منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t207572.html)

Rehana 16-06-20 07:00 PM

26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
https://d.top4top.io/p_1628s1sf51.gif

راح انزل اليكم رواية من روايات قلوب عبير القديمة
المسافرة
واتمنى تنال اعجابكم
تم تدقيق الرواية وكتابة ثلاث الصفحات الناقصة من قبلي
وشكرا لكاتبة رواية

الملخص

حتى الرحلة الأولى قد تكون رحلة العمر بالنسبة الى فتاة خجول غير مجربة تطلع على العالم، لأول مرة، بأحاسيسها الطرية كالبراعم. أبيا وست تكاد لا تصدق أنها باشرت رحلتها، و عندما تعي ما حواليها جيدا و تدرك أن ما يحدث لها ليس حلما، تكون رحلتها قد تمت بالفعل. و يا لها من رحلة! و الهدف بدا بعيد الاحتمال في البداية يتراقص الآن أمام عينيها متمثلا في شخصية جيلز فارو، عالم الفيزياء النووية الذي لا يمكن أن يوصف بأي شيء الا بأنها عاطفي. يعرف جميع الأجوبة مقدما و يتمتع بقدرة مذهلة تجعلها تشعر بالذل و الاهانة في حضوره حتى و هي تشفق عليه! عداؤه كالصداقة وحبه روحي كأنها بركة هادئة في ضوء القمر رغم أنها بركة غير عادية، يمكن الغرق فيها بسهولة.

الغلاف الاصلي

https://www.fictiondb.com/coversth/th_037310359X.jpg

Rehana 16-06-20 07:01 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
فصول الرواية

الفصل الاول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عشر

Rehana 16-06-20 07:05 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
1- طالما حلمت الآنسة أبيا وست برحلة الى الهند تروّح عنها رتابة حياتها البسيطة. و ها هي فرصتها تلوح في الأفق*!


راحت أبيا وست تقلب الشيك بين يديها ، تحاول أن تقرر ما الذي تفعله بمبلغ ألف جنيه. و لم تترد كثيرا ، اذ كانت تعرف بالضبط ما الذي تريد تحقيقه.
كان المنطق يقضي أن تتصرف وفق المثل المأثور : وفر قرشك الأبيض لليوم الأسود.لكن روح المغامرة التي ورثتها عن جدتها حدثتها بالإقلاع عن هذه الحكمة. نعم ، انها ستنفق كل جنيه ربحته. و ليس على أشياء تحتاج اليها مثل الملابس أو الأحذية أو الحقائب ، بل على اجازة رائعة في بلد طالما تاقت الى زيارته : الهند ، أرض ملوك المغول الذين قرأت عنهم كل شاردة و واردة. الهند التي أحبت أطباق أطعمتها ، و تمتعت برؤية رسومها ، و الاصغاء الى موسيقاها و غرقت من فلسفتها.

Rehana 16-06-20 07:08 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
طوت الشيك ووضعته في حقيبة يدها ، و شكرت الحاسبة الالكترونية التي اختارت إسمها ، فربحت هذا المبلغ في اليانصيب. و كانت صديقتها ميلي توماس صاحت في وجهها عندما سمعتها تفصح عن نواياها:
-هل أنت مجنونة لتنفقي كل هذا المبلغ على إجازة؟ لماذا لا تضعين نصف المبلغ في البنك و تحتفظين بما يكفيك للصرف و البذخ؟
أجابتها أبيا:
-لن يبقى معي ما يكفي لتغطية نفقات الرحلة الى الهند. أن أرخص رحلة تكلف 950 جنيها. فيتوفر لدي خمسون جنيها لشراء بعض الألبسة.
أجابت ميلي بتذمر:
-سيبقى معك بعض المال على الأقل ، أما بالنسبة الى الرحلة ما أن تنتهي حتى يتبخر كل شيء معها.
ردت أبيا:
-هذا الرأي لا ينطبق على رحلتي أنا ، سأعود بذكريات باهرة تظل معي طوال حياتي.
سخرت ميلي:
-ذكريات*! هذا كل ما تعرفينه في الحياة. عليك أن تعيشي في الحاضر و إلا انتهيت عانسا منبوذة. و اذا كان لابد من انفاق الدراهم على الرحلة ، فلماذا لا تذهبين الى جزر البهاما أو الى جنوب فرنسا؟
-أفضل في هذه الرحلة البقاء حيث أنا. حاولي أن تفهمي مشاعري الحقيقية يا ميلي. ان الذهاب الى الهند حلم طفولتي.
فأمعنت ميلي في الاعتراض:
-اذن اذهبي الى أميركا. لماذا تركت أمك و أختيك يذهبن الى كاليفورنيا بدونك؟
-لأنني لا أريد أن أهاجر. و في أي حال ، عندما سافرت أمي مع ابنتيها ، شعرت بارتياح كبير.
-أنت تقولين ذلك الآن...
قاطعتها أبيا صديقتها.
- أعني كل كلمة أقولها. لا يمكنك تصور مدى شقائي و أنا أعيش مع نساء جميلات ، فأزداد احساساً ببشاعتي يوماً بعد يوم.
-هذه أول مرة تعترفين بذلك.
- لم أفكر في جدياً من قبل. كنت أتمزق حسداً منهن. وزاد شقائي معاملتهن اللطيفة لي : الحمد لله انهن لم يشعرن بغيرتي و عذابي. لا ألومهن ، انهن حقاً جميلات ، و أنا مجرد فتاة عادية.
قالت ميلي بإصرار :
- أنت لست فتاة عادية. صحيح أنك صغيرة القامة. لا تحتاجين الى أكثر من ثياب جديدة و بعض المكياج. و عليك انفاق دراهمك على هذه الأشياء و ليس على رحلة الى الهند.
- لا يهمني. اريد الذهاب.
- لماذا لا تكتبين الى والدتك لمعرفة رأيها بالموضوع؟
- لا ضرورة الى الكتابة. أعرف رأيها بالموضوع... مثل رأيك تماماً. انها تؤمن بتوفير القرش الأبيض لليوم الأسود ربما لأن والدي كان رجل مبذراً ، و عندما توفي خلف وراءه ديوناً طائلة و ثلاث فتيات. ورفضت أمي العمل خارج البيت، و تفرغت للاعتناء بنا و تربيتنا. و بدأت تؤجر بعض الغرف و تنظف و تطبخ ليل نهار.
-مع ذلك تحسنت الأمور. ثم ما كان أروع تلك اللحظة عندما فازت أختاك في مباراة الجمال*!
هزت أبيا برأسها:
-نعم. و ما ان بدأت الأموال تنهال عليهما حتى تولتا تدبير المنزل ، و الانفاق على كل شيء ، وحل أي مشكلة طارئة.
قالت ميلي هازئة :
-لا توجد مشاكل مع توفر المال. و لماذا تشعرين بعرفان الجميل تجاههما ؟ أديت قسطك ، وكنت يدهما اليمني في كل شيء. و لذلك أعتقد بصحة رأيي ، وضرورة ذهابك معهن الى الولايات المتحدة. ربما كنت أصبحت مشهورة و ذات ثروة طائلة.

Rehana 16-06-20 07:09 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
ضحكت أبيا:
-و من يعيش في عالم الأحلام الآن ؟ لا ، يا ميلي ، أفضل البقاء هنا. الآن تحررت من كل عقد النقص ، و أصبحت مستقلة في حياتي.
ابتسمت أبيا :
-و ماذا تتوقعين بعد ذلك ؟ هل تنتظرين فارس الأحلام ؟
تأوهت أبيا :
-ما أصوب رأيك.
-و لكنك لن تجدي فارس الأحلام في الهند.
-ربما لن أجده أبداً. و لذلك أريد انفاق دراهمي بهذه الطريقة.
-انك على الأقل تنفقين دراهمك على نفسك ، و ليس على عمل خيري.
اضطربت أبيا قليلا:
-بدأت أشعر بعقدة الذنب. ان السيدة بركنز تحتاج الى دراجة للمقعدين...
-اياك أن تفكري في الموضوع. لماذا لا تشكو همومها الى طبيبها و تكف عن استدرار عواطفك ؟ لا يا أبيا ، اذا كان لابد من انفاق دراهمك، ففكري في نفسك أولاً.
و بعد ثلاثة أيام ، نفذت أبيا وصية صديقتها :وقعت شيكاً بمبلغ تسعمائة و خمسين استرليني ، ودفعته لشركة كينغ، المتخصصة في الرحلات الى الهند.
قال لها موظف الشركة :
-انه قرار لن تندمي على اتخاذه. قمت بالرحلة نفسها منذ ثلاث سنوات ، و هي تجربة العمر التي لا تنسى.
كانت أبيا تطير فرحاً عندما غادرت مكتب الشركة. عليها الآن انتظار ستة أسابيع قبل أن تحقق حلمها الساحر ، و يا لها من ستة أسابيع طويلة*!
و لكن أصبح الحلم حقيقة ، و ها هي تتوجه الى مطار هيثرو قرب لندن لتستقل الطائرة. لاحظت ان ثمانية أشخاص آخرين انضموا اليها في الرحلة نفسها. بدوا أكبر منها سناً ، و يدل مظهرهم على الرخاء ، نساء و رجالاً.
تمتمت أبيا لو أنها ارتدت ملابس أكثر أناقة من فستانا الرمادي الصوفي و سترتها الباهتة. ولكنها أنفقت ما تبقى معها من المبلغ على الملابس الصيفية لمعرفتها بارتفاع الحرارة في الهند. علت وجهها مسحة عابرة من الحزن و هي تفكر في قضاء عيد الميلاد بين أناس غرباء وفي بلد غريب ، في حين تسكن عائلتها على بعد آلاف الأميال عنها. لاحت في خيالها أشعة الشكس الدافئة ، فارتاحت قليلاً.
وما معنى الندم والحسرة الآن ؟ خاطبت نفسها. لو قررت البقاء في انكلترا ، لكانت صرفت العطلة مع صديقتها ميلي و عائلتها ، أو مع السيدة بركنز ، تلك العجوز التي تقطن في الطابق الأول من مكان سكنها. أما الآن فستتناول طبق العيد في بومباي.
طافت على ثغرها ابتسامة الرضا ، و ارتسم بريق خاطف في عينيها الجميلتين ، الواسعتين البريئين. و هما أجمل ملامح وجهها. أما ما تبقى منها : فكانت قصيرة القامة ، نحيلة البنية.
حدقت في يديها النحيلتين ككل شيء فيها. كانت تمسك بكتاب حول الهند ،وهو هدية قدمها اليها السيد روجرسن الذي كانت تساعده في ادارة مكتبته القديمة.
لم تكن أبيا قد أكملت دراستها الجامعية ، بل فضلت البحث عن عمل للإسهام مع والدتها في نفقات المنزل و تربية أختيها اليافعتين.
و حالفها الحظ عندما توسطت مديرة مدرستها لدى ابن عمها السيد روجرسن، و أمنت لها هذه الوظيفة.

Rehana 16-06-20 07:11 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
و تذكرت كلمات المديرة السيدة وليامز:
- انه رجل قديم مثل مكتبته. و يرفض الاستعانة بأحد مع حاجته الى ذلك.
وكان أن سألتها أبيا:
-و كيف سيغير رأيه، و يقبل بتوظيفي؟
همست السيدة وليامز:
-لأنك تحبين الكتب و تحسنين التصرف.
و ليدك قدرة التعلم والاكتساب. لن تخسري شيئاً اذا ذهبت لرؤيته.
و ذهبت أبيا لرؤية السيد روجرسن ، و بدأت بالعمل بعد أسبوع ، و بعد مرور أقل من ستة أشهر أصبحت خبيرة ماهرة في بيع الكتب ، و الاجابة على طلبات الزبائن التي كانت تنهال على المكتبة من مختلف أنحاء العالم.
تم اقتراح عليها بعد مضي سنة أن تسجل على حسابه في مدرسة للتخصص في أعمال السكرتارية. و هكذا تستطيع التعامل مع مراسلات الزبائن على نحو أكثر كفاءة، كما قال لها. وحصلت أبيا على شهادة السكرتارية بسرعة عجيبة ، وكانت الأولى في صفها.
ورن صوت أمها في داخلها:
-أتمنى لو أن أختيك تتمتعان بنباهتك و مواهبك*!
و تذكر أبيا كيف أجابت بثقة و حزم:
-ان الجمال يعوض عن المهارة و الذكاء.
و بعد أشهر معدودة فازت أختاها بلقب مباراة الجمال، ودخلنا بعالم الشهرة و الأضواء و الغنى.
و اقترحت أختاها أن تدفعا نفقات دراستها الجامعية ، لتحصل على شهادتها في الأدب الانجليزي. ولكن أبيا كانت غارقة في عملها مع صاحب المكتبة العجوز، فرفضت التخلي عنه و أخذت توفر جزءاً من راتبها بعد أن تحرت من الانفاق على بيت والدتها، ثم ابتاعت شقة صغيرة في حي قريب من مكان عملها، بعد أن رحلت عائلتها الى أمريكا.
غير أن نزعتها التي كانت تتملكها لمساعدة المعوزين و المحتاجين لم تسمح لها بتوفير المزيد في المصروف، أو شراء ملابس جديدة باهضة. و هي نزعة طالما انتقدتها صديقتها ميلي، كما كانت تنتقد عملها الممل.
قالت لها قبل سفرها الى الهند بأيام قليلة:
-عندما تعودين يا ابيا سأجعلك تبحثين عن عمل جديد. ما الذي يستهويك في تلك المقبرة؟ عليك أن تشتغلي في شركة كبيرة حيث تتاح فرصة الاجتماع بعدد كبير من الناس.
فقالت أبيا معلقة:
-تقصدين عدداً كبيراً من الرجال.
ثم أخبرت صديقتها عن عزم السيد روجرسن باغلاق مكتبته نتيجة مشاريع جديدة في الشارع المجاور، و أنه سيتلقى تعويضاً يكفيه لبقية حياته، و لا ينوي فتح عمل جديد و هو في تلك السن المتقدمة. و قال لها أن شركة جديدة سستفتح في الحي نفسه، و لن تجد صعوبة في العمل معها. و لكن ابيا قررت عوض ذلك البحث عم مستقبل جديد. ورأت في رحلتها الى الهند بداية مفيدة.
فكرت ابيا قي كل ذلك و هي تستقل الحافلة الى المطار. ثم فتحت حقيبتها و أخرجت كراساً صغيراً حول برنامج الرحلة كانت قرأته عشرات المرات. و تمتمت كلمات المواقع و المدن بلذة و شغف : أغرا ، فرانيس ، جيبور...
كانت شاردة الذهن، فلم تنتبه الى وصول الحافلة أمام المطار، الى أن توقفت و أخذ المسافرون و المسافرات بالترجل. توجهت مع الآخرين الى داخل المطار الذي كان يغص الناس.
انتظرت دورها بفارغ الصبر تراقب الأطفال يتمسكون بأهداب فساتين الأمهات، و الأباء يحاولون التقدم و الانتهاء من المعاملات الرسمية، و ختم التذاكر.

Rehana 16-06-20 07:12 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
و أخيراً جاء دورها، فسلمت حقيبتها الى احدى الموظفات، ثم شاهدتها تختفى عن الأنظار، واندفعت الى الوراء متنفسة الصعداء. اصطدمت بحاجز كبير.
استدارت فرأت أمامها شاباً طويلاً، عريض المنكبين. و لاحظت لتوها ذلك البريق الذهبي في عينيه كأنهما قطعتان من الجمر. لكنه كان عابس الوجه، فاضطربت، الى أن ابتسم قليلاً، فهدأ من روعها. و تمتم بضع كلمات معتذراً عن اعتراضه طريقها.
-لا حاجة الى الاعتذار. كنت في عجلة من أمري.
قالت له بابتسامة عريضة جمدت ملامحه ، ورأته يبتعد و يدخل في حديث مع امرأة طويلة هيفاء القامة.
أم وابنها، فكرت أبيا، أو ربما جدة وحفيدها، اذ بدت المرأة في عمر متقدم يفوق عمر الوالدة. لكن شبهاً ما كان يجمع بينهما و ينبئ عن قرابة دموية: شبه يلوح في تلك الملامح البارزة القاسية، والخطوط التي تمتد حول جانبي الفم. وهي ملامح أضفت على المرأة طابعاً مميزاً، لكنها بدت كالحة. انها جدته بالتأكيد، استنتجت أبيا، ثم عدلت رأيها عندما وضعت المرأة يدها اليسرى فوق ذراعها، فلم تر أثراً لأي خاتم في اصبعها.
فطنت أبيا الى وقفتها الفضولية، فتوجهت نحو صالون الانتظار استعداداً للاقلاع. و ما كادت تخطو بضع خطوات حتى أحست بيد غليظة تلمس منكبيها. استدارت فرأت الشاب نفسه الذي اصطدمت به. لكنه كان هذه المرة يحمل لها حقيبتها الصغيرة.
تمتم:
-نسيت هذه الحقيبة.
و قبل أن تتمكن من شكره، ادالا ظهره ومضى في سبيله. يا له من رجل فظ، قررت أبيا، ثم طردت شبحه من ذهنها وهي تشق طريقها عبر جمهرة الناس.
و هاهي أخيراً تصعد الى الطائرة ذات السجادة الزرقاء، و الأرجاء الفسيحة حتى يخالها المرء سفينة كبيرة. وأحست أبيا لتوها كأنها في الهند. رحبت بها مضيفة سمراء البشرة ترتدي لباساً أرجوانياً فيروزياً، و قادتها الى مقعدها.
غمرها فرح خفي وهي تجيل نظرها حولها، وسمعت امرأة تجلس بجانبها تخاطبها قائلة:
-تمتعي بالمنظر يا عزيزتي، لأن الخدمة لا تضاهي المظاهر.
وعرفت أبيا لتوها أنها المرأة عينها التي رأتها تتحدث مع الشاب ذي الوجه العابس منذ لحظات في المطار. أين هو، ولماذا لا يجلس معها؟ و هاهي المرأة تتبرع بالجواب:
-أنت أتيت ضمن الرحلة معنا أليس كذلك؟ اصطدمت بابن أخي عند شباك التذاكر. جاء معي ليودعني.
علقت أبيا :
-كان المكان مزدحماً. و أعتقد أنني اصطدمت بالجميع.
-ان المطارات مزدحمة كثيراً هذه الأيام. كانوا في الماضي يعاملوننا بكل احترام. أما الآن فيعتبروننا مثل قطيع الماشية.
ابتسمت أبيا:
-لا أسافر كثيراً لألحظ كل هذه الأمور.
-أصبحت خبيرة في هذه المسائل. يعاملوننا مثل الحيوانات لا أكثر و لا أقل. يتأخر وقت الاقلاع و لا ندري ما السبب. وعندما تصل و تحط الطائرة بعد طول انتظار، نجلس ساعات
قبل استلام حقائبنا، أو نقف في صفوف طويلة قبل ختم جوازات سفرنا.
قالت أبيا:
-و مع ذلك ما زلت تسافرين باستمرار*!
استلقت المرأة في مقعدها بارتياح:
-هذه أسرع وسيلة.
سألتها أبيا:
-هل تحبين الجلوس قرب النافذة؟

Rehana 16-06-20 07:13 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-لا شكراً. لا أحب النظر الى الخارج و أنا في الطائرة.
استفهمت أبيا بلهجة صادقة:
-هل أنت متوترة الأعصاب؟
-أكاد أموت خوفاً.
ردت المرأة بصوت حازم. و كأنها ترقص طرباً. و بدت ذات خبرة واسعة، وكأن الطائرة جزء من حياتها. تأملت أبيا ملامحها و قوامها جيداً, انها تتجاوز السبعين من عمرها، تمتمت صامتة. و لكنها تفيض حيوية ، و تتدفق شجاعة، و توحي بالثقة و الخبرة الطويلة. أخذت مقاعد الطائرة تمتلئ بالمسافرين. ثم تحركت قليلاً، و بدأت بالاقلاع. وما هي الا لحظات معدودة حتى تضاءلت الأرض، ثم شقت الطائرو الغيوم المتبلدة، وحلقت بثبات الى أن بلغت زرقة الفضاء المترامية.
وفي تلك اللحظة فقط تنفست أبيا الصعداء.
الآن بدأت رحلتها الحقيقية.

نهاية الفصل

Rehana 17-06-20 04:56 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
2-هذا البلد المزدحم بالبشر و العجائب! ابيا لا تشعر بالوحدة هنا مطلقاً . و سألت نفسها غير مصدقة: هل هي حقا فى الهند؟

كانت رحلة عادية بالنسبة الى معظم المسافرين. اما أبيا فشكلت المسافة التى قطعتها الطائرة حتى الآن مصدر خيرات جديدة و ممتعة بالنسبة اليها. حطت الطائرة الهائلة في باريس , وجنيف وبيروت حيث ترجل بعض المسافرين و صعد آخرون مكانهم . وعندما وصلت الطائرة الى بيروت خرجت منها أبيا وهي لا تحس برغبة فى النوم, مع ان السيدة التي كانت تجلس بجانبها استسلمت لملاك النوم منذ ساعات .
كانت ابيا مصممة على اقتناص كل لحظة من اجازتها الثمينة , فتجولت في ارجاء المطار المتلألئة بالاضواء فى ساعات الصباح الاولى .احتست فنجان قهوة و تناولت قطعة حلوة صغيرة قبل ان تعود الى طائرتها . ولمحت في طريق عودتها صناديق كبيرة يقوم بنقلها عمال المطار لتحميلها على الطائرة, ثم يعودون بصناديق اخرى فارغة. وادركت انها تحتوي اطعمة متعددة مخصصة للركاب .
ولم تتمالك من ابداء دهشتها امام سرعة اتقان هذا العمل و باتقان باهر.*

Rehana 17-06-20 04:57 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
استقرت فى مقعدها ثانية , وراحت تراقب الطائرة في صعودها السريع واختراقها الفضاء الداكن المرصع بالنجوم. هاهي في آخر مرحلة من الرحلة الآن.
ارتفع صوت المرأة بقربها:
-ألم تخلدي الى الراحة أبداً؟
-ما استطعت ان انام.
حملقت العجوز بعينيها السوداوين:
-ستكونين تعبة عندما تصلين الى دلهي. او ربما لن تكوني. انك شابة وفي عز نشاطك. العجائز وحدهن في حاجة الى حفظ طاقتهن.
سألتها ابيا:
-هل هذه رحلتك الاولى الى الهند؟
-ذهبت اليها منذ سنوات عديدة وقبل ان تحصل على الاستقلال و من هنا يمكنك القول انها رحلتي الاولى .
-كيف ذلك؟ ربما تغير الناس بعض الشيء , غير ان الاشياء الاساسية والمعالم تبقى كما هي.
وتلقت هذا الجواب الجاف :
-هذا يعتمد على وجهة نظرك وما تودين رؤيته. انا اسافر لرؤية الناس قبل كل شيء. اما انت فيبدو انك مهتمة برؤية الاشياء!
وافقت ابيا لتوها:
-عشقت الاشياء الهندية منذ ان كنت طفلة صغيرة . عشقت الرسوم والتماثيل و الهندسة الهندية.
-اذا ستتابعين برنامج الرحلة كله؟
-نعم. وانت؟
- آمل ذلك . ولكن لا استطيع اعطاء جواب حازم. كان جيلز ,ابن اخي , ضد الرحلة وبشدة هائلة. يعتقد انني تقدمت في السن كثيراً لأطوف حول العالم. واذا ما اخذنا العمر كمعيار, فهو على حق على ما اظن.
ردت ابيا:
- ان القيام برحلة مثل هذه يتوقف على كيفية شعورك, و ليس على عمرك.
-اشعر بحيوية متدفقة, و لا تنقصني القسوة او الرغبة.
كان صوت العجوز النابض بالحياة افضل شهادة على قولها.
ادركت ابيا انها ليست امرأة عجوزا تكتفى بالجلوس قرب موقد النار و تنتظر نهاية عمرها, بل كانت شعلة متوقدة. و بدا واضحاً ان ابن اخيها فاته كل ذلك.
سألتها ابيا:
-هل انت من لندن؟
-لا . من مقاطعة هامبشير. انت من لندن كما اعتقد؟
- نعم. اسكن في حي فيكتوريا.
ووجدت ابيا نفسها تبوح بكل شيء عن حياتها امام اسئلة العجوز البارعة. حدثتها عن عملها مع السيد روجرسن و الجائزة المالية المفاجئة التي قادتها الى هذه الرحلة .
واضافت بعفوية:
-ارتأت صديقة لي ان انفق هذه الدراهم على تجميل مظهري .
ولكن حياتي مع شقيقتيّ بيلندا وديانا اقنعتني باستحالة ذلك.
-لابد ان اختيك بالغتا الجمال, اذا كنت تعتبرين نفسك مجرد فتاة عادية. فان عينيك البنفسجيتين و...( قطعت العجوز كلامها) لا حاجة الى الاستفاضة . ان الثقة بالنفس لا تنبع الا من داخل المرء,
وليس من كلام الناس. كم عمرك يا ابنتي؟

Rehana 17-06-20 05:00 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
انفرجت اسارير ابيا قليلاً:
- انا لست صغيرة الى الحد الذي تظنين. عمرى اربعة و عشرون, ابدو اصغر سناً لقامتي القصيرة النحيلة.
اجابتها العجوز:
-لا ينقصك أي شيء يا عزيزتي والآن ما هو اسمك الاول؟ لا استطيع ان اناديك الآنسة وست طوال الوقت, وانت في هذا العمر.
-اسمي ابيا او ابيغيل.
-انا ماتيلدا بيتمان, ويسعدني لقاءك جداً. ليتنا تعرفنا اليك في المطار. كان جيلز بدل رأيه لو عرف انني ساسافر مع رفيقة ممتعة مثلك.
لم توافق ابيا على هذا الرأي و هى تتذكر الاسلوب العدائي الذي عاملها به, ولكنها احجمت عن قول اي شيء.
استطردت السيدة بيتمان:
-اتوق الى رؤية الهند عبر عينيك البريئتين. قمت برحلتي الاولى منذ زمن بعيد فلا اكاد اذكر اي أمر عنها.
قالت ابيا:
-لن انسى رحلتي الاولى ابداً. و ستكون رحلتي الاخيرة ايضا. سأذهب الى مدينة بورتموث في بريطانيا السنة المقبلة.
-ما هذا التشاؤم والانقباض و اليأس و الاستسلام للقضاء و القدر؟
خالت ابيا ان فلسفة المرأة العجوز فلسفة خاصة بها, اما هي فلا يمكن لها الايمان بها. ان القضاء والقدر قوة هائلة تعتقد بوجودها. غيرت الموضوع بلباقة. و اخذتا تتجاذبان اطراف الحديث الى ان غطت السيدة بيتمان في نوم عميق . وغلب ابيا النعاس ايضاً, والطائرة تهم بالهبوط نحو المطار.
حطت الطائرة على المدرج واخذ الركاب بعد دقائق الخروج منها. وما ان انهت ابيا الاجراءات الرسمية حتى تبين لها العدد الحقيقي لمجموعة الركاب الذين اتوا معها في الرحلة الخاصة .كانوا عشرين مسافراً و مسافرة. وادركت انها تصغرهم جميعهم سناً.
قدم رجل هندي سمين نفسه كممثل شركة السياحة و قاد المجموعة الى الحافلة التي ستقلها الى المدينة.
-ان السيد شيران , الدليل السياحي, سيلتقي بكم جميعا بعد الظهر, اما في الوقت الحاضر, فسأتولى الرد على اي استعلامات بنفسي. وكما تعلمون , يمكنكم قضاء بقية اليوم كما تشاءوون.
قالت احدى النساء:
-اريد شراء بعض الحاجات. ما قطعت كل هذه المسافة لاقضي يومي بدون فعل اي شيء.
تجاهلت ابيا كل هذه الاحاديث , وراحت تنقل انظارها في المشاهد الريفية ذات السهول المترامية. بدت لها الارض خصبة, و مقسمة الى قطع صغيرة , وكأنها جزء من الريف الانكليزى. لكنها لاحظت قلة العاملين في الارض, ما عدا بعض النساء, والجواميس التي تجر محراثاً خشبياً طويلاً. لم تعبر الحافلة وسط القرى لتتبين معالم الحياة فيها, بل كانت تلمح بين الفينة والاخرى مجموعة من الاكواخ, مبنية من الطين او العشب اليابس.
عندما اقتربوا من المدينة لم تتغير المناظر الطبيعية كثيراً , او حتى الطريق نفسها, حيث لا توجد ارصفة تفصل المارة عن السيارات والدراجات. ووجد سائق الحافلة نفسه يخفف من سرعته اكثر من مرة ليفسح المجال امام البقرات الهائمة وسط الشارع. بقرات عجاف لا احد يقترب منها, الى ان تتضور جوعاً و تلفظ انفاسها, فيحملونها في الشاحنات الى اماكن بعيدة. تلك ناحية شغلت بالها حول الهند, و ستكرهها من كل قلبها.
واخيراً توقفت الحافلة امام فندق اوبروي ذي المدخل الزجاجي الذي ترجل امامه معظم الركاب, بمن فيهم السيدة بيتمان. وتوجه من تبقى منهم الى فندق نورندا الاكثر تواضعاً, وعندها فقط ادركت ابيا ان مجموعتها صغيرة جداً. وجدت غرفتها بسيطة للغاية, ولكنها نظيفة, و تحتوي على حمام عملي يفيض بالماء الحار.

Rehana 17-06-20 05:01 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
بدت غرفة الطعام بالغة التواضع, والكراسى لا يغطيها شيء مثل الطاولات الخشبية. مع ذلك تمتعت بوجبة هندية شهية, بكل توابلها و افاويهها.
انتهت ابيا من طعام الغداء , وفكت نصف حقائبها . ثم عقدت العزم على التنزه فى الخارج عوض البقاء ضمن جدران باهتة لا يجوز لمن اجتاز نصف العالم ان يأوي الى الفراش فور وصوله. حدثت نفسها. ابدلت ملابسها, و غادرت الفندق لتتجول في الشوارع. و لشد ما كانت دهشتها عندما لاحظت انعدام حركة السير, ما عدا بعض العربات القديمة التي أكل الدهر عليها و شرب. اما الدراجات فحدث عنها ولا حرج.*
كانت تنتشر في كل مكان وبدت انها وسيلة النقل الاساسية, بالاضافة الى عدد محدود من الباصات المحشوة بالبشر كأنها علب سردين. ومرت امام حوانيت صغيرة مكونة من غرفة واحدة. يتربع في داخلها اصحابها تحيط بهم شتى انواع البضائع من اقمشة حريرية و قطنية و معادن و زوجاج و توابل.
توقفت ابيا امام حانوت لتتفحص الجواهر المعروضة في داخله. ورغم بخس الاسعار و اغراء الصناعة المتقنة, احجمت عن شراء اي شيء التزاماً منها بوعد قطعته على نفسها. خطت خطوتين الى الامام, و اذا بها محاطة بجمهرة من الشحاذين يمدون ايديهم توسلا للحصول على حفنة من النقود . غلبتها مشاعرها , فاخرجت جزدانها الصغير , و وزعت عليهم كل القطع المعدنية التي بحوزتها. واحست لتوها بان الاف العقبان الجائعة تنقض عليها , واختلطت الاصوات المتوسلة المستجدية .
-صدقة , صدقة.
صاحت:
-اعطيتكم كل ما معي من دراهم, أرجوكم دعوني اذهب.
استدارت لتمضي في سبيلها, فتحلق حولها مزيد من الشحاذين, و ذهبت محاولاتها في التملص منهم ادراج الرياح. فاخذت تدفعهم عنها بخشونة الى ان تمكنت من شق طريقها. ضغطت يديها فوق اذنيها واطلقت ساقيها للريح الى ان بلغت باب فندقها, و ظل بعضهم يتعقبها باصرار عجيب.
كم كانت غبطتها عظيمة وهي تدخل ردهة الفندق الداكنة, تلقاها صاحب الفندق بابتسامة عارمة , وهو يلمح في الخارج فلول الشحاذين , تقدم منها قائلا بصوت رخيم:
-انصحك ان تكوني اكثر صرامة. اياك ان تعطي نقوداً لأي من الشحاذين, و الا تعقبوك باستمرار , و بالمئات.
اجابت:
-اعرف ذلك , لكن من الصعب ان ارفض الاستعطاف. كان بينهم بنت صغيرة.
اجاب:
-عبث ان تكونى صارمة. أُفاَ لهذه الحكومة, فهي لا تزال تتحدث عن منع الشحاذة بدون نتيجة.
لم ترق الفكرة لابيا . الافضل ان تعالج مشكلة فقرهم مباشرة و تلك مشكلة شائكة لا تستطيع الهند معالجتها وحدها.
توجهت نحو السلم , ووضعت قدمها على الدرجة الاولى عندما هرع صاحب الفندق نحوها حاملاً قصاصة من الورق .
قال:
-تلقيت مكالمة تليفونية . تتمنى السيدة بيتمان ان تتناولي العشاء معها في فندق الاوبروي, يمكننى استدعاء تاكسي لك, اذ ان الطريق تبعد كثيراً من هنا.*
سالته:
-وهل التاكسيات باهظة هنا؟
استغرب:
-كل شيء بخس الثمن هنا, و خاصة للسياح. لكن من الافضل لك تحديد الاجرة مسبقاً.

Rehana 17-06-20 05:02 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
و كانت التاكسي عربة صغيرة ذات مقعد واحد يشبه السلة جلست فيها ابيا. وهي تلعن تلك الساعة التي فكرت فيها انها ستوفر بعض النقود. يا ليتها استدعت سيارة اجرة حقيقية! بل ما اقبح هذا المنظر الذي يجرها فيه رجل بالغ و كأنه حيوان !
انفرجت اسارير صاحب التاكسي عندما نقدته اجرته فور وصولها الى الاوبروي, وتطوع لانتظارها و اعادتها الى فندقها و قالت له:
-انوي تناول طعام العشاء هنا. و قد يستغرق ذلك ساعات.*
-لا بأس , سأعود فى وقت لاحق. لكن انتظريني ارجوك.
اصرت ابيا:
-لا , لن انتظرك , ولا اريد منك انتظاري!
وتركته متوجهة الى بهو الفندق حيث استقبلتها السيدة بيتمان بابتسامة كبيرة:
-يسرني جداً مجيئك يا ابنتي. لم ادرك انك تنزلين في فندق آخر, هل انت مرتاحة هناك؟
-نعم . شكرا, وتناولت غداء شهياً.
- اتمنى انك قادرة على تناول العشاء بعد وليمتك الشهية . ان المطعم هنا يعتبر من افضل المطاعم فى المدينة.
اقرت ابيا بحياء:
-انا دائماً على استعداد لتذوق اطعمة جديدة.
اطلقت السيدة بيتمان ضحكة ومضت معها الى قاعة ذات طراز مغولي حيث صرفتا وقتاً ممتعاً لاختيار انواع المآكل المتعددة. ثم اخذت المرأة العجوز تتحدث عن الهند , و آثارها و آدابها واطعمتها و التقاليد الثقافية المختلفة.
لم تكن ابيا تود الانصراف بسرعة, ولكنها لاحظت الارهاق يظلل تجاعيد وجه السيدة بيتمان, فدفعت كرسيها الى الوراء . قالت العجوز وهي ترافقها الى البهو:
-اذا كانت احاديثي لا تزعجك, فيسعدني ان احظى برفقتك خلال الجولة السياحية , الا اذا التقيت باحد من عمرك بطبيعة الحال.
-هذا احتمال بعيد كلهم متقدمون في السن.
عضت ابيا على شفتها مدركة عدم لباقتها لكن السيدة بيتمان ضحكت متابعة:
-لا بأس يا عزيزتي, انا لست خجولة من عمري, كل ما اردت قوله ان تكوني صريحة معي اذا ما اردت صرف وقتك مع اي شخص آخر.
وعدتها ابيا خيراً. ثم عادت الى فندقها. تنفست الصعداء عندما دخلت غرفتها ولم يداهمها اي شعور بالوحدة وهي تخلع ملابسها و تأوي الى الفراش . هل هي حقا قى الهند؟ سألت نفسها. طافت على ثغرها ابتسامة واغمضت عينيها مستسلمة لملاك النوم.
نهضت في صباح اليوم التالي ومضت لتوها الى الحمام لتنعم بمائه الحار, ثم ارتدت ملابسها. كانت تنتظر وصول الحافلة حوالي الساعة الثامنة والنصف لتأخذها مع الآخرين في جولة عامة.
تضمنت الجولة مشاهدة معالم اثرية كثيرة, لم تفقه ابيا قيمتها كما يجب, و اهم هذه المعالم القلعة الحمراء التي تمثل اروع مثال لهندسة المدينة, والتي كانت ابيا قرأت عنها بعض المعلومات و لكنها لم تتوقع منظر الاف الببغاوات الخضر المعششة في الجدران الرملية و لمحت عند المدخل عدد من الدكاكين الصغيرة التي تبيع انتاج المصانع للسياح.
استمعت الى طريقة الدليل السياحي السريعة في شرح تاريخ الحمراء .
كان منظراً باهراً مع ان معظم الحجارة الثمينة المرصعة تعرضت لنهب الجنود البريطانيين بعد حركة التمرد الهندي في القرن التاسع عشر. هنا في هذا المكان كان السلطان المغولي يعقد مجالسه العامة , اما في الردهة المجاورة فكان يقيم مجالسه الخاصة .

Rehana 17-06-20 05:04 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
و بدت الردهة التي رصعتها ذات يوم بلاطات الرخام البراق باهتة بعض الشيء . ولم تدرك ابيا عظمت المكان الحقيقية حتى وصلت الى المقصورات وحماماتها الرائعة, وكأنها صفحة من صفحات الف ليلة و ليلة. و يصعب على المرء تصور هذا الصرح الضخم كملاذ عملي يقي اصحابه ضد مناخ مدينة دلهي المفرط , القارس البرد في ساعات الفجر الاولى , وليالى الشتاء , والبالغ الحرارة اثناء فصل الصيف . لكن البراعة البشرية تغلبت على الحر عبر بناء اقنية مياه متقنة, وتجنبت البرد بستار الرخام و حجاب الذهب و الفضة.
غرقت ابيا في افكارها حول القلعة وتاريخها , فنسيت نفسها بضع لحظات. وها هو الدليل السياحي يقترب منها هاتفاً:
-عليك ان تظلي مع المجموعة من فضلك. لا نريدك ان تضيعي هنا.
-ولكن احب ان اراقب الاشياء عن كثب وادرسها بدقة.
-اذن يمكنك العودة غداً وحدك.
هزت برأسها راضخة وتبعته لتنضم الى المجموعة. وقالت لها السيدة بيتمان و هما يسيران:
-سأعود في وقت لاحق مع دليل آخر. و يسعدني كثيراً وجودك معي.
اجابت ابيا:
-انها دعوة مغرية , واقبل بشرط ان اساهم بحصتي في النفقات.
قالت العجوز و هما يتوجهان الى الحافلة:
-ما هذا الهراء؟ سأسر كثيراً برفقتك . و لولا ابن اختي لنزلت معك في فندقك. اصرّ عليّ لأراعي سني واسافر في الدرجة الاولى كما ترين.
ارتأت ابيا الاعتصام بالصمت. اخذ فضولها يزداد حول هذه العجوز, اذ ان تصرفاتها بدت متناقضة الى حد يدعو الى الغرابة.
كانت السيدة بيتمان تنزل في فندق الاوبروي الفخم , لكن ملابسها تكاد تكون رثة بالية . ومع ان جزدانها مصنوع من جلد التماسيح فهو في حالة رديئة للغاية . هل ابتسم لها الحظ في الماضي ثم ساءت احوالها ام هل كانت دائماً فقيرة , وتعتمد على اقربائها الاغنياء مثل ابن اخيها للاعتناء بها؟ خالتها ابيا امرأة ذات انفة لا تقبل الصدقة باستمرار, مهما لطفها الحب و الحنان.
قطعت العجوز حبل افكارها:
-من المؤسف ان جيلز رفض المجيء في هذه الرحلة. يقول انه رأى كل ما يود رؤيته من الهند.
ردت ابيا بلهجة صادقة:
-لا استطيع ان اتصور انضمامه الى رحلة كهذه. لا يبدو عليه انه يتحمل ازعاج الدليل السياحى.
ارتسمت ابتسامة خاطفة على وجه العجوز:
-انك على حق. لكن جيلز لم يأت الى الهند كسائح في السابق , جاء ليعمل.*
-ليعمل!
-نعم. و هو لا يزال هنا. ذهب الى لندن لبضعة ايام لرؤية احد الوزراء. و هو يسكن في الهند منذ ثلاثة اعوام. انه في بومباي الآن, لكنه تجول في الولايات الشمالية منذ عامين .ويعتبر من كبار الخبراء في الهندسة النووية , ويشرف في الوقت الحاضر على بناء مفاعل نووي.
ابدت ابيا اهتماماً خاصاً وهي تصغي الى العجوز بيتمان التي استمرت في الاسهاب حول تألق ابن اخيها في عالم الاعمال . تأكد لها انه دفع بنفسه تكاليف رحلتها, اذ انها كشفت ايضا كيف اصبح يتيماً و هو في الثالثة عشرة, ورعايتها له منذ ذلك الحين.

Rehana 17-06-20 05:07 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
استطردت العجوز:
-لم اكن اعرف شيئاً عن الاولاد ,ولم ابال بأي شيء يتعلق بهم. غير ان وجود جيلز معي في بيتي فتح امامي عالماً جديداً... كان ولداً رائعاً.
وعبثاً حاولت ابيا تصور ذلك الرجل المتجهم الذي التقته في مطار هيثرو كطفل رائع . استرسلت العجوز في ذكرياتها :
-كان ولداً موهوباً جداً . يحب الدعابة وممارسة شتى الالاعيب والخدع .واذكر انه, و هو في مدرسة ايتون الشهيرة , سقط من شجرة كبيرة ,واصيب برجة دماغية. وعندما استعاد وعيه تظاهر بعدم قدرته على التحدث بالانكليزية . وخدع الجميع لمدة اسبوع و هو لا يتكلم سوى اللغة اللاتينية .*
بلعت ابيا ريقها. تحول اهتمامها بهذا الرجل الى نوع من الرهبة و التوجس. حمدت الله انه لم يرافق عمته في هذه الرحلة . ما هي الاحاديث التي تروق له و كيف يقضي وقته؟ كيف كانت ستجذب انتباه رجل تحدث اللاتينية بطلاقة و هو في الرابعة عشرة وخدع رؤساءه لمدة اسبوع كامل؟
قالت السيدة بيتمان:
-سأرى جيلز في بومباي طبعاً . انوي قضاء شهر معه , او اكثر اذا كان كل شيء على مايرام .
سألتها ابيا:
-وهل ابن اخيك متزوج؟*
-تزوج عمله فقط.
قهقهت ابيا طرباً, وكأنها تنتقم منه قبل ان تفوتها فرصة ثانية.


نهاية الفصل

Rehana 18-06-20 11:56 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
3- جلست قرب النافذة ودفنت رأسها بين يديها. وارتسمت في مخيلتها صورة ذلك الرجل الغامض الذي يتطاير الشرر من عينيه !


رغم اسهابها في الحديث عن ابن أخيها، لم تذكر العجوز أي شيء عن نفسها، وظلت ايبا تجهل ماضيها الغامض. كل ما عرفته عنها أنها تمجد جيلز، وهو بدوره مولع بها الى حد كبير. وهي امرأة سهلة لا يصعب على المرء الاعجاب بها، لأنها ذكية، مرحة، و لطيفة، وان كانت تتصرف على نحو مفاجئ في بعض الأحيان.
بذلت جهدها لاضفاء المتعة على اقامة ايبا في دلهي، مصرة على مصاحبتها كل مساء. و استأجرت سيارة تاكسي خاصة لتنقلها الى الأمكنة التي أحبتها خلال الجولة السريعة ولم تدع أيبا تدفع أي جزء من التكاليف، وظنت أن جيلز يتحمل كل هذه النفقات بكرمه و سمحاته.

Rehana 18-06-20 12:01 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
3- جلست قرب النافذة ودفنت رأسها بين يديها. وارتسمت في مخيلتها صورة ذلك الرجل الغامض الذي يتطاير الشرر من عينيه !


رغم اسهابها في الحديث عن ابن أخيها، لم تذكر العجوز أي شيء عن نفسها، وظلت ايبا تجهل ماضيها الغامض. كل ما عرفته عنها أنها تمجد جيلز، وهو بدوره مولع بها الى حد كبير. وهي امرأة سهلة لا يصعب على المرء الاعجاب بها، لأنها ذكية، مرحة، و لطيفة، وان كانت تتصرف على نحو مفاجئ في بعض الأحيان.
بذلت جهدها لاضفاء المتعة على اقامة ايبا في دلهي، مصرة على مصاحبتها كل مساء. و استأجرت سيارة تاكسي خاصة لتنقلها الى الأمكنة التي أحبتها خلال الجولة السريعة ولم تدع أيبا تدفع أي جزء من التكاليف، وظنت أن جيلز يتحمل كل هذه النفقات بكرمه و سمحاته.

Rehana 18-06-20 12:04 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
وعندما وصلوا الى فندق كلارك شيراز في مدينة اغرا بواسطة حافلة مبردة , توزعت المجموعة الى حلقات صغيرة .
علقت السيدة بيتمان :
- لا ادري لماذا يأتون الى هذه المدينة , ومعظهم لا يريد اكثر من شراء بعض البضائع , والقاء نظرة خاطفة على الابنية الرائعة ؟
قالت ابيا:
- لا الومهم على شراء بعض الاشياء . ان المجوهرات والأقمشة المطرزة مغرية جداً.
- لم الحظ رغبتك في شراء اي شيء ؟
- لا احتاج الى اشياء كهذه . ان حياتي بسيطة للغاية.
- اذن عليك ان تشتري ما يحلو لك . وأنت فتاة جميلة .
هزت ابيا رأسها , ودفعت الى الوراء ضفائر شعرها الذهبية :
- يمكنك ان تصفيني باية صفة سوى صفة الجمال . قولي اني ذكية , خفيفة الظل, بارعة , او اي شيء آخر.منتديات ليلاس
ردت السيدة بيتمان :
- اذن انت لست ذكية او بارعة اذا كنت تقولين اشياء كهذه, انت جميلة يا عزيزتي . واذا كنت ترفضين وصفك بأنك جميلة , فأنت فاتنة ومحببة الى النفس.
- ولكن ماذا عن قامتي ؟
- ما بال قامتك ؟
- انها قصيرة جداً. ولم يسبق لفتاة طولها خمسة اقدام ان ربحت مسابقة جمال.
تابعت السيدة بيتمان :
- لا تجعلي مقاييسك مثل مقاييس هذه الأيام التافهة . اظن ان اختيك الأنانيتين سلبتاك ثقتك بنفسك؟
اجابت ابيا لتوها :
- لم تكونا انانيتين اطلاقاً. وأنا لا افتقر الى الثقة بالنفس.
- ربما ليس على الصعيد الفكري. ولكن عواطفك لا تزال في مرحلة الطفولة .
- لا يجوز لوم اختيّ على ذلك.
قالت السيدة بيتمان :
- انا الومهما . كان عليهما مراعاة شعورك.
ردت ابيا :
- حاولتا باستمرار .غير ان اساليب التجميل مثل الأهداب الاصطناعية والأثواب المثيرة لم تلائمني , وعندما لاحظتا ...
- اصيبتا باليأس وكأن الأمر لا يعنيهما.
قالت ابيا بلهجة الدفاع :
- كانتا منهمكتين في العمل.
لم تتمكن السيدة بيتمان من الاجابة اذ ناداهما الدليل لركوب احدى سيارات الأجرة المنتظرة لتقل المجموعة الى صرح تاج محل. هتف الدليل:
- سنرى الصرح غداً في وضح النهار. غير ان ابهى منظر لتاج محل هو تحت ضوء القمر.ريحانة
كانت كلماته صادقة . ادركت ابيا وهي تعبر البواية الرئيسية الشامخة , وتكحل نظرها للمرة الاولى بهذا الصرح الرخامي , انها لن ترى مثيلاً له في كل حياتها , وكان الضباب الشفاف يرتفع من النهر المترقرق وراء الصرح , ويتجمع بخفة فوقه , حتى يخال المرء ان المبنى يعوم فوق بحر سرمدي . وبدت السماء داكنة يختبئ فيها القمر وراء غيمات تلقي بظلالها فوق القبة الباهرة , لكان الصرح بأكمله سفينة فضائية عملاقة توشك ان تقلع صوب الفضاء.
اقترح الدليل الاقتراب اكثر من المبنى, وقاد المجموعة فوق الحديقة الطويلة مروراً بالحوض المثلث الضيق الذي ينعكس في مياهه تاج محل بكل روعته وتنوعه .

Rehana 18-06-20 12:06 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
مضوا الى الضريح عبر القنطرة العالية المؤدية اليه , ثم الى الجناح الشرقي حيث ترتفع الأبراج السامقة التي تنتصب على زوايا الضريح، يا لخيال الانسان المترامي، و قدرته العجيبة في تشييد معالم خالدة كهذه، غمرت أبيا موجة من الحزن والتواضع وهي تفكر في آلاف العبيد الذين عملوا وماتوا هنا من أجل نصب شكل رخامي تعبيراً عن وفاء سلطان مغلي لزوجته المتوفية.
وكانت كلما حدقت في هذا الصرح تتضاءل في ذهنها اهمية كل الوقائع التي قرأتها عنه في الكتب. كان تاج محل جاثماً هناك يتحدى الزمن، وينطق بألف لغة ولغة، وكأنه يعلن خلوده الدائم، ويندمج في أحاسيسها وأهوائها ورغباتها.
أشاحت بنظرها الى البعيد. كان هذا الصرح كل ما توقعته و ما لم تتوقعه. وقفت عاجزة عن وصف مشاعرها الداخلية. كيف يستطيع المرء وصف الألوان لرجل أصيب بالعمى منذ ولادته، أو الألحان الموسيقية لمن ولد أصم؟
بدأ أفراد المجموعة يتجولون في كل اتجاه، لكن أبيا ورفيقتها العجوز ظلتا جالستين على السور الرخامي قرب الضريح. لمست أبيا بفطرتها أن السيدة بيتمان تراودها أفكار مماثلة، فاجتاحتها مشاعر من التعاطف المرهف. أطلقت تنهيدة مكبوتة، فترامت الى مسامع العجوز حيث نظرت اليها مؤنبة :
-اياك و الدموع يا أبيا*.
- ان ذرف الدمع لا يفي جماله.
-ان السلطان حول دموعه الى رخام و بنى هذا الضريح. و لم يدر في باله أي شيء آخر بعد ذلك.
تنهدت أبيا ثانية :
-لابد أنه أحبها كثيراً ليفكر في بناء هذا الصرح لها.
-أنا شخصيا أكره هذه الأشياء.
فغرت أبيا فاها تعجباً :
-لا يعجبك تاج محل؟
-لا لم أقصد ذلك. لكن اقامة هيكل للحب هو هدر للطاقة والعاطفة . مهما كان المرء يحب شخصاً آخر عليه أن يسلم بوفاته، ويتابع حياته بعزم جديد، ويفكر في المستقبل و ليس في الماضي.
وعطست العجوز بحدة ثم تابعت :
-أعتقد أنك تعتبريني مجرد عجوز ثرثارة.
-لا أبدا.
وعطست العجوز مرة أخرى، فانتصبت واقفة :
-يبدو أن الجو بارد قليلاً. سآخذ سيارة أجرى الى الفندق و لكن أبقي أنت هنا. سأراك غدا حيث نمتع أنظارنا بمزيد من المشاهد.
ولم يخب ظن أبيا. اذ خلبت لبها مدينة أغرا بمناظرها وجلبتها، وكل القصص الظريفة التي جرت أمامها في الشوارع والهياكل والمقاهي. و بدأ تاج محل في وضح النهار رائعاً باهراً مثل روعته في ضوء القمر الفضي.
كان الليل يرخي سدوله عندما عادتا الى فندق كلارك شيراز حيث تقام حفلة رقص هندي في الحديقة بعد تناول العشاء.
لكن قبل انتهاء الحفلة قالت لها العجوز :
-أشعر ببعض الارهاق. سأتناول وجبتي في غرفتي.
تمعنت أبيا في ملامحها فلمحت احمراراً بارزاً فوق بشرتها الشاحبة. أنهت طعامها بسرعة ، وودعت أفراد المجموعة متوجهة الى غرفة العجوز مباشرة للاستفسار عن صحتها.
بدت السيدة بيتمان في ثياب النوم القطنية الرقيقة أكبر سناً مما تبدو عليه في أثوابها الحريرية ذات الطراز القديم. كان صوتها أبح، وانتابتها نوبة السعال وهي ترحب بأبيا ففقدت قدرتها على الكلام للحظات معدودة.
اقترحت أبيا :
-ألا تظنين أن من الأفضل لك استدعاء الطبيب؟

Rehana 18-06-20 12:08 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-ما الفائدة؟ أنا معرضة دائماً للاصابة بالالتهاب الشعبي والانفلونزا. ارتكبت خطأ لا يغتفر بجلوسي عل ذلك السور الرخامي ليلة أمس.
-هل لديك بعض الأدوية هنا؟
-تناولت بعض الأقراص منذ فترة قصيرة. يمكنك جلب قنينة دواء السعال من الحمام.
نزلت أبيا عند رغبتها، ولشد ما كانت دهشتها و هي ترى عدد قناني الدواء المصفوفة حول المغسلة. قالت العجوز بعد نوبة سعال حادة :*
-لا أظن أنني سأتجول غداً مع المجموعة. زرت معالم سبكري عندما كنت هنا المرة الماضية، و هي حتماً لا تزال كما هي.
-يقال أن معالمها فائقة الجمال ومحفوظة على نحو متقن.
-لكنها آثار ميتة لا حياة فيها مثل مدينة بومبي في ايطاليا. كانت منذ أربعمائة سنة المقر الرئيسي لبلاط السلطان، ولكن بعد وفاة السلطان أكبر الشهير تدهور وضعها كثيراً. ولكن من المفيد التمتع بما تبقى منها.
قالت أبيا بلهجة حماسية أضحكت العجوز :
-كل شيء في الهند يستحق الزيارة والرؤية.
-كلامك يذكرني بروعة الصبا و الفتوة.
-ومن الرائع أيضاً أن يكون الانسان فتي القلب مثلك.
-شكراً يا عزيزتي على كلماتك اللطيفة. تعالي لرؤيتي حالما تعودين غداً.
نهضت أبيا باكراً، وجلست تنتظر وصول الحافلة الصغيرة. لكن ضميرها كان يؤنبها ويدفعها لالقاء نظرة على العجوز قبل مغادرتها المكان. هرعت مسرعة الى غرفة المرأة.
أدركت لتوها أن العجوز تعاني من شيء يتجاوز الزكام العادي. بدا وجهها منتفخاً، و عيناها محمرتين. كما خالتها غير قادرة على التركيز لمدة طويلة ، وأخذت تتمتم كلمات غير مفهومة و هي تشيرعلى أبيا بالذهاب وركوب الحافلة مع الآخرين. و عندئذ قررت أبيا استدعاء الطبيب.
أخبرها موظف الاستقبال عن وجود طبيب يزور نزيلاً آخر، وسينتهي من فحصه خلال نصف ساعة. و أضاف الموظف :*
- أن دليل الجولة في انتظارك.
أجابت أبيا و هي تعارك خيبة أملها :
- ليذهب بدوني. لن أترك السيدة بيتمان وحدها.
- يمكننا تكليف خادم للاهتمام بها.
كادت أبيا تبدي موافقتها، غير أن ضميرها ردعها، فشكرته ورفضت اقتراحه.
ما أن قلعت الحافلة لتقل المجموعة في جولة سياحية جديدة حتى وصل الطبيب. كان في خريف العمر مائلاً الى السمنة، يلف جسمه بسترة هندية ضيقة مزررة حتى عنقه.
فحص العجوز فحصاً شاملاً، و علت وجهه امارات التجهم مما أخاف أبيا، وأدخل الرعب الى قلبها، أعلن أخيرا :
-انها نزلة صدرية حادة. سأصف لها بعض المضادات ، ولكن لا أتوقع أية نتائج ايجابية قبل مرور أبع
وعشرين ساعة.
سألته أبيا :
- هل من الضروري نقلها الى المستشفى؟
- لا ضرورة لذلك الآن. لن أتخذ القرار النهائي حتى أراها ثانية عشية اليوم. وأثناء ذلك سأرسل اليك الأدوية .ثم حملق في وجهها مستفسراً .هل أنت احدى قريباتها؟
- مجرد صديقة. سأبقى هنا طوال اليوم.
هز رأسه علامة الرضا، و غادر الغرفة. جلست أبيا على كرسي بجانب السرير لتتصفح كتاباً حول المدينة الصخرية القديمة التي فاتتها زيارتها.

Rehana 18-06-20 12:10 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
عاد الطبيب في وقت متأخر من المساء حيث كانت صحة العجوز ازدادت سوءاً. لاحظت أبيا أنها تتنفس بصعوبة ، وتتمتم بعض الكلمات حول أناس وأمكنة لا تعرف عنها شيئاً ، أو تغط في نوم عميق ، مرسلة شخيراً متواصلاً.
أكد لها الطبيب :
-لاحاجة الى القلق. ستتحسن حالتها في الصباح.
لم تكن أبيا واثقة من كلامه المطمئن وتزايدت مخاوفها مع اقتراب المساء حيث غرقت العجوز في هذيانها مرة أخرى :
-ما هذا يا جيلز؟ لا تعاملني بهذا الأسلوب فأنا لست طفلة ! طفت العالم مرتين قبل أن تولد، ولا أنوي قضاء بقية حياتي في كرسي للمقعدين. قد أكون طاعنة في السن، و لكنني لست خرفة ولا أعاني من مرض العضال.
ابتسمت أبيا. أن السيدة بيتمان هي اياها حتى في هذيانها. فكرت أن جليز فقد أعصابه أكثر من مرة معها. ومع أنها لمحته لبرهة خاطفة في مكار هيثرو، لمست لتوها أنه رجل ذو ارادة حديدية. يبدو أنه يتمتع بشخصية مسيطرة، وهو انطباع أكدته أحاديث عمته حوله. خطت أبيا نحو السرير بهدوء. لاحظت أن الآنسة بيتمان ازدادت انكماشاً في فراشها، وأدركت أنها تتعافى في وقت قريب. واذا كان الوضع كذلك، ما هي ردة فعل ابن أخيها لعدم اطلاعه على مرض عمته، وخاصة وهو في الهند؟
ترددت قليلاً قبل أن تفتح حقيبة العجوز بحثاً عن مفكرة أو دفتر عناوين. وأخيرا عثرت على مفكرة مجلدة قرأت فيها عنوان جيلز فارو ورقم تلفونه في بومباي.
طلبت مخابرة هاتفية لتوها، وراحت تذرع الغرفة جيئة وذهاباً تنتظر جواباً بفارغ الصبر. وأخيراً رن جرس الهاتف فزالت كل مخاوفها وشكوكها وهي تسمع صوت جيلز على الخط، واثقاً حاداً. قالت بسرعة :
-أنت لا تعرفني. أنا مع عمتك ضمن المجموعة السياحية. و... و... واصطدمت بك في مطار هيثرو...
قاطعها محتداً :
-ما الذي الم بعمتي؟
استاءت من نفسها و سوء تصرفها، اذ ماذا يهمه من هي أو أين التقاها؟
أخبرته أبيا عن وضع عمته بعجلة :
-يقول الطبيب أنه لا لزوم للقلق و لكن...
-و لكنك قلقة الى حد جعلك تتصلين بي؟
قالت ابيا بحزم :
-نعم. لم أكن لأتصل بك لو كانت في انكلترا، أما...
-سأركب أول طائرة. وأعتقد أنني سأصل صباح الغد.
فاجأتها سرعة قراره. قالت :
-لم أتوقع منك المجيء الى هنا، سيد فارو.
-لماذا اتصلت بي اذن؟
-لأضعك في الصورة. و لكن اذا...
-حسناً. هذا ما قمت به الآن، واتركي لي القرار من فضلك.
و أقفل الخط بعد أن شكرها ، فأعادت أبيا السماعة ، يخالجها ارتياح ممزوج بالتوتر. يا له من رجل مزعج ! مع ذلك كانت مغتبطة لاتصالها به، اذ لم تعد تتحمل مسؤولية مرض السيدة بيتمان وحدها.
واذا ما حدث أي طارئ بين الليلة وصباح الغد عندما يصل ابن أخيها ، لن يلومها أحد أو يتهمها بالإهمال.
رفعت سماعة الهاتف مرة أخرى وطلبت وجبة العشاء في غرفتها، ثم مضت نحو النافذة وحدقت في الظلام بحزن يشوبه الحنان. قضت يوماً مرهقاً و مثبطاً للعزيمة. هل صرف اجازة يعني الجلوس ساعات لمراقبة عجوز في حالة من الغيبوبة؟
تثاءبت وتمطت ، متمنية حضور جيلز فارو ليتوالى زمام الأمور مكانها. انها تتوق الآن الى التخلي عن هذه المسؤولية الصعبة !
جلست قرب النافذة مطلقة زفرة حزن صامتة ، و دفنت رأسها في راحتيها. وارتسمت في مخيلتها صورة ذلك الرجل الغامض الذي يتطاير الشرر من عينيه.

نهاية الفصل

Rehana 19-06-20 07:10 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
4- ما أهمية مشاهدة بعض الآثار القديمة مقابل رعاية امرأة عجوز طيبة وإدخال الطمأنينة إلى قلبها؟ و مع ذلك , تشعر ابيا بوحشة قاتلة ...

غفت ايبا في المقعد الوثير قرب سرير السيدة بيتمان ملء جفونها . ولم تستيقظ إلى أن تسللت خيوط الفجر عبر النافذة .
استوت في مكانها , و ألقت نظرة ملهوفة على السرير . كانت العجوز تغط في نوم عميق , وبدا وجهها اقل احمراراً , و تنفسها أكثر انتظاماً .
تجهم وجه ابيا .لو انتظرت حتى هذا الصباح قبل الاتصال بجيلز فارو , لكانت بدلت رأيها . و لكن فات الأوان . انه في طريقه إلى الفندق , إذا كان صادقاً كما دل صوته الواضح .
كانت الساعة لا تتجاوز السابعة , فسارت على رؤوس أصابعها إلى الحمام لئلا تحدث أية ضجة . انتعشت قواها وهي تستحم بالماء الحار .

Rehana 19-06-20 07:11 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
ارتدت ملابسها ذاتها . تاقت إلى ثيابها القطنية المعلقة في خزانة غرفتها , لكنها رفضت الذهاب إلى فندقها , وترك السيدة بيتمان وحيدة . وعندما عادت إلى غرفة النوم , كانت العجوز تتفرس بابيا مستغربة .
- ماذا تفعلين هنا يا ابنتي ؟
- بقيت معك ليلة أمس .
- معي؟ تعنين انك لم تذهبي إلى غرفتك ؟
-نزلت عند رغبة الطبيب للبقاء معك, لكني نمت جيداً هنا . كان المقعد مريحاً للغاية . والآن ما رأيك في طلب الفطور ؟ ماذا ترغبين ؟
تجهمت العينان السوداوان , وقالت بلهجة حادة:
- اريد بعض الشاي , ولا اذكر أي شيء عن ليلة أمس . اعرف انك اتيت إلى هنا في الصباح , ولكن بعد ذلك يبدو كل شيء غامضاً . هل غبت عن الوعي ؟
- كدت تفقدين الوعي.ابتسمت ابيا ابتسامة فاترة , وهي تتساءل اذا ما حان الوقت لاعلان وصول جيلز فارو الوشيك .حبست أنفاسها ثم اخبرتها بما فعلته , فتأكدت مخاوفها وهي ترى العجوز تزداد استياء:
- أنت أخبث مما تصورت , لماذا اتصلت به وهو غارق حتى أذنيه في عمله و يكره مثل هذه الأمور؟
- لم اتبين أي استياء عندما تحدث معي. قال انه مغتبط جداً لاتصالي به.
- طبعا يا عزيزتي . ثمة رابطه عاطفية قوية بيني وبين جيلز . مع ذلك انه مشغول كثيراً ليقطع كل هذه المسافة و بدون أي سبب ملح .
- عندما اتصلت به أمس اعتقدت أن المسألة ملحة للغاية , كنت متوعكة الصحة كثيراً , و انتابني القلق عليك . ربما لو كنا في انكلترا ومع اطباء انكلترا لكان اختلف شعوري.
- ان اطباء الهند اكفاء مثل اطباء الغرب, لا تكوني منغلقة على نفسك يا ابنتي , خاصة وانك ذكية .
قالت ابيا بأسى :
-أنت على حق , فانا لم اتجول كثيراً خارج بريطانيا . مع ذلك لست نادمة على الاتصال بابن اخيك .
- هل حدد وقت وصولة ؟
- هذا الصباح . لكنه لم يحدد الساعة .
انطوى الصباح ومرت الظهيرة , ولم يصل جيلز فارو , فقررت عمته انه استقل طائرة متأخرة . وكان كلما تقدم النهار ازدادت صحة العجوز سوءاً ,وابيا تقتنع أكثر فأكثر بأهمية مجيء جيلز.
وادركت العجوز بعد تناولنا طعام الغداء , أن ابيا فاتتها رؤية أشياء كثيرة لاضطرارها البقاء معها . قالت :
- لن تتاح لك فرصة أخرى لرؤية مدينة سيكري .كان عليك الذهاب إلى هناك اليوم .ليتني استأجرت لك سيارة لتقلك إلى هناك.
ردت ابيا بهدوء:
- رأيت تاج محل , وهو منظر يعوض كل شيء .
لم تقتنع العجوز لكنها اكتفت بالصمت ثم قالت :
- في أي وقت تغادر المجموعة إلى مدينة جيبور؟
- علينا أن نكون في المطار الساعة السادسة . هذا يعني أننا سنغادر هنا في الخامسة ,أما أنت فستبقين هنا.
- اعرف ذلك , ربما كنت امرأة عنيدة . ولكني لست مجنونة إلى حد التفكير بمغادرة السرير وركوب الطائرة . اذهبي أنت إلى غرفتك و احزمي حقيبتك . لا تريدين أن تتاخري كما اعتقد؟
- يمكنني الاستعداد للرحيل بسرعة . لم افك معظم امتعتي .
سأغادر هنا فور وصول ابن أخيك .
لكن مرت الساعة الرابعة و لم يظهر جيلز فارو . وغرقت السيدة بيتمان في نوم عميق مرة ثانية , بعد أن أصابتها نوبة حادة من السعال .

Rehana 19-06-20 07:13 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
نظرت ابيا إلى آلة التليفون ثم سارت على رؤوس أصابعها , وخرجت متوجهة إلى مكتب الاستقبال , حيث طلبت من احد الموظفين الاتصال بالمطار والاستعلام عن موعد وصول الطائرة التالية من بومباي .
قال لها الموظف:
- لا يوجد سوى رحلتين مباشرتين اليوم. وصلت طائرة الحادية عشرة هذا الصباح وكان يفترض وصول الأخرى الساعة الثانية لكن عطلاً في المحرك اخرها. ربما هذا المساء أو غداً صباحاً.
حملقت في وجهة مذهولة :
- اعرف أن السيد فارو يريد الوصول إلى هنا بأقصى سرعة . ولا شك انه سيستقل طائرة تابعة لخطوط جوية أخرى .
- هذه هي الخطوط الجوية الوحيدة ولا يوجد غيرها داخل الهند.
عضت ابيا شفتيها غيظاً و مضت تبحث عن موظف شركة كينغ للسفريات . وكان كما توقعت يقف أمام الفندق يتحدث إلى بعض أفراد المجموعة يراقبون احد الحواة الهنود . نظرت ابيا إلى الأفعى الهائلة تتلوى فوق الأرض , وأشاحت نظرها بعجل.
نادت :
- سيد شيران , سيد شيران .
استدار الرجل و توجه صوبها, قال بكل تهذيب:
- كيف حالك اليوم آنسة ابيا وست ؟ قمت بعمل خير عندما صرفت وقتك مع السيدة بيتمان . يا لك من صديقة وفية ؟.
تجاهلت ابيا إطرائه :
- هل ثمة من تغيير في ميعاد مغادرتنا؟
-كلا . نغادر الساعة الخامسة . إذا كانت حقيبتك جاهزة فلأذهب واجلبها إلى هنا.
- لم احزم أية حقيبة حتى الآن. أن السيد فارو لم يصل بعد.
ولاحظت إمارات التساؤل ترتسم على وجه الرجل الهندي.
فأسرعت تشرح له من هو السيد فارو ,
واحتمال وصوله على طائرة متأخرة من بومباي و أضافت :
- لا استطيع أن اترك السيدة بيتمان حتى يصل بومباي .
- و لماذا ؟ أن الدكتور بيرا من أفضل الأطباء في أغرا. و إذا ما تفاقمت الأمور سينقلها إلى مستشفى أو مصح خاص.
- مع ذلك لا يمكنني أن اتركها قبل التأكد من توجه السيد فارو إلى هنا .
- لماذا لا تطلبين منزله بالهاتف لتتأكدي من ذلك ؟ لا بد أن أحداً هناك سيطلعك على حقيقة الأمر.
عجبت من نفسها كيف فاتتها هذه المسالة . اسرعت إلى قاعة الاستقبال في الفندق , وطلبت منزله من هاتف هناك . استغرقت المخابرة حوالي ربع ساعة وهي تنتظر بقلق . ولكن هذه هي الهند, حيث تتم الأمور على نحو بطيء جداً , فحاولت كبت مشاعرها.
وأخيراً تمكنت من الاتصال بمنزلة , وهرعت نحو السيد شيران عابسة :
- لقد غادر السيد فارو بومباي , أخبرتني مدبرة منزله انه سيتوقف في طريقة للاجتماع بأحد الوزراء , ولا تعرف المكان بالتحديد. وهذا يعني انه سيستقل طائرة أخرى من مطار ما. لا فائدة , عليّ البقاء هنا. ربما تستطيع ترتيب سفري غداً إلي جيبور.
- لا ظن , لا يوجد مقاعد في الطائرة , اذ يحجزها المسافرون قبل أسابيع من الرحلة . ولكن سأحاول مساعدتك.
ومضى معها إلى مكتب الاستقبال لمراجعة لائحة المسافرين . ثم قال:
- يبدو أن المسالة معقدة . سنضع اسمك على لائحة الانتظار .
- وماذا افعل إذا لم أتمكن من السفر؟
- نضع اسمك على اللائحة التالية بعد غد . وسنكون في طريقنا إلى اوديبور فيترتب عليك إجراء حجز آخر , وقد يحدث بعض التأخير أيضا . اعتقد أن من الأفضل أن نحجز لك طائرة مباشرة إلى اوديبور .

Rehana 19-06-20 07:14 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
هزت ابيا برأسها , وتظاهرت بالسرور عندما ابلغها السيد شيران انه نجح في مهمته . وكان يعني ذلك عدم الذهاب إلى جيبور التي تاقت إلى رؤيتها , والتخلف عن جولة أغرا.
وقفت حزينة خائبة الأمل تراقب أفراد المجموعة يستقلون الحافلة التي ستمضى بهم إلى المطار .
وابتلع الغبار الأحمر العجلات المسرعة , وابيا مسمرة في مكانها , تشعر بوحدة قاتلة .
فكرت بالسيدة بيتمان , فأسرعت إلى غرفتها في مؤخرة الفندق , وارتدت فستاناً جديداً قبل أن تعود إلى غرفة العجوز الرحبة المطلة على الحدائق .
كانت العجوز تغط في نوم عميق عندما دخلت على رؤوس أصابعها , واستلقت فوق الكرسي الوثير.
و ترامى إلى مسامعها رنين أوتار رتيبة لآلة موسيقية هندية . استرخت تصغي إلى عزفها وتهدئ أعصابها . تضاءلت خيبة أملها, وسرى في شرايينها خدر مسكن , ما هي أهمية مشاهدة بعض الآثار مقابل رعاية امرأة عجوز و إدخال الطمأنينة إلى قلبها؟ أغمضت عينيها , وهي تشعر بارتياح عميق.
بهرها اندلاع النور الكهربائي , فنهضت على قدميها فجأة ,كان جيلز فارو في الغرفة : طويل القامة , معتداً بنفسه , يدل مظهره على أصلة الانكليزي التقليدي . وقبل أن يتفوه احدهما بكلمة واحدة , استوت السيدة بيتمان في فراشها , و انفرجت شفتاها عن ابتسامة ممزوجة بالتأنيب والخجل . خاطبته :
- عزيزي جيلز , أنا آسفة لحملك على المجيء إلى هنا بدون أي سبب. تحسنت كثيراً الآن. لم يكن من الضروري أن تتصل بك ابيا الليلة الماضية .
اجاب وهو يخطو نحو السرير , ويطبع قبلة على وجنتها:
-كنت مريضة ليلة أمس. ولا تعتذري لتحسن صحتك , أنا سعيد جداً لهذا التطور.
- مع ذلك بددت وقتك سدى , أنا آسفة جداً يا جيلز.
-كيف أبدد وقتي عندما أسمعك تعتذرين مني مرتين خلال دقيقة واحدة ! لا اذكر انك فعلت ذلك أبداً .
دفعت العجوز رأسها إلى الوراء, وقبل أن تستطرد في الحديث انتابتها نوبة من السعال الحاد. شد جيلز على يدها يهدئ من روعها , ثم صب لها كوباً من عصير الفاكهة . وبعد أن احتست بعض الجرعات , نظرت العجوز إلى ابيا نظرة حنان و عرفان بالجميل . قالت لها:
-والآن يا عزيزتي يسرني أن أريحك مني ومن همومي , تصور يا جيلز أن هذه البنت تخلفت عن الرحلة أمس واليوم من اجلي , ولكن ليس بعد الآن يا عزيزتي . هيا تمتعي بما تبقى من الرحلة , وقبل أن تذهبي أريد عنوانك في لندن لاتصل بك فيما بعد. أريد أن ابحث معك أمراً ما.
ألقت ابيا نظرة عاجلة على ساعتها , فأدركت أن الالتحاق بالمجموعة أصبح أمراً مستحيلاً. تبين لها أن جيلز فارو يتفحصها بأسلوب ممزوج بالامتعاض, وكأنها ارتكبت خطأ ما. هل هو مستاء منها لاتصالها به, رغم ما قاله لعمته ؟ قررت أن تفصح عن أفكارها:
- أن المجموعة غادرت الفندق للأسف الشديد . كان ذلك في الساعة الخامسة والساعة الآن تجاوزت الثامنة .
تجهم وجه العجوز , وقالت بأسى :
- يا لك من بنت سيئة الحظ! لم تذكري أي شيء قبل ذلك ؟
عرفت أن جيلز في طريقة إلى هنا, وكان عليك أن تذهبي !
قالت ابيا بدون أن تنظر إلى جيلز فارو:
- تأخرت طائرته . ولم يكن احد يعرف موعد وصوله تماماً.
- مع ذلك كان عليك الذهاب.
- يستحيل عليّ تركك وحيدة , وقمت بما أوحى به ضميري . وها أنا اكسب يوماً إضافياً حيث استطيع الذهاب إلى سيكري غداً , فلا يفوتني أي شيء .

Rehana 19-06-20 07:22 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-إنها فكرة رائعة . وغداً مساء تتوجهين إلى جيبور؟
ترددت ابيا قليلاً في الاجابة , فأدركت العجوز مغزى صمتها :
- فاتتك رحلة جيبور أيضا؟
تلعثمت ابيا :
- نعم . اخفق السيد شيران في حجز مقعد لي في الوقت الملائم. ولكن لن يفوتني الشيء الكثير في جيبور . سأستفيد من وقتي هنا لمشاهدة تاج محل مرة ثانية .
خاطبت العجوز ابن أخيها:
- فاتتها معظم الرحلة يا جيلز . علينا أن نفكر في مشروع ما.
قال بحدة :
- اشعر بإرهاق شديد الآن, ولا استطيع التفكير في أي شيء .كانت رحلة متعبة , ولا أتمنى سوى الاستحمام وتبديل ملابسي و تناول وجبة العشاء.
- أذن هيا استحم ثم خذ هذه البنت المسكينة معك إلى العشاء, لا أريدها أن تبقى في غرفتي لحظة واحدة .
أحست ابيا بعيني جيلز تتفرسان في وجهها , قال باقتضاب :
- سأراك في قاعة المغل خلال ساعة .
أومأت برأسها , وكادت أن ترفض دعوة مقيتة كهذه لولا إصرار السيدة بيتمان . وهي لم تكن دعوة بل مجرد استجابة لإلحاح عمته ,كرر كلماته و هو يغادر الغرفة :
- خلال ساعة .
وعندما أصبحت ابيا بمفردها مع العجوز , أخذت تفكر في أبداء رفضها لهذه الدعوة .ثم قررت الاعتصام بالصمت , تتجاذبها مشاعر من القرف و الاستياء , تمتمت العجوز:
- لا اعرف كيف أشكرك على بقائك معي, انك ذات قلب يطفح طيبة .
أكدت لها ابيا:
- لم أقم سوى بواجبي , وهو ما يقوم به أي شخص في وضع كهذا.
- لا يا عزيزتي . ليس إلى الحد الذي ذهبتِ إليه, لولاك لكنت الآن في عهدة إحدى الممرضات , وهذا ما كان عليك فعله. أنت طيبة القلب كثيراً.
اغرورقت عينا ابيا بالدموع:
- سأمضي إلى غرفتي الآن .
- حسنا . أن ابن أخي يكره انتظار الناس.
كبتت ابيا تعليقاً لاذعاً , وابتسمت قليلاً وهي تغادر الغرفة .

نهاية الفصل

Rehana 20-06-20 12:10 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
5- جيلز فارو! هذا الرجل الكريه , كيف يجرؤ على توجيه تلك التهم اليها؟ تراقصت*صورته امام خيالها فازادت كرهاً له .وتمنت لو تستطيع الانتقام !


صعدت ابيا الى الطبقة العليا من الفندق قبل لحظات من الموعد*المحدد , فوجدت جيلز في انتظارها . كان يرتدى بذلة بنية فوق*قميص حريري متناسب في اللون . وبدا شعره في الضوء الخافت*داكناً بعض الشيء , ولكنه يمور لمعاناً . جلس مقابلها الى الطاولة*الجانبية .
قال بلهجة صارمة :*
- يمكنك اختيار طبق هندي او اوروبي .*
اجابت :*
- انا اختار دائماً الاكل الهندي . مامعنى ان يجتاز المرء كل هذه*المسافة حول العالم ثم يتناول وجبة بلده الوطنية ؟*
- هذا يعتمد على ذوق المعدة , وما اعتاد عليه كل شخص .
انعقد لسانها امام هذا المنطق المحكم . وتمنت لو تجرأت على*رفض دعوته بغض النظر عن رأي عمته . اخذت تتصفح لائحة*الطعام , ولم تشأ استدعاء النادل كعادتها والاستفسار عن معنى هذا*الصنف او ذاك . قررت عدم المغامرة وهي تلاحظ مراقبة جيلز فارو*لها فطلبت دجاج تندوري .*
سألها مضيفها :*
- وهل تتناولين شيئاً معه ؟*
- وهل من الضروري تناول شيء آخر ؟*
- نعم اذا كنت جائعة .*
اقرت :*
- انني اتضور جوعاً. تناولت لقمة على عجل وقت الغذاء .
- كنت مشغولة جداً في تأدية دور الملاك الحارس ؟
كانت السخرية تقطر من كل كلمة تفوه بها وتاقت الى النهوض*ومغادرة الطاولة فوراً . لكنها عادت فسيطرت على مشاعرها .
استطرد :*
- تسرني هذه اللهفة لتناول الطعام . هل هي نتيجة حصولك على*ما تبتغين ؟*
- آسفة لم افهم ؟*
- حزت على انتباه عمتي . وهذا ماكنت تريدينه , اليس كذلك ؟
خالت ابيا انها لم تسمع ماقاله بالضبط , ولكن الغضب الذي*ارتسم على وجهه انبأها انها لم تخطىء المغزى الكامن وراء كلماته.*اعتقد لاسباب خاصة به انها تتعمد خداع عمته .*
قالت بصوت مضطرب :*
- لا اعرف سبب وجود هذا الانطباع السيء لديك عني . اؤكد*
لك اني قدمت تضحية كبيرة في بقائي مع عمتك والتخلف عن الجولة*السياحية . امكانياتي لا تسمح لي بتكبد نفقات رحلة اخرى الى*الهند , وهذه الرحلة تعني لي الشىء الكثير .

Rehana 20-06-20 12:11 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
- ولكن صداقة عمتي تفوق الرحلة اهمية بما لا يقاس. ستتاح لك فرصة القيام برحلات عديدة ممتعة اذا عرفت كيف تتصرفين*
بحذاقة .
استشاطت ابيا غضباً :*
- ما الذي يمكنني الحصول عليه من عمتك , ولماذا تفترض انها*مهتمة بي ؟
قال بفظاظة :
- لانه يمكنك ان تصبحي سكرتيرتها وزميلتها . لم يسبق لها ان*سافرت وحدها . كان دائماً يصحبها احد ما لتولى الضرب على الآلة*الكاتبة وترتيب كل اوراقها . انه عمل ممتاز , ولا الومك اذا كنت*تريدين الحصول عليه . من رفض قضاء ستة اشهر في منزل ريفي*فخم وستة اشهر اخرى مسافراً حول العالم ؟ انها فرصة لا تفوت .
- لا افهم ماذا تعني بالضبط. لم يخطر في بالي ان عمتك تستخدم*اي شخصو...
- كفى تظاهراً بالبراءة .وستقولين لي الآن انك تجهلين هويتها!
*سالته ابيا بسخرية طريفة :
- وهل كونها عمتك يجعلها انسانة مهمة جدا ً؟
ارتسمت ابتسامة باهتة فوق ثغره :
- اهنئك على هذا التمويه الناجح آنسة ابيا وست. ولكنك تعرفين*جيداً من هي. العالم كله يعرف ماتي بيتس.
رددت ابيا :*
- ماتي بيتس. هل تعني ان السيدة بيتمان هي ... ولكن لم يدور في خلدي ...تعني ماني بيتس كاتبة الروايات البوليسية , اليس كذلك ؟
قال حازماً :*
- نعم. وارجوك وفري بقية المسرحية.
-*سأكون اكثر صراحة , سيد فارو , سأوفر عليك تناول العشاء معي ( ونهضت واقفة على قدميها ) كفى غمزاً ولمزاً. سواء صدقتني*ام لا , اسمعني جيداً, لم اعرف عن عمتك اي شيء سوى انها امرأة*
عجوز ظريفة تسافر وحيدة , واعتقدت ايضا , وهذا لن تصدقه , انك تدفع نفقات رحلاتها بنفسك .
وقبل ان تنتظر جوابه استدارت وانطلقت صوب الباب. كانت*تقف قرب المصعد تضغط على الزر الكهربائي عندما لحق بها. قال*ببرودة .:
- افترضت انك ستتناولين طعام العشاء معي.
-*آسف لاغضابك آنسة وست.
-*انت لم تغضبني. انا دائماً متهمة بالتورط مع العجائز. وأنا عملياً اؤمن على حياتهن بمبلغ ضخم قبل ان اتخلص منهن.*
انفتح باب المصعد وخطت الى داخله. قال بعجلة*:
- ارجوك عودى الى الطاولة لنتابع الحديث.
-*لا شكراً. اود النوم باكراً.
هبط المصعد فاتكأت على الحافة من الاضطراب الشديد . ياله*من رجل مقيت ! ويا للآراء المشوهة التي يكونها حول الآخرين اذا*كان يظن انها صادقت عمته لتستفيد منها !*
ماتي بيتس. ارتسم في ذهنها بعض ما قراءته من رواياتها ,واستعادت اسماء ابطالها الذين سلبوا لب القراء طوال ثلاثين عاماً.*ولم تقتصر شهرة ماتي بيتس على تأليف الكتب بل امتدت الى*المسرحيات والافلام .كانت تملك ثروة خيالية , فاستخدمتها لتؤمن*حياة خاصة هنيئة , لا يعكر صفوها احد من الناس.
*توقف المصعد وخرجت ابيا الى البهو. لاح لها ان جيلز فارو يعذبه ضميره لانه المستفيد الوحيد من ثروة عمته . وهو شعور بالذنب*
يجعله يشك في كل انسان يحاول كسب صداقة عمته . وازداد كرهها*له وهي تفكر في هذه الامور , فقررت الذهاب في نزهة قصيرة في*عربة صغيرة .

Rehana 20-06-20 12:13 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
توجهت نحو مدخل الفندق . سألها البواب الليلي :*
- هل تريدين سيارة اجرة ؟*
ترددت قليلاً , ثم قالت انها تريد دراجة ذات دولابين , لادراكها انها ابخس ثمناً .
نادى احدى الدراجات . فصعدت الى المقعد الضيق , وابلغت*السائق اسم فندق آخر لمحته عندما توجهت الى تاج محل ليلة*
وصولها الى اغرا .
اخذ السائق يدوس برجليه على العجلات , والهواء القارس يلسع وجهها , لكنها ظلت في حالة من الغليان الداخلي وهي تستعيد*حديثها مع جيلز فارو . كيف يجرؤ على توجيه تلك التهم اليها ؟ ألا يعرف ان عمته احذق من ان تنطلي عليها خدع كهذه ؟ انها عجوز*ذات قدرة عجيبة على تمييز الناس ,والحكم على شخصياتهم , وهذا ما تبين لابيا في حكمها على افراد المجموعة . يبدو ان ذكاءها لا*يخونها الا فيما يتعلق بابن اخيها ! خاطبت ابيا نفسها :
- ساغادر هذا المكان مع انبلاج فجر الغد . واذا عجزت عن حجز*مكان في الطائرة فسأنتقل الى فندق آخر . وهكذا اثبت للسيد العظيم*ان وساوسه لا اساس لها من الصحة .
وبعد ان اتخذت هذا القرار , بدأت ابيا تجيل النظر فيما حولها .ورأت ان الدراجة توقفت واستدار السائق صوبها . قال :
- ان الطريق الى الفندق طويلة جداً . اريد عشر روبيات اكثر .
فاجأتها كلماته . ثم استبد بها الخوف . لكنها ارتأت عدم الافصاح*عن مخاوفها , فحدقت في الرجل باسلوب متعجرف قدر امكانها :
- لن ادفع لك روبية واحدة اكثر من اللازم . لقد اتفقنا على*الاجرة مسبقاً.
- غيرت رأيي . انها مسافة طويلة .*
كررت ابيا :*
- كلا .*كانت تدرك ان المبلغ الاضافي لا يمثل اي شيء بالنسبة الى سائح*اوروبي , ولكن القبول به يعني الخضوع للابتزاز المتواصل, تابعت:
- سادفع لك شيئاً اضافياً عندما نصل الى الفندق .
- اذا رفضت الدفع فلن آخذك الى اي مكان .
- اذن سابحث عن سائق آخر .
وقفزت ابيا الى الارض قبل ان تخونها شجاعتها. كانت الشوارع*مظلمة , لا انوار تكشف امامها الطريق , بل مجرد قمر خافت.
*اسرعت الخطى . لم تلمح اية دراجات وبدا المكان مقفراً من الناس.*
وخالت انها لن تجد دراجة اجرة ثانية . مع ذلك صممت على عدم*التنازل لمطالب السائق الهندي باي ثمن . لو اقدمت على هذه الخطوة*كان ازداد طمعاً , وربما سرق جزدانها او قتلها . ارعبتها الفكرة*فضاعفت سرعتها . ظل السائق يلاحقها :
- ارجعى الى هنا يا سيدة . اصعدي على الدراجة .*
- كلا . شكراً . ساطلب من شخص آخر استئجار دراجة .
- لا يوجد احد في هذه الساعة المتأخرة . ولا يمكنك قطع كل هذه*المسافة على قدميك . لا اريد دراهم الآن . سانتظر حتى نصل الى*الفندق .
ظلت ترفض اي شيء يقترحه وهي تحث الخطى مسرعة , تبين لها ان الطريق تنعطف بعد مسافة قصيرة نحو مستديرة تزينها*الاعشاب . ثم رأت اكواماً من الناس تفترش الارض وترقد في العراء*حيث لا مأوى آخر ليضمهم. ولاح لها ان هذه المجموعات البشرية*التي تكره النظر اليها ربما كانت وسيلة انقاذها الوحيدة.
-*لن اخيفك ايتها السيدة . عودي الى مقعدك ولنمضي الى*الفندق .*

Rehana 20-06-20 12:15 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
حاولت الاسراع بدون الرد عليه . لكنها احست بوخز في*خاصرتها ولم تتمكن من التقدم اكثر . سمعت هدير سيارة وراءها ثم*سطعت انوارها فوق الطريق الترابى امامها . ثم أبطأت سرعتها, وامتد وجه عبر النافذة :
- آنسة وست ؟
نظرت مذهولة وهي تتبين ملامح جيلز فارو . سالها فجأة :*
- لماذا تركضين هكذا ؟*
- يريد السائق ان ادفع اجرته سلفاً , ولم تعجبني الفكرة .
- انه رأي صائب وحكيم . ومن الصواب والحكمة ايضا عدم*السير على الاقدام . اصعدي .
فتح لها باب التاكسي . اوحى اليها كبرياؤها برفض عرضه ,*لكن الخوف دفعها الى القبول , وصعدت الى المقعد بجانبه بدون ان*تعلق بشيء . ثم سمعته يقول شيئاً باللغة المحلية لسائق الدراجة. لم*
تفهم ابيا شيئاً , لكن لهجته بدت واضحة كفاية , حيث مضى*صاحب الدراجة لا يلوي على شيء .
سألته بحذر :
- ماذا قالت له ؟
- قلت له اذا ما رأيته امام الفندق مرة اخرى فساسلخ جلده .
استفسرت :
- كيف عرفت انني هنا ؟*
- لم اعرف .كانت مجرد صدفة . لحقت بك حتى مدخل الفندق فأخبرني البواب انك استأجرت دراجة . قررت اتبعك بدون معرفة اتجاهك . لا تكرري هذا الخطأ ثانية فلا يمكنك التجول هكذا*وحيدة كفتاة لا يحميها احد. واذا كان لابد من التجول ليلاً فالافضل*استئجار سيارة .
- ان السيارات اكثر كلفة*
هز بكتفيه :
- انها مجرد روبيات قليلة . ارفض ان اعتبرك فقيرة الى هذا الحد.
*ادركت انه يعني كل كلمة يقولها , وعجبت من جهله لكيفية معيشة معظم الناس العاديين , حيث يرتبون حياتهم وفق ميزانية*
محددة كل قرش منها يقرر استمرارهم في الحياة الطبيعية. قالت*بتأفف :
- جئت لأقضي هذه العطلة وفق مبلغ محدد من المال . واذا ما*بددت دراهمي هنا وهناك , فلن يبقى معي شيء لاشترى بعض*البضائع .
- كنت اظنك احذق من ان تعتبري انفاق بضع روبيات اضافية*اهم من سلامتك . وماذا ستشترين ؟
صاحت محتجة :
- انك رجل فظ !*
وغرقت في صمت عميق . بعد لحظات معدودة وصلا الى فندق*كلارك شيراز . حاولت ان تفتح الباب ما ان توقفت السيارة .
قال جيلز فارو :
- لحظة واحدة من فضلك . من حقك ان تعرفي اني بدلت*غرفتك .*
تجمدت في مكانها :
- ماذا فعلت ؟
- طلبت من مدير الفندق تبديل غرفتك . كانت هذه رغبة عمتي ,*ولا علاقة لي بالأمر . اردت ان تمتعك بغرفة مطلة على تاج محل .
اغرورقت عينا ابيا بالدموع , فمسحتها خلسة . ما اروع السيدة*بيتمان! كم هي تختلف عن ابن اخيها المتغطرس ! قالت :
- لا ضرورة لذلك سيد فارو . انوي الرحيل عن اغرا غداً . ولا*حاجة الى تبديل غرفتي من اجل ليلة واحدة.
-*تم ترتيب كل شيء الآن .
- اذن ليلغوا الترتيب !*

Rehana 20-06-20 12:17 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
قفزت من التاكسي , وركضت الى الفندق . كانت تطلب مفتاح*غرفتها من موظف الاستقبال عندما لحق بها جيلز فارو . قال بنعومة :
- لاحاجة الى هذا الاعتراض التافه , آنسة وست . ترغب عمتي في ابداء عرفان جميلها لك , ومن السخف رفض رغبتها .
استدارت صوبه وهي تغلي حنقاً . تفرست في وجهه متمنية لو*كانت تفوقه طولاً فتتمكن من رد الصاع صاعين . علق هازئاً :
- ان هذه القامة القصيرة لا تنسجم مع مزاجك الحاد. اعصابي*مرهقة ولا انوي مجادلتك اكثر من ذلك . اذا كنت ترفضين رغبة*عمتي, فالأفضل لك ان تصعدي الى غرفتها وتبلغيها قرارك .
عضت اسنان ابيا الصغيرة البيضاء شفتها السفلى , مدركة ان*جيلز فارو جعلها تتصرف كالاطفال .
حدجته بانفعال :*
- حسنا . سأفعل مثلما تريد السيدة بيتمان . لن تتاثر ثروتها كثيراً*بصرف نفقات غرفة لليلة واحدة . اراهنك انها قادرة على شراء*الفندق بأكمله , بدون اى عناء .
بد للوهلة الاولى مذهولاً تماماً , ثم ادرك انها تحاول استفزازه ,*فألقى نظرة سريعة على ساعته ثم قال :
- أكاد اتضور جوعاً يا آنسة وست . اجبرني تصرفك الارعن على*التخلي عن عشائي فى بدايته . ولا استطيع الانتظار اكثر , واقترح عليك الذهاب الى غرفتك لاتناول وجبتي بأمان وهدوء .
وقبل ان تفكر في رد ملائم استدار ومضى في سبيله . ظلت واقفة*هناك تصارع مزيجاً غريباً من مشاعر الغضب والحيرة والكره.
*لكنها ما لبثت ان استعادت بشاشتها عندما دخلت غرفتها الجديدة. كانت حقائبها مرتبة في الزواية , ويبدو كل شيء في منتهى*النظافة والاناقة . فتحت احدى حقائبها واخرجت منها بعض*الاشياء. شعرت بجوع قاتل وهي تستقر قرب سريرها تحلم في طلب*وجبة شهية .
سمعت قرعاً خفيفاً على الباب , ثم دخلت خادمة*الفندق تجر عربة صغيرة , عامرة بأطيب الوجبات . نظرت*اليها متسائلة :
- لم اطلب أي شيء بعد !*
قالت الخادمة :
- تلقينا الطلب في المطبخ . اذا كنت تودين أي شيء آخر فنحن في*خدمتك .
وخرجت الخادمة موصدة الباب وراءها . اخذت ابيا تلتهم*طعامها مدركة في اعماقها ان جيلز فارو هو الذي أقدم على هذه*المبادرة .
مع ذلك بدأت تمضغ طعامها وصورة جيلز فارو تتراقص امام*مخيلتها , فتزداد كرهاً له , وتتمنى لو تستطيع الانتقام منه .

نهاية الفصل

Rehana 21-06-20 01:06 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
6- ربما كان جيلز رجلاً ذا أوصاف عديدة، ولكنه حتماً ليس عاطفياً. ولا يمكن أن تتصوره مجرد عاشق هائم دامي الفؤاد لا يجرؤ على الانتقام من المرأة التي خذلته*!


حمدت الله على هذه الوجبة الشهية، وقررت الذهاب الى غرفة السيدة بيتمان. رأت أبيا النور ينبعث من تحت الباب فأدركت أنها لا تزال مستيقظة. هرعت العجوز، وهي ترحب بها:
-أهلاً و سهلاً بك، كم أنا سعيدة لتناولك العشاء مع جيلز . هذه فرصة ملائمة لتتعرفا.
ابتسمت أبيا دون أن تعلق بشيء , عازمة على اخفاء حقيقة ما جرى بينها وبين ابن أخيها. كيف يمكنها أن تقول لها أن تعارفهما يماثل تعارف الحية الرقطاء والأرنب البري، فكرت أبيا بمرارة وهي تجلس قرب السرير. قالت:
- تبدو عليك امارات البشاشة يا سيدة بيتمان.
رمقتها العجوز ممعنة النظر في وجنتيها المتوردتين وفستانها الزهري الذي يشد جسمها النحيل:
-نعم أنا في غاية الارتياح الآن. وتبدو عليك البشاشة أيضا يا عزيزتي. هل تحبين غرفتك الجديدة؟
-انها رائعة. لكنها لن تكن ضرورية. كنت سعيدة بغرفتي القديمة.
-مع ذلك تستطيعين الآن رؤية تاج محل من نافذتك. وأنت مولعة به.
التقت نظراتهما. فابتسمتا معاً بغبطة فائقة. استطردت العجوز:
-لا أريدك أن تبقي هنا للترويج عني. ثمة حفلة رقص في بعض القاعات السفلى.
ردت أبيا:
-وما أهمية ذلك؟ أستطيع أن أرقص ساعة أشاء في لندن.
-صحيح؟
- أحيانا. ولكن عندما يخطر في بالي، أجد معظم الشباب في عمري تافهين، والرجال الأكبر سناً اما متزوجين أو يبيتون نوايا سيئة.
-أفهم مغزى كلامك. أنا لست غبية الى الحد الذي تتصورينه.
افتر ثغر أبيا:
-لابد أنك تسخرين مني لجهلي بهويتك الحقيقية. لكن السيد فارو أخبرني و...
قاطعتها مستاءة:
-جيلز أخبرك
. كان عليّ تنبيهه ليمسك لسانه الذرب. كنت أنوي ابلاغك بنفسي فور وصولنا الى بومباي. فأنا أريد منك شيئاً محدداً.
-حقاً ؟
-هل حزرت؟

Rehana 21-06-20 01:10 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
لم يصعب على أبيا التكهن بعد حديثها مع جيلز فارو، لكنها فضلت التكتم، وانتظرت أن تفشي لها العجوز بسرها الدفين. و هكذا أرادت منها السيدة بيتمان أن تكون سكرتيرها و مرافقتها الخاصة. ثم تابعت:
-لا أريد منك جواباً الآن يا ابنتي. فكري في الأمر بدقة. يقع منزلي في الريف، وستكون حياتك معي رتيبة للغاية. أسافر من وقت لآخر وستكونين في صحبتي طبعاً. وعملك سيكون متعباً و شاقا.
ابتسمت أبيا:
-بعد أن أوضحت لي كل الأسباب التي تحملني على رفض العمل، هلا تفضلت بذكر أسباب قبولي لهذه المهمة؟
-لأنك ذكرت لي مدى ولعك بالريف. ولأنك تحبين الحيوانات، وسأهديك كلباً للاعتناء به، ويكون ملكك الخاص. ولأنك مولعة بالسفر، ورحلتي التالية ستكون الى اليابان (صمتت العجوز لحظة) مع ذلك أريدك أن تدرسي المسألة بدقة.
حدقت أبيا في السجادة:
-هل يزورك ابن أخيك غالباً؟
-لم يزرني لمدة ثلاث سنوات ومنذ أن استقر في الهند. لكنه سيعود الى انكلترا خلال بضعة أشهر،
وأستطيع القول أنه سيأتي لزيارتي في نهاية الأسبوع كل شهر.
-هل يعرف أنك تعرضين عليّ هذا العمل؟ اذ أنه لن يوافق. يعتقد أن عنايتي الفائقة بك تتعلق بطموحي للحصول على شغل معك.
تفرست العجوز في وجه أبيا:
-وهو رأي يثبت مدى جهل الرجال عندما يصدرون أحكامهم على النساء. ولا عجب اذا كنت لم أتزوج*! لا تدعي آراء جيلز تزعجك. انه يحرص عليّ كثيراً، وطالما أنك تودين الاعتناء بي، فثمة قاسم مشترك بينكما.
كتمت أبيا رأيها في جيلز، ولم تفصح عن التنافر الحاد الذي بينهما. قالت :
- أحب أن أعمل لديك سيدة بيتمان. يبدو لي أنه عمل رائع.
تهللت العجوز طرباً، واحتفظت أبيا بهذا الانطباع عندما قابلت جيلز فارو أمام غرفة عمته في صباح اليوم التالي. علق ببرودة:
-اذن حققت طموحك في الحياة؟
ردت باحتشام:
-اذا كان هذا هو رأيك سيد فارو. لا أرغب في تغيير رأيك بي.
-لن تنجحي. يمكنك خداع عمتي، أما أنا فسأظل خصمك العنيد.
-ستظل تتعقبني مخافة أن أسرق آنية الفضة؟
-لحسن الحظ أن دراهمها مستثمرة في الشركات التجارية. ولذلك لا يستطيع أحد استغلالها بعد الآن.
قال عبارته بدون تفكير، فعلقت أبيا:
-وحتى أنت؟
خطا نحوها، فتراجعت أبيا متوجسة، وما لبث أن سيطر على أعصابه، وفتح لها باب غرفة عمته، وعيناه تقدحان شرراً.
كانت العجوز تجلس فوق مقعد صغير قرب النافذة، وهي ترتدي ملابسها المعتادة. أعلنت بعد أن رحبت بهما:
-سأخرج للتنزه قليلاً. ولكنك أنت يا عزيزتي أبيا ستذهبين الى سيكري. حجزت لك سيارة مع سائقها. انه ينتظرك في الطابق الأرضي.
تألقت عينا أبيا فرحاً، وشع وجهها جمالاً الى أن أطفأ تألقه منظر جيلز فارو المشمئز. ما أسهل قراءة أفكاره*!
قالت ابيا:
-هذه بادرة غير ضرورية. أستطيع الانضمام الى مجموعة من السياح.

