لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-03-18, 09:11 PM   المشاركة رقم: 1006
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


*
*
*


لا تصدق أن عمرها تجاوز الثلاثين عاما وأن لها ابنة بطولها

وكأنما عادت بها السنين لمرحلة مراهقتها تنام في حضن الرجل

الذي لم تراه إلا من ساعات لكنها عرفته وبحثت عنه من أعوام

طويلة ورمت بنفسها في الخطر فقط لتعرف من يكون ، وهذا

حالهما منذ وقت جالسان على الأرض يسند ظهره بسريره

وتجلس هي ملاصقة له نائمة على كتفه تطوقها ذراعيه تدفن

الفقد والاحتياج في ذاك الحضن تستنشق حتى تلك الرائحة التي

عشقتها من قبل أن تعرفها .. رائحة الانتماء .. أجل إنها رائحة

الدماء التي تنشقها وهي تجري في العروق ، لقد عرفت حضن

والدها الذي رباها لأعوام واختبرت حنانه ودفئه الذي لم يحرمها

منه يوماً لكنها لم تتوقع أن تشعر بهذا الشعور في حضن الرجل

الذي تراه لأول مرة ! إنها الفطرة والغريزة أو أنه الاحتياج

والشعور بالغربة والضياع بعد وفاة الرجل الذي كان أعظم ما

يربطها بالحياة ... الأسباب عديدة والنتيجة ذاتها ( والدها )

وهي قطعة منه ودمه يجري في عروقها .. والدها فقط لا حدود

بينهما لا أسماء متغايرة ولا زيف وإن كان سراً مدفوناً وحسرة

أخرى في قلبها إلا أنها وهما وحدهما هكذا يمكنها النوم في
حضنه وبث همومها واحتياجها له .

ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقالت بحزن

" حتى متى سنبقى هكذا غرباء عن بعضنا أبي ؟ "

مسحت كفه وأصابعه على شعرها بحنان ونظر لها بحزن أعمق

فماذا سيقول لها وبما سيخبرها وبلسانها قالت قبل قليل وهي

تترجاه أن يمنع ابن شقيقه من تدمير اليرموك بأنها على استعداد

لأن تفقد حياتها ولا تفقد شخصاً آخر من عائلتها التي تربت معها

وها هي كما قال عنها مطر تفكر بجنون وتهور حين يتعلق الأمر

بمن تحبهم فكيف سيخبرها عن أسبابه الحقيقية ؟ نظر لملامحها

بصمت للفاتنة التي فاقت ما وصله من وصف لها ومما تخيل ..!

تشبهها فعلا !! هي تشبه تلك المرأة التي رآها لمرة واحدة في

حياته قبل أن يحرم ليس من رؤيتها فقط بل ومن عائلته وحياته

وبلاده ، مسح بيده على طرف وجهها وقال مبتسما بحنين

" تشبهين جدتك يا غسق وفي كل شيء سوى أنها منحت عيناها

لإبنتك أما إن نظرت لعينيك شعرت بأني أنظر لعيني والدتك وكم

أتألم وتألمت لفراقها "

أمسكت يده وقبلت باطنها بعمق مغمضة عينيها ثم دفنتها في

نعومة عنقها ونظرت له بعينين دامعة وقالت بحزن وعبرة

مكتومة

" لقد بكتك حتى ماتت .. لم تنساك يوماً وعاشت مع ذكراك

وحزنها عليك ، والدي شراع أخبرني بذلك وقال بأنه عجز عن

أن ينسيها حتى حزنها من أجل المستقبل "

نظر للأسفل وقال بحزن

" ولا أنا استطعت اجتياز ذكراها وحسرتي عليها وطفلي في

أحشائها أتركهما لغيري مكرها وأسلمها وطفلي لرجل آخر أصبح

زوجها ووالد ابنتي منها وكل ذلك لأحميكما مني ، حتى أني لم

أستطع النظر لابنتك لأعوام لأنها تشبهها .. تشبهها كثيرا حتى

في طريقة حديثها .. صوتها ضحكتها رقتها وتأثرها بجميع من

هم حولها وبحثها عن سعادتهم ، كانت ألما لي بقدر ما كانت ما

يواسي غربتي هناك ، كنت أحن وأشتاق لرؤيتها دائما وأبتعد

مجبرا بسبب الألم الذي تخلفه أطياف الذكرى ليلا حين أكون

والصمت والظلام وحدنا "

امتلأت عيناها بالدموع تراقبه وقد التفت ناحية السرير خلفه

وللنائمة عليه كطفلة صغيرة تجمع كفيها تحت وجنتها المتوردة

وقال مبتسما بحزن

" غير أنها أخذت أيضا من جمالك ووسامة والدها فكانت هكذا

منذ صغرها كالدمية الجميلة تكبر وتزداد حسناً حتى أن والدها

كان يخشى عليها من كل شيء وحتى من رجاله الذين يثق بهم

ثقة عمياء فلم يراها منهم أحد حتى كانت هنا ، بل وحتى قاسم

ابن عمته لم يكن يعرفها "

نقلت نظرها لها أيضا بحزن تراقب رموشها المبللة بالدموع حتى

الآن فقد بكت معها حتى ترجاها والدها أن تتوقف عن البكاء

لتسكت هي ، ومن هذا الذي كان يستطيع أن يمسك دموعه عن

البكاء معها وهي تشتكي له باكية بوجع من كل شيء حتى منه

هو نفسه ومن ابتعاده عنها واحتياجها له ومساومتها

لتكون معه .

مرر إبهامه على خدها وعلى الدمعة التي انزلقت عليه ببطء

تعانق تلك الآثار الحمراء الواضحة على بشرتها البيضاء وشعر

بذاك الغضب المستعر ذاته كلما رأى آثار أصابعه تلك ، يعرف

مطر جيدا ليس من النوع الذي تمتد يده على امرأة ولأي سببٍ

كان وأكبر دليل كان شقيقته المختلة عقلياً تلك ولن يكون فعلها

من فراغ فما يوصل الرجال للغياب عن رشدهم سوى ألسنة

النساء ، لكنه ما من شيء يستحق أن يرفع يده عليها لا شيء ،

أبعد يده عن وجهها وقال بجدية

" لن أسكت له عن هذه يا غسق ولن تتكرر وأنا حي أتنفس

وسأكسرها له قبل أن يمدها عليك هو أو غيره فليس سجني

هنا معناه أني عاجز عن حمايتك "

تبدلت نظراتها للألم وأشارت لقلبها هامسة بوجع

" ألمي ليس هناك بل في هذا أبي وما رآه منه لن أشعر بعده

بأي ألم وإن جلدني حتى الموت "

تنهد بعمق وما أن كان سيتحدث سبقته قائلة بجمود

" وأنا من سيأخذ بحقي منه بنفسي ، أليس ذاك أحد حقوقي ؟

سنتصافى إذا في كل ما جرعني إياه "

نظر لعينيها بصمت لبرهة لذاك الغضب الأسود المسجون في

سواد حدقتيها الكبيرتان قبل أن يقول بجدية

" غسق لا أحد يناقشك في ذلك لكن عليكما حل ذلك بينكما

بالجلوس معا والتفاهم دون صراخ وأن يهين أحدكما الآخر كما

كان الأمر قبل ساعات "

أشاحت بوجهها جانبا وقالت بذات جمودها

" لا حديث بيننا عن شيء وهو من أغلق سبل الحوار بيننا منذ

أربعة عشر عاما حين تركني أنتظر تبريرا تأخر حتى بات مؤلما

أكثر من الصمت عنه ، أنا وابن شقيقك لا شيء يجمعنا سوى

ابنة تحمل اسمينا كانت خطأ من أساسه "

نظر لها بصدمة قبل أن تتبدل نظرته للضيق قائلا

" غسق أهذه نظرتك لتيما ؟ لابنتك التي عاشت حياتها في الغربة

تبكي فراقك وشوقا لرؤيتك ! أترينها مجرد خطأ ما كان عليه
أن يوجد ! "

نظرت له وقالت مندفعة

" أبي أنا كنت أقصد أ.... "

قاطعها قائلا بذات ضيقه

" قصدك واحد يا غسق فما ذنب تيما إن لم تكونا على وفاق ؟

هل أجبرك ابن شقيقي على أن تشاركيه سريره ؟ هل أخذ حقه

منك مكرهة ؟ اجزم على أن الجواب لا وليس مطر من ذاك النوع

ومهما كان رجلا قاسيا ويأخذ جميع الأمور بشكل جدي فلا ذنب

لابنتك فيما وافقت أنت عليه ولا في أخذ والدها لها ولا كل ما

تمران به الآن فاسألي نفسك أين هي ابنتك من حياتك ؟

ماذا تعلمين عن مشاكلها ؟ عما يحزنها ويبكيها ولما عادت من

منزلك باكية ؟ حتى أنني كلما دخلت غرفتها كانت تتحدث في

هاتفها إما مع ابن الكاسر ابن شراع أو مع رعد فأين أنت من

حياتها ومن همومها ؟ والدها منشغل طوال الوقت بمشاكل البلاد

ومسئولياته التي لا تنتهي وهكذا هم الرجال يشغلون أنفسهم وإن

بلا شيء فأين أنت عنها والدتها والتي تحبك أكثر من نفسها ؟

عليك أن تفصلي ابنتك عن مشاكلكما يا غسق لا تعقدوها من

الزواج والاستقرار بسبب حروبكم التي لا تنتهي ، عليك أن

تكوني أقرب لها من سواك "

شعرت بكلماته كضربات متتالية لقلبها فحتى متى سيتهمونها

بالتقصير في واجبها ناحية ابنتها ؟ فها هم جميعهم يفكرون بذات

المنطق وبأنها أم فاشلة ... يقولونها لها بصيغ متعددة والمقصد

واحد فلم يتجرأ على قولها لها جهارا وبلا مراوغة سوى ذاك

الأب الناجح فوحده من لا يراعي ولا مشاعرها ليهينها بعبارات

مغلفة برقة مزيفة تحت مسمى النصيحة مثلهم ، تلاحقت أنفاسها

الغاضبة قبل أن تقول بضيق محتجة

" هو من لم يترك لي ولا الفرصة لذلك أبي ، لقد حرمني كل

شيء فما سأجده وستجده هي لدي بعد كل هذه الأعوام وهو

يرجعها لي شبه امرأة وبعدما غذى روحها وأفكارها وأشبعها به

بمطر شاهين الذي باتت لا ترى السعادة في أي شيء من دون

وجوده بل والعالم بأسره إن لم يكن هو موجودا فيه فلن يستمر ،

تيما ترى فيا سعادة والدها الوهمية التي يصورها لها عقلها فقط

ولن تحبني قط كما أحبته لأنها لم تعرفني بل عرفته هو "

قال محتجا من فوره وملامحه لا تزداد إلا حدة

" مخطئة يا غسق فتيما لم تعرف والدها أيضا فهو كان بعيدا

عنها بعده الآن .. عاشت تحلم بالعائلة بالاستقرار وبالأشقاء فهي

تبحث عن سعادتكما أنتما وليس هي وإن بقيتِ تنظرين لها بهذا

الشكل ستخسرينها وسريعا جدا "

حركت رأسها قائلة برفض

" تيما ابنتي وأنا أحبها ولن يحبها أحد مثلي ولا والدها ولا

أي كان "

قال بضيق متجاهلا انفعالها الرافض ذاك

" غسق أنا أتحدث معك الآن كامرأة راشدة ليس كطفلة أو

مراهقة وأنت تفهمين ما أقوله جيدا فلا تجعلي من ابنتك ثمنا

للحرب بينكما "

لوحت بيدها قائلة بضيق مماثل

" وما هذا الذي عليا فعله لترضى ؟ أرجع لوالدها فقط لتشعر

بالسعادة ؟ من هذا الذي يدمر نفسه وينسف كرامته بيديه "

قال بجدية

" كم من امرأة تحملت ما لا يستحمله الرجال من أجل أبنائها

ولولا تلك التضحيات ما بقت امرأة مع زوجها ، وهذا ليس حديثنا

الآن فلا أحد ينتظر منك تضحية كتلك ما أقوله بأنه عليك أن

تتفهميها فابنتك لازالت تهذي بك وتناديك وهي نائمة .. لازال

احتياجها لك في داخلها لم يمتلئ يا غسق رغم وجودك بقربها

فلا تعطي ابنتك عمراً أكبر من سنها فكلاكما يعاملها على أنه

ابنها وليس العكس بل وإبن عاق أيضا "

قالت بضيق محتجة

" أبي أنا لست أ... "

فقاطعها قبل أن تفكر في قول أي حجة جديدة

" أنت تخطئي يا غسق حين تحملين ابنتك ذنب حبها له ، لا

تنظري لها بعين حقدك على مطر فمن حقها أن تحب والدها فهل

إن كنت أنت المخطئة سيرضيك أن تقف معه ضدك ؟ "

مررت أصابعها في غرتها وصولا لعقدة شعرها وفكته ولفته

مجددا وكأنها تهرب بكل ذلك من توبيخه الأبوي الحازم لها فهذا

من سيملك مطلق السيطرة عليها بل ومن قد يغير ويتحكم في

قراراتها وذاك ما حدث فعلا ما أن وقفت ورفعت حجابها فوقف

أيضا وقال عاقدا حاجبيه

" إلى أين يا غسق ؟ "


قالت وهي تلفه حول شعرها جيدا

" لقد أشرقت شمس الصباح أبي سيقلق أشقائي وإبني

لتأخري "


قال من فوره

" هم يعلموا بأنك هنا ثم هذا منزلك يا غسق وأنت ابنتي "

نظرت حولها وكأنها تتأكد من أنها لم تنسى شيئا وهي التي لم

تُحضر معها أي شيء أساسا وقالت ما أن عادت بنظرها له

" منزلي هناك وسأزورك دائما ولابد وأن هذا الوضع لن يستمر

للأبد أو أشتري منزلا تكونان أنت وابنتي معي فيه "

نظر لها بحزم قائلا

" بل هذا منزلك يا غسق "

قالت من فورها وبضيق

" بل منزله وليس منزلي ولا أريد لأي مكان أن يجمعني به "

قال بحدة

" ليس منزله ولا منزل أي أحد هذا منزل عائلة الشاهين بأكملها

ولا أحد يحق له إخراج أحد منه .. وحتى قاسم وأبناء جوزاء "

قالت بذات ضيقها

" جميعهم ليسوا مثلي أبي ... ثم نحن من حقنا أن نستقل كعائلة
بعيدا عنهم "

اشتدت ملامحه وقال بأحرف مشدودة

" إذا استقلي من دوني فيبدوا بأنك في غنى عني يا ابنة شراع "

نظرت له بصدمة وقالت

" أبي ما هذا الذي تقوله ! "

أشار بسبابته للأسفل وقال بحزم

" هذا منزلك مثل الجميع وستكونين فيه معي ، لن يعارض أحد

أن تزوري أشقائك وأن يأتوا لزيارتك وأن تخرجي متى ما أردت

ذلك وحيث تشائين لن يمنعك أحد من ذلك فما حجتك إذا ؟ "

كانت ستتحدث والاعتراض بادٍ بوضوح على ملامحها الجميلة

فسبقها قائلا بضيق

" غسق أريد أن أفهم الآن أتريني والدك أم شخص زائد

وغريب عنك ؟ "

قالت محتجة

" أبي أ.... "

قاطعها مجددا وبذات ضيقه

" لو كان شراع صنوان مكاني الآن أكنت سترفضين طلبه أو

تعصين أوامره ؟ "

قالت بذهول

" أبي لما تقول هذا ! "

قال من فوره وبحزم

" لأنها الحقيقة والواقع وما كانت قدمك لتعتب باب المنزل

وهو غير راض عن ذلك "

لوحت بقبضتها قائلة باحتجاج

" لا ليس صحيحا فهو لم يفرض قراراته عليا يوما ولم يهمل

حقي في اختيار ما أريده "

تنفس بعمق قبل أن يقول ببرود

" معك حق فأنا لم أعرف معنى أن أكون أباً لأحدهم يوما وجاهلا

بأساليب التربية والتعامل الصحيح "

حركت رأسها برفض وملامحها تعلوها الصدمة قبل أن تقترب منه

وأمسكت وجهه ورفعت جسدها على رؤوس أصابعها وقبلت

رأسه ثم نظرت لعينيه الغاضبة قائلة

" آسفة أبي اقسم أني لم أقصد ما فهمته وسيحدث ما تريد
ويرضيك فقط لا تغضب مني "

أغمض عينيه متنهدا بعمق ثم نظر لها ومرر يده ماسحا على

رأسها وقال

" وأنا آسف إن قسوت عليك في حديثي لكني أرفض الخطأ يا

غسق ومن أي كان فكيف بابنتي ؟ ولا يعاتبك سوى من يحبك "

أمسكت يده وقبلت باطنها بعمق ثم نامت في حضنه مطوقة

خصره بذراعيها هامسة بحزن

" لا حرمني الله منك أبي ولا أبكى عينيا فقدك يوما ..

يكفي ما قاسيناه كلينا "



*
*
*

نظرت لها وابتسمت بحزن وهي تراقب أناملها البيضاء الرقيقة

والزهرة الصغيرة بينهم وهذا حالها أغلب الأحيان شاردة حزينة

ورغم محاولاتهم الدائمة لدمجها معهم إلا أنها لازالت تنعزل في

عالمها الخاص بها وكم يؤلمها صمتها الذي تراه في كل مرة

يسرقها بعيدا عنهم ، ابتسمت بحب قائلة

" يمامة كيف وجدت مدرسك الجديد ؟ والدك أيوب يرى بأنه

علينا تغييره بمدرسة والمحاولة مجددا "

رفعت نظرها لها وأهدتها تلك الابتسامة التي تعشق وتذكرها

بشروق الشمس وقت الفجر .. تلك الابتسامة التي تجعل ملامحها

الجميلة تزداد وضوحا لتتحول لزهرة رقيقة فاتنة لا تشبع أبدا من

النظر لها وزادها ذاك الصوت الرقيق المنخفض

" حسنا لا مانع لدي أمي "

ابتسمت لها بحنان فورا .. آه ليت كل الفتيات مطيعات مثلك يا

يمامة ، هذه الفتاة لا تعرف كلمة رفض ولا اعتراض أبدا هي

تشبه النسيم الصيفي البارد لا تشعر سوى برقتها وعذوبتها لا

تضر بقدر ما هي المتضرر في هذه الحياة ورغم تصميمها على

أن تلحقها بمن هم في سنها في المدرسة وضغط الدروس عليها

لا تراها تحتج ولا تمانع ، ولأن شقيقها سبق وعلمها الأحرف

والأرقام وجميع العمليات الحسابية والكتابة والقراءة لا ترى أن

التكاسل في تعليمها أمراً مستحسنا خاصة أنها ذكية وسريعة في

الفهم والحفظ كما لاحظت فهي مصممة على أن تلتحق بمن هم

في سنها خلال امتحانات نهاية المرحلة الإعدادية لتجلس معهن

في صفوف المدرسة الثانوية فأمامهما عام كامل وستجلب لها بدل

المدرس عشرة وستلحقها بدورات تعليمية وستكون معها فيها

ولن يرتاح لها بال إن لم تكن مع بثينة في العام بعد القادم .

جذبتها رائحة ذاك العطر الرجالي القوي وجعلتها تلتفت غاضنه

جبينها باستغراب من قبل أن يظهر لهم صاحبه من خلف أشجار

حديقة المنزل حيث يفضلون الجلوس في الصباح الباكر وتعلم

جيدا بأن صاحب ذاك العطر لا يحب الجلوس معهم ولم يفعلها

سابقا فما سيأتي به وهي لم تراه تقريبا الأيام الماضية فيومه

مليء تقريبا بين أعماله مع والده وجامعته ورسالة الماجستير ؟

ويبدوا بأن عاداته تغيرت فجأة ! وما أن ظهر لهم بوضوح أكبر

من خلف جذع الشجرة .. صاحب ذاك الجسد الشبابي الرشيق

يسير بخطوات بطيئة أنيقة يديه سجينتا جيبي بنطلونه الجينز

وارتفعت أطراف قميصه الأبيض المقسوم لنصفين بخط أزرق

واضح يشبه لون بنطلونه الذي اختلط باللون الأبيض في مسحتين

واضحتين عند فخذيه وساقيه فضيقت عينيها تنظر لعينيه

وابتسامته الماكرة تلك والتفتت جميع الرؤوس فور اقتراب

خطواته وكما توقعت حول نظره حينها للجالسة على يسار

الجالسة بجانبها وابتسم لها ولم يزدها ذلك إلا اشتعالا فقالت من

قبل أن يصل ناظرة للجالسة بجانبها

" بثينة اجلسي مكان يمامة ولتجلس هي هنا "

نظرت لها الجالسة بجانبها باستغراب قبل أن تقف وقالت

بابتسامة مازحة للتي دارت حولها

" التصقي بوالدتك يا يمامة .. ضاع مستقبلي "

فابتسمت لها تلك العينان الرمادية الواسعة قبل أن تزحف

صاحبتها نحو التي نامت في حضنها فورا وطوقتها جوزاء

بذراعيها وقبلت رأسها قائلة بابتسامة

" ليت كل ابنة في الوجود مثلها "

وتابعت بمكر ويدها تمسح على شعرها تنظر للذي وصل عندهم

وجلس متربعا بجوار شقيقته

" رحم الله من أنجبتها لن تغفلها عيني ما دمت حية "

رمقتها تلك العينان السوداء التي تشبهها في كل شيء بنظرة

باردة وقال صاحبها

" يمامة اسكبي لي كوب شاي من أمامك "

وما أن كانت المعنية بالأمر ستتحرك مبتعدة عن حضنها أمسكتها

وقالت ترمقه بتوعد

" ليخدم نفسه بنفسه ، يده طويلة وتصل حيث يريد "

ابتسم لها وكأنه لا يرى نظراتها الغاضبة تلك ثم نظر للجالسة

بجانبه وقال

" تحركي هيا اجلسي يسارا "

نظرت له المعنية بالأمر بحنق قبل أن تقف متأففة وتمتمت وهي

تجلس في الجانب الآخر

" وأخرجوني خارج سور المنزل أفضل "

تجاهلها وتحرك في جلوسه بمساعدة يديه ليبقى متربعا كما هو

واقترب من التي كانت تنظر له مستغربة وهو يمد يده ليدها

وأمسكها وسحبها ناحيته متجاهلا تلك النظرات النارية للنائمة

على كتفها وقال ممررا أصابعه بين أناملها البيضاء الصغيرة

الرقيقة ونظره على تلك الأحداق الرمادية المحدقة به

" لدي خبر سيعجبك يمامتي "

ابتعدت حينها عن التي كانت تنوي سحب يدها منه وفشل

مخططها وقالت من فورها وعيناها تمتلئ بالدموع

" يمان ..!! هل وجدته ؟ "

قبض على أصابعها بيده الأخرى أيضا وقال مبتسما

" أجل وهو في الجنوب الآن "

وضحك متفاجئا حين ارتمت في حضنه وطوقت عنقه بذراعيها

قائلة ببكاء

" شكرا لك أبان .. حمدا لله أنه بخير كدت أموت قلقا عليه "

ضحك ومسح بيده على ظهرها قائلا بمكر ونظره على تلك العينان

الغاضبة المتوعدة

" يبدوا كان عليا نقل الخبر لك في غرفتك "

ابتعدت عنه حينها ونظرت له بصدمة وكأنها تترجم ما قال قبل أن

يتلونا خديها إحراجا وهربت بنظرها منه فلامس أنفها بطرف

إصبعه وحركه قائلا بابتسامة

" لا تملأ لك إحداهن رأسك بالأفكار السوداء يا جميلة "

" بثينة خدي يمامة وراجعا ما درسته في غرفتها "

كانت تلك العبارة الآمرة من التي لا يعصى لها أمر ولا يناقش

فوقفت التي قالت متمتمه بحنق

" كنت أعلم منذ ولدت في هذه العائلة بأني سأبقى مهمشة للأبد "

وما أن رمقتها تلك العينان بتوعد توجهت نحو التي سحبتها من

يدها قائلة

" تعالي هيا قبل أن أتحول أنا لدرس للجميع "

فقاومت سحبها لها وقالت ناظرة للذي كان ينظر لها مستندا بيديه

على الأرض خلفه رافعا رأسه نحوها .. تلك الملامح الطفولية

الفاتنة والصوت الرقيق الحزين الراجي

" ومتى سأراه ؟ خذني له أبان أرجوك "

رمق الجالسة بجانبه بطرف عينيه مبتسما قبل أن يرجع بنظره

لها ورفع يده ورسم بسبابته أمام وجهه قلباً صغيراً في الهواء

وقال مبتسما

" كان سيكون من هذا لكني لا أستطيع يمامتي فدخول أراضي

غيلوان فيه موتي وموت صديقي الذي يستأجر شقيقك ملحق

منزله "
نظرت له بحزن وعبست ملامحها الجميلة فقالت جوزاء قبل أن

يتحدث " سأخبر والدك أيوب ويرسل من يجلبه يا يمامة لا

تحزني بنيتي"

فابتسمت لها من بين حزنها ومسحت بظهر يدها الدمعة التي لم

تفارق رموشها بعد على صوتها قائلة مجددا

" غادرا هيا وسألحق بكما حالا "

فغادرتا معا من فورهما ولحقت بهما التي صرخت بطفولية

" انتظرا سأرسم معكما "

وغادرن لا يسمع سوى ضحكاتهن ونظرات التي ودعتهم مبتسمة

تتبعهن ليعيدها ذاك الصوت الرجولي الحانق

" أي غضب من الله هذا الذي تجلبيه لنفسك وأنت تحرضي امرأة

على زوجها يا جوزاء ؟ "

نظرت له نظرة تشبه نظرته وقالت بضيق

" أنت قلتها بنفسك زوجة وليست خادمة لديك تسكب لك الشاي

... اخدم نفسك بنفسك ، ثم هي ليست زوجتك سوى قانونيا وأنت

مجرد بطاقة دخول لها لتكون هنا ، هذه ابنة جوزاء الحالك

وأيوب الشعاب وبموافقتك إن نسيت ؟ "


نظر لها بصدمة قائلا

" أمييي "

فقالت من فورها وبحدة

" لست أمك ولن أكون أماً لرجل لا كلمة له وهو من قال بلسانه

سابقا بأنه لا يريدها "


نظر لها بحنق نظرة أهدته أقوى منها فانقلب مزاجه فجأة وكعادته

وقال مبتسما بمكر

" لم اخبرك جدتي تسلم عليك "

انقلبت قسمات ملامحها هي أيضا لكن للاستغراب قائلة

" جدتك من ! "

ضحك رافعا رأسه للأعلى قبل أن ينطر لها مجددا وقال بابتسامة

مائلة

" أعتقد بأنه لدي جدة واحدة فوالدتك متوفية إلا إن لم أكن

ابنك ! "

تجعدت ملامحها وقالت بضيق

" وما الذي أخذك لجدتك تلك ؟ "

نظر لها بصدمة مصطنعة وقال

" أمي لا تنسي بأنها والدة والدي وصلة رحم يا فاضلة !! "

انفجرت فيه غاضبة من فورها

" صلة رحم وهي تكره والدتك وتسعى لطلاقها من والدك ومنذ

أعوام ؟ بل وتكرهكم جميعكم لأنكم لا توافقون رأيها ! وأي سلام

هذا الذي ترسله لي معك وهي لا تطيقني في بلاد "

وقف على طوله ونفض يديه قائلا ببرود

" المهم أنها تسلم عليك وأنا ألححت عليها أن تأتي لزيارتنا

وهي وافقت "

وغادر من هناك يصفر مبتسما باستمتاع لاشتعالها وكل تلك

النيران التي تركها تشتعل خلفه في جوف التي وقفت قائلة بضيق

وصوت مرتفع ليسمعه

" اشتري منزلا واستقبلها فيه يا ابن جدتك مفهوم ؟ "

التفت لها من بعيد ورفع إبهامه قائلا بضحكة

" لا مانع لدي لكن ستكون زوجتي معي فيه يا جوزاء

اتفقنا ؟ "


وغادر متجاهلا تلك العبارة الغاضبة التي لحقت به

" في منامك يا ابن جوزاء ... نم واحلم بها "

فابتعد ملوحا لها بيده دون أن يلتفت لها ولا أن يعلق تاركا إياها

تشتعل خلفه تتوعده في سرها بالويلات وتحركت مغادرة المكان

أيضا لكن في اتجاه مغاير جهة المنزل ليوقفها ذاك الصوت

المنادي من مكان قريب

" أمي "

فابتسمت بحنان وسعادة وعيناها السوداء الواسعة تمتلآن

بالدموع ووقفت تنظر حولها جهة ذاك الصوت المنادي قبل أن

يظهر لها صاحب البذلة الزقاء المذهبة الخاصة بالطيران والذي

انحنى قليلا ليعبر من تحت أوراق الشجرة التي اعترضت طريقه

فهمست بسعادة وحنان تنظر لعينيه المبتسمتان لها

" غيهم !! "

وصل عندها وحضنها فورا ذراعاه تحوطان كتفيها بقوك وقبل

رأسها قائلا بابتسامة

" أمي أكره رؤية دموعك متى ستفهمين هذا "

ابتعدت عنه وأمسكت يده وقبلت باطنها ثم أمسكت وجهه ناظرة

لعينيه بعينين دامعة وقالت مبتسمة بحنان

" حمدا لله على سلامتك بني ولا أبكى الله عينيا فقدا لك "

أمسك يدها وقبل ظهر كفها بعمق فمسحت بيدها الأخرى على

شعره هامسة بحزن

" هكذا تفعلونها بي يا مجرمين ؟ لا أحد أخبرني بأنك

قادم اليوم "

وضع يدها على خده تحضنه أصابعها الناعمة وقال مبتسما

" كنت أعلم بأنك ستقلقين حتى تنزل طائرتي بعدما حدث المرة

الماضية لذلك طلبت من والدي وأبان أن لا يخبراك حتى

أكون هنا "

عادت لاحتضان وجهه بيديها قبل أن تشده لحضنها مطوقة عنقه

بذراعيها وقالت مبتسمة بحنان

" لا حرمني الله رؤية هذا الوجه والابتسامة ولا حرمك رضاي

عنك يا قلب والدتك "

وما أن ابتعدت عنه نظرت لعينيه وقالت بترقب خالطه الكثير

من الفضول

" ماذا حدث بشأن كنانة هل ذهبت لزيارتهم ؟ "

ابتسم ومد يده لوجهها ومسح بإبهامه الدمعة المعلقة في رموشها

السوداء الطويلة وقال

" أجل ذهبت لزيارتهم أمي والأمور تسير على ما يرام "

قالت من فورها مبتسمة بسعادة

" إذا زال الخلاف بينكما يا غيهم ؟ "

ضحك بخفوت وقال

" تقريبا "

قالت باستغراب

" ولما تقريبا ألم تشرح لها السبب الحقيقي لتغيبك

عن الحفل ! "


قال بابتسامة جانبيه

" بلى لكن يبدوا أن الحقيقة لم ترق لها وصدقت كذبتها تلك "

تنهدت بعمق وقالت

" لكنك السبب يا غيهم لأنك تأخرت في التبرير لها ؟ لقد أهنتها

ووضعتها في موقف محرج مع عائلتها فما كنت ستتوقع

منها ؟ "


ابتسم بضحكة خفيفة وضمها لحضنه مجددا قائلا

" كم تعجبينني وأنتي تدافعين عنها هكذا يا عنصرية "


شاركته ضحكة قصيرة تشبه ضحكته وابتعدت عنه قائلة

" لن أحبها أكثر منك ولأني أحبك أريد لك الأفضل بني وتلك

الفتاة منذ رأيتها وتحدثت معها شعرت بأنها تناسبك تماما ،

إنكما ككفاي على بعضهما تماما وفي كل شيء "

وتابعت ناظرة له بنصف عين وابتسامة ماكرة تزين شفتيها

" أم لديك رأي آخر فيها وبأنها فعلا رائعة ومميزة في

كل شيء ؟ "

ضحك ورفع كتفيه قائلا

" لا تسأليني فهي لعبت بعقلي بمكر وتركتني أبحث عنها

لأيام وهي أمامي "

ابتسمت بسعادة ومسحت على طرف وجهه قائلة

" ليوفقك الله بني لما يحبه ويرضاه ويحقق لك كل ما تتمناه "

أمسك وجهها وقبل جبينها قائلا

" لا حرمني الله من دعواتك أمي ومن وجودك بيننا دائما "

ونظر لعينيها وقال مبتسما

" الباقي سأتركه لك ولوالدتها ولا تهتما لرفضها لأي شيء ولا

لحركاتها المجنونة فأنا واثق من أنها ستحاول إفساد الأمر بكل ما

تستطيع فعله "

ضحكت وضربت بيدها كتفه بخفة قائلة

" واثقة من أنك السبب فما فعلت لها يغضبها هكذا ؟ "

ضحك ولم يعلق وحضن كتفيها بذراعه وسار بها جهة المنزل

قائلا

" أحتاج لأن أستحم ولأكلتي المفضلة من يديك الجميلتين وأن أنام

ليوم كامل "

لامست يدها يده الحاضنة لذراعها وقالت ناظرة له بحنان

" من عيناي بني وما أن تستحم ستجد الطعام جاهزاً "

*
*
*

أشار بالقلم في يده دون أن يرفع نظره لها قائلا

" حسنا يا كوينوا الجميلة ضعيه هنا وشكرا لك "

وضعت الملف على الطاولة وقالت مبتسمة

" كنت مثالا لكل من لا ينطق اسمي صحيحا وها قد أصبحت
مثلهم "

ضحك وقال منشغلا بما يفعل

" أراه مناسبا وخفيفا وجميلا "

وتابع وقد رفع نظره لها

" صحيح لديا فضول في أن أعرف معناه ! "


ابتسمت له قائلة

" الكنانة هي جعبة السهام "

ضحك من فوره وقال

" إذا أنتي تحتاجين لقناص ماهر ليستحق أن يحملك على

عاتقه "
لم تستطع إمساك ضحكتها ورفعت خصلات شعرها خلف أذنها

قائلة

" حتى الصيادين الفاشلين يضعون الجعب على أكتافهم "

غمز لها وقال مبتسما

" مخطئة فذاك ييأس سريعا ويرميها عنه وأنتي تشبهين اسمك

تماما وسأناديك كنانة مجددا "

تشاركا ضحكة صادقة فهذا الرجل رغم أنه يكاد يكون في عمر

والدها إلا أنه بروح شاب صغير ورغم وظيفته كمهندس جوي إلا

أنه متواضع يعامل أقل موظف في قسم الملاحة الجوية على أنه

أعلى مكانة منه ، قالت مبتسمة

" وماذا إن أخبرتك أن مصر يطلقون عليها أرض الكنانة أيضا

فأين هي مني ؟ "

وضع القلم من يده وقال مبتسما بحماس

" لا هكذا سيحتاج الأمر لشرح أكثر فأخبريني أولا لما سميت

بذاك الإسم ؟ "

جمعت يديها خلف ظهرها وقالت مبتسمة

" إنها أرض النيل فتعني أرض الماء "

ضحك وقال مبتسما

" إذا أنتي هكذا عذبة ورقيقة كالماء .. أي فتاة الماء "

قالت بضحكة صغيرة وقد لوحت بكفها

" لا تسمعك زوجتك فأنا لا علاقة لي "

ضحك وعاد لأوراقه قائلا

" هذا سرنا لوحدنا يا جميلة فلا تخرجيه من هنا كي لا تسمع به
ابنتي فهي تغار نيابة عنها "

ابتسمت وخرجت من المكتب مغلقة الباب خلفها فها قد عادت

الآنسة كنانة لعملها السابق فكما قال ذاك المغرور المعتز بنفسه لا

حاجة لها لأن تترك عملها هنا وتبحث عن فرص متدنية بمميزات

أقل وراتباً أدنى بل وأقل متعة فهي تحب هذه الأمكنة بل وتعشقها

وأي أمر يمت للطائرات والطيران بصلة فإن كانت الطائرة عشقها

الأول فكل ما يخصها يأتي في المرتبة الثانية في كل جزء يخص

هذا المكان وإن عملت في سحب حقائب المسافرين من الطائرات

المهم أن تراها أمامها .

وصلت لصالة استقبال المسافرين تبحث بنظراتها في أرجاء

المكان عن هدفها وابتسمت ما أن وقع نظرها على الواقفة بعيدا

ملامحها الغاضبة المستاءة تراها بوضوح على بعد أميال

وتحركت مقتربة منها حتى وصلت عندها وقالت مبتسمة

" لعلمك فقط أنت سبب كل التحقيق الذي أتحفني به والدي

لأبقى في المطار حتى هذا الوقت "

نظرت لها وقالت بضيق

" ولما رفضت تغطية غيابي ؟ تحملي النتائج إذا وأنا لن أكون

في استقبال زير النساء ذاك وحدي أبدا "

وتابعت بذات ضيقها ملوحة بيدها في الهواء

" لا أفهم لما عليا استقبال ذاك المغرور ؟ أين عائلته عنه لا

يكونوا هم هنا ؟ ثم هو لا يسافر لأول مرة فلما يصر والدي على

أن نكون في استقباله ؟ ثم وبكل بساطة يتحجج بأنه مشغول
وعليا أنا وحدي أن أكون هنا "

قالت مبتسمة وكأنها لا تشتعل أمامها

" لا تنسي بأن خطبتكما اعلنت حديثا ووالدك سيرى أنه من

واجبه استقباله وإن هذه المرة فقط ولأنه مشغول كما قال

فسينوب عنه من سيتعذر عن غيابه ... هذا أمر طبيعي "


تأففت قائلة

" لكني لا أريد .. لما لم يجد بديلا عني أو تخبريه أنت أو ليتصل

به بعد وصوله "

رفعت كفها قائلة بابتسامة

" وها أنت هنا وانتهى الأمر فعليك أن تتحملي لد.... "

قاطعتها قائلة بضيق

" لا تقوليها أنت أيضا يا كنانة أو غضبت منك للأبد ، لقد سئمت

من سماع هذا الموشح وبأني السبب ... أعلم لا حاجة لتذكيري

بذلك "

نظرت لها بصدمة وقالت

" لكني لم أكن أريد قول ذلك بل قصدت تحملي لدقائق قليلة هنا

وينتهي الأمر "


تأففت مجددا وقالت

" ومتى ستصل طائرته الموقرة ؟ لقد تعبت من الوقوف فلنغادر

يبدوا بأنها ستتأخر كثيرا "


ضحكت وقالت تشير بإصبعها لإحدى اللوحات في الأعلى

" لو أنك تراقبين خط سير الرحلة لعلمت بأن طائرته نزلت قبل

دقائق وسيدخل المسافرون في أي لحظة ما أن تنتهي

إجراءاتهم "

نظرت جهة بوابة الاستقبال وقالت باستياء

" لا أفهم يملكون شركة طيران ويصنعون الطائرات أيضا فلما لا

يركب طائرة خاصة تهبط به فوق سقف منزلهم فإما أن يصل

أو يموت "


نظرت لها بصدمة وقالت

" ساندي ما بك تتمنين الموت لابن عمتي ؟ ثم الطائرة الخاصة

أيضا ستنزل به هنا في المطار "

نظرت لها وقالت متشدقه

" بل أنا من يعرف السبب .. هذا من بخله فقط لا يريد أن ينقص

عدد الطائرات التي يستأجرها أو يبيعها إن خصص لنفسه

واحدة "

حركت رأسها ضاحكة ولم تعلق فلا فائدة ترجى منها أبدا ولن

تتغير نظرتها له مهما حدث وكم تمنت أن كان والدها معها كما

كان يخطط لكان أخرسها على الأقل فتشتعل في داخلها بصمت ،

نظرت جهة البوابة الخاصة برجال الأعمال وللداخل منها ببذلة

سوداء فاخرة وأنيقة يحمل حقيبة في يده يتبعه شخصان ببذل

تشبهها في اللون لكن ليس في جودة القماش ولا فخامة التصميم

شعره مصفف للأعلى بعناية فائقة كعادته ليلفت أنظار أغلب

الموجودين في ذاك المكان الواسع المزدحم ولطالما كان ذاك

الباب الخشبي الأنيق المميز والمزين بأشرطة ذهبية عند ممشاه

عكس ذاك الأحمر للمسافرين العاديين مصدرا لجذب الأنظار فلا

يدخل منه إلا من يسحر القلوب بثرائه الواضح ، شدتها من يدها

وسارت بها نحو تلك البوابة قائلة

" ها قد وصل ورحمني قبلك "

قالت تتبعها بخطوات مسرعة فلازالت تمسك بيدها

" وأين المسافرون الآخرون ؟ كيف يصل لوحده ! "

قالت تعبر بها بين جموع المسافرين

" لأنها طائرة خاصة يا ذكية ولو أنك انتبهت للبوابة التي دخل

منها لعلمت بذلك أو نظرت للوحة الرحلة التي تنتظرينها فهي

وصلت من قبل قدومك "

نظرت لقفاها بصدمة قبل أن تلكمها على كتفها قائلة بضيق

" سحقا لك يا حمقاء تشبهين ابن عمتك فعلا ، لما لم تخبريني

بالأمر لكنت غادرت من هنا بحجة أن الطائرة نزلت قبل وصولي

وبأني لا أعلم عن أنها طائرة خاصة "

قالت وهي تقترب بها من الذي تحرك نحوهما مبتسما

" نسيت ذلك ولم أتذكر حتى رأيته "

لكمت كتفها مجددا قائلة بحنق

" لن أنساها لك أبدا يا كاذبة "

فتجاهلتها ووصلتا للذي مد حقيبته لأحد مرافقيه قائلا " استلم

حقيبة الثياب والفساتين ولا تتلفوها أريدها في حقائبها الخاصة

كما تم تسليمها وأنهي إجراءات السيارة وانتظراني في الخارج "

فغادرا من فورهما بعد انحناءة طفيفة منه وانتقل نظره هو للتين

وقفتا أمامه وقالت مبتسمة التي لازالت تمسك تلك اليد بقوة كي لا

تفر صاحبتها هاربة

" حمدا لله على سلامتك يا رواح ، يبدوا أن فرنسا

أعجبتك حقا ؟ "

قال مبتسما ونظره يبحث عن التي لازالت تختفي خلفها

" ما هذا الاستقبال المميز ؟ أي نيزك حظ هذا الذي أسقط

الجميلتين في استقبالي ؟ "

قالت التي غمزت له ضاحكة

" عليك أن تشكر والد خطيبتك إذاً فهو السبب في وجودنا كلينا

رغم أن الحديث عني ليس سوى مجاملة "

ضحك ومد يده ممسكا بيد التي بدأت تحاول الإفلات من قبضتها

والهرب وجذبها منها نحوه حتى ظهرت له من خلفها وشدها

لحضنه مرغمة وقال بضحكة

" سلمك الله حبيبتي عدت لك أخيرا "

ضربت صدره وقد تركها تبتعد طوعا قائلة باشمئزاز

" ابتعد عني لقد خنقتني برائحة العطور الفرنسية النسائية "

نظر لها بصدمة على ضحكة الواقفة بجانبها قبل أن ينقل نظره

لها قائلا بدهشة مصطنعة

" أسمعت يا كنانة ما تتهمني به وأنا من أقسمت لها مراراً بأني
لم اقبل غيرها أبدا ! "

ففغرت فاها بشهقة مصدومة ونقلت نظرها منه للتي كانت تنظر

له بصدمة أعجزتها عن التحدث قبل أن تصرخ فيه غاضبة "

اصمت يا وقح كم مرة قلت لك لا تتحدث عن أمر حدث منذ

طفولتي وكنت أنت السبب فيه "

شدها من يدها مجددا وقال سائرا بها

" أنا فقط أردت تبرئة نفسي أمام ابنة خالي وأنت السبب فلا

تنسي ، تعالي يا كنانة اتبعينا "

فتحركت خلفهما التي حركت رأسها مبتسمة فلابد وأنه سيحدث

شيء ما في العالم إن التقى هذان الأحمقان مرة دون أن يتشاجرا

ويغضبها طبعا بينما لا يتغير مزاحه هو أبدا وكأنهما طفلين لم

تغيرهما السنين أبدا ! تبعتهما وهو يدخل بها لأحد المقاهي في

صالة رحلات الوصول وانضمت لهما حيث الجالسة تكتف يديها

لصدرها ترمقه بضيق وهو يجلس فجلست معهما أيضا على

صوت التي قالت حانقة

" هل أفهم لما نجلس هنا ؟ ألم تصل يا رجل الأعمال الجديد فلما

لا تذهب لمنزلك ؟ "

تجاهلها ونظر للجالسة مقابلة له وقال مبتسما

" ما أخبارك يا كنانة وهل وصل لمنزلكم من طلب عنوانه

أخيرا ؟ "

نظرت له بصدمة وعضت طرف شفتها محذرة له فنقل نظره

منها للتي نقلت نظرها بينهما باستغراب فعاد بنظره لها وغمز

لها مبتسما قبل أن ينظر حوله وما أن لمح الفتاة الشقراء النحيلة

التي لم يتجاوز عمرها الخامسة عشرة وقد اجتازت طاولتهم من

خلفه فتبعها بنظره ينظر لساقيها وفستانها الذي لم يتحاوز نصف

فخذيها وصفر بإعجاب فالتفتت له التي تباطأت خطواتها وهي

تبتعد مبتسمة له ليتبعها صرير الكرسي حول طاولته ووقفت التي

قالت بضيق

" يا لك من مقزز لا تترك ولا المراهقات ! بل ولم تستحي من

وجودنا معك يا منحل "

وغادرت من هناك غاضبة تتبعها ضحكته قبل ان ينقل نظره

للجالسة أمامه تنظر له بصدمة وقال مبتسما

" ها قد خلصتك منها فاحكي لي ما حدث "

نظرت جهة باب المقهى قبل أن تعود بنطرها له وقالت باستياء

" لما تفعل ذلك بها ؟ أنتما مرتبطيْن في جميع الأحوال وإن كانت

رافضة لك وما فعلته يجرح شعور أي امرأة "

أشار للنادل الذي وقف عند طاولتهما وقال ما أن غادر

" حسنا لا مشكلة فأنا في نظرها زير النساء في جميع

الأحوال "

تنهدت بضيق قائلة

" لكنك لست كذلك ولست أفهم لما تصر على غرس هذه الصورة

عنك في دماغها ! "

رفع كتفيه قائلا

" لأنه لا فائدة من محاولة تغيير نظرتها لي وصورة رواح الطفل

المعجب بالشقراوات عالقة في دماغها ولن تقتنع أبدا بأنه سيتغير

ما أن يكبر "

ضيقت عينيها تنطر له بشك متمتم

" تحبها ؟ "

ضحك وقال

" ما كنت لأخطبها من نفسها وأتحمل كل ما تقوله لي إن لم أكن

أحبها .. لكن لا تخبريها بذلك كي لا تنتحر وأفقدها للأبد فذنبها

سيكون في عنقك وعقابك مني سيكون بأن تلحقي بها "

خرجت منها ضحكة صغيرة خالطت كلماتها الهامسة

" سحقا للحب بطريقتكم أنتم يا الرجال "

اتكأ على الطاولة تحته بمرفقيه يضم ساعديه لبعضهما وقال

" اتركينا منها الآن فبعد أن ربطتها بي لن تتحرر مني أبدا

وأخبريني ما حدث معك وما قال ابن شقيقة مطر شاهين

حين زاركم ؟ "

نظرت ليديها على الطاولة وشدت على أصابعها قائلة ببرود

" كان مريضا تلك الليلة وقت الحفل وأراني وصفة العلاج لكنه

لم يخبر أحدا غيري بذلك وتركني هكذا محاصرة بكذبتي التي

كذبتها وانقلبت لصالحه نهاية الأمر "


نظر لها باستغراب وقال

" أخشى أني لم أفهم الكثير مما قلته يا كنانة فأخبريني عما حدث

مفصلا "

رفعت نظرها له وتنهدت بضيق قبل أن تسرد عليه ما حدث

واستمع لها هو حتى أنهت كلامها وقال حينها بضحكة صغيرة

" فعلها بك الرجل ! سحقا لعقله ولن أستغرب هذا من الطيار

الذي أنقذ تلك الطائرة بمعجزة بل ومن شاب خاله يكون مطر

شاهين "


رمقته بضيق قائلة

" أراك مستمتعا جدا بما يحدث لي ؟ "


ابتسم وقال

" كنانة لن أكون إلا صريحا معك وأنا سبق والتقيته وإن كان

لوقت قصير جدا إلا أن نظرتي للرجال لا تخيب وهو بالفعل

يستحق أن تعطيه ونفسك فرصة أخرى "
نظرت ليديها مجددا ما أن تلونت حدقتيها بألم خفي وقالت بحزن

" لكنه يريد فتاة أخرى وقد قالها لي بنفسه بل وبأنه ستزوجها

بعدي أي أن والدته من تجبره على هذا كما توقعت سابقا "


نظر لها بصمت لبرهة قبل أن يقول بجدية

" أنا لا أصدق هذا ولا يبدوا لي أبدا بأنه من النوع الذي قد

يفرض عليه أي أحد ما لا يريد "

أسدلت جفنيها مخفية تلك الأحداق السوداء الحزينة عنه قائلة

" لكنها أخبرت والدتي سابقا بأنه أكثر أبنائها طاعة لها وبأنه لا

يرفض ما تريده وإن كان على حساب نفسه فهو سيرضيها بي ثم

يكافئ نفسه بالتي يريدها بالتأكيد وأتحول أنا للوحة معلقة في

جدار منزله "

تنفس بعمق وقال

" وما الذي قررته أنت إذا ؟ "

حركت رأسها نفيا وقالت بأسى

" لا شيء حتى الآن لكن ثمة طريقة بالتأكيد لتلغى تلك الخطبة

نهائيا وأحتفظ بالمتبقي من كرامتي وانقذ نفسي من ضياع

مستقبلي مع رجل لا يحبني "

سند ظهره لظهر الكرسي معتدلا في جلسته وقال يقلدها حين

ضيقت عينيها بشك

" لا يبدوا لي أن أمره لا يعنيك حقا يا كنانة ؟ "

هربت بنظراتها منه ووقفت وقالت تنظر للأسفل

" لا شيء بيننا يجعلني أتعلق به لكن جرح الكرامة مؤلم وممن

كان يا رواح "

وتابعت ناظرة جهة باب المقهى ومن قبل أن يعلق

" لقد تأخر الوقت وعليا المغادرة "

ثم عادت بنظرها له واغتصبت ابتسامة صغيرة قائلة " وطبعا أنت

من سيوصلني بعدما غادرت التي اشترط عليا والدي أن أغادر

معها "

وقف وقال

" حسنا لا مانع لدي "


تحركت أمامه قائلة

" انتظرني لدقائق فقط إذاً حتى أغير ثيابي "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 21-03-18, 09:14 PM   المشاركة رقم: 1007
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


أغلقت باب سيارتها وتحركت بخطوات أنيقة رغم سرعتها جهة

الباب الخشبي الضخم المفتوح كقرش متوحش يلتهم ضحاياه

بأناقة تشبه تفاصيله فقط أما ما يوجد داخله لا أحد يعشق المكوث

فيه بسببه ، أبعدت النظارات الشمسية عن عينيها وثبتتها فوق

حجابها واجتازت الباب نظراتها تبحث بين الأشخاص الموجودين

في المكان حركة حدقتيها السوداء الواسعة الفاتنة تشبه بطء

خطواتها وهي تجتاز الأجساد المتحركة بعشوائية في المكان

الواسع حتى وقع نظرها أخيرا على هدفها الذي دخلت مبنى

المحكمة من أجله فقد علمت من المحامي الذي وجدته في مكتبه

أنه يقضي اليوم هنا في محكمة العاصمة ويومين في مكتبه يستلم

قضايا موكليه ومن بعدها لا يرجع للعاصمة حتى التاريخ المماثل

له من الشهر القادم ، نظرت له من مكانها وهو منشغل مع

الواقف أمامه ويبدوا أنهما يتحدثان في موضوع مهم منسجمان

فيه درجة أنهما لا يشعران بشيء مما يحدث حولهما ... لازال

كما تذكره رغم مرور كل تلك الأعوام فله ولشقيقه وسام وسامة

قبائل غزير المنحدرة أساسا من الحالك فوالدهما من غزير أيضا

وها هو لازال يحتفظ بذاك الشعر الأسود والملامح الحادة الجذابة

رغم مرور أعوام على آخر مرة التقيا فيها فهي لم تراه منذ سبع

سنوات تقريبا ومنذ ذاك الحفل الرآسي الذي لم يتبادلا فيه أكثر

من عبارات الترحيب الرسمية وفي وجود شقيقته جليلة قبل أن

يغادر وكأنه قرر ترك المكان فقط لأنها أصبحت فيه رغم تعامله

اللبق معها حينها فهو انعزل عنها كما عن عائلته منذ ذاك

الشجار العنيف بينه وبين شقيقه من والدته وثاب بعد رحيل

المدعو مطر شاهين وإعلان خبر طلاقها منه حتى أنه لم يحاول

التحدث معها قط عكس شقيقه الذي وضع نفسه في مواجهة

حامية الوطيس حتى مع جبران ولولا تدخل والدها شراع حينها

والذي أعلمهم كما الجميع بأنه لن يزوجها لأحد لما انتهت تلك

الحرب أبدا ، تنهدت بعمق ولا حل أمامها غيره فقائد لا يشبه

وثاب ولا حتى جبران وانسحابه الصامت كان أكبر دليل بل

ومعاملتها باحترام عكس عدويه اللذان لم يبخلا في تجريحها حين

فقدا الأمل فيها واتهماها حتى بأنها أجبن من أن تنسى رجلا نبذها

وهجرها تاركا إياها خلفه .

تنفست بعمق مستغفره الله وتحركت نحو تلك الجهة بخطوات

حذرة حتى كانت خلفه تماما وأغلقت هاتفها قبل أن تضعه على

أذنها وقالت بصوت منخفض

" قائد أنا غسق فاستمع لي دون أن تلتفت "

وأخفضت نظرها حين لاحظت تصلب جسده فجأة وكأنها مررت

كفها على ظهره وليس تحدثت له فقط ولن تستغرب صدمته بهذا

لكنه حلها الوحيد فهو من يمكنها الوثوق به وهو أيضا من
سيقاتل باستماته معها وهذا ما هي متأكدة منه وإن رفض ستجد

حلولا أخرى ولن تستسلم بسهولة أبدا ، نظرت للأسفل ولازالت

تثبت الهاتف على أذنها وقالت بصوتها المنخفض

" حاولت أن أحصل على رقم هاتفك لكن نائبك في المكتب رفض

متحججا بالخصوصية وبأنك ترفض أن يكون لدى أي أحد غير

موكليك وأنا لم أستطع إخباره عن هويتي الحقيقية وجليلة

تعرفها جيدا غريزتهاالحمائية ناحيتك تجعلني في نظرها وحش

عليه أن لا يقترب منك "

انخفض رأسه قليلا قبل أن تسمع صوته الرجولي العميق

المتزن قائلا

" بما يمكنني أن أخدمك يا غسق فيبدوا أنك مراقبة ! هل ثمة
مشكلة ما ؟ "

سحبت أنفاسها ببطء قائلة

" هل تمسك قضية موكلتك فيها غسق شراع أم نظرتك لي لا

تختلف عن جبران ووثاب ؟ "

نظر للواقف أمامه والذي ابتسم له بمكر مدركا أنه يتحدث مع

الواقفة خلفه وإن لم تظهر له وقال يرمقه بتوعد

" غسق أنت تخطئي في حقي بهذا "

ابتسمت من فورها فهو لن يخذلها كما توقعت ، رفعت نظرها

وجالت به حولها قائلة

" ماذا قلت إذا ؟ "

قال من فوره وقد دس يديه في جيبي بنطلون بذلته السوداء

الأنيقة

" سأتصل بك فيما بعد فأنا أملك رقم هاتفك "

ابتسمت بحزن وهمست بخفوت وقد نظرت لقفاه القريب منها

مبعدة الهاتف عن أذنها ببطء

" تعدني بأن تعاملنا سيكون كمحام وموكلته ؟ أنا أثق بك يا قائد

وبأنك لا تشبه وثاب في شيء "

حرك رأسه جانبا وكأنه شعر بنظرتها من خلفه وقال وقد بات

يقابلها بنصف وجهه وإن لم يكن ينظر لها

" أعدك يا ابنة خالتي فنحن الآن تجاوزنا مراحل المراهقة بأعوام

، أنت فقط لا تُحملي القلب فوق طاقته "

نظرت لملامحه الرجولية الساكنة ونظره الشارد للبعيد وتمنت لو

لم يقل ما قاله ختام جملته تلك لكان أزاح حملا ثقيلا عن كاهلها

لكنها تحتاجه وواثقة من أخلاقه ثقتها في نفسها ولن يعنيها شيء

أكثر من نيلها لما تصبوا له ثم حتى إن طلب الارتباط بها ستوافق

فالحياة بدون مشاعر مع رجل يحبك أفضل من العيش ذليلاً مع

شخص لا يبادلك تلك المشاعر .

غادرت مبنى المحكمة بعد أن زارت وجهتها التمويهية وركبت

سيارتها وانطلقت عائدة لمبنى شركتها الجديدة فكل شيء خططت

له يسير على ما يرام حتى الآن وانشغال ذاك الرجل عنها في

مشاكل البلاد الأخيرة كان ضربة حظ موفقة لصالحها لكان كعادته

قادر حتى على قراءة أفكارها عن بعد أميال .


*
*
*


وضعت الكوب من يدها بعنف على الطاولة وغرست أناملها في

شعرها القصير وأبعدته عن وجهها مسندة مرفقها على طرف

الطاولة وراقبت نظراتها بضجر حركة الطلاب في مقهى الجامعة

وكم كرهتهم جميعهم واحدا واحدا فلما حين كان الأمر يخصها

صدّق الجميع تلك الحكاية وأصبحت حبيبة الأستاذ الجديد القادم

من الجنوب بينما حين كانت الفضيحة معتبرة والقصة العملاقة حد

التشويق تخص السيد أويس عبد الجليل كانت جمرة رميت في

البحر بمجرد أن تحدث أحد أبناء الجنوب عن أن اسم الفتاة يكون

مايرين يحي غيلوان فتركوا ضحيتها الأساسية وأصبحوا يتناقلون

قصة الفتاة وينهشون لحمها بين متعاطف مع قصتها وبين مشكك

حتى في شرف والدتها بل وتعاطفوا حتى مع ذاك الرجل الذي

اعترف بأنها ابنته بعد نكرانه الطويل للأمر واختفى في ظروف

غامضة ثم اكتشفوا بأنه ميت في الصحراء ولم تجني شيئا فذاك

الطاووس لازال يمشي بكل ثقة في أروقة الجامعة كما وصلها

وقيل عنه فهي ألغت اليومان اللذان يكون فيهما هنا من جدول

أسبوعها وأولهم حضور مادته وإن كانت معرضة للرسوب فيها


" هل يمكنني مشاركتك الطاولة آنستي ؟ "

تصلب جسدها وانتصبت في جلستها لا شيء فيها يتحرك سوى

رموشها السوداء الكثيفة وكأنها لوحة قديمة مسكونة فهذا

الصوت لا يمكنها أن تخطئه أبدا فقد سكن حتى كوابيسها ! لم

تستطع الإجابة كما الالتفات لصاحب ذاك الصوت والذي دار حول

الطاولة وسحب الكرسي المقابل لها يمسك في يده كوب قهوة

ورقي حدقتاها الذاهلتان لازالتا تتبعانه وهو يجلس دون أن ينظر

ناحيتها حتى استقر جالسا ورفع حينها نظره لها وقال مبتسما

" أعلم بأنه تطفل لكن خلوتك اجتذبتني "

تصلبت ملامحها وتمتمت بصوت بالكاد استطاعت إخراجه

" متى تغير جدول محاضراتك ! "

وضع الكوب من يده قائلا بابتسامة جانبية

" يفترض بالعدو دراسة تحركات عدوه جيدا إذا يا زهرة "

نظرت له بضيق وقالت

" إسمي زهور وعذرا فأنت لم تسمع موافقتي على الجلوس معي

فأنا لا ينقصني شائعات "


قال متجاهلا كل ما قالت

" لكن جدول محاضراتي لم يتغير وأنا هنا من أجلك فقط "


تراجعت للخلف تنطر له بصدمة وعدم تصديق فابتسم تلك

الابتسامة الرجولية التي لا يتقنها سوى رجال الجنوب كما كانت

تصفها صديقتها الخائنة المنسية ماريه وقال

" أنا حقا لا أمزح يا زهرتي "

ضربت بيدها على الطاولة قائلة بضيق

" لست زهرتك .. بل وسأغير إسمي أيضا فاتركني وشأني "


ثم نظرت حولها وزمت شفتيها بحنق ما أن لاحظت كل تلك

الأنظار التي تركزت عليهما بسبب صرختها الغاضبة تلك وتمنت

لحظتها أن دُفنت مكانها فنظرت مجددا للجالس بكل هدوء

وأريحية وكأن شيئا لا يحدث حوله ! ولما سيتأثر فلن يطاله شيء

وهي المتضرر الوحيد ككل مرة وسيتحول الحديث في هذا المكان

مستقبلاً عن شجار الحبيبان في مقهى الجامعة وستكون هي

بالطبع الحبيبة التي تخلت عن حبيبها بسبب ما قيل عن والده ،

وقفت ورفعت مذكراتها فوقف من فوره ومد يده عبر الطاولة

وأمسك برسغها قائلا

" لم أترك والدتي لوحدها في الجنوب لليلة أخرى فقط لأراك ثم

أدعك تقفي هكذا وتغادري بكل بساطة "


سحبت يدها منه وقالت بضيق

" إن كنت هنا لتعتذر عما فعلته سابقا فاعتذارك ليس مقبولا ولن

تتخلص من فضائحك بالتكفير عن جرمك بي "


أشار للكرسي بقربها وقال بتهديد

" زهور اجلسي لنتحدث أو حملتك على كتفي وخرجت بك من

هنا لحيث يمكنك الصراخ كما تشائين "


تحركت من مكانها متجاهلة له وسارت بقربه لأنه في الجهة

المقابلة للباب فوقف في طريقها وقال بتصميم يدس يديه في

جيبيه

" قسما أفعلها يا زهور وأنت تعرفينني جيدا "

رمت مذكراتها على الطاولة بقوة وغضب وجلست قائلة بضيق

" لا يحتاج الأمر أن تقسم فأنت لا تدخر جهدا في إيذائي فأنا

بالطبع عدوتك التي لم تفهم يوما سبب هذا العداء "

وتابعت بذات ضيقها تنطر له وهو يعود للجلوس أيضا

" لا بل أعرف السبب إنها ماريه هارون الناكرة للجميل تلك

لكن ما الخطأ الذي ارتكبته تعاقبني عليه هكذا ؟ لو كنتَ زوجها

لتفهمت الأمر بل كان عليكما شكري للفت نظركما للجرائم التي

كانت تتعرض لها ويصمت الجميع عنها "


قال بهدوء ما أن أنهت سيل عباراتها الحانقة تلك

" هل انتهى لومك زهور ؟ "

ضربت بقبضتها على الطاولة وقالت بحنق

" لا ليس بعد ولن ينتهي أبدا حتى ينسى الجميع هذا المشهد

أيضا وانظر كم نحتاج لعام إلى تنتهي دراستي وأنا مصدر

للشائعات ، لقد جعلتني أكره حتى التخصص الذي كنت أحبه

وتحديت والداي لأدخله "

قال بذات هدوئه وكأنها لا تشتعل أمامه

" زهور إهدئي وسنعالج كل هذا "

قالت بذات حنقها

" ستعالجه بماذا مثلا ؟ لقد شوهت سمعتي وانتهى الأمر
وسأموت إن علم والدي بكل هذا فلم أخذله بي يوما "

وقف ودار حول الطاولة حتى كان عندها تنظر له بصدمة وهو

يمسك بيدها وأوقفها منها فشهقت بصدمة أشد ما أن أمسك

خصرها بيديه ورفعها بخفة وبخطوة واحدة سريعة رفع قدمه

على الكرسي الذي كانت تجلس عليه وارتفع بها في الهواء

ووجدت نفسها في لحظة واقفة فوق الطاولة وجميع تلك النظرات

الفضولية لازالت تحدق بهما وقد انتقلت للذهول وبعضهم وقف

لينظر لما يجري بشكل أوضح وليروا الذي رفع قدمه فوق

الكرسي تحتها ووضع سبابته على شفتيه وقبله قائلا بصوت

سمعه الجميع لسكونهم الفضولي

" وهذه توبة حبيبتي "


استوى بعدها واقفا ينظر لعينيها المحدقتان فيه بصدمة قبل أن

يرفع يديه فاردا ذراعيه جانبا وقال بصوت مرتفع أكثر لازال ينظر

لها مبتسما

" خطيبتي غاضبة مني توسطوا معي هيا لترضى "

واختلطت الضحكات بالعبارات المشجعة ونظراتها المصدومة

انتقلت منه لهم قبل أن تنزل قافزة من فوق الطاولة وحملت

مذكراتها وضربت كتفه بإحداها بقوة ولم تزدها ضحكته وهو

يمسك كتفه سوى اشتعالا فغادرت من هناك بخطوات غاضبة

وتركته خلفها فعلت الصرخات الأنثوية يسار المقهى الواسع

" إلحق بها أستاذ بسرعة "

فنظر ناحية مجموعة من طالباته هناك وأشار لهن بإبهامه

مبتسما ثم غادر جهة الباب وعلم فورا أين ستكون حينها فخرج

لمواقف السيارات مباشرة فتلك عادتها إن غضبت غادرت المكان

برمته ، وكان توقعه صحيحا فقد كانت هناك فعلا فلحق بها

بخطوات راكضة وأمسك بيدها قبل أن تركب سيارتها وأدارها

ناحيته قائلا

" انتظري يا حمقاء فورائك محاضرتين ستضيعان عليك "

وتابع مبتسما ينظر لعينيها الغاضبة

" يكفيك أن ترسبي في مادتي "

سحبت يدها منه وقالت بضيق

" بل لن أكون هنا مجددا وها أنا سأترك لك هذا المكان

بمحاضراته فشكرا على العام الذي أضعته مني "

وما أن أنهت عبارتها تلك مدت يدها لمقبض باب سيارتها فوضع

يده على زجاج نافذته مانعاً إياها من فتحه وقال ناظرا لها

" لا سبب لتتركي الجامعة يا جبانة فلن يتحدث عنا أحد

بعد الآن "


حركت رأسها قائلة بسخرية

" بلى يا ذكي فمن هذا الذي لن يعرف من سنك بأنك لست طالبا

هنا وتصرح بأننا مخطوبان ؟ سيدفع الفضول الجميع لمعرفة من

يكون هذا المراهق الكبير بالطبع ... وضاع مستقبلك يا زهور "

قال مبتسما وكعادته متجاهلا غضبها المشتعل

" لما لا تنتبهي لكلماتك يا طويلة اللسان فأستاذك هذا الذي

تتحدثين معه "

قالت بضيق متجاهلة أيضا ما يقول

" ثم أنا مخطوبة ما سيكون موقفي حين يعلم بكل هذا ؟ "

أبعد يده عن زجاج النافذة وقال بذات ابتسامته

" لا بأس سأشرح له الأمر ولن يغضب "

شدت على أسنانها بغيض أعجزها حتى عن التعبير فرفع يده

وأبعد بطرف سبابته خصلة الشعر التي طارت أمام وجهها راميا

لها بعيدا وقال بذات ابتسامته

" حسنا لدي اقتراح آخر ... سأكون أنا البديل عنه وانتهى كل

شيء "

نظرت له بصدمة قبل أن تصرخ محتجة

" بل لن أتزوج من جنوبي أبدا .. أو لن أتزوج مطلقا "

وركبت سيارتها ضاربة بابها بقوة وغادرت من هناك مجتازة

بوابة الجامعة والشتائم لا تتوقف عن الاندفاع من بين شفتيها قبل

أن تصرخ غاضبة تضرب المقود براحة يدها

" مجنون ألم يفكر كيف سيكون موقفه أمام طلبته والأساتذة في

الجامعة على الأقل إن لم يكن يفكر بي أنا ! "


*
*
*

فتح باب الحمام ورمى المنشفة التي كان يجفف بها شعره وحرك

رأسه للأعلى بشكل دائري محركا كتفيه فهذا اليوم كان مرهقاً بل

ومتلفا للأعصاب بطريقة لم يعهدها سابقا فلم يستطع مغادرة

المنظمة حتى وقت متأخر فوق إرهاق سفرهم فكان يوماً سيئاً

بجميع المقاييس ولا ينقصه الآن سوى أن يرى المدعوة لوسيانا

فيحطم عظام عنقها بين أصابعه لا محالة ، التفت نصف التفاتة

ونظر للهاتف الذي كانت تضيء شاشته وقد عاد رنينه لملأ صمت

الغرفة المميت والذي وصله سابقا داخل الحمام فتوجه لقميصه

القطني أولاً ولبسه بحركة سريعة متقنة وجلس على طرف

السرير ورفع الهاتف ممررا أصابع يده الأخرى في شعره الرطب

رافعا له للأعلى وأجاب بحاجبان معقودان

" مرحبا يا زعيم "

وصله ذاك الصوت الحازم فورا

" تيم صحيح أن زوجتك تسكن معك ؟ "

نزل بأصابعه لقفا عنقه متأففا بصمت وهذا ما توقعه سيصل الأمر

لشاهر كنعان وهو سيتكفل بالباقي وكأنه طفل يشتكون لوالده

ليفرض أوامرهم عليه ، قال بجمود

" لم يكذب عليك بالطبع "


" متهور !! "

تلك الصرخة الغاضبة الحازمة هو ما كان يتوقعه بل وتابع

صاحب ذاك الصوت القوي الحازم قائلا

" أتدرك معنى هذا يا تيم ؟ أنت تعرض نفسك والفتاة للخطر

يا رجل "


قال بحزم مشابه

" أمر ماريا يخصني وحدي "

ليصله ذاك الصوت الغاضب مباشرة

" تيم احترمني يا ولد "

شد على أسنانه بقوة وغضب قبل أن يقول بجمود

" أنا لا أقلل من احترامك لكنها زوجتي ومكانها الطبيعي هنا

معي ، وأعتقد بأني أقوم بمهمتي على أكمل وجه ولا علاقة لهذا

بذاك "

صرخ فيه فورا

" بل كل العلاقة يا ابن كنعان فكيف سيكون وضعك مع ابنة
الجنرال ؟ أنت تقود مهمتك للفشل يا تيم بل ونفسك للهلاك

وزوجتك قبلك "

مرر أصابعه في شعره الكثيف الرطب مجددا ونظر للأرض تحته

متمتما ببرود

" لا تقلق من ناحية هذا الأمر "

وصله صوته مستغرباً هذه المرة

" ما تعني بهذا يا تيم ؟ "

نظر جانبا مخرجا أصابعه من نهاية شعره وقال ببرود

" ذكائك لن يصعب عليه فهم ما قلت "

فصرخ فيه ذاك الصوت الأبح فورا وصاحبه لا يزداد إلا غضبا

منه

" جننت يا تيم ! كيف تخبرها بالأمر ؟ ألم أحذرك سابقاً ... ؟

سحقا لعقلك كيف تفعل أمراً كهذا "

لوح بيده قائلا بغضب

" لن أكون شاهر كنعان آخر ولا مطر شاهين أيضا ... عليكم أن

تقتنعوا بهذا رضيتم بذلك أم لا "

وصله ذاك الصوت الغاضب أيضاً

" وما الذي فعلته الآن يا متهور ماذا ؟ ألست تعلم بأن هذا لن

يكون حلاً مطلقا ولن توافق هي عليه وتقف تصفق لك ... النساء

لا يفكرن مثلنا نحن الرجال يا تيم وستتحكم بها عاطفتها وقد

تتحول يوماً حتى لوحش يؤذيك أنت قبل الجميع إن تراكمت

جراحها منك يا رجل مطر شاهين الأول "

نظر للأسفل وقال بجمود

" ليست ماريا من تفعل ذلك "

" لا تكن واثقا "

كان تعليقه سريعاً وواثقا بطريقة جعلته يقبض على أصابع يده

بقوة وقال بجدية

" بلى أثق بها كما أثق بتيم كنعان وأعلم بأنها لن تؤذيني وإن

تأذت مني وأنا لن أسمح لذلك أن يحدث في جميع الأحوال "

قال من في الطرف الآخر بجدية وحزم

" سأذكرك بحديثنا هذا يوما يا تيم وها أنا الآن أؤكد لك فشلاً

قريبا لكل ما تفعله إن بقيت تلك الفتاة بقربك وستخسرها قبل

نفسك فعالمك لا يمكنه أن يحتوي امرأة مثلها فيه لأنها إن لم

تفقدك ستفقد نفسها فعليك أن تحميها منك يا تيم وأنقذ نفسك

من الهلاك وأبعدها عنك ولأبعد مكان فوراً "

" لا "

قالها مباشرة وبحزم وتابع من فوره وبحزم أشد

" ولا تسعوا لفعل ذلك رغما عني لأني قسما سأضرب الأرض

واخرجها من تحتها وأعيدها هنا أو تركت لكم مهمتكم وما فيها "

وصله ذاك الصوت الغاضب فوراً

" تيم للمرة الأخيرة أقول لك ما تفعله ليس في صالح كليكما

وستُكشف سريعا هكذا "

تنفس بعمق وقوة وقال مبتعداً عن الموضوع بأكمله

" ثمة معلومات مهمة حصلت عليها خارج قصر الجنيرال
غامسون هذه المرة "

فسمع تلك التنهيدة الواضحة الصادرة ممن في الطرف الآخر قبل

أن يقول صاحبها بجمود

" هات ما لديك وفكر في كلامي يا تيم ولا تؤذي الفتاة وتظلمها

معك فهي زوجتك لن يأخذها أحد منك ونهايتها لك "

تجاهل كل ما قال مجددا وانتقل للمعلومات التي حصل عليها

مؤخرا ولأن هاتفه يخصع لبرنامج حماية من التجسس كان

وسيلتهم الأسرع لنقل المعلوات ، وما أن انتهى حديثهما عن

الأمر أنهى الاتصال معه قبل أن يسمع سيلا آخر من ذات العبارات

الموبخة تلك وعن ذات الموضوع ، رمى الهاتف على السرير

ووقف وبدأ يحاول ترتيب الفوضى التي سببها في الغرفة بحركة

لا تقل ضيقا وعنفا عن تلك التي ترك بها بصمته فيها وقت

وصوله وغادر بعدها الغرفة مغلقا بابها خلفه ونظر لسكون

المكان المميت وكأنه لا أحد يشاركه فيه ويبدوا بأن شريكته في

السكن لازالت تعتصم في غرفتها فلم يسمع ولا حركتها في المكان

، قادته خطواته جهة ذاك الباب المغلق فورا ودون تردد وكما في

جميع قراراته منذ عرف نفسه طفلا أمسك مقبض الباب وأداره

ببطئ وفتحه ليقع نظره فورا على النائمة فوق السرير بالعرض

دون غطاء شعرها البني الناعم متناثر على ملائته البيضاء تنام

على جانبها الأيمن تخبئ وجهها في ذراعها ويدها الأخرى مرمية

جانبا لازال قلم الحبر في كفها المرتخي فتوجه نحوها ورفعه من

بين أناملها ووضعه على الطاولة قرب السرير والتي كانت تضع

عليها كتبها وأوراقا كثيرة مبعثرة حتى أن بعضها كان مرميا على

الأرض تحتها فيبدوا بأنها أنهكت نفسها في هذا حتى غلبها

النعاس أو حاولت ذلك فقد لفت نظره سريعا ما أكد له العكس

فانحنى لتلك الطاولة مجددا ورفع الورقة الشبه فارغة ونظر

للأحرف التي كتبتها في منتصفها

( آسفة استاذ هامبسون لخذلاني لك في البحث هذا الأسبوع ...

لم أستطع اعذرني فأنا حقا لست بخير)

اشتدت أنامله على طرف الورقة ونقل نظره لها قبل أن يرميها

تحته بإهمال وتوجه نحوها مجددا ورفع اللحاف وغطى به جسدها

وانحنى جهة رأسها وقبل طرف ذراعها العاري برفق وغادر من

هناك مغلقا الباب خلفه وتوجه للمطبخ من فوره وقام بتشغيل

آلة تحضير القهوة فهو ليس من عادته استخدامها لكن شكلها

الممتلئ أغراه فها هو الدليل الوحيد على مغادرتها لسجنها

الاختياري ، ملأ الكوب الخزفي الكبير لأكثر من نصفه بذاك

السائل الأسود الساخن وسار بخطوات واسعة ثابتة ناحية باب

الشرفة المفتوح على ذاك المطبخ المجهز بفخامة لا تختلف عن

باقي الشقة الواسعة ودفعه نحو الداخل وخرج ورغم أن

استخدامه لذاك الباب انتهى منذ وقت طويل إلا أن خطواته قادته

له وكأن التعلق في الهواء هو ما كان يحتاجه وقتها وما سيشعره

بأنه شخص آخر جديد لن يتشاجر مع عقله ولا إنسانيته أو

شخص ليس ملزما بأي شيء أكثر من نفسه ومتحرراً من القيود

الملتفة حول أطرافه كالأغلال ، اتكأ بساعديه على سياج الشرفة

الضيقة نسبيا نظره للأسفل يرتشف من كوبه في فترات متباعدة

وكلمات من تحدث معه منذ لحظات ترفض تركه لخلوته الهادئة

تلك وكأنه ينقصه أوامر وتدخل فيما يخصه وفيما وحده له القرار

فيه ، أغمض عينيه لبرهة وتنفس بعمق يستجلب عقله تلك

الصورة العالقة فيه منذ ساعات وقت دخوله لذاك المكتب في

المنظمة ورؤيته لذاك الوجه الذي ما آلمه ليس تعرضه للضرب

ممن يفترض بأنه يخدمهم ومن كان عليهم حمايتها لا تعريضها

للخطر بل تلك النظرة الميتة البعيدة عنه في تلك الأحداق الذهبية

فلم تكسره بحديثها الغاضب الذي لم يسمعه ولا بدموع الخذلان

والمهانة التي لم يراها فيهما بل بإشعاره بأنها وحيدة رغم وجوده

وما أكده أكثر صمتها وانعزالها عنه منذ الصباح ثم العبارة التي

كتبتها لأستاذها في ورقة البحث ، ذكرت ذلك أمامه بغضب باكي

مرارا في شجاراتهما السابقة وبأن الجميع تخلى عنها وحتى هو

لكن الأمر لم يكن بالقسوة التي وصله بها تلك اللحظة ولم يكن

يستبعد حينها أن يسقط عليهم ذاك المبنى بطوابقه من شدة

غضبه .

رفع الكوب لشفتيه ورشف منه مجددا وبارتفاع رأسه ووجهه

حينها وقع نظره على الشرفة المقابلة له تماما من المبنى

السكني المجاور ... تلك الشرفات والنوافذ التي كانت السبب

الفعلي لتوقفه عن استخدام شرفات شقته وخاصة هذه ، شرب من

كوبه ببطء ينظر لذاك العرض الذي يبدوا بأنه لم يتغير رغم مرور

الأشهر لساكني تلك الشقة ... ذات المشهد الهزلي وذات

الجسدين معقدا التركيب وتلك الأيدي المتحركة بعشوائية في

الهواء كدمى الخيوط يكاد يترجم حوارا كاملا لشجارهما اليومي

ذاك وإن لم يكن يسمعه فياله من نموذج سيء للحياة الزوجية

بل ونموذج ممتاز لصمود تلك العلاقة الهشة حتى الآن ! .

أنزل الكوب ونظره معه ببطء ليقع هذه المرة على النافذة أسفلها

والتي انفتحت فجأة والجالسة أمامها تماما تكاد تكون لوحة

يحيطها إطاره الرخامي وها هو المشهد الثابت الآخر لذات تلك

الشقراء الشابة .. الخصلات الذهبية الحريرية الملتفة فوق الثوب

الحريري المربوط حول الخصر النحيل الذي لا يتوقف عن

الشجار معه على ما يبدوا فهو بالكاد يسيطر عليه يكاد ينزلق عنه

للأرض .. والأكمام الواسعة الفتحات تنزلق بانسياب ونعومة حتى

نهاية الساعدان الثلجيان لأبسط حركة ليديها في محاولة للسيطرة

على تلك الخصلات التي تتقن صاحبتها فن جعلها في تنافر دائم

مع قسمات وجهها لتحكم سيطرتها عليها نهاية الأمر وتنجح في

إعادتها لمكانها بحركات مدروسة ... يا لها من امرأة روتينية

مملة ألم تسأم من تكرار مسرحياتها الفاشلة ! هل ترى الرجال

أغبياء هكذا أم أنهم كذلك بالفعل ! والدليل الواضح صوت النوافذ

المتحركة من حوله تسترق النظر لتلك الصورة التافهة في نظره

وحده على ما يبدو وبعضهم يدعي حتى أنه يرمي منديله الورقي

المتسخ فقط كي لا تنتبه النصف المرأة الحمقاء التي تعيش معه

بأنه يبحث عن نصفها المفقود لدى غيرها ، نظر للسائل الأسود

في كوبه قبل أن يرتفع نظره للتي يبدوا بأنها فكرت أخيراً في أن

تلقي نظرة عابرة على أصحاب تلك القلوب التائقة ... نظرة بقدر

قصرها لم تعطي أيا منهم مبتغاه على ما يبدوا وتلك الأصابع

الثلجية تعانق الخصلات الذهبية الطويلة مجددا فابتسم بسخرية

قبل أن يعود بنظره لكوبه مجددا يتقاسم أفكاره مع ذاك السائل

الأسود الشاحب العنيد ليقطعها هذه المرة رنين الهاتف في جيبه

فأدار يده لجيب بنطلونه الخلفي وارتفع نظره مع حركته تلك للذان

يبدوا بأنهما قررا إنهاء ذاك الشجار العقيم أخيرا والذي كالعادة

ينتهي بمغادرة العنصر الأقوى والمنتصر ككل مرة وبكاء الأضعف

عند زاوية السرير البارد ، رفع الهاتف أمام نظره وغضن جبينه

ينظر باستغراب للرقم على شاشته والذي اختفى فور أن نظر له

! وقبل أن يفكر في التفتيش عن هوية صاحبه عن طريق أحد

البرامج الخاصة الموجودة فيه أضاءت تلك الشاشة مجددا معلنة

عن وصول رسالة نصية ومن ذات ذاك الرقم المجهول ففتحها

فورا وقرأ أحرفها بنظرة جامدة

( يمكننا أن نتشارك كوب قهوة ساخنة ؟ )

نظرة سريعة لتلك الأحرف لم يحتج معها لإعادتها مجدداً ليدرك

هوية مرسلها المجهول فانتقلت نظراته فورا ناحية التي امتدت

يدها للنصف الأيمن من زجاج نافذتها وأغلقته ببطء قبل أن ترفع
نظرها ناحيته ويبدوا أنها قررت أخيراً رمي سنارتها على الهدف

وأنها سئمت بالفعل من أداء دور العنقاء المنيعة لتوقع فريستها

دون عناء إهدار أي جزء من كبريائها العتيد والمتسترة خلفه

بغباء ، لم يكن هاتفها في يدها لحظتها وتبدوا واثقة فعلا من

نتائج حربها الصامتة الطويلة لتهديه تلك الابتسامة التي تشبه

ملامحها الانجليزية الفاتنة فاستوى في وقوفه ناظرا لكوبه قبل أن

يعود بنظره للتي بدأت بتمرير يدها ببطء على إطار نافذتها فرفع

يده والكوب فيها لمستوى وجهه يراقب تلك الابتسامة التي

ازدادت اتساعا بالتدريج قبل أن يحرقها بذاك السائل الساخن وهو

يقلب كوبه بحركة واحدة وانسكب ما تبقى فيه متناثرا مع قوة

جذب الأرض له لازال يراقب تلك النظرات التي تحولت لجدار

صلب قبل أن تزينهما ابتسامة أخرى وكأنها تقول له :

أنا أفهم تمنعك وهو يجذبني ، ولم تكتفي بذاك القدر فقط بل

أتبعت ابتسامتها تلك بحركة لم يصعب عليه كرجل فهمها وفهم ما

تعني بها ولِما اختارتها ذاك الوقت تحديدا فالتفت أصابعه على

الكوب بقوة وغضب يشبه ذاك الاشتعال في حدقتيه السوداء

ورفع يده خلف رأسه قبل أن يدفعها باتجاه تلك النافذة بقوة

واندفعت تلك القطعة الخزفية بقوة واستقامة نحو ذاك الزجاج

الذي أصابه في منتصفه بحرفية قناص محترف وقد فاق صوت

ضجيج تحطمه قوة تناثره لقطع لحظة أن ارتد ذاك الجسد للخلف

تنظر صاحبته بذهول لآثار ذاك الإعصار الذي اجتاح غرفتها قبل

أن تنقل نظراتها المصدومة تلك له فاستدار بلامبالاة ودخل ضاربا

الباب خلفه شتائمه الهامسة لو كانت تصلها لقتلتها في مكانها

وترك باب المطبخ ورائه أيضا وتوجه من فوره للباب الذي أغلقه

منذ قليل وفتحه مجدداً وأغلقه هذه المرة خلفه بهدوء لا يشبه

فتحه له وهو يدير يده دون أن يلتفت له وسار جهة الورقة التي

أعادها أولاً لمكانها السابق تم توجه ناحية التي لازالت تعانق

ذراعها ملامحها عناقها القوي لعالم النوم الذي يبدوا بأنها ترفض

التخلي عنه وارتمى على السرير بجانبها وأراح ساعده على

عينيه وقرر تقليدها في هذا فسيتقاسم النوم معها لن يتركه لها

وحدها تنعم به وبعيدا عنه كما تريد ، لكن وضعه ذاك لم يدم

طويلا وقد استدار على جانبه ليصبح جسده ملاصقا لظهرها

ودفن وجهه في ذاك الشعر الحريري وأراح يده برفق على

خصرها ، حركة كان يعلم بأنها ستفقدها النوم الذي حسدها عليه

وقرر مشاركتها فيه وسيحرم نفسه منه أيضا لكن الأمر حدث

وانتهى ، وما توقعه حدث فعلا حين أجفل ذاك الجسد النحيل

جالسا فرفع جسده بيده وجلس أيضا ينظر للتي مررت أناملها في

غرتها ببطء تنظر له بصدمة بالكاد استطاعت سحب أنفاسها

معها فمد يده لوجهها ومرر طرف إبهامه على وجنتها هامسا

بجدية

" لا تخافي ماريا فأنت في المنزل الآن وذاك الكابوس انتهى

ولن يتكرر "

أخفضت رأسها ودفنت وجهها في كفها متمتة بخفوت وصوت

مرتحف

" أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق "

غادر حينها السرير وانحنى جهتها وأمسك خصرها ورفعها

متجاهلا شهقتها المصدومة وأدارها راميا لها على السرير بشكل

صحيح قائلا ببرود

" لا أكون أنا أحد شرار خلقه أولئك ماريا ؟ "

ووقف على طوله ممسكا خصره بيديه ينظر للتي سحبت اللحاف

على جسدها بأكمله وغطت به حتى رأسها ولم تعلق على ما قال

فابتسم بسبب حركتها تلك وانحنى للأرض ورفع إحدى الأوراق

البيضاء الفارغة المرمية هناك وجعدها بين يديه حتى تحولت

لكرة صغيرة ورماها عليها قائلا بابتسامة مائلة

" طالبة فاشلة "

وكما توقع لم يبدر منها أي رد فعل أو تعليق فانحنى لأوراقها

مجددا وجمعها ووضعها على الطاولة ثم غادر الغرفة مغلقا الباب

خلفه بهدوء .


*
*
*

اجتاز بوابة المنزل بسيارته والتي فتحت أمامه فور اقتراب

سيارات حرسه السوداء المطوقة لسيارته منها ، وكحاله في كل

مرة دخل فيها منزلا لتلك العائلة لم تجتز سوى سيارته لوحدها

أسوار المكان العالية فهو المكان الثاني الآمن له والذي يرفض

دخولهم له معه ، وقفت سيارته أمام باب المنزل ونزل منها من

فوره وانفتح بابه أمامه بذات الطريقة وكأن الجماد يتحرك بأوامر

صامتة منه ، سارت الخادمة التي فتحت له الباب يسارا ووقع

نظره فورا على النازل من السلالم راكضا والذي وقف في الأسفل

ناظرا له بصدمة قبل أن يحك شعره في حركة طفولية قائلا

بإحراج

" ظننتها سيارة والدتي فهي ليست هنا منذ البارحة "

قال ناظرا له وهو يقترب منه

" كيف أنت يا كاسر ؟ "

وصل عنده وصافحه قائلا بضحكة

" بخير ... فابنتك تشعرني بأني كذلك كلما عادت لمنزلك "

ابتسم له وسحب يده قائلا

" ألن تفكر أنت كذلك في زيارة منزلك الآخر والتعرف على باقي

أفراد عائلتك أم لا والد لديك ؟ "

اتسعت ابتسامته وقال بسعادة

" بالتأكيد سأفعل ذلك قريبا ، وطبعا حين تترك لي تلك المدللة

الفرصة لألحق بها هناك "

بادله الإبتسام قبل أن يقول بهدوء

" والدتك ستكون هناك يا كاسر وقد يكون للأبد وأريدك معها

ومع شقيقتك ولا مجال للتفكير في الأمر فها أنا أقرر عنك "

نظر له بصدمة لم يترك له الذي اقترب منهما الفرصة ليجتازها

وهو يقول مبتسما

" مرحبا يا مطر .. اعذرني فلم يتركني ذاك العنيد اغلق الخط

لأكون في استقبالك "

لم يعلق على ما قال وتحرك معه ليبدأ حديثهما من قبل أن يصلا

مكتبه الذي فتح له بابه على اتساعه ودخل خلفه قائلا

" ليس عليك أن تبرر في كل مرة يا مطر فجبران من يلقي بنفسه

للتهلكة بعناده الأحمق "

وقف والتفت له قائلا بجدية

" لكني لم ولن أنسى وعدي لوالدك قبل موته بأن لا قتال بيننا

وأن يكون قاتلي ولا أكون قاتله وأفهم جيدا لما طلب رحمه الله

ذلك مني والسبب هو غسق وعلاقتي بها فهو يعلم بأنها تفكر

وتتصرف بقلبها ومشاعرها "

تنهد الواقف أمامه بعمق وقال بهدوء

" لن اخفيك يا مطر بأني أتمنى أيضا أن تعطيه فرصة لحياة أطول

في كل مرة أملا في أن يستفيق لنفسه فيكفينا ما خسرنا حتى الآن

وجبران لم يكن يوما هكذا وهذا أكثر ما يؤلم قلبي "

قست ملامحه وقال بجمود

" الأمر تخطى لديه حدود المعقول يا رعد .. إنه يغذي قلبه بحقد

سيحرق كل شيء وإبعاده وإن بموته لن يكون حلا للمشكلة

الأساسية وهي استغلال تلك النفوس الضعيفة لإيصال البلاد

للضياع وها هم يحاولون فتح الحدود من تلك الجهة وحينها

سيدخل أي شيء للبلاد يا رعد وكل شيء كما تسلل المتطرفون
قبل أسابيع "

نظر لعمق عينيه وقال بحذر

" لكن البعض يتهمك بتلفيق تهمة صفقة السلاح تلك لتضرب

اليرموك يا مطر "

قال من فوره وبجدية " ليس يعنيني ما يقال وإن وقفت البلاد

بأكملها ضدي ، وإن حدث ونحج مخططهم في فتح الثغر عبر

الحدود فسأطوق الشمال الغربي لصنوان ونحاصر كل من فيها

ونمنع عنهم كل شيء "

نظر له بصدمة قبل أن يقول

" لكن ذلك تبعاته سيئة يا مطر وستقف المنظمات الدولية وحتى

الدول العظمى ضدك بتهمة الإضرار بالمدنيين "

شد قبضتيه وقال بضيق

" ذاك أسلم من أن آمر قوات الجيش باقتحامها يا رعد وإخراج

تلك الشرذمة من بينهم فعليهم التوقف عن حمايتهم ودسهم بينهم

فهم سيوصلونهم للهلاك قبل الجميع "


قال في محاولة جديدك لعذله عما يفكر فيه

" معك حق في كل ذلك لكن حصارهم ليس حلا وسيجلب لهم

تعاطفا أكبر ، نحن نسعى جهدنا للصلح معهم فلنعطي المجال

للطرق السليمة لحل الأمور يا مطر "

اشتدت ملامحه قسوة وقال بضيق

" حتى متى يا رعد ؟ إنهم يماطلون لكسب المزيد من الوقت

والمزيد من الفوضى ليس إلا ولن نترك مصير البلاد للتكهنات "

قال بجدية ودون يأس

" يمكنك إيجاد حلول أفضل من تلك يا مطر أنا أثق بك كما

الجميع في هذه البلاد فيكفي حكمتك في عدم محاربتهم حتى الآن

فمن الغباء أن تحارب متمردين من ذات البلاد وفي نظام قبلي

كوضعنا والقبيلة تحميهم فالحرب في هذه الحالة معناها شلال

دماء لن يتوقفا أبدا فتمسك بحكمتك التي عرفت عنك منذ وحدت

البلاد .. ومن كان قادرا على توحيد دولة كاملة مفككة تغلي تحت

وطأة الحرب الأهلية قادر على فعل ما هو أيسر من ذلك "

وتابع بابتسامة مازحة من قبل أن يعلق

" أم اللوم على شقيقتي في هذا وهي من بات يتحكم في مزاج

ابن شاهين حتى في الحرب ! "

تنفس بحدة متمتما

" شقيقتك تلك إن انضمت لؤلئك المتمردين فسترسم لهم خططا

ناجحة لا محالة في تدمير أنفسهم في أسرع وقت ودون

عناء منا "

ضحك وقال ممسكا كتفه بيده

" وضعكما متأزم لهذا الحد ؟ مزاجها من أكثر من أسبوعين

لم يعد يَحتمل ولا إبنيها يا رجل فارحمها قليلا "

أبعد نظره عنه وتنفس بضيق لم يبخل بتوزيع لمساته على

ملامحه وانفتح الباب حينها ودون طرق ودخلت منه التي وقفت

مكانها وألقت نظرة جامدة على الواقف قرب شقيقها أخفت بها

صدمتها بوجوده هنا قبل أن تنقل نظرها للذي وجهت كلماتها

الباردة له قائلة

" رعد أريد التحدث معك بمفردنا "

تعلقت الأحرف عند طرف شفتيه ونقل نظره منها للذي تحرك

جهة الباب قائلا ببرود مماثل

" سننهي حديثنا في مكتبي يا رعد ، ولا أحد يعارض الكاسر

فيما طلبت منه فأخبر شقيقتك بذلك "

وغادر كما دخل وكما كان طوال حياته انتقاء منفرد في الرجولة

التي تقف إجلالا عند أدق تفاصيله مدمرا قلب أي أنثى فكيف إن

كان مُدَمرا بسببه سلفا ؟ وما أن اجتازها ودون أن حتى يكلف

نفسه عناء النظر ناحيتها كرهت تلك المشاعر المتأذية من

صدوده المتعمد والذي لم يعاملها به بعد عودته مطلقا بل وكرهت

أكثر ذكرى كلماته تلك قبل ساعات فقط فصلت الليل عن النهار

وهو يضرب بأطراف أصابع يده على صدره ناظرا لعينيها

المحدقة به بجمود

( هذا استنكرني بعدك يا غسق .. رفضني لأعوام لأنك لم تعودي

فيه .. سرق النوم من عيناي لليالٍ يطلبك فما حجم غرورك الذي

لم يشبعه كل هذا يا ابنة دجى الحالك ؟ )

أسدلت جفنيها على تلك الأحداق الواسعة وارتسمت ابتسامة

ساخرة متألمة على طرف شفتيها فهذا هو مطر شاهين الحقيقي

الذي لم ينجح في خداعها بذاك المزيف الذي سرعان ما سقط

القناع عنه فهذا هو القاسي الحقيقي من أعجزها فعلا عن توقع

نهاية ألمها منه فكلما قالت هذه هي الضربة الموجعة الأقسى

والأخيرة أتحفها بأكبر منها وكأن عباراته الزائفة تلك ليست

سوى ستار لأفعاله المستقبلية فينحر روحها بهمسات العاشق

الذي لم تعرفه يوما ليصفعها بعدها ودون رحمة وآخرها وجود

والدها الذي اجتهد لإخفائه عنها ليقهرها ويكسرها ويرجعها له

ذليلة أولا ، فهل لا مبالاته الآن معناها أن طعناته انتهت أخيرا ؟

هل سيرحمها من عذابها الذي لازال هو السبب الأساسي فيه !

لكن لا فاللعبة لم تنتهي بعد والدور بات لها الآن لتجرعه من

نفس الكأس التي أسقاها منه لأعوام ، أغمضت عينيها تخفي

ذاك الألم فيهما وسحبت نفسا قويا مشبعا بعطره القوي المميز

الذي رفض ترك المكان بعده .. نفسا جعلها تكره أنفاسها تلك

التي لم ترفض تذكرة عبوره لصدرها وتمنت أن عاقبتها وإن

بحجب الهواء عنها حتى الموت ... كانت نظرة لم تنجح جفناها

الواسعان في إخفائها عن الواقف هناك مِن أن يلمحها قبل أن

تخفيها بتلك النظرة الصخرية الميتة الجديدة فقال بهدوء حذر "

غسق حتى مشاكل الدول تنتهي عند طاولات الحوار فامنحا

لنفسيكما فرصة واتركا عنكما حركات الأطفال فأنا أراه بدأ يتحول

لنسخة عنك "

قالت بذات ابتسامتها الساخرة

" أعطني مثالا واحداً لمشكلة كان حلها فوق تلك الطاولات

السخيفة يا رعد ؟ إنها لا تستخدم سوى كمسكن آلام لمريض لا

أمل في شفائه ليعيش على الأمل الميت حتى يموت "

وتابعت وقد تبدلت ملامحها للجمود

" ثم لا مفاوضات بين دولتين منفصلتين ستنتهي حتى الحدود

الوهمية بينهما عما قريب وتتحول لجدار مرتفع "

نظر لها باستغراب وقال

" غسق هل أفهم ما تقصدين بهذا وما الذي تفكرين في فعله ؟ "

أشاحت بنظرها عنه جانبا وقالت ببرود

" لقد كنت في منزل عائلة شاهين "

تنهد بأسى قبل أن يقول بجدية

" غسق لا جبران ولا من معه تأذوا وكل ما فعله ابن شاهين أن

أنقذ البلاد من جنونهم ودمر مخازن ذخيرة ومعسكرات ومطاراً

حربياً مع طائراته وحوّل منطقة عسكرية لخراب من أجلك وأجلي

ومن أجل كل شخص في هذه البلاد و جبران أولهم "

نظرت له وقالت بضيق

" لا يعنيني ما فعل ويفعل ذاك الرجل وسبق وقلتها له وها أنا

أعيدها الآن إن مات جبران بسبه فلن أسكت له عنها أبدا ، ثم هذا

ليس ما أنا هنا للتحدث عنه "

كان من لم يجتز صدمته بما سمع منها سيتحدث فقاطعته قائلة

بجمود

" والدي هناك وأنا كنت معه الآن "

نظر لها بصدمة تجمدت معها ملامحه وقال ما أن اجتازها وإن

جزئياً

" والدك تعني ... أعني أنك .... بأنه والدك نفسه ! "

ابتسمت بمرارة امتلأت معها تلك الأحداق السوداء الواسعة بالألم

قائلة

" بلى دجى الحالك وإحدى مفاجآت بطلكم التي كان يخفيها عني

كورقة أخرى ليذلني بها "

وتابعت من قبل أن يعلق مبعدة نظرها عن عينيه ليديها قائلة

بجمود

" كنت معه منذ البارحة وهو يرفض أن أعيش معكم هنا وبعيدا

عنه فهو لا يمكنه مغادرة أسوار ذاك المنزل وغضب حين رفضت

وأنا مضطرة الآن للانتقال هناك حتى وقت لن يكون بعيدا أبدا "

نظر لها باستغراب منتقلا بحدقتيه البنيتان بين ملامحها قبل أن
يقول

" غسق أتعني بأنك ستنتقلين لمنزل ابن شاهين ؟ "

رفعت نظرها له وقالت بجدية

" بل لمنزل عائلتي .. منزل جدي وجد جده من قبله ووالدي

وجميع عائلته وهذا كان رأي والدي الذي أصر عليه ورفض

غيره وكما أخبرتك الأمر سيكون مؤقتا فقط قبل أن آخذ والدي

وابنتي من هناك فتيما قاصر والمحكمة ستحكم لي بها

وبسهولة "

رفع رأسه وحركه بعجز أمام الصدمات المتتالية بسببها قبل أن

ينظر لها مجددا قائلا بجدية

" غسق حمقاء أنت أم ماذا ! كم مرة سأذكرك بأنك تحاربين
رجل القانون نفسه وستكونين سخرية للعامة ليس إلا "

نظرت له بعناد لم يبعثره الحزن في تلك العينان الفاتنة ولم تعلق

ولن تتحدث أكثر عن أنها ستحاربه بالقانون نفسه وحين ستنال

حريتها منه سيكون المطالبة بحضانة ابنتها قضية لن تأخذ في

المحكمة أكثر من ساعات وستلزمه بعدم الاقتراب منها مطلقا فهو

أب فاسد وباعتراف منه والدليل على استمرار خيانته تلك

سيكون لديها قريبا وبأي ثمن كان وإن فتشت لندن عن تلك المرأة

شبراً شبراً

" غسق أنا أتحدث معك "

حركت حدقتيها الشاردتين نحوه وقالت ببرود

" ذاك الرجل لن يكون موجودا في المنزل فهو حين كان زعيما

للحالك فقط كان مجرد اسم يذكر في جدرانه أكثر من رؤيته فيه

فكيف به الآن وهو رئيسكم الحالي؟ ثم وأنا أيضا لدي ما يشغلني

أكثر من مقابلة الجدران هناك ولا أريد أن يغضب والدي مني

بسبب خلاف عن بقائنا معا "

حرك رأسه بعدم فهم وتنفس بعمق قائلا

" غسق هل تتوقعين مثلا أن يسمح لك ابن شقيقه بأن يكون

بعيدا عن نظره وأي خطأ بسيط قد يعرضه للخطر وتفقديه

وللأبد ؟ "

شدت قبضتيها بقوة وقالت بحزم

" لن يحب والدي أكثر مني وأنا أيضا قادرة على حمايته وإن

عشنا معا في الصحراء "

تمتم مستغفرا الله وقال بجدية

" والكاسر يا غسق ؟ قد لا تهتمي لنا جميعنا لكن هو

لا أصدق ! "

قالت من فورها

" ومن قال بأني سأتركه هنا "

فرد كفيه قائلا بعدم استيعاب

" غسق بربك أنت تقولين هذا حقيقة أم مزاحا سخيفا ؟ "

قالت بضيق

" لا أرى الموضوع يحتمل المزاح يا رعد والكاسر بنفسه سبق

وطلب مني هذا وهناك عائلته أيضا فتيما شقيقته ووالدها والده

ووالدي جده كما أن عمي صقر عمه وجوزاء عمته فهم عائلته

مثلكم ومتأكدة من أن ما تحدث عنه ذاك الرجل قبل خروجه

يخص الموضوع ذاته أما رماح فسيتزوج قريبا ولن يحتاج لأي

منا وعمتي في مكانها الصحيح من دوني فلم أعد بالنسبة لها

سوى العنصر المشتت للعائلة ومشاعرها السابقة نحوي لم تتغير

أبدا فدوري انتهى في حياة الجميع سوى والدي هو من يحتاج

الآن لوجودي بحجم احتياجي له "

تنهد بعمق وحرك رأسه بعجز متمتما

" حتى متى سنستمر في فقدانك يا غسق ؟ "

غلفت المرار صوتها وهي تهمس بألم

" حتى أجد نفسي التي فقدتها بسببه ومنذ عرفته "

أغمض عينيه متنهدا بعمق فلا وجع في حياته يشغله أكثر منها

هي . . مَن خسرت وخسرت وتوالت خساراتها حتى دمرها الفقد

وبشكل نهائي ، وحتى من ظن بأنه من سيلملم شتاتها ويداوي

جراحها برجوعه لا يراه سوى وجعاً جديداً يضاف لسلسلة

أوجاعها السابقة ، وما الذي في يده هو يفعله وليس شقيقها

سوى في أوراق زائفة وحكاية كاذبة لا يمكنه ولا ضمها لحضنه

والتخفيف عما تدفنه في داخلها وإن لم تصرح عنه وتخرجه أمام

أي منهم فذاك الرجل وحده من يملك ذاك الحق ويبدوا أنهما

وصلا لطريق مسدود بالفعل والأمل الباقي في والدها الذي لن

يقدم لها الله هدية أجمل منه خاصة في وضعها هذا وجرح فقدها

لوالدها الذي رباها لازال ينزف حتى الآن ، نظر لها وقال بهدوء

" لن أتدخل كي لا تلقي باللوم سوى على نفسك حين تدمري

بيديك ما يحمله لك في داخله يا غسق فالرجال أمثال مطر شاهين

لا يعشقون بسهولة وليس أي امرأة تلك التي تسكن الموجود

وسط أضلعهم فخياراتهم عظيمة مثلهم تماما كما قراراتهم بالوداع

والفراق إن جُرح كبريائهم يا شقيقتي لا تنسي هذا "

نظرت له بصمت لبرهة قبل أن تغادر من عنده قائلة ببرود

" لم أرى سوى الخسارات المتتالية منذ عرفته فليكن هو واحدة

منها كما اختار قبل أعوام "

واجتازت الباب والممر الذي يليه تاركة كل ما قالاه خلفها لا

تحاول سوى دفنه في أرضه هناك ككل شيء كان وسيكون ،

صعدت السلالم مسرعة ما أن وصلت لبهو المنزل ولم تتوقف إلا

وهي واقفة أمام باب الغرفة المجاورة لغرفتها وفتحته ببطء
وابتسمت بحزن تنظر للذي كان يقف أمام أبواب خزانته المفتوحة

جميعها يخرج ثيابه ويضعها في حقيبة حجمها أكبر منه ...

تفهمه وتشعر بما يشعر به فشعور اليتم سيء للغاية ومثلما

تحتاج الفتاة لوالدتها دائما يحتاج الفتى أن يكون له والد ولن

تعطيه هي ما سيمنحه من يناديه أبي مهما وهبته ، يؤسفها بأنه

سيفقد ذاك المكان سريعا لكن والدها سيعوضه هي أكيدة من ذلك

فهو يمكنه لعب ذاك الدور أكثر من المدعو مطر شاهين الذي لن

يكون موجودا ليجد فيه الوالد الذي يبحث عنه فوالدها بخلاف

جميع الرجال الذين عرفهم الكاسر في حياته منشغلين عنه طوال

الوقت سواء أعمامه أو جده شراع سابقا فسيكون ذاك الجد قريبا

منه كتيما تماما التي أشعرته بالفعل بمعنى أن يكون له شقيقة ،

وفترة بقائهما هناك قبل أن تنفصل عن ذاك الرجل ستكون كافية

ليكتشف بأن ذاك الوالد لا يصلح لشيء سوى لتحطيم الآمال .

انتبه لها فجأة فابتسم من فوره وركض نحوها وسحبها من يدها

جهة الخزانة قائلا بحماس

" أمي تعالي هل آخذ ثياب الشتاء أيضا "

قالت مبتسمة بسخرية وكأنها تجهزه لخيبات الأمل سلفا كما تراها

" لا يحتاج بني أنت ستنتقل لمنزل رئيس البلاد فهل سيتركك

تحتاج لهذه الأمور ؟ "

قال مبتسما

" أجل معك حق ... متى سننتقل هناك ؟ "

تنهدت بضيق متمتمه
" اليوم فلا أريده أن يغضب مني أكثر من ذلك "

ضحك وعض طرف لسانه قبل أن يقول

" لا تقلقي لن يغضب منك وهو يحبك "

نظرت له بصدمة قبل أن تقول بضيق

" كاسر اصمت فأنا لا أتحدث عمن تفكر فيه "

رمش بعينيه وقال

" عمن تتحدثين إذا ! "

نظرت حولها قبل أن تعود بنظرها له وقالت متجنبة الحديث عن

الأمر قبل أن يصل هناك

" أراك متحمسا لفراق عميك وعمة والدك ! "

قال وقد عاد لإخراج ثيابه ورميها في الحقيبة الواسعة كتمساح

ضخم يبتلع كل ما يسقط في فمه

" عمي رعد لديه زوجته وبرلمانه وبالكاد بتنا نراه ، عمي رماح

لا يعرف صديقين له سوى التلفاز والعبوس أما عمتي جويرية

فأراها تنسجم مع صمته وتجهمه أكثر من أحاديثي السخيفة كما

تسميها وهي لا تترك رماح أبدا حتى أنها تحولت لمحلل سياسي

من كثرة ما تشاهد الأخبار معه "

عانقت تلك الابتسامة ملامحها الحزينة وإن كانت أكثر بهوتا من

أن تتغلب عليه فتابع ولازال في عمله الدؤوب لإفراغ كل ما

تحويه تلك الخزانة الواسعة

" أما هناك فأنت موجودة وأنا لا أعيش من دونك أمي فأنت الماء

وأنا الأخطبوط ، وكما يوجد هناك تلك المزعجة ابنتك وعليا أن

أرد لها بعضا مما فعلته بي هنا ، ثم من الممتع أن نتشارك أنا

وهي في كل شيء حتى مغادرتنا للمدرسة معا وسيكون لدي

شخص أناديه أبي ... إنها العائلة أمي وأخيرا "

مسحت بيدها على كتفه لازال يوليها ظهره جهة الخزانة تكابد تلك

الدموع التي ملأت عينيها وغادرت بعدها فورا قبل أن ينتبه لها

من التفت ما أن شعر بملمس يدها فراقبها مبتسما بحب وهي

تجتاز باب غرفته وهمس بحزن ما أن اختفت عن نظره

" أدفع عمري بأكمله لأراك سعيدة أمي وواثق تماما من أن

سعادتك مع ذاك الرجل لذلك علينا أن نضحي جميعنا

من أجلك "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 21-03-18, 09:17 PM   المشاركة رقم: 1008
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*

دخل الغرفة مغلقا بابها خلفه ونظر مبتسما للتي لا يظهر من خلف

باب الخزانة سوى ساقيها البيضاء وقدماها الصغيرتان تقف على

رؤوس أصابعها فتوجه نحوها من فوره ووقف خلفها مباشرة ..

حضنها بقوة وقبل رأسها مغمضا عينيه يحمد الله في سره أن

وضعهما لا يشبه العاشقان الأحمقان اللذان كان معهما قبل قليل

ليضيع سنيناً أخرى من عمره وهي بعيدة عنه رغم أنه يعذر

شقيقته أحياناً فالطريقة التي تركها بها وأخذه لابنتها منها أمور

يصعب غفرانها بسهولة لكن الحب بالفعل يستحق التضحية

فسيصلان لمرحلة يندمان فيها بالتأكيد على ما أضاعاه الآن

من عمرهما كما ندم هو على كل تلك الأعوام التي ترك فيها

ظروفهما تحول بين اجتماعهما معا وتمنى أن كان مجنوناً

ومتهوراً واختطفها منهم جميعهم وخرجا من البلاد بأكملها لكان

ابنه أو ابنته فوق العاشرة الآن ولكان ارتوى من هذا الحضن

لأعوام وما عاش يتجرع الحرمان ينخره شوقه لها وبلا رحمة

لأربعة عشر عاما كاملة ... ياااااه ما أطولها وما أقساها كلما فكر

فقط في عددها وحسب شهورها وأيامها شعر بقلبه ينفطر وبشدة

ولا يريحه سوى النوم في حضنها واحتوائها في حضنه حتى بات

أكبر مصدر إزعاج لها وهي نائمة لأنه لن يتركها تنام ما لم ينم

ويتوقف عن التفكير في تلك الأمور التي لازالت تنحر روحه رغم

وجودها بقربه ، انحنى برأسه لطرف وجهها يستنشقه بخدر وقبل

خدها قائلا بابتسامة

" ما كل هذا النوم يا كسولة ؟ أخجل أن أقول أنك نائمة كلما

سألتني عمتي أو غسق عنك "

ضحكت وقبلت ساعده الملتف قرب عنقها وقالت مبتسمة

" اتركني أنام ليلا لساعتين متواصلتين إذاً "

قبل خدها مجددا وقال مبتسما

" ما ذنبي أنا إن كان نومك خيفاً هكذا وما أن أتحرك قليلا

تستيقظي ..؟ ولن أتركك تنامي بعيدا عن حضني طوال الليل لا

تحلمي بها ، ثم ما علاقة هذا بالنوم حتى وقت العصر ؟ "


أبعدت يديه ودارت ناحيته وطوقت عنقه بذراعيها وقالت مبتسمة

" لا تبالغ يا كاذب ثم ما ذنبي أنا أيضا كلما اتكأت على الوسادة

نمت وما أكثر ما أجد نفسي لا شيء لدي سوى الاستلقاء "

قرب وجهه من وجهها ولامس أنفها بأنفه محركا له به بخفة

وقال مبتسما

" سننتقل للطابق العلوي قريباً وسيكون منزلا أوسع لك ..

أعلم بأنك مقيدة هنا "

قالت من فورها تنظر لعينيه وهو يبتعد عنها قليلا

" لا يا رعد لا تقل ذلك فلن أتضايق من عائلتك أبدا لكن لكل

ما يشغله فغسق خارج المنزل أغلب الوقت وعمتك لا تفارق

شقيقك إلا إن كان نائما وهو يحتاجها أكثر مني بالتأكيد

وأنت برلمانك زوجتك الثانية التي لا طلاق منها أبدا "

ضحك وقبل أنفها وقال

" وأنت لا تريدين الدراسة ولا العمل ولا الخروج وحدك ...!

لا حل أمامك إذا سوى أن تعجلي بولي العهد ولن تجدي وقتا

حينها ولا لي "

نامت في حضنه وابتسمت بسعادة للفكرة لأنه سيكون ابنها منه

فقط ليس لأي سبب آخر ولن تخبره بأن دورتها متأخرة لأربعة

أيام حتى تتأكد أولا فلم يمضي على زواجهما سوى أسابيع قليلة

هو فقط موعدها يفترض أن يكون الآن فهو لا يخطئ حساباته

سابقا أبدا ، تذكرت فجأة ما قاله قبل لحظات فابتعدت عنه ونظرت

له وقالت عاقدة حاجبيها الرقيقان

" وما السر في أن يكون الطابق العلوي لنا ؟ لا تكن ستنزلهم

للأسفل يا رعد ! "


حرك رأسه بالنفي قائلا

" لا وكيف أفعلها ! غسق ستغادر لمنزل زوجها والكاسر في

إثرها طبعا لا تكون في مكان إلا وهو فيه معها لن يرضى بأن يمر

عليه يوم لا يراها فيه "


قالت مبتسمة بدهشة

" حقا غسق سترجع لمنزلها وزوجها ! "

تنهد بحزن ومرر ظهر سبابته على وجنتها قائلا

" سترجع للمنزل بلى أما زوجها فلنأمل أن يحدث ذلك تباعا له ،

أما عمتي فغرفتها أساسا في الأسفل وسأغير الغرف هنا لجناح

ليكون لرماح وزوجته مستقبلا فلن أرضى بفكرته في أن ينتقل

لمنزله والجناح حله الوحيد أو سأشتري منزلا بثلاث طوابق "

أمسكت يده عن وجهها وقبلت باطنها ونظرت لعينيه قائلة

بابتسامة

" سيكون لي الخيار إذا في تغيير الطابق كيف أريد "

ضحك واتكأ بجبينه على جبينها وقال مبتسما

" حياتي بأكملها تغيرت بوجودك ولن أتردد في تغيير كل

ما تريدينه وفي أي مكان "

ابتسمت بمكر تطوق عنقه بذراعيها وقالت

" اترك البرلمان الحاكم إذا وغير عملك لدوام صباحي فقط
وليومين في الأسبوع "

ضحك كثيرا وضمها لحضنه قائلا

" البلاد تحتاجنا جميعا في الوقت الحالي حبيبتي وما أن تستقر

أمورها مجدداً سأتركه بالتأكيد كما كنت سابقا فأنا والسياسة لا

نجتمع أبدا ولولا ظروف البلاد بعد وفاة والدي ما دخلته وسأعود

لتجارتي وأعمالي الشبه متوقفة منذ أشهر "

ابتعدت عنه مجدداً وقالت ناظرة لعينيه

" لم تخبرني ما سر عودة غسق لمنزل الزعيم مطر ؟ "

حضن خصرها ورفعها منه وسار بها قائلا

" أنت ألست تبحثين عن ثيابك لتستحمي ؟ ما رأيك ببعض

المساعدة ؟ "

قالت ضاحكة تحاول تخليص نفسها منه والنزول للأسفل

" رعد اتركني .. أي استحمام هذا وأنت معي ! ثم ألست ثقيلة

وأحتاج لأن أنحف كما تقول لما تحملني إذا يا عجوز ؟ "

دفع باب الحمام بقدمه وقال ضاحكا وهو يدخل بها

" أجل عجوز وستحطمين ظهره إن بقيت هكذا ، أما أن تنحفي

فلا أحبذ الفكرة أبدا بل وأمر مرفوض بتاتاً "

*
*
*

فتحت باب الغرفة بهدوء لم يشعر به الجالس على الأريكة يشاهد

التلفاز وسط الشقة الشبه مظلمة سوى من ذاك النور المنبعث

من شاشته ونور الأبجوره الخفيف نسبيا واتكأت على إطار الباب

نظرها ليس على ما يعرض في تلك الشاشة لمشاهد عمرها

ساعات لطائرات حربية ومباني اسمنتية تأخذ أشكالا منحنية تكاد

تعانق الأرض في انخفاضها قبل أن تتحول لنار مشتعلة وغبار

أسود متصاعد بسبب تلك الصواريخ الموجهة نحوها بدقة ،

ورغم انخفاض الصوت إلا أن ذاك الدوي وتبعاته تسللت مخترقة

صمت المكان بسهولة .. بل راقبت نظراتها الجالس هناك تراقب

عيناه كل ما يحدث على تلك الشاشة الكبيرة المسطحة وكأنه

عرض مباشر يخشى أن يفوته منه أي شيء .. أو هكذا خيل لها

حتى وصلها صوته الجاد ولم يزح نظره عن تلك المشاهد

المرجفة للقلوب

" ماريا تناولي الطعام الذي وضعته لك في الغرفة أو أجبرتك

على فعلها "

فابتسمت بحزن تمسح وجنتها بظهر كفها لازالت نظراتها الحزينة

تراقب تلك الملامح التي انعكس عليها ضوء التلفاز المتغير رغم

أنها لا تظهر لها بشكل كامل وتستغرب حتى أنه رآها ! راقبت

نظراتها بشغف الذي لم يزده صمتها ذاك سوى إصراراً يشبهها

فاتكئ برأسه للأعلى مغمضا عينيه وقال

" ما رأيك أيتها الصغيرة الصامتة بلعبة تعرفينها جيدا ومنذ

أعوام اسمها لديك فرصة حتى الرقم عشرة قبل أن يصبح جسدك

معلقا في السقف "

فامتلأت تلك الأحداق الذهبية الواسعة بالدموع لازالت تلك

الابتسامة الحزينة أبلغ تعبير يشرح ما يخالج ذاك القلب الرقيق

العاشق .. أليس يكفيها أن يكون بخير وتراه أمامها هكذا ؟

أليست أسعد نساء الأرض بهذا ؟ ليت قلبها المتعلق به فقط

يقتنع . تحركت نحوه بخطوات بطيئة خافتة تشبهها خصوصا

أنها كانت حافية القدمين حتى وصلت عنده لحظة أن فتح عينيه

ونظر لها وهي تأخذ جهاز التحكم الخاص بالتلفاز من يده

وجلست في حضنه واتكأت بوجنتها على صدره أناملها تتحرك

بنعومة على تلك العضلات البارزة فيه قبل أن تدفن وجهها في

ذاك الحضن ما أن طوقت ذراعاه ذاك الجسد النحيل البالغ الرقة

أمام تلك الرجولة المتفجرة تحضن أصابعها خصره بتملك

ودفنت وجهها وأنفاسها الدافئة في عنقه تشعر بأصابعه تغوص

في خصلات شعرها المتدرج بنعومة على عنقها يحتويها في

حضنه أكثر فها قد قررت أخيرا أن ترحمه وتخرج من قوقعتها

المخيفة التي سجنت نفسها فيها لساعات ، أبعد تلك الخصل

الحريرية عن وجنتها حين وصله ذاك الهمس الأنثوي الرقيق

الشبه باكي

" كنت خائفة تيم ... خفت حتى الموت "

فضمها لصدره أكثر وقبل جبينها بعمق وهمس وشفتيه لازالت

تلامسه " لما لم تخبريهم ما أرادوا معرفته ماريا ؟ لماذا سمحت

لهم بإيذائك في غيابي ؟ "

تحركت أناملها صعودا لعنقه وهمست بعبرة مكتومة

" لم أكن خائفة على نفسي بل عليك أنت فلم أكن أعلم من يكونوا

أولئك وما عليا قوله عني تحديدا ، وما كنت لأنطق بأي حرف

وإن قتلوني وأنا أجهل مصيرك وما يريدونه مني "

رفع رأسه عاليا يدسها في ذاك الحضن أكثر وضمها له أكثر

وأكثر قبل أن يُنزل رأسه ويدفن ملامحه في ذاك الحرير البني

رائحة التوت البري لازالت تفوح من خصلاته الناعمة .. رائحة

الحنين لتلك السنين البعيدة للوطن للانتماء .. لطفولته لوالدته

للاستقرار وللارتياح يشعر بحركة سبابتها جهة قلبه فابتسم لذاك

التقلص المريع في عضلاته بسببها ووصله ذاك الهمس الحزين

مجددا يغلفه الكثير من الوجع هذه المرة

" لا تسمح لها بأن تكون هنا تيم وإن لم أكن أنا فيه ...

أي امرأة إلا هي أرجوك "

تحركت أصابعه مبعدة خصلات غرتها عن طرف وجهها حتى

ظهرت له تلك الرموش المبللة بالدموع فنزل لها بهم ممررا ظهر

سبابته عليها ماسحا تلك الدمعة قبل أن تفارقها وقال

" ماريا أخرجي تلك المرأة من رأسك واعتبريها ليست موجودة

فهي كذلك "

قبضت أصابعها حيث كانت على قلبه وتكسر صوتها بسبب تلك

العبرة المسجونة وسط أضلعها وضربت بقبضتها على صدره

قائلة

" كيف وهي تنام هنا .. كيف وهي تقترب من هذا .. تلمسه

أصابعها وملامح وجهها تشاركني فيه متى أرادت ، ألا توجد

طريقة أخرى أموت فيها أنا وتنتهي تلك المهمة ؟ أنا راضية ولا

مانع لدي "

أبعد يدها وشد أصابعه على قبضتها تلك وقبلها ثم امتدت أصابعه

لذقنها ورفع وجهها له ونظر لعينيها الدامعة وقال بعتاب جاد

خافت

" ماريا أنت أكثر من يجعلني أشعر بأنني كاذب وخائن بل

وسافل أيضا وأنت من يفترض بأن يكون العكس "

نظرت لعينيه بصمت لبرهك ورفعت يدها لوجهه وما أن لامست

أصابعها فكه أغمضت عينيها ببطء يشبه حركة تلك الأصابع عليه

وقد التفت حول عنقه تداعب شعر مؤخرة رأسه وشدته لينحني

ناحيتها أكثر فأغمض عينيه يشعر بنعومة تلك الشفاه تختم

بقبلاتها الرقيقة على عنقه وأصابعها تتحرك على نحره نزولا

فتمتم بخفوت مبتسما وأصابعه تخترق لحم ذاك الخصر الغض "

ما هذا الذي تنوين فعله مارية توقفي ! "

فطوقت عنقه بذراعيها ودفنت وجهها في عنقه هامسة برقة "

عليك أن تذكر هذه وتنسى قبلاتها هنا ... أنت لي تيم ولست لها

أليس كذلك ؟ إذا تحمل "

فرفع رأسه وصعدت أصابعه لظهرها ماسحا عليه برفق يشعر

برقة تلك الشفاه على خشونة بشرة عنقه وقال مبتسما

" أتحمل ماذا يا مشاغبة ؟ توقفي عن هذا أو لا اتفاق بيننا

مطلقا ماريا "

رفعت رأسها وتركت ذراعيها عنقه وحضنت وجهه بيديها

أصابعها الناعمة الرقيقة تتغلغل في خصلات شعره الكثيف الناعم

واقتربت منه أكثر وقد ساعدها شده لها نحوه في ذلك وأغمضت

عينيها ببطء وقد اختبرت بدفء أنفاسها ونعومة شفتيها ملامحه

وكأنها تنسج نسخا لها في ذاكرتها حيث ما لا ينسى وللأبد لأنه

امتزج بتلك الأنفاس قبل أن تستسلم لاستسلامه لها وهي تستقر

بها نهاية الأمر عند شفتيه لتجبره على التراجع عن تلك القبلات

المتلاحقة بشغف التي استقبلهم بها لتتحول للرقة كقبلاتها الناعمة

المتأنية تلك واتكأت بظهرها على ركبته ما أن رفعها من تحتها

مسندا قدمه بطرف الأريكة ناصبا لها وانحنى فوقها فور أن

انزلقت ببطء في حضنه يرفض كل واحد منهما مفارقة شفتي

الآخر وأصابعه انتقلت لأزرار قميص بيجامتها يفتحها بالتتابع قبل

أن تتحرك بنعومة على كتفها مبعدا له عنه مرحبا باستسلامها

المفاجئ له ، شعرت بنشوة سعادة غامرة وهي تشعر بملمس

أصابعه التي أضاعت طريقها في حمالة الصدر جهة ظهرها

ويبدوا أنه لم يعرف كيف يفتحه مما يدل على جهله في تلك

الأشياء فنزلت بشفتيها ببطء من شفتيه لذقنه وأصابع يدها بدأت

بمحاولة فتح أزرار قميصه أيضا وتحركت أناملها على كتفه

العاري برفق يشبه قبلاتها التي عادت لسرقته بها مما حوله

وكلما أبعدت شفتيها تسترجع أنفاسها همس بخفوت من بين

أنفاسه المتلاحقة يشدها نحوه أكثر

" واحدة أخرى بعد ماريا "


ليعودا لسرقة القبلة تلو الأخرى لا حديث بينهما سوى من

همساته الرجولية المتطلبة تلك واشتدت أصابعه على ذراعها ما

أن تصلب جسدها بين ذراعيه وتوقف كل ذلك الشغف الذي عجز

عن إعادتها له بقبلاته التي لم تستسلم لنفورها المفاجئ وصوت

تحرك قفل الباب بات أكثر وضوحا في محاولة عقيمة لفتحه من

قِبل الواقف خلفه تلاه تحرك مقبضه بقوة وحركة غاضبة فقد

صاحبها السيطرة على أعصابه معها كما فقد الجالس قربه

سيطرته الكاملة على التي ابتعدت عن حضنه بالقوة ورغم قفزه

خلفها وإمساكه ليدها هامسا

" ماريا انتظري "

إلا أن أي شيء في ذاك الجسد لم يستجب له ولا لأي شيء ارتبط

بتلك اللحظات الحميمية الشغوفة وهي تركض جهة باب الغرفة

الذي تركته خلفها مفتوحا في السابق ودخلت مغلقة إياه خلفها

ووقفت عليه تمسح شفتيها بظهر كفها بقوة تمنع عبراتها من

اللحاق بدموعها الحارقة ورنين جرس الباب يرتفع فوق أي

شيء في أنحاء تلك الشقة الساكنة فأخفت شفتيها بظهر أناملها

تسجن حتى أنفاسها مع نحيبها الصامت تسمع صوت طرقه

الخافت للباب خلفها وهمسه الحازم الآمر

" ماريا افتحي الباب "

لكنها لم تجب كما لم تستجب لطلبه المتكرر لأن تفتح له وحين

يئس كما يبدوا منها أو من الذي لم يتراجع عن إصراره في

إحراق ذاك الجرس بالرنين المستمر تحركت خطواته مبتعدا

ووصلها صوت فتحه لذاك الباب الذي لم يستطع حجز الواقع

المرير عنها طويلا ليصفعها به مجددا وليذكرها بما تنساه في كل

مرة ، والأقسى من كل ذلك ذاك الصوت الأنثوي المغري المتقطع

الذي وصل لمسمعها يحمل عبارات شوق من جرأتها تعجز هي

زوجته عن قولها له وأنفاسها تقطع تلك الكلمات مما يعني أنها

...... تقبله !! .

أدارت أصابعها المرتجفة على شفتيها الباكية بصمت تسقي

أناملها تلك الدموع المنزلقة على وجنتيها دون توقف ، أجل تقبله

.... تكمل ما بدأته هي وسرقته منها لأنها الأحق به بلا قيود ولا

حواجز ولا أن تأخذه للموت مثلها في أي لحطة .

استدارت جهة الباب وحضنت برودة خشبه تبكي في حضنه

بصمت ولم يزدد قلبها إلا جنوناً ما أن عم صمت مبهم المكان في

الخارج وبدأ عقلها يرسم صورا لذاك الصمت المفاجئ الذي تلا

قبلاتها فامتدت يدها لمقبص الباب دون أدنى تفكير وفتحته ببطء

ونظرت من شقه بعين واحدة انكسارها أكثر وضوحا من الدموع

المتكدسة فيها تراقب بأمل كسير الذي خان توقعاتها ورحم قلبها

من الموت يرفع جهاز التحكم الخاص بالتلفاز الذي يبدوا بأنه غير

المحطة فيه قبل فتحه للباب وكان يعرض فيه فيلما ما وجلس

مكانه السابق ونظر جهة ذاك الباب ليقع نظره على التي بدأ ظهر

كفها بمسح الدموع من وجنتيها ينظر لها بصمت وكأنه يترجاها

أن تفهمه درجة أن انشغل تماما عن التي شاهدت ما شاهد بغضب

مكتوم أشعل غيرة التملك في داخلها وباغتته في غفلة منه حتى


شعر بذاك الجسد يرتمي في حضنه ولا مجال لشيء ولا لمنع تلك

القبلة من التي أصبح عنقه محاصرا بين ذراعيها بتحكم يرتفع

رأسها ويتحرك مع حركة رأسه المتملصة منها بعناد وما أن

اغلق ذاك الباب خلف القلب المحطم ورائه هناك ابتعدت عنه التي

وقفت قائلة بضيق وصوت منخفض

" تيموثي أنت ترفضني بشكل مهين ألا تعلم بهذا ! "

فوقف على طوله ومسح وجهه بكلتي كفيه مستغفرا الله في سره

ورفعهما لتتخلل أصابعه شعره قبل أن يحرره متكدسا على بعضه

بنعومة فقد اجتاحت دفاعاته في أضعف حالاته بسبب ما كان

يحدث قبل مجيئها وقد قاومها بشق الأنفس ، رفع نظره لها وقال

بحدة

" لوسي كم مرة سنكرر ما قيل ؟ "


لوحت بيدها قائلة بضيق

" لماذا تصرخ تيموثي ! هل تريدها أن تسمع ما تقول ؟ اشرح

لي هيا ما الذي بينكما لأفهم ؟ "


صرخ فيها من فوره

" توقفي عن التفوه بالحماقات لوسيندا "

ضربت الأرض بقدمها قائلة بحنق

" لوسيانا تيموثي لوسيانا ... حتى أنك تفقد اسمي بسهولة فهل

يحدث هذا مع تلك الإيطالية التي لم تخجل من التجسس على رجل

وخطيبته من خلف الباب "


حرك يده بجانب رأسه قائلا بغضب

" لوسي يكفي جنونا "


لوحت بيدها صارخة بغضب مماثل

" مجنونة أجل تيموثي ... مجنونة بك ولن أسمح لأي امرأة بأن

تقترب منك أو قتلتها "


نظر لها بصدمة ما كان ليستطيع إخفائها فتأففت ملوحة بقبضتها

وقالت بصوت باكي

" أنت تجرحني تيموثي .. أنا أرفض أن تعيش هذه الفتاة

معك "

تنفس بقوة وغضب وكلماتها المتوعدة بتهديد واضح فقط ما

علقت في رأسه المشحون بضجيج مزعج فأغمض عينيه لبرهة

يشعر بأنه يرى بوضوح الواقفة خلف ذاك الباب تبكي بصمت

ومن عجز فعلا عن إيجاد حل يرضيها قبل نفسه .. عجز وهي لا

تساعده أبدا ، ما أن فتح عينيه ونظر لها قال بملامح متصلبة "

توقفي عن الجنون لوسي فماريه مخطوبة "


نظرت له بصدمة وقالت

" مخطوبة !! "

أشاح بوجهه جانبا ومرر أصابعه في شعره وتنفس بعمق مغمضا

عينيه مجددا ، يعلم بأن هذا ليس سوى حاجز جديد سيرفعه

بينهما لكنه مجبور فهذه المدللة قد تؤذيها فعلا ، قال ببرود ما أن

أخرج تلك الأصابع من شعره ولازال يبعد نظره عنها

" أجل لشاب إيطالي مقيم في غرب انجلترا ولو أنك فتحت عينيك

جيدا لرأيت خاتم الزواج في أصبعها "


نظرت له بشك لبرهة قبل أن تقول

" وتحبه ؟ لا يبدوا لي ذلك تيموثي "


" بلى أحبه "


نظرا كليهما للتي فتحت الباب وخرجت منه ووقفت أمامه وقالت

بحزن رافقته دمعتها المنسابة على خدها تنظر لها تحديدا

" أجل أحبه كثيرا لكنه لا يفهم ... أحمق قاسٍ جدا وفاشل ... كما

أن تيم يرفض أيضا أن يفهم بأنه لا جدوى من محاولاته لإصلاح

الأمور بيننا وبأنه سيفشل ككل مرة فعليه أن يتوقف عن ذلك "

ونقلت نظراتها الدامعة له ما أن أنهت عبارتها تلك فهمس بشفتيه

فقط ويعلم بأنها تفهمه

" ماريا أصمتي "

لكنها لم تهتم لكل ذلك فجرحها أعمق من كل ذلك وقد قتلاها فعلا

وبعنف وهي تراها جالسة في حضنه وحيث كانت هي قبل لحظات

... لحظات قليلة فقط وسرقتها منها بكل سهولة ، همست بصوت

مرتجف ونظراتها الدامعة لازالت على عينيه

" عليك أن تكوني فخورة بخطيبك فذاك الشاب لم يكن وفيا معي

أبدا ويطلب مني ما يأخذه من غيري .. يشبع غروره الذكوري

على حساب مشاعري "


لتصدم كلماتها تلك الحاجز الزجاجي الهش بينهما بعنف حوله

لأشلاء .. الذي ظنه أحدهما بأنه ثقة صادقة فيما أقسم عليه مرارا

ورآه الآخر مجرد وهم تزيله الحقائق القاسية سريعا فقال بملامح

مشدودة

" أجل معك حق أحمق ماريا لأنه أراد وضعك في الصورة منذ

البداية .. أحمق ولم يعرف كيف يتصرف ، علي قول هذا له في

المرة القادمة وأن أتوقف عن الدفاع عنه أمامك "

" يكون ذلك أفضل "

قالتها بكل ما استطاعت استجلابه من صمود وبرود ودخلت

الغرفة مغلقة الباب خلفها وتركت تلك العينان معلقة بخشبه البني

المصقول وقد رفضت تلك لأحداق الغاضبة مفارقته ولا حين التفت

تلك الذراعان حول عنقه وتحركت الشفاه الناعمة على خده

بهمس أنثوي خافت

" آسفة حبيبي فهمت الآن الأمور بشكل أفضل "


*
*
*

اجتازت سيارتها بوابة المنزل نظرها على ساعتها فقد تأخرت

فوق المخطط له وعليها أن تراه فهي أخبرته حين غادرت صباحا

بأنها سترجع قبل المغيب وها هي الشمس شارفت على مفارقة

السماء وهي التي كانت من عادتها سابقا أن لا تكون خارج

المنزل لأكثر من هذا الوقت خاصة أن عملها كان في الماضي

ضمن الجمعية الملتصقة بمنزلها أما هنا فستحتاج للكثير من الحظ

لتتمكن من العيش دون أن تفقد المتبقي من عقلها وأعصابها

التالفة سلفا ، وتلك كانت أمانيها فقط فاقتراب سيارتها من المنزل

نبأها بأن الخطر أقرب لها مما كانت تتوقع وهي التي ظنت بأنها

في منطقة الأمان هنا وأنه لا وجود لرجل ثالث في ذاك المنزل

فرئيس البلاد الموقر لن يجد وقتا ليكون فيه أكثر من ساعات

نومه ليلا ولن يكون ذلك سوى لأيام تعد على الأصابع من الشهر

، لكن ما لم تفكر فيه بأنه ومن أجل جعلها تكره هذا المكان مجددا

سيفعل أي شيء وإن الانعزال عن منصبه ، استدارت سيارتها في

نصف دورة حتى كانت بالقرب من سيارة الذي كان يضرب بابها

الأمامي مغلقا له ويفتحه ويعود ويضربه مجددا يتكئ بساعد يده

الأخرى على سقفها ونظره للبعيد فهي أصبحت خلف ظهره تماما

وها هي المؤشرات السيئة تتعاقب فإفراغه لغضبه في ذاك الباب

ليس سوى البداية وهي من تعرفه جيدا وجل ما تخشاه أن تكون

سبب ذاك الغضب ... لا هي لن تخشاه ولن تهتم لغضبه

ولمسبباته ولا شيء يجمعهما سوى جدران منزل باردة لن تغير

في علاقتهما وواقعهما شيئاً ولولا والدها ما كانت لتبقى هنا

لدقائق لكن لا بأس فانفصالها عنه سيضع نقطة النهاية بينهما

فلن يكون ثمة حجة تعيش بها بينهم هنا بعدها فلم تعد زوجة


السيد المبجل مطر شاهين فكيف لامرأة لا تربطه بها أي صلة أن

تعيش في منزله ؟ .

نزلت من سيارتها ضاربة بابها مثله وسارت جهة عتبات باب

المنزل دون أن تنظر لتلك الجهة ولا من باب الفضول ولا لتعلم

بأن تلك الخطوات الواسعة المسرعة لحقت بها حتى كان معصمها

في قبضة يده وتلك الأصابع الطويلة تلتف حوله بقوة وشدها

سائرا بها في الاتجاه الآخر غير مبالٍ بمحاولاتها العقيمة للتخلص

منه أو إيقاف خطواته حتى كان ظهرها ملتصقا بباب سيارته

المغلق ويدها ملتصقة بزجاج نافذته البارد بجانب رأسها بسبب

ضغط يده مثبتا لها عليه ونظر لعينيها هامسا من بين أسنانه

" ما هذا النوع الجديد من العبث يا غسق ؟ "

نظرت لعينيه بصمت تحاول ترجمة ما عناه تحديدا فهي فعلت

وتفعل الكثير من الكوارث بالنسبة لهذا الرجل ولم تعد تفهم عن

أيها يتحدث تحديدا وهنا الكارثة ؟ أغمضت عينيها بقوة مجفلة

بأنين متألم حين ضرب معصمها على الزجاج قائلا بحدة "

أسمعيني صوتك "

فتحت عينيها ونظرت لعينيه الغاضبة بنظرة لا تقل عنها سوادا

وغضبا وصرخت فيه بعنف تحاول دفعه بيدها الأخرى

" لا علاقة لك بي ... وها هو صوتي سمعته "

أمسك بمعصم يدها الأخرى أيضا وأنزلها بقوة وصرخ في وجهها

القريب منه محركا لرأسه بقوة تحرك معها شعره الناعم المرتب

" مخطئة إن أخبرك عقلك الفارغ هذا بأن كسر الرجل يكون

برجل يا غسق "

نظرت له بصدمة فضرب معصمها بالنافذة خلفها مجددا وقال

بحدة

" ما الذي جعلك تتصلي بابن خالتك ذاك تحدثي يا غسق ؟ "

حدقت فيه بجمود للحظات تنظر لتلك العينان الواسعة الغاضبة

بشكل مخيف جعل حواف جفنيهما السفليان يكتحلان بلون أحمر

قاني وإن كان امرأة لراهنت بأنها تمسك دموع الغضب والانكسار

حتى احترقا جفنيها لكن ما تجهله بأن ذاك لدى الرجال له معان

أخرى تماما ولا تعني سوى الطعن في الكرامة والكبرياء.

نقلت نظراتها بين عينيه بصمت مبهم .. هذا سبب غضبه إذا

وهذا ما كانت متأكدة منه أن اتصالاتها مراقبة ومن الجيد أنها

حين اتصل بها كان الحديث بينهما على أنه عرض عمل روتيني

الغرض منه أن تحدد موعدا معه ثم حديثهما سيكون على انفراد

وقد فهم هو ما تصبوا له بذكاء محامٍ خبير ، وهذا ما كانت

محتاطة له سابقا فلا شيء يمكنها قوله له عن طريق الهاتف ،

لكن مكالمتها تلك مع قائد يبدوا أنها لم ترق له ولغروره الذكوري

المقيت ، حاولت تحريك معصمها في قبضته لتخليصه منها قائلة

بضيق

" هل أفهم أنا ما هذه الجريمة التي تخشون أن أسببها للبلاد

تراقبون اتصالاتي ؟ أم المسموح لغيري ممنوع عني وعفّوا تعف

نسائكم يا ابن شاهين "

اشتدت أصابعه على معصميها بقوة آلمتها وقال بغضب

" الكمال الذي لم يصل إليه ابن شاهين ستصعدين أنت له وإن

مرغمة يا زوجته افهمي هذا ؟ "

وتابع من قبل أن تتحدث رافعا رسغ يدها الأخرى أمام وجهها

هامسا من بين أسنانه

"يد رجل تمتد لك ياغسق مصيرها القطع فأخبري قريبك بهذا "

أنزلت يدها بقوة منزلة يده معها وقالت بحدة

" مطر ابتعد عن حياتي ولا علاقة لك بقائد يكفيك ما فعلته

بجبران وابن العقاد فلست غبية كي لا أفهم أنك السبب في إسقاط

رتبته ونقله للجنوب أم لا يمكن أن يكون ثمة قائد أعلى لجيش

البلاد غيرك ؟ "

أنزل يدها الأخرى أيضا وأدارهما خلف جسدها الذي دفعه نحو

جسده بقوة محاصرا له بين ذراعيه وجامعا ساعديها بتقاطع

خلف ظهرها ودفع جسدها بجسده ملصقا له على باب السيارة

خلفها وأعجزها تماما عن مقاومة تلك القبلة الخشنة العنيفة التي

عبر فيها عن كل ما يغضبه منها بل ومن الذي تركه خلفه في

المنزل ومن هدده حتى بتطليقها منه متهما إياه بالقسوة والعنف

معها وهو من بات يحارب فاعليها بالقانون .. فعن أي قسوة

وعنف يتحدث ؟ ألا يعلم ما فعلته هي به وهي تهدده بقتله من

أجل ذاك الخائن المندس وتركض خلف جنونها وعواطفها

الحمقاء ؟ أجل كان عليها أن تفيق قبل أن تفقد حياتها وتفقده
عقله معها .

كانت قبلة منهكة لكل شيء ولهما معا ورغم كل ذلك لم يقرر

إنهائها حتى ارتخى جسدها بين ذراعيه وأعلنت استسلامها وكأن

ذاك ما كان يصبوا إليه منذ أن قاومته بل وأراد أن تشعر بضعفها

أمامه .. أن تحذر نفسها من مغبة خسارته وعواقبها على قلبها ..

هذا ما فسره قلبها المجروح المتأذي منه ومهما فعل وهذا ما

ألمها أكثر وهو يحررها من عنفهما الذكوري اللذيذ وقد همس

يسحب نفسا قويا لصدره ويخرجه ببطء ملصقا أنفه بأنفها

ومحدقا في عينيها المشوشتان

" هذه الشفاه لن تعرف غير شفتاي يا غسق قسما بمن خلقك

فحذري الرجال من عقابي "

وترك بعدها يديها بل وجسدها المنهك حد الانهيار وابتعد تاركا

حتى سيارته خلفه وسار جهة الممشى الحجري الواسع نحو

الحديقة فمررت ظهر يدها وأصابعها المرتجفة على شفتيها

هامسة بحقد وغضب من ذاتها قبله

" سحقا لهذا الشعور ... سحقا "

ولم تزدها تلك الحقيقة سوى اشتعالا فبدأت بضرب باب السيارة

خلفها براحة يدها بقوة صارخة بغضب تنظر لمكانه الخالي منه

" لن يستمر عهد استبدادك وتحكمك طويلا يا متحجر وها أنا

أيضا اقسم بمن خلقك "

وركضت بعدها جهة عتبات الباب ودخلت المنزل ووقفت مكانها

تنظر للواقف أمامها مباشرة ينظر لها باستغراب ثم ارتمت في

حضنه ودس هو وجهها في صدره وضمها له بقوة وقبّل رأسها

قائلا

" ما بكما يا غسق ما الذي فعلته أغضبه هكذا يتوعدك حتى

في غيابك ؟ "

التفت أصابعها حول قميصه وقالت بأسى

" قسما بأن وجودك هنا وحده ما يجبرني على البقاء في مكان

يجمعني به "

ضمها له أكثر ولم يعلق فهو يعلم بأن نصف غضبه ذاك كان

بسبب شجارهما قبل لحظات من أجلها .. لم يفهم السبب الحقيقي

لغضبه منها لكنه يعلم جيدا بأن ذاك الغضب سببه اقتراب أحدهم

منها فذاك المتحكم في انفعالاته وأعصابه لا يخرج الوحش بداخله

سوى بسبب اقتراب أحدهم من أنثاه وإن بتذكيره بأن يتركها

لغيره .

*
*
*



نزل من سيارته مغلقا بابها ونظره على الأفق البعيد حيث الشمس

التي شارفت على المغيب قبل أن تأخذه خطواته حيث يسمع

صوت تلك الضحكات الطفولية الصغيرة التي اجتذبته كالمغناطيس

فيبدوا أنهم يتخذون من الحديقة متنفسا لهم حتى مغيب الشمس

والذنب ذنبه بالطبع فهو من لم يفكر في أنه بهذا يسجنهم هنا

ودون قصد منه فإن كانا الطفلين يذهبان لزيارة والدهما الذي

يبدوا بأنه لا يقصر أبدا في تدليلهما وأخذهما حيث يرغبان إلا أن

عمته وابنتها لا تخرجان أبدا وهو لم يفكر في هذا سابقا ، اقترب

من ذاك المكان مبتسما للطفلة التي ظهرت له من بين أشجار

الحديقة بفستانها البرتقالي بقماشه المدرج في طبقات متساوية

تنتهي بشريطة زرقاء غامقة زين لونه الزاهي ذراعيها البيضاء

العارية والشعر الأسود الفاحم الذي لامس عنقها حاضنا الوجه

الدائري الصغير والتي صرخت بسعادة ما أن رأته وركضت

جهته مناديه

" عمي عميير "

فاستقبلها من فوره ورفعها للأعلى وقدفها عاليا مبتسما على

صوت تلك الضحكة الطفولية الصارخة التي يعشق وسار بها

تعانق ذراعاها الصغيرتان عنقه جهة الذي خرج له من هناك

أيضا يراقبهما مبتسما ، وما أن وصل عنده لاعبت أصابعه شعره

الناعم قائلا بابتسامة

" كيف حالك يا بطل "

تعلقت نظراته به مبتسما وهو يقول

" بخير ... نحن لا نراك أبدا ! "

ضحك ولم يعلق وهو ينزل الطفلة حيث الجالستان وقد تعلقت

نظراتهما به أيضا بين ابتسامة محبة دافئة وأخرى مشتاقة

متعطشة وإن للنظر من البعيد للذي حرمت من رؤيته لأيام يغادر

من قبل بزوغ ضوء الفجر ولا يدخل منزله إلا منتصف الليل

الآخر حتى أن اتصالاته بعمته بدأت تقل تدريجيا حتى باتت مجرد

سؤال مختصر إن كانوا يحتاجون شيئا يحضره معه وقت رجوعه

للمنزل فلا يجدوا سوى تلك الأغراض فوق الطاولة في بهو

المنزل صباحا .

أما تلك النظرات المحبة فقد رافقته أيضا حتى جلس بجانبها

مبتسمة بسعادة فلطالما اعتبرته ابنها الذي لم تنجبه ولم يهبه الله

لها وتعلم كم قاسى من فراق والدته طفلا ومعاناته مع زوجة والد

قاسية فتياً وعائلة رأته هجينا وغريبا عنهم فقط لأن والدته من

صنوان ، أشقاء تغذوا على السخرية منه وإشعاره بأنه أقل منهم

جميعا ومنذ صغره وانتهى به الأمر أن هجر ذاك المنزل شابا

وعاش وحيدا حرم من أي معناً للحنان الذي يكذب الرجال إن

قالوا بأنهم لا يحتاجونه فعاش يدفن احتياجه خلف ابتسامته

الملازمة لشفتيه ومزاحه الدائم يخفي بهما الحزن الذي كانت

تشعر به وتراه في عينيه مهما أخفاه وأنكره هو نفسه في داخله

، وحين أحب ابنتها لا تراه إلا أحب الشخص الخطأ رغم سعادتها

حينها بأن يكون من نصيبها وبأن يكون زوجا لإبنتها لكنها لم

تكن النصف المتمم له كما تريد هي لابن شقيقها الوحيد فهي لم

تترك طريقة ضغط لم تمارسها عليه ليلبي احتياجاتها وطلباتها ألا

محدودة وما أن يدخل من باب المنزل في زياراته القليلة لهما لا

يسمع سوى تذمرها وتشكيها حتى يخرج وهو بطبعه الودود دللها

بما زاد من طباعها سوءاً فقط لأنه أحبها بصدق لكن ذلك لم يكن

يجدي مع من هم في مثل طباعها وكانت سعيدة فقط بأن يصبح

أقرب لها من السابق .. ذاك فقط ما أسعدها في كل تلك الخطبة ،

وها هي ترى اليوم ثمار تربية الشقاء تظهر عليه لتصنع منه

رجلا استطاع بناء نفسه بل و غيره أيضا بينما تربية الدلال لم

ينتج عنها سوى فتاة كابنتها وشبان كأشقائه من والده لا يحبون

في الوجود أكثر من أنفسهم ولا يمكن لأحد أن يعتمد عليهم في

أي شيء بل يعيشون هكذا عالة على غيرهم لآخر حياتهم ،

همست تدعوا له بعيني محبة دامعة بأن يحفظه الله لها ما أن

رفع يدها وقبلها وقال مبتسماً وهو يرفع نظره لعينيها

" كيف حال عمة عمير الوحيدة ؟ "

ضحكة ومسحت على طرف وجهه قائلة بحنان

" بخير مادمت بخير يا قلب عمتك فمتى سترحم أنت نفسك ؟ انظر

لوجهك كيف يبدوا مجهداً ويبدوا أنك لم تنم البارحة ولا الليلة

التي قبلها "

أمسك يدها وقبلها مجددا وقال

" لنأمل أن يكون قريبا عمتي فوضع البلاد لا يحتمل التكاسل عنه

كي لا نفقدها وتعلمين جيدا أهمية ما نقوم به "

قالت مبتسمة بحنان

" نصركم الله على كل من أرادكم وأرادها بسوء بني لكن لنفسك

عليك حق أيضاً فأن لا يكون لك زوجة لا يعني أن لا تزور غرفتك

وسريرك أبدا "

ضحك بخفوت وأرخى نظره للأسفل حيث يديه المحتضنة ليدها

تراقبه تلك النظرات الباسمة للجالسة مقابلة له من لم تترك للحياء

فرصة أن يجبرها تبعد نظرها مثله بسبب المقصد مما قالته

والدتها تنظر بسعادة لتلك الملامح الرجولية أو ما يظهر لها منها

بسبب إنزاله لرأسه .. للأنف المستقيم والحاجبان والرموش

السوداء والشعر الأسود المسرح للخلف تترك لنفسها حرية السفر

مع خيالها حتى كانت تشعر بملمسه الناعم بين أصابعها التي

تتوق لأن تتغلغل فيه قبل أن يحترق كل ذاك الوهم محرقا كل

شيء فيها وأولهم تلك الابتسامة التي اختفت مخلفة بعدها تجهما

مخيفا ما أن قال الذي لازال نظره على تلك اليد والأصابع بين

يديه تزين شفتيه المحفوفة بشارب ولحية خفيفان ابتسامة حياء

رجولي مميز

" إذاً قد يسعدك بأني قررت فعلا أن أجلب لك من تنغص حياتي

وراحتي وتسجنني هنا في المنزل نهاية الأمر "

وبينما تبدل ذاك التجهم لنظرة مصدومة حولت صاحبتها لتمثال

حجري صلب كانت نظرات الجالسة بجواره اجتازت تلك الصدمة

بسهولة للسعادة تبعتها كلماتها الفرحة

" لا تكن مزحة يا عمير ؟ "

رفع نظره لها وقال مبتسماً

" لا ليست مزحة وقد سبق وتحدثت مع والدها وعائلتها وأريدك

معي في المرة القادمة وحين سيكون كل شيء بشكل رسمي

فأنت في مقام والدتي ومكانتها لدي "

رفعت يدها لوجهه مجددا وقالت بسعادة شابها بريق تلك الدموع

الدافئة في عينيها

" ما أسعده من خبر يا عمير ... ليبارك لكما الله بني وعجل في

الأمر واترك عنكما الرسميات الطويلة المملة "

ابتسم وعاد بنظره للأسفل مجددا قائلا

" مهلك عمتي فلتوافق العروس أولا "

أنزلت يدها ليديه الحاضنتان ليدها الأخرى وقالت بسعادة

" ولما لا توافق ! من تكون هذه الحمقاء التي تضيع من يدها

رجلاً مثلك ؟ "

وقفت حينها التي استطاعت بعد عناء اجتياز تلك الصدمة العنيفة

، من لم تكن ترى من حمقاء مثلها في الوجود حين أضاعته من

يدها قبل أعوام وماذا استفادت وما الذي وصلت له ؟ ابتعدت

خطواتها تجر قدميها ولم تعد تسمع شيئا مما يقولانه خلفها تشعر

بروحها ستخرج مع أنفاسها .. لا تصدق ما سمعته وبأنه يفكر

فعلا في الارتباط بواحدة أخرى ! ولا تصدق بأن عقلها كان يرسم

لها كل تلك الأوهام والتهيآت بأنه لن يحب امرأة مثلها ولا بعدها

وبأنها سبب عزوفه عن الزواج لأنه لم ينساها ولم يستطع أن

يكون مع أخرى غيرها ..!

اتكأت بظهرها على جذع إحدى الأشجار وأمسكت فمها عيناها

المتسعتان شاخصتان في الفراغ لازالت تعيش الصدمة التي ظنت

بأنها ستجتازها ما أن تغادر من هناك لكنها لم تكن باليسر الذي

توقعته وكيف لها أن تتوقع ذلك وهي التي لم تتخيله مطلقا ،

انتقلت يداها لأذنيها واغلقتهما بكفيها بقوة وكأنها انفصلت تماما

عما حولها لا ترى أو تسمع شيئا سوى صوت عقلها المرتفع ...

بلى هو يحبك إنه يعاقبك فقط ويعاتبك بطريقته ، تعرف عمير جيدا

يمزح دائما وفي كل شيء حتى في غضبه وعتابه وهو لم يتغير

أبداً فليس عمير الذي عرفته من تغيره السنين ، تحركت خطواتها

مجددا تسير مبرمجة كرجل آلي ووقفت قرب باب المنزل بسبب

اليدان الصغيرتان اللتان أمسكتا بثوبها فنظرت خلفها بعينيها

المحمرتان بسبب حبس الدموع والغضب من كل شيء وأولهم

نفسها للواقفة تحتها تمسكها وقد قالت بتلك النبرة الطفولية

الرقيقة

" أمي تعالي نلعب "

سحبت منها فستانها الطويل متمتمة بنبرة جوفاء كروحها

المشتتة

" لا أريد غادري لجدتك وشقيقك بسرعة "

لكن إصرار تلك الطفلة كان يشبه سنها تماماً

" هيا أمي تعالي "

فسحبت ذاك القماش الملتف حول أصابعها الصغيرة بقوة جعلتها

تنتفض في مكانها موقعة إياها أرضا وقد صرخت فيها بحدة

" قلت ابتعدي عني واتركيني وشأني ... لما أنا التي تنتهي

حياتي معكما وتنهار بينما والدكم يستمتع بحياته "

وتابعت صراخها متجاهلة ذاك الجسد الباكي في الأرض

" خسرت كل شيء بينما كسب هو .. بل الجميع يكسبون

وأنا وحدي من يخسر "

وحين لم يزد صراخها ذاك الجالسة أرضا سوى بكاء أشارت

بإصبعها خلفها وقالت بغضب

" قلت غادري الآن حيث شقيقك وجدتك تحركي بسرعة "

فوقف ذاك الجسد الصغير النحيل فورا وركضت صاحبته مبتعدة

بكائها الرقيق يتبعها حتى اصطدمت بتلك الساقان الطويلتان

وحضنتهما فورا ومن دون أن تتأكد من هويته حتى ارتفعت في

الهواء ومسحت تلك اليد على شعرها القصير الناعم قبل أن تدفن

بكائها في عنقه يحضنها بقوة وقال مبتسما

" ما يبكي الطفلة الجميلة ؟ "

تعلقت بعنقه وقالت بعبرة طفولية متقطعة

" أمي لا تريد أن نلعب وطردتني "

توجه بها جهة باب المنزل قائلا

" ما رأيك أن نصعد معا لغرفتي أصلي المغرب ونلعب معا

هناك ؟ "

ابتعد ذاك الوجه المليء بالدموع عن عنقه ونظرت له تلك

العينان الواسعة الدامعة بفرحة تعاكس تلك الملامح الباكية وقالت

بابتسامة واسعة زحفت لملامحها ببطء قائلة

" و تأرجحني في الهواء "

ضحك وقال يصعد بها السلالم

" نفعل كل ما تريدين لو توقفت عن البكاء "

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 21-03-18, 09:20 PM   المشاركة رقم: 1009
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


رفعت قدميها أيضا على السرير وحضنت ساقيها تراقب نظراتها

بملل اللتان تفتشان الأكياس والصناديق التي لم تفتحها منذ

وصلت قبل يومين بل وبدأن يتقاسمن الهدايا من تصل أولا تأخذ

الأفضل فماذا إن علم ذاك العريس بأن هداياه توزع هكذا للسبيل !

سافرت بنظرها جهة النافذة المفتوحة وللشفق الأبيض الذي بدأ

يزحف للسماء وتنهدت بأسى فها قد وضعت في الأمر الواقع

نهاية الأمر وأصبحت محاصرة بين فكي كماشة أحدهما والدها

والآخر شقيقها وثاب بل وبين أن توافق على سيادة رئيس جهاز

المخابرات الجديد أو أن تعامل معاملة البهائم هنا حتى الخروج

من الحظيرة ممنوع أي ستكون معاملة أسوأ من الحيوانات بكثير

، وهذا ما هدد به شقيقها بما فهمته جيدا فهو قادر على قلب

حياتها لجحيم وذاك ما تعرفه جيدا فلم


يسكته عن طلاقها من رماح سابقا سوى مرض والدهم المفاجئ

وانشغالهم به ثم طلبه منه أن لا يتحدث معها في الأمر وتعلم بأنه

ليس إكراما لها بل لتدخل شقيقها قائد وحديثه معه بطلب من

وسام ، الأمر الذي يضنونها تجهله وقد علمت به مصادفة .

طرقات منخفضة ومتفرقة على باب الغرفة جعلتها تلملم شتات

تلك الأفكار وسرقت نظرها من السماء له وارتسمت تلك

الابتسامة على شفتيها ببطء ما أن انفتح الباب ودخل منه الذي

صرخت إحدى شقيقاتها فور رؤيته قائلة بضحكة

" ها هو شقيق العروس الغائب تذكرها أخيراً "

فغادرت السرير من فورها وركضت مبتسمة والدموع تملأ عينيها

جهة الذي رفع ذراعيه لها واستقبلها في حضنه وحضنته هي

بقوة وقبضتها تضرب على ظهره قائلة بعتاب باكي

" هكذا تنسى شقيقتك التي تحبك يا قاسي ؟ حسنا تذكر والدتك

على الأقل "

أبعدها عنه وأمسك وجهها وقال ماسحا دموعها بإبهاميه

" تعرفين جيدا طبيعة عملي يا جليلة وها أنا أزوركم كلما زرت

العاصمة وأمر بالعمران من أجلكم فقط يا مدينة حزب النساء "

راقبت بحب ملامحه التي تعشق وابتسامته التي اعتادوا هكذا

يرونها خاطفة بالكاد ترتسم على ملامحه لتعبر فقط عن حبه

للواقف أمامه وهمست مبتسمة بحزن وعيناها تمتلئان بالدموع

مجدداً

" لكني أشتاق لك يا شقيقي "

ابتسم وقبل جبينها بعمق قبل أن ينظر لعينيها وقال

" مبارك يا عروس لن تنظري لنا بعد اليوم حين ستصبحين

زوجة رئيس جهاز المخابرات ومن سيغضبك مصيره سيكون

السجن بالتأكيد "

حضنته مطوقة عنقه بذراعيها وقالت مبتسمة أصابعها تداعب

شعره الأسود الذي خالف فيه هو وشقيقه التوأم باقي أشقائهم من

والدتهم

" من هذا الرجل الذي أبيعكم به ؟ قسما ماكان ولن يكون هذا

الذي يتساوى في كفة مع شقيقاي المحببين "

ضحك بخفوت ومسح على شعرها هامسا كي لا تسمعه الواقفات

قربهما ينتظرن أن تتركه لهم ليسلمن عليه

" لا يسمعك وثاب لا تذكريه معنا ويقطع لسانك "

ابتسمت بحزن هامسة أيضا وهي تبتعد عنه

" كل رجل يضع لنفسه مكانه بأفعاله يا شقيقي لا بالدماء التي

تجري في عروقه "

وابتعدت عنه منصاعة لسحب يد التي قالت مبتسمة

" يكفيك يا مدللة شقيقاك اتركينا نسلم عليه على الأقل "

وتتالت عليه الأحضان الخمس تتركه واحدة لتستلمه الأخرى فهم

بالكاد يرونه في زيارته الوحيدة لمنزل والدته مرة في كل شهر

حين يسلك طريقه باتجاه مكتبه في العاصمة فمن كانت هنا فقط

حينها ستراه وذلك ما لا يتوفر لهن جميعهن لأنه ولا واحدة

منهن تسكن العمران ، وما أن انتهى من حفل الاستقبال الطويل

الذي حضي بمثله من جمهور الأطفال الذي اندفع نحوه ما أن

دخل حديقة المنزل نظر للأغراض الموزعة في الغرفة وقال

مبتسما

" لازالت تلك الطقوس الغريبة ملازمة لكن وتسلبن العروس كل

ما تحصل عليه من هدايا ؟ "

ضحكن وقالت الصغرى فيهن من بالكاد تخرج أنفاسها بسبب

حملها في الأشهر المتقدمة
" ومن منا حظيت بهذا النوع من الهدايا والفخامة والرقي ؟

حتى أن رجل ابن شاهين الخبيث ذاك أصاب في مقاسها وفي كل

شيء فلم نستطع أخذ كل ما أعجبنا لأنها أقصرنا وأنحفنا "

أمسك أنفها وقال مبتسماً

" لا أراكن إدخرتن جهدا في سلبها ما جلب لها ومن قبل أن

يتزوجا فما ستفعلن حينها ؟ "

واختلطت الأحاديث معه بضحكاتهن كل واحدة تحاول أن تجذب

انتباهه للتحدث معها عدا التي كانت تراقبه نظراتها المتوجسة

بصمت فهي ترى شقيقاً ليس ذاك الذي تعرفه منذ أعوام من

فقدوه بعد شجاراته المتكررة مع وثاب ومن ثم هجرانه للمنزل

وبشكل شبه نهائي وكم تخشى أن يكون ما تخطط له غسق السبب

فهي لن تصدق أبدا بأن ما تريده منه مجرد استشارة قانونية

فالمحامون في كل مكان في حوران حولها فلما قائد تحديداً !

كانت تعلم بأن نظراتها تلك له لم تفته كما نظراتها له تبحث عن

أجوبة في عينيه السوداء الواسعة وتعلم بأنه يحاول التمويه

عنها حتى نظر للأسفل وقال لمن لازلن متحلقات حوله

" هل أنفرد بالعروس قليلا يا جميلات "

وانطلقت منهن عبارات التذمر متباينة بين الرفض والضيق قبل

أن يغادرن بالتتابع فلا أحد في تلك العائلة يجهل بمكانة شقيقتهم

تلك لدى شقيقيهما من والدتهم وبأنها الأقرب لهما ومنذ صغرهم

فتحركت التي قالت ما أن أغلقت الباب خلف آخرهن وما أن

التفتت له

" قابلت غسق في حوران أليس كذلك ؟ "

نظر للأسفل ودس يديه في جيبي بنطلون بذلته وقال بهدوء

" ليس تماماً ؟ "

نظرت له باستغراب وقالت

" ما الذي تعنيه بليس تماماً يا قائد ؟ هي تبحث عن رقم هاتفك

فهل تحدثت معك أو زارتك في مكتبك ؟ "


نظر لها وقال بجدية

" وما في الأمر إن تحدثت معي أو زارت مكتبي ؟ هي ابنة خالتي

وإن زارت منزلي فالأمر عادي جدا "

لوحت بقبضتها قائلة بضيق

" ليس في وضعكما يا قائد .. فلن يكون عاديا أبدا فإن كانت

تجهل هي أنك لم تتخطى مشاعرك القديمة نحوها فأنا أعلم بها

جيدا وأكثر من كليكما يا قائد فعيناك تقولان وإن رفض لسانك "

قست ملامحه وقال بضيق

" جليلة لا تعامليني كطفل فأنا أكبر منك ومن أشقائك من والديك

جميعهم "

قالت بذات ضيقها

" أنا أعلم ذلك جيدا وأعلم أيضا بأن شقيقك التوأم لديه خمس

أبناء الآن وأنت لم تتزوج بعد رغم تجاوزك الأربعين لأنك لم

تستطع أن تظلم امرأة معك وقلبك مع أخرى عكس شقيقك الأصغر

منك والذي لم يتوانى عن جرح النساء الواحدة بعد الأخرى وهو

يدخل التجربة الفاشلة تلو الأخرى فلا تنسى أنت وابنة خالتك

وجود وثاب إن نسيتما أنه ثمة رجل اسمه ابن شاهين سيقتلك

'دون تردد إن اقتربت منها "

شد قبضته بقوة وقال بحدة

" جليلة لو أفهم لما تبالغين هكذا فما... "

قاطعته من فورها وبحزم

" أنا لا أبالغ لأني أعرفك كما أعرف غسق جيدا "

وتابعت بجدية من قبل أن يعلق

" أعرفها كما أعرف نفسي يا قائد .. إنها تحبه وبجنون ومهما

حدث بينهما وفعل بها هي تتنفسه وإن أنكرت ذلك فلا تقحم نفسك

في حرب خاسرة أنت الذي ستخرج منها متضرراً نهاية الأمر "

لوح بيده قائلا بضيق

" جليلة توقفي عن التفوه بالحماقات فحديثها معي كان عمليا وكل

ما بيننا معاملات قانونية وكل واحد منا يعلم حدوده جيدا "

اقتربت منه حتى وقفت أمامه وأشارت بسبابتها علي قلبه وقالت

بحزم ناظرة لعينيه

" وهذا يا قائد ما رأيه ؟ هل يوافق ما يقوله لسانك ؟ "

أمسك يدها وقال بجمود معيدا لها ببطء

" هذا لا أحد له سلطة عليه وأخبرتك لكل واحد منا حدوده التي

لن يتخطاها ولن أرد ابنة خالتي وهي تطلبني ولأول مرة في

حياتها أما انكسار القلب وعطش المشاعر فقد تعايشت معه

من أعوام "

امتلأت عيناها بالدموع تنظر لعينيه التي يتجنب النظر بهما

لعينيها وهو يقول ذلك وكم يكسرها ما حدث مع شقيقها وهو

يحرم نفسه جميع النساء فقط لأنه لم يحظى بحب التي عشقها

منذ صغره فها هي ابنتها بطولها وهم يتخبطون بين ماضيهم

وحاضرهم ليس لأي واحد منهم ولا ابن يكبر معه فيجده حين

تتخلى عنه قوته وصحته ، وقائد أكثر من تتألم لحاله بينهم فهو

وحده من لم تتحول مشاعره نحوها للغضب والكره وإن كان

تمثيلا مثلهما فوحده من أجاد دور الرجل النبيل وتقبيل يد المرأة

التي ترك قلبه عند قدميها وانسحب بهدوء معلنا هزيمته أمام كل

شيء وأولهم نفسه وإرادته كرجل وكمحام وكعاشق جرح في

مشاعره وكرامته فقائد الوحيد بين من تقدموا لخطبتها بعد رحيل

ابن شاهين وإعلان خبر طلاقها منه من أخبرته غسق وبنفسها

بأنها لا يمكنها تجاوز ذاك الرجل في داخلها بسهولة وليس ثمة

من تضمن أن تمنحه ما في قلبها له وهذا كان أكثر ما جعله

ينسحب في صمت حينها ولم تهتم بباقي منافسيه وكأنها كانت

ترفض أن يتحول لنسخة عنهم أو أن تكون السبب في أي أذى قد

يلحقه من جبران أو أي فجوة بينه وبين شقيقه ولا تراها إلا

تسعى لتدميره الآن وهي تدمر كل ما فعلته سابقا من أجله ، قالت

بجدية ولازالت تنظر لملامحه الرجولية والأجفان الواسعة

المنسدلة فوق تلك الأحداق السوداء

" الأحمق فقط من سيفكر في أن ينافس مطر شاهين في أي شيء

فكيف إن كان قلب امرأة وجميع النساء في البلاد يحلمن به أو

بشبيه له ، وها أنا أقولها لك مجددا يا قائد بأنه رجل متملك غيور

وأنا من رأيته بنفسي فهو قد يؤذيها حتى هي نفسها إن شعر

بأنه سيخسرها فكيف برجل لا يعنيه في شيء بل ويراه عدواً له

ليس إلا ؟ فلا تُفقد نفسك حتى وظيفتك التي تحب بسبب امرأة لن

تكون لك "

نظر لها ما أن أنهت حديثها وقال بضيق

" هل انتهت مواعظك يا كبيرة يا أعقل مني ؟ "

امتلأت عيناها بالدموع وقالت بحزن

" لأني أحبك أقول كل هذا يا قائد "


تنفس بعمق مغمضاً عينيه قبل أن ينظر لها مجددا وقال

" وأنا قلت لك مراراً بأنه لكل واحد منا حدوده يا جليلة وغسق

بنفسها قالت ذلك ووضحت لي بأن لجوئها لي لن يكون أملا

عقيما وأنا قلت بأني لن أردها ولن أخذلها بما أنها لجأت لي وإن

عادت له فيما بعد فذاك أمر يخصها وحدها وامرأة لا أنال قلبها

طوعا لن أجبرها على ما لا تريد وسبق وأخبرتك بأن ما طلبته

مني حتى الآن لم يتعدى المعاملات والنصائح القانونية ولن

أردها في كل ما ستطلبه ومهما كان "

حركت رأسها متنهدة بعجز ويأس منه فقال مغيرا مجرى الحديث

" أخبرني وسام بأنك كنت رافضة أمر الزواج "

أشاحت بوجهها عنه وقالت ببرود

" كنت ولازلت ولا أعتقد بأن الأمر سيعنيك أو أنك ستغير فيه

شيئا حالك حال شقيقك أحبكما من طرف واحد فقط "

ابتسم واقترب منها وحضن كتفيها بذراعه وقبل رأسها وقال

" تعلمين جيدا يا جليلة بأن وقوفنا معك لن يسبب إلا مشاكل

أنت نفسك سترفضينها "

ثم أدارها ناحيته وأمسك وجهها ونظر لعينيها وقال بجدية

" أما بعد زواجك ووصولك لديه هناك فلن يمسكني شيء عن

الوقوف في وجهه إن آذاك بأي شيء وكان من يكون وسأخرجك

بنفسي من منزله لمنزلي إن فقط أساء لك يوما وهو اتصال واحد

فقط بي لن يراك بعده وإن قتلني "

حضنته بقوة تدفن وجهها في صدره العريض هامسة بحنان

" لا حرمني الله منك يا شقيقي ، هذا هو الكلام الذي أريد

سماعه فعلا "


*
*
*

فتحت باب الغرفة وألقت عليها نظرة خاوية وحقائبها لازالت

مكانها على الأرض منذ قامت بإرسالها مع أحد حرس منزل رعد

صباحا ، لقد أصرت تيما عليها أن تأخذ غرفتها القديمة وأن

تتركها لها لكنها رفضت فما تريده بتلك الغرفة التي ستذكرها حتى

جدرانها بماضيها الزائف هنا فعند كل زاوية وجدار حملت ذكرى

لهما وهي ترفض النوم مع أشباح الماضي ... لذلك عليها أن

تخرج من هذا المنزل سريعا بل وفي أسرع وقت قبل أن تفقد كل

شيء وأولهم عقلها فكرهها لما فعله بها ذاك الرجل وقرارها

تركه وللأبد لا يعني بأنها شفيت تماما منه .. حقيقة قاسية

ومجحفة لكنها واقع لن تهرب منه بجبن بل عليها محاربته

ومقاتلته وبشراسة حتى تنتصر عليه وحينها فقط ستتخلص من

عوالق ذاك الرجل في روحها والذي تسلل مع الدماء في عروقها

وعانت من مرارة انسحابه منها لأعوام وسيأتي بالتأكيد اليوم

الذي ستمشي فيه من أمامه وكأنه أي رجل آخر لن يحرك فيها

وجوده وحضوره الطاغي ورائحته أي شيء وستسخر من

مشاعرها السابقة نحوه ومن سذاجتها القديمة فتلك هي أقوى



علامات التخلص من حب أحدهم ... إنها وبكل بساطة تعني
الإنتصار .

نظرت حولها مجددا قبل أن تنزع حجابها لينساب ذاك الشعر

الأسود الطويل على ظهرها وقد رفعت رأسها في حركة تلقائية

ما أن تحرر ذاك الحرير الأسود الكثيف مبعدة غرتها الطويلة عن

وجهها وتحركت نحو الداخل بخطوات بطيئة تفتح يدها زر

قميصها ونظرت لما تفعله ما أن فتحت الزر الآخر ومررت

أصابعها ببطء تحت حمالة الصدر ودستهم أكثر نحو الداخل

تغرس أسنانها في شفتها حتى أمسكت بمبتغاها وأخرجته برفق

فهذا ما رفضت أن يكون ضمن أغراضها التي سبقتها منذ

الصباح والتي تركت حتى مهمة ترتيبها في تلك الحقائب

للخادمات ، رفعت المفتاح الموجود بين أصابعها أمام وجهها وكم

تمنت في سرها أن تصدق ظنونها وأن لا يكون قد قام بتغيير

أقفال أبواب المنزل وأن يكون هذا المفتاح القديم لازال نسخة

أصلية لذاك الباب وأن يكون الوسيلة لدخول تلك الغرفة في

الأعلى فعليها أن تقوم بهذا قبل كل شيء هنا خصوصا أنها

علمت من والدها بأن حديقة المنزل والمطبخ وملحق الخدم

ومنزل العمال فقط الأماكن المراقبة هنا .

قبضت عليه في راحة يدها وتوجهت فورا نحو الباب وخرجت من

الغرفة وما أن وصلت بهو المنزل الفارغ حمدت الله في سرها

أنها قامت بتأجيل انتقال الكاسر إلى هذا المنزل حتى الغد فهو إن

كان هنا الآن ما كان هذا المكان فارغا وساكنا هكذا تعرفه جيدا

يعشق أن يجلس ويُجلس الجميع معه في هذه الأماكن الواسعة

المفتوحة ولا تراه أحيانا إلا فضول سيء يسيطر عليه وعليه

التخلص منه لكنه يرفض الإعتراف بذلك فلا وسيلة لعلاجه منه .

صعدت السلالم بخطوات سريعة حتى كانت في الأعلى تحاول فقط

التفكير في هدفها لا في توترها وخوفها من أن تجده خلفها في

أي لحظة ولا في كل ذكرى جمعتها مع هذا المكان إن كان في

الماضي البعيد أو القريب فلن تتذكر سوى نبذه لها هنا .. ظلمه

وتخوينه وختامها صفعه لها وهي التي لم تمتد عليها يد رجل من

قبل ولا حتى حين كانت طفلة ليفعلها الآن من لم تعرفه سوى

لأشهر في الماضي وفي هذا السن وابنتهما تكاد تبلغ نصف

عمرها ومن أجل ماذا ؟ فقط لأنها واجهته بحقيقته ودمويته

وثأره الوحشي لكبريائه الرجولي المقيت مخلفا فجوة واسعة بين

أبناء وطنه بسبب جنونه الغبي .

وصلت الباب المقصود وغرست المفتاح في فتحته فورا دون

تراجع ولا تردد وما أن أدارته فيه ابتسمت بانتصار وهي تسمع

ذاك الصوت الخفيف دليل استجابته لإدارتها فيه دورة .. اثنتان

وثلاثة وانفتح ما أن أدارت مقبضه فدفعته نحو الداخل ودخلت

الغرفة فورا وأغلقت بابها ووقفت مستندة به وأغمضت عينيها

فورا ودون شعور لا بل شعرت ... شعرت بتلك المشاعر القديمة

والذكرى تهاجمها في أكثر مكان كانت لتضعف فيه كلما دخلته ..

كيف لا ونظرها يقع على ذاك السرير فورا ما أن تدخل وترى ما

لم يكن ضمن الأشياء الكثيرة التي تغيرت في هذا المنزل .. أيختار

قتلها بهذا أم تعذيبها فقط فحتى أغلفة الوسائد هي ذاتها لازال

الحرف الذي خطته بقلمه على إحداها تكاد تراه من هنا موجودا

بعد كل هذه الأعوام ، سحبت نفسا عميقا لصدرها ثم فتحت

عينيها وتحركت من هناك فهي لم تدخل لهذا المكان لتتخاصم

وذكراه في داخلها فكل ما حدث هنا سيدفن للأبد ... أجل ستدفنه

مع جراحها مع حبها الغبي له مع الماضي ومع سنوات عمرها

التي أضاعها منها .

توجهت جهة الخزانة الواسعة أولا وبدأت بفتح أبوابها الواحد تلو

الآخر ولا شيء سوى ثيابه المرتبة التي رفضت لمسها ليس

خوفا من أن تبعثر ويكتشفها بل من أن تتبعثر هي فليست على
استعداد لأن تواجه صدمة عنيفة في ضعفها أمامه والذي ترى

بأنه بدأ يتلاشى ما أن أصبحت هنا فيكفيها غباء حتى هنا يكفي ،

فتحت أدراج طاولة التزيين ولا شيء سوى أغراضه أيضا

وأوراق كثيرة ما قرأته منها لا يعنيها في شيء ، توجهت جهة

خزانة الأسلحة ونزلت للدرج السفلي فيها والذي رأته سابقا يغلقه

بالمفتاح على الدوام وما أن دفعته نحوها انفتح فورا فتمتمت

بانتصار وهي تفتحه أكثر

" صدق من قال اجعل من الجميع عدوا لك ولا تثق بأحد "

فتشت فيه سريعا ثم ضربته بغضب ووقفت فما تبحث عنه ليس

هنا أيضا ومن الطبيعي أن يكون كذلك لكن كان ثمة أمل لديها بأن

تجد وإن وثيقة أو أي دليل مشابه .

توجهت جهة باب الغرفة لتغادر فأوقفها مكانها صوت رنين

هاتف ارتفع عاليا في صمت المكان فنظرت حولها باستغراب

فلما يترك هاتفه هنا ويغادر ! حمقاء هل سيملك مثلا هاتفا

واحدا ؟

فتشت بنظراتها قبل أذنيها عن مصدر ذاك الرنين واكتشفت

بأنه خارج من المكان الوحيد الذي لم تفتشه وهي إحدى طاولات

السرير فتوجهت نحوها فورا وفتحت الدرج الذي انصاع لها فورا

كباقي تلك الأدراج وأخرجت الهاتف الذي توقف رنينه حينها

ونظرت باستغراب لعدد تلك المكالمات التي لم يجب عليها وكانت

جميعها من ذات الرقم ! هو كان هنا قبل قدومها بوقت على ما

يبدوا أي سمع رنينه ويعلم بأن صاحبه يتصل ولا يجيب ! عادت

بنظرها للرمز الذي يسجله به واستوت واقفة تنظر له بصدمة

وهي تلحظ حينها فقط ما خصص له وكان ( g _ london )

فشعرت بما يشبه النيران تسري في عروقها في شرايينها بل وفي

مسامات جلدها وتفكيرها يأخذها لشخص واحد وكأنه لا أحد يحمل

حرفا يشابه هذا الحرف في العربية غيرها ! لكنه حدس الأنثى ..

أليس يقولون بأنها تتنبأ بذاك الخطر المتعلق بزوجها ؟ أجل هي

تشعر به الآن وقويا جداً .

قادتها جميع شياطين الأرض حينها لفكرة واحدة وهي أن تجيب

ما أن عاد الرقم لاتصال مجدداً ... لا يهم إن كان تخمينها صحيحا

أم لا المهم أن تعرف وأن تتأكد أكثر مما هي واثقة أساسا منه ،

أليست تبحث عن دليل ؟ ها قد جاءتها الفرصة فلتستغلها

لصالحها .

ضغطت على أيقونة الإجابة ولم يعد يمكنها السيطرة على ذاك

الإرتجاف الخفيف في أصابعها وهي تضع الهاتف على أذنها

وأغمضت عينيها بقوة ودون شعور منها ما أن أصاب ذاك

الصوت الأنثوي الإنجليزي المندفع قلبها قبل سمعها

" مطر لما لا تجب على اتصالاتي ؟ هذه أنا جيسي أو لنقل

غيسانة كما تصر ومؤكد تعلم بأنها أنا فهل هذا ما أنتظره منك

أن تتخلى عني ولا أحد لي غيرك وأنت تعلم ذلك جيدا ؟ "

لم تستطع التي تثبت نفسها بطاولة السرير تمسك أصابعها

بحافتها كي تتوازن أن تقول أي كلمة وما الذي ستقوله مثلا أمام

ذاك الطوفان القاسي من الحقائق الذي ضربها بعنف ودفعة واحدة

وذاك الصوت الذي تعرفه جيدا وانغرس في روحها لأعوام

وطاردها كالأشباح لازال يصلها بتلك النبرة الشبه باكية

" قسما أني أحبك يا مطر ولا أفهم ما هذا الدليل الذي تبحث عنه

لتقتنع بذلك ؟ لا يمكنني أن أكون كما تريد لكن بإمكانك تقبلي

كيفما أكون من دون أن تظلمني هكذا وكما كنت دائما ، لو أفهم

فقط ما جعلك تتغير ناحيتي قبل سفرك ؟ مطر تحدث بل تعالى

وجد لي حلا بسرعة قبل أن أقتل نفسي "

وحين لم يصلها أي رد ممن ظنته صاحب الهاتف انتابها الشك

فذاك العقل الأنثوي يعلم جيدا بأنها ليست عادة ذاك الرجل الذي

عرفته لأعوام مضت هناك فهو إما أن يتحدث أو لا يجيب أساسا

! فلم يتعسر عليها فهم أنه ليس هو من فتح الخط ولم يحتج الأمر

لأي ذكاء لتعلم من سيكون في الطرف الآخر فلا امرأة أخرى

لدى ذاك القديس ولن تنتابها الشكوك في أنهما لن يكونا معا الآن

، أجل فوحدها من يعاني لكن ذلك لن يستمر ، كيف وتلك

المراهقة المتمردة الرافضة لواقعها لازالت تسكن داخلها وتسيطر

عليها بل وتدفعها كالعادة للتهور دون تفكير في النتائج ولا

يحركها سوى شيء واحد اسمه الإنتقام متى ما سنحت لها

الفرصة والثأر لتلك النفس المذنبة فلم تترك يوما أي فرصة تصل

لعقر نفسها الحاقدة ولا تستغلها أفضل استغلال فهي ومن وجهة

نظرها المحدودة الطرف المظلوم في عالمها دائما فلتقتص لنفسها

لما وحدها من تعاني ؟ وبما أن من في الطرف الآخر لم تتحدث

فهذا يعني أمرا واحدا فقط بأنه وكما تعرفه لن يكون أخبرها عن

وجودها فتحرك ذاك الشر اللزج الموجود وسط فكيها فورا يدفع

بتلك الكلمات الغاضبة ودون رحمة أو تأني تصيب به هدفها

وببراعة

" مطر لا تتعامل معي بهذا الأسلوب الذي تستخدمه مع جميع

نسائك فأنت تعلم جيدا بأني لست كأي واحدة منهن ، لا يعنيني

قولك بأنها مجرد فترة وسترجع ونرجع كما كنا فهذا لا يكفي ،

أعلم بأنك لا تكذب لكني مللت وأنت تعلم جيدا بأن الملل يدمر

العلاقات وهذا كان سبب فشلها جميعها سابقا فأنت لا تتوقف عن

جعل النساء يصبن بالملل ليبتعدن عنك من تلقاء أنفسهن كلما

أردت التخلص من إحداهن لكني لست أي امرأة وأنت من اعترف

بذلك سابقا وبلسانه "

" مطر أجب لما لا تعترف بالحقيقة ؟ تحدث هيا "

كانت تعلم بأنه لن يجيب وبأن ابتسامة الانتصار تلك لم تستنزفها

شفتيها عبثا فقد أصابت هدفها وبأقوى مما قد تتوقع وتلك

العينان السوداء المغمضتان لم تستطع أسوار رموشها العالية أن

تمنع تلك القطرات المالحة من اجتياز حصونها العالية وذاك

الجسد يتلقى الصفعات المتتالية بدفاعات هشة حتى كان سيهوي

للأرض مرارا تحاول صاحبته التمسك بذاك الخشب المصقول

فرغم سماعها لصوتها سابقا واعترافه إلا أن معرفة تفاصيل

الأمر هكذا كان أشد وجعا وأقسى مما كانت تتصور فها هو الأمر

لم يقتصر على امرأة واحدة وخيانة واحدة والتي نفاها سابقا

وهو من اعترف بها أمام الجميع لكنها حمقاء ... أجل هي

الحمقاء فقد اعترف لها أيضا وفي ذات المكان الذي حاول تبرئة

نفسه فيه .. ألم يقول وبكل وقاحة
( هي لم تخني يوما بل أنا من كنت أجرحها بذلك )

وغفلت عن فهمها حين اكتشفت بأنه عناها هي بتلك المرأة فهو

عنى نفسه بالخائن أيضا .

أنزلت الهاتف من أذنها وأغلقت الخط ورغم ارتجاف أصابعها كما

قلبها وكامل جسدها كتبت رقمها في تلك الشاشة التي بالكاد

تراها من بين كل تلك الدموع واتصلت به ليظهر الرقم عندها ثم

أرسلت التسجيل ومسحت أثار كل ما فعلته وأعادت الهاتف مكانه

وغادرت الغرفة ، لا تريد أن تقول بأنها نادمة على دخولها هناك

فبعض الصدمات تفيدك بقدر ما تدمرك وها هي حصلت على

مبتغاها وطلب صغير من وزير العدل ستسحب المكالمة من ذاك

الرقم كتأكيد كما سحبت سابقا تلك المكالمة على خط منزلها

الثابث .

وما أن وصلت غرفتها وأغلقت بابها خلفها انهار كل ذلك وهي

تلقي بجسدها على خشبه البارد خلفها تمسك عبرتها الباكية

بيدها ونزل ذاك الجسد المنهار للأرض ببطء تكاد تفتت تلك

العبرات أضلعها الهشة وقبضتها تضربهم بقوة وكأنها تذكرهم ...

ها هو من تمنيتم حضنه ومن ارتجفتم لأعوام شوقا له ها هو

احتوى وعرف غيركم الكثيرات وكذب حين قال بأن أضلعه تلك

رفضته هو نفسه طلبا لكم ... كاذب أجل وكذب في كل شيء .

عادت لضرب تلك الأضلع بقبضتها صارخة ببكاء

" فعلها من عاش هنا يا رب ولم أستطع أنا ... قتلني مرارا ..

ذبح روحي المعلقة به "

انحنت نحو الأسفل قليلا وضربت بقبضتها على قلبها وصرخت

بنحيب موجوع

" لماذا لا يشعر بما يوجد له هنا لماذا ...؟ "

ودفنت وجهها ودموعها وعبراتها في كفيها قبل أن ترفع شعرها

بأصابعها تمسك رأسها بهم بقوة دموعها تتقاطر على الأرض

تحتها تشعر بأنها وهي سواء لا تجديان سوى لتحمل أرجل

البشر .

" أمي ما بك ؟ أمي افتحي لي الباب أرجوك .... "

سجنت عبرتها وبكائها بأناملها ما أن وصلها ذاك الصوت الباكي

من خلف الباب والذي تابعت صاحبته بذات بكائها ورجائها

الكسير

" أمي يكفيك بكاء لا تعذبيني معك أرجوك ... أمي .... أميييي "

ونزل ذاك الجسد الصغير من خلف ذاك الحاجز الخشبي الأصم

للأرض أيضا تبكي صاحبته معها وإن كانت تجهل السبب إلا أن

الشعور واحد والسبب واحد وهي تدركه جيداً فلا شيء يبكي أنثى

ابن شاهين غير الجراح التي تتخطى حدود الصبر والتحمل

والصمود .

*
*
*



شد أصابعه وقبضته المستند بها على النافذة أمامه تراقب عيناه

ونظراته انحسار الشفق في الأفق البعيد وقد رفع يده الأخرى

لياقة سترته السوداء المغلقة على جسده وصدره العريض ودس

أصابعه وكفه تحتها ببطء وصولا لذاك المسجون وسط أضلعه

وشدهم عليه بقوة واحترقت تلك الأحداق المعلقة في البعيد

ليشوب جفناها الاحمرار المشابه لذاك اللون المسافر في الأفق

ولمعت الأحداق السوداء الواسعة ببريق خفيف وأصابعه تشتد

أكثر على ذاك النابض هناك ... مختنق ومحتاج ولا أحد يشعر

بما يوجد هناك يعتصر وسط أضلعه يستنزف آخر ما تبقى منه

وهو من يدفع وحده ثمن التضحيات .. ثمن الحرمان الإجباري

والموت وحيداً وعدواً للجميع وحتى نفسه .

اشتدت أصابعه أكثر على ذاك الجزء النابض فيه وكأنه يقتلعه

من مكانه .. لا يمكنه توقع طعنة منها هنا .. لا لن تفعلها ليست

غسق هكذا أبداً ، مكالمتهما كانت رسمية وعادية هي لن تكافئك

بذلك لا يا مطر فلا تخطئ مجددا لتكون ضحية لجبران جديد ،

أنت تثق بها ولن تفعلها ابنة دجى تربية شراع مستحيل ..

هذا فقط لتشعر بما قاسته هي بسببك وهي تظنك تخونها ،

ضرب بقبضته على الزجاج هامسا بغضب من بين أسنانه

" لكني كنت مجبراً ... "

وضرب بقبضته الأخرى على صدره حيث يخفيها هناك تحت

سترته جهة الذي ارتفعت نبضاته مع كلماته الحانقة

" كله بسبب هذا ... ليته يموت "

وانحسر الألم والحرقة في تلك الأحداق التي لونها بريق انحباس

الدموع فأخفض رأسه ممررا أصابعه في شعره الذي انزلق من

بينها يرثي تبلل تلك الرموش المشابهة له في كل شيء فما

أقسى الطعنات في كبرياء الرجل .

مسح وجهه مستغفرا الله بخفوت والتفت للباب الذي انفتح بعد

طرقتين متتاليتين ودخل منه الذي أغلقه بعده قائلا

" جيد أني وجدتك هنا "

التفت له بكامل جسده وقال

" تأخرت كثيرا يا قاسم ...! "

رفع يديه قائلا

" شقيقتك لم تتركني أغادر بسهولة ولولا إصراري كنت

لن أرجع قبل الصباح بسبب عنادها "

ابتسم له ولم يعلق بل ويفهم جيدا عما يتحدث وكيف يكون عناد

ابنة شاهين تلك فقال بعدها وبجدية

" ماذا حدث معك ؟ هل قالت شيئا مفيدا ؟ "


أشار برأسه جهة الباب خلفه وقال

" لقد جلبتها معي "

نظر له باستغراب قائلا

" جلبتها هنا !! "

أومأ إيجاباً وقال بجدية

" أجل فتلك الخادمة لديها ما قد يهمك معرفته وأردتك أن

تتحدث معها بنفسك "

تحرك من فوره مجتازا له وتبعه هو مغادران من الباب الذي

فتحه على اتساعه وهو يخرج من هناك مسرعا وقال السائر

خلفه يجاري خطواته الواسعة

" إنها في مكتب تميم "


وسار خلفه مجتازان الرواق الطويل حتى كان عند باب المكتب

المقصود وأدار مقبضه على صوت الداخل خلفه

" إنها خائفة يا مطر فاستجوبها بالرفق "

وما أن دخل وجد أمامه المشهد الذي تحدث عنه تماما وتلك الفتاة

القصيرة النحيلة منكمشة على نفسها في الكرسي الجلدي تبكي

وجسدها بأكمله يرتجف والواقف أمامها يمسك كوب ماء ملامحه

الحانقة كانت أكبر دليل على ما سمع فاقترب منهما وسحب

الكرسي الآخر أمام المكتب وجلس عليه مقابلا للتي لم تزدها

رؤيته سوى بكاء وانكماش على نفسها فنظر جهة الواقف عند

الباب الذي أغلقه بعد دخوله خلفه وقال بضيق

" ما بها مرعوبة هكذا يا قاسم ! أي أسلوب هذا الذي

استخدمته معها ؟ "


فرد كفيه قائلا

" لم أفعل شيئا سوى أني سألتها "

وتابع وقد دس يديه في جيبيه

" كما أن شقيقتك كانت معنا لكنها في حال مزرية منذ ليلة

الحريق كما قالت جوزاء وكما هو حال زوجة أبان التي لم

تغادرها الكوابيس للآن كما قالت عنها وهذه الفتاة تظن

بأننا سنتهمها بما حدث وترفض الاقتناع "


التفت جهة الواقف خلفه وأخذ منه كوب الماء ونظر مجددا للتي

كانت تحضن نفسها باكية تنظر له بخوف وقال بهدوء

" ألا تثقين في مطر شاهين ؟ "

رفعت كفها المرتجف ومسحت بظهره وجنتيها المليئتان بالدموع

وحركت رأسها إيجابا فمد لها كوب الماء وقال

" أمسكي هذا إذا وأنا أضمن لك أن تخرجي من هنا ولن تنامي

الليلة إلا في منزل جوزاء اتفقنا ؟ "

مدت أصابعها المرتعشة وأمسكت الكوب الذي بالكاد استطاعت

إيصاله لشفتيها وشربت منه ببطء والمياه تنزلق منه لذقنها

بسبب ارتجاف يدها فوقف وانحنى جهة الطاولة يمينه وأخرج

مجموعة مناديل من العلبة المذهبة الأنيقة ومدهم لها وهو

يجلس مجددا فأخذتهم منه فورا وانتظرها هو حتى مسحت فمها

ودموعها بل وهدأت قليلا فنظر الواقف فوقه جهة الواقف عند

الباب والذي ابتسم له فورا محركا حاجبيه مع رأسه للأعلى بشكل

خفيف فضحك ذاك بصمت وأشار للجالس أمامه برأسه وكأنه
يقول له تعلم كيف تتعامل مع النساء يا جاهل والحديث كان عن

كليهما فابتسم له رافعا كتفيه وكأنه يقول له لن تستطيع فعلها

مثله فحتى الصخور في تلك البلاد تثق به وعاد بنطره للتي شربت

آخر ما في الكوب ووضعته على الطاولة بجانبها فقال الجالس

أمامها وقد اتكئ بمرفقيه على ركبتيه ناظرا لها

" أخبريني الآن بكل ما تعرفينه وما حدث وأنت في ذاك المنزل "

عادت الدموع للتكدس في مقلتيها المحتقنه من كثرة البكاء

وقالت بصوت مرتجف

" هي السبب في إحراق المنزل سيدي كما مخزن الأعلاف أيضا

وهي من اتهمت يمامة بفعلها فضربها والدها بسوط الأحصنة قبل

احتراق المنزل بيومين "

استوى جالسا ينظر لها بصدمة وقال

" لم تخبرني جوزاء بهذا !! "

ارتجف جسدها وشدت على قبضتيها في حجرها بقوة وقالت

بعبرة مكتومة

" لا تخبرها أني أخبرتك سيدي أرجوك فيمامة من رفضت

أن يبلغ سيدي أبان عنه كما أن السيدة جوزاء عارضته أيضا

من أجل سمعتها هي وشقيقها "


مرر أصابعه في شعره متنهداً بضيق وقال منزلا يده

" لما تفعل تلك المرأة ذلك ألا فكرة لديك ؟ لقد أرسلت لاستجوابك

من أجل ذلك فقط وجنبتك أقسام الشرطة وضباط التحقيقات

وأرسلت قريبي وقريب جوزاء من أجل ذلك فقط وبما أن قاسم

جلبك هنا فما لديك لا يستهان به بالتأكيد "

أخذت المناديل الجديدة التي مدها لها تميم ومسحت عيناها

ووجنتيها مجددا وأنزلت يدها ونظرها معها لهما في حجرها

وقالت من بين شهقاتها المتفرقة

" سمعتها مرة تتحدث مع أحدهم عبر هاتف المنزل وكان رجلا

أنا متأكدة من ذلك ، كانت خائفة منه ويبدوا بأنه يهددها وكانت

تتحدث عن يمامة ويمان .. كان صوتها منخفضاً ولم أسمعها

جيدا لكنها كانت غاضبة من تهديده لها "

نقل نظراته المصدومة منها للواقف عند الباب والذي حرك رأسه

إيجابا فعاد بنظره لها وقال

" متى كان ذلك أتذكرين تحديدا ؟ "

رفعت نظراتها الدامعة له وقالت

" قبل احتراق المنزل بيوم واحد فقط "

شرد بنظره للبعيد قليلا قبل أن ينظر لها مجددا وقال

" من يزورهم ؟ هل ثمة رجل يتردد على المنزل وإن كان

يقرب لها ؟ "

حركت رأسها بالنفي قائلة " لم يحدث ذلك أبدا فترة وجودي

هناك ، لا يزورهم أحد سيدي "

قال من فوره

" هل لاحظت عليها أمراً مريبا كخروجها من المنزل مثلا ؟ "

حركت رأسها بالنفي وهمست ببحة

" لا سيدي لم أراها غادرت لوحدها أبدا "

وقف على طوله ونظر للواقف خلفه وقال

" تميم أرسل معها من يعيدها للحميراء حالا "

فتحرك من خلفه فورا وتوجه نحوها وما أن وقفت سار جهة

الباب وهي تتبعه وخرجا فأغلق الواقف هناك الباب خلفهما

ونظر للذي كان ينظر للأرض بتفكير وأصابعه تتخلل لحيته

وصولا لقفا عنقه وقال

" ما رأيك فيما قالت ؟ "

نظر له وقال

" أتظن أنه ثمة صلة بينها وبينهم ؟ "

حرك رأسه بحيرة وقال

" لن نتكهن بأي شيء ولن نأخذ حديث تلك الخادمة على محمل

الجد أيضا كما لن نستبعد أن تكون أصابت السمع "

تحرك جهة النافذة ووقف أمامها ينظر للظلام الذي زحف للسماء

بصمت شاركه فيه من تركه خلفه فهو يعرفه جيدا حين يختلي

بنفسه هكذا سيكون يدرس أبعاد قرار ما كما يعلم جيدا بأن تبعات

ما يظن لن تكون سهلة أبداً إن صدق وكان ثمة صلة بين تلك

المرأة وعائلة غيلوان أي أن شقيق الفتاة أيضا سيكون في خطر

ولن يستطيع حمايته ولا الاقتراب منه وهو يعيش بينهم وزوجته

منهم أي أنه محاصر تماما وها هو عبء جديد يضاف على كاهله

وشخص آخر سيحاسب هو عليه إن أصابه أي مكروه وسيقف

أمام عمه ذات الموقف في حالة زيزفون وشقيقها ، وهذا وهو لم

يعلم بعد عن تعرض ابنة شقيقته للضرب ومحاولة القتل محترقة

لكان نفث نيران غضبه به بكل تأكيد فهو يراه السبب في

انعزالهم عنه ، قال حين طال صمته

" أرى أن استجوابها هو الحل الأنسب بما أن تلك الخادمة تتهمها

بإشعال الحريق بعيدا عن تلك المكالمة وبالقليل من الضغط ستقر

بكل شيء وأنت تعرف النساء جيداً أثناء التحقيق"

التفت له وقال

" سنراقبها أولا لا نريد أن نفقد خيطا مهما كهذا فيبدوا أن

المستهدف ليس عمي دجى وسلالته فقط كما كنا نظن إن صدقت

تلك الخادمة وكانت زوجة والدهم متفقة مع أحدهم لقتل الفتاة فلن

نستبعد أن تكون صلتها بشخص مجهول أو مجرد حلقة وصل

لشخص آخر فعلينا أن نعرفه قبل أن يعلم عنا "

أومأ إيجابا ولم يعلق فعليهم بالفعل محاولة الوصول لسيدها ذاك

قبل أن يشعروا بالخطر ناحيتها ، نظر للذي تحرك من هناك وقال

موقفا له قبل أن يخرج

" مطر ماذا فيما تحدثنا عنه سابقا ؟ "


وقف ونطر له عاقدا حاحبيه وقال

" عن ماذا تحديدا فنحن نتحدث كل يوم ؟ "

رفع نظره للأعلى قليلا متنهداً بضيق وقال ما أن عاد به له

" من الطبيعي أن لا تعلم عما تحديداً فأنا الذي يحترق بانتظاره

وليس أنت ولا ابنتك التي تمرجحني بصمتها حتى الآن "

خرجت منه ضحكة صغيرة وقال

" نفذ صبرك بسرعة هكذا يا ابن عمتي ! "

حرك رأسه بالنفي بضيق وقال

" هي ليست موافقة أو رفض يكون هذا ؟ لما لا تقلها لك مباشرة

وبأنها لا تريدني ؟ ما نفع المماطلة "


ابتسم ولم يعلق قبل أن يقول بجدية مبتعدا عن تلك النقطة

" علمت من عمي صقر أنها زارت منزلك معه فلما نقضت

الاتفاق يا قاسم ؟ "

نظر له بصدمة وقال

" وما الذي فعلته ينقض ذاك الاتفاق ! أنا لم أطلب منه جلبها

لمنزلي ولم أتحدث معها عن الأمر كما طلبت "


نظر له بشك وقال

" لم تتحدث معها مطلقا ؟ "

تنقل بنظره بين عينيه بتردد وقال بتوجس

" ما الذي تريد الوصول له تحديدا يا مطر ؟ "

حرك رأسه كأمر قاطع وقال

" أريدك أن تشرح لي لما عادت للمنزل باكية وما قلت لها في

مطبخ منزلك جعلها تغادر فورا ؟ "

نظر له بصدمة سرعان ما انقلبت للضيق وقال

" ولما لم تسأل من نقل لك كل تلك الأخبار ؟ "

وراقب بتوجس الذي دس يديه في جيبي بنطلونه قائلا بجدية

" أخبرني يومها بأنه سيأخذها معه من منزل والدتها لترافقه

لمكان ما مهم ولو كنت أعلم بأن مقصده منزلك ما وافقت "

زم شفتيه قبل أن يقول بحنق

" مطر أنت لا تثق بي أم لا تثق بوعودي ؟ "

اقترب منه ولكم كتفه بقبضته قائلا بحزم ونظره على عينيه

الغاضبة

" لا أثق بك واسلمك ابنتي يا أحمق ! لا أثق بك وأتركك في

منزلي الغير مراقب وأنا أعلم بما حدث بينكما في لندن ! كيف

سأكون أثق بك مثلا ؟ "

تنفس بقوة وقال

" ما سر كل هذا الاستجواب إذا ؟ "

استدار موليا ظهره له وقال ببرود

" أنا سألتك ولم أستجوبك "

قال الواقف خلفه بعد صمت لحظة

" سأعتبره سؤالا رغم أنه لا يشبه الأسئلة أبدا وجوابي عليه

أني لم أتحدث معها بخصوص الأمر كما وعدك .. قسما يا مطر "

استدار ناحيته مجدداً وقال بجدية

" ما الذي حدث إذاً ؟ "

رفع كفيه جانباً وقال بأسى

" بالله عليك يا رجل ما الذي سأقوله لك ؟ "

أهداه ابتسامة جانبية قبل أن يضرب كتفه بقبضته مجدداً وقال

" كنت تمارس إذاً أساليب الضغط عليها يا رجل مطر شاهين

يا منحرف ؟ "

أبعد يده عنه مبتسما وقال

" مطر توقف عن استفزازي وأخبرني الآن ما كان جوابها

يكفيني انتظار لقد أتلفت أعصابي بل وروحي أيضا "

ربت على كتفه مبتسما وقال مغادراً

" سأتحدث معها غدا وآخذ رأيها وتحمل وحدك نتائج

استعجالك "


نظر له باستغراب وهو يجتازه وخرج خلفه قائلا

" هل ستتركني أنتظر عاما كاملا مثلا ؟ اقسم أن أختطفها من

منزلك وأهرب بها حينها "

قال بضحكة خفيفة وهو يدخل مكتبه الواسع ناظراً للذين تجمعوا

فيه وقت غيابه هناك

" بل حتى أعلم أمرا مهما .... "

والتفت له وتابع ضاربا على صدره بسبابته والوسطى جهة قلبه

" وبأن ما هنا مماثلا لما هناك ولا أظلمها فهي وحيدتي "

وتركه وتوجه جهة الذين ينتظرونه جهة مكتبه ونظره يراقبه

وقد تمتم متنهدا بأسى

" ما أتعسه من حظ هذا الذي أوقعني على وحيدة مطر

شاهين تحديداً "


*
*
*


نزل من السيارة وأنزل الكيس الذي أحضره معه وأغلق الباب

وسار حيث باب المنزل الذي لا يمكنه أن يركن السيارة قريبا منه

بسبب صهريجا الماء الموضوعان هناك وما أن وصله فتح القفل

وسحب السلسال من الباب بحركة بطيئة تشبه إرهاقه والتعب

الذي يتسلل لجسده فهو قضى يوما كاملا تقريبا في السيارة

نصفه جالس في المقعد الخلفي يقودونها به والنصف الآخر هو

السائق ، فتح الباب ودخل وأغلقه خلفه وما أن خطى نحو الداخل

عدة خطوات حتى وقف مكانه ما أن وقع نظره على الجالسة

على عتبة باب الغرفة متكئة برأسها وكتفها على إطار الباب

ونائمة تجمع كفيها في حجرها والهواء يتلاعب بخصلات من

شعرها المتموج الطويل وجنتاها محمرتان بشدة ورموشها مبللة

بالدموع التي يبدوا أنها تسقيها بسخاء حتى وهي نائمة ، اقترب

منها إلى أن وصل عندها ونزل لمستواها ورفع يده لوجهها وما

أن لامست أطراف أصابعه وجنتها شعر بالبرودة تسري ليده

فجسده تباعا وكأنها لسعة كهرباء فقبض أصابعه مبعدا لها ونزل

بيده لكتفها وحركه بالرفق قائلا

" مايرين استيقظي"

فارتفعت تلك الأجفان الواسعة ببطء حتى كشفت عن الأحداق

الخضراء التي تخفيها خلفها قبل أن يصله دفء أنفاسها ما أن

أبعدت شفتيها وخرج همسها الخافت

" يمان أنت عدت ؟! "

ارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتيه وقال

" بلى ولست تحلمين "

أجفلت حينها مبتعدة عن إطار الباب وأمسكت ذراعيه تنظر

لجسده وكأنها تبحث عن شيء ما فيه بل ذلك ما كان يحدث فعلا

فلم تستطع استيعاب أنه عاد لها فعلا وأنهم لم يسرقوه منها

كجميع أحلامها السابقة .. بأنها فعلا لم تخسره وللأبد ... لم

تخسر ما ظنت بأنها حسدت نفسها عليه ولن تجد نفسها في

الشارع بعد يوم أو يومين لأنها خسرت أمانها الوحيد وستخسر

بالتالي مستقبلها بأكمله معه ، ما أن عادت بنظرها صعودا

لوجهه ورأت تلك الابتسامة تزين شفتيه رفعت يدها لوجهها ببطء

وغطت شفتيها بأناملها البيضاء وأغمضت عينيها قبل أن تنهار

باكية بنحيب ونزلت برأسها للأسفل فنزل الجالس أمامها بركبتيه

على الأرض وأمسك رأسها وأنزل رأسه لمستواها يحاول فقط أن

يجعلها تنظر له قائلا

" مايرين لما البكاء الآن ؟ ثم وتنامين على عتبة الباب والجو

يبرد ليلا ! لما هكذا ؟ "

وحين لم تعلق بشيء ولم يتغير لا وضعها ولا حالتها تلك حضن

رأسها بيديه أكثر ورفعه ببطء وقبّل جبينها ورفع وجهها له أكثر

حتى ظهرت له عيناها الباكية وقال بعتاب

" ألم أعدك بأني سأعود أو سأرسل من يخرجك من هنا ؟

ها أنا بخير أمامك "

وبرزت أسنانه البيضاء المصفوفة وهو يبتسم قائلا

" أم تخططين لأن تمرضي لتجعليني أستلف مجددا من أجل

علاجك "

ارتمت حينها في حضنه ودفنت وجهها في صدره باكية فجلس

على الأرض بشكل كامل وضمها له وتركها تبكي في حضنه فهو

يعلم بأن هذا ما تحتاجه الآن والأمر الوحيد الذي يستطيع توفيره

لها لأنه لا يحتاج لمال ولا لنفوذ لا قوة ولا أي شيء مما لا يملكه

ولن تجده لديه .

تركها حتى هدأت قليلا ثم مسح على شعرها وقال بهدوء

" مايرين أنا لم أنم ليومين وجائع حتى الموت فهل سيطول

عقابك لي هكذا حتى يغمى علي ؟ "

وابتسم ما أن ابتعدت عنه ووقفت تمسح دموعها وتوجهت جهة

المطبخ بخطوات سريعة قائلة ببحة بكاء

" سيكون الطعام جاهزا ما أن تستحم "

راقبها حتى اختفت عنه خلف الباب ووقف حينها ودخل الغرفة

يحمل الكيس الذي أحضره معه حتى وصل الخزانة وفتحها ثم

فتحه أخرج القميص القطني والبنطلون المريح اللذان اشتراهما

لينام فيهما بدلا من النوم بالقميص الداخلي لأنه لا يستطيع النوم

بقميصه المزرر وليرحمها من مقابلة الجدار طوال الليل خجلا منه

، لف الكيس وما تبقى فيه وهو الغرض الذي أحضره لها ولن

يستطيع إعطائها إياه ويعلم بأنها ستحتاجه خلال أي فترة من

الشهر ولن تستطيع أن تطلبه منه وبهذا سيختصر الإحراج على

كليهما ، وضعه فوق ثيابها وأغلق الخزانة وخرج من الغرفة

متجها للحمام ، وقف مكانه منتصف المكان ونظر يمينا وحرك

رأسه مبتسما قبل أن يغير سير خطواته جهة ذاك الصوت الباكي

خلف الجدران الطينية وما أن وصل لباب المطبخ وقف ينظر للتي

كانت تقف جهة الموقد حيث الإناء الذي تصعد منه الأبخرة تمسك

فمها وعبراتها بيدها وارتفعت يداها لشعرها ورفعته عن وجهها

هامسة ببكاء ورجاء حزين

" يا رب احفظه من أجلي يا رب فلا أحد لي بعدك غيره "

فابتسم بحزن يراقبها تمسح الدموع التي ترفض التوقف شهقاتها

المتتالية تكاد تفقدها التنفس وكان سيتحدث ناهيا لها بمزاح

خفيف لتتوقف ولا تفاءل عليه بالموت لكنه تراجع في آخر لحظة

وابتعد تاركاً إياها مع دموعها وقرر أن لا يخبرها حتى بأن

شقيقها لازال على قيد الحياة وأنه قد يعود في أي لحظة فمن

وصلت للحال الذي وصلت له من هموم وحزن وخوف من فقدان

حتى من ارتبطت به من أيام فقط كي لا تضيع بعده لا يستحق أن

يكون شقيقا لها ولا أن تعلق آمالها عليه .. رجل كرس حياته

لأجل أبناء الوطن وترك من تحتاجه أكثر منهم فهناك ثمة

الكثيرين يغطون مكانه لكن هنا وفي حياة هذه الفتاة فلا يوجد

أحد يأخذ مكانه وهو يتركها للضياع وللعذاب من كل من عرفتهم

بعده لينتهي بها الأمر مرمية في الشارع .

دخل الحمام مغلقا بابه خلفه وفتح صنبور مياه على أقواه نزع

ثيابه ووقف تحته وأغمض عينيه منزلا رأسه للأسفل تنساب تلك

المياه من شعره لوجهه يتنفس معها بصعوبة يحاول فقط أن لا

يفكر مثلها ومثل ذاك العظيم الذي لن ينسى لقائه به ما عاش

بأن الخطر محدق به من كل اتجاه بسبب وجوده هنا بين هذه

القبيلة والعائلة تحديدا فما الذي لديه يحاربوه من أجله ولا

عداوة مطلقاً بينهم ! حتى أنهم لم يسألوه إن كان رأى ذاك

الشاب أو ساعده على الفرار رغم أنهم كانوا يطاردونه هنا

ولا سيارة لغيره خصوصاً أن أويس تلك الليلة لم يكن هنا .

مسح وجهه من المياه التي سلبته أنفاسه تماما ولازال تحتها

قبل أن يثبت يده على الجدار ناظرا للأرض ونزلت دموعه رغما

عنه مع تلك المياه المنسابة من ملاحه ما أن ظهرت صورة

شقيقته أمامه ... كم يشتاق لها لرؤيتها لسماع صوتها الرقيق

الهادئ ولسماع ضحكتها الرقيقة المنخفضة لكنه لم يملك الجرأة

بعد لفعلها فما أن يراها سيتذكر خذلانه لها وتخليه عنها يتخيلها

وسط تلك النيران تناديه والمؤسف أنه لم يكن هو من أنقذها

ولولا وصول ذاك الغريب عنها لماتت هناك محترقة تنتظر من

يفترض أنه من دمها ولحمها فما الذي قدمه هو لها غير

الخذلان وخيبات الأمل على امتداد الأعوام لم يفعل لها شيئا سوى

أنه شاهد عمرهما يضيع أمامه والنتيجة شاب فاشل مزارع وفتاة

جاهلة معذبة حتى ابتسامتها اليتيمة لا تشبه غيرها قد اعتصرها

الحزن والهموم وفي النهاية لم يكن من أنقذها ومن أخرجها من

ذاك المنزل والعائلة والوالد الذي عاملها والحيوانات في حظيرة

مزرعته سواء وكأنها ليست ابنته من دمه ومن صلبه دمرها أكثر

مما دمره هو الرجل ، بقي تحت الماء لوقت يشعر ببرودته

تتسلل لروحه يفكر في العبء الجديد الذي ألقي على عاتقه يتمنى

فقط أن لا يخذلها يوما وتجد هي أيضاً غيره بدلا من أن تجده .

" يمان الطعام جاهز اخرج قبل أن يبرد "

أغلق الصنبور ما أن وصله ذاك الصوت الأنثوي الذي يفصله عن

صاحبته باب حديدي أعلى وأمتن بكثير من الباب الموجود بينهما

وباختياره فأن يكون لهما حياة طبيعية كغيرهم وعائلة أمر

سيحتاج لقرار شجاع وخطوة واسعة نحو المجهول فمن الأفضل

أن يبقي تلك المسافة بينهما حتى تتضح خيوط مستقبلهما وواقع

كل واحد منهما على الأقل .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 21-03-18, 09:30 PM   المشاركة رقم: 1010
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,163
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


صعد السلالم يخرج مفاتيحه من جيبه لا ينتظر سوى أن يكون في

سريره فلم يكن يتوقع بأن يتأخر هناك حتى هذا الوقت ومن الجيد

أنهم أدركوا الكارثة قبل أن تتفاقم ويحترق المصنع بأكمله .

تباطأت خطواته وهو يصعد آخر العتبات ينظر باستغراب للواقفة

عند باب ملحقها بفستان طويل أزرق بدون أكمام ترفع شعرها

الطويل المموج للأعلى لينساب في لفافات متموجة على ظهرها

وكتفيها تمسك حقيبة زرقاء في يدها وما أن وصل للأعلى حتى

قالت من قبل أن يتحدث وابتسامة واسعة تزين شفتيها

" أريد أن أخرج ونسهر معا حتى الصباح "

وقف أمامها عند باب شقته ونظر لها نظرة شاملة وقال ببرود ما

أن عاد بنظره لعينيها الخضراء الواسعة

" أي صباح هذا وسهر ونحن مقربة الفحر الآن ! ثم هل أفهم

ما سبب هذا الاحتفال آنسة غيسانة ؟ "

أبعدت شعرها خلف كتفها وقالت بسعادة

" أجل معك حقد هو احتفال واحتفال مميز أيضا يشبه الانتصار

الذي سبقه "

نظر لها بصمت للحظة قبل أن يقول عاقدا حاجبيه

" أي مصيبة جديدة هذه التي تسببت بها ولمن لتحتفلي ؟ "

تبدلت ملامحها للاستياء وقالت

" وما الذي يمكن لسجينة بين أربعة جدران أن تفعله ؟

هو انتصار على الذات فقط "

نظر لها باستغراب قبل أن ينفجر ضاحكا ينظر للأعلى فقالت

بحنق ناظرة له

" وما الذي قلته يضحك ؟ "

أشار لها بسبابته وقال مبتسما بسخرية

" أنت تنتصرين على ذاتك ؟! لن يحدث ذلك إلا إن كانت

تحرضك على فعل الخير وتغلبت أنت عليها نهاية الأمر "

لوحت بالحقيبة في يدها قائلة بضيق

" وما السوء الذي أفعله ؟ أنا لا أؤذي إلا من يؤذيني وذاك

من حقي طبعا "

حرك رأسه بيأس منها وقال بجدية

" غيسانة عليك أن تعلمي بأن الفرص التي تقدمها الحياة

للشخص ليتغير ليست كثيرة ولا تتكرر دائما وأن الندم على ما

فات وما ضاع منا لا شيء أسوأ منه فلا تضيعي المزيد من ذلك

حتى لا يكون لديك أي مدخرات أكثر "

شخرت ساخرة قبل أن تقول بتملق

" يالك من واعض فاشل ! لما لا تطبق هذا على نفسك أولاً

ثم تشدق به ؟ "

حرك رأسه مجددا ولم يعلق بل استدار جهة باب شقته وغرس

المفتاح فيه فقالت ناظرة له بحنق

" لنخرج وإن الليلة فقط ما هذا السجن الإجباري الذي أعيش

فيه ؟ لما أنت فقط من يحق لك أن تخرج وتسهر حتى الصباح

ولا تأخذني معك كما تنص بنود عقدك السخيف ذاك "

أدار مقبض الباب وفتح الباب قائلا بضيق

" ادخلي لغرفتك ونامي ونفسي عليك طيبة يا غيسانة "

ضربت الأرض بحذائها العالي قائلة بحدة

" لن أدخل وسأخرج وإن لوحدي "

نظر لها ومقبض الباب لازال في يده وقال بتهديد غاضب "

عاندي وافعليها يا غيسانة وقسما ستري شاهر آخر لم تعرفيه

سابقاً "

وما أن أنهى عبارته الغاصبة تلك دخل ضاربا الباب خلفه بقوة

لم ينتظر ولا لسماع تعليقها الذي لم تهتم هي أيضاً إن سمعه

أم لا وهي تصرخ ناظرة للباب الذي أغلقه بعده

" وما هذا الشاهر الذى لم أراه سابقا ؟ لم تترك شيئا تهدد به

يا همجي "

وما أن أنهت صراخها الغاضب ذاك توجهت جهة السلالم ونزلت

بخطوات غاضبة ضاربة جميع تهديداته تلك عرض الحائط .


*
*
*


قفزت واقفة وابتعدت عن السرير تنظر بتوجس لباب الغرفة الذي

انفتح على اتساعه وكما توقعت كان الزائر الذي لا يغيب طويلا

منذ أن أصبح هنا وتعلم بأنه لن يتوقف عن كل هذا حتى يحدث ما

يخطط له ، لا تخشاه كما أنها لا تخشى الموت لكنها ترى شرا ما

يضمره في داخله .. في عينيه في ابتسامته وحتى في نبرة صوته

الخبيثة تلك ... لقد اكتسبت خبرة في كل هذا وتشعر بالخطر ما أن

يقترب منها .. ذاك الخطر الذي يحمل معناه الحقيقي الذي اختير

له وقد استحق الشعار الذي التصق به ، تراجعت للخلف خطوتين

حتى التصق ظهرها بالخزانة تنظر بجمود للذي أغلق الباب

واقترب منها بخطوات بطيئة تشبه جميع حركاته وكأنه فيلم ممل

يعرض بالبطيء فتعالت أنفاسها مع ارتفاع يدها لصدرها حتى

لامست أصابعها برودة ذاك المعدن النفيس والتفت حول الخواتم

الثلاثة وكأنها تستمد الحماية منها .. والدها والدتها وجدتها بل

وحتى ما تبقى لها منهم فقط وهو شقيقها الذي باتت ترى فقدانها

له أقرب من أي شيء والذي تراه السبب الوحيد في شعورها

الجديد بالتمسك في الحياة وإن لأيام حتى تراه ولو لمرة واحدة

أخيرة قبل أن يموت هو أو تموت هي .. لمرة واحة فقط تحضنه

فيها وتبكي في حضنه وإن كان جثة ميتة لا يشعر ولا يسمع .

راقبت نظراتها الباردة عينا الذي وقف أمامها مباشرة يديه لازالتا

سجينتا جيبي بنطلونه وقد انتقلت نظراته الساخرة من ملامحها

ليدها الملتفة حول ذاك السلسال في عنقها وتمتم بسخرية ما أن

عاد بنظره لتلك الاحداق الزرقاء الباهتة

" لما لا تناديه شخصيا فقد يأتي لينقذك مني ؟ "

لم تتخلى نظراتها عن البرود رغم التوجس الذي يسري في

جسدها وقالت بجمود

" تعلم مثلي تماماً بأنه سيفعلها فورا "

ارتد رأسه للوراء وكأن كلماتها صفعته وتلك الابتسامة الساخرة

لا تزداد إلا اتساعا وهو يقول

" لا تخفي علاقتكما المقززة إذا عكسه تماما ! "

تصلبت ملامحها وزحفت القسوة لها تدريجيا وقالت بفكين

متصلبين

" لأنك لن تصدق إلا ما تريد تصديقه فلما اتعب نفسي بالشرح ؟

ثم أنا لا يعنيني ما تفكر فيه فالحقيقة تتحدث عن نفسها والأغبياء

فقط من يحاولون التبرير "

أخرج يديه من جيبيه وصفق بهما أمام وجهها وقال بسخرية

لاذعة

" معلمة أنت لا تحتاجين لأستاذك ليكون معك "

تركت أصابعها السلسال من عنقها ببطء وقالت بجمود

" ماذا تريد مني ؟ "

راقبت نظراته يدها وتلك الخواتم تتحرر منها وقال ونظره عليهم

لم تتخلى شفتيه عن تلك الابتسامة الملتصقة بهما

" سؤال سخيف تسأله امرأة لزوجها أليس كذلك ؟ "

انقبضت أصابع يديها الملتصقتان بالخزانة خلفها وهمست مجددا

وبذات جمودها

" ماذا تريد ؟ "

انتقلت نظراته من السلسال في عنقها الثلجي لجسدها ولحركتها

تلك قائلا

" تعلمين جيدا ما أريده وما عليك موافقته "

تغيرت نظراتها الباردة للتوجس الذي لم يعد يمكنها إخفائه أكثر

فهي تعلم جيداً بأن أبناء هذه العائلة ممنوعون من شراء المنازل

المستقلة ولا الشقق أيضاً وبأوامر من جدهم ولهذا طلبت ذلك

من وقاص والذي فاجأها بأن وافق عليه فورا ! سحبت نفسا

عميقا لصدرها وقالت تحرره ببطء

" ولما تطلب هذا مني ؟ ألست قادرا على فعلها بنفسك !

ما نفع رأيي وموافقتي ؟ "

رفع يده لوجهها وأمسك بذقنها بحركة سريعة وقال وقد انقلبت

نظرته للحقد هذه المرة

" لأن متيمك الأحمق ذاك يرفض ابتعادك عنه طبعا ولأنه لا

يمكنه أن لا يرى هذا الوجه الجميل كل يوم ولن يتوقف عن

التدخل فأبعديه عنك أو قمت أنا بها بطريقتي "

رفعت يدها أيضا ورمت يده عنها قائلة بضيق

" وما علاقتي أنا بك وبه ؟ لما يُخرج كل واحد منكما عقده بي ؟

اتركوني وشأني "

رفع ذقنه وقال بتلك الابتسامة الساخرة التي لم تفارق وجهه

طويلا

" تمثيليه ممتازة لأصدق بأنه لا شيء بينكما "

شدت قبضتيها بقوة وقالت بأحرف مشدودة

" إن كانت والدتك مقتنعة بكذبتها فتلك ليست مشكلتي "

ارتفعت يده وصفعها بسرعة خاطفة لم تتوقعها أو تلحظها حررت

شعرها المربوط للخلف وجعلت خصلة قصيرة منه تلتصق بطرف

شفتيها فلم تترك له ولجسدها المجال ليدرك ما ستفعله وهي ترد

له الصفعة بأخرى بل وأقوى منها تشد على أسنانها بقوة

وغضب .. صفعة جعلت وجهه يلتف جانبا فأمسك فكيه وهو يدير

وجهه ناحيتها ونظر لها نطرة جعلتها تلتصق بالخزانة أكثر في

رد فعل دفاعي وقد توقعت منه كل شيء إلا ما حدث حينها وهو

يرفع رأسه عاليا ويقهقه ضاحكا بطريقة جعلتها تنظر له

مصدومة قبل أن ينظر لها وأمسك فكها بقوة وألصق رأسها

بالخزانة خلفها رافعا له للأعلى وقد انقلب كل ذاك المزاج

والملامح للقسوة وقال من بين أسنانه

" هل تعلمي ما هي حقيقة بطلك ذاك ؟ هو ليس سوى مريض

بالسلطة والتسلط وأنت وسيلته الجديدة "

رفعت رأسها أكثر تحاول تخليص ذقنها من قبضته وهمست

بضيق

" أرى أن ذاك تفكيرك أنت "

ترك ذقنها راميا رأسها لكن هذه المرة ليس للخلف كالمرة

السابقة بل جانبا حتى غطى ذاك الشعر الحريري الطويل وجهها

وقال بسخرية

" أجل فأنا لم اخبرك بأنك تعيشين معه في كذبة كبيرة "

وما أن رفعت جسدها وأبعدت شعرها وعادت بوجهها ونطرها له

رفع سبابته والوسطى أمام وجهها وقال

" أنت سلاحين ... مجرد فرصتان ذهبيتان بالنسبة له "

نطرت له باستغراب فتابع مبتسما بسخرية

" أولاً امرأة ستنجب له أكثر من طفل واحد أي سيكون الحفيد

الوحيد الذي سيملأ هذا القصر الساكن بالأطفال المتتابعين ، ثانيا

والأهم طلاقك مني وزواجه منك معناه أسهمنا في شركة

تيكسترون للطيران بأكملها له "


نظرت له بصدمة وقد تابع من قبل أن تجتازها

" أتريدين معرفة السبب ؟ لأنها ستكون ملكا لك لوحدك حينها

وهو يعرف بهذا السر جيدا فجده لا يخفي عنه شيئا مدلله الذي

اكتشف حقيقته مؤخرا وأصبح في شجار دائم معه بسبب ذلك

وسيسحب ملكية أسهم شركة داسولت منه فلا يبقى له سوى تلك

البدينة التي لن ينال من والدها قرشا واحدا وتلك هي الحقيقة

التي لم يجد لها حلا آخر سوى التمسك بها فلم يستطع تطليقها

كي لا تخرج من هنا بنصف أملاكه حسب القوانين البريطانية

وهذا إن لم تنجب له ابنا وذاك هو سبب رفضه لأن تجري أي

عملية تجعل من حملها أمراً ممكنا فتسلب منه كل شيء يملكه

إن طلقها "

دس يديه في جيبيه مجددا يراقب نظراتها الشاردة بالرغم من أنها

لم تبعدها عن عينيه وقال بسخرية

" لا يعنيك كل هذا أليس كذلك ؟ قد يعنيك إذا أن تعلمي بأنه يعلم

بأنك وحدك طوق نجاته من كل ذلك وليصل لهدفه كان عليه أن

يكسب الغبي الموجود بين أضلعك كأي امرأة حمقاء سبق
وجمعته مصالحه بها "

ارتفع صدرها ونزل مع تنفسها القوي وهمست بجمود

" وما تريده أنت مني إذا لأفهم كيف يفكر أعدائي جميعهم ؟ "

أبتسم وحرك رأسه إيجابا في حركة من بات يتوقع جميع ردودها

بل وذكائها في انتقائها وفي طريقة تفكيرها ولهذا لا يريدها له لن

يحضى ذاك المغرور بكل مميز كالعادة فعليه أن لا يتخلص من

الأمر السلبي الوحيد في حياته وهي تلك المدعوة جمانة وأن تبقى

هذه الجوهرة كالنجم المعلق في السماء بالنسبة له لن يموت إلا

هكذا حسرة عليها ، تبدلت ابتسامته للمكر سريعا وقال

" ما أريده ليس منك "

كانت الابتسامة الساخرة من نصيبها هذه المرة حين قالت
ومباشرة

" آه أجل من خلالي كشقيقك تماما أليس كذلك ؟ "

أرسل لها قبلة بشفتيه عبر المسافة القصيرة بينهما وقال مبتسما

" يعجبني ذكائك الفطري المعقد يا جميلة فلا تجعليه يخونك

نهاية الأمر "

قالت فورا وبذات ابتسامتها الساخرة " معك أم معه ؟ "

رفع سبابته ولوح بها كمؤشر بجانب رأسه وقال بسخرية مماثلة

" معي لست الخاسرة في جميع الأحوال يا فاتنة لأني لست

فارسك الشهم ولكل منا غرض سيناله بواسطة الآخر

أما معه....."

وتابع وقد أشار بسبابته لقلبها هذه المرة

" سيصاب هذا برصاصة مؤلمة جدا بعد أن يأخذ كل ما يريده منك

ويرميك دون اهتمام ولن يكون حينها ثمة كاسبان في الحكاية

عكس ما تريدين وتخططين له يا ذراع مطر شاهين الأيمن "

وما أن أنهى حديثه ذاك تحرك مغادرا بتلك الخطوات الموسيقية

الكسولة التي لا يتقنها سواه تاركا خلفه تلك النظرات المصدومة

تتبعه حتى غادر من الغرفة وتابع طريقه إلى أن ظهرت له

الواقفة عند أول عتبات السلالم والتي ابتسمت له بمكر ما أن

أشار لها بإبهامه فلوحت له بهاتفها في يدها فاختطفه منها فورا

مبتسما بانتصار وتوجه جهة مكتب الكلمة العليا في تلك العائلة

لينهيا مخططهما الجديد قبل أن يغادر لشركته .

بينما التي تركها خلفه في تلك الغرفة لم تستطع اجتياز صدمتها

بآخر ما قاله بسهولة وتحركت بخطوات متصلبة للأمام تفكر في

كل ما قال .. إنها فواجع متتالية آخرها معرفته بصلتها بمطر

شاهين ! لا يمكنها أن تصدق أمثاله بسهولة وأن تثق به ليكون

حليفا لها كما قال ويريد فهي تشم رائحة خيانة في الأمر .. خيانة

كبيرة هي المتضررة فيها ، نظرت حولها ولأول مرة تحار في أن

تقرر أمرا كان يجب أن يكون مقررا سلفا لكنها لن تستعين

بمربيتها هذه المرة ولا بذاك المكان وأولئك الرجال ، تحركت

خطواتها مسرعة وغادرت الغرفة والممر الطويل حتى كانت في

بهو القصر الواسع وما أن استدارت نحو السلالم راكضة حتى

وقفت مكانها فجأة وبقوة بسبب التي وجدتها أمامها وارتدت

خطوة للوراء تبعد شعرها عن وجهها ووقع نظرها على تلك

العينان الناظرة لها باستهزاء وحقد وقد قالت صاحبتها مبتسمة

بسخرية تكتف يديها لصدرها

" إلى أين يا حفيدة الخماصية ؟ "

نظرت لها بكره لم تعره تلك أي اهتمام وتابعت وابتسامتها

المستفزة الماكرة لم تفارق شفتيها

" إن كنت تنوين الصعود له فيؤسفني أن أخبرك بأنه ليس في

الأعلى ولا في المنزل بأكمله ولا تنتظريه لأنه ذهب ولن

يرجع "

وختمت عبارتها تلك بضحكة عالية وهي تصعد السلالم ونظراتها

الغاضبة الحاقدة تتبعها ولن تستغرب هذا منهما فعادت أدراجها

من فورها راكضة ودخلت غرفتها مجدداً وتوجهت للخزانة من
فورها وفتحت بابها بحركة واحدة سريعة وأخرجت منها بنطلون

وقميص وتوجهت مباشرة لحمام الغرفة وأغلقته خلفها بالمفتاح .


*
*
*


تأففت وهي تخرج من غرفتها مغلقة بابها خلفها بعدما أخبرتها

الخادمة بأن والدها يريدها في الأسفل فبعد شجارها العنيف مع

والدتها صباحا حين عادت من الجامعة تاركة محاضراتها بل

وألقت عليها قنبلة أخرى أقوى منها وهي تخبرها بأنها لن تعود

هناك مجددا ولن تدرس فيها أي عام كامل سيضيع منها فما من

جامعة ستقبلها الآن ، لكنها مصرة ولن تغير رأيها أبدا وإن

ضاعت الأعوام جميعها عليها وحرماها من الدراسة نهائيا

عقاباً لها .

وصلت منتصف السلالم وانحت بجسدها على سياجه تنظر للأسفل

حتى ظهر لها الجالسان هناك وكما توقعت ها هي والدتها كانت

في استقباله ما أن دخل المنزل وقبل حتى أن يستحم ويتناول طعام

العشاء فعليه طبعا أن يأكلها معها بأسنانهما قبل أي وجبة أخرى

، بل وواثقة من أنها اتصلت به وأخبرته منذ الصباح فلن تصبر

حتى هذا الوقت تعرفها جيداً ، استوت في وقوفها ونظرت
للسقف متمتمه بحنق

" كله بسببه ... أراني الله فيه يوما كهذا الذي أنا فيه "

ونزلت بعدها السلالم بخطوات بطيئة وكأنها تؤجل قدر الإمكان

تلك المواجة التي لا مفر لها منها وعليها أن تصمد وتعاند حتى

يحدث ما تريد فلن ترجع لمكان فيه ذاك الجنوبي المغبر ولا على

قطع عنقها ، وصلت للأسفل واقتربت منهما تنظر باستغراب

للملامح المسترخية لوالدتها والابتسامة التي استقبلها بها زوجها

فليس هذا هو المزاج ولا الاستقبال الذي كانت تتوقعه منهما !!

رمشت بعينيها قليلا وقالت باستغراب

" عذرا من أنتما ؟ "

فانفجرا ضاحكين من فورهما ورفع الجالس بجانب والدتها ظرفا

ورقيا من على الطاولة أمامه وقال مبتسماً

" خطيبك أرسل لك هذا "

نقلت نظرها باستغراب بين الظرف في يده وعينيه الباسمة

وقالت ببلاهة

" خطيبي من منهما تعني ؟ "

انتقلت نظرات الاستغراب لهما هذه المرة فحركت رأسها بالنفي

متأففة فكله بسببه ذاك الوقح الكاذب فهي لم تجتز صدمة ما حدث

وفعل حتى الآن ، كتفت ذراعيها لصدرها وقالت برود

" لا خطيب لدي ولا أريد زوجا من الجنوب مطلقا "

وكما توقعت امتقع وجه والدتها غضبا وكانت ستتحدث بل

وستصرخ فيها كالعادة لولا أوقفها الجالس بجانبها وهو يمد

يده بالظرف فيها أكثر قائلا

" انظري لهذا أولا "

مطت شفتيها بضيق واقتربت منه وأخذته منه وفتحته وأخرجت

الأوراق الموجودة فيه وبدأت بتقليبها باستغراب قبل أن تنظر

لهما شاهقة بصدمة فقال الذي ضحك من فوره

" أجل إنها أوراق انتساب لجامعة عين حوران للإقتصاد فصديقه

المقرب يكون ابن شقيقة الزعيم مطر شاهين وقد حصل لك على

هذه المعجزة لأنه كان معي اليوم حين اتصلت بي والدتك غاضبة

وأخبرتني عن قرارك بترك الجامعة "

صرخت قافزة في مكانها بسعادة ولم يقتصر الأمر على قفزة ولا

صرخة واحدة تلوح بالأوراق في يدها فدخول تلك الجامعة كان

حلما تراه مستحيلا وكم بكت وحزنت لأن معدلها في الثانوية كان

أقل من شروطهم بدرجتين ونصف فقط .

توقفت عن القفز وبدأت بتقبيل تلك الأوراق وحضنتها بقوة على

ضحكات الجالسان أمامها قبل أن تركض جهة السلالم قائلة

بسعادة

" ما أروعه من خطيب يا عالم ... قسما أني أحبه من الآن "

وصعدت تقفز العتبات ضاحكة بسعادة ترقبها نظرات الضاحكان

اللذان تركتهما خلفها وقالت والدتها مبتسمة ما أن اختفت عنهما

في الأعلى

" لو تعلم من يكون ذاك الخطيب فستكرهك بالتأكيد "

وقف الذي قال مبتسما

" يبدوا لي بأنه يخطط لتغيير نظرتها له قبل أن يكشف عن

هويته وهو تصرف ذكي منه كعادته "

وقفت معه وسارا ذراعه تحضن كتفيها قائلة بابتسامة

" أراك متحمسا له كثيرا "

صعدا السلالم معا قائلا

" بلى ولن أتمنى لها شخصا أفضل منه فهو شاب رائع ومميز

في كل شيء "


*
*
*


رفعت شعرها في جديلة ثم سرعان ما عادت وفكته لينسدل

بنعومة على كتفيها وظهرها وسارت في الغرفة يمينا ثم يسارا

وشدت قميص بيجامتها على جسدها وكأنها تحضنه بها

وأغمضت عينيها بقوة تغرس أسنانها في شفتها السفلى مبتسمة

تتذكر ما حدث البارحة وكيف سلب منها إرادتها تماما وهو يفتح

أزرارها بل ورسمت لمساته مسارها برقة على جسدها وهي

مستسلمة له تماماً .. لازالت تشعر بتلك الرجفة اللذيذة كلما

تذكرت ذلك .. بل وكانت ستفعل أكثر مما فعل الوقحة وهي تنزع

عنه قميصه أيضا لولا وصول ذاك الزائر فجأة ، ماتت ابتسامتها

ببطء وتجهمت ملامحها الرقيقة وشاب الحزن عيناها الجميلتان

وهي تتذكر ما حدث بعدها وما أرق نومها وجعل وسادتها ترتوي

بدموعها طوال الليل ولم تراه بعدها أو تسمع صوته أبدا وكل ما

سمعته صوت باب الشقة وليست تعلم أغادرت تلك وحدها أم هو

معها ؟ مسحت بأناملها على وجنتها قبل أن ترتفع لغرتها

ورفعتها بها عاليا وحررتها لتعانق ذاك الجبين الصغير بنعومة

وهي تقترب من الباب المغلق فكم لامت نفسها فيما بعد لأنها

أغضبته وقالت ما قالته وجعلت قلبها يتحكم بها مجددا ما أن رأت

تلك المرأة بل وما أن سمعت صوت تحريكها لمقبض باب الشقة

وزاده المشهد الذي رأتهما فيه وكأنها تلعب دورها الذي لم تكمله

هي ، لكنها ما أن هدأت وفكرت قليلا شعرت بأنها تسرعت وهو

من برر لها وفسر كثيرا بل وأقسم لها مرارا ، لكن الأمر خارج

استطاعتها فهي تفقد عقلها وتعقلها وكل شيء ما أن تقترب منه

تلك المرأة بل وأي امرأة في الوجود ، تحبه بجنون .. أجل

تعترف بذلك ولن تتحمل اقتراب احداهن منه ولا ممازحة فكيف

بكل ما تفعله تلك الإنجليزية !.

اتكأت بظهرها على باب الغرفة ورفعت رأسها عليه خلفها وهذا

حالها منذ استيقظت فجرا تشعر بكل شيء تحتها يتحول لأشواك

فلم تستطع لا النوم ولا الجلوس ولا الوقوف في مكان محدد وكم

حمدت الله أن اليوم عطلة ولا جامعة لديها فعلى الأقل تراه قبل

أن يغادر ويتحدثا .. بل تتحدث هي وتجد لنفسها تفسيرا أمامه

لما فعلته البارحة غير أنها لا تصدقه وتتهمه كما يعتقد ويقول

دائما كلما واجهت مهمته تلك بالرفض .

أجفلت مبتعدة عن الباب ما أن سمعت صوت صفير آلة إعداد

القهوة في المطبخ مما يعني أنه هناك ويبدوا منذ وقت أو أنها لم

تنتبه لباب غرفته حين أغلقه خلفه أو أنه لم يغلقه أساساً ً !

رفعت غرتها مجددا ودست خصلاتها خلف أذنيها ما أن عادت

متدرجة على وجهها وتنفست بعمق مشجعة نفسها قبل أن تمتد

أصابعها لمقبض الباب وأدارته ببطء وفتحت الباب برفق كي لا

يصدر عنه أي صوت وكأنها ستهرب منه وليست ذاهبة له !


تحركت بخطوات بطيئة تمسك ابتسامتها بأسنانها تتمنى فقط أن

تجده موليا الباب ظهره ولا يشعر بها حتى تصل عنده أولا

فسيساعدها كثيرا أن تتحدث معه وهي تحضنه من ظهره تضم

خصره بذراعيها بقوة فيسمعها ويشعر بها دون أن ينظر لها

وترى النظرة الغاضبة في عينيه ، وصلت الباب وابتسامتها تزداد

اتساعا وهي ترى هدفها هناك وكما تمنت تماماً منشغل مع آلة

تحضير القهوة يلبس بنطلون جينز فقط كتفاه وظهره العاري

وخصره النحيل يجذبانها له كالمغناطيس فشعرت بأحشائها

جميعها تتقلص غريزيا مما جعلها تشد بأسنانها على شفتها أكثر

موبخه نفسها .

وما أن خطت خطوة واحدة نحو الداخل حتى ماتت تلك الابتسامة

فجأة كما تجمدت أطرافها جميعها وشعرت بصلابة الأرض تحتها

تزحف صعودا لجسدها صلبة باردة كالجليد ما أن التفتت لها التي

لم تكن تراها قبل دخولها وما صدمها لم يكن ذلك بل .... نزلت

بنظراتها المصدومة على جسدها ببطء يشبه ذاك الموت داخلها

.. يشبه انفجار ذاك الألم في قلبها المحتضر وهي تنتقل بنظراتها

المصدومة من شعرها المبلل والمياه لازالت تتقاطر من خصلاته

القصيرة لروب الحمام الأسود الملتف على جسدها ونقش المرساة

على ظهره وياقته مما يدل بأنه رجالي !! بل وتشرب من كوب

القهوة الوحيد الذي باتا يتشاركان الشرب فيه لاختفاء الآخر !.

تمسكت يدها بإطار الباب تمنع نفسها من السقوط وأنزلت نظرها
للأرض ما أن التفت الواقف هناك وشعر بوجودها تخفي الصدمة

والألم في تلك الأحداق الذهبية السابحة في حرارة دموع الصدمة

والألم والخذلان وتحركت بخطوات كابدت باستماته لتجعلها

طبيعية سائرة جهة المغسلة لا تعلم ما ستفعل هناك تحديداً سوى

بأنها أرادت أن تكون صامدة .... صامدة ...!! هل ثمة من يصمد

وهو يموت ! من هذا الذي يتقن دور البطل الذي يسقط في أرض

المعركة وسلاحه في يده يرفعه عاليا رغم كل تلك الجراح في

صدره مبتسما بانتصار حتى يخر ميتا ؟ لا ليست هي بالتأكيد

وليس فيما يخص هذا الرجل .

تمسكت أناملها بطرف حوض الغسيل ولم تعد تسمع ولا تعي شيئا

مما يحدث حولها ولا ذاك الصوت الرجولي الحازم الذي يصلها
من بعيد

" ماريا اسبقيني لغرفتك ثمة ما علينا التحدث عنه يخص

دراستك "

كان قريبا لكنها كانت تسمعه ولا تفهمه ..؟ تعلم بوجوده ولا

تشعر به ..! لا هو ولا أي شيء آخر حولها بسبب كل ذاك

الضجيج في رأسها والألم المميت في قلبها تشعر بالأرض تحتها

تتحول لسجادة سابحة في الريح فلم تجد حلا سوى أن تهرب من

هناك .. أن تعود أدراجها وأن تختفي قبل أن تنهار تماما فحتى

الرؤيا أصبحت ضبابية أمامها ، استدارت ببطء وحاولت أن

تتحرك لكن الأمر لم ينجح أبداً وهي تفقد ارتباطها التام بكل شيء

حولها تشعر بروحها تخرج من جسدها المرتجف مع أنفاسها

المتقطعة فلم تزدها تلك الخطوة التي ابتعدتها سوى ضياعاً

تراقبها تلك النظرات المتوجسة الضائعة ويدها تحاول التمسك

بأقرب شيء لها وإن كانت لا تراه ولم يكن سوى حاملة السكاكين

الخشبية التي لم تساعد ذاك الجسد الضعيف المنهار في شيء

وهو يهوي للأرض مرتطما بها بقوة وتساقط ذاك الشعر البني

الناعم بعده تباعا مخفيا ملامحها كتساقط تلك السكاكين الحادة

بأحجامها المختلفة عليه بسرعة قياسية لم يدركها الذي ركض

نحوها صارخا باسمها دافعا الواقفة أمامه بقوة اوقعتها على

الطاولة قربها .


*
*
*


اغتصبت ابتسامة جديدة تستمع للجالس أمامها قبل أن تسدل

جفنيها مخفية حدقتيها الزرقاء بعيدا عنه كي لا يقرأ ما فيهما

كعادته فلم يعد يمكنها تمثيل دور المرحة المبتسمة أكثر من ذلك

ففوق انفطار قلبها على التي لا تعلم حتى الآن ما الذي حدث

ويحدث معها زادها عمها صقر اليوم وهو يتحدث أمامها عن

زيارة ذاك الحسرة في قلبها لمنزل عمتها جوزاء صباحا قاطعا كل

تلك المسافة فقط ليكون هناك ومؤكد ليتم خطبته لتلك الفتاة التي

يبدوا أنها اختارتها له من هناك فلما لا تكون مثله؟ لما هي لا

تستطيع فعلها !

رفعت نظرها ببطء للذي قال مبتسما

" هل أجلس مع تمثالين لامرأتان جميلتان أم ماذا ؟ "

ابتسمت بحزن ونقلت نظرها جهة الجالسة قرب النافذة المفتوحة

تنظر للظلام في الخارج بصمت وشرود بل وحزن وضياع تشعر

به سابقا فكيف الآن بعدما سمعت بكائها المؤلم ذاك قبل ساعه ؟

عادت بنظرها للجالس أمامها والذي كان ينظر لها مثلها وما أن

عاد بنظره لها امتلأت عيناها بالدموع هامسة له

" جدي لما تسكت عن هذا ؟ إنها تموت ونفقدها تدريجيا "

تنهد بحزن وهمس مثلها

" تشاجرت معه وهددته بتطليقها منه وما أن خرج من عندي

وتقابلا أمام باب المنزل أفرغ غضبه بها على ما يبدوا فما الذي

سيجدي مع والدك لأفعله ؟ "

سجنت عبرتها بصعوبة وهمست

" هو يحبها جدي أليس كذلك ؟ وهي تحبه أيضاً فلما لا يتركان

الحب يتحكم بهما ؟ لما لا ينتصر على الجراح كما يحدث مع باقي

البشر ؟ "

وقف ومسحت يده على شعرها دون أن يعلق على ما قالت ولا أن

يجيب ونظر مجددا للجالسة هناك وقال مبتسما

" يبد ا أنه علينا أن نقول لوالدتك تصبحين على خير بدلا من

إزعاجنا لوحدتها "

نظرت له التي دارت بجسدها بأكمله جهتهما وقالت من فورها

"ما هذا الذي تقوله أبي ! أنا فقط شردت قليلا وها نحن كنا

نتحدث معا منذ وقت "


قال مبتسما

" ولأننا نتسامر هنا في غرفتك منذ وقت طويل يكفينا سهراً الليلة

وعليكما أن تناما "

وغادر الغرفة بعدها مغلقا الباب خلفه متمنياً لهما ليلة سعيدة

ووقفت التي لم تستطع أن تفعلها مثله وتوجهت جهة الجالسة

مكانها هناك وجلست بجانبها ونامت في حضنها وقد استقبلتها

تلك الذراعان فورا فنامت على كتفها تراقب أوراق الأشجار

المتراقصة تحت الأنوار الخفيفة في الخارج وشاركتها الصمت

الذي عادت للاعتصام به مجدداً واحترمت هي صمتها ذاك تحاول

أن تكتفي فقط بالشعور بقربها .. بحضنها بأنفاسها وبضربات

قلبها ، تشعر بأنها تتألم في داخلها كما تعلم بأن كبت ذاك الألم

لن يزيدها إلا دماراً لكنها لا تملك لها حلا سوى أن تحبها وتحبها

وللأبد ، حضنت خصرها النحيل بقوة وقالت بهدوء حزين

" أمي إن قال لك أحدهم أن تتمني أمنية واحدة تتحقق فما

ستكون ؟ "
طال صمتها حتى ظنت بأنها لن تجيب قبل أن يصلها ذاك الصوت

الأجوف الكئيب

" كنت لأتمنى أن قُطعت ساقاي وما اجتزت حدود الحالك تلك

الليلة "

رفعت رأسها ونظرت لها بعينين دامعة تراقب ملامحها الفاتنة
المتصلبة وقد تابعت بجمود ولازال نظرها معلقا في الخارج

" أحيانا أتخيل ما كان سيكون الأمر لو أن شيئا من ذلك لم يحدث

وأني لازلت في ذاك المنزل مع والدي وأشقائي .. جبران ، رعد ،

رماح والكاسر جميعنا كما كنا سابقا لا تسعدني في الحياة سوى

رؤيتهم أمامي ولا يحزنني إلا أن يمضي النهار ولا أتحدث معهم

جميعا وإن عبر الهاتف لكن كل ذلك تغير منذ علمت بأن ذاك

الوالد ليس أبي الحقيقي وتلك العائلة ليست عائلتي وليتني لم

أعلم أبداً لكن القدر لا يغيره شيء ولا أحد "

تعلقت نظراتها الدامعة بها وهمست بحزن

" أتعني أنك تكرهين أن كانت لك عائلة غيرهم ؟ "

ضمتها لحضنها أكثر تدفن وجهها في صدرها واتكأت بذقنها على

رأسها قبل أن تهمس بصوت آسي متألم تحضنها لها أكثر
" لا ابتلاك الله بعشق رجل لا يبادلك ذات المشاعر يا صغيرتي "

وخنقت العبرة صوتها وانزلقت دموعها من وجنتيها تسقي ذاك

الشعر الحريري للنائمة في حضنها تشاركها البكاء في صمت

متابعة بوجع

" لا ابتلاك الله بنيتي برجل نسيانه يشبه الموت البطيء وتختارين

الموت نهاية الأمر لأنه أرحم من ذكراه "

التفت أصابعها على قماش تلك البيجامة السوداء تدفن وجهها

ودموعها فيها تسمع العبرة التي تحررت من وسط تلك الأضلع

التي تحتويها بقوة للتي تدفن ملامحها في شعرها تطلق سراح

تلك الدموع والعبرات لتخرج متعاقبة موجعة مدمرة صمودها

مجدداً وكل واحدة منهما تتألم لدموع الأخرى ولا حل تملكه

لنفسها ولا لها تتشاركان البكاء كما الوجع والاحتراق إلى أن

أبعدتها عنها وأمسكت وجهها وهمست ببحة بكاء ناظرة لعينيها

الدامعة

" إياك يا تيما أن تسلمي قلبك يوما لرجل لا يستحقه ، لا تعشقي

البطل في أعين الناس بنيتي بل في عينيك وحدك .. أن يكون

بطلك أنت لوحدك ذاك يكفي فلا يستبدلك ببطولاته تلك أبداً ويقتلك

بالحياة "

تعلقت نظراتها وعينيها الباكية بعينيها ولم تستطع قول أي شيء

ليس لأنه والدها من تتحدث عنه كمثال ونموذج سيء بل لأنها

خشيت فعلا من أن يحدث ذلك معها أيضا وباتت تعلم الآن معنى

أن تحب رجلا لا يشعر بما في داخلها له .. لكن والدها يحبها

تعلم ذلك ومتأكدة منه فقط هي الجراح .. كم هي قاسية وكم

تكرهها حتى أنها تقتل الحب أحيانا وإن قتلت صاحبه معه .

قبلت باطن كفها ما أن بدأت بمسح دموعها وهمست بحزن تخبئ

شفتيها فيه

" أحبك أمي وكل ما أتمناه أن أراك سعيدة في أي مكان ومع أي

كان "
مسحت يدها على شعرها بحنان وحضنتها مجدداً وقبلت رأسها

بعمق قبل أن تقف موقفة لها معها وقالت ببحة هامسة " عليك أن

تنامي الآن بنيتي الوقت تأخر كثيرا "

نظرت لها وقالت مبتسمة بحزن

" ننام معا الليلة أمي ؟ إنها ليلتك الأولى هنا وأريد أن أكون
معك "

مسحت بكفها على طرف وجهها وقالت

" ليس الليلة يا تيما في الغد حسنا ؟ "

أومأت بحسنا مبتسمة بحزن وغادرت جهة باب الغرفة وما أن

فتحته التفتت لها فكانت واقفة مكانها تراقبها بحزن فهمست

بعينين دامعة وابتسامة حزينة

" أحبك أمي ... تصبحين على خير "

فودعتها بهمسها الدافئ وابتسامة تشبه ابتسامتها تلك

" وأنت بخير يا قلب والدتك "

وراقبتها بعينين دامعة حزينة حتى اختفت خلف الباب الذي أغلقته

خلفها بهدوء ورفعت حينها رأسها للأعلى وأغمضت عينيها ببطء

تاركة لتلك الدمعة حرية الانزلاق منهما ببطء .. ها قد دمرها

وبشكل نهائي وعليه أن يحتفل بانتصاره .... أجل فليحتفل لكن

على طريقتها هي .

التفتت جهة الخزانة تمسح عينيها بقوة وفتحت أحد أبوابها

وفتشت بين الثياب المعلقة فيه حتى وجدت مبتغاها وأخرجته

ونظرت له .. لقميص النوم الأسود القصير الشفاف الذي لا يجمع

قماشه سوى خيوط متداخلة على جانبيه ، نطرت جهة النافذة

المفتوحة وابتسمت بسخرية تسمع صوت تلك السيارة المقتربة

داخل أسوار المنزل فها هو رئيس البلاد يرجع مهما طال غيابه

عن سريره ، نزعت القميص من علاقته ونزعت ثيابها ولبسته


وبحركة مدروسة لبست القميص الحريري القصير فوقه وربطت

حزامه حول خصرها النحيل ونزعت المشبك من شعرها لينزل

منسابا بنعومة وكثافة على ظهرها وكتفيها وصولا لذاك الخصر

المستدير وتوجهت ناحية باب الغرفة وغادت مجتازة الرواق

الطويل بخطوات سريعة خصلات ذاك الشعر الطويل تطايرت مع

صعودها السلالم بخطوات سريعة كي لا يراها أحد حتى كانت عند

باب تلك الغرفة تتلقف أنفاسها المتعاقبة وفتحت الباب فورا

منتصرة على ترددها من قبل أن تخوض معه غمار أي معركة

وأغلقته ووقفت عليه تنظر للأسفل صدرها يعلو ويهبط بسبب تلك

الأنفاس القوية متجنبة النظر للذي التفت ناحيتها ينطر لها

باستغراب وهو يرمي ربطة العنق التي نزعها للتو ويده الأخرى

قد فتحت زرين فقط من أزرار قميصه قبل أن تتصلب مكانها .



‏*‏
‏*‏
‏*


رمى السكين في المغسلة ونفض يده شاتما بحنق قبل أن ينظر

لسبابته وللجرح الصغير بجانب ظفره والذي كان الألم فيه أكبر

من حجمه الصغير فحتى الدماء لم تنزل منه ! لعقه بطرف لسانه

مكشرا بضيق وغادر ذاك المطبخ بأكمله فليلة سيئة تلك التي

مرت عليه البارحة هنا لم ينم فيها أبداً بسبب أفكاره المشوشة

وطنين كل تلك الحشرات في الخارج فلن يكون وجوده في هذا

المنزل الريفي إلا مؤقتا قبل أن يشتري منزلا وينتقل له ولن يهتم

لرأي جده ولا رفضه هذه المرة فلن يرجع لذاك المنزل ليرى الظلم

والاضطهاد أمامه ويصمت فثمن صمته الذي أخذ القسم منه عليه

سيكون خروجه من هناك وبشكل نهائي ولن يرجع أبداً ويقف

يتفرج عليهم وهم يجرمون في حق تلك الفتاة كما لن يتوقف بحثه

عن الحقيقة أبدا وإن ابتعد عنها كما أجبروه وسيخرج ببراءتها

وإن من تحت الصخور فهو لم يقسم بأنه لن يفتش في ذاك

الماضي وتلك الجرائم وسيعلم من يكون هذا الذي يريد إعادتها

للمصح مجددا أو إرسالها للسجن ولن يكون إلا نجيب هو متأكد

من ذلك لكن من هذا الذي يكون حلقة الوصل بينه وبين عائلة

المقتول هناك !.

عبر بهو المنزل متوجها نحو السلالم القريب ووقف مكانه غاضنا

جبينه ينظر باستغراب جهة السياج الخشبي الملاصق للمطبخ

والمفتوح على الطبيعة في الخارج وركز سمعه على تلك

الخطوات التي كانت تقترب مسرعة ... لا بل صاحبها يركض على

ما يبدوا !! تحرك مسرعا لتلك الجهة ووقف ينظر بصدمة للتي

خرجت من بين الشجيرات الطويلة في الخارج وقد وقفت مكانها

ما أن ظهر لها الواقف خلف ذاك السياج المنخفض في الأعلى

تتلقف أنفاسها المتلاحقة بسبب كل ذاك الركض وهمس بصدمة

" زيزفون !! "

وراقبت نظراته المصدومة التي علا صدرها ونزل عدة مرات

تحاول التنفس جيداً قبل كل شيء .. من كانت ممتنة لإيجادها له

هنا وكما توقعت سيكون في منزل عائلة تلك الإنجليزية الذي

جلبها له سابقا ولن تحتاج لأن تبحث عنه كثيرا حتى يكتشفوا

أمر غيابها ووصولها له ، حدقت فيه تلك العينان الواسعة

والأحداق السمائية المستديرة من بين خصلات غرتها الشقراء

المتطايرة ورفعت يدها ومررت أناملها البيضاء الرقيقة التي

تخرج وحدها من كم قميصها الطويل على طرف غرتها تبعدها

جانبا وقالت بأنفاس لم تنتظم جيداً بعد

" وقاص ألم تخبرني سابقا بأنك ستساعدني إن احتجتك في

أي أمر ؟ أنا أحتاجك الآن وعلينا أن نتحدث عن الكثير "

*
*
*

المخرج ~

بقلم/ زينه 4

من وقاص لــــــــ زيزفون

..اعِيذكِ بِكلِمَاتِ اللهِ التامات مِن كل رجلٍ سِواي

لـ أنثى قادرة على إحزاني ..
حين لا تكوني معي ..!
لا تلمحك عيني
أفتقد ذاتي .
تأسرني الأحزان ..
عندما لاتكوني معي !
وتسقيني الوحدة كأس فقدك ....!
أعيش بمنفى .. وأتوه بلا مرسى ..
أتضوّر فقداً ..
أفيض وجداً .
ويسمع في ظلام الليل ندائي ..
يا امرأة إختصرت علي النساء .
فقد
أسقتني الحب بيد !..
وبالأخرى أسقتني شقاء ..!
من غيرك!!
قادر بعد الجفاف إروائي وبعد الشتات إيوائي ..()

عند غيابك أبحث عن السعادة تحت قبعة القدر ..
تحت نفايات الألم
..وسط قذارة الدنيا ومتاعبها ..
سئمت الأنتظار /
والأحتضار ..
ترفضتني الموانيء
.. وتنكرني الاماكن
.. ويجافاني الزمان ..


فـ كل الليالي وسط جويّ البارد جداً ..
حد / الصقيع /
إلا مشاعري ..!


ي صاحبة القدر الرائِع المسكوب مِن قدحِ السماءِ أُحِبك
فـأَنتِ الأنثى التِي اخترتها بِمَحضِ الحب؟!
آ آ هـ تَشقُّ خندقها دَاخل الصدرَ .
. رحماكِ يا أنتِ!!
يــــ امرأه عشقتها بملءِ الأرضِ والسماءِ
.
عودي وإن رحلتِ
عودي وأن كنتِ جثة بلا مشاعر
ورممي بأناملك الصغيرات أشلائي ..
واسكبي عودتك بـ شرياني كدواء ..
فـ انا اريدكِّّ بكل حالاتك!!

أُحبك
وإن لم يتبق منكِ إلا رفات الفتات
أُحبك
وإن أُزهقَ الحلم ورمي في صدعِ الفِراق
أحبك
وإن خبت شرفه الغيم
أُحبك
أُحبك
أُحبك


نهاية الفصل
قراءة ممتعة لكم .....

الفصل العشرون إن شاء الله بعد أسبوعين الأربعاء مابعد القادم

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook



جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 08:32 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية