لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-10-18, 12:57 AM   المشاركة رقم: 36
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 

الفصل الحادى عشر






قرر سيف المرور على ابن عمه رفيق ليطلعه على بعض الأوراق الخاصة بالعمل ويطلب مشورته الخاصة ,بعد أن صار على بعد خطوتين فقط من مكتبه تراجع ببطء وهو يلوم نفسه على هذا القرار المتهور ,لماذا لم يرسل له أحد السعاة بالأوراق المعنية ؟ وفيما هو على شروده ألقى عليه أحد الموظفين بالشركة التحية فرفع يده عاليا ليرد تحيته وكأنه بعالم آخر ,وقف يراقب تصرفه الأرعن ويكلم نفسه ( لا يوجد مجال للتراجع الآن , فقد اتخذت قرارك وعليك أن تتحمل نتائجه , ثم أن العمل يأتى فى المرتبة الأولى ) هكذا حاول اقناع نفسه بدون جدوى ,هو فى قرارة ذاته يعرف الحقيقة , لقد أراد رؤيتها , بل أنه يشتاق لها كلما ابتعدت عنه , هل سيصل الأمر به الى أن يطاردها ؟
دفع الباب بعنف لم يكن يقصده ,ففوجئت مها بدخوله الذى أربكها وحاولت الترحيب به بصوت معتدل لا ينم عن شئ:
-مرحبا سيد سيف,هل من خدمة أؤديها لك ؟
وحاولت أن ترسم بسمة ودية على شفتيها الممتلئتين باغراء ,فيما تنتظر منه الاجابة التى ستحدد تصرفها التالى ,أخذ سيف يطالعها بنظراته الجريئة وهو يمسحها من قمة رأسها الى أخمص قدميها , مما أثار فورة غضبها فكيف يجرؤ على أن يعاملها بهذه الطريقة وكأنها فتاة من الشارع ؟ كان له رأيا وضيعا للغاية بمثيلاتها ممن يعملن بمهنة السكرتارية ,فكلهن جميلات متصنعات ولهن هدف واحد هو غايتهن الكبرى ألا وهو الايقاع بمدرائهن الأثرياء ,ولا يهم ما ستسلكه من سبيل أعوج حتى تصل الى هدفها المنشود ,فالغاية تبرر الوسيلة كما تدعين ,انتبه لما وصلت اليه مشاعره بعد أن انفرجت شفتاه قليلا لتعبر عن رغبة قاتلة ليضمها بين ذراعيه ويثمل من رحيق شفتيها الورديتين حتى يكتفى وتكتفى فلا يبقى لديها ذرة واحدة من المقاومة فتنسى جميع الرجال ولا يعد جسدها يتذكر سوى طيف واحد فقط ,أجابها بخشونة حادة:
-هل السيد رفيق موجود بمكتبه ؟
-نعم , ولكنه أمر بعدم ازعاجه .
قالتها وهى تحاول أن تقنعه بدبلوماسية ألا يحاول المعاندة , الا أنه لم يبدو عليه التأثر لما قالته واندفع نحو باب مكتبه الخاص ليحاول أن يصل الى ابن عمه ,فقامت مها بحركة جريئة تحاول فيها الحيلولة بينه وبين الباب المغلق , فاصطدمت يداها بصدر قوى صلب ووجدت نفسها محبوسة بين ذراعين فولاذيتين فيما العينان الغاضابتان تقدحان شررا من هول جرأتها , هل حقا اعتقدت أنها تستطيع منعه ؟
-ارجوك يا سيد سيف !
-أرجوك ماذا ؟
كان لا بد أن يعاقبها بما تستحق لجرأتها عليه ووقوفها فى وجهه ,فيما انحنى نحوها مقتربا بشفتيه من فمها الصغير ,ليخلص نفسه من العذاب الذى يؤرقه ,انفتح الباب الخارجى للمكتب وتمكن سيف من رؤية كريم يقف مذهولا وهو يجيل بنظراته بينهما وتنطق عيناه بغضب صامت ,فتراجع هو بضعة سنتيمترات ليفسح لمها مجالا حتى تبتعد عن مجال جاذبيته المغناطيسى وهى لا تدرى كيف تتعامل فى مثل هذا الموقف المحرج ؟ لقد أهينت على مرأى من كريم اضافة الى وجود سيف الذى أربكها وشل أى قدرة على التفكير السليم ,وأشار كريم لابن عمه بمعنى واضح فاعتدل سيف فى وقفته وهو يعدل من هندامه وقال بلهجة عادية:
-هل تعرف لماذا يختفى رفيق بالداخل ويمنع دخول أحد اليه ؟
ابتلع كريم ريقه وهو حائر فى تفسير ما رآه بعينيه ,ولكنه آثر تأجيل الحساب مع سيف لما بعد , وأجابه بعد طول انتظار:
-لقد جئت لأتحدث اليه أيضا
ثم وجه حديثه للسكرتيرة التى لم تكن قد استعادت رباطة جأشها:
-هل ما يزال مع لبنى بالمكتب ؟ أم أنه مجتمع مع شخص آخر ؟
أومأت له بالايجاب حتى وجدت صوتها يعود الى طبيعته بصعوبة بالغة:
-انه مع الآنسة لبنى ,وقد أعطى أوامره بعدم مقاطعتهما لأى سبب , وقد أراد السيد سيف الدخول فحاولت ...
وبترت جملتها فلم تبرر له ما هو يندرج تحت بنود وظيفتها ؟ وليس ذنبها أن ابن عمه ذئب متوحش لا يتوانى عن فعل الموبقات , هكذا سمعت عنه منذ بدأت عملها بالشركة فى يومها الأول بعد نجاح المقابلة التى أجراها هو لها بنفسه ,ولم تشعر بارتياح لنظراته المتأملة لها والتى لم تترك شبرا من جسدها الا وانتهكته بوقاحة متعالية وكأنه حق أصيل لديه .
أشار لها كريم بالصمت فلا جدوى من اثارة الأمر أكثر من ذلك وليعتبروا أنه لم يكن مؤقتا ,وأمسك بمرفق سيف ليدفعه الى الخارج فيما هم سيف بالاعتراض وهو يسأله بجدية :
-لماذا يجتمع رفيق ولبنى بالداخل وحدهما ؟ كما أننى أريد أن يوقع بعض الأوراق الهامة بعد الاطلاع عليها.
-اذن فى هذه الحالة اتركها على مكتب السكرتيرة وبالتأكيد لن يعدموا الوسيلة لاعادتها اليك.
أراد كريم أن يعيد الأمور الى نصابها الطبيعى ليذكر سيف بأن هذه هى وظيفة السكرتيرة وليس من مقامه العالى أن يقوم بايصال الأوراق بنفسه ,والسعاة يتواجدون بكل مكان ,فلم يجد بدا من الاقتناع بهذا الحل ,اقترب من مكتب مها وأدنى منها الأوراق فمدت يديها بسرعة لتسحبها منه الا أنه أبقاها متعمدا بين يديه وهو يأمرها بغرور:
-انتبهى جيدا لهذه الأوراق حتى لا تضيع ,وحالما ينهى السيد رفيق اجتماعه المغلق سلميها له على الفور,مفهموم؟
أجابته بتحد سافر:
-مفهوم ,, يا .. سيدى
ابتسم بسخرية لها وهو يرمقها باعجاب:
-عاقلة.
بعد انصراف الرجلين الأكثر صلفا وعنادا بالشركة , تنفست مها الصعداء وهى لا تستطيع أن اصدق حسن حظها بالنجاة من بين يدى الذئب المفترس ,هل حقا كان سيحاول تقبيلها ؟ انها متأكدة بأنه كان مجرد تهديد لأمنها ولكنه لم يكن ليجرؤ على الاقدام على هذه الفعلة ثم عادت لتفكر بوضوح : وما الذى يمنعه من هذا ؟ أنه يظن أن كل سكرتيرة هى فتاة وضيعة تسعى نحو الثراء السريع بايقاع الرجال الأثرياء فى شباكها , الا أنها سوف تكسر غروره وتثبت له خطأ ظنه.
وعادت لتتأمل الباب المغلق الذى يفصل بينها وبين رئيسها بالعمل , تحاول معرفة ما يدور وراء هذا الجدار السميك بلا طائل.

****************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 25-10-18, 12:58 AM   المشاركة رقم: 37
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 



لم تعرف هناء كيف استطاعت أن تلملم شتات نفسها الممزقة وهى تبتعد عن منزل مديحة الذى طالما كانت تتردد عليه بل وتقضى فيه أحلى الأوقات برفقة صديقتها المفضلة وأختها الصغيرة مهجة التى ظلت تعيش برفقتها حتى بعد أن تزوجت مديحة ولم يمانع زوجها الرجل الطيب فى أن يستضيف الفتاة خفيفة الظل المرحة والتى يعشقها الجميع من أول نظرة لبرائتها الفطرية واندفاعها الجرئ فلا يملك من يراها الا أن يقع فى حبها ,وقد وقع زوجها هى بالذات فى غرام هذه الفتاة بل واستطاع معها أن يكمل مسيرة حياته فى حين أنها هى حبه الأول توقف بها الزمان لدى لحظة معينة ولم تعد تشعر بطعم لأى ذكرى مرت بها بدون وجوده ,كان يملأ حياتها ووجدانها ولكنها حطمت قلبه وأبعدته عنها باصرار غريب ,وهى للأمانة لم تحقد عليه ولا على مهجة بل فى قرارة ذاتها تمنت لهما السعادة وان كان الثمن أن يحرم ابنها كريم من دفء أحضان أبيه ,وهو ما زال طفلا لاهيا يسأل بسذاجة طفولية عن غياب والده الذى يشتاق له بجنون فلم يكن عمره وقتها يتجاوز الأربع سنوات , وبدأت تؤلف الأكاذيب ببراعة منقطعة النظير ,حتى أخذ كريم فى انتهاج سلوك متجاهل نحو هذه المصيبة وبدأ يكبر يوما فيوما ولا يكاد يذكر سيرة وجدى بكلمة واحدة بل صار يتهرب من أى حوار قد يصل به فى نهايته الى مجرد سماع اسمه,وللحق أنها ارتاحت فى وقتها وظنت أنه قد تحسن ونسى أمر أبيه ,الا أنها كانت تتقطع ألما على حاله وتشفق على نضوجه المبكر ,فأخذ يتصرف بكبرياء وعنفوانية لا يتماشيان مع سنوات عمره القليلة ,وهو يخبر جده كلما سأله عما اذا كان ينقصه شيئا بأنه لا يحتاج الى أحد ,وكان الجد فخورا بهذه الاجابة الأبيّة التى تغذى شعوره الأنانى بالسعادة ,فها هو يثبت لها مرارا بأن الولد لا يفتقد لوجود أبيه وكان كريم قرّة عين جده فكان يدلله كثيرا ولا يرفض له طلبا حتى يعوّضه عن حرمانه لأبيه ,ولكنها أمه وأدرى الناس بأنه لا بديل لحنان وعطف الأب فقد فقدت أباها وهو ما زال حيّا ويعيش بنفس المنزل ,ولكنه كان ضائعا بعالمه الخاص لا يفكر بأبنائه ومصالحهم.
انسابت العبرات تبلل وجهها وتحيل الرؤية أمامها الى ضباب ,وحاولت أن تمسح بكف يدها الدموع المنهمرة بلا توقف وفجأة سمعت صرير اطارات سيارة على بعد سنتيمترات قليلة منها ولامستها مقدمة السيارة بعنف فألقتها بعيدا على جانب الطريق ,وبدأت الذكريات تتوالى أمام عينيها ... طفولتها ,ووجوه من عرفتهم ,أخيها ,أبيها ,وجدى ,عمها,كريم وأخيرا لبنى ,ثم تشوشت الصور بطريقة فجائية ,وكانت تسمع من بعيد صوتا مألوفا يناديها قبل أن تفقد وعيها:
-هناء ... هناء.

********************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 25-10-18, 01:00 AM   المشاركة رقم: 38
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 



فى تمام الساعة الخامسة عصرا ,اجتمع كل أفراد العائلة على مائدة الطعام المستطيلة وكان كل واحد يشغل مقعده المعتاد بنظام ودقة اعتاد أهل هذا البيت عليها ,فلم يكن ممكنا أن يخلف أيا منهم هذا الموعد ,وجلست السيدة شريفة على رأس المائدة وفى الطرف المقابل لها جلس محمد الابن الأكبر فى مكان أبيه الراحل ,وجلست الى يساره زوجته سوسن وبجانبها ريم والى يمينه كان رفيق جالسا بهدوء والى جواره كان كريم يراقب مقعد والدته الفارغ وقد بدأ القلق يتمكن منه فهو قد أنهى عمله متأخرا عن أبناء عمه وعندما أشرف على غرفة الطعام كان الجميع ينتظرونه فلم يجد متسعا الا لغسل يديه وانسل الى مكانه بدون حتى أن يغير ثيابه ,وعندما رأى أن والدته لم تكن حاضرة ظن أنها ربما تعطى بعضا من أوامرها للخدم فى المطبخ ,فزوجة عمه منى ترى أنه ليس من مفردات حياتها أن تشغل بالها بهذه الأمور التافهة وعمته فريال تنأى بنفسها عن أى صلة بالعائلة منذ عودتها الغير متوقعة ,فلم يتبق سواها وزوجة عمه سوسن اللتان كانت تشرفان على شئون العناية بالمنزل,كانت سماح تعمل كالنحلة تأتى لتضع أطباق التقديم وتذهب لاحضار الشراشف ,فاستوقفها كريم بلهجة حادة:
-سماح , أين هى أمى ؟ أما زالت بالمطبخ ؟
توقفت الفتاة وكأنما لسعها عقرب وأخذت تهز راسها نفيا ,ففاض الكيل بكريم وأخذ يعنفها بلا داعى:
-هل أكلت القطة لسانك الطويل ؟ أجيبينى يا فتاة.
ابتلعت ريقها بصعوبة وهى تشعر بأنها فى مرمى الاتهام بشئ لم تفعله:
-أنا لم أرها منذ الظهيرة يا سيدى , ولا أعرف أين هى ؟
تصلبت ملامحه وهو يستمع لدفاعها الضعيف وقام ليدفه بكرسيه الى الخلف بصوت أحدث صريرا عاليا وقال بانفعال:
-لا يمكن , ألا تعرفين أين هى ؟ أليست بغرفتها ؟ هى اصعدى واطرقى الباب ,فلا بد أنها نائمة وأنت كسولة لا تفعلين شيئا نافعا أبدا ,هيا اذهبى لتوقظيها.
وضع رفيق يده على كتف كريم وهو يهدئ من روعه:
-اهدأ يا كريم , فلا بد أن المسكينة لديها عشرات الأشغال التى جعلتها تسهو عن هذا , كما أنه لم يقم أحد منا بتنبيهها , لماذا لم يلفت غياب عمتى هناء نظر أحد منكن ؟
كان حديثه موجها نحو السيدات الأكبر سنا واللاتى كن يحدقن بذهول غافلات عما يدور حقيقة أنه ولا واحدة بالفعل انتبهت لغيابها الذى طال بعد المشادة التى دارت بينها وبين فريال ,وعادت الخادمة المتوترة وهى تشعر بالذعر مما سوف تخبرهم به:
-لم , لقد . طرقت الباب فلم تفتح لى السيدة هناء وظللت واقفة حتى تأكدت أنه لا يوجد صوت ... ف .. ففتحت الباب ولم أجد أحدا بغرفتها.
-ماذا تعنين أيتها المعتوهة ؟ هل اختفت ؟ هل انشقت الأرض وابتلعتها؟
كان صوت كريم الصارخ يطغى على الآذان فيصمها وهو يطوّح بيديه الاثنتين فى الهواء باشارات غاضبة ثم استطرد وهو لا يعى تصرفاته:
-ألم يحدث أن شاهد أحدكم ماذا حدث ؟ ألم يرى أى منكم أمى ؟ هل هى مثل الهواء صارت شفافة لا تلقون بالا اليها !
فيما ألقت ريم نظرة اتهام الى عمتها فريال وبادلتها نظرتها بعداء واضح ثم اعترفت بصوت ينم عن تصميم:
-لقد صارت مشادة اليوم بينها وبين ..عمتى فريال ,وثارت اثرها فصعدت الى غرفتها .
ثم أخفضت صوتها بلهجة اعتذار:
-ولقد انشغل كل منا فى أحواله الخاصة فلم نعرف أين ذهبت بعدها.
ثم أطرقت برأسها وهى تشعر بالذنب لأنها انشغلت بأمر المكالمة الهاتفية الغامضة التى أنستها أن تطمئن على زوجة عمها.
ردت عليها فريال بتعالى متعمد:
-كيف تجرؤين أيتها الخرقاء على اتهامى ؟
حاول محمد التدخل للحيلولة بين أخته وابنته:
-لم يتهمك أحد بشئ يا فريال , فريم تحاول فقط تقرير بعض الحقائق
رنت سخرية فريال مجلجلة:
-عن أية حقائق تتحدث يا أخى العزيز ؟ الحقيقة الوحيدة هنا هو أنه لا يوجد من يهتم لأمر غيره , فالكل مشغول بنفسه , ألسنا كلنا كذلك؟
كانت نظرات منى شامتة متشفيّة , بينما صارت سوسن أكثر اهتماما بما يدور وهى تحاول أن تلقى اقتراحا مفيدا بالاتصال بها على هاتفها الخاص ,فيما جلس سيف عابسا وهو يشعر برغبة عارمة فى الابتعاد عن هذه الأجواء المشتعلة ,أما لبنى فكانت صامتة لا تظهر انفعالا ولا تبدى أى رد فعل وكأنها تنتظر من يحركها.
رفعت شريفة هانم بيدها النحيفة عاليا لتسكت الجميع, وقالت بصوت آمر:
-فلتتصل يا كريم بوالدتك أولا , ربما تكون قد خرجت لقضاء بعض المشاوير الخاصة بها ولن كانت لم تعلم أحد منّا بغيابها ولهذا فلم ننتبه يا عزيزى , فليس معقولا أن ننسى أمرها وما صار من حوار عاصف بينها وبين فريال كان مرده الى سوء تفاهم بسيط حول غياب لبنى هى الأخرى بدون علمنا.
قالت جملتها الأخيرة وهى توجه نظرات لوم جليدية نحو حفيدها الأثير ,الذى لم يبد عليه التأثر وظل صامتا ووجهه خاليا من أى تعابير ,ثم لم يلبث أن انتحى بكريم جانبا وقد أخذ هذا يحاول الاتصال بوالدته ولكن ظل هاتفها مغلقا بلا اجابة وهذا ما جعل قلقه يتضاعف ,وأخذ يعبث بخصلات شعره الكثيفة ويدلك رأسه عسى أن يصل الى حل ,وجد رفيق يسعفه بما عجز عنه ذهنه المشوش:
-فلنجرى اتصالاتنا مع صديقاتها المقربات فربما تكون قد قررت زيارة احداهن.
هز راسه يمينا ويسارا ويقول بيأس:
-لا فائدة من هذا , فليس لها أى صديقات مقربات ولا زميلات ,أنت تعرف أن حياتها كانت مقتصرة على مراعاتى والاهتمام بشئون البيت.
-لا يمكن يا كريم ! لا بد أن لديها صديقة مفضلة , ربما واحدة أو اثنتين, حاول أن تتذكر جيدا.
وربت على كتفه مشجعا بعزم , فيما أخذ كريم يقدح زناد فكره لعله يصل الى جديد ولكنه ما لبث أن شعر بالانهيار , فوالدته الغالية قد اختفت من المنزل بدون أن يعرف أحد , وصار يشعر بمسئوليته عنها , لقد كان مقصرا بحقها هذه الأيام وانشغل عنها فلم يجرى اتصاله بها كعادته اليومية ,لو كان فقط قد اتصل بها لعرف أين تتواجد ؟
قاطع خلوتهما محمد وهو يدنو منهما فيقول بثبات ورزانة:
-اسمع يا بنى , أنا أعرف لواء متقاعد بالشرطة , صديق مقرب لى ويتمنى أن يخدمنى برقبته ,سوف أتصل به وأدلى له بمواصفات والدتك واذا كنت تملك صورة لها فسوف أحتاجها معى , هيا أسرع فالوقت يداهمنا .
قالها ولكزه بمرفقه ليتحرك سريعا وهو تائه لا يعرف اين يذهب لقد كان حقا كالطفل الضائع بدون أمه ,أخذ يتعثر بخطواته وهو يفتش فى كل أنحاء الغرفة على صورة لها ,قام بفتح جميع الأدراج , وقلب محتوياتها على الأرض ,وأفرغ جميع العلب الخشبية والتى كانت أمه معتادة على وضع أغراضها الخاصة بها ,كان ثائرا غاضبا وفى نفس الوقت حائرا متخبطا ,لو فقط يعرف أين اختفت ؟ ثم خطر له هاجسا ملحا هل تم اختطافها ؟
وهو فى غمرة انفعالاته المختلفة رن هاتفه المحمول بنغمة أمه المألوفة ,فلم يصدق أذنيه ,اختطف هاتفه من جيبه وهو يرى اسم أمه على الشاشة فأجاب كالمسحور :
-أمى أين أنت ؟
أجابه صوت رجولى خشن :
-هل أنت السيد كريم ؟
-نعم , أنا هو , من أنت ؟ وماذا تفعل بهاتف أمى ؟
-انتظر قليلا , سوف أجيب عن جميع أسئلتك , لقد أصيبت والدتك فى حادثة تصادم بالطريق.
-يا الهى ! أمى هل أصابها مكروها ؟ تحدث.
-لا تقلق , لقد كانت حادثة بسيطة وأنا كنت قائد السيارة التى صدمتها ولكنها كانت سائرة بلا هدى ولم تكن منتبهة لما حولها .
طبعا يحاول الرجل تبرير فعلته القذرة , هكذا خطر لكريم ولكنه اطمأن قليلا لأن والدته بخير فسأله بحدة:
-أين هى الآن ؟
-انها فى منزلى و
قاطعه صوت هادر بغضب عنيف:
-ماذا تفعل فى منزلك أيها ..
-تمهل يا بنى , أنها فى منزلى وابنتى ترعاها بعناية , وقد استفاقت أمك الآن وهى تريد أن تحدثك.
سمع صوت والدته الواهن الضعيف وهى تحاول أن تتكلم على الرغم من آلامها المتزايدة:
-كريم , حبيبى لا تشغل بالك , أنا بخير.
-أمى , حمدا لله أننى سمعت صوتك ,وأنك بخير , هل يعاملونك بطريقة حسنة؟
ابتسمت هناء بضعف بالغ:
-نعم يا بنى , فابنة الرجل الذى صدمنى قد قامت بعمل اللازم وأكثر , لقد أحسنت الاهتمام بى وهى كالملاك الرقيق ,أرجوك لا تنفعل كثيرا فقد كان هذا خطأى أنا ,لقد كنت شاردة الذهن وأنا أعبر الطريق.
-أين كنتى يا أمى ؟ ولماذا خرجتى بدون أن تعلمى أحدا فى البيت ؟ ما كنا وصلنا لهذه الحالة.
-ليس هذا وقت العتاب يا حبيبى.
-طبعا يا ست الكل , المهم أننى قد اطمأننت عليك , هيا أخبرينى بعنوان المنزل حتى آتى لاصطحابك فورا.
-حسنا سأناول الهاتف للسيد صلاح حتى يعطيك العنوان بالتفصيل.
أخذ السيد صلاح يملى عليه تفاصيل عنوان منزله بدقة متناهية وكريم يسجل كل ما يسمعه بورقة صغيرة فى دفتر قريب منه وأنهى المحادثة معه وهو لا يصدق نفسه من الذهول الذى اصابه وأخذ يحمد الله ويشكره على كرمه الواسع , فيما صعد رفيق اليه ليرى ما الذى أخره بالعلية ,وفوجئ به يضحك ويبكى بجنون حتى شعر بقلق عليه وعلى سلامة عقله ,فأخذ يهزه بعنف وهو يصيح به:
-ما الذى اصابك يا كريم ؟ سوف نجدها لا تقلق أنها مسألة وقت فحسب.
- لقد ... لقد وجدتها يا رفيق .
وأخذ يعيد على مسامعه فى كلمات متخبطة متعثرة ما حدث منذ دقائق قليلة وهو سعيد بنجاة أمه من هذه الحادثة.
-حمدا لله على سلامتها , هيا بنا لنذهب ونحضرها.
-لا داعى لأن ترافقنى , فسأذهب وحيدا.
لم يجد رفيق داعيا لاصراره على الذهاب معه , فقد شعر بأنه يود الانفراد بوالدته بعيدا عن جو العائلة الذى صار خانقا , وقد احترم قراره هذا ,كما أنا لم يشأ فعليا بترك لبنى فى هذا الوقت الحرج.

**************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 25-10-18, 01:02 AM   المشاركة رقم: 39
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 

فيما عرض الجميع على كريم مرافقته فى طريقه لاصطحاب والدته بعدما عرفوا منه باختصار ما جرى لها ,وكانت علامات الأسف والحزن بادية على غالبية الوجوه ما عدا منى التى كانت تجلس صامتة وكأن الأمر لا يعنيها ولم ترهبها نظرات زوجها اللائمة التى كان يرسلها نحوها بين الحين والآخر فيما نجحت أخيرا فى أن تنطق بجملة أثارت الجو العائلى الذى وحّدهم جميعا بالتوتر وهى تقول بلهجة لا يبدو عليها الاكتراث:
-حمدا لله على أنك عرفت طريق والدتك ,وان كانت هى المخطئة بخروجها المتخفى عن أنظارنا وقد كان لا بد وأن تعلمنا حتى لا تثار كل هذه الضجة والفوضى ثم يتضح أنها بخير.
لم يصدق سيف أن هذا الكلام يصدر عن أمه ,ترى هل هذه هى مشاعرها الحقيقية نحو زوجة عمه ؟ أنه كان يراها تلتصق بها بالساعات قبل هذا الحادث وتحاول أن تتقرب منها بشتى الوسائل , ما الذى غيّرها لهذه الدرجة ؟ولم يدر المسكين أن أمه لم تتغير قط ولكنها أسقطت قناعها الزائف واستبدلته بالحقيقى الذى انكشف فى موقف كهذا ,فلم يحتمل نظرات العائلة وهى تتوجه نحو أمه فى شذر حتى والده بدا عليه الحرج الشديد وقد تعمّد أن يربت على كتف ابن أخيه ويحاول اصلاح ما أفسدته زوجته بقوله:
-ان شاء الله تطمئن على والدتك , ومرة أخرى حمدا لله على هذه الأخبار الحميدة,نحن فى انتظاركما.
شد كريم على يد عمه عادل وهو يشكر له اهتمامه البالغ ويعبر عن امتنانه بهذه المشاعر الفيّاضة :
-شكرا يا عمى ,أنتم خير سند لى,أستأذن سأذهب الآن حتى ألحق بأمى سريعا , فلا بد أنها متعبة للغاية وتحتاج للراحة.
ألقى تحية السلام عليهم وانصرف بعدما حاول أن يكتم نوبة غضبه واستطاع السيطرة على انفعاله فمنع نفسه من الرد على زوجة عمه الحقودة بما يليق بها ,وقد كان هذا احتراما لمشاعر عمه وسيف فهو رفيقه المقرب وصديق طفولته وشبابه.
ما أن غادر كريم المكان حتى عاد الجميع لمجلسهم على مائدة الطعام وان كانت شهيتهم قد انعدمت تماما فأخذ معظمهم يقلّب الطعام البارد فى صحنه وهو شارد ,وبقى الآخرون يحدّقون ببعضهم البعض ,وكان أول من اتخذ قراره بمغادرة الطاولة هو رفيق الذى اعتذر من جدته لأنه بحاجة الى الراحة بعد يوم عمل شاق وطويل ,وتبعته ريم غير غافلة عن نظرات لبنى المتوسلة لها بأن تبقى ,وأخذت لبنى كوبا من الماء أمامها وارتشفت قليلا منه ثم مسحت شفتيها بفوطة السفرة ثم قامت من مقعدها وهى تقول بحبور:
-سفرة دائمة,عن اذنكم.
وتبعتها على الفور فريال بدون أن تعير أي من الجالسين اهتمامها والذى كان منصبا بالدرجة الأولى على الفتاة ,توقفت فريال عند باب الحمام وهى تراقب ابنتها تغسل يديها من أثر طعام لم تمسه وقد أخذت تفرك بشرتها لتجففها جيدا ثم انتبهت لنظرات فريال المشعة نحوها وهى ترمقها بحنان وحب لم تلاحظهما من قبل وقد ظنت أنها تتعجلها لاستخدام الحمام فألقت بالمنشفة وهى تسرع بالخروج وقالت:
-معذرة ,لم أنتبه لوجودك ,تفضلى فقد انتهيت.
ومرت بجوار فريال الا أنها استوقفتها وهى تنظر لها باشتياق طال سنوات كثيرة وقالت برقة لم تتناسب مع نظرتها الأولى لها بأول لقاء لهما:
-انتظرى يا بنيتى ,أود أن أتحدث اليك.
نظرت لها باستغراب وهى تشك فى نيتها , لماذا هذا الاهتمام المفاجئ من جانبها ؟ ولماذا تتخيل الرقة والشفقة فى لهجتها ؟ ربما تشعر لبنى باحساس غامض نحو هذه المرأة التى عرفت أنها عمتها وانقلبت حياتها رأسا على عقب بعد معرفتها بأصلها ونسبها الحقيقى , فهى تنتمى لفرد من هذه العائلة الا أنه لا يمت بصلة الى فريال ,هكذا تصورت الفتاة اليافعة وهى تنتظر تفسير أوضح من المرأة الأكبر سنا والتى يبدو عليها سيماء الكبرياء والشموخ كواحدة أصيلة من عائلة الشرقاوية وهى أيضا تحذو حذوها فلها كل الحق بتواجدها هنا , ألم يظلمها الكثيرون وقد آن الأوان لاسترداد بعضا من حقوقها المسلوبة , لقد نشأت فى كنف اثنين غير والديها الحقيقيين كما أنها ما زالت تجهل هوية أمها التى ولدتها ,وخطر ببالها أن تسألها عن ناجى , ربما تعرف عنه أية معلومات قد تفيدها فى مخططها الذى باء بالفشل على يد رفيق , ولكن هيهات أن تستسلم له ,فهى تتظاهر بالموافقة على كل آرائه حتى تفلت من بين يديه وحين يغفل عنها ستضرب ضربتها القاضية ,ولن ترحم أحدا.
-عمتى , أريد أن أسألك عن شئ ؟ هل تعرفين شخصا من العائلة يدعى ناجى ؟
كان سؤالها البرئ كصفعة قوية انهالت على فريال , التى ترنحت قليلا وهى تحاول التماسك وأخذت يدها ترتعش فى بحثها عن سند ,وكانت لبنى الأسبق لنجدتها فتشبثت بها فريال كالغريق فى بحثه عن قشة للتعلق بها.
-من الذى حدثك عنه ؟
-لا أحد معين .
أجابتها لبنى وهى تحاول أن تدارى كذبها المتعمد وقد أخذ ضميرها يؤنبها لازعاج هذه السيدة التى بدا عليها وكأنها رأت لتوها شبحا بمجرد ذكر هذا الاسم ,ولم تغفل لبنى عن تسارع أنفاسها المتلاحقة وهى تحاول أن تدخل الهواء بقوة الى رئتيها ,ثم احتضنتها ودفنت رأسها فى صدر الفتاة وهى تبكى بكاءا مريرا وتقول من بين عبراتها المتدفقة:
-انه .. لقد كان .. ناجى ...
ولم تقو على اكمال عبارتها المتقطعة بفعل البكاء ,ثم طالبتها بمرافقتها الى غرفتها التى كانت لا تبعد كثيرا عن الحمام ,وأطاعتها لبنى بصمت وهى تقدر ضعفها المفاجئ الذى أصابها برغبة طارئة فى احتضان هذه المرأة ومحو جميع آلامها المرتسمة على وجهها ,ولكنها كانت تموت شوقا لمعرفة ماذا كانت تنوى أن تخبرها به عن ناجى,ويبدو أنها تعرفه حق المعرفة ,ولم لا أليس فردا من عائلتها؟ وان كانت قد شكت بأن الصلة بينهما أقوى من مجرد قرابة عادية ,وقد أصابت رميتها الهدف على ما يبدو وبدقة.

****************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 25-10-18, 01:03 AM   المشاركة رقم: 40
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 



كان كريم يقود سيارته الفارهة بسرعة مخيفة وهو يسابق xxxxب الزمن حتى يصل الى والدته ,لم يحتمل فكرة تواجدها لدى أغراب والأسوأ أن صوتها يغلب عليه التعب وشئ آخر لم يدركه بعد ,هل هو ضعف أم انهزام ؟ لأول مرة يجدها غير قادرة على التعاطى مع الموقف بحسب ما يتطلبه الظرف الراهن ,ربما تكون قد أنهكتها الوحدة بعيدا عن وجود رجل يساندها وربما يكون ما حدث لها نتيجة منطقية لما سمعته من لبنى هذا الصباح ,هل اقتنعت أمه بأن هذه الفتاة ليست أخته أم أنها ظنتها مجرد خدعة منها ,وكيف سيفاتحها بما حدث اليوم وقد طلب منه رفيق فى شبه أمر بألا يذكر الأمر أمام أى شخص ,ولكن أمه ليست أى شخص كما أنه قد سبق وقامت لبنى باخبارها ,فلم يتعمد اخفاء الحقيقة عنها ولكن ارتأى بالنهاية أن يؤجل أى نقاش قد يثير متاعبها من جديد ,المهم أن يطمئن عليها وعلى أن هذا الرجل الذى صدمها بسيارته لم يؤذها وقد أحسن ضافتها هو وابنته أم أنهما مجرد عصابة ؟ لماذا يشعر بهذا الكم من التوتر والحذر .. أخيرا هذا هو العنوان كما أملاه له الرجل على الهاتف .. حدث نفسه وهو يحاول أن يسكت صوتا بدأ يعلو بأنه يجب أن يضع حدا لهذه المهزلة الدائرة ببيت العائلة ,فلن يهتم بعد الآن سوى بمصلحته الخاصة هو وأمه , وما بعدهما يأتى الطوفان.
ركن سيارته على مقربة من العمارة التى كان يقرأ الرقم المعلق على بوابتها الحديدية ,كانت عمارة قديمة نسبيا ولكنها مطلية حديثا بلون يشبه لون الطوب الأحمر,كمل أنها لا تتعدى الأربعة طوابق ,فلم تمسها يد المقاولين الجشعين بعد ,والذين يسطون على أى بناية قديمة ويقومون باغراء ساكنيها بالتنازل عنها ليقوم مكانها برج عالى يناطح السحاب فى مقابل شقة جديدة ومبلغ كبير من المال ,لقد كان له صديق يعمل فى مجال التسويق الxxxxى وقد افتتح مكتبا خاصا به ليقوم بتأجير وبيع الشقق السكنية وهو من أخبره بهذه المعلومة ,نفض عن ذهنه ما وصل اليه خياله الجامح فما أبعده عن هذا الصديق اليوم ,لقد كان شخصا غريب الأطوار حقا ,تعرّف عليه منذ أربعة سنوات فى مصادفة غريبة من نوعها ,ثم عاد بشروده الى عالم الواقع وأغلق سيارته ثم أخذ يتقدم باعتدال الى مدخل العمارة وهو يحاول تذكر رقم الطابق فقد أخبره الصوت الرزين بأنه يقطن فى الدور الثانى ,ونسى أن يتأكد منه هل يضع الدور الأرضى بالحسبان أم يتجاهله ,وفيما هو متوجه نحو الدور الأول قرر أن يجرب ويطرق الباب الذى صادفه ,وبمجرد أن وضع يده على زر الجرس حتى انفتح الباب أمامه كاشفا عن فتاة بيضاء ذات شعر بنى حريرى وقفت تنظر له بذهول وهى تكاد لا تصدق أنه واقفا أمامها فيما هو يهتف:
-هديل!
وشعرت برهبة قوية وهى تقول بوجل:
-سيد كريم , هل أنت ؟ تفضل, فأبى ينتظر قدومك.
وقامت بافساح مجالا له ليتقدم الى الداخل , وهو يحاول السيطرة على مشاعره بينما أغلقت هى الباب ورائه وأشارت له بالتوجه الى غرفة الصالون,أخذ هو يتأمل تفاصيل المنزل البسيطة والتى تشى برقة الحال ولكنه نظيف ومرتب بنظام بالغ وتخيّر مقعدا منفردا يقع قبالة الباب حتى يتمكن من رؤية القادم ,أخذ حريته فى الجلوس وكأنه بمنزله الخاص وهو يمطر الفتاة المحرجة بسيل من الأسئلة لا تتوقف:
-هل هذا هو منزلك ؟ أين هو والدك ؟ أتوقع أنك الابنة التى تحدثت عنها أمى .
وكان فى لهجته اتهاما قويا ,أخاف الفتاة وأفقدها القدرة على مواجهته , فلن يقتنع أبدا بأن هذه مجرد مصادفة , وأنّى لها أن تتخيل فى أكثر أحلامها تطرفا أن السيدة التى صدمها والدها هى أم مديرها فى العمل ,وهل يتوقع أنها قد خططت لهذا هى ووالدها ؟
-نعم هذا هو بيتى , ماذا تحب أن تشرب يا سيدى ؟
تألقت ابتسامة غير ودية على الاطلاق على شفتيه وهو يجيبها بغرور وصلف:
-أنت تعرفين جيدا مشروبى المفضل ,والآن هل وفرت علينا كل هذه التفاصيل الغير ضرورية , فأنا لم آت للضيافة ,أين هى أمى ؟ تكلمى.
رأى هناء فى هذه اللحظة تدخل وهى مستندة الى ذراع رجل فى أوائل الخمسينيات من عمره , طويل القامة ونحيف ,بدأ شعر رأسه ينحسر عن المقدمة وان كان محتفظا بنعومته وكان يميل الى اللون الرمادى ,وكان يرتدى نظارة طبية أضفت عليه الكثير من الوقار ,نظر كريم شذرا الى الرجل بدون ذنب جناه سوى أنه قد كره قربه الواضح من والدته ,وقام من مقعده ليلحق بها وهو يتمنى ازاحة يده التى كانت تساعدها ,ابتسم له الرجل بمودة وهو يمد يده نحوه متجاهلا حركته العنيفة فى ابعاده وقال بترحيب حار:
-أهلا وسهلا بك يا بنى فى منزلنا.
تجاهل كريم يده الممدودة فى حركة خالية من اللياقة وهو يحتضن أمه بلهفة ويسألها بنبرة استجواب:
-هل أنت بخير ؟ هل تتألمين كثيرا؟
كان يتمنى فى قرارة نفسه ولو أنه يحبها أن تشكو اليه من سوء المعاملة أو من آلام مبرحة حتى تكون لة حجة قوية فى اتهام الرجل الماثل أمامه فى ثقة ,ولكنها خيبت ظنه كما أنها قد تضايقت من اغفاله السلام فأجابته بقوة:
-أنا بخير , وقد أخبرتك بهذا من قبل على الهاتف.
تراجع الرجل قليلا وهو ينقل بصره بين مشهد ابنته المترددة ومشهد الاستقبال الحار بين الأم وابنها وهو غير قادر على الربط بين الأحداث بصورة سليمة .
قطع عليهم كريم الاندماج فى النظرات حين قرر الرحيل مع أمه وهو يقول باستهانة:
-شكرا لكم على حسن الضيافة , وان كان هذا واجبا عليك بعد أن صدمتها بتهورك.
قبل أن يستطيع صلاح أن يرد اتهامه قامت هناء بالدفاع عنه بحماس:
-لا يا كريم , لم يكن هذا هو خطأ صلاح , أنا كنت شاردة ولم أرى أمامى والحمد لله أنه قد استطاع أن يكبح فرامل السيارة بقوة مخاطرا باصابته بمكروه حتى يفادينى.
عقد كريم حاجبيه بقوة وهو يحلل كلمات أمه .. ثم تبين له أنها تنادر الرجل باسمه مجردا دون ألقاب , كما أنها تتبارى فى الدفاع عنه ,ولا يكفى هذا اضافة الى أن الرجل هو والد سكرتيرته الشخصية, لماذا تسير معه الأمور بشكل خاطئ فى هذا اليوم منذ بدايته وحتى الآن.
-حسنا اذا كان الأمر كذلك فهيا بنا الى المنزل , لا بد أنك مرهقة جدا وبحاجة الى راحة تامة , كما أنه لا بد من اجراء فحوصات للاطمئنان عليك , هل خطر على بالكما أن تعرضاها على طبيب ؟
قامت هديل باعطائه الرد المناسب بعد أن فاض بها الكيل فليس معنى أنه مديرها أن يقوم باهنتها هو ووالدها فى منزلهما وعلى مرأى من والدته:
-أنها بخير وقد قام أبى بالطبع بعرضها على طبيب متخصص فى مشفى كبير قبل أن يصطحبها الى هنا.
-اذا كلن هذا صحيحا ,فلم لم تتصل وقتها بنا وكنت وفرت علينا الكثير من الوقت قضيناه فى قلق على غيابها الغير مبرر .
قام صلاح هذه المرة بالاجابة وهو يحاول أن يتمسك بأكبر قدر من ضبط النفس:
-لقد كانت فى غاية التعب للانتظار بالمشفى , وقد وجدت أنه من الأفضل لها أن ترتاح بالبيت وكانت هديل تقوم على رعايتها وكأنها ابنتها فلا داعى لكل هذه الضجة التى تثيرها بدون سبب.
-كيف تقرر عنها ؟ وبأى حق ؟
كان اندفاعه الى حافة الغضب لا يوقفه أى شئ فى حين قامت هناء بالدفاع عن ابنها:
-فى العادة كريم شخص هادئ ومهذب جدا ,ولا بد أنه قد شعر بقلق رهيب أثار اعصابه ولهذا فأنا أعتذر منكما لما بدر عنه.
قامت هناء بزيادة الطين بلة ,فقد قامت تعتذر عن تصرفه وكأنه طفل صغير لم يتجاوز الخامسة من عمره وهى تؤنبه بلطف على سوء خلقه أمام شخص غريب ,وشعر بابتسامة خفيفة تتسلل الى شفتى هديل وعندما فاجأها بنظراته لم تتراجع بل وقفت تنظر له بجرأة وكأنها تتحداه للقيام بأى عمل غير لائق ,فزفر بحنق وهو يمسك بمرفق والدته ليجبرها على مرافقته بدون أن تلقى التحية على أصحاب المنزل الا أنها قد قامت بالافلات من قبضته لتضم هديل بين ذراعيها وتطبع قبلة على خدها وتقول بصوت بشوش:
-شكرا لك يا حبيبتى على كل ما قمت به من أجلى.
وردت عليها هديل بنفس اللهجة :
-لم أقم بعمل شئ ذو أهمية وهذا أقل من الواجب بكثير.
ثم التفتت هناء الى صلاح تودعه :
-أشكرك على انقاذك لك واهتمامك بأمرى ,وداعا يا صلاح.
ومدت يدها اليه فتناولها على الفور وهو يشد عليها قائلا بوعد:
-الى اللقاء يا هناء , وفى المرة المقبلة انتبهى لنفسك.
أصاب كريم الملل والاحباط من هذا المشهد الوداعى المؤثر وقد ضاقت أنفاسه فى صدره فلم يعد يحتمل المزيد وقال بصوت حاول أن يجعله منخفضا:
-هيا يا أمى , ما زال أمامنا طريق طويل لنقطعه .
ثم التفت الى هديل وقال بدون أن ينتبه أحد الى مغزى كلماته:
-كما أنه لدينا الكثير فى الغد ,وان غدا لناظره قريب.
غادر هو ووالدته المنزل ,وبعدها شعرت هديل بفراغ كبير فقد كان وجوده يشعرها بضيق المكان على الرغم من اتساعه ,دائما تراه ذا مركز جدير به فى طبقة عالية لا يصل اليها سواه, وأخذت تفكر فى معنى جملته , لا بد أنه يعنيها هى فسوف تراه بالتأكيد غدا فى الشركة ,ولن تسلم من عقابه ,فمديرها ليس بالشخص الهيّن الذى لا يُقام وزنا لتهديداته ,بل أنه رجل أفعال وهى قد خبّرت قسوته فى أكثر من مناسبة سابقة بالعمل ,وبالطبع هذه المرة ستكون الأصعب فالأمر قد وصل الى حياته الشخصية ,وقد مس أهم انسانة بحياته .. أمه.

**************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لؤلؤة, العواصف, تائهة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 11:31 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية