كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
21- المضاد..
هزَّ الدكتور "محمد حجازي" رأسه في اهتمام، وهو يراجع ما قدّمه له فريق العلماء الذين طلب استدعاءهم من "القاهرة"، وقال:
- إذن فقد درستُم ذلك التداخل الجيني جيداً.
أومأ أحدهم برأسه، وقال:
- لأيام قليلة مضت كنا نتصوَّر أن هذا مستحيل علمياً تماماً، ولكن يبدو أن العلم لن يتوقَّف عن إدهاشنا حتى نهاية العالم.
غمغم الدكتور "حجازي":
- هذا أمر طبيعي، فمهما تصوَّرنا فإننا لا نملك من العلم إلا قليلاً.
قال آخر:
- هذا صحيح.. العيِّنة التي اختبرناها تجمع بين جينات عدة فصائل مختلفة، مندمجة ومتناغمة على نحو كان العلم يعده مستحيلاً، وهذا منحنا سمات عديدة ومختلفة، حتى عن سمات الأنواع والفصائل، التي أخذت منها.
أسرع ثالث يضيف:
أهمها القدرة على التشكل في هيئات مختلفة.. إنها مرونة خلوية ليس لها مثيل.
قال الدكتور "حجازي" في اهتمام:
- ربما اقتنصها من جينات بعض الكائنات القادرة على تغيير هيئتها؛ لتتناسب مع الطبيعة المحيطة بها.
قال الأوَّل:
- ربما.. ولكننا درسنا هذا التداخل الخلوي إلى حد ما، وأمكننا أن نضع اللمسات الأخيرة لما طلبته منا.
تساءل في لهفة:
- المضاد؟!
أجابه الثاني:
- لقد وضعنا تركيبته، ولكنها لم تدخل مرحلة التصنيع بعد.
سأله الدكتور "حجازي":
- وكم تحتاجون لتصنيعها بالفعل؟
قال الثالث في اهتمام شديد:
- أسبوع في الظروف العادية، وثلاثة أيام لو أن الأمر عاجل.
انعقد حاجبا الدكتور "حجازي" في توتر، وغمغم في عصبية:
- هذا لا يكفي.
تبادل الثلاثة نظرة متوترة، ثم سأله أحدهم في حذر:
- متى تريد المضاد إذن؟!
أجاب بمنتهى الحزم:
- الآن.
واتسعت عيون الثلاثة في شدة..
وفي صدمة..
* * *
تبدو مصدوماً..
ألقت الحسناء عبارتها وهي تكاد تنفجر ضحكاً، فقال "أكرم" في غضب:
- ولماذا يصدمني هذا؟!.. أنا مقيد في إحكام، وسط ثلاثة من القتلة أنصاف الوحوش، فأي مصير أنتظر سوى القتل.
تحسَّست صدره القوي، وهي تقول:
- لا تتصوَّر أن هذا لسبب شخصي.
قال في حنق:
- ولماذا أتصوَّر هذا من حقيرة مثلك؟!
أطلقت ضحكة عالية كما لو أنه أطلق دعابة لطيفة، وواصلت تحسُّس صدره وهي تقول:
- إننا نحمي وجودنا فحسب.
قال في حدة:
- بالقتل؟!
هزَّت كتفيها قائلة:
- وهل من سبيل سواه؟!
قال في حنق:
- هل حاولتم؟!
صمتت لحظات، ارتسم خلالها الحنق على ملامحها، قبل أن تخدش صدره بأظافرها الطويلة، قائلة في وحشية:
- اصمت.
شعر بالدماء الحارة تسيل على صدره، فصاح في حنق:
- وماذا لو لم أفعل؟!
فوجئ بملامحها تتحوَّل على نحو عجيب، وبأنيابها الحادة تبرز، وتشوه ملامحها كلها، وهي تزمجر في وحشية، جعلت عيناه تتسعان، وهو يردِّد بأنفاس مبهورة:
- يا إلهي!.. يا إلهي!
قال الشاب الجواد في صرامة بعد أن انتهى مع الشاب النسر من تثبيت المحفة على المنضدة:
- هذا يكفي.
التفتت إليه في حركة حادة وحشية، فأطلق الشاب النسر فحيحاً ثعبانياً قوياً في وجهها، وصاح بصوت عجيب، ولسانه الطويل المشقوق يتراقص في الهواء:
- هل سنبدأ الاقتتال؟!
لانت ملامحها في سرعة، وقالت:
- لن نفعل أبداً.
ثم التفتت إلى "أكرم" صائحة في غضب:
- انظر ماذا فعلت؟!
هتف مستنكراً:
- أنا؟!
كان الكل يتطلَّع إليه، عندما تعلَّقت عيناه بنقطة ما خلفهم، وهتف فجأة:
- افعلها يا رجل.
التفت الثلاثة إلى حيث ينظر، وأدركوا الخطأ الذي ارتكبوه في غمرة اهتمامهم بتصفية حساباتهم..
"رمزي"..
لقد نسوا أمره تماماً..
وعندما التفتوا إليه، كان قد استعاد وعيه، ويقوم بآخر شيء يمكن تصوّره أو توقعه..
لقد كان يلقي أحد المشارط الجراحية الكبيرة التي يحتفظ بها العالم الكهل في معمله..
ونحو "أكرم"..
مباشرة..
لقد أبدلوا خمس سيارات خلال رحلتهم..
نطقت "نشوى" العبارة في اهتمام بالغ، وهي تتابع برنامجها الكمبيوتري على الشاشة، قبل أن تضيف:
- من الواضح أنهم شديدو الذكاء والحذر.
غمغم "نور" في حزم:
- ما من نظام مكتمل.
أجابته في حماس:
- بالطبع.. لقد أمكنني تعقُّبهم على الرغم من كل ما فعلوه.
ثم فقد صوتها حماسه فجأة، وهي تضيف:
- ولكنني فقدت أثرهم هنا.
مال "نور"؛ ليتطلَّع إلى الخريطة المرتسمة على شاشة كمبيوتر "نشوى"، ورأى سبَّابتها تشير إلى نقطة ما في منطقة "الماكس" القديمة في طرف "الإسكندرية"، وتساءل في توتر:
- وكيف فقدت أثرهم؟!
أجابته في ضيق:
- المنطقة بها عدد كبير من الأنفاق المتشابكة، تم إنشاؤها في أعقاب حرب التحرير، ولقد دخلت آخر سياراتهم شبكة الأنفاق، التي تعطلَّت آلات المراقبة داخلها لسبب ما، ثم لم تخرج أية سيارة جديدة من هناك.
غمغم "نور" في تفكير عميق:
- لا يمكنك إيقاف سيارة وسط شبكة أنفاق.
قالت "سلوى" التي تتابع حديثها:
- ولا يمكنك أيضاً تحديد اتجاه مسوخ مثلهم داخل شبكة أنفاق.
قال "نور"، وتفكيره يزداد عمقاً:
- بالضبط.
لاذ بالصمت بضع لحظات توحي باستغراقه في تفكير عميق، ثم التفت إلى "نشوى" قائلاً:
- أين تقع مخارج الأنفاق بالضبط؟!
أشارت بسبابتها عدة مرات قائلة:
- هنا.. وهنا.. وهنا... وهنا أيضاً.
قالت "سلوى" في انفعال:
- أربعة مخارج فحسب، يمكن تعقُّبها، و..
قاطعها "نور" في حزم:
- كلا.
رفعت عينيها إليه في دهشة، فاستطرد في شرود عجيب:
- هناك شبكة أخرى، علينا تعقُّبها.. شبكة ساعدتهم كثيراً.. كثيراً جداً.
وكان من الواضح أنه قد توصَّل إلى طرف خيط..
طرف خيط دقيق..
إلى أقصى حد...
|