من الواضح ان هؤلاء الصبية جعلوا من المكان ملعباً لهم بالرغم من كثرة وجود الحفر الممتلئة بالمياه والوحول.
تقدمت بيبا من شوان وقالت:
- كيف يبدو لك الأمر ياشوان؟
نبرة الاهتمام التي تفوهت بها جعلته يلتفت اليها بدهشة , فقال لها:
- لا اعلم, فقد كانت مغطاة و أزيل الغطاء عنها سهواً كما اعتقد , انها تمتلئ بالمياه في الاسفل.
هتف بذعر:
- يوجد مياه .. اتستطيع ان ترى الفتى؟
عندما اقترب شوان من الحفرة كثيراً صاحت بيبا:
- ارجوك شوان انتبه.
تراجع الى الوراء قليلاً :
- انه هناك على عمق عشرة اقدام , يجب ان انزل لأنقذه لأنه اذا تحرك فسوف يقع الى قعر الحفرة.
اعترضت بخوف شديد :
- لن تنزل الى الاسفل , فماذا لو وقعت؟.
- يجب أن لا اقع , سأربط الحبل حول وسطي ولكن علينا ان نجد شيئاً متيناً لنربط به طرفه الآخر.
- تمهل من الافضل ان انزل انا بدلاً منك.
- كلا .
منتديات ليلاس
- بل نعم , فأنا أخف منك وزناً وسيكون باستطاعتك ان تمسك الحبل بقوة .ريحانة
- لن أدعك تنزلين الى الاسفل .
اجابت بعناد :
- ليس لدينا وقت للمناقشة.
تردد لبعض الوقت ثم رضخ للأمر :
- حسناً على كل حال فالحبل قوي سأربطه حول وسطك ولكن ارجوك ان تبقي ذراعيك الى الاسفل وإلا ستنزلقين منه.
اقترب منها لأول مرة منذ اسابيع وراح يلف الحبل بكل ثقة, فشعرت بخفقان قلبها القوي من شدة حبها له , لكن الوقت لم يكن مناسباً لتخبره بماتشعر به فقد يتحرك الفتى في اية لحظة ويقع .
جاء سيريل سائق شوان في تلك الاثناء وقال:
- ستحضر الشرطة بعد قليل ياسيدي لكن لا يجب ان تنتظروا قد تتأخر الشرطة في الوصول .
- حسناً ياسيريل.
ثم التفت نحو بيبا وقال باهتمام واضح:
- انتبهي يابيبا هناك عدة اعمدة حديدية على جانبي الحفرة ولكن لا تعتمدي عليها فقد تكون صدئة.
- سأكون بخير ولكن انتبه للحبل أنت.
امسك يدها بيده ووعدها انه لن يتركها , فشدت على يده واحست بالحرارة تنتقل منه اليها , ارادت ان تضمه لكي تشعر بالامان اكثر, لكنها تركته ونزلت الحفرة المظلمة.
تساقط المطر بغزارة حتى اصبحت الحفرة موحلة اكثر, وصلت بيبا الى مخبأ الاولاد فلمحت الألعاب البلاستيكية فرق قلبها وشعرت بحرقة كبيرة.منتديات ليلاس
لم يكن عليها الاعتماد على الاعمدة فبلحظة واحدة انزلقت احداها ووقعت الى الأسفل.
صرخ شوان قائلاً بأعلى صوته حين سمع الضجيج:
- بيبا , هل أنت بخير؟

- نعم , وشكراً لأنك اثقل مني وزناً.
وجهت بيبا المصباح فلمحت الفتى وسمعت أنينه ولكنها تذكرت كلمات شوان بأن حركة واحدة خاطئة قد ترسله الى اعمق اعماق الحفرة.
اقتربت من الفتى ببطء وهدوء وامسكته بذراعيها بشدة وقالت:
- لقد امسكته.
قال شوان بسعادة:
- حسناً لن يتطلب الأمر اكثر من دقائق.
اجابته بصوت متعب:
- اتمنى ذلك فالمطر يتساقط بغزارة على عنقي.
ضحك شوان مدركاً محاولتها في تخفيف الأمر على نفسها, فقد مر هو نفسه بتجارب مماثلة من قبل , تذكرت هي ايضاً يوم زفافهما واحاديث بول عن المخاطر التي تعرضوا لها , فكرت ان شوان لم يقصد الانتقام ساعة قرر الزواج منها وكان باستطاعته الانتقام عبر امور اخرى , لقد تأكد لها ذلك من الطريقة التي كان ينظر اليها في هذه اللحظة .
خجلت بيبا من نفسها فقد كان من الممكن ان تصل الى هذه النتيجة بسهولة, اذ ان شوان لم يقرب جيريمي من لوسي بدافع من كرم اخلاقه , بل لابعاده عن طريقها , لكن غيرتها العمياء جعلتها لا تعي حقيقة الوضع.ريحانة
وقررت انه وبعد خروجها من هذه الحفرة المخيفة سوف تقول له بأنها تحبه من كل قلبها وانها لا تستطيع العيش من دون وجوده الى جانبها.
منتديات ليلاس
بعد لحظات سمعت بيبا صوت سيارات الشرطة والاسعاف , فخاف تومي ولكنها امسكت به بقوة وطمأنته بأن الأمر لن يطول لذا عليه عدم التحرك.
نادى شوان عليها يطمئنها :
- بيبا لقد وصلت الشرطة , اصمدي.
- جيد , لأنه بدأ يرتعش خوفاً.
نادى الفتى بهلع شديد:
- أمي.
طمأنته بيبا قائلة:
- تمهل ياتومي ستأتي والدتك في الحال ولكن ارجوك, لاتتحرك.منتديات ليلاس
قال احد رجال الشرطة :
- حسناً , لا عليكم سننزل اليكم.
شعرت بارتياح كبير عندما اقترب منها احد رجال الشرطة وساعدها في لف المعطف حولها , كما ساعد الفتى في الصعود الى الحمالة لمعاينته ومن ثم نقل الى سيارة الاسعاف .
راحت بيبا ترتجف برداً فإذا بشوان يضمها الى صدره ويداعب شعرها بلطف بعد ان زال القلق الذي شعر به بشأنها طوال فترة مكوثها في الحفرة , ثم سألها بصوت حنون :
- هل أنت بخير؟
توسلت اليه قائلة :
- فقط اخذني الى المنزل.
كان سيريل قد تركهما قبل الآن ليوصل الرجلين الايطاليين الى المطار , فتوقفت امامهما سيارة شرطة وعرضت عليهما ان تنقلهما الى المنزل.

ضحكت بيبا في نفسها عندما تذكرت ان والدة تومي لن تجد الأمر بالسوء الذي كانت تعتقده وقالت :
- هذا الصبي سيلقى عقابه متى خرج من المستشفى.
كانت سيارة الشرطة دافئة ومريحة بوجود شوان الى جانبها وهو يغمرها بذراعيه, وشعرت بأنها تحلم , هناك الكثير من الامور التي عليها ان تقولها له, لكن بوجود رجال الشرطة في السيارة معهما تمنعت عن الكلام في الوقت الحاضر, فالوقت امامهما طويل ولديهما كل وقت العالم.
عندما وصلا الى المنزل , شعرت بيبا بتشنج في قدميها فماكان من شوان إلا ان حملها بين ذراعيه , ولم تعارض ذلك ابداً.
خرجت السيدة ميلر من المطبخ مسرعة حين سمعت الباب يفتح وقالت :
- آه ... سيدة بيبا , سيد شوان لقد سمعت كل شيء في نشرة الاخبار, لقد نقل الفتى الى المستشفى , ماذا كان يفعل في مكان كهذا؟ آه.. انظرا الى ثيابمكا الموحلة سأعد لكما فنجاناً من القهوة.منتديات ليلاس
- اعتقد ان كوباً من الشاي سيفي بالغرض اكثر , اليس كذلك يابيبا؟
اجابته بصوت منخفض :
- نعم من فضلك, بالإضافة الى حمام ساخن.
اجاب شوان وهو يصعد بها الى الطابق العلوي :
- طلباتك أوامر, سيدة ميلر ارجوك اعفينا من فضول الصحافيين وحوليهم الى سكرتيرتي سأتصل بها وأعلمها بما ستقوله.
نظر الى بيبا بحب وقال لها بصوت يملؤه الخوف والشوق :
- هل باستطاعتك الصمود للحظة بيبا سأتصل بالسكرتيرة قبل ان يزحف شارع فليت كله نحونا.
- آه .. أنا متأكدة انهم لن يفعلوا , ولكن افعل ماتراه مناسباً.
منتديات ليلاس
نظر اليها مجدداً بحنان وحب وقال :
- حسناً , لن اطيل غيابي عنك, سآتي لك بفنجان الشاي.
دخلت بيبا الحمام وبدلت ثيابها الموحلة بثياب نظيفة , وراحت تغسل شعرها بالصابون وبالمياه الساخنة الى ان نسيت ظلمة تلك الحفرة الموحشة وغرقت في رائحة الصابون العطرة.ريحانة
لقد بدلت تلك النظرة كل شيء بينهما, اليوم سيختلف كل شيء ولن يسيطر سوء الفهم عليهما كما حصل ليلة الزفاف في روما.
تذكرت قبلاته الأولى وتنهدت من كل قلبها متأكدة من ان السخرية من كونها زوجته ظاهرياً , ستنتهي قريباً ليبدأ حياة جديدة ملؤها العطف والحب .
- لقد جلبت لك فنجان الشاي الذي طلبته.
ثم تابع مبتهجاً :
- لا اعرف كيف تركتك تنزلين الى تلك الحفرة العميقة , لقد كانت أصعب لحظات حياتي.
اجابته بسعادة :
- ماكان يجدر بي تركك تفعل ذلك, فالحبل لم يكن متيانً بشكل كاف لك.
قبلها بحنان وقال معترفاً:
- انك فتاتي الشجاعة الرائعة, كان عليّ ان اعرف , فمنذ البداية اخذت كل عقلي وقلبي حتى صرت مجنوناً بك.

اجابته :
- اعتقدت انك كرهتني وعاملتني على انني مثل جدتي.
- لقد كرهتك عندما تصورت انك ستتعالين عليّ, ولكن لم أفكر انك تؤثرين عليّ بهذا القدر .
قالت توضح له بصدق :
- لست مثلها ولا مثل والدي فقد كرهت تصرفاتهم مع غرامبس ومافعلوه مع المستثمرين .
- لم يجدر بي اجبارك على الزواج مني ولكنني اردتك من كل قلبي وعقلي وخلتها الطريقة الوحيدة كي اجعلك تقبلين بي.
لمست شعر رأسه مازحة ثم قالت :
- لم اتزوجك لإنقذ والدي من مشاكله .
امسك يدها ووضعها على وجنته وسألها :
- ألم يكن لهذا السبب؟
نظرت في عينيه وقالت :
- كلا ولكني شعرت بشفقة كبيرة تجاه الذي خدعهم والدي فأنا بدوري كنت أستفيد من الاموال , طبعاً من دون ان أعلم ذلك .
ضمها الى صدره بحنان وقال :
- لم تكن غلطتك, وعلى كل حال كنت سأشتري تلك الاسهم إن تزوجتني ام لا.
- كنت ستفعل ذلك؟
منتديات ليلاس
- اردت ان اكون عادلاً مع الجميع , فلو ورث تركة مورغن , كان هناك مشكلة.
- لا تصدق ذلك ., فلو ورث جورج , لكان بدد كل امواله ايضاً.
- عل كل حال لقد انقلب كل شيء لمصلحتي , بينما اعتقدت انت , لاخيار لك سوى الزواج مني.
- لا, ليس الأمر كذلك.
نظرت في عينيه واعترفت قائلة :
- لقد تزوجتك لأنني أحببتك.
- أحببتني فعلاً؟
- نعم , منذ اللحظة الاولى.
نظر في عينيها بدهشة وقال :
- لكني اعتقدتك مغرمة بذلك الأحمق جيرمي .
- كلا, ليس صحيحاً.
- لقد جننت لرؤيتك معه تلك الليلة في الحديقة وكدت اموت عندما سمعته يقول انه يحبك , قررت ان اعود الى كندا وابقى هناك حتى اللحظات الاخيرة حتى افسح لكما المجال ولكن عندما عدت ووجدتك تنتظرينني إزدادا املي لكنه عاد وخاب ليلة زفافنا عندما رفضتني .
- لقد كنت خائفة.
قال موضحاً :
- اعرف ذلك , ولكني فقدت صوابي عندما شعرت انه بالرغم من وجودك بين ذراعي فلازلت بعيدة عني.
- حصل ذلك , لأنني لم اعرف الحب من قبل.
ضحك من كلامها واعترافها واحس بسعادة لا توصف فضمها مجدداً الى صدره وتنهد .منتديات ليلاس
تنهدت هي بدورها قائلة :
- احبك ياشوان , لقد ندمت كثيراً لماحصل في ليلة زفافنا وعندما اظهرت لي البرود فيما بعد اعتقدتك على علاقة مع لوسي.

اعترف لها قائلاً:
- لقد فعلت ذلك كي اجعلك تغارين بعدما علمت ان جيرمي مازال يحب لوسي وهي ايضاً , حاولت أغيظه ليضربني فتشفقين علي كما فعلت لوسي بجيرمي لكنني خفت ان ينقلب مخططي رأساً على عقب فلعبت دور البطل.
- وهما الآن سعيدان .
قال بحب:
- وهكذا سنكون نحن ايضاً, اعدك انني لن اخذلك ابداً.
اجابته بمثل لهجته :
- لن أدعك تفعل ذلك طالما نحن على قيد الحياة .
- اريدك أكثر مما أردت اي امرأة اخرى في حياتي , أحبك كثيراً.
- وأنا ايضاً ياشوان.. احبك.

تمت