يمكن في قضاء نهار مشمس دافئ كهذا النهار , على الشاطئ . كان رجلاً راقياً , ومثله لن يعتدي على شرف فتاة في اسرتها رجال يحافظون على سمعتها , ربما سيحاول اغواءها بالكلام, ولكن كل ما عليها فعله هو ان ترفض , وحتماً, هو لن يرغمها على شيء . إنه فقط , رجل كغيره من الرجال ذوي النظرات الوقحة . رجل آخر يظن ان الراقصة هي شخصية حقيقية , وانها تحاول غوايته . لقد تعرفت منذ سنوات إلى رجل سمعت منه مثل هذه الاتهامات وكان ذلك منذ تسع سنوات حين كانت هي في السابعة عشرة بعيدة عن هذا العالم .
منذ لوس انجلوس . ودالاس.منتديات ليلاس
كانت سيارة ريكاردو من نوع جيب دون صوت وذات نوافذ مفتوحة تسمح بتخلل الهواء. وعبس حين خلعت ماريا القبعة عن رأسها.
وقالت " إن سقف السيارة سيحميني من الشمس"وحالاً شعرت بالغضب من نفسها , لماذا تعتذر وكأن له سلطة عليها. واستطردت تقول " إن الشمس لا تؤثر عليّ ابداً . ليس كصديقتك الشقراء تلك"