Rehana 21-06-20 01:12 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
أصرت العجوز:
- لا فائدة من الجدل يا ابنتي. تم كل شيء الآن. اذهبي ومتعي نفسك.
واستمتعت أبيا فعلاً. كانت مدينة سيكري، مثل القلعة الحمراء في دلهي، مبنية من الحجارة الرملية الحمراء. وينتهي الشبه بينهما عند هذا الحد، اذ أن هندسة المباني بالغة الاتقان، وتحتفظ النقوش على الأعمدة الحجرية بنضارتها وجِدّتها حتى يكاد المرء ينسى أن قروناً عديدة مرت عليها.
مع ذلك، لم يفت أبيا الاهمال الذي تعرض له المكان، وخاصة تشويه الحيطان بشعارات مختلفة نشرتها أيدي بعض أصحاب الأفكار المتطرفة. ظلت تشغلها هذه المناظر وهي في طريق عودتها الى أغرا.
توقف السائق في منتصف المدينة لتبريد محرك السيارة ببعض الماء.
وما ان خرج بحثاً عن الماء حتى تحلقت مجموعة من الشحاذين حولها. أحكمت أبيا اغلاق النوافذ. راحت شتى الأيادي تطرق الزجاج، وتلك الوجوه الجائعة تحدق فيها غير مبالية باحتجاجها وتبرمها. لم يجرب أحد فتح النوافذ لحسن حظها، ولكن السيارة أخذت تهتز بعنف تحت ثقل الأجسام المتدافعة. شعرت أبيا كأنها نجمة سينمائية محاطة بالمعجبين والمعجابات، لكن الصراخ المتواصل المتوسل كان يروى لها قصة أخرى:
-لا أم ولا أب...صدقة...صدقة. عشرة اخوان...وعشر أخوات... فلوس...فلوس...
ورفع بعض الأولاد قصاصات من الورق كتبت عليها قصة حياتهم البائسة. وقرأت أبيا احدى القصص من النافذة:
-فقدت أمي قدميها، ووالدي أعمى. بيتنا تحت الشجرة في العراء.
أغمضت عينيها ملتاعة، واستلقت الى الوراء في مقعدها، متضرعة الى ربها ليعيد السائق بأقصى سرعة.
وكم شعرت بالارتياح عند عودته، مع أنها ظلت ترتجف هلعاً بعد أن قطعت السيارة أميالاً عديدة. قال السائق:
-سنصل الى بلدة اخرى بعد قليل. هل تريدين التوقف لاحتساء الشاي أو تناول بعض الطعام؟
رفضت بسرعة جنونية وهي تفكر في تطويق طوابير الشحاذين لها مرة ثانية. احتفظت بآرائها حول الحياة الهندية لنفسها خشية جرح مشاعر سائقها.
كانت الساعة تقارب الثانية بعد الظهر عندما عادت الى الفندق، ومضت لتوها الى غرفة الطعام لتناول الغذاء. كان عدد كبير من السياح هناك، ومن جنسيات متعددة، خاصة مجموعة من الألمان الذين لا يرتون, واخرى من اليابانيين الذين يهوون الضجيج، ومن السكندنافيين الهادئي الطباع. كانت أبيا تتناول طعامها وحيدة، وطلبت طعاماً هندياً عوض الأطباق الأوروربية المألوفة.
وأدركت وهي تحتسي قهوتها أن عليها التأقلم مع أجواء حياة الفنادق. اذ أن العمل مع السيدة بيتمان يعني السفر المتكرر، والذي لم تألفه في حياتها المتواضعة. انها فرصة نادرة لم تعرف كيف هبطت عليها. ومع أن معظم الفتيات يرفضن العيش تسعة أشهر في الريف الانجليزي، مقابل التجول في العالم بقية أشهر السنة الأخرى، فهي ترحب بهذا النمط الجديد، وتتوقع أن تجد لذة فائقة في التمتع بأمور أخرى.
سوف تستفيد كثيراً من خبرة السيدة بيتمان الواسعة والمليئة بالمغامرات. وهنا قفزت في ذهنها صورة والدها المثقف والمرهف الاحساس، والذي شكلت وفاته وهي مجرد طفلة صغيرة أكبر خسارة في حياتها.
راحت تجيل النظر حولها غارقة في أحلامها، ولشد ما كانت دهشتها عندما رأت جيلز فارو ينتصب واقفاً قربها. سألها بتأفف:
-لماذا تجفلين كالأرنب المذعور كلما حط نظرك عليّ؟

Rehana 21-06-20 01:14 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
تجنبت النظر اليه مباشرة:
- لم أكن أتوقعك. عندما رأيتك هذا الصباح نسيت أن أشكرك على ارسال العشاء الى غرفتي ليلة أمس.
-أرجو أن يكون الطعام حسن مزاجك؟
حملقت فيه:
-ان مزاجي على ما يرام سيد فارو. هل جئت الى هنا بحثا عني، أم كنت في طريقك الى مكان آخر؟
تجاهل سخريتها:
-جئت لأخبرك أنني وعمتي سنغادر الى بومباي غداً. قال الدكتور ان صحتها تسمح لها بالسفر،
وأريدها أن تستقر في منزلي (صمت قليلا) أعرف أنك تنوين التوجه الى أوديبور من هنا، ولكن عندما تنتهي تلك الجولة وتأتين الى بومباي، تتمنى عمتي عليك أن تنزلي معنا.
- أفضل أن أنزل في فندق، خاصة ان نفقاته يشملها سعر التذكرة.
-تعتقد عمتي أنك سترتاحين أكثر معنا.
لاح لها أن الرفض لا يليق بها. كانت العجوز تعرف أن سكرتيرتها لا يتفق مزاجها مع ابن أخيها، لكنها لا تتصور أن هذا الكره يمكنه أن يظل حاجزاً بينهما وبين بناء علاقة متينة معها. قالت أخيراً:
-حسنا. سأحاول أن أكون خفيفة الظل.
أجاب:
-حاولي أن تكوني مفيدة لعمتي بدون أن تستفيدي منها.
حبست أبيا أنفاسها. ألن يكف عن عدائه لها؟ وكأنه قرأ أفكارها، فأطلق ابتسامة باهتة:
-لا تروق لي النساء عامة آنسة وست، ولا تستهويني خاصة الفتيات الجميلات.
قالت لتوها:
-هذه المواصفات لا تنطبق عليّ حتماً.
-لم أعتقد أنك من ذلك النوع الذي يصطاد الثناء اصطياداً.
-أنت مخطئ يا سيد فارو. كل ما في الأمر أني أعرف حدودي فألتزم بها.
قال بفظاظة:
-لا تتظاهري بالسذاجة أرجوك*!
اتقدت غيظاً. لماذا يظن أنها تلعب دور المرأة المغناج، وما الذي جعله ينظر اليها كأكثر من فتاة عادية جداً؟ تابع كلامه:
-أريد أن أضيف شيئاً آخر. فاتتك رؤية جيبور مما أدخل الأسى الى قلب عمتي، وطلبت أن أرتب لك رحلة الى هناك.
-هذا شبه مستحيل. سيصل أفراد المجموعة السياحية الى هناك اليوم، ولا أستطيع ركوب الطائرة في الوقت المحدد للانضمام اليهم. ولهذا السبب قررت التوجه مباشرة الى أوديبور.
-يمكنك الذهاب الى جيبور بعد أوديبور، ولا تبالي كثيرا بأفراد المجموعة. لدي أصدقاء هناك سيسعدهم أن يستضيفوك لمدة يومين أو ثلاثة أيام أو أكثر اذا شئت. ثم تنضمين الى عمتي في بومباي خلال أسبوع.
كان عرضاً مغرياً وجدت ابيا صعوبة في رفضه، لكن كان عليها أن ترفض، و تنقد نفسها من مغية رد عرفان الجميل لهذا الرجل. قالت:
-دفعت نفقت يومين في أوديبور يا سيد فارو. وأنا سعيدة جداً بذلك. و سأغادر أوديبور مع بقية المجموعة، وانضم الى عمتك بعد ذلك.
أعلن:
-انك كمن يشرب من البئر و يرمي فيها حجراً.
-لا تزعج نفسك. انها بئري في شتى الأحوال.

Rehana 21-06-20 01:17 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
مضى في سبيله لا يلوي على شيء، وراحت تحتسي قهوتها الباردة المرة تماماً مثل شخصية فارو جيلز.
واكتشفت مدى المرارة التي تلتهم شخصيته عندما انضمت الى السيدة بيتمان، قرب حوض الماء ذلك المساء. وأخذت عمته تتساءل عن مكان وجوده بعد أن اختفى عن الأنظار، وتلوم نفسها على حمله للمجيء وهو رجل الأعمال الدائم الحركة. قالت تشرح سبب قلقها:
-عندما تدنو نهاية مشروع ما تتراكم الأشغال على نحو غير متوقع.
سألتها أبيا:
-و هل كان مشروعاً ناجحاً؟
-بكل تأكيد. وتريد الحكومة الهندية منه أن يمكث ثلاثة أعوام أخرى. لكنه يرفض. ويقول أن انجلترا تحتاج اليه أكثر.
-اذن لماذا أتى الى هنا في الدرجة الأولى ؟
-بناء على رغبة وزارة الخارجية. ان التحالفات السياسية تقوم على أساس التبادل التكنولوجي تماماً مثل التبادل التجاري. لم يكن سهلاً على جيلز الرفض... خاصة عندما اشار رئيس الوزراء الى أهمية هذه المسألة. ولا شك أن هذه المهمة كلفته سعادته.
انتصبت أذنا أبيا فضولاً و تابعت العجوز:
-وأنا أعتقد أنه في عمق أعماقه لم يؤمن أن فيكي كانت تعني كل كلمة تقولها. وهذا كان رأيي أيضا. اعتبرت أنها تمارس بعض الألاعيب النسائية المعهودة وأن جشعها سيتغلب عليها فتذعن له.
علقت أبيا بازدراء:
-لا بد أن كونه ابن أخيك قد جعله محط أنظار النساء.
-وكونه ابن أبيه. لقد ورث شركة فارو للهندسة.
ومع أن أبيا لم تكن ملمة بالمسائل التجارية، فهي عرفت لتوها اسم هذه الشركة، وأدركت أن اتهامها لجيلز بأنه يطمع في أموال عمته خطأ فادح.
قالت السيدة بيتمان:
-لماذا تبتسمين؟
ترددت أبيا قليلاً:
-تذكرت شيئاً ما قلته للسيد فارو هذا اليوم. لا نتفق كثيراً مع بعضنا، أنه لا يثق بي.
-انه لا يثق بكل النساء، منذ أن خيبت فيكي آماله. مع ذلك حتى لو تزوجا فلا أظن أنهما كانا سيجدان السعادة معاً. كانت دائماً تلك المرأة الخبيثة، ولابد له من اكتشاف حقيقتها آجلا أم عاجلا.
ان جليز، رغم مظهره الصارم، رجل عاطفي جداً.
كان من الصعب على أبيا تصور ذلك، فلم تتعب نفسها بصدد هذا الموضوع. ربما أن جيلز فارو رجل ذو أوصاف عديدة، ولكنه حتماً ليس عاطفياً. سألتها أبيا وقد ازداد فضولها:
-هل كانت جميلة؟
-كانت جميلة للغاية، و تتمتع بمزايا آخاذة، وجاذبية عرفت كيف تستخدمها. وربما لهذه الأسباب توقعت من جيلز تنفيذ كل مطالبها. و عندما أبى، وقال أنه مسافر الى الهند، قررت فسخ الخطوبة. يا لجيلز المسكين، أثرت عليه هذه الحادثة كثيراً.
- لماذا رفضت المجيء الى هنا؟ أعرف أن بومباي حارة، ولكن...

Rehana 21-06-20 01:19 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-كان يفترض أن يقضي بعض الأشهر الأولى من اقامته خارج بومباي، ما عدا بعض الزيارات المتقطعة. أدرك أن عليه قضاء معظم هذه الفترة متنقلاً بين كلكتا ودلهي و مناطق شمالية أخرى من البلاد. ولا أخفي عنك أن حياة كهذه ليست شهر عسل مثالياً بالنسبة الى عروس. مع ذلك أنا متأكدة أن جيلز كان رتب بعض الأمور لو وافقت فيكي على الذهاب معه. لم تجد مسألة العيش في موقع جبلي بعيد تتماشى مع أحلامها. فهي اما أن تكون سيدة الدوائر الدبلوماسية في دلهي أو نجمة التجار الأغنياء في بومباي، أو فالأفضل لها أن تظل حيث هي. وهكذا تزوجت مليونيراً أمريكياً بعد مرور أقل من شهرين على فسخ خطوبتها من جيلز. وصار يشعر بالمرارة والتعاسة منذ ذلك الوقت.
-تظنين أنه ما يزال يحبها؟
-لو كان الأمر عكس ذلك، لما اعتصم بالصمت طوال هذه المدة.
شق على أبيا تخيل جيلز فارو، الرجل الفظ، مجرد عاشق هائم دامي الفؤاد لا يجرؤ على الانتقام.
ولكن ما قالته السيدة بيتمان يلغي أي خيار آخر. وليس من المستبعد طبعاً ان ردة فعله هي نتيجة الكرامة الجريح أكثر من الحب المتوقد. انه يقدر نفسه الى أقصى حد مما جعل تخلي خطيبته عنه تجربة مدمرة له.
سألتها العجوز:
-بماذا تفكرين؟ تبدو عليك امارات الشك.
أقرت أبيا:
-أحاول أن أتصور أبن أخيك وفق رأيك فيه، لكن انطباعي عنه يحول دون ذلك. أستطيع أن ألمس سبب مرارته وبؤسه، مع أن تحوله الى انسان حاقد دليل عدم نضج في شخصيته.
خيم صمت طويل، وخالت ابيا أنها تمادت في الحديث حول جيلز، وجرحت مشاعر عمته. كادت أن تعتذر منها عندما فتحت العجوز فاها:
-هذا هو رأيك اذن؟ لو قال له أي انسان ذلك لما صدق كلمة واحدة من أقواله.
-انه سيكتشف الحقيقة بنفسه يوما ما.
-فقط عندما يقع في الحب مرة أخرى.
-أود لو أشهد هذا المنظر*!
ابتسمت السيدة بيتمان:
-أتمنى ذلك.

نهاية الفصل

Rehana 22-06-20 12:31 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
7 - قالت له "طالما أنك توجه الي الاهانة كلما تحدثنا، فأرجوك أن تتجنب الكلام معي قدر الامكان" .فأجاب :"هل تزعجك الحقيقة؟"


ساورت أبيا الشكوك حول ذهابها الى أوديبور والتخلي عن السيدة بيتمان. لكنها عللت نفسها أن جيلز فارو، رغم أفكاره المعوجة، يضمر حباً عميقاً لعمته، وسيبذل جهده في الاعتناء بها.
وهكذا دخلت الطمأنينة الى قلبها، وتمتعت باقامتها في ذلك الفندق القديم المطل على بحيرة اصطناعية كبيرة تشكل أحد معالم المدينة البارزة، وكان يقع وسط عدد من بحيرات شبيهة. انه قصر مهاراجه الصيفي الذي أضحى فندقاً الآن. وفي ذلك الفندق أقام مسافرو الدرجة الأولى. أما أبيا فنزلت في قصر الشتاء الذي وجدته مصدر غبطة دائمة. كانت تزينه ألواح الزجاج الملونة وفسيفساء الخرف، وضم متحفه الخاص أروع مجموعة من الرسوم و المنمنمات.

Rehana 22-06-20 12:32 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
وبدا السوق أيضاً يفيض حيوية، فراحت تنتقل من حانوت صغير الى آخر، تراقب الصاغة يصنعون أدق القلادات و الأساور التي تتبرج بها النساء الهنديات. ولم تستطع تمالك نفسها فاشترت قلادة متلألئة أدهشها ثمنها البخس، فابتاعت معها سواراً لمعصمها.
وكانت تمر في مخيلتها من وقت لآخر صورة السيدة بيتمان وابن أخيها. وازدادت دقات قلبها اضطراباً ذات مرة عندما لمحت شاباً طويلاً. الى أن استدار فأدركت أنه رجل غريب. وما استساغت فكرة اقامتها في منزله في بومباي، فقررت تجاهل الموضوع مؤقتاً. ستدرس المسألة عند ذهابها الى هناك.*
علت الدهشة وجه الدليل السياحي شيران عندما انبأته أنها ستتخلى عن أفراد مجموعتها فور وصولها الى مومباي. خال أنه ارتكب خطأ ما، فسارت الى طمأنته والتأكيد له أن المسألة لا علاقة لها به. أوضحت له:
-سأعمل لدى السيدة بيتمان. ومن الأفضل أن أقيم معها.
علق السيد شيران:
-اذن أتمنى لك التوفيق، فهي تحاول طرد شبح هذا الرجل الكريه من ذهنها، ولا فائدة من التحدث عنه.
وهكذا وصلت الى بومباي ظهر اليوم التالي عقب رحلة رتيبة في الطائرة فوق صحراء قاحلة. غير أن المطار كان يزدحم بالناس المنتشرين في كل زاوية. وكان معظمهم يجلس على الأرض غير عابئ بثيابه الأنيقة وذلك في انتظار حجز مقعد على الطائرة الداخلية الوحيدة.
أرسل جيلز فارو سيارة ليموزين لنقلها من المطار. كان السائق يرتدي بذلة رمادية ويطلق لحية سوداء مجعدة، ويعتمر عمامة.
وفاجأها باتقانه اللغة الانجليزية حيث راح يفسر لها كل المعالم والمناظر التي يمران بقربها أو عبرها، وهما في طريقهما الى المدينة.
وارتفعت على جانبي الطريق الرئيسي بنايات أسمنت شاهقة بدت مثل أحياء الفقراء ذات الأكواخ المتواضعة، مع فارق الحداثة والمظهر. أحست أبيا بقلق عميق وهي تتأمل أحياء البؤس الممتدة وراء جدران تحاول سترها وحجبها بدون طائل. وازعجها أن هذه الأحياء تقوم وسط مجتمع بومباي التجاري المزدهر، وكأنها الدليل الساطع على قساوة الانسان تجاه أخيه الانسان.
سألت السائق في محاولة التغاضي عن الفقر المحيط بها:
-هل يقطن السيد فارو في المدينة نفسها؟
-نعم يا سيدتي، انه يقطن في حي تلة ماليبار. انه من أجمل أحياء بومباي.
هذا ما توقعته من السيد فارو، يختار الأفضل والأحسن لنفسه. فكرت أبيا صامتة وكأنها تنتقده وتنتقد نفسها في آن معا. فهي بعد أن أطلعت على سبب تصرفاته الرعناء، عليها أن تتفهم وضعه وتتجاهل فظاظة مراسه. قال السائق:
-نكاد أن نصل.
وانطلقت السيارة وسط طريق تحيط بها الأشجار الباسقة، ويترامى البحر على جانبها الأيمن. وكانت مدينة بومباي مبنية على جزر متعددة موصولة بممرات معبدة حيث يلمح المرء من وقت لآخر مياه المحيط الهندي تتلألأ في البعيد. أبطأت السيارة سرعتها وهما يمران عبر بوابتين من الحديد،
وانعطفت في درب جانبي حيث توقفت أمام منزل مكون من ثلاث طبقات.
وأدركت أبيا لتوها أن المنزل كان ذات يوم قصراً فخماً. وما ان صعدت الدرجات الرخامية وأصبحت داخل البهو المربع العريض حتى ازداد يقينها. وأطل جيلز فارو بقامته الفارعة حيث تقدم منها وعيناه تلمعان لمعاناً عجيباً. خفق قلبها باضطراب، وهي تنظر اليه
يحدجها بوجه بارد، باهت.

Rehana 22-06-20 12:34 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
سألها بخفة:
-هل كانت رحلتك مريحة؟
-نعم شكراً.
استطرد وهو يتوجه نحو الأبواب الزجاجية في آخر البهو:
-عمتي في الحديقة.
تمنت أبيا لو تمضي الى غرفتها أولاً لاستعادة بعض نشاطها، لكنها رفضت أن تتقدم اليه بأي طلـب. كان رجلاً بالغاً الاهمال رغم آراء عمته عنه، والى حد جعله لا يلاحظ حرارة الجو والتصاق ملابسها بجسمها وتصبب عرقها. فكت قبة فستانها قليلاً، وسارت وراءه على مضض.
كان يرتدي بذلة رسمية رمادية وربطة عنق سوداء، وخالته يرتدي الملابس الرسمية اياها حتة ولو كان يتناول طعامه وحيداً وسط الأدغال.
تراقصت غمازة رقيقة في وجنتيها، فعضت شفتها لتحول دون غرقها في قهقهة عالية. فتح الأبواب الزجاجية، وقادها عبر حديقة خضراء في اتجاه حوض سباحة. كانت السيدة بيتمان تجلس على الحافة، تتقي الشمس تحت مظلة مخططة بالألوان البيضاء والزرقاء. كانت تضع فوق طاولة أمامها أبريقاً من عصير الفاكهة المبرد وعدداً من الأكواب، اضافة الى آلة تسجيل ودفتر.
رحبت العجوز بأبيا قائلة:
-ها قد باشرت بالعمل كما تلاحظين. لا تصديقي من يقول لك أن الابداع يموت مع التقدم في السن. وأنا أهم دليل على ذلك.
أعلن ابن أخيها مازحاً:
-لكنك ظاهرة فريدة من نوعها !
-اذا كان الاحتفاظ بالصحة والعافية ومحبة العمل ظاهرة فريدة فأنت على حق. لكن كثيرين من الناس يتخذون أعمارهم ذريعة للتكاسل وعدم انتاج أي شيء. اياك أن تقع في هذا الفخ يا جيلز. ان القيام بعمل نتمتع به يحافظ على نضارة الشباب.
قال متسائلاً:
-لكن كم من الناس يتمتعون بعملهم؟
- انت تتمتع بعملك ، فلا تتظاهر بعكس ذلك، أظن بعض الأحيان أنك جعلته بديلاً لأي شيء آخر.
قال مشيحاً بوجهه:
-انه قرار اتخذته منذ عدة سنوات.
ألقت عمته نظرة سريعة على أبيا، ثم ركزت على ابن أخيها ثانية:
-هل تنوي أن تعيش بقية حياتك كرجل عازب؟
-هذا ما أنوي فعله.
-و ماذا ستفعل بشركة فارو للهندسة و الأموال التي سترثها مني؟
قال بصوت جاف:
-ثمة جمعيات خيرية كثيرة تستحق التبرعات. والآن أود انهاء ببعض الأعمال.
أجابت عمته باستياء:
-يا لحدة الطباع ! هل ستتناول غداءك هنا اليوم؟
-كلا سأراك وقت العشاء.
-ولكنك ستصحبنا الى حفلة شاندريس؟
تساءل:
-هل تعافيت تماماً للذهاب الى الحفلة؟
-لماذا تريد تحويلي الى امرأة عاجزة ! ما التقيت بعائلة شاندريس منذ وجودهم في لندن، وأتوق شوقاً لرؤية العائلة مرة أخرى.
-يمكنني دعوة العائلة لتناول العشاء معنا.
استشاطت العجوز غيظاً:
-بالله عليك، أريد الخروج وزيارة الناس.
هز بكتفيه تأففاً ومضى في سبيله، فجلست أبيا على أحد الكراسي. وافترضت أنها بدأت عملها منذ تلك اللحظة، مع أن واجبتها لم تكن محددة. ذكرت السيدة بيتمان شيئاً حول الشغل
كسكرتيرة، فهل آلة التسجيل لها علاقة بالموضوع؟

Rehana 22-06-20 12:37 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
قالت:
-اذا كانت توجد آلة كاتبة فسأباشر نسخ الشريط.
علت ابتسامة وجه العجوز المتجعد:
-الآن أثناء الاجازة؟ هل تظنين أنني تاجرة رقيق يا ابنتي؟ ان رحلتك الخاصة بدأت الآن بعد أن ألغيت رحلتك مع شركة كينغ السياحية.
اندهشت أبيا:
-رحلتي الخاصة؟ ماذا تقصدين؟
تألقت عينا العجوز السوداوان:
-لا بأس. اعتبريها سراً خفياً، فأنا كاتبة روايات بوليسية، و يحق لي أن أكون غامضة.
ساورت أبيا الشكوك:
-سأكون أكثر سعادة لو قمت ببعض الأعمال وأنا هنا، والا شعرت بالذنب لعدم بقائي في فندق.
حذجتها السيدة بيتمان:
-ما هذا الهراء؟ حسناً. سأساعدك على تخفيف وطأة الشعور بالذنب. أول شيء أريده منك، اذا كنت ترغبين فعلاً في العمل معي، هو أن تطيعيني طاعة مطلقة وتامة.
أدركت أبيا مغزى ما يمكن وراء هذه العبارة، وأن السيدة بيتمان لا ترغب في الافصاح عنه. افتر تغرها:
-انك عجوز ديكتاتورية. سأطيعك اذا وجدت الأوامر ملائمة لي.
تنهدت السيدة بيتمان:
-يبدو أنني استخدمت فتاة سليطة اللسان ! لكن لا بأس، لديك حسنات وايجابيات أخرى كثيرة.
وأتمنى لو يستطيع جيلز اكتشاف بعض هذه الايجابيات.
توردت وجنتا أبيا وبدلت الموضوع بسرعة:
-ماذا جرى لسكرتيريك السابقة؟
-سرقت بعض الدراهم وولت الأدبار. كانت في حاجة ماسة الى الدراهم، وليس من أجل نفسها، من أجل رجل نذل تعرفه. كنت أتمنى أن تظل معي بعض الوقت لتكتشف حقيقة هذا الوغد، ولكنها لم تفعل للأسف الشديد.
- ماذا جرى لها؟ هل استعدت الدراهم؟
- لم أحاول استعادتها. ألحّ على جيلز لرفع دعوى في المحكمة، فأبيت. أن الدراهم التي سرقتها ضئيلة جداً بالنسبة الي، ويبدو أنها في حاجة ماسة الى الحصول عليها.
سألت أبيا:
-يا لك من امرأة غفورة طيبة القلب.
-لم لا؟ هي التي ستتضرر في نهاية الأمر !
استوعبت أبيا هذا القول ثم قالت:
-أذهلني استخدامك لي بدون أية توصيات.
-انك شفافة كالزجاج يا عزيزتي !
-يا له من تعبير يدل على مدى غبائي !
توجهت عينا العجوز:
-لم أقل أنك زجاج عادي غير مزخرف.
قهقهت أبيا وقفزت على قدميها. مضت الى حوض السباحة. وألقى جسمها ظلاً فوق المياه، وانساب نسيم هادئ يلاعب موجهات صغيرة، فتمعج ظلها قليلاً.
قالت و هي تشق الهواء بذراعيها:
-يا ليتني كنت طويلة لقامة شقراء ومثيرة عوض هذا المنظر البائس كالفأرة.
أنبتها السيدة بيتمان:
-لست فأرة عادية، بل فأرة ذات شعر ذهبي وعينين بنيتين حالمتين. كفي عن الاستخفاف بنفسك !أتيت على ذكر كل هذا من قبل.

Rehana 22-06-20 12:44 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
مسحت أبيا جبينها المتصبب عرقاً:
-ان الطقس حار. هل أستطيع ارتداء ملابس خفيفة؟
-اذهبي عبر الحديقة الى المطبخ. ستجدين أنديرا هناك. انها الطاهية ومدبرة المنزل.
أعجبت أبيا الفكرة وسارت بجانب الجدران الرخامية الى ان تنشقت رائحة الطعام فأدركت اقترابها من المطبخ. كان الباب الخلفي مشرعاً، وتقف فتاة هندية في الوسط منكبة على سحق التوابل بمدقة الهاون. لمحت أبيا، فابتسمت بحياء، ونادت بصوت أقرب الى الفحيح حيث ظهرت على الفور امرأة سمينة من وراء باب الخزانة.
استفهمت:
-نعم يا آنسة، هل تريدين شرب الشاي؟
قالت أبيا بمرح:
-لا شكراً. أبحث عن غرفة نومي. أنا سكرتيرة السيدة بيتمان وقالت لي أن أسأل عن أنديرا.
قالت المرأة السمينة:
-أنا أنديرا.
وقادت أبيا عبر المطبخ الكبير الى البهو الرئيسي. صاحت بصوت جهوري، فهرع على اثره خادم مطيع. قالت له:
-خذ الآنسة الى غرفتها فوراً.
طأطأ رأسه وصعد مع أبيا السلم الرخامي اللولبي الى أن بلغا غرفة نوم واسعة مطلة على الحديقة. بدت قطع الأثاث ضخمة مثل الغرفة التي تضمها، وخاصة ذلك السرير الذي يتسع لعائلة بأكملها، وتلك الخزانة الهائلة التي تبتلع كل ما تملكه أبيا، علاوة على أثاث الغرفة. وتدلت فوق النوافذ ستائر ذهبية مطرزة تلامس أطرافها سجادات هندية سمكية. ويؤدي باب في الجهة اليسرى الى غرفة حمام يربض فيها حوض كبير وتنتصب قربه مغسلة ذات حنفيات مطلية بالذهب تنسجم ألوانها مع المناشف الصفر.
خلعت أبيا ملابسها بسرعة واستحمت، ثم ارتدت فستاناً جديداً خفيفاً وعادت الى الحديقة حيث كانت السيدة بيتمان منكبة على دفترها تسجل فيه أفكارها.
سألتها:
-ما رأيك بهذا العنوان:"جريمة قتل بفقاعات الهواء"؟
أجابت أبيا بسرعة:
-ان القتل لا يروق لي أبداً.
و بدا على وجهها القرف، فضحكت العجوز:
-لست اذن من المعجبات برواياتي؟
-أنا معجبة برواياتك. ولكن اقرأ كتبك شغفاً بوصفك للأشخاص أكثر من جرائم القتل التي يرتكبونها.
أطبقت دفتي الدفتر بحدة:
-هذا ما يقوله جيلز أيضاً. أتمنى أن ترتدي فستاناً جميلاً هذا المساء يا أبيا. تقيم عائلة شاندريس دائماً حفلات بهيجة، وأنا متأكدة أنك ستقضين وقتاً ممتعاً.
سألتها أبيا متوجسة:
-هل تفكرين باصطحابي معك؟
تمعنت في قسمات وجهها:
-طبعاً. أنت رفيقة وسكرتيرة، وأتوقع منك مصاحبتي حيثما أذهب. ستبدين رائعة في ثوب هندي ! هل أنت مستعدة لارتداء الساري؟
سألت أبيا:
-كيف ستكون ردة فعل الهنود؟
-سيطيرون فرحاً.
-اذن الجواب نعم.*

Rehana 22-06-20 12:46 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
قالت السيدة بيتمان:
-عندي عدة أنواع من هذه الأزياء.وكلها مجرد قطع طويلة من القماش، أربعة أو خمسة أمتار. عليك ارتداء بلوزة، وتنورة ملائمة. سأطلب من لالا أخذ قياسك والمباشرة بالخياطة.
استفسرت أبيا:
-لالا؟
-الخادمة في الطابق العلوي. انها خياطة بارعة. هيا بنا يا ابنتي.
ازداد فضول أبيا وهي تترقب هذه المفاجأة السارة، ولحقت بالسيدة بيتمان الى غرفة نومها حيث رنت جرساً فظهرت فتاة هندية هيفاء القوام. كانت تكبر أبيا ببضع سنوات، وذات ملامح بالغة النعومة
وكأنها احدى المنمنمات التي تزين جدران الغرفة. أبلغتها العجوز كل ما هو مطلوب منها، فاختفت عن الأنظار ثم رجعت تحمل شريط قياس. أخذت مقاييس أبيا برشاقة فائقة، أمعنت فيها النظر ثم غادرت.
ابتسمت العجوز قائلة:
-ستكون البلوزة والتنورة جاهزتين عند الساعة الخامسة هذا المساء. والآن اختاري لون الساري.
وأشارت الى صندوق كبير مصنوع من خشب داكن مرصع بالعاج مثل تحفة أثرية. فتحته أبيا باعتناء،
وشهقت فرحاً وهي ترى الأقمشة المزركشة في داخله كأنها جوهرة براقة. تمتمت:
-لا أعرف ماذا أختار.
اقتربت منا العجوز قائلة:
-فلأساعدك اذن.
وسحبت قطعة حريرية وردية الألوان مطرزة بلون ذهبي. رفعتها عالياً أمام عيني أبيا:
-هذا اللون يلائم بشرتك تماماً. انه يضفي عليك وهجاً خاصاً.
استدارت أبيا نحو المرآة تتأمل قطعة القماش فوق جسمها. لم يسعفها خيالها على تصورها فستاناً من الساري، فقررت تقبل رأي العجوز.
وتأكد لها في المساء أن اختيار ذلك اللون كان اختياراً مثالياً. نعم انه يضفي على بشرتها وهجاً خاصاً
وتلفت النظر طبيعته اللؤلؤية. وحتى شعرها بدا أكثر لمعاناً تضيء ضفائره ببريق ذهبي خلاب. وهكذا خلقت الخادمة لالا من قطعة قماش ثوباً فضفاضاً يلف جسمها بأناقة مدهشة لم تألفها من قبل. قالت لالا بصوتها الرخيم:
-يذهلك عدد النساء الأوروبيات اللاتي يعشقن ارتداء الساري، ولكنه لا يلائم معظمهن. أما أنت فيلائمك جداً لرشاقة قوامك.
تقبلت أبيا هذا الاطراء وهي تعرف مغزاه الحقيقي. ابتسمت:
- سأحاول تبني مشية تلائم الساري، فلا أحرك ذراعي كثيراً.
خطت أبيا بعض خطوات متعثرة، فحدجتها الفتاة الهندية ثم أطلقت ضحكة رنانة. قالت:
-عظيم، عظيم ,أنت الآن سيدة هندية متكاملة.
استدارت أبيا نحو المرآة وأخذت تمعن النظر في ثوبها:
-مازال يعوزه شيء ما. ولا أدري ما هو.
ومدت لالا لتوها يدها نحو عنقها وادنيها ونزعت بسرعة قلادة الذهب والأقراط المتدلية الطويلة
وأعطتها لأبيا قائلة:
-خذيها على سبيل الاعارة. هذا ما ينقصك.
قبلت أبيا عرضها دون تردد وأدركت كم هي صائبة فوراً.
ابتسمت:
-هذه بادرة لطيفة منك. شكراً.
قالت لالا:
-سأخبرك غداً أين يمكنك شراء جواهر مماثلة.انها ليست باهظة الثمن.
-و لكنها توحي بالتبرج مع فستان غربي. ولا أنوي لبس الساري مرة ثانية.

Rehana 22-06-20 12:50 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-يمكنك شراء شيء أبسط. انك تبدين رائعة في هذه المجوهرات.
سألتها مشيرة الى القلادة حول عنقها:
-ألا يدل هذا النوع من المجوهرات على أن المرأة متزوجة؟
حنت لالا رأسها كاشفة عن علامة حمراء في أعلى جبهتها، قالت:
-ليس دائماً. ان علامة كهذه برهان لا يخطئ.
أجابت أبيا بتعجب:
-لم أكن أعرف أنك متزوجة.
-منذ احد عشر عاماً.
-هذا مستحيل. كم هو عمرك؟
-أربعة وعشرون عاماً. خطبني زوجي عندما كنت في الثالثة من عمري وعقدت زواجي عندما أصبحت في ثالثة عشرة.
نظرت أبيا الى لالا بحزن واشفاق. ما معنى حياة امرأة تعقد خطبتها على رجل لا تعرفه ثم تتزوجه
وهي لم تبلغ سن الرشد؟ ارتأت أبيا الاعتصام بالصمت وهي فتاة أجنبية لا يجوز لها اثارة مواضيع كهذه. سألتها:
-هل عندك أولاد؟
-عندي صبيان.تتولى حماتي الاعتناء بهما أثناء النهار. وأنت ألست مخطوبة؟
طافت ابتسامة باهتة فوق ثغر أبيا:
-لا. لم أصادق أحداً من الرجال بعد.
-و هل يقلقك ذلك؟
-لست قلقة حتى الآن. حصلت لتوي على وظيفة جديدة مع السيدة بيتمان.
وكادت أن تشرح لها مدى انزعاجها من جيلز فارو، ثم قررت تجاهل الأمر مع لالا. الأفضل أن تنساه وكأنه غير موجود.
قالت لالا.:
-ربما صادفك الحظ قريباً. ان هذا الساري سيجذب الأنظار اليك.
-خاصة اذا زلّت قدمي في هذه التنورة !
انحنت باحترام، ومضت لالا في سبيلها، متهادية في مشيتها على نحو دفع أبيا الى تقليدها، محاولة التدرب على الأسلوب الهندي في السير.
هبطت السلم الى غرفة الاستقبال. لم تجد أحداً هناك فتنفست الصعداء. لم يشغل بالها رأي العجوز بل ما اعتادت سماعه من جيلز فارو. توجهت الى النافذة متوترة الأعصاب، وألقت نظرة على الحديقة شبه المعتمة. أحست بحركة خفيفة. استدارت لترى الرجل الذي كان يشغل أفكارها.
انتصب أمامها ببذلة ضاربة الى السواد، وقميص حريري شفاف .وعبق في جو الغرفة عبير عطر منعش وهو يتقدم منها، فأحست بوجوده أكثر من أي وقت مضى، و كأن تفرسه في وجهها زادها ادراكاً لكل اشارة تصدر عنه.
قال أخيراً:
-يا للعجب ! تحولت الفأرة العادية الى فراشة زاهية الألوان.
-أشعر و كأني شخص آخر.
-ربما أصبحت هكذا منذ الآن فصاعداً. هل هذه هدية من عمتي؟
-يا لك من رجل حاذق !
-انها ليست الحذاقة يا آنسة وست. هذه هي عادة عمتي المزمنة. تجمع اللقطاء مثل التقاط الكلب للبراغيث, وتنفق عليهم كل ما تستطيع، ثم تجلس لتلقي الصدمات ونكران الجميل.
وانهارت كل محاولات أبيا في السيطرة على أعصابها أمام هذا الهجوم الدنيء. قالت:
-طالما أنك توجه الي اهانة كلما تحدثنا، فأرجوك أن تتجنب الكلام معي قدر الامكان.

Rehana 22-06-20 12:52 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-هل تزعجك الحقيقة؟
ردت:
-لا. يزعجني أن تصدر علي أحكامك نتيجة سلبيات الآخرين.
ارتسمت امارات الغضب على وجهه، فاتكأ على كرسي وراءه، واضعاً يده في جيبه سترته:
-لا أؤمن أن المودة تباع وتشترى كالسلعة، وكذلك الولاء.
قالت:
-هذا هو رأيي. ان المودة الحقيقية لا تشترى بل تنبثق عفوياً.
-تماماً مثل علاقتك بعمتي؟
قالت متحدية:
-لا أعرف عمتك مدة كافية لأشعر بالولاء أو المودة لها. لا تحاول نصب شرك لي بالتحاذق علي. أنت تظن أن اعتنائي بعمتك في أغرا تكمن وراءه نوايا خفية. ولكن هذه طبيعتي. كنت اعتنيت بأي انسان في وضع كهذا، حتى أنت.
تقوس حاجباه:
-يا لك من ملاك طاهر. سأتذكرك عندما أحتاج اليك.
كادت أن تخرج من الغرفة حتى عندما رأته يستدير ليرحب بعمته. وبدت بثوبها الحريري الأسود الطويل أكثر أناقة من أي وقت مضى، ورغم رفعها طرف الفستان حيث كشفت عن انتعالها حذاءها الأسود المعتاد. قالت العجوز:
-الراحة أهم من الزي السائد. أنك في غاية الجمال يا عزيزتي أبيا. ألا توافق يا جيلز؟
-لا يمكن القول أن الآنسة أبيا وست جميلة.
-يا لك من رجل فظ القلب !كيف تصفها اذن؟
انتظرت أبيا جوابه محمرة الوجنتين. لاح بريق ابتسامة ساخرة حول فمه، وسمر عينيه الواسعتين محدقاً فيها، ثم تكلم متوجها
بالحديث الى عمته:
-أصفها بقولي أنها شمعة صغيرة وردية اللون، ذلك النوع من الشموع الذي يضاء في الهياكل.
سألت العجوز أبيا:
-وما رأيك في هذا الاطراء يا عزيزتي؟
-أظن أن سيد فارو يعني أنني سأذوب كالشمعة وأضمحل من الوجود.
عاتبته عمته بخفة.:
-هل هذا صحيح يا جيلز؟
-لا أبالي كثيراً بما يطرأ على وضع الآنسة وست.
خرج صوت جيلز فارو باهتاً غير عابئ بما تعاني منه أبيا، فتاقت الى صفع وجهه بقوة لم يسبق لأي رجل أن أثار فيها كل هذا الغضب من قبل.
-من الأفضل أن أغادر الآن.
قالها بكل هدوء وسار أمامهما نحو السيارة المنتظرة في الخارج.

نهاية الفصل

Rehana 23-06-20 12:17 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
8- انفجر الشجار بينهما مثل عاصفة صيفية بدون انذار، واضمحل بنفس السرعة. كم تتمنى لو أن جيلز فارو لا يتمتع بتلك القدرة العجيبة التي تجعلها تكرهه وتشفق عليه في آن معا !


كانت عائلة شاندريس تقطن في شقة حديثة تقع في أحد أحياء بومباي الراقية الممتدة قرب الشاطئ المطل على المحيط الهندي. انزلقت سيارة جيلز فارو فوق الطريق المنحدر من تلة ماليبار، وانعطفت حول الجنائن المعلقة، شمالاً ، فتراءت مدينة بومباي منبسطة في الأسقل.
و عندما انعطفت سيارة الليموزين مرة ثانية لمحت ابيا السور العالي الذي تقع وراءه أبراج الصمت. هناك يترك البعض موتاهم في العراء لتلتهمهم الطيور الكاسرة، وفق ما قاله جيلز فارو.
وأضاف أن الطيور تنظف الجسم تنظيفاً في أقل من ساعة. أقشعر بدن ابيا، فطمأنتها العجوز السيدة بيتمان:
-أعرف أنها عادة بربرية بالنسبة الينا. غير أنهم يحترمون كل عوامل الطبيعة، بما فيها النار والتراب،
و لهذا السبب لا يدنسن الأرض بجثثهم ولا يحرقونها.
احتجت أبيا:
-ولكن هل من الضروري اقامة مدافنهم وسط المدينة؟
ادلى جيلز بدلوه مجدداً:
-ان للمال قوة لاتقهر. أصحاب هذا المبدأ شيدوا تجارة بومباي وصناعتها. ولا يوجد منهم سوى مائة وخمسة عشر ألف في الهند، وهذا عدد ضئيل في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من خمسماية مليون. مع ذلك يشكل أتباعهم رجال الأعمال الرئيسين ويملكون أضخم الثروات.
استطردت أبيا:*
-اذن باستطاعتهم نقل مأوى موتاهم الى مكان آخر.
-لا شك أنك على حق يا آنسة وست. غير أن التقاليد لا تزول بسهولة، و الأرجح أن أبراج الصمت ستظل حيث هي لمدة طويلة من الزمن.
اعتصمت أبيا بالصمت وركزت انتباهها على المناظر الخارجية. كانوا يمرون بجانب الشاطئ حيث ترتفع صفوف البنايات السكنية كناطحات السحاب، حديثة، ومصنوعة من الاسمنت المسلح بخلاف المباني ذات الطراز الانجليزي المنتشرة في أحياء المدينة الداخلية.
كان الناس يتهادون في نزهة مسائية، أو يتدافعون في طريق عودتهم من أعمالهم. واخترقت السيارة تلك الهضبة مسرعة الى أن توقفت أمام بناية حديثة تكاد تناطح سماء بومباي ارتفاعاً.
ترجلوا من السيارة وسط جو يعبق بالرطوبة وهواء البحر، ودخلوا عبر أبواب زجاجية يغيب وراءها الفقر و يتكفئ الى عالم آخر.

Rehana 23-06-20 12:19 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
علقت السيدة بيتمان:
-عائلة شاندريس بنت هذه العمارة، ويسكن أفرادها في الطوابق العليا.
هتفت أبيا:
-لابد أنها عائلة كبيرة.
-تزوج كل أولادهم و لايسكنون معهم .
-كنت أظن أن بعض الأولاد يعيشون مع أهلهم؟
-ليس في العائلات الغنية وخاصة العائلات ذات العادات الغريبة. ان العائلات الفقيرة تضطرها الظروف لاقتسام شقة صغيرة , ولا يدل أية محبة أو مودة. وليس لدى السيد شاندريس وزوجته سوى ولدين، وكلاهما يعملان مع الأمم المتحدة في نيويرك.
دخلت أبيا المصعد، وهي غير مقتعة تماماً، وصلوا الى الطابق الأعلى. قالت السيدة بيتمان وقد امتدت أمامها مصطبة رحبة يتوسطها حوض سباحة وحديقة متقنة:
-عندما تهب الرياح الوسمية تهبط العائلة الى الطابق الأسفل، و هو مسقوف طبعاً.
ابتسمت أبيا:
-مدخل صيفي وآخر شتائي. أراهن أن لديهم حمامات منفصلة أيضاً.
-نعم. هذا صحيح.
و مضت العجوز مع ابن أخيها وأبيها في اتجاه حلقة من الناس فأفسحوا أمامهم الطريق لالقاء التحية على الزوجين اللذين وفقا في الوسط.
كان السيد شاندريس رجلاً أشيب الشعر ممتلئ الجسم شاحب البشرة قليلاً، تغور عيناه في وجهه. وبدت زوجته امرأة لبقة خط الشيب رأسها، ذات بشرة تميل الى البياض، وترتدي ساًريا أبيض بالغ البساطة، يضفي أناقة باهرة على المجوهرات المتلألئة حول عنقها والمتدلية من أذنيها.
تحدث كلاهما بانجليزية سليمة تصحبها تلك البهجة الهندية المألوفة. ثم تقدم شاب أسمر من أبيا
ورافقها الى أطباق الطعام والحلوى وأكواب المرطبات.
كان اسم الشاب الأسمر جاي، ويعمل كمحاسب في احدى شركات السيد شاندريس، ويمت بصلة القرابة الى العائلة، ويعرف معظم الضيوف الموجودين. أشار بفخر الى عدد من الأعيان الهنود، ونجمعين سينمائيين، أعتبرتهما أبيا بمقاييسها الأوروبية مفرطي الوزن، قبيحي المظهر.
ضمت الحفلة أكثر من مائة شخص، لكن اتساع المصطبة والغرف جعل العدد يبدو ضئيلاً نسبياً. وكانت أرتال الخدم تغدو و تروح بين الضيوف حاملة شتى المآكل والمرطبات. قدم المحاسب جاي كوباً من العصير لأبيا فشكرته، تسأله عن حياته و عمله، قال:
-نلت شهادة الليسانس من جامعة لندن، وأعيش الآن مع عمي، وهو رجل ورع.
- وأنت؟
-أحاول أن أقتفي خطاه.
ضحك، فضحكت وهي تفكر في تلك القلنسوات البيضاء التي يعتمرها معظم المدعوين. أوضح قائلاً:
-هذا يدل على أن صاحب القلنسوة عضو في حزب المؤتمر الحاكم.
أما النساء الهنديات فكن يرتدين الساري المزركش، ويتبرجن بالمجوهرات البراقة، كادت أبيا أن تعتذر لارتدائها الزي الهندي.
طمأنها جاي:
-أنه شرف عظيم لنا عندما ترتدي امرأة غريبة الساري. و أنت أنيقة جداً كما أنت.

Rehana 23-06-20 12:26 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-شعرت بحرج شديد في البداية.
-لا تبالغي، تهاديت فوق المصطبة كطائر القطا أو بجعة البحيرة.
لو أبدى هذه الملاحظة ايطالي أو فرنسي لكان استمر في عملية الاطراء، أما صدوره عن رجل هندي، فهذا يعني نهاية الطريق حسب معلومات أبيا. فالرجال الهنود محتشمون جداً ويعاملون النساء بكل احترام وتحفظ بخلاف الأوروبيين. تعتبر المرأة في الهند محور البيت والعائلة، وبما أن الحياة العائلية بالغة الأهمية هنا، فلا عجب اذا ما نالت النساء التقدير والاحترام. وتذكرت أبيا ما قاله لها دليل سياحي في دلهي:
-اذا كان المرء سعيداً في بيته، فهو سيحب حتماً المرأة التي تساهم معه في بناء الحياة البيتية.
سألها المحاسب:
-هل تودين تناول شيء آخر ؟
-لا, شكراً.
ومضى ليجلب بعض عصير الفاكهة لنفسه. كانت أبيا تراقبه عندما رأت بابي المصعد المذهبين ينفتحان ويبرز منهما عدد من الهنود، لمحت بينهم امرأة ورجل أوروبيين. لفت نظرها جمال المرأة الأخاذ. كانت طويلة القوام هيفاء كعصا من الخيزران، ويتماوج شعرها الناعم الداكن باغراء فائق. وبدت ملامحها تشبه ملامح احدى راقصات الباليه الروسيات، وتتهادى في مشيتها بلباقة ملهمة في ذلك الفستان الذهبي البسيط.
كان لون الفستان بلون عيني جيلز فارو تماماً، ولهذا السبب جالت أبيا بنظرها في الغرفة لتجده واقفاً هناك يتبادل أطراف الحديث مع السيد شاندريس وزوجته. اقتربت المرأة الأوروبية الفاتنة مع رفيقها الى أن أضحت على مرأى من جيلز. تبدل لونه فجأة وكأنه أصيب بصدمة. ورأته يتحول الى كتلة من الجماد.
سارت المرأة الأوروربية في اتجاه صاحب الدعوة، وابتسمت ابتسامة خاطفة قبل أن تستدير صوب جيلز فارو. كان أقل توتراً الآن، مع أن أبيا شاهدته يطبق قبضته بإحكام وعصبية.
وأدركت لتوها أن هذه المرأة خطيبته السابقة، الفتاة التي رفضت الزواج منه لأنها استنكفت عن العيش في بلدة هندية نائية.
سألت أبيا جاي:
-من هما هذان الأوروبيان؟
-طوني لونن وزوجته. أنه أحد أثرياء النفط. ويعقد هو وعمي شاندريس صفقات كثيرة. زوجته جميلة جداً، أليس كذلك؟
قالت أبيا:
-نعم. جميلة جداً. ما هو اسمها الأول؟
-فيكتوريا. وهو اسم يلائمها لأنها انجليزية.
تمتمت أبيا:
-فيكتوريا.
وأيقنت أنها فيكي عينها التي تحدثت عنها السيدة بيتمان ذلك الصباح, نظرت صوب جيلز فارو مرة أخرى. كان يبتسم بارتياح يشوبه الحذر. ورأت نفسها بدون ارادة منها تهنئه على أدائه مقدرة الجهد الذي بذله ليظهر بمظهر طبيعي. أم أنه كان على علم مسبق بمجيء خطيبته السابقة الى هنا؟ هذا مستحيل، فكرت أبيا وهي تتذكر امارات الوجل على محياه عندما دخلت فيكتوريا.
انظمت السيدة بيتمان الحفلة ابن أخيها. التقت عيناه بعيني أبيا، فرفعت يدها ملوحة. استأذنت أبيا من المحاسب الهندي وأطاعت ايماءة العجوز. قالت السيدة بيتمان عندما وقفت أبيا أمامها:
-أقدم اليك السيد لوتن وزوجته فيكي التي هي صديقة العائلة.
تدخلت فيكتوربا:
-وكدت أكون أحد أفراد العائلة.

Rehana 23-06-20 12:29 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
ودلت نظرات عينيها أنها لم تحب وصف العجوز لها. قالت هذه الأخيرة بعد أن لاحظت ازعاجها:
- وكعضو مقرب من العائلة أود أن أقدم اليك الفتاة العزيزة التي أنقذتني عندما ألمت بي وعكة صحية في أغرا.
ظلت فيكي لوتن مشدودة الأعصاب، متصلبة الوجه، وهي تتشدق قائلة:
-اذن كنت الملاك الحارس. وقيل لي أنك تعملين مع العمة بيتمان. يا لك من فتاة حذقة !
احتارت أبيا في كيفية الرد عليها. لمست موجة من العداء تتصاعد من أقوالها، وتساءلت عن السبب الكامن وراءها، وتلقت الجواب فوراً، اذ استدارت فيكي ونظرت الى جيلز مباشرة:
-أنصحك بالاحتراس، يبدو أن عمتك تبحث لك عن شريكة حياة !
قال بهدوء:
-أنا دائم الاحتراس.
- هل تعني أنني كنت الوحيدة التي نجحت في اختراق خطوط دفاعك؟
صدمت أبيا من فظاظة كلمات جيلز وهو يجيبها بمنتهى البرود:
- لم أكن محترساً عندما تعرفت اليك. أما الآن فالأمر مختلف.
قالت فيكي بصوت شبه خافت:
- جعلتني أشعر بالذنب. هل صفحت عني؟
- صفحت عنك على الفور ,لا يمكن للمرء لوم ولد اذا ما ارتكب خطأ خاصة اذا كان الولد يجهل معنى الصواب.
تأوهت فيكي وكأنها تعبر عن غضبها وتبرمها. وما لبثت أن أدارت ظهرها. وعندها فقط اتجه جيلز فارو صوب ابيا:
-أرجو أن تكوني مستمتعة بالحفلة يا آنسة وست.
-نعم. أنا مستمتعة كثيراً. هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها بيتاً هندياً.
بدا جوابها طريفاً بعض الشيء، اذ عوج فمه قائلاً:
-انه بيت بالكاد يمثل نموذج المنزل الهندي. وهذا بيت عالمي لا جنسية له.
احتجت ابيا وهي تجيل النظر في الغرفة الرحبة المفروشة بالسجاد الزاهي والمزينة بالآنية والمصابيح المتعددة الألوان:
- لا، أنت تبالغ!
أجاب:
- ان السجادات الكشميرية وبعض الفسيفساء لا تكفي كدليل على وجود البيت الهندي. ان بيتي أقرب الى الطابع الهندي من هذا، لأن المهاراجه الذي يملكه لم يتأثر بالذوق الأوروبي.
انفرجت أساريرها:
- ما عدا أنابيب المياه, فهي تكاد تكون أمريكية في جودتها وأدائها !
- هل تعتبرين أنابيب المياه جزءاً هاماً من الحياة؟
- ألا تعتبرها أنت كذلك؟
- انها هامة ولكنها ليست عنصراً جوهرياً، قضيت وقتاً طويلاً في قرى هندية صغيرة حيث لا وجود لأنابيب المياه، فأعرف أن الحياة تستمر بدونها.
قالت موافقة:
-أعرف أننا نستطيع العيش بدونها، ولكن المسألة تتعلق بنوعية الحياة. ثمة بعض وسائل الراحة
والرفاهية التي أعتبرها جوهرية.
قال بمرارة:
-لا شك في ذلك. أنت لا تختلفين عن اية امرأة أخرى.*
وأدركت لتوها أنه يفكر في فيكي. لم ترغب في البوح أمامه بسرها الذي خالت أنه يجهله، فتظاهرت بالبراءة:
-أنا لا أقصد أني عاجزة عن تحمل حياة الخشونة في ظل ظروف معينة.

Rehana 23-06-20 12:36 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
سألها:
- وما هي هذه الظروف؟
هل تقول له حقيقة مشاعرها وأنها مستعدة لتحمل الحياة الصعبة مع شخص تحبه؟ لا، فكرت أبيا، لأن ذلك يعني اطلاعها على ماضيه. والأسوأ من ذلك، سيبدو قول كهذا وكأنها تحاول التقرب منه. ولذلك قررت الاعتصام بالصمت. اخترقت كلماته حاجز صمتها و هو يعلن:
-ما أسهل قراءة أفكارك آنسة وست.تصور لك عاطفتك أنك قادرة على اقتسام كل مشاق الحياة مع الشخص الذي وقع عليه اختيارك. ولكن عندما يصدمك الواقع كما هو، ستجدين أن للمدنية سحر جذاباً لا تستطيع مقاومته.
- أنا لا أنوي التخلي عن المدينة الى الأبد بكل تأكيد. وهذا ينطبق عليك أيضاً. أعني أنك تعيش حياة مرفهة الآن، ولماذا تلوم الآخرين اذا طلبوا حياة مماثلة؟
- لأنني أعرف الأولويات في الحياة. ثمة أشياء أخرى كثيرة أعمق معنى من أنابيب المياه.
-وآخرون يدركون ذلك أيضاً سيد فارو. ألم تسمع بأولئك الذين ذهبوا الى أقاصي الغابات لينقلوا الى ذوي الحظ العاثر معاني الحياة، وفوائد العلم وتكنولوجيا ؟ ليس ما تقوم به أمراً خارقاً.
لم يكن في نيتها الاسترسال في الحديث، ولكن كعادتها عندما يستثير أحد مشاعرها أطلقت العنان للسانها. و لاشك أن هذا ما كان يجول في بال جيلز فارو، اذ نظر اليها تلك النظرة المليئة بالتوتر والتبرم. قال:
-أمقت الناس الذين يستغلون كل فرصة لالقاء مواعظهم والحث على مكارم الأخلاق.
-تعني أنك تمقت كل شخص يؤمن بقضية ما، ويملك الشجاعة الكافية للدفاع عنها؟
-لا بأس اذا كنت تريدين التعبير عن آرائي على هذا النحو.
-ألا تدافع أنت عن رأي تؤمن به؟
هز برأسه:
-غير أني لا أدين الآخرين اذا رفضوا اقتفائي. وأنا عمليا لا يهمني مطلقاً ماذا يفعل الآخرون.
-اذن لا يدهشني أن تكون عمتك الشخص الوحيد الذي يهمه أمرك.
اتقدت عيناه غيظاً فتوهجتا كعيني نمر يهم بالانقضاض على فريسته في كبد الظلام. ووقفت أبيا تنتظر تفجر غضبه في وجهها، لكنها كانت مخطئة، وأساءت تقدير سيطرته على نفسه. قال:
-لا أحتاج الى آراء الناس الكريهة بي يا آنسة وست. طالما أن نخبة الناس التي أعرفها تحترمني، فهذا يكفيني. أما رأيك أنت فلا يهمني.
لسعت مقلتيها عبرات حادة، فحاولت اخفائها متوجهة الى طرف المصطبة. حدقت في مياه المحيط مدلهمة الوجه، كئيبة.
اقترب منها جيلز فارو، وعندما جربت الابتعاد عنه سد طريقها. قال:
-المعذرة آنسة وست. لا يحق لي التحدث اليك هكذا. أنا آسف.
قالت بصوت مضطرب:
-كنت فظ الطباع معي منذ أول لحظة رأيتك فيها.
قال متحسراً:
-ولكنني الآن كنت أشد فظاظة من السابق. وعذري الوحيد أن ثمة مشكلات كبيرة ترهقني وتشغل بالي. أرجوكي تقبلي اعتذاري.
-حسناً.

Rehana 23-06-20 12:38 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
وعندئذ فقط نظرت اليه، واضطرت لرفع رأسها كثيراً أمام تلك القامة الفارهة. كان شاحب اللون قليلاً،
وكأن رؤية فيكي لا تزال تؤرقه، بدا لها اصغر عمراً وأقل طغياناً، أضافت:
-يؤسفني اضطراري البقاء في منزلك، سأحاول ابعاد ظلي عنك قدر الامكان.
-لا ضرورة لذلك.
-لكن هذه هي رغبتي.
فتح فاهه ليتابع كلامه ثم أطبقه، وتمتم مبتعداً عنها:
-كما تودين.
بقيت حيث هي، متمنية لو أن جيلز فارو لا يتمتع بتلك القدرة العجيبة التي تجعلها تكرهه وتشفق عليه في آن معا. انفجر الشجار بينهما مثل عاصفة صيفية بدون أي انذار، واضمحل بالسرعة ذاتها.
مع ذلك خلف وراءه ترسباُ من الألم الذي أرعبها كثيراً، لأنها رفضت الاقرار بقدرة رجل مثل جيلز فارو على جرح مشاعرها، وكبريائها.
ماذا يعنيها رأيه في الآخرين وكيفية تدبيره حياته؟ وهي لا تبالي سواء اكان يكن لها الاحترام أو الاحتقار ! وهي لن ترى وجهه ثانية بعد أن تغادر بومباي. وعندما يعود الى انكلترا ويزور عمته، فستحتجب عن أنظاره. واذا تكررت زياراته ستقدم استقالتها.
استدارت لترى جيلز فارو منتصباً بجانب نافدة المصطبة، يغمر جسمه النور المنبعث من ورائه، كان يفوق طولاً أي رجل هندي موجود في الحفلة، ويكفي هذا السبب تمييزه عن الآخرين، ومع ذلك ليست قامته هي العلامة المميزة بل تلك الهيبة القيادية، وشكل الرجل المسيطر على نفسه وعلى الآخرين، الرجل الذي لا يدع قلبه أبداً يتحكم بعقله.
رفضت الاستمرار في هذا الوضع الذي يجعل جيلز فارو محور تفكيرها، فقررت الانضمام الى السيدة بيتمان. قالت العجوز عندما رأتها:
-هل تنزعجين اذا غادرنا الحفلة الآن؟
-لا أبداً. أنا على أهبة الاستعداد.
-اذن اهبطي بالمصعد واطلبي من البواب حجز سيارة أجرة.
-ألن يقلق بال السيد فارو عليك؟
-سأبلغه خبر ذهابنا في الوقت الملائم.
ابتسمت أبيا :
-لقد خططت لكل شيء.
قالت العجوز و هي تدفعها بخفة نحو الباب:
-أنا دائماً أخطط كل شيء.
وصمتت العجوز الى أن أصبحتا داخل سيارة الأجرة العتيقة المتوجهة الى تلة ماليبار. وكانت فيكي
لوتن محور حديثها:
-لقد فطنت الى أنها كانت خطيبة ابن أخي؟
-نعم. هل عرف أنها ستكون هناك الليلة؟
-لا. لا أعتقد أنه عرف عن وجودها في الهند، يا ليتك رأيت وجهه عندما دخلت.
أقرت أبيا:
-شاهدت وجهه بوضوح. بدا أنه فوجئ بقدومها.
-أكثر من ذلك بدا محطم الأعصاب, كان وجودها درساً مفيداً له. قلت له أمس أن عليه مواجهة الماضي كما هو، والاقرار بارتكابه خطأ فادحاً عندما سمح لنفسه الوقوع في غرام فيكي.
قالت أبيا بحذر:
-ربما كان لرؤيتها مفعول معاكس اذ يدرك أنه لا يزال يحبها.
-اذا كان لا يزال يحبها فالمجال مفتوح أمامه. فيكي ليست سعيدة مع زوجها وهي على استعداد للتخلي عنه.
سألتها أبيا متعجبة من دقة اطلاعها على خفايا الأمور:
-هل قالت ذلك بنفسها؟
-لا، طبعا، أستطيع قراءة أفكارها بدقة حتى ولو لم تنبس ببنت شفة. أؤكد لك يا أبيا أنها أتت الى الهند لتبرهن لجيلز أنها على استعداد لاستئناف علاقتها به.

Rehana 23-06-20 12:40 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
أشارت أبيا:
- ومن المحتمل أن يقبل عرضها؟
- انه الجنون بعينه. لم تكن تلائمه أبداً، لكن حبه لها أعماه عن حقيقتها. أتمنى أن يرى الآن الأمور بوضوح أكثر بعد ابتعاده عنها كل هذه السنوات.
ظلت أبيا صامتة. قالت العجوز السيدة بيتمان:
- أنت تعتقدين أنه لا يحق لي التدخل في حياته، أليس كذلك؟
أجابت بيا بصراحة:
-ان حبك لشخص ما لا يمنحك حق اصدار الأوامر له.
-اذا ما فعلت أي شيء من هذا القبيل، أؤكد لك أن جيلز سيقوم بعكس ما أقوله له. كل ما أستطيع فعله هو خلق الأجواء الملائمة لاجتماعه بفتاة أخرى.
حبست أبيا أنفاسها، فتابعت السيدة بيتمان:
-نعم يا عزيزتي. أنت زوجة مثالية لرجل مثل جيلز.
-وكن لا يمكنك... انها مسألة رهيبة... لما كنت وافقت على العمل لديك لو أدركت أن أفكاراً كهذه تراود ذهنك.
-أنها أفكار لم تخطر على بال ابن أخي للأسف الشديد.
-لست متأكدة. أعتقد أنه فطن الى الأمر، وربما يكرهني لهذا السبب. هل قمت بعمل كهذا من قبل؟
-مرات عديدة. لكن باءت مساعي بالفشل.
قالت أبيا محتدة:
- وستفشل مساعيك ثانية. أعتقد أن عملي لديك الآن صار مستحيلاً.
شدة العجوز قبضة يدها:
-لا يوجد شيء مستحيل. أعذري تطفلي غير اللائق، غير أني أحب جيلز، وأكن لك وداً خاصاً، ليتني لم أفصح لك عن أفكاري لكن لقائي بفيكي الليلة أطار صوابي. أرجوك أن تتغاضي عما قلته لا تتخذي أي قرار مستعجل بسبب أحلام امرأة عجوز طائشة.
-كيف يمكنني الاستمرار في العمل لديك؟ سأشعر بالحرج كلما التقيت بالسيد فارو.
-هذا هراء. تقولين أنك امرأة شابة عصرية، أليس كذلك؟ اذا كنت غير مولعة به، فلا لزوم لأي حرج.
كادت أبيا تبتلع كلمتها:
-هذا صحيح. أجد ابن أخيك رجلاً لا يطاق، وأؤكد لك أنه يبادلني الشعور نفسه.
قالت السيدة بيتمان:
-اذن لا يوجد لديكما أي سبب يقلقكما حول مشاريعي.
ضحكت أبيا ضحكة خافتة وهي تلاحظ مهارة العجوز في كسب الجولة ضدها، قالت بصوت مرتفع:
-لا فائدة منك. سأبقى معك اذا تعهدت بالامتناع عن احراجي. عامليني كموظفة عادية وليس مثل فتاة تريدين منها أن تصبح أحد أفردد العائلة.
ردت العجوز على الفور:
-اذا كان هذا ما تريدينه، فليكن.
عندما استلقت أبيا في فراشها بعد ساعة من الزمن، ظلت محادثتها مع العجوز تشغل بالها. فقد أعتبرتها زوجة محتملة لابن أخيها، فلم تجد صعوبة في لعب هذا الدور، وأقلقها مدى تقبلها لهذه الفكرة. ليت شخصية جيلز فارو تتوافق مع منظره الجميل ! ربما أن فيكي لوتن مسخت شخصيته؟ ولكن كيف يمكنها معرفة حقيقة أمره وهي لم تلمس سوى الجانب السلبي فيه؟
هدر محرك سيارة تحت نافذتها، وأضاءت أنوارها الأمامية الحائط المقابل لسريرها لحظة خاطفة. انه جيلز سمعته يوصد باب السيارة. ثم خيم الصمت اذ أن الجدران سمكية جداً. لكنها شعرت بالاحراج وهي تدرك وجوده على مقربة منها. هل تستطيع البقاء في منزله بعد الآن؟ هل يمكنها الاجتماع به بدون أن تتذكر اتهامه لها حول مخططها لاستغلال عمته؟ وهل يخشى أن يجد لنفسه مدار اهتمامها أيضاً؟ راحت تقهقه بدون ارادة منها.
اذا كان هذا ما يدور في باله، يسعدها جداً اثبات مدى ضلاله، ان رجلاً سمح لنفسه بالغرق في لجة المرارة الدائمة بسبب امرأة أخرى لا يستحق أن يكون شريك حياتها.
وغرقت في نوم عميق.

نهاية الفصل

Rehana 24-06-20 12:21 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
9- وضعها محفوف بالمخاطر. رغم أن العداء المستحكم بينهما يكاد يزول، فهي لم ترغب في احلال الصداقة المتينة مكانه. فصداقته فد تكون أكثر تدميراً من عدائه السابق.


مر أسبوعان وأبيا تحاول تفادي جيلز فارو قدر الامكان. وعندما يتناول غداءه من وقت لآخر في المنزل، كانت تجلس الى الطاولة صماء بكماء، ثم تغادر فور انتهاء الوجبة. نشأت لديها حاسة سادسة تنبئها متى يكون موجوداً في البيت أو يهم بالعودة اليه. وقبل أن يوقف سيارته في الخارج تهرع الى غرفتها الى أن تطلب رؤيتها السيدة بيتمان أو يدعوها جرس الخدم لتناول طعامها.
أما جيلز فارو فجرب أكثر من مرة التحدث اليها، كما لو كان يكفر عن فظاظته أثناء تلك الحفلة.
وما لبث أن لمس موقفها الجاف ازاءه فقرر تجاهلها. ولم تشعر بالحرية التامة الا عندما يكون خارج المنزل، فتجوب غرف الطابق الأرضي لتمتع انظارها بالرسوم واللوحات الجميلة، والتحف و قطع الأثات النادرة، وتعود مرة تلو الأخرى للتمعن في المنمنمات التي تزين جدار غرفة الجلوس الخاصة.

Rehana 24-06-20 12:24 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
كانت هذه الغرفة شبه مقفلة هذه الأيام، اذ أن السيدة بيتمان اعتادت الجلوس تحت ظلال أشجار الحديقة أثناء النهار، وفي غرفة الاستقبال أثناء الليل. لكن أبيا هامت عشقاً بغرفة الجلوس الصغيرة، وبوساداتها المنتفخة، وسجادها الوثير وجدرانها المزخرفة، والتي تغطي المنمنمات احداها. قررت أن تنسخ احدى المنمنات و مضت الى الشارع الرئيسي بحثاً عن الألوان المائية وأدوات الرسم.
وكان جيلز فارو تلك الليلة يتعشى في الخارج، وبعد أن أنهت تناول طعامها مع السيدة بيتمان توجهت الى غرفة الجلوس الصغيرة، وغطت احدى الطاولات الفخمة بقطعة قماش، ووضعت أدوات الرسم عليها.
اختارت الرسم المنمنم الذي تريد رسمه، وأنزلته بعناية ووضعته على طاولة أخرى بجانبها. أنها تملك القدرة على النسخ المتقن منذ فترة طويلة، وتساءلت لو تحول هذه الموهبة الى مهنة دائمة لها، وخاصة في ترميم الصور القديمة.
احنت رأسها وبدأت بالرسم تعض على لسانها الوردي بأسنانها البيضاء الدقيقة البيضاء، منكبة الوجه
والجسم على أداء مهمتها المحببة. بدأت ملامح الصورة تظهر بسرعة. وانتهت من التصميم في أقل من ساعة. تناولت فرشاة وغمستها في الطلاء الخاص. وما أن وضعت مسحة من اللون على صفحة الورقة الملساء، حتى أطلقت تنهيدة فرح عارم، ثم جمدت الفرشاة في يدها لتذوق نكهة هذه اللحظة المنعشة. وعندئذ فقط، عندما رفعت رأسها عن الطاولة، رأت جيلز فارو.
أخذ قلبها يخفق باضطراب وكأنها سارق ضبط يرتكب جريمته، ألقت بفرشاتها فوق صندوق الطلاء، وهمت بالنهوض. قال بهدوء:
-لا لزوم للخروج بسبب وجودي هنا.
-كنت أنوي التوقف في أية حال.
-هل أستطيع أن أرى ما الذي ترسمينه؟
لم تجد سبيلاً الى رفض طلبه. قالت:
-لا تزال الورقة مبتلة، أفضل أن أتركها حيث هي.
هز برأسه و اتجه نحو الطاولة. تأمل في الرسم المنمنم ثم أنظر الى نسختها. علق:
-لم أدرك أنك فنانة.
-لست فنانة بل مجرد ناسخة.
انحنى قليلاً:
-وناسخة ممتازة. رسمت كل التفاصيل الدقيقة. هل صرفت وقتاً طويلاً عليها؟
- باشرت الرسم بعد العشاء.
-انها تضارع الصورة الشمسية دقة.
لم يحركها اطراؤه، فاعتدل في وقفته و مشى صوب النافذة المطلة على طرف الحديقة المنعزل، سألها:
-هل بعت احدى النسخ؟
-أتبرع بها عادة بدون مقابل.
استدار ليحملق في وجهها بعينين متوهجتين:
-هل ترسمين هذه كهدية لعمتي؟
-كلا. لا أظن أن السيدة بيتمان تهوى هذه الأشياء، خاصة اذا كانت تستطيع شراء الرسوم الأصلية.
وتابعت حديثها غاضبة، مدركة أنها ستندم على كل كلمة ستقولها:
-آخر نسخة رسمتها كانت لوحة الفنان غينزبرو (الولد الأزرق) كانت اللوحة المفضلة لامرأة عجوز أساعدها في التبضع. رسمت لها لوحة زيتية كاملة، وتعمدت ذلك لمعرفتي أنها ستورثني كل ثروتها عندما يتوفاها الله. لم أخبرها بعد أنه لا يمكنها أن تورثني معاش تقاعدها لأنها ستستاء كثيراً، اذ أنها لا تملك أي شيء آخر.

Rehana 24-06-20 12:26 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
ارتجف صوتها، ثم غرقت في الصمت، تتحسر ندماً على ما قالته . لماذا حاولت تبرير ما تقوم به لجيلز فارو؟ ولماذا تهتم برأيه السلبي فيها؟
ردد جيلز صدى سؤالها:
-لماذا قلت لي كل هذا آنسة وست؟ لا أظن أنك تبالغين بموقفي منك.
-هذا صحيح. طالما أنك تزدري وجودي ولا تثق بي أردت أن أصفعك بالحقيقة المرة.
-أستطيع دائماً أن أشك في كل ما تقولين. مع ذلك , لا حاجة للقلق آنسة وست . أنا اصدق ما تقولينه .لا يمكن لأحد اختراع قصة عاطفية كهذه.
استشاطت غيظاً، فدنت منه، وصاحت:
-هل ترى أن من واجبك تشويه سمعة مل انسان؟ أنت فظ الفؤاد كأنك قطعة من الجماد.
-نعم. ولهذا السبب يعصب عليك اصلاح وضعي.
-لا أنوي تبديد وقتي عليك. أنت أكره رجل عرفته !
و استدرات لتبتعد عنه، ولكن يده أمسكت كتفها وجذبتها نحوه.:
-أحذرك من التطاول علي. ما زلت ضيفة في بيتي.
-لا تذكرني. لو لم أكن أحب عمتك كل هذا الحب لغادرت هذا المكان هذه الليلة.
-تقصدين أنك يئست من كسب ودي؟
توردت وجنتاها حياء، وأدركت أنه يستمتع باحراجها على هذا النحو بعد أن أخترق سرها الدفين. قال:
-اذن كنت على علم بمطامح عمتي عندما وظفتك ! لم أكن متأكداً، أما الآن فحصلت على الجواب منك.
بلعت أبيا ريقها بأسى:
-لم أعرف ما الذي تبيته عمتك الا بعد انتهاء الحفلة. لو فطنت منذ البداية لما قبلت العمل لديها بأي ثمن. لا أريد أن أضحي بنفسي على مذبح الأنانية والقسوة مهما كنت طيبة القلب.
جذبها نحوه غاضباً:
-أنت لا تعرفين شيئاً عني البتة !
-أعرف أنك تكتوي لوعة لأن فتاة حمقاء تصرفت معك بأسلوب أحمق، تعتقد أن كل امرأة ستتصرف بالأسلوب نفسه.
قال باصرار:
-هذا ما يفعله معظمهن. لا هم لديهن سوى الحصول على أغنى رجل.
-ليس هذا صحيحاً.
-حقاً! لماذا أنت هنا اذن؟ أم تتوقعين مني أن أصدق مدى استمتاعك بالعيش في الريف تسعة أشهر في السنة والعمل لدى امرأة تناهز الثمانين من عمرها !
صاحت:
-هذا ما يداعب خيالي. ان العيش في دير الراهبات أفضل بكثير من العيش معك !
- حقاً !
وبسرعة جنونية جذبها اليه وعانقها. قاومته محاولة التملص منه، لكنها كانت كعصفور صغير يعارك نسراً كاسراً. استمر يشدها بقوة الى أن استكانت قليلاً.
لم يسبق لرجل أن عانقها على هذا النحو من قبل، واشتعلت شرايينها بأحاسيس غريبة. هالها أن يكتشف حقيقة مشاعرها فراحت ترفسه، فطوقها أكثر. ظلت تعاركه الى أن أرخى يديه قليلاً، ثم رفع رأسه. ظل يحدق في عينيها. بدت مقلتاه في تلك اللحظة كالبحر الهائج تتلاطم أمواجه ثم ترتطم بصخور الشاطئ ورماله الذهبية.
ولمست لمس اليد عاطفة جياشة تضج في جوارحه خالته لا يفهم معناها العميق حتى هذه اللحظة.

Rehana 24-06-20 12:28 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
كانت عيناه ترويان ألف قصة و صة، وتراءى في ذهنها منظر الشمس الغاربة وهي تلف الهضاب بذلك النور الأرجواني الساحر. ثم استعادت بعض وعيها. وكان رأسها يؤلمها، وجسمها يرتعش كورقة خريف ذابلة. مع ذلك، أحست أنها لم تعد تخشاه بعد أن هدأ روعه، وسيطر على أعصابه مرة أخرى. قال أخيراً:
-أنا آسف يا أبيا. لا مبرر لما فعلته لا مبرر لما فعلته اطلاقاً.
أجابت بصوت أبح:
-أنا أتحمل المسؤولية أيضاً نتيجة استفزازي لك.
-لنقل أننا أخطأنا نحن الاثنين !
ابتعدت عنه قليلاً، فأمسك بها لتوه. سألها بقلق:
-هل سببت لك الأذى ؟ انك صغيرة...
قاطعته:
-أنا بخير. كل ما في الأمر أن أحداً لم يعانقني هكذا من قبل.
قهقه هلى نحو لا أثر للسخرية فيه:
-أنت بريئة جدا يا آبيا اصفعي وجهي اذا كنت مستاءة.*
-ما الفائدة؟ ستعود الأمور الى سابق عهدها. وهذا وضع مخز لا معنى له.
استدارت وتوجهت الى الطاولة حيث التقطت نسخة الرسم المنمنم. طلب منها قائلاً:
-اتركيها مكانها. لن أدع أحد يمسها. وهكذا تعودين غداً لاستئناف العمل عليها.
-شكراً.
-لكن اقترح عليك العمل أثناء النهار لئلا ترهقي عينيك كثيراً.
أشارت قائلة:
-أنا أعمل مع عمتك أثناء النهار.
سألها:
-هل تحبين العمل معها؟
-بالكاد تنجز أي عمل الآن. ما زلت أقوم بدور المرافقة أكثر من أي شيء آخر.
-انتظري حتى عودتك الى انكلترا. لن تجدي دقيقة من الراحة (و تجهم وجهه) أبيا، أريد الاعتذار ثانية...
قاطعته:
-لا ضرورة لذلك. أو أنك تخشى أن أطلع عمتك على الحقيقة ما جرى الليلة؟
-ربما شعرت بالغبطة الفائقة لو عرفت حقيقة ما جرى.
قالت أبيا تشتعل غيظاً:
-اذن لن أبوح بحرف واحد.
وهمت بفتح الباب، عندما تكلم ثانية:
-أنت تتحملين جزءاً من المسؤولية يا أبيا. بذلت جهدك خلال الأسابيع الفائتة لإثارة مشاعري.
احتجت:
-قمت بعكس ذلك تماماً. حاولت تفاديك بكل وسيلة ممكنة.
-تعمدت اثارتي عبر غيابك الواضح.
- لم يكن هذا مقصدي.
-ربما ولكن هذا ما جرى.
قالت بجرأة:
-اذن وجه اللوم الى ضميرك الذي يؤنبك. هذا ما جعلك تلمس اجتنابي لك. لو لم تدرك سوء تصرفك لما لاحظت سلوكي تجاهك.
افتر ثغره عن ابتسامة باهتة:
-أرجوك كفي عن هذا الأسلوب في المستقبل. انه ليس ضرورياً.
قالت باستخفاف:
-حسناً. ليلة سعيدة سيد فارو.

Rehana 24-06-20 12:31 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
راحت تطوف في غرفة نومها متوترة الأعصاب، يؤرقها ذلك المشهد الذي دار بينها وبين جيلز وكأنه مجرد حلم مرهق. ظلت صورته مرتسمة في ذهنها، فازدادت هلعاً، متمنية لو تستطيع النظر اليه بموضوعية باردة كأي شخص آخر. لم تكن تنوي المضي في كرهه، مثلما ترفض أن تكن له مودة ما. أن وضعاً كهذا محفوف بالأخطار.
لم تقلب المسألة أكثر من ذلك، ومشت نحو النافذة لجذب الستائر. رأت في الحديقة شبحاً أسود يتراءى وراء الأشجار، وتبينت أنه جيلز فارو يعبر الممر الضيق الذي يلتف حول بركة السباحة. اذن هو الآخر قلق البال لا يستطيع النوم. أشعل سيكاراً فأضاء وجهه الشاحب. ثم غمرته الظلمة ثانية. تنهدت وصعدت الى سريرها.
استيقظت مع أنوار فجر هندي ندي منعش. وما ان حدقت في الفضاء الرمادي شبه الوردي حتى قفزت صورة جيلز فارو الى ذهنها. وجدت صعوبة في تعليل عناقه لها. دفعه غيظه الى ذلك في البداية بدون شك، ولكن عندما هدأ غضبه لم يحاول الهزء منها كعادته، بل تحدث معها وكأنه يراها للمرأة الأولى، وأعجبته رؤيتتها.
استحمت، ارتدت ملابسها وهبطت الى الحديقة. كان النسيم العليل يهب بخفة منعشة تزيل غشاوة الليل وهمومه. قفزت فوق الأعشاب بمرح فتاة تزهو بنعومة التراب وزرقة السماء.
كانت تجلس على المصطبة في الساعة الثامنة لتناول طعام الفطور عندما انضم اليها جيلز فارو. لم يسبق له أن اهتم بالفطور فتساءلت أبيا ما اذا كان بدل عادته أم أنه في اجازة. علق قائلاً:
-نهضت باكراً هذا الصباح.
-ان هذا الطقس الجميل يجرني من سريري جراً.
-هل ترقصين حول الحديقة لاستقبال نهار جديد؟
أجابت بهدوء:
-ارقص عندما أشعر بالسعادة، وأغني أيضاً.
تمعج فمه:
-و هل هناك سبب معين لسعادتك هذا الصباح؟
قالت بلهجة جادة:
-ربما لأننا اصدقاء الآن. ليس أصدقاء فعليين، ولكننا على الأقل لم نعد أعداء.
-و هذا أسعدك الى حد الرقص؟
أطلقت زفرة عميقة.:
-نعم. لا يسهل على المرء البقاء في بيت يشعر أنه غير مرغوب فيه.
صمت متجهم الوجه، مقطب الحاجبين، ثم قال أخيراً:
-لم أدرك أن مسلكي أزعجك الى هذا الحد. كان انطباعي عنك أنك لا تبالين برأي فيك. اهنئك على نجاحك في اخفاء مشاعرك.*
-انه ليس تعليقاً منطقياً، خاصة عندما يصدر عند سيد فاروز.
ذكرها:
-اسمي جيلز.
توردت وجنتاها ثم هزت رأسها:
-أظن أن عليك اعادة النظر في تقويمك لي.
توهج وجهه وكأنه يستمتع بكل كلمة تقولها، ورأت نفسها تنظر الى عينيه البراقتين، وتتمعن في قسمات وجهه الصارمة، تنبهت الى تحديقها المتواصل فدفعت كرسيها الى الوراء. قال بلهفة:
-أرجوك لا تغادري. لم نعقد عهداً بيننا ليلة أمس.
استرخت أبيا في كرسيها ثانية، وراحتاها ترشحان عرقاً. ان عقد أواصر الصداقة مع جيلز فارو لا يقل خطورة عن استعدائه. فكرت في أي شيء تقوله، ففشلت فشلاً ذريعاً. بدا أنه لا يعبأ بصمتها اذ شرع بالتهام تفاحة. سألته بعد تفكير طويل:
-هل كانت أمنيتك أن تصبح مهندسا ًنووياً ؟
هل فاجأه السؤال؟ خالته يتلقاه بكل برودة و هو يقول:
-كنت أطمح أن أكون سائق قطار في البداية.

Rehana 24-06-20 12:34 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-و لكن ماذا بعد أن تجاوزت هذا الطموح بالذات؟
-قررت بعدئذ اقتفاء خطى والدي. كان يزاول المهنة نفسها. وهكذا تطور اهتمامي بالفيزياء النووية.
-وأنت الآن في مقدمة زملائك في هذا الحقل. لابد أنك فخور بنفسك.
قال بعد لحظة تأمل:
-أظن أنني أشعر بالفخر. ولكنه وضع يفسد الانسان حيث كل الناس يبجلونه في عمله ويتوقع نشوء الحالة نفسها في حياته الخاصة.*
هل كان يشير الى خطوبته الفاشلة و يبدي اسفه لتشبثه برأيه؟*
تكلم طارقاً موضوعا ًجديداً:
-حديثيني عن نشأتك وخلفيتك أنت يا أبيا.
-ان خلفيتي عادية جداً. مات والدي وأنا طفلة صغيرة، فكدحت أمي الليل والنهار لاعالتنا. تركت المدرسة مبكراً ووجدت وظيفة. مع ذلك لم تتحسن أوضاعنا كثيراً. ثم فازت اختاي في مباراة للجمال فابتسم الحظ لنا بعد ذلك.
تنهدت منهية قصتها لتسمع وقع خطى العجوز تقترب منها.
أعلنت:
-هيا بنا يا أبيا. أريد الذهاب الى السوق. تعبت من الشغل.
توسلت اليها أبيا:
-اذن دعيني أشتغل على الآلة الكاتبة قليلاً. طال أمد عطلتي كثيراً.
حدجت السيدة بيتمان ابن أخيها:
-هل سمعت في حياتك تضرعاً كهذا؟ لا يا عزيزتي عزمت على التوجه الى السوق وأرفض أن أذهب وحيدة.
-سأجلب جزداني وأنضم اليك في السيارة.
ألقت ابتسامة عابرة مودعة جيلز، وهرعت الى الداخل. سرها أن حديثها معه توقف عند ذلك الحد. رغم أن العداء المستحكم بينهما شهد نهايته، فهي لم ترغب في احلال الصداقة المتينة مكانه. اذ أن صداقة جيلز قد تتطور الى مرحلة أشد خطورة، وأكثر تدميراً لراحة بالها من عدائه السابق.
ابتاعت السيدة بيتمان كل ما تحتاجه بحماستها المعهودة. وما لبثت السيارة أن امتلأت بآنية النحاس،
وحقائب الجلد، وأقمشة الحرير الزاهية.
وما أن بلغت الساعة الثانية عشرة حتى هد التعب أبيا فتمنت لو تعود الى المنزل، غير أن ربة عملها كانت لا تزال في بداية التسوق، مصرة على شراء هدية لكل واحد من أصدقائها العديدين. واقترحت أن تشتري لأبيا شيئاً ما، فرفضت هذه الأخيرة مدركة مدى سخائها وتبذيرها.
كانت الساعة الواحدة والنصف عندما وصلنا الى فندق تاج محل حيث قررت الآنسة بيتمان تناول الغذاء هناك. أوضحت لها وهي تقودها الى القاعة الرخامية:
-لم تشاهدي في بومباي سوى عدد ضئيل من المعالم، ويؤنبني ضميري نتيجة ذلك.
أتيحت الفرصة لأبيا عندما كانت في لندن لزيارة فنادق العاصمة الفخمة، وذلك عند تسليمها بعض الكتب الثمينة الى زبائن معينين. لكنها لا تذكر أنها رأت قاعة تغص بالناس مثل هذه القاعة، وبجنسيات متعددة من العرب والصينيين والانجليز والأستراليين والأمريكيين.
سارت السيدة بيتمان عبر الردهة، واستدارت شمالاً نحو رواق من القناطر حيث امتدت شتى أنواع الحوانيت. وها هي امرأة طويلة هيفاء القوام تبرز من أحد الحوانيت، وكادت أن ترتطم بهما.
هتفت العجوز بفتور ظاهر:
-مرحبا فيكي. ما توقعت أن أراك هنا. ذكر جيلز أنك تريدين الذهاب الى منطقة الطيور لقضاء بضعة أيام.

Rehana 24-06-20 12:35 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-ذهب زوجي بمفرده. ما أعجبتني فكرة الجلوس بصمت لمدة ساعات من أجل مراقبة ريش الطيور وأذنابها.
نظرت فيكي الى ساعة معصمها الماسية وكأنها توحي بموعد عاجل لديها، وأحنت العجوز رأسها
ومضت في سبيلها. لحقت بها أبيا، وقد انطبعت صورة فيكي في ذهنها. كانت فيكي رائعة الجمال في ذلك الفستان الزهري، مما أبرز بشرتها السمراء الداكنة. و خيل لها أنها مزرية الملابس مقارنة بها، وتمنت لو تستطيع هي الأخرى لفت الأنظار اليها. وخاصة أنظار جيلز !
هتفت العجوز:
-ها قد وصلنا.
وتوقفت أمام باب خشبي ضخم حفر عليه اسم: حجرة التنين.
كان المكان مطعماً صينياً، كما توقعت أبيا، ويغص بالناس الى درجة الازدحام. تعجبت من ذوق العجوز في تناولها الطعام الصيني في الهند. وسرعان ما غيرت رأيها عندما طلبت ربة عملها الخبيرة وجبة متنوعة شهية، لم تذق مثلها في أي مطعم صيني ارتادته في لندن.
كانت السيدة بيتمان تحتسي الشاي عندما أخذت تستفيض في الحديث عن ثروتها الطائلة، وآمالها في انفاقها على أولاد جيلز.
قالت:
-لكنه رجل عنيد. أنا أحب الأطفال كثيراً. وهو لا يزال غارقاً في آلام الماضي وتجربته المريرة مع فيكي. ليته يصغي الي ويتزوج ثانية.
قفزت الى مخيلة أبيا صورة أطفال صغار يشبهون والدهم جيلز تماماً، ويقفزون ويمرحون في غرفة الجلوس. كانت أبيا شاردة الذهن عندما أبدت العجوز رغبتها في صرف بعض الوقت وسط حديقة الرواق، وأشارت على أبيا بالتجول حول الفندق واكتشاف معالمه. بدا الفندق عالما ًقائماً بذاته يضم أكثر من ستة مطاعم، وتمتد تحت قناطره الحوانيت والأحواض الصغيرة التي تسبح فيها الأسماك.
ولفت انتباهها مقهى ذو طراز أمريكي يتنافر منظره مع بقية الهندسة المعمارية. فضلت مطعم التندوري حيث تضيئه أنوار خافتة. توقفت أمامه قليلاً، فأشار عليها أحد الموظفين بالدخول والتجول في المطعم. قال:
-نرحب بك لتناول الغذاء أو العشاء ذات يوم هنا. نقدم الى الزبائن طبقاً خاصاً من دجاج التندوري.
أجابت أبيا:
-تذوقته ذات مرة في لندن.
- ولكن لا يستطيع أحد طهيه بطريقتنا الخاصة حيث نضعه في فرن قرميدي . أرجوك أن تأتي معي لأريك ما أقصده.
مضى بها عبر المطعم، والمطبخ النظيف والحديث حيث أحست بحر شديد. كم تكون درجة الحرارة في الصيف هنا، فكرت أبيا وهي تتبعه. وفتح الموظف فرناً مبنياً من القرميد ففاحت رائحة الدجاج المحمر، ولسعت وجهها حرارة النار القوية. قالت أبيا وهي تتراجع للوراء:
-يا للرائحة الزكية. هذا ما سأطلبه عندما آتى الى هنا.
تهللت أسارير الموظف، وعاد بها الى المطعم. وكانت تهم بالخروج عندما رأت الرجل والمرأة يجلسان على بعد أمتار منها. كان غارقين في الحديث فلم يتنبها الى وجودها كما تصورت. بدا الفستان الزهري متألقاً بحريره الناعم، وفاتتها ملاحظة شعر جيلز ذا اللمعان الخاص. هذا هو اذن سبب بقاء فيكي في بومباي ! ضج صدرها بالغضب والقرف معاً. كيف يسمح جيلز لنفسه التصرف بهذه الحماقة فيجري وراء امرأة خذلته منذ عدة سنوات، وتخدع زوجها للالتقاء به؟
هبطت أبيا السلم مسرعة الخطى، وأقفلت عائدة الى مكان العجوز، التي هتفت عندما رأتها:
-ما توقعت عودتك بهذه السرعة. أرجو أن كل شيء على ما يرام.

Rehana 24-06-20 12:37 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
أومأت أبيا برأسها.
-رأيت كل شيء.
وكم كانت عبارتها دقيقة المعنى ! فكرت بأسى، متمنية لو تمحو صورة جيلز وتلك السيدة المقيتة من ذهنها. لماذا تريد فيكي لوتن رؤيته ثانية؟ هل تريد اثبات مدى سيطرتها على مشاعرها، أم أن اجتماعهما مجرد لقاء عابر لعاشقين سابقين تربطهما صداقة عادية؟*
علقت السيدة بيتمان:
-ما هذا الصمت المفاجئ؟ هل ثمة ما يشغل بالك؟
أخفت أبيا حقيقة مشاعرها وهي تتبع ربة عملها الى السيارة:*
-أعاني من صداع بسيط !
بدت شاردة الذهن وهي تحدق في الشارع المزدحم بسيارات الاجرة والدرجات وطوابير الشحاتين المتدافعين حول النوافذ.
سألت نفسها:
-ماذا يهمني منظر جيلز فارو وفيكي لوتن يجلسان في مطعم معاً؟ انها حياته الخاصة، ويستطيع أن يفعل ما يحلو له بها. هذه مسألة لا تهمني اطلاقاً !
لكنها كانت تكذب على نفسها، رن صوته في قرارة ذاتها. ان المسألة تهمها وتعنيها. كانت تتوق شوقاً للجلوس مكان فيكي. تمنت لو أن جيلز فارو ينظر اليها تلك النظرة الحنونة الملهمة. أطلقت زفرة عفوية، فوضعت العجوز يدها على ذراعها قلقة البال:
-هل أنت بخير يا عزيزتي؟ هل أجبرتك على التهام كمية كبيرة من الطعام؟
تلقفت قول العجوز قائلة:
-انه مجرد سوء هضم ليس أكثر.
-سأطلب لك بعض عصير الليمون وقليلاً من السكر فور وصولنا الى البيت.
ضاعفت السيارة سرعتها متسلقة تلة ماليبار التي تنتشر فيها المنازل الكبيرة والبنايات المرتفعة تحيط بها حدائق غناء والأشجار الباسقة. وأخيراً بلغتا نهاية الطريق. قالت أبيا بعجل:
-اذا كنت لا تريدين شيئاً خاصاً مني، فأفضل الاستلقاء في غرفتي بعض الوقت.
أجابت السيدة بيتمان:
-لا بأس. ابقي في غرفتك قدر ما تشائين. أريد أن أكتب بمفردي.
شكرتها أبيا ومضت الى غرفتها.كانت تحتاج الى الخلوة لاستيعاب حقيقة ما أدركته، ولتكتشف كيفية معالجتها. يا له من شعور كأنه القضاء والقدر. لا مفر لها من مواجهة الواقع أن حب جيلز يتيمها. انها عاشقة.
كيف تم ذلك ومتى؟ كانت تكن له الكره منذ مدة قصيرة ! لا شك أن عشقها مجرد نزوة عابرة، حدثت نفسها. ما الذي يجمع بينها وبين هذا الرجل؟ تمتمت وهي تستعيد صورة فيكي لوتن:
-كيف يسمح لنفسه التصرف بحماقة مرة تلو الأخرى، هل هو الحب؟ هل جيلز لا يختلف عن بقية الرجال؟
وعندما توجهت لتناول العشاء في ذلك المساء، هالها أن تجد جيلز ينتظر في غرفة الطعام بكامل أناقته. بدا لها في ريعان الشباب، يفيض حيوية وثقة بالنفس. خاطبها وهي تتقدم منه:
-ما هذه الرزانة؟
هزت بكتفيها ولم تجبه بشيء. تفرس في وجهها ثانية، واقترب منها حاملاً كوباً من العصير:
-أن عصير البرتقال مفيد ومنعش.
امسكت الكوب بمضض. تراءى لها أنه يراقبها عن كثب. أحست بالاحراج فاتجهت نحو السيدة بيتمان لئلا يلاحظ اضطرابها اذا ما ظلت قربه. قالت العجوز:
-كنت أخبر جيلز عن رغبتي في السفر الى ارتجباد، وهي تبعد ساعة بالطائرة من هنا.

Rehana 24-06-20 12:40 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
علقت أبيا شاردة الذهن:
-انه مكان مشهور بكهوفه.
-لا يوجد سوى كهف واحد. وليست ارتجباد سوى قرية صغيرة تقوم فيها بعض الفنادق لاستقبال السياح الذين يزورونها لمشاهدة الكهف والهياكل الصخرية (و استطردت العجوز) اذا كنت لا تمانعين، أود التوجه الى هناك بعد غد. سيقوم جيلز بشراء التذاكر لنا.
اعترض:
-من الصعب الحصول على التذاكر هذه الأيام، اذ أن الفوضى تدب في خطوط السفر الداخلية.
أعلنت عمته بثقة:
-لن تعجز عن الحصول على أي شيء اذا أردت، فالحكومة لا ترفض لك طلباً.
ابتسم:
-انك تبالغين في تقديري.
أجابت:
-أعرف ما هي قيمتك بالضبط. و آن لك أدراك ذلك.
تبادلا نظرات خفية كأنهما في حلبة مبارزة ذهنية. وفهمت أبيا أن عمته تعرف تناوله الغذاء مع خطيبته السابقة. اقترحت العجوز:
-لماذا لا تأتي معنا الى ارتجباد؟
-لدي أعمال كثيرة.
-أعرف. ولكن هل يوجد شيء عاجل؟
قال بفتور:
-سأحاول جهدي. ان قضاء بضعة أيام خارج بومباي فكرة مغرية.
استدارت أبيا لاخفاء وجهها، ووضعت كوبها فوق طاولة جانبية. لكن جيلز لحق بها، وسد طريقها قائلاً:
-لماذا ما ألقيت علي التحية في المطعم بعد ظهر هذا اليوم؟
أصيبت بالدهشة، فانعقد لسانها. أضاف:
-ألم يعجبك منظري؟
-لم أدرك أنك رأيتني هناك .
تألقت عيناه:
-لست أعمى. هل أردت تجاهلي لاعتراضك على وجودي مع فيكي؟
-هذه مسألة لا تعنيني.
أحنى رأسه قليلاً :
-بدون مبالغة. ما هو السبب؟
-لا يوجد أي سبب صدقني.
قطب حاجبيه وهو يدنو منها قليلاً، سألها:
-هل أخبرت عمتي؟
-كلا. لا أريدها أن تشعر بخيبة الأمل.
حبس أنفاسه:
-تختارين كلماتك باتقان.
-أتمنى لو كنت تتقن اختيار صديقاتك من النساء.
ندمت على تفوهها بهذه العبارة وكأنها تبوح بما يخالج فوائدها. لكن جيلز كان في ثورة من الغضب ففاته معنى كلماتها. قال متمهلاً :
-لا يحق لك اصدار الأحكام على فيكي. ليس الحب كما تصوره الروايات العاطفية حيث يؤدي كل شخص دوره على أتم وجه، ويحفل العاشقان بالسعادة الأبدية. يرتكب الناس في الحياة العملية أخطاء كثيرة يدفعونه ثمنها غالياً.
سألته أبيا بفتور:
-هل تتحدث عن نفسك؟

Rehana 24-06-20 12:43 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
-هل يهمك الجواب؟
-ليس الى حد كبير. ان مشاعرك مسألة تعنيك أنت.
قال بهدوء:
-اعتقدت أننا أصبحنا أصدقاء. ولا يلقي الأصدقاء الكلام على عواهنه وقبل التأكد من حقيقة الوضع.
أشاحت أبيا بوجهها:
-أنت لم تقتنع بصداقتنا. وأثق تماماً أن رأيي لا أهمية له بالنسبة اليك.
قال بجفاف:
-انك تقللين من قدر نفسك.
هتفت العجوز:
-ما هذا اللغط يا جيلز؟
قال لتوه:
-نناقش الوضع السياسي.
علقت عمته:
-لن تستطيع الوصول الى أي حل.
أجاب جيلز:
-يمكن حل كل المسائل عندما تتوفر الارادة.
لاح في عينيه بريق خبيث. وجدت أبيا أن الوضع لا يستحق الدعابة والاستخفاف. ابتعدت عنه
واستلقت فوق مقعد طويل أدهشتها رغبة جيلز في معرفة رأيها، وسبب اجتنابها له في المطعم. قررت أنه يرمي الى اكتشاف ما اذا حدثت عمته حول الموضوع. سمرت نظرها على السجادة، محاولة تجاهل جيلز الذي أتى للجلوس بجانبها وهو يلوح برجله في الهواء. تمنت لو يرفض الذهاب معهما الى ارتجباد. ما استساغت فكرة قضاء عدة أيام في صحبته. أخذت تفكر في التخلف عن السفر اذا ما قرر الموافقة على اقتراح عمته سألها بعذوبة:
-ماذا يجول في ذهنك؟
أجابته مباشرة:
-لماذا تريد الذهاب الى ارتجباد؟ يلوح لي انك زرتها مرات عديدة.
-هذا صحيح. لكن آثارها تجذبني اليها باستمرار. علاوة على ذلك، احتاج الى بعض الراحة، والابتعاد عن بومباي وضجيجها. ولا شك أن خيالك الخصب سيجد أسباباً أخرى.
ردت:
-لا يوجد سوى سبب واحد. تريد الهرب من مغبة اغواء المرأة. قال كأنه يتعمد الاهانة:
-وماذا لو كنت اندفع نحوها اندفاعاً؟
توردت وجنتاها حياء، ورنت قهقهة في أذنيها فازدادت احراجاً.
تابع:
-اذا كنت تريدين مقاومتي يا أبيا فاستخدمي سلاحاً أقوى من الكلام الحاذق؟
-وماذا تقترح؟
أخذ ينقل النظر بين شعرها الأملس، ووجهها الملائكي، وجسمها النحيل وقدميها. ثم قال:
-لديك أسلحة أشد فتكاً يا أبيا وست، وبراءتك تمنعك من استخدامها على محو فعال.
ردت بحدة:
-انها براءة أرفض التخلي عنها.
-انه رأي يدعو للأسف. عندما تينع الثمار يحين قطافها. لا فائذة من ذبولها فوق الأغصان. هذه جريمة لا تغتفر.
غرقت في صمت عميق. لمست لمس اليد أن خوض المعارك الكلامية معه لن يؤدي الى نتيجة. انه رجل مثقف يتقن التلاعب بالألفاظ، و هاهو يمارس مهارته أمامها. هل يحاول أن يغازلها بطريقته الخاصة، تساءلت أبيا. يا لها من طريقة معوجة ! أياً كان السبب، فهو حتما لا يبدو أنه يهيم عشقاً بمظهرها الجذاب، وجمالها الخارق. انها تعرف حدودها. ربما كان يعبر عن شعور دفين، فيبدو مجرد رجل أحمق.
دلف خادم ليعلن وقت العشاء، فقفزت على قدميها وتوجهت الى الطاولة قبل جيلز و عمته. قال ممازحاً:
-يبدو أنك جائعة.
-سألتهم طعامي التهاماً.
-أرجو أن تكتفي بالتهام الطعام !

نهاية الفصل

Rehana 25-06-20 11:05 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
( ملاحظة : رواية كان ناقصة منها ثلاث صفحات لكن تم كتابتها بواسطتي لذلك هي كاملة تماماً )

10 - ماذا تفعل ؟ هل تقفل عائدة الى بلدها؟ انها مجرد فتاة عادية لا تتمتع الا بمسحة من الجمال وقليل من الجاذبية . كيف تنافس امراة خبيثة ، جميلة ومثيرة مثل فيكي؟



لم يذهب جيلز الى مكتبه في اليوم التالي، بل قضى معظم الصباح لانهاء اجراءات الرحلة الى ارنجباد ، والبحث مع عمته حول بعض استثماراتها.
جلست ابيا على الجهة الاخرى من بركة السباحة لتفادي التدخل في مسائل عائلية لا تعنيها. لم تغامر في التمتع بالسباحة ، اذ انها ترفض خلع ملابسها امام جيلز. وهكذا ظلت ملتفة بفستان خفيف . وعندما ارتفعت حرارة الشمس انتقلت لتنعم بغطاء مظلة كبيرة.
اخذت تقرأ بعض المسودات التي حبرتها ربة عملها . كانت منكبة على فك لغز احرف احدى الكلمات عندما اقترب منها جيلز. سألها :
- لماذا لا تسبحين؟

Rehana 25-06-20 11:09 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
ظلت تحدق في الصفحة ، لكنها لمحت بطرف عينيها رجلي جيلز الحافيتين.*
تابع :
- هل تفضلين الذهاب الى الشاطىء عوض ذلك ؟*
استفهمت :*
- لماذا تتودد الي هكذا الآن ؟
- الم نعقد معاهدة سلام منذ يومين ؟ ام تفضلين احياء حفلة العداء بيننا؟ يؤسفني ان يكون تفكيرك ضيق الافق !
- انا ضيقة الافق؟
- نعم . لم يعجبك لقائي مع فيكي فقررت الانتقام مني.
حاولت تبرير جفائها:
- انا فتاة تقليدية . ولا احب الخداع.
قال بهدوء :
- كانت فيكي خطيبتي في الماضي. ومن الحماقة الادعاء ان واحدنا لا يعرف الآخر . علاوة على ذلك ، من المفيد القاء نظرة على الماضي بدون ندم او اسف.
اجابت :
- من الصعب ان يصدق الناس راياً كهذا . ولن يشعر السيد لوتن بالرضا التام عندما تلتقيان انتما الاثنين. ولو كنت في مكانه لما قبلت اي تبرير.
- هل يعني قولك انك ستغارين على زوجك؟
- حتماً اغار اذا رأيته في جلسة حميمة مع امرأة كان ينوي الزواج منها ذات مرة. وخاصة اذا لم يكن الطرف الذي فسخ الخطبة .
رد ساخراً :
- بالله عليك ، ما هذا؟ يسعدني ان اعرف مدى قدرتك على الغيرة . فهذا يدل على الاقل ان مشاعرك اعمق مما افترضت.
- انت لست في وضع لافتراض اي شيء .
قالت كلماتها بحدة ، وقفزت على قدميها تهم بالمغادرة . اطبقت اصابعه القوية على منكبيها فسمرها فوق الكرسي .قال بعذوبة :
- انت تغمزين من قناتي باستمرار ثم تولين الادبار ، ولكن سأحول دون ذلك من الآن فصاعداً .
ادركت عقم محاولة التملص منه ، فاتكأت الى الوراء:
- دعني امضي في سبيلي يا جيلز . اعرف تماماً ان مشاعري لا تهمك البتة .
اجاب :
-انت مخطئة. ما هذه المراوغة الدائمة يا صغيرتي؟ اعترف لك انك فرضت وجودك علي رغم قامتك النحيلة . لست عاصفة هوجاء ممطرة يا ايبا ، بل مجرد رذاذ خفيف يخضل البشرة على نحو خفي مدهش.
تموج صوتها بمرح مصطنع:
- يا لحسن العبارة ! احب عقد المقارنة بيني وبين الرذاذ !
- هذا رأي صائب . هل ثمة اروع من المشي تحت المطر الناعم الهادئ؟
ردت :
- يسبب في بعض الاحيان زكاماً حاداً .*
وقبل ان تتمكن من الاستمرار ، ادار ظهره ومضى نحو طرف البركة العميق . وقف هناك لحظة يرمق الماء منتصب القامة في ملابس السباحة . رأته يغطس في الماء برشاقة ، سابحاً بثبات الى ان بلغ الطرف الآخر . التقط انفاسه قليلاً ، ثم سبح عائداً الى حافة البركة .
قال معنفاً :
-لا تكوني جبانة, هيا اسبحي !

Rehana 25-06-20 11:10 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
ادركت ان رفضها لدعوته سيعتبره دليلاً على ترددها وارتباكها.
فكت ازرار فستانها وبدا جسمها في ملابس السباحة مكتنز الشكل رغم ضآلة حجمها، مدت قدميها بحذر، وزحفت نحو الماء بدون ان تغطس لعدم خبرتها في القفز . سبحت بتأن حتى بلغت حافة البركة التي ينتصب فوقها جيلز.
قال مازحاً:
- دخلت الماء باسلوب مخجل رغم مهارتك في السباحة ، الم يعلمك احد كيفية الغطس في الماء ؟
- كلا.
- هل ادربك انا على الغطس؟
فأجاها عرضه ، فهزت برأسها موافقة بدون ان تمعن النظر في الموضوع . نهض على قدميه ، مد لها يده وسحبها من المياه:
- والآن قفي على الحافة تماماً والصقي قدميك معاً. ثم انحنى قليلاً وارخي جسمك .
ومضى يلقنها فن الغطس بتؤدة واتقان، وهي تعيد تكرار تعليماته الى ان اصبحت تمارس الغطس بعفوية . اعجبها هدوء اعصابه، وتمتعه برحابة صدر وهو يتحمل اخطاءها ويشجعها على الاستمرار والجلد. كانت تخاله رجلاً سريع الغضب ، حاد الطباع ، وها هي تلمس ميزة جديدة في شخصيته تجذبها اليه اكثر فاكثر. وكان على استعداد لمواظبة تلقينها لولا ان اقتربت منه عمته وامرته بالتوقف . قالت محتجة :*
- ان البنت تلهث كالحوت.
وتنبهت ايبا لتوها الى ضيق نفسها وهبوط صدرها وصعوده على نحو متواصل ، فحاولت التنفس ببطء ، وهي تصغي الى جيلز يؤنبها:
- كان عليك ايقافي من قبل .
وطوق كتفيها بذراعه ، فتجمدت كقطعة خشب ، تركها وشأنها وكان تودده لها تبخر فجأة . ادركت حماقتها وسوء تصرفها .همت بارتداء فستانها عندما لحق بها جيلز ، وقال :
- ارتدي هذا الروب ، كوني حريصة ايتها الثمرة الصغيرة ، والا تساقطت عن غصنك قبل دنو موسم القطاف .
اشتعلت وجنتاها غضبا ً، فلفت جسمها بالروب جيداً ، واندفعت الى الداخل ، تمهلت في تبديل ملابسها قبل ان تهبط الى غرفة الاستقبال ثانية ،لكن جيلز كان غادر المنزل ولم يرجع حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، رأته يرتدي بذلة رسمية جديدة ، ساورتها غيرة شديدة وهي تحسب انه عاد لتوه من تناول وجبة الغداء مع فيكي مرة ثانية. حدثها بريق عينيه انه قرأ ما يجول في ذهنها ، فاكتفى بابتسامة ساخرة ، خاطب عمته قائلاً :
-حجزت تذاكر السفر ليوم غد ، تقلع الطائرة في ساعة مبكرة ، السابعة والنصف صباحاً ، هذا يعني ان علينا مغادرة المنزل الخامسة والنصف .*
سألته ايبا:
- انه وقت مبكر جداً .
- علينا قطع مسافة طويلة للوصول الى المطار ، وننتظر هناك ساعة من الزمن قبل الاقلاع . اذا تأخرنا دقيقة واحدة نخسر التذاكر ويبتاعها اناس آخرون.
استفهمت:
- وماذا عن الملابس ؟
- احزمي فساتينك القطنية واحذيتك الخفيفة المريحة اننا متوجهون الى الجنوب حيث الحرارة مرتفعة جداً .
جلست ابيا تراقبه وهو يقلب بعض الاوراق ، لفتها شكل اصابعه الدقيقة الطويلة ، وتلك البشرة الضاربة الى السمرة ، مد يده يفك قبة قميصه ، فلاحظت حبيبات من العرق تنتشر فوق جبينه ووجنتيه، غامرها شعور قوي بالاقتراب منه ومسح عرقه براحتها، ارعبتها هذه الفكرة الطائشة ، فنهضت مضطربة الاعصاب ، واعلنت بصوت خفيض عن ذهابها الى المكتبة بحثاً عن كتاب .

Rehana 25-06-20 11:15 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
اختلت بنفسها في المكتبة ، لكن شبحه ظل يطاردها . هل هذا هو الحب الذي حدثتها عنه اختاها ؟ كم كان الغرام سهلاً بالنسبة اليهما ؟وماذا تستطيع ان تفعل بعد تورطها في مشكلة كهذه ؟ اليس من الافضل ان تنساه ، وتنتظر ابتسام حظها ثانية فتربط حياتها برجل يفهمها وتفهمه ، يحترمها وتحترمه؟
سمعت وقع اقدام تقترب من الباب ، هرعت لتناول اول كتاب وقع نظرها عليه . دخل جيلز فجأة :
- زال الخطر الآن . يمكنك الانضمام الى عمتي .
شمخت برأسها :
- لم اكن اهرب من اي خطر .
- حقاً! .
وقبل ان تتبين ما يبيته ، خطا نحوها وانتشل الكتاب من يدها . رمقه قليلاً ، رافعاً حاجبيه بدهشة وهو يقرا العنوان :
- معضلات الهند السياسية والاجتماعية والاقتصادية" . يا له من كتاب ظريف مريح للاعصاب . انه يصلح للقراءة في امسية حارة .
خطفت الكتاب منه واعادته الى الرف . سمعته يقهقه قائلاً:
- اهنئك على صدقك يا ايبا . حاولي اختيار كتاب آخر .
قالت بفظاظة :
- حسناً . نعم جئت الى المكتبة هرباً منك . ولكن لماذا ؟ لا اشعر بالراحة معك . انك تحرجني وتضغط على اعصابي .
احتج :
- انا لا اتعمد هذه الاشياء .
قررت مواجهته :
- انت تسخر مني دائماً ، وترهق اعصابي . كفى . كفى . انك فظ الفؤاد .
- فظ الفؤاد ؟ لم اتعمد ان اكون فظ الفؤاد منذ ان بدأت افهم مشاعرك . يبدو لي اني فشلت فشلاً ذريعاً.
سألته:
- ماذا تعني ؟*
صمت قليلاً ثم قال :
- لن اجيب على سؤالك . افضل الانتظار الى ان تجدي الجواب بنفسك .
وبينما هي منهكمة في فك لغز كلماته خرج بادي الاستياء .وهكذا غاب جيلز عن المنزل حتى صباح اليوم التالي . رأته في الساعة الخامسة والنصف يشرف على حمل الحقائب الى السيارة . فاحست ابيا بالجو الخانق . اكتفى جيلز بالقول :
- ان عمتي في السيارة .
مضت ابيا وصعدت بجانبها. جلس جيلز في المقعد الامامي قرب السائق ، وانطلقت بهم السيارة .
كانت الشوارع مقفرة في تلك الساعة المبكرة . مع ذلك استغرقت الطريق وقتاً طويلاً قبل الوصول الى المطار . كان يزدحم بالناس ازدحاماً لا يوصف . واخيراً وصلوا الى منصة الخطوط الجوية الهندية ،وشرع جيلز بانهاء الاجراءات الرسمية , وهو رابط الجاش وسط تلك الفوضى المرهقة , وكأنه يريد اثبات انتمائه البريطاني.
صعدوا الى الطائرة في الساعة السابعة والنصف تماماً . وبعد اقل من ستين دقيقة حطت الطائرة وسط بقعة صحراوية تقوم على طرفها بناية ذات طابق واحد .
وها هم يجتازون بعد لحظات طريقاً ترابياً تحيط به شجيرات كثيفة .
طافت ابيا بنظرها بحثا عن قرية ارنجباد ، فما رأت سوى فندقين حديثين ينتصبان وسط تلك الارض القاحلة . مرت السيارة امام الفندق الاول ثم انعطفت في اتجاه الفندق الثاني . ترجلوا وهم يتلقون التحية من حارس مسلح.

Rehana 25-06-20 11:17 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
تساءلت ابيا :
- اين القرية ؟
اجابت العجوز :
- انها على بعد عدة اميال من هنا . عندما زرت المكان آخر مرة لم المح اي فندق ، وهكذا نزلنا في اكواخ بدائية .
عقب جيلز :
- اما الآن فتبدل كل شيء ودخلنا العصر الحديث حيث ينعم السياح بالماء المثلج في غرف الطعام ، والمناشف النظيفة في الحمامات .
قالت ابيا محتجة على سخريته :
- لا غنى عن وسائل الراحة .
كان الفندق يقع في بقعة ملائمة جداً . ويضم في داخله اثاثاً مريحاً وموظفين دائمي البشاشة . وبعد ان تناولوا طعام الفطور ، توجهوا للتنزه في السيارة عبر قرية ارنجباد بسوقها الطريف الذي تهيم فيه البقرات تقتات على النفايات للبقاء على قيد الحياة .
عادوا للفندق وقت الغداء ، ثم انطلقت بهم السيارة عبر حقول القطن والهضاب المتماوجة الى ان بلغوا الاراضي الصخرية الكالحة في ايلورا.
كانت العجوز السيدة بيتمان ممتلئة حيوية ونشاطاً وهي تتنقل من مكان الى آخر . اما ابيا فهدها الارهاق بعد ان شاهدت بعض التماثيل والاعمدة ، فقعدت ارضاً ورفعت وجهها نحو الشمس .
- الا تبهرك هذه الآثار القديمة ؟
فتحت عينيها وهي تسمع جيلز ، ورأته يرمقها بغبطة خفية . كان يضع يديه في جيبي بنطاله ، وينفتح قميصه الرياضي عند العنق ، وبدا شعره تحت اشعة الشمس اشد لمعاناً مما اضفى عليه مظهراً جذابا ًومقلقاً . قالت ابيا :
- لا يوجد فرق كبير بين أثر وآخر بالنسبة لي . احب التمعن في الصور الزيتية لساعات وساعات ، لكن هذه الصخور والتماثيل لا تعني لي شيئاً . وهذا يجعلني سخيفة في رأيك كما افترض .
- كنت اعتبرتك اشد سخافة لو تظاهرت بعكس ذلك . اصبحت معتاداً على استقامة رأيك وصدقك الآن .
- وحتى الى درجة الوقاحة ؟
ابتسم ابتسامة عريضة :
- لن اعترض على وقاحتك في يوم دافئ جميل كهذا اليوم .
فكرت قليلاً وكأنها تحاول التنبؤ بالمستقبل ، ثم نهضت على قدميها وسارت لتطوف حول مكان جديد .استفاض في الحديث عن تاريخ الآثار ، والجهد الذي بذله الصناع والحرفيون لحفر تلك التماثيل في قلب الصخور الشاهقة . وجدت نفسها تزداد شغفاً بمعرفته الواسعة ، واسلوبه المتقن في الشرح وابداء الرأي . رأتها فرصة سانحة لها للتعرف اليه اكثر ، وسبر اغوار شخصيته .وتبادرت الى ذهنها اسئلة حول طفولته وتدرجه في الحياة . هل كان دائماً عميق التفكير ، دقيق العبارة ، يحسب حساب كل شيء ؟ قال فجأة :
- ماذا قررت؟
- حول ماذا ؟
- حولي انا . لاحظت انك تحاولين سبر اغواري .
افتر ثغرها :
- كنت اتصورك وانت ولد صغير ، وهل كنت دائماً رابط الجأش ؟
- اهكذا تنظرين الي ؟ كنت ولداً ذكياً وخجولاً وعنيداً . كنت متعلقاً بوالدي كثيراً كرجل رائع ومهندس وشاعر ، واردت ان اكون مثله .
- هل كتبت الشعر ايضاً ؟

Rehana 25-06-20 11:19 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
تمعن في وجهها :*
- ما زلت اكتب القصائد . وسأتلو عليك بعضها في المستقبل .
- في المستقبل ؟
- سأقرأها لك عندما يحين الوقت وتكونين مستعدة للاصغاء.
استاءت من تلميحه الى عدم نضجها . والنظر اليها كمجرد سكرتيرة ومرافقة لعمته ، فتاة ساذجة اساء فهمها عندما التقى بها ويحاول الآن تهدئة روعها فيجعلها تشعر انها مراهقة شبه عادية . ما احمقها عندما اعتبرت مجيئه الى ارنجياد دليل استمتاعه بصحبتها ! اتى لأنه يريد الهرب من بومباي ، والابتعاد عن فيكي لوتن . اطمانت قليلاً الى هذه الفكرة ، فهو على الاقل يبذل جهده لمقاومة اغراء زوجة رجل آخر . قطع حبل افكارها :
- هل تشربين بعض العصير ؟
- هنا ؟ من اين لك العصير؟
فتح حقيبة صغيرة ، واخرج منها ترمساً مليئاً بعصير الفاكهة .صب لها الشراب في كوب صغير ، فقالت تبدي اعجابها:
- هل انت دائماً على اهبة الاستعداد تحسباً لأي طارئ ؟
- انا سائح متمرس .
- انك تفيض ثقة بالنفس !
علق :
- يلوح لي ان هذا الامر يقلقك .
قالت بلهجة جادة:
- ربما . من الصعب كسب رضا الذين يطمحون الى الكمال .
- يسرني ان امثل الرجل الكامل في نظرك !
هالها ان يكون فطن الى وقوعها في حبه . فقالت مرتبكة :*
- اين السيدة بيتمان ؟*
- تلتقط الصور لأحد الآثار . لن يصيبها مكروه طالما ان السائق معها.
- انت تقلق عليها كثيراً ؟
- نعم فهي امرأة عجوز تتدفق حيوية غريبة . الحمد لله انك كنت معها عندما توعكت صحتها .
تلقت ابيا قوله بغبطة فائقة :
- اذن انت لم تعد تخشى مؤامراتي لاستغلالها؟
تجهم وجهه :
- لا تذكريني بكل ما قلت لك . ما اغباني !
ابتسمت وجرعت بعض العصير . ارتسم في محياه لغز عميق فتاقت الى اختراق سره الدفين . قالت :
- والآن حان دوري للتكهن بما يجول في ذهنك .
اقر معلناً :
- كنت احاول رؤية نفسي وفق وجهة نظرك . ولم يعجبني ما رأيت .
احتجت :
- انت لا تعرف حقيقة مشاعري .
- ساحاول ، قلت اني مغرور واتوقع من الآخرين الكمال الذي اتصف به ، مما يعني اني متعجرف ، معتد بنفسي ، ولا اتعاطف مع غيري .
- كلا . كلا . انك تظلم نفسك كثيراً . ليس هذا رأيي اطلاقاً .
- اذن كيف تنظرين الي ؟
قالت مراوغة :
- ربما اخبرتك في المستقبل . لا تجيد وحدك هذه اللعبة يا جيلز !
اصيب بالدهشة لحظة ثم ضحك :
- قد تكون قامتك قصيرة جداً يا آنسة وست ، لكن لسانك يعوض عن كل شيء .
وشدها من يدها على نحو مباغت . وظل ممسكاً بها عندما هبطت عمته عليهما وهي تمسح عرقها المتصبب بمنديل كبير . هرع ابن اخيها يقدم لها كوباً من عصير الفاكهة .

Rehana 25-06-20 11:21 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
تمعن في وجهها :*
- ما زلت اكتب القصائد . وسأتلو عليك بعضها في المستقبل .
- في المستقبل ؟
- سأقرأها لك عندما يحين الوقت وتكونين مستعدة للاصغاء.
استاءت من تلميحه الى عدم نضجها . والنظر اليها كمجرد سكرتيرة ومرافقة لعمته ، فتاة ساذجة اساء فهمها عندما التقى بها ويحاول الآن تهدئة روعها فيجعلها تشعر انها مراهقة شبه عادية . ما احمقها عندما اعتبرت مجيئه الى ارنجياد دليل استمتاعه بصحبتها ! اتى لأنه يريد الهرب من بومباي ، والابتعاد عن فيكي لوتن . اطمانت قليلاً الى هذه الفكرة ، فهو على الاقل يبذل جهده لمقاومة اغراء زوجة رجل آخر . قطع حبل افكارها :
- هل تشربين بعض العصير ؟
- هنا ؟ من اين لك العصير؟
فتح حقيبة صغيرة ، واخرج منها ترمساً مليئاً بعصير الفاكهة .صب لها الشراب في كوب صغير ، فقالت تبدي اعجابها:
- هل انت دائماً على اهبة الاستعداد تحسباً لأي طارئ ؟
- انا سائح متمرس .
- انك تفيض ثقة بالنفس !
علق :
- يلوح لي ان هذا الامر يقلقك .
قالت بلهجة جادة:
- ربما . من الصعب كسب رضا الذين يطمحون الى الكمال .
- يسرني ان امثل الرجل الكامل في نظرك !
هالها ان يكون فطن الى وقوعها في حبه . فقالت مرتبكة :*
- اين السيدة بيتمان ؟*
- تلتقط الصور لأحد الآثار . لن يصيبها مكروه طالما ان السائق معها.
- انت تقلق عليها كثيراً ؟
- نعم فهي امرأة عجوز تتدفق حيوية غريبة . الحمد لله انك كنت معها عندما توعكت صحتها .
تلقت ابيا قوله بغبطة فائقة :
- اذن انت لم تعد تخشى مؤامراتي لاستغلالها؟
تجهم وجهه :
- لا تذكريني بكل ما قلت لك . ما اغباني !
ابتسمت وجرعت بعض العصير . ارتسم في محياه لغز عميق فتاقت الى اختراق سره الدفين . قالت :
- والآن حان دوري للتكهن بما يجول في ذهنك .
اقر معلناً :
- كنت احاول رؤية نفسي وفق وجهة نظرك . ولم يعجبني ما رأيت .
احتجت :
- انت لا تعرف حقيقة مشاعري .
- ساحاول ، قلت اني مغرور واتوقع من الآخرين الكمال الذي اتصف به ، مما يعني اني متعجرف ، معتد بنفسي ، ولا اتعاطف مع غيري .
- كلا . كلا . انك تظلم نفسك كثيراً . ليس هذا رأيي اطلاقاً .
- اذن كيف تنظرين الي ؟
قالت مراوغة :
- ربما اخبرتك في المستقبل . لا تجيد وحدك هذه اللعبة يا جيلز !
اصيب بالدهشة لحظة ثم ضحك :
- قد تكون قامتك قصيرة جداً يا آنسة وست ، لكن لسانك يعوض عن كل شيء .ريحانة
وشدها من يدها على نحو مباغت . وظل ممسكاً بها عندما هبطت عمته عليهما وهي تمسح عرقها المتصبب بمنديل كبير . هرع ابن اخيها يقدم لها كوباً من عصير الفاكهة .

Rehana 25-06-20 11:22 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
القى جيلز شوكته بعنف فوق الصحن :
- هل هذا سؤال ان اتهام سبق لي ان حذرتك من مغبة اصدار احكامك عليّ!
- لم اكن اصدر اي حكم .
- حقاً؟
- كل ما في الأمر ...
- اعرف ما الذي تودين قوله . هل نسيت ان خطيبتي السابقة كانت برفقة زوجها ؟ ام فاتتك ملاحظة هذه التفاصيل الصغيرة ؟
ارتعشت شفتا ابيا, صدمتها حدة طبعه , رغم معرفتها انها تتحمل جزءاً من المسؤولية . كانت عيناه تشتعلان غضباً وهو يدفع كرسيه الى الوراء وينتصب واقفاً , لحقت به قائلة :
- سأمضي الى غرفتي , يمكنك الانتظار هنا واستقبال اصدقائك وحدك.
جذبها نحوه بعنف:
- اياك ان تبرحي مكانك.
ادركت عقم المقاومة , فجلست معه على مقعد في ركن القاعة . خاطبها بهدوء:
- لا افهم تصرفك الأرعن هذا , لماذا لا تفصحين عن حقيقة نواياك ؟
- وماهي هذه المقاييس ؟ الم يسبق لك ان وقعت في حب رجل غير مناسب لك ام انك من تلك الفصيلة التي لا ترتكب خطأ في حياتها ؟
ردت :
- هل تعي ما تقول ؟ لم اقع في حب احد بعد. واذا كان الحب كما تتصوره انت , فلا اريد هذا الشرف.
- ثابري على التصرف هكذا, ولن تنالي شرف الحب ابداً.
ارتجف فمها , فحاولت اخفاء ارتباكها , استطرد :
- لست برئية وساذجة فحسب , بل جامدة وضيقة الافق ايضاً. لا اظن انك ثمرة ستنضج ابداً. واخال انك ذبلت على الغصن وانتهى الأمر.
استشاطت غيظاً:
- كفى , انا ذاهبة الى غرفتي . واياك ان تمنعني .
وما ان وصلت الى غرفتها حتى ارتمت فوق سريرها وغرقت في البكاء الحار. ظلت تنوح الى جفت دموعها . نهضت وغسلت وجهها بالماء البارد , ثم جلست قرب النافذة تحدق في الظلام الداكن , وتضج في صدرها آلاف الاسئلة المؤلمة .
ماذا تفعل غداً صباحاً هل تعود الى بومباي وتقفل عائدة الى بلدها ؟ انها مجرد فتاة عادية لا تتمتع الا بمسحة من الجمال . وقليل من الجاذبية . كيف تنافس امرأة مثل فيكي ؟ امرأة خبيثة , جميلة ومثيرة .
ما الذي اتى بفكي الى ارنجياد ؟ هل تعمدت لقاء جيلز ومبعرفة مسبقة من زوجها ؟ هل اراد التأكد من حبها له , فتركها زوجها في بومباي ومضى بحثا عن طيوره , وليدع لها فرصة اتخاذ قرار نهائي بعد رؤيتها جيلز ؟
هذه اسئلة لا تجيب عليها سوى فيكي , فكرت ابيا , وجيلز ايضاً.
تكومت في فراشها مهيضة الجناح كئيبة , لوم تستسلم الى ملاك النوم حتى ساعة متأخر من الليل.
كادت ان ترفض الذهاب لزيارة اجتتا صباح اليوم التالي , لولا مراعاتها لمشاعر العجوز السيدة بيتمان . ولذلك لم تتظاهر ابيا بالمرض . كانت تعاني من صداع رهيب , فعالجته بتناول بعض الحبوب وقليل من الشاي .منتديات ليلاس

Rehana 25-06-20 11:23 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
اطلت على جيلز برزانة بالغة, نظر اليها لحظة ثم تابع تناول الافطار مع عمته . بدا جيلز مرهقاً تعلو وجهه مسحة من الكآبة , لوم تجد تفسراً لمنظره المحزن , هل ما زال يتوق حناناً الى خطيبته السابقة , ام ان ضميره يؤنبه ؟
ليفعل جيلز فارو ما يحلو له , خاطبت نفسها . اما آن له ادراك مدى حماقته وهو يلهث راكضاً وراء فيكي لوتن , هذه المرأة اللعوب ؟
اما العجوز فكانت مرحة كعادتها, لا يقلقها شيء في الحياة , او هكذا بدت وهي تسير بملابسها وقبعتها الةاسعة وكأنها اقرب الى المظلة . احست ابيا بضآلة حجمها وهي تمشي قربها , وازدادت ضآلة عندما انضم اليهما جيلز بقامته الفارغة . صعدوا الى السيارة , وظل هذا الرجل المتجهم غارقاً في الصمت . كان يجلس كالمعتاد بجانب السائق ويسمر نظره امامه . قالت العجوز السيدة بيتمان :
- امامنا رحلة طويلة , ستون ميلاً من الازعاج .
وكم كانت العجوز صادقة بعد ان اخذت السيارة تنهب بهم الأرض نهباً , وتتمايل يميناً ويساراً فوق طرق شبه معبدة , تتخللها الحفر , وتسدها في بعض الاحيان الكسرة .
واخيراً وصلوا الى اجنتا بعد ساعتين . كانت اجنتا وادياً صغيراً حفرت فيه عشرات الكهوف التي اكتشفها صدفة واثناء رحلة صيد ضابط بريطانيون العام 1819 . وكان في طليعة هؤلاء الضباط الكابتن جون سميث الذي عثر على سلسلة كاملة من الكهوف عمرها اكثر من الفي سنة .
وما ان بدأوا بالتجول في تلك الهياكل المحفورة داخل الجبل , حتى لمست ابيا مدى اطلاع جيلز . ومعرفته الواسعة مما اكد لها مجيئه الى هنا اكثر من مرة .
وسرعان ما احست بالتعب وهي تنقل بين اثر وآخر . لكن المكان غص بالناس والسياح حتى لمست ابيا مدى اطلاع جيلز . ومعرفته الواسعة مما اكد لها مجيئه الى هنا اكثر من مرة .
وسرعان ما احست بالتعب وهي تنتقل بين اثر وآخر . لكن المكان غص بالناس والسياح حتى اضطرت ابيا الانتظار مدة طويلة قبل ان تتمكن من الدخول الى مكان تود مشاهدته . وما ان اطلت الظهيرة حتى رفعت العجوز يديها استسلاماً, واعلنت عن رغبتها في نيل قسط من الراحة , ثم قالت :
- اما انتما الاثنان فتابعا التمتع بهذه الآثار . سأجلس في الظل وانتظركما .ريحانة
عقب جيلز وهو يجلس على حافة جدار قرب درجات السلم الصخري :
- نحتاج جميعاً الى قسط من الراحة .
جلست ابيا قربه على الجدار , محافظة على مسافة معقولة تفصلها عنه . اخذت تمعن النظر في كهف امامها , سد مدخله باب خشبي يتم قفله في الليل لردع العابثين من تحطيم الرسوم والتماثيل . وحفرت حول البا كوى صخرية لا تكاد تتسع لجسم رجل صغير.
اشاحت ابيا وجهها صوب درب لولبي يعج بالناس الفضوليين . ولمحت بين تلك الجموع المتدافعة رأس امرأة عرفته لتوها . انها فيكي لوتن . واحست بجيليز يطلق زفرة عميقة , فادركت انه رآها هو الآخر . قال يخبر عمته :
- فيكي وزوجها هنا . وصلت الى ارنجياد ليلة امس.
ردت العجوز محتدة :
- لا يفاجئني الى هنا . فهي قطعت قبل ذلك آلاف ميل لتراك . فما اهمية رحلة قصيرة من بومباي بالنسبة اليها ؟
قال بجفاف :
- افهم الآن سبب انحياز ابيا ضدي.
اغتبطت العجوز قائلة :
- يا لك من فتاة مدهشة . هل حاولت اصلاح منطقه الأعوج ايضاً.
توردت وجنتا ابيا , وكانت فيكي تهتف صاخبة :
- ها نحن نلتقي ثانية !
وهبطت الدرجات الصخرية متبرجة بفستانها الحريري وحذائها الواطئ . بدت في كامل حيويتها رغم الحرارة المرتفعة . لكن زوجها كان منتفخ الأوداج يلهث وراءها مرهقاً.

Rehana 25-06-20 11:26 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
تظاهرت ابيا بالنظر الى الوادي وتفحص معالمه. ظل صوت فيكي يرن في اذنيها فيهزها هزأ , واخيراً قال جيلز :
- هيا بنا ابيا .
وقفت وهي تراقب يد فيكي ملتفة حول ذراع جيلز . قالت فيكي :
- اظن ان الآنسة ابيا وست تفضل مرافقة عمتي بيتمان . وكذلك زوجي العزيز طوني , اما انا فسأستفيد من معرفة جيلز الواسعة بهذه الآثار.
وهكذا خلقت زوجها وراءها , واختفت مع جيلز بين زحام الناس.
طافت ابيا مع طوني لوتن والعجوز من كهف الى آخر . وفجأة وجدت نفسها وحيدة داخل حرم مهيب يتوسطه تمثال . كان المكان شبه مظلم , فاقتربت من التمثال واخذت تتأمل في دقة نحته . تراءى لها شبحان في الزاوية الداكنة . وما لبثت ان تبينت شكل جيلز , وخالته يعانق فيكي عناقاً حاراً. اغمضت عينيها, وهرعت الى الخارج .
رأتها السيدة بيتمان فسألتها بلهفة عن جيلز . اعلنت ابيا جهلها بمكان وجوده , وادارت ظهرها لاخفاء ارتباكها . وماهي سوى لحظات حتى اطل جيلز مكفهر الوجه هاتفاً :
- اين كنت يا عمتي ؟ بحثت عنك في كل مكان ؟
- اين انت يا عمري ؟ وماذا جرى لفيكي ؟
- ها هي قادمة صوبنا .
طأطأ طوني لوتن رأسه , وكأن حدسه حدثه بما كان يخشى عقباه . وصلت فيكي واعلنت لتوها :
- لماذا لا نعود الى الفندق الآن ؟ ويمكنكن ان تأتوا في سيارتنا جميعكم , لا حاجة الى سيارة ثانية . منتديات ليلاس
تمنت ابيا لو تنشق الأرض وتبتلعها . كيف ستقضي ساعتين داخل السيارة قرب فيكي , وتشهد حركاتها الرعناء, وتصغي الى كلماتها النابية ؟ لا , لن تذهب معهم . فكرت في اختلاق عذر للتخلف عن العودة الى الفندق , قالت :
- اذهبوا بدوني , ثمة اشياء كثيرة ارغب في مشاهدتها والتمعن فيها . سأطلب من احد نزلاء الفندق ان يقلني معه عند المساء.
انتحى بها جيلز جانباً:
- ما دهاك يا ابيا ؟ لماذا ترفضين مرافقتنا الآن ؟
- انا لا ارفض شيئاً, اريد اشباع فضولي والتعرف اكثر على هذه الآثار وتاريخها .
لوح بيده :
- أف لك. انت دائماً تسيئين فهمي , لن اغفر لك هذه الهفوة .
قالت بأسى :
- ستكتشف بعد فوات الأوان من يرتكب الهفوات المميتة .
تركها وشأنها وانضم الى المجموعة , ودعت ابيا السيدة بيتمان وتوجهت نحو كهف قريب. كانت تضيء من داخله اضواء خافتة , ثم لم يلبث ان اضحى شبه مظلم . اخذت تنقل النظر بين الرسوم والتماثيل , وتبدي اعجابها بهذا الفن الرائع . يا له من نحت جميل ! تأوهت تبدي اعجابها , وتكبت لواعجها .
قضت وقتاً طويلاً داخل الكهف الى ان شعرت ببعض الاعياء . لمحت ملتفة بسترتها القطنية . هاجمها النعاس , فلم تعد تدري اهي في حلم ام يقظة . مرت في خيالها اشباح غابرة , وراحت تهذي كلمات وعبارات تبادلتها مع امها وصاحب المكتبة وجيلز وسائق السيارة .
وفجأة ارتطم ظهرها بنتوء صخري وراءها , ففتحت عينيها مذعورة . كان الظلام يلف المكان بعباءة سوداء قاتمة . استطاعت تبين عقارب ساعتها , فكانت تشير الى التاسعة ليلاً.

Rehana 25-06-20 11:26 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
قفزت الى الأرض , وحاولت الاتجاه نحو الباب الرئيسي , تعثرت قدمها , فارتطمت بتمثال صغير. اتكأت عليه تفكر في مخرج من ورطتها . وصاحت بأعلى صوتها , فتجاوب صداه في اركان الكهف وارتد الى اذنيها .
يا للظلام المدلهم! كيف ستشق طريقها وتتبين معالمه؟ اين الباب ؟ كيف دخلت وظلت كل هذه المدة بدون ان يراها احد ؟ واين مضى العمال والفنانون الذي راقبتهم يرسمون بعض الرسوم ؟ بدا المكان مقفراً , يخيم عليه صمت القبور .
اخذت تزحف بصعوبة , ثم تبينت دهليزاً ضيقاً عبره . مرت دقائق معدودة خالتها دهراً مديداً . وهي لا تدري ما اذا كانت تتقدم الى الأمام ام تتجه نحو عمق الكهف وزواياه الغائرة .
واخيراً وصلت امام الباب الخشبي . مرت بيدها فوقه , باحثة عن القفل في وسطه , والآن اين المفتاح؟ كان الباب موصداً باحكام.
تراجعت الى الوراء , وراحت تتسلق بعض الدرجات حيث تراءت لها كوة مفتوحة في اعلى الجدار. زحفت ببطء شديد , ثم تدحرجت الى الأرض ثانية . توجهت نحو الباب ثانية . قبضت على مزلاجة وسحبته , فانفتح الباب اخيراً.
وقفت في الخارج والظلمة تلفها بوشاحها . كان عليها هبوط عدد من السلالم لتبلغ المدخل الرئيسي . وادركت ان هذه المهمة تستغرق ساعة من الزمن . تنفست بقوة لتتنشق بعض الهواء المنعش . ثم خطت خطوتها الأولى . ما هي الا لحظات . حتى كانت ركبتاها تصطكان ذعراص وهي تحت الخطى مسرعة . زلت قدمها , فالتوى كاحلها , وشعرت بزخز ألم حاد وكأنه مئات الأشواك. منتديات ليلاس
تابعت امسير مترنحة , وهي تتمايل ذات اليمين وذات اليسار. ارتسمت صورة جيلز امامها . اين هو الآن ؟ ماذا كان يفعل لو وجد نفسه في مأزق كهذا ؟ يا ليتها اصغت اليه وعادت معهم الى الفندق!
ظلت صورة جيلز تلازمها كالشبح . وقفت قليلاً زائغة البصر , مرهقة الاعصاب وجسمها به ألم شديد , صاحت بأعلى صوتها : جيلز ! جيلز !
ردد الوادي صدى الصوت , واستمرت في الصياح . وفجأة سمعت صوتاً بعيداً يناديها :
- ابيا . ابيا اين أنت ؟
وادركت لتوها انه صوت جيلز , بقيت في مكانها مستلقية على الصخور لا تستطيع حراكاً . وماهي الا لحظات حتى كان جيلز ينحني فوقها مؤنباً:
- يا لك من فتاة حمقاء! ماذا تفعلين هنا ؟ وفي هذه الساعة المتأخرة؟
اجهشت بالبكاء ورفعت ذراعيها نحوه . حملها برشاقة ومضى بها الى السيارة . كانت لا تزال العبارات تخنقها فلا تقوى على الكلام . التصقت به كطفلة صغيرة وجلة, والقت رأسها فوق صدره تستمد منه بعض الثقة والطمأنينة . وتمكنت من الاشارة الى الآلام المبرحة التي تكوي اعضاء جسمها قبل ان تتوقف السيارة امام الفندق بقليل.
حملها جيلز ثانية بين ذراعيه وهرع بها الى غرفته , ثم رفع سماعة الهاتف لستدعي الطبيب.
تحلقت حولها المجموعة المألوفة بكاملها , العجوز , وفيكي , وزوجها طوني . وراحت الاسئلة تنهال عليها , وهي تعاتي صداعاً رهيباً , ويزداد الوجع المؤلم في قدمها . وكان جيلز بجانبها على السرير , وهو يمسك بيدها يحاول تهدئة روعها .
قالت فيكي :
- يا للمصيبة ! انها فتاة مجنونة لا اجد تفسيراً لتصرفها .
اقتربت منها العجوز مستاءة :
- الحمد لله يا عزيزتي . انك لا تزالين على قيد الحياة , وهذا اهم شيء الآن .

Rehana 25-06-20 11:28 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
تابعت فيكي ساخرة :
- نعم لا تزال على قيد الحياة , مجرد مسرحية , تريد لفت الانظار اليها .
تجهم وجه جيلز :
- ما هذا الهراء يا فيكي ؟ ان ابيا فتاة ناضجة وامامها مستقبل زاهر . ظلت سبيلها وسقطت فوق تلك الصخور اللعينة . قالت ابيا بشق النفس:
- سامحك الله يا فيكي , لم اكن اعرف اني اجيد تمثيل مأساة كهذه ...
قاطعها جيلز :
- اطمئني يا عزيزتي . كل شيء على ما يرام . وآن الأوان لاعلان خطوبتنا . لا حاجة الى الاسرار بعد الآن .
هتفت ابيا :
- ماذا ؟ خطوبتنا ؟
انفرجت اساريره :
- هذا ما حاولت ان اقوله لك منذ عدة ايام, ولم تصغي الي ايتها الفتاة الحمقاء.
علقت العجوز بيتمان :
- هذا ما كنت اتوقعه . انتما مثال الانسجام التام .
قالت فيكي بازدراء :
- يمكنك تأليف الروايات الغرامية منذ الآن فصاعداً عوض الروايات البوليسية (واستدارت نحو جيلز ) لا اصدق اية كلمة تقولها . انت لفقت القصة كلها .
هز جيلز كتفيه :
- كيف الفق قصة كهذه ؟
- لأنك لم تقل شيئاً عنها امامي.
احتضن ابي بحنان :
- انت آخر من اخبره قصة كهذه . والتمس المعذرة الآن . اريد اخذ ابيا الى غرفتها .
عندما اصبحا داخل المصعد , استطاعت ابيا الافصاح عن رأيها :
- اعرف انك كنت مستاء من فيكي نتيجة تطاولها علي . ولكن جوابك لها اذهلني . وظهرت امام الجميع اكثر حماقة .

نهاية الفصل

Rehana 26-06-20 07:32 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 

11- كيف تستمر في لعب دورها المقيت وتتظاهر بأنها خطيبة جيلز ؟ يبدو ان حياتها تزداد تعقيداً ولا تعرف كيف تنقذ نفسها من هذا المأزق ...




لم تلبث ابيا ان غرقت في نوم عميق بعد ان اشار عليها الطبيب بتناول عقار مسكن . ونهضت صباح اليوم التالي يلف كاحلها ضماد ابيض ، غير ان الألم تضاءل كثيراً . وهكذا بدأت تفكر مجدداً في الدوافع الخفية التي حملت جيلز على اعلان خطوبتهما .
تبادر الى ذهنها خوفه من وقوعه في شراك فيكي مرة ثانية . واذا كان هذا هو الدافع الحقيقي ، فهي حتماً ارادت منه مقاومة اغراء خطيبته السابقة ، ولكنها لم تتصور نفسها مجرد اداة يستخدمها جيلز لحماية نفسه .
سمعت قرعاً خفيفاً على الباب . ثم دخل جيلز شاحب الوجه ، لكنه احتفظ بكامل اناقته . قال وهو يقترب من السرير :
- يبدو عليك التحسن . عندما تتناولين طعام الافطار ، سأمضي بك الى المستشفي لتصوير كاحلك بالأشعة .
اجابت :
- لا ضرورة لذلك . لم اكسر اي عظم من عظامي .
- ربما كان هناك كسر طفيف لا تشعرين به . وتهمنا سلامتك كثيراً .
- تقصد سلامة كاحلي ؟
- كلا . سلامتك عامة . هل يشغل بالك ما قلته امام فيكي ؟
- انت الذي بادرت الى طرح الموضوع ! لا يمكننا الاستمرار في هذه الخطوبة يا جيلز . من الأفضل لك اطلاع فيكي على الحقيقة ، وان المسألة مجرد نكتة عابرة .
- وما يجعلك تفترضين انها نكتة او اضحوكة ؟
تجاهلت بيا سؤاله :
- قل لها الحقيقة ، واوضح لها كيف انك لا تستطيع مواجهتها الا اذا تسترت وراء ظهر امرأة اخرى . ولا تتعب نفسك في انكار الواقع لاني رأيتكما معا امس في احدى المغاور . واحمد الله ان زوجها لم يشاهدك هناك .
قال بهدوء :
- اذن كحلت عينيك بذلك المنظر . أهذا هو سر غضبك ؟
- ان اعلانك خطوبتنا هو الذي اغضبني اكثر من عناقك لها. انك تحاول استخدامي كغطاء ليس اكثر .
ارتعش صوتها ، فطأطأت رأسها بأسي . مشي جيلز ببطء ووقف قرب النافذة . كان وجهه يفيض جمالاً رغم امتقاع لونه . غير انها لاحظت مدى اضطرابه وحيرته ، فهدأ روعها قليلاً . سألها بعد صمت طويل :
- هل جرحت مشاعرك الى هذا الحد ؟ هل تجدين الخطوبة امراً بغيضاً؟ .

Rehana 26-06-20 07:34 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
- ابغض ان اكون مجرد اداة .
- ولكن لا تبغضين ان تكوني خطيبتي اليس كذلك ؟
ترددت في كشف خفايا مشاعرها ، قالت بفتور :
- اكره التظاهر بالكذب .
عاد يقف قرب السرير ، و قال محتداً :
- اذن تريدين فسخ الخطوبة ، وتدمير حياتي ؟
قطبت حاجبيها :
- لا تقلق . ستدبر امرك . انت رجل ماهر .
- لست ماهراً كثيراً وفي الواقع اعتقد اني رجل احمق .
قالت مشاكسة :
- اتمني لو تتركني وشأني الآن .
- لا ترتبكي . انك جميلة جداً هذا الصباح ، وبدون اي مساحيق.
أجابت :
- لا تتوهم ان الكلمات المعسولة ستجعلني طوع بنانك .
- لم يخطر في بالي شيء كهذا .
حدجته متمعنة في قسمات وجهه . بدا لها في منتهي الجدية ، وتمنت من اعماف قلبها لو ان خطوبتهما حقيقية ، وبعد ان يقع جيلز في غرامها . ولكن ما هذه الحماقة ؟ ان جيلز رجل عملي ، وربما اعتبرها مجرد فتاة ساذجة .
قالت باستياء :
- اعتقد انك تعتبرني فتاة صغيرة السن لم تنضج بعد . ولهذا السبب تستخدمني تحقيقاً لمآربك عندما يحلو لك .
- هذا رأي لا اوافق عليه .
طاف بنظره فوق ذراعيها وعنقها ، فرفعت اللحاف تستر نفسها .
ثم اعلنت :
- انت تفهم تماماً معني كلامي ، لا تحاول التلاعب بالالفاظ .
اجاب :
- و لكنك تسيئين فهمي . لماذا تحطين من قدر نفسك باستمرار ؟ اوافق على كونك يافعة وبريئة ، ولكنك تتمتعين بجمال هادئ يزداد بروزاً مع مرور الأيام .
فقدت السيطرة على اعصابها :
- اذا لم تكف عن هذه الخزعبلات يا جيلز ، فسأتوجه هذه اللحظة الى غرفة حبيبة قلبك وأخبرها ان الخطوبة اكذوبة كبيرة .
انحنى فوق السرير قليلاً :
- اذن لم يكن في نيتك اطلاعها على الحقيقة . تعززت ثقتي بك .استمري في لعب الدور بعض الوقت . انها مسألة حيوية .
تنهدت بيا بلوعة وهو يذكرها بضرورة ذهابها معه الى المستشفى قبل ان يغادر الغرفة .
استغرقت زيارة المركز الطبي المحلي فترة قصيرة من الزمن . ولم تظهر صورة الأشعة وجود اي عظام مكسورة . لكن الممرضة نصحتها بالراحة لمدة اسبوع . وعندئذ قرر جيلز ان يعودوا الى بومباي فتبقى في منزله الى ان تتعافي تماماً ، كما اخبرها وهو يحجز تذاكر الطائرة بقدرة عجيبة تدل على مدي نفوذه واتساع شبكة علاقاته .
كانت ابيا تعبر بهو الفندق بمساعدة احدى الخادمات ، فوجدت نفسها وجهاً لوجه امام فيكي لوتن . علقت فيكي :
- كانت خطوبتك مفاجأة تامة . كيف كتمت هذا السر عن الجميع ؟
- نزلت عند رغبة جيلز ، فأخفيت الأمر عن الجميع .
- يا للغرابة ، ان الناس عادة يفخرون بأشياء كهذه ويذيعون الخبر بسرعة . واعرف ان معظم الفتيات يضحين بكل شيء من اجل جيلز واذا خطبت احداهن من رجلاً كهذا لكانت نشرت النبأ في كل مكان .
- انا لست كمعظم الفتيات يا سيدة لوتن . وربما لهذا السبب يحبني جيلز .

Rehana 26-06-20 07:41 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
امتقع لون فيكي ، وهتفت :
- لا اظن انه يحبك . ان ضميره يؤنبه لاعتقاده انه يسبب انهاء حياتي الزوجية . ولكن ما ان يدرك عزمي على ترك زوجي في مطلق الأحوال ، حتى يكف عن مقاومتي . يحب واحدنا الآخر ، ولنا الحق في التمتع بالسعادة .
- اين كان حبك عندما طلب منك الزواج من قبل ؟
غمرت وجه فيكي موجة من الأسى والحسرة :
- لم تعجبني فكرة التنقل من قرية هندية الى اخرى . كنت انسانة مغفلة وسببت الاذى له ولي . وادركت فور زواجي من طوني اني ارتكبت خطأ فادحاً .
تاقت ابيا الى صفع وجهها صفعة قوية . لكنها كبتت مشاعرها قائلة :
- لست مهتمة باخطائك . هذه مسألة تعني جيلز وحده ، وطالما انه يحبني ...
- اذا كنت تؤمنين انه يحبك فيا لك من فتاة حمقاء ! سيهرع جيلز الي فور اكتسابي لحريتي ثانية ، وحتي لو تزوجك . فكري في كل ذلك عندما يضمك الى صدره .
استدارت فيكي وابتعدت لا تلوي على شيء . لكن جيلز لمحها قبل ان تتواري عن الانظار . تقدم من ابيا متسائلاً :
- ماذا كانت تخبرك فيكي ؟
- انها تريد الطلاق من زوجها وعقد قرانها عليك .
حملق في وجهها :
- هكذا ! ويبدو ان قرارها اغضبك .
- يغضبني عقم التظاهر بهذه الخطوبة . وفيكي تعرف انها ادعاء لا اساس له من الصحة .
- اذن تزوجيني واثبتي مدي رعونتها .
حدجته ابيا قليلاً . كادت ان تبدي موافقتها ، ثم ادركت خطر خطوة كهذه . كيف تتوقع ان تشعر بالسعادة مع رجل تشغل باله امرأة اخري !
رد جيلز بقوله :
- ما رايك ؟ الا توافقين على اقتراحي ونتزوج ؟
- هل بلغ بك الجبن حداً لا تستطيع مقاومة فيكي الا بالتستر وراء ظهر امرأة اخرى ؟
قال بهدوء :
- سبق لك النطق بهذه العبارة . وحفظتها غيباً . لكن ما فاتك انه يصعب علي الاختباء وراء قامتك .
- انت تعرف ما اقصد قوله .
- ان صراحتك تبدد كل شكوكي . لست مستعدة لانقاذي والحؤول دون تدمير حياتي .
- وما شأني انا ؟ هل فقدت القدرة على مواجهة الحقائق والتغلب عليها ؟
- تنقصني صلابة ارادتك الفولاذية !
وخيم عليهما الصمت . خرج جيلز استعداداً للتوجه الى المطار .
وها هما يجلسان في الطائرة ، حيث اختارت العجوز مقعداً قرب النافذة ، ونادت ابيا لتبقى بجانبها ، وتركت ابن اخيها وحيداً مقابلها ، حيث دفن رأسه في كتاب يتصحفه الى ان حطت الطائرة .
شعرت ابيا بارتياح فائق عندما عادت الى المنزل في بومباي . لكنها فوجئت بالدعوات تنهال عليها وعلى جيلز من اصدقائه الذين علموا بخطوبتهما وارادوا احياء الحفلات والسهرات . سألته ذات مساء عابسة الوجه وهما يعودان من حفلة ليلية اقامها بعض زملائه من العلماء :
- لا ادري سبب اذاعتك النبأ بهذه السرعة . الا يؤنبك ضميرك وانت تتلقي ضيافة مزيفة ؟

Rehana 26-06-20 07:43 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
قال :
- نعم ، ان ضميري يعذبني . ولكن كيف يمكننا خداع فيكي اذا تصرفنا تصرفاً مغايراً ؟
استشاطت ابيا غضباً :
- لا شك انك نجحت في خداعها حتى الآن .
ترجلت من السيارة وهرعت نحو غرفتها واوصدت الباب وراءها . اخذت تفكر في مستقبلها . يبدو ان حياتها تزداد تعقيداً ، ولا تعرف كيف تنقذ نفسها من هذا المأزق . ما الفائدة من البقاء في بومباي بعد الآن او العمل لدة السيدة بيتمان ؟ كيف تستمر في لعب هذا الدور ، وتتظاهر انها خطيبة جيلز بدون جدوى ؟ حقاً انه يحبها . ولكنه لم يفصح عن حبه لها, ويتلاعب بعواطفها وكأنها مجرد دمية من الدمى. كانت غارقة في حيرتها ، تلعق جراحها بلوعة وأسى عندما سمعت قرعاً على الباب . فتحته لترى جيلز منتصباً امامها . هتف :
- هل يمكنني قضاء بعض الوقت معك ؟
- كلا , اعاني من صداع رهيب ، واريد الايواء الى السرير .
مر اسبوع بكامله وابيا تعارك القدر الغاشم ، وتؤدي دورها ، منتظرة بزوغ يوم جديد يحمل اليها حلاً لورطتها .
اقتربت منها العجوز ذات مساء قائلة :
- ان جيلز رجل غريب . لماذا يتظاهر بالخطوبة ولا يحولها الى حقيقة واقعة ؟
- لا يريد جيلز اكثر من التلاعب بعواطفي ، ولن يلبث ان يستسلم لاغراء فيكي ويعود اليها . انها امرأة تجيد اصطياد الرجال .
- وماذا عنك انت ؟ الست مستعدة لبذل جهد في سبيل الحصول عليه ؟
خانتها جرأتها فلم تفصح عن حقيقة مشاعرها . قالت مراوغة :
- ابذل جهدي لمساعدة جيلز . ولكن عليه هو مقاومة فيكي والتغلب على اغرائها .
- تجنبت الاجابة على السؤال يا عزيزتي . انت تحبين ابن اخي ، وعليك بذل جهدك للحصول عليه .
طافت ابتسامة باهتة فوق ثغر ابيا :
- ليست العواطف مجرد اشياء نبذل جهدنا فنحصل عليها . انا لا انوي اصطياد جيلز كأنه سمكة في نهر .
- لست متأكدة تماماً . ان الرجال يشبهون الأسماك في كثير من النواحي . المهم معرفة اختيار الطعم الملائم .
رن جرس الباب واطلت السيدة شاندريس . واخذت العجوز بيتمان تثرثر واياها حول الناس والاسواق ، والتحف الفنية . وفجأة وضعت السيدة شاندريس فنجان الشاي جانباً وقالت :
- يقال ان زوج فيكي ينوي العودة وتركها هنا . ويبدو انها تفكر في الانضمام الى احدي الفرق الروحية . وهي كما يقول زوجها غارقة في التعاليم الروحية .
علقت السيدة بيتمان :
- ان الايمان الروحي يستلزم استئصال الانانية وحب الذات ، ولا اخال فيكي قادرة على ذلك.
ابتسمت السيدة شاندريس ، واستأذنت بالانصراف والعودة الى منزلها . واغتنمت ابيا الفرصة لتطرح سؤالاً على العجوز طالما اقض مضجعها :
- ماذا سيفعل جيلز عندما نعود الى انكلترا ؟ كنت تتنظرين رحيل فيكي قبل مغادرة الهند ، اما الآن فيبدو انها ستمكث اشهراً هنا .
اجابت السيدة بيتمان :
- اذن سنبقى هنا اشهراً . ان جيلز سعيد بوجودي هنا ، واستطيع الكتابة في اي مكان من العالم .
وسيرحب جداً ببقائك معنا ...
قاطعتها ابيا :
- لا تتجاهلي سؤالي الاساسي . اي متي سنغادر الهند ؟ لا اريد الاستمرار في هذه الخطوبة .ساعدت جيلز بما فيه الكفاية ، ولا استطيع بذل اي جهد اضافي .

Rehana 26-06-20 07:45 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
قالت العجوز بلهجة هادئة :
- اذا استطاعت فيكي ايقاعه في الشرك ، فسوف تجعل حياته جحيماً لا يطاق .
- لا ارى اي مبرر لهذا القول . انه يحبها و ...
- لا اعتقد انه يحبها .
حاولت ابيا ان تصدق كلام العجوز ، ولكنها رفضت سيطرة آمالها على عقلها واخفاء الواقع :
- انه يحبها يا سيدة بيتمان . ولو كان الامر عكس ذلك لما استخدمني كدرع يحمي به نفسه .اصبحت مرهقة الاعصاب . اريد مغادرة الهند . واذا كنت تودين البقاء ، فسأدبر امري بنفسي .
- حتي و لو ادي قرارك الى الغاء عملك معي ؟
قالت ابيا بحزن بالغ :
- نعم .
تنهدت العجوز :
- حسناً . اتصلي بالخطوط الجوية . واحجزي لنا مقعدين يوم الاثنين . وهكذا نرحل بعد اربعة ايام . هل توافقين ؟
وهكذا رفعت ابيا سماعة الهاتف ، وقامت بحجز مقعدين ، كما اشارت عليها السيدة بيتمان .
والآن بعد ان اتخذت قرارها شعرت بفراغ قاتل في داخلها .
طافت بنظرها حولها وكأنها تودع المنزل الذي الفته ، وبثت جدرانه آلامها واحلامها ، واسرار قلبها .
هتفت العجوز :
- سأمضي الى غرفتي . اراك وقت العشاء .
وتوجهت ابيا الى غرفتها هي الاخرى . استحمت ، ولفت جسمها بمنشفة كبيرة ، وجلست اما المرآة تجفف شعرها وتسرحه .
سمعت وقع اقدام خارج الغرفة . فتح جيلز الباب ودخل فجأة بدون استئذان . اذهلها تصرفه ، فاستدارت محتجة :
- كيف تدخل غرفتي هكذا . ارجوك ان تنتظر حتى اكون ارتديت ملابسي.
علق :
- افضل ان اراك كما انت . لا تجزعي . لن يصيبك اي مكروه رغم انك جذابة جداً . اريد الآن ان اوضح لك كل شيء .
نظرت الى المرآة ، فلاح بقامته الفارعة ، قالت :
- انت دائماً تحاول الايضاح والشرح . انتهى كل شيء . انا في طريقي الى انكلترا مع السيدة بيتمان .
دنا منها بحذر :
- لن ادعك . هذه خطوة متهورة وتنذر بعواقب وخيمة .
قالت ساخرة :
- لا تيأس ، قررت فيكي الطلاق من زوجها , وستبقي في الهند لتهرع وترتمي في احضانها .
هز رأسه :
- مهلاً . لا تصدري احكاماً متسرعة . ان فيكي انسانة تافهة ، وافضل العيش وحيداً كل حياتي بدل ان اتزوجها .
استفزته قائلة :
- الهذا السبب كنت تجلس معها في ذلك المطعم ، وتغازلها وتتودد اليها ؟ وماذا عن عناقك لها في الكهف ؟
مر بيده بلطف فوق شعرها :
- هي التي طلبت مني الاجتماع بها في ذلك المطعم المشؤوم .
قالت انها نادمة على ما اقترفته من اخطاء ، وتريد التكفير عنها .
ترددت في الذهاب ، ثم قررت ان اساعدها قدر الامكان . كان لقاء عابراً ، قعدت مكتوف الايدي واصغيت الى ارائها التافهة وانصرفت.

Rehana 26-06-20 07:51 PM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة
 
علقت :
- ثم بحثثت الموضوع بينك وبين نفسك ، فقررت الشفقة عليها وتلبية رغباتها ...
اعترض :
- دعيني اكمل . اما في الكهف ، فهي التي فرضت نفسها علي .وجرى كل شيء في لحظة قصيرة . ولو تمهلت قليلاً لكنت رأيت هاتين الذراعين تدفعانها جانباً .
صمتت ابيا قليلاً . هل هو صادق ؟ انتظرت منه الاستفاضة اكثر ، والتعبير عن مشاعره ازاءها .
وضع يده في جيبه ، وانحنى صوبها :
- اصغي الي جيداً يا ابيا . انا احبك واريد الزواج منك .
نهضت واقفة وابتعدت عنه :
- ومن اين اتى هذا الحب الفجائي ؟
تابع :

- احببتك منذ ان وقع نظري عليك . رأيتك الفتاة المثالية التي طالما حلمت بها . انك نقيض فيكي تماماً ، وهذا ما زاد تعلقي بك . آه يا ابيا عانيت كثيراً ، وحاولت اخفاء ما يضج في صدري بالمزاح والنكت . اما الآن فها انا اعلن لك عن حبي ، وارجو ان اجد تجاوباً منك .
رمقته قليلاً ، واغرورقت عيناها بالدموع . طأطأت رأسها حياء لا تدري ما تقول . جذبها نحوه وطوقها بذراعيه . وللمرة الاولى شعرت ابيا بالاطمئنان التام ، وخالت ان قلبها يقفز في صدرها طرباً . كانت لحظات عذبة ، ظلت تحتفظ بذكراها في اوقات عديدة من حياتها . ما اجمل الحب وما اروعه ! تمتت قائلة :
- وانا احبك . واقبل الزواج منك . هيا بنا نزف النبأ الى عمتك ستطير فرحاً .
همس في اذنها :
- يمكنها الانتظار . ارتدي اجمل ملابسك ، ثم نفاجئها بعد ان اقنعك تماماً بمدى حبي لك .


تمت

سماري كول 13-11-20 01:14 AM

رد: 26 - المسافرة - راكيل ليندسي - روايات قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلمواااا عالرواية الجميلة


الساعة الآن 12:47 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية