لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-02-18, 10:15 PM   المشاركة رقم: 956
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*



رفعت نظرها عن هاتفها ما أن فتح لها سكرتيره الباب قائلا

" يمكنك الدخول سيدتي "

وقفت حينها ورفعت حقيبتها وتوجهت نحو الباب المفتوح

بخطوات ثابتة أنيقة كما كانت دائما وما أن دخلت المكتب الواسع

الفخم اغلق الباب خلفها دون عناء لأن تلتفت وتغلقه ووقع نظرها

فورا على الذي وقف من خلف مكتبه الوثير مبتسما بحبور يشبه

سنوات عمره السبعين وخبرته كرئيس قضاة لأعوام ثم كوزير

للعدل لازال مركزه يتمسك به تحيطه دعوات كل من علم عن

عدله في تلك البلاد بأن يمتد عمره لأضعاف ما كان وزاد عليه

علاقته القوية بالرجل الذي رباها مما جعلها تثق أكثر به وبعدله

معها في بلاد لن ينصفها فيها ولا القانون لأنها كمن يحارب ثنين

بعصى من خشب وعبارة واحدة تسمعها من الجميع

( غسق من عقلك تفكرين في محاربة رئيس البلاد بالقانون !! )

أجل بالقانون أليست مواطنة كالجميع ؟

وأليس هو الرجل العادل المنصف للمرأة ومن اتبع شرع الله

في صياغة قوانينه الجديدة ؟

إذا هي أحق من غيرها وقبل الجميع بأن ينصفها القانون

وأن تدافع عن نفسها وتسلب حقها من مغتصبه وتقتص

لسنوات عذابها وحرمانها وأن يتحول جلادها للضحية كما

تحكم عدالته .

استقبلها الذي خرج من خلف مكتبه مصافحا إياها بكلتا يديه

يشد على يدها قائلا بابتسامة

" غسق شراع في مكتبي ! لا أريد أن أقول زارتنا البركة فقد

لا تتكرر مجددا كما حدث مع سابقتها "

اغتصبت ابتسامة شعرت بها تعذب روحها وقالت بحزن

" بل جئتك اليوم بصفتي غسق دجى الحالك لعلها تجد من

ينصفها في كل ما قاسته حتى اليوم "

تبدلت نظرته للتوجس وأشار بيده جهة الصالون الجلدي الانيق

عند زاوية مكتبه وقال

" تعالي اجلسي فلا يبدوا أن في حديثك ما يسر يا ابنة العظماء

الشرفاء كان من يكون من انتسبت له "

تبعته ونظرتها الحزينة ملئها امتنان فهي كانت واثقة بأنه

ثمة أشخاص لن يخذلوها وهي تعلق كل آمالها بعد الله على

هذا الرجل فإن رفض إنصافها فستدخل حربها وحيدة فهي

ستفعل ذلك في جميع الأحوال فبعدما حدث تلك الليلة لن

تسامح هي نفسها إن استمرت في الصمت على أفعاله

معها والتي ختمها بجوابه عن ذاك السؤال في جريدة

العوسج وكأنه يقاتلها من ذات مضمارها السابق وهو يقول

وبكل برود أعصاب بأن سبب زواجه منها وصية من شراع

صنوان قبل موته أن لا يترك ابنته ليصفعها صفعة جديدة

وهو يقدمها للجميع كمسؤلية وقعت على عاتقه وأن العقد

الذي يربطهما ليس سوى عهد قطعه للرجل الذي وصفه بأنه

الشخص الوحيد الذي حمل له دينا في عنقه وها قد وفاه له

لكنها لن تكون السداد لذاك الدين .. لن تسمح له بتحطيمها

أكثر من ذلك ولن تستمر كضحيته الدائمة وأمام الجميع .

جلست على أريكة الصالون الجلدي الأسود نظرها على يديها

في حجرها تكاد تمزق أصابعها من شدها عليهما وتعلم جيدا

أن الجالس أمامها يتوقع وإن جزءا مما ستقوله وذاك ما حدث

فعلا حين وصلها صوته العميق المتزن

" هل لجوء ابنتي غسق لي معناه أنها باتت تشعر بأنها

وحيدة "

رفعت نظراتها الكسيرة له وقالت بحزن

" بلى وكان عليها بالفعل أن تلجأ لوالدها الثالث من وقت طويل
وكل ما أتمناه أن لا تردني خائبة "


تنهد بعمق وقال

" ما أفهمه يا غسق أن مطر شاهين في الأمر وعليا

أن أتدخل ؟ "

قالت بجدية

" بل محاكمة عادلة وتطلقني منه .. هو حق لي كأي شخص

في هذه البلاد ، وقبل كل ذلك ثمة أوراق أريدها من المحكمة "


*
*
*

تململت في نومها مستشعرة خشونة ما كان يغطي جسدها وهي

التي نامت من دون غطاء ! وما أن فتحت عينيها اكتشفت بأن

ذاك اللحاف الذي غطته به البارحة أصبح ملتفا حول جسدها

فجلست بحركة واحدة مبعدة له عنها ونظرت حولها فكان

فراشه فارغا ! مررت أصابعها في شعرها تنظر للمكان حولها

فليست تذكر متى نامت تحديدا لكنها بكت طويلا وفارق النوم

بعدها عينيها لساعات ثم ... ! يبدوا أنها نامت بالفعل وأنه

الصباح ...

وقفت قافزة وفتحت باب الغرفة ونظرت للشمس في كبد السماء

بصدمة فسيكون هذا وقت الظهيرة بالتأكيد وهي لم تصلي !

كيف نامت كل هذا الوقت ولم تشعر بنفسها !

توجهت راكضة جهة الباب المقابل لها مستغفرة الله بهمس

وما أن وصلت له تأكدت من أنه باب حمام من قبل أن تفتحه

بسبب الحذاء البلاستيكي الرجالي أسود اللون أمامه فلبسته

فورا وابتسمت على شكل قدميها البيضاء الصغيرة في حجمه

الكبير فها هي تخترق تفاصيل حياة ذاك الرجل لتشاركه كل ما

يخصه ، فتحت باب الحمام ودخلت تشعر بالأسى على نفسها ..

هل هي متعطشة للعطف وللاحتواء وللشعور بالأمان لهذا الحد !

إنها لمدعاة للشفقة بالفعل !! لكن اللوم ليس عليها بل على

ظروفها وحياتها التي عاشتها تفتقد حتى للكلمة الطيبة وإن

مجاملة ولأن تشعر بأنه ثمة من يشعر بها .. يحميها يسعى

لسعادتها ولراحتها فلم تعرف ذاك الشعور حياتها ولم تسمع

الكلمات التي سمعتها منه البارحة من شخص من قبل ...

بل ومن رجل وعدها هكذا أن لا يكون سطرا جديدا في مأساتها

وكم تتمنى أن لا يخلف وعده ذاك حين يعلم بتلك الحقيقة التي

تخفيها عنه وعن أنه مجرد ضحية للعبة اشتركتا فيها مستغلتان

شهامته وطيبته لتستخدمه جسرا للعبور فوق ظروفها وحاضرها

، خرجت من الحمام تنزل أكمام فستانها الطويل تستغفر الله

تشعر بذاك الفرق الشاسع في مشاعرها بين وقت دخولها

وخروجها منه وهذا سيكون حالها الدائم بالتأكيد ستنسف

مخاوفها أي سعادة قد تشعر بها هنا .

وصلت الغرفة ودخلتها مجددا ولفت الحجاب الذي أعطتاها إياه

مع الفستان وغطت به شعرها جيدا ووقفت تلتفت حولها فهي

لا تعرف مكان القبلة هنا ؟ لفت انتباهها السجادة المطوية في

طرف الغرفة فتوجهت نحوها وفتحتها وكما توقعت من صلى

عليها ثناها لمرتين وهي في مكانها وليس ثمة أحد غيره هنا

وكم حمدت الله حينها فظنونها فيه لم تخب أبدا وهو يخاف الله

فعلا وفي كل شيء وستكون فاتته صلاة الفجر مثلها تماما

لكان أيقظها لتصلي ، صلت الفجر والظهر أيضا

ونزعت حجابها وعلقته في العلاقة الحديدية المستطيلة خلف

الباب ثم غادرت الغرفة ومقصدها المطبخ هذه المرة لترى إن كان

ثمة ما يمكن طهوه ليوقفها مكانها صوت باب المنزل والسلسة

الحديدية تسحب منه فيبدوا أن من غادر وليست تعلم متى ها قد

عاد ، شعرت بضربات قلبها ترتفع بشكل أخافها من أن يخرج

من مكانه أو أن يسمعه الذي فتح الباب ومن قبل أن يصل لها ، لم

تستطع التحرك من مكانها وكأنه ثمة من تبث قدميها في الأرض

بمسامير وعبثا ستحاول تحريكهما وكان الأوان قد فات بالفع

ل فالذي كان يغلق الباب من الداخل استدار وتحرك جهتها وإن

كان مشغولا بنقل بعض الأكياس بين يديه ولم يرفع رأسه ولم

يراها إلا أن الفرصة لتهرب منه جهة المطبخ ضاعت منها

وانتهى الأمر فراقبته نظراتها بفضول تنتظر بالفعل أن ترى

وجهه فهي لم تراه حتى الآن وبشكل واضح ولا تعرف منه

سوى هذا الجسد الطويل العريض فقط والذي انتبهت له منذ

دخوله عليهم في مجلس شعيب وأشقائه بالأمس وكم حمدت

الله أن تزوجت برجل أطول منها وخشيت أن لا يحدث ذلك بسبب

طولها فهي ورثت ذلك من والدتها أيضا والتي عملت كعارضة

أزياء قبل أن تتجه للصحافة وتدخل هذه البلاد وتتزوج وتعتنق

الإسلام .

شعرت بجسدها تيبس وفقدت أنفاسها تماما ما أن انتبه الذي

اقترب أكثر لوجودها ورفع رأسه ووقف مكانه لحظة أن وقع

نظره عليها فبلعت ريقها بصعوبة وهي تنظر لعينيه ... فقط لتلك

الأحداق الفضية الغريبة في حجمها وانسحاب تلك الاجفان حولها

بميلان خفيف في طرفهما وعلقت أنفاسها في حلقها تنزل ببطء

للأنف المستقيم والشفاه المتساوية مع بروز في انحنائة شفته
العلوية من المنتصف يحيطها شارب ولحية خفيفان بلون شعره

البني الغامق وشعرت بأن صديقتها فجر لم توفه حقه في الوصف

أبدا ! ولا تلك النبرة الهادئة المتزنة في صوته يمكن دمجها مع

هذه الملامح الرجولية المتفجرة ! بل كان يليق به أن يكون صوتا

خشنا عميقا قاسيا ، ولم يكن حال الواقف مقابلا لها بمختلف عنها

فهو أيضا يرى وجهها للمرة الأولى وإن كان سبق ورأى جسدها

وبياض بشرتها الحليبي الذي بدى أوضح له الآن ..

إنها من أكثر البشر بياضا رأتها عيناه ! كما أن ملامحها غربية

بالفعل وإن لم يكن متأكدا من قصتها لشك في أن تكون عربية ..!

حدقتان خضراء واضحة اللون وبياض العين يظهر من تحتها

لاتساع حجمهما وطرفا جفنيها مسحوبان بشكل مميز وملفت

للنظر .. أنف صغير وشفاه رقيقة بشكل متساوي تتناسب مع

ذقنها الصغير وشعر أشقر متموج بترتيب قد وصل طوله لنهاية

خصرها النحيل البارز من ذاك الفستان الأحمر الطويل المطرز

والذي كشفت ياقته المربعة مع لونه عن بياض ذاك النحر

والصدر وكأنهما لوحة وليس حقيقة أمامه ! وما أن عاد بنظره

من جسدها لوجهها أرخت نظرها وشبكت يديها وأنزلت رأسها

ببطء فعلم بأنه تمادى في التحديق بها فتحركت خطواتها نحو

باب المطبخ لولا أوقفها صوته وهي تكاد تصله

" مايرين ... تعالي "

هل شعرت حقا في المرة الماضية بقلبها يتراكض وسط أضلعها ؟

ها هو يتوقف عن العمل تماما الآن !

هل خيل إليها سابقا أن ما يليق به الصوت الخشن القاسي !

لا هو يليق به هكذا عميقا متزنا هادئا مكملا لشخصيته بل لداخله

للرجل الشهم النبيل ، التفتت له فمد لها بأحد الأكياس قائلا

" هذه أغراضك كانت في سيارة عمك وأرسلوها مع

أحد العمال "

توجهت نحوه دون أن ترفع نظرها له وأخذت منه الكيس

متمتمة بحزن

" لكنه ليس عمي ولن يعجبه سماع هذا منك "

قال بجدية وما لم تتوقع كسابقته

" بل أعمامك جميعهم ، أليس اسمك مايرين يحي غيلوان ؟

أليسوا من اختار هذا لك ؟

إذا هم أعمامك ورغما عنهم لأنه اختيارهم "

اشتدت أناملها على الكيس فيهما تنظر لهما وشعرت برغبة

مؤلمة في البكاء فلم ينسبها أحد سابقا لهم ولا لعبد الجليل

غيلوان الذي اعترف بأنها ابنته قبل موته بل تركوها معلقة

بين التكهنات حتى أن البعض نسبها لأشخاص غيره حتى باتت

منسوبة لنصف رجال القرية تقريبا .

كاد يغمى عليها حين التفت أصابعه على ساعدها وسحبها جهة

الكرسي الخشبي البسيط قرب الجدار فقد كان المكان يحوي ثلاث

كراسي من ذات النوع والشكل المربع ومن دون مسند للظهر ،

وصل بها هناك وقال وهو يترك ساعدها


" اجلسي يا مايرين ثمة ما أريد قوله لك "

جلست كما طلب تنظر له باستغراب وهو يسحب كرسي آخر

وجلس أمامها ووضع باقي الأكياس من يده على الأرض ونظر

ليديه التي شبك أصابعها ببعضها يتكئ بمرفقيه على ركبتيه

وقال بهدوء

" ليلة صدمتك بسيارتي ... "

وتوقف عن الحديث فجأة فشعرت بقلبها سيتوقف حقيقة هذه

المرة لا مزاح فيها ولا حياة بعدها فها هو سيتحدث عن تلك

الكذبة والحادثة وحان وقت المواجهة يا مايرين ، أغمضت عينيها

وتنفست بارتياح ما أن تابع قائلا بذات هدوئه الذي تخلله شيء

غريب يشبه الحزن

" لقد فقدت سيارتي تلك الليلة وسرقت مني وهي في سور

المستشفى وفي داخلها كل ما أملك من مال ففقدته معها ووصلت

لغرير بصعوبة تلك الليلة لأكتشف بأن منزلي احترق بالكامل

هناك وفقدت حتى ثيابي وهاتفي وأغراضي ولم أستطع العودة

هنا بسهولة لذلك تأخرت وقد استلفت بعض المال لأكون هنا

ولأحضر بعضا مما قد يلزمنا وهو نفذ اليوم ، سأستلم راتبي

من الشركة الزراعية خلال أيام وسأسدد الدين لصاحبه وسنحاول

تمضية الشهر بباقيه وقررت البحث عن عمل في المزارع فترة

ما بعد الظهيرة فسيكون عليك تحمل ظروفي لبعض الوقت حتى

تتحسن "

قبضت أصابعها تمسك يدها بصعوبة عن الوصول له وملامسة

شعره لتعبر له بامتنان بأنه هو من تحتاجه لا المال ولا أي شيء

وبأن الأمان والمعاملة الحسنة ما ينقصها فقط ووجدتها لديه فما

الذي تريده بعد ذلك ؟

ضمت يديها في بعضهما كي لا تتهور وتفعلها بالفعل وقالت تنظر

لما يظهر لها من ملامحه لأنه كان منحنٍ قليلا في جلسته

" لا يحتاج الأمر أن ترهق نفسك بأعمال العمال وسيكفينا باقي

راتبك مادمنا قانعين بالقليل "

حرك رأسه نفيا وقال من دون أن يرفعه

" أنا معتاد على ذاك العمل ثم يلزمنا الكثير هنا فثمة أمور

ضرورية عليا شرائها وأولها براد صغير للمطبخ فنحن مقبلون
على فصل الصيف كما سنحتاج لجهاز تكييف وسخانة مياه من

أجل الشتاء والمطبخ ينقصه الكثير من الأدوات الضرورية وباب

المنزل يحتاج لتركيب قفل فلن أغلقه عليك بالسلسة في كل مرة

فقد يحدث أي أمر طارئ وأنا لست هنا ولن تستطيعي الخروج

حينها ولا لطلب المساعدة فلا هاتف لدى كلينا وهذا ما عليا

توفيره أيضا ، كما أني لن أحرمك الثلاث وجبات الأساسية

التي يتناولها الجميع "

يا إلهي كيف تمسك نفسها عن احتضان هذا الرجل امتنانا له بل

والبكاء في حضنه حتى ينتهي عمرها وتفرغ كل تلك الهموم فيه ،

كيف تبتسم لها الحياة هكذا ودفعة واحدة وهي من لم ترى فيها

يوما سعيدا ؟ كيف يهديها قدرها هدية رائعة كهذه وهي من

حرمت حتى الأبسط منها ؟

لا تعلم كيف وجدت صوتها وهي تهمس بصوت مرتجف حزين

" يكفيني أن تحميني من الجميع يا يمان وإن متنا جوعا "

ولم يعد يمكنها التحكم في الدمعة التي انزلقت على وجنتها

فمسحتها سريعا قبل أن يرتفع رأس الذي قال وهو يقف

ويرفع الأكياس من الأرض

" حاولت جلب ما قد نحتاجه فهل تعرفين الطبخ ؟ "

وقفت أيضا وقالت مبتسمة بحزن ونظرها على ما في يده أيضا

" بل وأعرف كيف أطهو أطباقا مميزة من مكونات ليست حقيقية

ولن تكتشف الفرق أبدا "


رفع نظره لعينيها وقال مبتسما

" سنبدأ حياتنا بالغش يا مايرين ؟ "

لم تستطع إمساك ضحكة رقيقة قصيرة خرجت منها وقالت

" لا بالطبع "

وتابعت وقد أرخت جفنيها عن النظر لعينيه

" زوجة شقيقي كانت تبيع الطعام الجاهز وتغشه بحرفية وتعلمت

ذلك منها مجبرة لأني من كان يساعدها فلا تفكر في مشكلة الطبخ

أبدا "

مد لها بالأكياس قائلا بابتسامة

" جيد فأنا لا أعرف أكثر من طهو البيض المقلي وإن رأيت شكل

المقلاة ستعلمي كم مرة حرقته "

رفعت عينيها له وهي تأخذ منه الأكياس وقالت ضاحكة

" لا بيض مقلي أبدا إذا "

وغادرت من فورها جهة المطبخ قائلة

" سأحتاج لأقل من ساعة وسيكون الطعام جاهزا "

راقبها حتى اختفت خلف الباب تتبعها خصلات شعرها الغجري

الأشقر الطويل وتنهد بعمق متمتما

" أتمنى أن لا أخذلك أيضا يا مايرين ويشملك فشل يمان في

كل شيء "

استغفر الله بهمس وتوجه جهة الحمام فعليه أن يتوطأ ويصلي

الظهر فالمسافة من الشركة الزراعية إلى هنا سيرا على قدميه

أضاعت منه الكثير من الوقت حتى فاته وقت الصلاة ،خلع حذائه

ولبس ذاك الخاص بالحمام هامسا بضيق

" سامح الله ذاك الفتى الأخرس لو فقط ترك لي سيارتي "


*
*
*




ما أن سمعت صوت سيارته تدخل كراج المنزل رمت الكتاب من

يدها وركضت خارجة من الغرفة فها قد وصل أخيرا وقد تأخر

فوق المتوقع والمعتاد وستكون سيارته تعطلت في الطريق

كعادتها مؤخرا بالتأكيد ، عبرت الممر وما أن كانت في بهو

المنزل انفتح الباب ودخل منه الذي كان يحمل أحد قطع السيارة

الداخلية في يده وكما توقعت هي سبب تأخره بل ويبدوا أنه وصل

بها هنا يسحبونها سحبا ، وقفت ونظرت له وهو يغلق الباب وما

أن التفت وانتبه لوجودها قالت ومن دون مقدمات

" تيم أخذ ماريه من هنا "

نظر لها بصمت لبرهة قبل أن يقول ببرود وهو ينزع حذائه

" مساء النور وحمدا لله على سلامتي "

ضربت الأرض بقدمها وقالت بضيق

" أبي لم أتوقع أن يكون موقفك لا مباليا هكذا ! لقد أخذها من

جامعتها وصفعها لو ترى خدها وشفتيها لبكيت على حالها

وأحضرها هنا وما أن احتججنا على معاملته لها بتلك الطريقة

أخذها معه دون أن يهتم لرأي أحد بل وكان سيشهر سلاحه في

وجه كين ولم يحترم ولا وجود والدتي وحديثها معه وعاملنا

جميعا كأ... "

قاطعها مغادرا من مكانه وبذات بروده

" قسما أنكن النساء سبب حروب العالم بأكمله "

نظرت له بصدمة ولحقته وهو يتوجه جهة المطبخ قائلة بحنق

" وما الذي قلته غير حقيقي ! بل ولم اضف شيئا من عندي

ويمكنك أن تسأل والدتي وكين أيضا ، لما تسكتون عن أفعاله

حتى أصبح يتمادى في كل مرة ؟ حتى والده لا أراه فعل شيئا

مما هدد وتوعد به واليوم صفعها غدا ماذا سيفعل لها وهو يرى

أنه لا أحد ورائها ؟ "

فتح باب المطبخ الخارجي وخرج للفناء الخلفي وهي تتبعه

متوجها جهة المخزن الخشبي الصغير وقال وهو يفتح بابه

" وما كان رأي ماريه ؟ "

قالت بضيق من خلفه

" ماريه حمقاء مغفلة كعادتها يمكنه خداعها بكلمتين لأنه يعلم

بمدى تأثيره عليها لكنه الجنون بعينه أبي أن تكون معه هناك

حيث خطيبته تلك "

التفت لها وقال وهو يضرب الباب الخشبي مغلقا له بقوة

" أظنك أكثر من يعرف بأن ماريه ليست ضعيفة ولا جبانة وبأنها

تعلم جيدا ما تريد وتفعل بل وهي من يتحكم في ذاك الشاب كيف

تشاء اعترف بذلك أم فعل كل ما ينكره وهي قادرة على جعله

يفعل ما تريد إن هي أرادت ذلك ، وحين تلجأ إلي لن أخذلها أبدا

وقد سبق واتصلت بي والدتك وأخبرتني بما حدث وأنا أرسلت

لماريه رسالة أخبرتها أن تتصل بي إن هي احتاجتني فاتركوا

لها حرية أن تقرر فيما يخصها فلن يتحكم فيها هو ونحن ووالده

جميعنا ونهاية الأمر لن تعرف حتى من هذا الذي ستلقي باللوم

عليه فيما ستخسره مستقبلا ، اتركوا الفتاة وشأنها تتعلم أن تكون

نفسها واجزم بأنها وحدها القادرة على حل مشاكلها معه أما نحن

فلن نزيد الأمر إلا سوءا ، ثم أنا تحدثت مع كين أيضا وهو

أخبرني بما حدث في الجامعة وقت أخذه لها من هناك فنظرة

تيم لما حدث لن تكون مشابهة لنظرة كين ولا لنظرتك أنت ولا

غيركما أنا عربي وعشت وكبرت هناك وأعلم جيدا كيف يفكر

الرجل الشرقي الغيور المتملك فكان موقفه متوقعا أو لن يكون

تيم الذي أعرفه أبدا ولن يكون مهتما بها مطلقا إن لم يكن له

موقفا مشابها "

ضربت الأرض بقدمها مجددا وقالت باستياء

" أنتم تتخلون عنها أبي .. يتخلى عنها الجميع وتتركونها

وحيدة وقت تحتاجكم "

تحرك مجتازا لها وقال بضيق وهو يدخل من الباب مجددا

" لا حول ولا قوة إلا بالله ... بأي لغة تفهم هذه الفتاة ؟ "

ودخل وتركها هناك تتآكل غيظا فضربت بقدمها دلو الماء

الحديدي الصغير بغضب ودخلت أيضا لا تتوقف عن ترديد ذات

عباراتها الغاضبة حتى وصلت غرفتها وضربت بابها خلفها

قائلة بغضب

" معه حق وما علاقتي أنا إن كانت حمقاء وغبية ؟ سترجع هنا

إن اليوم أو في الغد وسيعلمها ذاك المتحجر المتعجرف درسا

لن تنساه ما عاشت "

وما أن أنهت عبارتها تلك ركلت كرسي طاولة التزيين بقدمها

قبل أن تتوجه ناحية هاتفها الذي بدأ بالرنين ورفعته وما أن

نظرت للرقم فيه غضنت حبينها باستغراب ثم فتحت الخط وما

أن وضعت الهاتف على أذنها وصلها ذاك الصوت الرجولي

الباسم متحدثا بالفرنسية

" Bonsoir ma chérie "

أبعدت الهاتف عن أذنها ونظرت لشاشته قبل أن تعيده لها

وقالت بملامح مشمئزة

" هذا أنت ؟ أتعلم بأنك فاشل في الفرنسية يا متحول "

ولم تزدها تلك الضحكة الرجولية العالية سوى اشتعالا وغضبا

فقالت صارخة

" توقف عن الضحك .. كنت أعلم بأن نهاية حياتي ستكون على

يد هازاني مجرم ولن أسمح بأن يكون أنت ، سأترك شرف ذلك

لابن خالك فهو أشرف لي "

وصلها صوته المرح وكأنها لا تحترق غضبا

" هيا ما بك يا جميلة غاضبة هكذا ؟ أثمة من تتحدث مع خطيبها

هكذا وهي لم تراه لأسبوعين كاملين ! "

صرخت فيه من فورها

" أنت لست خطيبي وأنا لا أعترف بك "

قال وصوته لم يتخلى عن مرحه المعتاد

" يبدوا لي أن ما حدث العكس وثمة من أعلنت خبر خطبتنا على

الملأ أم المتحولات كاذبات أيضا ولا كلمة لديهن "

شدت على أسنانها بغيظ وقالت

" بلى كاذبة وتراجعت في كلامي فتزوج لك فرنسية قبل رجوعك

إلى هنا فأنا لن أنام في حضن رجل نامت فيه جميع النساء "

وصلها صوت ضحكته الذي لا يزيدها إلا اشتعالا وقال

" محتالة أخبرتك سابقا أني لم أُقبّل غيرك "

صرخت تشد قبضتها بقوة

" توقف عن قول ذلك أو أخبرت والدي عن فعلتك تلك "

ضحك من فوره وقال

" أخبريه أيضا بأنك لم تمانعي وقتها "

ضربت الأرض بقدمعا قائلة بضيق

" كنت طفلة "

ضحك وقال

" وكنتي جميلة ومطيعة وأنت الآن أجمل لكن تلك الطاعة تبدوا

طارت مع القُبلة ويبدو أنك تحتاجين لأخرى لتعودي مطيعة

مجددا "

انفتحت عيناها بصدمة وما أن كانت ستتحدث سبقها قائلا "

اتركينا من القُبل الآن فلكل شيء أوانه وأخبريني كيف تريدين

أن يكون فستان حفل الخطوبة وما لونه ؟ "

قالت بضيق

" اختره على ذوقك لأنك أنت من سيلبسه "

وتصاعدت تلك الأبخرة من رأسها لصوت ضحكته قائلا

" ساندي الحفل قائم قائم رضيت بذلك أم لا فلا تضيعي على نفسك

فرصة شراء فستانك من هنا "

تأففت قائلة بغضب

" قلت لا حفل ولا خطوبة لما لا تفهم ؟ "

" حسنا أخبري والدك بهذا وليس أنا يا جميلة ، وبالمناسبة

سنغير خاتم الخطوبة أيضا في الحفل وسأرسل لك صورا لفساتين

تختارين منها أو اخترت أنا واحدا فأنصحك باختيار ما يعجبك

أفضل لك "

وختم عبارته ومن قبل أن تتحدث

" Adieu mon amour "

وأتبعها بقبلة وأغلق الخط فرمت الهاتف بطول يدها هامسة من

بين أسنانها

" على جثماني يحدث ما تريد يا زير النساء "

ورمت اللحاف عن سريرها بغضب واندسيت تحته وغطت جسدها

ورأسها متمتمة بحنق

" غدا أجمل ساندي ولا هازاني فيه ... غدا أجمل "

ونجح الأمر كالعادة ونامت بسلام نهاية الأمر وسريعا أيضا ،

وتلك هي طباعها التي تنسيها همومها ما أن تستفيق صباحا

وكأنها شخص آخر .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-02-18, 10:17 PM   المشاركة رقم: 957
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


ما أن سمعت باب الشقة فتح قفزت من سريرها وتوجهت نحو
الباب وفتحته وقالت للذي كان سيدخل

" هيه أنت انتظر "

وقف مكانه وتراجع خطوة للوراء ونظر لها ببرود وقال

" ماذا تريدين يا هيه ؟ "

نظرت له بحنق وقالت بضيق

" حتى متى ستسجنني هنا في هذه العلبة ؟ أريد العودة

للشركة مجددا "

نظر لها نظرة شاملة وقال بسخرية

" جديدة هذه ! الفكرة المحمسة بالفعل ! منذ متى تحبين العمل

هناك وتطلبينه آنسة غيسانة ؟ "

زمت شفتيها بحنق وقالت

" لا احبه ولن احبه أبدا لكني مللت من السجن هنا ويوم آخر

وسأفقد عقلي من مقابلة الجدران ، وأعتقد بأنه سجن لقرابة

الثلاثة أسابيع هنا عقاب كاف لي "

عقد حاجبيه وقال بحزم

" لن تعملي معي مجددا ولن تدخلي شركتي ولا شقتي وأعتقد

بأن طعامك يصلك بما يكفيك وزيادة وهذا هو واجبي نحوك "

لوحت بقبضتها صارخة بغضب

" لا ليس هذا واجبك نحوي وأنا لن أسكت عن كل هذا أكثر

من ذلك ولن تلوم سوى نفسك حين لن تجدني هنا "

صرخ فيها بالمثل ملوحا بسبابته ناحيتها

" جربي فعلها واهربي من هنا يا غيسانة وستري شاهر لم

تعرفيه حياتك ولا أحد غيرك ، من هن في سنك بأحفادهن وأنت

بعقل طفلة ؟ لا بارك الله في اليوم الذي عرفتك فيه "

وما أن ختم عبارته تلك دخل شقته ضاربا بابها خلفه تاركا التي

تشتعل مكانها هناك والتي صرخت ناظرة لباب الشقة ولم تهتم

وإن كان لن يسمعها

" أنا من عليا قول ذلك لا أنت يا بربري يا همجي يا متخلف "

ودخلت ملحقها ضاربة الباب خلفها أيضا وتوجهت رأسا لهاتفها

ورفعته متمتمة بحنق

" على تلك الطفلة أن تعطيني رقم والدها فمطر وحده من سيجد

حلا لكل هذا ، هو عقدها وهو يحلها "


*
*
*





ركن سيارته في مواقف السيارات المخصصة داخل نطاق

الجامعة ونزل منزلا حقيبته معه ودخل مجتازا بوابة سور

الجامعة يسير بخطوات ثابتة نظره على هدفه وهو الباب

الرئيسي للمبنى قبل أن ينحرف نظره غاضنا جبينه باستغراب

ما أن بدأ يلاحظ تلك النظرات التي تلاحقه من قِبل جميع من مر

بهم بعيدين كانوا أو قريبا منه حتى ضن بأنه يمشي بقميص

وسترة دون بنطال أو أنه يسير على يديه تتبعه تلك النظرات

والهمسات التي لم يحضى بها من كل هذا الجمهور في مثل هذا

اليوم من الأسبوع الماضي ! دخل مبنى الجامعة وتوجه فورا

لمكاتب المدرسين ودخل حيث الذي وقف له وصافحه

مبتسما وقال

" هل نقول مبارك يا عريس ؟ "

ضحك وجلس على الكرسي المقابل له وقال

" أجل وبالرفاه والبنين أيضا "

نظر له بدهشسة وقال

" لا تقلها يا رجل ... وافقت عليك حقا ! لا أصدق ذلك وأنت

جعلتها تفر من الجامعة أيام محاضراتك "


قالت مبتسما

" بل لا تعلم عن العريس الذي وافقت عليه دون تفكير سوى

ما أخبرها زوج والدتها عنه ولم تفكر ولا في السؤال

عن اسمي "


قال الجالس أمامه بصدمة

" هكذا وافقت فقط ! "

نصب ساق على الأخرى وقال

" أجل فقد كنت لديه قبل قدومي إلى هنا وألححت عليه أن

يخبرني بكل شيء وهو من قال لي ذلك فطلبت منه أن لا يخبرها

من أكون حتى أفعل ذلك بنفسي ، ولك أن تتخيل كيف كانت ردة

فعله حين علم بأني أستاذها الذي يبدوا بأنها شوهت سمعته

في كل مكان "

ضحك كثيرا وقال

" أتمنى فقط أن تسوي الأمور بينكما قبل أن ترتبطا بشكل

فعلي يا أويس "

أومأ موافقا وقال

" لا تقلق فلن اجبرها عليا إن هي رفضتني ، أنا فقط أحتاج

لخطوة جادة معها تغير مجرى الأمور بيننا وبشكل جدي وهذا

ما أنا عازم عليه "

نظر له الجالس أمامه بريبة جعلته يتوجس منها وكأنه يستغرب

مزاجه الحسن ذاك ففهم نظرته فورا وقال

" أويس ألم ترى شيئا غريبا وقت وجودك في الجامعة ؟ "

نظر له باستغراب قبل أن يقول مبتسما

" لقد وصلت للتو ولم أرى أو ألحظ سوى بأن عدد المعجبات

بي تخطى حدود المعقول بل وبات لديا معجبون أيضا "

تغيرت ملامح الجالس أمامه جعله يعقد حاجبيه ناظرا له بريبة

وقال بعد برهة

" ما المشكلة يا أسامة ؟ "

وقف ذاك من فوره ودار حول كرسيه وفتح درج مكتبه وأخرج

منه ورقة ومدها له قائلا

" هذا المنشور انتشر في الجامعة الأسبوع الماضي بسرعة

البرق حتى أن الإدارة لم تستطع إدراك لملمة الكارثة ولا معرفة

المتسبب فيها ولا منع أن يصل لكل شخص في الكلية وكما تعلم

الألسن توصل ما تعجز الأعين عن رؤيته ومع الإضافات طبعا "

أخذ الورقة منه ودماغه يركض في دوائر مغلقة لم يستطع تكهن

ولا توقع شيء مما يقول وذاك شعور كل من تقدم له فاجعة على

جناح حمامة بيضاء الترويح عنها لا يزيدها إلا سوء ، تنقلت

حدقتاه السوداء في تلك الأسطر المطبوعة والمرتبة بعناية

والمعلومات المجموعة بدقة .. أسماء أمامكن تواريخ وقصة

عمرها عشرون عاما اسم والده على رأسها .. خيانة زنا طفلة

مشبوهة واعتراف والده بها ونكرانه هو لها ورميها في الشارع

، النقطة السوداء العالقة في نفسه حتى اليوم وكأنه يرى عيني

والده الدامعة أمامه مجددا وانكساره وهو يعترف بما لم تقترفه

يداه وموته مقتولا دون وجه حق ودموع والدته التي سكبتها

عليه لأيام وأشهر حتى فقدت نور عينيها ، اشتدت أصابعه على

الورقة حتى كادت تخترقها ووقف في صمت وغادر من هناك ..

فقط غادر كما دخل لكن كشخص آخر وتلك النظرات تخترقه

كالأسهم هذه المرة فما أقسى انكسار الرجال وما أشد تقمصهم

لدور الصمود في النكبات .

وما أن وصل باب سيارته وأمسك مقبضه بيده عاد وتركه

وعادت به خطواته من حيث خرج فليس هو من تكسره تلك

الأحاديث وانكشاف ماضي والده أمام مجموعة من طلبة

الجامعات .. ليس هو من ربته والدته ومن قبلها والده على

أن ينحني ويكسره أي شيء فدخل مرفوع الرأس كما خرج

وكما دخل أول مرة وعود نفسه من الآن أن لا ينظر لتلك

النظرات على أنها عدو له بل صديق سيساعده حتى يجد عدوه

الحقيقي ولن يغفر لمن فعل ذلك أبدا فعند مسألة والده ينتهي كل

شيء دائما ولن يرتاح ويطمئن حتى يعلم من هو الفاعل والذي

لابد وأن يكون من الجنوب فلا أحد يعرفه هنا .


*
*
*


لم تنم البارحة ولا لدقيقة واحدة وجهزت نفسها منذ وقت لعل

خروجها لجامعتها ينسيها ما هي فيه وإن لساعات وتبتعد عن هذا

المكان لكنها لم تتحرك ولم تغادر غرفتها تنتظر الذي في الخارج

أن يغادر ولا يبدوا بأنه يفكر في فعل ذلك فقد سمعت صوت

حركته الخفيفة لبعض الوقت لكنه لم يفتح باب الشقة ولم يغلقه

أي أنه لازال موجودا هنا وهي لن تخرج ما لم يغادر ، لا تريد أن

تراه فهو مستاء منها وهي مثله تماما ولا ينقصها المزيد من الألم

بسببه .

نظرت لساعتها وتأففت بضيق فالوقت يسرقها ولن تصل قبل

المحاضرة على هذا الحال ...

أليس يعمل في تلك المسماة منظمة ؟ لما لا يغادر إذا !

جلست على طرف الكرسي وبدأت بضرب مقدمة حذائها الجلدي

الأنيق بالأرض بتوتر وضيق تفكر في مخرج من كل هذا فهل

تخرج قاصدة باب الشقة فورا وتغادر وحينها فرص لقائهما

ستكون شبه معدومة ؟ لكنها تحتاج لكوب قهوة فرأسها يكاد

ينفجر بسبب بكائها بالأمس ولأنها لم تنم ليومين كاملين ولن

تجد وقتا لأخذ فنجان قهوة من مقهى الجامعة ما أن تصل .

قفزت واقفة ما أن سمعت باب الشقة انفتح واغلق سريعا فها

قد غادر أخيرا وحررها قبل أن تفقد محاضرتها الأولى ، وضعت
حقيبتها على كتفها ورفعت مذكراتها وفتحت باب الغرفة وخرجت

منها مسرعة ووجهتها المكان الذي عرفت من بعيد أنه مطبخ

ودخلت بخطوات شبه راكضة لتقف مكانها وشهقت بصدمة ..

شهقة لم تستطع إدراك نفسها وسجنها في صدرها رغم خروجها

من خلف أضلعها خفيفة خافتة إلا أنها كانت واضحة للذي كان

يقف مستندا بباب الخزانة الطويل مكتفا ذراعيه لصدره العريض

يلبس بدلة عمله السوداء الخاصة ويقف هكذا لا يفعل شيئا وكأنه

ينتظر دخولها أو يتوقعه ! هربت بنظراتها من عينيه سريعا بعدما

رمقته بتلك النظرة الباردة وتوجهت جهة الموقد تحضن مذكراتها

بقوة وكأنها ستقع منها أو ستحميها حتى وصلت عند إبريق

القهوة النحاسي الصغير الذي لازالت تصعد بعض الأبخرة

الخفيفة منه وكما تمنت وليس توقعت كان لم يشربه بأكمله

وترك لها القليل ، بدأت بفتح أبواب الخزانة المعلقة تبحث عن

فنجان قهوة متجاهلة الواقف هناك وكأنه ليس موجودا بل

وفنجانه المتسخ أيضا فلن تشرب منه ولا بعد غسله وستشربها

في كأس ماء إن لم تجد واحدا آخر بل ومن الابريق مباشرة

إن استلزم الأمر .

أليس ثمة عبارة تقولها المرأة لزوجها صباحا وإن كان والجدار

بالنسبة لها سواء يا عديمة الذوق ؟ "

شدت على أسنانها بقوة غيظا من بروده وتملقه ولتمسك نفسها

عن قول أي شيء فلن تتحدث معه أبدا .. قرار قررته ولن تتراجع

عنه وهي من سيكون الجدار لا هو ، هه لا ويريدها أن تقول له

صباح الخير ! أي خير هذا الذي هما فيه ؟ ولما ذاك فقط فلتهديه

حضنا كالذي حضا به البارحة بل وتقبله وتتمنى له يوما سعيدا

في مهامه المتعددة ، أليس هو من أصر على وجودها هنا رغم

رفضها ؟ فليتحملها ويتقبلها كيفما ستكون إذا ولكل منهما حرية

أن يعيش حياته هنا كما يريد .

وجدت مبتغاها أخيرا فأخرجت منهم واحدا وكان فنجانا خزفيا

أبيضا بنقوش سوداء لا تتمنى أن تشرب فيه أبدا ولا أي شخص

آخر من جماله ، أغلقت باب الخزانة وعادت جهة الموقد وسكبت

ما في الإبريق فيه ورفعته لشفتيها وما أن شفطت منه شفطة ..

بل كانت نصف الفنجان تقريبا شعرت بأنها ستخرج كل ما في

معدتها الخاوية أساسا من مرارتها فلم تكن تحوي ولا ملعقة سكر

على ما يبدوا وقهوتها هي شكولاته كما تسميها ساندرين من

كثرة ما تضيف السكر لها ، وضعت الفنجان على الطاولة بملامح

متجعدة من المرارة القاسية التي لم تكن تشعر بها في فمها

وحلقها فقط بل ووصولا لمعدتها فكيف نسيت بأن هذا الجدار

كما يسمي نفسه سيكون سوداويا في كل شيء حتى في لون

قهوته وطعمها .

تركت ذاك الفنجان والقهوة وكل شيء خلفا وقررت مغادرة

المكان من دون ولا شرب بعض الماء لتزيل تلك المرارة من

أحشائها لكنها لم تفلت بالفعل وكما تريد من الذي كان يراقبها

مبتسما وقد أصبح خصرها سجينا لذراعه القوية قبل أن تخرج

من الباب ولم تستطع التخلص منه رغم محاولاتها الحثيثة لازالت

تتمسك بصمتها المميت حتى فقدت الأمل وتوقفت عن محاولاتها

العقيمة تلك فوصلها همسه عند أذنها

" محاضرتك الثانية ستنتهي عند الثالثة ... الرابعة أجدك هنا

ماريا أو سحبتك بنفسي من هناك "

عادت لمحاولة دفع ساعده لتتحرر منه ولم تعلق بكلمة لكن

ذاك الساعد أصبح اثنين وهو يسجنها بين ذراعيه ملصقا

ظهرها بجسده بقوة وقبّل عنقها قبلة صغيرة رقيقة لأنها كانت

ترفع شعرها في جديلة وما أن حاولت الانحناء للأمام والابتعاد

عنه رفع يده لذقنها والتفت أصابعه الطويلة حوله ورفع وجهها

له حتى اتكأ رأسها على كتفه وانحنى لشفتيها وقبلهما قبلة واحدة

قوية متعمدة وتركها حينها فنظرت له بغضب ما أن ابتعدت عنه

ولم تزدها ابتسامته الساخرة تلك ونظرة التسلية في عينيه سوى

اشتعالا فرفعت يدها لشفتيها ومسحتهما بظهر كفها وغادرت من

فورها فهي تعلم بأن تلك الحركة أبلغ من الكلام وستصيبه حيث

تريد فسارت وسط الشقة دون أن تقف ولا أن تلتفت خلفها ولا

حين وصلها ذاك الصوت المتوعد من عند باب المطبخ

" حسابك فيما بعد على هذه ماريا وعسيرا جدا يا متقلبة

المزاج "

تجاهلته وتابعت سيرها جهة الباب فهي من تستحق كل ذلك لما

فعلته وهما في ذاك الكوخ لكنه يحلم بالتأكيد إن أخبره عقله بأن

ماريه تلك جلبها معه هنا ... لا هذه ماري وهو من اختار أيضا

وعليه تحمل نتائج اختياره فلن تسليه وقت غياب تلك المنحلة

عنه لن يحلم بها ، خرجت من الباب الذي ضربته خلفها بقوة

بينما تحرك من تركته هناك وقد أولى المكان ظهره وسار جهة

الطاولة وأدار بسبابته مقبض فنجانها حتى كانت الجهة التي

شربت منها مقابلة له ورفعه وشرب ما فيه بشفطة واحدة ثم

رماه رمية بعيدة موفقة أسقطته في سلة المهملات بسلام وخرج

من المطبخ مبتسما بتسلية فها هو صباحه اليوم ليس سيئا

كثيرا كالمعتاد .


*
*
*


مزقت طرف المغلف البني الكبير برفق كي لا تتلف أيا من

الأوراق الموجودة بداخله فها قد وصل طرد المحكمة أخيرا

وحصلت على أهم ما سعت إليه الأيام الماضية ولازال أمامها

المزيد بل ولازال أمامها الكثير قبل أن تبدأ بجولتها الأولى ،

تعلم جيدا بأن تحركاتها ستكون مراقبة من قبل جواسيسه

كما حدث حين علم عن خروجها قاصدة اليرموك ولحق بها

حيث منزل عائلتها القديم فمن أين سيعلم إن لم يكن يراقبها ؟

لكنها لن تغفل عن ذلك هذه المرة ولن يكتشف سبب زيارتها

لمبنى وزارة العدل ولا المحكمة وإن علم بذهابها إلى هناك فهي

بدأت بإجراءات معاملات ملكية أحد المباني التجارية الضخمة

والمعروفة في العاصمة واشترته مع ثلاث شركاء وبات تنقلها في

تلك الأماكن أمر طبيعي خاصة أن وزير العدل وعدها بالتكتم كما

ساعدها في كل ما تريد فعله ولم يبقى أمامها الكثير وستجعله

طبقا على موائد الجميع كما فعل بها وستتحرر منه أحب ذلك أم

كره وليكن ضحية لسكاكين الصحافة لبعض الوقت كما فعل معها

وطبعا قبل أن يستلموا خبر محاكمة الطلاق التي سيدخلها مرغما

وليري الناس عدله حينها وكيف سيوقفها على مرأى من الجميع

رجل العدالة ذاك .

قلّبت الأوراق وقرأت كل ما فيها بتأني وتمعن ، لقد شرح لها

السيد عقبة الكثير لكنها تبقى عاجزة أمام فهم مسائل كثيرة وهو

نصحها أن لا تستعن بمحام لا يكون ثقة بل وثقة عمياء حتى

تحين تلك المحاكمة كي لا ينهار كل ما تسعى له ، تستغرب فعلا

أن أطاعها بكل تلك السهولة وفي كل ما تريد رغم أنه لم يقصر

في نصحها عن العذول عما تنوي فعله وبأنها قد تضر نفسها

معه وقد لا يغفر لها ذلك بسهولة لكنها لن تهتم فهو لم يترك

شيئا آخر يؤذيها به فما سيفعل مثلا ؟ ... يقتلها ؟

له ذلك لكنها لن تموت إلا وقد استوفت حقوقها منه وبأكملها .

اشتدت أناملها على الأوراق فيها وشعرت بتلك الدمعة الحارقة

التي تأبى أن تخرجها تحرق جفنيها بشدة فكم هي ممتنة لجراحه

أن اسطاعت التسلق فوق مشاعرها نحوه وكلما حاول عقلها فقط

استجلاب تلك الذكريات الجميلة نسفتها فعلته تلك لتشعر بقلبها

يحترق ألما وحقدا كلما تذكرت تلك اللحظة التي اكتشفت فيها لعبه

بها وبمشاعرها وبما جمعهما معا بعد أعوام طويلة من الفقد

والشوق والاحتياج المدفون درجة أن نسي كل واحد منهما كل ما

حوله وحتى المكان الذي هما فيه وقد تفجرت كل تلك المشاعر

المكبوتة كل الاحتياج والشوق والصبر وكأنهما يقتصان من

السنين ومن الفراق حتى خرج كل شيء عن حدود السيطرة

وعن حدود المعقول لتكتشف فيما بعد أن كل ذلك كان على مسمع

شخص ثالث وأي شخص ... ؟

لقد قتلها محاها أنهاها وجه لها الضربة القاصمة التي لن تقف

بعدها مجددا ومهما عاشت ؟

دفنت وجهها في كفيها وانسابت تلك الغرة الحريرية على أصابعها

بالتتابع وبدأت أنفاسها تتقاطع وكأنها تموت وتفقدها تدريجيا ..

لو تفهم فقط كيف سولت له نفسه وفعلها وهو حامل لكتاب الله

ومن لم يترك صلاة الجماعة إلا مضطرا فكيف يفعل ما يخجل

منه الفساق ! كيف استطاع أن يكون بكل تلك اللهفة وبكل ذاك

الاندفاع والجرأة وهو يعلم بأنه ثمة من يسمعه ! كلما تذكرت تلك

اللحظات تمنت الموت مضاعفا وسريعا فحتى نزعه لثيابها

رافقته رجاءاتها الممتزجة بالرغبة بأن لا يفعلها بتلك الطريقة

التي نزعها بها .. همساته المتأنية وكلماته المعبرة عن رغباته ،

لمساته وقبلاته لكل جزء في جسدها ..! ليلة مجنونة بكل ما

للكلمة من معنى فكيف سمح لطرف ثالث أن يشاركهما كل ذلك

وهو يعلم ! الكارثة أنه يعلم بل وكل ذلك كان من تدبيره ، قسما

أنه لم يفعل شيئا بها طوال تلك السنين كما فعله تلك المرة

وستتمنى أن تموت ولا أن تنظر لعيني جبران مجددا وقسما

لولا الحياء والدين لكانت تطلقت منه وتزوجته هو تحديدا

وأسمعته ما أسمعه إياه لعل النار المشتعلة في صدرها حتى

الآن تنطفئ وإن قليلا .

مسحت عيناها بقوة ووقفت وبدأت بجمع الأوراق وإعادتها

للمغلف مجددا ، تعلم بأن السيد عقبة لن يخذلها .. صحيح أنه

من المقربين للمدعو مطر شاهين لكنه رجل عدل وعدالة كان

مقربا لوالدها شراع أكثر حتى من شقيقاه وأبنائه الملتفين حوله

وتعلم بأنه سيكون عادلا معها وإن كان الثمن أن يفقد مركزه ،

ثم هو لن يتولى سوى القضية كقاض فيها الباقي لا علاقة لأحد

غيرها فيه ، نظرت جانبا ولهاتفها الذي علا رنينه فجأة قبل أن

ترفعه وتجيب قائلة

" مرحبا جليلة "

وصلها ذاك الصوت الحانق فورا

" بالله عليك تخبري زوجك ليخبر رئيس مخابراته يبتعد عن

طريقي وعن حياتي "

عقدت حاجباها الرقيقان باستغراب وقالت

" وما علاقتك أنت بهما وما الذي فعلاه لك ؟ "

وصلها ذات ذاك الصوت الحانق

" لا أعلم من أين خطر لذاك الرجل أن يطبق جنونه على عائلتي

وجاء منذ أسبوعين تقريبا وخطبني من والدي وفي حضور

أعمامي وأزواج خالاتي ووثاب طبعا واجلبي الآن من يقنعهم بأني

لا أريد أن أتزوج لا منه ولا من سواه ، وها هم ينتظرون رأيي

الذي قرروه سلفا والسيد رئيس جهاز المخابرات يصدق بالفعل

أن الموضوع انتهى يرسل اليوم جبلا من الهدايا "


عادت للجلوس مجددا وقالت

" جليلة مهلك قليلا لأفهم واحدة واحدة ... أتعني بأن رئيس

جهاز المخابرات الجديد خطبك من والدك ؟ "


وصلها صوتها فورا وضيقها لا يزداد إلا حدة

" بلى وهو أحد رجال زوجك المقربين ومن قبل أن يهاجروا من

هنا ويختفوا وعاد الآن معه ، فليجد حلا مع صاحبه قبل أن أرتكب

في نفسي جرما "

قالت هي بضيق هذه المرة

" جليلة ذاك اسمه مطر شاهين فلا تناديه بزوجي مجددا ثم

ما علاقتي أنا اخبره ليخبره فلا حديث بيننا فأخبريه بنفسك

ما لديك "

شخرت تلك ساخرة قبل أن تقول

" وهل سيمرروا اتصالي له لأخبره ويخبرني ! بينما أنتي العكس

تماما يصل اتصالك له دون تحقيق مطول نهايته أن يغلقوا الخط

في وجهك "


تنفست بقوة وقالت

" آسفة يا جليلة لا مكالمات بيننا ولن أخدمك في هذا ، أمامك تيما

اتصلي بها وإن كان لديك رسالة ستوصلها له ، ثم ما المانع في

أن تتزوجي ويرتاح رأسك من والدتك وشقيقاتك ومن الألسن

جميعها بما أنه لا مجال ليرفضوا ذاك الرجل ؟ "

وصلها صوتها الحانق فورا

" غسق بربك أنا أتزوج !! وممن من أحد رجال مطر شاهين ؟

لا بالله عليك لا أريد أن ينتهي مصيري لمصيرك يكفيني ما رأيت

حتى الآن من اللعنة المسماة رجل "


غطى الحزن على ملامحها الجميلة وهمست بمرارة

" معك حق من ستتمنى أن تنتهي لما انتهت له غسق شراع "

وصلها صوتها فورا مبررة بأسف

" غسق أنا آسفة لم أقصد أن أجرحك بكلامي لكني أشعر حقا

بما عانيته وبعيدا عن كل مزايا ذاك الرجل التي تمحي الزلات

في نظر الجميع "

ابتسمت بسخرية امتزجت بالألم قائلة

" لست غاضبة منك يا جليلة فأنت لم تتحدثي سوى عن الواقع

بل وما خفي كان أعظم من ذلك بكثير ومعك حق في رفضه بل

وجميع رجاله أولئك يجب أن لا تكون أي امرأة تحت جناحهم ولا

أن يزوجوهم النساء ولا أكثرهن شراً وسواداً "


تنهدت من في الطرف الآخر قائلة

" آه غسق لا أتمنى فعلا لأحد أن يقاسي ما قسيته أنت لكني

أتمنى أيضا أن تعودا معا كما في الماضي ، لا أستطيع الكذب

عليك في هذا فأنتما تكملان بعضكما ولم أرى حياتي
شخصا.... "

قاطعتها بضيق وقبضتها تكاد تتمزق من شدها لأصابعها

" جليلة يكفي ولا تقارنيني بذاك الرجل مجددا فلن يرى أحداً

مثلي ما يوجد تحت التمثال الذهبي المدعو مطر شاهين "


" حسنا حسنا هدئي من روعك ... أنتي أفضل من مطر

شاهين وهو لا يستحقك "

زمت شفتيها قبل أن تتمتم ببرود

" أتعلمي بأنك أسخف امرأة في الوجود ؟ "

قالت من في الطرف الآخر بضيق

" أجل أعلم وعلى السخيفة أن تجد حلا للتخلص من ذاك الرجل

سريعا وبأي طريقة غير التحدث معه فحتى وسام كعادته

لا حلول لديه سوى الاستماع لي "

جالت حدقتاها السوداء بتفكير لبرهة وكأن ذاك الإسم ذكرها

بشيء غفلت عنه تماما فقالت باندفاع

" جليلة هل قائد هنا في العاصمة ؟ "

ساد الصمت في الطرف الآخر لوقت قبل أن يصلها صوتها

مستغربة

" وما ذكرك في قائد الآن ؟ لا تكوني تنوين استرجاع ذكرى

الحروب القديمة فهو ووثاب لا يخاطب أحدهما الآخر منذ تلك

القصة وذاك الزمن البعيد "

تنهدت بضيق وقالت

" لم تجيبي عن سؤالي يا جليلة ؟ "

سمعت تلك التنهيدة العميقة التي تفهم سببها جيدا قبل أن تقول

صاحبتها

" مكتبه هنا في العاصمة لكنه لا يكون موجودا هنا إلا لأيام معينة

في الشهر من أجل قضاياه "


قالت من فورها

" متى أقرب وقت سيكون فيه هنا ؟ اسأليه يا جليلة "

وصلها صوتها الجاد فورا

" غسق ما هذا الذي تفكرين في فعله وما تريديه بقائد ؟

أنتي تعلمي جيدا بما في نفسه لك وها قد تجاوز الأربعين عاما

ولم يتزوج بعد عكس وثاب الذي طرق زواجتين وطلاقين فلا

تنشبي الحرب القديمة بينهما وابتعدي عن قائد فجراحه لم

تشفى بعد "

شدت قبضتها أكثر وقالت بضيق

" جليلة لما تحمليني ذنب ما حدث فلا علاقة لي بجنون شقيقيك

القديم يكفيني جبران وتبعات مع حدث في الماضي ، قائد يختلف

عن كليهما وما كان ماضٍ وانتهى وعمره الآن أعوام طويلة وأنا

أريده بخصوص أمر قانوني ويخص عمله كمحام فاسأليه اليوم

أو أعطني رقم هاتفه وسأتحدث معه بنفسي فهو ابن خالتي

وليس غريبا عني "

وصلها صوتها الحانق فورا

" أجل أنتي ابنة خالته وكم لعلبنا سويا وركضنها وووو ...

لكنك كارثة بشرية متحركة يا غسق فابتعدي عن شقيقي

وها هم المحامون كثر في البلاد "

زمت شفتيها وقالت ببرود

" شكرا على هذا وعلى ثقتك بي يا ابنة خالتي ورقمه سأجلبه

بمعرفتي فمكتبه هنا ولن يصعب عليا زيارته والوصول له

من خلاله "

وما أن أنهت عبارتها تلك أغلقت الخط ونظرت لساعتها قبل

أن تقف وتتوجه للخزانة فتحتها وأخرجت ثيابا لتخرج بها فها

قد وجدت أخيرا من سيحارب في صفها ورجل قانون أيضا .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-02-18, 10:19 PM   المشاركة رقم: 958
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


برم خصلة الشعر الأسود الطويل على سبابته قبل أن يخرجه منها

لتسقط بنعومة في حجره ونظره على اللعبة الألكترونية بين يدي

النائمة على فخذه وما أن رفع تلك الخصلة الطويلة مجددا شدها

بقوة حتى صرخت التي جلست متألمة

" آي يا أحمق "

وفركت مكانها بألم فسحب اللعبة من يدها وقال

" أنتي ألا غرفة لديك ؟ أم لا خصوصية لديا مطلقا ملتصقة

بغرفتي طوال النهار "

وقفت ورفعت وسادة الأريكة وضربته بها قائلة بضيق

" حمدا لله أنه منزل خالي رعد وليس منزلك "

رماها بالوسادة التي أمسكها وقال بتملق

" عمي وليس خالك يا حفيدة دجى الحالك "

أمسكت خصرها بيديها وقالت بتملق يشبهه

" المحاكم أمامك واسمها فيها غسق شراع صنوان وارفع قضية

لنرى من الكاسب فيها "

لوح بيده جهتها قائلا

" غادري غرفتي بسرعة وكان من تكونين ، أمامك غرفة

والدتك ألست هنا من أجلها أم حجة فقط لتزعجيني ؟ "

زحف الحزن سريعا لملامحها الجميلة فها هو يعطب أحد جراحها

المفتوحة فعن أي والدة يتحدث ؟ من باتت جثة تسير على قدمين

وقد فقدت كل شيء حتى تلك الابتسامة التي كانت تهديها إياها

كلما رأتها ؟ لقد فقدت بالفعل كل شيء ... لا بل هم الذين فقدوا

كل شيء فيها ، يتحججون بعملها الجديد بطموحها ببنائها لنفسها

مجددا لكنها لا تصدق ذلك فليست هذه تلك التي عرفتها بعد

قدومها للوطن رغم كل ما كانت تحمله من جراح ومن ألم ورغم

كل ما مرت به من تعثرات وعقبات في علاقتها مع الرجل الذي

عاد مجتاحا لحياتها وبقوة إلا أنها لم تكن هذه مطلقا ..

هي لا تعرفها بل ولا تريدها تريد والدتها التي التقتها أول مرة ..

تريدها وإن كانت من دون والدها وكل منهما في مكان .. تريد

أن تسمع ذاك الحنان في صوتها مجددا رغم نبرة الحزن فيه

لكنه فقدهما كلاهما وتحول لشيء خاوي ميت ، لم تعد تعرفها

منذ انتقالهم هنا بل منذ تلك الليلة التي طلب فيها والدها

التحدث معها وكأنها ماتت تلك الليلة وفقدتها ... فقدتها هكذا

وللأبد .

مسحت دمعتها بباطن كفها ونظرت للذي أمسك اللعبة وانشغل

بها وكأنها ليست مرمية في أغراضه القديمة من خمس سنين

فما أن أخرجتها الآن أصبحا يتشاجران عليها بشكل شبه دائم ،

مسحت عيناها مجددا وقالت بعبوس طفولي

" سأخبر خالي رعد وسيحضر لي واحدة أفضل منها "

ضحكة ساخرة كانت رد الفعل الأول من الذي تربع فوق الأريكة

نظره لازال منشغلا مع لعبته بحماس وقال مبتسما بسخرية "

خالك رعد ! هذا إن رأيته أساسا "

وتابع وقد رفع نظره لها يلوح باللعبة في يده

" فلن تريه سوى داخلا من باب المنزل رأأأأسا لغرفته ثم خارجا

منها لباب المنزل وإن لم يكن لوحده فزوجته معه .. حتى الطعام

يتناولانه في الخارج "

رمى بعدها اللعبة من يده ورفع يديه ناظرا للسقف وقال بحسرة

" متى دوري يا رب تعبت من النظر فقط ومن هذه الطفلة

الملتصقة بي طوال الوقت لتثبت للجميع بأني طفل "

لم تستطع امساك تلك الابتسامة التي زرعها في ملامحها الحزينة

كعادته وقالت تمسك ضحكتها

" يا لك من منحرف ووقح ! لو سمعك رعد لقطع لسانك "

نظر لها ورمى يديه قائلا بضيق

" وما ذنبي أنا في كل هذا ؟ أشقاء والدتك هم السبب لا يتوقفون

عن تقديم العروض العاطفية المميزة ولرداءة حظي أكون موجودا

في كل مرة حتى أصاباني بالعطش العاطفي وإن انحرفت

فبسببهما "

ضحكت ضحكة مكتومة ورفعت يديها للسماء أيضا وقالت مبتسمة

" اللهم أرني فيه يوما سعيدا يناطح الأربعين عاما تديره طفلة

حول نفسه ولا ينالها "

قفز واقفا وتحرك جهتها قائلا بضيق

" استغفري الله يا مجرمة "

فضحكت وركضت هاربة منه وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب

خلفها وماتت ابتسامتها ما أن وقع نظرها على التي تغلق باب

غرفتها ويبدوا أنها ستغادر المنزل والتي سارت مجتازة لها

تدس هاتفها في حقيبتها وتمتمت وهي تمر أمامها

" حجابك تيما "

فركضت خلفها وأمسكتها من يدها وقالت موقفة لها

" أمي انتظريني قليلا أغير ثيابي وخذيني في طريقك

لمنزل والدي "

نظرت لها نظرة كالصخر حتى تمنت أنها لم تذكره أمامها قبل

أن تتحرك مجددا قائلة ببرود

" لا وقت لدي رعد سيارته وقفت في الخارج الآن وسيأخذك "

لحقت بها وقالت تنزل السلالم خلفها

" أمي أنتي ستتوقفي بسيارتك خارج المنزل فقط فأوصليني

أرجوك "

لكنها لم تتوقف للحظة بل تابعت نزولها قائلة بضيق

" تيما اخرجي من رأسي فلن أسلك ذاك الشارع مطلقا واصعدي

والبسي حجابك فورا "

وقفت مكانها وضربت بقدمها الأرض تراقبها بأسى وهي تنزل

باقي عتبات السلالم مسرعة وقد توجهت لباب المنزل فورا فعادت

أدراجها خائبة .. كانت تريد أن تصل بها هناك ثم ستجد طريقة

لتجعلها تدخل وستدعي الاغماء فتضطر للدخول بها فتلتقي

بجدها حينها ، تريدها أن تدخل ذاك المنزل لتراه لعل ما فقدته

روحها يرجع لها مجددا لكنها أعند من الصخر ولن تستبعد أبدا

بأنها كانت صادقة حين قالت لن تسلك شارع منزلهم مطلقا ،

سلكت الممر باتجاه غرفتها وما أن كانت عند باب غرفة الكاسر

انفتح الباب وخرج منه وهاتفها في يده وفي رنين مستمر فأمسك

يدها ووضعه لها فيها بقوة قائلا بضيق

" خذي هذا المزعج معك ورافقتكما السلامة أريد أن أنام "

نظرت له بضيق فدفع وجهها بكفه ودخل وأغلق الباب فنظرت

لشاشة الهاتف واسم رعد وأجابت متوجهة جهة غرفتها فوصلها

صوته فورا

" تيما أنا في الخارج والدتك قالت بأنك تودين الذهاب لمنزل

والدك فبسرعة لا تتأخري "

همست بحزن وهي تفتح الباب

" حسنا "

ودخلت ورمته على الكرسي وتوجهت للخزانة فورا أخرجت

ملابسها وغيرت ثيابها بسرعة ولفت حجابها بحركة سريعة

وعشوائية وحملت هاتفها وغادرت الغرفة بل والمنزل مسرعة

وكانت سيارة رعد تنتظرها أمام الباب فركبت فورا وانطلق هو

من فوره وما أن اجتازت سيارته بوابة المنزل الخارجية نظر لها

ثم للطريق وقال

" منذ ثلاث أيام وأنتي هنا ما الذي جعلك تتذكري

والدك فجأة ؟ "

رمقته بطرف عينيها وقالت بضيق

" إن كان يزعجك إيصالي فأنزلني أتابع طريقي سيرا
على الأقدام "

ضحك وقال

" مهلك عليا يا ابنة مطر فلم أفقد عقلي بعد ولا أريد أن أفقد

حياتي بسبب والديك إن اختطفك أحدهم "

نظرت لنافذتها وتمتمت ببرود

" يفعل بي معروفا حينها فلعلهما يشعرا بوجودي "

نظر لها مبتسما قبل أن يعود بنظره للطريق وقال بهدوء

" ألم تعتادي وضعك بعد يا تيما ؟ "

قالت بأسى تمسك دموعها بصعوبة

" فليطلقها لا مانع لدي إن كانت سترجع والدتي التي أعرفها

فحالها لا يعجبني يا رعد لقد تحولت لدمية خشبية متحركة جوفاء
باردة ميتة تحركها أقدارها فقط "

وقف عند الاشارة ونظر لها وقال

" وحالك ليس بأفضل منها يا تيما ، فهل سينال والدك وسام

محطم قلوب نسائه أم ماذا ؟ "

مسحت الدمعة التي لم تفارق مقلتيها بعد ونظرت ليديها في

حجرها والهاتف فيهما وهمست ببحة حزن

" لا تعنيني نفسي أكثر منها .. بل ومنهما "

مال للأمام قليلا تراقب عيناه أرقام الإشارة الضوئية وقال

بابتسامة مائلة

" كاذبة ونصف حزنك سببه القرار الذي لم تقرريه بعد فأنصحك

برفضه بسرعة ولا تتركيه ينتظر أكثر من هذا فالنتيجة واحدة "


نظرت جهة النافذة تراقب الشوارع بحزن ما أن تحركت السيارة

مجددا ولم تستطع نكران ذلك ولا الاحتجاج عليه فلم تنسى لحظة

ذاك اليوم الذي زارت فيه منزله وعودتها لمنزل والدها بعدها فقد

بكت في غرفتها لساعات وساعات حتى ظنت بأنها لن تتوقف عن

البكاء أبدا وإن كان والدها في المنزل ذاك اليوم لبلغته موافقتها

فورا لكنها حمقاء وستبقى كذلك دائما فما أن مرت تلك الساعات

حتى اشتاقت له مجددا وتذكرت لمسة يده وهمسه يسألها عن

سبب غضبها منه وما هروبها لمنزل رعد بعدها وفي ذات اليوم

إلا كي لا تقابل والدها ويسألها عن قرارها الذي تأخر كثيرا .

أوقف سيارته أمام بوابة منزلهم ونظر لها وقال

" تيما اتبعي قرار قلبك ففي الحب من يتبع عقله يكون خاسرا

وليس العكس ... الحب مجازفة وتهور وجنون أو لن يكون حبا

صدقيني "

تنهدت بضيق ونظرت له قائلة بأسى

" ماذا إذا أقول له بأني أحبه ولا أستطيع الزواج من غيره

وأهين نفسي حين يواجه اعترافي بالرفض ويسخر من مشاعري

وينعتني بالطفلة الحمقاء المنحلة ؟ "

حرك رأسه برفض وقال

" ها هي آستريا كانت من اعترف لي بمشاعرها اتجاهي أولا

وكانت أكبر منك بعام واحد فقط حينها ولم تكن تعلم عن مشاعري

نحوها ولم أسخر من مشاعرها مطلقا وكانت من شجعني على

فعلها فيما بعد ولم تفقد احترامي لها يوما ولا حبي ، وإن لم

تفعلها هي حينها ما فعلتها ما حييت وسأستمر في بناء الحواجز

بيننا وأخترع أسبابا لها وجود وليس لها وننتهي بأن نفترق

كل واحد منا يدفن مشاعره في داخله ويقتلها وللأبد "

امتلأت مقلتاها الزرقاء بالدموع سريعا وقالت بعبرة مكتومة

" لكنه ليس أنت وهو لا يحبني وخطب وسيتزوج من أخرى "

نظر لها بصدمة قبل أن يهمس

" سحقا للرجل ... كنت أجزم بمشاعره نحوك قسما وأنا

رجل مثله فما جعله يجن فجأة ! "

تدحرجت أول دمعة من رموشها الطويلة وقالت بعبرة

" جعله يفعلها أنه لا يحبني ولن يثق بي أبدا ولن يرى سوى

ماضيا وعيوبي لكني لم أستطع تجاوز كل ذلك حتى الآن

ولا أن أقتل مشاعري نحوه "

وما أن أنهت عبارتها تلك فتحت باب السيارة ونزلت مغلقة له

خلفها واجتازت بوابة المنزل والحرس حولها تمسح دموعها التي

ترفض التوقف تريد فقط أن تكون في غرفتها وحيدة كما كانت

وعاشت طوال حياتها لا تحتويها سوى الجدران الباردة ، وما أن

مرت بأشجار الحديقة المثمرة لم تستطع مقاومة تلك الشجرة

تحديدا فركضت نحوها واحتضنت جذعها وبكت وكأنها تبكي في

حضنه تضربه بقبضتها وتحدثه وكأنه هو تلومه فقط على أنها

قابلته يوما واستطاع أن يمتزج مع أنفاسها ودمائها بينما لم

تستطع هي فعل ذلك به .


*
*
*


اجتازت مدرجات القاعة نزولا تحاول أن لا تفقد شيئا مما تمسكه

في يديها قبل المحافظة على توازنها وهي تجتاز جموع الطلبة

فالمحاضرات المشتركة تكون هكذا دائما مزدحمة وخانقة بالنسبة

لها ، غادرت القاعة أخيرا واجتازت الرواق الطويل تنظر لساعتها

وتأففت بحنق فلا وقت أمامها لزيارة المكتبة لأنه عليها أن تكون

في شقته عند الساعة الرابعة ولن تشرف نفسها برؤيته هنا

يكفيها ما سمعته من تعليقات من زملائها وممن وصلته منهم

الأخبار عما حدث بالأمس وبات السؤال يتكرر عن الخاتم الذي

اختفى اليوم من أصبعها حتى كرهته بالفعل .

" ماري "

وقفت مكانها والتفتت للصوت الأنثوي الرقيق خلفها وابتسمت ما

أن عرفت هوية صاحبته تراقب تلك العينان الجميلتان اللتان هربتا

من النظر لها وقد مدت يدها لها هامسة بحياء

" مرحبا أنا أدعى جيني "

صافحتها قائلة بابتسامة

" مرحبا جيني أراك دائما في مدرجات ملعب السلة يبدوا بأنك من

محبي تلك الرياضة "

ضمت يديها لبعضهما وقالت بارتباك

" أجل أو يمكنك القول مؤخرا فقط "

ابتسمت تراقب تهربها من النظر لها والخجل في ملامحها الجميلة

ولم تعلق كي لا تحرجها أكثر ، وكما توقعت قالت الواقفة أمامها

ما أن رفعت نظرها لها مجددا

" هل صحيح ما سمعته عما حدث في الملعب بالأمس بعد

مغادرتي وأنك مخطوبة لشاب من خارج الكلية ؟ "

لم تحب هذا السؤال اليوم من شخص كما أحبته من هذه الفتاة

ولم تجب عليه بابتسامة صادقة كما حدث معها وهي تقول

" بلى جيني وأنا أحبه كثيرا "

وأبهجتها تلك الفرحة التي رأتها في عينيها فهذه حسنة السيد تيم

الوحيدة فيما فعل هنا فعلى الأقل لن ترى تلك النظرة الحزينة
المكسورة في عيني هذه الفتاة مجددا ، كانت تعلم بأن موقفها

كان سيئا جدا وما توقعته حدث فعلا حين قالت التي هربت بنظرها

منها مجددا

" ظننك وكين .... أعني الكثيرين كانوا يروا أنه ثمة ... "

وضاعت الكلمات منها فبادرتها الإجابة قائلة بابتسامة

" لا يا جيني لا علاقة تجمعني بكين أكثر من أنه ابن خالتي

وهذا ما لا يعرفه الكثيرين وهو لا يعاملني سوى كشقيقة له

وأنا أحترمه كشقيق لي "

رفعت نظرها لها وقالت بإحراج

" آسفة إن كان سؤالي متطفلا وغبيا "

قالت مبتسمة

" أنتي تحبينه أليس كذلك ؟ "

نظرت لها بصدمة سرعان ما زحف معها ذاك اللون الزهري في

بشرة وجهها البيضاء الجميلة ورفعت خصلات غرتها خلف أذنها

قائلة بارتباك

" أجل لكنه ... لكن ... أعني أنتي لن تخبريه بكل هذا أليس

كذلك ؟ "

حركت رأسها نفيا قاءلة

" لا لن أخبره لكنه يعلم يا جيني "

انسدلت تلك الأجفان الواسعة على حدقتيها الخضراء تخفي تلك

النظرة الحزينة فيهما فمدت يدها ولامست يديها المقبوضتان معا

بقوه وقالت مبتسمة

" عليك أن لا تيأسي يا صديقتي فكين لا حبيبة له مطلقا ، قد

يكون مكبلا بظروفه وغبيا وأحمقا كباقي الرجال لكنك لست

كأي فتاة بالنسبة له أنا متأكدة من ذلك "

وكم شعرت بالبهجة حين رأت تلك النظرة والفرحة في ملامحها ..

فسترى يا سيد كين ما يكون كيد النساء وأرني كيف ستهرب منها

مستقبلا لنرى ، ما كانت لتساعد واحدا من رجال المهمات أولئك

مجددا لكنها فعلتها من أجل هذه الفتاة لا من أجله فهي تشعر بما

تعانيه وكم تخشى أن يضعوا فتاة ما في طريقه أيضا تحت مسمى

المهام التي لا تراجع عنها ويكسروا قلبها وحلمها بل وتتمنى أن

يشعر بها الكين بالفعل وأن يفصل بين عمله وعواطفه ولا يخسر

فتاة يحبها وتحبه من أجل أمور ستتخلى عنه يوما ما فيجد نفسه
وحيدا أو يعيش مع امرأة لا تربطه بها أي عاطفة رغم أنها تجزم

بأن الرجال لا يهتمون لهذه الأمور وقساة أكثر مما تتوقع جميع

النساء .

حيتها مغادرة وبادلتها تلك التحية مبتسمة وما أن اجتازت باب

الكلية لمحت كين من بعيد مع إثنين من زملائه وأحد أساتذتهم

فلوح لها بيده من بعيد مبتسما قبل أن يعود بنظره لمن كان يقف

معهم وينسجم في أحاديثهم مجددا فابتسمت وتابعت سيرها فهو

كما عرفته وتوقعت تماما لن يتأثر بما حدث بالأمس كما لن

يسألها عن شيء أبدا ، كما سيجعل بينها وبينه مسافة بعيدة

وهذا ما لاحظته اليوم فلم تجده ينتظرها بين المحاضرات عند

قاعتها كالعادة ولا وقت مغادرتها ، وصلت موقف السيارات
وركبت سيارتها ولاحظت حينها الورقة على مقدمة السيارة

ونظرت لها باستغراب ! وحين سحبتها من هناك اكتشفت بأنها

ظرف ورقي أبيض فقلبته أمام نظرها باستغراب قبل أن تفتحه

فكان يحوي مفتاحين وورقة مطوية فتحتها فورا وكما توقعت

كانت من الشخص الذي سيكون يملك مفتاحا للسيارة بالتأكيد

وغفلت هي سابقا عن هذا الأمر .

‏*‏
‏*‏
‏*‏


كتف ذراعيه لصدره وقال بضيق

" لما لا تتوقف عن الدفاع عنه يا صقر ؟ "

قال صقر بضيق

" أنا لا أدافع عنه بل أنت من أراك سلبيا جدا ناحيته يا دجى

وعليك أن تكون حياديا فإن كان مطر يخطئ فابنتك تفعل ذلك

أيضا ، حتى متى سيكون الجميع ضده أم لا ترون بأعينكم الحال

الذي هو فيه ؟ إنه بشر مثلي ومثلك تماما وليس لأنه لا والدين

له لا أحد يشعر بما في داخله ولا يفصح عنه ؟ بل أرى حاله

لا يحتاج لأن يشرحه أحد "


لوح الواقف أمامه وسط بهو المنزل بيده وقال بحدة

" عن أي حال تتحدث فهل نراه نحن لنرى حاله ! هو لم يدخل

المنزل من يومين ولم يتحدث ولا عن الذي أخبره به تيم جعله

في حالة استنفار هكذا ؟ هو من يقصي نفسه عن الجميع ويخسر

التي وحدها قد تفهمه وتريحه وها هو يلحق ابنتها بها وباتت تفر

من المنزل أيضا فعلى من سيقع اللوم ؟ علينا نحن أم على تيما

ووالدتها أم على مشاكل البلاد ؟! ألا تخبرني لما يمنع ابنتي عني

ويشترط أن تكون هنا من دون أن تعلم بوجودي لتراني وأراها ؟

ولما يمنعني ونفسه عن الاقتراب من أبناء شقيقاتي وشقيقي

أيضا ؟ ألم يكفه ما فعله بابنتي وحفيدتي وقرر عقوباته عليا

أيضا ؟ "

تنهد الواقف أمامه وكأنه يستجدي الصبر من نفسه وقال بحزم

" دجى أنت تعلم جيدا أسباب مطر بالنسبة لأشقائك من والدتك

وأن اقتراب أيا منا منهم معناه مشاكل للجميع وأولهم أنت

وعائلتك فيفترض بأننا لا نعلم عنهم وبأن سرهم دفن معك ، ثم

مطر لا لوم عليه في كل ما قد يحدث لهم وهو مكبل حاله حال

الجميع ولسنا نعلم حتى الآن ما يفكر فيه أولئك الغيلوانيين بعد

اكتشافهم لسر إسحاق فإن ربطوا الأمور ببعضها واكتشفوا بأن

مطر يعلم بأنه ابن شقيقتك فسيعلمون بأنك على قيد الحياة إلا إن

نام دماغ ذاك الداهية شعيب فجأة ، ولا تنسى بأنهم يملكون حجة

أقوى منه هو رئيس البلاد وهي الثأر وأنه يمكنهم قتلك وابنتك

وحفيدتك بتلك الحجة والورقة الموثقة عن اعتراف آل الشاهين

بثأرهم ومنحهم ما يطلبون حال تحقق شروطه وسيخرجون منها

بكل سهولة لأنك قتلت ثلاثة منهم وأعراف القبائل تصعد فوق أي

قانون دائما "

قال العنصر الثالث في المجموعة في أول خروج من صمته

" وأنا من رأي خالي صقر ثم مطر بالتأكيد ما يشغله أمر هام

يخص البلاد ولن يستأمن أحد عليه ولا حتى نحن واجزم بأن

الموضوع يخص اليرموك ومتمردي صنوان ، تلك المسألة شغله

الشاغل مؤخرا ولن يرتاح حتى يجد لها حلا ، وأنا معه أيضا في

أن مطر يحتاج لتفهم من الجميع وأن لا ننظر له كآلة حرب هو

بشر قبل كل شيء وابنتك لا تساعده إنها تضاعف من همومه "

كتف دجى ذراعيه لصدره وقال ببرود

" وماذا لم تقولاه أيضا ؟ وتيما سبب هموم والدها بالطبع وأنا

وأنت وماذا بعد ؟ ألأجل هذا أنت هنا يا قاسم ؟ لتقف معه فيما
يقول ! "

نظر له بصدمة درجة أنه لم يعرف بما يعلق وما يقول ... لأجل

هذا هو هنا ! لو علم لما هو هنا لما كان هذا كلامه بل لضحك

على حاله حتى تعب وتغير مزاجه العكر هذا بأكمله ، نظر حوله

ليستقر نظره على ذاك الممر مجددا ورغم حديث جدها عن أنها

هجرت المنزل لازال لا يمكنه التحكم في نظراته المسافرة هناك

وكأنه لازال ثمة أمل لديه في أن تخرج له من خلف ذاك الجدار

فهي السبب الحقيقي لوجوده هنا ، من لعبت بعقله واختفت من

منزله وتركته معلقا بين السماء الأرض قرابة الثلاثة أيام وها هي

تستمتع بوقتها عند والدتها وهو يحترق كمراهق غبي وكأنهما

يتبادلان الأدوار وبقي فقط أن يتسلل لها من نافذة غرفتها

وتطرده .

التفت حيث تحركت الأعين وساد المكان صمت مريب فغضن

جبينه وانتقلت نظرات الإستغراب له أيضا محدقا باللتي دخلت من

باب المنزل وثبت نظره على عينيها المجهدتان تحديدا من بين

تلك الملامح الفاتنة الحزينة وعلقت نظراتهما لبرهة قبل أن

تسدل جفنيها على تلك الأحداق الزرقاء وهمست ببحة وهي

تغادر يمينا

" مرحبا "

كان هذا فقط ما جادت به على ثلاثتهم وتركتهم يتبادلون نظرات

الاستغراب قبل أن يتحرك دجى خلفها وتبعه صقر من فوره وبقي

الذي لم يستطع منع قدميه من اللحاق بهم لأكثر من تلك الثواني

المعدودة التي شعر فيها بالأرض تحترق تحته وستصهره إن لم

يتحرك من مكانه فهل ترميه بنظرة محيرة جديدة كتلك وترحل

هكذا بكل بساطة لتتركه يتآكل من الداخل لأيام أخرى ؟

وصل باب غرفتها ووقف مكانه ينظر للجالسة على سريرها تنظر

ليديها في حجرها تشد قبضتيها بقوة وشعرها وغرتها ويخفون

ملامحها وجدها جالس على يمينها يحضن كتفيها بذراعه وصقر

على يسارها والأسئلة تنهال عليها ولا يخرج سوى ذاك الهمس

الأنثوي الرقيق من خلف تلك الغرة الحريرية مجيبا بالنفي على

جميع أسئلتهم حتى قالت نهاية الأمر لتضع حدا لجميع تلك

التساؤلات

" لا شيء جدي متضايقة قليلا فقط ومتعبة .. سأنام وأكون بخير

اقسم لك "

فتبادل نظرة صامتة مع الواقف أمامه ثم وقف ومسح على

شعرها قائلا بهدوء

" حسنا نامي وارتاحي ثم سنتحدث ولن تذهبي وتتركي جدك

وحيدا هكذا مجددا يا دميته اتفقنا ؟ "

أومأت برأسها إيجابا من دون أن ترفعه هامسة

" معك حق جدي فلن أفعلها مجددا "

نظر لصقر نظرة من يقول : هل رأيت هذا ما أخبرتك عنه فحرك

رأسه بالنفي دون أن يعلق أيضا فخرج دجى متنهدا بضيق وتبعه

هو وقد بدأ نقاشهما ما أن تخطيا باب الغرفة بينما بقي من تركاه

خلفهما واقفا مكانه ولازال نظره على التي رفعت خصلات غرتها

خلف أذنيها ورفعت رأسها ووجهها وعيناها الدامعة حتى التقت

بعيناه مجددا فسارعت للنظر للأسفل ما أن اكتشفت وجوده

وشغلت نفسها بخلع حذائها ثم اندست تحت لحاف السرير

وغطت حتى رأسها فتحركت شفتاه ومنعهما بالقوة عن التحدث

لكن ذلك لم ينجح طويلا فقال ببرود

" لو كنت أخبرت والدك بما لديك يا تيما كان أفضل من

معاملتي كنكرة هكذا ، أما إن كان قصدك إيذائي فقد نجحت

في ذلك بالفعل "

وما أن أنهى عبارته تلك غادر ولم يبقى لها سوى صوت

خطواته المبتعدة فأبعدت اللحاف عنها بحركة واحدة سريعة

تنظر لمكانه الخالي منه باستغراب فهل هو من تأذى أم هي ؟

وبما ستخبر والدها مثلا بأنها السبب في كرهه لها !

أخفت وجهها ودموعها الصامتة في لحاف سريرها مجددا

تحاول منع عبرتها من الخروج فلا شيء لها ولديها

سوى هذا .

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-02-18, 10:26 PM   المشاركة رقم: 959
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


نامت في مكانها المعتاد على الفراش الأرضي ونظرها على

الجدار الملاصق لها وهذا ما بات عليه روتينها المعتاد النوم بعد

صلاة العشاء مباشرة لأن شريكها في الغرفة ينام في هذا الوقت

فثلاث أيام مرت لا تراه سوى وقت إفطاره بعد الفجر ويغادر

بعدها ولا يرجع إلا عند الثانية ونصف يتناول غذائه ويخرج ولا

يرجع إلا بعد المغرب يستحم يتناول عشائه يصلي وينام كالميت

من شدة التعب ولا يتحدث بشيء فبالكاد يلقي السلام وهو داخل

وهو خارج وما أن تغسل الأواني وتخرج من المطبخ إما لا تجده
لأنه غادر أو نام إن كان ليلا وكم رحمت حاله فهي السبب في كل

هذا فهوا ما كان ليهتم بإحضار كل ما لم يهتم به سابقا إلا لأنها

أصبحت معه الآن وأصبحت عبئا عليه وإن لم يتذمر ويشتكي

حتى أنه لم يشتري ولا ثيابا لنفسه لازال لا يملك سوى قميصين

وبنطلونين تغسلهم له ليلا ويلبسهما نهارا بالتبادل وعليه أن

ينتظر الراتب أيضا على ما يبدوا والذي ليست تعلم ماذا سيكفي

وماذا وهو سيسدد منه الدين الذي لا تعلم كم يكون فهو يحتفظ

حتى بأفكاره لنفسه وهذا ما يحيرها فيه أكثر وهو صمته الدائم

فبالكاد يقول الكلمة أو الاثنتين ومنذ حديثهما الأول ذاك لم يتبادلا

حديثا مطولا .. ومتى تراه هي ليتحدثا فهما لا يجتمعان سوى

وقت تناول الطعام ولاحظت بأنه لا يحب التحدث وهو يأكل فلا

تسمعه سوى مسميا بالله بهمس قبل أن يبدأ وحامدا له حين

ينتهي ولا تعلم أهكذا طبعه أم لا يريد التحدث معها هي ؟ أو أنه

اعتاد التعايش مع همومه ومشاكله وحده ! .

سحبت اللحاف على كتفيها وانكمشت تحته وابتسمت تتذكر ليلة

البارحة حين أصر أن تتغطى هي به مجددا ورفضت وأصرت بأنه

دوره ، وانتهى الأمر بأن خرج من الغرفة وأحضر السكين من

المطبخ وقسمه لنصفين فأصبح لكل واحد منهما نصفه إن غطى

قدميه بقي كتفاه وإن غطى كتفيه بقيت قدماه وسمعت ضحكته

لأول مرة حينها عندما رفعت نصفها منه وتمتمت بعبوس

( من هذا الذي أخبرك أني قصيرة أو أنك أقصر مني ؟ )

لكن الأوان كان قد فات على إعادته كما كان فأعطاها نصيبها منه

قائلا بابتسامة

( إلتفي فيه كالمومياء سينجح الأمر )

ومن سعادتها الحمقاء بضحكته ومشاركتها الحديث أفسدت كل

شيء حين قالت

( موعودة بلحاف جديد إذا )

فماتت ابتسامته حينها كذبول ابتسامتها الآن لتتحول لتمثال جامد

يشبه الجدار الأملس أمامها فكل ما قاله حينها وهو يرمي جزئه

من اللحاف على فراشه

( لا تأملي بي كثيرا فقد لا أتمكن من تحقيق أبسط أمانيك يا

مايرين )

ولم تفهم ما أزعجه فيما قالت أم أن الأمر متعلق بشيء ما يخص
ماضيه ؟ وهذا هو الذي لازال يحيرها فيه !

" يمان "

عضت لسانها وكأنها تعاقبه على ما سمحت له به قبل قليل لكن

الأوان كان قد فات فقد وصلها صوته المرتخي المتعب

" نعم يا مايرين "

فابتسمت بحزن فهكذا هو لا تناديه ويجيبها إلا ويلحق اسمها

بكلمة نعم وكأنه يخشى أن تفهم أنه يجيبها مجبرا بسبب صوته

الكسول المتعب ، مررت طرف سبابتها على الجدار أمامها وقالت

بهدوء حذر

" قلت سابقا بأنه ليس لك عائلة هل ماتوا جميعهم ؟ "

ساد الصمت من طرفه حتى ظنت بأنه لن يجيب على سؤالها

وعلمت بأنها تمادت كثيرا وتدخلت فيما لا يخصها وبدأت تندم

على فعلتها تلك لولا وصلها صوته هادئا عميقا هذه المرة

" والدتي توفيت منذ كنت في الثالثة عشرة أما والدي فمات

من قبل أن أولد ، لديا شقيقة منهما تصغرني بإثنى عشر

عاما تزوجت وبات لديها حياة مستقلة وزوج وعائلة فلا أحد

لي هنا .. هذا ما عنيته "

أغمضت عينيها وتنهدت بحزن فقد ظنت بأن والده توفي بالفعل

قبل أن يولد لكن ما قاله بعدها يؤكد العكس ولم يعني بما قال

سوى بأنه ميت وهو حي وهذا أقسى من موته حقيقة وكم آلمها

حاله وشقيقته فإن كانت تصغره بثلاثة عشر عاما وهو يبدوا في

منتصف العشرين من عمره أو يزيد على ذلك بقليل فستكون

صغيرة جدا على الزواج ويبدوا هذا سبب نصف همومه وصمته

الدائم ، أرادت أن تسأل عن الكثير لكنها لم تستطع وخافت أن

يضايقه ذلك لكن ما لم تستطع منع نفسها عن قوله خرج ورغما

عنها حين قالت بحزن

" وإن تزوجت فهي تحتاج لوجودك قربها يا يمان فالشقيق لا

يملأ مكانه زوج ولا أحد أبدا "

لاذ بالصمت ولم يعلق بينما عادت هي لعض لسانها مجددا فها

هي تخطئ من جديد ونسيت بأنه زوجها وليس شقيقها ، لم تكن

تتوقع تعليقا منه هذه المرة أو أنها فقط تمنت أن لا يكون تعليقا

قاسيا تستحقه لكن ما حدث كان عكس كل ذلك حين وصلها صوته

الهادئ العميق مجددا

" هي تسكن في الحميراء وبعيدة جدا عن هنا تحتاج لسيارة

ونقود لأصل لها ولست أملك كليهما ولا مال أهدره على سيارات

الأجرة ثم هي بخير بالفعل هناك فأنا لن أمنحها ما سيمنحه لها

زوجها وعائلته "

كم آلمتها نبرة المرارة التي جاهد ليخفيها في صوته والتي

استطاعت أن تلحظها بوضوح فهي عانت وتألمت حياتها بأكملها

وتشعر بكل هذا مهما أخفاه المتحدث معها ، دست يدها تحت

خدها وحاولت أن تنام ما أن تغمض عينيها رغم يقينها بأن ذلك

لن ينجح وككل ليلة وعادت وفتحتهما سريعا ما أن وصلها صوت

من ظنت بأنه نام أو لن يتحدث معها أكثر من ذلك

" وماذا عن شقيقك يا مايرين ؟ "

لون الحزن صوتها كما ملامحها وقالت بأسى

" بعدما رماني في الشارع لم أسمع عنه شيئا ولم أهتم بذلك "

وصلها صوته مجددا

" ليس ذاك أعني بل الآخر "

هنا لم تستطع التحكم في الدمعة التي ملأت عينيها الواسعة وتلك

الأحداق الخضراء الواضحة وهمست بعبرة

" هازار !! "

مررت ظهر كفها تحت جفنيها تمنع دموعها من الانزلاق جانبا

من عينيها وتابعت بعبرة مكتومة

" هازار كان الشخص الوحيد بعد والدتي الذي يحبني بل وعاملني

وكأنه لا شقيقة لأحد غيره في الوجود وحين غادر مع رجال ابن

شاهين كنت في السادسة من عمري ولم أراه بعدها مطلقا ولم

يرجع مع من عادوا الآن ووالدتي توفيت بعد مغادرته بوقت

قصير لتبدأ مأساتي التي لم تنتهي ... "

مسحت عيناها مجددا وتابعت تحاول محو ما قالته سابقا

" المأساة التي لم تنتهي إلا الآن فكم دعوت الله ورجوته أن

يرجعه لي ويبدوا استجاب لدعائي بما يساوي ذلك بل وأفضل

مما تمنيت "

وما أن أنهت عبارتها تلك عضت على شفتها فليس بالهين أن

تقول ذلك له خاصة أنهما لازالا يعيشان معا كغريبين تقريبا

لكنها الحقيقة والواقع الذي لا يمكنها نكرانه وعليه أن يعلمه
ولتتغير نظرته لنفسه فثمة من يحتاجه بالفعل ولن يغطي غيره

مكانه لديه .

قفزت جالسة ويدها على قلبها حين علا صوت الباب الحديدي في

الخارج وكأن من يطرقه لا ينوي سوى خلعه من مكانه بل وكأنه

زلزال تشعر بالجدران تهتز معه ونظرت بفزع للذي وقف على

طوله وتوجه جهة باب الغرفة من فوره فوقفت أيضا وقالت

راكضة جهة الخزانة

" يمان قميصك "

وفتحتها سريعا وأخرجته وركضت به جهته فأخذه منها وهمس

خارجا من الباب وهو يلبسه

" ابقي هنا "

فوقفت تحضن إطار الباب تراقبه بعينان دامعة تدعو الله دون

توقف أن يحفظه لها وأن لا يكون ثمة من جاء ليسرق سعادتها

سريعا ، انزلقت أول دمعة من عينيها حين اكتشفت بأن مخاوفها

حقيقية وهي تسمع ذاك الصوت الرجولي ما أن فتح لهم الباب

" أنت يمان إبراهيم حجاج ؟ "

وما أن أجابه بنعم قال ذات ذاك الصوت الغليظ المخيف مجددا

" أنا المقدم عثمان أحمد العامري من مكتب الجنائية بحوران

وعليك أن تذهب معنا الآن "

فشهقت بصدمة وبكاء واتكأت على جار الغرفة من الداخل تمسك

فمها وعبرتها بيدها وهذا ما توقعته حدث وها هم وحوش غيلوان

سيسرقوه منها سريعا وأسرع مما توقعت فهم هكذا دائما وجدوا

فقط ليسرقوا سعادتها منها .

تحركت من مكانها ما أن اجتاز ذاك الجسد باب الغرفة مجددا

ونظر ناحيتها من فوره وكأنه دخل من أجلها فقط فأمسكت يده

ونظرت لعينيه وقالت ببكاء

" يمان أنت لن تذهب وتتركني .. خذني معك "

أمسك ذراعيها وقال بجدية

" إلى أين سآخذك يا مايرين ؟ لن تدخلي ذاك المكان ولا لأي

سبب كان وأنا سأكون بخير لا تقلقي فأنا لم أفعل شيئا أخاف

منه "

حركت رأسها نفيا وقالت بذات بكائها

" لكنهم لا يحتاجون لأن تفعل شيئا ليرموك في السجن .. أنا

أعرفهم جيدا فهم يقتلون بدم بارد وكل ما يريدونه الآن أن

يتركوك حسرة في قلبي وأن يرموني للشارع مجددا "

اشتدت أصابعه على ذراعيها أكثر وقال بذات جديته

" مايرين هم لن يتخلصوا مني وأنا من خلصتهم منك كما

يرون ، ثم من يخاف الله في كل شيء عليه أن لا يخاف أحدا

وأنا لم أفعل شيئا كما سبق وأخبرتك وسأذهب معهم وأرجع

لا تخافي "

حركت رأسها نفيا ودموعها تنزل دون توقف ولم تستطع منع

نفسها من الارتماء في حضنه وطوقت جسده بذراعيها وقالت

باكية

" لا تتركني يا يمان لا أحد لي غيرك .. لا والد ولا شقيق ولا

أي أحد "

لم يستطع منع تلك الابتسامة التي زينت شفتيه ومسح على

شعرها وقال ناظرا لرأسها ووجهها المدفون في صدره

" ألم يكن الشقيق من لا يملأ مكانه الزوج قبل قليل ؟ "

حركت رأسها بالنفي ولازالت تدفن ملامحها في ذاك الصدر

العريض وقالت ببكاء

" كان كلاما تقوله الناس فقط أنا لا أحد لي غيرك "

أبعدها عنه وأمسك وجهها بيديه ونظر لعينيها الدامعة وقال

" الله لا ينساك يا مايرين وسأكون بخير وسأعود فتوقفي

عن البكاء ونامي الآن وستجديني هنا صباحا "

نزلت دموعها مجددا وهمست بعبرة

" عدني بذلك ، أقسم لي الآن بأنك ستعود ولن تتركني "

مسح بأبهاميه الدموع من تحت جفنيها وقال بجدية

" أعدك أن أعود سريعا يا مايرين ولا تقلقي فإن حدث لي أي

مكروه فسأوصي من سيجد لك شقيقك "

سحبت شهقتها مع الهواء لصدرها وقالت بعبرة مكتومة

" إن كان شقيقي موجودا لعاد من وقت وإن من أجلي فإما أنه

ميت أو مات كوالدك "

تنهد بعمق ليقطع حديثهما صوت الطرق على باب المنزل مجددا

فتركها وغادر جهة الباب قائلا

" أغلقي الباب من الداخل ولا تفتحيه لأحد غيري ولا تخرجي

حتى أرجع يا مايرين "

وغادر تتبعه خطواتها كما دموعها ودعواتها الباكية بأن يرجع

لها فعلا كما وعدها وأن لا يخذلها حظها ككل مرة ليسرق منها

أهم ما بات لديها وتملكه .

*
*
*


دست وجهها في وسادتها وتنهدت بأسى مغمضة عينيها ولا

تشعر بأي رغبة في مغادرة السرير فهي لم تنم باكرا البارحة

وهذا كان حالها في الليلة التي سبقتها فبعد تلك الرسالة التي

وجدتها في سيارتها وأخبرها فيها بأنه سيغادر في مهمة لشمال

انجلترا ليومين وبأن المهمة سرية للغاية ولا يمكنه ولا ذكر اسم
المدينة التي سيكون فيها وطلب منها أن تغلق باب غرفتها

بالمفتاح على نفسها ولا تفتحها لأحد مطلقا فسكنها الذعر طوال

الليل خاصة مع صوت كعب حذاء للتي تزور الشقة لقرابة الأربع

مرات يوميا وتحاول حتى فتح باب غرفتها ولا تنجح لأنها مغلقة

ويبدوا بأنها لا تملك مفتاحا لها عكس باب المنزل الخارجي

ويبدوا أيضا بأنها لا تعلم حتى الآن أين يكون فقد كتب لها أيضا

بأنه سيغلق هاتفه حتى يرجع وبأنه قانون في عمله رغم أن

الظنون باتت تتآكلها وكم تخشى بأن يكون مع امرأة ثالثة ، تأففت

مستغفرة الله بهمس وبدأت بالعد التصاعدي هامسة كالعادة كي

تقف بعد العدد عشرة فوق السرير قبل أن تقفز خارجه ، وما أن

وصلت لذاك الرقم قفزت جالسة ليس بسبب وصولها لذاك الرقم

بل بسبب الطرق السريع والمتتالي على باب الغرفة قبل أن يصلها

ذاك الصوت الرجولي الانجليزي الخشن

" افتح الباب بسرعة ... تحرك يا من في الداخل "

فانكمشت على نفسها وبدأت ضربات قلبها بالارتفاع بصخب

مخيف وتلك الأقدام تركل الباب بقوة كادت تخلعه من مكانه

فأمسكت فمها بيدها تمنع نفسها من الصراخ ذعرا وزحفت

للجانب الآخر من السرير وانزلقت منه وصولا للأرض واختبأت

خلفه تضم رأسها بيديها ولازال ذاك الطرق يتكرر ويشتد تتمتم

بالدعاء دون توقف ودموعها قد عانقت وجنتيها وهمست بصوت

ضعيف مرتجف

" تيم أين أنت ؟ ما هذا الذي تركتني فيه لوحدي ! "

وصرخت بذعر تدفن رأسها في ركبتيها بقوة حين علا صوت تلك

الرصاصة التي اخترقت قفل الباب واندفع للداخل بقوة و بدفعة

واحدة قوية .


*
*
*


مرر طرف سبابته تحت شاربه السفلي يرخي مرفقه على الطاولة


تحته ونظره على الخارطة المفرودة فوقها وسمعه مع الذي


يتحدث والمناقشات المتداخلة بين المحلقين حولها يرسمون


مخططا موسعا لخطواتهم القادمة لاجتياح مدن ومناطق صنوان


تباعا ما أن تصلهم تلك الأسلحة التي ستنزل ميناء صيباء خلال


لحظات ولتخرج أسلحة اليرموك بعدها تباعا ويحرقوا الأرض


بعدها تحت قدمي المدعو مطر شاهين وجميع أتباعه بينما فكره


كان يسافر ويرجع كل حين كمزاجه الذي تحول لبارود مشتعل منذ


تلك الليلة التي كان موقنا من أنه سيصل فيها لكل ما يريده وكل


شيء يقترب من الوصول ليديه ورجاله يترصدون لسيارتها ما أن


تكون في حدود مدنهم لتكون لديه وإن مرغمة لكن كل ذلك تغير


فجأة وكما توقع بسبب ذاك الرجل الذي ما كان ليغفل عنها لحظة


ويتركها لغيره وتحت أي مسمى كان ، كان سيرسل حتى من


يجلبها من منزلهم القديم حيث وصلت وحيث كانت مراقبة تماما


قبل أن ينتشر رجال ذاك المدعو مطر شاهين وحرسه في المدينة


بأكملها وتعسر عليهم الوصول لها وحتى مراقبتها بل وحتى


هاتفها وحلقة الوصل الأخيرة بينهما فقدها وهو يتصل دون توقف


ولم تجيب وحين انفتح الخط أخيرا لم يسمع سوى صوت بكائها


الموجع وحديثها مع طيف وذكرى والدهم ... ثلاثون دقيقة كاملة


تعذب فيها يسمع نحيبها ومناجاتها لمن تراه آخر شخص يربطها


بالحياة وغاب عنها وتركها وحيدة حتى كاد يجن ويفقد عقله


ويفعلها ويذهب لها بنفسه ، وما أن كان سيأمرهم بإحضارها


والمجازفة حتى بحياتهم وحياتها انفتح له الخط مجددا وظن بأنه


سيتمكن من التحدث معها أخيرا ليكتشف أن المفاجأة كانت أكبر


من ذلك بكثير وهو يسمع أنينها المحتج والذي لم يفهمه وكأنه


ثمة من يمنعها عن التحدث ثم همس المكتوم ذاك الرجل والذي


يعرفه من بين آلاف الأصوات لتميزه عنها


( أنتي لي يا غسق لست لأي رجل في الوجود .. لي والليلة


تحديدا )


اشتدت قبضته تحت ذقنه لا شعوريا يشعر بغضبه يشتعل من جديد


فقد فصل عليه الخط بعدها وتركه يصرخ مناديا لها فرمى ذاك


الهاتف من يده لتدعسه عجلات سيارته وتمنى أن دعس ذاك


الرجل بعده فكيف وما علمه بعدها بأنهما غادرا من هناك صباحا


أي أنه قضى الليل معها كما قال وهي الجبانة استسلمت له


فلازالت حمقاء كما كانت وهو من ظن بأن ما فعله بها طيلة تلك


الأعوام كان كافيا لتكرهه لكنها لم تتغير غبية ومغفلة لم تستطع


السنين أن تنسيها تلك الأشهر التي عاشت فيها معه سجينة


كالجارية كالمملوكة وأنساها إياهم جميعا ومعاملة الملوك


والأميرات تلك التي كانت تحضى بها ومنه على رأسهم فيبدوا


بأنها لا تجدي معها سوى تلك المعاملة وكان عليه تطبيقها عليها


من البداية لتنظر له كبطل كذاك الرجل المتعطش للدماء والحروب


رفع نظره بالذي أخرج هاتفه من حزام بنطلونه العسكري وأجاب


من فوره قائلا


" نعم يا جعفر ماذا حدث معكم ؟


وتعلقت الأعين به بفضول وحماس فما يفصلهم عن نيل هدفهم


ومرادهم ليس سوى دقائق سيقطعها هذا الاتصال لكن تلك


النظرات بدأت تتبدل للتوجس ما أن وقف ذاك على طوله وصرخ


بمن في الطرف الآخر

" كيف حدث ذلك ؟ مستحيل الأمر لا يعلم عنه أحد ! "


" أخلوا المكان سريعا وليرجع الجميع إلى هنا "


رمى بعدها الهاتف بطول يديه قائلا بغضب


" هاجمت دورية من القوات الخاصة ميناء صيباء وأمسكوا


بالجميع هناك وبحاويات الأسلحة أيضا "


نظر له بصدمة وصرخ وقد وقف من فوره

" كيف ...! مخططنا كان سريا وناجحا فمن الذي أوشا بهم ؟ "


وتداخلت عبارات السخط ليسكنها مكانها في صمت أموات ذاك


الصوت الذي علا فوقها ولم يكن سوى لصافرات إنذار حروب


علت في الأجواء مخترقة تلك النوافذ والأبواب جعلتهم يتبادلون


نظرة سريعة صامتة وعلم كل واحد في ذاك المكان بل وتلك


المدينة ما سيكون ذلك وما سببه خاصة وقد تبعه صوت تحليق


الطائرات الحربية في سماء تلك المدينة الشبه عسكرية المضيئة


وكانت ثوان معدودة فقط قبل أن يتسلل ذاك الضوء الأحمر من


النوافذ وتهتز الأرض تحتهم وكأن بركانا زفر في أعماقها بل


وكأن ما انفجر تحتهم تماما ليتسرب ذاك الاهتزاز للأجساد


فالمباني فالجدران تباعا وانتقلت الأنظار فورا جهة تلك النوافذ

الطويلة المرتفعة للسقف تراقب بذهول ذاك الوهج الأحمر


المرتفع والشرارات الحمراء المتقاذفة بالتتابع في السماء وكأنه


جبل ألعاب نارية ضخمة انفجر في الأرض تلاه عواء تلك


الشظايا ورؤوس الصواريخ المندفعة جهة السماء وعلم كل


واحد منهم ما يكون ذلك وبأن غضب ابن شاهين بدأ يجتاح كل


شيء ويدمر ثروثهم المنتظرة وبأن هذا نتاج أول ضربة لطائراته


الحربية لإحدى مخازن الذخيرة الممتدة تحت الأرض والبقية في


الطريق بالتأكيد فركض الجميع مغادرين ذاك المبنى كحال كل من


في تلك المدينة فهذا ليس سوى إنذار ليغادروها في أسرع وقت


ممكن فالأسوء لم يأتي بعد ومن كان مستغن عن حياته سيفكر

في البقاء لدقيقة أخرى .


*
*
*



" رععععععد "

صرخ الذي ركض حتى منتصف الممر وتأكد من أن ذاك الباب في

آخره فتح أولا ثم عاد أدراجه راكضا حتى وصل بهو المنزل

وتوجه رأسا للتلفاز فيه نظرات رماح وعمته المستغربة تتبعه

وغير القنوات فيه حتى وصل لمراده لحظة أن ظهر رعد عند

بداية الممر وصرخ بأنفاس متعاقبة

" ماذا يجري هنا ! ما بكم ؟ "


قال الكاسر مبتعدا عن التلفاز الذي علا صوت الصراخ

والانفجارات المندفعة من مكبراته

" مطر شاهين يضرب اليرموك ... إنها تشتعل ، إنها تحترق

يا رعد "

فعلت الصدمة تلك الوجوه قبل أن تصرخ عمتهم ضاربة بكفها

على صدرها ببكاء

" يا فجعة قلبي فيك يا جبران "

وانتبه الكاسر حينها للواقفة منتصف السلالم تنظر لشاشة ذاك

التلفاز بصدمة قبل أن تركض نحو الأعلى فتوجه هناك من فوره

هامسا

" أمي .. "


وما أن وصل السلالم كانت التي صعدت منه منذ قليل تنزل عتباته

مسرعة تلف حجابها على شعرها واجتازته دون أن تجيب على

ندائه ولا نداء رعد الذي لحقها للباب صارخا

" غسق لا تذهبي له ولا تقتربي من اليرموك ، لا تؤذي نفسك

يا غسق "

لكنه لم يلحق بها ولا بسيارتها التي غادرت مسرعة من هناك

ووجهتها كانت عكس ما كان يضن بل ولمكان أقرب من هناك

بكثير وهي تعبر تلك البوابة التي فتحت أمامها سريعا واجتازت

تلك الحديقة الواسعة في لحظات حتى كانت متوقفة أمام باب ذاك

المنزل المرتفع الواسع ونزلت منها ضاربة بابها خلفها وما أن

كانت في الداخل وقع نظرها أولا على التي خرجت من الجهة

اليمنى من بهو المنزل راكضة وقد وقفت مكانها تنظر لها

بصدمة هامسة

" أمي !! "


" أين والدك يا تيما ؟ "

ولم يكن تعليقها ذاك سوى همسا مماثلا خرج من بين تلك

الأنفاس القوية تنظر لها تلك الأحداق السوداء بضياع فقالت

بتوجس ونظراتها لم تترك تلك العينان

" في الأعلى ... جاء للتو ويبدوا أنه سيغادر "

فتركتها وركضت تصعد السلالم قائلة

" لا تتبعيني يا تيما "

وصعدت تاركة تلك العينان الدامعة تراقبها بأسى قبل أن تتجه

لمكان وشخص آخر في ذاك المنزل بينما انفتح باب تلك الغرفة

على اتساعه لحظة أن انفتح باب الحمام فيها وخرج منه الذي

نظر لها بصمت عاري الصدر لازال الماء يقطر من شعره الأسود

الذي ازداد طوله عن المعتاد بقليل لا يلبس سوى بنطلون أسود

فرمى المنشفة من يده وتوجه نحوها من فوره وسحبها من يدها

وأغلق الباب خلفها فحاولت سحبت يدها منه قائلة بحدة

" أهذا آخر عروضك يا ابن شاهين ؟ أهذا ما تنتقم به أيضا من

غسق ؟ "

أدارها حتى أوقفها على الباب وأمسك بذراعيها ونظر لعينيها

المجهدة وقد أحاطهما احمرار أكتحل به جفنيها الواسعان وقال

بجدية

" غسق سنتوقف الآن عن جميع تلك الحماقات وسنتحدث وعن

كل شيء "

حركت يديها بقوة مبعدة يديه عنها وصرخت فيه بعنف

" لن نتحدث عن أي شيء حتى تتوقف عن تدمير اليرموك "

وامتلأت عينيها بالدموع سريعا وصرخت فيه أكثر وقد ضربت

قبضتها صدره العاري بقوة

" توقف عن قتلهم يا دموي يا متوحش قسما لن أسامحك ما

حييت إن مات ، قسما أن تلحق به وعلى يداي "

أسكتتها تلك الصفعة التي علا صوتها في صمت المكان وقد

شوهت تلك البشرة الثلجيبة في ثوان معدودة وتحولت نظرتها

للصدمة ولم ترفع ولا يدها لذاك الخد المحتقن بالدماء وتركت فقط

تلك الدمعة تنساب فوقها ببطء تنظر له بكره نظرة جعلته يمد يده

لذراعها فورا وسحبها لحضنه ودفن وجهها في صدره العاري

هامسا بحزم

" لا خروج لك من هنا وسنتحدث وستستمعي لي حتى النهاية "

دفعت جسده عنها بقوة وابتعدت عنه صارخة بغضب

" لن نتحدث انتهى الحديث بيننا تلك الليلة يا مطر وقد قلت

ما لديك "

وهمست من بين أسنانها ناظرة لعينيه والحقد يغذي تلك النظرات

كالسم "

أنت ميت يا مطر ... مت في داخلي حين جعلته يشهد على ما

حدث بيننا تلك الليلة وستتجرع من ذات الكأس قريبا "


حرك رأسه بقوة ورفض وأمسك وجهها بيديه ونظر لعينيها قائلا

بحدة

" ليس صحيحا يا غسق "


أبعدت يديه عنها مجددا صارخة

" توقف عن الكذب .. لن اسامحك ما حييت يا مطر وستدفع ثمن

كل ما فعلته بي غاليا وغاليا جدا "


لم يهتم بكل ما قالت وقد أمسك وجهها مجددا ونظر لعينيها

الدامعة وقرب وجهه من وجهها حتى تلامست أنوفهما وأغمض

عينيه هامسا بوجع

" لنختصر المسافات يا غسق ... اتركينا نعطي لأنفسنا فرصة

أخيرة واستمعي لي وقسما سيتغير كل شيء "


أغمضت عينيها ببطء ورفعت يدها اليمنى حتى لامس كفها ذاك

الصدر العاري وهمست بوجع خرج من عمق جراحها

" لم أكن هنا يا مطر "

فتحت عينيها ونظرت ليدها وضربت بها على صدره جهة قلبه

وقالت بألم وحدة وقد تسربت الدمعة الثانية من رموشها الكثيفة "

لم أكن هنا يوما ولن أكون وأنت أخرجت نفسك من الموجود مثله

وسط أضلعي "

أمسك يدها وضغطها هناك جهة قلبه تتسرب نبضاته من خلالها

وكأنه يدمج روحيهما وهمس بتأني ناظرا لعينيها ولرموشها

الطويلة المسدلة عليهما

" أنتي هنا يا غسق قسما بمن خلقك وخلقه "


سحبت يدها بقوة ورفعت نظرها لعينيه وارتسمت ابتسامة ساخرة

متألمة على شفتيها وهمست بحرقة

" أجل وقد رأيت الدليل بنفسي ومرارا "


حرك رأسه برفض ورفعه للأعلى ممررا أصابعه في شعره الرطب

قبل أن ينظر لها وقال بضيق

" لن تري شيئا لأنك ترفضين ذلك يا غسق "


وتابع بوجع يضرب بأطراف أصابع يده على صدره ناظرا لعينيها

المحدقة به بجمود

" هذا استنكرني بعدك يا غسق .. رفضني لأعوام لأنك لم تعودي

فيه .. سرق النوم من عيناي لليال يطلبك فما حجم غرورك الذي

لم يشبعه كل هذا يا ابنة دجى الحالك ؟ "

أرخت رأسها على الباب خلفها وأغمضت عينيها ببطء هامسة

بجمود

" كاذب "

فضرب بيده على الباب بجانب رأسها قائلا بحدة

" وكيف أكون صادقا في نظرك يا غسق بالأكاذيب مثلا ؟ اتركينا

نتحدث بروية وليحدث ما يحدث بعدها "

" مطر افتح الباب ... مطر ابتعد عن ابنتي واتركها وشأنها "

ارتفعت نظراتها المصدومة حتى التقت بعينيه ما أن سمعت ذاك

الصوت الرجولي الصارخ بغضب من خلفها قبل أن تنحرفا جانبا

ببطء فهذا الصوت تعرفه ..! أجل تعرفه جيدا ..! إنه ... صوت

والدها شراع !!


*
*
*

المخرج ~~

بقلم / Shahd Shahd

غسق ............

لتنصفني ياصاحب العداله
فما بعد فراقك الا الحطامه
اعيش على أمل اللقاء
xوأداري دمعتي تحت الجفون
تركتني ارض عطشاء
xبعد ماارتويت من حبك سيولا
أردد في داخلي ألقاه
وفي خارجي ملامح العذاب
أيا معذبي أيهون عليك عذابي
وسنين عجافي
أيا معذبي اتركني لعلي القى بعدك ظمأ مشاعري

<br>
مطر ......
لتنصفيني ياصاحبة العداله
فما بعد فراقي إلا وصالا
اعيش على أمل اللقاء
وأخبئ دمعي داخل مقلي
ليس من طبعي الهوانا
ولكن معك تعلمت كل شيء
أربع عشر سنين من عمري
وأنا أقول لأجلك يهون كل شيء
كيف تقولي اتركك ياحبيبتي
فبعدك يجعلني ميت وأنا حي
لتنصفيني ياصاحبة العداله
فلعل ألقى حياتي بين يديك


********


بقلم / أمومه الحلو

مطر~

خاطبتُها بطريقتي وكأن شيئاً لم يكُن
ما بحتُ عما راعني وبدا بهمسَاتي شّجن


ظنّيت بأن الصَفح يغفرُ ما مضّى !
هل كان عفوي صادقاً حين ارتضَى
بالصمت صوتاً للألم ؟
هل كان بوحُي في عيوني كاذباً
ما بانَ في نَظري كم أعاني من سّقم ؟ .

تربّي ضمن عينيها حريقاً
وتزعم أنه نورٌ تواريه بالعلن
وتضحكُ ..إن ضحكتها بكاءٌ
ولكن دونَ دمعٍ أو أي أنّ ..
وتسرفُ في الغرور لعلّ هذا ،
يداري عن عيونِ الناس كل ذُلٍّ وهم..

أعرف يقينا أنها مني متعبة تأن ،،
ويشكو إحمرار خدها كل الألم ..

لكن؛ أما لحبي لها من شافعٍ
أو أن بوح الحب بين يديها يعني الألم..


فلا أنا ممن يعلن عجزه
ولا أنا ممن يبرز كل ضعف ووهن،،


ولكن بحر شوقي لها أضعف جلمود صخري
وبت مجنون غسقِ على علن ..

سأوراي عشقي لها كي أحميها دوماً
وأدوس كل طارق يقرب حبي للعن ..

غسق ~


‏أوكُلما أنوي التجلدَ جئتنـي؟
في الصمت في الإلهـام في الخلواتِ ..


مازلتُ أعرِفُ أنَّ الشوقَ معصيتي
و العشقُ و الله ذنبٌ لست أهواه ..


‏لا ترجع بعد مآ جمد الشعور بيني
لا تناديني و قد كنت يومآ بين يمناك ؛

‏قد عرفت مؤخرًا ماذا يعني
أن تترك الأشخاص طوعًا،،

فقط لتحفظ آخر ما تبقى لك في هذي الحياة ..


‏أكتفيتك حلماً عن جور أيامي
‏أنتهيتك جرح لايخفى لعيناك..

‏يوم كان الحلم تلمسني يديك
‏كان واقعي منفى بت أرعاه ،،


يا نسْمة البرد مري قلبّه الجافي
لعله يذكر دفئ قلبي قبل أن ينساه ..

أخبريه ذا السر عني
أخبريه كم بت أرقب يوم ألقاه ،،

أبوح له في سر صدري
أبوح له قبل أن أنساه ..

ليس ذنبي ذاك نتاج هجرك ،،
ليس ذنبي يوم أن أنساك..


هذه آخر أحلامي ،
وليت ما مر بي من هجرهِ حلماً أصحو منه بين يداه ..

***********

نهــــــــــــــــــــــاية الفصــــــــــــــل


قراءة ممتعة لكم ....

الفصل التاسع عشر بعد أسبوعين الأربعاء مابعد القادم


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-02-18, 10:31 PM   المشاركة رقم: 960
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 336 ( الأعضاء 37 والزوار 299)
‏فيتامين سي, ‏سممر ال باز, ‏sareeta michel, ‏فتاة طيبة, ‏ربي رحمتك, ‏عشقي النصر العالمي, ‏لولو نادرة, ‏ام بتال القحطاني, ‏ام ريما المدينه, ‏أم مروان, ‏ديـ*M*ـوم, ‏remas2007, ‏métallurgier, ‏منوني, ‏بنت الفارس, ‏samam, ‏المتوكله, ‏خديجة أبوكردوغة, ‏Triva, ‏atmin, ‏ثرثرة حنين, ‏امال العيد, ‏الوان الدنيا, ‏عيوش بنت محمد, ‏يمنى عادل, ‏rahmouna, ‏ام طالب, ‏اسماء2008, ‏حوراء وهيفاء, ‏الاميرة البيضاء, ‏الهنوف بنت خالد, ‏بنيةبنغازي, ‏زهر التيوليب, ‏FATK, ‏Douha, ‏شبيهة القمر+


ماشاء الله تستاهل ميشو هذا الحضور المميز قلم مميز و أحترمت متابعينها وأستحقت أحترامهم

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook



جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 10:39 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية