لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-05-18, 09:17 PM   المشاركة رقم: 1136
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*


فتحت عينيها ببطء ووقع نظرها على النافذة فورا وعلى الظلام

في الخارج فهي نامت وقت المغيب ولا تعلم كم مر من الوقت

وهي نائمة ؟ جلست ببطء تبعد سماعات الأذن بحركة واحدة قوية

ومررت أصابعها في غرتها وتنهدت مغمضة عينيها ومر

شجارهما ذاك أمام عينيها فهي بالفعل كانت غاضبة من اقتراب

تلك المرأة منه لا من رفضه للرحلة وقد اتخذتها متنفسها لغضبها

ذاك ، تمتمت مستغفرة الله تخرج أصابعها من شعرها وما أن

كانت ستقف انتبهت حينها لقصاصة الورقة التي كانت في يدها

الاخرى تقبض عليها بقوة وكأنها خرجت بها من حلمها ! بل ولم

تكن تشعر بوجودها أي أنها هنا من وقت حتى تغلغلت في عقلها

الباطن وكأنها جزء من ثيابها وكيانها !! أمسكتها بكلتا يديها

وفتحتها بأصابعها ببطء وابتسمت بحزن عيناها الواسعة تمتلئ

بالدموع ما أن قرأت أسطرها القليلة

( إن عدت للمنزل ووجدتك لازلت غاضبة أتعلمين ما سأفعل بك ؟

سأكسر فنجانك السخيف ذاك الذي تخبئينه تحت الخزانة

في المطبخ على رأسك ....

تيم لك وحدك يا حمقاء )

انسابت أول دمعة من عينيها تسقي ابتسامتها الحزينة الدافئة

ورفعت الورقة لشفتيها وقبلتها برقة وعمق مغمضة عينيها

وماأن أبعدتها نطرت لأحرفها من بين دموعها هامسة

" كم أعشقك ...؟ الله وحده من يعلم كم يكون ذلك "

وقفت بعدها وتوجهت لخزانتها قبل أن تتراجع ونظرت

حولها واستقر نظرها على طاولة التزيين وابتسمت بمكر

وتوجهت لها فورا .. فتحت الدرج وأخرجت قلم تحديد العينين

الأسود الشمعي وقلم الشفاه الأحمر كما أحمر الشفاه ونظرت

بتفكير قبل أن تأخذ واحدا باللون الأخضر أيضا وخرجت من

الغرفة راكضة ووجهتها غرفته دخلتها وأغلقت بابها خلفها

ونظرت للسرير الواسع المرتب مبتسمة قبل أن تركض نحوه

وقفزت فوقه وبدأت الفوضى تعج بالمكان تمسك القلم الأسود

تارة تكتب به وترسم عليه منحنية وبالأحمر والأخضر تارة

أخرى تنتقل على ملائته الواسعة كحجمه والمشدودة عليه بقوة ،

وما أن انتهت وقفت ونظرت لعملها مبتسمة بحماس قبل أن

تنتقل لطاولة السرير وصعدت فوقها حافية القدمين وانتقل

الإبداع للجدران .


*
*
*

ما أن تحركت سيارته اتصل بالذي أجاب من فوره قائلا

" أجل يا وقاص "

قال من فوره

" ماذا حدث معك يا أويس ؟ "

" لقد غادر البلاد بجواز سفر مزيف ، لم يتم التعرف عليه إلا من

خلال صورته كان اكتشافه أمر خيالي لولا فريق التحقيق الخاص

بقائد نصران قاموا بعمل يعد معجزة "

أدار المقود وقال ونظره على الطريق أمامه

" وسافر أين تحديدا ؟ "

" كانت وجهته أسطنبول ثم باريس وتوقف هناك ولا معلومات
عنه بعدها لا أعلم إن كان غادرها برا أو بحرا أو لازال هناك "

قال من فوره

" أرسل لي اسمه المزور والمعلومات كافة سأبحث في الأمر

بطريقتي فهو اقترب من هنا "

" حسنا ... وثمة أمر آخر "

" ماذا ؟ "

وصله صوته فورا

" الرجل الذي كلفناه بمراقبتة "

همس بصدمة

" مات ؟ "

ولم يتأخر الجواب القاسي عنه وذاك الصوت المتزن يصله سريعا

" أجل وجدوه في سيارته أسفل جبل تاز وسيارته محترقة

بالكامل وجثته فيها ولم يستطع ولا الطبيب الشرعي تحديد إن

كان الأمر مفتعلا وإن كان تعرض للتعذيب قبل ذلك أم لا "

أوقف سيارته عند طرف الطريق المحفوف بالأشجار ومرر

أصابعه في شعره قبل أن يتكئ بجبينه على ساعده المحتضن

للمقود هامسا

" يا إلهي لقد تسببنا في مقتل الرجل "

" كان قدره يا وقاص لن يمسكه عنه أحد "

رفع رأسه ومسح وجهه مستغفرا الله ومسترجعا وقال بنبرة

كئيبة جوفاء

" ابحث عن عائلته إذاً سأنقل لك الأموال التي ستعوضهم بها

وإن كان له زوجة وأبناء فسأدفع لهم راتبا شهرياً "

" سأقوم بكل ذلك كن مطمئناً "

اتكئ بظهره على ظهر كرسي سيارته الجلدي المريح وقال

بجمود

" هم وراء موته أنا واثق "


وصله تعليقه سريعا

" لازلت تصر على أنهم مجموعة ؟ "


قال بجدية

" أجل بل وواثق من ذلك وما أن أجد ذاك الرجل المدعو بشير

ستنكشف الكثير من الحقائق والأسئلة التي أبحث عن أجوبة لها

فهو مفتاح القضية الوحيد "

" أتمنى أن يحدث ذلك يا وقاص ، وبالنسبة لما أردت السؤال

عنه لقد.. "

قاطعه بفضول

" أجل هذا ما كنت أريد سؤالك عنه أساساً هل حصلت

على جواب ؟ "

قال من فوره

" أجل ومن شخص توافقت فيه جميع شروطك ليفتيك "

همس بخفوت

" أجل "

" قال بأن يمينك لا يجوز التمسك به وثمة من كان في خطر

بسببه وكان عليك التكفير عنه فلا يمين في مهلكة "

لكم المقود بقوة عدة مرات صارخا بغضب

" سحقا وما كان يدريني ... سحقا لي سحقاً "

وصله صوته سريعاً

" وقاص ما سر هذا تحديداً ؟ "

مرر أصابعه في شعره يعيد ترتيبه هامسا بجمود مميت

" لا شيء يا أويس لن يجدي الحديث عن هذا في شيء ،

وداعا الآن "

اشتدت أصابعه على الهاتف فيها وهو يبعده عن أذنه وضرب

بظهر قبضته تلك المقود مجددا هامسا من بين أسنانه

" ما هذا الذي فعلته يا أحمق قسما لن تعترف بك مجدداً .....

تباً لكل هذا "

سحب أنفاسه بقوة ورفع هاتفه مجددا واتصل بالذي أجاب

من فوره أيضاً قائلا

" مرحبا وقاص "

قال مباشرة

" رواح أريد أن أستعلم عن طائرة أقلعت من أحد مطاراتنا

الخاصة سأرسل لك رقمها وأريد أن أعلم من كان المسئول

عن مغادتها أو من استأجرها "

وصله صوته مباشرة

" قد تكون تابعة لشركتنا الرئيسية وقد يفيدك جدي أو

والدي بذلك "

قال من فوره

" بل أريدك أنت أن تتحقق من ذلك لا أريد دخول مبنى الشركة "

" وما المشكلة هل تشاجرتما مجددا ؟ وقاص أنت تخسر

عائلتك بسبب تلك الفتاة التي تصرح بكرهها لنا جميعا

ولم تتقبل منا أحدا "

تحرك بسيارته مجددا قائلا بحزم

" لن أسكت عن الظلم وأقف أتفرج ... عذرا لا أستطيع أن

أكون بلا قلب مثلكم "

وصله صوته المتضايق سريعا

" وقاص أنت تعلم بأني لا أقف ضدها ولست راض عن أمور

كثيرة تخصها لكنك لن تنكر أيضا بأنها من يجلب أغلب ذلك

لنفسها ، إنها تتنفس كرها لنا يا رجل "


مرر أصابع يده الحرة في شعره وشده بقوة قائلا بحنق

" نحن السبب .. سحقا لوقاص لقد ارتكبت خطئاً لن أسامح

نفسي عليه ما حييت "

وصله صوته المستغرب فورا

" عن أي خطأ تتحدث ؟ "

حرك رأسه بضيق متمتما

" لا تهتم لهذا واعلم لي عن رحلة تلك الطائرة أريد كل شيء "

" حسنا هل تأمر بشيء غيره "

همس بخفوت

" لا شكرا لك "

أنهى الاتصال منه ورمى الهاتف جانبا نظره على الطريق أمامه
أصابعه تشتد على المقود وترتخي تباعا لا تفارق خياله

صورتها ونظرتها تلك التي لم يراها في عينيها سابقا وهي

تقول

( أنا وحيدة يا وقاص ... وخائفة )

مرر أصابعه في شعره مجدداً وشده للخلف بقوة هامسا بقهر

" سحقا لوقاص ليته يختفي من الوجود الآن "


*
*
*


" يماااان "

وقف والتفت خلفه ورمى المعول من يده وتوجه نحو التي

كانت تقف تحت شجرة التوت تمسك صينية في يديها والتي

تحركت من هناك ما أن رأته يتوجه نحوها وما أن أصبحت

بعيدة عن مكان عمال المزرعة وضعتها على الأرض تحت

شجرة رمان كبيرة متفرعة الأغصان وجلست امامها تنظر

مبتسمة للذي وصل عندها وجلس أيضا فرفعت الغطاء

عن الطبق قائلة بابتسامة

" هذه لم أطبخها سابقا لأنها تحتاج لأن تؤكل فورا ولم

أستطيع تحديد وقت قدومك سابقا فقررت أن أطبخها

واحضرها لك هنا "

وماتت ابتسامتها ما أن رأت النظرة الجامدة في حدقتيه

الفضيتان وهو ينظر للطعام وملامحه المتجهمة فهمست

بتوجس تنظر له

" أنا آسفة إن أغضبتك بمجيئي إلى هنا ولن يتكرر هذا مجدداً "

قال بجمود ونظره لازال على الصينية بينهما

" أنا لست غاضب من مجيئك بالطعام لي بل من اقترابك من

جهة العمال "

نظرت له بصدمة وقالت من فورها

" لكني وقفت بعيدة قدر إ.... "


قاطعها وقد رفع نظره لها

" وإن يكن فهم يرونك بل ومن لا يمكنه ملاحظة بياض

بشرتك وملامحك من بعيد ؟ لقد سمعتهم يتهامسون بوضوح
ينبهون بعضهم للمشاهدة قبل أن تفوتهم الفرصة "

أنزلت نظرها ليديها تشدهما في حجرها بقوة وقالت بصوت

مخنوق

" أنا آسفة لن أخرج مجدداً ولن تعتب قدماي باب المنزل "


تنهد بضيق ينظر لها وقال

" أنا لا أضع اللوم عليك يا مايرين ولا أريد أن أسجنك فمن

حقك أن تخرجي للمزارع على الأقل لكني لا أريد أيضاً أن

تفتح أعين العمال عليك فلن أطمئن لتركك هنا والذهاب

لعملي بعدها "

رفعت نظرها له مجددا وحدقت فيه العينان الخضراء السابحة

في الدموع الساكنة وقالت بصوت منخفض

" لكن ... لكنك تغلق الباب وسور المنزل مرتفع جداً "

هرب بنظره للطعام وقال

" وإن يكن لا أريدك أن تقتربي من الأماكن التي يتواجد

فيها العمال يا مايرين "

همست بحسنا ولم تعلق تنظر للأسفل وقد بدأ هو بتناول

طعامه بينما لم تستطع هي أكل إلا القليل وذاك ما لاحظه جيداً

وكلما رفع نظره لوجهها وجدها تنظر لملعقتها بحزن وشرود

فتنهد ووضع ملعقته قائلا

" وها أنا لن آكل أيضاً ما لم تأكلي "

اشتدت أصابعها على الملعقة فيها وامتلأت عيناها بالدموع

سريعا متسللة لرموشها الكثيفة وما أن تدحرجت لوجنتيها

المرتفعة رفعت يدها ومسحتهما بظهر كفها بقوة فمد يده

وأبعد يدها قائلا

" مايرين أنا لم أقل ما قلت إلا لأني أخشى عليك فما

الداعي للبكاء الآن ؟ "

همست بخفوت حزين

" آسفة "

وعادت لمسح عينيها وهي نفسها تستغرب ذلك فكم كانت أقوى

وأعند من شقيقها جسار وزوجته واكتسبت حصانة ضد كل ما

يبكي أي امرأة لكنها الآن لم تستطع التحكم في دموعها فهي

المرة الأولى التي يوبخها هكذا ويكون متضايقا منها رغم أنه

لم يصرخ بها غاضبا مزمجرا كتلك الحالات التي يتقنها الرجال

بحرفية فما ستفعل حينها ! بينما أبعد هو نظره يلعن نفسه

على غبائه فهي أعدت هذا من أجله وأحضرته له ، كان ترك

نصائحه حتى عاد للمنزل فيما بعد ، رفع نظره لها وقال بهدوء

ينظر لرموشها البنية الطويلة والتي تخفي عينيها عنه

" حسنا أنا آسف إن قسوت عليك يا مايرين "

حركت رأسها بالنفي دون أن ترفعه وهمست ببحة

" ليس عليك أن تعتذر فأنا لست غاضبة منك ومعك حق

فيما قلت "

ابتسم وقال

" إذا لنأكل الطعام الذي أفسده الهواء بالتأكيد ، وكلي معي

أو لن آكل "

مدت أصابعها البيضاء للملعقة ورفعتها وبدأت تأكل وستفعلها

وإن من أجله فهو يحتاج للطعام مع كل هذا العمل الذي يرهق

جسده به ، بينما انشغل هو بها يراقب ملامحها وهي منشغلة

بملعقتها والطعام يتلاعب الهواء بخصلات شعرها الأشقر المتسلل

من وشاحها المفتوح وجنتاها احمرتا بسبب النسيم المتحرك يزيد

لونهما وضوحا البشرة العاجية فائقة البياض والنقاء ورموشها

الطويلة أصبحت منظمة في مجموعات بسبب الدموع التي جفت

عليها ، ومن يلومه في أن يخاف عليها من الرجال هنا ؟

بل ولا يعلم حتى متى سيصبر هو الرجل عليها وهي زوجته

حلاله ملك له ؟ ما يعيق كل ذلك مسألة شرح ما حدث لها وما

سبّبه الحادث وما قد تكون ردة فعلها إن علمت فقد تكرهه

لمجرد أنه السبب أو لأنه أخفى الأمر عنها .

أبعد نظره عن التهام ملامحها الجميلة ما أن رفعت جفنيها

وحدقتيها الخضراء له ووصله صوتها المنخفض

" أنت تعمل هنا فقط يمان أليس كذلك ؟

لا توافق إن عرضوا عليك شعيب وأشقائه أن تنظم العمل

في مزارعهم أيضاً أرجوك "


رفع نظره المستغرب لها وقال

" لم يحدث ذلك سابقاً وإن حدث وعرضوا عليا ذلك لن أوافق

لا تخافي "


أومأت موافقة مبتسمة بارتياح فقال ونظره على عينيها

" حسنا أخبريني إذا لما تخشين من عملي لديهم ومزارعهم

مليئة بالعمال ؟ "

اكتسى الحزن ملامحها وقالت بأسى

" لأنهم لا يخافون الله ويفعلون أي شيء من أجل مصالحهم ..

يقتلون ودون رحمة ومن يعارض أن ينغمس فيما هم فيه سيكون

ذاك مصيره ، لا أريدهم أن يروك كرجل يصلح لأن يكون تابعا لهم

فحتى أراضيهم متأكدة من أنها تخبئ أسرار جرائمهم الكثيرة

فقد شيع وقيل عنها الكثير "


عقد حاجبيه باستغراب قائلا

" لكن ما سر أن شعيب كلمته فوقهم ؟ حتى أقاربهم وبنو

عمومتهم يخضعون لأوامره ؟ "


شردت بنظرها للأرض أمامها قائلة

" لأنه الأكثر شراً ، إنه كتلة من الشر والدهاء والخبث لا يمكنك

أن تتكهن حتى فيما يفكر وما يريد ، يحسب حسابا لكل شيء دون

أن يغفل صغيرة ويسيّر جميع الأمور لمصلحته ، لا تطمع بأن

يعطيك شيئا لك فهو لا يخدم إلا مصالحه وإن كان في الأمر

دمارك وموتك "

تنقلت نظراته باستغراب في ملامحها وقال بتفكير

" يقال هنا بأنه متزوج وله ابن ؟ أيعقل أن يضع قانونا

لعائلته ويخالفه ؟ "

رفعت نظرها له وقالت

" وأنا سمعت عن هذا سابقا ، بعضهم قال بأنه في العاشرة

الآن والبعض يقول بأنه أكبر من ذلك ولن أستغرب هذا فعلى

ذاك الرجل أن يورث شره لنسل له ، لن يترك سلالة وحوش

غيلوان تتوقف عند هنا ليأخذ القيادة فرد من عائلة أخرى في

القبيلة ، عليه أن يقدم للحياة نسخة أخرى عنه ، إن لم يفعل

ذلك فلن يكون شعيب غيلوان أبدا "

حرك رأسه بعدم استيعاب متمتماً

" لا أعلم لما لا أصدق هذه الحكاية ! ينجب ابنا في السر

فقط ليكون نسخة عنه ! "


حركت كتفيها متمتة

" الحياة كفيلة بأن تكذب الخبر أو تصدقه رغم أني متأكدة

من صحته "

وضع الملعقة حامدا الله ووقف قائلا

" شكرا لك يا مايرين ، لا أستطيع أن أقول أنها أفضل أكلة

أكلتها على الإطلاق فكل ما تطبخينه رائع "

نظرت له فوقها مبتسمة وقالت

" بارك لك الله فيما رزقك ، لولاك بعده ما وجدت ما أطبخه

أو آكله "
ووقفت وحملت صينية الطعام وغادرت من هناك ليوقفها

صوته مناديا " مايرين "

وقفت والتفتت له فقال

" يمكننا تناول طعام الغداء هنا دائما ، سأكون تحت هذه

الشجرة في هذا الوقت يوميا لا تذهبي أنت هناك اتفقنا ؟ "

أومأت برأسها بحسنا وقالت مبتسمة تمازحه

" أجل كعاشقان يتواعدان تقصد ؟ "

ضحك بخفوت وقال

" بلى لكن بدلا من أن يتغزل فيها يتناول طعامها ويغادر "

أنزلت نظرها للأرض سريعا وجهها يتلون خجلا وغادرت

من فورها نظراته تراقبها حتى اختفت عنه فتنهد بأسى هامسا

" لا أعلم ما سيأخذنا قدرنا له يا مايرين يا ابنة عائلة غيلوان ؟

لكنك قدري الآن .. قدر يمان فقط "

رفع عمامته مستغفرا الله بهمس وعاد ناحية المكان الذي

يعملون فيه يلفها حول رأسه لتقيه من ضربات الشمس

لتواجده الطويل تحتها .


*
*
*

بقيت تلك الأحداق السوداء الواسعة تراقب عرض البحر

لم تبعد ولا تلك الخصلات السوداء المتطايرة أمامها تهيم في

عالم هي وحدها فيه تتكئ بجانب رأسها وكتفها على العمود

الحجري الروماني المنصوب على رماله والذي لم يفصلها

عن الزمن الحاضر فقط بل وعن الجالس في الجانب الآخر

يتكئ بظهره على ذات العمود حيث المدينة الأثرية التي لم

يبقي منها الزمن سوى تلك الأعمدة التي لم يبقى من بعضها

سوى النصف وتحكي السكة الحديدية الواسعة الممتدة من رمال

الشاطئ لمياه البحر جذور تلك المدينة التجارية منذ القدم ،

يجلس ونظره للسماء أصوات الأمواج الهادئة تنسج عالما

خاصا من حولهما لازال يحتفظ بصمته الذي رافقه طوال الطريق

إلى هنا .. لبينبان حيث المدينة الساحلية أقصى الجنوب الغربي

للبلاد والمكان الذي وعدها بأن يزوراه معا من أربعة عشر عاما

وأخلف لأن الوقت دمر وعوده لها أيضا ، علم مسبقا بأنها لم

تزور البحر يوما ولا بعد توحيد البلاد فقد رفضت أن تزوره

في جميع مدن البلاد الساحلية وكأنها تقتل الذكرى بالوعود

لا العكس .. صنوان لم تكن من ضمن المدن المطلة على

الساحل فالبحر جنوب غرب البلاد كاملا فيشمل المدن الغربية

في الجنوب والغرب فقط لذلك كان هذا حلما لسكان ذاك القطر

من البلاد واحتفظت هي به حلما للأبد ورفضت رؤيته لذلك

اختار أن يزوراه معا ، كان يخطط لكل هذا لكنها رفضت وقامت

بتأجيل الأمر رغم أنه لم يخبرها عن وجهتهما وها قد حكمت

الظروف بذلك فهي تحتاج أن تكون هنا يعلم ذلك كما يحتاج

هو أن تكون قربه أقرب له من كل شيء حوله فكان عليهما

أن يكونا هنا رغما عن كل شيء فقد تحمل حتى صراخها

الغاضب طوال الطريق إلى أن وصلا وواجه كل اتهاماتها

وكلماتها الغاضبة بالصمت تاركاً إياها تفرغ غضب أعوام

يعلم بأنه لن يكفيها مثيلتها لتخرج كل ما يحرق دواخلها فما

تسجنه وسط تلك الأضلع سنين طوال كان كفيلا بتفتيت الجبال ..

تحمل بعدها عنه تحمل العيش وحيدا لليالي من دونها تحمل

كرهها وغضبها منه وهو بعيد عنها وعليه تحمل المزيد الآن .

أدار رأسه ووجهه جهة البحر والأمواج المترامية بهدوء

أغضب الهواء حولهما وقال بهدوء في أول خروج لأحدهما

من صمته منذ أصبحا هنا

" لم أقصد تهميشك في ذلك يا غسق أقسم لك وكنت سأخبرك "

كان جوابها الصمت حتى ضنها لن تعلق أو تهتم لولا وصله

صوتها الساخر

" أجل كنت ستخبرني عن موعد حفل الزفاف "

قال ونظره لازال على البحر

" بل ما كنت لأخبره بأنها زوجته ولا أنها متزوجة وأنه

زوجها حتى تعلمي أولا ونتفق "

لاذت بالصمت لبرهة قبل أن تقول بمرارة

" نتفق على ماذا يا رجل العدالة ...؟ أكنت ستستمع لي ؟

أكنت ستوافق إن أنا رفضت ؟ "

وحين لم يعلق سألت مجددا

" هل كان الأمر سيتوقف بكلمة مني يا مطر أجب ؟ "

أبعد ظهره عن العمود الحجري ولف ساعديه حول ركبتيه لازال

يوليها ظهره وقال بهدوء

" كنا سنتفق ونتفاهم يا غسق فتيما عليها أن تتزوج "

ابتعدت عنه أيضا ونظرت ناحيته وقالت بضيق

" لماذا هل لي أن أفهم ؟ لما على ابنتي أن تكون زوجة

وأم وهي في هذا السن ؟ لماذا كان عليها أن تكبر بعيدا

عن والدتها ؟ "

وتابعت بأسى وبحة بكاء تشير بسبابتها لنفسها وإن كان لا يراها

" لما كان يجب أن تحرم هذه المذنبة من دون ذنب من فلذة

كبدها ؟ لما حُكم عليها بالفناء بعيدا عن الرجل الذي وثقت به

وأحبته ؟ عليها أن تعيش من دون هوية بلا عائلة ولا نسب

حقيقي وعائلتها موجودة ؟ من دون والد ووالدها على قيد

الحياة ! لما عليها أن تواجه بالخيانة وبالخذلان وبالاستنقاص

أمام الناس من أكثر رجل تعذبت منه ولأجله ؟ لما كان عليها

أن تموت بالبطيء على مدى أعوام ؟ لماذا يحدث معي كل

هذا لماذا ؟ "

رفع رأسه وشعره الأسود الناعم في مواجهة الريح وقال بهدوء

" ليس أنا من يرفض الشرح يا غسق بل أنت من ترفضين

سماعي "


قالت من فورها وبغضب

" أجل أنا أرفض سماعك وأعذارك التي لن تساوي شيئا من

معاناتي ولن تمحوها وتنسيني إياها مهما كانت تلك الحجج

والأعذار ومهما عظم حجمها فلن تساوي يوما مما قاسيته

ترأف الجدران الباردة لحالي كل ليلة "

نظر جانبا بحيث أصبح يقابلها بنصف وجهه فقط وقال بجدية

" وهل كنت لأختار أنا هذا ؟ كان عليا أن أحمي الطفلة تلو

الأخرى من المستقبل ومن المجهول أربط مصير كل واحدة

منهن برجل وثقت به فهل أخطئ بهذا ؟ كان عليا تأمين

مستقبل كل واحدة منهن مع رجل أعلم بأنه لن يتخلى عنها

إن احتاجته يوما وإن لم يكن يعلم من تكون فلن تختلف تيما

عن أي واحدة منهن لا أنت ولا دانيا ولا حتى ... زيزفون "

عاد بنظره للرمال أمامه وتابع بذات جديته

" كل واحدة منهن تزوجت من قبل أن يكون لها قرار في هذا ..

قاصرات ارتبطن برجال لا أحد يعلم منهم من تكون زوجته

ورغم ذلك تعاهد كل واحد منهم بأن تجده حين تحتاجه "

نظرت لقفاه بصمت قبل أن تقول بضيق

" أجل فلا واحدة منا لها القرار في مصيرها بل أنت "

وتعالت أنفاسها تراقب من بين بحر الدموع التي ملأت

حدقتيها الواسعة وخصلات غرتها المتطايرة الذي وقف

وغادر مكانه ولم تكن وجهته لها بل الشاطئ يسير جهة

مياهه تغوص خطواته الثقيلة في رماله الرطبة حتى وصل

لمياهه لم تتوقف خطواته أو تتباطئ ولا تتراجع والمياه

ترتفع لساقيه تدريجياً حتى وصلت لخصره فرفعت غرتها

وشعرها عن وجهها للأعلى ممررة أصابع كلتا يديها فيه

تنظر بصدمة للذي أصبحت المياه في كتفيه لازال يسير

داخل المياه دون توقف ولا التفات فوقفت وركضت جهة

المياه أيضا حتى لامست قدميها وصرخت منادية

" مطر توقف ماذا تفعل ؟ "

وضربت قدمها بالرمال تحتها صارخة أكثر

" ستقتل نفسك يا متهور هل جننت ! "


وحين لم تجد لندائها أي إجابة ولا رد فعل من الذي لازال

يبتعد في المياه أكثر اقتربت من المياه أكثر صارخة

والدموع بدأت تفارق عينيها

" فكر في ابنتك وبلادك على الأقل لما كل ما يعنيك هو أذيتي ؟ "

رفعت شعرها عن جبينها تنظر بصدمة للذي بدأ رأسه

يختفي في المياه حتى لم يعد له مكان سوى حركة المياه

حوله وصرخت ببكاء

" مطر توقف لا تفعل هذا بي أرجوك "

ولا جواب ولا شيء سوى المياه التي اتخذت مكانها الطبيعي

وكأن شيئا لم يعد في جوفها ولم تسرقه منها .. لا هي لم تسرقه

منها فقط بل سرقت بذلك البقية المتبقية منها ، نظرت حولها

ببكاء والتفتت خلفها صارخة في فراغ المكان الخالي سوى منها

" يا إلهي ليأتي أحدكم ... أين أنتم ؟ "

ولا وجود لأحد ولا ردود لندائها ولا من الحرس الذين كانت

موقنة من وجودهم قرب المكان وهو من لا يفارقه أولئك الحراس

وبعض رجاله وإن كان واحدا فقط ، نظرت لعرض البحر مجددا

ولا وجود له تمسك فمها وعبراتها بيدها ودون أدنى تراجع أو

تفكير دخلت المياه أكثر تناديه صارخة ببكاء حتى كانت تلك المياه

أعلى خاصرتها تصرخ وتنادي وتسير بصعوبة عكس الأمواج

التي ترفعها معها وتنزلها ببطء وما أن أصبحت المياه المالحة

تلامس ذقنها بدأت تفقد السيطرة على خطواتها وبدأت تشعر بأنها

ترتفع في المياه ولا وجود لأي شيء تحت قدميها وتلك المياه

تسحبها للقاع بقوة حتى اختفى رأسها في الأسفل تحرك ذراعيها

بعشوائية تحاول أن ترجع للسطح مجددا ودون جدوى تشعر

بالمياه تدخل من فمها وأنفها وكلما خرج رأسها للهواء سحبتها

تلك القوى العجيبة نحو الأسفل مجددا من قبل أن تأخذ جرعة

كافية من الهواء ولأنها لم تزور البحر سابقا ولم تعرفه سوى

في الصور والتلفاز لم تكن تعرف شيئا عن السباحة فيه فسلمت

نفسها وقدرها لتلك المياه وذاك الجمال الماكر المخادع تسلم

مصيرها لآخر من اعتمدت عليه وخذلها في أول لقاء لهما لم تعد

ترى سوى ظلام القاع أمامها وجفناها يثقلان ببطء يشبه انعدام

أنفاسها لازالت يديها تتحرك حولها وبحركة بطيئة وكأنها تستدل

طريقها نحو القاع قبل أن تتوقف فجأة بسبب الأصابع التي التفت

حول ساعدها وسحبتها نحو الأمام تقترب بها للأعلى بقوة عكرت

صفو ذاك السطح الأزرق الصافي قبل أن يخرج منه ذاك الجسد

الرجولي تدريجيا تلتف ذراعه حولها بقوة يشدها له حتى وصلت

قدماه الرمال تحت المياه فوقف وقرب يده الأخرى من وجهها

ومسح عليه مبعدا شعرها عنه تتكئ على كتفه غائبة عما حولها

تماما ، ضم رأسها له وقبل جبينها قبل أن ينحني جهة المياه

ويرفعها بين ذراعيه وخرج بجسدها من المياه التي كانت تنزل

من جسديهما من كل مكان يسير بها نحو الشاطئ يضمها

لحضنه بقوة هامسا من بين شفتيه بحزن

" لعلك فقط تقتنعي بأنك حمقاء حين يتعرض المقربون

لك للخطر "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 09-05-18, 09:21 PM   المشاركة رقم: 1137
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*

ما أن سمعت باب الشقة فُتح رمت مذكرتها من يدها وقفزت

مغادرة السرير وأغلقت نور الغرفة لتغرق في الظلام التام

ووقفت ملتصقة بالجدار المحاذي لبابها تعض طرف شفتها

مغمضة عينيها بقوة تسمع خطواته وهو يغادر من جهة غرفته

بعدما فتح بابها وتلك الخطوات تقترب لغرفتها فأمسكت تنفسها

تكتم ضحكتها ما أن انفتح باب الغرفة حيث أصبحت خلفه ما أن

فتحه ، وكما توقعت كان سيعلم أين تكون ما أن يشعر بأنفاسها

وإن كانت جثة لا تتحرك من مكانها أو لن يكون عضوا في تلك

المنظمة فبدون ولا عناء أو بحث ولا أن يدخل الغرفة أستدار

حول الباب الذي كان يمسك مقبضه في اللحظة التي اختارت فيها

أن تتبع أسلوبها وقت طفولتهما حين كانت تفعل شيئاً تعلم بأنه

سيغضبه ويعاقبها عليه فأنزلت رأسها وأخفت عينيها في

قبضتيها في حركة طفولية لترتسم تلك الابتسامة على طرف

شفتي الواقف أمامها ممسكا خصره بيديه يسمع تلك التمتمة

الطفولية التي أعادته أعواما للوراء

" لن أكرهك إن ضربتني لكن لا تضربني كثيرا "

فشدها من ذراعها وخرج بها من الغرفة يسحبها خلفه وما أن

دخل بها غرفته أوقفها عند السرير وأشار بسبابة يده الحرة له

قائلا

" ما هذا الذي فعلته بسريري يا طفلة حجور ؟ "

نظرت له مبتسمة تغرس أسنانها في طرف شفتها وما أن

سحبها نحوه خلصت ذراعها منه مبتعدة وارتمت على

السرير أمامها بالعرض تتكئ بجانب وجهها على ملاءته

المليئة برسوماتها وأشارت بسبابتها قائلة بابتسامة

ونظرها عليها

" ظننتك ستعرفها فورا ؟ هذه طريق بلدتنا الصغيرة

القديمة الجميلة "

وتابعت تتبع بنظرها حركة أصبعها مبتسمة بحنين

" هنا أشجار السرو والبلوط والطريق الترابي الناعم الذي كنا

نسلكه باتجاه المدرسة ، هذا المرج عند منزل شيخ القبيلة

وهنا حقل الرمان الشمالي ومن هنا كنا نركض مختصرين

الطريق عندما نتأخر "

ومدت ذراعها للمربع المرسوم بعيدا ومقسم لأجزاء متابعة

بابتسامة " هنا المدرسة .. هذا الجدار الذي كنت تنتظرني

عنده حتى أخرج من باب المدرسة ، هذه أزهار الصفاف

التي كانت تنموا بذاك المكان دائما وكنت آخذ منها واحدة

كل يوم متجاهلة سخريتك مني بسببها طوال الطريق وأنا

أتحدث معها وأغني لها وحين كنا نصل كنت أعطيها لك "

ورفعت نظرها نحوه ولازالت نائمة على السرير وتمتمت

بعبوس

" وكنت أجدها صباح اليوم التالي مكانها عند الباب

مرمية وذابلة "

ابتسم ورفع قدمه وثنى ركبته وسندها بحافة السرير

وانحنى نحوها مستندا بيده بجانب خصرها وأمسك القلم

الأسود المرمي على السرير بيده الأخرى قائلا بابتسامة

جانبية

" لو أني احتفظت بها ما كنت لتعطيني غيرها في اليوم التالي "

وأشار به في يده على رسمتها صعودا متابعا بهدوء ونظره

على يده

" كنت معطاءة ماريا لم تهتمي يوما إن كان ثمة مقابل لما

تعطينه أم لا "

اتكأت بخدها على اللحاف مجددا ونظرها على يده هامسة

بابتسامة حزينة

" ولازلت تيم ... لازلت "

نظر لها وابتسم متمتما باليونانية " Άγγελος μου "


وما أن عقدت حاجبيها بتساؤل تنظر له أبعد نظره عن

عينيها وأشار بالقلم في يده على ملائة السرير قائلا

" انظري هذا مكانه خاطئ لقد خانتك ذاكرتك الصغيرة

تلك فهذا البئر القديم هنا في الجانب الأيمن للطريق "

ابتسمت بحنان تراقب نظراتها وحدقتاها الذهبية من بين

رموشها ما أشار له وأشارت له بإصبعها أيضا وقالت

" لا لم أنسى مما كان هنا شيئا فكم مرة وقفت أناديك

في فراغه وظلامه المخيف "

ورفعت جفناها وتلك الرموش الطويلة الكثيفة ونظرت لعينيه

المحدقة بها وقالت بعبوس

" مخادع لقد كذبت عليا مرارا وأنا أناديك هناك تدعي

بأني إن ناديتك فيه فستسمعني وتأتي "

انحنى فوقها أكثر يرسمه في مكانه الصحيح حتى أصبح

صدره قريبا منها تستنشق رائحته وعطره وارتفعت نظراتها

لشفتيه حين قال بهدوء

" لو لم أفعل ذلك لما كنت لتبقي هناك تنتظريني حتى أصل

ولكنت ستضيعين مني في كل مرة تزعمين أنك تبحثين عني "

وما أن نظر لها وانحنى نحوها أكثر يبعد ركبته عن حافة السرير

دفنت وجهها وابتسامتها في اللحاف تحتها تكتم أنفاسها ما أن

شعرت بثقل جسده على جسدها وتسللت يديه تحتها يحضن

خصرها بقوة قبلاته الرقيقة تداعب عنقها وكتمت ضحكتها

ما أن علا صوت رنين هاتفه وقد أخرج يده من تحتها

تسمع شتائمه الهامسة يخرج الهاتف من جيب بنطلونه

الخلفي وأجاب متمتما ببرود

" ماذا تريد ؟ "

قال سريعا

" لا بالطبع "

دفن وجهه في عنقها وشعرها البني متمتما بذات بروده

" قسما يا سافل يا.... "

غرزت أسنانها في شفتها تسمع هذه المرة حديث الذي قاطعه

في الطرف الآخر قائلا بضيق

" اصمت يا قليل المروءة والتهذيب ، غيرت رأيي لا أريدك

أن تأتي يا حثالة كنعان .... وداعا يا مغفل وأخبرها فقط بأنه

لك حبيبة انجليزية لنغني لك أغنية وداعا يا صديقي .... "

وما أن فصل عليه الخط رمى الهاتف على السرير بإهمال وعاد

لدفن يده تحت خصرها النحيل الغض وعادت شفتاه للعبث

ببشرتها الناعمة يرسلها للجنون تشعر أنها تفقد قدرتها على

مقاومة سحبها لذاك العالم بقوة فدفنت وجهها في قماش

الملاءة أكثر هامسة بابتسامة

" ابتعد أريد أن أتنفس.. ألم يخبرك أحدهم سابقاً بأنك ثقيل "

فوقف حينها وسحبها موقفا لها بيد واحدة وأدارها نحوه

وقال ببرود

" يمكنك التنفس الآن يا كاذبة ؟ "

ابتعدت عنه خطوة وقالت تسحب الهواء لصدرها

ممسكة ابتسامتها

" أجل بعض الشيء "

نظر لها بحنق وأمسك خصره بيديه وأشار برأسه

خلفها وقال

" أريد أن أعلم لما رسمت تلك الرسمة السخيفة

فوق السرير ؟ "

نظرت خلفها وضحكت فورا تنظر للقلبين المرسومان

بأحمر الشفاه دمي اللون وكان ذات النقش الموجود على

الكوب الخزفي الذي اشتراه لها وسخر من الصورة

الموجودة عليه وقت عودتهما فحرمته من الشرب

معها فيه بسبب ذلك وخبأته حيث ظهر أنه يعلم بمكانه ،

نطرت له مجددا وقفزت نحوه متعلقة بعنقه بقوة وقالت

تغمض عينيها

" هذا لتعلم بأني آسفة ... "

وأغمضت عينيها بقوة تشعر بيديه تحيطان خصرها

وهمست مبتسمة

" آسفة فعلا لكل ما حدث صباحا وقلت ، أنا.... "

وابتعدت عنه مقاطعة نفسها ونظرت ليديها تشد سبابتيها

ببعضهما وقالت بصوت منخفض

" أنا كنت مستاءة و ... وكنت محقا لم يكن وقت حديث

في أي أمر حينها "

لامست أصابعه ذقنها الصغير ورفع وجهها له وقال
ناظرا لعينيها

" ماريا عليك أن تفهمي جيدا ما كنت أقوله ... تجنبي

ما تعلمي جيدا بأنه سيغضبني لا أريدك أن تُخرجي من

داخلي تيم الذي لا أريد أن تريه "

نظرت لعينيه بحزن ولم تعلق فمررا إبهامه على وجنتها

هامسا ونظره لازال على عينيها

" أنتي الحد الفاصل بين ماضي وحاضري ماريا ..

أنتي طفولتي ووالدتي التي فقدتها بسبب الجميع عداك ..

لا أريد أن أضعك في مرتبتهم ماريا لا تختاري ذاك لنفسك "

حركت رأسها نفيا عيناها تمتلئ بالدموع ببطء وارتمت في

حضنه تدفن وجهها في صدره تشعر بيديه تتحركان على

ظهرها برفق ورقة وأبعدت أصابعه خصلات شعرها البني

الناعم عن طرف وجهها تتخلله برفق وقبلاته تداعب خدها

ففكها فأذنها وتزداد عمقاً وشغفا ويده الأخرى تشدها لجسده

بقوة تشعر بصمودها يتهاوى وقد بدأت تفقد قدرتها على

مقاومته تباعا أصابعها تشتد على ياقة سترته تكاد تنزعها

عنه دون شعور أنفاسها تتصاعد تباعا لتصاعد أنفاسه

وأصابعه تلامس قفا عنقها تنزلق شفتيه لبشرة نحرها

الناعمة ، لا تنكر بأنها تتوق له وبقوة وشغف .. لأن تختبر

النوم معه وفي حضنه .. أن تنام وتستيقظ تنظر لعينيه

وترى فيهما تلك النظرة التي تخبرها بأن الأمر كان رائعا

وكنتِ فراشتي الجميلة التي لونت عالمي بعد تلك الليلة ،

تشتاق للحياة التي تجمعهما روح واحدة وجسدين أقرب

لبعضهما من الجميع لكن الأمر أصعب من أن يكون واقعا

فلا ظروفهما ولا مستقبلهما يسمح بهذا وإن طلبه هو

وأراده فهو كما سبق وقال يريد أن يعيش الحاضر فقط

دون أن يفكر في المستقبل مهما كان ما سيحدث فيه وما

يحمل لهما لكنها لا تستطيع كيف تسامح نفسها إن فقدته

بسببها هي أو كانت السبب في أن يصاب بأي مكروه ؟

ماذا إن حملت ابنه في أحشائها لمن سينتسب حينها وما

سيكون مصيره ؟ هل ستكون في مواجهة عباراته الغاضبة

كتلك التي كان يسمعها هو لوالدته وهو يعاتبها لزواجها

من رجل كان يعلم بأن مصيره الموت ؟ تربط مصيرها

ومصير طفل بمستقبل من دون أب ولا زوج ولا سند وهي

التي لا تعلم ما سيكون حالها بعده ؟ ارتخت أصابعها عن

ياقته تدفن وجهها في عنقه وهمست بصعوبة

" تيم أنت تفقد زمام الأمور ... على ماذا اتفقنا ؟ "

وحين لم تشعر بأي استجابة منه نزلت بيدها لساعده

وهمست تحاول فك نفسها من الالتصاق به تخرج يده من

تحت قميص بيجامتها الضيق المرتفع بسببها

" تيم أرجوك اتركني "

وما أن نجحت في الخلاص منه رفعت خصلات غرتها تسحب

الهواء لصدرها بقوة بينما تأفف الواقف أمامها بقوة ورفع يده

جانبا وقال ببعض الضيق ناظرا لها

" ماريا ما لعبة القط والفأر هذه ؟ "

رفعت نظرها له وقالت بضيق مماثل

" لا تلقي باللوم عليا تيم أنت من فعل هذا "

فتح زر قميصه من تحت الستره ومرر يده على عنقه

متأففا بقوة مجددا فتجمدت نظراتها على أحمر الشفاه الذي

كان أثره واضحا على بشرته البيضاء فأسدلت جفنيها الواسعان

على تلك الأحداق المليئة بالمرارة وما يقتلها أكثر أنه لا يمكنها

التحدث لا الاعتراض ولا الرفض

" ماريا علينا أن نجد لهذا حلا والآن "

رفعت نظراتها الخاوية له ما أن وصلها صوته الحازم

وتتمتمت ببرود

" حلا ماذا تقصد ؟ "

لوح بيده قائلا بضيق

" ماريا لا تتغابي "

قالت بحدة

" أنا لا أتغابى فكن أنت واضحا .. ما الذي تقصد بالحل ؟ "

أشار بيده جانبا جهة سريره وقال بحدة أكبر

" حلا لما لا تعلمينه عن الرجال بالطبع ، أنا لا يمكنني

التحمل أكثر ولا بدائل أتفهمين هذا ؟ "

نظرت له بصدمة هامسة

" ماذا تعني بالبدائل ؟ "

قال بضيق مجددا

" ماريا لا تكوني حمقاء "

فانفجر الغضب المكتوم والذي لم يعد يمكنها كتمه أكثر

قائلة بغضب

" توقف عن مناداتي بالحمقاء دائما ، تزوجتني مرغما

وتبقيني لأني وصية والدتك أفهم كل ذلك فتوقف عن إهانتي

دائما والتحدث عن العيوب التي تراها وحدك بي "


صرخ فيها من فوره

" ماريا توقفي عن الشجار العقيم "

قالت بغضب أشد

" أجل أنا من تفتعل الشجارات العقيمة دائما "

" ماريا ما بك ؟ "

كانت نظرته لها حانقة متسائلة هذه المرة أكثر من كونها

غاضبة لكن ذلك لم يطفئ غضبها الذي عاد ليطفو على السطح

قائلة بحدة

" حمقاء ما بي مثلا ؟ "

نظر لها بصمت وحنق فسبقته قبل أن يعلق قائلة بضيق

" أعلم لا تقلها .. عليا أن أخرج من هنا سأفعلها من دون

أن تطلبها "
وما أن أنهت عبارتها تلك غادرت الغرفة بخطوات غاضبة

نظراته الحانقة تتبعها وما أن وصله صوت باب غرفتها الذي

ضربته خلفها شتم هامسا بغضب وضرب الكرسي أمامه

بحذائه بقوة جعلته ينسحب بعيدا مصدرا صوتا مرتفعا

مزعجا ومرر أصابعه في شعره بعنف وتوجه جهة المرآة

ينزع سترته التي رماها بإهمال وفتح باقي أزرار القميص

يبحث في الدرج الذي فتحه بحركة عنيفة وما أن رفع نظره

لصورته في المرآة أمامه تجمد نظره على ذاك اللون العالق

ببشرته فرمى ما في يده بغضب وسحب منديلا معقما ومسحه

به بعنف يشتم هامسا من بين أسنانه ، وما أن رماه أمامه

بإهمال نزع القميص أيضا ورماه خلفه وهو يغادر الغرفة ،

وقف أمام باب غرفتها وأمسك بمقبضه وأداره ببطء وفتح

الباب فوقع نظره عليها فورا جالسة على الأرض تتكئ

بظهرها على مقدمة السرير تمسك إحدى مذكراتها في يدها

تضعهما في حجرها وتمسك بالأخرى قلم حبر تحركه بقوة

وعشوائية حركة غاضبة على ورق صفحتها المفتوحة أمامها

وبقربها طاولتها الزجاجية المخفضة التي تستخدمها أغلب

الأحيان للدراسه ، أدار أصابعه حول المقبض لازال يقف مكانه

وينظر لها حتى وصله صوتها قائلة بجمود وحالها لم يتغير

" غادر من هنا "

التوت شفتيه بابتسامة وتمتم

" وإن لم أفعل ؟ "

ضربت بقبضتها والقلم فيها على المذكرة في حجرها وقالت

بضيق دون أن تنظر ناحيته

" تيم لا أريد أن أراك قبل الصباح فابتعد عني أو لا تلقي

باللوم عليا إن أغضبتك مني "

تجاهل ما قالت ودخل الغرفة فوقفت ورمت المذكرة من يدها

على الطاولة بقوة وأتبعتها بالقلم وتحركت مجتازة له لتخرج

هي من الغرفة فأمسك بيدها وأدارها بقوة كادت توقعها أرضا

وشهقت بصدمة حين انحنى وأمسك بساقيها بساعده ورفعها

عن الأرض وأصبحت في لحظة فوق كتفه نصف جسدها يتدلى

على ظهره وتوجه بها جهة باب الغرفة وخرج بها من هناك

يمسك ساقيها بقوة كي لا تسقط بسبب مقاومتها متجاهلا

ضربات قبضتيها لظهره وجميع عباراتها الغاضبة وتوجه

بها لباب الشرفة الزجاجي المفتوح على طرف بهو الشقة

الواسع وضربه بقدمه فانفتح أمامه على اتساعه وخرج بها

هناك ورماها مديرا لها لتصبح معدتها على حافة سياجه النحاسي

المستدير ونصف جسدها العلوي في الأسفل وقال

" ماذا كنا نقول ماريا ؟ "


تمسكت أصابعها بنهاية حديد السياج وقالت بضيق

" لم نقل شيئا ولن نقول "

وما أن أنزل جسدها أكثر صرخت بشهقة مكتومة كي لا ينتبه

لهما ساكني المبنى المجاور وإن كان يفصلهم عنهم شارعا

عريضا ووصلها صوته مجددا

" ماذا كنت تقولين ماريا ؟ "

قالت بضيق ويداها تسقطان للأسفل تحت رأسها متدليتان

في الهواء

" إن وقعت فلن أموت وسأدعي عليك ما حييت لأنك ستكون

السبب في إعاقتي "

ابتسم وأنزلها أكثر حتى بات يمسكها بيد واحدة وقال

بصوت مرتفع

" ماذا تقولين ماريا ؟ "

حركت قدمها الحرة تحاول تثبيتها وقالت بحنق

" أحبك ... أحبك يا متوحش "

اتسعت ابتسامته يراقبها من الأعلى وقال

" وما الذي أقوله وأكرره دائما ؟ "

قالت من فورها وبذات ضيقها
" اتركني وشأني أكرهك تيم "

أبعد قدمها وقال

" ماذا ؟ "

صرخت من فورها بضيق

" تيم لي وحدي ... كنت تقول تيم لي وحدي "

رفعها حينها حتى وقفت على أرضية الشرفة الرخامية وسحبها

من يدها للداخل وأغلق الباب وما أن نظر ناحيتها رفع يده

الأخرى ووضع سبابته على شفتيه يأمرها بالصمت وهمس

" لن نظيف شيئا على ما قلته هناك في الشرفة ماريا مفهوم "

فزمت شفتيها وامتلأت عينيها بالدموع فأشار بسبابته لعنقه

وقال بجدية
" قسما لم يتجاوز الأمر هذا المكان ماريا ولم يكن الأمر

برضا مني فوالدها كان موجودا "

فارقت أول دمعة من رموشها الكثيفة ولكمت صدره بقبضتها

بقوة ... ولم تكن تلك آخر لكمة من قبضتها ولا آخر دمعة من

عينيها ولم يمنعها هو ولم يقاومها وكأنه يفهم جيدا ما عليه

فعله حينها فسرعان ما اتكأت بجبينها على صدره وضمها هو

بذراعيه يقبل رأسها يدفن بكائها الصامت وسط أضلعه وقال

بهدوء

" الوطن يحتاجني ماريا هل نفقده ؟ الأمر أكثر تعقيدا من

أن أتراجع فيه الآن فسأفقد حياتي أيضا حينها "

حضنت جسده بذراعيها تشد أصابعها على قميصه الداخلي

جهة ظهره بقوة وقالت بعبرة

" أعلم بأني سأفقدك نهاية الأمر ... أعلم ذلك ... حيا كنت

أو ميتا سأفقدك "

قبل رأسها ومسح على شعرها هامسا

" لا أحد ينتصر على الموت ماريا لقد خلقنا لنموت "

ابتعدت عنه وقالت بضيق لازالت الدموع تنساب من عينيها

الجميلتان

" توقف عن قول هذا تيم .. توقف وإن من أجلي ومن أجل

دموعي التي تبكيك حيا .. يالك من قاس ... أحمق ... أكرهك "

أمسك وجهها بيديه وقبل جبينها ومسح دموعها بظهر أصابعه

قائلا بجدية

" لن نتحدث عن ذلك مجددا حسنا موافق لكن ما كنا

نتحدث عنه في الغرفة لا وعلينا التحدث عنه الآن "

ابتعدت عنه بخطوتين للوراء وقالت بعناد وإصرار

" لا حديث بيننا أبدا في ذلك "

قال بتحذير آمر

" ماريااا "

لوحت بيدها قائلة بضيق

" أنا لا أريد هل ستجبرني ؟ لما لا تفكرون سوى في أنفسكم

أنتم الرجال ؟ "

نظر لها بحنق وأشار بسبابته للمسافة بينهما وحركها بشكل

مقوس حوله قائلا

" إذا لا تتخطي هدا الخط ولا تقتربي مني ولا تدخلي مجالي

بما أنك ترفضين ذلك أو لا اتفاق بيننا أبدا "

أولته ظهرها وتحركت جهة غرفتها من فورها متمتمه بضيق

" حسنا موافقة "

وما أن وصلت باب الغرفة التفتت له وقالت من هناك ترفع

سبابتها

" وإياك والتحدث مجددا عن البدائل أو أنا من سأرمي بنفسي

من الشرفة حينها ولا داعي لتتعب نفسك "

وما أن أنهت عبارتها تلك دخلت الغرفة مغلقة بابها خلفها بقوة

فزم شفتيه بابتسامة وحرك رأسه قبل أن يغادر جهة غرفته

متمتما

" إذا لا حل سوى الصبر يا تيم ...... سحقا لعقول النساء "

*
*
*

مدت رأسها فقط مميلة جسدها ونظرت من الباب المفتوح

للجالسة خلف مكتبها والتي رفعت رأسها ونظرت لها مبتسمة

ما أن قالت " كيف هي الخماصية الجميلة اليوم ؟ "

قالت تبادلها الابتسام

" مرحبا بزهرة الجنوبي "

ضحكت ودخلت قائلة

" ما هذا اللقلب الجديد الرائع ؟ "

ضحكت وقالت تنظر لها وهي تسحب الكرسي أمام مكتبها

" هذا ما يلقبك به خطيبك حسب حديث شقيقي عنه

فهو يسميك بزهرة الجنوبي "

جمعت يديها بجانب وجهها تدير مقلتيها بحالمية وقالت مبتسمة

" يا إلهي ما أروعه من رجل "

ضحكت غدير وجلست هي أمامها قائلة

" لما لا تخبريني أين أجده لأراه وإن من بعيد بما أنه

يعتصم عني ولم يطلب ذلك بنفسه "

رفعت كتفيها قائلة بابتسامة

" في الجنوب حاليا "

مدت شفتيها بعبوس فضحكت الجالسة أمامها وقالت

" طلب من شقيقي أن أعطيه رقم هاتفك "

اتسعت عيناها بصدمة وقالت

" قولي قسما ؟ "

ضحكت تلك مجددا قائلة

" قسما أني أعطيته له ودون أن أخبرك فحمدا لله أنك

لم تغضبي "

رمشت بعينيها تنظر لها فقالت مبتسمة

" وثمة أمر آخر يخص جنوبي آخر "

همست باستغراب

" من !! "

اتسعت ابتسامتها وهي تقول

" صديقك القديم المغبر بالطبع "

تجعدت ملامحها وتمتمت بحنق

" ما أبرعك في تعكير المزاج الرائع "

ضحكت وقالت

" يبدوا لي قد يتغير حديثك عنه ورأيك فيه بعدما تعلمي

ما سأقوله "

نظرت لها بتفكير لبرهة قبل أن تقول

" من أين تعرفينه أنتي ؟ هل درس معك أيضا ؟ "

حركت كتفيها قائلة

" كلاهما أكبر مني ببضعة أعوام وعلى العموم الأمر يخص

قبولك هنا في الجامعة "

رمشت بعينيها متمتمه

" لم أفهم !! "

ابتسمت الجالسة أمامها وقالت

" ثمة ورقة تم طلبها من جامعتك السابقة تخص أسباب

خروجك منها ومعدلك في موادك هناك "

نظرت لها بصدمة قبل أن تقول بضيق

" ولما كل هذا ؟ أهي ثكنة عسكرية عليا جلب حسن

سيرة وسلوك وشهادة براءة ليتم قبولي فيها ! "

رفعت كتفيها قائلة

" إنها قوانين الجامعة يا زهور وأنت انتقلت من جامعتك

السابقة منتصف العام تقريبا "

ضربت بقبضتها على الطاولة بينهما قائلة بضيق

" لا تقولي أن ذاك الجنوبي المغبر أفسد الأمر عليا ليعيدني

هناك أو يحرمني من الدراسة هنا ؟ أعلم بأنه سيفعلها فمادته

وحدها التي لم أعد أحضرها مؤخرا "

حركت رأسها بالنفي مبتسمة وقالت

" لا بل العكس تماما "

نظرت لها بعدم استيعاب فقالت مبتسمة

" الأوراق التي تم تقديمها كانت بخط يده وأهمها بأنك

أول طالبة يمنحها الدرجة كاملة في مادته والتزم بأن يوثق

نيابة عن أساتذتك شهادة لصالحك وبأنك من الطلبة المتفوقين

في قسمك "

نظرت لها بصدمة فاغرة فاها وهمست

" أويس عبد الجليل غيلوان لا أحد غيره تقصدين !! "

حركت رأسها إيجابا تمسك ضحكتها فقالت تحرك كفها أمام

وجهها وكأنها صورة مشوشة تنقيها

" قولي أن الشتاء سيأتي قبل الصيف القادم سأصدقك أكثر "


ضحكت وقالت

" صدقي فذاك ما حدث فعلا "

لوحت بيدها قائلة ببرود

" حسنا أنت مبدعة في المزاح فعودي غدير السابقة

فهي أجمل "

ضحكت مجددا وقالت ترفع إحدى الأوراق وتمدها لها

" ها هي خذي لتتأكدي "

أخذتها منها فورا وما أن قرأت أول أسطر فيها رفعت نظرها

لها فاغرة فاها بصدمة فأشارت لها بيدها أن تتابع القراءة

فعادت حدقتاها السوداء للتنقل في تلك الاسطر المرتبة بخط

أنيق لم يدخلها اي شك أن يكون خطه فهو كان يدرسها وهذا

النوع من الخطوط المميزة لا تنساه ، رفعت نظرها لها ما أن

انتهت من قراءة تلك المعجزات المتتالية فقالت تلك مبتسمة

" ها .. ما رأيك الآن ؟ "

بلعت ريقها وهفت بالورقة على وجهها الذي كانت تشعر به

يشتعل وقالت بابتسامة باهتة

" يبدوا لي معك حق وتغير رأيي به لكن قليلا فقط "


ضحكت وقالت وهي تقف

" كل هذا وقليلا فقط يا ناكرة ؟ "

وقفت أيضا وقالت بضيق

" ليس ذنبي فهو لم يعطيني أي مجال لأتقبله كمخلوق بشري "

وتابعت تنظر باستغراب لما كان موضوعا على طرف طاولة

مكتبها

" هذه أليست البطاقة التي أحضرتها لك زوجة الزعيم مطر

سابقا ؟ ألم تعطيها لصاحبها ! "

نظرت لما تتحدث عنه وقالت

" بلى لكنها لم تعد تخصه إنها دعوة موجهة لي لحضور حفل

افتتاح برج القمة التجاري الجديد "

اتسعت عيناها بصدمة وقالت تنظر لها

" أنت مدعوة لحضور الحفل ! "

نقلت نظرها لها وأومأت بنعم فتأوهت قائلة بحسرة

" آه يا الهي ما أسعدك بمن يحقق لك ذلك لابد وأنه ذاك

الوسيم المدعو قائد "

أسدلت جفناها الواسعان بحزن تخفي ما يمكنها إخفائه هامسة

" بلى إنه رائع ... رائع وفي كل شيء ويمكنك أن تحسدي حتى

أصدقائه عليه "

تنهدت بعمق قائلة دون أن تنتبه لكل ذلك

" يا إلهي كم أنت محظوظة بكل هذا فذاك المشروع الضخم

لن يحضر افتتاحه أيا كان "

وما أن أنهت عبارتها تلك توجهت جهة الباب مسرعة وملوحة

لها قائلة

" أراك لاحقا يا جميلة "

وغادرت نظراتها الحزينة تتبعها قبل أن تنتقل للبطاقة الأنيقة

المدعمة بالخشب وتدلت الدمعة اليتيمة من رموشها تتذكر

المكالمة التي سمعتها بينه وبينها مصادفة في مكتبه عن قضية

الطلاق ، رفعت رأسها ومسحت دمعتها وجلست على كرسيها

وأخرجت هاتفها من حقيبتها واتصلت بشقيقها فورا .



*
*
*

أخرجت قدمها من المياه ونزلت بها على الأرضية الرخامية

اللامعة لتنزلق قطراته عليها وتركتها بقع متساوية خلفها وهي

تترك حوض الاستحمام قطرات الماء المنزلقة من شعرها الطويل

المبلل لم يوقف تناثرها خلفها سوى قماش روب الحمام الناعم

الذي لفته حول جسدها بقوة متشبثة به وارتجفت أصابعها وهي

ترفع يدها لغرتها المبللة تبعدها عن وجهها تسحب الهواء

لرئتيها في شهقة صغيرة واتكأت بطرف كتفها على الجدار

الرخامي قربها وأراحت يدها على برودته لتنزل دموعها مجددا

تتعالى شهقاتها معها تباعا تحاول كتمها بأصابعها المرتجفة ..

لا تصدق أن ما حدث كان مجرد كابوس .. كان كابوسا مريعا

رغم أنه حقيقي ... حقيقة حدثت أمامها وتيقنت للحظات من أنها

خسرته واختارت بالتالي أن تخسر حياتها خلفه فإما أن يعيشا

فيها معا أو أن تتركها معه ، ضربت بكفها على الجدار هامسة

بعبرة

" لماذا يا غسق ؟ لما تشعري بكل هذا سحقا لك ...

ماذا إن مات وإن فارقك للأبد ؟ وإن يكن يا حمقاء ؟ "

نزلت للأرض ببطء تشعر بأنها تفقد قواها مجددا وهي لم

تسترجعها بعد تنظر للفراغ بضياع لم تمسح ولا الدموع التي

اختلطت بالمياه المنسابة من شعرها تسابق بعضها فوق تلك

البشرة الثلجية الناعمة فها هي مجددا تنهار .. تحتاجه وتغرق

في دوامة من السواد ليعيدها هو منها ولتجد نفسها مبللة في

حضنه ليثبت لها في كل مرة بأنه الهواء الذي تضيع من دونه

تتشتت تنتهي وتتلاشى كالنهار ، فقدت الحياة حين فقدته مرة

وإن كانت ما تزال فيها ترى وتتنفس وها هو يثبت لها بأنها

ستخسرها نهائيا إن خسرته مجددا وبأن الحياة تتوقف عند

ابتسامته وهمساته الرجولية المبحوحة المميزة ولمساته الرقيقة

الدافئة .. بأنه إن اكتسح حياة امرأة لا يمكنها تركه يخرج منها

تبتسم له برضا لأنه لن يخلف خلفه سوى الدمار والضياع وامرأة

محطمة كليا تبكيه حتى تموت تتمسك به بكل ما تملكه وإن كان

قاتلها ومعذبها .

مسحت عينيها ووجنتيها بقوة ووقفت تستند بالجدار قربها

ما أن سمعت حركته في الخارج ودست يديها بحركة بطيئة

في أكمام الروب الزهري القصير وشدته حول جسدها النحيل

المتناسق وربطت حزامه وتحركت جهة الباب تحاول إخراج

شعرها من تحته أو ما استطاعت إخراجه منه ، وما أن أدارت

مقبضه وفتحته هربت بنظرها ووجهها من الواقف أمامه تماما

يسند يده بالجدار المحاذي لإطاره يسد الباب أمامها بجسده

الطويل وصدره العريض ، رفعت يدها ومررتها في غرتها

المبللة قبل أن تمرر ظهر كفها على أنفها لازالت تتجنب النظر

له وقد أخفت ارتجاف جسدها بصعوبة حين شعرت بملمس

أصابعه على أطراف أناملها وهو يبعد يدها عن وجهها ببطء

أصابع يده الأخرى تخللت خصلات غرتها الطويلة المبللة ورفع

وجهها له ببطء وهمس ناظرا لعينيها ورموشها المبللة

" متى ستتوقف هذه يا غسق ... ؟ توقفي عن تعذيبي بها

أرجوك "

أنزلت وجهها مجددا وأمسكت يده تبعدها عن وجهها ببطء

هامسة ببحة حزينة

" أنا من يسألك متى ستتوقف هذه التي لم أكن أعرفها قبل

أن أعرفك يا مطر "

أمسك وجهها بكلتا يديه وانحنى له يقبل خدها برقة انتقلت

للشغف سريعا وكأنه لم يختبر فعلها سابقا ، وما أن تسللت

يده الأخرى لظهرها نزولا لخصرها النحيل يشدها ناحيته علمت

بأنها ستنهار وتضعف مجددا ومجددا وككل مرة ما كان يجب

وحتما سيحدث ما أن انتقلت قبلاته لطرف شفتيها وداعبت شفتيه

شفتها بحرفية رجولية رقيقة جعلتها تستسلم سريعا وجذبها

لحضنه يحول الأمر لشغف رائع رغم قسوته على ذاك القلب

الرقيق المذبوح به وله وبسببه .

وما أن ارتخت يديه عنها بسبب ابتعادها البطيء عنه

رفعهما لوجهها ينظر لرموشها المسدلة على عينيها وهمس

" لازلت متعبة يا غسق ؟ هل أطلب الطبيب ؟ "

حركت رأسها برفض دون أن تتحدث أو ترفعه له فأبعد

خصلات غرتها الرطبة خلف أذنها هامسا

" بماذا تشعرين إذا ؟ تبدين لي لست بخير حتى الآن "

رفعت أناملها لطرف غرتها الآخر تدس خصلاتها أيضا

خلف أذنها وهمست ببحة

" جائعة "

فابتسم من فوره وشدها لحضنه تتكئ على صدره وقال مبتسما

ويده تمسح على شعرها الرطب

" جائعة فقط ؟ تجوع زوجة رئيس البلاد ! تجوع قلب

مطر وهو حي يتنفس ؟ "

سار بها نحو بهو المنزل الخشبي الصغير المطل على البحر

وما أمر ببنائه هنا وهكذا من أجلهما فقط في منطقة باتت

محضورة عن الجميع منذ أن اختارها له وحتى الحراسة

المشددة حولها تبعد لمترات عديدة عنهما ، وصل بها لطاولة

مستديرة حولها كرسيان فقط مليئة بالأطباق المغطاة بأوراق

القصدير تحوي الطعام الذي لم تراه ولم تشم ولا رائحته في

المكان ! وما أن أجلسها على الكرسي الذي سحبه لها قال وهو

يخرج الهاتف الذي بدأ بالرنين من جيب بنطلونه

" الخزانة في الغرفة تحوي ملابس جديدة وضعت هنا

لك لكن تناولي طعامك أولا "

وما أن أنهى عبارته تلك تحرك من خلفها مبعدا يده عن ظهرها

ببطء كحركته تلك وتوجه جهة الواجهة الزجاجية المقابلة للبحر

نظراتها تتبعه وهاتفه على أذنه يتحدث مع من يبدوا أنه تحدث

عن فحوى الموضوع مباشرة دون مقدمات ووقف هو يستمع

له بصمت يده الحرة تتخلل شعره الأسود الكثيف نظره على

الأمواج المترامية على رمال الشاطئ القريب ، أبعدت نظرها

عنه للأشياء الفضية اللامعة أمامها وأبعدت القصدير عن أقرب

طبق لها وبدأت تأكل منه ترفع اللقمة ببطء وتمضغها ببطء أكبر

وكأن قواها خارت عن فعل أي شيء ولا تنكر أن كل عصب فيها

لازال يرتجف حتى الآن ، تابعت طعامها منشغلة به عن كل شيء

حولها حتى الواقف هناك والذي لم تنتهي مكالماته المتتالية التي

يبدوا أن ما ورائها أمرا مهما يخص البلاد لم تهتم لأن تنتبه له

ولا أن تعلمه لكن ما جعلها تدير رأسها جانبا وتنظر له كان

تحركه من مكانه ما أن ذكر أن اسم المتصل عمير وخرج من

الباب الزجاجي المفتوح وابتعد حتى لم تعد تسمعه ، ورغم أنه

لم يتعمد خفض صوته إلا أنها تشعر بأن ثمة ما لم يكن يريدها أن

تسمعه ولم تهتم أساسا فإن كان الحديث عن مدن صنوان

المتمردة فهي أكثر منه لا تريد سماع ما يقول .


وقفت وتركت المكان وجهتها باب الغرفة الوحيدة هناك ودخلتها

وتوجهت للخزانة فورا دون أن تنظر لباقي تفاصيلها الفخمة

المميزة ، فتحتها ووقفت أمامها وحاجباها الرقيقان ينعقدان ببطء

تنطر لما قال بأنها ثياب موجودة فيها ومدت يدها لها وبدأت

تخرجها بالقطعة وتعيدها ولولا أنها كانت جديدة بالفعل لأقسمت

بأنها تخص امرأة أخرى فلما هذا التعمد في اختيار هكذا ملابس

تحديدا ! فتشت بعنف بين تلك الثياب المعلقة فعن أي ثياب يتحدث

يمكنها ارتدائها ؟ نزعت إحدها بحركة غاضبة ولا تفهم بسبب

هذا أم بسبب ذاك الشعور الكريه وعقلها يصور لها أن هذا المكان

لم تكن أول من زارته ، استغفرت الله بهمس مستاء ولبست ما

يمكن تسميته بنطلونا والذي لم يصل طوله لركبتيها أو ليغطي

كامل فخذيها .. لبست القميص الأبيض الذي رغم اتساعه قليلا

إلا أنه بالكاد أخفى جسدها تحته .. حتى أنه من دون أكمام

لكنهما خيارها الأفضل على ما يبدو .. ومما ستخجل مثلا وبعد كل

ماذا ! التفتت بسرعة جهة باب الغرفة الذي انفتح فجأة وللداخل

منه من شملتها نظرته حتى قدميها فأنزلت رأسها ونظرت للأسفل

والتصقت بالخزانة المغلقة خلفها وخطواته تقترب منها حتى كان

أمامها مباشرة ومرر يده على خصرها وشدها له وقبل خدها

يحرك شفتيه جهة أذنها هامسا بخفوت

" ألا يوجد شيء لا تكونين فيه رائعة ؟ "

مررت يدها في خصلات طرف جبينها هامسة أيضا لكن ببرود "

ما الرائع في ثياب المراهقات هذه ؟ "

ابتسم وشد رأسها ليتكئ على صدره وقبله قائلا

" الرائع فيها أنك كمراهقة تماما بها ومن الغريب أني أصبت

قياسك فكم ظننت بأني فاشل في هذا ! "

ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقالت ببطء ظنت أن الكلمات لن

تخرج معه

" أنت من اشتراها ؟ "

نظر لها باستغراب عاقدا حاجبيه وقال

" أجل .. أكنت تتوقعين أن أطلب من أي رجل أن يشتري

ثيابا لك ؟ "

أبعدت نظرها عنه ونظرت جانباً تعاند الكلمات مجددا وهي

تهمس ببحة

" كم منزلا تملك في البلاد يا مطر ؟ "


تنقلت نظراته في ملامحها التي تشيح أغلبها عنه وقال

" غير منزل عائلتي هذا فقط ولم أدخله إلا اليوم "


لم تعلق ولم تنظر له وجفناها ينسدلان على تلك الأحداق ببطء

وقد لاحظ شدها لأصابعها بقوة فمد يده لذقنها وأمسكه وأدار

وجهها ناحيته ورفعه له حتى نظر لعينيها بل وجعلها هي تنظر

لعمق عينيه وقال بهدوء

" غسق لما لا تفكري بصوت مرتفع وترحمي كلينا ؟


لم تدخل امرأة غيرك هنا ولن يحدث "


أنزلت رأسها ونظرها محررة ذقنها من ملمس أصابعه وهمست

بابتسامة متألمة

" أود أن أصدق من يعترف بلسانه بالعكس لكنها معجزة لا

أستطيع منحها لنفسي "


رفع يده لوجنتها هامسا بجدية

" غسق عليك نسيان كل ما قيل وحدث سابقا مفهوم ؟ "


رمت يده عنها ورفعت نظرها له قائلة بحدة

" لا أستطيع .. لا تطلب مني المستحيل يا مطر "


قال بحزم

" اتركينا نتحدث إذا واستمعي لأسبابي "


لوحت بيدها صارخة بغضب

" لا سبب يبرر الخيانة يا ابن شاهين لا سبب أبدا ولا تتحدث

مجددا عما لم تجربه "

أمسك وجهها ورفعه له وقال بحزم

" استمعي لي ثم احكمي "

أبعدت يديه عنها بقوة صارخة

" لاااا ... ابتعد عني "


شدها من ذراعها بقوة وقال بأمر

" غسق ستستمعين لي الآن ورغما عنك "


حركت ذراعها بعنف تحاول الفكاك منه حتى نجحت في ذلك

وقالت تشير لنفسها والدموع تتجمع في عينيها الواسعة

" إن كنت تريد أن أكرهك ما عشت فافعلها يا مطر وبرر لي

عن بطولاتك مع النساء فلا شيء يغفر لك في قلبي ..

في القلب الذي تركته ينزف دون أن تهتم وتريد الآن

وبكل بساطة بل ووقاحة أن يستمع ويغفر ويسامح وينسى

وكأن ما حدث لم يكن ! لو كنت مكاني أكنت تستمع أكنت تغفر ؟

أكانت ستسمح لك كرامتك وكبريائك بذلك ؟ "


أمسك وجهها بيديه وقبل جبينها ونظر لعينيها الغاضبة المليئة

بالدموع المتحجرة في تلك المقل الواسعة وقال

" قلنا حتى يحين الوقت يا غسق لا تنسي بأنك وعدتني

وأنا سأنتظر "

وما أن أنهى عبارته تلك أمسك بيدها وخرج بها من الغرفة بل

ومن باب المنزل وسار بها جهة الشاطئ حيث كان الهواء القوي

المنعش في استقبالهما والشمس الباهتة المستديرة تفارق الأفق

ببطء تختفي خلف تلك المياه ترمي بحمرتها المميزة على مياهه

في مشهد لا يضاهى ، قال وهو يقترب بها من الشاطئ

" لما لا تختبري مياهه مجددا ولكن بطريقة ألطف من سابقتها "

قالت بضيق تحاول سحب يدها منه تكاد تركض مجارية خطواته

" مطر اتركني لا أريد أن أدخله مجددا "

تجاهلها يسحبها مرغمة وما أن وصل بها للرمال المبللة وقف

وألتفت لها وانحنى لساقيها ورفعها بسرعة وخفة رغم تمنعها

واعتراضها وهي تحاول النزول قائلة بضيق

" مطر توقف عن الجنون .. أهذا ما يفعله من يخطط لأن

يكون جداً عما قريب ؟ "

نظر لها مبتسما وهو يقترب من المياه وقال

" حسنا الدور يليق بمطر شاهين لكن ثمة من لن يليق بها أبدا

أن تكون جدة فلتجد حلا لنفسها "

لكمت صدره لازالت تحاول الفكاك منه وقالت بضيق أشد

" لا حل سوى الرفض ولعلمك فقط أني لست موافقة ولن

أكون راضية عن هذا الزواج ما حييت "

رماها في المياه مبتسما على صرختها المصدومة وقال ناظرا

لها جالسة ونصفها تحت الماء تبعد شعرها بضيق

" لا تكوني حماة سيئة وتكدري حياة الرجل فهو يحب ابنتك "

رفعت نظرها له وقالت بحدة

" أحبته عاصفة غاضبة تقتلعه من جذوره ، ألا يخجل من نفسه

ويرى فارق العمر بينهما ؟ أيتزوج من طفلة ! "


انحنى جهتها وأمسك بيدها ورفعها له دون أن يوقفها وقال

مبتسما ينظر لعينيها

" لو أنك دخلت حدودي في مثل عمرها لكنت تزوجتك وما تركتك

تنامي بعيدا عني "

قالت بضيق تحاول سحب يدها منه

" كنت ستكون أصغر منه حينها ، ثم ما المفخرة في ذلك ؟

أنا وأنا ابنة التاسعة عشرة كدت توقف قلبي ليلتنا الأولى فما

سيكون مصير ابنتك ؟ "

ابتسم لذكرى ما حدث والتفت أصابعه حول أناملها أكثر وقال

" وضعهما مختلف طبعا يا جبانة "

سحبت يدها منه بقوة أكبر قائلة باحتجاج غاضب

" ما المختلف غير أنها أصغر مني بخمسة أعوام وقتها ؟ "

وكانت النتيجة أن خلصت يدها منه لكن ليس بقوتها هي بل

لأنه تركها فكانت النتيجة الأسوأ أن وقعت للخلف في المياه كليا

بسبب ارتداد جسدها وهي تسحبه فمالت بجسدها جانبا وأخرجت

نفسها بسرعة وساعدها الذي أوقفها ضاحكا وقال

" مختلف طبعاً لأنها تحبه عكسك وقتها ، ومختلف في أنه لا

يشبه مطر شاهين حينها أيضا ... أيرضيك هذا ؟ "

استلت يدها منه جسدها يقطر بالمياه وشعرها ملتصق بوجهها

تنظر له بحنق وقالت

" ألا تخجل من نفسك وأنت تقول هذا ؟ ما الذي تعرفه ابنتك عن

حب الرجال وجروحهم ؟ إن كانت والدتها فاشلة في ذلك فكيف

بها هي ؟ "

مد يده لوجهها ولامست أصابعه خصلات غرتها المبللة وقال

مبتسما بمكر " أي فاشلة هذه التي أوقعت ابن شاهين نفسه

في مصيدتها ؟ "

ضربت يده مبعدة إياها عن وجهها وهامسة من بين أسنانها

" مغرور "

ابتسم ومد يده لخصرها وأمسكها وسحبها منه نحوه فخلصت

نفسها مما ينوي فعله سريعا متمتمة بضيق

" ابتعد عني يا مطر "

وتراجعت للخلف بعيدا عنه في المياه تنظر له وقالت

بضيق أشد

" وبما أننا مستمران في مسيرة النكد هذه أخبرني الآن

وفورا لما فعلت ما فعلته وأنت تمثل الانتحار أمامي "

أمسك خصره بيديه وحرك رأسه قائلا

" أنا لم أمثل ولم أنتحر أساسا ، ما الذي يجعلني أخسر

آخرتي بما أنك موجودة "

صرخت فيه من فورها

" توقف عن الكذب "

أشار بيده جانبا حيث عرض المحيط وقال بضيق

" حسنا يا صادقة ما جعلك أنت تلحقي بي يا حمقاء وأنت

لا تجيدين السباحة ؟ "

رمت يدها جانبا أيضا قائلة بحدة

" وما كنت تتوقع مني وأنا أراك تختفي تحت المياه ؟

لقد كدت تقتلني من الخوف قبل الغرق .. ماذا كنت سأفعل مثلا ؟

أنتظر طائرا أسطوريا يأتي لينتشلك من المياه ! "

لوح بكفه بجانب وجهه قائلا بضيق

" لا يا ذكية بل ثمة رجال يحرسوننا كنت تستطيعين

الاستنجاد بهم أو حتى البقاء مكانك بدلا من الإلقاء بنفسك

في البحر وأنت موقنة من أنك لن تستطيعي الخروج منه

يا غسق ، كان عليك أن تحكمي عقلك قبل أن ترمي بنفسك

للهلاك "

نظرت له باستنكار وضربت بقدمها داخل المياه قائلة بحنق

" أهذا ما أستحقه منك ؟ أهذا ما كنت تريده أن أقف

وأتفرج عليك ؟ "

ضرب بأطراف أصابعه جهة صدغه قائلا بذات ضيقه

" كنت أريدك أن تفكري بعقلك .. بهذا .. قبل أن تقرري

فيما يخص مصيرك يا ابنة دجى الحالك "

رمت يدها صارخة فيه بغضب

" وما شأنك أنت بي أموت أو أنتهي من الوجود ؟ "

وسحبت نفسا طويلا تنظر له من بين الدموع التي بدأت باكتساح

مقلتيها الواسعة فقال بضيق

" غسق لا تأخذي الأمر بعاطفية فأنا إن كنت مكانك ما دخلت

البحر خلفك وأنا لا أجيد السباحة "

حركت رأسها بطريقة ساخرة وقالت متشدقة

" شكرا لك "

قال من فوره وبحزم

" أجل شكرا لي فثمة حلول كثيرة كنت سألجأ لها بدلا من أن

يفقد أحدنا الآخر كما كنت ستفعلين "

صرخت فيه من فورها

" بل لأنه لا يمكنني أن أكون بلا قلب ومتحجرة مثلك "

بادلها الصراخ بالمثل راميا بيده

" غسق توقفي عن التفكير بحمق فإن كان ثمة من سأدفع

عمري من أجله فسيكون أنت "

" كاذب "

قالتها صارخة دون تردد ولا انتظار فصرخ فيها أيضا

وكأنهما يتبارزان في ذلك

" كاذب كاذب .. لن تقرري عني أنا أعرف نفسي جيدا "

قالت بضيق

" حسنا آسفة لأني قلقت عليك وكنت سأفقد حياتي لأخرجك

أو نموت معا "

قال من فوره عاقدا حاجبيه بضيق

" أسفك مقبول ولا تكرريها مجدداً ومع أي كان وفي أي

موقف مختلف مفهوم "

رمت يدها جانبا قائلة بضيق

" استثني نفسك ولا علاقة لك بأحد آخر "

لوح بسبابته نحوها قائلا بحزم

" غسق لن تجدي من ينقذك من الهلاك الذي سترمين نفسك

فيه في كل مرة تذكري هذا جيدا ، وتذكري أيضا بأن الندم لا

يصلح شيئا انكسر وانتهى كما أن الموت ليس المأساة الوحيدة

التي تنهي الإنسان فثمة من يعيش يتمنى الموت ولا يجده ولومه

لا يتعدى نفسه ... تذكري كل هذا حين تمرين بموقف مشابه

مستقبلا "

حركت رأسها قائلة بضيق

" ماذا تقصد بكل هذا ؟ لما لا تكن واضحا "

أشار بسبابته لرأسه قائلا بحزم

" أقصد أن تفكري جيدا يا غسق وبعقل قبل أن تقرري ما تعلمين

مصيرك فيه فكيف ما تجهلينه ؟ "

نظرت له بصمت تسحب أنفاسها لصدرها بقوة أبرزت تفاصيلة

من تحت القماش الشفاف المبلل فأشار للبحر متابعا بحزم

" إن كان من أجل مطر شاهين الذي تكرهينه رميت نفسك في

البحر فكيف من أجل من تحبينهم ؟ "

همست بوجع والدموع الحارة تملأ عينيها مجددا

" إن كنت أكرهك ما فعلتها "

نظر لها بصمت فسحبت الهواء لصدرها بقوة ورفعت يدها

لوجهها تمسح بظهر كفها عينيها بقوة ورفعت رأسها قائلة

بجمود

" لكن في القادم أعدك أن لا أفعل وأن أكون مثلك "

وما أن أنهت عبارتها تلك غادرت بخطوات غاصبة ترمي

شعرها الملتصق بجسدها بحركة عنيفة تراقبها نظراته

حتى دخلت من الباب الزجاجي المفتوح فمرر أصابعه في

شعره متأففا نفسا طويلا فلا شيء يجدي معها أبدا وعليها

أن تعيش ذلك واقعا وتندم لتتعلم على مايبدو رغم أنها

اختبرته سابقا وهي تدخل حدوده .

تحرك أيضا جهة ذات الباب ودخل ونظر فورا لباب الغرفة

المفتوح ، أغلق الباب وتوجه نحوه وما أن دخل ابتسم ببطء

وخطواته تقترب من التي كانت تعصر شعرها تتمتم بغضب والتي

ما أن وصل عندها كانت قد انتقلت لأزرار القميص الملتصق

بجسدها تفتحها فوقف خلفها مباشرة وأدار يديه حولها وأمسك

يديها وأبعدهما عن أزراره التي لم تفتح منها سوى واحدا
وهمس وأنفه وأنفاسه تداعب عنقها

" لما لا تتركي هذا لي ؟ "

أمسكت يديه التي بدأت أصابعها بفك أزرار قميصها وهمست

ببحة ورجاء خافت

" مطر ابتعد "

فك الزر التالي هامسا قرب أذنها

" لا تطلبي المستحيل من مطر "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 09-05-18, 09:25 PM   المشاركة رقم: 1138
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*

رفعت مذكراتها وسترتها وخرجت من الغرفة مسرعة حتى كادت

تصطدم بالكرسي قرب باب غرفتها رغم تجنبها له فلا وقت

أمامها ولن تغامر بخسارة محاضرتها الأولى فالثمن سيكون غاليا

جدا وفوق توبيخ أستاذ المادة لها سيكون عليها تلقي توبيخ من

نوع آخر وأقسى أكثر هنا لأنها ستكون السبب من وجهة نظره

بالطبع ، دخلت المطبخ مسرعة وابتسمت ما أن وقع نظرها على

الذي يبدوا أنه مثلها لم يخرج من غرفته ويشرب القهوة إلا الآن

والذي استقبلها بابتسامة جانبية بدوره قد اتسعت ببطء ما أن

سارت بعيدا عنه في مسار دائري قائلة بضحكة

" لم أقترب منك ولم أدخل مجالك الجوي لتعلم فقط "

وتابعت سيرها المسرع جهة الطرف الآخر من الخزانة ونزلت

على قدميها وأخرجت من تحتها الكوب الذي لم يعد من جدوى

لإخفائه بعدما علم بمكانه ، أخرجته وسارت مسرعة جهة آلة

تحضير القهوة ووقفت على مبعدة منها مادة شفتيها بعبوس حين

اكتشفت بأنها فارغة ونظيفة تماما فرمقت بضيق الواقف مكانه

متكئ بظهره على الخزانة خلفه يلف ساق حول الأخرى يشرب

القهوة في كأس ماء وقد تجاهلها يشطف السائل الأسود الساخن

من كوبه فنظرت حولها حتى وقع نظرها على إبريق القهوة

النحاسي الصغير فتوجهت نحوه مباشرة ورفعته ونظرت له

بصدمة ما أن اكتشفت بأنه فارغ فنظرت خلفها فورا للذي كان

يرفع الكوب لشفتيه ويشرب منه رافعا رأسه قليلا ونظره عليها

لم يخفي ذاك الكأس ابتسامة التسلية تلك فسارت نحوه مباشرة

وما أن وصلت عنده وكان قد أبعد الكوب عن شفتيه أخذته من

يده ورفعت كوبها وسكبت منه نصف ما كان فيه ثم مدته له

فأخذه منها مبتسما دون أن يعترض أو يعلق يراقبها وقد

تحركت نحو الخزانة في الجانب الآخر ووقفت على رؤوس

أصابعها ما أن فتحتها وأخرجت علبة السكر الزجاجية وأضافت

لكوبها أربعة ملاعق صغيرة وحركتها بسرعة وبدأت بشربه في

شفطات متتالية فلا يمكنها تمضية الصباح دون كوب قهوة

فسينفجر رأسها سريعا على طاولة المدرج .

" لا تغادري دون فطور "

أبعدت الكوب عن شفتيها ونظرت لصاحب العبارة الباردة

الآمرة خلفها وحركت شفتيها بامتعاض ما أن عادت بوجهها

للأمام فها هو الكبير عاد للتحكم في الطفلة ، تجاهلته وتابعت

شرب قهوتها فوصلها صوته الحازم مجددا

" ماريا لا تعاندي "

نظرت لما تبقى في كوبها متمتمه ببرود

" لا وقت لدي سأتأخر عن المحاضرة "

تحرك حينها من مكانه وما أن وصل عندها التفتت ناحيته فأخذ

الكوب من يدها بالقوة وقال

" تناولي شيئا في الوقت الذي ستشربين فيه هذا "

أمسكت خصرها بيدها الحرة قائلة بضيق

" هل تمن بقهوتك سيد تيم ؟ "

وتابعت تشير بإصبعها للأرض خلفه

" ثم ابتعد هناك انت تدخل مجالي وتخالف القوانين "

نظر حيث أشارت خلفه ووضع الكوب من يده ما أن عاد بنظره

للأمام وقال ببرود سائرا جهة الثلاجة

" أنا أقترب متى أردت أما أنت لا ... وأنت السبب طبعا فلا

أسمع أي تعليق آخر مفهوم "

أمسكت خصرها بيدها مجددا تنظر له بضيق فأخرج تفاحة

ورماها جهتها قائلا

" هذه أفضل من لا شيء "

التقطتها قبل أن تصطدم بوجهها وتابع هو مغادرا جهة الباب

" تعالي سأوصلك لن أتركك تمارسي سرعتك هذه على قيادة

السيارة "

تحركت من مكانها أيضا وقالت بحنق سائرة خلفه جهة

باب الشقة

" لما لا تقلها مباشرة بأني لا أعرف كيف أقود السيارة ؟ "

نزل عتبات السلالم بخطوات مسرعة متمتما ببرود

" هذا رأيي في جميع النساء فأنتن سبب نصف حوادث السير "

مطت شفتيها بضيق ولن تستطيع التعليق بالطبع فما يقوله

صحيح ، نزلت السلالم خلفه مسرعة تجاري خطواته الواسعة

وقالت مبتسمة تراقب قفاه سائرين في الشارع

" وماذا عن المجال المغناطيسي في السيارة "

قال ببرود وهو يتوجه نحو الجاغوار السوداء التي كانت

تتوسط موقف السيارات الواسع


" تجلسي في الكرسي الخلفي طبعا "

شهقت بصدمة ووقف خلفه ما أن وقف عند بابه وقالت بضيق

" لا هذه كبيرة في حقي "

التفت لها وأشار برأسه خلفه وقال

" اجلسي فوق السيارة إذا "

زمت شفتيها تنظر له بحنق بينما تجاهلها هو واستدار مجددا

يفتح باب السيارة ففتحت الباب الخلفي وجلست تنظر له من

خلفه ومدت شفتيها بعبوس حين خان توقعاتها ولم يغير رأيه

فقد توقعت أن يكون يمزح ليس إلا لكنه جلس في كرسيه وأغلق

الباب وانطلق بالسيارة من فوره مسرعا فزمت شفتيها تنظر

لقفاه بحنق وما أن رفعت نظرها للمرآة الأمامية للسيارات وجدته

ينظر لها وقد أبعد نظره للطريق فورا يحرك لسانه داخل فمه

لاويا فكه يمسك ابتسامته فغرست أسنانها في شفتها بتوعد تعاند

ضحكتها كي لا تخرج حتى تنفذ ما تخطط له وزحفت فورا على

الكرسي الجلدي حتى كانت خلفه تماما وحضنته من خلف كرسيه

بذراعيها تلفهما حول عنقه وقبلت خده ضاحكة واتكأت بذقنها

على ذراعها وقالت مبتسمة

" تذكر فقط أني لازلت أجلس في الخلف"

قال مبتسما ونظره على الطريق أمامه

" أجل هكذا أفضل لأنك تعلمي في مثل هذا الموقف وأنت

هنا بجانبي ما سيحدث "

ابتسمت وحضنته بقوة أكبر فهذا مابات عليه حالهما غاضبان

ليلا ينسيان كل شيء نهارا .. أو هذا ما عودها عليه فهو

يغضب إن غضبت وغضبه ذاك ليحتوي به غضبها فقط

وبطريقة غريبة تشبهه وحده ثم ما أن تبتعد عنه وتهدأ وتعود

تلك الابتسامة لشفتيها يبادلها بمثيلتها وكأن شيئا لم يكن

بل وكأنها لم تقل شيئا مما قالت ...! كُتب عليهما أن يكونا هكذا

كالليل والنهار كالنور والظلام يجتمعان على الفراق ويفترقان

على الوعد وعلى الأمل بأن لا يتخطى أحدهما خط سير الآخر

وأفقه .


*
*
*

نقلت نظرها من السماء الزرقاء الصافية خارج نافذتها الواسعة

لما بين يديها تنتشل نفسها من سواد أفكارها مجددا ومسحت

بإصبعها الخط الأسود الخفيف بحركة سريعة وتكرارا حتى حولته

لظل باهت على الورقة البيضاء قبل أن تمد منه خطان قصيران

تحددان مسار الجفن الواسع وعادت للمقلة المستديرة مجددا تعتم

ظلالها الخفيفة فهي ليلا هكذا .. أجل ، مدت خطا آخر بقلمها من

بداية الحاجب المستقيم نزولا ثم أحنته بنصف استدارة خفيفة

نصف مقوسة نحو الداخل وجمعتها في ميلان خفيف نتج عنها

جانب من ذاك الأنف المستقيم .

توقفت فجأة ونظرت نحو باب غرفتها قبل أن تقفز من على

الطاولة حيث تجلس قرب نافذة غرفتها وخبأت الدفتر في

درجها سريعا وأغلقته قبل أن تصل تلك الخطوات التي تسمعها

تقترب من الباب الذي لم تفارقه حدقتاها الزرقاء فها هو يبدو

أنه عليها أن تواجه مجددا وكم بات هذا مزعجا ومقيتا ، نظرت

بتوجس لمقبض الباب وهو يدور ببطء رافقه طرقتين متتاليتين

فغضنت جبينها مقربة حاجبيها الرقيقان باستغراب فهذه ليست

طباع ذاك النزق ! ولم يتأخر الجواب عنها كثيرا والباب يفتح

ببطء كاشفا عن الواقف أمامه يملأ فراغه ينظر لها بصمت

وهدوء يلبس قميص وبنطلون وربطة عنق من دون سترة

ولم يكن سوى من لم تراه منذ أن أوصلها هنا سابقا وغادر

بلا رجعة ، كانت هي من كسر ذاك الصمت بعد لحظات قصيرة

هامسة ببرود

" ماذا تريد ؟ "

تنقلت نظراته بين عينيها المحدقتان فيه ببرود وقال بهدوء

" علينا أن نتحدث يا زيزفون "

ارتسمت ابتسامة ساخرة خفيفة على طرف شفتيها وقالت تشد

قبضتها على القلم فيها بقوة

" تأخرت كثيرا يا حفيد ضرار السلطان ، أنا لن أستمع لك

وليس ثمة ما أقوله واعتبر ما حدث سابقا لم يكن "

تقدم خطوة نحو الداخل قائلاً بذات هدوئه

" أعلم بأنك غاضبة مني وبأني أخطأت لكني كنت مجبر

يا زيزفون ومن أجلك صدقيني "

ابتسمت بسخرية أكثر عمقا وأشد وجعا للذي تراقبها عينيه

وهي تهمس

" شكرا لك ورافقتك السلامة "

شد قبضتيه بجانب جسده بقوة وقال بجمود

" زيزفون أن تكوني تابعة لنجيب لن يكون في صالحك أبدا

فهو على استعداد لأن يدمرك ولن يرف له جفن "

تنقلت نظراتها بين عينيه بصمت غريب قرأ فيه الكثير مما

خانته فيه حين همست ببرود

" شكرا على النصيحة "

سحب نفسا عميقا لصدره العريض وقال يحرره ببطء

" زيزفون أنا لا أمزح ولا أنظر لنجيب كما ينظر هو لي

لكنك تعنيني أكثر منه "

لمعت مقلتيها الزرقاء ببريق باهت وارتفع صوتها بضيق

" اصمت .. ألا تخجل من قول هذا وأنت متزوج ؟ "

زم شفتيه بقوة يمنعها عن قول المزيد قبل أن يهمس

بأحرف مشدودة

" أنتي ابنة عمي يا زيزفون "

قالت بنبرة أشد

" وتلك المرأة زوجتك وذاك الرجل شقيقك يا رجل القانون "

نظر لها بصمت لبرهة قبل أن يقول بهدوء فإيصالها للغضب

ليس غايته أبدا

" هو يريد أذيتي بك ولن يعنيه إن تأذيتي أنت ....

أنت لا علاقة لك بما بيننا يا زيزفون "

" أهذا ما جئت لتقوله ؟ "

قتلته بها وكأن ما قيل لم يذبحه أساسا فهمس من فوره

" أجل "

أشارت بسبابتها خلف كتفه وقالت بحدة

" غادر إذا ... اخرج من حياتي يا وقاص ... ومن غرفتي "

شد قبضتيه أكثر حتى لم يعد يمكنه تحمل الألم فيهما بينما

قال بجمود

" حسنا سأفعل ما تريدين لكن تأكدي بأني لم ولن أتخلى

عنك ولن أرضى بأن تكوني ضحية لحقد أيا كان ، كنت

ولازلت عند كلمتي السابقة يا زيزفون قسما "

وما أن أنهى عبارته تلك غادر مغلقا الباب خلفه بهدوء تراقب

نظراتها مكانه الخالي منه أصابعها تشتد على القلم فيها بقوة

تكاد تكسره لنصفين وأنفاسها ترتفع تدريجيا وكأنها تحارب كي

لا تفقدها ، التفتت لدرج الطاولة وفتحته وأخرجت الدفتر الذي

خبأته فيه ورفعت يدها الأخرى والقلم فيها وخطت به عليها بقوة

وعشوائية هامسة من بين أسنانها

" جميعكم متشابهون وتخليتم عني ... جميعاً "

ومزقتها بحركة غاضبة وشدتها بين أناملها ورمتها

بغضب من النافذة المفتوحة لم تهتم لمصيرها ولا

للنسائم التي حملتها ببطء تتقلب على الأرض العشبية

الندية حتى اصطدمت بالحذاء الرجالي الأسود اللامع

وصاحبه يقف قرب تلك النافذة والذي انحنى ناحيتها

ونظره على النافذة المفتوحة ورفعها ببطء وما أن

استوى واقفا نقل نظره للورقة التي فتحها وارتسمت

ابتسامة ساخرة على شفتيه ينظر للملامح الناقصة فيها

والتي تعرف على صاحبها سريعا ، جعدها بين أصابعه بقوة

وهو يرفع بيده الأخرى هاتفه لأذنه وهمس لمن أجاب

عليه فورا

" نفذ ما طلبت منك حسب الاتفاق "


*
*
*

قفزت مفزوعة بسبب الهسهسة الخفيفة التي سمعتها

من خلف أذنها ونظرت بجزع للواقف أمامها تمسك كتابها

بقوة وكأنه ما سينقدها من ذاك المجهول تنظر للذي ابتسم

لها وأشار بيده لكتابها لتعطيه إياه وقال مبتسما

" هاته لا يبدوا أنه ثمة من لديه وقت ليراجع لك الدرس "

نظرت للكتاب في يديها ثم له وقالت

" لكن بثينة قالت ستأتي بعد قليل "

أخذ الكتاب منها وقال

" بثينة لن تتخلص من تلك المشاكسة سريعا بما أن والدتي

والخادمات مشغولات فاتركي المهمة لي "

ودون أن ينتظر رأيها ولا أي تعليق منها سار بها ذراعه

على كتفيها وأجلسها على الأريكة وجلس بجانبها وبدأ

يورق الكتاب قائلا

" حسنا أين وصلت دروسك وما ستأخذين اليوم ؟ "

نظرت للكتاب بين يديه وقالت تورقه معه

" هنا في الجزء السادس "

أمسكه بكلتا يديه ورفعه له ينظر لأسطره قائلا

" جيد تتقدمين سريعا يا فراشتي "

ونظر لها متابعا بابتسامة مشاكسة

" هل أسأل وتجيبي أم العكس ؟ "

لم تستطع إمساك الضحكة الرقيقة التي خرجت منها

وقالت مبتسمة

" ستسألني طبعا "

راقب ملامحها الجميلة المبتسمة بحمق جعله يضحك

على نفسه وبصوت مرتفع ثم نظر للكتاب بين يديه وقال

" بالطبع يا فاتنة هيا سأسألك سؤالا سهلا كبداية "

وبحثت نظراته بين الأسطر عن أصعب ما يمكن أن يكون سؤالا

ووجهه لها وما أن أنهى كلامه حتى أجابت فورا فنظر لها بصدمة

سرعان ما تحولت لضحكة وقرص خدها المستدير الزهري وقال

" كم أنت رائعة يا ذكية ، تلك البلهاء في الصف السادس كانت

لا تجيب على ما هو أسهل منه "

نقل نظره للكتاب مجددا وسرعان ما رفعه للتي مرت قربهما

من بعيد لجلوسهما في بهو المنزل والتي ضيقت عينيها تنظر

له وكما توقع سارت دون أن تعلق أو تأمرها بالابتعاد عنه

كالعادة لأنها تعلم بأنه لا أحد غيره حاليا قد يراجع لها الدرس

السابق قبل أن تأتي مدرستها .

ابتسم ونظر لها ما أن غادرت هادمة اللذات كما بات يسميها

ثم سرعان ما نقل نظره للكتاب مجددا وسألها سؤالا آخر حاول

أيضا أن يجعله صعبا فأجابته بسرعة فضحك وأغلق الكتاب وقال

" لا أراك تحتاجين لمراجعة شيء من هذا "

وأدار حدقتيه السوداء في المكان مبتسما وما أن تأكد من خلوه

أدخل يده في جيب بنطلونه الخلفي وأخرج هاتفه وفتح الكتاب

ووضعه فيه وقال

" تعالي نتسلى قليلا كوقت استراحة لك "

ولم يترك لها الفضول مجالا لترفض خاصة أن جوزاء تمنع

عنهما الهواتف فهي لا ترى أن ذلك في صالحهما كما أنه ثمة

سن معينة بالنسبة لها تمتلك فيها الفتاة هاتفا وجهازا محمولا ،

كما أن ما تشاهداه على التلفاز باختيارها ولمجموعة قنوات معينة

والباقي مشفر عنهما .. والسبب الآخر والأهم أنها تعشق هذه

الأجهزة منذ صغرها فكيف بجهاز رائع كهذا ؟.

أصبحت شبه ملتصقة به ما أن مالت ناحيته أكثر تنظر لشاشة

الهاتف المسطحة الواضحة ولحركة أصبعه عليها كما همسه

المنخفض

"اسمعي يا فراشتي لا تكتشفنا والدتي واحرم من هذا ما حييت "

همست بخفوت مماثل نظرها لم يفارق هاتفه

" حسنا "

حرك يده أمام شاشة الهاتف مبتسما وكأنه يأمرها وتنفذ

وذاك ما حدث فعلا وشريط الفيديو يباشر العرض لسيارة تسلك

الطريق بسرعة جنونية وتلك الأحداق الرمادية الواسعة تراقبها

بذهول تبعها انفراج شفتيها الرقيقتان بصدمة ما أن بدأت السيارة

بالدوران حول نفسها منزلقة على الطريق وأغمضت عينيها

تخفيهما بكفها بشهقة ما أن قفزت تلك البوغاتي السوداء عن

الطريق ولم تشعر ولا بأصابع يدها الأخرى التي كانت تقبض

على ساعده بقوة حتى ارتفعت برفعه ليده وشعرت بوخز

أسنانه عليها قبل أن يهمس مبتسما

" اصمتي يا مجنونة أو لن ترحم والدتك أيا منا "

أبعدت يدها بسرعة ونظرت لأصابعها قبل أن تخفي يدها في

حجرها تنظر له بعبوس فضحك ورفع الكتاب أكثر وقال

ونظره على هاتفه فيه

"حسنا يا جبانة تعالي سأريك شيئا آخرلا يمت للحوادث بصلة "

وعاد الفضول لسحبها نحوه مجددا تنظر بترقب لشاشة هاتفه

وكانت صورة هذه المرة لمجموعة من الشبان في جامعة أو

ماشابه استطاعت أن تعرفه من بينهم بسهولة ومن قبل أن

يقول مبتسما

" هذه الصورة تم التقاطها في آخر يوم لي في جامعتي

السابقة وجميع من فيها زملاء لي هناك "

وتابع بمكر ينظر لها بطرف عينيه

" من هو أوسم واحد في المجموعة برأيك ؟ "

نظرت له وابتسمت قبل أن تنطر للهاتف مجددا وأشارت

بسبابتها فورا له في الصورة فضحك وحضن كتفيها بذراعه

المفرودة على ظهر الأريكة خلفها وقال

" لو كان الجواب مخالفا لهذا لكنت فقأت لك عينيك "

نظرت له بصدمة فضحك وأبعد ذراعه وقال وهو يدير الكتاب

والهاتف باتجاهها أكثر

" حسنا لنرى شيئا مختلفا بالفعل هذه المرة "

وقام بتشغيل متصفح انترنت لأنه لا يملك في هاتفه هذا النوع

من الصور وبحركة سريعة متقنة وصل لما يريده وملأت

الشاشة صورة لشاب يحضن فتاة تظهر ملامحه بوضوح أكثر

من ذات الشعر الأسود الناعم المختبئة في حضنه فقال يرمقها

بطرف عينيه مبتسما بمكر

" ما رأيك بهما أليسا رائعين ؟ "

وراقب باستمتاع حدقتاها الفضيتان الجميلتان تتنقلان في

تفاصيل الصورة بفضول ، وما أن تحركت شفتاها هامسة

بابتسامة حزينة

" يا إلهي كم يحب شقيقته ! "

حتى انفجر ضاحكا ولم يستطع السيطرة على نوبة

الضحك الطويلة تلك رغم نظراتها الذاهلة المستغربة

له بل ونظرات التي وقفت من بعيد تنظر لهما عاقدة

حاجبيها باستغراب والتي ما أن لمحها حتى استطاع ورغما

عنه أن يوقف كل ذاك الضحك وقال يرفع الكتاب الذي كان قد

أغلقه كي لا يقع الهاتف منه

" لا هي لا تقرأ هكذا يا ذكية هيا حاولي مجددا "

ورفعه أمامهما نظراته تتبع التي تابعت سيرها مبتعدة ، وما

أن اختفت مجددا سمح لعينيه بأن تنظرا للتي لازالت تحدق فيه

باستغراب والتي قالت فورا وبملامح تعبس تدريجيا

" لماذا تضحك ؟ "

مرر طرف لسانه على شفته السفلى مبتسما ونقل نظره لهاتفه

وفتح صورة أخرى وهذه المرة كانت لشاب وفتاة أيضا لكن

بوضعية مختلفة ومشهد أكثر حميمية وهو يحضن وجهها

بيديه وجهيهما قريبان حتى تكاد تتلامس شفاههما ينظران

لبعضهما بشغف وهمس مبتسما وحدقتاه السوداء الواسعة

تراقب نظراتها المصدومة

" وهذان شقيقان أيضا ؟ "

نقلت نظراتها الذاهلة له وهمست

" ماذا يفعلان ؟ "

رفع رأسه ضاحكا بصمت قبل أن ينظر لها مجددا وغمز

بعينه وهمس مبتسما

" هاذان زوجان "

فشهقت في وجهه وهبت واقفة على طولها تنظر له بصدمة

وقفز هو واقفا ولم تستطع يده إداركها ليمسكها وهي تركض

هاربة فنظر حوله ولحق بها فورا وصعد السلالم خلفها مغامرا

بحياته كما يرى وهو يسلك ممر جناح والديه حتى وصل الغرفة

المجاورة له وطرق الباب وتحدث بصوت منخفض ملصقا وجهه

به ونظره على بداية الممر

" هيه يمامة ما بك يا فتاة كنت أمزح "

وحين لم يصله منها أي رد طرق الباب بمفصل سبابته مناديا

" يمامة يا حمقاء افتحي الباب لأشرح لك "

ولا جواب أيضا فقرب شفتيه من شق الباب المغلق وقال

" عليك إذاً أن لا تخبري جوزاء شاهين إلا إن كنت تريدين

أن أنام في الشارع الليلة "

وغادر بعدها ونزل السلالم مسرعا عيناه تبحث عن الحارس

الشخصي فإن أمسكت به ستكون نهايته خاصة أن هذا السلالم

لا يأخذ إلا للطابق الثاني وممنوع عنه الصعود منه بالطبع كما

حال غيهم وكأنه محرم عليها مثله .

وصل باب المنزل وخرج منه ينظر للصورة في هاتفه مبتسما

وقفز عتبة السلم الأخيرة ضاحكا وقال وهو يدسه في

جيب بنطلونه

" امرأة نظيفة تماماً ..احفظي الكنز جيدا يا ابنة شاهين الحالك " .


*
*
*




سحب باب الخزانة بقوة مُصدراً ضجيجاً قويا مزعجا يزم

شفتيه بقوة وسند يده بطرفه ونظر للأرض تحته متجاهلا

كل تلك الملابس المعلقة أمامه وكأنه ليس هنا من أجلها !

مرر أصابع يده في شعره يرفعه للأعلى وضرب بكفه الآخر

خشب الخزانة لازال يضغط على شفتيه بقوة ترفض كلماتها

أن تتركه وذاك الشعور الكريه في الموجود وسط أضلعه يتعبه...

يتعبه حد الوجع حد الألم النازف وحد الا حدود ... هو السبب

وليس له أن يلوم أحداً غير نفسه ولا هي نفسها .. من قطعت كل

تلك المسافة فقط لتراه وتبث احتياجها له في وحدتها لكنه

رفضها وقسى عليها وإن لم يقلها لها علانية إلا أنه قتلها

بها وها قد حصد النتائج وضاعف من نسبة كرهها له .

رفع رأسه وأداره جانبا ونظر للواجة الزجاجية المطلة على

الطبيعة الخضراء والسماء الصافية في الخارج وأغمض عينيه

ببطء وكأنه يرفض أن يهب عقله لحظة صفاء فيسجنه في

السواد فقط ... يعاقبه على ماذا لم يعد يعرف تحديداً !

ما يعلمه فقط بأنه لن ينسى ما عاش ذاك الشعور الذي كاد

يقتله حين أخبره من وكله بمراقبة شقيقه بخروجهما معا ...

نجيب يا زيزفون !! من تأذيت منه جسديا ونفسيا تتخذينه

حليفا لك ؟ لو لم يكن يعرف أي النساء تكون لأجزم بأنها

تتعمد فعلها لكنه يعرفها جيدا لن يعنيها أن تنتقم منه بعرض

سخيف مماثل ولن يعنيها التفكير بها أساسا فلما فعلت ذلك ؟

كيف تثق به ! لا يشعر بارتياح أبدا لما يحدث هنا ..!

إبعاده عنها ؟ المصح النفسي ..؟ انكشاف حقيقة ماضيها !

ثم التقارب بينها وبين نجيب !!

لو كان الأمر بيده فقط .. فقط لو كان بيده لخرج بها من هنا

ولأخفاها عن كل شيء قد يؤذيها قبل أن يكون قد يُفقده إياها

لكنه عاجز .. عاجز حتى عن الإقتراب منها وبأي صفة كانت

فالحواجز بينهما كثيرة كبيرة وعالية .

فتح عينيه ونظر للخزانة مجددا وأخرج منها بنطلونا وقميصا

قطنيا وخلال وقت قصير كان خارجاً من جناحه شعره لازال

مبللاً ونزل السلالم من فوره حتى كان في الأسفل وتوجه جهة

الجناح الوحيد الموجود في ذاك الطابق .. طرق الباب وفتحه

ودخل ورغم سكون المكان إلا أنه لم يغادر لتأكده من وجود

صاحبه فيه ، توجه لباب معين طرقه طرقتين وأدار المقبض

وفتحه فوقع نظره فورا على الذي كان واقفا أمام المرآة يربط

ربطة عنق زرقاء حول ياقة قميصه ناصع البياض والذي قال

من فوره ودون أن ينظر ناحيته متمتما ببرود

" أراك عدت ؟ "

قال ببرود مماثل

" وسأغادر "
وراقبت نظراته بجمود الذي فتح درج الطاولة أمامه وقال

ببرود أشد ونظره عليه

" افعل ما يحلوا لك "

زم شفتيه بضيق ينظر له وهو يخرج مشطا صغيرا ويمرره

خلال خصلات شعره الفضي الكثيف رغم تقدمه في السن

وها هو ولأول مرة منذ عرفه لا يهتم لابتعاده عنه ..!

جده الذي تربى على يديه وأحبه منذ كان طفلا !

لكنه لن يهتم أيضا ولن يؤثر بقرارته أي شيء مجددا

ولم يفعل ما فعله ليضغط عليه أو ليستميل عاطفته

بل لأنه رافض بالفعل لما يقرره ويفعله وما يراه هو

ظلما في حق حفيدته .. من لا يفهم حتى الآن لما يتصرف

بلامبالاة حيالها هكذا ! قال ونظره لم يفارقه

" حفيدك يخرجها معه للفنادق والحفلات جدي ، هل يريد

أن يحولها لنسخة عنه ؟ "

رمى المشط من يده على الطاولة متمتما ببرود

" حفيدي ذاك يكون زوجها ، ثم هي سبق وتسكعت حتى

معك أنت ولم يحاسبك أحد "

اشتدت أصابعه على مقبض الباب وقال بأحرف مشدودة

" أنا لن أؤذيها وكنت سأحميها حتى من نفسي لكن نجيب لا "

نظر له وقال بضيق

" وقاص هل أفهم ما الذي تريده تحديدا ؟ "

سحب نفسا عميقا وهمس ونظره على عينيه

" هي "

نظر له باستنكار قبل أن يقول بغضب

" إنها زوجة شقيقك يا وقح "

قال بجمود دون أن يهتم لغضبه وما قال

" طلقها منه "

قال بحدة وقد لوح نحوه بسبابته

" ما هذا العقل الذي تحمله فوق رأسك يا وقاص ؟

هل نسيت بأنك متزوج أيضا وأنك في بريطانيا ؟ "

ورمى بها جانبا متابعا بذات حدته

" أم أن رميك لزوجتك في منزل والدها جعلك تنسى ما يكون

عليه وضعك ؟ "

كتمها في نفسه كسابقاتها وغيرها الكثير وقال ببرود

" لا مشكلة في ذلك وأنت تعلم بهذا جيدا "

قال من فوره وبحدة أكبر

" وإن كان لا مشكلة أتضيف أخرى يا وقاص ؟ "

لوح بيده جانبا قائلا بضيق

" لما كان عليا إطاعتك حين زوجتني من امرأة لا أعرفها

فقط لأنها ابنة صديقك التي اخترتها أنت والآن حين أصبح

الخيار لي بات جوابك الرفض "

قال بضيق مماثل

" هل فكرت إن كانت ستوافق هي عليك أساساً ؟

ثم لن يطلقها أحد من زوجها وهو رافض أنت تعلم

ما تكون القوانين هنا جيدا "

تنفس بعمق قبل أن يقول بجمود

" ستكون زوجته بإسمها المزور قانونيا بالتأكيد "

رفع سترته الكحلية الفاخرة بحركة عنيفة قائلا بحدة

" لا يا وقاص ... جوابي هو الرفض وأعتقد بأنه لا ينقص

علاقتك بشقيقك فتوراً أكبر "

قال من فوره وبضيق

" ها أنت قلتها بنفسك هي علاقة منتهية من أساسها "

تجاهله ونظر للمرأة مجددا يلبس سترته ويغلق أزرارها تراقبه

نظراته الآسية بمرارة وقال نهاية الأمر وبرجاء لم يعرفه هو في

صوته من قبل وفي محاولة جديدة لبث الحياة وإن جزئيا في

نفسه الميتة

" ترك زيزفون زوجة له سيؤذيها هي قبل الجميع جدي

أرجوك ، لا تزوجها لأحد فقط طلقها منه وأبعدها عنه أرجوك "

نظر له بصمت نظرة جامدة ولم يعلق فتابع قتل نفسه ليحييها

هي وإن بعيدا عنه

" سأفعل كل ما تريد وسأرجع جمانة بل وأترجاها لتعود

هنا إن كنت ستطلقها منه "

انحنى لحقيبته وحملها وما أن استوى واقفا قال بحزم

ناظرا لعينيه

" سبق وسمعت جوابي وتعرفني كلمتي واحدة لا تتغير ،

وجمانة زوجتك وهنا منزلها رغما عنك "

وغادر تاركا الباب مفتوحا خلفه ومارس غضبه على باب

الجناح ضاربا إياه بقوة خلفه وغادر من هناك بل ومن القصر

بأكمله ، وما أن وصل الباب أوقفه الصوت الأنثوي المنادي

من خلفه فوقف والتفت للتي اقتربت منه ولامست يدها ساعده

العاري وقالت ناظرة لعينيه بحنان

" وقاص أين أنت تنام خارج المنزل ولا تجيب على اتصالاتي ؟

أقلقتني عليك بني "

أمسك يدها من ساعده ورفعها لشفتيه قبلها وقال بجمود

" أنا بخير خالتي وقد لا أكون هنا الفترة القادمة فلا تقلقي

عليا مجددا "

وما أن أنهى عبارته تلك ترك يدها وغادر من فوره نظراتها

الحزينة تتبعه وخطواته الواسعة تعبر الحديقة لأنه ترك سيارته

خارج أسوار القصر بأكملها ، وما أن استدار مع مسار الممشى

الحجري وظهرت له النافورة الحجرية من بعيد وقف مكانه ينظر

للجالسة على حافتها تمسك دفترها الخاص بالرسم .. بل وقف

ينظر للموجدان هناك كليهما .. للواقف قربها ينظر لما ترسم

وقد مد يده وأشار للورقة في حجرها فابتسمت ورفعت وجهها

له تتلاعب النسائم بخصلات شعرها الأشقر وقد ماتت تلك

الابتسامة ما أن وقع نظرها عليه ... على الواقف هناك بعيدا

صاحب الملابس السوداء والقميص المشدود على عضلات

جسده البارزة ينظر للصورة التي لن يكون نصفا فيها أبدا

لأنه وبكل أسف مرفوض ومن الجميع وأولهم تلك الفراشة

البيضاء التي لا يراها هكذا نقية دافئة غيره .. وكما أمل وتمنى

لليالٍ أن تلون عالمه بنعومة جناحيها لتحترق تلك الأحلام في

قلبه قبل جناحيها وألوانها الجميلة ويتحول كل شيء لسواد قاتم .

ما أن أبعدت نظرها عن عينيه لمياه النافورة تحرك من هناك

وتابع سيره تاركا ما هو ليس له كما قالت هي وقال جدها من

بعدها فلما يبقى ؟ أجل لما يبقى للحسرة والألم ودوره بكل

بساطة ينتهي ولدى الجميع .

وصل لسيارته فتح بابها ووقف ونظر خلفه للبوابة الواسعة

المفتوحة ، يريد أن يصدق ما رآه لكنه لا يستطيع ولم يفهم أهو

غباء من الموجود وسط أضلعه أم أنه لازال واثقا من أن تلك

المرأة الذكية لا يمكنها أن تثق في شخص مثل نجيب ومهما

حدث وكان ! اشتدت أصابعه على إطار الباب البارد وكأنه

يمنع نفسه بذلك من أن يعود أدراجه ويحطم وجه ذاك السكير

المنحرف ويخرجها من هناك مرغمة حيث لن يجدها أحد فما

يمنعه ليس كرهها له أو ما قالت من كل تلك العبارات الجارحة

بل خوفه من أن يضرها وأن يفقدها وللأبد وبسبه هو ،

تنهد بعمق مستغفرا الله بهمس ومرارة وركب سيارته

وغادر من هناك .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 09-05-18, 09:30 PM   المشاركة رقم: 1139
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*

رفعت نظرها من المياه المتناثرة بعشوائية تلمع تحت ضوء

الشمس كقطع ألماس نقية للذي كان يتحدث ولم تكن تسمعه

أو منتبهة لما يقول حتى لامست يده كتفها فحدقت فيه تلك

الأحداق الزرقاء الواسعة بشرود وكأنها لا تعي ما أعاد

أساساً فحرك كفه أمام وجهها قائلا بابتسامة ساخرة

" أين وصلت الأفكار بالفاتنة الجميلة ؟ "

أبعدت نظرها عنه لدفترها في حجرها وأغلقته متمتمة ببرود

" أنا لا أحب أن ينتقد رسوماتي أحد خاصة إن لم يكن يعرف

الرسم فاحتفظ بأرائك لنفسك رجاءً "

ابتسم ببرود وأدخل يديه في جيبي بنطلونه وقال

" لكن إبداء الرأي لا يحتاج لأن أكون رساما "

أمسكت بطرف الدفتر والقلم معا بيد واحدة في حجرها

متمتمه بذات برودها

" شكرا لكني لا أحتاج لذلك "

مد يده لوجهها ومرر ظهر سبابته على وجنتها قائلا

بابتسامة ساخرة

" تعجبني المرأة الواثقة من نفسها هكذا "

أبعدت يده عنها بقوة متمتمه بضيق دون أن ترفع نظرها له

" أعتقد بأن هذا ليس ضمن الاتفاق "

أدخل يده في جيبه مجدداً واتسعت ابتسامته الساخرة قائلا ببرود

" ولما غيري بلا وأنا زوجك لا ؟ "

رفعت نظرها له وقالت بحدة

" لما لا تتوقف عن تكرار كل هذه العبارات السخيفة كالببغاء

فوقاص لم يفعل هذا يوما ، لما لا تخرجه من عقلك المريض ؟ "

توقعت منه كل شيء حينها حتى أن تمتد يده عليها كالسابق

بسبب ما قالت لكن ما لم تتوقعه أبدا هو رد فعله حينها وتلك

الابتسامة الساخرة ترتسم على شفتيه تبعتها كلماته

" ما بها الحسناء غضبت هكذا على غير العادة ؟ كنت تسخرين

من عباراتي السخيفة تلك كما تسمينها وتعلقين عليها ببرود

دائما فما تغير اليوم ؟ رأيت سيارته هنا هل تشاجرتما ؟ "


وقفت ونظرت له وقالت بضيق

" إن كنت ستتحدث عنه كثيرا فسأغادر فورا "

أمسك بكتفيها وأجلسها مجددا قائلا بابتسامة مائلة

" ما بك تثورين بسببه وتنصحين وتنسين نفسك ؟ وأنا من

ظننت بأن من كانت قادرة على قتل والدتها أن تفعل الكثير "

ارتجف قلبها قبل كل شيء فيها وقالت بنبرة جوفاء ميتة محدقة

في عينيه بجمود

" إن كنت تأمل في أن أقتله وأخلصك منه فأنت مخطئ ..

مخطئ كثيرا "

لوح بيده أمام وجهها بطريقة ساخرة قائلا

" لا لا يحتاج الأمر أن تقتليه بأي سلاح فأنت تفعلينها

الآن وبالبطيء أيضا "

وختم عبارته تلك بضحكة طويلة فنظرت له بحقد نظرة قابلها

بتلك الابتسامة الكسولة المستفزة التي يتقنها وحده وأدار يده

لجيب بنطلونه الخلفي وأخرج منه ورقة مطوية وضعها لها

على دفترها منحن جهتها ونظره على عينيها المحدقة في عينيه

بجمود دون أن تنظر لما وضع هناك وهمس مبتسما بسخرية

" سبق وحذرتك من الجرح النازف الذي يسببه الرجال

وها أنا اكرر تحذيري لك فلا تغريك صورته المزيفة تلك

فستسقط قريباً "

واستوى بعدها واقفا وغادر من هناك وقال ملوحاً بيده

" لا تنسي موعدنا غدا يا نصف الخماصية حسنا "

وابتعد تتبعه نظراتها الحانقة حتى اختفى وأسدلت جفنيها

الواسعان تنظر لما وضعه فوق دفترها وغضنت جبينها

وأصابعها تمتد للورقة المطوية التي تظهر عليها خطوط

طفيفة مجعدة ، رفعتها وفتحتها ونظرت لها تشتد أصابعها

على أطرافها بقوة حين اكتشفت بأنها ليست سوى رسمتها

التي مزقتها سابقاً .. وها هو يهددها علانية ويتخذ معها

نفس الأسلوب ، رفعت نظرها لمكان اختفائه وشدت على

أسنانها بقوة هامسة

" يمكنك كسره هو بامرأة ولكني لست من يكون كسرها

برجل أبداً يا عاهة "


*
*
*

شد على أناملها بين أصابعه بقوة تجلس في حضنه رأسها يتكئ

على صدره يرفض ابتعادها عنه رغم انشغاله بمشاهدة التلفاز

أمام سريرهما يرفع يدها لشفتيه ويقبل أناملها الرقيقة كل حين

وها قد انكشف لها ما كانت تسمعه يتحدث عنه في هاتفه نهارا

ولم تهتم له ، فبينما يجلس هو هنا رجاله وجهاز مخابراته

يخوض عملية كبيرة لتطهير البلاد من بعض المندسين والخونة

كما يسمونهم ... أسماء ومؤسسات ورتب عسكرية تجعل الجسد

يقشعر والمستمع ينتبه ويذهل رغما عنه من كم الحقائق التي

تعرض للملأ عن أدلة خيانتهم للوطن بينما لا شيء ولا تعليق

يصدر عن الذي تلتف ذراعه حول خصرها بقوة سوى همسه بين

الحين والآخر

" رائع ... ها هو ما تضحي من أجله يا تيم ... يا بطل

يا ابن كنعان "

عبارة نجحت في إشعال فضولها نهاية الأمر فهمست بجمود

ونظرها على التلفاز

" أهذا أحد من مارست عليهم طقوس زواجك الغريب ؟ "

ابتسم وداعبت شفتيه طرف وجهها وخصلات غرتها الحريرية

لتستقر على صدغها وقبله برقة هامسا بابتسامة

" بل هذا الوحيد الذي رفض الفكرة من أساسها ولم يسمح

لغير تلك الطفلة أن تكون زوجة له "

أدارت وجهها جانبا ناحيته ونظرت له باستغراب فابتسم وقبل

خدها وقال

" تصوري تزوجها وهي ابنة الخامسة بينما كان هو فتى بالكاد

بلغ الثانية عشرة ..! عنيد متملك مستعد لأن يلقي بنفسه للتهلكة

ولا يرى دمعة من عينيها وإن كان الثمن حياته "

غضنت جبينها هامسة باستغراب

" وأحد رجالك هو ؟ "

أومأ بخفوت هامسا

" بل وأهمهم وأقربهم لي .. إنه ثروة يا غسق "

تصلبت ملامحها وقالت بجمود غزاه بعض الضيق

" عجيب أن لا يكون نسخة عنك كباقي رجالك ! لا ومنزعج

من هذا ! تقولها في وجهي يا مطر ! "

حضنها بقوة وقد نقل نظره للتلفاز المعلق على الجدار أمامهما

قائلا بهدوء

" غاضب ولست منزعج فقط لأنه بهذا سيخسرها أو يجعلها

تخسره قريبا وهو يعلم ذلك جيدا ويعاند "

أنزلت رأسها ونظرها لساعديه الملتفان حول جسدها وهمست

بحزن

" الخسارة ليست بالموت فقط يا مطر "

حرك رأسه نفيا وكأنها تراه ودفن ملامحه في شعرها الناعم

هامسا بحزن مماثل

" ليس ثمة خسارة تضاهي خسارة الموت يا قلب مطر فالأحياء

يجتمعوا ... نفترق نتعذب نشتاق لكن الأمل موجود مادمنا في

الوجود أما الأموات ...؟ "


رفع رأسه وسند ذقنه برأسها متابعا ونظره شرد للبعيد

" لا يجمعنا بهم سوى ألم الذكرى يا غسق وستختارين فراق

المقربين لك على موتهم إن كان لك الخيار صدقيني "

ارتفعت أصابعها لساعده ولامسته أناملها بنعومة وهمست بمرارة

لم تعد ترى شيئا بسبب الدموع التي تكدست في عينيها

" كنت سأختار أن أموت على أن نفترق يا مطر لكنك لم

تترك لي الخيار "

حضنها أكثر وقبل رأسها أطراف أصابعه تلامس وجنتها ودمعتها

المنسابة فوقها وهمس بألم

" ما كنت أنا لأختار أن تموتي يا غسق ... لا لن أستطيع "

عادت بنظراتها المليئة بالدموع لشاشة التلفاز ولم تعلق تغمض

عينيها ببطء تنحسر الدمعة الجديدة بين جفنيها الواسعان

والرموش السوداء الكثيفة تشعر بملمس تلك الشفاه تداعب

بشرة عنقها الناعمة وأنفاسها بدأت تخونها وهذا هو حالها

بل هذا هو مطر شاهين الذي عرفته حياتها يتحكم ببراعة في

كل ما تلتف خيوط لعبته بين أصابعه ويسيّر كل شيء كما

يريد ويخطط له قادر على أخذ ما يريد وإن سلبه من غيره .

انفتحت عيناها مع ابتعاد شفتيه عن طرف خدها ونظره يرتفع

أيضا لما يعرض على شاشة التلفاز حينها والحديث ينتقل عن
حدث مهم آخر خطط ليكون متزامنا مع تلك العملية الموسعة

فتعالت ضربات قلبها وانقبضت أصابعها لا شعوريا على ساعده

الملتف برفق حول كتفيها كما اشتدت أصابعه هو على خصرها

يشده له أكثر وكأنه يتوقع أن تبتعد عنه ذاك الوقت من تصلب

جسدها فجأة في حضنه والحديث ينتقل عن مدن صنوان المتمردة

وعن اتّباعه لخطة جديدة لتطويقها حتى من الحدود المشتركة

بينهم وبين الدولة المجاور لهم غربا بإدخال جنوده لها وإغلاق

منفذهم البري الوحيد وبالتالي محاصرتهم فإما الاستسلام أو

الموت ومهما طال الوقت ضاربا بذلك جميع الآراء والتحذيرات

الدولية من اتباع هذا الأسلوب معهم لكن المماطلة لم تأتي بنتيجة

سوى أن أزمت وضعهم أكثر وبات كل شيء وأي شيء يتسلل

للبلاد وحتى المتطرفين .

كانت النيران تشتعل في قلبها وتؤلمها بقوة فتلك كانت جزء

من مدنها .. من أشخاص عرفتهم ومناطق زارتها وركضت

فيها طفلة بل وبداخلها شبان وعائلات ممن كانت تنتمي لهم

مهما كان الواقع العكس فما سيكون مصيرهم وهم تحت حصار

قد يطول لأشهر وأشهر ؟ كان قلبها يحترق ولا يزيد الصمت

حالها إلا سوءا ولا حل لديها سواه لأنها إن تحدثت تعلم أين

سيصل الأمر بينهما وما سيفهمه من غضبها واحتجاجها فكان

ذاك البركان داخلها ينتظر فقط أن ينفس عن حممه العالقة حتى

نال مراده والمتحدث عبر التلفاز يقول مبتسما بسخرية ابتسامة

هي أقرب للانتصار

" والزعيم مطر شاهين أسطورة العالم وليس هذه البلاد وحدها

بينما يقوم رجاله بكل هذا وينفذون مخططاته هو حاليا في رحلة

استجمام مع زوجته في منزل يملكه عند شواطئ بحر بينبان !

أثمة بطل يشبه هذا الرجل ؟ "

ابتعدت عنه حينها رامية ذراعه عنها وتركها هو طوعا وقد

دارت فوق السرير ناحيته ونظرت له قائلة بضيق

" من أخبرهم بهذا ؟ أنت من خطط لهذا أيضا أليس كذلك ؟ "

نظر لها باستغراب وقال محتجا

" لا لم أخبرهم ولم أستغل هذا يا غسق توقفي عن رميي

بالباطل في كل مرة "


قالت من فورها وبذات ضيقها

" من إذا ؟ "

حرك رأسه بالنفي قائلا بحزم

" لا أعلم ولست أهتم فلا يمكن منع هذا فحتى الحرس قد يسربون

هذا فلا تنسي من نكون ، إنه أمر طبيعي فما يغضبك في هذا ! "

أشارت لنفسها قائلة بضيق أشد

" هذه التي يتحدثون عنها تكون ذاتها التي اعترفت بخيانتك لها

وعلى الملأ والتي إرجاعها زوجة لك لم يكن سوى من أجل

وصية من شراع صنوان ، أليس يكفيني استنقاصا أمام العالم "


أبعد ساعده عن ركبته المنصوبة قائلا بصيق
"غسق هذا لا ينزل من قيمتك بل يرفعها فلما تخلطين الأمور؟ "


قالت بغضب

" أنا لا أخلط الأمور "

قال بغضب مماثل

" بلى تفعلين وهذا ليس سببا لتغضبي وتحتجي أبدا "

" ماذا تقصد ؟ "

قالتها مباشرة وبحدة فقال بنبرة تشبهها

" أقصد ما تفهمينه جيدا "

" دموي "

قالتها صارخة في وجهه باتهام حين علمت أن تهربها من

الموضوع لم يعد مجديا فأشار لنفسه قائلا بضيق

" دموي !! لماذا ؟ لأني أطهر البلاد ممن يأخذونها للضياع

يا غسق ؟ "

ضربت بقبضتها على فخذها العاري الذي انكشف بسبب القميص

القصير أساساً قائلة بوجع

" أنت تؤذيهم .. هم شعبك أيضا يا مطر فتوقف عن هذا "

صرخ فيها بغضب راميا يده جانبا

" أنا لا أريد لهم أكثر مما أرادوه هم لأنفسهم فتوقفي عن

اتهامي فقط من أجل ذاك الشرذمة النجس "

وهذا ما كانت تتوقعه جيدا حدث لكن ذلك لم يجعلها تتراجع

أبدا وهي تقابل صراخه وغضبه بالمثل قائلة

" توقف عن التحدث عنه هكذا "


أشار لوجهها بسبابته صارخا بغضب أشد

" بل توقفي أنت عن الدفاع عنه والنظر له كقديس وأنت أكثر

من يعلم حقيقته .. قسما لن أنسى ما فعله بنا قبل الوطن

يا غسق قسما "

" اصمت يا مطر "

قال من فوره وبإصرار

" لن أصمت وحقي منه سأقتلعه من عينيه "

امتلأت عينيها بالدموع وأغلقت أذنيها بيديها وكسر صوتها

عبرتها رغم نبرة الحدة فيه قائلة

" لما لا تتوقف عن تعذيبي لما ؟ لماذا تريد قتل الكاسر

ووالدي شراع مجددا "

شد قبضتيه بقوة قبل أن يمسك يديها ويبعدهما مجبرة فأمسكت

بإحداها كتفها وانسابت دمعتها وسبقته قائلة بوجع

" هنا يا ابن شاهين .. على كتفه كبرت وتربيت "

وتابعت بعبرة تمد يديها أمامه

" بين يديه بكيت واحتميت .. بينهما كبرت وضحكت ونمت ،

هو جزء من عائلتي .. مني "

وأشارت بيدها لنفسها متابعة بحرقة

" فعل الكثير والكثر من أجلي .. لا يمكنني النظر له مثلك

فهو يعني لي الكثير "

مد يده لشفتيها وأغلق بها فمها رغم أنه لم يقسوا في فعلها

قائلا من بين أسنانه

" توقفي "

رمت يده عنها وقالت بحدة

" لا لن أتوقف وعليك أن تسمع فجبران ليس المذنب الوحيد بل

وأنا معه فأنا من وافقت على الزواج منه ووعدته وأخلفت ،

لقد استغللته لأدخل حدودك فما ستتوقع منه "

أمسك ذراعيها العاريان بقوة وقال بغضب

" اصمتي يا غسق ولا تتحدثي عن أي من عاشقيك السابقين

أمامي مهما كان يقرب لك أو يعنيك ، لا تخرجي الوحوش

التي في داخلي أكثر "

حركت ذراعيها بقوة محررة إياهما منه وقالت بغضب

" لن أسمح لك بأن تؤذيهما يا مطر .. ابتعد عن عائلتي "

أمسك يدها وسحبها نحوه ووضعها على يسار صدره حيث

ضربات قلبه المتصاعدة تباعا وهمس بجمود ناظرا لعينيها

" لا تطعني هذا يا غسق ... إياك والغدر به يا من وحدك فيه "

شد على يدها أكثر وكأنه سيدخلها وسط أضلعه وتابع بجدية

نظره على عينيها المحدقة فيه بصمت حزين دامع

" لا تفعليها به يا غسق .. لن أقول لا تقتلي نفسك بداخله

بل لا تقتليه نهائيا يا قطعة منه .. لن أقول لا تخسريه بل لا

تُخسريني إياه فلن تفقديه إياك فقط بل وبهجة الحياة أيضا

حينها "

امتلأت مقلتاها الواسعة بالدموع تسبح فيها بسكون عجيب

لا تشبهه أي عينان غيرها فأمسك وجهها بيديه ونظر لعمق تلك

العينين الفاتنة السابحة في الدموع هامسا برجاء رجولي عميق "

قولي شيئا يا غسق لا تقتليني بالصمت والنظر لهاتين الحدقتان

والدموع المتحجرة فيها..... تحدثي "

تجمعت تلك المياه المالحة على أطراف رموشها الكثيفة وتحركت

شفتاها تنفرجان ببطء وخرج همسها الخافت المرتجف ترافقه

تلك الدمعة المتدحرجة على وجنتها الثلجية

" أحبك "

فأغمض عينيه متأوها بتنهيده ولع طويلة وشدها له وقبلها

بقوة يطفئ كل ذلك بل ويشعله فوق اشتعاله يتمنى أن لا يترك

شفتيها ولا أن تنتهي قبلتهما الطويلة العميقة تلك أبدا لولا

أن أجبرته على ذلك وهي تنزل رأسها محررة شفتيها ببطء

واتكأت على صدره طوعا كفها يلامس عضلاته البارزة صعودا

هامسة بوجع نزلت معه دموعا مرغمة

" كم كرهت الليل .. كم تعذبت وكم تألمت وحيدة فيه بدونك

حتى كنت أخاف اقترابه في كل يوم أتوقع ما سيحدث لي فيه

حين اصبح سجينة جدران غرفتي ولحاف سريري حيث الظلام

والوحدة والذكريات ... قتلتني يا مطر بحرماني منك قتلتني "

التفت ذراعاه حول جسدها ودفن في ذاك الحرير الأسود الكثيف

وجهه ودمعته اليتيمة المتحجرة في مقلتيه يستمع لتمتماتها

الهامسة بوجع تقبض أصابعها بقوة على قماش قميصه القطني

" أريد أن أرتاح وأن أنسى .. فقط أنسى كل ذلك .. افعلها من

أجلي مطر أرجوك "

دفنها في حضنه أكثر وسقت الدمعة الوحيدة الحارقة شعرها

الأسود الكثيف تروي ما يعجز عنه اللسان .. ليته كان يستطيع

لفعلها لنفسه قبلها وأنساها كل ما قاساه بعدها يستيقظ ليلا على

تنهيدته العميقة ويده على صدره يفتقدها حتى وسط نومه الذي

كانت تطارده فيه وتوقظه منه .. جسده يطلبها لا شعوريا وروحه

تفتقدها رغم انفصالها عنه نائما .. ليته يستطيع فعلا أن ينسيها

كل ما يقف الآن حاجزا عاليا سميكا بينهما لكنه يفشل وفي كل

مرة في أن يفعلها ويعيد إحياء التي دفنت ملامحها حينها في

ذاك الصدر العريض حيث سقط آخر حصونها نهاية الأمر تهمس

لتلك الأضلع برجاء حزين باكي

" أريد أن أنام هنا .. فقط أنام ولا أرى ككل مرة في حلمي

أنك تتركني مجددا "

انغرست أصابعه في شعرها يدفن تلك الملامح التي يعشق في

حضنه أكثر واتكأ بها على ظهر السرير خلفه يده تمسح على

شعرها وهمس بحزن

" نامي يا غسق .. نامي حيث ما خلق لك ولتنامي فيه

ولن تحرمي منه مجددا قسماً "


*
*
*



خرجت من باب قاعة المحاضرات نظرها على الأوراق التي

كانت تضعها في حقيبتها ثم أخرجت الهاتف منها وأدارت

حزامها حول كتفها وسارت في الرواق الطويل تفتح هاتفها

وابتسمت ما أن وجدت رسالة منه .. ابتسامة تلاشت ببطء

ما أن قرأت أسطرها

( اضطررت للسفر خارج بريطانيا ليومين فقط وسأكون هنا ،

تركت لك سيارتك في مواقف الجامعة وصديق لي سيسكن في

الشقة المقابلة حتى أعود فلا تخرجي إلا لجامعتك ولا تفتحي

الباب لأحد .

ستكونين بخير ماريه حتى أعود فقط كوني متيقظة
واعتني بنفسك جيدا )

قرأت أحرفها للمرة الثانية قبل أن تعيد الهاتف لحقيبتها

متمتمه بضيق

" وكان أخذني معه "

وابتسمت على أفكارها وهي تغادر مدخل مبنى الجامعة

فلن تتخيل كيف سيكون شكله إن قالتها له ، ضحكت

بصمت وسارت جهة سيارتها التي كما توقعت كان يوقفها

في المقدمة وما أن أمسكت بمقبض الباب أوقفها الصوت

الرجولي الباسم من خلفها

" يقولون أن مشاهدة امرأة جميلة تبتسم في الصباح يجعل

يومك سعيدا بأكمله ؟ "

التفتت من فورها مجفلة وابتسمت ما أن وقع نظرها على

الواقف أمامها وقالت بضحكة صغيرة

" لكننا منتصف النهار الآن "

ضحك صاحب الملابس الأنيقة والابتسامة المشاكسة وحرك

كتفيه قائلا

" حسنا لابأس فلليوم بقية ، ولا تخبري ذاك الكنعاني بكل

هذا أو قطع لساني من مكانه "

ابتسمت بضحكة صغيرة ومدت يدها له قائلة

" نقول مرحبا إذا يا رواح "

صافحها وقال مبتسما

" مرحبا إذا يا ماريه ، كيف تسير أمور دراستك ولن أقول
أمورك مع ذاك التمثال الفرعوني "

ابتسمت وسحبت يدها وقالت تعدل بها حزام حقيبتها

" أموري جميعها جيدة ، ما تسير عليه أمورك أنت ؟ "

أشار لها بإبهامه بمعنى جيدة وقال

" ثمة ما جئت لأتحدث معك فيه "

نظرت له باستغراب قائلة

" هنا !! "

أومأ برأسه قائلا

" أجل هنا فحسب معلوماتي أن زوجك مسافر ولا مجال

لأزور منزلكما كي لا يقطع ساقاي "

ابتسمت وقالت

" حسنا بما يمكنني مساعدتك ؟ إن كان الأمر يخص

ساندرين فلا اتصالات بيننا حالياً "

قال من فوره

" لا هو لا يخصها فتلك المتحولة أصبحت في القفص الآن

والمفتاح لدي ، الموضوع يخص تيم "

نظرت له باستغراب فتابع من قبل أن تعلق

" أردت أن تحضرا حفل الخطوبة لكن جوابه وكالعادة كان

الصمت ولن يأتي نهاية الامر ككل مرة لكن ثمة أمل في أن

يتغير قراره بما أنك موجودة معه "

نظرت له بحيرة لبرهة قبل أن تتنهد قائلة

" لا أعلم حقاً ما يمكنني فعله حيال الأمر "

قال مباشرة

" أن تقنعيه بالطبع أو تطلبي ذلك منه وسيوافق وإن من أجلك "

رفعت كتفيها متمتمه

" أخشى أني قد لا أستطيع فعلها "

قال من فوره

" بلى تستطيعين ماريه فهو سبق وفعلها من أجلك تلك المرة "

حركت رأسها بالنفي هامسة

" ومن قال أنه من أجلي ؟ "

رفع كتفيه بما يدل عن التساؤل وقال

" من أجل من إذا ؟ هو لم يحضر أيا من الحفلات التي كنا

نقيمها وتصر والدتي على دعوته لها في كل مرة وإن كان لن

يأتي بينما فعلها تلك الليلة التي زرتِ أنت فيها منزلنا للمرة

الأولى فمن أجل من يكون ذلك ؟ "

تنهدت بعمق متمتمه

" الظروف وقتها كانت مختلفة فلما سيوافق الآن ؟ "

تنهد أيضا لكن بضيق قائلا

" لما تُعقدين الأمر هكذا ماريه ! أم أنك من لا يريد الحضور ؟ "

قالت من فورها موضحة

" لا بالطبع حتى أن عمي قيس أخبرني عن الحفل في آخر

اتصال بيننا لكن .. "

تمتمت متابعة بتردد

" لكني أخشى أن يغضبه الحديث عن الأمر وأنت تعرفه جيدا "

لوح بيده بجانب وجهه قائلا

" هيا ماريه قولي سأحاول على الأقل "

تنهدت بعجز قائلة

" لن أعدك بالكثر فأنت تعرفه قبلي كلمة لا لا معان أخرى

لها لديه "

ابتسم قائلا

" لا أحد يعرفه قبلك ماريه ولا مثلك ... ومن استطاعت أن

تطفئ ثورة غضب سببها والدته قادرة على فعل أكثر من ذلك "

قالت من فورها وبعبوس

" أنت إما أنك لا تعرف تيم حقا أو أنك تتأمل كثيرا بي !

لا أفهم لما تتمسك بحضورنا للحفل فهو سيقام بحضورنا

أو بدونه

قال باستياء

" بل قليلة هي الظروف التي يمكننا استغلالها لنقربه

من عائلته وأنت أمل والدتي فأريحي لي دماغي من إلحاحها

المستمر وقولي بأنك ستجعلينه يحضر الحفل "

تنهدت بصمت لبرهة قبل أن تقول

" وهل ترى هذا سيجدي ؟ سبق وأخبرت والده بأن لا يبني

أملا على أن أساعده في هذا .. ليس لأني لا أستطيع ولا لأنه

سيغضب مني مثلهم أيضاً بل لأني لست مقتنعة بذلك أساسا "

حرك رأسه بحيرة قائلا

" إن أنت قلت هذا فعلى من سنعتمد في تغيير أفكاره

السوداء تلك ؟ "

عبست ملامحها الرقيقة وقالت بضيق

" أنت تقول هذا لأنك لم تعرف ماضي تيم وتعش فيه أما

أنا فبلى ولست أقول بأني لا أستطيع إلا لأني كذلك فإن كنتَ

مكانه لفعلت مثله وأكثر فهل لك أن تضع نفسك في مكانه ؟

لقد ماتت والدته أمام عينيه بسبب الإهمال وهم يعيشون هنا

لا ينقصهم مال ولا طعام بينما ينامان هما جائعين هناك

ويعمل فقط ليوفر لها الدواء فبأي عبارات يمكنني تغيير

أفكاره تلك أو محو كل ما قاساه من ذاكرته ؟ "

تنهد بيأس ولا يمكنه المجادلة فيما هو حقيقة وقال

" حسنا لن نأمل في الكثير فحاولي إقناعه بحضور الحفل

على الأقل أم لا تريدين المباركة لصديقتك المجنونة ؟ "

ابتسمت بحزن وتذكرت ما قاله والدها عن أنها تسأله

عنها دائما وتتجنب محادثتها أو رؤيتها فقط بسبب تيم

ولن تستطيع لومها في كل هذا فهو يبدو لا يتقبلها أبداً

ولن يفعل ، قالت بهدوء

" بلى أريد ذلك كما أني أتمنى رؤية زيزفون مجدداً ...

كيف هي الآن ؟ "

ابتسم وقال بضحكة خفيفة

" تلك الفتاة تعرف جيدا كيف تجعل من حياتها كما تريد هي

وكيف تكون بخير دائماً ، المهم الآن سيكون بإمكانك رؤيتها إن

وافق زوجك على أن تحضرا فحاولي على الأقل "

تنهدت باستسلام هامسة

" حسنا سأفعل "

ابتسم وتراجع خطوة للوراء ولوح لها بيده قبل أن يقول

مغادرا من هناك

" رائع ... شكرا لك ماريه وسنقول أراك قريبا ... وداعا "

وسار من فوره باتجاه سيارته التي ركبها وغادر المكان وقد أشار

لها بكفه ملوحا ما أن استدار بالسيارة بينما راقبته تلك الأحداق

الذهبية حتى اختفى وركبت حينها سيارتها وغادرت أيضا تقود

بشرود في الطريق الواسع المحفوف بالأشجار والرابط بين لندن

وكامبردج حيث جامعتها ، تريده حقا أن ينسى كل ما حمله

ماضيه من سواد وأن يعيش الحاضر كغيره وسط عائلة تحبه

وتهتم لأمره لكنها أيضاً كلما تذكرت ما قاساه وما مر به وتذكرت

والدته ومرضها ومعاناتها وموتها لا تستطيع إلا أن تعذره بل

وأن تفكر مثله فعن أي تغيير لأفكاره تلك يتحدثون !

تيم وماضيه تراهما كالروح والجسد تماما لا يفترقان

إلا بالموت .. وإن كان يستطيع أحدهم أن ينسى والدته الميتة

يوما فسيفعل تيم ذلك وينسى وإن الطريقة التي ماتت بها

والسبب في ذلك لا أن ينساها هي .. فلها أن تتوقع بأن ينسى

كل شيء ويفقد ذاكرته إن كان سينسى كل ما حدث .

بعد ما يقارب الساعة والنصف كانت سيارتها متوقفة في

الموقف الخاص قرب المبنى السكني ، فتحت الباب ونزلت

ونظرت للسيارة التي توقفت خلفها والتي لاحظت أنها سلكت
طريق كامبردج خلفها وها هي لحقتها إلى هنا ! سارت باتجاه

المبنى ما أن فتح صاحبها بابه ودخلت مسرعة تشعر بقلبها

سيتوقف وهي تسمع خطواته خلفها وتشعر باقترابه ، وقفت أمام

باب الشقة وأخرجت المفتاح الموجود لديها بسرعة وكادت توقعه

على الأرض ما أن أصبح ذاك الخيال الرجولي الطويل خلفها

مباشرة وتجمدت مكانها حين سمعت خطواته تتجه نحو باب

الشقة المقابل والذي لم تلاحظه مفتوحا في السابق أبدا ويبدو

أنه لا ساكنين فيه ؟ لكنه أخبرها بأن صديقا له سيقيم هنا حتى

يرجع ! نظرت خلفها لا شعوريا وكادت تنفجر ضاحكة بسبب

غبائها حين التفت لها الواقف أمام باب الشقة أيضا واكتشفت

بأنه الشاب الذي ظنت سابقا بأنه انجليزي وحدثها بالعربية

وكان ذاك اليوم برفقة رواح !

حياها بيده مبتسما كأي انجليزيان آخران فردت له التحية

وفتحت باب الشقة ودخلت .. على الأقل ستشعر بالأمان أكثر

الآن ولن يتكرر كابوس المرة الماضية حين وجدت جنود

المنظمة فوق رأسها .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 09-05-18, 09:35 PM   المشاركة رقم: 1140
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


جمعت شعرها القصير الناعم أعلى رأسها وأمسكته

بمشبك مطاطي لم تكترث للخصلات التي لم يمسكها وقد

انسابت بنعومة على قفا عنقها ونحرها كما تبعتها الغرة

المتدرجة جانبا ، أهدت لنفسها قبلة في المرآة أمامها

والتفتت للخلف لتعبس ملامحها المسترخية وتلاشت تلك

الابتسامة الجذابة ما أن وقع نظرها على كتبها ومذكراتها

التي كادت تنساها بعد حمام منعش وطويل وبعد أن جففت

شعرها في ضعف الوقت المعتاد تهرب من ماذا ليست تعلم ؟

لا أجل من الدراسة ... حركت رأسها نفيا بقوة ... لا كاذبة

بل من التفكير في ذاك الرجل .

رمقت الهاتف الموضوع على طاولة السرير بعبوس فهو لم

يتحرك البتة اليوم وكانه ميت ! حتى أنها اهتمت بمراقبة

بطاريته وبأنه ليس على الوضع الصامت بل وأدخلته معها

للحمام كي لا يرن ولا تراه وهذا حاله جماد ميت لم يتحرك

ولا بالخطأ ، أمسكت وسطها بيديها تنظر له بضيق وكأنه له

عينين ويراها ! ألم يأخذ رقم هاتفها من غدير فلما لم يتصل

إذا وها هو الوقت تجاوز منتصف الليل ؟ تأففت بحنق وتوجهت

جهة ما ليس لها منه مفر وهي دراستها التي لم تفهم أو

تستوعب منها حرفا اليوم تحاول ودون جدوى وكله بسبب

ذاك الجنوبي الذي عرف كيف يلعب بعقلها .. حتى أن والدها

رفض أن يخبرها عن اسمه حين سألته وحجته كانت أنها لم

تهتم بداية الأمر وبأنه لن يفعلها حتى يفعلها ذاك الجنوبي بنفسه

! كما لم تستطع سؤال غدير عنه كي لا تظهر بمظهر سخيف

أمامها خاصة أن تلك الخماصية لم تذكر اسمه أمامها قط ولم

تكن تناديه سوى بخطيبك وتركوها هكذا كتلك الحمقاء في كرتون

صاحب الظل الطويل الذي كانت تتابعه وتحبه طفلة فهي مثلها

تماما لا تملك ولا اسمه وليس لها سوى أن تلقبه بجنوبي زهور

كما يسميها هو بزهرة الجنوبي .

جلست على كرسي مكتبها وأمسكت قلمها ونظرت للكتاب تحتها

وسرعان ما اتكأت بذقنها على يدها الممسكة بالقلم ونظرت

للفراغ بشرود مبتسمة ما أن تذكرت المفاجأة التي كاد يقتلها بها

حين وصلت المنزل وقت العصر ووجدت بطاقة دعوى باسمها

لحظور حفل افتتاح برج القمة فملأت المنزل بصراخها تقفز

بفرح فها هو حلم مستحيل آخر يحققه لها وفي ذات اليوم

الذي تحدثت فيه مع غدير عن الحفل ولم تتوقع أن توصل

تلك الجاسوسة الأمر له ! ولن تغضب منها طبعا .

رمت القلم من يدها وقفزت واقفة ما أن رن هاتفها معلنا

وصول رسالة وركضت نحوه من فورها ورفعته وفتحته قلبها

سيخرج من مكانه رغم احتمالية أن لا تكون منه لكن الوقت

متأخر ولم يتصل بها أحد أو يراسلها قبل هذا الوقت ليفعلها

الآن ! اتسعت ابتسامتها وهي تنظر للرقم الغير مسجل لديها

مما أكد لها بأنها ستكون منه ففتحتها بسرعة لا تضاهيها

سوى ضربات قلبها المنفعل بشدة وتحولت ابتسامتها لضحكة

ما أن قرأت أحرفها

( لما مستيقطة حتى الآن يا زهرة الجنوب ؟ نامي فورا.. )

نظرت حولها ورمت الهاتف من يدها وركضت جهة الستائر

النصف مفتوحة تغطي الجدار بأكمله وفتحت النافذة الزجاجية

الواسعة وأخرجت رأسها ونصف جسدها منها تنظر يمين الشارع

الخالي قبل أن تنظر للجهة الأخرى وابتسمت بدهشة ما أن وقع

نظرها على السيارة السوداء الفاخرة الأنيقة المتوقفة بعيدا تحت

أحد أعمدة النور المضاءة وقد قام الجالس فيها بتشغيل أضوائها

الأمامية عدة مرات في إشارة لها فضحكت تمسك نفسها عن

التلويح له والصراخ أو حتى القفز من هنا لحيث لا يعنيها أين ! .
رفعت جسدها تنظر بفضول ما أن تحركت تلك السيارة من هناك

نحوها ومرت من أمام منزلهم مسرعة تتبعها برأسها لآخر
الشارع ، وما أن اختفت هناك ضربت براحة يدها على إطار

النافذة قائلة بحنق

" هيه يا أحمق لم أراك "

وكم لعنت حينها أعمدة النور الممتدة على الرصيف وكرهتها

لأنها السبب في أنها لم ترى منه شيئاً سوى يديه وأصابعه

الطويلة الممسكة لمقود السيارة فأنوارها كانت منعكسة على

زجاجها الأمامي كما أن نوافذها الجانبية كانت مظللة تماما .

وما أن فقدت الأمل في عودته مجددا أغلقت النافذة عابسة

باستياء ونظرت جهة هاتفها المرمي على سريرها وقضمت

ظفرها بتفكير وتردد قبل أن تتوجه ناحية كتبها تجمعها ..

لا لن تتصل به فلما لم يفعلها هو ؟ هو من عليه فعلها أولاً .

وضعت الكتب مكانها المخصص ورتبت مذكراتها وأطفأت نور

الغرفة وتوجهت للسرير رفعت هاتفها من عليه وارتمت فوقه

تنام على ظهرها ورفعت الهاتف أمام وجهها وغرست أسنانها

في طرف شفتها تمسك ابتسامتها وانتصر قلبها الغبي نهاية الأمر

لكنها لم تتصل به بل أرسلت له أيضا رسالة كتبت فيها

( شكرا على بطاقة الدعوى )

وأرسلتها سريعا قبل أن تغير رأيها أو أن يتحول السطر لموشح

طويل من الشكر ، قفزت جالسة ما أن وصلها رده سريعا ففتحتها

فورا وكان فيها

( أمازلت مستيقظة يا كسولة ؟ نامي هيا لا أريد معدلا أقل

مما أتوقع )

ضحكت وحضنت الهاتف واندست تحت لحافها هامسة بضحكة

صغيرة

" عليا أن أنام بالفعل إذاً يا صاحب الأصابع الطويلة مادمت

من سيراقب معدلي الدراسي "


*
*
*

مدت رأسها منحنية الجسد تنظر من باب غرفة الجلوس

المفتوح وابتسمت ما أن وقع نظرها على الجالس مقابلا

للتلفاز هناك وكما توقعت ها قد وجدته هنا ، دخلت مبتسمة

تنظر للذي رمقها ببرود ما أن شعر بوجودها قبل أن يعود

بنظره للتلفاز مجددا فوقفت خلفه تماما وحضنته بقوة

تطوق عنقه بساعديها وقبلت خده قائلة بابتسامة

" ألم ينتهي غضبك مني بعد ؟ لقد تجاوزت توقعاتي ! "

أبعد يديها عنه متمتما ببرود

" لا ... ولن يحدث ذلك أبدا "

دارت حول الأريكة وجلست بجواره ملتفتة له بجسدها تجلس

على قدمها التي تثنيها تحتها وقرصت خده قائلة بابتسامة

" أتعلم بأنك تصبح بشعا حين تعبس هكذا "

رمي يدها عنه ولم يعلق أو ينظر لها فقالت بضيق

" هيا كاسر يكفيك غضبا مني لقد أصبحنا في يوم جديد

وأنت عابس هكذا منذ الأمس "

رمقها بطرف عينيه وعاد بنظره للتلفاز ولم يعلق أيضا

فنفضت يديها في حجرها قائلة بتذمر

" والدي من طلب مني أن لا اخبر أحدا فما ذنبي أنا ؟

ثم أنا أيضا لم أكن أعلم بموضوع الزواج .. لما كل شيء

في هذا المنزل يجب أن يتحول لتعاسة ؟ "

نظرت له بعبوس ويأس حين لم يتحدث أيضا ولم ينظر

ناحيتها وهذا حاله منذ خرج من غرفته صباح الأمس

ووجد تلك الزوبعة انتهت ولم يسمع سوى الحكاية

من جدها ومنذ ذاك الوقت وهو غاضب منها ولم يتحدث

معها بل وقضى أغلب يوم أمس في منزل رعد وتركها

هنا ولم يفكر ولا في أخذها معه ، قالت بحزن في محاولة

أخيرة لجعله يتحدث

" أتعلم ..؟ تيقنت الآن بأنك لا تحبني ولا تعتبرني شقيقتك "

ونجح الأمر حين نظر لها وقال بضيق

" لو كنت أنا شقيقك وأعنيك حقا لكنت أيقظتني لأكون

معكم هناك "

نظرت له باستغراب وكانت ستتحدث فسبقها وقد عاد

بنظره جهة التلفاز ملوحا بيده بضيق وجهاز التحكم فيها

قائلا باستياء

" كنت دائما شاهدا على الانفجارات العاطفية ومعارك

الحب الطاحنة .. أنت السبب في أني لم أحضر ذلك "

نظرت له بصدمة لبرهة قبل أن تنفجر ضاحكة فأبعد

ما كانت تتوقعه أن يكون هذا سبب غضبه ! دفعها

بيده قائلا بضيق

" أجل اضحكي ... ما أبشعك وأنت تضحكي هكذا ، لا

أحسد أبدا ذاك المغفل على بشعة مثلك "

رفعت وسادة الأريكة وضربته بها فأمسكها منها وأخذها

وضربها بها أيضاً فحاولت أخذها منه تحضنها ضاحكة

فرماها بعيدا عنه وتركها لها قائلا

" ومتوحشة أيضا ! اللهم أجرنا من هكذا زوجة "

أخرجت لسانها تمد وجهها له وقالت بدلال متعمد ترمي

شعرها الناعم خلف كتفها

" تطال النجوم ولا تحضى بزوجة رائعة مثلي "

شخر بسخرية ولامس بطرف سبابته أرنبة أنفها المدببة

قائلا بسخرية

" وأنفها بارز وغير متناسق هكذا ...؟ يع كيف سأقبلها "

نطرت له بصدمة ولمست أنفها بأصابعها وكأنها تتأكد من

إن كان كلامه صحيحا بالفعل وقالت بضيق ما أن أبعدت يدها

" كاذب ... ثم ما دخل أنفها في الحكاية ؟ "

أشار بإبهامه خلف كتفه قائلا بمكر

" ستعلمين من ذاك الجنوبي حين سيتذمر من أنفك

البشع هذا ، ولا تنسي أن تخبريني ما سيحدث حينها "

نظرت له بعبوس وقد غزى الإحباط ملامحها الجميلة

فضحك على شكلها يشير لوجهها بإصبعه فبدأت بضربه

بيدها بعشوائية متمتمه بضيق

" لا علاقة لك بنا مفهوم ؟ سأخبر والدتي بما تقول الآن

وسترى عقابها يا وقح "

أمسك ساعدها يمنعها من ضربه أكثر ورمى يدها جانباً

وقال بسخرية

" لا بالله عليك أخفتني ! اسأليها بالمناسبة إن كان كلامي

صحيحا أم لا لتتأكدي "

وقفت تمسك وسطها بيديها وقالت بضيق

" وقح ما تقصد بأن أسألها ؟ "

ابتسم وقال بسخرية

" معك حق للأسف فأنفها ليس مثلك "

عادت للمسه بأصابعها مجددا فعاد للضحك الهستيري

من جديد يضرب الأرض بقدمه تارة وينحني تارة أخرى

فرفعت الوسادة ورمتها عليه تنظر له بضيق .

" تيما "

التفتت برأسها تنظر للواقف عند الباب يديه في جيبي

بنطلونه ينظر لها مبتسما فابتسمت من فورها تهديه

ما هو أجمل من ابتسامته الرجولية الأنيقة كملامحه وعادت

بنظرها للذي كان ينظر له أيضا قبل أن يرفع نظره لها

مجدداً ورفع سبابته لأنفه ولامسه يمسك ضحكته فأخرجت

له لسانها وغادرت جهة الواقف عند الباب ينتظرها والذي

ابتعد خارجه جانبا ما أن اقتربت منه نظرات الذي تركته

خلفها جالسا مكانه تتبعها مبتسما .. ابتسامة بهتت ببطء

وتحولت لابتسامة حزينة خفيفة ينظر لجسدها الذي لا يظهر

منه إلا القليل لوقوفها خارج الباب تقريبا تتحدث مع الواقف

هناك بجانبه تمسك الجدار بيدها وقدمها المرتفعه عن الأرض

على رؤوس أصابعها تحركها بعشوائية لا يسمع سوى

همسهما وضحكاتهما المنخفضة وها هو من سيسرق

شقيقته منه قد جاء وسريعا أيضا كما سرق والدها

والدته من هنا ومؤكد سيكون هذا حالهما أغلب الأحيان .

عادت الابتسامة لوجهه ما أن دخلت التي ركضت نحوه ووقفت

بقرب الأريكة وتبعها الذي لازالت يديه سجينتا جيبي بنطلونه
والذي نقل نظره منها له قائلا بابتسامة

" مرحبا بالكاسر "

بادله الابتسامة قائلا

" مرحبا بالصهر الجديد الوحيد "

وتابع بابتسامة جانبية يرمق الواقفة بجانبه بطرف عينيه

" أريد أن أحذرك فقط مما سيكون عليه مستقبلك معها "

نظرت له بصدمة بينما تابع هو متجاهلا لها رغم أنه

لازال يرمقها بطرف عينيه مبتسما بسخرية

" عليك أن تكون على دراية فقط بأنها لازالت الطفلة التي

لم تلعب أبدا في طفولتها وستجعل منك حصانا لها وأرجوحة

وطائرة بل وسفينة أيضاً .. ولا تستغرب إن تحولت لحصان

خشبي هزاز من أجلها "

ابتسم الواقف هناك ونظر للواقفة بجانبه قائلا

" سنجد حلا يرضي كلينا في ذلك "

ابتسمت له ترفع كتفيها بينما كشر هو في وجهه حين لم

يتأثر بما قال وتابع سيل عيوبها يتوعده بسبابته

" وأيضا مزعجة ليلا فنومها فوضوي وتتقلب كثيرا في

السرير وها أنا حذرتك "

ضحك وقال ناظرا لها

" هذه تحديدا سنجد لها حلا مناسبا "

نظرت له بصدمة فضحك الذي قال من فوره

" حاذر من أنفها إذا "

وما أن نظر له باستغراب قفز واقفا ونظر له وقال بجدية

" وهناك المزيد أيضا ... سأزور شقيقتي كل يوم "

قال مبتسماً

" حسنا لابأس وإن لم تأتي أنت سأحضرها لك هنا "

أشار له بسبابته وقال

" وإن أغضبتها يوما بكلمة واحدة سيكون عليك مواجهتي

ولا تسخر من أنك اكبر مني "

ابتسم ورفع كفيه جانبا قائلا

" يكفيني والدها وجدها لا تكونوا جميعكم ضدي "

ابتسم بسخرية قائلا

" سيكون عليك أن تجلب عائلة والدك من الجنوب إذاً ليكونوا

في صفك فلا أحد هنا سينصفك وإن كانت هي المخطئة "

حضن كتفيها بذراعه وما أن نظرت له اتكئ بجبينه على جبينها

وقال ينظر لعينيها مبتسما

" لن نصل لما يستدعي تدخل الآخرين بالتأكيد "

وأحنى وجهه جانبا مقبلا خدها برقة فابتعدت عنه بعدما

وكزته بمرفقها ونظرت له تغرس أسنانها في طرف شفتها

وجنتاها تلونتا بإحراج فابتسم ولم يعلق وما أن نقلت نظرها

للجالس على الأريكة وجدته ينظر لها مبتسما بمكر قبل أن

يقول غامزا بعينه

" كيف وجدت أنفه ؟ "

نظرت له بضيق بينما قال الواقف قربها مبتسما
" ما قصتكما أنتما مع الأنوف ؟ "

ضحك الذي عاد للجلوس على الأريكة ينظر لهما خلفه وقال

ونظره موجه لها تحديدا

" تعال اجلس لأخبرك "

فنظرت له بصدمة قبل أن تتوجه نحو الذي دفعته جهة

الباب قائلة

" ألم أخبرك أن لا تأتي حتى تسوى الأمور .. غادر الآن هيا "

وما أن وصلا عند الباب خرج لكن ساحبا لها معه حتى ابتعدا

جهة باب غرفتها وأدارها نحوه حتى أوقفها أمامه وقال

" لن أغادر من هنا حتى تقرري فيما تحدثنا عنه "

اشتدت أناملها على أصابعه الممسكة ليدها تبعد بيدها الأخرى

غرتها التي تبعثرت على طرف وجهها وقالت برجاء أنثوي رقيق

" لا تحملني فوق طاقتي قاسم أرجوك "

مرر أصابعه خلال أصابعها يشد على كفها بقوة وقال ناظرا

لعينيها الزرقاء الواسعة

" عليك مساعدتي يا تيما كي لا نخسر هذا الرابط

الضعيف بيننا "

تنهدت بأسى تبعد شعرها خلف أذنها قائلة

" اترك الأمر إذاً حتى يرجعا أولاً ثم سنجد حلا ، ولن يفك هذا

الارتباط غيرك يا قاسم أنت تعلم ذلك جيدا "

ابتسم ورفع يده لوجهها تلامس أصابعه طرفه بنعومة يبعد

خصلات غرتها وانحنى ناحية وجنتها وقبلها برقة هامسا

بابتسامة

" أحبك يا دمية قاسم لوحده فقط "

وغادر من فوره تتبعه نظراتها المحبة حتى اختفى خلف الممر

فدخلت لغرفتها مغلقة بابها خلفا واتكأت عليه بظهرها ولامست

بأصابعها وجنتها ونظرت لهم مبتسمة قبل أن تقربهم لشفتيها

وقبلتهم تغمض عينيها .

وما أن فتحت عينيها وقع نظرها على هاتفها الذي تضعه فوق

حافة السرير تبعده عن نفسها كي لا تضعف وتتصل بهما فهي

تمسك نفسها عن فعلها بالقوة ولم تصدق أن تنقضي ليلة البارحة

ولا تفعلها ! فجواب جدها حين سألته إن تحدث مع والدها كان

أن عقد حاجبيه وقال بضيق

( أهي طفلة أم والدك الطفل الذي لن يعرف كيف يعتني بها ؟

اتركوهما وحدهما وسيرجعها لن يأكلها )

لكنها لا تستطيع أن تكون مثله ولا تهتم ليس لأنها لا تثق في

والدها بل لأنها تخشى من أن تتأزم الأمور بينهما أكثر رغم أنها

ما كانت لتفعل شيئا حيال ذلك إن حدث وعلمت به .

رفعت نظرها عاليا تتكئ برأسها على الباب خلفها

وهمست برجاء حزين

" يا رب اجمعهما ولا تفرقهما أبدا ... افعلها من أجلهما

قبلي يا رب أرجوك "

*
*
*

خرج من حمام الغرفة وأنزل المنشفة التي كان يجفف

بها شعره على كتفيه العاريان حيث لم يكن يلبس سوى

بنطلون بالكاد تجاوز طوله ركبتيه ينظر مبتسما للتي

لازالت تغرق في نوم عميق على ما يبدوا وقد انكمش

جسدها جهة حافة السرير تقريبا تحضن ملاءته شعرها

الأسود الطويل متناثر خلفها وصولا لوسادته وقد انكشف

جزءا كبيرا من ظهرها العاري بالغ النقاء والنعومة والبياض ،

رمى المنشفة من يده وتوجه نحو السرير وجلس عند جهته

منه واقترب منها وتسللت يده بنعومة على خصرها العاري

وصولا لتحت الملاءة يغرس أسنانه في شفته ممسكا

ابتسامته وانحنى نحوها يحضنها برفق حتى شعر بحركتها

الخفيفة وفتحت عينيها ببطء في مواجهة نور الشرفة الزجاجية

الواسعة المغلقة والمطلة على جانب البحر ترى الأمواج

المترامية عند الشاطئ البعيد بوضوح ، غضنت جبينها

وأغمضت عينيها تمنع النور القوي عنهما وحركت كتفها

منزعجة من عبث شفتي وأسنان المستمتع تماما بمضايقتها

يتتبع آثار ممارسة عشقه السابقة على ذاك العنق الناعم

واعتدل في استلقائه خلفها يشدها بذراعه لحضنه يقبل عنقها

نزولا لكتفها العاري ما أن دفنت وجهها في الوسادة تحتها

وقد همست بانزعاج

" مطر أريد أن أنام ابتعد ... ابتعد "

ابتسم ورفع رأسه لرأسها وهمس عند أذنها

" يمكنك العودة للنوم بعد ساعة من الآن لننام معا ...

هيا يا كسولة "

حركت كتفها مجددا ما أن شعرت بنعومة شفتيه وخشونة

لحيته عليه متمتمه بضيق

" كم مرة سأسمع منك هذه العبارة ؟ اخرج للشاطئ

واتركني أنام "

ضحك بخفوت وحضن خصرها بذراعه الأخرى أيضا

ينحني مع انحناء جسدها نحو السرير وهمس مبتسما

" لتعلمي فقط كم كنت مزعجة في الماضي حين تفعلينها ،

بينما اكتشفت أنا كم كان الأمر ممتعا بالنسبة لك "

تأففت بنفس طويل لازالت تدفن وجهها في الوسادة

وخرج صوتها المتضايق المنخفض والمرتخي بسبب النوم

" ألا يقولون بأن الرجل كلما تقدم في السن قلّت متطلباته ؟

ما بك أنت ! "

أبعد وجهه ضاحكا وسحبها بذراعيه وقلبها لتصبح نائمة

على ظهرها وقال ناظرا لعينيها من بين خصلات غرتها

المتناثرة على وجهها بعشوائية

" أولئك لا يعرفون كيف ينظرون لزوجاتهم"

رفعت يدها لوجهها متمتمه ببرود

" جيد تعترف إذا بأن العيب ليس في المرأة "

أبعد يدها التي كانت ستبعد بها شعرها عن وجهها

وانحنى نحوه يبعدها بحركة أنفه وشفتيه بنعومة يقبل

وجنتها وشفتيها كلما مر بهم فاغمضت عينيها ببطء تستشعر

حركته العابثة بأنفاسها قبل كل شيء ولم تفتحهما حتى ابتعد

عنها فنظر لعينيها وقال مبتسما

" أنا أتحدث عن الرجال لأني منهم ما يدريني بالنساء ؟

أعرف امرأة واحدة فقط وتجعلني أثمل كلما قبلتها "

اشتدت أصابعها على ذراعه العاري تنظر لعينيه نظرة

تكاد تتحدث نيابة عنها فلما يناقض كلامه كل ما تعرفه

إن في الماضي أو الآن ! كان الرقم لفندقه والصوت كان لامرأة !

وكان هاتفه وكانت ذات المرأة تحدثه بما لا تعلم بأنها تسمعه !
تعرفه لايكذب لكن.... لكنه اعترف ثم أنكر ما اعترف به

بلسانه فمن تصدق ؟ ..... من ؟

اتكأ بجبينه على حبينها ينظر لعينيها وقال بحيرة

" هل أفهم ما الذي تبحثين عنه في عيناي ؟ لن يقول لساني

ما لن تقولاه يا غسق فاخرجي من صمتك "

ابتسمت بحزن تمتلئ عيناها الواسعة بالدموع وارتفعت

يديها لعنقه وحضنته تقربه لها تنظر للسقف بشرود حزين

وأغمضت عينيها ببطء تشعر بملمس يديه على بشرة

ظهرها العاري يشدها له وانسابت دمعتها من طرف

رموشها المطبقة لصدغها ما أن همس بحزن يحضنها

أكثر يدفن وجهه في عنقها

" قولي أن هذا الحضن لم يعد مؤلما لك ... قوليها

وارحميه يا غسق "

فتحت عينيها ونظرت للأعلى تمتلئ تلك الأحداق بالدموع

مجددا وهمست بألم

" أشعر بالغربة فيه ... أشعر بأني غريبة فيه يا مطر ...

هو شعور فوق إرادتي "

ارتخت ذراعاه عنها فارتخت يديها عن عنقه تباعا ونزل

رأسها على الوسادة تحتها ببطء إلى أن استقر عليها تنظر

لعينيه وقد تحركت شفتاه ببطء هامسا بحزن

" أثمة من يكون غريبا في موطنه يا قلب مطر ؟ "

انسابت دمعتها من طرف عينها وهمست بخفوت ووجع

" بلى "

حرك رأسه بالنفي وارتفع إبهامه لدمعتها يمسحها من طرف

عينها هامسا

" مستحيل "

نظرت لعينيه بحزن من بين دموعها الدافئة ولامست

يدها يده وتكسر صوتها بعبرة مخنوقة هامسة

" بلى حين يُظلم منه وفيه ... أليس ثمة من يُظلم وهو في

حضن وطنه ومنه تحديدا ... "

مرر سبابته على شفتيها مسكتا لها وهمس ناظرا لعينيها الدامعة

" هو كالأم تماما يا غسق فهل تظلم الأم ابنها ؟ مستحيل إلا إن

كان لصالحه "

نزلت دمعة جديدة ولحقتها الأخرى سريعا تسقي شعرها المتناثر

تحت رأسها وتعالت حركة صدرها مع ارتفاع أنفاسها وهمست

بخفوت باكي

" لكنها حدثت معي ... حدثت وإن كانت المرة الأولى "

انحنى لشفتيها وقبلها برقة عدة قبلات قصيرة ومتتالية واستقرت

شفتيه عند ذقنها الصغير الناعم وهمس بمرارة

" يكفيك بكاء وارحميني يا غسق .. لن نتحدث حتى تختاري

أنت الوقت المناسب وتكوني على استعداد لسماعي كما

اتفقنا حسنا "

لامست أصابعها قفا عنقه تتغلغل في خصلات شعره الأسود

الكثيف الرطب ما أن ارتفعت شفتيه لشفتيها مجددا وابتسمت

بحزن ما أن أبعدها متأففا بصمت حين علا صوت رنين هاتفه

الشخصي والخاص بعائلته فقط فابتعد عنها ومد جسده في

الجانب الآخر وسحبه بأصابعه من على طاولة السرير واتكأ

مستندا بمرفقه بينما يده الأخرى تثبت الهاتف على أذنه نظره

على النائمة مكانها تنظر للسقف ترفع بأصابعها غرتها عن

وجهها ومررت ظهر كفها على أنفها الصغير ونظرت ناحيته

مميلة رأسها جانبا ما أن أجاب

" مرحباً "

قالت من في الطرف الآخر ببعض الإحراج

" صباح الخير أبي ... أتمنى أن لا أكون أزعجتك "

ابتسم ناظرا للتي عادت بنظرها للأعلى مجددا وقال

" فعلتها وانتهى فما ورائك ؟ ماذا حدث ؟ "

قالت التي خرجت من موجة إحراجها بعد وقت هامسة

" آسفة أبي أردت فقط أن أطمئن عليكما ... هذا كل ما

في الأمر "

وسكتت لبرهة قبل أن تقول بتردد حزين

" كيف هي والدتي ؟ أهي أفضل الآن ؟ "

قال ونظره لم يفارق ملامح تلك الفاتنة ونصف وجهها

المقابل له

" أجل "

ورغم ان جوابه كان مختصرا إلا أن النائمة قربه نظرت

له وكأنها شعرت بأن الحديث عنها أو هذا ما فهمه بينما

كانت النيران تشتعل في ذاك القلب العاشق من إجاباته

المبهمة المتتاليه وهو يجيب عن أسئلتها عنها بكلمات

مختصرة كي لا تعلم أنها ابنتها وتستاء حتى وجد أنه لا

مفر له وقرر أن يرحمها أخيراً حين قال مبتسما ينظر

لعينيها الدامعة

" هل أحلف لك بأنها بخير لتصدقي ؟ ها هي أمامي على

السرير وكانت في حضني قبل قليل وبخير "

واستطاع بتلك العبارة ليس أن يرحم النائمة قربه فقط بل

وأن يوقف سيل الأسئلة الذي أمطرته بها من كانت في

الطرف الآخر فابتسم ما أن وصله صوتها الهامس بحياء

" آسفة أبي سأتركما الآن ... أحبكما كثيرا "

أبعد الهاتف عن أذنه ما أن أنهت الاتصال واتكأ على

ظهره ليرميه مكانه السابق وما أن عاد للاستناد بمرفقه

نظر للتي عادت بنظرها للسقف وسحبت اللحاف على جسدها

ببطء يدها الأخرى تجمع غرتها بأصابعها عاليا وقال بهدوء

" أعلم بأنك غاضبة منها لكني من طلب ذلك منها وأخدت

منها عهدا بأن لا تخبر أحدا "

كانت تخرج أصابعها من نهاية غرتها وتعود وتمررها خلالها

للخلف ولازالت محدقة في السقف تريح يدها الأخرى على

صدرها ولم تعلق فتنهد بعمق وقال

" غسق تيما تربت في ظروف مختلفة تماما عما تربيت أنت

فيها ولا حتى أنا ، لم أستطع ولا أنا والدها لومها في بعض

ما فرض عليها ومرت به ، تيما عاشت من دونك ومن دوني

أيضا يا غسق .. من دون طفولة ولا عائلة ولا أصدقاء ..

عاشت تنتظرنا .. تنتظر أن تجد من تبحث عنهما في كل شيء

فهل سنلومها الآن إن وجدت كل ذلك في قاسم ؟ "

" ذلك لأنك السبب "

قالتها بجمود لازالت تنظر للأعلى فأغمض عينيه وتنفس

نفسا عميقا ونظر لها مجددا وقال

" أجل أنا السبب فهلاّ انحسر لومك عليا فقط ولا تغضبي منها "

نظرت ناحيته وقالت بسخرية تنطق مرارة

" ألأنك اعتدت هذا أم لأنك لا تهتم ؟ "

تنقل نظره بين عينيها وقال بعتاب رجولي حازم وصوت عميق

" اعتدت ماذا يا غسق ؟ أن أحمل ذنب كل ما تكرهه المرأة التي

أحب ...! ولا أهتم بماذا ؟ بأن أكون في نظرها من يحرق كل ما

هو جميل في عالمها ؟ "

عادت بنظرها للسقف وانسابت دمعة جديدة على صدغها ببطء

مفارقة طرف عينها فرفعت ساعدها وأراحت على عينيها ، وما

أن ارتفع صدرها في شهقات مكتومة متتالية اقترب منها وأبعد

يدها وحضنها يدفن وجهها في صدره العاري يترجاها بهمس

رجولي حزين زاد من بحة صوته عمقاً بأن تتوقف عن تعذيبه

وتعذيب نفسها وأن ترحم كليهما .. يحاول مواساة جراحها التي

يعلم بأنه من يزيدها وجعاً بقرب بات يؤذيه أيضاً من أجلها ،

فتركها نهاية الأمر تفرغ كل ذلك في حضنه حيث طلبت سابقا

أن تنام وترتاح وتنسى .. تركها فيه متمسكة به بقوة تمسح

أصابعه على شعرها بحنان حتى هدأت تدريجياً ولم يبقى من نوبة

البكاء الصامت ذاك سوى الشهقات الصغيرة المتفرقة فأبعدها عنه

برفق وارتمى رأسها على الوسادة خلفها وقد غاص فيها بنعومة

ورفعت كفها لعينيها وغطتهما به تحاول أن تتنفس بهدوء

وانتظام فأبعد يدها برفق وقبل باطن كفها ونظر لعنقها وسلساله

والقلب الماسي المتدلي من جانبه لطرف الوسادة وامتدت

أصابعه له ورفعه ونظر لجهة اسمها فيه ... رفعه لشفتيه تتبعه

نظراتها الدامعة وقبله بعمق مغمضا عينيه وما أن أبعده عن

شفتيه نظر له بين أصابعه ووضعه مكانه عند بداية صدرها

وهمس بهدوء ونظره عليه

" لا تنزعيه وفي قلبك لي ذرة حب صغيرة يا غسق وإن كنت

قاتل عائلتك بأكملهم ... لا تنزعيه إلا ومطر لا مكان له في قلبك

البتة "

ورفع نظره لعينيها الممتلئتان بالدموع وتابع قائلا

بابتسامة حزينة

" حينها سأعلم بأنه عليا أن أبحث عن عالم آخر يقبل بي "

فارقت دمعتها عينها ببطء تنظر لعينيه وابتسمت بحزن أعمق

ورفعت يدها لوجهه ولامست طرفه برقة فأمال وجهه لباطنه

وأمسكه وقبله بعمق مغمضا عينيه فأغمضت عينيها ببطء تشعر

بنعومة شفتيه على بشرة كفها وهمست بخفوت

" قبّلني مطر "

فابتسم يبعد شفتيه عن كفها ببطء ولامست أصابعه طرف

وجهها تداعب خصلات غرتها وانحنى لشفتيها ولامسها

بشفتيه برقة دون أن يقبلها وهمس مبتسما

" هذا فقط ؟ "

تعالت أنفاسها وهمست بخفوت مبتسمة ماتزال مغمضة عينيها

" أجل "

فابتسم وهمس تبعد يده اللحاف عن جسدها

" بل وهذا عليه أن يبتعد "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 07:32 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية