بسم الله الرحمن الرحيم
البارت الثاني والعشرون
,
,
المملكة العربية السعودية – الشرقية
الخامسة مساءً
دخل الى المنزل مستعجلاً وألقى التحية وقال
: ملاك بسرعة قومي جهزي شنطتك
ثم توجه الى الدرج
تبعته ملاك بسرعة وهي تهتف
: وليد !
التفت اليها
: نعم ؟
: وش فيك , وش صاير ؟!
: بسرعة اجهزي بنطلع للرياض
قال والده
: وش فيك !
: خالد محتاجني لازم اروح له
: طيب لا تاخذ اختك !
قال بحزم
: مستحيل اتركها , يمكن أطول أيام , تقعد عند خالتي وانا اشوف ابو وليد وش صاير معاه
قال والده بغير رضى
: ما له داعي تروح ملاك
قالت ملاك بابتسامة
: ما عليه يبه انا بروح لخالتي مشتاقة لها !
صعدت خلف شقيقها وهي تقول في نفسها
" يارب استر "
,
في المشفى
دخل فهد الى عيادته ولبس الزيّ الرسمي لعمله
معطفٌ أبيض أسفل فخذه بقليل
وسماعته الطبية معلقةٌ على رقبته
خرج لينزل الى المقهى ويحضر كوبَ قهوة
كان الأطباء مندهشين من رؤيته
خرج الدكتور غسان من عيادته ورآه
قال بصدمة
: فهد !!
ابتسم واقترب منه , سلم عليه وهو يقول
: شلونك !
ظلّ غسان صامتاً ينظرُ اليه بدهشة
ضحك وقال
: وش فيك وش شايف !
: انت شلون تداوم وانت تعبان ؟
: الحمد لله انا بخير واقدر أجي شغلي وأقدر اعيش حياتي طبيعي !
قال غسان بحزم
: فهد انت ما كملت علاجك وتحتاج راحة والتزام بالدوا وغيره
قال بلا مبالاة
: قلتلك أقدر اقوم بواجباتي واكون بخير
صمتَ قليلاً ثم قال وهو يضرب كتف غسان
: اييه , ما دريت انك تعرف اخوي
قال غسان بارتباك يدّعي اللا فهم
: من اخوك
ضحك فهد
: الحين صار من اخوي , وانا اقول شفيه غسان مبثرني كأني بزر , لا تسوي كذا ولا تروح هنا وتقول مدري وش , اثاريه وليدان يحرض فيك
ضحك غسان رغماً عنه وهزّ رأسه باستياء
: والله انتم نكتة ! انت واياه اخوان تفاهموا بينكم شدخلني تحرجوني معكم
قال فهد ساخراً
: مرررة مقطعك الاحراج انت وجبهتك الوسيعة
دفعه غسان وهو يعنفه مازحاً
: احترم فارق العمر
ابتسم فهد وسارا متجاورين الى المقهى
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
السادسة مساءً
قال بابتسامة
: وانا اشتقتُ اليكِ أيضاً
قالت بحزن تُخفيه
: انها المرةُ الأولى التي لا تكون موجوداً في رمضان !
ابتسم وقال بحنان
: سأكون موجوداً مساءَ اليوم الأول منه !
: أردتك هنا منذ الليلة الأولى !
زفر وقال
: لا استطيع الشجار مع الطيّار واجباره على اخذي الآن !
ضحكت وتابعت حديثها وتوصياتها له
أغلق الهاتف ورفع رأسه لينفجر ضاحكاً وهو يقول
: آمري !
تلفتت حولها تبحث عن شيءٍ ترميه به
ضحك واقترب منها لتضربه بعصاها
: ارجع وراك , عنبو هالوجه , كل هالدلع للانجليزية ؟!
ضحك ونظر الى سلطان
: وش تبي مني !!
قال سلطان ببرود
: تفاهم معها , والمرة الجاية لا تكلم نانتك قدامها لأنها تنغاض منها ما تحب مياصتها
حملق فيه وصرخ
: هيه احترم نفسك , لا تقول عن نانا مايصة !
