لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-07-16, 11:28 PM   المشاركة رقم: 841
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


برجع وأنبّه على نزول هالبارت مع البارت الجاي بموعدنا الأساسي لأنه مثل ما تشوفون كان مفاجئة وأكيد كثير ماراح ينتبهون له.
كان على أساس بارتين ورى بعض مثل ما قلت بتعليقي الأخير وكلهم راح يكونون بدسامة أقوى ، بس نخففها عليكم ممكن ما تركزون مع الأعياد والمناسبات ()


شكرًا لتواجدكم، شكرًا لكلماتكم الطيبة سواءً بالمتصفح أو خارجه، شكرًا للروايـة اللي جمعتنا .. إن شاء الله أكون دائمًا عند حسن ظنكم والله يكتب لي التوفيق والوصول للنهاية بسلام ويجعل هذهِ الرواية شاهدة لي لا علي :$$


وكل عام وأنتم بألف خير وسعادة، عسى أيامكم كلها فرح وسرور :$ + اللهم احفظ بلاد الحرمين والبلاد العربية والمُسلمة من شرّ الأعداءِ وكيدهم ، ومن شرّ الفتن ما ظهر منها وما بطن. .

بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

هالبيتين يشرح أحد الثنائيات ببارت اليوم، اقتباس الجميلة " العنود ".

ماكان هجرًا ولا كبرًا وليس أذى
أستغفرالله هل أقوى فأؤذيك؟
كانت ظروفًا ثقالًا لو علمت بها
تبكي علي كما أبكي وأبكيك



(76)*1


وقفَ من خلفِها، أخيرًا وجدها تجلسُ في الصالـة ولا تهربُ منه في غرفتها، وضعَ كفيه على كتفيها من الخلف، تنهّد بجزعٍ لينحنِي فجأةً برأسِه ويقبّل رأسها بعمق ، وبرجـاءٍ ناعمٍ يُريد بهِ أن يرقّق قلبها : يمه يا الغـالية ... أجيك من ام شاهين والا ام متعب؟ وش اللي بيضعف قلبك أكثر قدامي وترضين عليْ؟
مرّت ثواني طويلة بعد كلماتِه تلك، لم تُسعفهُ برد، لا تدري أبدًا كيف أنّ تجاهلها الآن أقوى من أن يحتمله قلبي، كيف أنّ صوتها الغائبَ يزيدُ في شراهةِ هذا العذاب، يلتهمني أكثـر ، وأحتـاج من بينِ كل النـاس عينيها الحانيتين الآن! .. لا تدري أبدًا أنّني أنطقهـا وكلّ ما فيّ ينزِف، أنطق " ام متعب " وأنا أشعـر أن هذا الاسمَ يذبحُ صدري بيقينِه أنّني " قابيل " وهو " هابيل " ، أنّني قد أنوِي قتله!
لفّ ذراعيهِ حول كتفيها، انخفضَ ليقبّل رأسها مرّةً أخرى ويهمس بدلال : ام متعب يا عيني .. قدرك كبير عندي، ما كان ودي أكسر كلمتك بس تتوقعين بترك أسيل كذا؟ لعب عيال هو!
بقيّت صامتـةً لوقت، شعَر بارتفـاع صدرها بانفعـالٍ واضح، أدارت رأسها إليهِ ببطءٍ حتى واجهته بملامِحها التي يعشق، بعينيها المتضايقتين الآن، بشفتيها اللتين زمّتهما لتزداد التجاعِيد من حولِهما غضبًا منه، بينما تراجعت ذراعاه قليلًا وهي تلفُظ بصوتٍ لم يسمعه منها منذُ قرّرت هذا الغضب : وممكن تعطيني هالتبرير المقنع عشان تتركها؟
زفرةُ يأسٍ تسللت من بينِ شفاهِه، تحرّكت خطواتُه بتوسّعها ليدور حول الأريكه حتى وصلَ إليها، جلـس بجانِبها وحنجرته لا تملك تبريرًا، ماذا عساني أقول؟ زو .. زوجها حي؟ لم تكُن أرملـةً أصلًا؟! هذا الزواج بُنـيَ على هيئةٍ متلاشيـة، على عمـادٍ هش، قـدرنا كتبَ ذلك يا أمي، قدرنا أراد أن ندخُل في هذهِ الدائـرةِ الموبوءةِ – بعجزي -، ماذا أقول يا أمّي؟ كيف أنطـق بلسانِي آياتِ هذا الفُراق وفي صدريِ حب! كيف أنطُق آياتِ هذا الحب وفي دنيـانا أعـاصير، كيف أرتضيها على نفسِي؟ كيف أرتضيها عليهِ وعليها! كيف لازلتُ أحبها وأكره نفسِي! كيف يحدثُ كلّ هذا وأضيع؟ كيف أفـرح ولا أجيد الفـرح كما يجِب؟ كيفَ يتشتّتُ عن حنجرتِي شكر الله كمـا يجِب؟! أن أسجد سجودَ شكرٍ لعودتِه وأبكي رغـم تعاليمِ الرجولةِ التافهةِ هذه، أن أحمد الله لأنه عـاد! .. كيف أريد كل ذلك ولا أجيده؟ .. ضيـاع ! ضيــاعٌ يبترُ كلَّ شعورٍ حلو، حين تتجانـس الأفراح مع الأحزانِ مرّةً واحِدة .. ما أقسـاهُ من تجانُس ! ما أقسـاه!!
يا صعوبـة هذا النطـق ، أن أنطق " زوجها " بهذهِ اللعثمـةِ وأشعر بذاتِ اللحظـة أنّ قلبـي ينزف، وأنّه سعيد، وأنّه يحتقر ذاته! يا صعوبـة هذا الاختـلاطِ الجائر!
لم يجِد ما يقول، غيـر أنّه اقتربَ منها بلسانٍ أعجمي، القولُ يندثِر، أيّ تبريرٍ يُفصَّلُ الآن ويجعلها لا تغضب؟ أيّ كلمـةٍ هذهِ التي ستجعلها ترضى عنه ولا تضاعفُ عذابه؟ .. ابتلعَ ريقهُ وهو يرفعُ كفه ليضعها على كتفها، ابتسم ابتسامـةً شفافـةً لا تكـادُ ترى، بينما انسابَ صوتُه بنبرةٍ حنونـةٍ إلى مسامِعها : ما تثقين بقراراتي؟ إنّي مستحيل أختـارها من فراغ ومستحيـ . .
عُلا تقاطعـه بنبرةٍ قاسيةٍ جافّة : قول السبب؟
تريدني أن أقتلها الآن والظروف تعاكِسُ فرصـةً أخبرها فيها بهدوءٍ قد تعيه؟ متعب الآن بعيد، بعيدٌ كلّيًا وإن اشتاق لها ! . . حكّ شفتهُ السُفلـى بأسنانِه، بربكةٍ كانت تدركها بعينيها، وبهدوءٍ يقتضبُه : بتفهمين كل شيء يمه بس ماهو الحين! .. الوقت ماهو معنا.
علا تصدُّ عنه : أجل لين يصير الوقت معنا تعـال أحكي معي ..
أغمض عينيه بيأسٍ وهو يرفعُ يدهُ ليضغط بسبابتِه وإبهامِه أعلى أنفِه، وبتنهيدةٍ جازعة : يمه الله يصلحك . . .
نظـرت إليه بحدةٍ لتقاطـع باقي كلماتِه بانفعـالٍ حـاد : الله يصلحني؟ جـاي على هالكبـر تدعي لي بالصلاح وأنا اللي علمتك شلون يكون؟ ، لا كنت غلطانة! من البداية ما كنت صالحـة كفاية عشان أمدّك بتعليم صح والا ما كنت سويت مع بنت النـاس اللي سوّيته! صح يا ولد بطني ما كنت صالحة ، صح عليك.
عقد حاجبيه والأمور تنسابُ من بين أنامِله، فغـر فمه بجزعٍ أمـام غضبها الذي لم يعتدهُ حتى يعرف كيفية التعامـل معه، ما الذي قد يرضيها وهو الذي لا يستطِيع أن يمدّها بالتبرير الذي تريد؟ حتى الكذب لن ينفعه ، ليس هناك كذبـةٌ تستطيع أن تخرجه من هذا كالشعرةِ من العجين، موضوع انفصالِهما لا تكفيه التبريرات وإلا سيكون فيه عينيها الرجُل العابث الذي ترك زوجته ولم يكملا سنةً حتى !!
صمتَ بوجومٍ وهو يشدُّ قبضتيه بينما نهضَت علا وابتعدَت عنه بجفاءٍ وغضب ، أغمـض عينيهِ بقوةٍ وهو يهمسُ باختناق : يا الله ساعدني .. يا الله ساعدني !!


،


أنفـاسٌ مجهدةٌ بالذنب، اضطـراب، ثورانٌ على قدسيّةِ العيُونِ البيضـاء والتي لم يشُب ماءها تلوّث، عينيكَ نهرٌ كيف أجعله " راكدًا "؟ كيفَ أقوى؟ كيفَ أُسقطُ حلقـةَ ذنبي بِه وأصنعُ فيهِ مساحـةً من الطِين الذي لوّثني .. كيف أقوى يا سلطان على ارتضـاءِ هذا الذي أفعله بِك؟ .. شغفِي بِك ما الذي جعله الآن لسعـةً تُلهب بشرتِي؟ غصّة! غصّةٌ أكبـر من أن تحتملها حنجرتي فتصرخ بهذا النحيبِ الصامِت ولمستُك لي بحجمِ ما أتمنـاها صارت عذابًا ، صارت عذابًا في لحظـةٍ خاطفـة ، بعد أن جاءتني تلك العبـارةُ كسيفٍ التهبَ بالسُم ومرّ على ذنوبِي ، أنت ملاكٌ وأنا شيطان، كيفَ أجعلك كفّةَ ميزانٍ ترجحُ بذنبِي، بمعصيتي وحبّي لكَ المعصيـة العُظمى الذي لا أدري ما الكفـارةُ التي وجِدَت لهُ حتـى يُسمـح له بالبسمة ، يؤذيني أنّها لم توجِد! لم توجد أبدًا في خارطةِ الذنوب، حبّي لكَ دوّنَ في خـانةِ الذنوبِ ولم يجاورهُ في خانـة الكفـارةِ كلمة!
كانت تبكي وكأنّ عزيزًا عليها مـات، تبكي وتنتحبُ النحيبَ الذي منعهُ من إثباتِ القبُول، هذهِ القبلاتُ ما إن انهالَت عليها ولمساتُ كفيه حتى وجَدت الأفكـارَ تغزوها بقوّة، المرارةُ تكبـر، والغصّةُ تضخّمت حتى انفجرَت ببكاءٍ مفاجئٍ جعله يبتعد عنها ، قبِل بِي! كان فعلًا قد قبِل بي رغـم ما ظنّه حدَث، أخبـرها في هذهِ اللحظات كم هو لا يناسبُ ببياضِه سوداءَ مِثلها ، أخبـرها بقبولِه أنّها مخلوقٌ نجِس! كيفَ تخدعُ هذا الصفـاء؟ كيف؟
مسحَ على شعرها وهو يجلسُ بجانِبها ويدهُ الأخرى على ظهرها تمسحُ برفق، حـاول أن يجتذبها لصدرِه بحنـانٍ لكنّها صرخَت ببكاءٍ معتـرضٍ وهي تبتعدُ والكلمـاتُ تندفعُ من بين شفتيها برجـاءٍ وذنب : آسفة يا سلطان .. آسفة .. بس ما أقدر .. ما أقدر والله ما أقدر . .
ضاقَت عينـاه وأنفاسُه تتشتّت، ضـاق صدره، وجسدها الذي بدأ ينتفضُ بصورةٍ واضحةٍ أمـامه تقوقع، رفعت قدميها لتُحيط ساقيها بذراعيها وركبتها تُلامس صدرها، دفنَت وجهها في هذا الجُحرِ المُظلـم، تنسكبُ الدموع دون أن تغسِل المذاقَ المرَّ في حنجرتها ، تسقُط قطراتِ غيمةِ عينيها، ولا ترتوي بلؤمٍ أكبـر، أن تكسبه ، ما الذي تفعلينه يا غزل؟ ما الذي تفعلينه؟ .. جاء هذا الصوتُ من جانِبها المظلـم، جاءها من " غزل "، تُخبرها بأن لا تبكي، لمَ تبكين؟ أمـا كُنتِ تتمنينَ لحظـةً يقبل بكِ فيها كزوجة؟ ترتبطان برابطٍ أبدِيٍّ ينتجُ عنه طفـل، يحمل ملامحكِ ويحملُ قلبـه ، هذا الرابِط الذي سيجعلُ البقـاء معه أبديًا .. كيف قد يعلَم؟ يا لغبـائكِ يا " غزالة "! كيف قد يعلم؟ لا تبرير لهذا الخوفِ ، لا تبرير له .. قبِل بكِ فلا تتراجعِي !!
انكمشَت وهي تشعُر بذلك الصوتِ يصرخ ببجاحةٍ داخِلها، لكنّ جزءَها الآخر الذي خلقه فيها سلطـان اعترض .. ليس خوفًا ، هذا الذي أشعر بهِ ليسَ خوفًا ، هذهِ المرارةُ لأنّي أؤذيه، هذهِ المرارةُ لأنّني أمـارسُ ذنوبِي على طُهرِ قلبِه، برغمِ كلِّ ما فعلت إلّا أنني حينَ كدتُ أصِل شعرت بالهاويـةِ التي وقَعت فيها ، في وقتٍ متأخر .. وجدًا !
تجـاهلَ حُزنها تواجدهُ بجانِبها وبكَت فقدها الجديد، أدركت أنّها الآن تفقدُ الشيء الأثمـن الذي اصتدمَ بحياتِها الفارغَة، تفقده ما إن بدأت تحصلُ عليه ، كلّ ذلك لأنها كانت منذ البدايـةِ تسكُن في الظـلام، لأنها لم تكُن المخلـوق السوِيّ، لأنها انجرفَت بطريقةٍ قذرة، لأنها لم تُجِد تهذيبَ ذاتِها، لأنها حمقاء! استسلمَت للحظـاتِ الضعفِ ولم تكُن قويّةً أبدًا، كانت تتصنّع القوّة، لكنّها لم تكُن كذلك إطـلاقًا.
شعرَت بلفحـةِ أنفاسِه تصتدمُ بجبينها، لفّ ذراعهُ حول كتفِها في لحظـةٍ مباغتـة، وحين انتفضَت كي تهربَ منه وهي تهمسُ بـ " لا " راجية كان صوتُه الحازمُ يجيئها بقوّةٍ إلى أذنها : اصصص ولا كلمـة .. لا تخافين مني! كل شيء بيكون برضاك .. أنا معك ماني عليك وأنا طبيبك .. ماهو كان هذا كلامك؟
تقوّسَ فمها بألمٍ والسهـامُ التي تُصيبُ جسدها تزدادُ عددًا، وتزدادُ بأسًا، تضيقُ الإبرةُ أكثـر فلا تقوى على العبُورِ بخيطِ نجـاةٍ منها، كيف تعمّقت كذباتها بهذا الشكل؟ أدركَت من كلمـاته الآن أنّه ظنّها خائفةٌ لمـا حدثَ قبلًا – كما زعمَت – وأنّها لازالت متأثّرةً بِه .. كيفَ عسايَ أرى صورةَ رجلٌ وأنتَ أمامِي يا سلطـان؟ كيفَ عسـاي أفعلها ومن مثلك؟ كلُّ جنسِ الرجـال مندثرٌ وأنت وحدك البـاقي ، لكنّني أجرمت، أجرمتُ حينما كُنت لسواكَ قبلًا ، أجرمتُ بحقِّ ماضيّ وحاضري ومستقبلي !
رفعَت رأسها الذي دُفن بصدرِه، نظـرت لملامِحه الصامتـة والتي كانت تنظُر إليها، ابتسمَت بحُزنٍ مريرٍ وفقد، والدمُوع تغلّف ملامحها، بينما انسابَ صوتُها من بينِ شفتيها مختنقًا : تظن إنّ فيه وجه مقارنة؟ أقدر أتخيّله فيك مثلًا؟ حاشـاك منه ومني ، حاشـاك من كل قذارة يا سلطان ، حاشـاك . . .
سلطـان بحدةٍ يُخرسُ كلمـاتها : إنكتمي ولا كلمـة ثانية.
غزل تمرّر لسانها على شفتيها، همسَت : أدري إنّك معصب الحين ، مقهور ومتضايق بس ما توضّح لـي .. هاوشني يا سلطان ، طلّع حرتك لا تكون بهالشكل معي وأنا ما أستاهل.
سلطـان بحدةِ صوتِه التي أخبرتها بأنّه بالفعلِ يقاومُ انفعالاتِه : يكفّي يا غزل .. سبق وقلت لك هالموضوع ما أبيه يتكرر .. ما أبيه يتكرر !!
غزل بأسى وهي تبتعدُ عنه، تشعرُ بسوئها الذي يجعله الآن يغضبُ لشيء ما كان أبدًا قد حدَث : آسفـة . . بس ، بس ما أقدر! ماهي نيّتي أرفضك بس أنا .. أنا . .
ابتلعت ريقها وصمتت لا تجِد تبريرًا، بالتأكيد لن تُخبره، كيف تقولها له؟ كيف تعترفُ بخداعِها؟ . . ابتسم سلطـان وهو يمسحُ على شعرِها ويلفظُ بصوتٍ حنون جعل مرارةَ حنجرتها تتكثّف : ومين قال إنّي أطـالبك بأمور فوق قدرتك؟ قلت لك يا غزل أنا معك .. ماراح أتخلّى عنّك فلا تحاتين هالنقطـة .. بتلقيني دايِم جنبك . .
تقوّس فمها ودمُوعها تسقُط بمرارة، بحرقةٍ تسلخُ جلدها وتشتّت خلايـاها ، ارتفـع صوتُها بالنحيب، في حينِ دفـن سلطان وجهها في صدرِه ليتبلّل بدمعِها المالح، بينما كان صوتها يهمسُ باختنـاقٍ لتصتدمَ موجاتُه بأضلعِه : آسفة .. آسفة . . .


،


" عفوًا ، إن الرقم الذي طلبته مغلق .. الرجـاء الاتصـال في وقتٍ لاحق "
شدّ على أسنـانِه بحنقٍ وهو يزفُر من بينهما هواءً ساخنًا ملتهبًا بالغيظ، تحرّك نحو السرير ليرمِي هاتفهُ وهو يتمتمُ بعصبية : لا يكون الحمـار زعلان بعد ! أنا أوريه.
تحرّك وهو يمرّر أنامله بين خصلاتِ شعرِه، لا ينقصه اليوم أن لا ينـام كما يجب! أن يبقى يفكّر بِتلك القصّة الآن، هل هو مجنونٌ ليخبرهُ شيئًا لم يحدث وهو يدرك أنّه يستطيع سؤال متعب ببساطة؟ وإن كان حقيقةً، لمَ لم يخبره متعب؟ . . . شدّ قبضتيه وهو يتوعّد متعب إن كان أخفـى عنه ذلك وكان شاهين صادقًا . . لا ليسَ صادقًا! لكن هل هو أحمقٌ ليكذِب بهذهِ الطريقـة؟ .. وإن كان فعلًا صادق، فهل هذا يكفي ليفكّر كما قـال، أنّهم مخدوعين كلّهم؟
لوَى فمهُ وهو يخرجُ من الغـرفة، بحثّت أذناه عن صوتِها تلقائيًا، كـاد ينزلُ إلا أنه سمعَ صوتَ ضحكتِها من إحدَى الغرف، عقدَ حاجبيهِ في بادئ الأمـر، لكنّه سرعـان ما ابتسم، هل سمعَ ضحكتها قبلًا؟ يا لبخلهـا! حتى وإن كانت قد ضحكَت فهو لا يذكُر من حجمِ ما عبَست وبصقَت عليهِ بصوتٍ جـاف.
تحرّك نحوَ الصوتِ وضحكتُها تعزفُ على أذنيه سمفونيّةَ استرخـاءٍ استثنائيـة، محَت من عقلِه شاهين ومتعب لبعض الوقتِ وأذنـاه قادتاه أخيرًا للغـرفـة ذاتِها التي أرادتها لها أول يومٍ جاؤوا إلى هنا ، كشّر تلقائيًا ووقفَ خلفَ البـابِ للحظـة وهو يسمعها تلفُظ بحبور : حشى بالعة ميكرفون أذني يا مال العافيـة . . . . نعم! . . . ههههههههههههههههههههههه لا منتِ صاحية !!
ابتَسمَ من جديدٍ وهو يمدُّ يدهُ ليفتـح البـاب في اللحظـة التي لفظَت فيها بنبرةٍ مُبتسمَة : خلاص عطيني ياسر بكلمـه .. أيه كأنّي في آخر الأرض وش دخلك أنتِ أبي أكلمهم طيب!
انتبهَت لصوتِ البـابِ لترفـع رأسها إليه بربكـة، كـانت تجلسُ على السريرِ والهاتفُ معلّقٌ بأذنها بينما يدُها المحرّرةُ تستقرّ بجانِبها، اصتدمت عيناها بملامِحه المُظلمـة، ارتبكَت أكثـر وهي ترى تلك النظـرة الغريبـة على عينيه، كـانت زواياها جامـدة، وكأنّه لفـظ الحيـاةَ منها . . . فغـرت فمها بضيق بينما ارتفعت يدها المستقرة على السرير، تريد أن تُشير له بأن يذهب، لمَ لحقَ بِها وهي التي هربَت منه كيْ تحدّثهم بأريحيةٍ بعيدًا عنه ولم تبالِي إن كانت حركتها تلك ستكون في عينيه قلّة ذوقٍ أم لا ! . . لكنّ صوتُه انبعثَ فجأةً بجمودِه الحـازم وهو يلفظ كلمـاتٍ باردة : جوعـان .. سوّي لي شيء آكلـه.
عقدَت حاجبيها بربكةٍ وهي تغطّي الهاتِف بكفّها تلك كي لا يصِل إلى هديل صوتُه، وبخفوتٍ وهي تخفضه عن فمها لفظَت بينما رأسها تهزّه بالإيجاب : طيب بس لحظة أكلّم.
أدهم برفضٍ ورغبتها في الحديثِ مع ياسِر تستفزّه رغمًا عنه، يحاول أن يقنع عقله أنه فقط أخاها وأن يطرُدَ كلّ حديثهِ الماضِي مع رقيّة ولكن لا يقدر! : ولا لحظـة .. كم لك تكلمين بذا الجوال؟ وبعدين وش تسوين بهالغرفة؟ يعني قلّة سنع ومسؤولية من جهتين . . * بحدةٍ أردف * قومي واتركي عنك كثرة الحكي اللي ماله فايدة .. وراك زوج.
اتّسعت عينـاها بصدمـة، وصوته الحـاد بالتأكيد كان قد وصـل لهديل التي كانت تتّجه نحو غرفـة ياسِر كي تُعطِه الهاتف، لم تدري ما الذي تفعله الآن، لكنّها ابتلعت ريقها باضطرابٍ وأخفضَت رأسها قليلًا ، في حينِ زارَ التوتّر هديل أيضًا التي " تفشلت "، لتلفظَ بصوتٍ مرتبكٍ مودّع : معليش ليّون ياسِر نايم على غير العادة بخليه يتّصل بكرا.
كانت محاولةً فاشلـةً كي تُغلق دون أن تشعرها بأنها سمعَت، وتلك المحـاولة أشعلت في صدرها نارًا من الغضب، شدّت على أسنـانها بقهرٍ وهي تتنفّس بانفعـال، هتفت بصوتٍ بارد : تمام مع السلامة.
أغلقَت هديل مباشـرة، بينما ارتفعت نظـرات إلين المشتعلة ببطءٍ إليه، نظـرت لعينيه الباردتين، وكفّها تكـاد تحطّم الهاتفَ في تلك اللحظـة، تكادُ بالمعنـى الصحيح أن تقذفه في وجهه! . . لم تكدْ تقومُ بأيٍّ مما فكّرت بهِ حتى تحرّك أدهـم ببرودٍ وكأنّ لا شيء حدَث، خرَج من الغرفـة لتنهضَ بغضبٍ وهي ترمي الهاتف على السرير ومن ثمّ تتبعـه بخطواتٍ منفعلـةٍ وهي تلفظُ بحدة : أدهـــــــــــــــم !!
توقّف أدهم عن السير لتصتدمَ بظهرهِ من انفعالِ خطواتِها القريبـة منه، تراجعَت للخلفِ وهي تشدُّ على أسنـانها، بينما استدارَ إليها أدهـم وهو يبتسم، وسبب غضبـه تلاشى ولو بشكلٍ ضئيل، وببرود : دام هالحركـة بتخليك تناديني باسمي أجل بكرّرها كثير.
زمّت شفتيها بانفعالٍ وهي تشدُّ على قبضتيها وبرودهُ وهو يلفظها أثـار الغضبَ فيها أكثر، وكأنه لم يقُم بشيء! . . صرخَت بقهر : تعقب يا الـ . .
أدهم يقاطعها باسترخاءِ ملامِحه وصوتِه : بدون سب يا حلوتِي.
صرخَت دون مبالاة : يا التيس يا الخســـــــ . .
وأدَ بقيّة شتائمها بكفّه التي ضغطَت على فمها والأخرى على مؤخـرةِ رأسها، اقتربَت ملامحهُ من ملامحها الغاضبـة، عينيها المتّسعتين، بينما كان يبتسمُ ابتسامةً باردة وهو يهمس : لا لا يا حلوتي .. مو كِذا يكون الاحترام!
ارتفَت كفوفها بانفعالٍ تحاول أن تزيح كفّه التي تخنقُ كلمـاتها، عطرُه كان يخترقُ أنفها فكان تنفّسها عبـره صعبًا لمزاحمتِه للأكسجين . . لم تستطِع أن تزيح كفّه القوية، حينها بدأت تضرب صدرهُ وكتفيهِ بانهزامٍ وهي تهمهمُ بقهر، لو أنّها أقسمت ألّا تبكِي لبكَت الآن من شعورها الدامِي بضعفها، لكنْ لا ، لن تُزيد ضعفها الجسديٍّ بحساسيّةٍ تافهة! لذا كانت تضربه باستمرارٍ وتحاول ركلـه وكأنها تحوّلت للبوةٍ شرسة ، حينها ضحكَ أدهم باستمتـاعٍ وهو يلفظ بخفوت : تعجبني قوّتك الكاذبـة هذي ... بس لو تتركين السب وقلّة الأدب!
صرخَت صرخـةً مختنقـة ليضحكَ بصخبٍ ويتركها في تلك اللحظـةِ بعد أن أشفق عليها، ومن شدّة الانفعـال والغضبِ الذي غزاها بِه، لم تشعُر بنفسها وهي ترفعُ ملامحها المحمرّةَ إليه بعد أن تركها مباشرة، تتشنّج شفاهُها قبـل أن تبصقَ بكلّ قوةٍ في وجهه وهي تصرخ : قلة الأدب تعرف مين صاحبها يا وصخ!
تجمّد وجهه بصدمةٍ واتّسعت عينـاه دون استيعابٍ لما فعلت، بينما مرّت الثوانِي بينهما ببطء، تـاركةً الاستيعـاب يجثو إليهما رويدًا رويدًا ، حتى تجمّدت ملامحها هي أيضًا، فغـرت فمها بصدمةٍ وهي ترفعُ كفّها لتضعها على فمها وتتراجع خطوةً للخلفِ وهي ترى ملامحـه كيف تحوّلت بعد وقتٍ لمـلامح ... وحشية !
ابتلعَت ريقها بينما اقتربَ منها خطوةً باردَة وهو يمسحُ وجهه من بصقتها، رغمًا عنها خافَت وكرهت خوفَها منه .. من يكون؟ وما الذي قد يتجرّأ على فعلِه؟ لمَ قد تخـافه في هذهِ اللحظـة؟ ، ما الذي . . .
انقطَعت أفكـارها بشهقتِها لحظـةَ وقوفِه أمامها وتظليلها بجسدِه، لا تفصِل بينهما مسافـةٌ تذكر، التصقَ صدرها بصدرِه حين التفّت ذراعه القاسيـة حول خصرها ليشدّها إليه . . الرعبُ نطـق من وجهها، تنظُر لملامِحه ببهوتٍ وهي تحاول أن تنظّم ضرباتِ قلبها ، كرهَت هذا الخوف، لكنّها لم تستطِع، لم تستطِع أن تسيطر عليه وتواجهه بقوّة! أن تواجـه ملامحه المُخيفـة بنظراتٍ قويّة ، أن تواجه نظرته تلك ببأس! .. لكنّها كما قـال .. قوّتها كاذبة!!
ارتفَعت كفّه ببطء، لامَس خدّها بِه لتنتفضَ وهي تتنفّس بشدةٍ ارتفعَ بِها صدرها، راقبَ ملامحها الباهتـة بخوفٍ وهي تنظُر لوجهه بترقّب، تنتظـر ما الذي سيفعله بها الآن . . ابتسمَت شفاهُه تدريجيًا ابتسامةً كالطيفِ شفافةً تكادُ أن تتلاشى، مسح على خدّها ببطءٍ حتى وصـل لعنقها والقشعريرةُ أصابَت جسدها ، همسَ بصوتٍ لا تعبير فيه : دامِك مو قدها ليه تحطين نفسك بهالمواقف؟
ابتلعَت ريقها بصعوبـةٍ دون أن تشيحَ بنظراتِها عن شفتيه وكأنّها تقرأ الكلمـات بعينيها لا بأذنها ، تنفّست بتحشرجٍ ومن ثمّ رفعَت أحداقها نحو عينيه، وبخفوتٍ مضطرب : وبظل أحط نفسي فيها.
شدّ على خصرها وهو يرفعُ حاجبه الأيسر ويلفظُ بصوتٍ بهِ ملامح الخطـر : للحين تتصنعين القوة؟
إلين بالرغمِ من خوفِها إلا أنها لفظَت : مين قايل لك إن القوة بالضرورة ما يكون معها خوف؟
أدهم بسخريةٍ تلتوي شفاهه بابتسامةٍ ساخـرة : تعترفين إنك خايفة!
إلين وصوتها يخرج مهتزًّا تحاول أن تجلعه ثابتًا : أعترف إنّك حقييييييير.
أدهم بخفوتٍ حاد وهو يعودُ ليمسح على خدها إلى عنقها، يكرّرها مرارًا وتكرارًا فتضعف أكثر وكلماتهُ تخترق أذنها : نجلاءتي ! ترى ما يصير أبدًا اللي تقولينه لزوجك ! . . كم مرة لازم أعيد إن الصبر مو من عادتِي بس أمارسه كشيء شاذ بطبعِي!
إلين تزفُر بانفعـال : ماني ملزومة أتعامـل مع طباعك وشواذها.
أدهم : لا حبيبتي ملزومة .. مثل ما أنا ملزوم أتعامل مع قلّة أدبك.
احتدّت نظراتها بقسوَة : احترم نفسك يا أدهم .. لا تتمادى أكثر ، أحذرك لا تتمادى أكثر!
أدهم باستفزاز : الحيـاة الزوجية مشاركة ، تتمادين أتمادى معك ، تعقلين أعقل معك ، تموتين أموت معك.
إلين بغضب : وليه ما يكون البادئ أنت؟
أدهم : على أساس يفيد فيك؟ ماهو من البداية أنا اللي ماسك حدودي وأنا العاقل وأنا اللي ميت فيك؟
احمرّت ملامحها بقهرٍ من استطاعتهِ إرباكـها بكلماتٍ – سخيفةٍ – في هذهِ اللحظة! إربـاك صوتِها وإربـاك كلماتِها التي غصّت في حنجرتها، بينما اتّسعت ابتسامتهُ وهو يلفُّ ذراعه الأخـرى حولها يُعانقها برقّةٍ هامسًا : دايم البادئ أظلـم ، فسامحيني لو ما حبيتِ أساليبي الحقيرة على قولتك .. لو طباعي ما تنازلَت لقناعاتِك.
أكمـل وهو يشعر بجسدها يرتعِش، بهمسٍ ووعيد : نموت على بعض؟
تركها لتتراجـع للخلفِ بقهرٍ وضعفٍ وهي تتنفّسُ بقوةٍ وتدلّك عضدها المتشنّج، ابتسـم بينما خطواتُها كانت تتخبّط للخلفِ أكثـر وهي تُشتت عينيها لا تملكُ ردًا ، حينها مرّر لسانه على شفتيه وهو يلفظ بنبرةٍ اعتياديـةٍ هادئة : جوعـان ، لو فيك حيل سوّي لنا شيء أو أروح أجيب من برا أفضل؟
لم تردّ عليه وهي تزمُّ شفتيها وعينيها تشتعلان، تريد أن تقول الكثير مما لا تعلم، تموجُ في عيونها نظرات الحقد وفي حنجرتها الأحرف التي لم تتجانـس كما يجب . . مرّر أنامله بين خصلاتِ شعره لتتّسع ابتسامتـه، وبنبرةِ عطفٍ أغاظتها أكثر : خلاص رحمتك بجيب من برا.


،


جلسَت بمقعدِها وهي تلقِي السـلامَ بنبرةٍ هادئـة، حرّك السيـارةَ بينما يتمتمُ بخفوتٍ بـ " وعليكم السلام " ، ومن ثمّ ينظُر لها نظرةً خاطفـةً ليلفظ : وش صار بموضوعهم؟
نظـرت له ديمـا نظرةً صامتـةً ومن ثمّ تنهدَت لتلفظَ بجمود : ما أدري عنهم .. بس بتحاول تتفاهم معه.
سيف باهتمـام : أتفاهم مع شاهين بنفسِي؟
ديما تهزّ رأسها بالنفي : لا بتحاول فيه بنفسها .. أفضّل ما ندخـل بينهم أكثـر.
سيف : مرات لازم يتدخلون الأهل.
ديما : بالنسبـة لي الأفضل ما يتدخلون .. والا كنت من زمـان مشتكية عندهم ومطلقين بعد.
عقدَ حاجبيهِ قليلًا وهو ينظُر لها بعد أن رأى الطريقَ فارغًا ، عينيها الظـاهرتينِ من النقابِ كانتا مُظلمتين ولا تنظـرانِ نحوه أبدًا ، لفظَ بوجوم : لو تحكين عن اللي بنفسك يكون أفضل بالنسبة لي يا ديما!
ديما تهزُّ كتفيها وعينيها لا تنظُران نحوَه : لأني ما أبي أسوِّي الأفضـل لك ماراح أحكي.
ابتسم : تنتقمين مني؟
تجاهلت سؤالـه ، وعينيها تُسـافران إلى النـافذة، تنظُر للطريقِ بشرودٍ بينما صمتَ هو الآخـر دون أن ينبـس بكلمةٍ أخـرى، مرّ الوقتُ بينهمـا طويلًا ، حتـى انتبهَت له في النهـايةِ يتوقّف أمـام مطعـمٍ بحريّ، نظـرت باتجاهه باستنكارٍ وهي تلفظ : ليه جينا هنا؟
سيف يفتح البـاب وهو يبتسم : واضحـة من غير لا أجاوب . . انزلي.
ديما بضيقٍ تفتح البـاب : كان سألتني قبل.
سيف : عشان ترفضين؟ مالك حق خصوصًا إنّك تحبين الأكلات البحرية.


،


حين اقتربَت عقـاربُ السـاعةِ من الثانيـة عشرة منتصفَ الليل ، كانت تجلسُ على كرسيٍّ في غرفتها، أمـامها على الطـاولةِ كوبُ الشـاي الذي برد كنظــرةِ اليأسِ من – صدرها -! بينما عينيها كانت قد امتصّت الحرارةَ وهي تفكّر بكلمـاتِ ديمـا التي رتّلتها على مسامِعها ، تحبه؟ جنونٌ أم مـاذا؟ كيف قد تحبُّ اثنينَ في ذاتِ اللحظـة؟ تدرك أنّها لم تنسى متعب ولازال يستحوذُ على قلبها، فكيفَ قدْ تحبّ؟ كيف يجتمعُ شخصان في قلبٍ واحِد؟ جنون ! .. لكنّها في قرارةِ نفسها تدرك أنّها لا تريد ما حدث، تريد أن تعودَ لشاهين ، حتى وإن كانت في البداية لم ترِده لكنّها الآن لا تستطِيع أن تُنهي القصـة بمأساويّةٍ كهذِه، بدأت تتأقلـم، تحبّ الحيـاة معه، نعم تريده ولا تدري ما معنى ذلك لكنّها تُريده!
الهاتفُ كان بين كفيها المُسترحينِ على فخذيها، تنظُر لهُ واسم شاهين يعتلِي الشـاشة ويضيئها بأحرفه الخمس، يطولُ الرنينُ حتى يتوقّف، وتعودُ من جديدٍ وتتّصل بهِ حتى يتوقّف من جديدٍ ويصمت ، خمسُ مرّاتٍ حتى أصبـح الرنين يتوقّف قبل أن ينتهي زمنـه، وكما توقّعت ، كـان يرى ويتجاهَل ، لمَ؟ ما الذي فعلته؟ كيف يطردني بهذهِ الطريقـةِ وأصبح أسيـرة الأسبابِ الغائبة؟ كيفَ يريحه ضميره وأنا يؤلمنِي ضميري على ما لا أعلم! كيف تفعلها يا شاهين وتنبذني رغمَ قولكَ أنّك تحبني وأنّك تريدني .. كلّ هذا يعنِي أنّني أخطأت ، فماذا يكون خطأي؟
مسحَت على أرنبـةِ أنفها وهي تعودُ لتتّصل بِه وما إن يُغلـق حتى تكرّرها مرةً أخـرى إلى أن جـاء الرد، اتّسعت عيناها باضطرابٍ وهي ترى الثوانِي التي بدأت تُتلـى علامـة ردّه، رفعتـه بسرعةٍ لأذنها وهي تتنفّسُ بقوّةٍ ولهفةٍ هاتفـة : شاهين !
صمتْ ، هـذا ما عبـر على قافلةِ شفاهِه ، عُقدةُ حاجبينِ وأسـى ، اسمها الذي تكرّر وكـان يتجاهله، كان يتجـاهل سماعَ صوتِها، سمـاعَ نبرتِها واسمه منها ! يتجـاهل رغـم إصرارها حتى اضطرّ للرد، لم يكُن يستطيع إغلاق هاتفه، ينتظـر اتصالًا من أدهم في أيِّ وقت وبشكلٍ شبـه محال من " متعب ".
لم تنتظـر ردّه بينما اندفـع صوتها بلهفةٍ إليه : شاهين .. * تنفّست بقوّةٍ قبل أن تُردفَ بعتاب * حرام عليك .. حرام عليك يا شاهين!
أيضـًا امتدَّت بينهما الثوانِي دون أن يرد، وجههُ يظلـمُ بحزنٍ وهو الذي لم يتخيّل يومًا منذ تزوّجها أن يسمع صوتها وينفـر من سماعِه ، أنه بالرغمِ من حبّه الذي مازالَ ماكثًا على قلبِه لا يريدها أنْ تحدّثـه، يشعرُ بأنصالٍ تقطّع أجـزاءَ من جسدِه وبأنّه يذنِب .. يشعر بالخجِل من متعب وبأنّه يؤذِيه ، يشعر بالضيـاع وبأنّه لا يدري أبدًا .. ما موقعهُ من كلّ هذا؟ ماهي مشاعره بالضبط؟
أسيل تقفُ وهي تشدُّ على هاتِفها بعتَب : أقـل شيء تفسير ، بس تفسير ما يخليني ضايعة بهالشكل!
تنهّد بعجزٍ وهو يمسحُ على ملامِحه ويشتِّتُ عينيهِ في غرفـة الجلوسِ العلويـة ، عضّ زاويـةَ شفتِه السُفلـى وهذهِ المرّة قرّر أن يرد، قرّر أن ينطـق ، لفظَ بصوتٍ باهِت : يهون ضياعك عند ضياع غيرك!
عقدَت حاجبيها دون أن تفهمَ كلمـاته، وبوجَع : تدرِي إنّي اشتقت لصوتك !
أغمـضَ عينيهِ بقوّةٍ وحرقةٌ هزمَت أحشاءه ، استنشقَ الأكسجينَ بعمقٍ ليرتفعَ صدرهُ متعرقلًا بالهواء، هامسًا بهوانٍ وذنبـه يكبُر : لا تشتاقين .. لا تشتاقين لأنّ هالشوق مكروه !
أسيل بغصّة : عجزت أفهم منّك شيء !
شاهين : يُفضّل ما تفهمين ، ولا تشتاقين ولا تفكرين فيني من الأساس !!!
أسيل تبتلعُ ريقها وحصـى شغرَت حنجرتها، شعرت بأنّ حلقها يتفجّر والعبـرة فيها تخنقها ، لمْ تفعل شيء! لو أنّها فعلت شيئًا لاختلفَت كلمـاته ، ما معنـى هذهِ الحسرة في صوتِه؟ هذا الضيـاع وهذا التيه؟ .. ما الذي يحدثُ لنا؟ ما الذي يحدث؟!
ارتعشَت شفاهُها وهي تُشيح نظـراتها لإحدى الزوايا المُضيئةِ بضوءٍ برتقاليٍّ خافِت ، ضاعَت نبرتها لتتحلّى بذاتِ نبرتِه ، تاهَت وامتلأت حسرةً لما لا تعلـم : بتجرم بحقّ الحُب إن كان الشوق مكروه ،
شاهين يغمضُ عينيهِ وأجفانه تشتدُّ بتوجـسٌ تجاه كلماتِها ، لا ، لا تقوليها ، لا يا الله ! لا . . بحجمِ ما انتظـرتُ كلمـةً تُعني " أحبّك " إلّا أنّها الآن تكـادُ تقتلنِي قبل أن تقولها ، تكـادُ تمرّغُ السيفَ بحدّته على جلدي .. لا تقوليها ، لم أعُد أريد هذا الحُب ولم أعد أريد أن أتمرّغ في ذنبي تجاهه أكثـر ، لا تقوليها وابقـي كما أنتِ قبل أن نلتقي .. لا تقوليها !
عضّ شفتهُ السُفلـى لوهلـة، فتـح عينيهِ وهو يهمسُ بنبرةٍ متوجّسةٍ كـان من خلفها رجاءً كبيرًا : تحبيني؟
أسيل بحدّة : تحبني أنت صح؟ هذا اللي قلته لي كثير ... شلون تجرم بحق حبّك؟ إذا الشوق مكروه فالحب محرّم يا شاهين !
شاهين بابتسامـة أسى : اكتشفت من قريب إنّه صار محرّم ... للأسف ، بوقت غلط!
أسيل بقهر : ليييييييييش؟
شاهين بنبرةٍ جامِدة : بتوصلِك الأسبـاب بس بوقتها ، بس لا تحبيني يا أسيل ! ما أبيك تحبيني ولا أبيك تشتاقين .. كوني مثل ما أنتِ ، كل شيء بيننا كان غلط !!!
اتّسعَت عينـاها والضوءُ الخـافتُ في الغـرفةِ يُضيئها بلمعـةِ الحزن والخيبـة، يُضيئها بمشـاعرَ صاخبـةٍ بالرفـض، هاهوَ ينطقها من جديد، بأنّنا انتهينـا بلا سبب ! انتهينـا دون تفسير ، انتهينـا دون توضيحاتٍ ودون كلمـاتٍ تُشفي غليلَ الفُراق . . أما علمتَ أنّ من أقسـى الفراق ما يكون دون " تفسير "؟ كيفَ تمارسه؟ كيفَ تمارسهُ عليَّ وتخبرني بكلّ بساطـةٍ أن كل ما كان لم يكُن سوى خطأ ! .. كيف تقولُها لي بهذهِ البجاحةِ؟ كيف؟!! همسَت بضعف : عطنِي سبب .. ما أبي أقفـل إلا وأنا عارفـة أسبابك ! ما يصير تعاملني بهالطريقة وكأنّي نكرة ، ما يصير يا شاهين تكذّب وعودك وتكذّب كلامك .. كنت تقول ماراح أسامحك لو غلطتِ من جديد .. بس أنا ما غلطت، صح؟
شاهين بصدق : صدّقيني أنا اللي غِلط .. ماهو أنتِ يا أسيل !
أسيل تضحكُ دون تصديق : وين أصرفها ذي ! وعمري اللي راح معك؟
شاهين : بيكتمـل قريب وأكون بعيونك مجرّد دخيل.
أسيل ببهوت : لأيش تلمّح؟
شاهين : للحيـاة يا أسيل، الحيـاة اللي صارت تخدعنا كثير .. كثيييييير وبشكل نتمناه وبالرغم من هالشيء يوجعنا!
أسيل دون فهمٍ ترفعُ كفّها إلى رأسها : يا الله! يا الله ارحمني . .
لفظ بخفوت : رحمك .!!
وكـانت تلك الكلمـة الأخيرة من طلاسِمَ وضَعها ورحـل من ثمّ صوتُه، كـانت أحجيـة، أحجيـةً لم تفهمها ، أحجيـةً أدركت منها فقط أنّ لا عودة، أن هنـاك شيءٌ أكبـرُ بينهما ، أنّ بينهما سور ، يرتفع ويرتفعُ ولا يسقُط، لا تُصيبه فجوةٌ ولا يخذلُ صلابـته . . أنّ بيننا حدّ ، بستانينِ أنا وأنت وبيننا امتدّ طابورٌ من الزهرِ الذابِل .. كـان سورًا ، يحول بينَ تجانُس بتلاتنا . .
لن تسامحه ، على هذا الضيـاع وعلى هذهِ الحيـرة .. لن تسامحـه ، على الأحجيـة التي كلّفها بفكاكِها دون أدنـى مسـاعدة ، على هذهِ اللمعـة الزائفةِ في عينيها والتي كـان مصدرها فقط " ضوءُ غرفتها "
عـلــــــــى الخســـــــارةِ مرّتيـــــــــــن !!!


،


نزعَت نقابـها وهي تفتحُ البـاب بإرهـاق، صوتُ خطواتِه تجيء من خلفِها، بينما كفّها تنزعُ ربطـة شعرها ومن ثمّ تنثرهُ وتقوم بتدليك فروتها قليلًا . . وصـل إليها صوتُه المُبتسم : استانستِي؟!
لتنظُر نحوه بفمٍ مـال قليلًا وتهتف بتهكم : قول تعبتي؟
سيف : طيب تعبتي؟
أشاحَت وجهها عنه وهي تتّجه للخزانـة حتى تعلّق عباءتها بعد أن تخلعها : مو كثير.
ضحكَ متفاجئًا وهو يراها تخلعُ عباءتها وتعلّقها، أسندَ كتفه على إطـار الباب وهو يبتسم : صايرة بزرة.
ديما بعفويّةٍ ساخرة وهي تُغلق باب الخزانة : عادي البزران حلوين.
سيف يُخفض ذراعيْه ليتحرّك مقتربًا منها وهو يلفظ بنبرةٍ مقصودة : عسى بس ما تمر هالسنة الا وكرشك قدامك.
تحرّكت نظراتها بحدةٍ نحوه، كانت تشتعلُ نارًا، رفضًا، هذهِ المرّة الرفضُ كـان من عينيها وليسَ من عينيه . . . رفعَ حاجبه الأيسر دون أن يفقد بسمته وهو يلفظ : أيه ، أبي بنوتة حلوة تشبهك.
ديما تُميل فمها بغضبٍ وهي تتحرّك مقتربةً منه لتقطع المسافة الباقيـة بينهما، رفعَت عينيها المتحدّيتين إليه، ومن ثمّ بنبرةٍ باردةٍ تشدّد بها على الأحرف : تجيبها لك الحبيبة بثينة.
هذهِ المرّة رفـع حاجبيهِ معًا، وابتسامته ضاقت قليلًا بتعجّب .. يريدها أن تغضب أكثر، يريد لهذا الجمُود أن يزول، يريد أن يرى عينيها تشتعلانِ بنارٍ تُرضيهِ عن ثلاثة أشهرٍ من البرود .. لفظَ بسخرية : ما تجيب انسانة تشبهك .. أنا أبيها تشيل ملامحك * انخفضَ وجهه إليها ليردف بخفوت * وأبيها منك ، وما أبـي غيرك بحياتي.
أمالت شفتها السُفلى وهي تنظُر لعينيه القريبتين من عينيها، تمرّر أحداقها على تقاسيمِ وجهه الحـادة، لطالمـا كان قربه منها مُهلكٌ لقلبها، لكنّه الآن فقط مهلكٌ لأعصابِها ، يجعلها تهوى الجمود أكثـر من حجمِ استفزازِه، يجعلها تتمسّك بشخصيتها الجديدة والتي لا تريد لقناعها أن يسقط.
لفظَت بسخرية : عمرك ما كنت لي.
سيف : كنت لنفسي قبل لا ألاقيك.
ديما : هه! تبيع حكي عليْ؟
سيف بجمود : حبي لها كان كذبة.
ديما بالرغمِ من جمودها أمامه إلا أنّها كانت تشتعلُ غيرةً بالداخِل، هذهِ الغيرة التي لا تستوعبها، لم تكُن صارخةً لتشعُر بها : على مين تكذب؟ تأثيرها فيك للحين!
سيف يصحّح لها : تأثيرك أنتِ.
ديما بحدّة : ما أبـي عيال وهذا قراري.
سيف بعناد : وأنا أبي عيال منك أنتِ وهذا قراري الحين واللي بيمشي.
لوَت فمها لتلفظَ بجمود : وأنت كل شيء دايم يكون على كيفك؟
سيف بابتسامة يلفُّ ذراعيهِ حول خصرها : كل شيء يخصّك . . حاليًا بتظلين متطمّنة من ناحية الحمـل ، لو بنلتزم على كلام الدكتورة فـ الله يصبرني لبعد شهرين ونص.
ديما ببرودٍ متحدّي وهي تشعُر بشفتيه تلامس خدّها : الله يصبّرك لآخر العمر.
سيف يشدّها إلى أحضانه : تدرين إنّ صبري له حدود، فادعي من قلبك ... لأنّي أبي بنتنا تجي بأقرب وقت.
ديما تهمس ورأسها يستقرّ على كتفِه بنعومة : طول عمرك تحب الاضطهـاد .. ما تتغيّر من هالناحية.
سيف بمداعبة : اضطهاد مُستحب.


يُتبــع ..


 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 04-07-16, 11:31 PM   المشاركة رقم: 842
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 


،


في الصبـاح ، خرجَت من العيـادةِ بابتسامةٍ خافتـةٍ كبسمتِها المُعتـادةِ كلّ صبـاح، الروتينُ ذاته يتكرّرُ منذ أيـام، الشعُور ذاتـه رغم الاختلاف، نفسُ الألوانِ تراها رغم تغيّرها، نفسُ الرائحـة رغمَ اختلاطهـا بروائح أزكـى .. لا تدري هل كل شيءٍ مازال كما هو أم أنّ هنـاك شيئًا ما اختلف؟ الأيـام قصيرة ، لم يمرّ الكثير، لكن هل هنـاك شيءٌ ما اختلف؟ لا تظنّ الكثير.
يكفيها أنّ هذا الشوقَ يتضـاعف، آمنت أنّ لا معنى له، لا رجـاء منه، لكنّه يعانِد إيمانها ويتضاعَف، وماذا إن تضاعف؟ هل سيتغيّر شيء؟ هل ستذهبُ إليه مثلًا وتحطّ البقيّة الباقية من كرامتها وتطلبُ قربه؟ هل سترضَى أن تكون له ولا يكون لها!! بالطبـعِ هذا محال، هما انتهيا، لكنّ المشـاعر لا تنتهي، الذكريات والشوق والألـم.
تشبّثت بعضدِ والدهَا ومن ثمّ انحنَت إليه تهمسُ برقّة : هالمرة أنا اللي جوعانة.
ابتسمَ يوسف ليلفظ : أبشري الحين نمر أقرب مطعم.

تتبّعهم بعينيهِ وهم يدخلون لإحدى المطـاعِم، زفـر بجزعٍ وهو يمسحُ على رأسِه ويتحرّك من خلفِهم ، حتى لو رآه يوسف الموضوع انتهى! علِم بكلِّ شيءٍ وانتهـى !! . . لم يخبر حتى الآن عبدالله بهذا ، لكنّه على الأرجح سيخبره قريبًا ، " والله يستر " !!
دخـل المطعـم ليجلـس في جانبٍ يراهُم منه بوضوحٍ ولا ينتبهون له ، تكتّفَ وهو يراقبُ " ليـان " تقعُد بجانِب والدها وملامحها الغاضبـة تنظُر لأختها التي وقفَت أخيرًا لتجلسَ بالكرسيّ التي بجانِب الاخـرى ، ابتسمَ تلقائيًا وهو يتذكّر حسـام، عمره تقريبًا كعمرها ، لكنّه كـان هادئًا بعضَ الشيء .. اشتـاق لهم وكم يقتله الفراغ الآن بعد أن ذهبوا! . .
في الجهةِ الأخـرى اعتدلَت جيهان وهي تنظُر لليـان بحنق، في حينِ كانت أرجوان تضحكُ وهي تلفظ : ما عليك بزرة مشكلة لو قهرتك !
جيهان تنظُر نحوها : قهرتني وانتهـى الموضوع .. وجع محسستني بسرقه منها.
ليـان بعناد : بابا لي ..
جيهان بحنق : انقلعي من وجهي.
ليان تمدُّ لسانها : مووووتــــــي
جيهان بصدمـة : يمه يالوقـاحة !!
يوسف ينظُر لليان بصرامـة : ليان عيب! أختك الكبيرة هذي !
ليان تنظُر له بوجوم : المفروض تهاوشـها .. أصلًا محد يوقف بصفي غير فوازي أنت كله معها بس.
ارتبكَت ملامح يوسف ، بينمـا تبدّلت ملامحُ جيهان وأظلمَت قليلًا، ازدردت ريقها وهي تُشتت عينيها لتقـع فجأةً على بدر الذي كـان يراقبهم بعينيه، عقدَت حاجبيها ما إن تبيّنت ملامحـه ، لكنّها لم تُبـالي بِه كثيرًا في اللحظـة التي أشـاح فيها نظراته بعد أن انتبـه لكونِها أدركته . . صدرُها ضـاق ، واسمُ فوّاز شراعٌ لسفينةِ حُزنها، ما إن يُفتـح حتى تشعر بتلك السفينـةِ تمضي ، مع الريـاح، تحوَ منتصفِ المحيط – إن وُجِدَ منتصف -، هذهِ السفينـة المتأهبـة للمضيّ دون كسـل .. بينما شراعها يحفّز حُزنـها .. كيف تُذكـر أمامِي ولا أحزن! كيفَ يبزغُ اسمـك في لحظـاتِي وأنت لسواي ولا تضيقُ الدنيـا في عيني؟ كيفَ لتلك المرأةِ أن تتمتّع بقُربـك بعد أن سرقتـك منّي وكيف عساي أتحمّل هذهِ الفكرة دون أن تغصّ في محجري وتزاحـم دموعي لتسقط! كيف أنسـاك يا فوّاز وقلبي لم ينسى حبّك؟
نظـرت للأسفـل بصمت، بينما كـانت نظرات يوسف تنظُر لليـان بحدةٍ لم يستطِع أن يمنعها عنه في هذهِ الحظـة، يريدها أن تنسـى ، لكنّ كلّ شيءٍ يمنـع ذلك .. لذا كـانت نظراته تلك وحدها كافيـةً لتجعـل ليـان تصمُت بخوفٍ ويضيقَ صدرها، مدّت شفتيها للأمـامِ وهي تكتّف ذراعيها، بينمـا تنهّد يوسِف بعد أن انتبـه لنظراتِه ، اقتربَ من ليـان ليهمسَ في أذنها بخفوت : البنت الحلوة ما تحكي مع أختها بهالطريقة ! تزعليني منك؟
ليان بضيقٍ دون أن تنظُر نحوه : أنت أصلًا تحب جوجي أكثر منّي.
يوسف بابتسامةٍ حنونة : فيه أحد ما يحبّك؟
صمتت تتصنّع " الزعـل " بينما قبّل يوسف وجنتها المُمتلئة ومن ثمّ اعتدَل في جلوسِه وهو يشعُر بالنـادِل الذي وقفَ قربهم ، ابتسمَ ومن ثمّ نظـر لليـان : يلا حبيبتي وش ودك فيه؟

بعدَ وقت ، كـانت قد تناسَت مشاعـر الضيقِ التي اعترتْها، تناستها ولم تنساها! ، ارتفعَت نظـراتها نحوَ الجهـة التي كـان يجلُس فيها بدر، عقدَت حاجبيْها باستنكـارٍ بعد أن رأته للمرّة الثانيـة ينظر نحوهم وما إن انتبه لها حتى أشـاح عينيه، لوَت فمها وهي تنظُر لأرجوان، اقتربَت منها لتهمسَ كي لا يصل صوتها لوالدها : أرجوان . .
نظـرت لها أرجوان وهي تقطّب جبينها : وش فيك؟
جيهان بخفوت : الخليجي المملوح جالس هناك . .
كشّرت وهي ترى جيهان تُشير بعينيها إليه، شعرت بالحرجِ وهي تخاف أن يراهم في تلك اللحظـة بينما عيناها لم تتّجها نحوه أبدًا ، وبخفوتٍ تلفُظ بتنبيهٍ وحَرج : جيهاااااااان !!
جيهان بحنق : قليل أدب من أول يقز فينا .. طلع من هالنوع.
أرجوان بغيظ : الله ياخذك وخري عيونك عنه خليه يقز لبكرا وش عليك منه !!
جيهان : حسافة ملحه.
أرجوان : يا فشلتي !! لا يشوفك يا كلبة تقزين فيه بعد ويظن بنفس تفكيرك .. يمكن كان مسرح بس!
جيهان : مسرح بس أجل! يا براءتك أقولك من أول يقز وأول ما أشوفه يلف ... وقح !
دفعتـها بغيظ : خلاص طنشيه وكملي أكلك وإذا يقز وش نسوي فيه؟ عيونه وهو اللي بيتحاسب عليها.
لوَت فمها بغيظٍ وهي تحمُل ملعقتها، في حينِ أدار يوسف رأسه حيثُ كـانت تنظُر وقد انتبهَ لها ولنظراتها حيثُ نقطـةٍ معيّنة ، غصّت بلقمتها بحرجٍ وبدأت تسعُل ووجهها يتلوّن، لم تعتقد أنّه سينتبه لها ، عضّت أرجوان شفتها السُفلى وهي تكتمُ ضحكتها ونظراتها تتّجـه لها بينما كفّ جيهان تحملُ كوبَ المـاءِ بحرجٍ لتـشربَ منه.
لم ينتبهـا في تلك اللحظـةِ لملامِح يوسف التي تغيّرت ، نظـراته بعد أن رأى بـدر يجلسُ قريبًا منه وقد انتبـه لكونِه رآه . . صدّ عنه بجمودٍ وهو ينظُر نحوهما دونَ تعبير ، وبنبرةٍ صارمـة : عجلوا شوي عشـان نمشي !


،


بعد الظهيرة، كانت الشمسُ تتسلّلُ عبرَ النافـذةِ لينعكـس ضوؤها على بشرَتها السمراء، تمدُّ بأنـامِل شارِدة " واقي الشمس " على ملامِحها التي تظهرُ في المرآةِ ولا تراها، لا تراها بحجمِ ما يضيعُ تفكيرها بعيدًا، بحجمِ ما تتعرقلُ الأمنيـاتِ على نتوءاتِ السحّابِ " الضبابيّة "، بحجمِ ما يغيبُ عن عينيها النظـرُ ولا تعثُر في أحـداقِها على لمحـة، ترى بِها سلطـان الذي وقفَ عن البـابِ واتّكأ بكتِفه على إطـارِه ينظُر لشرودِها بصمت، يكتّف ذراعيهِ إلى صدرِه بينما كـانت في هذهِ اللحظـاتِ تفكّر " ماذا أفعل؟ "، الآن ماذا تستطيع أن تفعل؟ كيف بدأت ترى أحـلامها تتهاوى بهذهِ الطريقة؟ كانت الليلـة الماضيـةُ كافيةً لترى فيها أحلامَها تتهاوى واحدةً تلوى الأخرى، تسقُط من سماءِ سلطان، كـانت تقول بأنّها ستأتيه بعد عامينِ وربّما أقل أو أكثـر لتفاجئه بأنّها حفظَت القرآن، وقتها ستكون تحملُ في يدها طفلًا يُشبِهما ، أرادته أن يشبـه ملامح سلطـان، لكن الآن ذهبَ تفكيرها بعيدًا، أصبحَت لا تراه ، وربّما لو كان سيجيء لن تتمنّى أن يأخذ ملامحه ويأخذ منها البـاقي! ربّما الصفـات، ربّما الكذب! ربّما الخداع والأنانيّة والضياع! يأخذ ملامحها وقلبه وصفاته؟ هل سيجيء أصلًا كحلمٍ تحقّق بعدَ نومٍ ضائعٍ بتقلّبـاتِ السنين؟ هل سيجيء؟ هل سترضى بأن تمرّ بقيّة الأيـامِ بينهما وهي تخدعه؟ لمَ لم تفكّر بذلك منذ البداية! بأنّ ضميرها سيصرخ عليها بأن .. بأن ماذا؟ .. أن تبتعد؟ . . . فغرت شفتيها بضيـاعٍ وهي تتنفّسُ من بينهما باختناق، تبتعدُ بعد أن غرقَت في بحرِه وبعد أن أصبـح لها كلّ شيء ! .. كيف تستطيع؟ ربّما لو أنّها اختارت الابتعاد منذ خيّرها لكـان أفضل! .. لكنّها الآن لا تستطيع، لا تستطيع أبدًا أن تبتعد !!
رفعَت يدها لتمسَح على خدّها دمعـةً وهميّة، صارتْ تشعر بالدمع حتى قبل أن يسقط، هذهِ الصيغةُ في الحزنِ تقتلها . . مالّت فمها بأسى والنظـر يعودُ إليها بعد أن عادت لواقعِ التواجُد وما تفعل، وضعَت الواقي على التسريحة في اللحظـةِ التي رفعَت أحداقها للمرآة، شهقَت فجأةً بذعرٍ واستدارَت على عقبيها لتضعَ كفيها على حافّة طاولـة التسريحةِ من خلفها ما إن رأت سلطـان يقفُ خلفها عبر المرآة ، ارتبكَت وهي ترى نظراته الصامتة تلك والتي لا تعبّر عن شيءٍ من عواطِفه الآن ، ابتلعَت ريقها بصعوبـة .. ومن ثمّ أخفضَت نظراتها لتهمسَ بضيـاع : مساء الخير.
سلطـان بجمود : للحين خايفة مني؟
رفعَت أنظـارها بسرعةٍ وهي تفغـر فمها، عقدَت حاجبيها قليلًا بينما رأسها يتحرّك تلقائيًا بالنفي، تجيبه بأنّها لا تخافه، كيف قد تخافه؟
سلطـان يبتسـم : شلون لا؟ من خوفك أمس كنتِ تتنافضين بعيد عني ومو راضية تنامِين جنبي! ومن خوفك الحين ما قلتِ كلمـة وتهزين لي راسك وكأنّك خرسا !
أشـاحَت وجهها عنه وهي تُخفضُ إحدى كفيها المُمسكةِ بزاويـة الطـاولةِ لتعـانِق بها عضد يدها الأخرى، وبخفوت : مستحيل أخاف منك .. شلون تبيني أخاف من موطنِي؟
سلطان : كنتِ أمس تقولين خايفة منه.
غزل بغصّة : كنت خايفة ينبذني .. ماهو منه.
سلطـان يرفـع كفّه لتنتفضُ بذعرٍ ما إن وضعها على خدّها، تحرّكت كي تبتعدَ عن نطـاقِ كفّه وكأنها تنوي الهرب، لكنّه لم يسمحَ لها وهو يمدّ كفه الأخرى ليضعها على طاولـة التسريحة يمنعها من الهرب بأسرِه، وبنبرةٍ هادئةٍ وهو يلحظُ ارتعـاش شفتيها : أيش مفهوم النبذ عندك وأنتِ الحين خايفة بعد؟
غزل تُغمضُ عينيها لتردّ بصوتِها الخافِت ذاته : الحين خايفة من نفسي!
سلطان يرفع حاجبيه، وباستنكار : غزل وبعدين معك!
يرتفعُ صدرها بعمقٍ متحشرج وهي تخاف هذهِ المرّة أن تضعف، أن يقتربَ منها فتندفـع إليه ولا تعترض، أن تلوّثـه بخداعِها وكذبها ، هي الضعيفةُ إليه والشغوفـة بِه ، لذا الآمان تجاهها " عدَم " . . بصوتٍ يكاد أن يتلاشـى : بيجي يوم وتتركني.
سلطـان : عارف أسبـابك التافهة .. شايفة؟ تافهة .. أنتِ مالك ذنب!
فتحَت عينيها وهي تقوّس فمها، الذنبُ كلّه أنـا أحمله، الذنبُ كلّه مني منذُ دخلتُ حياتك وحتى هذهِ اللحظـة! . . هتفت تكرّر بعذاب : بيجي يوم وتتركني .. تنبذني ... إذا ما كان المعنى ترفسني من حياتك وكأنّي مجرد زبالة !
شهقَت ما إن التصقَ جسدهُ بها باندفـاعٍ وصوتُه يندفـع إليها بعلوٍّ حـاد : غـــــــــــــــــــــــــزززل !!
وبالرغمِ من كونِها خافَت من غضبِه الآن إلّا أنها لفظَت بقوةٍ وهي تغمضُ عينيها بينما جسده يضغط على جسدها بغضب : أيــــــــــــــــــــه .. غــــزززل ، اللي تحاكيها الحين غزل ، أنا النجسة وأنا الزبـالة وأستاهل كل شيء ! كل شيء من البداية أستاهله .. بس أنت ما تستاهل ، ما تستاهل هالدائرة اللي عشت فيها مع إنسانة مثلي !
سلطـان وعينيه تتّسعـانِ بتحذيرٍ خافتٍ حاد لم ترَه من إغماضـةِ عينيها : انكتمـــــي !!
غزل تتابـع بأسى وهي توجّه أحداقهُ إليه بعد أن ارتفعَت أجفانها عن عسليّةِ عينيها، التجأ التحديقُ لعينيه الغاضبـة، تنظُر لهُ بحزنٍ وهي تهمس بحسرة : تدرِي وش أكثر شيء يوجعنِي؟ إنّك دايم نيّتك حسنـة ، وأنا سوء النيّة بذاتها ، أول ما شفتك كنت أقول رجّال مثل جنسـه ، كذّاب ومنافق ويتصنّع ، أنتظـر بكل يوم تطلع بوجه أبوي ، انتظـرت وانتظرت بس ما تلبّسك بصفاته! شلون؟ للحين يمثّل علي إنّه الشخص " الملاك "؟ ليه ما يضربني كل ما عصّب مني؟ ليه يوم جاء معصب مرّة رفع يده بس بعدين تراجـع وانصـدم وكأنّه بهذاك الوقت ما كان هو! ما كـان سلطــان لأن سلطان ما يرفع يده على أحد! .. ليه كان يحاول يسعدنِي؟ ليه كان يصرف علي من وقته عشان أبتسم؟ يمثّل؟ مستحييييل كل هالوقت! انتظـرت لوقت طويل تطـلع بحقيقتك ، بس حتّى لمّا عرفت إنّي كنت أتآمر ضّدك مع أبوي ما ضربتني ، اكتشفت بعد كلّ هالوقت إنه أنا اللي كانت نيّتها سيئة وأنا اللي كـان وجهها كاذب! أنا المتصنعة وأنا المنافقـة وأنا اللي كنت شاذّة عن جنـس البشر ككل . . . اكتشفت ، اكتشفت * بألم * إنّي شيطــــان.
سقطَت دموعها مع كلمـتها الأخيرة، الوصفُ الذي أطلقته عليها سالِي ولم تكذِب ، ربّما لم تكُن سالي صالحـةً مثله، لم تكُن نقيّةً مثلـه لذا كـانت ترى عيوبها وترى كذبها بينما سلطـان لا يرى منها كلّ ذلك، لا يرى منها كلّ هذا الخداع !! . . زمَت شفتيها بألمٍ وهي تُخفضُ عينيها الدامعتـينِ عن عينيه، كـان ينظُر لها بصمتٍ وعينيه الجامدتيْنِ لم تكُن راضيـةً عمّا سمِع منها ، هذا البُكـاءُ الذي باتَ يهوى عينيها كثيرًا، يهوى تقبيلَ مقلتيها بدمعِه، يهوى السير على خدّيها حتى يسقًط كقطـرةِ ملحٍ من غيمٍ شاذّةٍ عن بنِي جنسِها ، كفّه التي كـانت تُستريحُ على خدّها قبلًا بدأت تمسحُ دمعها، بينما ملامحه لم ترسم أيّ تعبيـر ، كصوتِه : سبق وقلت لا عاد ينعاد موضوع أبوك بيننا ، نسيته .. وش قصّتك مع المواضيع اللي تضيّق خلقي أنتِ؟
لم تردّ ولم تنظُر إليه بينما دموعها يزدادُ هطولها وابلًا، ليُكمـل وهو يبتسمُ ويوجّه ملامحها إليه كي تنظُر له قسرًا : وأيش مصطلح شيطان هذي؟ وزبالة ومدري أيش ! شكلك تبني تجربين سلطـان اللي يضرب !
ابتسمَت بحزنٍ وهي تمسحُ بظاهِر كفّها على أرنبـةِ أنفها، وبتساؤلٍ مختنق : سلطـان يضرب؟
هزّ كتفيه : يمكن تطلعين منّي هالشخصية.
غزل بألم : ما أستبعد .. ما أستبعد ولا بلومك وقتها . .
احتدّت ملامحهُ ليهتف بتحذير : غــــــزل! لا تطلعيني من طوري معك! .. عمري ماراح أمد يدي على حرمة ، خلاص خلّي هذي حلقة بأذنك ماهو رجّال اللي يسويها.
غزل : ما تنقـص منك ، صدّقني لو سوّيتها ما تنقـص منك عندي شيء !
سلطان يضعُ كفّه على عينيها بشكلٍ أفقيٍّ وهو يهمسُ بابتسامة : خلاص .. قولي لعيونك تبطّل هالدموع تعبت يدي وأنا أمسح فيها.
ابتسمَت رغمًا عنها بعد أن حلّ الظـلام على عينيها من كفِّه، وبنبرةٍ لازالت مختنقـة : مو بيدّي والله.
سلطـان : متزوج لي بزرة كل وقتك أنتِ ودموعك .. حشى لو إنّه أحد ميّت عليك.
غزل تمسك كفّه لتُخفضها عن عينيها : ما عندي أحد بحياتِي غيرك.
سلطـان بسخرية : أجل يا بختي بتوفّرين كل دموعك لي . .
غزل بجزع : سلطــــــــــان !
سلطـان بجدّية : للحين خايفة مني؟
ابتلعَت ريقها وتجمّدت ملامحها للحظـة، أشـاحت وجهها وهي تمرّر باطـن إحدى قدميها على الأخرى، وبخفوتٍ مرتبك : قد قلت لك ماني خايفة منك.
سلطان : ماني مصدّقك للأسف.
غزل : قلت لك ما عندي أحد بحياتي إلا أنت .. لو أخاف منّك مصيبة !
تحرّك مبتعدًا عنها باتّجاه البـاب وهو يلفظ : أجل شرّفي يا مدام للغداء ، ما أكلت الصبح شيء بسببك وش هالنوم؟


،


تتحرّك أقدامها أسفـل الطـاولةِ بضجر، يجلسُ أمـامها، ترى فيه الشرودَ ولا تبـالي، الملعقـةُ يغزو بها غاراتِ الأرزِّ على طبقـه، لم يأكـل الكثير ، وبالرغم من فضولها الذي ثـار قليلًا حتى تعرف ما يُشغـل عقله بهذهِ الطريقةِ منذ الصبـاح إلا أنها صمتت تُكمـل أكلهـا بروتينٍ ممل، اشتـاقت الطعـام على طاولَتهم، الأحـاديثُ التي لا تريد أن تنتهِي وتستفزُّ عبدالله الذي ينطق أخيرًا بحدة " احترموا النعمة "! .. فيصمتُون لثوانٍ قليلـةٍ ومن ثمّ تعُود الأحـاديثُ لتنبثقَ من جديد . . ابتسمَت رغمًا عنها وهي ترفعُ الملعقـة لفمها، وفي حينِ شرودٍ منـه كان يُعيدُ جسدهُ للخلفِ زافـرًا بقوّةٍ بينمـا قدميه الحافيتينِ لامسَت قدمـها بعفويـة ، شهقَت لتُسقِط حبّات الأرزّ من ملعقتـها إلى صدرِها وجُحرها ، وضعَت الملعقـة بعنفٍ ليدوّي صوتُها على الطبـقِ بينما سحبَت قدميها بحنقٍ إليها ، انتبـه أدهـم لانفعـالاتِ حركاتِها لينظُر لها عاقدًا حاجبيهِ باستنكـار : وش فيه؟
إلين بحنق : أنت اللي وش فيك مع حركات المراهقـة هذي؟
انخفضَ حاجبٌ وبقيَ آخرٌ مرتفعًا دون فِهم، لم يكُن في مزاجٍ لها الآن لذا نهضَ ليبتعدَ وهو يلفُظ بجمود : الحمدلله . .
إلين تتمتمُ بكره : أي والله الحمدلله إنّك قمت أقلها آخذ راحتي .. اففف !
خـرجَ للصالـةِ وهو يزفُر ممرّرًا بعضَ الهواءِ الملوّثِ من رئتيْهِ للا فـراغ حولِه، نظـر للأرائكِ " المورّدة " بوجومٍ وهو يتّجـه ليجلسَ عليها بينما كفّه تُخرجُ الهـاتفَ من جيبِه ، سيجرّب الاتصـالَ بِه من جديدٍ بعد أن أثقلـه التفكير البارحـة ولم ينَم كمـا يجِب بسببِ ذاك الموضوعِ المعلّق منذ يوم ، وهذا اليوم كان كافِي ليشعر أنّه سيجنّ !
اتّصـل بمتعب ، لتُضيء ملامحه تلقائيًا ما إن سمـع الرنينَ الذي كان موؤدًا البـارحـة ، مرّر لسـانه على شفتيه قبـل أن يصلـه الردُّ بعد ثوانٍ، صوتث متعب جـاءه جافًا لا تعبير فيه : نعم ؟!
أدهم يعقد حاجبيه، مطّ فمـه قليلًا بعد أن سمـع صوته ورغم لهفته السابقة لردّه إلا أنه لم يدخل في موضوعهِ مباشرةً بل لفظَ بسخرية : يا حبيبي زعلان؟
متعبْ يزفُر بضجرٍ وهو ينقلبُ على جانِبه الأيمـنِ فوقَ السرير، لفظَ بجفاء : جـاي تكمّل؟
أدهم : صاير حسّاس.
متعب : لا والله ! دامها حساسية بالنسبة لك بسألك .. دعيت اليوم لأبوك؟ من زمـان ودي أسألك ماقد قال لك أحد هاليومين أبوك سكير حتى خاتمته . .
صمتَ وهو يعضُّ شفته دون أن يُكمـل، بينما اتّسعت عينا أدهم بصدمةٍ وهو يلفظُ بحدة : يا حقييييييير !
متعب بضيق : شايف شلون الشماتة توجع؟ أستغفر الله بس خليتني أتكلم عن ميّت بالسوء.
أدهم بحدة : لأنّك حيوان .. على بالك من المرجلة هذي تنتقم بأبوي؟
متعب بحدةٍ وهو يجلس : أجل من المرجلة تعايرني باللي صار لي؟
أدهم بحنق : وقح !
متعب : منكم نتعلم . .
أدهم يغيّر الموضوع بحنق : المهم أنت ووجهك .. بتكلم معك بموضوع مهم، من أمس وأنا أتصل عليك ليه مقفّل جوالك؟
متعب ينهضُ عن السرير دون هدى ، يشعر بالملل من روتينه المُمل : شاهين كان يتّصل ، وأنت أدرى جوالي مراقب.
تبدّلت ملامحُ أدهم ما إن نطـق اسم شاهين، حرّك عينيه لتقع على إلين التي كانت تتّجه للصعودِ للأعلى وهي تتجاهل وجوده، وبخفوتٍ متوجّس : وإذا مراقب ليه تتكلّم بهالشكل يا غبي !
متعب يُميل فمه : شالوا المراقبـة اليوم ، رفعوا ضغطي وانفجرت على رئيسهم إذا تشوفوني مجرم اسجنوني أما هالمعاملـة الزفت ما أبيها .. في النهاية وعدني إنه يشيله وتوه من نص ساعة قايل لي.
أدهم : واثق إنت بكلمتـه؟
هزّ كتفيه دون مبالاة : أكيد لا.
شدّ على أسنـانه بحنق : غبـي . .
متعب بسخريـة : مالنا غير نمشي ورى وعود النـاس إذا القريب بيكون كذّاب.
أدهم : هذا المفروض يخليك ما تثق !
متعب : عاد الشكوى لله.
أدهم : اسمـع ، خلنا من هالموضوع الحين .. ودي أقابلك الحين .. والحين الحين ماهو بعد ساعة ولا شيء .. عندي موضوع مهم وأبي أشوفك ماني مرتاح على الجوال.


،


وضعَت الملعقـة على صحنِها وهي تحمِدُ الله وتنهـض، تحرّكت كي تبتعِد لكنّ صوتَ عناد المبتسـم جاء إليها هادئًا : تعالِي لغرفتي بعد ساعة خاطري أسولف معك.
نظـرت له وهي تبتسم ابتسامةً بـاردة، وبرقّة : طيب.
ومن ثمّ تحرّكت خطواتُها لتبتعد، في حينِ وجّه عنـاد نظراته نحو امّه ليلفظ بشك : يمه متأكدة مافيها شيء! مو عاجبني هدوءها ذا !!
ام عناد بربكـة : عناد كم مرة أقولك سوالف حريم ! البنت كبرت وطبيعي بهالوقت مزاجها يشين.
عقدَ حاجبيهِ بشك : لهالدرجة !!!
امّه تُخفِي ما تراه أكثـر ، لم تقُل لهُ عن شخصيّتها التي تبدّلت ولم تقُل له عن تصرّفاتها الحادة معها مراتٍ كثيرة .. ولازالت تكذبُ عليه : وأكثـر من كذا ، كونك درست طب ما يعطيك كل العلـم سوالف الحريم احنا أدرى فيها . .
تنهّد عناد وهو يُعيد ظهره للخلف، ينظُر للأعلـى بصمتٍ لبعض الوقت، قبل أن يهتف بخفوت : محاتيها .. أحس إنّي أهملتها كثير بهالفترة .. ملاحظ الموضوع القديم ماهو مأثر عليها كثير ! كنت متوقّع ومتأكّد بيأذيها بس اللي أشوفه إنّني كل ما لمّحت له كان عادي بالنسبة لها !!
ام عناد بحدة : هذا بدل لا تنبسط إنه ما ضرها كثير !!
عناد ينظُر نحوها وهو يبتسم ابتسامةً خافتـة : أكيد بنبسط ، بس سكوتها بهالطريقة يخوفني أكثر !!!


،


رمَت محاضراتِها بضجر، لم يتبقّى الكثير على بدءِ امتحاناتِ الفصل الصيفي، تشعر أنّها أصبحَت تحفظُ كلّ صفحةٍ وكل كلمةٍ وحرف . . زفـرت بضجرٍ وهي تنظُر لساعةِ الحائط، استقامَت بعيدًا عن السرير لتمشِي وقد قرّرت أن تذهب لهم حتى وإن كـان في هذا الوقت ، منذ متى كـانت تبالِي بالوقتِ معهم؟ منذ متى كـانت تحتـاج لساعةٍ مـا حتى تراهم ! . . زمّت شفتيها بحقدٍ وهي تتجاوز عتبـاتِ الدرج، فقدَت حياتها الحلـوة بعد أن وافقَت عليه ، أيُّ جنونٍ كـان يعتليها؟ المشكـلة أنّها لو عـادت بالزمنِ لفضّلت هذا الخيـار ، لفضّلت أن تبدأ تكوينًا جديدًا لحياتِها . .
بحثّت عن أدهم حيثُ كـان يجلُس، لم تجدهُ لذا تحرّكت نحو المطبـخ، جهة المغاسِل ، ليس هنا! . . عقدَت حاجبيها لوهلـة ، وسرعـانَ ما اتّسعَت عينـاها لتشهقَ بصدمةٍ وعقلها يستوعِبُ أنّه خرج ! صرخَت بقهرٍ من بينِ أسنـانِها وهي تتحرّك بغيظٍ وتشتمه : الحيوان المهمل المراهق !! شلون يتركني كذا !! دايم يطلع وأنا أنثبر هنا الحمـــــاااار !!
تحرّكت خطواتُها بغضبٍ نحوَ الدَرج كي تصعَد وتحمل هاتفها، كي تتّصل بهِ وتقول له بأن يعود أو ستذهب مع سيّارةِ أجرةٍ من جديد !! . . لكنّها فجأةً توقّفت حينَ سمعَت صوتَ جرسِ البـابِ يتصاعد، عقدَت حاجبيها باستغراب ، أدهم لن يضرب الجرس ويستطِيع الدخول دونه؟ من قد يزورها في هذا الوقت؟ بالتأكيد ليسوا عائلتـها فهم لم يكونوا ليأتوا دون أن يخبروها !
تحرّكت بتوجسٍ نحوَ البـاب، نظـرت عبر " العين السحرية " لتلمـح كتفًا أسود ، كتف امرأةٍ ترتدي عباءة ! ازدادت عُقدةُ حاجبيها ، ربّما جارةٌ لها وجـاءت تنظُر لزوجـةِ الرجل الذي يسكن بجانِبهم !! . . أمـالت فمها قليلًا ومن ثمّ تراجعت لتفتـح البـابَ وهي تدسّ جسدها خلفه ولا يظهر للمرأةِ سوى رأسها ، لفظَت بتوجّس : أهلين . . .
لكنّ كلمـاتها أخرسَت فجأة ، شهقَت بصدمـةٍ وعينـاها تتّسعـان ببهوت ، بينما ترى أمامها ملامحَ ظاهرةٍ عبـر حجابٍ متهالِك ، وجـهٌ رأته قبل أكثر من سنـة ، وملامح تُشبهها لم تنساها حتى هذهِ اللحظـة !!


،


بقيَ ينتظـره في مكانِهم المعتـاد، يزفُر بقلّةِ صبرٍ وحرارةُ الشمسِ تجعلُ زفيرهُ كنـار ، تلك النـار أشعلها وقودُ الانتظـار الذي يعبثُ بمزاجِه السيء أصلًا ! . . كـان يتّكئ على سيارتِه بظهرهِ وهو ينظُر للسمـاء ويزفُر مرتينِ وثلاثًا، ينظُر للساعـةِ كل حين، وحينَ شعر أنّ الحرارةَ تشتدُّ استـدارَ كي يفتحَ بابَ السيّارةِ ويجلسَ في برودتِها وهو يشعُر بالغيظِ لتأخّر متعِب.
لم يكدْ يُمسك مقبضَ البـابِ حتى لمِح سيّارة أجرةٍ تقترب، ابتسـم وهو يتنهّد ، ومن ثمّ عـاد لوضعِه ، يستنـد بظهـرهِ على السيّارةِ وهو يرى متعب يقتربُ بملامح ظهـر عليها الضيقُ وكأنه لم يكُن يريد أن يخرج ، نظـر لهُ من الأعلـى للأسفل بسخريةٍ ما إن وقفَ أمامه، وبتهكم : أخيرًا أعتقت نفسك من الأثواب!
متعب بضجر : ترى ما طلعت معك كثير بالريـاض ، يعني ما شفتني فيه غير كم مرة . . . * أردف بجدّية * والحين وش عندك مطلعني الحين؟
أخفـض أدهم ذراعيْه الذين كـانا يكتّفهما أمـام صدرِه، نظـر لهُ بصمتٍ لوقت، ومن ثمّ لفظَ وهو يرسُم على ملامحِه الجدّية : كنت بسألك عن شيء.
متعب يرفع حاجبه الأيسر : ما ينسئل بالجوال؟
أدهم : لا .. الموضوع مهم ما ينقال عالجوال.
متعب بتوجّس : شلون يعني؟
أدهم دون مقدّمـات : وش اللي صار لك قبل لا نلتقي؟
راقبَ ملامحَ متعب وهي تتغيّر بحيرةٍ من سؤاله، بعضُ الربكـة أصابته لكنّ الأكثـر كان عدمَ فهمٍ بزغَ في ردّه : الفنـدق اللي كنت فيه . . .
قاطعـه أدهم بجمود : قبل الفندق !
متعب باستنكـار : نعم !
أدهـم يكرّر : قبـل الفندق .. وش صار معك بالضبط؟ ليه كنت مسافـر لميونخ وقتها؟
توتّرت ملامحُ متعب هذهِ المرّة وغـادرتها الحيـرة، شتت عينيه عنه والضيقُ اكتنـزَ في عينيهِ وكأن الذكـرياتِ هاجمته مرّةً واحدة، منذ متى كـانت مستسلمـةً للوقوفِ بصمتٍ وهي التي لا تتوانَى عن مهاجمـةِ فكرِه؟ . . لفظَ بضيق : ليه النـاس دايم تسافر لسبب غير الترويح؟
أدهم بحدة : أنت سافرت لسبب غير الترويح صح؟
متعب ينظُر لهُ وهو يقطّب ملامحه بحدّة : وش مناسبة هالسؤال الحين؟
أدهم بحنق : أبـي أعرف . . ليه ما قلت لي من قبل إنّك سافـرت عشان تعالج نفسك من الإدمـان؟
اتّسعَت عينـاه بصدمةٍ وملامحـه تشحُب ، تراجـع خطوةً مستنكـرةٍ استنكـارًا طـال صوته الذي لفظ : شلون دريت؟
أدهم بضيقٍ ابتـسم وهو يُشيح ملامحه جانبًا، وبحسرة : الحيوان كـان صادق !
متعب بحدةٍ اندفـع يلفظُ وهو يقتربُ الخطوةَ التي ابتعدَ بها : الحيوان !! مين تقصد؟ مين اللي قالّك ومحد يعرف عن شـ . .
قاطعه أدهم وهو ينظُر له بحدة : مين بيدري يعني غير شاهين؟ هو اللي قالّي.
متعب بصدمة : شاهين !! . . كلمته؟
أدهـم بحنق : ليه هوّ تركنِي في حالي؟ . . الله ياخذك خليتني جاهل قدامه يعني كنت مستخسر تقولي صار لي كذا وكذا وكذا؟
زفـر بضيقٍ وصوتُه يضيق معه، لمْ يكُن يريده أن يعلـم، ليسَ لشيءٍ سوى أنّ هذا الجانِب المظلـم من حياتِه لا يريد أن يتذكّره، لا يريد لأحدٍ أن يعلـم لأنّه لا يريد أن يتذكّره !! . . لفظَ بصوتٍ خافتٍ شرَد لتلك الأيــامِ الموجعَة : ما كان موضوع مهم !
أدهم يكادُ يضربه من غيظِه : ياخي أبي أضرب ! خاطري أضرب . .
نظـر لهُ متعب : أقسم بالله لكفّخك هالمرة تبي تضرب طلّعها بزوجتك يا همجي.
ابتسم باستفزاز : لا مرتِي ما أرضى عليها ماهي من مقام الحيوانات أمثالك عشان تنضرب.
متعب بتهديد : بديت تخرّبها معي .. * أردف بجدّية * الحين خلنا بموضوعنا ، وش المناسبة اللي خلته يعلمك بقصتي؟
أدهم : قالها لي من قبـل ، مو مهم ، بس هو كـان يحاول يثبت لي صدقه.
متعب يرفع أحد حاجبيه : صدقه !!
أدهم : أي .. ما أدري أحس عقلي اختبـص .. بس هو قبـل كـان يظنّ إنّي السبب في اللي صار لك . .
ارتفعَت زاويـة فمهِ دون فهمٍ ليكرّر : السبب في اللي صـار لي !!
أدهم بتردد : اسمـع .. أنا بنقل لك الكـلام سواءً كنت مصدّقه أو لا .. أصلًا أنا ما أدري للحين أصدّقه أو لا لأنّه لو كـان يكذب فشكله غبي لأنّك خويّي .. بس ما أدري إذا جوابـك يعبّر عن صدقه في بقيّة السالفـة . .
متعب : وش عند يا رجّال وترتني .. جيبها من الآخر وش مسوّي شاهين بعد؟
أدهـم يزفـر بتشتّتٍ وهو يمرّر كفّه على رأسه : يقول إنّنا كلنـا مخدوعين . .
لمـح نظرات متعب التي تغيّرت ببهوت، لم يستوعب معنـى كلمـاتِه لذا أردفَ أدهم بتأنّي : يقُول إنّه مستحيل يفكّر يأذيك .. مستحيل يتجرّأ يتزوج زوجتك وأنت حي . . السالفـة كلها إنّنا طحنـا بنفسَ الخدعـة ، ماهي بعيدة أحد يستخدم اسمه ويوهمك إنّه اللي سوّى فيك كذا .... مثل ما يقول !
صمتَ الوقتُ عن المضي، وعينـاه ترقبـان ملامحَ متعب التي شحبَت وهو ينظُر لهُ نظـرةً خاويـةً من الحيـاة ، جلدُه يذبُل، لم يستطِع أن يخفِي من عينيه الرغبـة بذلك، أن يكون كلّ ذلك خدعـة ، أمنيته الدائمـة في غربتِه كانت أنه يحيا كابُوسًا ، والخداعُ من مشتقّاتِ الكوابيس، أن يكُون كلّ ذلك بعيدًا عن شاهين ، ولو جـاءهُ ماردٌ بنبأ " الأمنيـات " لاختـار فقط أن يكون شاهين بريئًا . . . يا الله لو يتحقّق ذلك! وتضيعُ سنينه تلك بحزنِه .. لا يهمْ! فرحتـه في تلك اللحظـة ستتجاوزُ السنواتِ كلّها ، لكن هل يمكن أن يحدثُ هذا ! .. هه! يالعبِث الأمنيـاتِ الواهيةِ هذه!
لفظَ بنبرةٍ ميّتـةٍ وعينـيه تُظلمان، ملامحهُ تشيخ أكثـر ، أهدابُه تنكسِر، ذراعـه التي لوتها الأيـامُ بسلسلةِ الأقدار التي حملّت اسمـه ، كـان اسم شاهين بحروفِه هو الذي أسـره في كلّ هذا .. كـان هو ! : تدري إنّي سـامع صوته بنفسي .. وتدري إنّه كـان من رقمه بعد! الرسـالة اللي فضحَت مكانِي وبعدها صوته . . تدري بهالشيء يا أدهم !
لم يردّ أدهـم وهو يدرك في هذهِ اللحظـة أنّ آلآمـه عادَت لتثور ، بينما ابتسم متعب بسخريةٍ مريرةٍ وهو يلفُظ بخيبـة : كذبـة جديدة ، مجرّد كذبـة جديدة منّه . . للأسف.


،


تراجَعت للخلفِ بصدمـة ، وفحيحُ الهواءِ خـارجًا أصابَها مع ظهورِ ملامِح أمّها لهـا ، البـاب بقيَ معلّقًا ، مفتوحًا على الوجـه الذي رأتـه آخـر مرّةٍ قبـل وقتٍ طويل ، كـانت المرّة الأولـى والأخيرة ، لم يتبعها سوى سردٍ عن ماضي .. عن ماضٍ مُهلك !! ماضٍ يغمسُ جراحها الملتهبـة في الملـح . .
ابتسَمت رقيّة برقّةٍ وهي تلفظُ بنبرةِ صوتِها النـاعمـة : أدخل؟
ولم تكُن لتنتظـر ردّها بالفعـل، بل دخَلت لتغلـق البـاب من خلفِها وكأنّها صاحبـة المنزِل . . شعرَت بجسدِها يتشنّج وبالزمنِ معها ، تنظُر لهـا بملامِح باهتـة ، بعينين لا تصدّقـان، بلوعـةٍ حشرجَت أنفاسها وماضٍ بـزغ من جديدٍ غير " أدهم ونجلاء " ، ماضٍ تكرّر مرّةً أخـرى ، غير والدها الذي غـاب مرّةً أخـرى بعد أن قـامَ بعملِه ورحـل ، عملِه الذي كـان قسرًا حتى لا يُعكّرَ مزاجـه فقط ! جـاءتها من المـاضِي وأنــارتْ في شفتيها تقويسةَ خذلان، لمعـةُ حزنٍ في عينيها سرعـان ما أطفأتها وهي تُشيحُ بوجهها الشبيهِ بها عنها ، قلبـها شعرت أنّه ينكمـشُ فيوجعها، صوتُها أيضًا، والذي خرج إليها مختنقًا : وش تبغين؟
رقيـة بعتب : هذي طريقة تستقبلين فيها أمّك؟!!
احتدّت نظراتها بينمـا مـال فمها بسخريةٍ لاذعـةٍ لنفسِها ، بحزنٍ من تلك الكلمـة التي تجلدها بسياطِ الفقـر الأسريّ، أقسـى فقر، ليس المـال بل هو فقر الأسـرة ! . . لفظَت بتهكّمٍ ساخـر : أمي؟ حاشا هالمكانـة منك !
ابتسمَت رقيّة دونَ تعليقٍ وهي تحرّك أحداقـها تنظُر للمنزل الذي اختلفَ وباتَ آخـر منذ المرّة الأخيـرةِ الذي كـانت بِه، الجدرانُ اختلفت، الأرائك، التضاريس، والألوان أصبحت أكثر عصريةً وزهوًا . . لفظَت وهي تبتسم ابتسامةً أقرب للسخرية : يا الله شلون تغيّر كل شيء !!
نظـرت نحو إلين التي كانت ترمقها بجمودٍ وشراراتُ عدمِ الاستقبـال تظهر مليًا على ملامحها : شفت أدهـم من شوي طلع فقلت فرصتِي عشان أشوفك.
إلين تعقدُ حاجبيها بضيق : تراقبيني؟
رقيّة ببساطة : تقريبًا . . شلونك مع هالهمجي؟
إلين بالرغمِ من كرهها لأدهـم وحقدها عليه إلا أنّها لم تكُن لتسمـح لها بالحدِيثِ بهذا السوءِ وهي أسوأ، كلّهما يملكـان صفـاتًا متقاربـة، لكنْ على الأقـل أدهم لم يطمـح للحرام يومًا! ، لفظَت بدفـاع : يا ليت تحترميني وما تحكين عنه بسوء قدّامـي! وبعدين ترى مالك حق تقيميين الناس !!
ضحكَت رقيّة بصدمة، ضحكـةً سريعـةً خاطفـة ومن ثمّ لفظَت بتعجّب : جـاب راسك؟
إلين بقهر : سؤال ماله قيمـة .. بس الأكيد ماراح أسمح لأحد يحكي عنه مهما كـانت مكانته عندي.
رقية : يعني له مكانـة؟
إلين تتجاهـل سؤالها وتردُّ عليها بسؤالٍ آخر : ليه جيتي؟
رقيّة ببساطـة : عشـان أشوفك . . بتخليني واقفة كذا؟
إلين تشدُّ قبضتيها وآلامها تُبصِر الطريقَ إليها، هذا الغزو الذي امتهـن قلبها ، أن تنتظـر شيئًا وتتمنّاه سنينًا لتكتشف أنّه حقيقـة، لكنّها حقيقةٌ موجعَةٌ تجعلك تتمنّى لو أنّها لم تكُن! تجعلك تنسى أمنياتِك السابقـة وتتمنّى أنّها لم تكُن ، يا الله كم أنّنَا نظلمُ أنفسنا حين لا نرضى ! ، كنتُ بخيرٍ قبل أن ألتقي بهِم، قبل أن أعـرف الحقيقـة وأعيش في دوامةِ هذهِ الخيبـة، كنتُ بخيرٍ قبـل أن أفقدَ نفسي ، فقدتها من شدّةِ هذا الحُزن وهذهِ المرارَة التي بقيَت حتَى الآن تسكُنني كصديدٍ وجَد دارَهُ في حنجرتِي ووجدْتُه قوتِي اليوميّ من الألـم . . . ابتلعت ريقها بصعوبـة، هذهِ الصعوبـة تقتلنِي حين تُخلـق في أبسط الأشيـاء تعبيرًا عن الانهزام . . ارتفعَ صدرها بضيقِ تنفّسها وهي تُقرِئ نفسها أن لا تضعف ، لم يُخلـق بعدُ من يُضعفها سواهم، عائلتها التي لم تجتمِع معهم بدّمٍ لكنّهم كـانوا أصدَق دائمًا ، لم يكونوا مثلهم ، أبدًا لم يكونوا مثل من أخذَت دمهم !!
لفظَت بخفوتٍ متأسّي : شلون لك وجه تجين عشان تشوفيني! شلون لك وجه تعيشين أصلًا!!
رقيـة تبتسم بجمود : أخطائي منتِ مسؤولة تحاسبيني عليها.
إلين بحدةِ صوتٍ خـرج مقهورًا ، بتداخُل حبالها الصوتيّةِ مع بعضها حتى خرجَ صوتها حادًا ، غاضبًا ، عاتبًا ، لا مُحبّ : أخطائك مسّتني يا أمّي العزيزة .. شلون لك حيل تغلطين وتنسين إنّ هالغلط الفادح ممكن ينتج عن طفـل يشيله! هالخطأ من بين كلّ الأخطـاء ما يتحمله بس اللي ارتكبـه .. تتحمّله أجيـال !! .. الحين أنا ، وبكرا عيالي وبعده عيال عيالي! بيقولون أمنا وجدتنا كـانت نتاج زواج لعبـة ومصخرة ! كـانت خرّيجة دور أيتام !!
رقية ترفعُ كفّها لتُعيد طرحتـها للخلفِ ويظهر البـاقي من شعرِها الأسـود ، رمقتها بنظـراتٍ باردِة ، لا مبـاليةَ بكلمـاتِها وكأنها تُخبرها أنّها لم تندَم، لم تخسـر شيئًا، لم تبالـي بما حدَث !! . . هتفت بخفوت : خليك شاطـرة ولا توصّلين الموضوع لعيالك . . من . .!
ابتسمَت بسخريةٍ ولم تكمِل كلمتها الأخير " أدهـم "! وكأنها تستخفُّ بزواجها بِه ، ترى أنّه لا يستحقّ أن يرتبـط بابنتِها ، حتى وإن كـانت مجرّد اسم ، " ابنة " ، لم تكن يومًا أكثـر من كلمـةِ تعارف ، لا تنكـر أنّها تمنّت لها الأفضـل، تمنّت لها رجلًا تعيشُ معه بشكلٍ يُرضيها ، لم تُبتـر منها كلّ معالِم الأمومـة ، ربّما كانت مشاعِرها باردة، لكنّها أبدًا لم تكُن لا تبـالي بها وإلا لما جعلتها تبتعدُ عن حيـاةِ دار الأيتـام حين طلبَت من هالـة أن تكفلها وتعذّرت بأنها لا تستطِيع كونَها تعيشُ وحيدة ، حينَ كانت تتمنّاها ليـاسِر حتى تبقَى معهم ، ياسِر الطبيبُ النـاجح وليسَ أدهم !!
شدّت على أسنـانِها بغيظٍ بنما نظـرت إلين للأرضِ بسخريةٍ من فكـرة " عيالك من أدهم "! هل سيجيء يومٌ وتستسلم! غبيّةٌ حين تظنّ هذهِ المهزلـة ستدوم ، لم تكُن تفكّر بالنفور قبـل أن تصبح قريبـةً منه ، لم تكُن تفكّر بأن تحرمـه من حقوقِه كزوج ، لكنّه حين اقتربَ استشعرت عظمَ تلك العلاقـة عليها وأنّها لا تستطِيع ، لا تستطِيع أن تبنِي معه قربًا كهذا .. لا تستطيع أن تهربَ من لعنـاتِ الملائكـة . . . غصّت من تلكَ الفكرةِ وهي ترفعُ أحداقـها للأعلى وتهمسُ بالسمـاح من الله .. أن يرحمها ، أن لا يؤاخذها على نفورها القهريّ ، لست أنـا من يقرّر بل ماضيّ معـه وحاضرِي الآن ، لست أنا يا الله .. فاغفر لي غضبـه كلّ ليلـةٍ مني وبالرغمِ من كونِه لم يُفصـح عن ذلك إلا أنّني أكـاد أجزم أنّه يكتم غيظًا ربّما لأجـل كرامته فقط ، بالتأكيد ليس لأجلي!
إلين بسخرية : ما أدري مين قالّك إن الموضوع بهالبسـاطة ! يظل محصور بجيل وما يتناقلـه الجيل اللي وراه .. مين قالّك؟
رقيّة تُميل فمها : يعتمِد عليك.
إلين بسخرية : مثل ما ظلْ سرّك مستور؟
رقية تغيّر دفّة الموضوع : حضرت زواجك . .
إلين تبتسمُ بحسرة : زدتيه ظـلام . .
رقيّة : منتِ سعيدة معه؟
إلين : ما يهمك سعيدة أو لا .. هذي حياتي يا أمّي العزيزة .. وأنا اللي قرّرتها.
اقتربَت منها رقيّة وعينيها تلتمعـانِ بقوّةٍ حـاقدة، حقدُها كـان مبنيًّا بصلابتِه على أدهـم ووالدِه ، أحمـد ، ولم يكُن على إلين بذاتِها .. لفظَت بخفوتٍ حـاد : تطلّقي منه .. تطلّقي منه يا حبيبتي وأزوّجك أفضل من اللي خلفوه كلهم . .
تراجعَت إلين وهي تتنفّس بقوّةٍ غيـر مستوعبةٍ كلماتَها تلك، بينما أردفت رقيّة بخفوت : رجُل أعمـال يعيّشك عيشة كريمة ، إذا ما كـنتِ لياسر ماراح تكونين لهالفاشِل .. تكونين لأي رجال بس هذا لا !!
إلين بصدمةٍ تتراجـع أكثر ورقيّة تقتربُ منها، لفظَت ببهوت : أنتِ وش قاعدة تخربطين ! ودّك تزوجيني على كيفك وأنا متزوجة؟
رقيّة : أدري إنّك كارهة هالزواج .. ليه تحترمينه؟
هزّت رأسها بالنفيِ وهي تبتلـع مرارتها ، هل تقول لها بأن تخطو على سيرها؟ أن ترتبطَ برجلٍ ما كما ارتبطَت هي بدافِع الطمـع؟ هل تخبرها أن تكون قذرةً ولا تُبـالي بحرمـة الزواج!!! . . فهمَت رقيّة مكنونَ نظراتها ، حينها ابتسمت وهي تلفظُ برقّة : لا حبيبتي ، ما قصدت اللي في بالك .. تقدرين تتطلقين منّه وتتزوجين غيره . . .
قاطعتـها إلين بانفعـال : بــــــــــــس !! وش هالجنون صاحية أنتِ تقولين لي هالكلام وأنا متزوجة؟!!!
رقيّة تهتفُ دون مبالاةٍ بكلمـاتها : شايفة بنت أحمد؟ أيه هو نفسه أبوك .. بنته اللي تعتبر أختك بعد .. مممم أتوقَع اسمهـا غزل ، اللي يهمني أقوله إنّها عرفت تختار! زوجـها رجّال ناجح و . .
وضعَت كفّيها على أذنها وهي تلفظُ بعذابٍ يحاصرها من كلّ جانِب ، بصراخٍ تقاطـع كلمـاتها عن الكمـال : خلاااااااااااص .. اطلعي برااا ما أبي أسمع كلمـة ثانية من جنونك .. اطللللللللللعي !!!!
ابتسمَت رقيّة ببرود ، وتلك شعَرت بمشـاعرها تنضَحُ بالأسـى ، تتجاهـل كثيرًا موضوع الأخت هذا ، تناستـه، ربما تشعُر بالغيرةِ نحوها، ربّما لا تريد أن تعترفَ بأنّها تتمنى منذ زمنٍ أختًا وأخَا أبًا وأمًا وعائلة! وحين التقت بالأمِّ والأبِ كـانت أمنيتها تتحقّق كمأسـاة ، فهل تستطِيع استقبـال مأساةٍ أخرى! .. تتنـاسى الأخت وتتنـاسى اسمها لتجيء أمّها الآن وتذكّرها بِها .. بغزل ، والتي ولِدت في كنفِ عائلتها الحقيقيّةِ بعكسِها ، ترعرعت بين حنانِهم وعطفهم .. وهي ماذا؟ بالرغمِ من كلّ النعـم التي أغرقها الله عليها إلا أنها تكفُر بِها في لحظـةِ خيبـة ، تكفُر دونَ شعورٍ وتبدأ بالغرقِ في حزنها وحاجتِها ، إمّا أن تتناساهم أو تتنـاسى نعمَ الله عليها دونَ شعور . . لذا لا تريد أن تفكّر بهم ، العائلة التي تحمِل دمها ، لا تريد أن تشعر بهذهِ الغيـرة تجـاه " أختها "! لا تريد هذا الحزن وهذهِ الخيبـة .. هو محض حُزن ، محضُ حزنٍ وخيبـة ، محضُ عـذاب ، محضُ أسـى .. وهم كلّ ذلك يا الله .. بينما نعمُك التي لا تحصـى أعتذر منها لأنّها عانقتني ، أنـا التي كلّما فتحَت نوافِذ القنـاعةِ والحمدِ أُغلقَت في وجهها وغابَت شمسـها ، أتوارى عنِ كلّ ذلك يا الله، عن شمسِهم وعن ظلي الذي جاء منهم مستقيمًا وليسَ معوجًّا بهؤلاء، أُذنِب في حقّ نفسي حينَ أقـارنُ حيـاتِي بأخـرى لم أملكها يومًا .. أجرِم بحقِ نفسي حين لا أرضـى .. يا الله ما أغباني! ما أغبـانِي حين أسقُط في هاويـةِ التمنّي وأنا ملكـتُ عيون الأرضِ ولم أكُن جافّةً من مـاء البسمةِ معهم.
لملمَت رقيّة موقِفها، عدّلت طرحتـها ببرودٍ لتثبّتـها بينمـا جزءُ من شعرها الأسود يظهرُ من الأمـام ، تحرّكت ببرودٍ لتتّجـه نحوَ البـاب ، دونَ تعبيرٍ ملحوظ، دون أن تكسَب شيئًا من هذا اللقـاءِ سوى أنّها بنَت المزيد من الكره في قلبِها ، جعلتـها تكره نفسها أكثـر لأنها علمَت من هيَ أمّها، لأنّها أدركَت أنّها خسرَت أكثر بعد لقائهم ولم تربَح شيئًا !!
خرجَت بصمتٍ كمـا دخلَت ، أغلقَت البـاب من خلفها كما فعلت بعد دخولِها، بقيَت إلين تتـابع البـابَ بأسى وهي تُخفِضُ كفيها عن أذنها ، وبالرغمِ من وعودِها .. كـانَ دمعٌ بائسٌ يسقُط من عينيها دون شعورٍ منها . . .


،


حينَ تجانَست عقاربُ السـاعةِ عند الخامسَةِ مسـاءً كانت تجلِسُ في غرفـة الجلوسِ وهي تُحاكي قطّتها كما بدأت تفعـل بالآونـةِ الأخيرة ، تجدُ أنها " تفضفض "، لا ترتـاح كثيرًا لكنّها على الأقـل تصمُد بذلك! بالتأكيد لا أحـد سيسمعها، ومن سيسمعها لن يُسكن الأعذارَ بينهما ، من سيسمعها سيحتقـر، سيشمُت ربّما، سيرمقها بنظراتِ القرفِ ويلومها على خداعِها لسلطـان !!
سمِعَت صوتَ خطواتٍ تقتربُ منها، رفعَت رأسها لتصتدم مباشرةً بسلطـان الذي كان في الخـارجِ ولتوّهِ عـاد ، عقدَت حاجبيها ومن ثمّ أخفضَت القطّة إلى الأرضِ مبتسمـةٍ بخيبـة، سيأتِي يومٌ لا تتعـاملُ فيهِ مع كرههِ للقطط، سيأتي يومٌ ما لن تكون لها ذكرى منه سوَى هذهِ القطّة التي أحضـرها لها رغمَ كرههِ لها ، لم يُرِد أن يبخـل عليها بشيء ، لم يُرِد أن تتمنّى البسيطَ والعظيمَ ولا يحضره لعينيها اللتين تلتمعـانِ كطفلـةٍ كلّما أسعدها . .
تمطّت القطّةُ بدلالٍ بعد أن تركتها على الأرض، استلقَت بجانِب الأريكـة التي جلسَ فيها سلطـان مع غـزل وفي عينيهِ كلامٌ مـا . . عقدَت حاجبيها تنظُرُ لملامحه وقد أدركت أنّه يريد أن يقول شيئًا .. ارتبكَت رغمًا عنها، وبتوجّس : تبي تقول شيء؟
سلطـان يزفـر قبل أن يردف بهدوء : أيه .. في موضوع يخصّك لازم نحكي عنّه.
ابتلعَت ريقها بصعوبـة، هل يعقل أن يكون علِم! .. لحظة ! ما هذا الغبـاء الذي يجعلها تفكّر بهذِه الطريقـة وهي تراه هادئًا ، من المستحيل أن يكون هادئًا مع موضوعٍ كهذا .. يا الله لو يكون ! على الأقل سيجلب بهدوئه الأمـل في أن يتقبّلها !!
همسَت بتوتّرٍ وهي تلعبُ بطرفِ قمـاش بلوزتها الطويلة لفخذَيها : يخصني أنا؟ وش هو ؟!
سلطـان بهدوء : أمّك .. أبوك طلّقها . . .


،


كـانتْ تُراقِب ملامِح والِدها الثائـرة ، تنظُر لأرجوانْ باستنكـارٍ وتلك حالها مثل أختها ، كـان يجلسُ في الصـالةِ وكفيهِ يضعها على فمِه .. يفكّر كثيرًا .. ما الذي كان يفعله قريبًا منهم ، قلقْ؟ أمـا كان هو السبب في ذلك !! لازال يبقى قُربه ويعرّضهم للخطـر أكثـر . . . رفـع عينيه لجيهان الواقفـةِ عندَ بابِ غرفتها ومعها أرجوان ، ينظـرانِ إليهِ بنظراتٍ مستغربـة .. لم يظهـر على ملامِحه أيُّ تعبيرٍ وهو ينهضُ ليتحرّك يريد أن يذهبَ لغرفتـه، لكنّ صوتَ جيهان منعه حين لفظَت باستغراب : يبه شفيك؟
استدارَ ينظُر إليها مبتسمًا ابتسامةً كـاذبة وهو يلفظ : شفيني؟ مافيني شيء ..
أرجوان باستغراب : لا فيك .. كنت عادي لين ما شفت ذاك الرجـال في المطعـم . .
لحظتـا احتقـان ملامحه وشدّه على أسنـانِه .. مرّر لسان على شفتيهِ وهو يتحرّك مبتعدًا لافظًا بحدة : لا تحكون عن شيء منتوا متأكدين منه .. مزاجي ما صار له شيء مثل ماهو

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا الجاي ثاني أيام العيد إن شاء الله، واحتمـال أخليه نهار الثالث بما إنّ البارت الجاي دسِم ()

ودمتم بخير / كَيــدْ !




 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 08-07-16, 10:11 PM   المشاركة رقم: 843
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئ مميز


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 174082
المشاركات: 4,031
الجنس ذكر
معدل التقييم: fadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسيfadi azar عضو ماسي
نقاط التقييم: 4492

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
fadi azar غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

كل عام واني بخير اختي مشكورة على الفصل الرائع

 
 

 

عرض البوم صور fadi azar  
قديم 09-07-16, 02:27 AM   المشاركة رقم: 844
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2014
العضوية: 279084
المشاركات: 44
الجنس أنثى
معدل التقييم: ضَّيْم عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 79

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ضَّيْم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

أهلاً أهلاً وش هالعيدية الجميلة كيد
البارتات الأخيرة ممتعة جدًا وبدأ الغموض نوعًا ما يتّضح

أسيل... ربما تكون حبّت شاهين بس لا زالت تكن مشاعر قديمة لمتعب مشاعر حب الطفولة ربّما أو كذكرى جميلة بس ماتدرك هالشي
يمكن البعد المسافة اللي بينهم تخلّي مكانة شاهين تبيّن بقلبها.

شاهين... تعب من قلب هالفترة ولا يهون متعب اللي تعب أكثر منّه بأضعاف.
لكن نقول إن شاء الله يتفتّح عقل أدهم ويكون فاتحة خير عليهم.

غزل... الضمير اللي بدأ يشتغل بعد ماقربت المسافة بينهم بهالشكل يقهرر بس شوفي أنتِ تحبين المفاجئات والصدمات
فأتوقع إنّ غزل مازالت بنت كيف وشلون ما أدري عنّك الصراحه :/ بس ما أدري والله شلون راح تفربكينها!
بس تكفين الزعل اللي صار من جهة سلطان قبل لا يرجع ولا بتمصخ السالفه حتّى لو كانت مو بنت لأنّها ضروري راح تقوله كذا ولا كذا عشان ترتاح :/
وأبوها طلق أمها ومالها يختشي لا جد أتوقع ردة فعلها عادية ما ندري وش وراك كيد

إلين... ماتنلام أبدًا بس على الأقل الشخص يتعامل بأصله دام الرجال ماغلط ليش لسانها كذا بذيء الله يهديها :/
واضح انّي واقفه بصف ادهم بس والله أتكلم بمنطقية من حقّها ترفضه ولا تتقبّله بس أخلاقها تعامله بالمثل وهو ماغلط زيّها حتّى الآن :/
بالنسبة لأمها هذي اللي مغسول وجهها بمرق ماجت عبث. وتقول إنّها تغبط غزل، على وش ياحسرتي :/ ياعميري هي تلقاها من هنا ولا من هنا.

سيف... اجتهد وسوّا اللي عليه وأكثر، وديما لا تغيير، المواقف بينهم ممله ومو معقول للحين ماتحركت شوي.

جيهان... بدأت شخصيتها اللطيفة تظهر، عندي أمل كبيير ترجع لفواز بقدرة قادر!
أما جنان... والله ماتستاهل حرام جد! عقله وقلبه كلش مو معها وهي وش ذنبها تجربتها الأولى تكون بهالسوء هذا
تستاهل الأفضل كيد رجاءً! حتى لو مايرجع فواز لجيهان
وللحين حاسه إنّ يوسف وبدر سوف يصبحون أنسباء عن قريب

أما اخت عناد... ناسيه اسمها غيداء أو ما أدري الزبدة الله يستر من خويّتها اللي قلبتها فوق تحت.

** دخلنا الحين على صباح رابع العيد في انتظاركِ

 
 

 

عرض البوم صور ضَّيْم  
قديم 09-07-16, 03:09 AM   المشاركة رقم: 845
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 72508
المشاركات: 273
الجنس أنثى
معدل التقييم: فتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 511

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فتاة طيبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

كل عام وانت بخير حبيبتي ... يختي شوفي لك صرفة في الين من بداية القصة وهي غاثتني شخصية درامية مملة ومقرفة عاشت دور الضحية عند اهلها رغم كل الدلال اللي توفر لها وتسببت بطلاق هالة ولسة مستمرة في الدور اللي عايشته مع ادهم رغم زواجها هي اجبرت ابوها عليه ورغم ان ادهم يحاول يعاملها بطول بال واضح ومع ذلك مستمرة في غثاها وقلة ادبها يختي موتيها ولا خلي ادهم يعطيها علقة تصحيها من سخافتها قرفت منها

 
 

 

عرض البوم صور فتاة طيبة  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 08:52 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية