كان الوقت متأخراً عندما دخل المدعوون إلى غرفهم واتجهت سارا نحو غرفتها برفقة برايس . أي طبيعية . طالما أنهما جيران ؟ .
قبل أن يفترقا توقفا لحظة في الظلام , والتقت نظراتهما فأسرع برايس وضمها إلى صدره وتنهد بعمق ثم انزلقت شفتاه على عنقها , كانت مستعدة لكل شيء كي تتمكن من تقديم شفتيها لشفتيه . ولكن لم يكن من السهل نسيان ما يثقل قلبها وفكرها فابتعدت من بين ذراعيه وهربت بسرعة إلى غرفتها .
في صباح اليوم التالي , وبينما كان المدعوون يتناولون فطورهم في غرفة الطعام . كانت سارا تشرب قهوتها في غرفتها . وكان من ضمن البرنامج ستقام مباراة لاصطياد الحمام بعد ساعة وحتى ذلك الوقت هي حرة ويمكنها قضاء بعض الوقت في المطبخ .
وكان الطاهيان سعيدين بهذه الرحلة ويبذلان كل جهودهما في إظهار مواهبهما في فن الطهي . واستطاعت لوسيا فالادان زوجة الطاهي بثرثرتها المرحة أن تخفف من توتر الفتاة . وسألتها وهي تنظف الخضار " كيف وجد السيد سيرفارا العشاء , مساء أمس ؟ " .
" كان مسروراً " . أجابتها سارا مبتسمة .
" ألم يأكل من القريدس ؟ " .
" بدا لي أنه أستطيب كل الأصناف " .
" عظيم " . أجابت لوسيا بحماس .
أمام دهشة سارا , رفعت الطاهية حاجبيها ثم همست بصوت منخفض " إذا دعم مشروع المصفاة , سنتلقى جميعاً مكافأة كبيرة . لماذا تعتقدين إذاً أن الفريق كله متحمس ؟ " .
فكرت سارا قليلاً بصمت , وكانت بالفعل قد لاحظت مدى تفاني الجميع في القيام بمهامهم .
" نحن جميعا نمر بحالة قلق " . أضافت لوسيا مبتسمة .
" ولكن ليس أكثر مني " . فكرت سارا بحزن .
تقنيص الحمام كان على وشك البدء عندما تركت سارا المطبخ وقبل أن تخرج , قالت لها لوسيا " مهما كان الأمر , لا تعارضي السيد سيرفارا " ! .
" سأحاول ! " . وأحست سارا بتأنيب الضمير . يبدو أن الجميع يحملون على كاهلهم هم نجاح البيراميدون , جميعهم باستثنائها .
كان المدعوون مجتمعين في الأعلى والنساء تنتظرن بفارغ الصبر أن تفتخرن بأزواجهن . وأخيراً وصل السيد سيرفارا برفقة برايس . وكانا يتناقشان بحماس . ورغم سنه , كان البورتغالى أنيقاً جداً . وعندما بدأ التقنيص , بدأ بالضحك والمزاح أمام أخطاء بعض المشتركين .
وكان يحق لكل مشترك بستة طلقات , ولكن على وجه التقريب لم ينجح أحد حتى الآن سوى بإصابة ثلاثة أهداف , وكان السيد سيرفارا ينتظر بغاية الشوق ليظهر تفوقه على الآخرين , ورغم سنه , كان دقيقاً في تركيزه . وبكل سهولة , أصاب أول حمامة ثم الثانية . كان يبدو من المستحيل إيقافه . ثلاثة...أربعة...خمسة . وعندما أصاب السادسة , علا التصفيق والتهاني .

جفف البورتغالى جبينه وهو يضحك . ثم نظر إلى برايس وهو يستعد نظرة تحد . وكانت سارا تعرف أن العجوز صياد ماهر , لكنها حتى الآن لم تر مديرها يطلق الرصاص .
في الواقع , كان برايس يصوب وأطلق النار بدقة مدهشة . واحد...اثنان...ثلاثة...كان يصيب الهدف دون أن يبد أن هذا يكلفه أي عناء . أربعة...خمسة...وتوقف لحظة قبل أن يطلق رصاصته الأخيرة ثم أطلقها وأخطأ الهدف . ولم يستحق سوى تهنئة المشاهدين الهامسة . وكان السيد سيرفارا هو الفائز .
" أوه! أوه! لا حظ لك اليوم , برايس " . قال له بمرح .
ابتسم برايس مبدياً أسفه . لكن سارا كانت متأكدة أنه كان بإمكانه أن يصيب الهدف السادس لو أراد . لكنه ككل أعضاء الفريق والخدم لم يكن يريد أن يغضب السيد سيرفارا .
بعد الظهر وصل اليخت إلى إستوريل . وهي مدينة عريضة الشوارع , وأبنيتها كلها كبيرة وفخمة فتناول الركاب عشاءهم في اليخت وقرروا أن يقضوا السهرة في كازينو المدينة المشهورة .
لهذه المناسبة ارتدت سارا ثوباً من الحرير الأزرق يعلوه الدانتيل , وغطت كتفيها بوشاح أبيض . ساعدها برايس في النزول إلى المركب الذي نقلهم إلى الرصيف على مرحلتين .
وكانت الفتاة على عكس الجميع , غير متحمسة لقضاء بضعة ساعات على اليابسة . كانت أعصابها متوترة بانتظار نتيجة المفاوضات بشأن المصفاة , لكنها كانت تحاول ألا تظهر قلقها . وعندما وصلوا إلى الكازينو أمسك السيد سيرفارا ذراعها . وكان مستعجلاً ليريها المكان , فتظاهرت بالفضول والحماس لهذه الفكرة .
اتجهوا على الفور إلى صالات الألعاب حيث كان الخدم ببدلاتهم الكحلية يقفون خلف الطاولات وسط ضجيج الأصوات وصوت الروليت .

نهاية الفصل

الفصل التاسع

كان البورتغالي بالتأكيد مهماً في هذا الكازينو , فانحنى مدير الصالة أمامه وتسارع خدمه لتلبية أوامره , بكل اعتزاز , وزع سلال الفيشات الصغيرة على مدعويه . ولم تكن سارا تعرف ماذا تفعل بفيشاتها . فهذه أول مرة تدخل فيها إلى كازينو . كما وان المال لم يكن يهمها . لكن السيد سيرفارا الذي كان يجهل حالتها النفسية , أصر على تعليمها أصول اللعبة . ولكي ترضيه , حاولت أن تنتبه لشروحه , وكانت تأمل أن تخسر بسرعة كل مالها كي تنتهي منه بسرعة , ولكنها لم تتوقف عن الربح , لدرجة أنا لم تعرف كيف تتخلص من كل هذه الأفيشات اللعينة ! .
كان البورتغالي سعيد من حظها . فأحضر لها سلة أكبر . وساعدها في وضع أرباحها فيها أمام نظرات برايس المرحة . وعندما اكتفى من لعبة الروليت . رافق مدعويه بجولة على الصالات الأخرى وهو يشرح لسارا أصول كل لعبة . لكنها لم تكن تستمع إليه إلا بالإذن ساهمة . وكل تفكيرها بعيد جداً . ومع ذلك حافظت على ابتسامتها حتى نهاية السهرة .
عاد أكثر المدعوين إلى سيدة البيراميدون . بينما برايس ومساعدته وثنائي آخر دعوا لقضاء ليلتهم في منزل آل يرفارا الرائع على شاطئ البحر .
نامت الفتاة الإنكليزية في غرفة ذات ديكور رائع . وفي اليوم التالي احضروا لها الفطور على صينية الفضة . أحست في هذه الغرفة الفخمة بقلق واضطراب . مع كل هذا الثراء لماذا يصر السيد سيرفارا على الاحتفاظ ببضعة هكتارات من الأراضي في لاسو ؟ .
أصر السيد سيرفارا على أن يزور سارا في القصر الوطني , وكان لها دليلاً طوال الوقت . سرت سارا عندما علمت انه نظم هذه الرحلة على شرفها . وحاولت أن تظهر اهتمامها أمام كل ما يرونه .
لو كانت زوجة البورتغالي غيورة , لكانت غضبت من رؤيته يهتم بهذا الشكل بسارا , لكنها كانت متسامحة , وتكتفي بالابتسام أمام تصرفات زوجها .
كان جواكن سيرفارا برفقة سارا يتقدمان الآخرين داخل القصر . وعندما دخلوا إلى إحدى الصالات , لفت نظرهم إلى المنظر الجميل الممتد أمامهم عبر النوافذ الواسعة , تأثرت سارا كثيرا بالسجاد والأثاث الرائع والديكور المذهل . ومع ذلك ارتاحت كثيرا عندما انهوا زيارتهم هذه .

وعادوا إلى السيارات سيراً على الأقدام . وأعجبت سارا بسحر هذه المدينة , ولم يتوقف العجوز البورتغالي عن التغني بجمال مناظر سنترا . فشعرت بخفة فالسيد سيرفارا المتأثر جداً بسحر بلاده . لن يقبل أبداً برؤية مناظره تتغير معالمها بإنشاء مصفاة بهذه الضخامة .
كانت شمس بعد الظهر تعكس أشعتها على المياه المتلألئة . والجو هادئ على متن سيدة البيراميدون . الكل ينتظر قرار السيد سيرفارا , وسارا أيضاً أكثر من الجميع .
ارتاح الضيوف في غرفتهم وانطلق اليخت نحو لاسو . لم تستطع سارا البقاء أكثر في غرفتها فخرجت واستندت على الدرابزين . لم تكن ترغب برفقة أحد . لكنها رأت القبطان ستوكتون يتجه نحوها . ولاحظت انه يبحث عمن يكلمه. انه رجل لطيف وقد سبق لها أن ثرثرت معه .
"كيف وجدت الرحلة , آنسة مارتندال ؟"
"كانت رائعة , شكراً " . أجابته محاولة أن تكون لطيفة .
"إذا سار كل شيء على ما يرام , سنكون في لاسو بعد ظهر الغد" .
"ماذا ستفعل بعد ذلك ؟ " . سألته الفتاة بفضول مفاجئ .
"سيحصل الطاقم على إجازة على اليابسة . ثم سنعود إلى قاعدتنا في سوثمبتون" .
"هل ستكون الرحلة صعبة ؟" .
"لا , اعتقد ذلك .. باستثناء الخليج , تقريباً"
"الخليج ؟ " سألته وقد أثارها هذا الأمر .
"خليج غاسكوني . وساحل فينيسر ايضاً . ولكن بعد برست لن يكون لدينا اية متاعب"
"إذا ستعود قريباً إلى موطنك " قالت له مبتسمة .
"إذا انطلقنا مساء غداً , سيصل بعد ثلاثة أيام" .
وأخذ يكلمها عن الطرقات البحرية وممراتها المعقدة وهي تستمع إليه بشرود , وارتاحت كثيراً عندما ناداه احد أعضاء الطاقم .
بعد العشاء غادر برايس غرفة الطعام برفقة جواكن سيرفارا وبذلت سارا جهدها كي لا تشعر زوجة هذا الاخير بالملل . شربتا القهوة معاً وهما تثرثران مع بقية الضيوف وعندما تأخر الوقت رافقت البورتغالية إلى الصالون الصغير حيث يوجد زوجها .
كان يجلس على كنبة يدخن سيجاره , بينما يشغل برايس المقعد المجاور . فجلست سارا والسيدة سيرفارا قبالتهما .
كان قلب سارا يدق بسرعة وهي تستمع للرجلين الذين لم يقطعا نقاشهما الذي بدآه أثناء العشاء . لا يزالان يتكلمان حول موضوع المصفاة .
كانت السيدة سيرفارا تنتظر بفارغ الصبر أن يقرر زوجها دخول غرفتهما للنوم . تظاهرت سارا بالهدوء وهي تستمع وتحبس أنفاسها . سمعت برايس يقول محاولا إقناع محدثه "هيا . يا صديقي العزيز . مشروع من هذا النوع ضروري وسيقدم عملاً لآلاف الأشخاص وسيشجع المغتربين على العودة . بماذا سيضر هذا المشروع البورتغال ؟ أهالي لاسو يرون أن مستوى المعيشة يزداد ضيقاً فهذا يساعد على تحسين الوضع" .

"ولكن مصفاة النفط هي شيء بشع "اعترض البورتغالي بعناد .
"كانت كذلك ولكننا اليوم قادرين على القيام بالتدابير الضرورية للمحافظة على جمال المنطقة . وتصوراتنا بالنسبة للاسو سنجعل الموقع غير مرئي من كل الجهات , باستثناء البحر"
تنهد السيد سيرفارا وظل صامتاً للحظات ثم التفت نحو سارا وسألها بلطف "ما رأيك آنسة مارتندال ؟"
"حسناً " قالت سارا مبتسمة . " في فاولي في انكلترا توجد مصفاة كبيرة وأنا كنت أقيم بالقرب منها , ولم أكن ألاحظ شيئاً كنا بالكاد نرى المداخن وفي الليل فقط"
ثم سكتت لحظة وكانت تجهل لماذا تتكلم هكذا ولكنها لم تكن تستطيع منع نفسها .
"ليمنغتون " أضافت " هو مرفأ صغير يشبه مرفأ لاسو . ولم يفقد شيئاً من جماله بل على العكس عرف تطوراً كبيراً بفضل المال الذي تدره الصناعة النفطية على المنطقة . "
انهي البورتغالي سيجاره وأطفأه بهدوء في المرمدة . ثم تبادل الرجلين بعض الكلمات قبل النهوض .
رافقت سارا السيدة سيرفارا حتى الدرج المؤدي إلى الجناح الرئيسي . وتركت برايس والبروتغالي يتابعان نقاشهما . ثم عادت إلى غرفتها مبتسمة . بالتأكيد لعب دور المساعدة بشكل ممتاز .
وصل اليخت إلى لاسو بعد ظهر اليوم . فغادر آل سيرفارا المركب أولاً ورافقهما برايس حتى اليابسة بينما اهتمت سارا بتوديع بقية الضيوف .
كانت الشمس قد غابت عندما عادت إلى المنزل مع أعضاء الطاقم الذي دعيوا للاستراحة بضعة ساعات في الاسوداد .
ما إن وصلوا إلى المنزل , حتى أسرعت إلى غرفتها سعيدة بأن تكون وحيدة أخيراً . كانت منهكة ومع ذلك أفرغت حقائبها كي تتجنب التفكير خوفاً من أن تفقد هدوء أعصابها ثم خرجت فيما بعد من غرفتها لتشرب شيئاً منعشاً .
كان بعض التقنين الذين يقيمون في الطابق السفلي حالياً يضحكون ويتمازحون فتجاهلت مرحهم وضجيجهم واتجهت نحو المطبخ محاولة إخفاء اضطرابها وتوترها .
تفاجأت بلوسيا عندما رأتها تعد قالباً من الحلوى وقد أشرق وجهها ولمعت عيونها فشربت كوباً من العصير البارد وقالت بهدوء "يبدو هذا القالب شهياً"
"انه على شرف الطاقم " . أجابتها لوسيا ضاحكة "فالسيد تايلور أمر بأن نعد الحلوى للاحتفال بالحدث"