ضحك سلطان دون أن يجيبه
قالت الجدة بعد صمت
: دق لي على مالك قليل الخاتمة , ما جاني ولا شفته الا مرتين ثلاث ! ما يقول جدتي متشفقة على شوفتي ومشتاقة لي لاصق بأمه
قال سلطان بحنان
: خليه يمه , مشتاق لأمه واخته , وخواله ما خلوه كل يوم رايح لواحد منهم , وربعه يشرهون عليه
قالت بعصبية وهي تلكز سلطان بعصاها
: وانا مالي حق عليه !
ابتسم وهو يبتعد عن العصا
: خلاص بكلمه الحين اقول له يجيك الليلة يسهر عندك
ابتعد خارجاً من الغرفة وهو يتصل على مالك الذي أجابه بضحكة
: هلا سلطان
ابتسم سلطان لضحكته
: هلا فيك , شلونك ؟
: الحمد لله طيّب , انت عساك بخير
: الحمد لله
وصمتا
قال مالك بقلق وهو يبتعد عن الذين حوله
: سلطان صاير لك شي ؟
ابتسم سلطان بمحبة
: ما فيني شي
قال مالك باصرار
: احلف
: والله ما فيني شي , بس جدتي قالت لي أكلمك تجيها تقول ما شبعت منك
: بس ؟
صمت سلطان قليلاً قبل أن يبتسم ويقول
: ومشتاق لك !
ضحك مالك وهو يصفر بتعجب
: آووه من وين طالعة الشمس اليوم ! سلطان اللي ما يعرف يعبر لا ايجابي ولا سلبي يقول لي انا اللي تحت يده مشتاق لك ! وش صاير للدنيا
ضحك سلطان بعمق قبل أن يقول
: كل تبن لا تصدق نفسك !
ضحك مالك ثم قال بابتسامة
: نص ساعة ان شالله واجيكم
: حيّاك
ودعه وأغلق الهاتف
للتو أدرك كم يحب مالك !
كم يشتاقه ويفتقده
كم يملأ مالك حياته ويعني فيها كل شيء !
ابنُ عمه , الذي لم يتركه حين سقط
الذي لم يصد عنه في احتياجه له
الذي تغاضى وغض الطرف عن أخطائه الفادحة
الذي غفر له ذنباً لا يُغتفر !
غُربة روحِه يبتسم لها مالك بطيبته فتتلاشى
خدوش قلبه يربت عليها مالك فتلتأم
انكسارُ نفسه يسنده مالك , فيستقيم
أيُّ نعمةٍ وهبني الله اياها أنت يا أخي !
عاد الى جدته
: بيجيك مالك بعد نص ساعة
قالت بعجلة
: ناد لي أروى
مدّ برأسه من الباب ونادى
: أروى , بنــت أروى
نزلت الدرج مسرعة
: هلا
: تعالي كلمي جدتي
اقتربت لتدخل ومدّ يده أمامها
: خلك هنا سعود داخل
قالت بخفوت
: هلا يمه
: روحي يمه سوي القهوة وقولي للخدامة تنظف المجلس بيجينا مالك
: سمي
دخل سلطان وأغلق الباب
قال سعود
: متى تمشون سلطان ؟
: يوم الأربعاء , اليوم الرابع في رمضان , وانت !
: أول يوم رمضان , يعني بعد ثلاث أيام
قالت الجدة بانزعاج
: مستانسين بذي السيرة تتناقشون فيها ! قم عني انت وياه
ضحك سلطان وهو يقترب منها
: يا ام مساعد الله يخليك لي ويطول عمرك انتي ودك ما نتركك أبد
قالت بصدق
: أي والله ودي ما تتركوني ابد تعيشون هنا عندي
: بس عندنا اشغال وحياة والتزامات
رمقته بنظرةٍ غاضبة
: ما ودي اضيق صدرك يا سلطان ابعد عني
ضحك بهدوء وهو يقبَل باطنَ يدها
: ارضي علينا ما نقدر على زعلك
اغرورقت عيناها بالدمع وصمتت
وسعود ينظر اليهما بهدوء
رغم محبته لها وحنانه الذي يغدقه عليها
هو لا يصل ولا اقل من ربع معاملة سلطان معها
يتفنن في تدليلها ومراعاتها !
وهي تحبه الى الحد الذي يؤلمُها فقده
الى حدٍّ يوجع مشاعرها
ابتسم وزفر
كم تتألم يا سلطان وتؤلم غيرك !
كم انت قاسٍ وتُرحَم يَ ابن عمي !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة مساءً
نزلَ الثلاثة من السيارة
قال رائد
: تبوني انادي ولد عمي بروحه أول وبعدين تدخلون ولا تدخلون على طول ؟
تبادلا النظرات , ثم قال خالد
: ناد ولد عمك
اتصل بابن عمه الذي خرج لهم بعدَ خمسِ دقائق
اقترب بابتسامة
: حيّ رائد وضيوفه , تفضلوا !
اقترب فيصل وهو يقول بحدة
: تعرف بندر ولد محمد اللي كان يجي مع رائد ؟
صمتَ وعقد حاجبيه ليتذكر
ثم قال
: ايه ايه عرفته والنعم فيه , وش فيه ؟
صرخ فيه فيصل
: وش قلتوا له شلون وديتوه من لعب عليه
قال الشاب بدهشة
: عفواً !
قال رائد بهدوء
: بندر يكون اخوهم , قبل كم يوم سافر سوريا فجأة بدون علم أحد , ويبون يعرفون من اللي موديه لأن بندر ما يقدر يسافر بروحه !
قال بصدمة
: سوريا !
وضع فيصل يديه على رأسه بغضب
: يا الله ! ياا الله , كل ما سألنا واحد سوى دراما الصدمة ذي
اندفع الشاب غاضباً
: وانا وش دخلني فيك وفي اخوك ! عادي واحد من الشباب كان يجي يجلس معنا , انا ماني مسؤول عن روحته وجيته وطبيعي بنصدم انّه راح سوريا !
أمسك به رائد وهو يقول بهمسٍ حاد
: يرحم أمك روق ! راعِ مصيبتهم
زفر بقوةٍ واستغفر الله بهمسٍ ثم قال
: الشباب اللي تعرفوا عليه وكانوا يجلسون معاه دايماً داخل , تفضلوا اجلسوا معهم وافهمو منهم
التفت فيصل الى خالد وهتف بغضب
: وش نسوي الحين ! كل واحد يرمينا على الثاني وامي بتموت وبندر بيروح !
ازدرد خالد ريقه وربت على كتف شقيقه
: استهدِ بالله , تفرج ان شالله , تعال ندخل نشوف اللي يقول عنهم , وتحكم بأعصابك ! مو كل الناس بتراعيك ويقولون ما عليه ما نزعل منه , اللي ما ترضاه لنفسك لا تعامله فيه غيرك , سمعت !
زفر وتبعا رائد وابنَ عمه
دخلا ليرحبَ بهم الشباب أجمع
جلسا جنباً , والتفت خالد الى رائد
: عجّل علينا وين الشباب
سأل رائد ابن عمه ليشير الى مجموعةِ شباب يجلسون متقاربين
نهضا خالد وفيصل وتوجها اليهما
رفعَ خالد يده يحييهم
: السلام عليكم
كان فيصل عاقدٌ حاجبيه بغضب وينظر اليهم بحقد
كان أحدهم ينظر الى فيصل بعمق , وقال بغتة
: يقرب لك بندر محمد الجابر ؟
رفع فيصل أحد حاجبيه ليقول
: اخوي
ابتسم والتفت الى الذي بقربه
: يشبه بندر مرة
قال فيصل بحدة
: وين وديتوه
قال الشاب نفسه
: وين وديناه ؟!
سأل خالد بهدوء
: انتوا كنتوا تجلسون معاه ! عندكم خبر عنه الحين
: لا , انقطع من فترة
زفر فيصل بغضب
قال أحدهم بعد تردد
: بندر سافر ؟!
نظر اليه خالد بحدة , ليردف الشاب
: انا مالي دخل ! تعرفت عليه وأخذته لاستراحة اخوياي وهناك تعرف على شلة وانتم أعرف باللي صار بعدين
قال الذي شبّه فيصل ببندر
: وش السالفة ؟
سأله خالد
: من متى تعرف بندر ؟
ابتسم
: مو كثير , بس جلست معاه كم مرة , يدخل القلب وسوالفه حلوة
التفت فيصل الى الشاب الآخر
: قوم ودنا استراحة ربعك
اولاه ظهره وخرج وخالد يتبعه والشاب خلفهما
استوقفه الذي شبّه بينَ فيصل وبندر بجدية
: عبد الاله , تعال قول لي وش صاير
همس عبد الإله
: بندر راح لسوريا
قال بصدمة
: من موديه !
قال عبد الاله بهمّ
: مروان واللي معاه حسبيّ الله عليهم
قال الآخر بِ شك
: هم ما غيرهم الييي
ردّ وهو يضع يده على رأسه
: ايه
قال الآخر بغضب
: الله لا يوفقهم لا دنيا ولا آخرة , خذني معكم
خرجا مسرعين يتبعان بندر وخالد
,
,
المملكة المتحدة – اكسفورد
الثانية مساءً
ردّ على هاتفه وهو يخرج من القاعة
: هلا وغلا
قالت بعجلة
: عزوز شلونك
ردّ مستغرباً
: الحمد لله , وش فيكم ؟
ازدردت ريقها وقالت
: عزوز امي تعبانة شوي وتبيك تجي !
قال بهلع
: وش فيها !!
قالت بسرعة
: لا لا مو شي كبير...
قاطعها أحدٌ ما بسحبِ الهاتف منها ووبخها
: هبلا والله , فجعتي الرجال ! – قالت بحنان – السلام عليكم
ردّ منفعلاً
: غالية وش صاير وش فيها امي ؟
قالت بهدوء
: مو صاير شي حبيبي , والله ما فيه شي نزل عندها الضغط شوي وبس !
قال بغضب
: لا تكذبين ! تهاني متصلة وتقول تعبانة وتبيك !
قالت بصدق
: قلت لك والله بس نزل ضغطها ! بس عشان عمرها ومو طيّب عليها بتقعد في المستشفى يومين يمكن , ومشتاقة لك وتمنتك عندها على الأقل يومين من رمضان , بس تهاني خبله ومطيورة ما تعرف تتكلم
صمت وهو يتنفس بهدوء يهدء روع نفسه على والدته
قال بعد صمت
: متأكدة انها طيّبة ؟
قالت بحنان
: طيّبة
زفر ثم قال
: بشوف الحجز وان شالله بأجيها
تحدث الى شقيقته قليلاً ثم أغلق الهاتف
رفع رأسه ليرى لين مع صديقتيها
ابتسم وتمتم
" الله يحفظكم "
سار خارجاً من الجامعة وهو يعبث بهاتفه يبحث عن الرحلات المتوجهة الى المملكة العربية السعودية
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثامنة وخمسٌ وأربعون دقيقة
نزل عبد الاله من سيارته برفقة نايف
ونزلا خالد وفيصل من سيارتهما
ساروا الى الاستراحة وعبد الاله قلقٌ مما سيحدث
دخلوا جميعاً وتلفت عبد الاله يبحث عن أحدٍ معين
اقترب من أحد الشباب تحدث معه قليلاً ثم عاد الى خالد ومن معه
: معليش شباب العيال مو موجودين اليوم !
اقترب منه فيصل بحدة
: شلون يعني مو موجودين ؟
: سألت عنهم يقولون لهم فترة مو جايين ! اللي في مكة واللي في الشرقية واللي في البر واللي طالعين الديرة ! اصبروا كم يوم ويجون كلهم !
زفر خالد بتعب والتفت الى فيصل الذي كان يشتعل غضباً
قال فيصل برفض
: تتخيل اني أرجع لأمي الحين واقول لها ما لقينا شي ؟
رفع خالد كتفيه بقلة حيله وملامحه مرهقة
: وش نسوي يعني !
قال فيصل بحرقة
: يا جعل قهر امي ما يتعداهم
خرجا من الاستراحة ليفتح خالد هاتفه ويرسل برسالةٍ لأحدهم
" ابو خالد اذا تقدر اطلع للرياض , محتاجك يا اخوي "
أغلق الهاتف وعاد مع شقيقه للمنزل دون أن يلتفتا الى عبد الاله ونايف الواقفين خلفهما !
,
,
الرياض – العاشرة مساءً
نزل الى منزل خالته وهو يحمل حقيبته وحقيبة شقيقته
فَتح لهما تركي الباب وقال بصدمة
: وليد !
دخل مبتسماً وعانقه بخفة
: شلونك
قال تركي بقلق
: وش فيكم ؟
ضحك وقال
: ما في شي ! انت وش فيك منخرش كذا
تراجع وهو ينادي
: يممه , وليد وملاك هنا
خرجت من المطبخ تهتف بفزع
: وش صاير
ضحك وليد رغماً عنه وهو يقبّل رأسها
: ما في شي الله يخليك لي !
قالت بخوف وهو تضم ملاك اليها
: وش جايبكم في ذا الليل ومو قايلين لنا !
قال بهمّ
: خالد مدري وش صاير معه ويبيني ضروري , ركبت السيارة وجيت على طول – صمتَ لثوانٍ ثم قال بانكسار – وعندي لك سالفة مأجلها من اسبوع او اكثر
قالت متفهمة
: على خير ان شالله , طيب اجلس تقهو وتعش ونام وبكرة رح لخويك
هزّ رأسه نفياً
: بروح له الحين ويمكن اتأخر عنده
قاطع حديثه حين سمع هديل تنزل الدرج وتنادي
: يممـ... – شهقت بحدة وهي تنظر اليهما ثم نزلت بسرعة مندفعةً الى ملاك وهي تهتف – متى جيتوووو
قال وليد بسرعة
: يلا مع السلامة
توجه للباب لتتشبث به هديل وهي تضحك
قبّلت كتفه وتركته يخرج
توجه الى منزل صديقه فوراً
,
حين وصلا الى المنزل وجدا عمهما أمامه بانتظارهما
صرخ بهما حين رآهما
: وين كنت انت وياه ؟
تجاهلاه متجهان الى الباب
فتحه فيصل والتفت خالد اليه بهدوء
: تفضل !
مدّ يده ليضرب كتفه بقسوة
: رد علي لمن أكلمك , وين داشر انت وياه الله ياخذكم
كان فيصل قد دخل الى المنزل
أجابه خالد ببرود
: ما يفيدك المكان اللي كنّا فيه
صرخ به
: وين بندر ؟
قال يفتعل الهدوء
: مو موجود , سهران مع ربعه
قال بحدة
: لا تكذب , عرفت انّ له كم يوم ما يجي للبيت , لا يكون عند المغضوب عليها
قاطعه خالد بغضب
: حدك
ليقول العم بغضبٍ أكبر
: حدّ يحدك يالكلب
: وش تبي جاي ؟
: بعرف وين اخوك الكلب , يمكنّه عند الداشرة الصايعة
ثارَت غيرةُ خالد على شقيقته الصغرى
طفلته الجميلة البريئة
ويحكَ , أتسب تلك الأليفة التي لم يرَ أحدٌ منها شراً قط !
ويحك , أتسب شقيقتي !
ويحك , أتسب وصيةَ أبي !
ويلك من الله وانت تقذفها , وتؤذي مسامعي بتلفظك عليها
ما أكبر ذنبك وأنت ترشق قلبي بسهام كلماتك المسمومة !
اندفع اليه بجنون وهو يبعده من أمامه
: قلت لك لا تغلط على لين
قال عمّه بصدمة
: تطول ايدك علي يا ولد محمد ؟
: انت عمي وعلى عيني وراسي ولك الحشيمة ولك احترام ابوي , لكن والله وعزة الله لو تكلمت بأختي مرة ثانية ان تفاهمي معاك بالمحاكم , لين اشرف واطهر من قبيلتكم كل ابوها , واللي يتكلم فيها يا جعل لسانه للقص
صمتَ العمُ لبرهة , ثم قال بوعيد
: والله ان تشوف يا خويلد انت وامك واخوانك والكلبة اللي مدري وين مهيتينها
أولاه ظهره متوجهاً الى سيارته ليسمع خالد يقول ساخراً
: شد حيلك عاد !
ضحك ببرود ودخل الى منزله مغلقاً الباب
ليمر الوقت بطيئاً يحمل الأسى والكآبة , قبل أن يأتيه وليد الذي لم يتوقع أن يُلبيه بهذه السرعة !
ما أسعدني بكَ يا وليد !
ما أكبر همي , وما أسرع حضورك الذي يجليه !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الحادية عشرةَ مساءً
دخلوا للمنزل جميعاً مبتسمين
قبّلوا رأسها واحداً تلو الآخر
وهم يتمتمون بِ
: كل عام وانتي بخير
وترد مبتهجة
: وانت بخير يا مال الخير
جلسوا جميعاً ليقول سعود براحة
: سبحان الله يا جمال صلاة التراويح ! مع اني أصليها في لندن لكن أبداً الجو والطمأنينة ماهي زي هنا !
قال سلطان مؤيداً
: والله صادق , في استراليا نصليها في البيت انا ومالك ! تحس انك رايح بس تأدي واجب في المساجد ! ما في الروحانية اللي هنا
تحدثوا طويلاً قبلَ أن يذهب سعود الى غرفة جدته ليتأكد من الأوراق
تغيرت ملامحه وعاد اليهم مسرعاً
: يا جماعة !
التفتوا اليه لتقول جدته بقلق
: وش فيك !
قال وهو يرفع الأوراق أمامها
: طيارتي بعد ثلاث ساعات !
قالت مستغربة
: مو انت قايل انها بعد المغرب ؟!
: مدري قريت الوقت غلط
نهضت معه وهي تضحك
: مفهي الله يسلمك
توجها الى غرفتها وتبعهما سلطان ومالك
جلست أمامه ترتب ملابسه وأغراضه وهو يساعدها ويتحدث مع ابني عمه
رنّ هاتفه ليردّ مبتسماً
: هلا
: شلونك سعود
: الله يسلمك , كل عام وانت بخير حبيبي
: وانت بخير وصحة وسلامة , متى تجي
نهض من مكانه خارجاً من الغرفة
: شفيك عزوز ؟
زفر عبد العزيز ليقول
: امي تعبانة شوي وبطلع للرياض
: عسى ما شر
: خير ان شالله بس الضغط , متى طيارتك ؟
: بعد ثلاث ساعات
صمت عبد العزيز لثوانٍ ثم قال
: ماني رايق لاستهبالك
ضحك وأجابه
: والله صدق
تأفف عبد العزيز ليقول
: انت مو قايل توصل بعد نص الليل بكرة ؟!
: تأكدت من التذاكر توّني والرحلة بعد ثلاث ساعات
: طيب اجل أشوفك في المطار , بكون موجود وقت وصولك رحلتي بعدها بساعتين
: على خير أجل
ودعه وأغلق الهاتف عائداً الى الغرفة
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
العاشرة مساءً
نزلت الى الأسفل وعينيها متورمتان من النوم
دخلت المطبخ
التفتت اليها رتيل وابتسمت
: صح النوم حبيبي
جلست على الكرسي وأسندت رأسها الى الطاولة وقالت بخمول
: صح بدنك
اقتربت رتيل وقبّلتها بابتسامة
: كل سنة وانتي طيبة , بكرة رمضان
رفعت رأسها بشهقة
: احلفي
ضحكت رتيل وهي تبتعد
: والله
فزّت داليا خارجة من المطبخ مسرعةً الى غرفةِ الجلوس
عانقت والدها وهي تهتف
: كل عام وانت بخير باباتي
ضحك وهي يضمها اليه
: وانتي بخير يا روحي
اقتربت من والدتها وفعلت ذات الشيء
ثم التفتت الى شقيقها
ضحك وهو ينهض ليهرب
: وانتي بخير خلاص لا تقربين
ضحكت وهي تضمه من الخلف
: حبيبي انت كل عام وانت بخير
ابتسم والتفت اليها ليقبّل رأسها
: وانتي بخير ابوي
قالت والدتها
: باركتي لرتيل بالشهر ؟
وضعت يدها على شفتيها
: ويي , قالت لي كل عام وانتي بخير وسحبت عليها
نظر اليها والدها بحدة لتفر هاربةً الى المطبخ وتعانقها وهي تهتف مبتهجة
: رتاايل كل سنة وانتي طيبة وبخير وسالمة وأحسن شي في الحياة
ضحكت رتيل
: وانتي طيبة
ابتعدت عنها وسألتها
: باركتي لأهلك ؟
: بروح لهم الحين
قالت داليا مستنكرة
: الحين ؟
هزّت رأسها ايجاباً
: ايه , ساعتين ولا ثلاث وبرجع , لا القاك نايمة عشان نشتغل حق المفرزنات
: اوكي , سلمي على عمتي وهديل – صمتت لثوانٍ ثم قالت – وملوكة
التفتت اليها رتيل بابتسامةٍ جانبية
: وعلي
قالت داليا بغيض
: بكرة رمضان لا تخليني أتهاوش معك
ضحكت رتيل ولم تُجبها
انتهت من غسيل الأطباق ثم الى غرفتها لتغير ثيابها وترتدي عباءتها وتنتظر أخوها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
التاسعة والنصف مساءً
همّ وليد بالخروج من المنزل لتتبعه ملاك مسرعة
: ولييد
التفت اليها بانتباه
: هلا
قالت مستغربة
: مو ناسي شي ؟
تفقد جيوبه ثم قال
: لأ ! وش فيه ؟
قالت بِ " زعل "
: خلاص ولا شي روح
أولته ظهرها ليمسك بها وهو يقول بصدق
: ملاك وش فيه
احتقنت عينيها بالدمع وقالت بخفوت وهي تواري دمعاتها عن عينيه
: ما باركت لي بالشهر
ابتسم وسحبها برفقٍ الى صدره وقبّل رأسها
: يا عيون وليد وأهله كل ابوهم , كل عام وانتي بخير وصحة وسلامة وبركة وعافية يا قلب أخوك , سامحيني والله بالي منشغل في خالد ما باركت لأحد
صمتت وصمت لثوانٍ ليمسح على رأسها
كان يدرك أنّ الأمر ليس مبكياً !
لكنها ملاك ! وهو وليد !
الشقيقين المَشْقِيَيِنْ في حياتهما !
الذَيْن لا يملكان سوى بعضهما
فإذا اعتبر الناس جميعاً أنّ المباركةَ أمرٌ عادي ولا مشكلة في نسيانه
تعتبره ملاك أمراً مقدساً ! وفي نسيانه دمارٌ لقلبها !
: ملاك , آسف يا قلبي
ابتعدت عنه لتمسح الدمعتين الوحيدتين وتقبّل وجنته
: وانت بخير حبيبي
كل عامٍ وانتَ أغلى شيءٍ في حياتي
كل عامٍ ولا يزال قلبي ينبض فقط من أجلك
كل عامٍ وانتَ من يملأ حياتي جمالاً
لا تغضب مني او تتضايق اذا بكيتِ من أمرٍ " لا يستحق البكاء " في نظر البعض
ألّا تبارِكَ لي , يعني أن أشعرَ باليُتمِ المُر وأعيشه في كل لحظاتي مجدداً , رغمَ أنني لم أنسى للحظةٍ يٌتمي !
ألّا تعانقني وتقبّل رأسي , يعني أن أبات ليلتي باكيةً أمي الراحلة
أنت يا أخي كلُ حياتي
فإن لم تشاركني أدق التفاصيل لم يعُد لحياتي معنىً !
التفت ليرى خالته تمسح دمعاتها اقترب منها وقبّل رأسها
: كل عام وانتي بخير
: وانت بخير يمه
: يلا انا بروح لخالد الحين , تامروني بشي ؟
قالت خالته بحزن
: للحين ما وصلوا لشي ؟
زفر بتعب وهو يقول
: لا , أمّه بيوقف قلبها من الهم !
: حبيبتي الله يصبرها , روح يمه الله معك
التفت ثم نادته بعجلة
: وليد
التفت اليها
: ما قلت لي سالفتك !
ازدرد ريقه ليجيبها بارتباك
: ان شالله لا رجعت
وخرجَ مسرعاً
حينها نزل علي من الأعلى لتدخل ملاك الى العرفة الجانبية
قالت والدته
: بتروح تجيب رتيل ؟
: ايه
: انتبه للطريق يمه
: ان شالله
خرجَ وأغلق الباب لتعود ام علي الى الغرفة وتنضم الى ملاك وهديل التين تعملان على " المفرزنات الرمضانية "
,
,
الى الملتقى :)