ووضع يده على وسطها يقودها إلى حافة الرصيف فنفرت من لمسته تلك, ولكن لم يبد عليه انه لاحظ توترها ازاء امساكه لها. وعندما توقف لينظر إليها, سأورها الاعتقاد انه سيأخذها بين ذراعيه , واحست بالذعر , ولكن كلا.. إن هذا لايمكن ان يحدث خاصة تحت انظار الغلام وذينك المرأة والرجل اللذين يرتفع صوتهما ويسرعان الخطى باتجاههما بسرعة وكأنهما سيكتسحان أي شخص في طريقهما , وعندما اقتربت المجموعة المهرولة منهما, انتقل ريكاردو بخفة واضعاً نفسه بينهم وبين ماريا يحميها.
وقالت له بوضوح, وهي تحدق في وجهه " اريد ان تتركني بمفردي"
فقال بعبوس رجل قد صمم على مايريد" إنك لست بمفردك , فأنا معك الآن"
قالت " ولكنني اريد .."
فهز رأسه نفيا, كانت تشعر بالغضب ولكنها لم تستطع ان تنبس بكلمة. وكانت يده ممسكة بأعلى ذراعها تقودها بين الجموع , جاعلاً من جسده حاجزاً بينها وبين تلك الجموع عندما كان يزداد اقترابها منهما.منتديات ليلاس
وعندما وصلا الى حيث تعرض الجلود, اقترب البائع منهما متحمساً من جديد. واشار ريكاردو نحو الحقيبة المجدولة التي سبق وعبرت عن اعجابها بها قبل فترة . قالت وهي محتجة "كلا, هل كنت تراقبني من قبل؟" جبانة لأنها كانت تشعر بالسرور بينها وبين نفسها . ابتسمت وهي تنتقل من بائع إلى بائع , ومن كشك إلى آخر. مستمتعة بمظاهر الكرنفال, دون ان يساورها أي شعور بالخطر.
وكان هو يخرج نقوداً من جيبه وحذرته هي قائلة " إنني لن اقبلها منك"
فقال " ليس اليوم , ربما في يوم آخر ستقبلينها"
كان البائع يلف الهدية تبعاً لطلب ريكاردو.
وتمتمت هي " لقد دفعت مبلغاً كبيراً" فارتسمت على ملامحه ابتسامة متفكهة وهو يقول " إن الرجل لايساوم في ثمن هدية إلى امرأة غامضة رائعة الجمال"
كان يراقبها طيلة اسبوع كامل من خلف تلك المائدة في ملهى لاكازاديلفينيتو . إن الغجر اناس غامضون, ولهذا كان يلاحقها. لقد اراد ان يستحوذ على الغموض الذي لمسه فيها اثناء رقصها ذاك.
وابتعدت عن البضاعة الجلدية تلك, ومرت بمنحوتات السيراميك , وقفت تحدق في الحلي الفضية وهي تقضم الفطيرة.ريحانة
قال وهو يقف خلفها" إن الفضة هي اقل من ان تناسبك"
كان يتكلم بهدوء. ولكنها سمعته بوضوح . ارتجفت وادرات رأسها ترفع انظارها اليه لتحدق في عينيه البنيتين اللتين كانتا تلتهبان , كان يضع الرزمة التي تحوي حقيبة اليد تحت ابطه بينما كان يقضم فطيرته. وراقبته وهو يأكل , ولاحظت السرور الذي كان يكسو ملامحه. وحولهما كان ثمة مجموعة من الفتيات ممسكة الواحدة منهما بيد الأخرى لكي يبقين على اتصال في وسط تلك الجموع .
وقالت له" إنني لم آت إلى هنا بصفتي لاجيتانا"

قال متفرساً فيها " وهذا ما أراه "
فأشاحت بأنظارها عنه وقالت" دعني وحدي إذاً" مسح يده بمنديل ثم قدمه لها لتمسح يدها هي الاخرى.
وبدا في نظراته ما ادركت منه مبلغ رغبته في الوصول إليها . فخفق قلبها لذلك.
وقالت" أنا ذاهبة, سأعود إلى فندقي الآن " الفندق ؟ اقترنت كلمة الفندق في مخيلتها بالمخدع .. وفي عينيه.منتديات ليلاس
تراجعت مبتعدة عنه. هذا ما أراده, علاقة حميمة. راقبها منذ البداية , طالباً..
قال وهو يذكرها "عليك ان تكوني فوق خشبة المسرح الساعة الثامنة"وارتسمت على شفتيه ابتسامة متابعا "والساعة الآن مازالت الرابعة . لم تكوني قد صممت على العودة الآن , أليس كذلك؟"
وفكرت في الهرب , ولكن ساقيها لم تطاوعاها. كانت خائفة من رجل هادئ بين الجموع وفي وضح النهار . سألته بصوت مرتعش " في الليلة الماضية , عندما كنت أغني , هل كنت تراقبني؟"
قال "طبعاً"
كانت تقف هناك والمذياع بيدها, واميليو يعزف على قيثارته بجانبها. كانت تغني بكل اندفاع وحرية الغجر مما جعلها تغيب عمن حولها من المتفرجين, هذا بينما كان ريكاردو هناك يستمع , كان صائداً يتحين الفرص للهجوم على فريسته.ريحانة
وعادت تقول" انني اريد ان اكون بمفردي . لقد اخبرتك بذلك . انني لا اريد ان .."
فقال " نعم , لقد اخبرتني بذلك. ولكنك كنت تكذبين . لقد اخبرتني عيناك بذلك"
فقالت" كلا" لقد لمست رغبته فيها هناك , على شرفة منزل ديسكانسو مع انه لم يلمسها. لمس ذراعها الآن ليدفعها جانباً عن طريق الجموع , بينما كان رأسه منحنياً على رأسها مما جعلها ترتجف.
وقال" لقد شعرت بك ترتعشين وانت ترقصين معي. من انت يا ماريا ؟ ولماذا انت متنكرة اليوم؟"
فقالت " متنكرة ؟ أنا؟"
فقال" أعني ارتداءك الجينز وهذا القميص القطني الذي تحاولين ستر جسدك به , تكونين مستورة وانت واقفة دون حراك, ولكن ما ان تسرعي في السير حتى تكشف لاجيتانا عن نفسها , وعيناك.."
وجمدت لمسته قدرتها على التخلص منه. وكانا ربما على بعد ثلاثين متراً من الساحة حيث سيبدأون بالرقص فيما بعد. كان الموسيقيون يصلحون اوتارهم ويتدربون على مقاطع من الاغنيات.منتديات ليلاس
قالت وهي ترتجف" إذا كنت تريد لاجيتانا , فتعال الليلة إلى الملهى" فجأة شعرت بالخوف من انها لن تتمكن من الرقص مرة اخرى, دون ان تراقبها عيناه , وتابعت تقول" ذلك ان لاجيتانا موجودة على المسرح فقط"
فقال" إنني غير متأكد من صحة ذلك" وامسك بطرف قميصها يفرك القماش بإصبعيه وهو يتابع" إنك تعلمين طبعاً , مبلغ الإغراء الذي يكمن في الغموض, وهاهي الغجرية ترتدي الملابس الأميركية, وتعقد شعرها إلى الخلف.. بينما وجهها خال من اية زينة"

كانت عيناه , وهو يتحدث تنتقلان من ملابسها إلى شعرها ووجهها, وهو يتابع " لا عطر, لا ملابس مغرية, وإذا توجه احد نحو تلك الغجرية فهي تهرب من امامه , لماذا خرجت إلى الشارع بهذا الزي؟"
كانت تهز رأسها من الأمام إلى الخلف, منكرة عليه تصوراته تلك رغم وقوعها في شركه. كان خطراً. لقد كان من تأثير كلماته عليها ان شعرت وكأن جسدها يوشك ان يرتجف , ولكنها ادركت وعيناه ترقبانها, ان اقل حركة منها قد تحمله على الظن بأنها تحاول غوايته, حدقت في ملامحه القاسية وعينيه البنيتين العميقتين وادركت نوع تفكيره في ان حركاتها ماهي إلا لاجتذابه.ريحانة
وسألها " لماذا خرجت متنكرة؟"
هزت كتفيها قائلة" لأستمتع بالكرنفال بمفردي"
قال" استمتعي به برفقتي" لابد انها هزت رأسها , لأنه قابلها بالمثل وهو يقول " نعم, لايمكنك الهرب يا ماريا . لقد جعلت نفسك غامضة مبهمة, وانا لا يمكنني ان ابتعد عن كل ماهو غامض"
يمكنها ان تهرب بطبيعة الحال. ذلك ان الشرطي يقف في الزواية بينما الجموع حولها . إنها ستختفي خلال دقيقة واحدة . وسألته هل لهذا السبب اصبحت عالم آثار؟"
فقال" ربما , ربما هي رغبتي الدائمة في كشف الحجاب عن كل ماهو غامض"
سألته " هل تنظر إلى هذه الأمور جدياً؟"
اجاب" انني انظر إلى تاريخ شعب المايان جدياً. ذلك انهم تركوا طابعهم على العالم الذي نعيش فيه" وهز كتفيه وهو يكتسح الجموع الذين حوله , بأنظاره متابعاً" إنها رغبتي في ما يخفيه التراب عني من تاريخ"
وامسك بيدها يدفعها من امام الموسيقيين , رفعت انظارها إليه لترى ابتسامة على وجهه. لقد مضت مدة طويلة على آخر لقاء منفرد لها برجل غريب مما جعلها تفقد تقدير الموقف بأبعاده الصحيحة. كانت يده على ذراعها, وكانت تشعر بالحرارة المنبعثة منه. لم تكن تحب هذا , ولكنه لم يكن في وضع يستطيع معه ان يسبب لها أي ضرر بين هذه الجموع.منتديات ليلاس
وسألته " إنك مقيم هنا منذ سنوات أليس كذلك يا دكتور سوان؟"
فأجاب " منذ اربع سنوات"
قالت" وهل كشفت النقاب عن كل اسرار شعب المايان؟"
فقال بلهجة تبطن نوعاً من السخرية " اكتشفت البعض منها فقط, ادعيني ريكاردو يا ماريا , فأنت لست احد تلامذتي"
وقالت تسأله " هل يسوؤك ان تترك هذا البلد؟" ولما رأت حاجبيه يرتفعان بعجب اضافت" سمعت ان عملك هنا انتهى تقريباً"
فهز كتفيه لتدرك انها إنما كانت تتطلع إلى الجانب القوي منه . جانب الرجل الذي لا تحكمه العواطف او الحاجة. فقد سبق وواجهت تلك الصفتين فيه على تلك الشرفة. وذلك كان السبب في تسببه لها بكل ذلك الضيق . ان بإمكانها مواجهة ابناء جيرتها بكل ماتحويه طباع الغجر من حدة وكبرياء.

ولكن ريكاردو سوان كان رجلاً خارج نطاق خبرتها. كان يتصرف ك***وني الدم حين تتوقع منه ان يكون لاتينيا, ويتصرف كلاتيني الدم حين تتوقع منه ان يكون ***ونياً.
وسألها "إذا انت قبلت حقيبة اليد مني هدية, فأي زي سترتدينه معها؟"
فأجابت " ارتدي زياً لا تستطيع تمييزي فيه" وعندما شاهدت إمارات الفضول على ملامحه ادركت بأنها ادلت بالجواب الخطأ.ريحانة
قال " إن في إمكاني دوماً ان اميزك يا ماريا؟ هل تريدين ان تأكلي شيئاً آخر؟"
قالت وهي تمشيء بجانبه كما لو كانا صديقين "كلا"
كانت تعلم ان عليها ان تحاول الهرب. ولكن الهرب سيكشف نوعاً من الخوف يعتمل في نفسها دوماً ولا تريد ان يدركه احد, وتابعت تقول " لا استطيع تناول المزيد من الطعام الآن. لأنني سأغني بعد ثلاث ساعات"
سألها" هل تجوعين نفسك قبل ان تظهري على المسرح؟"
قالت " لايمكن الغناء والمعدة مملوءة , سآكل فيما بعد"
قال" تناولي الطعام معي بعد انتهائك من الغناء"
قالت " اشكرك , ولكنني سبق وارتبطت بدعوة اخرى"
فقال يسألها " ممن الدعوة؟ من صديق؟"
فهزت كتفيها شاعرة بالغثيان ولم تجب.
عاد يسألها " من هو صديقك يا ماريا؟"
فاجابت" هل تتوقع مني ان اجيبك؟" فأمسك ذراعها بشدة وهو يقول " تعالي, إذا كنت لا تستطيعين تناول العشاء, فلا أقل من ان تأتي معي الآن إلى مدينة الملاهي حيث يلهو الأطفال"منتديات ليلاس
إن بإمكانها حتماً ان تهرب لو انها حاولت . وما عليها إلا ان تجتاز الشارع إلى شارع آخر حيث تستقل سيارة اجرة, على ان يكون السائق من النوع المتشدد الذي لن يسمح لرجل بأن يجلس إلى جانبها خاصة عندما ترفض هي ذلك.
لم تكن تريد ان تقوي من علاقتها به. كانت تريده ان يبقى رجلاً غريباً بالنسبة إليها. وكانت يده ملقاة على ذراعها يقودها بين الأعمدة التي تقود إلى ساحة كبيرة حيث السيرك المتجول يقدم حيوانات وعربات لركوب الأطفال.ؤيحانة
وأشار إلى ذلك المكان سائلاً" ما الذي تفضلينه؟"
قالت " العربات الحديدية" وبدت لها فكرة الهرب سخيفة بين كل اولئك الأولاد حولها. ذلك انه لم يكن شخصاً خرافياً تتصوره في الليالي المظلمة. كان إنساناً خليطاً غريباً من العالم. ولكنه بالرغم من رغبته الشديدة فيها, فقد كان يعاملها بكل احترام ويتصرف معها وكأنه حارسها وحاميها.
يمكنها ان تمنحه ساعة واحدة, بعد ذلك, لن تراه مطلقاً, وجلست في زواية من العربة. وعندما انضم إليها , ابتسم لها فبادلته ابتسامته . كانت تعلم انه يريد عواطف لاجيتانا المحمومة. وكان في استطاعتها ان تخبره ان لا عواطف محمومة لديها, ولكنها كانت تعرف انه لن يصدقها . ذلك انه كان قد رآها ترقص وظن انه يعرفها تماماً.

ولم يكن الوحيد الذي رآها وظن ان المظهر الخداع الذي تبدو فيه , إنما هو حقيقة . لكن اتصاله بها فاق اتصال الاخرين . فقد اخذها بين ذراعيه في صالة الرقص , وذلك الحديث في الشرفة. ووجه إليها إهانة في ذلك الوقت في عرضه الهدايا عليها.
لا بأس , إذ لم يبق امامها سوى يومين فقط تترك بعدهما مدينة ماريدا إلى الأبد.
وجلست في الزواية بينما كانت العربة تنتقل لكي تفسح المجال لغيرها. وقالت تسأله" اخبرني كيف حدث وحصلت على اسم مختلط بين اللاتيني وال***وني"
فقال" الأمر بسيط" ولكنها كانت تفكر في انه ليس ثمة شيء بسيط يتعلق به . تابع قول" كان والدي كندياً وقابل والدتي اثناء زيارته لكويتو , وهكذا تزوجا واحضرها معه إلى مونتريال"
وسألته بالفرنسية ضاحكة" هل تتكلم الفرنسية؟" ولم تعرف من اين جاءها هذا الضحك الممزوج بالإثارة, تماماً كما يمكن ان تتصرف على المسرح . وعادت تسأله بسرعة يدفعها الاضطراب إلى ذلك " إلى اين تنتمي ؟ الى الاكوادرو ؟ كندا , فرنسا؟ إلى شعب المايان الذي تحفر الأرض لتجد خرائبه في مكسيكو؟ ثم انك مرتبط بإحدى جامعات الولايات المتحدة, أليس كذلك؟"
اجاب " في لوس انجلوس"
امسكت انفاسها . لوس انجلوس ؟ لماذا تقرنه دوماً بذلك المكان, , بذكريات تعود إلى حياة اخرى ؟ وسألته " هل انت عائد إلى هناك؟"
فأجاب بجمود" ربما".منتديات ليلاس
وتحركت بهما العربة , ليرتفعا عما حولهما . القت بأنظارها إلى الشوراع التي تموج بالألوان ومختلف اصناف الجموع . وسألها" إلى اين ستذهبين بعد ان تتركي ماريدا يا ماريا؟"
ولما لم تجب , قال بلطف" سأجد الجواب بنفسي"
فقالت وقد شعرت برجفة وكأنما اكتشف اسرارها " ليس ثمة من يتبعني عندما ارحل من أي مكان "
فقال بلهجة واعدة مهددة" أنا سأفعل ذلك" ورأت المدينة فوق كتفه والأولأد في الاسفل , لقد كانت في امان تام حيث هي. ولبرهة شعرت وكأنهما يقومان بلعبة على المسرح , إذ هما هنا , فوق المدينة, بينما تتعانق نظراتهما حافلة بالإثارة .
وقالت تغيظه " اظنك تحب شعب المايان لأنهم رحلوا وانتهوا, ولم يعد في إمكانهم مبادلتك الحديث" وابتدأت ابتسامة تلوح على شفتيه .ريحانة
وقال" ولماذا انا معجب بك؟"
فقالت"ربما أنا لا اعجبك ابداً" وتفرست في خطوط وجهه, وفي عينيه الضيقتين وتابعت " وانت لا توافقني على ذلك بالتأكيد"
فهز رأسه إنما دون ان يستنكر قولها هذا . وقال" وماذا غير ذلك مما تظنين انك تعرفين عني ؟"
فأجابت " اعرف انك تريد ان نكون في مركز السيطرة, وانك لغز غامض"
عند ذلك ضحك وهو يقول" انت اللغز , ايتها الغجرية"