إقترب أحدهم من سارا مبتسماً وقال لبرايس ممازحاً " لا أشك بأتك تدين بجزء كبير من نجاحك لمساعدتك الرائعة , أليس كذلك , برايس؟ " .
الإطراء جعل وجهها يحمر . وابتسم المدير وهو ينظر إليها بطرف عينه ثم رفع كأسه . لكن لم يكن هناك أحد ينتظر جواباً منه . كان كل إهتمامهم منصباً على المضيفة الشابة , وتلقت سارا إطراءات اخرى قبل أن تبتعد عنهم وتنضم لغيرهم .
فيما بعد , أخذت سارا تراقب برايس من بعيد وهو محاط برؤسائه . كان يثرثر ويمزح بمرح . فأحست الفتاة بألم في قلبها لم تعرف سببه أهو بسبب الضجيج أو الأضواء أو جو النجاح والطموح ؟ كان الجو يناسب تفاؤل البيراميدون على عكس سارا فالمدير لن يتوصل أبداً لإنشاء مصفاته في لاسو , هي وحدها تعلم ذلك ولا يمكنها القيام بشيء إذا أخبرته بوجود مرسوم وصك بشأن المرفأ لفهم على الفور أنها وخلال هذه الأشهر الطويلة كانت تتجسس عليه لصالح آل كارفالو . وفكرة أن يكتشف خيانتها ترعبها جداً , تأملت إبتسامته المشرقة من جديد ثم أدارت وجهها بسرعة .
إمتدت الحفلة حتى منتصف الليل وكان آخر المغادرين ممثلوا البيراميدون الذين إستأذنوا من مضيفهم وإلتفتوا نحو سارا " إستمري بالعمل الجيد , آنسة مارتندال " . ورحلوا على الفور على بورتو حيث تنتظرهم طائرتهم الخاصة .
دخلت سارا ووقفت أمام النافذة بحثاً عن بعض الهدوء الذي تفتقده في نفسها المضطربة . شيئاً فشيئاً خف إضطرابها وهي تستمع لزقزقة عصفور ليلى , وفجأة أحست بخطوات خلفها جعلتها تنتفض ورغم الظلام تعرفت على وجه برايس الذي كانت تعتقد أنه عاد أيضاً إلى الفندق في لاسو .
ظل صامتاً للحظات , ثم تنهد أخيراً . " يا لها من أمسية " .
" نعم بالفعل " . أجابته بصوت مرتعش .
" كان رؤسائي متأثرين جداً بمساعدتي " .
لم تجبه سارا على هذا الإطراء . وعاد الصمت بينهما من جديد .
فأحست سارا بالإضطراب من جديد , فقالت متلعثمة " أصبح الوقت متأخراً , و..." .
وهمت بالإبتعاد , لكن برايس ضمها إليه بسرعة فبادلته قبلاته الحارة التي ضمتها أشواقاً كبيرة لم تكن تشك بوجودها . ظلت حبيسة بين ذراعيه القويتين وهي تحس بأنها تشتعل من ملامسة جسده حتى نسيت كل شيء آخر , وإنتبهت إلى ما تفعله عندما رفعت يديها لتعانقه . فإبتعدت عنه ورتبت تسريحة شعرها بيد مرتجفة .

" لم يكن عليك أن تتصرف هكذا ... " . تمتمت بخجل .
" حقاً ؟ " . ونظر إليها بإبتسامة حنونة ثم تركها واختفى .
بعد دقائق قليلة سمعت هدير محرك سيارته وهي تبتعد في سكون الليل .
بعد زيارة ممثلي البيراميدون بدأ برايس تايلور يتصل بأصحاب الأراضي المجاورة لموقع المصفاة والذين لا يزالون يرفضون بيعها وبعد عدة مفاوضات إستسلموا وباعوا .
ولحسن الحظ لم تره سارا كثيراً في الأيام الأخيرة , وكانت بالكاد تنظر إلى وجهه بعد عناقهما الحار في تلك الليلة . وإستمرت بإرسال التقارير للسيد كارفالو وكانت كلها غير مشجعة بالنسبة له كما بالنسبة لها , وكانت تأمل في أن يصطدم برايس بعائق قوي كى يتخلى عن مشروع المصفاة نهائياً . وكانت تكره لقاءاتها السرية مع سائق كارفالو . وذات يوم ما إن ركبت سيارته السوداء حتى لمحت في المرآة الأمامية سيارة سبور خضراء تتبعهما لكنها عندما إلتفتت لم ترها فتنهدت وشعرت براحة كبيرة , لكن توترها عاد بسرعة كانت تشعر أنها مراقبة لكنها لا ترى شيئاً .
ولم تكن مقابلتها للسيد كارفالو سهلة هذه المرة لقد أرهقها بالأسئلة والملاحظات ودهشت عندما رأت أن هذا البورتغالي يبتسم فجأة ويقول " الأراضي الشاسعة الواقعة شرقاً هي لعائلتين من النبلاء . الريبيارو والسيرفارا . وهما معروفتان بوطنيتهما وحبهما لأرضهما . وكرههما للمنشآت الغريبة , أنا متأكد أنهما سيشكلان حاجزاً قوياً أمام تقدم البيراميدون " .
تمنت سارا ألا يكون مخطئاً . وفي طريق العودة راقبت الطريق جيداً لكنها لم ترى شيئاً فإعتقدت أنها كانت فريسة لمخيلتها الواسعة .
بالرغم من نجاح برايس في إكتساب تشجيع أهالي لاسو إلا أن البيراميدون كانت تسعى للحفاظ على إستقبال جديد ,وكانت سارا التي تهرب دائماً من نظرات برايس مضطرة لمواجهتها اليوم لأن برايس كان يصر دائماً على وجودها إلى جانبه عند وصول مدعويه .
نزلت سارا من غرفتها متأخرة وكان برايس يقف أمام باب المدخل فنظر إليها نظرة جعلتها ترتعش وتشعر بالذنب . فحاولت جهدها أن ترسم إبتسامة على شفتيها وهي تقف إلى جانبه وإبتعدت عنه على الفور عند وصول كل المدعوين .
وكرست كل إنتباهها للضيوف ثم دخلت إلى غرفة المكتب لترتاح قليلاً , وبينما هي واقفة أمام النافذة أحست بيد تداعب ذراعها . " مساء الخير أيتها الزهرة الإنكليزية الجميلة " .
إلتفتت سارا وشعرت بالإشمئزاز عندما رأت جاسنتودورو يبتسم لها بسخرية .
" إبتعد عن طريقي سيد دورو أنا مشغولة " .

" أوه , هيا " . أجابها بإبتسامة عريضة . " أهكذا تخاطبين صديقاً ؟ " .
لاحظت سارا تصرفه الغريب هذا المساء , ورأت المكر في عيونه فإضطربت وحذرتها غريزتها بالخطر .
" ولكن أخيراً , ماذا تريد ؟ " .
" أترغبين حقاً بمعرفة ما أريد ؟ " سألها بسخرية .
إزداد قلق سارا , ولما لم تجب أضاف وهو يختار كلماته بإعتناء .
" وادى الأموريدا جميل جداً في هذه الفترة من السنة , أليس كذلك ؟ " .
أحست سارا بالدم يتجمد في عروقها ومع ذلك حاولت تمالك نفسها , فأجابته بإحتقار " تكلم بشكل مباشر , هكذا على الأقل نضيع وقتاً أقل " .
" أأنت مستعجلة ؟ " سألها متظاهراً بالبراءة . " لا أعتقد ذلك " .
ثم أشعل سيجارة ونفث دخانها بتمهل وأضاف " أنت تقومين بنزهة جميلة إلى ذلك الوادي كل أسبوع ..." .
أحست سارا بأنها ستنهار فإستندت على ظهر الكنبة " إذاً , كانت سيارتك التي رأيتها ذلك اليوم " . قالت بصوت ضعيف , وفهمت أنها ستخسر أمامه " كنت تتبعنا "
" من بعيد لا أعرف إلى أين تذهبين " . إعترف بإبتسامة خفيفة .
" صادف أننى رأيت لقائك مع سائق آل كارفالو " . وسار قليلاً في الغرفة يدخن سيجارته . ثم قال فجأة " أتساءل ماذا سيظن مديرك إذا علم أن مساعدته الوفية تعمل أيضاً لحساب خصمه " .
" لن تجرؤ " . صرخت بيأس .
فنظر جاسنتو إليها وقد أشرقت عيونه بالمكر " أنا مستعد للسكوت بمعنى آخر لنقل أنني ...أطلب ثمناً " .
كانت الفتاة قد إنهارت وتزاحمت أفكار عديدة فى رأسها .
" كيف ......كيف علمت بشأني ؟ " سألته متلعثمة .
" بكل سهوله فشقيق جانيورو سائق كارفالو يعمل في فيلا نوفادي غايا , في الأقبية التابعة لعائلتي . لديه خمسة أطفال وإمرأة يعجز عن إعالتهم ... فحذرت جانيورو بأن أخيه معرض لفقدان عمله إذا لم يكشف لي عن أسباب زيارتك لمنزل كارفالو ."
" أنت سافل ! " .
" أنت تفكرين بذلك الآن " واقترب منها أكثر . " لكنك ستغيرين رأيك عندما تتعرفين عليّ أكثر " .
" أنا لا أستلطف المتطفلين " .
" حقاً ؟ " ولمعت عيونه بالغضب , فأطبق قبضتيه عليها .
" على كل حال , أعتقد أنك ستتعلمين كيف تكوني لطيفة معي أنت لا ترغبين أن يعرف برايس تايلور بتعاونك مع آل كارفالو , أليس كذلك ؟ " .
لم يكن لديها خيار آخر , فلم تقاوم عناقه , لكنها ظلت كالحجر , وارتعشت بإشمئزاز عندما لامست شفتيه عنقها ولكن عندما لامست شفتاه شفتيها لم تعد تحتمل , فإبتعدت عنه وركضت نحو الباب . وعندما خرج بعد قليل لاحظت إبتسامة النصر على شفتيه لحسن الحظ لن ينتبه أحد لوجهها الشاحب .

نهاية الفصل

الفصل السابع

وظلت تنتظر رحيل الضيوف بفارغ الصبر . وحاولت جهدها كي لا يلاحظ مديرها توترها. وعندما دخلت غرفتها أخيراً. ماذا ستفعل الآن وجاسنتو يعرف سرها .لن يصمت إلا بشرط واحد . وأحست بالغثيان عندما تذكرت عناقه .لكن خوفها من اكتشاف برايس لخداعها كان اكبر .نامت على أمل أن يواجه برايس معارضة قوية , فهكذا لن يعلم حقيقة دورها . ومن اجل المحافظة على سرها وعلى احترام برايس لها , هي مستعدة للخضوع لرغبات جاسنتو الحقير .
وبعد هذه السهرة ,لم تبتعد سارا أبدا عن المنزل ,وعهدت إلى احد الخدم بإيداع رسائلها في البريد .ولم يكن برايس يقضي في مكتبه سوى ساعة أو ساعتين فقط .

وبعد تلك القبلات التي تبدلاها مرة واحدة ,ازدادت سماكة الجدار الذي كان يفصله عن مساعدته .وكانت سارا تشعر دائماً انه يراقبها خلسة .وكانت تتمنى انتهاء هذه الحفلات ,لكن كانت هذه وسيلة برايس الوحيدة لتحقيق هدفه .ومن بين المدعوين , كانت عائلة ريبيادو التي كلمها عنها السيد كارفالو . وعائلة جاسنتودورو أيضاً . لم تكن سارا ترغب بحضور هذه الحفلة .لكنها خشيت أن تثير شكوك برايس .فموقفها حرج . هي مضطرة للعمل على إنجاح هدف سيدمرها :انتصار برايس تايلور .
دق قلبها بسرعة عندما لمحت جاسنتو .وقبل يدها طويلاً وهو ينقل لها رسالة ساخرة بنظراته , فخافت أن يلاحظ مديرها تصرفه الغريب .وتظاهرت بالابتسام . ابتعد جاسنتو نحو الصالون الكبير , لكنها كانت تعلم بأنه ينتظر بفارغ الصبر أن ينفرد بها . طوال السهرة كانت تشعر بنظراته دون أن يحاول الاقتراب منها , ففهمت بيأس انه يتسلى بالتلاعب بها كما تفعل الهرة مع الفارة.
وفي الساعة الحادية عشرة , بدأت سارا تشعر بالاطمئنان لأنه لم يحاول ابتزازها هذه المرة , لكن أملها خاب عندما اقترب مها احد الخدم وبدد أملها " اعذريني آنسة .لكن السيد جاسنتودورو طلب مني أن احمل لك هذه الرسالة ."
فتحت سارا الورقة وجحظت عيونها عندما قراءتها " أنا انتظرك على الشاطئ بعد خمسة دقائق ".
شحب وجهها وخرجت من الصالون بسرعة .جاسنتو ينتظرها .إذا كانت تهديداته جدية . إذا لم تطعه فوراً فهو سيكشف سرها لمديرها .وخرجت من الباب الخلفي متخفية , ونزلت الدرج المؤدي إلى الشاطئ رغم الظلام . وما أن وطأت قدميها رمال الشاطئ حتى سمعت صوته الساخر "إذا زهرتنا الجميلة ترغب بالبقاء بريئة في عيون مديرها!"
كم تكره سخريته ! ارتعبت عندما رأته يقترب منها .
"استلمت رسالتك فجئت " قالت بهدوء .
"العكس كان سيدهشني ". أجاب بمكر وضمها إليه .
"كنت أتمنى أن أقول لك قبلاً ...بأنك كنت رائعة هذا المساء ..."
أحست سارا برائحة الكحول تفوح من فمه وهو يبحث عن شفتيها . فلم تستطع التحمل أكثر وصفعته .ففقد توازنه , واستغلت الفرصة وأسرعت بتسلق الدرجات بسرعة وهي ترفع أسفل ثوبها كي لا يؤخرها عن الركض .لكنه تبعها وكانت تسمع صوت ضحكاته القبيحة خلفها .أصبح الآن قريباً .وكان أيضاً يلهث . كادت سارا تقع عدة مرات , وبدأت تشعر بان ساقيها لم تعودا قادرتين على حملها . ولم يعد يفصل بينها وبين ملاحقها سوى خطوة واحدة وهمت بالاستسلام. باللحظة الذي امسك فيها ذراعها.ارتفع صوت في الظلام جعلهما ينتفضان.