انهيار سوق العقارات الإماراتي

تابعوا معنا اهم الأخبار الأقتصادية والأعمال العربية والعالمية وأسعار العملات العربية والعالمية وأسواق المال والبورصة إضافة الي القضايا الاقتصادية التي تهم المواطنين

يومًا بعد الآخر تتكشف مؤشرات متعاظمة لأزمة حادة أصابت أحد أهم قطاعات الاقتصاد في الإمارات، إذ يواجه سوق العقارات أزمة غير مسبوقة تبدو معالمها في حالة من الركود والانكماش والتراجع الحاد في نشاط القطاع عمومًا، رغم كونه ضمن أكبر القطاعات الاقتصادية في الخليج العربي وأسرعها نموًا.

في هذا التقرير نلقي الضوء على كواليس الانهيار المتدرج لسوق العقارات الإماراتي والإجراءات الاقتصادية التي تُنذر بكارثة والعوامل السياسية التي زرعتها الإمارات وجنى خسائرها الاقتصاد، لندلِل على أن الدولة التي تتغنى باقتصادها القوي وموانيها الغنية تقترب من أزمة اقتصادية صعبة ستعصف بالكثير من مقدرات الدولة. 

انتقلت تأثيرات تراجع قطاع العقارات إلى أهم الشركات المختصة في مجال العقارات والإنشاءات في سوق دبي 

انهيار ينذر بـ”كارثة اقتصادية” 

بدأ سوق العقارات الإماراتي في مواجهة أزمة غير مسبوقة منذ بداية العام الحاليّ، فقد تراجع مستوى الإقبال على الطلب بشكل تاريخي، في الوقت الذي تواجه فيه الأسواق حالات إغراق هائلة نتيجة تدافع غالبية المستثمرين للتخلص من عقاراتهم بأي ثمن.   

التراجع التاريخي في الطلب على عقارات دبي مصحوبًا بموجة تخلص من العقارات من غالبية المستثمرين تسببا بهبوط حاد في قطاع العقارات المباعة في دبي – أحد أعمدة اقتصاد الإمارة – بنسبة 46% في الربع الأول من عام 2018، بينما تراجع سوق العقارات الجاهزة بنسبة 24%. 

وأحدث تذبذب الأسعار في سوق العقارات تأثيرًا مباشرًا على سوق دبي المالي، إذ هبط إلى أدنى مستوى له خلال 27 شهرًا، كما أنهى سوق دبي المالي تعاملاته يوم الخميس الماضي 3 من مايو بانخفاض بنسبة 1.86% عند 2947.99 نقطة، أي أقل من حاجز الـ3 آلاف نقطة الذي يعتبر محطة رئيسية لقياس التعاملات، بينما سجلت بورصة دبي تراجعًا بنسبة 3.1% مع نهاية الأسبوع. 

بحسب تقرير لوكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف، فإن إيجارات المساكن انخفضت في دبي بنسبة 10 إلى 15%، وسط توقعات بثبات النسبة خلال العامين الحاليّ والمقبل 

وانتقلت تأثيرات تراجع قطاع العقارات إلى أهم الشركات المختصة في مجال العقارات والإنشاءات في سوق دبي، فقد بلغت نسبة انخفاض سهم إعمار 17.3% وداماك 18.2%، لأسباب كان أبرزها القلق بشأن آفاق سوق العقارات، كما هوى سهم شركة “دريك آند سكل” بنسبة 9.4% مسجلًا أدنى مستوى له منذ مايو من العام 2017. 

هذا الانكماش الكبير لسوق العقارات في الإمارات ذاع صيته في بعض التقارير والمعطيات الاقتصادية الحديثة التي أوضحت أن الأشهر الـ6 الأولى من العام الحاليّ شهدت أداءً ضعيفًا في قيمة العقارات السكنية في مناطق العقارات الاستثمارية السكنية الرئيسية في أبو ظبي، وتراجعت أسعارها 0.9% بحسب شركة “كلاتونز” العاملة في مجال الاستشارات العقارية. 

وبحسب تقرير أصدرته وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف في فبراير الماضي، فإن إيجارات المساكن انخفضت في دبي بنسبة 10 إلى 15%، وسط توقعات بثبات النسبة خلال العامين الحاليّ والمقبل، ومن غير المحتمل حدوث انتعاش لهذا القطاع قبل العام 2020 بسبب كمية العرض الكبيرة وفرض ضريبة القيمة المضافة، بحسب ما نقل التقرير عن محللة تصنيفات الشركات والعقارات لدى الوكالة “سابنا جاجتياني”. 

في سياق ذلك أيضًا تحدثت بيانات أخرى حديثة لشركة “جونز لانج لاسالز” الأمريكية عن نمو المعروض السكني المخطط له بإمارة دبي بنسبة 9% في 2018 و7% في 2019، الأمر الذي يسهم في مزيد من التراجع بأسعار العقارات. 

ورغم أن قطاع الوحدات السكنية في السوق العقاري في الإمارات شهد دخول نحو 17 ألف شقة فاخرة إلى السوق العقاري، بالإضافة إلى إطلاق العديد من المشاريع الجديدة مثل بلوواترز ولا مير ودوانتاون، فإن العام الماضي لم يكن عامًا يسيرًا علي السوق العقاري الإماراتي، إذ انخفضت معدلات أسعار الوحدات السكنية بنسبة 5% مع نهاية عام 2017. 

ومن المتوقع أن تنخفض أيضًا بنسبة تتراوح ما بين 3 و5% مع نهاية عام 2018، وفق تقرير حديث أصدرته مؤسسة “كلاتونز” للدراسات والاستشارات العقارية، وعلى صعيد الأراضي فإنه من المتوقع أن يصل المعروض المستقبلي من المساحات في دبي إلى 9.28 ملايين متر مربع، في نهاية عامي 2018 و2019 على التوالي. 

ويقدر مخزون الوحدات السكنية في دبي وفق تقرير أصدرته شركة الاستثمارات والاستشارات العقارية “جي إل إل” منتصف يناير الماضي بنحو 491 ألف وحدة سكنية بنهاية عام 2017، وتمثل الشقق أكثر من 80% من إجمالي المعروض أي نحو 403 آلاف وحدة، بينما بلغ عدد الفيلات 86 ألف وحدة. 

ما وراء كواليس انهيار السوق العقاري

بالنظر إلى أسباب الأزمة نجد أن السياسة الاقتصادية للدولة التي تمثلت في فرض الضرائب كانت من أبرز الأسباب التي تؤكد أن الإمارات تتجه نحو أزمات اقتصادية صعبة، فلم يكد يمر 6 أشهر على فرض ضريبتي القيمة المضافة والضريبة الانتقائية على عدد من السلع والخدمات، وتطبيقها على بيع وتأجير الوحدات العقارية التجارية حتى أثر ذلك بصورة ملحوظة وسريعة على حجم التضخم. 

ويكشف مؤشر التضخم بصورة أو بأخرى حقيقة الأزمة الاقتصادية التي تقبل عليها الإمارات؛ حيث أظهر تقرير لمركز دبي للإحصاء أن مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك ارتفع 1.99% في الربع الأول من عام 2018 مقارنة بالربع الرابع من عام 2017، وجاء ذلك نتيجة لارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات في مجال الاتصالات والتعليم والمطاعم وغيرها. 

يرى المحلل الاقتصادي عبد الرحمن العساف أن ارتفاع تكلفة المعيشة إثر الضرائب الجديدة تسبب بإغلاق العشرات من المحال التجارية والشركات الصغيرة والمتوسطة أبوابها وتصفية أعمالها ومغادرة البلاد 

وتشير تقارير اقتصادية إلى أن عام 2018 سيشهد تراجعًا في حركة سوق العقارات وأدائه، نظرًا للغموض الذي يحيط بأثر تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي قادت لضعف القوة الشرائية، واضطرت كثير من المقيمين والمستثمرين خاصة على إثرها إلى مغادرة الإمارات تحت وطأة استمرار تراجع الأوضاع المعيشية وارتفاع تكاليف الحياة. 

ويرى المحلل الاقتصادي عبد الرحمن العساف أن ارتفاع تكلفة المعيشة إثر الضرائب الجديدة تسبب بإغلاق العشرات من المحال التجارية والشركات الصغيرة والمتوسطة أبوابها وتصفية أعمالها ومغادرة البلاد، كما دفع الآلاف من المقيمين الأجانب للهجرة وعرض عقاراتهم للبيع، ما تسبب بوجود فائض من العرض في مقابل تدني مستوى الطلب.   

وكان فرض الضرائب في الدولة وارتفاع الرسوم الحكومية كلمة السر أيضًا وراء إغلاق عشرات المحلات والشركات الصغيرة والمتوسطة أبوابها وتصفية أعمالها والهجرة، إذ تمهد وزارة المالية لفرض ضرائب على الشركات، بحسب تصريح وكيل وزارة المالية يونس خوري، مما يعني أن تتحول الإمارات من بيئة جاذبة للأعمال إلى بيئة طاردة، كما يرى مراقبون اقتصاديون. 

ومن أهم الأسباب أيضًا حالة عدم الاستقرار التي تمر بها المنطقة منذ فترة بالإضافة إلى قوانين العرض والطلب التي أدت في النهاية إلى تقليل معدلات أسعار الوحدات العقارية مع الوقت، ووصلت الشواغر في قطاع المساحات الإدارية بأبو ظبي إلى 22% في الربع الرابع لعام 2017، ولكن دخول مساحات جديدة إلى السوق يعني احتمالية انخفاض الإيجارات في ظل زيادة المنافسة. 

حصار قطر.. انقلاب السحر على الساحر 

تشمل الأسباب التي تقف خلف كواليس هذه الأزمة الكارثية أيضًا الحصار المفروض على قطر؛ فقد كان سوق العقارات – خاصة في إمارة دبي – يعتمد بشكل رئيسي على المستثمرين والمواطنين القطريين، إضافة إلى أن العديد من الشركات العقارية القطرية كانت تعمل في دبي وتوقفت بفعل إجراءات المقاطعة التي فرضتها أبو ظبي على الدوحة. 

وكان للأزمة الخليجية تأثيرات مباشرة على قطاع العقارات في الإمارات، فعلى خلفية قطع العلاقات مع قطر منذ منتصف 2017 توقف القطريون عن شراء العقارات في الإمارات، ما أدى إلى تراجع حركة البيع، فشركات الاستثمار العقاري القطرية كانت من أهم المستثمرين بهذا المجال خاصة في دبي. 

على عكس ما كانت تظن أبو ظبي، انقلب الحصار على أهله، إذ لجأت الدولة النفطية المحاصِرة إلى الاقتراض من الخارج لسد عجز موازنتها العام الماضي 

ووفقًا لإحصائية صادرة عن الأمانة العامة في مجلس التعاون الخليجي العام الماضي بلغ عدد العقارات التي يملكها القطريون في الإمارات 1458 عقارًا، ووصل عدد المستثمرين القطريين في السوق العقاري بدبي إلى 1006 مستثمرين عام 2016، ولامست قيمة الاستثمارات العقارية القطرية في دبي وحدها نحو ملياري درهم إماراتي، بحسب تقرير لدائرة الأراضي والأملاك في دبي صادر في يوليو 2017. 

وعكس ما كانت أبو ظبي تظن انقلب الحصار على أهله، إذ لجأت الدولة النفطية المحاصِرة إلى الاقتراض من الخارج لسد عجز موازنتها العام الماضي، فقد أعلنت أبو ظبي في أكتوبر الماضي تحصيل 10 مليارات دولار من عملية بيع سندات حكومية، في ثاني خطوة من نوعها في دولة الإمارات منذ تراجع أسعار النفط في 2014.   

وبحسب تقرير سابق لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية لجأت الإمارة الخليجية إلى الاقتراض من الأسواق الدولية على خلفية دعم الإنفاق العام مع تراجع الإيرادات النفطية التي تهاوت بنسبة تزيد على 50% نتيجة للهبوط المستمر في أسعار النفط منذ عام 2014. 

هذا ما جنته سياسة ابن زايد 

خلال الأشهر الـ6 الأخيرة بدأت الإمارات العربية المتحدة تفقد زمام الأمور ونفوذها في القارة الإفريقية، خاصة بعد صفعات متكررة تلقتها بشكل متتابع وفي وقت قصير، بسبب سياستها البراغماتية التي تخفى أطماعًا اقتصادية في تعاملها مع غيرها من الدول. 

وفي الفترة بين نوفمبر 2017 وأبريل 2018 فقدت الإمارات السيطرة على عدد من موانئ البحر الأحمر في 3 دول، بدءًا من جيبوتي التي وجهت ضربة قوية للوجود الإماراتي في القرن الإفريقي بعد أن أعلنت فسخ عقدها مع شركة “موانئ دبي العالمية” لإدارة محطة حاويات في مينائها الرئيسي. 

ومرورًا بالصومال، تواجه “موانئ دبي” أزمة أخرى في إفريقيا، فبعد الاعتداء الصارخ على سيادة الصومال ووحدته، صوت البرلمان الصومالي في مارس الماضي لصالح حظر عمل الشركة في البلاد، ما يشكل تهديدًا على مصالحها في ميناء بربرة الذي كان يعزز نفوذها الاقتصادي والعسكري في المنطقة. 

وانتهاءً بالسودان، توالت خسائر الإمارات بعد معركة سابقة وصامتة دارت نهاية العام الماضي، وتحديدًا في شهر نوفمبر 2017، للسيطرة على ميناء بورتسودان من شركة موانئ دبي، لكن آمالها خابت بعد اتفاق إستراتيجي مع دولة قطر لإنشاء ميناء “بورتسودان”، وتتوالى الخسائر.