لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-03-20, 09:47 PM   المشاركة رقم: 1456
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*



دس هاتفه في جيبه متنهداً بضيق فرجاله يبدو يشبهونه تماماً لا

يتركون الأمور للمختصين بها لتصلهم جاهزة ! أوقفت سيارته

أمام باب المنزل واستدار ناحية الجالسة بجواره بينما لازالت يده

اليسرى تمسك المقود وقال

" عبوسك هذا سيخبره بالحقيقة "




وراقبت عيناه التي أنزلت رأسها ونظرها ليديها المقبوضتان بقوة

في حجرها وقد همست ببرود


" وهل ثمة ما سيجعلني سعيدة ؟ لا يمكنني أداء هذا الدور

وليس وقته أبداً "



فتنهد نفساً عميقاً ورفع يده لوجهها ولامس ظهر سبابته نعومة

خدها وقال ونظره على عينيها الحزينة البعيدة عنه

" لم أطلب منك ادعاء السعادة لكن يفترض أن والدتك بخير

وطفلها أيضاً ؟ "


وأبعد يده ببطء ما أن رفعت يدها ومسحت بظهر كفها عيناها

وكأنها تمنعهما من مجرد التفكير في البكاء وهمست ببحة

" وإن يكن .. فما حدث قبل ذلك وهنا تحديداً لا يجلب إلا البؤس

وإن عادت برفقتنا الآن "



تنهد بعمق وقلة حيلة وقال وهو يفتح بابه

" سأنزل معك إذاً ، سيكون أفضل إن رآنا كلانا "



ففتحت بابها أيضاً ونزلت دون أن تعترض ولا أن تمانع نظرها

على الذي دار حول السيارة حتى وصل لها وأغلق بابها بينما

أحاطت ذراع يده الأخرى بكتفيها وصعدا عتبات الباب معاً ، وما

أن أصبحا في الداخل خرجت لهما التي كانت تنتظر سماع صوت

أي سيارة قادمة تحمل بين يديها الظرف الورقي الذي أخذته من

الغرفة بعد رحيل الجميع وبعد كل تلك الزوبعة المريعة ، وبما أن

صقر غادر أيضاً وفور وصوله ودجى والوحيد الذي لم يغادر

سجن نفسه في غرفته لم يكن أمامها من حل سوى انتظار عودة

أحد أفراد تلك العائلة والاعتراف بجريمتها أفضل من أن تنكشف

فيما بعد وتعاقب ، قالت وهي تقترب منهما

" سيدتي عند ر..... "



فأسكتها الذي اتجه بها يميناً قائلاً

" فيما بعد هي بحاجة للراحة الآن لا لاستلام أي بريد أو رسالة"


وابتعد بها خلف ممر غرفتها وترك خلفه التي نقلت نظرها بين

مكانهما الخالي منهما وبين ما تحمله في يدها قبل أن تتنهد بقلة

حيلة وعادت من المكان الذي خرجت منه وحيث التي كانت في

استقبالها قائلة بفضول

" لما لم تعطيهم إياه ؟ من الذي كان هنا ؟ "




حركت كتفيها قائلة

" السيد قاسم والأنسة تيما ، كنت سأعطيها إياه لكنه أبعدها

وتحجج بأنه ليس وقته حتى ترتاح "




قالت تلك من فورها


" أعطها إياه فيما بعد إذاً أو حين يرحل ، أو أعطه إياه


هو وسو... "


وانقطعت كلماتها بسبب رنين هاتف المقابلة لها والذي أخرجته

سريعاً من جيب سترتة بدلتها الخاصة بعملها هناك وراقبت

بفضول الشحوب الذي ظهر واضحاً على ملامحها وقالت بصوت

منخفض متوجس

" من هذا ؟ ما بك امتقع وجهك هكذا ؟! "




فرفعت نظرها لها وهمست بخوف

" رقم لا أعرفه وليس من بلادنا هناك بل من هنا !! "


فاتسعت عيناها بصدمة فهذا لا يحدث معهن هنا ! وبالرغم من

ذلك قالت تشجعها

" وما الذي يخيفك ؟ أجيبي عليه "



فنظرت له بين يديها المرتجفة وللرقم الذي لازال يضيء على

شاشته وهمست بخوف لم يفارقها بعد

" لا أعلم ... بدأ كل شيء هنا يشعرني بالذعر "



فسحبته من يدها وفتحت الخط ووضعته لها على أذنها تضع حداً

لخوفها وترددها وتضعها أمام الأمر الواقع

" مرحبا .. أنت السيدة أمامة ؟ "



شعرت بذعرها يتعاظم بسبب النبرة الرجولية القوية واتسعت

عيناها تنظر للمقابلة لها ترمقها بفضول وتوجس وقالت متلعثمة

" أ.... أجل أنا هي "



قال الصوت الخشن العميق من فوره " ثمة من تريد التحدث معك

فابتعدي قدر الإمكان عن الجميع "


*
*
*



أغلقت فمها وكتمت شهقاتها الباكية ودفنت وجهها في الوسادة

وهذا حالها منذ غادر المدعو أويس ، بل وهذا حالهما كلاهما تنام

هي هنا تبكي في صمت بينما يجلس هو في الخارج يرفض

الدخول ولا أن تخرج له حتى أنه رفض سماعها ولم يتركها تبرر

وتشرح ما حدث والسبب الحقيقي وراء خروجها وبأنها ليست

الشخص الذي تحدث عنه ذاك الرجل وهو يقولها له هكذا وكأنه

يوقظه عمّا كان يغفل عنه بغباء

( زوجتك تخرج كل ليلة من منزلك متسللة وأنت نائم ولا تعلم )



أي ظلم وإجحاف هذا ؟ ألم يفكر في أنها ستكون خرجت بحثاً عنه

وهو الذي يعلم ما يجهله أويس ذاك بأنه غادر المنزل ولم يرجع

حتى وقت متأخر وهو من يعلم جيداً مدى قلقها عليه وخوفها كلما

تأخر قليلاً ؟ بل ولم يسمح لها ولا بالحديث ورفض أن يسمع ما

تريد قوله ، صرخ فيها فقط آمراً أن تدخل الغرفة وتبتعد عنه

وهي انصاعت مستسلمة بسبب صوته الغاضب الذي لم تسمعه

من قبل هكذا والنظرة التي لم تعرفها في عينيه يوماً ولم تصدق

أن تراها فيهما مهما فعلت وغضب منها وهو الرجل الذي عرفته

عاقلاً دائماً متروي لا يتسم بالعصبية المفرطة التي يعرفها

الرجال ! وموقنة من أن إبعاده إياها عنه وابتعاده عنها سببه كل

تلك السمات والميزات التي تتحلى بها شخصيته لكان أيسر ما قد

يفعله أن يضربها حتى يشفي غليله منها وينطفئ غضبه أو أن

يرميها في الشارع كما فعل شقيقها من قبل ، ومؤكد سيربط الآن

الأمور ببعضها وحديث فجر معه سابقاً في المستشفى والحادثة

وسبب زواجهما وكذبتها تلك وسيشك بها أكثر ، لكنها ليست كما

يظن وبريئة من كل ما قد يصوره له عقله ، لكن كيف لها أن

تنفي كل شكوكه تلك وهي التي جلبها ذاك الرجل بعدما وجدها

داخل أراضي شعيب غيلوان .


ارتجف جسدها أكثر وحضنت اللحاف حوله بشدة ما أن تذكرت

ذاك البئر المهجور والصوت الذي سمعته يخرج منه والذي إن لم

يتكرر لظنت بأنها كانت تتوهمه ، كان الصوت لرجل هي أكيدة

وكان بعيداً وقريباً ذات الوقت !! تذكرت فجأة كل ما كان يروى

وسمعته سابقاً في قريتهم عن أن أشخاصاً يختفون في تلك

الأراضي فهل يعذبونهم ؟ لكن ما سمعته لم يكن صوت شخص

يتألم جسدياً لم يكن كذلك ! والسؤال الأغرب ما هو مصدر ذاك

الصوت ومن أين كان يخرج ؟! أخفت شفتيها في طرف اللحاف

وهمست بصوت مرتجف وجل

" ترى ما الذي يخفيه أولئك المجرمين ويفضحه سكون الليل ؟!

فما من أحد ولا الرجال يجرؤن على دخولها ذاك الوقت "



قفزت جالسة ما أن علا صوت أذان الفجر مرتفعاً وسمعت صوت

خطواته يتوجه ناحية الحمام فمسحت الدموع من وجهها ووقفت

وغادرت الغرفة مسرعة جهة المطبخ وبدأت بالتحرك فيه بضياع

وكأنها لا تعرفه سابقاً ! أعدت الخبز والشاي سريعاً شهقاتها

الصامتة بسبب بكائها السابق لازالت تخرج من حين لآخر كما

الدموع التي خانتها عدة مرات وكانت تمسحها بظهر يدها ، كانت

تتحرك بآلية تحاول تركيز نظرها على ما تفعل بينما كان سمعها

موجهاً للخارج تتبع حركة الذي خرج من الحمام بعد وقت طويل

ويبدو أنه كان يستحم ثم صوته الجهوري في الصلاة ومسحت

دمعة جديدة تسربت من عينيها فما كان يفترض لليلتهما أن

تمضي كما كانت عليه ، الليلة التي كانت طوال النهار تجهز

نفسها ليس لتتزين كعروس في ليلتها الأولى بل لترتب الجمل

التي كانت ستقولها له حين ستنكشف كذبتهما وسُحقت كل

مخاوفها تلك لكن بطريقة قاسية سحقت مشاعرها معها .


وضعت الخبز الذي نضج في الصينية التي وضعت فيها سابقا

جبن المعز والزيتون الأسود المحلي وكوب مملؤ بالشاي الأحمر

الساخن ورفعتها وخرجت بخطوات مسرعة لتدركه قبل أن يخرج

فهو لم يتناول شيئاً منذ إفطاره بالأمس أو وجبة الغذاء الصغيرة

التي سيكون تقاسمها مع العمال والتي وصفها بأنها سيئة الطعم

سابقاً فهم من دول تختلف ثقافتهم وحياتهم وحتى طعامهم عنهم

كل الاختلاف ولن تستغرب أن يرفضه وليس أن لا يستسيغه

فقط .


وما أن اجتازت باب المطبخ وقفت مكانها تنظر بعينين دامعة للذي

خرج من باب الغرفة ووجهته باب المنزل مباشرة دون حتى أن

ينظر ناحيتها ومؤكد كان يراها ويعلم بأنها هنا وغادر رافضاً

حتى طعامها .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 23-03-20, 09:50 PM   المشاركة رقم: 1457
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*


فتحت جفناها بصعوبة وكانت تشعر بثقلهما حد الألم وصدغيها

يؤلمانها بشدة من كثرة ما بكت ولوقت طويل ودون توقف حتى

أنها نامت ولا تعلم كيف ولا متى سرقها النعاس من بكائها الطويل

ذاك وأرسلها لعالم السواد الكئيب فلم يستطع ولا عقلها الباطن

جلب كابوس ما لما حدث معها اليوم .. ولا حتى واحداً من

كوابيسها القديمة تلك التي تخبرها وفي كل ليلة بأنها فقدته

وللأبد ، وليت هذا كان كابوساً مشابهاً وأفاقت منه لكن لا المكان

ولا ما تشعر به الآن من ألم في داخلها يثبت ذلك .



أغمضت عينيها المجهدة لبرهة وسحبت لصدرها نفساً عميقاً قبل

أن تفتحهما مجدداً ونظرت لباب الشرفة المفتوح والذي كان

مغلقاً وقت دخولها هنا وللشمس التي ارتفعت لكبد السماء مما

يعني بأنها نامت لأكثر من ساعتين فرحلة مغادرتهما بريستول

لذاك المكان المجهول البعيد ومن ثم عودتهما استغرقت نصف

النهار تقريباً.



جلست ببطء تبعد خصلات شعرها عن وجهها للخلف وزحفت من

فوق السرير حتى شعرت ببرودة الأرضية الخشبية تلسع دفء

قدميها مما يعني بأنه شخص ما قد نزع حذائها أيضاً فتوجهت

نحو باب الغرفة المفتوح حافية القدمين لم تفكر ولا في البحث

عن ذاك الحذاء ووقفت تسند يدها بإطاره ونظرها على الجالس

على كرسي الصالون الموجود هناك ينظر ليديه اللتان يشبك

أصابعها ببعضها ، وامتلأت عيناها بالدموع ما أن رفع رأسه

ونظر ناحيتها وقرأت الكثير في نظرته تلك .. الحزن التفهم

والشفقة وحتى التشتت والضياع ، لكنه عاجز مثلها تعلم ذلك ولن

تجرؤ على إلقاء لومها عليه وهي التي لم تنبس بكلمة أمام ذاك

الرجل ، كما توقن بأن الجالس مقابلا لها هناك لن يفكر إلا كما

فكر مطر شاهين وسلامة ابنه ستكون أولى لديه من كل شيء

فكيف إن كان المقابل ليس سوى سعادتها هي والتي لم يهتم أحد

بفقدانها إياها ومنذ ولدت .


كانت ساكنة تماماً كنغمة حزينة تسللت من الباب لتصل له يفهمها

ويشعر بها دون أن يراها وفي صمت بينما لم تستطع منع تلك

النظرات التي رمته بها وحملت كل معاني اللوم وخيبة الأمل

بالرغم من يقينها لتجاهله إياها ، وذاك ما حدث بالفعل حين أبعد

نظره عنها ليديه مجدداً وقال بهدوء

" إن كنت متعبة نذهب للطبيب ماريه فوضعك لا يبدو بخير "


لم تستطع إلا أن تبتسم بألم أقرب من كونها ابتسامة سخرية تلك

التي ارتسمت على شفتيها ، طبيب !! يأخذها للطبيب ؟ أي طبيب

هذا الذي يمكنه مداواة روحها الممزقة وقلبها المتألم وسعادتها

التي سرقت منها ومزقت لأشلاء ؟ ارتجفت شفتاها ما أن رفع

نظره لها مجدداً وقد انقبضت أصابعه بقوة ما أن وقع نظره على

دمعتها المتدلية من رموشها وعيناها الغارقة في الدموع وخرج

صوتها كئيباً ميتاً

" لما لا أسافر وأختفي من هنا وبذلك يتحقق ما أراد.... "



قاطعها من قبل أن تكمل

" لا ماريه لن يجدي ذلك وهو من سبق وأقسم مراراً مهدداً بأنه

حال حدث ذلك فسيترك كل شيء وحتى المنظمة التي يعمل فيها

وتصبح مهمته الوحيدة هي البحث عنك "


انزلقت الدمعة اليتيمة على وجنتها وتبعتها شهقة صغيرة باكية

فوقع ما قال عليها لم يكن ليشعرها بالألم والتعاسة التي تشعر بها

الآن إن علمت به سابقاً فهم متأكدون تماماً بأنه سيفعل ذلك

وليس تهديداً فقط ما يقول ، وخرج صوتها بائساً متقطعاً بسبب

العبرة حبيسة أضلعها

" أخبروو... وه أني مت إ.... ذا "



" لا يمكن ماريه .. مستحيل "



قاطعها برفض تام يحرك رأسه مع كلماته مؤكداً لها بأن الخوض

في الأمر كعدمه فارتفعت قبضتها لصدرها وقالت ودمعة جديدة

تنزلق فوق نعومة وجنتها

" لكن لما ؟ لما لا نتّبع الحل الأقل ضرراً لي "



وقف حينها وقال بجدية

" لأنه سيكتشف الأمر وبكل سهولة ماريه ، ليس تيم بغبي

لتنطلي عليه تلك الحيلة وإن أريناه جثماناً مزيفاً لك ولن يجعله

شيء يفقد ذكائه المخيف لتحليل الأمر سوى تلك الطريقة "


شعرت بالغضب الداخلي لرفضه جميع حلولها تلك وخرج صوتها

منفعلاً بعض الشيء حين قالت

" سأخبره بأني سأتركه إذاً وبأني لم أعد أريد البقاء معه "


لكن جوابه أيضاً كان يبدو معداً سلفاً فقد قال ودون تفكير

" لن يوافق ... وأجزم بأنه حدث سابقاً ورفض "



لم تستطع النكران فهي بالفعل حاولت مراراً التحدث فقط معه في

الأمر فكان يسكتها في كل مرة ومن قبل أن تنهي حديثها وسيعاند

أكثر وإن أجبرها مرغمة ولن يهتم ولا بغضبها ورفضها فلا حل

سوى بجعله يبعدها بملء إرادته كما قال ذاك الرجل .



حركت رأسها بيأس وعبراتها تخرج متتالية كالدموع التي باتت

تسقي وجنتيها بغزارة وقالت ببكاء

" ولما هذه الطريقة القاسية ؟ لما تتفقون على قتلي لماذا ؟ "



ونزلت بجسدها على إطار الباب تنزلق يدها على خشبه المصقول

ببطء مع جسدها وعبراتها كانت تخرج موجعة قاتلة حتى أصبحت

جالسة على الأرض رأسها منحني وقد غطى شعرها الحريري

ملامحها التي كانت تخفيها وعبراتها في يديها المرتجفة فتحرك

نحوها في خطوات واسعة ونزل أمامها جاثياً على ركبتيه

ولامست يده وأصابعه شعرها البني الناعم وأغمض عينيه بألم ما

أن خرج له صوتها الباكي بنشيج مؤلم

" أحبه عمي ولا يمكنني ولا المضي من دونه ، لما ترفضون

فهم هذا ؟ "


فمسحت أصابعه على ذاك الحرير البني بلون العسل النقي وقال

بحزن وصوت منكسر

" جميعنا نحبه ماريه ولأننا نحبه نرفض أن نخسره وأنت أولنا

وسينتهي كل هذا يوماً ما أراه قريباً جداً "


رفعت رأسها ونظرت له بعينين تغلب الألم على الحزن والدموع

فيهما وقالت ببكاء موجع

" لن يغفر لي .. لن يفعلها وإن علم الحقيقة مستقبلاً أعرفه كما

تعرفه أنت أيضاً .. سيكرهني دائماً "


لامست يده وجنتها وقال بهدوء يمسح الدموع عنها برفق أبوي

" إن كان يحبك سيكون بإمكانه مسامحتك ماريه ، وإن لم يفعل

لن يكون كذلك وحينها سيكون لا يستحق مشاعرك اتجاهه "


حركت رأسها برفض ولا شيء يعبر عن صمتها ذاك سوى

عبراتها الباكية فأمسك رأسها وشدها لحضنه الذي نامت فيه من

فورها ودفنت دموعها وبكائها في صدره فهذا ما تحتاجه الآن

وما يمكنها الحصول عليه منه .


*
*
*


تغضن جبينها وفتحت عينيها بصعوبة وسرعان ما عادت

وأغلقتهما تخفيهما بظهر كفها عن النور القوي الذي قابلهما من

النافذة المفتوحة وسرعان ما استوت في جلوسها فقد غلبها

النعاس وهي جالسة مكانها حتى فاتها وقت الفجر ، وقفت خارج

السرير ونظرت لفستانها الذي لازالت ترتديه حتى الآن وتأففت

قبل أن تتوجه للخزانة وسحبت بابها بقوة عيناها على ثيابها

المعلقة فيها فحقائبها سبقتها إلى هنا قبل يوم من مجيئها ، فتشت

بحركة سريعة بينهم وأخرجت بيجامة حريرية ناعمة ببنطلون

وأكمام طويلة بلون الكريما مع نقوش بيضاء صغيرة من ذات

القماش وتوجهت للحمام الموجود في الغرفة والذي لم يكن يقل

عنها جمالا وقد دمج اللونين الأحمر والأسود حتى في أدق

تفاصيله ، أغلقت الباب ونزعت ثيابها واستحمت سريعاً ، لبست

بيجامتها وما أن خرجت للغرفة بحثت فوراً عن لباس الصلاة

وصلّت ما فاتها ثم جلست مسندة ظهرها على السرير خلفها

وحضنت ركبتيها فبالرغم من جمال هذه الغرفة إلا أن مساحتها

ضيقة خاصة مع منزل لن يكون إلا كبيراً ومالكه له كل ذاك

المركز والمكانة في البلاد !! لا تفهم ما يعكسه كل هذا في

شخصية ذاك الرجل فقد طغى اللون الأحمر على تفاصيلها أيضاً

وإن كان اللون الأبيض قد برز كثيرا في ستائرها والملاءات

وبعض التحف وواجهتين من الجدران وكان لذات اللون النصيب

الأوفر في الحمام الذي كان أيضاً بمساحة تشبه للغرفة الملحق

لها وإن كان مجهزاً بفخامة ولا ينقصه شيء مما تتمتع به

الحمامات الأكثر اتساعاً ! دارت مقلتاها البنيتان في المكان ببطء

وهدوء يشبهها وشعرت فجأة بالإختناق فأنزلت رأسها وغرست

أصابعها في غرتها الرطبة التي تساقطت عليها تباعاً ففكرة

تواجدها في مكان يجمعها برجل وحدهما كفيلة بجعلها تفقد

أنفاسها بل وحياتها وهي من قررت سلفاً أن لا تفعلها أبداً ، بل

كان قلبها وكانت روحها المحطمة من قررا ذلك عنها مما خلّف

لديها شعوراً سيئاً بالنفور منهم جميعهم وباتت تراهم نسخاً

متشابهة .


استغفرت الله بهمس وهي ترفع رأسها وتبعد خصلات غرتها

المبللة للأعلى تسحب أنفاسها لصدرها بقوة ووقفت ورفعت

هاتفها الذي وجدته على طاولة السرير منذ أن وجدت نفسها هنا

وغادرت الغرفة مغلقة بابها خلفها فلم يعد بإمكانها التنفس بشكل

طبيعي وهي هناك لازالت تحاصرها رائحة العطر الرجالي الذي

يصعب على نوعه باهظ الثمن أن يتلاشى مع ذرات الهواء

بسهولة وبات يحاصرها به حد الاختناق وعليها الابتعاد لبعض

الوقت على الأقل .



تحركت خطواتها خلال الطابق الواسع بأثاثه الفاخر وكأن عيناها

ترسم تفاصيلا مصغرة لكل شيء هناك ووقع نظرها على السلالم

المؤديه للأسفل ، كانت تتوقع أنها في مكان غير الطابق الأرضي

من هذا المنزل من منظر السماء الزرقاء تزينها السحب البيضاء

المتفرقة والتي كانت تطل وحدها على نافذة الغرفة التي كانت

فيها منذ لحظات ، أخذتها خطواتها في ذاك الاتجاه فوراً فيبدو أن

مرادها لازال بعيداً عن هنا .


لامست أصابعها برودة نحاس حاجز السلالم وخطواتها تنزل

عتباته المغطاة بسجاد سميك فاخر بينما نظراتها كانت تتنقل في

المكان الذي كان ينكشف لها تباعاً مع نزولها وما تراه يكاد يكون

نسخة عن الذي تركته في الأعلى ! الاختلاف فقط في الألوان

وبعض التفاصيل الصغيرة كالتحف والمناظر المعلقة على

الجدران ، وتوقفت نهاية عتباته تنظر للمكان حولها بشيء من

الاستغراب فهل ثمة من يبني منزلا بطابقين متشابهان هكذا

ليصبح مملاً لمن يتجول فيه أو يسكنه ؟! وسرعان ما أدركت

السبب وما أن اجتذبتها أصوات لبعض القطع الحديدية الخاصة

بالمطبخ الذي يبدو قريباً من هنا وفهمت فوراً بأنه تعمد فعل هذا

من أجل عمته التي تعيش معه هنا وابنتها المطلقة وطفليها فهو

يبدو يرفض أن يجرح مشاعر عمته الوحيدة وإن بتمييز طابقه

في المنزل عن الذي تعيش هي فيه !



نزلت آخر عتبتين ونظرت باتجاه المكان الذي أصبحت الأصوات

الخارجة منه أكثر وضوحاً لها ووصلها فوراً صوت المرأة الأكبر

سناً حين قالت

" لو أننا اتصلنا بعمير يخبر زوجته تنزل لتتناول الفطور معنا أو

نأخذه لها في الأعلى "



فابتسمت بحنان من فورها ولأول مرة منذ أن وجدت نفسها هنا

فتلك المرأة المسنة ومن المرة الوحيدة التي رأتها فيها سابقاً

علمت بأنها من ذاك النوع الذي يذكرها بجدتها المتوفاة ، كانت

من الطيبة والرقة أن تعجز عن كره أحد وإن آذاها فترى طيبتها

وحنانها في عينيها ما أن تراهما .


لكن تلك الابتسامة سرعان ما عادت لتندثر بذاك التجهم الكئيب ما

أن خرج الصوت الآخر الغاضب والأصغر سناً

" وهل ترينا خدماً لديها نأخذ لها الطعام لغرفتها ؟

لديها مطبخ أكبر من هذا في الأعلى ولا ينقصه شيء فلتأكل منه

أو لتبقى جائعة ليست طفلة لنراقب نحن أو عمير طعامها "


فانقبضت أصابعها على سياج السلالم الذي لازلت تمسك بنهايته

مع انقباض الموجود وسط أضلعها بنفور وخرج صوت والدتها

مرتفعاً بغضب أيضاً هذه المرة

" بثينة كم مرة سأشرح لك وكأنك طفلة بل وكأني ببغاء أمامك

بأن هذا منزل عمير وبالتالي هو منزلها لأنها زوجته ونحن

ضيوفها بكرم من زوجها فقط ، وليس عيباً أن نأخذ لها بعض

الخبز بما أنه لا يوجد غيره هنا لأننا من يريد إعداده ولا أن نطلب

منها مشاركتنا الطعام الذي هو من مال زوجها "


تنفست بعمق مغمضة عينيها ودون شعور منها بسبب آخر ما

قالت وفتحتهما على اتساعهما ما أن وصلها صوت ابنتها الصارخ

" أمي بالله عليك توقفي عن تكرار هذه الأسطوانة المشروخة

التي لا تشعرنا سوى بالاستنقاص فعمير ابن شقيقك وابن خالي ،

نحن أقرب له من تلك المرأة التي بكلمة واحدة تصبح غريبة عنه

وترجع لمنزل والدها .. للمكان الذي خرجت منه ويناسبها"



فاشتد فكاها على أسنانها بقوة آلمتها ولم تشعر بالمهانة

والاستنقاص كما شعرت به حينها وندمت أن نزلت بل وأن خرجت

من غرفتها فلم تزدد سوى اختناقاً فوق اختناقها ، ويبدوا أنه كان

لايزال في جعبة تلك المرأة الكثير لولا أسكتتها والدتها قائلة بحدة

" أستغفر الله ... أستغفر الله من شيطان لسانك ، عودي لما كنت

تفعلينه واصمتي "


ويبدو أنها استجابت لها فلم يعد يخرج من باب ذاك المطبخ سوى

صوت تحريك الأطباق القوي الغاضب ولا تفهم لما تكرهها تلك

المرأة وهي لا تعرفها ولم تراها سوى لمرة واحدة أبدت فيها

وعلى الفور كرهاً ونفوراً واضحين اتجاهها !!

بل ووالدتها معها وكأنها ليست امرأة في سن والدتها !


تنهدت بضيق نفساً عميقاً وغادرت من هناك باتجاه باب المنزل

المفتوح وخرجت منه وأغمضت عينيها ما أن قابلتها نسائم

الخريف القادمة من جهة الشرق وإن كانت مشبعة برطوبة البحر

رغم ابتعاده عن هنا ، لكنها تحتاج لهذا الهواء النقي ومهما

كانت صفاته خاصة مع رائحة الأزهار المشبع بها فشعرت وكأنها

في مدينة العمران التي تركتها خلفها مع عائلتها وجامعتها وكل

ما حملته سنوات عيشهم فيها من ذكريات ، وما أن فتحت عينيها

حتى طابقت الصورة مخيلتها تماماً وما أنعش صدرها من كل تلك

النسائم بنكهة الزهور فكانت حديقة فاقت بروعتها المنزل الفخم

الراقي بكل تفاصيله المميزة والعصرية ويبدوا أنه تم اختياره

بعناية ودُفعت من أجله أموالاً كثيرة فمنزل بحديقة واسعة وجميلة

هكذا هنا في قلب العاصمة أمر من النوادر لأنه يتم استغلال كل

شبر فيها لتعميره وحتى الفلات المصطفة في أرقى شوارعها

يقتصر ما حولها على فناء ضيق يُستغل لزراعة بعض الأشجار

المزهرة التي تتدلى أغصانها من فوق أسوارها أما هنا فجدار

سور المنزل تخفيه الأشجار دائمة الخضرة عنها ! وحملها الحنين

هذه المرة لمنزلهم القديم في صنوان .. المنازل الواسعة

والأسوار العالية والحدائق الفسيحة فحتى العمران ورغم جمالها

وخضرتها تحولت لمدينة ضيقة ومزدحمة مع مرور الأعوام

وتحولت أغلب المزارع فيها لبنايات ومشاريع استثمارية وتم

إزالة الأسوار الواسعة حول أغلب المنازل وتحولت لشوارع

وأزقة ومحلات تجارية فواكبت الحضارة بعصرية لكنها أيضاً

فقدت جزءاً كبيراً من جمالها الطبيعي وإن كانت حتى الآن تعد

أجمل مدن البلاد .



ولاحت على شفتيها ابتسامة صغيرة جديدة أسرت الحزن في

ملامحها بروعتها ونظرت يميناً ما أن نزلت عتبات الباب الحجرية

حيث صوت ضحكات الطفلة الصغيرة التي ركضت بين جذعي

شجرتين كبيرتين وظهر بعدها جسد شقيقها الأكبر منها سناً

وسلك ذاك الطريق راكضاً خلفها ، وتعرفت سريعاً على الطفلة

الجميلة بجدائلها السوداء الناعمة لأنها رأتها سابقاً عكس شقيقها

الذي سمعت عنه فقط بالرغم من أنه وصل معهم لمنزل والدها في

زيارتهم الوحيدة تلك ، وسرعان ما اختفت تلك الابتسامة ما أن

تذكرت كلمات والدتهما وعادت التساؤلات حول السبب الحقيقي

لكرهها الكبير والا مبرر لها ؟!

لكنها وسريعاً أيضاً رمت تلك الأفكار من رأسها ونظرت في

الاتجاه المعاكس بل وسارت ناحيته تاركة خلفها تلك الضحكات

الصغيرة وأصوات الركض العشوائي بل وما تجهله وهو المكان

الذي يفترشونه هناك ويتناولون طعام الإفطار فيه كل صباح

وسارت لمسافة غير بعيدة عن هناك واستوقفها الكرسي الحجري

قرب أزهار نبات القطيفة وجلست عليه تنظر للباب النحاسي

المدعم بالزجاج المعتم يمينها وهو الباب الذي يفصل المنزل

وحديقته عن الشارع حيث أصوات السيارات وبعض المارة الذين

خرجوا في الصباح الباكر من أجل أعمالهم فنقلت نظرها منه

لهاتفها تنظر له بين يديها بحزن بينما تتلاعب النسائم الرطبة

بغرتها القصيرة الكثيفة وشعرها الطويل الذي سرعان ما جففته

لينساب ناعماً رائعاً على ظهرها وذراعيها وتنهدت بعمق وهي

تقلب الأرقام الموجودة فيه وعاد ذاك الصراع الداخلي يجتاحها

وفكرة أن تتصل بزوجته باتت تغريها أكثر فقد تعلم شيئاً عنهما

فوسام أيضاً كان هاتفه مقفلاً منذ ليلة البارحة ولن تستغرب هذا

فمؤكد تم استدعائه لاستجوابه هذا إن لم يعتقلوه كالمجرمين ،

وبدأت ضربات قلبها تئن بين أضلعها بألم ولا يمكنها ولا تصديق

أن يفعل قائد ذلك ولا غسق أيضاً ؟! وإن فرضنا أن مشاعره

القديمة نحوها قد تجعله يفكر ويقرر بتهور لكن هي !

هي تحب زوجها ذاك وبجنون ولم تستطع لا السنين ولا ما فعله

بها أن تجعلها تنساه أو تكرهه فلما ستفعل ذلك وتتهور وتفكر

بطيش هكذا !

اشتدت أصابع يديها على الهاتف فيهما وغمرت الدموع الحارة

عينيها وهي تفكر في عقبات ذلك إن كان حقيقياً وما سيفعله ذاك

المحارب المتملك بشقيقها فهو بالتأكيد لن يؤذي زوجته والمرأة

التي يحب وتحمل ابنه في أحشائها مهما حدث وسيدفع قائد ثمناً

غالياً جداً ليس لها أن تتصوره ولا أن تفكر فيه .


مسحت عيناها والدموع التي لم تنزل منهما بعد وحزمت أمرها

وطلبت رقم زوجة شقيقها وسام فلعلها تطمئنها وإن كاذبة ، وكما

توقعت فقد فتحت من في الطرف الآخر الخط سريعاً ووصلها

صوتها مباشرة

" مرحباً جليلة كيف أنت الآن ؟ "



وساد الصمت من جانبها ولم يخفى عليها النبرة المتوترة في

صوت محدثتها وتوترت أنفاسها فما توقعته حقيقي .



" جليلة تسمعينني ؟! "



رطبت شفتيها بطرف لسانها وهمست بصعوبة

" أجل أسمعك يا عبير كيف حالكم جميعاً ؟ "


وعاد الصمت والتوتر ليسودا الأجواء المضطربة قبل أن يصلها

صوتها مجدداً

" نحن بخير جميعنا كيف تسير أمورك أنت مع عالمك الجديد

ومع الزواج ؟ "



كانت تحاول جعل عبارتها الأخيرة مرحة لكن ذلك لم يخدع التي

حركت قدمها على الأرض بتوتر وخوف فهي لم تسألها ولا عن

سبب اتصالها في هذا الوقت المبكر وهي عروس كما قالت !

إذاً شكوكها صحيحة ويبدو وسام طلب منها أن لا تخبر أحداً.



مررت أصابعها في غرتها ترفعها للأعلى بحركة متوترة وقالت

" أين هو وسام لا يجيب على هاتفه ... هل هو قربك ؟ "



" لا ... أ... أعني هو خرج بعد الصلاة مباشرة ويبدو لديه

مشوار مهم "



غضنت جبينها الصغير الذي تغطي الغرة المقصوصة والمقسومة

نصفين أغلبه وقالت

" عبير لا تحاولي تضليلي فهل زاركم أحد ما وذهب معه أم كان


اتصالاً هاتفياً البارحة ما جعله يخرج من المنزل ؟ "




" من أخبرك ؟ "



كان اعترافاً سريعاً منها وأسرع مما توقعت !

بل ومن نبرة صوتها الشبه باكية وهي تقول ذلك علمت أن

الموقف كان شديداً عليها فقالت بقلق

" هل ألقوا القبض عليه ؟ "



وكما توقعت فقد وصلها الصوت الباكي مقراً بسرعة

" أجل إنهم رجال المباحث أو يبدو المخابرات لا أعلم فهم لم

يكونوا يرتدون زياً للشرطة ولا القوات الخاصة وبصعوبة سمحوا

له بتغيير ثيابه والحديث معي وهو أوصاني أن لا أخبر أحداً

لكني قلقة جداً عليه يا جليلة ولا أعلم ما يمكنني فعله فقد حذرني

حتى من إخبار والدي وأشقائي ولم يرجع حتى الآن ولا يجيب

على اتصالاتي أيضاً "



قضمت شفتها بأسنانها بقوة وازدادت حركة قدمها توتراً وعادت

الدموع لتغمر عيناها الواسعة وقالت ببحة

" لا تقلقي يا عبير هو بخير سيتم استجوابه فقط ويلقون عليه

بعض الأسئلة ثم سيطلقون سراحه فهم كما قلتِ ليسوا رجال


شرطة "



وبدأ صوت البكاء واضحاً في نبرة التي قالت سريعاً

" لكن رجال المخابرات مخيفين أكثر من الشرطة وحتى من

الجنائية فسجناؤهم لا يرون النور أبداً وتهمهم تقتصر على

الخيانة الوطنية وأنت تعلمين جيداً ما تمر به البلاد الآن وهو

من صنوان و..... "


" لا ... الأمر لن يكون كذلك لا تخافي يا عبير "



قاطعتها مطمئنة لأنها تعرف الحقيقة وراء أخذه من هناك وذاك ما

يبدو أن محدثتها التقطته من حديثها فقد قالت سريعاً


" جليلة هل تعلمين أمراً أجهله ؟ "




توترت ولم تعرف ما تقول لكنها بحاجة فعلية لمن تشاركه وإن

جزءاً من همومها تلك والتي تكاد تقتلها فقالت دون تفكير كي لا

تتراجع

" قائد مختفٍ منذ ليلة البارحة وأخذوا وسام للتحقيق معه فقط

وسيطلقون سراحه سريعاً بالتأكيد "



تلك الحقيقة جعلت الصمت يسود ممن في الطرف الآخر وبدا

صوتها مصدوما حين قالت أخيراً

" لكن ...! لكنه تحدث معه البارحة و...!! وكيف يختفي وما

علاقة وسام يستجوبونه وهو شقيقه ولن يؤذيه ؟! "




فقالت دون أن تعترف بالحقيقة كاملة فغرضها كان طمأنتها على

زوجها فقط

" لا أعلم يا عبير ...هذا كل ما أعرفه وحالي ليس بأفضل منك "



لكنها يبدو لم تقنع بالقليل المهم لها فقد قالت من فورها وبقلق "

هل فعل قائد شيئاً والشرطة تبحث عنه ؟ "


اتكأت بجبينها على راحة يدها التي سندت مرفقها بفخذها تنظر

للأرض المعشبة تحتها وقالت تحاول طمأنتها ونفسها معها

" قائد رجل قانون يا عبير ولن يخالفه وسيكون ثمة لبس ما في

الأمر وستتضح الأمور سريعاً "



وتنهدت بارتياح حين قالت زوجة شقيقها بهدوء حزين


" أتمنى ذلك فقلبي يحترق ولم أستطع ولا إخراج ما فيه لأحد كي

لا يغضب شقيقك مني إن علم أني ... "



ولكنها سرعان ما بترت عبارتها تلك وعادت لأسلوب التحقيق

وبوتيرة أشد هذه المرة وقد قالت باستغراب


" لكن كيف علمتِ أنت إن كان لا يجيب على إتصا... "



وعادت وقاطعت نفسها وقالت سريعاً للتي اتسعت عيناها


بدهشة منها


" هل زوجك من أخبرك ؟ هل يعلم عن... "



مما جعلها تغمض عينيها ودفنتها في كفها وحدث ما توقعت حين

قالت التي لم تنهي عبارتها مجدداً


" يا إلهي أجل كيف نسيت ؟ هو مؤكد يعلم بكل شيء وهو من

سيكون أرسل أولئك الرجال لأخذه من هنا "


كانت تشبهها مشتتة وضائعة لا تعرف فيما تفكر وما تفعل ولن


تلومها ولا نفسها أيضاً فكيف إن علمت ما تعلمه هي والسبب

الحقيقي وراء أخذ زوجها واختفاء شقيقه ؟

لو أخبروها بأنه قتل رجلاً متعمداً لكان أهون عليها بكل تبعاته

وإن سجن فيه مدى الحياة فكيف إن علمت الناس والصحافة

والعالم أجمع بما حدث وانتشر الخبر بسرعة البرق ؟

ارتجف جسدها ولم تستطع ولا تخيل ذلك ورفعت رأسها وهمست

بخوف تخفي شفتيها خلف أطراف أناملها

" يا إلهي ستكون كارثة حينها "


ووصلها الصوت القلق للتي يبدو أنساها خوفها بأنها لازالت

تسمعها

" جليلة ما هي الكارثة وماذا تقولين فلست أسمعك بوضوح ؟

لا تخيفيني يا جليلة وارحمي قلبي رحمك الله "


فأيقظها ذاك الصوت الشبه باكي لنفسها وما أن كانت ستتحدث

سبقتها التي قالت برجاء حزين

" تحدثي مع زوجك وأخبريه يتركه يتحدث معي على الأقل

لأطمئن ، أرجوك يا جليلة هو مؤكد يعلم أين يكون الآن وما

يحدث معه "


فاتسعت عيناها بصدمة من مجرد التفكير في طلبها ذاك

وقالت بضيق

" عبير ما بك تضخمين الأمور بسرعة هكذا ؟

أخبرتك أنه سيخضع لتحقيق عادي ولم يرتكب جريمة ما "


لكن تلك استطردت وكأنها لم تسمعها

" أرجوك يا جليلة فلنطمئن على أحدهما على الأقل فلن أستطيع

الصبر أكثر من ذلك وأكاد أجن "


تنهدت بضيق فزوجة شقيقها تلك لن تتغير أبداً فهي

ما أن يصاب أحد أبنائها بجرح أو يقع تهوّل الأمر

بصراخها وخوفها الا مبرر حتى يضن من يراها أنه مات

فكيف إن كان ذاك الخطر يحدق بزوجها ؟

سحبت نفسها عميقاً لصدرها وقالت بجدية

" لا تتهوري يا عبير ولا تخبري أحداً فإن علمت والدتي

فلن أستغرب أن تنقل للمستشفى ، وسأتحدث مع عمير وأطلب

منه أن يتركه يكلمك لكن لا تتهوري فيما قد يضرنا جميعاً "


وصلها صوتها المستغرب بما لم تتوقعه مطلقاً

" وفيما سيضر الجميع ؟ أنا لا أفهمك يا جليلة ! "


فتأففت من نفسها وغبائها وضربت الأرض بطرف حذائها

المنزلي الأنيق فالنساء يبدو يتحولن لأكثر المحققين حنكة وذكاء

ما أن يتعلق الأمر بالرجل الذي يحببن !

قالت بذات النبرة الجادة تنهي كل ذاك الحوار العقيم

" لا يهم أن تفهمي المهم أن تنفذي والأهم أن تطمئني

على زوجك ... وداعاً الآن يا عبير وسنتحدث لاحقاً "


وأنهت المكالمة معها وأنزلت يديها لحجرها وجمدت مكانها تنظر

لهاتفها بين يديها مترددة في اتخاذ تلك الخطوة والاتصال به ،

لكنه سبيلها الوحيد وهو وحده من يستطيع أن يطمئنهم عليه

بل ويوصلهم به، رفعت أصبعها أمام شاشته المسطحة ووقفت

مترددة لا بل متخوفة من أن تكون فقدت رقمه من هاتفها فهي لم

تحفظه سابقاً ومر وقت طويل على المرة الوحيدة التي اتصل

فيها بها ورسالته تلك تخلصت منها من وقت خوفاً من شقيقها

وثاب فلها أن تتخيل موقفه المجنون إن وجدها وهي مرسلة

منه من قبل أن يخطبها.


رفعت نظرها منه مجفلة بسبب صوت الصرير القوي للباب

الحديدي قربها حين انفتح أتوماتيكياً ووقع نظرها فوراً على

مقدمة السيارة البيضاء اللامعة التي دخلت منه ووقفت دون

شعور منها ما أن ظهر لها الذي كانت ستبحث عن رقمه قبل قليل

وكأنه خرج من أفكارها !

الجالس خلف المقود يمسكه بإحدى يده بينما يتبث بالأخرى

الهاتف على أذنه وقد نظر ناحيتها ولازال يتحدث في هاتفه بينما

سيارته تجتاز الباب المفتوح وقد أغلق ذاتياً خلفه وتوقعت

أنه سيكمل طريقه فوق الرصيف الحجري المتسع المجهز لعبور

سيارته تلك حتى باب المنزل لكنه خان توقعاتها ما أن أوقف

السيارة بل وأطفأ محركها وفتح الباب ونزل منها يدس هاتفه في

جيبه وسار نحوها تاركاً بابها مفتوحاً ورائه تنظر له بترقب

وريبة شديدين مما قد يحمله لها من أخبار أنساها كل شيء حتى

وضعهما ومن يكون بينما كانت نظراته لها مختلفة تماماً .. نظرة

رجل لعروسه التي حرمته ظروفه السيئة حتى من النظر لها وإن

هكذا ببيجامة تستر كامل جسدها الممتلئ قليلاً باعتدال مغري ..

لامرأته الرائعة التي سلبت لبه منذ رآها وزاده عقلها واحتشامها

تعلقاً بها ، من يعلم وموقن بأن المسافة التي تفصله عنها أبعد

من كل هذا بكثير ولا مشكلة لديه في أن يصبر وينتظر ويتروى.



ما أن وقف أمامها وكما توقع همست من فورها ونظرها

المتوجس معلق بعينيه

" هل وجدتموهما ؟ "


وتوقفت أنفاسها فور أن حرك رأسه نفياً وقد هرب بنظره من

عينيها وهو يتمتم بهدوء وملامح متجهمة

" لقد تفوقا على مخابرات دولة كاملة وكأن الأرض انشقت

وابتلعتهما "



ارتفعت يدها لصدرها ودون شعور منها وهمست بصعوبة

" غادرا البلاد فعلاً ؟ "



رفع نظره لها وحرك رأسه نفياً مجدداً وقال بجمود

" ثمة رحلة بإسميهما لكنهما لم يسافرا بل ولم يغادرا ولا

العاصمة حوران وجميعه كان مخطط له ليشاع الخبر بأنهما

غادرا البلاد معاً "


أمسكت فمها مصدومة تنظر له من بين الدموع التي ملأت عينيها

وقالت بصعوبة

" ليشاع الخبر ؟! "



أدار مقلتيه قليلاً لتبتعد عنها وكأنه يلجمها عن فقد السيطرة وقال

بلمحة ضيق طفيفة

" بلى وثمة من سعى لذلك بالفعل لولا أن تصرفت ابنتها بحكمة

وفي الوقت المناسب لكنا الآن في فضيحة لن تنساها الناس

لأعوام "



كانت تنظر لملامحه الغاضبة في صمت متقن وعيناه التي تتجنب

النظر لها لسبب تظنه يتعلق بكونها شقيقة مسبب كل ذلك وشعرت

بالإختناق وبأن كل شيء حولها يكتم أنفاسها والواقف أمامها

أولهم حركت رأسها بعدم استيعاب وقالت بشفاه مرتجفة

" مستحيل ...!

لا يمكنني تصديق أن يفعلها قائد !

لابد وأنه ثمة خطأ ما في... "



وقاطعت نفسها وقالت فجأة

" ماذا عن شقيقها جبران ؟ قد تكون... "



فقاطعها هو هذه المرة وقد نظر لعينيها مباشرة

" لا فدرعنا هناك أنكروا حدوث ذلك ولم تعبر سيارته ولا أي

نقطة تفتيش للشرطة خارج العاصمة "



فشعرت بغضبها يتعاظم بسبب كل شيء مرت وتمر به وتغلب

توترها والضغط النفسي الذي تشعر به على سلوكها وقالت

بانفعال غاضب

" لما تصر بأنهما معاً ؟ ما دليلكم على ذلك ؟ "


ولأن الواقف أمامها لم يكن أفضل حالاً منها وهو يواجه كارثتان

لم يجد لأي منهما حلاً بينما تحاول هي نكرانها وتكذيبه خرج

صوته أيضاً مرتفعاً ومنفعلاً حين قال

" لأنه خرج بها من المستشفى بعدما تم نقلها له من منزل

زوجها وهي في انهيار تام ونزيف حاد أيضاً لسبب لازلنا جميعنا

نجهله فلما تغادر معه من هناك وتجبر الأطباء على ذاك ثم

يختفيان كلياً ؟

ولما يسعى شخص مجهول لإحداث بلبلة بذاك الأمر ؟

هذا إن لم يكن هو وراء ذلك أيضاً "


ولم يكن ذلك سوى بمثابة إضافة النار الحطب واشتعلت مقلتاها

البنيتان ونفضت يدها قائلة بحدة

" لا قائد ليس كذلك ، شقيقي وأعرفه جيداً ولن يقنعني أحد

بأنه قد يفعلها "


فاستنفرته طريقة حديثها وأنسته توبيخه الطويل لنفسه حين

تعامل مع إبلاغها الأمر بقسوة وخرج صوته غاضباً حين قال

ويده والهاتف فيها تشير جانباً

" من إذا يا جليلة ؟ من هذا الذي من مصلحته أن يفعل ما فيه

موته إن عاد مطر قبل أن نجدهما ؟

من هذا الذي سيجبره على مصيبة وفضيحة كهذه ؟! "


قالت بغضب محتج

"لا أسمح لك بقول ذلك عنه ،أنت لا تعرفه لتحكم عليه بالفحش "



جعلته عبارتها تلك يتجمد من الصدمة للحظات قبل أن يقول منكراً

" جليلة لا تنسبي لي شيئاً لم أقله "



فقالت على الفور وبضيق تشير بسبابتها له

" بلى قلت وعنيت "



ولاذت بالصمت تنظر لعينيه التي انحرفت لشيء ما ورائها

وأنفاسه الغاضبة لازالت تعبث بعضلات صدره العريض ولم يضف

شيئاً فتنحت جانباً تنظر لما كان ينظر ولم يكن سوى عمته وابنتها

بل والطفلان أيضاً ويبدو أن أصوات شجارهما المرتفع اجتذبتهم ،

بينما تركزت عيناها على الابتسامة الساخرة التي رمتها بها

الواقفة بجانب والدتها تمسك يدها الوشاح الذي لم تكلف نفسها

بسحبه للأمام ليغطي كامل شعرها الأسود الناعم ، واشتدت

قبضتاها بقوة وغضب وغادرت من فورها بخطوات مسرعة

عائدة من حيث جاءت ونظرات الجميع تتبعها وأولهم من تركته

خلفها يراقبها بحاجبين معقودين بشدة ، وكانت عمته أول من

كسر ذاك الصمت المشحون قائلة وقد نقلت نظرها له

" ما بكما يا عمير ؟ لما تتشاجران !! "



فتحرك من مكانه متمتماً

" لا شيء عمتي "


واختفى حيث غادرت زوجته منذ قليل بينما تنهدت عمته تنظر


للمكان الذي اختفى منه متمتمة

" حالهما لا يسر أبداً وثمة خطب ما بينهما ؟! "



فابتسمت ابنتها بسخرية قائلة ونظرها عاليا حيث الطابق الذي

يسكنانه بل ونافذة غرفتهما تحديداً

" ألم يخبرك سابقاً أن تتحمليها وغرورها ؟

ليستحملها هو الآن إذاً إن أمكنه ذلك "



فرمقتها بنظرة غاضبة وقالت تضربها من مرفقها

" تحركي هيا ، وكأنك لم تسمعي ما قالا وبأنه ثمة شخص آخر

يتحدثان عنه "



ففركت مرفقها بضيق وقالت مغادرة

" سيكون أحد أشقائها أو أقاربها بالتأكيد ولينظر لنفسه من

ناسب ولم يسمع النصح أبداً "



وابتعدت عائدة للمكان الذي كانوا يجلسون فيه بينما حركت

والدتها رأسها بيأس منها وتحركت أيضاً قائلة لحفيدها

" أحضر شقيقتك واتبعنا "

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 23-03-20, 09:53 PM   المشاركة رقم: 1458
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*



أدار مقبض الباب الذي وقف أمامه للحظات قبل أن يقرر فتحه

ووقع نظره فوراً على الواقفة قرب السرير مولية له ظهرها

المغطى بشعرها الطويل وتضغط بأصبعها بغضب على شاشة

الهاتف الذي تمسكه قبل أن ترميه على السرير بحركة غاضبة

حين لم تجد رداً ممن كانت تتصل به واستدارت ناحيته بكامل

جسدها ما أن دخل الغرفة وشعرت بوجوده ونظراته الساكنة

الثابتة بقوة تركزت على عينيها المحتقنه من الغضب وحبس

الدموع فيها مما جعل جفنيها الواسعان يكتحلان بلون أحمر قاني

وباشرت الهجوم فوراً وكما كان يتوقع ولكن ليس بما توقع بتاتاً

حين قالت غاصبة

" لن أسمح لأحد وأيا كان بأن يمس عائلتي بسوء ولا أن

يسخر منهم "


فانتقلت نظراته للاستغراب بل والاستهجان وذاك ما جعلها تشتعل

أكثر وهي تتذكر كلمات قريبته تلك في المطبخ وحديثهما الأخير

أمامهم قبل قليل ورمت يدها جانباً قائلة

" ألست تعلم من أكون من قبل أن تدخل مجلس والدي

وتطلبني منه؟

هل ترجاك أحدنا لفعلها ؟ "


فتنفس بعمق قبل أن يقول بهدوء فاجأها

" أيمكنك الهدوء قليلا لنتحدث ؟ "


لكن ذلك أيضاً لم يطفئ نار المهانة المشتعلة بداخلها

وقالت بضيق

" لن أهدأ ولن أرضى بأن أهان لا أنا ولاعائلتي لأننا أقل منكم "


فخرج عن هدوئه هذه المرة لكن باستنكار وليس الغضب حين قال

" جليلة ما هذا الذي تتحدثين عنه ؟ "


فنقلت سبابتها بين الباب خلفه وبينه قائلة بحدة

" ما تتحدثون جميعكم عنه ، وأجبني الآن يا رجل مطر شاهين

من الذي أجبرك على مناسبة ابنة المجرمين "


فكانت نبرته جادة وحازمة حين قال عاقداً حاجبيه بقوة

" جليلة سبق وأخبرتك أنا لم أقصد ما فهمته وأعلم جيداً بأن

ابنة خالتك غادرت مع شقيقك بملئ إرادتها بل وهي التي

طلبت منه المجيء "


وظن بأنه عالج الأمر بذلك لكن النتائج كانت العكس تماماً وقد

امتلأت عيناها بدموع القهر وهمست بجمود

" أجل فابنة خالتي هي ال... "


فقاطعها مهدداً إياها بسبابته

" جليلة يكفي ... أنا من لن يسمح لك باتهامها في شرفها وإن

كانت ظنوناً تلصقينها بي فأرفض أن تتفوهي بها "


لوحت بقبصتها بغضب قائلة

" وشقيقي لا بأس ؟ "


فدس يديه في جيبي بنطلونه يقبضهما داخله بقوة وقال بهدوء

تحوّل له ببراعة مجدداً

" لا يمكننا التحدث وأنت غاضبة هكذا ولا تعرفين ما الذي

تتفوهين به "


وما كان لذاك اللين أن ينجح مجدداً فقد فردت ذراعيها قليلاً

وقالت بمرارة قتلته بها قبل نفسها

" هذه هي أنا ... هل تشعر بالندم الآن على الزواج بي ؟

هل اكتفيت من هذه اللعبة ؟ "


وسرعان ما غضن جبينه هامساً بجدية

" لعبة هو الزواج في نظرك ؟ "


كان الأمر ينزلق للتحول للشجار مجدداً وهذا ما كان يتجنبه بل

ويرفضه لكن تراكمات ماضيها الذي يعلمه جيداً كما يعلم بالضغط

الحالي الذي تمر به أعصابها المتوترة جعل ما توقعه يحدث

ونفضت يديها اللتان لازالت تفردهما وكأنها تشير لكل شيء

حولها قائلة بضيق

" وبما تسمي كل هذا .. ماذا ؟ "



قال من فوره وبجدية وثقة تشبه شخصيته تماماً

" أسميه قرار اتخذته ولن أندم عليه كما لم أتراجع عنه سابقاً

وأنا أعلم برفضك له "


صفعتها كلماته بقوة أكثر من كونها صُدمت بها وقالت بحرقة

ألهبت لون وجنتيها كما لون القهوة الساخنة في عينيها الواسعة

تشير بيديها لنفسها

" لما تزوجتني إذا وأنت تعلم ؟

لما تتزوج من امرأة ترفض الزواج ؟!

تتحدى نفسك أم تتحدى قراراً يخصني وحدي ؟ "


كانت ضائعة مشتتة مصدومة وذاك ما قرأه أيضاً وبوضوح ولن

يستغربه بعدما قال لكنه أيضاً لم يبرر ولم يشرح بل وتحرك جهة

باب الحمام يفك أزرار قميصه متمتما

" كلانا لسنا في مزاج جيد للتحدث عن هذا الآن وخصوصاً أنت "


ودخل وأغلق بابه خلفه بهدوء وترك العينان المعلقتان بخشبه

المصقول تحرر الدموع التي عاندتها طويلا وتحركت بخطوات

غاضبة ناحية الخزانة وفتحت بابها بقوة وبدأت بإخراج ثيابها

منها متمتمه من بين أسنانها

" جيد أنك على بينة برفضي لك منذ البداية "



وأخرجت جميع ثيابها من هناك وحملتها مكومة جميعها على

بعضها وخرجت بها بالكاد ترى طريقها أمامها ورمتها أمام أول

باب وصلته ، وما أن فتحته كان وكما توقعت لغرفة بسرير فردي

مجهزة بشكل كامل ، فها هو يضع جميع الاحتمالات في اعتباره

ويعرف جيداً مستقبله مع المرأة التي اختارها بعناد وهو يعلم

جيداً رفضها له.



بدأت برفع الثياب ورميها على السرير في دفعات وبحركة غاضبة

تفرغ فيها كل ما كبتته الساعات الماضية ويكاد يحرقها ، أجل هذا

ما ستتوقعه منهم السخرية منها فهي أقل من أن تكون زوجة

لرجل مثله ولازال هناك المزيد ما أن تشاع قصة هرب غسق

شراع مع شقيقها ، وهذا ما ستتوقعه منه أيضاً أن يتهمه في

أخلاقه أمامها ولا يحق لها أن تدافع عنه ثم وبكل جرأة يخبرها

بأنه تزوجها رغم علمه برفضها له ! بالتأكيد سيفعل فهي في

نظره الفاكهة المحرمة وتحدي صغير يخوضه مع نفسه ثم حين

يمل منها سيرميها دون أن يهتم كما يفعل الرجال جميعهم وكما

فعل من وثقت به وانتظرته لأعوام وأحبته وكما فعل صديقه بابنة

خالتها فتفكيرهم واحد .



فتحت باب الخزانة الفارغة بقوة وبدأت بترتيب ملابسها فيها

تطويها بشكل عشوائي ويدين مرتجفة فقدت التحكم بها وصوت

أنفاسها المضطربة الغاضبة وحده ما يسمع مع صوت حفيف

الأقمشة الجديدة ، نظرت سريعاً للباب الذي فُتح فجأة وللواقف

أمامه وقد لبس ثياباً أخرى وشعره المسرح للوراء لازال رطباً

ينظر لها بصمت بينما لازالت يده تمسك مقبض الباب فسحبت

نفساً عميقاً تهدئ ثورة أنفاسها المتلاحقة وقالت تشجع نفسها

أمام قوته التي يصعب تجاهلها وإن كان هادئاً تحيطه هالة

السكينة التي تزيد شخصيته غرابة

" عذراً سيدي فلن أشاركك غرفتك مطلقاً وأظنك تتوقع هذا

أيضاً وتعلمه "



فقال سريعاً وبهدوء

" هذا قرارك ولن أعاندك فيه أو أرفضه "



كان صوت أنفاسها المتلاحقة وحده ما صدر عنها ونظرت لعينيه

بصمت ولا خيار غيره أمامها فهي وإن صدق التعبير لم تتوقع

رده هذا ولا ردة فعله تلك فأقل ما قد يفعله رجل في مكانه الآن أن

يشتاط غضباً ويتوعدها بويلات عصيانه والتمرد عليه ! ويبدوا

أنه أيضاً لم يكن يتوقع أو ينتظر تعبيراً آخر منها يتعدى الصمت

فأضاف بجدية وهو يدس يديه في جيبي بنطلونه الكحلي وصوته

الجهوري يملأ الغرفة الساكنة " وما جئت لقوله بل وتأكيده بأنه

لا يحق لأحد هنا أن يهينك ولا عائلتك يا جليلة وأنا أولهم

تفهمين هذا ؟ "


وتبادلا نظرة صامتة أخرى ما أن أنهى عبارته تلك وكان هو من

قطعها ووضع هاتفها الذي تركته هناك مرمياً على السرير

وانشغلت عنه بترتيبات هجرانها لغرفتهما على طاولة التزيين

الموضوعة على الجدار المحاذي للباب وغادر مغلقاً الباب خلفه

بهدوء حاملاً معه كل تلك الزوبعة الوهمية التي كانت تتكهن بها

في خيالها فقط ! وانهارت جالسة على السرير خلفها ودفنت

وجهها في يديها وأجهشت بالبكاء الذي لم يعد يمكنها كتمانه أكثر

فليته يفهم فقط كم باتت تكره الرجال ولا يمكنها المضي بهذا

لأنها فقدت ثقتها بهم جميعهم .



رفعت رأسها تلامس شفتيها بظهر أناملها تمسك شهقاتها الباكية

حين ارتفع صوت رنين هاتفها وكأن من يتصل الآن يمكنه سماع

بكائها دون أن تفتح الخط له ! ويبدو أن هذا سبب جلبه لهاتفها

هنا فثمة من يتصل بها منذ وقت .



وقفت وتوجهت نحوه مسرعة تمسح بظهر يدها الدموع من

عينيها فقد يكون أحد شقيقيها أو زوجة وسام ، وما أن رفعته

ونظرت للإسم على شاشته المضيئة شعرت بخيبة أمل كبيرة

فالمتصل كان والدتها ، وكان عليها توقع هذا فمن الطبيعي أن

تتصل بها وهي العروس التي نامت البارحة أول ليلة مع زوجها ،

وأي ليلة كانت تلك ؟ إنها أسوأ من جميع ما رسمته من توقعات

لليلتهما الأولى التي كانت ستكون سيئة على كل حال .


مسحت عينيها بقوة أكبر وحمحمت تحاول تحسين حال حنجرتها

المتشنجة كي لا تشك والدتها بشيء رغم أنها ستتوقع هذا وبعيداً

عن موضوع قائد فهي أكثر من يعلم برفض ابنتها لهذه التجربة

بأكملها


" صباح جليلة بنيتي .. كيف أنت يا قلب والدتك ؟ "


وانهارت حصونها جميعها ما أن سمعت صوت والدتها الدافئ

الحنون والذي لم تسمعه هكذا منذ ظهر هذا الرجل في حياتها..

لا بل منذ قررت الطلاق من رماح شراع ، ولم تستطع قول شيء

كما لم تستطع كتمان عبراتها المختنقة التي خرجت في شهقات

متتالية مكتومة وتسربت الدموع من عينيها كحبات المطر الخفيف

ففوق ما حدث مع شقيقها وما قد يؤدي لهلاكه التام ووالدتها لا

تعلم عنه وهي من تحملت الويلات من أجل توأماها الصغيران

اللذان فرت بهما من الجحيم وزواج فاشل لم يدم طويلاً لعائلة

أخرى لم تستطع أبداً أن تجعلهما جزءاً منها بالرغم من أنهم

أبنائها جميعهم هي تشعر الآن بما لم تشعر به يوماً وهو الحنين

لهم .. لتلك العائلة التي تركتها بعيداً عنها هناك ومن لم تفارقهم

يوماً فتملكها الحنين لهم سريعاً والخوف عليهم من مغبة ما فعله

ابن العائلة الأكبر وهو من يحمل اسم عائلة والده وعائلته

الأخرى من والدته .


"جليلة ما بك بنيتي ؟! "


مسحت عيناها بقوة وقالت ببحة وحزن

" لا شيء أمي اشتقت لكم فقط "


واختلط صوت والدتها المعاتب بتنهيدة ارتياح عميقة حين قالت

" أفزعتني ظننت مكروهاً أصابك ، أنت لم تفارقينا سوى من

يومين فقط ! ولم تعودي صغيرة ليبكيك فراقنا وأنت في منزل

زوجك "


زمت شفتيها بقوة أظهرت غمازتيها بوضوح فقد جرحتها

بكلماتها تلك بدلاً من أن تواسيها وقالت بانفعال واضح

" ألا تملك الكبيرة إحساساً ومشاعر كغيرها ؟ هي بشر أيضاً "


وصلها صوت والدتها سريعاً مستنكرة

" جليلة من هذا الذي تحدث عن سنك وعن أنك كبيرة ؟ حتى

الصغيرات اليوم لم يعدن يبكين فراق عائلاتهن وحلمها الوحيد

الزواج منذ طفولتها "


فأغمضت عينيها وتنفست نفساً عميقاً فهي في حال سيئة اليوم

بسبب ما حدث وتفقد هدوئها المعتاد بسرعة البرق ، قالت تغير

مجرى الحديث

" كيف حالك أمي وحال والدي ؟ "


وسرعان ما انساقت تلك مع الأمر وكما تعرفها تماماً فقد أسرعت

قائلة بما يشبه الحزن

" بخير جميعنا ولا ينقصنا غيرك ، لقد تركت فراغاً كبيراً وتركت

المنزل بعدك ساكناً تسكنه الأشباح ، ووالدك أكثر من يفتقدك لكنه

لا يتحدث كما تعرفينه "


ابتسمت بسخرية ولم تستطع التعليق على كل ذلك فهي أيضاً لم

تتركهم سوى من يومان فقط وقد كان عقبتهم الوحيدة هي الابنة

المطلقة العانس ذات الوقت ولم يصدقوا أن طرق بابهم طارق

يسأل عنها ، لكنها تعذر والدتها ولا يمكنها لومها وتتفهم مشاعر

الأم التي يكبلها الواقع والظروف .


قالت بهدوء حزين

" اعتني به جيداً أمي ولا تنسي أدويته فهو لن يأخذها ما لم

يعطيها أحد له ولا تنسوا وصايا الطبيب "


" اطمئني بنيتي فشقيقتك مريم تتصل بي عند كل موعد لدوائه

وقررت استلام تلك المهمة ، لا تفكري سوى في نفسك وزوجك ..

اعتني به جيداً يا جليلة فهو رجل لن تعطيك الحياة مثيلاً له أبداً "


أسدلت جفناها الواسعان وابتسمت بمرارة ونظرها تحرك لا إراديا

ناحية باقي ثيابها المكومة فوق السرير وهي تتمتم

" أجل أمي كوني مطمئنة "


وأرادت أن تضيف ( فابنتك ستكون لديك قريباً ) لكنها لن تفجعها

في الزواج الأسطوري هذا سريعاً فنهايته ستكون واحدة إما أن

يمل من وضعه الحالي ويرميها خارجاً أو أن تستسلم له ويجد

حينها لعبة العناد انتهت وباتت مملة ويرميها لهم والنتيجة

واحدة .


*
*
*

نظرت للهاتف الذي عاود الرنين مجدداً ولإسم الكاسر على

شاشته وشدت شفتها بأسنانها بقوة فإن لم تجب عليه هذه المرة

لن تستغرب أن يكون هنا لديهم خلال لحظات فهو اكتشف بالتأكيد

غياب والدته عن المنزل وتخمينه الوحيد أن تكون هنا فهو

وكعادته يجب أن يراها قبل أن تغادر المنزل لتكون في مكتبها في

البرج وبالتأكيد ستكون هي خياره الأول لسؤالها عنها ، لكن لما

ليس رعد من سأله وليس هو من يتصل بها الآن ليسأل عنها ؟

هل يكون علم بما حدث ؟ يا إلهي ستتفاقم المشكلة أكثر حينها .


تشجعت وفتحت الخط قبل أن ينتهي الاتصال هذه المرة أيضاً وما

أن وضعت الهاتف على أذنها حتى انفتحت عيناها من الصدمة

حين وصلتها صوته الصارخ بحماس

" أخبريني ما كانت النتائج ؟ هل انطلقا في رحلة شهر العسل

المؤجلة خمسة عشر عاماً ؟ "



فأبعدت الهاتف عن أذنها وحدقت في أسمه باستغراب وكأنها

تتأكد منه أو كأنها ستراه من خلالها ! وقالت ما أن أعادته لأذنها

مجدداً

" أي نتائج وأي شهر عسل تتحدث عنه يا معتوه ؟ "



وأذهلتها ضحكته المرتفعة قبل أن يقول ضاحكاً


" يبدو أنك لا تعلمين شيئاً يا دجاجة أو أنه ثمة ديك ألهاك التفكير

فيه عما حولك "



أمسكت خصرها بيدها الحرة وقالت بضيق


" كاسر قل ما لديك من دون سخرية "



وصلها صوته الباسم فوراً

" ألا تعلمين أن والدتك في منزلكم منذ البارحة ؟ "


بلعت غصتها مع ريقها وتبدلت ملامحها للبؤس وقالت بصعوبة

تجاريه في ظنونه

" كاذب .. من أخبرك ؟ "



وصلها صوته المتحمس سريعاً


" عمتي جويرية .. لقد رأتها وتحدثت معها قبل أن تخرج

وأخبرتها بأنها ذاهبة لزوجها "



كتمت شهقتها الباكية بيدها ونزلت دموعها رغماً عنها بينما تابع

من في الطرف الآخر بحماس لم يجعله ينتبه أو ظنها دموع فرح

" لم أجدها في غرفتها بعد الفجر وكنت سأتكهن بمغادرتها

لمكتبها باكراً لولا اتصال مساعدتها تستعلم عن تأخرها فلم أجد

أمامي غير رعد الذي فكر مباشرة في عمتي قبل أن يتحرك بحثاً


عنها وهي أخبرتنا ، وباقي الأخبار ستكون هناك لديك فتحركي


بسرعة "



انحنى كتفاها وحسدته على السعادة والحماس الوهميان اللذان

يعيشهما وتمتمت بخفوت

" ليسا هنا "



" ماذا ؟! "



وصلها صوته المستغرب وكادت تبكي وتقر بكل شيء لعلها تشعر

وإن ببعض التحسن لكنها قررت التروي فقد يجد قاسم ورجال

والدها حلاً للأمر دون أن يعلم منهم أحد ، قالت تجاريه في ظنونه

" لقد ... هو ... علمت أن والدي خارج البلاد في رحلة غير

معلنة ولم أكن أتخيل أن ذاك هو السبب "



وتقوست شفتاها بحزن ما أن انطلقت ضحكته الحماسية مرتفعة

وصرخ قائلاً


" هو شهر العسل إذا كما توقعت ، سأتصل بعمي رعد لأخبره ..


وداعاً الآن يا دجاجة عودي للنوم "



نظرت لشاشة هاتفها بحزن ما أن قطع الاتصال وتحول ذاك

البؤس لتعاسة ما أن تبدلت الشاشة لصورة والدتها التي كانت

اختارتها كواجهة له ، وكانت للصورة التي تناقلتها الصحف لأيام

وقت حفل العمران واعتراف والدها بالسبب الحقيقي وراء تركه

لها في الماضي ، ولم تستطع اختيار صورة غيرها فهي كانت

لأجمل امرأة رأتها وعيناها تسبحان في دموع الجرح الذي يكون

محله القلب بالرغم من كل الكبرياء الذي اعتلى ملامحها ورأسها


المرفوع نحو أعلى المنصة والواقف فوقها .



أبعدت الهاتف وحضنته لصدرها هامسة بألم

" أمي ... ما هذا الذي فعله يجعلك تتصرفين هكذا ؟

هي ليست طباعك "


وانهارت على السرير خلفها وانزلقت دمعتها من رموشها ببطء

وهي تتذكر حديث والدها الغاضب سابقاً عن تهورها وتصرفها

دون تفكير فهل هي كذلك فعلاً وستفعلها الآن ؟

حركت رأسها بقوة في حركة رافضة للفكرة لا إرادياً وعبست

ملامحها الجميلة بحزن ما أن تذكرت بأنه شبهها بها أيضاً ومر

أمامها ذاك الموقف والملهى الليلي وما كادت أن تخسر نفسها

بسببه وللأبد ، انقبضت أناملها البيضاء الرقيقة على الهاتف الذي

كانت تمسكه بكلتا يديها اللتان تريحهما في حجرها ورفعت

نظرها عاليا حيث سقف الغرفة وهمست بعينين دامعة

" يا رب أخرجنا من هذه المحنة سريعاً أرجوك "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 23-03-20, 09:56 PM   المشاركة رقم: 1459
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*


فتح باب الشقة ونظر للواقفة خلفه عيناها شاردتان في الفراغ

بحزن كئيب قد اكتحلتا باحمرار مخيف من كثرة البكاء ، ملامحها

متعبة متجهمة تقبض على مقبض حقيبتها الجلدي بين أصابع

يديها بقوة تفرغ كل ذاك الشعور المؤلم فيه فتنهد بأسى فبهذا

الوضع لن ينجح الأمر بتاتاً ولن يصعب على ذاك العقل الذكي

كشف اللعبة ، استدار ناحيتها وأمسك بذراعيها وقال بهدوء ينظر

لعينيها الشاردة للبعيد

" القادم يحتاج منك لقوة أكبر ماريه إن كنت فعلاً مقتنعة بما

ستفعلينه أو لن يجبرك أحد عليه وأجبري مطر شاهين على إيجاد

حل آخر كما فعل زوجك "



تدلت دمعة من طرف رموشها الطويلة فكيف سترفض وما البديل

مثلاً إن كان إيقاف مهامه وإخراجه من هذه البلاد معناه موته ؟

وإن كان بقائها معه بعدما أصبح أقارب تلك الفتاة الإيطالية هنا

يؤدي للنتيجة ذاتها ؟

لم يعد الأمر خياراً في يدها وإن حدث له شيء مستقبلاً فلن تكون

الملامة من نفسها فقط بل ومن هؤلاء جميعهم ، رفعت عيناها

الدامعة لعينيه وهمست ببحة ببكاء

" ليتني فقط وافقت على أن أهبه الطفل الذي أراده ، اتركوني

أفعلها من أجله "


كانت نظراتها كلها استجداء لأن يوافق طلبها وإن من دون علم

رئيسهم ذاك خاصة أنه ابنه ويحبه وأنجبه بالرغم من كل

الظروف القاسية التي كان يواجهها لكنه خان توقعاتها حين حرك

رأسه رافضاً واشتدت أصابعه على ذراعيها وهو يقول

" لا تكرري ما حدث معه في إبنه ماريه "


أتعستها المرارة التي سمعتها في صوته وقد تغلبت محبته الأبوية

له على أن يتمنى له الوقوف في ذات موقفه الحالي يوماً وهو

يرفضه وبقسوة ، مما يعني أن أمد لعبتهم هذه قد يكون طويلاً

جداً ، قالت في أمل يحتضر

" لكني أملك المال ولست مثلهما سابقاً "



وكان الأمر كما توقعت حين أبعد يديه عنها قائلاً

" المسألة ليست متعلقة بالمال ماريه والله وحده يعلم إن كان

سيكون لك مال مستقبلاً أم لا، ومن الجيد أنك رفضت

ذلك مسبقاً "


أبعدت نظرها عنه بحزن وتمنت أن كان له رأي مخالف فهو

بالتأكيد ممتن لأن تلك المرأة وهبته ابناً من صلبه وإن كان بعيداً

عنه فلما هو لا ؟

ولما تحرم هي من ذلك ؟

قد تموت هي فالخطر بات محدقاً بها أكثر منه الآن خاصة وأن

تلك الفتاة الإيطالية ثمة من شكك بأنها تعرضت لجريمة قتل ولم

تقتل نفسها ؟ .



أحاطت ذراعه بكتفيها وهو يتوجه بها نحو الداخل هامساً بجديه

" هيا ادخلي ماريه واتركي الغد لله فوحده المتصرف فيه"


وكانت كلماته تلك كالماء المنعش غسل قلبها وجسدها وتذكرت

بأنه بالفعل أقدارنا بيد الله وحده يوجهها كيف يشاء فإن لم يستطع

تيم تفهم موقفها ومسامحتها مستقبلاً ستكون هي راضية عن

نفسها ويكفيها أن تراه حياً أمامها وإن كان يرفضها ، تلك الأفكار

أراحتها قليلاً وإن لم تجعلها تتحسن تماماً لكنها كانت كافية

لتجعلها تبتسم قليلاً للفتاة التي أطلت عليهم برأسها وشعرها

المموج المتدلي معه من أحد الأبواب المفتوحة في الشقة الواسعة

والتي التقتها سابقاً في الحفل وأخبرها تيم بأنها زوجة والده ،

بينما نقلت الواقفة هناك نظرها بينهما بشيء من الاستغراب ما

أن غادرت الغرفة وقبل أن تنظر لعيني الذي حرك رأسه لها

بعبوس وكأنه يقول لها ( لا هجوم شرس آخر رجاءً ) فهو غادر

من هنا ليلاً بامرأة شبه ميتة ولم يرجع إلا الآن وبرفقته واحدة

أخرى مشابهة لحالتها وإن كانت تسير على قدميها عكس تلك

فعيناها الجميلتان المجهدتان من البكاء وملامحها التعيسة تعبر

عن مأساة حقيقية مرت بها ، فما أخرجها من غرفتها لم يكن

سوى رغبةً منها للاطمئنان وللتفاهم عن طبيعة ومآل الوضع

بينهما خاصةً بعد ما حدث .. وقد شعرت فعلاً بالارتياح حينها

لتأجيل ذلك ، عادت تمرر نظراتها عليهما وهي تقف بجانبه وكيف

تحضنها ذراعه ولملامحها الكئيبة الباكية قبل أن تعود بنظرها له

وقالت متجاوزة ما علق بينهما وبريبة وترقب

" هل هو بخير ؟ "


فتنهد بعمق ولا ينكر إحساس الراحة الذي تسلل إليه لتجاوبها مع

رغبته وقال وهو ينقل نظره هذه المرة للواقفة بقربه

" حتى الآن ، هيا ادخلي ماريه يجب أن ترتاحي قليلاً "


فرفعت نظرها له وهمست ببحة وحزن

" لكننا لا نعرف موعد عودته "



فحرك رأسه موافقاً فمعها حق فقد لا يجد متسعاً من الوقت

ليعيدها لمنزل شقيقته فإن عاد مؤكد سيمر بها هناك أولاً

ليحضرها ، وإن لم يجدها هناك ولا في جامعتها سيبحث عنها هنا

بالتأكيد ، هذا إن لم تضعف شقيقته وتخبره بأنها غادرت معه ثم

وكعادتها ستقول

( لم أجد حلاً غيره يا شاهر فأنت لم ترى كيف كان يستجوبني )


تركت يده كتفيها واستدار لباب الشقة وغادر منه تاركاً إياه

مفتوحاً وقاصداً سيارته في الأسفل بينما تحركت الواقفة هناك من

مكانها وتوجهت نحوها على الفور تهديها ابتسامة جميلة

وحضنتها بقوة ما أن وصلت عندها وكأنها شخص تعرفه منذ

أعوام والتقته أخيراً قائلة

" حمداً لله .. المهم أنه بخير وباقي الأمور يمكن معالجتها "


وختمت عبارتها تلك بضحكة صغيرة رقيقة تنظر للعينين

الذهبيتين المجهدتين واللتين سرعان ما امتلأتا بالدموع من جديد

فقالت وابتسامتها تتحول للحزن والدفء

" لازلت جميلة كما كنت في طفولتك ماريه "



وضحكت بحنان وهي تتابع

" كانت عيناك أكبر شيء في وجهك الدائري الصغير وأنت طفلة

رضيعة .... ولازالتا "



وابتسمت برقة بعد كلمتها الأخيرة على نظرات ماريه المستغربة

والتي جعلتها تضحك بخفة مجدداً وأمسكتها من يدها وسحبتها

معها قائلة

" بلى لازلت جميلة كما كنت في طفولتك ماريه وكل ما تحتاجينه

الآن كوب عصير منعش وجميع مشاكل العالم لها حلول إلا الموت

لا حل له "



فابتسمت بحزن وهي تتبعها منصاعة فمعها حق كل شيء له

حلول إلا موته لا حل له أبداً سوى العيش ميتة من بعده ، جلست

على أحد كراسي طاولة المطبخ والذي اختارته هي لها أيضاً

وراقبتها نظراتها وهي تتوجه نحو الثلاجة التي فتحتها تخرج

إبريق العصير منها تتصرف كسيدة لهذا المنزل بالفعل ! فهل

عفويتها الواضحة على شخصيتها السبب أم أنها هنا منذ وقت

ولا أحد يعلم ؟

فتيم لم يبدي مشاعر كراهية هجومية ناحيتها مما جعلها

تدهش لذلك !

فإن كانت هذه الفتاة تعرفها في طفولتها فهي تعرف تيم أيضاً

بالتأكيد فهل يذكرها هو ويعرفها جيداً ؟

هل يقبل بها كزوجة لوالده وبديلة لوالدته وإن بالصمت وتجاهل

الأمر ؟!



انتقلت نظراتها للكوب الكبير الممتلئ بعصير البرتقال الذي

وضعته أمامها على الطاولة وقالت بملامح رافضة

" هذا كثير ! "


فابتسمت لها التي جلست على الكرسي قربها وقالت تقرب وجهها

منها وبابتسامة صغيرة

" سيعجبك وستشربينه بأكمله ، ثم نحن لا نريد أن نُشعر سيد

المنزل بالتقصير ناحية نسائه "



فابتسمت لها من بين حزن ملامحها وأدارت رأسها في حركة لا

إرادية تبحث عن الذي تركتاه خلفهما وكان واقفاً عند باب المطبخ

بل ويستمع لما قيل ومؤكد الجالسة قربها تعلم بذلك وكانت

تقصدهما كلاهما فواحدة زوجته والأخرى زوجة ابنه !

لكنها لم تفهم مغزى ما أشارت إليه بالتقصير !!

فيبدو ثمة شيء ما حدث بينهما وتجهله ؟!

نقلت نظرها لها وقد وقفت حينها دافعة الكرسي خلفها وقالت

مبتسمة وهي تعيده مكانه

" لابد وأنكما بحاجة للبقاء معاً بدوني"



ثم غادرت من فورها دون أن يعترض من مرت بقربه عند الباب

والذي توجه نحوها وسحب الكرسي ذاته والأقرب لها وجلس

عليه فنقلت نظرها منه لكوب العصير بين يديها على الطاولة

وهمست بابتسامة حزينة

" كم هي رائعة ولطيفة "



قالتها معترفة بالرغم من مكانتها الحساسة في حياة الرجل الذي

تحبه أكثر من حبها لذاتها ومن الفترة القصيرة التي عرفتها فيها

فمن الصعب أن لا يعترف المرء بذلك وإن لم يعرفها إلا للحظات ،

وراقبت نظراتها الذي قال وهو ينظر للهاتف الذي يمسكه بين

يديه يتذكر المعلومات القليلة التي قالها مطر عنها

" ما بات واضحاً لدي بأنها أقوى مما ستكون مرت به "



اكتسى الوجوم ملامحها البريئة الجميلة وعادت بنظرها لكوبها

وهمست بتعاسة


" أحسدها فهي تخطت كل ذلك الآن وتغير كل شيء "



" لا أحد يجزم بذلك "


رفعت نظرها له سريعاً ونظرت لعينيه الشاردتان بعيداً وقد قال ما

أن نظر لعينيها

" لا يغرك الظاهر ماريه فالعفوية والابتسامة جزء من شخصيتها

ولا يعبران كلياً عن مزاجها أو ما يحدث داخلها "



نقلت نظراتها في ملاحه تحاول استيعاب قوله لبرهة فهل يقصد

بأنها ليست راضية عن وجودها هنا ؟


وسرعان ما تنهدت بأسى ونظرت لكوبها بوجوم متمتمة

" أحسدها أيضاً "



فارتسمت ابتسامة عفوية صغيرة على شفتيه ونظر لها وقال

" ما باليد حيلة إذاً "


سحبت نفساً عميقاً لصدرها وزفرته بقوة واكتست التعاسة

ملامحها أكثر وملأت الدموع عينيها الشاردة بعيداً بحزن وقالت

" يمكنني أن أكون أسعد امرأة في الوجود وأنا بقربه .... "


وتدلت دمعتها من رموشها وخنقت العبرة صوتها وهي تتابع

" ليتكم فقط تفهمون هذا وتصدقونه "



ولحقت الدمعة الأولى أخرى تدحرجت فوق وجنتها تلامسها

بنعومة فارتفعت يده لكتفها وأراحها عليه وقال بحزن رجولي

عميق محدقاً في ملامحها الباكية بصمت

" أعلم ماريه ولأنك تحبينه وتريدين العيش بقربه دائماً سيكون

عليك فعل هذا والابتعاد عنه ، جميعنا نقدم التضحيات ولا نفكر في

قطف ثمارها لأنها سترضينا مستقبلاً وإن كان طعمها حامضاً "


حركت رأسها نفياً ولم تعلق وانتقلت يدها لوجهها تمسح الدموع

عنه فهي لا ترى ما هو فيه الآن يمكن تسميته بالسعادة بالرغم

من تضحياته التي قدمها في الماضي فقط من أجل ابنه الذي

حرمه منه في الحاضر وهي ستكون مثله بالتأكيد ، لكنها ومثله

أيضاً ستواسي نفسها مستقبلاً بأنه على الأقل لازال على قيد

الحياة .


رفعت الكوب لشفتيها وشفطت منه شفطة صغيرة تلتها أخرى

وأخرى أكبر منهما واكتشفت حينها بأنها تشعر بالعطش !

أجل فهي لم تشرب شيئاً منذ الصباح ، بل وطعم هذا العصير

السبب أيضاً فهو منعش ورائع ويبدو معد هنا في المنزل ولا

يحوي البرتقال فقط بل وشيء ما آخر لم تستطع اكتشافه من

الطعم !



كانت قد شربت أكثر من نصف الكوب حين وضعته من يديها على

الطاولة وكانت تنوي شرب المزيد فهو ساعدها فعلاً على

الاسترخاء قليلاً لكن نظرها وتركيزها انشغل بالهاتف الذي مده

لها والذي كان يديره بين يديه منذ وقت جلوسه هنا وكأنه قنبلة

موقوتة ووجوده يوتره وكل مناه التخلص منه !

رفعت نظرها له ما أن قال بنبرة جوفاء وإن كانت تتسم بالهدوء

" رقمها موجود هنا يمكنك الاتصال بها مباشرة "


فنقلت نظرها من عينيه للهاتف في يده مجدداً وعاد ذاك الألم

يعتصر قلبها فلا مفر من هذا على ما يبدو ، بل وقد يكون ورغم

قسوته أقل ضرراً من أن يتخذ ذاك الرجل سبل أخرى أكثر ضرراً

لها إن هي رفضت وعاندتهم أو أخبرته بما يخططون له كما سبق

وفعل هو معها لأنه أقوى منها أما هي فأضعف من كل شيء

وأهمه فكرة فقدانه التي ترفض حتى التفكير فيها ، مدت يدها

نحوه ببطء وأمسكته منه ورفعت نظرها لعينيه قائلة بريبة

" هل سيكون براء بخير ؟ "


كان توقعه صائباً وعلم بأنها ستفكر في سلامة ابن عمها ذاك قبل

كل شيء فكانت نظرته لعينيه جادة حين قال

" أجل ماريه عليك الوثوق به فهو من يتحكم في بلاد كاملة ولن

يعجز عن حمايته مستقبلاً وقد استعلمت منه بنفسي عن ذلك "



بلعت غصة مرة مع ريقها ونظرت للهاتف في يدها وللرقم في

شاشته وعلمت حينها أي قنبلة مدمرة يكون ولما يريد كل من

يلمسه أن يتخلص منه ، فهو يبدو هاتفاً خاصاً غريب الشكل لا

يستخدم إلا لأمور طارئة مبهمة ومحددة ! وبدأت ضربات قلبها

ترتفع مع ارتفاع صوت رنينه في أذنها وقالت بحزن ومرارة

خالطها الكثير من الحنين ما أن انفتح الخط

" مرحباً زهور "


فصاحت من في الطرف الآخر من فورها قائلة " مارياااا ... يا

إلهي لا أصدق أنها أنت ! لقد أصابني الذعر من الاتصال الذي

ظهر برمز عبري دون رقم وظننتها منظمة ما ستختطفني "



وضحكت عند آخر عبارتها تلك بينما كان تعليق محدثها ابتسامة

حزينة شاردة وتابعت تلك من فورها

" يا لك من خائنة للصداقة الطويلة .. أين أنت ولما لم تتحدثي

معي ... "



وانطلق صوتها الرقيق كالمذياع الصغير تسأل وتعاتب وتستفسر

ذات الوقت بينما الممسكة بالهاتف اكتفت بمسح الدموع التي

تقاطرت من عينيها في صمت وقالت ما أن وجدت الفرصة لذلك

وبصوت حزين مبحوح

" كان رغماً عني ولدواعي أمنية يا زهور "



فوصلها صوت تنهدها واضحاً وقالت بصوت باسم

" كم اشتقت لك ماريه وأمور كثيرة حدثت معي وأنت هناك "



وما أن أبعدت شفتيها لتتحدث أسكتتها إشارة الجالس بقربها

لساعته يذكرها بأنه ثمة دقائق معدودة ومحددة للإتصال فتنهدت

باستسلام وقالت ببطء وكأنها تجبر لسانها على قول ذلك

" زهور هل الهاتف الذي تركته لديك سابقاً لازال موجوداً ؟ "



" الهاتف السري تعنين ؟ "
كان سؤالها سريعاً ومباشراً فقالت ببطء وكأنها تستجديها إنقاذها

وإفشال مخططهم ذاك

" أجل الذي اشتراه لي براء سابقاً والشريحة معه ؟ "




قالت من فورها

" أجل ماريه لازال موجوداً لدي ، هل أعيده له ؟ "



شعرت بالتعاسة لتحطم أملها وتمنت أن كانت أضاعته أو تخلصت

منه أو حتى أعادته له ، لكن ذلك أيضاً لن يوقف مخططهم كما

تتوهم وتمني نفسها ولن يصعب عليهم إخراج واحدة باسمه ومن

دون علمه ، ملأت الدموع الحارة عينيها وهي تقول

" لا بل سأطلب منك أمراً تفعلينه به فاستمعي لي بانتباه "




*
*
*



تبعته نظراته المتجهمة وهو يستدير حول طاولة مكتبه ويقف

خلفها وقال في محاولة جديدة يائسة

" جدي التحدث معها لن يخرج بأي نتائج وأنت تعرف حفيدتك

تلك جيداً "


أبعد نظره عنه وقال ببرود

" لن تعلمني أنت ما الصواب من الخطأ فيما أفعل "



فتنهد بضيق نفساً طويلاً ولاذ بالصمت فمن الطبيعي أن يغضب

منه وهو رفض أن يذهب لها ويقنعها بالمجيء فلم يكن على

استعداد مطلقاً لأي مواجهة معها بعدما حدث صباحاً ولا أن ينظر

لعينيها وما كان ليرجع للمنزل الآن وقد قرر قضاء الليلة أيضاً

خارجه لولا اتصال جده وإصراره الغاضب ليكون هنا ، وبعد

استجواب مطول معه لم يخرج منه بأي نتيجة تذكر لأنه مثله

تماماً يجهل باقي الحقائق ولم يتيقن إلا منها قرر أن تقف أمامه

أيضاً وتدلي بشهادتها ، وعندما حاول إقناعه بالعدول عن الفكرة

كان مصيره مؤسفاً للغاية وهو ينعته بالطفل .. الكلمة التي بات


يسمعها منه كثيراً مؤخراً وهو من كان يراه رجلاً منذ صغره ولا

يصفه إلا بذلك ، وتخوفه من أن يفكر جده في فعلها والذهاب

بنفسه لغرفتها جعله يتراجع عن عناده نهاية الأمر لكن ما أن

غادر من هنا وجد نفسه يصعد للطابق الآخر بدلاً من أن يذهب

لغرفتها ووجد الحل الأنسب هناك وهو الطلب من والدة رواح أن

تفعل ذلك بدلاً عنه فهو يعرفها جيداً ويعرف طريقتها الملحة في

الإقناع والتي تجعلك تنصاع لها فقط لتتخلص من إلحاحها

المزعج ، كما يعرف جيداً شخصية زيزفون التي لا تحب أن تسمع

بقدر ما تكره أن تتحدث .


رنين هاتف جده المفاجئ أمر كان إيجابياً بالنسبة له خاصة وأن

الذي جلس على كرسي مكتبه الجلدي بات هادئاً بعض الشيء

وهو يجري المكالمة ، ويشك أن أمراً ما كان سبب غضبه الفعلي

من قبل عودته إلى هنا فهل فكر في لقاء مطر شاهين أو حاول

فعلها وكان مصير طلبه ذاك الرفض المحتم ؟!

لا يستبعد ذلك بعد موقفه العدائي الذي شهده اتجاهه حين علم

بأمر حفيده فيبدو أنه ثمة علاقة ما ومضطربة جداً

وقديمة بينهما ؟!



أخفض رأسه وتنهد بعمق مغمضاً عينيه ما أن سمع الباب ورائه

يفتح وعلم أنها هي من طريقة إغلاقها له وهي تصفقه بقوة ولن

يستغرب ذلك فلابد وأن ضيفتها الغير مرحب بها تلك جعلتها

تشتعل غضباً علاوة عن رفضها المجيء هنا من أساسه ، وهذا

مؤشر سيء للغاية وسيجعل من المواجهة الأخرى هنا تكون أسوأ

من سابقتها خاصة مع مزاج جده الغاضب المشتعل ، ولازال لا

يفهم ما يغضبه هكذا وما علاقة مطر شاهين بالأمر !

فهو خلال بحثه لم يتوصل أبداً لأي علاقة تربطه بهما وبذاك

الشقيق التوأم خصوصاً !!

ويبدو أنه ثمة ثأر قديم بينهما هو يجهله بل وعداء حقيقي

سيخرج للسطح قريباً !


أدار عينيه وطرف وجهه يساراً في حركة لا إرادية ما أن شعر

بها تقف يمينه وشعر بالتوتر والإضطراب يغزوان المكان الذي لا

يسمع فيه سوى صوت جده الجهوري المرتفع يناقش محدثه

على الطرف الآخر وأثاره هذا الشعور في داخله وهو من وقف

في قاعات المحاكم لأعوام بقوة وثبات وصلابة توتر هذه الفتاة

مشاعره وأعصابه ! بل كيف له أن يستغرب هذا بعد فعلتها تلك ؟



" جباان "



اتسعت عيناه بصدمة ونظر ناحيتها بحركة لا إرادية سريعة ما أن


وصله همسها الواضح والمتعمد وزم شفتيه بضيق ما أن لمح



ابتسامتها الساخرة وهي تتعمد عدم النظر ناحيته تحدق عيناها

ببرود في أرفف المكتبة المليئة بالكتب خلف المكتب الذي يقفان

أمامه وبادلها الهمس وبكلمات خرجت متأثرة بضيقه المكبوت

" لا تعبثي يا خماصية "



وتعمد ذكر نصف نسبها الآخر لما تشتهر به نساء تلك القبائل من

شجاعة وعناد حتى أن الزواج من إحداهن في الماضي كان يعد

مغامرة لا يقدر عليها سوى رجال قبيلتهم وذاك أهم سبب جعلهم

حكراً لنسائهم فقط ولأعوام طويلة فإن أردت ذاك الجمال الغربي

المميز عليك بالمغامرة والقبول بعواقب اختيارك ذاك ، ودليل ذلك

لم يغب عنه يوماً وحينها تحديداً وهي تدير مقلتيها الزرقاء

الواسعة ناحية عينيه كما وجهها له وقالت بابتسامة مائلة

" وها أنا أنظر لعينيك مباشرة "



يا إلهي ما هذا الذي تفعله هذه المرأة وما قلبَ مزاجها الناري

ناحيته فجأة !

أيعقل أن يصل بها تحدي جمانة والانتقام منها لهذا الحد !!

لا يصدق هذا وهو من عرف شخصيتها جيداً لا تبالي لمن ثأرت

لنفسها منه مرة فيصبح بالنسبة لها والجدار سواء في أي


مواجهة لاحقة ، كان هو من أعلن الهزيمة وأبعد عينيه عنها في

حرب لا يستطيع إنكار أنه الخاسر فيها مسبقاً ونظر لجده الذي

كان يحرك قلماً في يده على الطاولة تحته بعشوائية ويتحدث بينما

همس بما تغلب الألم في قلبه عليه وقد علت شفتاه ابتسامة

ساخرة هي أقرب للمرارة التي شعر بها تفتته

" أنا لا أجبر نفسي على ما تكره و تشمئز منه فقط لكسب

التحديات "


فما كان منها إلا أن أهدته ابتسامة تشبه ابتسامته تلك وإن لم

يراها ولازالت عيناها تحدق بنصف وجهه المقابل لها فما لا يعلمه

هذا الرجل بأن ذاك شعورها نحو الرجال جميعهم ، ولو علم

الحقيقة وكل ما تخفيه ورائها لكره أن تكون زوجة له ولرفضها ،

لكن أن تسخر منها تلك الوقحة وتتهم جدتها في شرفها فلن

ترضاها أبداً بل وستسحبه لسريرها إن فكرت تلك في فعلها

مجدداً .



أبعدت نظرها عنه للذي وضع هاتفه في جيبه ما أن انتهت

مكالمته التي كم كانت طويلة على حفيده الذي كان يمسك رسغ

يده بالأخرى خلف ظهره ويشدها بقوة وكأنه يفرغ جميع انفعالاته

فيها ، وطويلة أكثر على التي كانت تكره الوقوف أمامه والنظر له

وإن كانت تجنبته طوال الوقت بل وحتى سماع صوته فأراح

كليهما وإن جزئياً وهو يقف بينما كان حديثه موجهاً للتي لازالت

تتجنب النظر لوجهه بتجاهل متعمد تدير عينيها بعيداً عنه ودون

أن تخفض رأسها وقال بجدية ودون مقدمات كعادة شخصيته

" أين هو شقيقك يا زيزفون ؟ "


فابتسمت بسخرية وإن كان أمرهم كعائلة لهما يعنيها لذكّرته بأن

يقول حفيدي وليس شقيقك ، لكن كل ما خرج من شفتيها

المسترخية بلا مبالاة ما أن نظرت لعينيه ببرود

" لا أعلم "


فضرب كفه على الطاولة وقال بحدة

" من يعلم إذاً ؟ أين هو وما اسمه ولما أخفيتم أمره عني ؟ "


فومضت الزرقة في عينيها ببريق كاللهب الحارق بينما ملأ البرود

نبرتها وقالت بابتسامة ساخرة

" أسمه سمحاق .. ورفض إلا أن يناديه الجميع إسحاق ما أن

علم بحقيقته أتعلم لما ؟ "


وتبدلت كل تلك السخرية في صوتها لمرارة مدججة بالكره ما أن

قالت ببطء تحدق بقوة وثبات في عينيه

" لأنه أراد أن يذكر والدي دائماً وما حدث له ومن كان

السبب فيه "


كانت نظرته لعينيها تضاهيها قوة وصموداً بينما لم يعلق بشيء

ولا بأي تعبير ارتسم على صفحة ملامحه الجامدة كالفولاذ ولم

تنتظر هي ذلك أيضاً وقد تابعت ببرود قاتل

" أما أين يكون فلست أعلم وإن كنت أعلم ما أخبرتك أبداً "


فانقبضت أصابعه بقوة فوق الطاولة في حركة لمحها حفيده ذاك

سريعاً ومن كان يعرف جميع انفعالاته ونتائجها وهو من رباه

على يديه ، وما أن شعر به يسحب عصاه ويخطو جانباً حتى مد

ذراعه أمامها في حركة سريعة ودفعها بها للخلف مما جعلها

تبتعد خطوة للوراء وقال بحزم نظره مركز على العينان السوداء

المتقدة بغضب والمصوبة ناحيتها

" جدي لا تفعل ما تنهانا جميعنا عنه معها "


وما أن نظر لعينيه لم يستطع إنكار شعور الخوف داخله للنظرة

التي رآهما فيها واشتدت أصابعه على قماش قميصها الناعم

ولازال يدسها خلفه تقريباً وقال بجدية

" الأمر لا يستحق أن يتحول لشجار بينكما وهي حفيدتك

وتحت حمايتك "


فخرج البركان الغاضب أمامه من صمته وأشار ناحيتها برأس

عصاه المذهب صارخاً

" لتتعلم كيف تحترم جدها إذاً أو علمتها درساً لن تنساه في

كيفية احترامي "


وما أن كانت التي اتسعت عيناها بغضب ستتحدث حتى أسكتها

وقاص وهو يبعد جسدها خطوة أخرى بينما نظر لها بطرف وجهه

قائلاً بحدة

" أصمتي يا زيزفون وأجيبي فقط على أسئلته إن كنت تريدين

المغادرة من هنا وأن لا تريه "


" لن أفعل "


قالتها مباشرة وبعناد غاضب فصرخ ضرار محدقاً في عينيها

ورأس عصاه يشير لها مجدداً

" أين هو حفيدي يا زيزفون ومن وراء إخفاء أمره عني كي

لا أعلم به ؟ "


ولم يزدها سؤاله ذاك إلا اشتعالاً وصرخت بغضب

" وتعلم به لما ؟

ما هذا الذي يفعله بعائلة مثلكم تخلت عنه ؟

وما الذي ستفعله أنت له ؟ "


وقالت عبارتها الأخيرة تشير له بسبابتها بينما لازال جسدها

أسيراً لقبضة ذراع الذي لازال يبعدها عنه وتابعت هجومها

الغاضب مباشرة

" لترميه في مدرسة داخلية بعيدة كي لا تفشل في توجيهه

كأشقائه ؟

أم لتشتريه بشركة طيران صغيرة كطفل تهديه لعبة غالية الثمن

وتجعله تابعاً لك فلا يفكر في الفرار بشهادته ومؤهلاته لمن هم

أفضل وأنجح منك ؟

أم لتجعله مدمناً على الكحول والمخدرات وتقف هكذا تتفرج عليه

ولا يمكنك لوم أحد لأنك الملام الوحيد في جعله يصبح هكذا ويكره

أشقائه ويفقد ثقته في الجميع لأنه يراهم لا يثقون به ؟

أم ستزوجه بإحدى بنات شركائك ليبقى تحت عنقك تهدده كيف

تشاء لأنه وبكل بساطة رفض أن يكون إلا نفسه ويبني ثروته

ومستقبله بعيداً عنك ؟ "


رمته بسموم سهامها في وجهه دون خوف تواجهه بما يعجز أي

منهم قوله أمامه أو التفكير فيه فمن يكرهك وحده فقط من يمكنه

رؤية عيوبك ، هذا هو الشرح الوحيد والمبسط لما يحدث حينها

وما جعل حدقتاه السوداء تتقد كالحجر الأسود المشتعل وتحرك

نحوها فعلاً هذه المرة ممسكاً عصاه من منتصفها وكان وقاص

في وجهه مجدداً بل وتوجه نحوه بخطوات سريعة ووقف بينهما

رافعاً ذراعيه وصرخ موقفا له

" جدي توقف لن أسمح لك بضربها ولا التفكير في فعل ذلك "


وذلك لم يزد البركان المشتعل أمامه إلا اشتعالاً وصرخ ملوحاً

بعصاه في وجهه

" وقاص ابتعد أو ستنزل هذه على جسدك أنت "


لكنه لم يتحرك ولا بخطوة وقال بإصرار غاضب ينظر لعينيه

مباشرة

" لن تضربها وأنا موجود في هذا العالم وسأمنع هذا وبأي

طريقة كانت "


فاتسعت عينا الذي صرخ فيه بعنف

" ما هذا الذي أسمعه ؟ تهدد بضربي يا وقاص "


وتبادلا نظرة قوية صامتة وكأنهما تركا المجال لعيناهما المتشابة

في كل شيء للتحدث .. قويتان غاضبتان وعنيدتان إن كان على

حق أم باطل .


وكان قاص من كسر كل ذاك الصمت المشحون وتحدث بجدية

عيناه تؤكد وبإصرار ما يقول

" إن فعلتها سأدافع عن نفسي وعنها قبلي فلا تجعل الأمر يتحول

لشجار بيننا واترك عصاك جانباً "


وتبادلا نظرة تحدي أخرى وكأن كل واحد منهما ينتظر أن ينفذ

الآخر تهديده ، بل ووقاص تحديداً من كان سينتظر رد الفعل

الأولي كما رسما للعبة تحديهما الغاضب ذاك وكأنهما ليسا الجد

المبجل والحفيد المدلل كما كانا لأعوام !

ليخترق الصوت الأنثوي الهامس من خلفه كل ذاك الصراخ

الغاضب للتي همست من بين أسنانها

" اترك الجبان يفكر فقط أن يفعلها "


فتصلب جسد الواقف أمامها بصدمة خشية أن يكون كلامها ذاك

وصل جدها هناك ونظر فوراً لعينيه وما أن نظر لها موجها رأسها

المذهب ناحيتها صرخت من قبل أن يتحدث

" أنا لا أخافك ولا أخاف عكازك السخيف هذا ولست أحتاج

لمن يدا.... "



" زيزفون اصمتي وغادري من هنا الآن "


صرخة وقاص الغاضبة أسكتتها حينها وإن لم يلتفت وينظر لها ،

لكن مفعولها لم يدم طويلاً أيضاً فقد عادت للصراخ في وجه الذي

كان ينظر لها بغضب تشير بسباتها له مجدداً

" لن أصمت والجبان وحده من يهرب من حقيقته ومن فشله ،

ولا نريد لا أنا ولا إسحاق أن نكون دمى جديدة في يديك "


ولم تكتفي بذلك فقط ولم تخيفها البتة النظرة السوداء القاتلة التي

كان يوجهها لها ولا عصاه السوداء اللامعة التي تهدد بتحويل

بشرتها البيضاء النقية للوحة فنان تشكيلي وتابعت ولازالت تشير

له بسبابتها صارخة

" ولتعلم فقط فشقيقي يكرهك أكثر مما أكرهكم أنا جميعكم ولن

يوافق ولا على رؤيتك أمامه ... "


وتابعت دون أدنى تفكير في التراجع بالرغم من يد وقاص التي

أمسكها من يدها وسحبها منها بالقوة خارج المكتب لينقذها على

الأقل من غضبه

" يكرهك ويرفضك أيضاً وهذا سيكون مصير أحفادك جميعهم

وستخسرهم تباعاً يا متعجرف يا متسلط ..أيها العجوز الفاشل..."



ولم تتوقف عن كيل الشتائم له بالرغم من ابتعادهما عن المكان

الذي تركاه فيه ووصولها لباب غرفتها الذي فتحه ودفعها داخلها

وضربه خلفه صارخاً

" يكفي يا زيزفون فهو لا يسمعك الآن "


فانتفض جسدها بقوة وغضب لم يخمد بعد وصرخت فيه بالمثل

" يسمع البقية وهذا يكفي وأولهم أنت أما هو فيعلم من دون

أن يخبره أحد "


وما أن كان سيتحدث قاطعته بحدة

" أصمت أنت وغادر من هنا أنا لم أطلب منك أن تدافع عني

لتأمرني الآن وأطيعك عرفاناً لك بالجميل ، أنا قادرة على

فعلها وحدي "


لكنه وكالعادة لم يستجب لا لطردها ولا استنقاصها لما يفعل

لأجلها وقال بحزم

" قادرة على فعل ماذا بربك ؟ عن منعه من جلدك بعصاه ؟! "



صرخت فيه وعلى الفور

" ما كان ليجرؤ على فعلها وما فعله ليس سوى تهديداً لك

أنت لأمر تجهله "


جعله تحليلها ذاك للأمر يجمد تماماً في صدمة وقد نجحت أفكاره

المخالفة في جعله يجتازها بسرعة وقال بحدة وسبابته تشير

ناحية الباب خلفه

" مخطئ خيالك إن أخبرك بغير ذلك ، أم لم ترى عيناك

غضبه جيداً ؟ "


قالت من فورها وبضيق

" بلى ولن يفعلها لأنه أجبن من أن يواجه صورة المرأة التي

ظلمها وتركها خلفه حين سيقف أمام وجهي وسيراها ويرى الظلم

الذي ألحقه بها وبعائلته منها حينها ولن يجرؤ على فعلها ولم

يكن المعني سواك فهو يعلم بأنك ستمنعه "


كان تنفسه لازال يخرج قوياً بينما لاذ بالصمت ينظر لعينيها وكأنه

يحاول إيجاد ثغرة أخرى في حديثها لينكر تحليلها للأمر لكن الباب

الذي انفتح خلفه فجأة منع كل ذلك مما جعله يصمت تماماً عن

الأمر وللأبد والتفت فوراً للذي أصبح يقف على عتبته يدس يديه

في جيبي بنطلونه والذي ابتسم بسخرية متمتماً

" هل لي أن أعلم ما بكم مع زوجتي تغضبونها طوال الوقت ؟ "



فنظر له بقوة ولم يتحدث بل ولم يستطع ولا رميه بنظرة حاقدة

كارهة كالتي كان يهديه إياها في كل موقف مشابه بل وكلما تقابلا

مؤخراً لأن ما قفز في ذهنه حينها وسريعاً هو كلماتها التي خصته

بها وهي تواجه من لا يجرؤ ساكني ذاك المنزل جميعهم ولا على

مناقشته

( أم لتجعله مدمناً على الكحول والمخدرات وتقف هكذا تتفرج

عليه ولا يمكنك لوم أحد لأنك الملام الوحيد في جعله يصبح هكذا

ويكره أشقائه ويفقد ثقته في الجميع لأنه يراهم لا يثقون به ؟ )


مما جعل قبضتاه تشتدان بقوة بجانب جسده بل وتحركت خطواته

وغادر دون أن ينظر له تراقبه عينا الذي لازالت الابتسامة

الساخرة تزين شفتيه حتى اختفى من هناك ودخل حينها وقال

ناظراً للتي كانت تجمع شعرها على كتفها وترتبه بحركة غاضبة

وذات الابتسامة الساخرة تزين شفتيه

" مهلك على الشعر الجميل يا حسناء ، لا شيء يستحق

أن تفقديه "


وتابع وخطواته تقترب منها ما أن طال صمتها متجاهلة ما قال

كتجاهلها لوجوده

" هل تتصوري ؟ خالك اتصل بي اليوم وكا... "



" نجيب "


وبتر جملته ونظر خلفه للتي أصبحت تقف هناك وكانت والدته

التي تابعت ببرود

" جدك يطلبك في مكتبه "



وغادرت من فورها وصوت الخطوات الغاضبة لكعب حذائها

لازالت تُسمع خلفها بوضوح فتنهد بضيق وتبعها متمتماً

" يغضبه حفيده المبجل وندفع نحن الثمن "


وغادر وترك خلفه التي توجهت لباب الغرفة وضربته بقوة

متمتمة بغضب

" يالكم من عائلة كريهة "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 23-03-20, 09:59 PM   المشاركة رقم: 1460
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*



وقفت داخل بهو المنزل يداها تتمسكان بحقيبتها بينما نظراتها

انتقلت باستغراب بين من كانوا يتحركون هناك وعلى غير العادة !

ابتداءً من وقاص الذي توجه نحوها بخطوات واسعة وملامح لا

تعلم هي غاضبة أم عابسة متجهمة !

واجتازها هامساً دون أن ينظر ناحيتها

" مساء الخير ماريه "


وتبعته هي بنظراتها حتى نزل عتبات الباب الزجاجي الكبير

المفتوح فكلماته لم تختلف كثيراً عن ملامحه وإن كان كما يبدو

جاهد نفسه كثيراً ليلقي عليها التحية بنبرة هادئة لكن لم ينجح

الأمر ! وانتقل نظرها لوالدة نجيب التي خرجت من ذات الممر

وتوجهت من فورها ناحية مكتب كبير العائلة في الجانب الآخر

يتبعها ابنها وكعادته يداه في جيبي بنطلونه الجينز وخطواته

كسولة ومتسعة ذات الوقت وكأن ما يحدث حوله بل والعالم أجمع

آخر ما يهمه !!

وقد التقى بوالدته عند الباب الذي كانت تنتظره أمامه وتبادلا

الهمس الذي كانت تعبر عنه هي بحركات غاضبة من يدها بينما

كان مزاج ابنها العكس تماماً والذي تركها تتحدث وفتح باب

مكتب جده ودخل مغلقاً إياه خلفه متجاهلاً التي تأففت تنفض يديها

قبل أن تدني رأسها وأذنها من الباب تحاول الاستماع لما يدور

في الداخل !


فتنهدت بأسى وتحركت خطواتها نحو الممر ذاته والذي يحوي

غرفتها المؤقتة هنا ولن تستغرب سلوك كل فرد من هذه العائلة

فهم الأغرب على الإطلاق !

وقفت ما أن كانت أمام الباب الأقرب لغرفتها هناك ونظرت له

بحزن وتمنت لو أنها طرقته ودخلت لغرفة الشخص الوحيد الذي

إن سمحو لها بالتحدث عماّ حدث معها اليوم لاختارته .. وهي

زيزفون ، كانت ستختارها بالرغم من اختلاف شخصياتهما

ووجهة نظرهما للأمر بل وقلة حديث تلك والذي يجعلك تشعر

وكأنها لا تحب سماعك أيضاً وإن لم تعرب عن ذلك ولا بملامحها

أو أي رد فعل غير الكلمات لكن من لا يتحدث معك تشعر دائماً

بأنه يرفض سماعك ، وبالرغم من ذلك هي تحب مجالستها

والتحدث إليها وسماع كلماتها القليلة تلك فهي لا تخرج عبثاً أبداً

، لكنها أيضاً تستطيع توقع ما سيكون رأيها بالأمر وستقترح

عليها بإيجاز أن تترك الخيار لها نفسها لعقلها ولقلبها .. لماريه

فقط دون أن تستمع لأحد وإن تهورت واتخذت قراراً مجنوناً لن

يتوقعه الجميع ، وهي تعلم سلفاً ما سيكون خيارها ذاك وهو ذاته

ما قرروه سابقاً عنها ولن يترك لها لا قلبها ولا عقلها فرصة

التفكير في أمر قد يكون سبباً في تضرره وإن كان الثمن تعاستها

وحزنها وللأبد ... خيار صعب وقاسي ومجحف بجميع أشكاله

ونواحيه لكن لا مفر منه ومهما حاولت إقناع نفسها باتخاذ غيره

وجدتها تعود طوعاً له فلا يمكنها أن تكون كزيزفون ولا كتيم

نفسه ولن تمتلك الشجاعة لمواجهة خوفها عليه وعلى سلامته

كما فعل هو سابقاً .


تركت ذاك الباب وراءها وسارت عبر الممر الطويل تنظر

لخطواتها عليه بحزن كما تركت كل شيء هناك وعلق في قلبها

الكئيب للأبد ، كل ما مرت به اليوم كان يشبه تلك اللحظات

القصيرة التي وقفتها هناك وهو الهرب من مواجهة من هم أقوى

منها كما حدث مع ذاك الرجل الذي وقفت أمامه لم تستطع النطق

بأي حرف ، أجل أضعف منه في كل شيء ولم تجد ولا حجة

واحدة قوية تواجه بها كل ما قال ، وآمنت حينها بأنها امرأة

ضعيفة بلا شخصية ولا إرادة يحركها الغير كما سبق وقال الرجل

الذي تحب بنفسه ولن تتغير أبداً.


فتحت باب غرفتها وركضت نحو سريرها على الفور وارتمت

عليه تسكب بكائها وعبراتها فيه دون قيود ولا حدود تخرج باقي

الألم المعتمر داخلها وذاك الصوت الجهوري القوي الآمر تشعر

به وكأنها تسمعه الآن

( تيم أصبح الآن ضابطاً في البحرية الملكية ووجود ابن السيد

غاستوني ميديشي فيها وكونه شخصياً ضابط قديم ضمن أسطول

سفنها الحربي وكونهما الأقارب الأقرب هنا لماري ديفسنت يجعلك

خطراً حتمياً عليه ماريه هارون )


مما زاد حدة بكائها وعبراتها يخرج أنينها الموجع كضبي جريح

ترك وحيداً حتى شعرت باليد التي مسحت على شعرها والشخص

الوحيد الذي يعلم بالتأكيد عما يحدث معها وسيكون شقيقها

أخبرها لتكون هنا معها ما أن تركها هنا وغادر ، وكما توقعت فقد

وصلها صوتها الحزين الحنون لازالت تمسح على خصلات

شعرها الناعم بحنان

" لقد فعلت الصواب صغيرتي فلا تقسي على نفسك ، لو أنك

اتخذت قراراً غيره ما صدقت بأنك تحبينه فعلاً ... الحب تضحية

ماريه ومن لا يضحي من أجل من يحب فهو لا يحبه "


*
*
*



فتحت باب الغرفة ووقفت أمامه وابتسمت من فورها بحب تراقب

العينان والأحداق الرمادية المحدقة في شاشة التلفاز باهتمام

وتركيز ترسم على شفتيها ابتسامة جميلة تشبه ملامحها البريئة

الرائعة تشاهد بحماس المسلسل الكرتوني المعروض على شاشته

الضخمة ، وسرعان ما ماتت تلك الابتسامة ما أن انتقل نظرها

لابنتها والجالسة بجوارها بل المقلوبة رأساً على عقب ساقها

فوق ظهر الأريكة والأخرى على مسندها بينما تنام بظهرها عليها

مقابلة للسقف تلعب بخصله من شعرها تضعها على وجهها

وتنفخها بقوة لتطير عنه وتكرر ذلك مجدداً وإن بملل أيضاً ، ولن

تستغرب هذا منها فهي لا تحب متابعة هذا النوع من أفلام الأطفال

كما تسميها هي ولا يمنعها عن مشاهدة ما يخبرنها عنه زميلاتها

بالمدرسة إلا تعليماتها الصارمة وحجبها لجميع تلك القنوات

عنها ... المدرسة !! في كل مرة تدور وتعود لذات النقطة

والسبب الأساسي في فساد أغلب الفتيات كما ترى وعن قناعة

تامة أيضاً فهي تراها باتت أخطر من الإنترنت لأنها السبب

الأساسي لإيصال الفتيات له ، وأكثر ما باتت تخشاه هو أن تفقد

هذه الفتاة الرائعة كل هذه البراءة والخصال الحسنة بسبب

المكان المسمى مدرسة وذاك ما جعلها تقرر عدم إرسالها لها

وستكمل دروسها هنا وتتقدم للإمتحانات فقط فشعورها

بالمسؤولية اتجاهها وحبها الشديد لها يجعلانها حريصة وأشد

الحرص على سلامتها وتربيتها فهي في نظرها ليست زوجة

لإبنها لأن ذاك المعتوه رفضها من قبل مجيئها إلى هنا بل

تعتبرها ابنة لها بل وكأمانة في عنقها تخاف عليها من كل شيء

وأهمه أن تحاسب أمام والدتها يوم تلقاها .


أغلقت الباب قليلا بينما بقيت خلفه ما أن قفزت ابنتها جالسة

وقالت بملل

" يالها من عطلة كئيبة طويلة حتى في نهايتها "


وتابعت تعد بأصابعها

" الأحد الإثنين الثلاثاء ... "


وما أن وصلت الجمعة صفقت بيديها قائلة بسعادة

" ستة أيام فقط وتعود المدرسة "


وتابعت بضيق مفاجئ

" حبيبتي وحدي بالطبع فليس ثمة من تسعد بها وبقدومها

مثلي "




قالت يمامة بفضول

" ستبدأ الدراسة الأسبوع القادم بالفعل ؟ "



ضحكت وقالت

" أجل بالتأكيد هو موعد ثابت كل عام يا حمقاء "


وكان صوتها مليئاً بالحزن حين قالت

" كم أحسدك على هذا "



وتابعت من فورها

" هل لك صديقات هناك ؟ "



قالت بثينة مبتسمة

" أجل بل وجميعهن صديقات لي "


سألتها مجدداً وحماسها يرتفع معها

" وتلعبون الرياضة كما في المدارس الموجودة في الكرتون ؟ "


وكان جواب بثينة حماسياً أيضاً وكأنها تلقت العدوة منها


" بالطبع وثمة نشاطات ترفيهية كثيرة ومسابقات وجوائز "

وتابعت بابتسامة كرتونية

" بالرغم من أني لم أنل واحدة منها من قبل لكني كنت

أشارك دائماً "



كانت تنهيدة الحسرة واضحة في صوت التي قالت حينها

" يا إلهي كم هذا رائع ، لو أني فقط أكون معكم "


فسحبت بثينة جهاز التلفاز من حجرها قائلة

" لا أرى والدتي متحمسة لذلك وأخشى أن لا تكوني معنا

إلا ونحن ندخل الجامعة "


وأتبعت آخر كلماتها بضحكة عالية بينما نظرها على التلفاز

والقنوات القليلة فيه تقلبها بالتتابع وقالت حين لم تعلق التي

انشغلت بالنظر للتلفاز بحزن

" يمكنك طلب ذلك منها فهي كمارد المصباح بالنسبة لك "



ونظرت لها حين تابعت بجدية

" وعليك أن تكوني عنيدة ومصرة إن رفضت لا أن تخضعي

لها كالعادة "



وارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيها وهي تتابع وقد عادت

بنظرها للتلفاز

" أو استعيني بأبان إن تأزم الأمر فوالدي لن يغير في قراراتها

شيئاً بل ولن يناقشها فيها "


اشتدت حينها يد جوزاء على مقبض الباب تنتظر بشعور غريب

تعليقها على ذلك ورأيها فيها وهي ليست موجودة معهما

وابتسمت بحزن وحنان ما أن قالت يمامة أخيراً

" أحب المدرسة وأن أراها وأكون فيها لكني أحبها أكثر منها

ولن أرفض ما تريد "



وكان تعليق بثينة وكالعادة أن قالت

" آآه حمقاء ولا أمل يرجى منك أبداً "



مما جعل والدتها تزم شفتيها بضيق منها والتفتت لصوت

الخطوات التي وقفت خلفها ونظرت بصمت للتي قالت

" سيدتي رفض أن أجهزها له وسألني عنك أيضاً "


أومأت لها برأسها وقالت تبتعد عن الباب الذي تركته مفتوحاً

" أخبري بثينة تكون في غرفتها حالاً أريد رؤيتها ما أن أنزل "



وغادرت ووجهتها السلالم المشترك الذي يربط بين طوابق المنزل

، ستراه سريعاً ثم تنزل لها وعقابها لن يكون سهلاً هذه المرة

بسبب ما قالت .. والأسوأ من ذلك تحريضها لها على العصيان

وأن تكون نسخة سيئة مثلها !

هي ابنتها وقد فقدت السيطرة عليها حين وافقت بسبب إلحاحها

ووالدها معها على أن تواصل الدراسة مع زميلات طفولتها

وارتكبت خطأ مريعاً بذلك ولن يتكرر مع يمامة ، تنهدت بأسى

وهي تسير في الممر القصير ناحية باب الغرفة المفتوح تتذكر

حديثها الحماسي وأسئلتها عن المدرسة وإيثارها رضاها عنها

وحبها لها على رغباتها هي .



ما أن وصلت باب الغرفة ودخلتها حتى ابتسمت وقد وقع نظرها

على الذي كان يضع القميص المطوي في الحقيبة الموضوعة

على السرير تحته ببطء وعناية يرتدي ملابسه الخاصة بعمله

كطيار .. القميص الأزرق الفاتح كلون السماء الصافية بأكمامه

القصيرة تزينها خطوط ذهبية خصصت لها تحديداً وربطة العنق

باللون الأزرق المائل للسواد كلون البنطلون المكوي بعناية وقد

زينها دبوس ذهبي عند منتصفها لترى فيه حلمها الكبير الذي

تحقق كلما رأته بها ويزداد حبها له عظماً وقوة .



وما أن رفع رأسه ونظره لها أهداها ابتسامة تشبه ابتسامتها تلك

قبل أن يتحرك نحو الخزانة المفتوحة وقال وهو ينزع قميصاً آخر

من علاقته الخشبية

" أنت من أرسلها إذا ؟ "


ابتسمت وقالت وهي تجلس على حافة سريره الكبير

" بالتأكيد أم أنك معتاد على دخول الخادمات لشقتك هنا وأنت

موجود فيها ؟ "


أعاد العلاقة الخشبية مكانها قائلاً بابتسامة

" لا بالطبع ولم تخالف إحداهن أوامرك فلا تخافي "


فابتسمت ولم تعلق فذاك كان أشد وأكثر أوامرها صرامة وحرصاً

على تنفيذه هنا إن في وجودها أو غيابها عن المنزل ، فلكل واحد

من ابنيها شقة مستقلة تحتل نصف الطابق الثالث والأخير

لمنزلهم وبباب مستقل أيضاً يتشاركان فقط في ردهة واسعة تربط

السلالم الخاص به بالطابقين أسفله وقد شددت على أن لا تدخل

الخادمات شقتيهما إلا بأوامر منها ولا يتم تنظيفها إلا في غيابهما

وبعلمها أيضاً ، ليس شكاً منها في تربيتها لهما لكنه حرص منها

ليس إلا وخوف منهن تحديداً فهي ربت ابنيها لكنها لم تربي

الخادمات وكم من قصص مروعة كن هن السبب فيها ، وحين قال

رسول الأمة ( عليه الصلاة والسلام )

( ما اجتمع اثنان إلا وكان الشيطان ثالثهما )

لم يقلها من فراغ وهي مقتنعة تماماً بكل ما يقول ويحذر منه ،

والخادمة الأكبر سناً هنا هي وحدها من تطلب منها أي أمر

يحتاجه أحدهما وهو موجود في غرفته وحين تصبح زوجة كل

واحد منهما معه هنا حينها له أن يوظف في منزله من يريد .


قالت مبتسمة وهي تراقبه يطوي القميص بعناية وحركة خفيفة

متقنة تشبه سيطرته وشخصيته

" أردت فقط تخليصك من عناء فعل هذا بنفسك "


قال وهو يعود جهة الخزانة المفتوحة مجدداً

" لا أمي أنا أحب أن أضع أغراضي حيث أجدها فوراً فيما بعد ولا

أضطر لإخراج كل ما في الحقيبة بحثا عن إحداها "


قالت ونظرها لازال عليه مولياً ظهره لها

" ستطول رحلتكم هذه المرة ؟ "


أخرج صندوقين صغيرين وضعهما فيها أيضاً قائلاً

" أسبوع على الأغلب "


وتوجه جهة حمام غرفته فقالت ونظرها يتبعه

" أخبرتني الخادمة أنك سألتها عني "


خرج خلال لحظات يحمل عدة الحلاقة الخاصة به ومعجون أسنانه

الخاص وقال متوجهاً ناحية السرير

" أجل أريدك أن تتحدثي مع والدي وتتفقا مع عائلة كنانة

بشأن الزفاف "


ابتسمت تراقبه وهو يضع أغراضه في الحقيبة وقالت

" مستعجل لهذا الحد ؟ "


رفع نظره لها بينما كان لازال منحنياً لحقيبته وقال بابتسامة

جانبية

" أجل مستعجل وأريد زوجتي هل هذا ممنوع ؟ "


ضحكت بينما انشغل هو بوضع أغراضه وقالت

" لا هو حق مشروع بالتأكيد لكن ثمة حفل زفاف وأمور كثيرة

أيضاً فأنا لن أحتفل بزفافك دائماً "


استوى واقفاً وأمسكت يداه خصره النحيل المشدود بحزام

البنطلون وقال

" لا أظنك غافلة عن كل هذا سابقاً وما يشتريه المال يمكن

توفيره خلال ساعات وببضع اتصالات هاتفية فقط "


حركت كتفيها مستسلمة وقالت بابتسامة

" سأتحدث مع والدك ونتفق مع والديها ولن يحدث إلا ما تريد "


ورفعت سبابتها تحذره بجدية

" لكن لا إلغاء لحفل الزفاف هنا أيضاً يا غيهم لا تنسى هذا

وتحت أي سبب كان "


لوح بيده لها مبتسما وهو يستدير مجدداً وقال عائداً جهة الحمام

" ولن يلغى الموعد أيضاً وتحت أي سببٍ كان اتفقنا ؟ "


وما أن خرج منه يحمل في يديه منشفة بيضاء ناصعة ومطوية

كانت نظرتها له لازالت تحمل معانٍ كثيرة أولها

( لن تحتال على ذكائي يا ابن جوزاء )

فقال مبتسماً

" هذا هو العدل أمي فلن أسمح بتأجيله لأنك تريدين حفلاً كبيراً

وقد واجهتنا ظروف ما تمنع ذلك "



وانشغل بوصع المنشفة في حقيبته فقالت مستلمة

" أمري لله موافقة ولا خيار لدي "


فقال ما أن استوى واقفاً ونظر لها مجدداً

" لن نتكهن بحدوث أي أمر سيء يعرقل خططك والحفل الذي

تخططين له "



قالت مبتسمة بسعادة

" أجل وسيكون لكما حفل في أفخم مكان وأكثره شهرة "



توجه لطاولة التزيين ورفع ساعته وقال مبتسماً وهو يلبسها

ونظره على ما يفعل

" لا مانع لدي في أي شيء تريدين المهم أن لا تقرري فجأة أن

تزوجيني وأبان في يوم واحد لأن ذلك معناه أن لا أتزوج قبل

أعوام "



ضحكت وقالت

" لا بالطبع فأبان ذاك لن يطال مناه قبل أن يتعلم الدرس جيداً "



فابتسم وانشغل بتمشيط شعره ونظره عليه في المرآة وقال

" وبعيداً عن كل ذلك هي صغيرة أمي فلا تغامري على حساب

الفتاة ولا تتأسي بأفعال شقيقك "



قالت من فورها ونظرها على صورته المقابلة لها من بعيد

" لا بالطبع وأرى جيداً ما تراه أنت يا غيهم وثمة فرق شاسع بين

ابنة مطر ويمامة بل وحتى بثينة "



وتابعت بضحكة

" تلك ليس ثمة فتاة في سنها تشبهها ! لا تعرف جيناتها أم

طبيعتها أم والدها السبب في ذلك "


ابتسم ولم يعلق لازالت أصابعه ترتب خصلات شعره ونظره عليها

وقالت هي مبتسمة

" لو لم يكن مطر زوّجها سلفاً لما كنت تركتها لغيرك أبداً "


نظر لصورتها في المرآة حينها بينما لوح لها بالمشط في يده

مهدداً وقال بابتسامة جانبية

" بل قولي إن لم أتعرف بكنانة قبل كل ذلك فلن أوافق الآن

على امرأة غيرها "


ضحكت وقالت

" وأنا أحببتها وأريدها ... "


وتابعت مبتسمة تنظر لعيني الذي رمى المشط مكانه واستدار

ناحيتها

" كنت وجدت مع عناد شقيقك حلاً وزوجته بها حينها فيمامة

ابنتي في جميع الأحوال "



ضحك وقال متوجها لحقيبته المفتوحة

" لا فأبان قد أوقعه عناده فيما يحب "


ابتسمت بمكر وقالت

" يريد التأجيل لعدة أعوام ...؟ له ذلك إذاً "


قال الذي انحنى لحقيبته يغلقها

" لا تستأمني له كثيراً أمي فأن يكون الرجل وزوجته في منزل

واحد لن يفلح أي قانون في إبعاده عنها "


قالت من فورها وبضيق

" يطال النجوم أولاً ، لقد غيرت برنامجي السابق بالكامل وحتى

خروجي من المنزل فقط من أجل هذا وأنا له بالمرصاد "


والتوى فمها بامتعاض وتنهدت بضيق وإن كانت كلماتها هادئة

باردة حين قالت

" بالرغم من أني أوافقك الرأي جزئياً فقد فاجأتني الفتاة وهي

تتحدث عن حقوقها اتجاهه كزوج وبأن له القرار ومؤكد هو من

يحشو رأسها بتلك الأمور فهي لا تعرفها "


فضحك وهو يستوي واقفاً بينما غابت الابتسامة عن وجهه

الرجولي الوسيمً حين قال ينظر لها

" حاذري إذاً يا جوزاء كي لا تتسببي بعقدة نفسية طويلة الأمد

للفتاة وسببها ابنك "


كانت ستعتقده مزاحاً منه لولا أن لهجته كانت جادة تماماً فيما قال

بل ولا تراه يتحدث عن أمر حساس كهذا وبجرأة معها إلا لخوفه

الفعلي من حدوث ذلك فلا أحد في هذه العائلة عرف يمامة ولم

يحبها وفكر فيما يكون لصالحها قبل كل شيء ، كتفت ذراعيها

لصدرها وقالت بجدية

" أعلم جيداً تربية ابني وإن كان متهوراً عنيداً ولا يشبهك

لكن ما أخشاه فعلاً أن يدفعها لإطاعته في ذلك "


أخفض نظره وقال بابتسامة جانبية

" حينها لا مناص لك من الاستسلام "


صفقت يديها ببعصها وحركت رأسها مبتسمة من حياء ابنها قبل

ما قاله أو ما قالته هي قبله وتنهدت نفساً طويلاً قبل أن تقول

بجدية

" يمامة صغيرة وأصغر من سنها بكثير فهي لا تعرف من العالم

شيئاً أبعد من المكان الذي تعيش فيه ولن أسمح لأبان ولا لغيره

أن يشكلها كيف يشاء "


" وتسمحين لنفسك أمي ؟ "


حدقت فيه باستغراب بل برفض فقال من قبل أن تعلق وقد دس

يديه في جيبي بنطلونه

" أن تحميها وتخافي عليها شيء وأن تتحكمي بها وبقراراتها

شيء آخر تماماً "


اتسعت عيناها بصدمة وقالت برفض قاطع

" ما هذا ... "


فقاطعها قبل أن تقول ما يعلمه جيداً وقال وبذات نبرته الجادة

" أمي لن أكون إلا صريحاً معك ، فأن تكون الفتاة موافقة على

كل ما تريدينه ليس معناه أنها سعيدة به "


ولم تزد كلماته الأمر إلا سوءاً بل وانزلق الأمر لمنحى آخر أشد

حين قالت ببرود تنظر لعينيه

" عنها أم عن نفسك تتحدث يا غيهم ؟ "


فاتسعت عيناه هو حينها وقال مستنكراً

" لما خلط الأمور الآن أمي ؟

تعلمين جيداً بأني درست الطيران وتركت ما أحب طاعة لك

ونزولاً عند رغبتك لأنه حلمك الوحيد الخاص بي ليس لأني لا

أستطيع أن أعاندك حينها وأفعل ما أحب "



قالت من فورها وبحزم

" بلى أعلم كما لا تعلم أنت معنى أن تكون ضمن قوات عسكرية

في بلاد مهددة بالخطر حتى إن كنت تحت رعاية خالك وناظره فلا
هو ولا رجاله في مأمن وإن أصبحوا داخل البلاد "



كان سيتحدث فقاطعته سريعاً وبجدية

" ولا تقل بأن الموت لا يمسكه أحد ولا شيء فالدخول في

الحروب الأهلية ومع أي طرف كان جريمة في حد ذاتها وأرفض

أن تشاركوا أبنائي فيها "


فرد ذراعيه وقال يعود بها لذات حوارهما السابق والأساسي

" إذاً اتركي للفتاة حرية الاختيار وفعل ما تحب وإن كان في

نظرك خاطئاً ، أخبريها فقط عن مخاطره عليها ولتتجنبه هي عن

عقل ليس لأنها تطيعك أو خائفة منك "


وتابع بجدية يمسك جيبي بنطلونه بإبهاميه

" وتأكدي من أن ذلك ما حدث معي تماماً أمي وأعي جيداً

معنى ما تفكرين وتقصدين "


لاذت بالصمت ولم تعلق كما كان يظن وعلم بأنها تدرس أبعاد

قرار ما يخص الفتاة وكانت ستقرره نيابة عنها فقال يحثها أكثر

على تغيير رأيها فيما تنوي فعله وإن كان يجهله

" أتركيها تقع وتقف وتخطئ وتتعلم من أخطائها لتنصقل

شخصيتها وتصبح سيدة نفسها وقراراتها "


وعلم بأنه أصاب الهدف حين تنهدت باستلام قبل أن ترفع سبابتها

قائلة بحزم

" لن يكون أبان بالطبع من ستختبر عليه قدراتها "


فلم يستطع منع نفسه عن الضحك وحرك رأسه قائلا بابتسامة "

لا أحسد أبان البتة على ما صار إليه "


وقفت وقالت بضيق

" ذاك ما جنت يداه والفتاة صغيرة وزواجهما لن يتعدى الحبر

الذي كتب به وفي جميع ما يربطها به كزوج "



رفع كتفيه قائلاً

" حلك الوحيد إذاً في سفره والدراسة في الخارج "


حدقت فيه بصمت قبل أن تقول

" لست وحدي من يرفض ذلك بل وأبان نفسه "



قال بجدية

" ورغم كل ذلك وكما يعلم الجميع فأنت قادرة على فعلها وإن

رفض هو نفسه ، وأبان أعقل من أن يكون مصيره الإنحراف

وأنت من ربيته وتعرفينه جيداً "


وحرك رأسه جانباً وكأنه يشير لشيء بعيد به متابعاً

" ثم ورجال خالي مطر منتشرون في إنجلترا ويمكنك ممارسة

رقابتك عليه حتى وهو هناك "



وقال آخر كلماته تلك مبتسماً يعلم جيداً مصيره منها لكنها تجاهلت

مقصده ذاك وقالت ببرود

" لا رغبة لي في ذلك لكن الأمر وارد جداً إن لم يتعقل ويبتعد

عن الفتاة "
ابتسم وانحنى لحقيبته وأمسك مقبضها وأنزلها للأرض ونظر

للتي قالت وكأنها تحدث نفسها ونظرها شارد في الفراغ

" إذاً عليا إرسالها للمدرسة مع بثينة وإن كنت أكره ذلك "


فابتسم ولم يعلق أو يحاول إقناعها لأنها وكما يبدو اقتنعت تماماً

بل قال مبتسماً ينظر لها

" تغير كل شيء في البلاد وقوانينها منذ عاد شقيقك إلا موعد

الدراسة الغريب هنا !! "


رفعت نظرها الشارد له حينها وقالت بحزم

" معه حق يتركه كما كان فمن الصواب أن ينام الأطفال في

منازلهم وقت الشتاء والبرد ويذهبوا للمدارس في الصيف فوقت

النهار فيه يكوم طويلاً ومع أنظمة التكييف الحديثة والحافلات

الخاصة بالمدارس لن يكون الحر مشكلة "


قال بابتسامة جانبية

" لكن أن يكون وقت العطلة والسفر والتنزه في الشتاء

مشكلة أمي أليس كذلك ؟ "



قالت مباشرة ويضيق

" ولما السفر والتنزه ؟ التعليم أهم "



ضحك وقال ينظر لهاتفه الذي بدأ بالرنين

" حمداً لله أنك لست وزيراً للتعليم "



ورفعه من فوق السرير ونظر لإسم المتصل ووضعه على أذنه ما

أن فتح الخط ينظر مبتسماً للتي كانت تنظر له بضيق بسبب ما

قال ولم يتحدث ويبدو أن من في الطرف الآخر لم يترك له المجال

لذلك مما جعلها تنظر بريبة لملامحه التي فقدت ابتسامتها فجأة

وحاجباه اللذان انعقدا بتوجس وقال بعد قليل

" متى حدث هذا ؟ "


وازداد توجسها ما أن قال بجمود

" وأبان أين هو ؟ وهل علم عن الأمر ؟ "



وأنهى الاتصال بعد أن تمتم ببرود

" ليتحمل نتائج أفكاره واختياراته "


فقالت تنظر له بريبة واستغراب

" ماذا حدث وما علاقة شقيقك بذلك ؟! "


لم يجبها بل دس هاتفه في جيبه ورفع حقيبته وقبعته الخاصة

ببذلته وقال وهو يجتازها مغادراً الغرفة

" سيخبرك حين يكون هنا "


وتابع وهو يجتاز الباب المفتوح

" وتذكري اتفاقنا أمي ولن يوقف شيء وجود زوجتي هنا

وفي أقرب وقت "



وغادر وتركها تنظر لمكانه باستغراب تبدل للصدمة ما أن فسرت

معنى كلماته فأخرجت هاتفها سريعاً واتصلت بأبان لكنه لم يجب

ولم تتعب نفسها بتكرار الاتصال فهي تعرفهما جيداً من لا يجيب

على اتصالها الأول فلن يجيب أبداً وإن أحرقت هاتفه بالاتصالات ،

فأعادت هاتفها لجيبها وغادرت الغرفة أيضاً متمتمة بضيق

" أي مصيبة ورائك هذه المرة يا أبان "


بل وتابعت ببرود وهي تغلق باب الشقة بعد خروجها منها

" وكما قال شقيقك تحمل ما تصنع يداك "


وما أن وصلت السلالم حتى تغلب عليها قلب الأم الذي كانت تشعر

به يشتعل ناراً في جوفها فأسندت جسدها بسياج السلالم وأخرجت

هاتفها واتصلت بمن تعلم بأنه لن يتجاهل اتصالها وقالت ما أن

فتح الخط

" أيوب اتصل بأبان فيبدو ثمة ما يحدث معه وغيهم لم يخبرني "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 11:17 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية