لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-04-18, 10:03 PM   المشاركة رقم: 1056
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*

*

*



شدت قبضيها بقوة وغضب ورفعت شعرها بأصابعها بعنف وقالت

بضيق وهي تخرجهم منه

" أمي لا أريد كم مرة سأقولها ؟ "

قالت الواقفة أمامها بضيق مماثل

" تصرفي بعقل ساندي أو سأخبر والدك وهو سيعرف كيف

يتصرف معك "

ضربت بيدها على فخذها حيث جالسة على سريرها وقالت برفض

غاضب


" لا أريد لا أريد ... لا أريده لما لا تفهمون هذا ؟ أنا لست

موافقة على هذه الخطوبة لن أرتبط بشخص مثله أبدا "


لم تزد كلماتها الواقفة أمامها سوى غضباً وقالت بحدة

" وما الذي يعيبه لترفضينه ؟ كل عربية في بريطانيا ستتمنى لو

فقط تخرج مع أحد أحفاد ضرار السلطان فكيف بمن يخطبها

أحدهم أو يتزوجها ؟ قولي أمرا يستوعبه العقل يا عربية "


أمسكت خصرها بيدها وقالت بضيق

" أجل فأنت وابنك إيطاليان تتشدقين علينا "

" ساندريييين "


صرخت فيها بتهديد فلوحت بقبصتها قائلة بضيق

" أمي لا أريد الارتباط به لما لا تقتنعون بأنه لي رأي في هذا

أيضا ؟ لا أريد ذاك الخنزير زير النساء إنه لا يترك فتاة وشأنها

أنا لا يمكنني العيش معه هكذا "

نظرت لها والدتها باستنكار قبل أن تقول بحدة

" ما تتحدثين عنه نحن لا نراه فوالدك وشقيقك يمدحانه كثيرا "

قالت من فورها وبذات ضيقها

" ذلك لأنكم لا ترون إلا ماله ونفوذ عائلته "

اتسعت عيناها بصدمة وصرخت فيها

" كرري هذا مجددا لأقطع لك لسانك ، أم ترين في والدك ما لم

أراه أنا فيه سنوات حياتي معه ؟ ولا تنسي يا عفيفة بأنك من

أعلن خبر الخطوبة "

رفعت الوسادة بجانبها من على السرير حيث تجلس ووضعتها في

حضنها بقوة وغضب ودفنت وجهها فيها وبكت ... في مشهد

جعل الواقفة أمامها تنظر لها بصدمة فهذه المشاهد هي الأندر في

حياة ابنتها تلك ومنذ صغرها !! فعلمت حينها بأنها تمر بضغط

نفسي كبير وأكبر من ساندرين المثال للفتاة القوية ؟ اقتربت منها

وجلست بجوارها وشدتها لحضنها ومسحت على شعرها قائلة

ببعض الهدوء معاتبة

" إن كنت تكرهينه هكذا لما فعلت ذلك يا ساندرين ؟ لما وضعت

نفسك ووالدك في ذاك الموقف ؟ لا وتريدين وضعه فيما هو أسوأ

منه الآن وأنت ترفضي ابنهم بعد كل ما حدث ! لا تؤذى والدك

الذي يحبك ورباك طفلته الوحيدة المدللة "

خرجت كلماتها المتقطعة من بين عبراتها الباكية

" أردت فقط .. أن أنتقم منه لما يفعله بي ولم أكن أتخيل أن

الأمور ستتعقد بهذا .. النحو ، أمي هو لا يحبني ولا يريدني

زوجة له هو ينتقم مني فقط كما كان طوال حياته ولست المرأة

التي تعجبه ولا التي قد يختارها شريكة "


مسحت على شعرها برفق قائلة

" حسنا أهذا ما يزعجك في الأمر ويبكيك أنه لا يحبك ؟ "

ابتعدت عنها وقالت بضيق

" أمي توقفي عن تفسير الأمور كما يحلو لعقلك "


مسحت بأصابعها الدموع من وجنتيها قائلة

" إن كان الأمر كما تقولين فهو من سيرفض الارتباط الحقيقي بك

فاتركيها تصدر عنه هو لا أنت ، التفتي لدراستك ولعملك الذي

تحبينه وأبعديه عن تفكيرك وسيذهب من نفسه إن كان كما

تقولين عنه "

عدلت الوسادة في حجرها بضيق وسندت جبينها بقبضتها تتكئ

بمرفقها عليها وهمست بعبرة مكتومة

" لن يتركني وشأني أمي ولن يتوقف عن إيذائي "

تنهدت الجالسة بجانبها بعجز ووقفت قائلة

" ما أريده أن تفكري في والدك ساندي فكوني عاقلة ولا

تخسريه بسبب هذا "

وتحركت من فورها مغادرة الغرفة ومغلقة الباب خلفها تاركة

ورائها التي رمت الوسادة من يدها على الفساتين الثلاثة المعلقة

في علاقة حديدية مشتركة تحركها عجلات على الأرض وقد

أوصلها أحد خدم تلك العائلة قبل قليل ، رمتهم بها بغضب فتمايل

الفستان الطويل الذي أصابته متحركا في الهواء ومتأثرا المعلق

بجانبه بحركته تلك وصرخت بأسى

" سحقا له ولساندرين "

وتعلق نظرها بهم تتنفس بقوة وغضب بل وبشيء من الحسرة

فلو أنه كان رجلا آخر مختلف لسعدت كثرا بهذه الفساتين

المنسوجة من الخيال واحتارت أيها ستختار وترتدي .

مسحت عيناها بقوة ما أن انفتح باب الغرفة قليلا بعد طرقتين

متتاليتين وأطل عليها منه رأس التي تساقط شعرها الأسود

الناعم علي كتفها لانحنائها للداخل وقد قالت مبتسمة

" والدتك من أذن لي بالدخول لغرفتك ولم تناديك لي فألقي

باللوم عليها طبعا "


وتحولت نظراتها للصدمة سريعا وهي تدخل قائلة ونظرها علي

عينيها

" ساندي ما بك ؟! "

وسرعان ما تحولت الصدمة لضحكة فابتسامة واسعة وهي تفتح

حقيبتها قائلة بضحكة صغيرة ونظرها عليها

" عليا أن أوثق هذه اللحظة التاريخية التي لن تتكرر أبدا قبل

أربعين عام أو يزيد ، وعلى أحدهم أن يراها "

رفعت الجالسة على السرير الوسادة الأخرى ورمتها ناحيتها

قائلة بضيق

" اخرجي من غرفتي الآن ، لا أعلم ما قلة الذوق هذه تزورين

منازل الناس في الصباح الباكر "


رفعت الوسادة من الأرض ورمتها على السرير وجلست بجانبها

قائلة بابتسامة

" لو كنت صاحبة المنزل لاعتبرتها طرده ولغادرت فورا لكن

الكلمة العليا هنا ليست لك يا معدومة "


نظرت لها بضيق فقالت من قبل أن تتحدث تفتح حقيبتها

وتفتش فيها

" حسنا فقط لا تأكليني بعينيك قبل لسانك "

وتابعت تخرج ورقة مطوية منها ومدتها لها قائلة

" انظري لهذه الأدوية المكتوب أسمائها فيها لما توصف

تحديداً فأنا لن أجد وقتا غير هذا لأنه عليا العودة للمنزل من

المطار مبكرا فاليوم هو يوم والدتي الأسبوعي لقلب المنزل

رأساً على عقب وغسل حتى الحشرات التي ليست موجودة

فيه أصلاً "

سحبت الورقة منها بضيق قائلة

" قلت لك مراراً والدتك تحتاج لعلاج نفسي بدلاً من أن تتركوها

تعذبكم نفسياً هكذا "


قالت مبتسمة

" والدتي تحتاج فقط لأن نتفهمها ونتقبلها هكذا فأمثالها لم يفدهم

العلاج النفسي لوحده "

فتحت الورقة متمتمه بضيق

" تتقبلونها أنتم وماذا عن البقية ؟ اقسم أنها تشعرني بأني

سحابة من الميكروبات كلما دخلت منزلكم وهي سبب كرهي

دخوله لرؤيتك "

ابتسمت الجالسة بجانبها ولم تعلق تراقبها وهي تقرأ أسماء

الأدوية التي نقلتها من وصفة العلاج كي لا ترى إسمه فيها

وماتت ابتسامتها فجأة تنظر لها باستغراب وملامحها تتجهم


ببطء قبل أن تقف وتبعتها بنظراتها وهي تتوجه للمكتبة الصغيرة

الموضوعة في غرفتها وأخرجت من بين الكتب الموجودة فيها

كتابا سميكا ثقيلا وورقت فيه تبحث في بعض الصفحات بإصبعها

وكأنها تبحث عن كلمة بتسلسل أحرفها قبل أن تغلقه وتنظر لها

قائلة بضيق

" لمن تم وصف هذا العلاج ؟ لا تقولي بأنه لشقيقك الذي اعلق

آمال مستقبلي عليه "

نظرت لها باستغراب ورغم صدمتها وخوفها ودون شعور منها

أن يكون المرض خطيرا إلا أن آخر ما قالته صدمها أكثر

وهمست بعدم تصديق

" تعلقين آمالك عليه "

قالت التي أعادت الكتاب مكانه بحركة غاضبة

" بلى لعله يخلصني من ذاك الهازاني الوقح "

تمتمت الجالسة على طرف السرير ببرود ما أن تخطت صدمتها

" وهو هازاني أيضا ، ثم هو يكرهك منذ ذاك الموقف وإسقاطك

له من فوق سياج الحديقة حين كان صغيراً "

أمسكت خصرها بيديها وقالت بضيق

" ولما يحاسبني على ما كان وحدث ونحن أطفالاً ؟ ومعك حق

ماذا أريد به فهو كان طفلا بكاء مدلل يثير الاشمئزاز يركض

لوالدته باكيا إن قلت له ابتعد من الطريق "


حركت تلك كتفيها قائلة

" لا أعلم لما ترسخين في دماغك صورا لطفولة بعيدة ؟ نحن

نكبر ونتغير ساندي "


رمت يدها بلامبالاة متمتمه

" لن تقنعيني بأن ذلك لا يؤثر علينا مستقبلا "


تنهدت بيأس منها وقالت

" المهم أخبريني الآن ما الذي جعلك تستائي فيما قرأته "

لوحت بالورقة في يدها قائلة بسخرية

" من وصف له هذا العلاج تعرض لتسمم بسبب جرعة كحول

زائدة فإحداها يستخدم لتنقية الدم من الكحول "

نظرت لها بصدمة لم تستطع اجتيازها بسهولة وهمست ما

أن وجدت صوتها " جرعة ماذا ! "

رفعت الواقفة هناك كتفيها وقالت

" تسمم كحولي كنانة كم مرة سأعيدها ؟ لم أعرف اسم الدواء

الثالث ويبدوا أنك نقلته بشكل خاطئ أما الإثنين الاولين

فواضحان لا تحتاج لنقاش "

وما أن أنهت حديثها راقبتها وهي تقف بملامح متجهمة وكأن

الموت دخلها وقالت باستغراب

" لمن تم وصف هذه الادوية كنانة هل شقيقك مدمن على

الكحول فعلا ؟ "

نظرت لها بضياع لبرهة قبل أن تحرك رأسها نفيا دون أن تتحدث

فلا مقدرة لها ولا على محاولة فعلها وتحركت جهة باب الغرفة

لم تستطع ولا التعليق على الفساتين التي انتبهت حينها فقط

لوجودها .

*
*
*


جلست مجفلة ومبعدة تلك الذراع عنها ومررت أصابعها في

شعرها الذي لم يتخلص من كل تلك المياه بعد وبشكل جيد تنظر

بأنفاس متصاعدة للذي جلس ووضع سبابته على شفتيه قبل أن

يشير بها خلفها فالتفتت برأسها فورا وشعرت بقلبها انفطر حزناً

ما أن وقع نظرها على النائمة على الأريكة قرب السرير منكمشة

على نفسها بدون غطاء وامتلأت عيناها بالدموع تنظر لها بحزن

قبل أن تنتقل نظراتها تتبع حركة الذي غادر السرير ومر من

أمامها يلبس قميصه وفتح الباب وخرج مغلقا له خلفه فدفنت

رأسها في يديها تتخلل أصابعها ذاك الشعر الكثيف الرطب قبل أن

تبدأ بضربه بهما ضربات قصيرة متتالية ومررت أناملها فيه حتى

نهاية عنقها تنظر للحاف الذي يخفي نصف جسدها بضياع ، تذكر

.. أجل تذكر جيدا كل ما حدث وكيف استسلمت له مجددا .. لكن

لا..! أكانت أوهام ؟ أهي تخيلات فعلا ! رفعت أناملها المرتجفة

لياقة البيجامة الحريرية التي لم تكن تلبسها سابقا وأخفضت

رأسها ونظرها بتوجس وهي تنزل بأصابعها لأزرارها تفتحها

ببطء وحدقت بصدمة للحقيقة التي حاول عقلها الهرب منها وها

هو الدليل القاطع يتركه على جسدها مجددا .

شدت ياقتها بقوة وملات الدموع الحارقة مقلتيها .. فها هو يثبت

لها فشلها مجدداً ويقتلها في داخلها بدلا من أن تقتله هو !

يثبت لها وبكل قسوة بأنها تحييه في داخلها كلما حاولت قتله .


أغلقت فمها بيدها الأخرى وأنزلت رأسها دموعها تتقاطر في

حجرها تتذكر ما ظنته مجرد حلم أو وهم صوره لها عقلها النائم

معه ، لم تتفاعل معه بقوة ما حدث تلك المرة لكنها استسلمت

وأطاعت وانسرقت من نفسها ، لم تمنعه لا هي ولا دموعها ولا

رجاءاتها الهامسة أوقفت كل ذلك .. لقد أسمعته مجدداً عباراتها

الراجية أن يتوقف عن جرحها بكل تلك القسوة أن لا يحطم نفسه

في داخلها أكثر .. أن لا يكون وجراحه عليها وجعلته يهذي

مجددا باسمها يعدها بما يخلف فيه في كل مرة يعتذر عما لا

شيء يمكنه محوه ولا التكفير عنه .

مسحت دموعها بقوة وغادرت السرير بل والغرفة بأكملها بعدما

غطت النائمة على الأريكة باللحاف وسارت نحو بهو المنزل وكما

توقعت كان والدها هناك يجلس على أقرب أريكة لممر جناحه

ودون أن ترفع نظرها بالواقف فوقه يديه في جيبي بنطلونه ينظر

لها سارت نحوه وما أن وصلت عنده قبلت رأسه هامسة

" صباح الخير أبي "

وجلست على الأرض من فورها عند ساقيه واتكأت برأسها على

فخذه فرفع يده له ومسح على شعرها الرطب فأغمضت عينيها
ببطء تشعر بحجم الإحراج الذي هي فيه بسبب الواقف قربهما

فلن يكون والدها بالغباء الذي لن يفهم به ما حدث والمواجهة

الآن ستكون أفضل وعليها أن تشكره لأنه فتح لها بابا جديداً لأخذ

حقها منه ، قالت بهدوء ولازالت تغمض عينيها

" أبي أخبر ابن شقيقك يبتعد عن غرفتي مستقبلا "


فضحك الموجه حديثها له ورفع نظره للواقف فوقه مبتسما لم

تفارقها نظراته والذي دار حول الأريكة حتى كان عندها وانحنى

لرأسها وقبله ومسحت يده على شعرها قبل أن يغادر من هناك

بخطوات واسعة جهة السلالم نظراتها الجامدة الميتة تتبع ذاك

الحذاء الجلدي الصيفي الذي يكشف تفاصيله قدميه والساقان

الطويلتان اللتان يغطيهما القماش الأسود لبنطلونه الرياضي قبل

أن تنتقل تلك الأحداق السوداء للفراغ وانزلقت آخر دمعة من

طرف الرموش التي اطبقت عليهما ببطء لازالت تشعر بتلك الكف

والأصابع التي كانت تمسح على شعرها برفق وحنان ووصلها

صوته هادئا عميقاً

" غسق عليك أن تعلمي أن مطر لم يكن يف..... "

فقطعت كلماته بجلوسها مستندة على ركبتيها مبتعدة عنه وقد

مدت أناملها لشفتيه وهمست برجاء حزين

" تحدثنا معا وتوصلنا لما يرضي كلينا أبي "

ابتسم من فوره بحنان وأمسك يدها وقبل كفها هامسا

" وذاك عين العقل يا غسق يكفينا جميعنا ضغطا على أعصاب

ذاك الرجل فهو له طاقة مهما كان "


أسدلت جفنيها الواسعان مبعدة نظرها عنه مبتسمة بحزن ومرارة

فها هم جميعهم متشابهون يرونه عظيما لا يجب أن يخطئ وإن

اعترف بخطئه ذاك ، لكن قلبها يرفض اتهام هذا الرجل أيضا

فعليها أن تراه كابنتها تماما يبحث عن سعادتها معه فهو والدها

قبل أن يكون عمه وإن لم يراها إلا الآن لكنه يعلم بوجودها وحرم

منها مجبرا .

وقفت وجلست على الأريكة بجانبه ونامت في حضنه فحضنها

بذراعيه فورا وقبل رأسها وقال

" خلقنا لنخطئ فنستغفر ويغفر الله لنا .. هذا وهو خالق كل شيء

فهل سنستثني أنفسنا ؟ خلقنا من الجراج وللجراح يا غسق إنها

تعلمنا وتقوينا "


ملأت دمعتها عينيها الواسعة مجدداً ونظرت للفراغ هامسة بحزن

" أجل هي تعلمنا أبي وإن لم تقوينا " .


*
*
*


عبر الشارع بخطوات ثقيلة غاضبة واجتاز الطريق الفرعي حتى

كان أمام الباب الذي لازالت تخرج منه أصوات الموسيقى

الصاخبة رغم بزوغ ضوء النهار ، دفع الخارجان أمامه بقوة

وعبر بينهما تاركا نظرات مصدومة حانقة تتبعه لم يكترث لها

ولا لأحد ولا أي شيء مر به ونزل السلالم اللولبي الخشبي ولم

تزده تلك الروائح التي استقبلته سوى غضب واحتراق يمسك

هاتفه في يده يتحدث صارخا فوق صوت الموسيقى المرتفع مع

الذي كان يريه بالهاتف كل ما يحدث أمامه " انظر لشقيقتك

وما نهاية أفعالها وما الذي ورطتني به قبل ذهابك ؟ قسما لو كنت

مرتبطا بها فعلا لكنت دفنتها أمام باب هذا المكان العفن ولكنت

علمت كيف أربيها من جديد فخلصني من هذه المصيبة التي

تركتها لي فقد طفح بي الكيل يا مطر "

صرخ بآخر كلمة قالها بأعلى صوته لوصوله لصالة الرقص في

الأسفل وتحرك فورا ناحية التي كانت تمسك كأس شراب تجلس

بين رجلين نظراتهما الوقحة تكاد تعريها من ثيابها تضحك دون

توقف وما أن وصل هناك فصل الاتصال مع من في الطرف الآخر

فقد رأى كل ما عليه رؤيته ، وما أن وصل عندها لم تزده تلك

النظرات الباردة ألا مبالية التي رمقته بها سوى اشتعالاً فأمسك

الكأس من يدها ورماه على الأرض بقوة محطما له وما أن كانت

ستصرخ محتجة تجمدت ملامحها وتلك اليد تهوي على وجهها

مما جعله يستدير بقوة بسبب الصفعة التي وجهت له وما أن

استعادت توازنها ورفعت رأسها كانت الصفعة الأخرى في

استقبالها رافقتهما صرختها العالية فقفز الجالسان على جانبيها

واقفان من الكراسي المرتفعة التي تحيط بالطاولة الخشبية

المقوسة خلفهم وما أن تقدم أحدهما ناحيته يحاول إمساك ياقة

سترته أمسك رسغه وشد عليه بقوة ضاغطا على أسنانه ولوى له

ساعده للخلف بقوة أشد حتى سمع صوت احتكاك مفاصل مرفقه

وضرب بمرفق يده الأخرى الذي كان سيباغته من الجانب الآخر

فأصاب وجهه وأنفه تحديدا بقوة مما جعله يتراجع متهاويا على

الأرض يمسك أنفه ويسند نفسه بالكرسي قربه ينظر بغصب للذي

نظر له وبصق عليه وأمسك بيد التي كانت تنظر له بصدمة تمسك

خدها بيدها الأخرى وسحبها بقوة خارجا بها من هناك وصعد بها

السلالم مرغمة متجاهلا صراخها المحتج وتمسكها بخشب السياج

يسحبها في كل محاولة لها بالقوة لم يهتم ولا بتعثرها أكثر من

مرة حتى كانت ستسقط أرضاً ، ولم يتوقف حتى خرج بها من

هناك وسار بها عبر الشارع ولأن الوقت كان مايزال مبكرا لم يكن

في الشوارع سوى بعض السيارات التي لم يهتم راكبيها أساسا

بمن كان يعبر الطريف يسحب خلفه امرأة تصرخ باكية في مشهد

اعتادته تلك المجتمعات .

وما أن وصل المبنى السكني المرتفع دخل وصعد بها حتى وصل

لباب غرفتها المفتوح ودفعها نحو الداخل بقوة جعلتها تسقط على

الأرض قرب سريرها الذي استندت عليه بساعدها ورفعت رأسها

ووجها له تبعد شعرها الطويل المموج بغضب فضرب الباب خلفه

ما أن دخل وأدخل يده في جيب سترته وأخرج هاتفه واتصل

هاتفيا هذه المرة بالذي أجاب عليه فورا ففتح مكبر الصوت

وصرخ بغضب ناظرا له

" ها هي هنا أمامك "

ووجه الهاتف جهتها فخرج لها ذاك الصوت المبحوح الغاضب

الذي ارجف جسدها فورا

" غيساااااانة قسما أنك جلبت نهايتك لنفسك بنفسك "

مسحت وجنتيها المليئتان بالدموع بظهر يدها المرتجفة وصرخت

ما أن تخطت مرحلة خوفها المعتادة من صوته الغاضب "

لا أحبكم ولا أريدكم .. متى ستفهمون هذا ؟ أتركوني أعيش كما

أريد أنا ثم احكموا على طريقة حياتي وعلى نجاحي فيها ،

اتركوني وشأني إن كنتم جميعكم لا تريدون وجودي في حياتكم "


خرج ذاك الصوت الغاضب مجدداً من الجهاز المعلق في الهواء

بيد صاحبه

" وما الذي فعلته يجعلك تتمردي هكذا يا غيسانة فأنا لا

أفهم سبب ما تفعليه الآن جيدا ، هل امتدت يدي عليك يوما ؟

هل فرضت عليك أي شيء لا تريديه أم سعيي لتكوني وتعيشي

امرأة شريفة هو الخطأ ؟ هل السهر في الحانات ومصادقة الرجال

والعبث والنوم معهم هو الحياة التي تريدينها ؟ انظري حولك من

هي السعيدة منهم بتلك الحياة الرخيصة ؟ "

صرخت تنظر لذاك الهاتف وكأنها تراه هو أمامها أو يراها

" أجل فأنت المسلم الراهب هو السعيد في حياتك وأميرتك

الحسناء تقدر لك ذلك ؟ توقفوا عن الكذب على أنفسكم أنتم

المسلمون فالرجال هنا منغمسين فيما تقولون عنه محرم

ونسائكم يعيشون الذل معكم لأنها بالطبع لا يمكنها فعل ذات

الشيء مع رجل آخر ورميكم كالحذاء البالي "

مرر الممسك للهاتف أصابعه في شعره ونظر للأعلى متمتما

" قسما أنك فقت عبارة امرأة ميتة "

رفعت نظرها له وصرخت فيه بغضب

" اصمت أنت وابتعدوا عن حياتي ، وهذا الدم الذي يجمعني

بكم سأخرجه مني وأرتاح "

سبقه من كان يسمعها مثله قائلا بحدة وتهديد

" قسما يا غسانة بمن خلقك وخلقني أن تكوني هنا في منزلي

عند أول تجاوز آخر فلن يعجزني أمر إخفائك عن الناس وأنت هنا

عندي ، اتصال واحد فقط من شاهر ما سيفصلك على أن تكوني

جالسة في الطائرة التي ستحضرك هنا للبلاد مفهوم ؟ "

وما أن بدأت الكلمات الغاضبة والسب بالتدافع من شفتيها فصل

الواقف هناك الخط ودس هاتفه في جيبه وقال بجمود للتي كانت

تنظر له بحقد يحرق مقلتيها الخضراء

" قسما أني لم أرى من هو برفق شقيقك في التعامل مع

المنحرفين أمثالك ، لو كنت مكانه لدفنتك حية "

وفتح الباب وخرج ضاربا له خلفه بقوة يتبعه صراخها الغاضب

جالسة مكانها على الأرض

" هو ليس أقل منك في شيء يا متخلف يا رجال الكهوف "

ووقفت بعدها تبعد خصلات شعرها التي علقت في وجهها بغضب

وتوجهت لخزانتها فتحتها بقوة وأخرجت ألبوم الصور الذي كانت

تحتفظ به تحت ثيابها وتوجهت لسريرها وجلست عليه بغضب

ووضعته أمامها وبدأت تورقه بقوة تخرج منه صورا معينة

وترميها جانبا متمتمه بغضب

" وغيسانه تعرف كيف تحول حياتك لجحيم أيضا يا مطر

شاهين "



*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 04-04-18, 10:06 PM   المشاركة رقم: 1057
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


وقف بالسيارة أمام باب المنزل الخارجي ونظر للتي تشيح

بوجهها عنه طوال الطريق لم تتحدث ولم يتحدث هو أيضا ولا

شيء يقوله كما سبق وقالت له لكن تنفيذ ذاك القرار كان أشد مما

توقع ، أمسك بيدها ما أن مدت يدها الأخرى لمقبض الباب لتفتحه

وقال ناظرا لما يظهر له من ملامحها

" سأتحدث مع صديق لي سيساعدك وأساعدك من خلاله "

سحبت يدها منه وفتحت الباب ونزلت قائلة ببرود

" وفر تعاطفك لنفسك أنا لا أحتاجه وقادرة على حماية نفسي "

وضربت الباب خلفها وتوجهت لبوابة المنزل تاركة وراء ظهرها

الذي ضرب المقود براحة يده بقوة شاتما من بين أسنانه بينما

تابعت هي خطواتها السريعة الواسعة حتى دخلت من باب المنزل

فأوقفتها اليد التي أمسكت بذراعها وأدارتها بقوة لتجد نفسها في

مواجهة صاحب تلك الضحكة الخبيثة قائلا

" مرحبا بالغزال .. أين كنت يا جميلة ؟ "

نظرت لعينيه بصمت ولم تتحدث فقال مبتسما بمكر

" ذهبت له أليس كذلك ؟ وطردك بالتأكيد "

أخفت ابتسامة ماكرة تشبه ابتسامته وقالت بجمود

" هو كما قلت عنه تماما لقد سقطت ورقتي الرابحة

بالنسبة له "

وتمنت أن مزقته بأسنانها ما أن رفع رأسه ضاحكا قبل أن ينظر

لها قائلا

" خانك ذكائك إذا ولأول مرة يا فاتنة ؟ وكما أخبرتك العقل

والقلب إن اجتمعا على الشخص الذكي حولاه لأحمق لكن الفرصة

لم تضع منك بعد "


نظرت له بصمت لبرهة قبل أن تقول

" لما أنت واثق من أنه طردني ؟ ألا أكون أتلاعب بك مثلا ؟ "

ترك ذراعها وقال مبتسما ومؤكدا لها ما أرادت التأكد منه

" لا بالتأكيد فأنا واثق من أن ذلك ما حدث وبأن نظرتي له

صحيحة .... "

وتابع لافا ذراعه حول كتفيها وسائرا بها جهة ممر غرفتها

" تعالي يا حليفتي ثمة ما عليك رؤيته لتعلمي بأنه عليك أن لا

تثقي بأحد .. بأي أحد سوى من تجمعك به مصالح مشتركة

وهدف واحد وعدو واحد أيضاً فيكون كلاكما مستفاداً من

وجود الآخر حيا "

اشتدت أصابعها في قبضة واحدة وقالت ببرود تنظر لأرضية

الممر الرخامية أمامها

" أتعني بأنه على أحدنا أن يقتل الآخر نهاية الأمر ؟ "

ضحك ووقف بها أمام باب غرفتها ونظر له وقال بابتسامة ماكرة

" إن شعر بخيانته له بلى .. وبطريقة نظيفة لا تلطخ يده بالدماء

طبعا "
لم تتغير نظرتها الجامدة له رغم ما قاله .. هو تهديد واضح

وصريح إذا ؟ لكنه أحمق إن صدّق بأنها تخافه أو تخاف الموت ،

قالت بجمود

" أنت تأخذني من مبدأ كن حليفي أو لا تكن أبدا ؟ "


نظر لها رافعا حاجبه بدهشة قبل أن يفتح الباب ويدخل قائلا

" يعجبني ذكائك يا نصف الخماصية .... تعالي انظري "


وما أن دخلتها نظرت فورا له وهو يتوجه نحو شاشة التلفاز

الخاص بالغرفة والذي لم تكن تستخدمه سابقاً والذي اشتغل ما

أن صفق له بيديه فانفتحت عينيها بصدمة للتي ظهرت في

الشاشة جالسة مع ثلاث نساء إحداهن تمسك طفلا في حضنها

والاخرى يجلس طفلان عند قدميها ولم تكن سوى التي بحثت

عنها كثيرا قبل مغادرتها من هنا ولم تجدها وظنت بأنهم

اختطفوها وسجنوها أو حتى قاموا بقتلها ! ارتجف جسدها ما أن

أخرجها الواقف بجانبها من شرودها وصدمتها قائلا بسخرية

يشير بإبهامه للشاشة

" أتري ... ؟ هؤلاء عائلتها .. بناتها وأحفادها ، أليست هي

من أخبرتك بأنه لا أحد لها ؟ "

لم تزح نظراتها المصدومة عن تلك الصورة في الشاشة وحدث

ما كانت تتوقعه تماما وتحدثت الجالسة في المنتصف قائلة بهدوء

حزين

" زيزفون أنا آسفة فأنا كنت في مهمة .. مهمة محددة فقط

الغرض منها الوصول لداعمك الأساسي ، لقد أحببتك كثيرا

تعاطفت معك تمنيت حقا أن تجدي السعادة لكن عدوك أقوى

منك ومني ومن أن أشي به وأقف في صفك ، لقد وصلوا لحلقة

الوصل بينك وبين مطر شاهين وسيحركونه كما يشاؤون ولن

يكون لأحد السلطة لمنع ذلك فعليك البحث عن حليف جديد أقرب

لك ممن يسكنون تلك البلاد "

ارتفع صدر المتحدثة عبر تلك الشاشة وقد سحبت نفسا عميقا

قبل أن تحرره وتتابع بروية

" لا تثقي في يمينك أكثر من شمالك ولابد للقمر أن يكتمل يا

زيزفون والشر لا يتسع لشخصين كما الخير ايضاً فكوني مع

من يريد مصلحتك إنه أقرب لك الآن من أي شخص "


وأظلمت تلك الشاشة بعدها على الفور وعيناها لازالتا محدقتان

بها .. ثمة لعبة ما في الأمر ؟ لقد حاولت مربيتها شرحها لها

والرموز في نصف حديثها الآخر أكبر دليل وهي كانت تعلم بأنها

ستفهمها بسهولة وسيجهلها غيرها وأولهم الواقف بجانبها

الآن من لن يكون السبب الأساسي لدس هذه المرأة بينهم لكل

تلك الأعوام بالتأكيد ! إنه شخص آخر استغلها كما استغل هذا

المغفل الآن يغريه بنظريته الفاشلة التي كان يتبجح بها أمامها

قبل قليل وهي المصالح المشتركة لكن من ! من قد يفعل كل ذلك ؟

سيكون الجواب لدى هذا الأحمق بالتأكيد إلا إن لم يتقوا به أيضاً

واستخدموه باستدراجه فقط بمحاربة عدوه لأنه سيكون وبكل

بساطة ... وقاص ، فهو لا يرى عدوا له غيره وعقدة النقص

الموجهة ناحيته تجعله عدوه في المقام الأول ولن يعنيه مع من

يقف ولماذا إن كانت النتيجة تدميره ، لذلك هي ستتعامل معه من

ذات المنطوق تستغل نقطة ضعفه تلك لتصل لعدوها الحقيقي

وعليها اللعب وحيدة من الآن وصاعدا لن تعتمد على أحد لا خالها

ولا ابن شقيقه ولا حتى وقاص من ظنت بأنه مختلف حقا عن

أفراد هذه العائلة وأخطأت فهو في النهاية ابن جده ابن ضرار

سلطان لن يعصيه في شيء وهي الغريبة عنهم هنا .

ابتسمت بسخرية ورفعت ذقنها عاليا بثقة ، لن تعتمد بعد اليوم

على أمثاله .. انهزامي فاشل لم يجد إلا الهرب حلا بديلا عن

مواجهة ضعفه أمامه فلن يستطيع أن يقول له كلمة ولا لمرة

واحدة في حياته حتى أنه يبتزه بالحديث فقط ليفعل ما يريد بينما

هذا الجرذ الواقف بجانبها أثبت بأنه أقوى منه في مواجهة ذاك

الرجل حتى أنه يستمر في أسلوب حياته المنحرف دون أن

يكترث لتهديداته .


" ما المطلوب مني إذا ؟ "

قالتها بجمود دون أن تنظر له فأراح ذراعه على كتفيها مجددا

وهمس مبتسما عند أذنها

" تفعلي ما سأطلبه منك فقط "

وقبل خدها قبل أن يغادر من هناك بخطواته الكسولة المعتادة يديه

في جيبي بنطلونه فمسحت خدها بضيق واشمئزاز تراقبه نظراتها

وهو يبتعد خلف الباب الذي أغلقه خلفه وانهارت حينها جالسة

على الأرض تنظر للفراغ بجمود وشرود قبل أن تسدل جفنيها

ببطء هامسة

" إسحاق سامحني يا شقيقي إن فقدت حياتي قبل أن

أراك مجدداً "


*
*
*


سار خلفها بخطوات بطيئة يديه في جيبي بنطلونه يراقبها تسير

أمامه أناملها تلامس حافة سياج الجسر ونظرها يهيم في مياه

النهر تتلاعب النسائم بخصلات شعرها البني الناعم وغرتها

المتطايرة أمام عينيها لم تهتم ولا بإبعادها سوى بحركات خفيفة

متفرقة من رأسها أو حين تنظر عاليا للسماء واختارت أخيرا أن

تقف قرب أحد الأعمدة ولفت ذراعها حوله تقف على حافته

بطرف قدمها والأخرى معلقة في الهواء تمرجح جسدها بحركة

خفيفة ولازال نظرها يهيم على امتداد ذاك النهر الطويل الواسع

فهي من اختارت هذا الجسر تحديدا من بين خمسة عشر جسرا

تمتد على ذاك النهر الطويل الذي يشق طريقه وسط تلك العاصمة

الكبيرة وهو وافق فورا ويبدوا أنه بات يمتع نفسه فعليا

بمراقبتها وترجمة تصرفاتها فها هو يراها تحاول عزل نفسها

عنه مجدداً لتتقوقع في صمتها الرقيق المشابه لها في كل شيء

وكم يكره عزلتها تلك ولم يحاول أن يفهم لما .. إنها تشعره في

كل موقف مشابه بأنها تريد الابتعاد عنه أيضا ولا تحتاجه حين

تكون في قمة احتياجها لشخص ما .. هذا هو التفسير الوحيد

الذي يبدوا بأن عقله يجده لذلك فيصل به للجنون في كل مرة .

اقترب منها ووقف خلفها مباشرة ومرر يده على خصرها ببطء

حتى طوقته ذراعه وشد جسدها له برقة فها قد علّمته حتى أن

يتعامل معها بذات الأسلوب وفي كل شيء وكل مرة وجعلته يفهم

بأنها تحتاج لما يشبهها في كل تصرف يتصرفه معها .. بل هي

تسحبه نحوها في جميع حالاتها وحتى في غضبها ، في انعزالها

عنه وفي تقربها له .


اتكأت برأسها على كتفه فأنزل رأسه ونظر لوجهها ولعينيها

المحدقة في السماء المليئة بالسحب البيضاء المتفرقة قبل أن

تدير نظرها ووجهها ناحيته وابتسمت له برقة ورفعت رأسها

أكثر وقبلت طرف ذقنه وعادت بنظرها سريعا للبعيد مبعدة رأسها

عنه ووضعت يدها على يده المحتضنة لخصرها تتحرك أناملها

الرقيقة على أصابعه برقة وقالت بابتسامة جانبية

" ما سيكون موقفك إن رأتنا ابنة الجنرال مصادفة ؟ "

أبعد نظره لامتداد النهر البعيد أيضاً وقال بابتسامة مائلة

" للجحيم هي ووالدها ، لا أحد يتحكم فيما أريده وما أرفضه "

ابتعدت عنه واستدارت ناحيته وخطت خطوة للخلف ونظرت له

بشك مبتسمة بمشاكسة فابتسم مبعدا شفتيه بانفراج طفيف

ومد يده نحوها وقال

" تعالي لأثبت لك "

فضحكت هاربة منه وتحركت تسير للخلف ناظرة له وقالت

مبتسمة

" لن يحدث هذا أنت معاقب "

فابتسم وتحرك نحوها وهي تبتعد عنه لازالت تسير للخلف وقال

يدس يديه في جيبيه

" كاذبة ... لقد قلتها سابقا وتراجعت وما فعلته البارحة

أكبر دليل "

وقفت حين أصبحت بعيدة عنه بمسافة ومالت للأمام بطريقة

طفولية استفزازية وقالت

" ولما لم ترفضني يا رجل المهمات الصعبة ؟ "


وصرخت راكضة ما أن ركض جهتها لكن إدراكها كان أسهل ما

قد يفعله وكان خصرها في قبضته سريعا ونزل لساقيها فصرخت

بضحكة ما أن رفعها منهما عاليا وتوقعت أي عقاب إلا ما فعله

حينها وهو يحني جسدها بكل خفة وحرفية أسفل سياج الجسر

المنخفض ليتعلق في الهواء يمسكها من قدميها مطوقا لساقيها

بذراعه ويده الأخرى ليصبح نصف جسدها مقلوبا في الهواء

فأغمضت عينيها وصرخت تمسك سترتها التي بدأت تنزلق منها

" لا تيم أرجوك أنا أتراجع عما قلت "

لكن الممسك بها في الأعلى مبتسما لم يكتفي بذلك فقط فقال

بصوت مرتفع قليلا لتسمعه لأنه يعلم بأن الهواء يضرب أذنيها

بقوة وهو الخبير في هذا

" أقري الآن بجميع أسرارك التي تخفيها عني "


فصرخت من فورها تمسك سترتها بقوة لازالت تغمض عينيها

بقوة

" تيم أرجوك سأسقط "


تجاهلها قائلا بابتسامة

" تكلمي بسرعة "


قالت بضحكة صارخة

" أكرهك "

فاتسعت ابتسامته وقال بصوت مرتفع لتسمعه

" قولي كذبة أصدقها "


لوحت بيدها في اتجاهه للأعلى قائلة بضحكة

" يالك من مغرور "


قال ينظر لها من الأعلى

" هيا أو أوقعتك "

غطت عينيها بيدها وقالت بصوت مرتفع تشعر بالدماء تتجمع في

رأسها

" إن وقعت سأموت وإن مت فلن تجد من يبكي عليك حين تموت

ولا من يدفنك في قلبه للأبد ولا من يزور قبرك ليبكي فوق ترابه

يدعي لك "


ابتسم بلمحة حزن وحنان لم تعرفه ملامحه سابقاً منذ فقد والدته

وصرخ ينظر لها

" هيا ووفري على نفسك قول كل هذه الحماقات "


فصرخت بالمثل

" تبا لك يا أحمق يا بارد "


وما أن أنزل جسدها أكثر منحن بجسده قليلا صرخت

" لا تيم يكفي أقسم سأصاب بالدوار "


أنزلها أكثر وبسهولة فوزنها أمام قوته لا يساوي شيئا فصرخت

من فورها

" حسنا سأقول ... "

غطت كامل وجهها بكفيها وقالت

" أنا من سرقت الميدالية الجلدية التي كنت تبحثت عنها كثيرا ولم

تجدها لكن ظافر وجدها وأخذها مني "

حرك رأسه وقال بصوت مرتفع

" كنت أتوقع ذلك يا سارقة ... هيا ما بقي من جرائمك ؟ "

حاولت إبعاد السترة المنزلق جانبيها على وجهها وقالت تغمض

عينيها بقوة

" كانت زوجة عمي تضربني صباحا لأني أسرق الطعام وآخذه

لكما ولا تعلمان أني سرقته "


عادت تلك الابتسامة للارتسام على شفتيه مجددا وقال

" سارقة محترفة إذا "

فصرخت من فورها

" هذا فقط تيم اقسم لك هيا ارفعني قبل أن أموت "


قال بابتسامة جانبية

" قولي أولاً أنك تحبينني "

" لاااا "

قالتها صارخة برفض فترك إحدى قدميها فصرخت ضاحكة تترجاه

أن ينتظر قليلا فقال

" هيا افتحي عينيك وقوليها فوراً "

أبعدت يديها وفتحتهما ببطء في مواجهة الريح مضيقة لهما وهما

تمتلئان بالدموع وفردت ذراعيها وصرخت مبتسمة

" أحبك تيم أحبك هكذا باتساع الكون بأكمله فارفعني هيا قبل أن

تقتل الشخص الوحيد الذي يحبك في العالم "

ابتسم وسحبها ببطء عمدا حتى تعلقت بحديد السياج ما أن وصلته

وما أن أصبحت على الرصيف في الأعلى انهارت جالسة عليه

واتكأت على السياج خلفها مغمضة عينيها تمسك فمها بيدها

تتنفس من أنفها بقوة رافعة رأسها للأعلى قبل أن تهف على

وجهها بيدها وقالت وعيناها ما تزالان مغمضتان

" سأتقيء سيغمى عليا .. سأموت "

فضحك بخفوت من جلس بجوارها ونظر ناحيتها ورفع يده في

الهواء فوق وجهها مفرودة الأصابع وقال

" زوجك يقفز هكذا من طائرة مرتفعة في الجو نزولا للأرض ...

أخجل أن أقول أنك زوجتي "


وما أن نزل بكفه وأصابعه المفرودة على وجهها أبعدتها عنها

وانزلقت على كتفه هامسة وعيناها ما تزالان مغمضتان

" سأموت الآن ولا تتزوج بعدي فقسما ستخرج لكما روحي ليلا

ولن أتركك تقترب منها أبدا "

ابتسم بضحكة خفيفة وحضنها بذراعه وقال بمكر

" لا بأس لدينا النهار بطوله فالأشباح لا تظهر في النهار "

عضت شفتها وفتحت عينيها وغرست سبابتها جهة قلبه بقوة

تحركه بطريقة دائرية حتى تقلص صدره بطريقة دفاعية وأمسك

يدها بسبب الألم الذي سببته له فقالت من بين أسنانها تحاول

فعلها مجددا

" علي أن أصل للموجود هنا وأقتلعه الآن "

شد أنامله على قبضتها ورفعها لشفتيه قبلها وقال مبتسما

" تقتليني ماريا !! "

خبأت وجهها في صدره أكثر وقبلت مكان غرزها لأصبعها قبلة

رقيقة طويلة تشعر بنبضات الموجود تحت الأضلع والتي يخفيها

قميصه القطني المشدود على جسده وعضلاته القوية البارزة

وهمست بحزن تحضنه مطوقة لجسده بذراعيها بقوة

" أموت إن تركتني في هذا العالم وحدي تيم .... أموت وإن كانت

ساعتي لم تحن بعد ... أموت بالحياة قسما "

ضمها له أكثر وقبل رأسها ودفن ملامحه في ذاك الحرير البني

يستنشق بخدر رائحة ذاك التوت البري وهمس يمسك ابتسامته

" وأنا إن مت سأتزوج بأخرى أسمها ماريا أيضا فقط

من أجلك "

ابتعدت عنه ولكمت صدره وكتفه ونظرت له بعبوس فضحك

بخفوت واقترب منها مسندا يده على الرصيف تحته وخطف قبلة

من شفتيها وأتبعها بالأخرى فورا وما أن أمسكها من ذراعها

يقربها منه دفعته عنها قائلة بضيق

" ابتعد عني "

فابتسم ووقف ومد يده لها وقال

" لما لا نذهب لمكان أقل هدوئا ومن اختياري هذه المرة ؟ "

نظرت ليده واستندت على السياج خلفها وقالت بنظرة بشبه

واعية

" لا أستطيع الوقوف سيغمى عليا فورا "

ونظرت للجانب الآخر تخفي ابتسامتها على صوت الواقف فوقها

يمسك خصره بيديه

" كنت ستقتلعين قلبي من مكانه وتقتليني قبل قليل وهذا كله

وسيغمى عليك ؟ "

نظرت له وحركت كتفها مبتسمة وقالت

" هذا لأني جالسة على الأرض ألا تدرك ما فعلته بي وأنت

تمرجحني فوق كل هذا الارتفاع ؟ "

انحني جهتها هامسا ببرود

" يالكن من ممثلات بارعات يا النساء "

وابتسمت بانتصار ما أن رفعها من الأرض بين ذراعيه بسهولة

وخفة فطوقت عنقه بذراعيها وما أن سار بها رفعت رأسها عاليا

وقالت مبتسمة

" هيا اركض تيم "

رفع وجهه في مواجهة الهواء يتلاعب بشعره الكثيف الناعم

للخلف مع حركته وقال ببرود

" تحلمي بالتأكيد .. أتريني نجم سينما أمامك يا حمقاء ؟ "

ضحكت وطوقت عنقه بذراعيها أكثر وقالت مبتسمة

" جرب فقط أن تعرض عليهم ذلك وسيقبلوك فورا "

نظر لها وقال مبتسما بمكر

" وأقبّل كل واحدة أمثل معها ؟ "

رفعت رأسها تنظرت له بصدمة وضربت بقبضتها بين كتفيه قائلة

بضيق

" أقتلك حينها "

ابتسم ولم يعلق لازال ينظر لها فرمت رأسها للخلف وفردت إحدى

ذراعيها والأخرى متعلقة بعنقه واغمضت عينيها وقالت مبتسمة

" هيا تيم اركض أرجوك وسنذهب حيث تشاء "

حرك رأسه مبتسما من أفكارها المجنونة ! هذه الطفلة ستجعله

يفعل كل ما كان يراه أسخف ما يفعله الرجال لكن لا مفر أمامه

لا يريد رفض ما تطلبه يكفيها كل ما مرت به منذ أصبحت معه

ورؤيته للكدمة التي لم تشفى بعد في وجهها والجروح الجديدة

فيه والشاش حول كفها يشعره بالذنب رغم عناده المستمر في

أن لا يبعدها عنه فأسرع بخطواته تدريجيا حتى تحول الأمر
لركض كما طلبت وابتسم على صرختها الحماسية لازالت ترمي

رأسها للخلف وذراعها جانبا وصرخت ضاحكة

" يا إلهي كم هذا رائع تيم "

نظر للخط الإسمنتي الفاصل في الرصيف قريبا منهما وقال

بأنفاس متقطعة بسبب ركضه

" أجل رائع تركبين طائرة بالمجان لما لا يكون هذا رائع ؟ "

وما أن وصل له وضع قدمه على حافته وقفز بها مجتازا له

فصرخت ضاحكة وتمسكت به بقوة ما أن وصلت قدماه للأرض

مجددا ولم تتوقف عن الضحك ولا هو عن شتمه لها مبتسما حتى

كانا عند سيارته القريبة من هناك فأنزلها قربها يتلقف أنفاسه

وفتح بابها وظنته سيركبها لكنه أخرج هاتفه من جيبه وأغلقه

ورماه فيها وأخرج مفتاحها من جيبه ونزع منه جهاز الإنذار

الخاص بها ورماه بداخلها أيضا وأغلق بابها والتفت لها وقال

" خذي حقيبتك لأغلقها "

نظرت له باستغراب وقالت تبعد غرتها عن عينيها

" لن نغادر بها ؟ "

فتح الباب مجددا ومد جسده داخلها يسند يده فوق كرسيه حتى

وصل للحقيبة الجلدية الصغيرة نسبيا على المقعد الآخر وأخرجها

ورماها لها قائلا

" لا لن نغادر بها فبالإمكان تتبعي من خلالها هي والهاتف ولن

يعجبك بالتأكيد أن تظهر لنا ابنة الجنرال في أي لحظة "

مطت شفتيها بامتعاض وقالت

" هذا جيد لا تنطق اسمها أمامي أبدا "

راقبها مبتسما وهي تقترب منه ودست يدها في جيب بنطلونه

فأبعد ذراعه قائلا

" ما هذا الذي تفعلينه ؟ "

دارت حوله ودست يدها في جيبه الخلفي وأخرجت منه بطاقته

المصرفية وما أن التفت لها رفعتها أمامه وقالت بابتسامة

" وهذه أيصا سنتركها هنا "

وتابعت وهي تفتح حقيبتها

" وبطاقتي أيضا "

وما أن أخرجتها اقتربت من باب السيارة وفتحته ورمتهما تحت

كرسيه ونظرت له وفردت ذراعيها وقالت مبتسمة

" تيم وماريه الطفلان الفقيران ليوم واحد "

ابتسم وأغلق الباب وغرس المفتاح فيه وأغلق أبوابها بحركة

واحدة له داخلها ودسه في جيبه وقال وهو يسحبها من يدها

ويسير بها

" وماذا سنأكل وكيف سنتنقل يا حمقاء؟ "

نظرت لجيب بنطلونه المقابل لها وقالت

" ماذا تملك في جيوبك ؟ "
فتش في جيب بنطلونه الأيمن وأخرح ما فيه ورفعه أمام وجهها

قائلا

" ثمن سيارة الأجره ليس إلا "

ضحكت وفتحت حقيبتها قائلة

" يالك من رجل معدوم سأرى ما لدي هنا "

أخرجت ما وجدته في حقيبتها وكانت ورقة واحدة رفعتها وقالت

بضحكة صغيرة

" من أجل طعام الغداء "

فابتسم بضحكة صغيرة وضمها لكتفه مطوقا كتفيها بذراعه وسارا

قليلا حتى أوقف سيارة الأجرة التي عبرت الجسر أمامهما

وركباها وغادرا من هناك .


‏*‏
‏*‏
‏*‏


رفعت رأسها عما كانت تفعل وابتسمت للتي فتحت الباب وقالت

تراقبها وهي تدخل

" أمي ظننتك ستتأخري خارج المنزل ! "

أغلقت الباب ودخلت تنظر لجهاز الحاسوب أمامها على السرير

حيث تجلس متربعة وقالت

" سأخرج بعد الظهر مجدداً "

وتابعت وهي تجلس عند آخر السرير

" بماذا تشغلي نفسك ؟ "

ابتسمت بسعادة فهذه أول مرة تهتم بما تفعل وفعلت وتتقرب لها

هكذا ! قالت مبتسمة وهي تغلق الحاسوب

" كنت أراسل صديقة في لندن .. لا شيء مهم "

وتجنبت ذكر من تكون ورغم أنها لم تكن تود إنهاء المحادثة معها

بسرعة هكذا حتى تستفسر منها عن سبب سؤالها الملح عن أمور

والديها لكنها لم تستطع لسرية شخصية عمتها تلك ولفرحتها

بتقرب والدتها منها فكلما تذكرت بكائها البارحة وهي تحضنها

وتبكي وكل ما قالته وهي تتمنى لها رجلا لا يجرحها تفطر قلبها

حزنا عليها لكن ما أن تتذكر نومهما معا في غرفتها تشعر

بالتفاؤل وبالسعادة ، ماتت ابتسامتها وتصلبت ملامحها ما أن

قالت الجالسة أمامها باستغراب

" من صديقتك هذه وأنت قلت بأنه لا صديقات لك هناك وحتى

دراستك انتساب داخلي ولم تكوني تخرجي من المنزل !! "

بلعت ريقها تغتصب ابتسامة صغيرة وقالت

" هي ليست صديقة دراسة إنها ... إنها صديقة قديمة للعائلة

أ... أعني لجدي ووالدي منذ زمن "

وعضت لسانها داخل فمها .. الحمقاء لقد ورطت نفسها وهذه

النظرات التي تراها في تلك العينان الفاتنة أكبر دليل

" ما أسمها ؟ "

فاجاتها بذاك السؤال بغثة ولم يعد يمكنها الكذب أكثر فقابت بتلعثم

" أأأ غغغا.... غيسي أ... أعني أسمها جيسي "

وأجفلت بسبب تلك النظرة المصدومة التي رأتها في عينيها

والتي أخفتها بجفنيها الواسعان وهي تسدلهما عليهما سريعا

وهمست ببحة لم تفهم الجالسة أمامها سببها

" متزوجة ؟ "

نظرت لها بصدمة وكل ما فكرت فيه وخشيته أن تكون تضنها من

ذكر والدها أنه تركها من أجلها وهي أخبرتها الآن بأنها صديقة

للعائلة ، قالت من فورها " لا .. هي.... أعني شقيقها لم يكن

راض أن يزوجها لأي شخص "

وراقبت بتوجس واستغراب تلك العينان التي تحرك جفناها

وحدقتاها السوداء جانبا لا يظهر منها إلا القليل كما تلك المرارة

التي تخفيها فيهما قبل أن تهمس صاحبتها بسخرية

" آه أجل ليس أي شخص لا يناسبها "

نظرت لها باستغراب ولم تفهم أتعلم بأمرها وأخبرها والدها

عنها أم أنها تظن بأنه ثمة أمر بينهما ؟ لكنها لا تستطيع سؤالها

ولا حتى سؤال والدها لأنه سيسألها عن حديثهما كاملا وسيعلم

باتصال عمتها بها وهذا ما ترفضه تلك ، بينما الجالسة أمامها

تبادر لذهنها أيضا ألف سؤال وسؤال أرادت أجوبة عنهم منها

لكنها لن تغامر وهي تفكر فيما تفكر في فعله ، أغمضت عينيها

ببطء تخفي كل ذاك الألم فيهما والذي وإن حجبه جفناها

ورموشها الكثيفة إلا أن أنفاسها التي تعالت تباعا أظهرته

بوضوح في حركة تلك الأضلع والصدر فلن يخفي أي شيء ألم

قلبها وهي تكتشف بأن تلك المرأة لم يسمح لها بأن تقتحم حياته

فقط بل وعالم ابنته ووالده تحت مسمى الصداقة ، رفعت يدها

لجبينها وفركته بقوة تخفض رأسها وقد غطت تلك الغرة الحريرية

أناملها وكفها تتساقط خصلاتها فوقها تباعا .


" أمي هل أنتي بخير ؟ "

رفعت رأسها رافعة لشعرها عن وجهها وأمسكت بيد التي كانت

تمسك بيدها وصاحبة تلك الكلمات القلقة المتوجسة ومسحت

بظهر كفها الآخر أنفها وهمست ببحة

" بخير بنيتي صداع خفيف فقط "

قالت بحزن ونظرها معلق بعينيها ونظرتها التائهة

" أنت لا تهتمين بصحتك أبدا أمي وترهقي نفسك في عملك

الجديد طوال النهار "

سحبت يدها ولم تعلق تنظر لهاتفها الذي ارتفع رنينه فجأة وقد

أخرجته من جيبها ، نظرت للاسم على شاشته للحظات قبل أن

تقرر فتح الخط ورفعه لأذنها وأنزلت رأسها ونظرها لحركة

أناملها على أطراف قميصها هامسة بهدوء يعاكس تلك النيران

التي تتآكلها من الداخل ببطء وقسوة

" أجل يا مطر "
فابتسمت تلك الفاتنة المقابلة لها فورا تراقبها بسعادة لم يشوهها

سوى رؤيتها لتلك الدمعة التي رأتها في مقلتي الجالسة أمامها

واللتان أدارتهما جانبا قبل أن تمسح عينها بظهر كفها ولا تخرج

منها سوى كلمات مختصرة وما فهمته من كل حديثهما ذاك بأنه

يحاول إقناعها بالخروج معا من هنا وهي تمانع ويبدوا أنها

تغلبت عليه نهاية الأمر .

ابتسمت بسعادة وحماس ما أن رأت ذاك التورد الطفيف في

وجنتيها وهي تهمس بحياء

" مطر يكفي "

فغادرت السرير من فورها بل والغرفة أيضا مغلقة بابها خلفها

وابتعدت من هناك لتتركها تتحدث معه بحرية أكبر وابتسمت

بسعادة ما أن وصلت لمنتصف الممر تنظر للذي خرج من بدايته

يمسك هاتفه على أذنه قائلا بابتسامة لمن في الطرف الآخر

ونظره على عينيها

" وماذا إن كنت أقرب من ذلك ؟ "


وما أن اقترب منها أشار لها برأسه فابتسمت وهمست له

" في غرفتي "

فابتسم لها ولامس بكفه طرف وجهها وهو يجتازها فاستدارت

معه تراقبه بسعادة وهو يفتح باب الغرفة ويدخل مغلقا له خلفه

وتنهدت بارتياح مبتسمة ونظرت للأعلى تضم يديها لصدرها

وأغمضت عينيها هامسة بسعادة

" يا رب لا تفرقهما أبداً يا رب "

وركضت بعدها مجتازة الممر وبهو المنزل الواسع وتوجهت جهة

الممر الشرقي للمنزل ولم تتوقف حتى كانت أمام باب الغرفة الذي

فتحته مباشرة ووقفت مكانها مصدومة تنظر للذي كان يقف بقرب

الكرسي الذي يجلس عليه جدها وشعرت بأن قلبها اصطدم

بالأرض وتحول لأشلاء وهي ترى حدقتاه السوداء تستدير بعيدا

عنها دون أن يتحرك شيء فيه ولا وقفته المعتادة يديه في جيبي

بنطلونه فبلعت غصة الألم والحنين والشوق والجرح من صدوده

وهي تراه يستدير وقد فتح باب الغرفة الخارجي وقال ببرود

وهو يخرج

" تحدث معه أنت إذا وسأزوره في وقت لاحق "

وغادر مغلقا الباب خلفه نظراتها الحزينة تتبعه قبل أن تمسح

عينيها بقوة ونظرت للذي وقف وأبعد نظره من ذاك الباب المغلق

لها فتحركت نحوه وقالت بسعادة وهي تستدير حول الأريكة

لتصله " أتعلم من هنا الآن وزار المنزل في منتصف النهار

على غير العادة ؟ "

ضحك وهو يستقبل التي ارتمت في حضنه وقال مبتسما يمسح

على شعرها

" من غير الذي جاء أخيرا من يعيده للمنزل على وجهه مرغما "

حضنته بقوة وقالت مبتسمة

" كم أنا سعيدة من أجلهما جدي ، شكرا لك لأنك أصررت على أن

تعيش هنا معنا "

وتابعت مبتعدة عنه وقد نظرت لعينيه بحزن

" لكني أرى أنها لم تجتز حزنها وجراحها بعد جدي ؟ أرى

حزنا عميقا في عينيها يؤلمني كثيرا ويخيفني أكثر "

أمسك وجهها بيديه وقال بلمحة حزن مشابهة لما في تلك العينان

الجميلتان

" لن يكون ذلك سهلا يا تيما فما مرت به وما حدث بينهما

وعذابها لأعوام طويلة لن يكون اجتيازه بالأمر الهين ووالدك يعلم

ذلك جيدا وعليه أن يصبر ويثابر لنيل قلبها مجددا بلا أي شوائب

فيه كما كان قبل أن يفترقا فحسنة والدك الوحيدة أنه يدرك بأن

ذلك ما عليه فعله "


نامت في حضنه مجددا وقالت بحزن

" وسيصل لقلبها لأنها تحبه أليس كذلك جدي ؟ "

مسح على شعرها وقال مبتسما

" أجل يا دميتي الجميلة فالحب الصادق لا يقتله شيء

ولا الموت "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 04-04-18, 10:08 PM   المشاركة رقم: 1058
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


أسدلت جفنيها على الدمعة السابحة بينهما تشعر بملمس تلك

الأصابع الطويلة على طرف وجهها وشعرها وبأنفاسه الهادئة

المنتظمة حيث اختار أن يتكئ رأسها على تلك الأضلع وحيث

يقتلها بهذا ولا يعلم وهي تتخيل كم واحدة نامت هنا وشاركتها

فيما حرمت هي منه لأعوام تبكيه وحيدة وعاشت تتجرع مرارة

فقده وحرمانها من النوم فيه ليلا وكلما عصفت بها الهموم ،

بللت تلك الدمعة رموشها تتشربها بنهم وكلماته الهادئة ونبرته

الرجولية المبحوحة تنساب في أذنيها ما أن قبل رأسها واتكئ

بذقنه عليه

" حسنا ليومين فقط يا غسق ، أريدك أن تبتعدي عن كل شيء

هنا وأعدك أن لا أقترب منك وأن يكون لكل واحد منا غرفة إن

كان هذا ما يزعجك "

مسحت تحت جفنيها بظهر كفها وابتعدت عنه هامسة ببحة تنظر

ليديها

" لنؤجل الأمر قليلا مطر أرجوك "

أمسك وجهها ورفعه له وقبل جبينها ونظر لعينيها قائلا

" موافق على أن لا يطول انتظاري فأنا أحتاج أيضا لإجازة

قصيرة ولأن نكون لوحدنا فثمة الكثير نتحدث عنه "

أنزلت رأسها وهمست بالموافقة .. كلمة واحدة مختصرة تبعده

عن الحديث عن أي أمر يقودهما لشرح ما ترفض حتى سماعه

كي لا يقتلها به أكثر ومن جديد فلن تستحمل سماع أكاذيب من

هذا الرجل تحديدا فلن يبرر بغير الكذب عما سمعته واعترفت

به تلك المرأة بلسانها .

استجابت لسحبه لها ما أن تحرك من هناك ممسكا ليدها وخرج

بها من الغرفة واجتاز الممر حتى نهايته واستدار بها حيث الباب

المشترك بينه وبين الممر الشمالي للمنزل ولم يتوقف حتى كان

عند باب مكتبه وفتحه بالمفتاح الذي أخرجه مع مجموعة مفاتيح

من جيب سترته ودخل بها هناك وتوجه بها لأحد أرفف المكتبة

التي غطت جدرانه الثلاثة وأوقفها أمام أحدها يقف خلفها

مباشرة وأمسك يدها ورفعها ومررها على الكتب أمامها حتى

وصل بها لكتاب معين سقط نظرها على عنوانه فورا والذي كان

( رجفة الغسق )

وهمس عند أذنها بهدوء

" أخرجي هذا الكتاب يا غسق "

نظرت ليده على يدها نزولا لساعده وكُم بذلته السوداء الفاخرة

وصولا ليده الأخرى التي التفت حول خصرها ببطء فأغمضت

عينيها تسحب أنفاسها ببطء تشعر بأنها تنهار تباعا أمام قربه

المهلك .. شعور كم كرهته وكم تمنت قتله في داخلها وإن قتلت

نفسها معه ولم تجد له علاجا سوى الكي .. أجل عليها إحراق

قلبها وكل شيء بتذكر كل ما قاسته منه كلما حاول إحيائه .

عادت بنظرها لذاك الكتاب مجدداً ولاسمه المذهب المحفور في

غلافه الجلدي القاتم .. الكتاب الذي لم تكن تتصور أن مكتبته

قد تحوي أمثاله إلا إن كان قد أحضره قصداً ! كتاب يتحدث عن

صندوق روماني غامض يفتح بعد مرور أكثر من قرن حيث كان

يضن بأنه يحمل بعض الهدايا الثمينة من أمير روماني للملك عبد

العزيز إلا أن ذاك الصندوق وبعد كل تلك الاعوام الغابرة كان

يحمل مفاجأة مخيفة ... وقاتلة .

مررت أناملها عليه ببطء وهو في مكانه وكم خشيت أن يكون

يحمل في جعبته مفاجأة مماثلة لها أيضاً فذاك ما اعتادته من هذا

الرجل منذ عرفته ، مررت أصابعها بينه وبين الكتابان

الملاصقان له وسحبته كما طلب منها فأبعد يده عن يدها حينها

وحضن بها خصرها أيضا وطوقه برقة بذراعيه وهمس

" افتحيه من منتصفه "

ففعلت ما طلب منها فورا ونظرت له بصدمة وهي ترى أوراقه

الممزقة في منتصفها بشكل مربع وبداخله صندوق مخملي صغير

وتبعت نظراتها يده وأصابعه التي ارتفعت له ولامسته ببطء

هامسا

" أتعلمي منذ متى وهذا الصندوق هنا ؟ "

رفعت رأسها وأدارت وجهها جانبا ونظرت لعينيه بصمت فابتسم

وقبل خدها وتابع يخرجه من مكانه بأطراف أصابعه ونظره على

عينيها

" منذ تلك الرحلة للندن قبل أربعة عشر عاما يا غسق وقبل

أن ألتقي بمن تريه شقيقا لك ويراك العكس "


انقبضت أصابعها لا إراديا تشدها على الكتاب فيها بقوة ونظرها

لازال معلقا في عينيه التي أبعدها للصندوق الذي أمسكه بكلتا

يديه وهو يفتحه أمام جسدها لازالت سجينة ذراعيه فنقلت نظرها

لما يفعل تنظر باستغراب للسلسال الذي أخرجه منه ولتلك القطعة

الماسية التي تدور حول نفسها لتعلقها بالسلسال بمسمار ذهبي

يجعله دائم الحركة حول نفسه ما أن يتعلق في الهواء وكان فيها

شيء ما شاب نقائها ذاك لم تفهمه حتى اختفى عن نظرها وهو

يلف السلسال القصير نسبيا حول عنقها وأغلقه ، وبما أنها كانت

ترفع شعرها فلم يصعب عليه فعلها لوحده ، وما أن تركه

استدارت أصابعه حول عنقها الناعم مرسلة كل تلك القشعريرة

عبر دمائها الحارة لكامل جسدها حتى أمسك بذاك القلب الماسي

قبل أن ينزلق على بشرتها البيضاء الناعمة ورفعه لمستوى

وجهها وهمس من خلف أذنها

" لقد زرت صائغا معينا خلال نزول طائرتي في أسطنبول في

المحطة الوحيدة التي نزلتها حينها "


وتابع مبعدا إبهامه عن تلك القطعة اللامعة ليكشف عنها

" ولأجل هذا النقش "

وكشف عما كانت تراه يشوب نقاء تلك الألماسة وما كتب داخلها

بخط أسود عريض وكان اسمها فتعالت أنفاسها ما أن أدركت

وفورا لمن يكون ذاك الخط وتلك الطريقة في تداخل الأحرف

العربية فسبق ورأت هذه الطريقة من الكتابة على سلاحه قبل

أربعة عشر عاما ، ومما زادها تأكيدا قلبه لذاك القلب الماسي

ليكشف عن المكتوب في الجهة الأخرى وكان أسمه وبذات

الطريقة التي كان يكتبها على أخمص سلاحه الرشاش قديما أي

أنه هو من كتبهما بل وبطريقة جعلت منهما متطابقان تماما فلا

ترى إلا اسم واحد ما أن تقلب تلك القطعة النادرة وكأنه وحده

مكتوب فيها بتداخل غريب فيبدأ كل أسم منهما بنهاية الاسم الآخر

بحيث كلما قلبته تقرأ الاسم المقابل له بشكل صحيح .

أغمضت عينيها ببطء تشد قبضتها بقوة على ذاك الكتاب الذي

لازال فيهما تشعر بملمس تلك الشفاه الناعمة على عنقها مع

خشونة اللحية المحددة وشعرت بتلك الماسة الباردة تنزلق على

صدرها جمرة من نار لم يفقها تعذيبا سوى ملمس شفتيه المنتقلة

بنعومة صعودا يعاكس طريق نزول الدمعة التي انزلقت ببطء

محطمة أسوار الرموش السوداء الكثيفة تكسر حواجز برودة تلك

الوجنة المتصلبة لينتهي بها الأمر عند طرف الذقن الصغير الناعم

قبل أن تتدحرج في الهواء كصورة مصغرة لتلك القطعة النادرة

التي مرت بها قبل أن تصطدم بالأصابع التي لازالت تعانق القماش

الأسود الناعم حيث أول زر بعد قلادته فجعلت كل شيء يتجمد

مكانه حتى الزمان والوقت والمشاعر فابتعدت شفتيه عنها ببطء

يشبه حركة كفه الذي أداره أمام وجهها ينظر للقطرة المالحة التي

تابعت طريقها على أصابعه تباعا فقبض عليهم بقوة قبل أن

يمسك كتفيها وأدارها ناحيته ينظر لملامحها الفاتنة لعينيها
المغمضتان لعبث أنفاسها القوية بتفاصيل ذاك الصدر المتفجر

أنوثة وارتفعت أصابعه برقة مرورا بعنقها لوجهها وقبل جبينها

بعمق وهمس بخفوت مغمضا عينيه

" لن أطلب المستحيل في وقت قياسي يا غسق "

فأنزلت رأسها ونظراتها الجامدة الميتة ليديها وأناملها التي

تقبضها ببعضهم بقوة ولم تعلق بشيء ، ربما تصمت وتجاري

أفعاله ومحاولاته لإحياء شيء ميت منتهي تماما لكنها لن تجاريه

كاذبة لا تستطيع أن تكون مثله فسيصاب بالملل سريعا كما

وصفته تلك المرأة ليبحث عن غيرها أو يرجع لتلك الإنجليزية

الواثقة تماما من أنه سيعود لها نهاية الأمر كما يفعل في كل

مرة . أدارت خاتم الزواج حول أصبعها حتى كانت ماسته داخل

كفها الذي قبضته عليها بقوة وهمست بهدوء يعاكس دواخلها

" وماذا إن مللت ؟ "

سؤال لم تخطط له ولم ترد قوله أساسا لكننا نفقد قدرتنا أمام

آلامنا أحيانا .. أمام كبريائنا المجروح ومشاعرنا الميتة ، ولم

يتأخر جوابه الذي رافقه شده لها لتتكئ على صدره وقد همس

وأصابعه تمسح على شعرها برفق

" حين أكون ميتا في داخلك يا غسق .. حينها لن اصاب بالملل

بل سأعلن هزيمتي وأبتعد فلن أحيي حبي في قلب امرأة مات

فيه لأن ذلك لا يحدث أبدا والمحاولة لوحدها غباء "

ابتسمت بمرارة وألم وأرادت أن تقول : هل ستعلمني فعل ذلك

لتلقي باللوم عليا حينها ؟ لتذكره برأي تلك المرأة التي استبدلها

بها في قلبه لكنها تراجعت فذاك لن يخدم ما تريد فعله ولن يفيدها

بشيء ، طرقات على باب المكتب جعلتها تبتعد عن تلك الأضلع

ترافقها تنهيده الضيق الواضحة فيها للذي نظر جهة الباب وقال

بجدية

" أدخلي "

ولازال كما تذكره تماما يميز طرقات من يعيش معهم مهما كثر

عددهم وكما توقعت وكان متأكدا انفتح الباب كاشفا عن الخادمة

الواقفة أمامه والتي قالت باحترام

" سيدي ثمة اتصال من غرفة الحرس والسيد أسامة عارف

عند البوابة "

فأشار لها برأسه دون أن يعلق فغادرت من فورها وتحرك هو

أيضاً جهة الباب الذي تركته مفتوحا بعدها ليوقفه الصوت الرقيق

الناعم من خلفه

" مطر "
فوقف والتفت لها من فوره فقالت بهدوء وقد نزلت بنظرها ليديها

" هل يمكنني استعارة بعض الكتب من هنا ؟ "

فابتسم الذي راقبها وهو يدخل يده في جيبه ويخرج مفاتيحه

واختار إحداها وأخرجه من العلاقة المجموعة فيها وتوجه نحوها

وهو يعيدهم لجيبه ، أمسك كفها ووضع المفتاح فيها وانحنى

لخدها قبله برقة وقال

" يمكنك القراءة هنا وترك المفتاح لديك .... أنا أثق بك يا غسق

.. أنت فقط "

وما أن أنهى عبارته تلك غادر من هناك مغلقا الباب خلفه تتبعه

نظراتها الدامعة تقبض على تلك القطعة الحديدية الباردة في كفها

بقوة وانسابت كلماتها الهامسة مع انسياب تلك الدمعة الحزينة

" وأنا وثقت وأنت خنت يا مطر وليتك لم تفعل ... لنتعادل إذا "


*
*
*


اتكأت برأسها على كتفه ورفعت نظرها له جالسان تحت إحدى

أشجار الصنوبر العالية تتكئ بظهرها على صدره يريح ساعده

على ركبته المنصوبة والتي تلف أصابعها حولها تجلس في

حضنه وما أن نزل بنظره لها أنزلت رأسها وشغلت نفسها بفتح

غلاف لوح الشوكلاته في يدها مبتسمة والذي كان يمسك مشابها

له في يده التي يريح ساعدها على ركبته ، وما أن رفع نظره

للأشجار عاليا رفعت رأسها ونظرت له مجددا فأنزل رأسه ونظر

لها سريعا فغصت بضحكتها والشوكلاته في حلقها وأنزلت رأسها

وسعلت بشكل خفيف وأغمضت عينيها مبتسمة ما أن التف

ساعده حول عنقها وقبل خدها منحن له فمررت أناملها على

ساعده وقالت مبتسمة

" عليك أن تأكل حصتك أو لن تجدها ما أن أنتهي من هذه "

فابتسم ولم يعلق على ما قالت ولم يخبرها بأنه يتركها حتى يرى

إن كانت ستشبع بما لديها أم ستحتاجه أيضا وكل ما قاله وهو

يرفع رأسه ويتكئ به على جذع الشجرة خلفه

" انظري لاختياراتك السيئة لو لم تشتري تلك الحلوى السخيفة

وسمعت نصيحتي كان أفضل "

رمت قطعة من الغلاف الأصفر الملتف حول لوح الشيكولاتة في

يدها وقالت بضيق

" لما تصر على أنها حلوى ؟ ثم هي لم تكن سيئة كثيرا

فقط العلبة أكبر حجما مما يوجد في داخلها "


أبعد رأسه ونظر لأناملها البيضاء الرقيقة المشغولة بما تفعل

وقال ببرود

" أخبرتك أن تشتري الكعك المحشو بالكريما سيكون دسما

ومشبعا والمال يكفي لشراء ست قطع منه لكنك رفضت فتحملي

النتائج الآن فهذا ما ستأكلينه فقط حتى نرجع للمنزل "

اتكأت برأسها على كتفه مجددا ورفعت يدها لفمه تمسك بآخر

قطعة من حصتها فنظر ليدها قبل أن يفتح فمه ويأكلها فمررت

أصبعها على فكه كحركته البطيئة لمضغه لها وقالت مبتسمة

" الآن أنا مدينة لك بآخر قطعة من حصتك فافتحها

فورا وكلها "

فابتسم ورفع يديه وفتح الغلاف عن لوح الشيكولاتة الخاص به

وكسر أول هرم فيها وقربه لفمها فأمالته مبتسمة وقالت

بضحكة خفيفة

" هل ستبدأ بنهايته ؟ "

فابتسم ولم يعلق وما أن أكلته كسر الهرم التالي وقربه لفمها

أيضا فضحكت وأخذته من بين أصابعه ورفعته لفمه تنظر

له وقالت

" هذا لك ، أنت واحد وأنا واحد لا مانع لدي "

فأمسك يدها ونزل بها لفمها وقال

" سأكتفي بآخر قطعة ... "

وتابع بابتسامة جانبية

" فقط لا تعتادي وضعي في المؤخرة "

أكلت قطعة الشيكولاتة وقالت مبتسمة برقة

" أليس الشخص من يضع المكانة لنفسه يا ابن حجور ؟ "

ابتسم وقبل رأسها واتكئ عليه بذقنه ولم يعلق واستقر نظرها

على رسغه المقابل لها حيث يدير ساعده نحوها تلعب أصابعه

بخصلة من شعرها البني الناعم فرفعت يدها ولامست أناملها

الرمز الموشوم فيه وقالت باستغراب

" ما هذا تيم ؟ "

أدار ساعده ورسغه للأعلى وقال بعد برهة ناظرا له

" هذا الرمز الخاص بي في المنظمة "

رفعت نظراتها المستغربة له وهمست

" رمزك الخاص ! "

ونزلت بنظرها ليده الأخرى حين رفعها وأمسك يدها ووضع

سبابتها على رسغه وعلى ذاك الرمز تحديدا وضغطه عليه ببطء

وقال

" بماذا تشعرين هنا ؟ "

همست تنظر بصدمة ليديهما

" شيء ما صلب وصغير "

ترك حينها يدها وقال

" وهذا سر آخر اخبرك به ماريا لأني لن أرفض جوابا لأي سؤال

تسأليه فهذه الرقاقة تم غرسها هنا كأي عضو في تلك المنظمة ،

إنها تمثل بطاقة تعريف لي في أجهزتهم وحتى تتبع مكاني عن

طريقها لن يأخذ منهم سوى ثوان معدودة وفي أي مكان في العالم

أكون "

رفعت أصابعها لرسغه ببطء متمتمة

" ألأجل هذا فقط يضعونها هنا ! "


قال بجمود ونظره على سبابتها التي كانت تلامس رسغه

برفق ورقة

" بل وقتلي بها أيضاً "

فتصلب جسدها بطريقة شعر بها فورا فطوقها بذراعه ما أن كانت

ستبتعد عنه وهمس في أذنها

" ماريا مصارحتي لك بكل شيء ليس لأؤذيك فلا تبكي أو

غضبت منك "

كتمت عبرتها كما وجعها ولم تستطع أبدا التحكم في تلك الدموع

التي ملأت مقلتيها سريعا وهمست ببحة وصوت مرتجف

" يقتلوك بها ؟ "

قبل خدها ودفن ملامحه في شعرها قائلا بهدوء

" أجل إنه سم سيتسرب في جسدي بأمر صغير منهم ولا شيء

سيمنع ذلك حتى إن حاولت نزعها بنفسي "

ارتجف جسدها بين ذراعيه وهمست بعبرة مكتومة

" أي أن اكتشافهم لحقيقتك ولهويتك الحقيقية معناه أن يقتلوك

في ثواني معدودة مهما كنت بعيدا عنهم ؟ "

قبل خدها مجددا وهمس

" أجل "

أمسكت فمها تسجن العبرات التي لم يعد يمكنها التحكم فيها أكثر

وما أن حاولت الابتعاد عنه مجددا طوقها بكلتا ذراعيه يشدها

لصدره بقوة مانعا إياها ومال برأسه لخدها وهمس

" ماريا ماذا كنا نقول ؟ "

همست بصوت مرتجف باكي

" تيم اتركني أرجوك وأبعد ذراعيك عني إن كنت لا تريد أن

تسمع بكائي المزعج "

فحررها مبعدا ذراعيه ببطء فوقفت من فورها وركضت مبتعدة

عنه ووقفت خلف جذع إحدى الأشجار وتركت العنان لدموعها

وبكائها لازالت تحضن أناملها تلك الشفاه المرتجفة تنساب

دموعها فوقها دون توقف تشعر بقلبها يموت وهي تتخيل فقط

أن يحدث ذلك وكم تمنت لحظتها أنها لم تراه مجددا بل ولم تعرفه

حياتها ، أبعدت يدها ومسحت عينيها بقوة ما أن شعرت بخطواته

الثقيلة البطيئة تقترب من مكانها ، وما أن وصل لها لامست يده

ظهرها وضمها لحضنه هامسا

" ماريا الموت لا يمسكه أحد كما لا يلعب بوقته أحد ولا أفكارهم

السخيفة تلك فلا تكوني مثلهم فأنت مسلمة تؤمنين بقدر الله ،

ويكفي بكاء أو غادرت من هنا وتركتك "


ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقالت بعبرة

" لماذا أخبرتني ؟ أيسعدك إيذائي هكذا ؟ "

رفع يده لوجهها ولامست أصابعه الدمعة المنزلقة على خدها

ببطء وقال بجدية

" ماريا مطر شاهين يرفض وجودك معي كما جميع أقربائك هنا

وكما كان رأيك ولازال فأخبرتك بهذا لتعلمي بأن ما نعيشه اليوم

قد لا نجد له متسعا في المستقبل ولأي سبب كان .. تركتك أربعة

عشر عاما وكان ذلك حماقة مني لن أستمر فيها أبداً ولن أكون

جلاداً آخر لامرأة مصيرها معلق بي فالموت لم يهب فرصة

لشاهر كنعان ليصلح أخطائه مع امرأة تركها ، وقوة التسامح في

قلب المرأة لم تمنح شيئا مشابها لمطر شاهين ليصلح ما دمره

تحت مسمى التضحيات ليرجع للحياة امرأة قتلها بقسوة ، لذلك

أردت هذا الوقت لنا فقد لا يتكرر أبدا "

امتلأت عيناها بالدموع تنظر لعينيه وارتمت في حضنه وقبضت

أصابعها على سترته جهة ظهره تحضنه بقوة تدفن وجهها

ودموعها في صدره وتركها هو تفرغ باقي دموعها وعبراتها فيه

تمسح يده على شعرها برفق فعليها أن تعلم ومهما كان الأمر

قاسيا فهو لن يكون أقسى من هجرانها وتركها وحيدة دون تبرير

وجلب حفنة أعذار مستقبلاً ستكون في نظرها أسخف من أن

تصدقها ومهما كانت كبيرة بالنسبة له .. حين لن يجد في داخلها

ما يتفهمه أو لن يجدها أو يموت هو قبل ذلك .



*
*
*

دخل مغلقا باب المنزل خلفه وتوجه من فوره جهة الحركة

الواضحة التي يسمعها في المطبخ وما أن وقف أمام الباب نظر

للتي كانت تقف على حافة الخزانة السفلية ترفع جسدها على

رؤوس أصابعها ترفع شعرها الغجري الأشقر في جديلة وتربط

فستانها الطويل عند منتصف ساقيها تحاول تنظيف الغبار من

فوقها فدخل ووضع الأكياس من يده قائلا

" لو أعلم ما حكايتك مع الأغبرة تطاردينها حتى في الهواء "

حاولت أن تلتفت حتى كادت أن تقع من صدمتها لعودته الآن

فأدركها وأمسك خصرها قبل أن تسقط وأنزلها للأرض فهربت

منه سريعا وانحنت تفتح ربطة فستانها تخفي اضطرابها وارتجاف

أصابعها في ذلك رغم أنه أمسكها من الخلف وليس من الأمام ،

وصلها صوته وهو يجلس على الأرض جهة نافذة المطبخ قائلا

" جائع يا مايرين فلا تقولي أن الغداء لم يجهز بعد "

تحركت من فورها جهة الموقد وفتحت باب الفرن فيه قائلة

" بلى جاهز فأنا أعده دائما قبل موعد قدومك بوقت "

وبدأت تتحرك بسرعة في المطبخ الطيني الواسع بمساحة فاقت

حتى الغرفة الموجودة في ذاك المنزل حتى أنها قامت بوضع

بساط قديم فيه ووسائد وجدتهم في طرف سور المنزل قضت

ساعات تنظفه من الأتربة وما أن نفذت فكرتها تلك اكتشفت بأنها

استفادت من ذاك الجزء الواسع من المطبخ فعلى الأقل تجلس

وهي تطبخ حيث لا طاولة هنا ويتناولان الطعام فيه بل باتت

تقضي جل يومها فيه فهي تقضيه وحيدة في هذا المنزل لا تقابلها

إلا الجدران الطينية المطلية بالأبيض الناصع ورغم كل ذلك تراه

الجنة وعالم لا تتمنى الخروج منه فهي لا تخشى إلا الأسوأ فلم

تعرف النوم براحة وأمان إلا هنا ، لم تعد دموعها تسقي وسادتها

ليلا تناجي أطياف الراحلين عنها أحياءً وأموات لعلهم يأخذوها

معهم .

كانت تتحرك بسرعة بين تفاصيل المطبخ البسيطة التي زادها

اتساعه اختصارا تحاول إظهار عدم انتباهها لنظرات المتكئ

بمرفقه على إحدى الوسائد رغم توترها الذي بلغ ذروته فهو في

العادة يصل بعد الظهر يصلي ويأكل وينام فورا حتى وقت العصر

ليخرج للمزارع بعدها مباشرة وموعد قدومه بعد مغيب الشمس

بقليل لكنه اليوم وعلى غير العادة عاد مبكرا ولم تستطع سؤاله

عن السبب خشية أن يفهمها بشكل خاطئ ، وضعت صينية الطعام

أمامه وقالت مبتسمة

" لا تسأل بعد الظهر عن طعام الغداء فلن أطهو غير هذا "

ضحك الذي جلس متربعا وقال

" لا لن أطلب غيره لأني لن أرجع وقت الغداء "

كادت توقع إبريق العصير من يدها قبل أن تصل به ناحيته

وتنهدت براحة ما أن تابع وهو ينظر للطعام الذي بدأ يأكل منه

" لقد اقترح عليا أويس أن أعمل في مزعته بما أني أعمل بعد

الظهر بل ويريدني أن أكون مشرفا على عماله هنا ، يناسبني ذلك

كثيرا سأكون قريبا من المنزل باقي النهار فوجودي بعيدا عنه

أغلب اليوم يجعلني منشغلا عليك طوال الوقت فالعمال هنا في كل

مكان سواء في أرض أويس أو أراضي أعمامك "

جلست أمامه ووضعت الإبريق والكأسين وابتسمت تراقب ملامحه

بحب وقالت مبتسمة

" جيد أنه لم يكرهك فقط لأنك تزوجتني بل وأستغرب أنه لم

يطردنا من هذا المنزل ! "

أخذ كأس العصير الذي مدته له وقال

" لا أرى أويس بكل ذاك السوء لكن موت والده وما أصاب

والدته السبب "

وتابع ما أن وضعته قربه وقد رفع نظره لها

" على الرغم من أني لا أرى تحميله إياك ذنب ما حدث بالأمر

الصحيح خاصة وأنه محام ويدافع عن المظلومين لكن علينا أن

نضع أنفسنا مكانه أيضا "

أسدلت جفناها الواسعان على تلك الأحداق الخضراء ونظرت

للأسفل قائلة بحزن

" أحيانا أكره أني قد ولدت ووجدت في هذه الحياة فلست سوى

لعنة كما يسمونني وبذرة شر حكموا عليها بما لم تختاره لنفسها

، كم تمنيت لأعوام أني مت أو لم أولد "

تنهد ببطء وعمق يراقب ملامحها بحزن فهو يفهم موقفها وكم

لام نفسه لأنه قال ما قال فحاول تغيير ذاك الجو والمزاج قائلا

بابتسامة جانبية

" ومن هذه التي سأربطها بعنقي إن لم تولدي ؟ وأصدمها

بسيارتي وأتزوجها وتطهو لي كل هذا الطعام اللذيذ

وتغسل ثيابي ؟ "

مسحت الدمعة التي ملأت عينها بطرف كم فستانها الطويل

تنظر للأسفل مبتسمة بحزن وقالت

" كنت تزوجت من أي واحدة أخرى تفعل كل هذا "


قال من فوره مبتسما وقد عاد لتناول طعامه

" ولا تشتكي ولا تتذمر من فقري ووضعنا وبقائها لوحدها

طوال النهار ؟ بل وتزيد في عمري أضعافا بسبب دعائها

الدائم أن لا أموت وأتركها "

لونت السعادة نظراتها الدامعة وملامحها الحزينة كما غمرت قلبها

وتلون خديها من الإحراج وهمست بحياء تهرب بنظرها للأسفل

رغم أنه لم يكن ينظر لها

" من لا ترى سوى فقرك لا تستحق أن تكون زوجة لك "


التهى بطعامه ولم يعلق فشعرت بالندم على ما قالته وتمنت أن

تحدثت عن الرجال بشكل عام وليس عنه تحديدا فهي هكذا

غبية دائما لا تصدق أن تجد فرصة ليتحدثا فتبدأ بقول المفيد

وغير المفيد .


شغلت نفسها بتناول الطعام أيضا وكادت تغص باللقمة في فمها

حين قال

" مايرين ماذا إن اكتشفت يوما بأن شقيقك لازال على قيد

الحياة وموجود في مكان ما من هذا العالم ؟ "

رفعت نظرها له باستغراب فكان ينظر لها فهربت بنظراتها منه

مجددا وقالت بحزن ومرارة

" منذ توفيت والدتي ولا حلم لدي في الحياة سوى رؤيته من

جديد وعودته ، كنت أراه طوق النجاة من جميع همومي التي

كنت أعيشها وأواسي نفسي بذاك الأمل الكسير في عودته لكن

في تلك الليلة التي رماني فيها جسار خارج المنزل ورحل وتركني

للشارع وحين لم أجد غير صوت صراخي أناديه في الفراغ ولم

أجده في أسوأ موقف عرفته في حياتي البائسة تلك تمنيت أن

يكون ميتا لأجد له عذرا لتركه لي هكذا بموته ولا أجده أمامي

يوماً ما وأسأله لما ترتكني ولا أجد لديه جوابا أعظم مما

مررت به "

مسحت بظهر كفيها عينيها والدموع التي تسربت منهما وتابعت

بعبرة مكتومة

" هازار لم يكن لي أي شقيق فوحده من لم يتعامل معي كوباء

وجريمة ووصمة عار بل كنا مقربين من بعضنا وكأنه لا تفصنا

عشرة أعوام ، وإن بقي هنا لكان مصيره الموت على أيدي

أعمامه لا محالة بسبب خيانته كما يزعمون وهو ينظم لجيش

ابن شاهين لكنه لم يأخذني معه لم يرجع لأخذي ولم يفكر بما

أقاسيه ويعلمه جيدا مهما كان بعيداً ، لقد كانت ثلاثة عشر عاما

لم أرى فيها يوما سعيدا .. لم أضحك فيها يوما بل ولم أبتسم ..

لم أرى أو أسمع سوى الضرب والسب والشتم ونظرات الازدراء

والاحتقار حتى جعلني الجميع أنظر لنفسي كشيء نجس ملوث

حتى كرهتها ... أجل كرهت مايرين التي حتى نسبها ضاع بين

الألسن ولم أعد أعلم من هذا الذي سألقي باللوم عليه والدتي أم

والدي المجهول؟ جسار شعيب وأشقائه أم هازار ؟ "


وازدادت عبراتها حدة كما دموعها تغطي شفتيها بظهر أصابعها

لازالت تنظر للأسفل قائلة

" لم أشعر بأني مخلوق بشري وامرأة لها نفع في الوجود إلا

هنا معك "

وانهارت باكية أكثر فوضع الملعقة من يده ووقف ودار حول

صينية الطعام وجلس بجوارها وشدها لتتكئ على كتفه ومسح

على شعرها قائلا بهدوء

" توقفي عن البكاء أنا آسف ما كان عليا فتح جراحك بسؤالي

ذاك فأنا أيضا لو كان الأمر بيدي لن أسلمك له ولا برغبتك فما

من عذر يشفع له تركك في ظروف هو أعلم بها من غيره "

مسحت دموعها ولم تتحدث أو تتحرك تترك لنفسها فرصة النوم

في حضنه والشعور به والبكاء فيه ولا تنكر بأنها لم تعد تفهم

مشاعرها فهذا فاق الامتنان والشعور بالأمان بكثير ولم يعد

يخيفها في فقدانه فقدان المنزل والمأوي الآمن فقط بل باتت

تخشى فقدانه هو نفسه فهو طمأنها مرارا بأنها لن تضيع بعده

وتنتهي للشارع مجدداً وبأنه ثمة من سيعتني بها بعده لكنها

لازالت تخشى من أن تفقده وأن لا تراه مجددا وتسمع صوته وأن

يكون عالمها خال منه .

ابتعدت عنه ما أن وقف وتبعته بنظراتها الدامعة وهو يتحرك جهة

باب المطبخ وقد خرج قائلا

" سأكون هنا في المزرعة إن احتجت شيئا يا مايرين فلا تخرجي

من دون حجاب "

واختفى خلف النور القوي المنبعث من ذاك الباب تودعه نظراتها

الحزينة الدامعة وهمست بحب

" لا أحتاج لأكثر من وجودك في الحياة يا يمان "

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 04-04-18, 10:10 PM   المشاركة رقم: 1059
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*

بصق بقايا العود من فمه ورماه من يده يتكئ على الجذع خلفه

وقال ناظرا للتي لازالت تعتصم في مكانها جالسة على الأرض

تحضن ركبتيها وتنظر للفراغ بحزن

" هيا يا طفلة يكفيك بكاء ستستهلكين كل الطاقة التي تحصلت

عليها من طعامك ذاك "

رمقته ببرود وأشاحت بوجهها للجانب الآخر لتتبدل ملامحها

للحزن فورا على ذات ذاك الصوت البارد الذي يصلها من بعيد

" حتى أنك أوقعت الحلوى التي يفترض أن لي نصيبا فيها "

فابتسمت بحزن وامتلأت حدقتاها الذهبيتان بالدموع فورا فها

هو لازال يصر على تسمية الشيكولاتة بالحلوى !

نظرت للأسفل تمسح عينيها ما أن اقتربت خطواته منها حتى

وقف فوقها ووصلها صوته الجاد

" ماريا لا تجعليني أندم على ما أنا مقتنع تماما بصحة فعله وأنا

أختار أن لا أتركك لجهلك وجراحك مني متعذرا بالوطن والواجب

وحمايتك لأن النتيجة ستكون أن ارجعك للبلاد حتى أجل قد يكون

أبعد مما نتوقع "

حضنت ركبتيها أكثر وهمست ببحة وحزن

" أسمع صوت مياه هنا هل هو ذات المكان الموجود فيه الكوخ

الخاص بك ؟ "

ابتسم على طرقها الغريبة والفريدة من نوعها لإيصال ما ترفض

قوله بلسانها وقال

" أجل لكنه بعيد عن هنا لا تخافي لن أخل باتفاقنا "

قالت بذات همسها الحزين ولازالت تنظر للأرض تحتها

" لنذهب للنهر إذا "

مد يده لها وقال

" هيا إذا ... ويكفي بكاء ماريا من أجلي "

نظرت ليده وأمسكت بها ووقفت ولم يكن يعلم بأن كلماته تلك

كانت كفيلة بجعلها تبكي مجددا لكنها عاندت عينيها ودموعها من

أجله فقط كما طلب فإن طلب عمرها وروحها والنور في عينيها

ما رفضت أبدا ولا ترددت في أن تهبها له .

تبعته بخطوات سريعة لتجاري خطواته الواسعة لازال يمسك

بيدها حتى بات صوت تلك المياه الجارية يقترب أكثر أو أنهما

هما من كانا يقتربان منه شيئا فشيئا حتى ظهر لهما من بين

الأشجار فاقترب بها منه حتى وصل لحافته وترك حينها يدها

ونزل له مستندا بقدميه وغرف من مياهه بكفه ووقف مجددا وما

أن وصل به لوجهها كان بالكاد يحتفظ بالقليل منه فمسح وجهها

به متجنبا أشرطة اللاصق الطبي فيه ومرر أصابعه على عينيها

فاتكأت على صدره وضمها هو بذراعه بقوة وسار بها على حافة

النهر بخطوات بطيئة فحضنت خصره بذراعيها هامسة بحزن

" لا أريد لابنك أن يكرهك مستقبلا يا تيم "

ضمها له أكثر وقبل رأسها ولم يعلق فأبعدت يدها عن خصره

ومسحت بها عينيها ولم تتحدث عن الأمر أكثر من ذلك فلم

ترفض ذلك ومنذ البداية إلا من أجله فلا تريد لما حدث مع والده

أن يتكرر معه رغم أنها بعدما قاله وأخبرها به لم تكن تريد منعه

عن أي شيء يريد أن يكون بينهما فكما قال قد لا يعطيهما

المستقبل أي فرص ليكونا معا كما الآن لكن العوائق كثيرة أيضا


عادت لمسح دموعها التي بدأت بمحاولاتها الجديدة للتسرب من

رموشها ووقفت فوقف لوقوفها ما أن كانا عند الجهة الصخرية

من ذاك النهر حيث المياه أقل ارتفاعا وسرعة جريانها أقل أيضاً

فابتعدت عنه ورفعت نظرها له ولازالا سائرين ونظرت له نظرة

رجاء رقيقة مبتسمة تميل رأسها جانبا مع رفعها لكتفها جهته

فأبعد نظره عنها مبتسما وقال

" لا تفكري فيها مطلقا يا طفلة لن أركض بك في النهر أنا لست

جوادا إن ضحك عليك عقلك بذلك "

استدارت في سيرها حتى أصبحت مقابلة له تسير للخلف ورفعت

ذراعيها جانبا وقالت بابتسامة شقت تلك الملامح الحزينة

" ومن قال أنك ستركض ؟ نحن نعيش اللحظات أليس كذلك ؟

إذا فلنعشها كما يريد كلينا "

حرك رأسه بالرفض وتمتم ببرود

" هيا توقفي عن جنون الاطفال ، ما هذه الطريقة السخيفة التي

نعيش اللحظة بها ؟ "

وقفت وأوقفته بيديها على صدره وقالت برجاء

" أرجوك تيم هذه المرة فقط "

أمسك يديها وأنزلهما ببطء متماً بضيق

" أنا أساسا لن أجلبك لهذا النهر مجددا لتكون ثمة مرة أخرى "

وما أن عاد للسير سارت للخلف مجددا مقابلة له وقالت بعبوس

" وكأني أطلب أمرا مستحيلا "

شدها من ذراعها ما أن تعثرت خطواتها بسبب حجر عرقل سيرها

المقلوب شاتما بكلمة يونانية هامسا وانحنى لركبتيها ورفعها

بخفة ونزل لمياه النهر قائلا بضيق

" ستتوقفين عن مشاهدة الأفلام السخيفة مفهوم ؟ "

تعلقت بعنقه وقالت مبتسمة تنظر لنصف وجهه المقابل لها

" ومن أخبرك أن هذا يعرض في الأفلام السخيفة يا رجل

مطر شاهين ؟ "

تغلغلت خطواته في المياه أكثر حتى وصلت لساقيه وقال ببرود

" قال لي أن أفكار النساء السخيفة جميعها بسببها "

حضنت عنقه أكثر متمتمه بابتسامة

" يالك من متعجرف رائع "



وصرخت ضاحكة ما أن دفع الماء بقدمه للأمام بقوة حتى أن

قطراته المتطايرة وصلتها ورفعت رأسها للخلف مبتسمة بسعادة

فكما سبق وقال المستقبل لا أحد يعلمه والتفكير فيه إضاعة

للحاضر ليس إلا بل والاعتراض عليه مجرد حماقة فليعيشا

اللحظة معا وليس عليها سوى أن تتوجه بالدعاء لمن بيده كل

شيء أن يحفظه لها وأن يحميه من أجلها وأن يعطيها القوة

للمضي وحدها إن هي فقدته يوما باتت لا تراه بعيدا أبدا .



*
*
*

دخلت مبنى الجامعة تنظر لكل شيء حولها كطفلة تدخل مدينة

الألعاب لأول مرة في حياتها تمسح نظراتها حتى الأعمدة

الرخامية وكأنها تراها لأول مرة في حياتها ...

( جامعة عين حوران للإقتصاد ! )

المكان الذي تمنت أن تدخله يوما وكان مجرد حلم سخيف فلا أحد

غير طلبتها يدخلونها ولا ببطاقة طالب من جامعة أخرى ...

أكبر وأشهر جامعة في البلاد بل وصنفت ضمن أفضل خمس

جامعات في الشرق الأوسط شهاداتها معترف بها عالميا تخرّج

رجال الأعمال وحاملي الدكتوراه في الإقتصاد وحاملي شهاداتها

فرص العمل أمامهم لا حصر لها ما أن يخرج من هنا وأغلب

خريجيها من طلبة الماجستير والدكتوراه ومن هم في مثل وضعها

قلة فلا يتم قبولهم هنا بسهولة إلا إن حصل على الدرجة كاملة في

شهادة الثانوية العامة حتى أن درجتها كانت ثمان وتسعون

تقريبا ورفضوها فورا ودون نقاش فأقل درجة يقبلون بها

99،5% ولا تصدق أبدا أن حلمها قد يتحقق !


نطرت لحركة الطلبة حولها من لا تعلم من منهم الطلبة من

الأساتذة فلا وجود لأصحاب تلك الأعمار المتفاوتة بين التاسعة

عشرة للثالثة وعشرون إلا القليل تشعر وكأنها في اجتماع لرجال

الأعمال ورؤوس الأموال في الدولة ! وتمنت لحظتها أن جاءت

في وقت مبكر لكانت حركة الطلاب أقل على الأقل .


" أنت زهور ؟ "

التفتت خلفها فورا ونظرت للفتاة الواقفة أمامها .. كانت في

الثلاثين من عمرها تقريبا بحجاب أبيض عكس الحمرة الطفيفة

في بشرتها البيضاء .. ابتسامة جميلة وعينان عسلية واسعة

تحيطها رموش بنية ناعمة واستطاعت فورا أن تتكهن أنها من

شمال الهازان وستكون خماصية بالتأكيد فتلك الدماء والملامح

تعرفها فور أن ترى أحدهم ، مدت يدها لها وقالت مبتسمة

" أجل أنا هي "

صافحتها من فورها وقالت بابتسامة مماثلة

" أنا غدير وثمة توصية بخصوصك من خطيبك فهو صديق

لشقيقي وزميل سابق لي وأنت غريبة عن هذا المكان كما قال

وسأساعدك في كل ما تحتاجينه "

ابتسمت بسعادة ... يا إلهي ما هذا الخطيب الرائع واسع النفوذ

الساعي لراحتها هكذا ! قالت ترفع خصلات شعرها القصير خلف

أذنها

" سيكون ذلك من دواعي سروري فأنا بالفعل لا أعلم اليمين

من الشمال هنا "

ضحكت الواقفة أمامها وتحركت من مكانها قائلة

" تعالي إذا لمكتبي لنتحدث بحرية أكثر "

سارت بجانبها وقالت تنظر لها باستغراب

" ألست طالبة هنا ؟ "

قالت مبتسمة تدخلان أحد أروقة الطابق السفلي الخاص بموظفي

الجامعة

" لا أنا رئيسة قسم المحاسبة القانونية هنا "

فغرت فاها بصدمة تنظر لها وهي تفتح باب مكتبها بمفتاح

أخرجته من حقيبتها وهمست بدهشة

" رئيسة قسم كامل !! "

ضحكت التي دخلت قبلها وقالت وهي تدور حول طاولة مكتبها

" مجرد قسم فالأقسام هنا لا يمكن حصرها ، تعالي اجلسي

يا زهور "

جلست على الكرسي الجلدي المقابل لمكتبها ووضعت حقيبتها

على الطاولة الزجاجية أمامها وقالت مبتسمة

" إذا ما يكون ذاك الخطيب الذي درس معك ؟ أخشى أن

أكتشف نهاية الأمر بأنه رئيس البلاد ! "

لاحظت باستغراب تبدل ملامحها بدلا من أن تضحك كما توقعت

وأبعدت نظرها عنها فورا وقالت ترتب الأوراق تحتها

" لا تسمعك ابنة الزعيم شراع تخطبي نفسك لزوجها "

ابتسمت ابتسامة سرعان ما تحولت لضحكة وقالت

" لا بالله عليك من تنافس تلك المرأة ؟ لم تكن صورتها في

الجريدة واضحة لكني كدت أموت من الصدمة ما أن رأيتها ، لقد

فاتتني أعداد المجلات التي أظهرت صورتها بوضوح ولم أكتشف

ذلك إلا بعد مرور أكثر من أسبوع "

ابتسمت الجالسة خلف مكتبها بسخرية ممزوجة بالحزن وقالت

ولازالت تتجنب النظر ناحيتها

" حتى المجلات لم توفيها صورها حقها إنها تشعرك بالتقزم

ما أن تريها وتتحدث أمامك "

نظرت لها باستغراب وقالت

" هل رأيتها سابقا ! قلة هم من رأوها وجها لوجه إن استثنينا

ساكني مملكة الغسق طبعا فهي انتقلت لحوران موخرا "

نظرت ليديها على الطاولة تحتها وقالت ما لا يمكنها نكرانه

" لقد زارت المكتب الذي أعمل فيه قبل أيام تسأل عن مديره

وهو ابن خالتها ، ما لم تسمعي صوتها وطريقة حديثها

ولباقتها مع حسنها الغريب ! لن توفيها حقها أبدا أي صور "


ورفعت نظرها لها وقد تابعت بابتسامة ساخرة هي أقرب للمرارة
" لا أستغرب أبدا أن يتشاجر عليها الرجال وحتى الأشقاء "

تنقلت نظراتها المصدومة في ملامحها فقالت مبتسمة تغطي

كل ذلك

" لن تصدقي أبدا أن يكون الزعيم مطر تركها من أجل امرأة

أخرى ؟ إنها حماقة لا يصدقها من يفكر بعقله ! لو كنت رجلا

لوضعتها في أعلى جبل في البلاد وعشت معها هناك بعيدا عن

الرجال ليس أن أبحث عن شيء لن تملكه غيرها أبدا ، إنها

امرأة ذكية قوية قادت مملكة كاملة تحضن أكثر مشاكل النساء

تعقيدا .. واثقة من نفسها أنيقة أنثى متكاملة ومتواضعة ذات

الوقت ، لقد ظلمها ذاك الرجل العظيم حين قال بأنه عاد لها

بسبب وعد وتركها من أجل امرأة أخرى ! هذه إن أشارت

لرجل بطرف رمشها جعلته تابعا لها "

تنهدت الجالسة أمامها وقالت بحيرة

" إنها مسألة معقدة أثارت أراء كثيرة بين الناس بين مكذب

للأمر ومصدق فمطر شاهين لم تكن له نساء وعلاقات بهن وقت

زعامته للحالك ! تزوجها بطريقة غريبة وتركها بطريقة أغرب

وكما قلت أنت الأذكياء سيلاحظون وجود ثغره في الحكاية ...

لكنه اعترف وأمام الملأ ! "

رفعت الجالسة خلف المكتب كتفيها وقالت

" واعترافه أكبر دليل على الخلل في الموضوع فأي طريقة

اعتذار تلك التي تجعله يعترف بذنبه أمام الملأ ! هذا قتل للمرأة

وليس اعتذارا منها "


لوحت بيدها قائلة

" تلك المسألة مناقشتها مضيعة للوقت فليسا سوى رجل أعظم

وأنبل من أن يكون مخادعاً ولا كاذباً وامرأة متكاملة يتمناها كل

رجل في العالم إذا هي أحجية لا حل لها "

ابتسمت لها ولم تعلق فنقلت نظرها ليديها البيضاء على الطاولة

تبحث فيها عن أي خاتم وقالت مبتسمة

" وأين الرجال الحمقى عن امرأة مثلك ؟ لا أرى خاتم زواج

أم أنك لا تفضلين ارتدائه ؟ "

انقبضت تلك الأصابع على بعضها وانسدل جفناها الواسعان على

تلك الأحداق العسلية وهمست الشفاه الزهرية بحزن

" لم يكتب الله نصيبا بعد "

عضت شفتها وقالت باعتذار

" آسفة إن كان سؤالي سخيفا فأنا حمقاء هكذا دائما أنسجم

مع الناس بسهولة ، آسفة يا آنسة غدير "

رفعت نظرها لها ورسمت ابتسامة صغيرة لم تمحي الحزن

في عينيها الجميلتان وقالت محركة كتفها بلامبالاة

" أبدا ليس عليك أن تعتذري فليس خطأ أن تقف المرأة مع

نفسها لوقت أطول لكي تختار شريك حياتها "

تأوهت الجالسة أمامها بعدم تصديق قائلة

" آه لا أنت رائعة وجميلة فإن كنت تنتظرين رجلا كمطر شاهين

فتزوجي سريعا فلن يأتي "

وضحكت ما أن ختمت جملتها تلك ونجحت في زرع ضحكة

صغيرة صادقة على تلك الشفاه فكم تعشق هذا النوع من النساء

اللواتي يتعاملن معك وكأنهن يعرفنك من أعوام وليس لقائكم

الأول ، قالت مبتسمة

" لو يسمعك خطيبك قد يغضب ، ألا تخشين أن أوصل

هذا له ؟ "


ضحكت من فورها وقالت

" لا بالله عليك لا أريد أن أخسر الدراسة هنا "


ضحكت كثيرا وقالت

" يالك من امرأة استغلالية لا تنكر ذلك أبدا ! "


ضحكت وما أن كانت ستتحدث ماتت الكلمات على طرف شفتيها

تراقب اختفاء الابتسامة من شفتي الجالسة أمامها وقد استقر

نظرها على شيء ما خلفها جهة الباب قبل أن تقف مبتسمة

فالتفتت من فورها بفضول ونظرت للذي كان يقف عند باب

المكتب ووقفت أيضا تنظر بحاجب مرفوع .. للرجل الطويل

الرائع بالبدلة السوداء الأنيقة يمسك حقيبة حاسوب شخصي

في يده ويرفع طرف سترته بيده الأخرى التي يدسها في جيب

بنطلونه .. شعر أسود مصفف للخلف بعناية وعينان سوداء

فاحمة وحاجبان طويلان .. أنف مستقيم وشفاه تدل على شخصية

متحكمة مسيطرة يحفها شارب ولحية خفيفة .. فكان عريضان

وشخصية مميزة تصيب بالإغماء رغم أن صاحبها يبدوا بلغ

الأربعين من عمره لكن هيبة ذاك العمر هي ما زادته جاذبية

ووسامة ! راقبت نظراتها بفضول التي خرجت من خلف مكتبها

قائلة

" مرحبا قائد ما هذه الزيارة الغير متوقعة لحوران ! ظننتك

غادرت بالأمس "

تقدم نحو الداخل وقال

" بلى عدت اليوم من أجل أمر ضروري وأريد مساعدتك فيه

يا غدير "

ابتسمت له التي التفتت قائلة للتي أصبحت خلفها

" هذه زهور طالبة جديدة هنا وخطيبة لصديق قديم للعائلة ، وهذا

قائد نصران يا زهور هو رئيس مكتب المحاماة الذي أعمل فيه

وهو أستاذ هنا يدرس طلبة الماجستير كما أنه تم ترشيحه لإدارة

الجامعة لكن تواضعه المريع الذي جعله يرفض وظيفة الإدعاء

العام جعله يرفض هذا أيضا "

انتقلت تلك النظرات والأحداق السوداء له بدهشة على ذاك

الصوت الرجولي العميق باسما

" لما كل هذا الموشح التعريفي يا غدير من هذا الذي قال لك

أني أبحث عن زوجة ؟ "

قالت التي هربت بنظرها منه للواقفة خلفها تغتصب ابتسامة

صغيرة

" أرأيت كم هو متواضع درجة الإزعاج ؟ لا تخافي وأبدي
رأيك فهو لن يدرسك "

لم تستطع الواقفة أمامها أن تمسك ضحكتها وقالت

" لا أنا لا ترهبني هذه الأمور أبداً فسبب تركي لجامعتي السابقة

شجاراتي المتواصلة مع أستاذ القانون التجاري "

وتابعت تحييه بيدها من مكانها

" سعيدة بمعرفتك سيد قائد ولن أستغرب هذا التواضع من مدير

ومدرب هذه الجميلة المتواضعة "

نظرت لها الواقفة أمامها بصدمة وما أن التفتت خلفها شعرت

بقلبها سيتوقف ما أن وقع نظرها على تلك العينان السوداء

الناظرة له تزين شفتي صاحبها ابتسامة صغيرة والذي قال من

فوره

" غدير ستصل ابنة خالتي لمكتبك بعد قليل وستسلمك ظرفا ورقيا

سآخذه منك بعد نصف ساعة في مكتب العميد اتفقنا ؟ "

ليحطم ذاك القلب وتلك الابتسامة بصفعة مباشرة فبلعت غصتها

بصعوبة وهمست

" بالتأكيد أنا في الخدمة "

وراقبت نظراتها بحزن وأسى الذي نظر لساعته في معصمه قبل

أن يغادر من هناك ويختفي كما ظهر فتنفست بعمق مغمضة

عينيها قبل أن تنظر للواقفة خلفها وقالت بابتسامة مغصوبة

" يبدوا أن حلمك سيتتحقق وستري غسق شراع على

الطبيعة "

فغرت فاها بصدمة وقالت بدهشة

" قولي قسما ! هل هو مديرك ابن خالتها الذي سبق

وتحدثت عنه ؟ "

وما أن كانت ستجيبها تراجعت بسبب التي وقفت أمام باب المكتب

قائلة

" عذرا هل هنا مكتب الآنسة غدير ؟ "

لتنظرا كليهما لصاحبة البذلة السوداء فائقة الأناقة والرقي

والحجاب الأسود الملفوف بأناقة حول الوجه الدائري والملامح

الفاتنة وعينان رغم لفها له جهة صدغيها فقد لامست أطرافه

فتحتها الواسعة فاقت الليل سوادا تجعلانك ودون شعور منك تبتعد

عنها في باقي الملامح الساحرة لتعود لها في كل مرة تدور

حدقتاك بينها كالمنوم ..! وبينما استقبلتها تلك العينان العسلية

المليئة بالحزن والألم بابتسامة رقيقة كانت العينان الأخرى لم

تجتز ذهولها بعد فاغرة صاحبتها شفتاها بشكل طفيف وهمست

بما وصل للواقفة قربها فقط

" يا إلهي ليحضر لي أحدهم ذاك الرجل الأحمق لأضرب

رأسه بالجدار "

ابتسمت لها التي قالت بأدب ناظرة للواقفة عند الباب

" نعم سيدتي هنا مكتبي وأنا غدير تفضلي "


ابتسمت لها وتقدمت نحو الداخل بخطوات أنيقة ومدت يدها

مصافحة كل واحدة منهما وقالت للتي تعرفت عليها بسرعة

" تقابلنا في مكتب قائد أليس كذلك أم أن ذاكرتي خانتني ؟ "

ابتسمت لها بتواضع قائلة

" بلى سيدتي وسعيدة بأن كان لي فرصة أخرى لنتقابل

بشكل أقرب "

سحبت يدها وقالت تهديها ابتسامة أجمل

" وأنا كذلك يا غدير فقائد يمدحك كثيرا "

ونظرت للأسفل ما أن فتحت حقيبتها وأخرجت منها ما جعلها

تنظر له بصدمة والذي كان عبارة عن بطاقة دعوى مستطيلة

خاصة بالحفلات بإطار خشبي مزخرف بأناقة ففهمت فورا بأن

ما تحدث عنه سيكون مخفيا داخلها ويبدوا أنهما لا يريدان ولا

للطلبة المتنقلين في الممر أن يلحظوا ما ستعطيه لها وتابعت

مبتسمة

" حتى أنه يؤمنك على ما أستغرب أن يفعلها مع شخص غير

نفسه ! "

ومدت لها البطاقة على نظراتها الذاهلة ليس بسبب تلك البطاقة

بل بسبب ما سمعته وانتبهت لنفسها ما أن لاحظت نظراتها لها

وابتسامتها فشعرت بالإحراج وأخذتها منها متمتمه هاربة

بنظرها منها

" لا يأخذك تفكيرك لما يسافر له كل من يرانا معا فلسنا سوى

زملاء وقائد يفخر كل من يعرفه بأن يكون صديقاً له "

قالت مبتسمة

" بالتأكيد يا غدير وأنا من يعرفه منذ أن كنا أطفالاً لا يفهمه

إلا من يفكر بذات طريقته ... إنه شقيق رائع لي وأفخر

به كذلك "

نظرت لها باستغراب ونظراتها تنتقل لحقيبتها التي أغلقتها قبل

أن تنظر لهما وصافحت كل واحدة منهما مجددا وودعتهما

مبتسمة وغادرت من فورها أربع عيون ذاهلة تتبعها هذه المرة

خاصة للتي رمتها بقذائف مباشرة قبل أن تخرج لتتركها تسبح

في دوامة ذهول وفاتها أن تلك الفاتنة تستطيع قراءة النظرة

التي رأتها في عينيها ما أن تقابلتا أول مرة وسألت عنه ، ذهول

لم يخرجها منه سوى التي قالت من خلفها بصدمة ترتب شعرها

قائلة

" أثمة مرآة هنا لأرى إن كنت امرأة فعلا أم رجل "

فلم تستطع التي التفتت لها إمساك ضحكتها التي لم تستطع أيضاً

التحكم بها بسهولة لتوقفها وقالت ما أن هدأت

" ألم أخبرك بأنها تشعرك بالتقزم ؟ لا تزعجي نفسك أنت

امرأة وجميلة أيضا فلا تفكري في غير ذلك أو ستصيبك

نكسة مستديمة "

تنهدت بعمق وجمعت يديها عند جانب وجهها وقالت بحالميه

مبتسمة

" هذه إن لم يلق بها مطر شاهين فلا بديل له سوى ذاك الوسيم

الذي كان هنا قبل قليل ، فقط لا تخبري ذاك الجنوبي كي لا

يغضب مني "

وأتبعت ما قالته بضحكة صغيرة قبل أن تتابع بفضول تنظر للتي

أولتها ظهرها تخفي انفعالاتها عنها وقد دارت حول طاولة

مكتبها

" صحيح لما أنت من تأخذ منها ما قال عنه وليس هو

وهو هنا ! "

وقفت خلف مكتبها ووضعت البطاقة في الدرج ونظرت لها وقالت

" هذه أمور أنا نفسي لا أستطيع سؤاله عنها فليس جميع ما

يخص عمله نكون على إطلاع به ولا يحق لي أن أسأل عما لم

يفصح هو عنه "

حركت كتفيها وقالت مبتسمة

" آسفة كان سؤالا عفويا ولم يكن فضول بشع ، يبدوا لي أنك

مشغولة هل أراك اليوم مجدداً "

قالت بسرعة قبل أن تفكر في المغادرة
" لا أين ستذهبي فأنت موصى عليك من جنوبيك ذاك وعليا أن

اعرفك على جامعتك وطلبة تخصصك ومساعدتك فيما

ستحتاجينه منهم "

ابتسمت بسعادة وفردت ذراعيها قائلة بضحكة

" اقسم أن ذاك الجنوبي أفضل وأروع من مطر شاهين ومن

رئيسك ذاك أيضاً "

لم تستطع التي جلست خلف مكتبها إمساك ضحكتها وقالت

وهي تجلس

" تعالي اجلسي واحكي لي عن الأستاذ الذي تركت جامعتك بسببه

بينما سننتظر وقت ذهابي لمكتب العميد فتبدوا لي أن حياتك مليئة

بالمغامرات "

مطت شفتيها بضيق قبل أن تبتسم وتتوجه نحو الكرسي الذي

جلست عليه سابقا قائلة بحماس

" ما رأيك بمغامرات طفولتي فهي أكثر متعة من التحدث

عن ذاك الجنوبي المغبر "


*
*
*


اتكأ بخده على راحة يده وتنهد بضيق ينظر لحقيبته النائمة على

الأرض أمام قدميه وحسدها على لامبالاتها لا يعنيها إن خرجت

من هنا أم لا عكسه تماماً يكاد يحترق من الانتظار جالس هنا منذ

ساعات حتى بات يرى بأن ذلك سيمتد لوقت طويل ، تبعت حدقتاه

السوداء التي يخفي جفناه أغلبها حركة القدمان والحذاء النسائي

الذي يغطيه قماش فستانها الطويل وهي تجتازه حتى جلست

بقربه ووصله صوتها المنخفض مبتسمة

" لما لا تتصل بها أفضل من جلوسك هنا تنتظر لكل هذا الوقت

يا كاسر ؟ "

أدار مقلتيه للجانب الآخر وتمتم ببرود

" بالله عليك لا تسخري مني يا ثنانية يكفيني رماح لقد جعلني

أكره الرماح بجميع أنواعها "

خرجت منها ضحكة صغيرة وقالت

" ومن قال أني أسخر منك ؟ أنا فقط أقترح عليك ما أراه

أفضل لك "

تنهد بضيق وقال

" ومن قال أني لم أفعل ذلك ؟ لقد تحدثت معها قبل ساعتين وقالت

بأنها في مكتبها في البرج التجاري وستأتي لأخذي فيما بعد ولا

أرى أن للبعد هذا وجوداً "

قالت بذات ابتسامتها الرقيقة

" ليأخذك رعد إذا أو اذهب بنفسك فقد تكون مشغولة أو نسيت

تماما أنك تنتظرها فحفل الافتتاح اقترب وستكون منشغلة

بالإعداد والترتيب له "

أبعد يده وحركها قائلا بأسى

" لا يمكنني الذهاب لهم ودخول منزلهم ولأول مرة هكذا وحدي

آستي ما سيكون موقفي أمامهم ؟ لا وأحمل حقيبتي معي !

سأكون كطفل جلبوه من دار الأيتام "

ضحكت بصوت منخفض وما أن كانت ستتحدث قاطعتها التي

وقفت خلفه مباشرة قائلة بضيق

" ها أنت تعترف بنفسك بأن وجودك هناك خاطئ بل وغير

مرغوب به يا كاسر "

وقف من فوره والتفت للتي قال لها بضيق

" عمتي لما تقولين هذا ؟ والدتي موافقة وأبي بنفسه طلب

مني ذلك "

تبدلت ملامحها للقسوة وقالت بضيق أشد

" كاسر لا تناديه بأبي مجددا والدك هو الكاسر ابن شراع وإن

كان ميتا فلا تنزل من قدره لديك وفي قلبك "

نفض يده قائلا باحتجاج

" ومن قال أني أفعل ذلك ! لن يحب أحد والديه كمن فقدهما ثم

ها أنا أنادي عمتي غسق أمي فما المانع من مناداته أبي وهو

أبي فعلا ؟ "

قالت بضيق

" غسق ربتك ورعتك كابنها وأكثر من ذلك أما ذاك الرجل فلم

تعرفه إلا من أسابيع مهما كثرت فلا تفرض نفسك على من لا

يراك كما تراه "

شد قبضتيه بجانب جسده وقال بضيق مماثل

" خطأ عمتي فهو من طلب مني أن أناديه بأبي كابنته تيما

وأن أعيش معهم هناك أيضاً "


صرخت فيه من فورها

" ناده والدي مطر على الأقل إذا واحترم ذكرى والدك في قلبك

وفي هذا المنزل وأمام أشقائه وأمامنا جميعا فنحن لم ننساه يوما

إن كنت أنت لا تعرفه وذاك الرجل لا يحترمنا ويحترمه ، أنا لست

راضية أبدا عن تركك لعائلتك الحقيقية والانتقال هناك يا كاسر

فذاك المنزل ليس منزلك "


لوح بيده قائلا بضيق

" عمتي أخبريني ما مشكلتك معه فأعمامي لم يعارضوا ؟

ثم أنا ذاهب حيث أمي ستكون وإن للمريخ "


لوحت بسبابتها في الهواء قائلة بحدة

" لأن مصائبنا جميعها من تحت رأس ذاك الرجل وأنت لا تحتاج

لوالدتك أنت لم تعد طفلا يا كاسر فحتى الحيوانات تترك أهلها

وأعشاشها ، أنت رجل فلا تتصرف كالأطفال فرماح يحتاجنا

بقربه جميعنا "


قال محتجا

" رماح سيتزوج ولن يحتاج لأكثر من زوجته كعمي رعد تماما

أما أنا فأحتاج لوالدتي لا يمكنني العيش بعيدا عنها عمتي وإن

كنت عجوزا "

أشارت بيدها جهة باب المنزل خلفه وقالت بضيق

" وها هم لم يذكرك أحد منهم ، ستبقى غسق ابنة عائلة الشاهين

وأنت ابن شراع وثمة فرق شاسع بين غرب البلاد وجنوبها

والحالك وصنوان يا ابن الكاسر "


غزى الحزن ملامحه وما أن كان سيتحدث توقف فجأة والتفت

جهة باب المنزل حين سمع صوت السيارة التي توقفت في

الخارج فركض جهته قائلا بسعادة

" ها هي قد جاءت عمتي لتري بنفسك "

وما أن فتح الباب وقف متسمرا مكانه ينظر للذي كان واقفا أمامه

ينظر له .. لصاحب البدلة السوداء الفاخرة التي يشك أنه تخاط

لغيره مثيلة لها ..! صاحب تلك الوقفة الواثقة والرجولة الصارخة

فتبدلت نظرته لخيبة أمل عميقة وقال بإحراج

" ظننتك والدتي "

وتنحى قليلا قائلا

" عمي رعد ليس هنا يمكنك انتظاره قليلا .. تفضل "

لكن الواقف أمام الباب لم يتحرك من مكانه بل قال مبتسما

" أنا لست هنا من أجل رعد بل من أجلك أنت "

نظر له بصدمة لم يجاهد أبدا لإخفائها وقال مبتسما

" من أجلي ؟ "

أومأ له بنعم وقال

" أجل وهيا لنغادر "

ابتسم له بسعادة وعاد للداخل راكضا ورفع حقيبته من الأرض

ونظر للواقفة على يمينه وقال مبتسما

" وداعا يا ثنانية وسأزوركم قريبا وأخبري عمتي بأن

والدي بنفسه من جاء لأخذي من هنا "

وغادر مسرعا متجاهلا الواقفة خلف الأريكة مكانها والتي

قالت من خلفه بحدة

" سترجع هنا حين يرميك أنت ووالدتك تلك خارج منزله

وحياته يا كاسر وسأذكرك بهذا يوما ما فمن رماها مرة

سيرميها مرارا "

تجاهلها وتجاهل كل عباراتها المؤلمة الجارحة تلك متمنيا في

قرارة نفسه أن لا يحدث ذلك فعلا ليس من أجله أو بسبب كلامها

ذاك بل من أجل تلك المرأة التي لا يتمنى لها الألم مجدداً ومطلقاً

، ما أن وصل الباب وقف ينظر بصدمة للذي لازال واقفا مكانه

ومن ظن بأنه سيكون جالسا في سيارته أي أنه سمع كل

ما قالته فتلعثم ولم يعرف ما يقول تحديدا .. كان يريد أن

يبرر له أسباب عمته لكن الواقف أمامه لم يترك له فرصة

أطول وهو يستدير وينزل عتبات الباب الرخامية قائلا

" هيا يا كاسر فورائي اجتماع مهم "

فخرج ونزل خلفه فورا فنبرته لم تدل على الضيق أبداً مما

سمعه وهذا ما أراحه ، ما أن وصل السيارة التفت له الذي

كان يفتح بابه ونظر للحقيبة التي كان يجرها خلفه

وقال مبتسما

" ما كان من داع لنقل أغراضك يا كاسر فسأشتري لك كل

ما تريده وأكثر "

ابتسم بسعادة وفتح باب السيارة الخلفي ورفعها بصعوبة قائلا

" ولما نشتري ما أملك منه الكثير ؟ "

وأغلق الباب ما أن وضعها على الكرسي ودار حول السيارة

وركب بجانب الذي جلس خلف المقود قبله وكم يعجبه كل

شيء في هذا الرجل حتى أنه يقود سيارته بنفسه لا يتخذ

سائق ومرافق يحمل له حقيبته ! لازال كما سمع عنه من

الحكايات الكثير قبل عودته فذكره لم تنساه الناس ونقلته

لأبنائها خاصة من كانوا يدرسون معه من الحالك كان

بطلهم الذي يتحدثون عنه وكأنهم عاصروا وقت حكمه

لهم يذكرون جميع تفاصيل ما فعل وكان يفعل حتى شكل

سلاحه الرشاش ولونه وكيف كان يحمله في المعارك

ويشارك فيها .

ما أن خرجت السيارة من أسوار المنزل وبوابته حتى التفت

حولها سيارات حرسه عبر الشارع الواسع لا يمكن ولا لسيارة

خلفهم اجتيازهم رغم أن أغلب ساكني تلك الأحياء الراقية هم

مسؤولين في الدولة وشخصيات مهمة ووزراء والسيارات

المحاطة بالحراسة أمر عادي هناك لكن ليس كهذه وكالموكب

الذي يتبعها حتى أنه من ضمنهم سيارتين للجيش .

نظر ناحيته وقال

" كنت أنتظر والدتي .. لقد أخبرتني بالأمس بأنها ستأتي

لأخذي اليوم ويبدوا بأنها نسيت أمري تماما بوجود ابنتها

المدللة تلك "

نطر له قبل أن يعود بنظره للطريق وقال مبتسما

" لا هي لم تنساك أنا من أخبرها بأني سآتي لأخذك أم لا

يعجبك أن تغادر مع والدك ؟ "


ابتسم وقال

" لا بالطبع أنا استغربت فقط أنها لم تأتي "

وما أن عاد بنظره للطريق ابتسم بدهشة ما أن اجتازت

سياراتهم الإشارة الحمراء دون توقف فضحك وقال بحماس

" أول مخالفة ضد رئيس البلاد وسيتم مصادرة سيارتك "

ضحك الجالس بجانبه وقال

" هذا فقط لأننا كنا في الخط الأمامي حين أضاءت الإشارة

لكنا وقفنا ننتظر كغيرنا فلن نقفز فوق السيارات المتوقفة

أمامنا "

ضرب ظهر يده في كف الأخرى وقال

" ما يضايقني أن الإشارة مراقبة وسيروا في المرور أنك

خالفت الإشارة ولن يحاسبوك "

ضحك مجدداً ولم يعلق وما أن استدارت سياراتهم لشارع

فرعي ودخلت للشارع الواسع المحاط بأشجار الزينة والذي

جعله ينظر حوله مستغرباً وقال

" هذا ليس مكان منزلك من العاصمة إنه... "

ونطر له ما أن تابع نيابة عنه

" القصر الرئاسي ... بلى هو فمحطتنا الأولى هنا إلا إن لم

تكن لك رغبة في هذا "

قال بحماس

" كيف لا رغبة لدي في هذا !! أنا لم أزر هذا المكان بعد تلك

المرة الوحيدة قبل وفاة جدي شراع في آخر حفل رآسي ، الحفل

الوحيد الذي سمحت لي والدتي بحضوره "

قال الذي ابتسم بسخرية

" يبدوا أنها ترفض أن تكون رجل سياسة أو جيش ؟ "

نظر للشارع حوله وقال

" لا هي لم تقل ذلك سابقا لكنها كانت تفضل أن أكون أكبر قليلا

بعد للظهور في تلك الأماكن "

قال وهو يدير المقود لدخول وجهتهم الأساسية

" النتيجة واحدة يا كاسر هي ترفض أن تُبنى شخصيتك كرجل

سياسة أو حروب ، تريدك هكذا مرحا بسيطا تتخطى تعقيدات

هذه الفئة "

رفع كتفيه وقال

" لا أعلم كنت فقط لا أريد إغضابها في كل ما ترفضه وإن

رغبت به "

نظر له وعاد بنظره للطريق وقال

" وأنت مؤهل الآن لدخول هذه الأماكن يا كاسر إنه مكانك أكثر

من غيرك ، أريدك أن تحتك فعليا بهذا العالم فهو مصيرك نهاية

الأمر لأنه مكان والدك وجدك وأعمامك فستتعلم الكثير من
المشاهدة فقط الآن "

مد قبضته أمامه قائلا بحماس

" وأنا لا مانع لدي أبدا فإن بدأت دراستي فستسجنني والدتي

في المنزل كالعادة "


قال مبتسما

" ودراستك مهمة يا كاسر رغم أني أشك أنه سيكون ثمة دراسة

وأنت وشقيقتك في مكان واحد "

ضحك وقال

" لا تقلق من هذه الناحية فأنت لم ترى زوجتك بعد وقت

الإمتحانات ، لقد كانت تراقبني حتى في غرفتي وتعرض شريط

التسجيل أمامي نهاية اليوم حتى أنها تكتشف أني كنت أدعي

النوم فوق مكتبي الدراسي أحيانا "

ضحك ولم يعلق ودخلت سياراتهم بوابة ذاك المبنى الحجري

العملاق حينها ونظرات السعادة تشع من عيني الجالس بقربه

فهو بهذا أولاه اهتماما لم يقدمه له ولا أعمامه سابقا .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 04-04-18, 10:13 PM   المشاركة رقم: 1060
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


طرقت بمفصل إصبعها باب المكتب المفتوح ودخلت ملقية السلام

مبتسمة فأجابها الجالسان في الدخال من فورهما ووقف الجالس

خلف طاولة المكتب أولا وتبعه الجالس أمامه أيضاً وراقبته

نظراته وهو يخرج من خلف طاولته قائلا بابتسامة

" سيكون لنا حديث مطول المرة القادمة يا قائد لا تنسى هذا "

وتحرك جهة الباب يخرج هاتفه الذي بدأ بالرنين من جيبه

مبتسماً على حديث الذي تركه من خلفه قائلا بابتسامة

" إن كان مشابها لحديثك هذه المرة فلن أزور حوران مطلقا

لستة أشهر على الأقل "

فخرج ضاحكاً ومجتازاً التي ابتسمت له وقد دخلت ما أن

غادر وتوجهت من فورها للواقف ينتظرها ومدت له

البطاقة قائلة بابتسامة

" وصلت الأمانة ؟ "

أخذها منها قائلاً بابتسامة مماثلة ونظره على ما في يده

" وصلت منذ أصبحت لديك بالطبع "

فابتسمت تراقب ملامحه وهو يفتحها وتمنت أن كانت استطاعت

أن تشعر بتلك المشاعر التي كانت تنتابها سابقاً حين تبتسم

لمديحه لها وثقته بها لكن ظهور تلك المرأة في حياته مجددا

جعل كل ذلك يتبدد ويضمحل وإن كانت متزوجة بل وليس من

أي رجل وتراه كشقيق لها كما قالت إلا أن ما يحمله لها هذا

الرجل لا يعلم سواه كيف وماذا أصبح وما أثر ظهورها

مجددا عليه والأمل الذي كافحت من أجله لما يقارب العشرة

أعوام ها هي تراه يتبخر الآن وكأنه لم يكن فعلى من ستلقي

باللوم الآن ؟ عليه أم على تلك المرأة أم على نفسها ؟

وهذا الأرجح ! .

أنزلت نظرها عن وجهه محرجة ما أن نظر لها فمن حماقتها

شردت فيه حتى نسيت نفسها ، نظرت ليده وللبطاقة التي

مدها لها بعدما أخرج منها الظرف الورقي المماثل لها في

الحجم فرفعت نظرها له مستغربة وقد قال مبتسما

" هذا يبدوا لي يخصك "

عادت بنظرها من عينيه لها ورفعت يدها وأخذتها منه وما

أن فتحتها وجدت اسمها مكتوبا ضمن الكتابة المذهلة المحفورة

بخط أنيق في الورق الأبيض الفاخر السميك وهذا ما لم تكن

لتتخيله أن توجه دعوة لها ! وما أن عادت بنظرها لعينيه مجددا

قال مبتسما

" قلة هم من يحضون بشرف حضور حفل افتتاح برج القمة

الجديد "

نظرت للبطاقة في يدها قبل أن تعود بنظرها له قائلة بفضول

جاهدت باستماتة لإخفائه

" غريب أمر كل هذه البطاقة وما فيها ... ! قائد أمتأكد من أن

أمورك ستكون على ما يرام ؟ "


ابتسم بصمت لبرهة قبل أن يقول

" أعتبره خوف على سلامتي هذا أم فضول نساء لم تكن

تعرفه غدير سابقاً ؟ "

أبعدت نظرها عنه مبتسمة بارتباك ولأنها تعلم ذكائه جيدا

وسرعة تحليله أقرت بالحقيقة مستسلمة

" وإن كان كلاهما فالأولى أكثر "

فابتسم من فوره ورفع الظرف الورقي في يده وقال ناظرا له

بشرود تتبعته نظراتها

" لا يمكنني أن أجزم بذلك يا غدير لكنه أمر قانوني وسليم تأكدي

من ذلك وما كان لي أن أرفض مساعدتها والشرط كان أن يكون

محامٍ ثقة ومن عائلتها ، ثم من كان على حق عليه أن لا يخشى

شيئا ولا الموت "

راقبت نظراتها ملامحه ورموشه السوداء الكثيفة المسدلة على

حدقتاه السوداء الشاردة فيما يقلبه أمامها وتنهدت بأسى ولم

تستطع قول ما تريد فعلا قوله واكتفت بما لن تتغلب على قلبها

فيه أبداً قائلة بهدوء حذر

" وإن يكن عليك أن تكون حذراً فما أعلمه بأن الأشخاص

المهمين في البلاد مسائلهم القانونية معقدة وخطرة أيضا

يا قائد وكم دفع ثمنها من لا علاقة لهم بالأمر "

وما أن رفع نظره لها حدث ما توقعته جيدا وابتعد عن الحديث

في الأمر قائلا

" هل ستحضري الحفل ؟ "

فتنهدت بعمق مسدلة رموشها البنية الطويلة للأسفل ورفعت

كتفيها قائلة

" لا أعلم ولن أستطيع رفض الدعوة .. لن يكون سلوكاً حسناً "

وتابعت وقد عادت بنظرها له

" وماذا عنك أنت ؟ "

قلدها رافعا كتفيه العريضان وقال

" حسب الظروف حينها وإن كان يمكنني زيارة حوران رغم

أنه حدث لا يفوت ، هل قرأت عنه في الصحف ؟ "

حركت حدقتيها العسليتان بعيدا عنه وقالت

" رأيت العنوان ولم أستطع تجاهل قراءته ويبدو مبنياً على

فكرة رائعة ولن يكون غريبا على صاحبة فكرة الشلالات

ومطاعمها في العمران "

وصلها صوته فورا قائلا بحماس

" أجل وأراه لا يقل عن مملكة الغسق بأكملها أهمية فأن تتبنى

مشاريع تجارية صغيرة تخدم العامة وتصعد حتى تتحول

لمشروع ضخم في البلاد عرض مغر للجميع وقد شدني في

اختياراتهم الأولى الثلاث أجنحة الأساسية في الطابق الأول

لهذا الشهر "

رفعت نظراتها التي تكاد تخونها قهرا وقالت مبتسمة

" أجل إنها فكرة رائعة فجمع الأدوية الغير مستهلكة من الناس

وشرائها وبيعها بثمن أقل لمن يحتاجها فكرة مميزة "


حرك كفه قائلا بحماس أكبر

" وهذا بالنسبة للمعدات الطبية أيضا والقرطاسية وما إلى ذلك

أي أن الناس ستدخل الطابق الأول من البرج لتبيع وتشتري

ولن ترمي من تلك الأشياء شيئا ، الجميع متحمس للافتتاح ..

إنه حديث الساعة تقريباً وفضولي يأخذني لمن سيصعد من

تلك المشاريع للطابق الثاني لتصبح مبيعاته على حسابهم

ومن سيصعد بعدها للثالث وللتعامل مع المعامل والمصانع

فالرابع وصولا للقمة حتى يصبح مشروعه مدعوما

من الدولة "

ابتسمت تعوّد نفسها على لعق جراحها قائلة

" الأمر يبعث فيك الفضول حقا بل هو مشروع ناجح لمساعدة

الفقراء ، علمت أن خمسون بالمئة من أسهم المشروع

ملك لها ؟ "

قال ينظر للساعة في معصمه

" أجل ونصفها وهبته لوالديها وشقيقها الكاسر وهذا ما سيجعل

داعمي المشروع كثر ، إنه مشروع خيري قبل أن يكون استثمار

تجاري "

وتابع من فوره وقد انحنى لحقيبة حاسوبه ورفعها

" علي المغادرة الآن هل توصين شيئاً "

قالت تتابع ملامحه بنطرها

" شكرا لكرمك .. زر والدي فقط في إحدى زياراتك لحوران

فهو يسأل عنك كثيرا "

نظر لها وابتسم قائلا

" معك حق سأمر به قبل مغادرتي ... وداعا إذا "

وغادر من فوره وتلك النظرات الحزينة تتبعه فما أقسى من أن

تكون لك منافسة في الرجل الذي تحبينه سوى أن تستمعي

لمديحه لها أمامك والأقسى من كل ذلك أن تشاركيه أنت

ذاك المديح ! .

تحركت مغادرة من هناك متنهدة بأسى فهي اعتادت معاملته

لها كزميلة وصديقة ومحامية في مكتبه لكنها لم تعتد أبداً أن

تقنع نفسها بأنه لا أمل مطلقاً لتغيير نظرته تلك لها .



*
*
*


جلست ورفعت نظرها للفراغ تتبع صوت الحركة المقتربة منها

وقالت مبتسمة

" أويس هذا أنت بني ؟ "

اقترب منها وقبل رأسها وجلس أمامها أمسك يدها وقبلها أيضاً

وقال مبتسماً

" تسأليني ذات السؤال كلما غبت وعدت وكأنه ثمة من سيدخل

لك غيري ؟ "

ابتسمت ومدت يدها لوجهه جهة صوته قائلة

" لدي صديقات يزرنني أيضا هل وحدك لك أصدقاء ؟ "

أمسك يدها ما أن اقتربت من وجهه وقبل باطنها ووضعها على

خده كما تريد وقال مبتسما

" من هي صديقتك الخيالية هذه التي لم أراها حتى الآن ؟ "

حركت كفها وأناملها على جانب وجهه بحنان وتجنبت كالعادة

أن تذكر له بأنها حوراء غيلوان لأنها تعرف ما ستكون ردة فعله

فقالت مبتسمة تنظر لملامحه التي تشعر بها ولا تراها

" أخبرتك بأنها جارة لنا وأنت لا تصدقني ، حتى أنها أخبرتني

بأن المستأجر لدينا تزوج من مايرين فلما لم تخبرني بهذا لنقوم

بواجبهم يا أويس ؟ "

تجهمت ملامحه فورا وأخفض رأسه فابتعدت يدها عنه ووصله

صوتها الهادئ

" أويس الفتاة لا ذنب لها فيما لم تختره هي لنفسها "

أشاح بوجهه جانباً وقال بضيق

" أمي أرجوك لا أريد التحدث عن هذا الأمر ولا أن تدخل تلك

الفتاة منزلنا ولا أن تريها فلن تكذبي عليا أبداً بأن الامر لن

يؤثر فيك "

تلمست قليلا حتى أمسكت يده بقوة وقالت

" حديثك هذا يا أويس ليس حديث من يثق في أن والده كان

بريئا من كل ما قيل عنه قبل موته ، إن كنت أنت تراه مذنبا

فأنا لا والفتاة ظلمت مثلها مثله تماما بل وأكثر منه ولا اصدق

بأنك ابني من يدافع عن المظلومين يقول هذا ! إن طلبت إحداهن

مساعدتك وكانت قد مرت بذات ظروفها هل كنت ستحكم عليها

ذات الحكم ؟ "


نظر لها وقال بذات ضيقه

" الأمر ليس بيدي أمي .. أنا لا أستطيع نسيان ما حدث لوالدي

ولك فكلما رأيتها ظهرت صورته وكل ما حدث أمامي وكرهتها

أكثر ، لا تطلبي مني ما هو فوق طاقتي كبشر أمي أرجوك "

لكن ذلك لم يوقفها وقالت بذات إصرارها

" لكنها ضحية أيضا يا أويس هل اختارت ما حدث لها مثلا ؟

هل سمعت يوما أنها نسبت نفسها لوالدك أو اتهمته بما حدث

معها ؟ هل ذكرته أو ذكرتنا بالسوء يوما ؟ لقد قاست تلك الفتاة

ما لم يقاسيه أي أحد منا ولا والدك فلما يستمر الجميع في

ظلمها ؟ أنت محام يا أويس ولديك مبادئ يفترض أن لا يؤثر

فيها أي شيء "

شد قبصته بقوة وقال بأسى وألم كسر قلوب الرجال

" كيف لم يقاسي يا أمي ؟ ألا يكفيه أن يتهم في شرفه ويجبر

على الاعتراف بطفلة ليست له وبأنه ارتكب فاحشة شنعاء

كتلك ثم يزوجوه بتلك الإرلندية أحب ذلك أم كره ، وليت

الأمر توقف عند ذلك فقط بل وقتلوه بدم بارد واتهموا الصحراء

والجوع وحتى الجنون بفعلها له ، ما الذي قاسته تلك الفتاة لم

يراه والدي ؟ وماذا عنك أنت وهم من حولوا حياتك لجحيم

منذ تلك الحادثة ووفاة الرجل الذي حرموني وحرموك منه

من قبل أن يموت ؟ "

غشي الحزن عيناها الفاقدة للنور بفقدان من بكته حتى رفضت

تلك الأحداق السوداء الرؤية بعده وقالت

" ها أنت تقولها بنفسك يا أويس هم من فعلوا كل ذلك ولم تنسب

أي تهمة لها فما ذنبها هي تظلمها مثلهم ؟ "

أشاح بوجهه جانبا وقال بأسى

" فعلت ما أستطيع من أجلها أمي ولا قدرة لدي لفعل أكثر منه

فما كان يمسك المدعو جسار عن رميها في الشارع من أعوام

سوى تهديداتي له وأنا من منعه من أن يزوجها لذاك العجوز

المجنون قبل عامين ، أكثر من ذلك آسف أمي لن أستطيع فتلك

الفتاة ليست مسئوليتي .. ليست شقيقتي ولا شيء يربطني بها "

تنهدت بعجز من عناده وقالت

" اتركها تزورني إذا ولا تراها أو لتأتي وقت سفرك لحوران "

وقف على طوله وقال بضيق ناظرا لها تحته

" أمي لما تصرين على زيارتها لك ؟ إن كنت تشعرين بالملل

والوحدة ننتقل من هنا لحيث تريدين في البلاد ويكون لك

جيران وصديقات "

قالت ونظرها معلق في الفراغ أمامها

" تعلم بأني لا أريد الابتعاد عن أرض والدك ولا عن الجنوب

ولست أشعر بالملل لكنه واجبنا ناحية صديقك على الأقل "

تنهد بعمق وقال بجمود

" يمان يعلم جيدا بالقصة وما حدث واجزم بأن زواجه منها

بورطة من شعيب وإخوانه وإن كان يرفض قول ذلك ويصر على

أنه تزوجها بمحض إرادته وليس مجبرا ، وأكثر من تركي لهما

هنا وخفض قيمة الإيجار التي رفضها زوجها لن أفعل حتى أنه

بات يعمل في أرضنا بعرض مني .. أمي أنا أفعل من أجلها فوق

مقدرتي وما تستحق "

حركت رأسها بيأس منه وقالت

" وما حدث بشأن الفتاة التي تقدمت لخطبتها ؟ أريد التعرف
عليها وإن بالتحدث معها عبر الهاتف بني فلم أصدق أن فكرت

في الزواج أخيرا "

نزل أمامها مستندا بقدميه وأمسك يدها وقبل باطنها وقال

" علينا أن ننتظر قليلا أمي فأنا لم آخذ موافقتها تقريبا

ثم ستتحدثين معها بل وتقابليها أيضا "

مدت يدها لوجهه ولامسته بحنان مجددا قائلة بابتسامة

" جعلها الله من نصيبك بني وقر عينيك بها وأراني

أبنائك منها "

أمسك يدها من وجهه وقبلها مجددا وقال مبتسماً

" أجل أمي هذا ما أحتاجه دعواتك ليرق قلب تلك المجنونة

على ابنك "


ضحكت وربتت بيدها الأخرى على يده الممسكة ليدها وقالت

" كم أنا متشوقة لمعرفة تلك الفتاة التي لعبت بعقلك هكذا !

بل وجعلتك تخرج من اكتئاب ضد الزواج تحديداً "

استند على ركبتيه وأمسك رأسها وقبله ووقف قائلا بابتسامة

" ما أن تعرفيها ستعلمين كيف ولما ، سأستحم وأصلي وأعد

الطعام فعلى معدتك أن تنتظر قليلا اليوم "

وغادر الغرفة من فوره نظراتها الحزينة معلقة في الفراغ بعده

وهمست بحزن أدمعت معه تلك العينان السوداء الواسعة

" أنالك الله كل ما تتمناه يا أويس وأشفى جراحك "


*
*
*

" دعي جذعك يأخذ شكلا مستقيما وافتحي كتفيك واشبكي ذراعيك

إذا أردت فهذا يشعرك بالقوة والسيطرة على محيطك ويشعرك

بالثقة كما أن استخدام الأجهزة الالكترونية في الأماكن العامة

يدفعك إلى اعتماد وضعية الظهر المنحني التي تقلل من

الثقة بالنفس "

نظرت لها بفضول تشعر بظهرها وكتفاها يتحركان مع حركتها

طوعا فهمست لها الجالسة بجانبها ونطرها على والدتها خشية

أن تمسك بها

" اجزم بأن هذه المرأة لا تفعل شيئا مما تقوله وهي هنا لتحتال

على والدتي فقط "

تلك الضحكة الرقيقة المنخفضة التي خرجت من الجالسة

ملاصقة لها جعلت جوزاء تنظر لهما فورا بينما ارتسم الانزعاج

على ملامح الجالسة مقابلة لثلاثتهن والذي سرعان ما انتقل

لملامح التي قالت بضيق

" بثينة يمكنك الخروج من هنا أفضل من أن لا تستفيدي ولا

تتركي غيرك يستفيد ، ما قلة التهذيب هذه ! ما المضحك فيما

سمعتماه ؟ "

عبست ملامح المعنية بالأمر ومدت شفتيها بعبوس بينما قالت

الجالسة بجوارها برقة معتذرة

" آسفة أمي لن يتكرر هذا "

فابتسمت لها فورا ابتسامة بددت كل ذاك الغضب والضيق في

ملامحها وقالت

" لا بأس بنيتي أعلم أنه لن يكون بسببك "

ونظرن ثلاثتهن للتي قالت بامتعاض

" لا يبدوا لي أن درس اليوم سينجح ، من التي تستطيع أن

تعيد لي ما قلناه ؟ "

نظرت لها بثينة بصدمة فلم تكن تتوقع أن هذا يحدث في هذه

الدروس أيضا بينما قالت الجالسة بجوارها بابتسامة انتقلت من

شفتيها الرقيقتان لملامحها الهادئة الجميلة وصولا للعينان

الرمادية الواسعة وبصوت رقيق منخفض

" قلنا بأنه علينا أن نجيد فن الإصغاء لمن يحدثنا وأن لا نقاطعه

وهو يتحدث وأن لا نتحدث بصوت مرتفع مزعج ، أن نبدأ الحديث

مبتسمين ببشاشة وأن لا نتحدث عن عيوب الشخص أمامه بل

نقولها له بطريقة لبقة كأن نتحدث عنها في شخص آخر في

خيالنا ، وأن لا نفرط في المزاح لأنه قد يجرح البعض ويكون

سلوكا سيئا وعلينا أن لا نتحدث عن الأشخاص الغائبين بسوء

فذاك يظهرنا بمظهر سيمقته الآخرين "


ابتسمت تلك قائلة

" جميل أنت منتبهة بالفعل لما أقول كما أنك طبقت ما تعلمناه

في الدرس السابق ولم تقولي بداية حديثك ( قلتِ بأنه)

بل قلت ( قلنا بأنه) وهذا أظهرك بمظهر لبق "

قالت التي نظرت لها بحنان مبتسمة

" بل لا أراها تحتاج درس اليوم فهي تطبق سلفا كل ما قيل "


وتابعت بامتعاض وقد نقلت نظرها للجالسة بجانبها

" لكن للأسف التي تحتاجه بالفعل لم تكن منتبهة أساسا لما

قيل ولا أمل يرجى منها أبدا "

قالت بثينة محتجة بضيق

" أمي لما تقولي عني هكذا ؟ أنا ابنتك أيضا لا تظهريني

كحمقاء "

قالت بضيق مماثل

" وماذا نقول عن التي لم تستطع حل مسألة درستها في الصف

السادس الإبتدائي بينما فعلتها التي بدأت الدراسة للتو غير

أن تكون غبية حمقاء "


نظرت لها بصدمة وقالت بحنق

" ألحق عليا أحضر الدروس معكم من باب التشجيع لها

كما تقولين "

واجهتها فورا بما هو أقسى من ذلك قائلة بحدة

" بل أراك تحتاجين لها فعلا لتراجعي ما درسته ونسيته

للأسف لعل مستواك الدراسي يتحسن قليلا "

عبست ملامحها أكثر ليقاطع حديثهما الطرقات

المنخفضة على باب الغرفة قبل أن ينفتح ووقفت أمامه

الخادمة التي قالت من فورها ناظرة لجوزاء

" سيدتي "

ولم تزد على ما قالت شيئا فوقفت جوزاء من فورها وغادرت

الغرفة خلفها وإن لم تكونا ابتعدتا عن الباب كثيراً بينما تركت

خلفها تلك الضحكات الرقيقة للجالستين تمزحان وبثينة تحاول

أن تغيض يمامة لنيلها كل ذاك المديح من مدرسيها اليوم ، بينما

قالت التي رفعت كتابها وحقيبتها مبتسمة

" أراكما الأسبوع القادم إذا يا جميلتان وستمران بإختبار

صغير بعده نحكم إن كنا تقدمنا أم على أحدهم أن يعيد

كل ما قلناه سابقا "

وغادرت ترافقها ابتسامة يمامة الرقيقة مودعة لها ونظرات

بثينة المصدومة والتي وقفت على طولها ما أن خرجت تلك

وقالت تمسك خصرها بيديها تنظر للجالسة تحتها ترفع

نظرها لها

" عليك أن تساعديني في الإختبار أو أوقعت بك لترسبي أيضا "

نظرت لها تلك العينان الرمادية بصدمة لم تؤثر في ذاك الميلان

الطفيف الجميل في طرفيهما وقالت

" أخشى أن تغضب أمي مني "

لوحت الواقفة فوقها بيدها قائلة

" هي لا تغضب منك أساساً ومهما فعلت "

وتابعت بضيق تشير لنفسها

" أما أنا فغضبها مني سيكون أسودا حينها وعلينا أن
نتعاون دائما لنتجنب غضبها ذاك "


نظرت لها بذهول وقالت

" نكذب عليها ونغشها !! "

حركت يدها أمام وجهها قائلة بجزع

" أصمتي لا تسمعك وتعلق مشنقتي .. آسفة لا أريد

مساعدتك في أي شيء يا حمقاء "


وتحركت من هناك ودارت حول الأريكة ونظرت لها من

هناك وأرسلت لها قبلة بيدها وقالت ضاحكة

" سأسبقك لغرفة التلفاز وستشاهدين ما سأختاره أنا

فسأصل قبلك هذه المرة "


فقفزت وركضت خلفها ضاحكتان وما أن وصلت الباب

وقفت بقوة حتى كادت تسقط وقالت باعتذار للتي ظهرت

أمامها فجأة وكادت تصطدم بها

" آسفة أمي ظننت أنك غادرت من هنا "


أمسكت بيدها وقالت مبتسمة

" لا بأس حبيبتي ... تعالي معي فثمة ضيف هنا من أجلك "

أشرقت ملامحها الجميلة الرقيقة بابتسامة واسعة وقالت

" يمان ؟! "

وماتت تلك الابتسامة عن شفتيها ببطء ما أن لاحظت اختفاء

مشابهتها من شفتي الواقفة أمامها وتبدلت نظراتها من


التوجس للخوف حين قالت

" بل والدك "

وما أن لاحظت جوزاء ارتجاف يدها بين يديها والدموع التي

ملأت عيناها المليئتان بالذعر مسحت على شعرها وقالت

" لا تخافي صغيرتي هو لن يضربك مجددا .. لا سلطة له

عليك الآن "

ارتجفت شفتاها وقالت بهمس باكي

" لكنه يظن بأني من أحرق المنزل كما أني جئت هنا بعدها

مباشرة وقد يكون غاضبا بسبب ذلك وجاء لأخذي من هنا "

مسحت على شعرها مجدداً تشعر بقلبها يحترق عليها وقالت

تحاول طمأنتها

" يمامة أنت متزوجة الآن وهنا مكانك الطبيعي لن يستطيع

إخراجك من هنا لن نسمح له وإن فعلها سنرجعك ، ثم هو لن

يفكر في فعلها بالتأكيد .. هو والدك رغم كل شيء يا يمامة

وعليك مقابلته ومعاملته باحترام أيضا "

زمت شفتيها تحاول التحكم في شهقتها الباكية ثم قالت

" أين والدي أيوب ليكون معنا ؟ لا أريد أن أقابله لوحدي "

شدت على يداها أكثر وقالت

" لو كان هنا لكان من استقبله وما كان ليتركه حتى يغادر

لكنه غادر لحوران منذ الفجر ، وأخبرتك أن لا تخافي منه

يا يمامة أنت في منزل زوجك لا سلطة له عليك "


وسارت بها من هناك تحاول طمأنتها وتشجيعها

وقلبها يتألم عليها فمن يفترض أن تركض له فرحة

مشتاقة تخاف حتى من ذكر اسمه والحديث عنه

وترفض أن يكونا في مكان واحد لوحدهما !

ومن يمكنه لومها على هذا فما عانته وقاسته مع تلك

العائلة وذاك المنزل كفيل بجعلها تصاب بالذعر منه

طوال حياتها .

وصلتا عند باب المجلس الداخلي وقالت لها جوزاء

هامسة تمسك يديها بقوة

" يمامة كوني كما أعرفك وقابليه باحترام وأدب وقبّلي يده

ورأسه ، أنا واثقة من أنك لن تفعلي غير ذلك وهو في النهاية
والدك ستحاسبين عليه أمام الله مهما فعل فله حقوق وعليه

واجبات مثلك أيضا ، وسأخبر غيهم يكون قريبا من هنا ولن

يتركه يأخذك إن كان هنا من أجل ذلك "

أومأت لها برأسها بحسنا والخوف والذعر لم يفارقا ملامحها

البريئة الجميلة تراقبها تلك العينان والنظرات الحزينة للتي

تركتها خلفها فبالرغم من أن أيوب وبعد إلحاح منها ساعد

والدها في بناء منزل جديد لهم في أرضهم بل وأخبره بأنه

هدية يمامة لهم لازالت تخشى من غضبه وأن يضربها

بسبب احتراق منزلهم السابق ! بينما كانت هي السبب

الأساسي في أن عرضت الفكرة على زوجها فكم أشفقت

عليها وهي تتحدث عن شقيقيها التوأمان وأنه لم يعد لهما

منزلا فهي لم تتوقف عن ذكرهما أبدا كما شقيقها الأكبر ، ثم

من غير اللائق أن يتركوا نسيبهم هكذا يعيش في خيمة في

أرضه حتى يبني منزله من جديد وهم يملكون المال وابنته

زوجة لابنهم ، لكن قدوم والدها هنا لا يطمئنها هي أيضا

ولا خيار أمامهم فهي ابنته نهاية الأمر .


*
*
*

دخلت المجلس الواسع المغطى بالسجاد الفاخر تغطي جدرانه

الستائر أجمعها وأرائك الجلوس الفخمة المرصوفة تقبض يديها

الصغيرتان حتى كادت تمزق لحم كفيها بأظافرها تنظر بخوف

للذي كان يتوسط المكان جالسا والذي ما أن دخلت ورآها قال

بملامح متجهمة قاسية كعادته

" تعالي "

فارتجف جسدها بأكمله واقتربت منه بخطوات بطيئة متعثرة

حتى وصلت عنده وفعلت كما أوصتها التي تركتها خلف

الباب وقبلت يده ورأسه ولم تشعر سوى بنفسها جالسة

قربه ما أن قال بأمر

" اجلسي "

ونطرت ليدها في حجرها تفركهما ببعضهما بقوة تنتظر

ما كانت تعرفه طوال حياتها وهي يده التي ستنزل على

عنقها بقوة تتابع بعدها الضربات من كفه القوي القاسي

دون تمييز ولا اهتمام لمكان ضرباته تلك ، لكن شيئا

من ذلك لم يحدث وصوته الحازم القاسي يصلها مجددا

" أين يمان ؟ "

رفعت نظراتها المصدومة له وقالت بتلعثم

" لا.... لم.... أنا لا أعلم أين يكون "

وارتجف جسدها مغمضة عينيها بقوة ما أن ضرب بكفه

على فخذه بقوة قائلا بحدة

" ومن يعلم إذا ؟ لن أصدق بأنك لا تعرفين أين يكون وهو

اختفى بعد إخراجك من الحريق ، كيف يترك عائلته ووالده

ومزرعته ؟ أعلى هذا ربيته قليل المروءة ذاك ؟

بل لم أعرف كيف اربيه أبدا ولا أنت أيضا وكان خروجك

قبله غلطة أخرى "

نظرت له بصدمة وخوف فتابع بغضب

" قولي هيا أين هو أو علمت جيدا كيف أجعلك تعترفين "

انكمشت على نفسها وقالت ببكاء

" لا أعلم أبي اقسم لك ولم أراه أيضا من قبل تلك

الليلة اقسم بالله "

رفع يده لأعلى ما يستطيع بسرعة مندفعا بجسده نحوها

ولازال جالسا فغطت وجهها بيديها منكمشة على نفسها تنتظر

ما توقعته تماما والذي سيليه بالتأكيد سحبه لها من شعرها

من هنا .


" مرحبا عمي ما هذه الزيارة الغير متوقعة ؟ "

نظر الذي رد يده مكانها قبل ان تصلها لباب المجلس الخارجي

المفتوح وعقد حاجبيه ينظر لصاحب الجسد الطويل الذي حجب

أغلب النور المنبعث من الباب الزجاجي المفتوح نصفه فقط

ونظر بحدة له وهو يدخل مقتربا منهما يديه في جيبي بنطلونه

الجينز وما أن وصل عندهما جلس بجوار التي كانت تنظر له

برجاء وخوف وضم كتفيها بذراعه وقبل رأسها نظره على الذي

كان يرمقهما بغضب وقال مبتسما

" لم تخبرني لأكون في استقبالك ، لكن لا بأس يبدوا بأنه

لم يفتني الكثير فلم تقدم لك القهوة بعد "

قال صاحب تلك الملامح القاسية من فوره

" أنا لم آتي لشرب القهوة بل لآخذ ابنتي ولأعلم أين

يكون شقيقها "

قال الذي نصب ساق على الاخرى لازالت ذراعه تحضن كتفي

الجالسة بجانبه

" ظننت بأنه ثمة عقد يربط اسمي باسمها وهي زوجتي فأين

ستأخذها ؟ ثم يمان انتقل للجنوب ولا أحد يعلم أين ، سبق

وأخبرتك بذلك عمي "

وما أن كان سيتحدث بما يعلمه جيدا ويتوقعه قال متابعا

" يمكنك إبلاغ الشرطة للبحث عنه .. أو اترك ذلك لي فأنا أيضا

أفكر في التحقيق بالنسبة لحريق منزلك وإغلاق الغرفة على

يمامة كي لا تخرج والآثار التي كانت على جسدها ومن السبب

فيها رغم أنها ترفض قول غير أنها سقطت من فوق صهريج

المياه لكن خادمتنا لها أقوال أخرى على ما يبدوا "

نطر له المقابل له بصدمة ولم يستطع قول أي شيء فهو يعلم

جيدا بأنه محام وما عقوبة العنف الجسدي التي تضاعفت مؤخرا

فكيف إن كان خاله يكون مطر شاهين نفسه ؟ ومؤكد أخبرتهم تلك

الخادمة بكل شيء وهو يرمي بحديثه هذا للتهديد ، وقف يرمق

التي يحضنها لكتفه بتوعد شديد لازالت تنظر له بخوف وقال

بجمود قاسي

" إن علمت أين يكون أو تحدث معك فأخبره بأني أريد رؤيته

والتحدث معه "


" بالتأكيد سأفعل "

قالها الذي ختم عبارته تلك بابتسامة جانبية باردة ينظر

للواقف فوقهما ويده تمسح برفق على ذراع التي لازال

يحضنها بذراعه بتملك فرمقه بضيق قبل أن يتحرك

مغادرا من هناك ، وما أن خرج من باب المجلس

انهارت تلك المرتجفة بخوف باكية تخفي وجهها بيديها

فحضنها بقوة بكلتا ذراعيه وقال

" لما البكاء يا يمامة ؟ هو لن يفعل لك شيئا أقسم لك فلن

أسمح بذلك أبداً "

قالت بعبرة

" كان سيأخذني من هنا يا أبان .. حمداً لله أنك أتيت "

قبل رأسها ومسح عليه قائلا

" لن يأخذك من هنا هل هي فوضى ؟ هو فقط يراك طعما

سيجلب يمان وخادمة خسرتها زوجته الكسولة تلك فهي

سبب كل هذا بالتأكيد "

وقبل رأسها مجدداً ينظر لها يمسح الدموع عن وجنتها بظهر

أصابعه قبل أن يلمح القدمان اللتان تسيران باتجاههما مسرعة

وما أن رفع رأسه وقع نظره فورا على التي مدت يدها ليد النائمة

في حضنه باكية لازال جسدها يرتجف حتى الآن وأوقفتها قائلة

بضيق

" هيا ادخلي يا يمامة لن يأخذك أحد من هنا ووالدك أيوب

حي يتنفس ووالدتك الثانية على قيد الحياة "

وقف بقفزة غاضبة الذي كانت تنظر له وهي تلقي بخطابها ذاك

وقال بضيق مماثل

" أمي اتخترقين الجدران وتدخلين أم ماذا ؟ ثم ماذا إن كان

الرجل لازال موجودا هنا وأنت تدخلين هكذا كالقذيفة

المشتعلة ؟ "


قالت تحضن التي لم تتوقف عن البكاء بعد

" كنت في الأعلى وأراقب كل شيء يحدث في الأسفل من

الشرفة وأعلم بأنه غادر ، وأنت أيضاً رافقتك السلامة فوالدك

أوصاني أخبرك ما أن ترجع أن تذهب للشركة في بينبان عمك

يريدك هناك وثمة مشكلة تواجههم "


تأفف بحنق وغادر من فوره ولن يستطيع قول أي شيء ولا أن

يعترض وهو يعلم ذلك جيدا ، لكنها في جميع الأحوال تبقى

شقيقة صديقه ويعرفه ويعرفها قبلها فلتتركه يتعامل معها من ذاك

المنظور على الأقل بدلا من أن تقف له كالشرطي هكذا ،

خرج من الباب الذي دخل منه منذ قليل وتوجه لسيارته

ركبها وضرب بابها خلفه متمتماً بحنق

" سنرى يا جوزاء الحالك وأنا ابنك النسخة المصغرة عنك

في كل شيء "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 03:21 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية