كاتب الموضوع :
كَيــدْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
لازالتْ الليالـي كعادتِها طويلـة، الظلامُ طويل، والصبحُ يغادر بسرعة، كم باتت تكرهُ الليل! الكتابـة، الشاي، كلّ ذلك كانت تحبّه! لكنها فجأةً كرِهته، لطالمـا كانت تحب كتابة المقالاتِ العلمية، الاجتماعية، تمارسُ شيئًا أدركتهُ من قراءآتِها والكثيرُ من تخصصها الذي لم تُكمله " علم اجتماع ". ولطالمـا كانت تقرأُ اعتقاداتٍ كانت تراها خاطئةً عن الكتابـة، بأنّ الكتّاب مجانين، مريضينَ بالوحدة! الانطوائية، يُسهبونَ في حزنهم ويبالغون فيه، أو ينثرونهُ على أوراقهم حتى لا يُغرقهم، رأتْ كل ذلك هرطقات! لكنها الآن أدركت أنها تُعاني من ذلك، أنّها أصبحَت انطوائيةً فجأة، تُسهب في حزنها، مُثيرةٌ للشفقة!!
هل هو إسهابٌ في الحزنِ أم أنّ الصدمةَ ذاتها تستحقُّ هذا الحزنَ وأكثر؟ تستحقُ التضاؤل أمام الحيـاة، لطالما أنشدت في أحرفها بأنّ الحيـاة لا تتوقّف على شيء! لمَ كذبت؟ لم كتبت شيئًا واختلفَت عند فعلِه؟ هل تختلفُ موازينُ القناعات حينما تصبحُ الإصابة لكَ شخصيًا؟ ليست نصحًا، ليست توجيهًا، هي جرحٌ في داخلها، فكيف توجّه ذاتها بكلمات وهي المُحتاجـةُ إلى طبيبٍ يوجّهها ودواءٍ يجعلُ جرحها يلتئمْ!
غارقـةٌ كانت في صورةٍ لـه، في هاتفِ أخيها الذي أعطاها لتضعهُ في الشاحـن، يبتسم للكاميرا، يقفُ بجانبِ فـارسْ وملابسهُ السوداءُ تنعكسُ على بشرتهِ فتجعل منه جذابًا للنظـر، كفهُ اليُمنى على كتفِ فارس، يستقيمُ بجانبهِ الأيسر، لا يليقُ بها! هذا ما فكّرت به، هو لتلكَ فقط، مهما رأت في ملامحه الجاذبية والرجـولة، كحلمِ كل فتـاة، لكنّه ليس لها، هي سارقة! سارقةٌ انتشلتهُ من بينِ يدي جيهان، تدركُ أنّه لو أرادها لرأته أو سمعتْ عنه بعد عقد قرآنِهما، لكنه اختفى! ليُثبت أنه يحاول لملمة نفسه بعدَ زواجٍ لم يُرِده.
شعرَت بشخصٍ يقفُ خلفها، توتّرت واستدارَت بسرعة لترى فارس يقفُ خلفَ الكرسي الأبيض الذي تجلسُ عليه، يعقدُ حاجبيه باستنكارٍ والواضـحُ أنه رأى ما كانت تنظر إليه.
ارتبكَت نظراتها وأغلقَت هاتفهُ بسرعة وهي تكادُ تقتلُ نفسها، لم تتخيل ولو بنسبة واحدٍ بالمائةِ أن يجيء في هذه اللحظة! لمَ ذلك يــا الله!!! لمْ تشعر بحمرةِ الخجل التي تصاعدَت في وجهها لتتلعثمَ الكلماتُ في فمها : أنا ، كنت ، بس ... يعني مااا ...
قاطعها صوتُ فارس بهدوءٍ ليُنهي مسيرة لعثمتها وإحراجها : كنتِ تتأمّلين بصورة فوّاز!!
انفرجَت شفاهها وماتت الكلماتُ في حنجرتها بعد ما غرقَت في إحراجٍ كثافتـهُ حجم الذنبِ الذي تلبّسها في هذهِ اللحظة وكأنّها كانت تتأمّل رجلًا لم يُصبح زوجها، تتأمّل رجلًا يُحرّم عليها أن تفكّر بهِ كتفكيرٍ امرأةٍ بزوجها .. زوجها! لمَ الكلمة مؤذيةٌ لهذا الحد؟ ثقيلةٌ في التفكير، لا تنتمي إليها! لمَ شعرت بأنّها كبيرةٌ جدًا، عظيمةٌ بدرجةٍ يحرّم عليها قولها، وكأنّها سرقَت حقيبةً وسمّتها أمام العالمين " حقيبتي "؟ .. آه! يا لفداحــةِ ذنبها! ما الحدُّ المكتوبُ لمن هي مثلها؟ ما الحدُّ الملائـمُ لسارقةٍ تقتلعُ الأزواج من زوجاتِهن! يُقطعُ فرحهنّ من خِلاف، أولًا يذهبُ دونَ الابتسامة، تستطيعُ التبسّم، لكنْ حينما يكتملُ الحدُّ ستذهبُ تلك البسمة، فهل ينتظرها هذا الاكتمال؟
ارتعشَت شفاهها وهي تنظُر لملامحِ فارس الناظِر إليها بصمتٍ أثلجَ الدمع الذي يكادُ يسقط، ذوّب الذنبَ ليسيلَ من مساماتِها فيُلهبَ بشرتها البيضـاء، احمرّت ملامحها فوقَ احمرارها الطبيعي، عضّت شفتها لتُخفضَ وجهها أخيرًا بذنبٍ ومعصيـة، تزدردُ ريقها، ذاكَ الذي يختلطُ بمرارةٍ كالعلقم، يعبُر الحناجـر فيزيدَ من لوعـةِ - الآه -! تلكَ الآهـةُ التي خرجَت من بين شفتيها الآن لتُردفها بنبرةٍ مُتحشرجةٍ تُبرر بها : دخلت الصور بدون قصد مني عشان أشوفه، ما كنت أدري إن له صور عندك والله! ما كنت أدرِي.
لفظَتها بصوتٍ يمتلأُ بحشرجةِ بكاءْ، انعقدَ حاجباه أكثر، بلل شفتيه وتحرّكَ رأسه ناظرًا لحنايا غرفتهِ بتشتتٍ وهو يزفُر هواءً تمنّى لو أنه كان وجعَ أختـه . . نظَر إليها، وجهها غلّفته خصلاتُ شعرها البندقية التي سقطَت على ملامحها البيضاء لتَستُر حُزنها، تقبضُ على هاتفهِ بقوّة، وكفّها الأخرى تُداعبُ بهِ قماشَ بنطالها القطنِيِّ الأسـود. لفظَ بخفوت : لو ترسلين الصورة لجوّالك بعد وتجلسين تتأمّلينها ليل ونهار ماني قايل لك شيء! بالعكس بكُون مبسوط.
عقدَت حاجبيها لحديثهِ وارتفعَ رأسها ليرى عينيها الغارقتين في ملوحتهما الذائبة، ابتسمَ مُردفًا : ترى فوّاز صديقي وعارف أخلاقه، طبيعي أتمنى شخص مثله لك، بس إنّي أشوف فيك عدم الرضا! تتزوجينه غصب! تبكين لأنّك ما تبينه!! هِنـا أكيد بتضايق وبصرْ إنك تتطلقين منه لو ما ودك فيه حتى لو كان صديقي.
صمتت وتلاشَت الكلمـاتُ في لحظةِ استماعِها له، بقيَت تستمعُ بصمتٍ وهي تقرأ محاسـنَ فوّاز التي ذكرها، هي لا ترفضه لشيءٍ سوى أنّ السوءَ هيَ! أنّ الذنبَ هي، أنها سارقــة!!
فارس يُكمل بابتسامةٍ وهو يمدُّ يدهُ ويتناول هاتفهُ من بينِ كفيْها بعد أن فصلَ الشاحنَ عنه : انصدمت وأنا أشوفك تناظرين صورتـه، لا تبررين خوف مني! ناظريه! بس قوليلي إنّك رضيتي فيه؟!
أجفَلت وهي تراه يفتحُ صورتهُ تلكَ ويقفُ بمحاذاةٍ لها وهي جالسة، أخفضَ هاتفهُ ووضعَ الصورةَ أمامها، ليهمسَ بأمل : راضيـة فيه يا جِنان والا الدعوى ودّك تشوفين الشخص اللي تزوجتي فيه بدون رضاك؟!
شتت عينيها عن الصورةِ رغمًا عنها، ارتفعَ صدرهَا مضطربًا لأقصاهُ لينسى زفيرًا ساخنًا مُتحشرجًا، أيظنُّ بأنها تريده؟ تريدُ شخصًا خُتم اسمُ امرأةٍ على جبينه؟ ربّما يُحبها، لا تهتم! لكنّهُ لها، لهـا منذ البدايةِ ولم يكُن يومًا يُفكّر فيها. ارتعشَت شفتاها قبل أن تهمسَ بخفوتٍ متحشرجٍ بغصّاتها وهي تنظر للأرضِ بعيدًا عن صورته : عادي عندك أكون زوجته الثانية؟
صمتَ فارس لبعضِ الوقتِ وصمتت بسمته، لكنّه تنهّد أخيرًا ليسحب هاتفهُ ويضعُ كفّه على كتفها : ناظريني طيب.
جنان تستديرُ إليه بوجهها المُحمر، بلل هوَ شفاههُ قبلَ أن يهتفَ بهدوء : أنا كرجّال ما عندي أبدًا مانع من التعدد ، فغلط إنك تسأليني أنا هالسؤال لأن نظرتي للموضوع بتكون نفس نظرة معظم الرجـاجيل ، أنتم الحريم نظرتكم عاطفية بحتة، بس احنا نختلف! يمكن البعض إذا مو المعضم منا ما يكُون مؤهل لهالخطوة ، بس فواز!! أبصم لك بالعشرة ولو كان عاشق لمرته بعد مستحيل هالشيء يخليه يظلمك! مستحيييل، يمكن للحين هو مختفي شوي عن حياتِك من بعد العقد، بس بيرجع ، وبيعاملك مثل أي زوج وبيسعدك بعد. لا تفكرين إنّي ما أفكر لأختي برجال تكون هي الأولى بحياته، أنا فكّرت من جانب المنطق ومن الجانب الإيجابي للموضوع ، وش يدرينا ممكن يجيك رجّال ما تزوج من قبل ويخليك تعيشين بجهنم! وممكن رجّال متزوج ثلاث ويعيّشك بنعيم!! . . خلي عاطفتك الحين، وخلّي تفكيرك بمرته الأولى ، فكّري بنفسك جاك رجّال يُشهد له بأنّه نشمي ومستحيل يضيمك!!
سقَطت دموعها برفضٍ لحديثه، كيف يطلبُ منها أن تترك عاطفتها وتفكيرها بزوجته! كيف يقُول بأنّه يتحدّث بالمنطق! لو أنّها في موقِعِ جيهان هل كان ليقول هذا الحديث؟ هل كانت هيَ لترضى بأن يتزوج زوجها بأخرى؟؟ لا علاقـة لها بنظرة الرجـال، لا علاقة لها إن كان جيدًا سيعدلُ أم لا، لكنّها لا ترضى! لا ترضى أن تمتلكَ رجلًا هو لغيرها أساسًا، لا ترضى أن تستحوذَ على ممتلكاتِ غيْرِها.
هزّت رأسها بالنفِي والاعتراضِ لكلِّ ما قاله، تحررت حنجرتها من تضخّم تلك الغصة وتضاءلت ليخرج صوتها أخيرًا بعد احتباسِه، ليخرجَ معترضًا عنيفًا : أفكّر بنفسي؟ أنا لو فكّرت بنفسي بقول ماراح أرضى إن زوجي يتزوّج عليْ! ماراح أرضى إنّي أكون ثانية بحيـاة رجّال، إذا أنتم الرجاجيل تغضبكم فكرة إنّ طليقتك وهي طليقتك وما عادت لك تزوّجت من بعدك، فكيف أفكر بشخص هو ملكْ غيري؟ ما يهمني هوّ نشمي، هو رجّال بيسعدني، ما يهمني غير إني ما آخذ حياة غيري! عمري 23 سنة يا فارس! ليه أحجز عمري بشخص متزوج وأنا ببداية حياتِي؟!!
زفَرَ واستقامَ مُبعدًا كفّه عن كتِفها، ابتأستْ ملامحهُ قليلًا وتلاشت كل ظلالِ البسمةِ والأمـل، لن يُرغمها على شيء، مهما تمنّى رجلًا كفواز لها إلا أنّها ستبقى ككل أنثى، من الصعبِ أن ترضى بحالٍ كهذا، الإناثُ خُلقنَ ليمتلكنَ رجلًا واحد، لا يستطعن التعداد، لذا دائمًا ما تكونُ نظرتهنَّ تملّكيةً لمن يُحببن، أمّا الرجـال فخلقوا وهم يستطيعون أن يكون في كنفِهم أربعة! وهنـا سببُ اختلافِ النظـر . . لن يُجبرها! بالتأكيدِ لن يُجبرها.
صمتَ للحظـاتٍ قليلة قبل أن يركّز بنظراته على عينيها ويهتف بحدّية : تبينه يطلّقك يعني؟
جنان بقوّةٍ تنظر في عمقِ عينينه : أيه ، أبي الطلاق.
فارس بعد زفرةِ يأس : لك اللي تبينه ، والله ما تجلسين بذمته إذا هالشيء يضايقك ولو إنّي أبيك تفكرين أكثر بعيد عن عاطفتك.
ابتسمَت جنان بسعادةٍ وهي تقفُ وتقتربُ منه، قبّلت كتفهُ وهي المحتاجةُ لوقفةٍ كهذهِ تُريحها من كلِّ هذا الذنب، كفارةٌ لمعصيتها، لا أمـل لها إلا فارس، لا أمـل لها إلا هو.
همسَت بنبرةٍ مـمتنةٍ باكية وهي تأكّد لهُ ما تريد : أي فارس ، الله يخليك ما ابيه! ما ابيه ولا بفكر بالعكس حتى.
،
ضجيجٌ يملأُ مسامعها، أحاديثُ تختلطُ بلهجاتٍ عربية، مصرية، شامية، ليبية، والكثيرُ من اللهجاتِ الخليجية! لطالما عشِقَت اللهجـات، كانت دائمًا ما تظهرُ بلسانٍ ذُو حلّةٍ جديدة يضحكُ بها بَدر، دائمًا ما يقُول لها بأنّها " زاحفة "! وتتجاهلهُ هي وتحادثه بلهجةٍ تكون تارةً نجديةً بحتة، وتارةً حجازيةً بحتة، ومرةً جنوبية، ومراتٍ كثيرة شمالية أو مصرية والأكثرُ أن يخلطَ حديثها بالمغربِ والمشرق، يقُول لها بدر في بعضِ المرّات " خرّبتي اللهجة "! فتردُّ عليه بلهجةٍ جنوبيةٍ متدللة " احلف لك اللهجة قاعدة تقول يطعنّي اللي يحكي بي ما جمّل الحكِي الا فمّش العذبْ يا غادة وما زانَ الغزل الا لعيونِش الحلوة عساشْ عن حوّاء كلهم يفدونِش بسواد عيونهم ويضمونش برمشهم جعل الضيم ما يقربش ولا يضايق قلبش "، فيضحكُ طويلًا دونَ أن يستطيعَ كبحَ ضحكاتهِ وهو يقول من بينها " وي وي وش دخّل كل هالغزل ردّي على قدّ الجواب ! " فيأتِي ردّها ضاحكةً " ما أسهبت في الحديث إلا لأجل - الشين - ".
أينَ ذلك الدلال؟ تلكَ الضحكةُ الطويلة؟ الآن هاهو يجلسُ على طاولةٍ بجانبها مع عربيٍ يعرفهُ في هذا المطعمِ العربي المُزدحمِ بصحراءِ الشرقِ الأوسط، تنظرُ لطبقها ببؤسٍ و " الكبابُ " لا يُغريها هذهِ المرّة على غيرِ العادة، وأمامها حسام يأكلُ طعامهُ بشهيّةٍ مفتوحة.
ازدردَت ريقها وشهيتها مغلقة، رفعَت عينيها تنظرُ إلى ابتسامتهِ وهو يحادثُ الذي يجلسُ أمامه خلف الطاولـة، تنتظرُ أن يرفعَ عينيه، تُدرك أنها إن اتّصلت بهِ سيتجاهلها تمامًا، لذا انتظَرت أن ينظر نحوها وهي واثقةٌ بأنّه ينظر نحوهم كلّ عشرِ ثوانٍ بقلقهِ الذي لا يرضى أن يتركه.
رفعَ عينيه فعلًا حتى يطمئن عليهم، أسوء شيءٍ أن يعيشَ الإنسان حياةً يخشاها! يخشى أن يُسرقَ منها فجأة أو يُسرق من يُحبْ.
التقطتهُ عينا غادة لتُشير إليه بأنها تُريده، حينها تجمّدت نظراته، وتجاهلها! بكلِّ بساطةٍ وهو يعُود ليحادثَ من معه.
تحشرجَ صدرها بألم، زمّت شفتيها والوجعُ يتجدّدُ في صدرها، تجاهلهُ لا يُربّي عن المعصية، تجاهلهُ يقتل! واللهِ يقتـل . . وجَدت نفسها تندفعُ بألمها لتقف متجاهلةً ردّة فعله، تمرّدت ساقاها لتتّجه إلى طاولته وتقفَ أمامه مباشرةً ليرفعَ هو نظراته متفاجئًا، بينما لم تترك لهُ الوقت الكافي ليستوعبَ إذا هتفَت بثبات : متى بنطلع؟ اختنقت من المكـان.
شعرَ بغضبٍ عارمٍ جعل النارَ تندلعُ من عينيه بوعيدٍ وهو يأمرها بصمتٍ أن تعود لطاولتها، لكنّها ثبّتت قدميها رغمَ خوفِها لتبقى في مكانها، وعينُ الرجلِ الآخر تتابعُ ما يحدثُ بصمتٍ وهو يُداعبُ بيدهِ سماعة التجسس المُختبئةِ خلفَ ياقةِ قميصه!
بدر بنبرةٍ ثقيلةٍ غاضبة بعد أن رأى أنّها لن تتحرّك : عفوًا أختي! من وين تعرفيني؟!
صُدمت وتجمّدت ساقاها، تحرّكت خطوةً للخلفِ وملامحها تبدّلت مائةً وثمانينَ درجةً لتتنحنحَ وهي تُحاول بفشلٍ أن تحسّن خطأها بعد ما فهمته : مو ئلت يا بيبي رح تدفع عني وبعدها بدنا نطلع نتمشّى سوا؟!
قالتها بدلالٍ مُرتبكٍ وهي تميل على طاولتهِ قليلًا، بينما غضبٌ عارمٌ في ملامحهِ كان يجري، يحاولُ تجميد يدهِ كي لا تندفعْ وتفقأ عينَ الرجل الذي ينظُر إليها بطريقةٍ يُدركُ أنها قذرة!! . . لفظَ بصوتٍ ثابتٍ وابتسامةٍ قاسية : اووه أنتِ اللي صدَمت فيها أول ما دخلت المطعم!! يا حليلك باقي متأمّلة ترى لقيت لي اللي تغطّي عنك.
تصنّعت الغضبَ وهي تستقيمُ وتحملُ كوبَ الماءَ الذي بقيَ منهُ القليل لتُسقطهُ على كمّ معطفِه ، وبقهر : هيك عم تلعب فيّا يا ابن الكلب!! يخرب بيتك شو حقييير.
قالت كلماتها بغضبٍ ومن ثمّ ابتعدَت عنهم لتجلسَ في إحدى الطاولاتِ الفارغة وتهزَّ ساقها بغضب، بينما رفعَ الرجل الذي مع بدر حاجبًا وابتسمَ بتسلية : عنيفة!!! ولذييييذة صراحة لو مكانك ما أضيّعها عليْ.
بدرْ بقهرٍ يمسحُ معطفهُ الجلديَّ من الماء وصدرهُ يشتعل، نظر إليه ولفظَ بابتسامةٍ ضيّقة : ما عليك منها نكمّل حكينا.
نظرَ إليهِ بعد أن كانت نظراته متعلقةً بغادة، وبمكر : اللي يشوفك يقول ماوراه هالحركات طلعت من جنبها.
بدر بغضب : نرجع لموضوعنا أفضل من هالحكي الفاضي يا محمد.
محمد يغمزُ له : الحين فاضي والا يوم دخلت وشفت المزّة كان غير.
يكادُ يلكمهُ لا محالة! بل يكـادُ يقتله!! لو لم يكُن صوتُ عبدالله يصلُ أذنيه الآن بأن يتجاهل، لقتلَهُ لا محـالة.
تنحنحَ بدر ووارى نارهُ خلفَ نبرةٍ جـادة : المهم ، أنت الشاهد الوحيد حاليًا لنا على أعمـال سعُود الرازن وتجاوزاته، الدلائِل الحين معك؟!
محمد بابتسامةٍ ماكرة : في شقّتي ، نروح لها؟
بدر بتهرّب : لو مو عندي أشغال الحين! نتّفق على موعِد ثانِي؟
صمتَ محمّد لوقت، ثمّ هتف : ما أقدر! خروجي مرتيْن وثلاث بهالشكل خطر علي وأنت أدرى من بعدْ خيانتي لسعود، أكيد ماراح يتركنِي كذا.
صمتَ بدر لثوانٍ وكأنّه يُفكر بينما كان يستمعُ لحديثِ عبدالله في أذنه، ومن ثمّ هتفَ بثبـاتٍ بعد تلقّيه للأوامر : بأجّل كل أشغـالي وأروح ويّاك ، أكيد بخلّي حراسة علينا ونقدر منها نحمِيك.
وقفَ محمد وابتسامةُ نصرٍ تتجلّى على شفتيه، أخيرًا هاهو سيوقعُ ببدر وينجح في مهمته التي ستُكلل بمكافأةٍ لم يحلم بها حتى! ... : مشينا
تحرّك محمد ومن خلفهِ بدر يتباطأُ خطواتٍ وهو ينظر بطرفِ عينيه لغادة التي كانت لا تزال تجلسُ لوحدها بعيدًا عن حُسـام، تنظُر إليه بمراقبةٍ صامتـةٍ وقلِقه، تُعاتبُ ذاتها في داخلها على تهوّرها المجنون، تطلبهُ سماحًا أخيرًا وإن لم يكُن قد سامحها على خطأها الذي يسبقهُ بعد. بينما كان بدر ينظُر إليها بعينينِ يرجوها منهما أن تكون حذرة، أن تبقـى بخير، حتى يعُود!
كان خلفَ محمّد بخطوات، لذا أخفَضَ صوتهُ وهو يُحادثُ عبدالله بعد أن أبعد نظراته عن غادة : أهلي ! أهلي لا تخليهم هنـا بروحهم تكفى.
عبدالله من الجهةِ الأخرى وهو يضوّق عينيه بتأثرٍ لنبرته : لا تحاتي، الحين نوصّلهم لشقتك سالمين.
،
الأحـاديثُ تتداخلْ، كأنّ اللغـاتِ كلّها اجتمعَت في أذنيْه حتى تدورَ بهِ الأحرفُ ولا يفهمُ منها شيئًا، هنـاكَ ضائقةٌ شعوريةٌ في صدره، في جانبُه الأيسر عضلةٌ ضاقَ بها الدمُ وجفّت، توترٌ في أنفاسـه، رائحةُ العودِ المُعتـادِ على سلمان امتصّتها كل زاويـةٍ ليشعرِ بهِ على يمينه، على يساره، أمامهُ ومن خلفه! هناكَ مرضٌ اعتلّه اسمه " سلمان "، مرضٌ لا شفـاءَ منه، مهما أجزمَ أن العدلَ سيُشفيه إلا أنه في قرارةِ نفسهِ لن يُشفى.
يرتشفُ من القهوةِ العربية، عيناهُ شاردتـانِ في لونِ القهوةِ الاستثنائي، رُمزَت هذهِ القهوةُ إلى العربِ بمرارتها وبالرغم من هذهِ المرارةِ إلّا أنّها مصدرُ إدمـانٍ لدى المُعضَمِ منهم، وسلمـان قهوةٌ أخرى! كيفَ تجتمعُ المرارةُ والحاجـةُ فيه؟ إلهي! هل يعترفُ بأنّه يحتاجه! أمـازال حتى مع سنواتهِ السبعِ والعشرينَ يحتاجُهُ أبًا يطبطبُ على كتفِه كلّما تعرقل؟ ما الذي يُفكّرُ به؟ أيُّ أبْ؟ أيُّ أبٍ وهو قتل الأبَ ذاتـه.
عضّ طرفَ فنجانِ القهوةِ دونَ أن يستطيعَ مقاومـةَ ذلك والضغطِ الذي يضيقُ بقلبه، هذهِ القسوةُ قد تمتدُّ إلى قلبهِ فتُفيقهُ مما هوَ فيه، هذهِ القسـوةُ قد تجعلهُ يستيقظُ من إدمـانِ تلكَ المرارة! آه يا الله! الهمني الصبر، ما عادت روحي تقوى، ما عادت تقوى كلَّ هذهِ الخيبـات.
لم يشعُر بعنـاد الذي جلسَ بجانبه، كانَ يُراقبُ انفعالاتِه منذُ دخَل، نظَر إليه بتركيزٍ ليُصدمَ من وضعهِ ويرفعَ يدهُ حتى يضعها على كتفهِ هاتفًا بقلق : سلطان!
سلطان ينتبهُ إليهِ ويستديرُ بعد أن أرخى أسنانهُ وأنزل الفنجـان، نظرَ إليهِ ببؤسٍ وهو يشتكي بعينيه مِن حُزنِه وخذلانِه، يستسلمُ لكلِّ كلمةِ شكوى تهطُل من حدقتيه ليلتقطها عناد ويشدَّ على كتفِهِ أكثر، لافظًا بهمس : تحمّل ، تحمّل! ليلة وبتعدّي.
سلطان بحشرجةٍ يصدُّ عنه : هو بكل لحظـة في بالي ، ماهو ليلة وبس! ماهو ليلة.
عناد بقوّة : وماهو أنت اللي تضعف عشان خيانة وغدر! اصحى يا سلطان هي حيـاة هذي كل ما شفته انقلبت حواسك؟
سلطان بقهر : ماني أنت، ولاني مثلك أقدر أتجاوز! عمرنا 15 سنة يا عناد! عمرنـا ماهو يومين!!
عناد بحدة : ليه ماهو 27!! ليه تحصر نفسك بهالشكل فيه؟؟
سلطان : و 27 أييش؟ 15 سنة منها له!!
عنـاد بغضب : أعوذ بالله ! أعوذُ بالله!!!
عضَّ سلطان شفتهُ وهو يضعُ الفنجانَ بحدةٍ صخبَت بهِ الطاولةُ الزجاجية ولفتت منها بعض الأعيُن القريبة، دخَل في تلكَ اللحظـةِ عاملٌ اقتربَ منه ليهمسَ لهُ - بأنّ سلمان يُريد منهُ أن يشرفَ على جزءٍ من العشـاء فوحدهُ لن يستطيع.
نهضَ بحنقٍ وهو يحاول إقنـاع نفسه بأنّ تجاهلهُ لهذا اليومِ خاطئ، لطالما كان الأكثـرَ حماسًا، ووالدهُ - الحقيقي - لا يستحقُّ كل هذا البرودِ في صدقةٍ له، تحرّك ليتبَعهُ من خلفهِ عناد وهو قلقٌ عليـه.
.
.
.
انــتــهــى ..
ما عندنا تعليق :) ارتحتوا أخيرًا ياللي مجهدين نفسكم بمتعب وماجد وهو وماهو هو؟! الحين طلعنا من نطاق هالسؤال وصرنا بنطاق ( وش بيصير له؟ وش بيصير لأسيل؟ شاهين؟ وش قصّة شاهين أساسًا !!! )
جزئيته كانت بتبكيني عاد :( - يعني ابكوا معي - لووول. فديته ولدي عاش بغربة سنتين -> قاعدة تلطّف الجو عشان ما تجلدونها :P
عمومًا ، موقف متعب كنت بغيّر مكانه وأخليه قفله عشان تواجده في البداية ممكن يشتت تركيزكم عن باقي البارت، بس مكانه الصحيح هو البداية وبخرّب تنظيم البارت لو غيّرت ترتيب الأحداث.
سُو ، نشوفكم على خير وحاولوا ما تخلّون تفاجئكم بمتعب ينسيكم باقي المواقف * دمعة * :" + دعواتكم لي عندي امتحان بكرا ماقد ذاكرت منه شيء وحصرت وقتي اليوم بهالبارت، لا تبخلون علي بدعاءكم.
^ هذا وهي ما عندها تعليق :) الزبدة موعدنا الجاي يوم السبت ()
ودمتم بخير / كَيــدْ !
|