لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-10-18, 05:29 PM   المشاركة رقم: 31
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,136
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 

الفصل التاسع





أخذت فريال تذرع غرفتها ذهابا وايابا وهى قلقة كنمر حبيس لا يستطيع السيطرة على رغبته الفطرية بالانقضاض على من حوله لتفرغ طاقتها السلبية التى سيطرت على الأجواء المحيطة بها , كانت لا تفكر الا بما قام به رفيق صباح هذا اليوم , فبعد أن أخذ يلقى على مسامعها خطبة عصماء ليجعلها تشعر بالدونية اذ أنها تدبر المكائد مع مجدى فى حين أنه يلعب بطريقة غير شريفة فيصطحب معه لبنى الى الشركة بدون أن يخبر أيا من الموجودين بالمنزل , متجاهلا تحذيرها له بعدم التعرض للفتاة اليتيمة التى لا حول لها ولا قوة , ولكنه سيدفع الثمن غاليا على ما سببه لها من رعب وهى تتصور أن هناء قد تجرأت وآذتها فى هذه العزيزة الغالية على القلب , فوجدت أنه لا بد من محادثة مجدى حتى تعلمه بما استجد من الأمور وتطلعه على نيتها التى عزمت عليها ولن تتراجع عنها مهما كلفها الأمر , فها هى تحارب من جديد لأنها وجدت سببا لتتعلق بالحياة كانت كالغريق الذى يتعلق بقشة , وكانت لبنى هى هذه القشة.
اتصلت بمجدى الذى كان دوما خير سند لها حتى وهى بعيدة عنه بمشاعرها نائية عن عواطفه الجيّاشة التى كانت تفيض حولها لم يتخل عنها حتى وهى تعتقد بأنه قد وقف الى جانب والدها بعد خلافهما القاسى تأكّد لها أنه الوحيد الذى اتخذ موقفا ايجابيا وحافظ على جوهرتها الثمينة من الضياع.
سمعت صوت المحامى الرزين وهو يجيبها بوقار:
-آلو .. كيف حالك يا فريال؟
-بخير , كنت أود التحدث معك بأمر ضرورى
-ألم نتفق على تأجيل مثل هذه المناقشات لما بعد؟
-لقد طرأ شئ ولا بد أن تعرفه
-حسنا . هاتى ما لديك , كلى آذان صاغية
ترددت فريال قبل أن ترجوه أن يلتقيا , وعلى الرغم من سعادته العظيمة بهذا الطلب الا أنه أصر على الرفض لظروف خاصة
-لما لا تخبريننى على الهاتف ؟
أطاعته فريال وأجابت بقهر:
-لقد نشب خلاف بينى وبين رفيق , فقد نما الى علمه لقاءنا ولا أدرى ما الذى يخفيه ؟
-اممم, هكذا بدأ يتجسس علينا, لا يشغلك هذا فأنا سأتولى أمر اخباره بالحقيقة
-لا . لا تفعل يا مجدى
-ولماذا تعترضين على هذا ؟ أليس من الأفضل أن نضمه الى جانبنا؟
-لقد بدأ رفيق يخطط لنفسه , هل تعرف أنه قد اصطحب لبنى معه دون أن يكلف خاطره باخبار أحد منا بذلك ؟
صمت مجدى برهة يفكر فى أهمية الأخبار التى تلقاها للتو ثم عصر ذهنه ليقترح عليها برفق:
-اذا كان يميل اليها , فما المانع من تشجيعهما على هذه العلاقة؟
صرخت فريال وكأنما لدغتها حيّة:
- لن أسمح لهذا أن يتكرر ثانية , لن أضع هذه البريئة موضع القربان لأضحى بها حتى أنال شرف الاندماج مع فريق أخى محمد ضد فريق عادل ؟ فلتذهب الثروة الى الجحيم.
اعترض الرجل بهدوء على انفعالها:
-لا يوجد ما يستدعى كل هذا الانفعال من جانبك يا فريال , ولا أطلب منك أبدا التضحية بها ولا أن تنضمى لجانب ضد آخر, لست أنا هذا الشخص , أنت تخلطين بينى وبين رجل آخر.
أعادتها كلماته المؤنبة لذكرى مؤلمة مضت منذ زمان واعتقدت أنها صارت طى النسيان الا أنها ما زالت تتأجج يوما بعد يوم منذ أن وطأت قدماها أرض هذا البيت من جديد , فها هو مجدى الرجل الذى كان يعشقها بجنون وهى ما زالت فتاة صغيرة تجرى بسعادة فى أنحاء المنزل تاركة جدائلها الحريرية تتمايل فى زهو وغرور فيفتتن ببهائها كل عابر سبيل,يتبارى مع الزمان فى ادماء الجراح القديمة التى لن تندمل أبدا.
-لماذا لا تترك الماضى وشأنه يا مجدى ؟ لم تصر على أن تزيد من آلامى ؟
-لست أنا من يفعل هذا , فريال ,,, اذا كنت مصرة على احياء الماضى والعودة الى الوراء فأرجوك ابعدينى عن هذا الحوار , فأنا لدى ما يكفينى من مشكلات معقدة لبقية حياتى , أما اذا أردت أن تفتحى صفحة جديدة وتتسامحى مع الجميع فأنا موجود الى جوارك والى الأبد , لن أتخلى عنك.
ما زال يؤثر بها بدماثة خلقه ورقة مشاعره ورهافة كلماته التى تتغلغل فى أعماقها لتشق طريقا وسط الآلام المدفونة فتسرى كالبلسم الشافى بسحر ساحر تهدئ وتلطف من النار المستعرة بداخلها , هل تستطيع التجاوز عما حدث ؟ والأهم هل تستطيع الغفران؟
-سنرى ما ستقدمه لنا الحياة , وربما يوما ما أستطيع أن أتسامح كما قلت.
-اذن سنعطى أنفسنا فرصة ونحاول , وأنا ما زلت على رأيى بضرورة اخبار رفيق بالحقيقة , لا تجيبينى الآن , فقط فكرى بالأفضل لصالح ... الفتاة.
ابتلعت ريقها وهى تشعر بالأشواك الجافة تتنازع فى حلقها حتى تكاد تزهق روحها وجاهدت لترد عليه بأسى ومرارة:
-أنا أثق بك يا مجدى , فأنت من تبقى لى فى دنياى , أرجوك لا تتخلى عنى ولا عنها, فهى وحيدة مثلى .
-لا تقلقى فأنا لا أنكث بعهودى.
تذكرت الآخر الذى نبذها وحيدة وسبّب لها ولصغيرتها المفقودة كل هذه الآلام التى عاشت لسنوات طوال تحفر ذكراها فى مجرى العمر فصارت هى والألم كيانا واحدا ثم خاطرت لتسأله ثانية:
-ألم يأت الوقت المناسب لاخبارها؟
كان يعرف مدى لهفتها وشوقها فلم يجرؤ على احباط آمالها العريضة ولكنه كان يائسا مثلها ويتشبث بأمل ضعيف فقال:
-ربما علينا أن ننتظر بعض الوقت , على الأقل حتى نعرف من هو الصديق ومن سينقلب الى عدو.
-نعم لديك كل الحق فأنا نفسى صرت مشوشة التفكير.
-عليك أن تتحلى بالصبر والتعقل فأمامنا معركة شرسة سوف نخوضها ونحتاج لكل قوتنا وثباتنا, فريال أعتذر منك ولكن لدى مكالمة هامة فى الانتظار, أراك قريبا.
-الى اللقاء يا مجدى.
وضعت هاتفها جانبا وهى ترى أمها تدخل الى غرفتها وربما للمرة الأولى منذ أمد بعيد , لم تشعر باقترابها الا بعد أن أنهت المحادثة وقالت فى نفسها يا ترى ما مقدار ما سمعته والدتها من حديثها السرى , وتيقنت من نظراتها المدققة أنها لا بد عرفت شخصية المتحدث فقد بادرتها بالسؤال:
-هل كنت تتحدثين الى مجدى .. المحامى الخاص بنا ؟
كانت أمها تصر على الصاق هذه الصفة به , انه بالنسبة لها مجرد مجدى .. المحامى المختص بالمعاملات القانونية , وكانت تنكر عليه صداقته لابنها المتوفى - وجدى رحمه الله - وبالطبع كانت تنكر عليه مشاعره الوليدة تجاه ابنتها , لقد دفعتها بايمانها العميق من هذا المنطلق بأنه لا يرقى لمستوى العائلة العريقة التى تنتمى لها نحو اتجاه خاطئ تماما كلّفها الكثير , ولم تجد بدا من أن تعترف لها بالحقيقة فما الداعى وراء اخفاء صلتها به ؟ وهى لم تعد الفتاة القاصر التى تخشى من أهلها اذا عرفوا عن علاقتها برجل غريب ؟
-نعم ,هل لديك أى اعتراض؟
-لا ليس لدى , كما أنك قد صرتى راشدة بما فيه الكفاية لتتخذى قراراتك الخاصة يا ابنتى
-يا ليتك اقتنعت بهذا فى الماضى , ما كنا وصلنا لهذا الحال.
-كنت مخطئة , كلنا أخطأنا بالماضى ودفعنا الثمن غاليا.
-لم يدفع أحدكم الثمن مثلى.
-أعلم الى أى مدى تتألمين , فقد فقدتك مثلما فقدتى أنت ابنتك. فقدتك وأنت على قيد الحياة.
-لقد اشتقت لها يا أمى , لكم تخيلت أننى أحتضنها ,وكل يوم يمر يتسرب الأمل بعيدا عنى.
انطلقت كلمتها من بين شفتيها بدون ارادة منها , لقد مر وقت طويل منذ أن نطقت هذه الكلمة .. أمى ,حتى السيدة شريفة نفسها كانت مذهولة فها هى ابنتها قد لقبتها بأمى بعد طول حرمان , وقد كان لها فعل السحر فى مشاعرها المتصلبة فلانت وتلهفت لاحتضان فلذة كبدها بين ذراعيها الضعيفتين بفعل كبر السن ففتحت ذراعيها لها لتحتويها بحنان طالما تاقت له فريال واستجابت لأمها فى غريزة فطرية حتى تنهل من نبع العطاء.
-تعالى الى حضن أمك يا أميرتى .
-لكم اشتقت لك , لماذا ؟
كانت تعرف مغزى سؤالها الناقص ,لم تشعر الا بعبراتها تنساب على خديها وهى تضم ابنتها بقوة وتصميم خالفت الوهن الطبيعى الذى تشعر به دائما ولكنها مسحتهم بأطراف أناملها الرقيقة غير سامحة للضعف بأن يتسلل اليها من جديد .
-لم يكن بيدى , أقسم لك أننى بحثت عنها طويلا بعد رحيلك , ولكننى فشلت فى اقتفاء أثرها الذى اختفى.
ربتت على كتف فريال بعطف بالغ وهى تحايلها:
-ألن تسامحى ضعف أمك فى مواجهة جبروت والدك - رحمه الله - لقد فات الأوان أليس كذلك؟
هزت فريال رأسها بعنف رافضة الاستسلام للمشاعر الانهزامية التى تغلبت على والدتها:
-لا . لم يفت الأوان بعد.
ثم استطردت بعد أن ابتعدت قليلا عن أحضانها الدافئة :
-صدقينى يا أمى , سيدفع الثمن غاليا كل من مد يد العون ليحرمنى من ابنتى , وليعيننى الله على ذلك.
وكان هذا وعدا قاطعا صممت على تنفيذه حتى ولو دفعت فى مقابله كل نفيس وغالى تملكه.

*************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 23-10-18, 05:30 PM   المشاركة رقم: 32
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,136
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 

لم يستطع كريم أن يتمالك أعصابه بعدما سمع الكلمات تنساب من بين شفتى لبنى لتحفر بداخله شرخا عميقا يهدد كل كيانه بالانهيار ,ولم يمنع نفسه من الصراخ بوجهها بحدة لم تدهشها:
-أى هراء هذا الذى تتحدثين عنه ؟ لا بد أنك قد جننتى !
-اهدأ وأخفض صوتك فنحن لا نريد أن يعرف أى أحد بما دار بيننا من حوار فى هذا المكتب والا ستكون العواقب وخيمة.
حذرته الفتاة الرقيقة الجالسة أمام عينيه وهى تعدّل من ياقة قميصها بهدوء وكأنها لم تقم بشئ .
هب واقفا من مقعده ليستقر بالقرب من المقعد المواجه لها وهو يحاول أن يخفف من حدة توتره , ثم انحنى قليلا وأشار لها ليصبح وجهه قريبا من وجهها ونظرالى عينيها العسليتين اللتين تشبهان عينى والده تماما ثم همس بصوت كالفحيح:
-هل تدركين معنى اعترافك ذاك ؟ أنه لا حق لك بالتواجد هنا فى هذا المكان بيننا, أنك متهمة بالتزوير فى أوراق رسمية, هذا يسمى غش , تدليس ,انعدام ضمير.
اعتدلت فى جلستها مرة أخرى بعد أن أخذت تعض على شفتيها حتى تخيّلت أنها ستدميها فى حركة عصبية دلّت على انفعالها الداخلى , ثم نظرت الى كريم فى محاولة منها للتأثير عليه:
-أنا أتحدث عن محاولة للنيل ممن يحاولون حرمانك من حقك الطبيعى , كما أنها ستكون ضربة قاصمة أيضا لمن حرمك من حنان أبيك وأنت بعد طفل صغير.
ضربت بقوة على الوتر الحساس لديه , فما زالت هذه المسألة تؤرقه حتى بعدما شب وصار رجلا ناضجا لم ينس ولم يغفر لجده ما قام به من ابعاد والده عن حياته ,وتمنى لو كانت أمه تمتلك من قوة الشخصية والقدرة على المواجهة ما يجعلها تقف فى وجه الطاغية وتصمم على استمرار حياتها مع الرجل الذى تزوجته وأنجبت منه وحيدها , وشعر بتعاطف نحوها فهى ما زالت تأمل فى أن تنال حقها المسلوب منذ زمن بعيد وقررت التضحية بزواجها حتى لا تُحرم هى وابنها من نصيبهما بالميراث , لم يخبره أحد بهذه الحقيقة الواضحة فقط استنبطها عقله الواعى ولم يجرؤ على توجيه اللوم الى هذه المرأة المحطمة , فيكفيها ما نالها فى هذا البيت.
-ولكن من حرمنى من وجود أبى ... لم يعد موجودا لأنتقم منه , ولو كان هذا فى خاطرى لما انتظرتك كل هذه السنوات حتى تأتى وتعرضى علىّ الاشتراك معك فى مؤامرة ضد عائلتى.
قام من مقعده وتوّجه الى الهاتف الموجود على سطح مكتبه وطلب من سكرتيرته أن تصله بمكتب رفيق , وقبل أن تعى ما كان يحاول القيام به سمعته يخاطب ابن عمه:
-رفيق , أريد أن تأتى حالا الى مكتبى , هناك ظرف طارئ.
أنصت الى محدثه وقال بعفوية:
-لا , انها بخير , لا تقلق ,ولكن الأمر يخصها ويخصنا جميعا.
وضع السماعة بعنف وهو ما زال يشعر بالارتجاج الذى سيطر على توارد أفكاره فلم تعد لديه القدرة على التركيز.
-ما الذى قمت به أيها الأحمق ؟
صوبت نحوه نظرات نارية وهى تستشيط غضبا من سرعة ردة فعله الغير متأنية.
-احذرى يا .. لبنى أو أيا كنتى , فلم يعد لدى رصيد يكفى اهاناتك , وستنالين حتما العقاب الذى تستحقينه.
-أنا مندهشة من ردة فعلك , فوالدتك نفسها لم تبد هذا التهور عندما فاتحتها بالأمر هذا الصباح.
زفر بضيق وهو يضرب على سطح مكتبه الزجاجى بقبضة يده ويصيح:
-هل تعرف أمى بمخططك اللعين ؟ولم تخبرنى !
ابتسمت لبنى بطريقة مدروسة وكأنها تؤكد له شده سذاجته:
-بل ورحبّت بها وكانت مستعدة للتنفيذ.
فى هذه اللحظة بالذات , دلف رفيق الى الغرفة بتهور وهو لا يكاد يقوى على الانتظار وأخذ يحملق بنظراته المسيطرة فى وجهيهما لعله يلمح شيئا ,ثم اندفع ليجلس فى مواجهة لبنى ويسأل كريم بلهجة آمرة:
-ما الذى حدث بينكما ؟
ابتلع كريم ريقه بصعوبة فقد تهور من قبل ولم يعد بامكانه التراجع فاعترف ببساطة:
-انها .. تؤكد أنها ليست أختى , وأنه لا حق لها بالميراث.
قاطعته لبنى بحقد :
-لا لم أعترف بأنه لا حق لى بالميراث , فأنا أنتمى للعائلة للأسف.
هز رفيق رأسه بقوة وكأنه ينفض عن ذهنه ما يدور حوله من أحداث وأخذ ينظر الى لبنى مقيّما وهو يحاول سبر أغوارها قبل أن يسألها:
-هل تذكرتى شيئا ما ؟
-لا أعرف عما تتحدث , ما الذى تذكرته؟
أخذ كريم يراقبهما وهو غير مصدق لعدم مبالاة ابن عمه بما اعترفت به هذه الأخت المزعومة بل وأخذ يستجوبها وكأنه على علم بأمرها.
-اذن لما أخبرتى كريم بأنك لست أخته ؟ من الذى أخبرك ؟
تطلعت اليه لبنى بانتصار:
-أه , كيف عرفت هذا ؟ ولما أخفيته عن الجميع ؟ لا بد أن لك غرضا خفيا.
ابتسم رفيق بمكر وهو يضع ساقا فوق ساق وطلب من كريم أن يجلب لها فنجانا من القهوة حتى تخفف من حدة توترها .
فغر كريم فاه تعجبا ولم يملك الا الطاعة وهو يكتم فضوله المتزايد حول هذا الأمر الغريب , فيبدو أنه الوحيد بالعائلة الذى لم يكن لديه معرفة بالحقيقة , انه المغفل الوحيد!
كان يبدو على رفيق الاستمتاع بهذا الموقف حيث كانت لبنى فى موقف الدفاع وهو يهاجمها بحديثه الهادئ وهو يمتلئ ثقة وغرورا:
-أنا أعرف من قبل أن أراك, ولقد أصبتى عندما خمنتى سبب سكوتى فلدىّ أسبابى الخاصة لذلك.
كانت الفتاة كمن ضربت بعصا على رأسها فأخذت تحرك يديها بحركات غير مفهومة وهى غير قادرة على تمالك أعصابها ولكنها استطاعت أن تهمس بخفوت:
-لماذا ؟ هل تعرف حقيقتى ؟ ولكن كيف ؟
قاطع حديثهم دخول السكرتيرة وهى حاملة ثلاثة فناجين من القهوة بعد أن طرقت على الباب وأخذت تتطلع بفضول لم تخفيه الى وجوه الجالسين وكانت الصدمة تسيطر على لبنى وكريم أما رفيق فقد كان متحكما بتعابير وجهه فصار جامدا لا يظهر شيئا مما يعتمل بداخله ,وقام بصرف السكرتيرة بحركة من يده عندما تلكأت وهى تغادر الغرفة انتظارا لأوامر مديرها المباشر :
-تمالكى أعصابك يا عزيزتى , فقد يحدث ما لا يحمد عقباه من جرّاء انفعالك الزائد.
كان يحادث لبنى بعقلانية وتفهم ثم ناولها فنجان القهوة وكان ما زال ساخنا تتصاعد الأبخرة من السائل البنى بداخله , وأمرها بتناوله , كما التقط فنجانه بالرغم من أنه قد احتسى واحدا منذ دقائق قليلة قبل اتصال كريم به ولكنه شعر بحاجته لمزيد من الكافيين حتى يستطيع التركيز فيما سيقوله , بينما ترك كريم فنجانه ليبرد بجوار ذراعه التى يسندها على المكتب وهو غير قادر على الاتيان بأية حركة أو حتى مجرد اشارة وبدا كأنه يتابع فيلما سينمائيا يدور أمام عينيه , فما يجرى لا يمت للواقع بصلة.
ارتشفت لبنى من فنجانها بسرعة فلسعها السائل الساخن وكاد يحرق جوفها الا أنها ما زالت تشعر بارتجاف أطرافها ولم تفلح بالسيطرة عليها فكانت تتوق لسماع التفسير من بين شفتى هذا الرجل الغامض الذى أثار مشاعرها الى حافة الجنون فهو يجذبها كما تنجذب الفراشة للهب ويخيفها بقدرته على معرفة ما يدور برأسها ودائما ما يكون التفوق من نصيبه فى أى حوار يجرى بينهما.
أخيرا استعاد كريم قدرته على الحوار فسأله بلهفة:
-نحن فى انتظار تفسيرك يا رفيق , هل تعرف الحقيقة كاملة ؟
أجاب رفيق بلهجة المعلم الذى يعطى تلاميذه خلاصة الحكمة:
-ومن يجزم بأنه يعرف الحقيقة الكاملة! أنا فقط لدىّ بعض المعلومات وقد كوّنت فكرة مسبقة بسبب هذه المعطيات.
-ولم أخفيت هذا عن العائلة ؟
كان سؤاله منطقيا ولا بد من أن تكون الاجابة على قدر السؤال.
فكّر رفيق قليلا قبل أن يستدير بغتة نحو لبنى التى تفاجأت بنظراته المتوعدة وقال بلهجة تشبه النذير:
-لم أكن أدرى أنك ستبدأين اللعب بسرعة هكذا , أنت لم تضيعى وقتك ؟
انكمشت على نفسها خوفا من انقلاب سحنته وهى تخمن بأنها قد خسرت قبل أن تبدأ وقد فات الأوان للندم , على الأقل يمكنها أن ترحل بهدوء ولن يمانع بالتأكيد فى خروجها من حظيرة العائلة.
-يمكن أن نعتبر أن شيئا لم يكن , وسأنسحب فورا من مكانى وأعود الى حياتى السابقة.
ضحك رفيق ساخرا منها وهو يصفق بيديه :
-برافو, أحييك يا صغيرتى على أدائك التمثيلى الرائع , من تحاولين أن تخدعيه ؟
- بالتأكيد ليس أنت.
التفت الى كريم وقال له بسلطة واضحة:
-عليك أن تكتم ما سمعته الآن حتى أعلمك بقرارى , وهذا ليس طلبا انه أمر غير قابل للمناقشة.
تراجع كريم فى مقعده وقال محبطا:
-صدقنى يا رفيق كنت أتمنى هذا , ولكنها أخبرتنى أنها قد تحدثت الى أمى فى هذا الشأن.
ورفع كتفيه علامة على قلة الحيلة, فوثب رفيق على قدميه بخفة وصار بخطوتين يقف الى جانب لبنى الخائفة فأمسكها بقوة من مرفقها حتى أجبرها على النهوض , وقال مهددا من بين أسنانه:
-عليك بالقدوم معى بدون أن تثيرى أية فوضى , واياك أن تحاولى مخالفة أوامرى.
نظرت الى كريم تستنجد به بلا جدوى فقد أخبرتها نظراته بضرورة الانصياع لرغبات رفيق الغاضب الذى أخبره بأنه سوف يتولى هذا الشأن بدون تدخل من أحد آخر.
ودفعها بلطف أمامه وكأنه يصحبها الى مكتبه كأى شخصين عاديين ولكنها كانت مدركة للمساته المتحكمة والتى لن تجرؤ على أن تبتعد عنها , فأثارت بداخلها مشاعرا متضاربة ما بين سعادة ووجل , فأربكها بحضوره القريب منها وهى تشم رائحة عطره النفاذة المميزة , وقد تغلغلت الى أنفها فشعرت بدوار عجيب ولكنها تماسكت حتى تعرف ما هو قراره بشأنها وما هو مصيرها مع هذا المستبد ؟

***************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 23-10-18, 05:34 PM   المشاركة رقم: 33
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,136
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 

الفصل العاشر






اندفعت هناء خارج غرفتها وقد ارتدت أبهى حلة وهى متلهفة لتلحق بموعد هام قد اتفقت عليه مع صديقتها العتيدة التى باعدت بينهما الأيام والظروف القاسية ,ولكنها عادت لتتمهل ببطء وهى تراقب خلو الطرقة من أى متلصص فآخر ما ترغب به هو تقديم تفسيرات لأى كان , وغير مستعدة للشجار مرة أخرى بعد ما صار بينها وبين فريال من حوار ساخن تطاولت فيه عليها واتهمتها بالحاق الأذى بالغالية لبنى , وآه لو تعرف ما أخبرتها به لبنى , انها تريد أن تستوضح الحقيقة الكاملة حتى يرتاح بالها فما سمعته هذا الصباح كان كارثة بكل المقاييس اذا تأكدت منها فسوف تتغير خريطة المستقبل تماما , وستتبدل خططها التى ستشغل حينها حيز التنفيذ بمنتهى اليسر والسهولة , وعادت لتتذكر مكالمتها السابقة مع صديقتها وكيف تفاجأت من اتصالها الغير متوقع وحقا استطاعت مباغتتها فى الصميم ولم تجرؤ بعدها على أن ترفض لقائها , سوف تستقل سيارة أجرة حتى لا تلفت الانتباه اذا ما طلبت من السائق عم ( رياض ) أن يقلها الى منزل صديقتها فربما يتسرب خبر الى أحد أفراد العائلة ووقتها لن تسلم من لسان منى ولا من استجواب فريال وأخيرا لن تنجو من عقاب حماتها التى سوف تظن بها الظنون ولن يبقى أمامها الا الاعتراف , اذا أرادت أن تنتصر على ظروفها الحالية وتحقق مآربها باعادة الحق الى أصحابه عليها أن تتوخى الحذر فى تصرفاتها وتبقيها طى الكتمان حتى عن ابنها كريم , وعندما تذكرت ولدها لاح شبح ابتسامة خفيفة على شفتيها وهى تقول فى سرها انه قد آن الأوان لتتولى منصب المسئولية كاملا والذى أرادك الجميع بمن فيهم عمك الكبير بعيدا عنه حتى يخلو الجو لابنه البكرى فيتمتع بما هو ملكك يا بنى.
تسللت على أطراف أصابعها بحذر شديد حتى وصلت الى الباب الخارجى , وابتعدت مسرعة عن مرمى البصر وهى تتجه الى الشارع الرئيسى حتى وصلت الى ناصيته فانتظرت وهى قلقة بالرغم من ابتعادها بمسافة كافية عن الفيلا ثم أشارت بيدها لسيارة أجرة عابرة واختفت بداخلها وهى تملى على السائق العنوان الذى تحتفظ به فى ذاكرتها الفولاذية التى لا تنسى وجها ولا حدثا وكانت هذه هى مصيبتها الأزلية فلو وهبها الله نعمة النسيان لكانت أخلدت الى الراحة واستمتعت بحياتها وهى هانئة مرتاحة البال.

***************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 23-10-18, 05:35 PM   المشاركة رقم: 34
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,136
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 



بداخل أروقة الشركة قام رفيق بدفع لبنى بهدوء مشوب بالسيطرة الكامنة فى شخصيته الفذة الى مكتبه حيث دنا من سكرتيرته التى ذهلت لمرأى علامات الفزع المرتسمة على وجه الفتاة أمامها ولكنها لم تنطق بكلمة واحدة فقط استمعت بانصات لتعليمات الرئيس وهو يدلى بها بسرعة فائقة تجاوبت هى معها بمهارة تحسد عليها فهذا المنصب الذى احتلته منذ أربعة سنوات لم يأت من فراغ فقد كانت مجتهدة وسبق لها التدريب فى أماكن أخرى لا تقل جدارة عن الشركة التى تعمل بها حاليا ولكن ما يميزها عن غيرها هو سمعة العائلة التى تمتلكها ( الشرقاوية ) وما يتمتعون به من سلطة ونفوذ وقوة وثروة هائلين ,وكان حلم أى سكرتيرة أن تصل فقط الى بوابة هذه الشركة فما بالها بأن تحتل مركز الصدارة بين جميع السكرتيرات الأخريات فهى تتباهى بأنها تعمل مع المهندس رفيق الشرقاوى والذى يمتلك خيوط اللعبة كلها بين يديه , وقد أدهشته بمهارتها ومهنيتها العالية فقد التزمت ومنذ يومها الأول بتحذيراته حرفيا وهو يعلنها صراحة بأن تلتفت الى عملها فقط وليس الى صاحب العمل , وهى مدركة لوسامته وجاذبيته المدمرتين والتى قد تغرى أى فتاة تعمل معه بهذا القرب أن تجرب سحر اغرائه ناهيك عن وضعه ومركزه الرفيع , ولكنها مشغولة القلب بشخص آخر غيره فلا وقت لديها لتضيعه فى محاولات لا جدوى منها , فراق لها هذا الايضاح منذ البداية فلا أوهام تلتف برأسها لتصنع خيالا لن يتحقق , وبعد أن تأكد من فهمها لكامل أوامره التى ألقاها بشموخ , جذب لبنى المسكينة من ذراعها وهى كانت تأمل فى أن تأتى لها النجدة من حيث لا تحتسب , وتمنت بداخلها لو كانت أكثر حذرا فى التعامل مع أفراد هذه العائلة , فلم تتخيل أن يتصرف كريم معها بهذه النذالة ويضعها بالمواجهة الأمامية لرفيق الثائر.
ما أن وطأت قدماه أرض مكتبه حتى أغلق بابه باحكام ووقف ينظر لها كأنه نمر يتحيّن الفرصة للانقضاض على فريسة سهلة , وقالت فى نفسها أن ظنه سيخيب اذا ما صارت سهلة المنال بالنسبة له , ستقاتل حتى آخر نفس فى معركتها قبل أن تعترف بالهزيمة المنكرة وربما حالفها الحظ فتنتصر عليه.
وتقدّم منها وهو يحاول سبر أغوار عينيها الجميلتين اللتين تظهران خوفا مبطنا ولكنها تحاول اخفائه باستماتة , فتراجع قليلا وهو يسأل نفسه هل حقا تخاف منه ؟ لم يقم أبدا فى حياته بأى عمل عنيف ضد امرأة وبالتأكيد لن يؤذيها هى بالذات , كان يريد أن يستجوبها على مهل حتى يتأكد بنفسه اذا ما كانت تتذكر شيئا أم أن هذا من وحى خياله ؟ أحيانا يشعر بها تميل اليه وتحاول بشدة لفت انتباهه اليها حتى يهيأ له أنها تقوم بهذا عن عمد , وأحيان أخرى يراها فى منتهى البراءة والوداعة فيصدق قناع زيفها , وأشار لها بالجلوس فاختارت مقعدا منفردا يبعد عنه كثيرا لكنه منعها وأرشدها الى الأريكة الجلدية التى تتسع لاثنين فقط , فتمنّعت قليلا والشكوك تساورها فى نواياه تجاهها , وعندما انتبه لأفكارها ابتسم بسخرية مريرة وهو يحدثها كأنها طفلة صغيرة تحتاج الى التأديب:
-لا تقلقى منى , فاذا أردت آذيتك فلن يمنعنى أحد , ولكننى أريد فقط أن أعرف الحقيقة , ولا شئ سواها.
وأجبرها على الجلوس الى جواره قريبة جدا من أنفاسه اللافحة وجاذبية عينيه القاسيتين , فتلجلجت بردها وهى تحاول السيطرة على نفسها:
-أية حقيقة تبغاها ؟ لقد سمعت ما ردده لك كريم من قبل وبما أنك لم تكن مندهشا , فقد حان دورى لأتعجب من هدوئك , اذا كنت تعرف حقيقتى لم فضلت كتمانها عن عائلتك , بدلا من أن تقوم بفضحى وسطهم فيخلو لك الجو بدون أى تنغيص.
ضحك منها وهو لا يتمالك نفسه من الاستمتاع بمحاولتها الفاشلة لتحليل تصرفه حتى شعر بالسعال يهاجمه فهدأت ملامحه ثم انقلبت الى تكشيرة غاضبة وهو يكور قبضته مهددا اياها:
-أنت وقحة جدا , واحدة غيرك كانت تحمد ربها على نعمة الستر , أخبرينى يا ... لبنى كيف عرفتى حقيقتك ؟ أم أنك منذ البداية تعرفين وتصنعتى الاهتمام بنا فى محاولة منك لكسب ود الجميع بلا استثناء .. حتى زوجة عمى هناء .. لا أتخيّل أنك قد صارحتها بالحقيقة هكذا بدون مواربة ! أنت حقا جريئة!
لم تعرف لبنى اذا ما كان يذمها أم يمتدحها كل ما كانت تصبو اليه أن تنجو من هذا الامتحان على خير ومهما حاولت التملص منه فسوف يجبرها على الاعتراف فعليها أن تحفظ ماء وجهها , واعتدلت فى جلستها محاولة الابتعاد عن هالته المشعة قدر الامكان الا أن ضيق الأريكة لم يسمح لها بأن تنال مرادها فقررت مصارحته بما عرفته وبدون كذب :
-حسنا , بداية جاءنى السيد مجدى المحامى الخاص بأعمال العائلة الى المكتب الذى كنت أعمل به ذات يوم وأخبرنى بموضوع الوصية وأننى جزء منها , وعندما حاولت الرفض نصحنى بالتمهل وتأجيل اتخاذ القرار لما بعد مقابلتى لكم , وفعلا استجبت له ومع أننى كنت ذاهبة بلا حماس حقيقى الا أن استقبالهم لى قد أثّر بى للغاية وجعلتنى أنّا شريفة أشعر بمعنى الحنان الحقيقى النقى بدون مصالح خفية أو تزييف , وصدّقنى وقت أن قبلت بالبقاء فى بيت العائلة كنت على يقين من أننى ابنة عمك وجدى الشرقاوى , وفيما بعد عندما واجهت خالتى مديحة بما عرفته عن أبى من زواجه بأخرى واتهمتها بأن أمى لم تكن ملاكا كما كانت تحب أن تدعوها , تشاجرت معها فى هذه الليلة وأخبرتها برغبتى فى ترك منزلها والذهاب الى عائلتى الحقيقية , صارحتنى بعدها بالحقيقة وهى أننى لست ابنة أختها وبأن عمك قد تبنّانى منذ كنت رضيعة بالمهد.
توقفت لتلتقط أنفاسها المتهدجة فحتى الآن كلما تذكرت هذا الاعتراف تشعر بمرارة وأسى بالغين بعد أن تحطّم عالمها المثالى الى فتات صغيرة جدا , وحتى الحقيقة الثابتة لديها قد صارت وهما تتخبط بأنحائه وهى غير قادرة على النجاة بنفسها من دوامة الصراعات التى أشعلت نيران الحقد والكره بداخلها.
كان رفيق منصتا باهتمام الى اعترافها المرير وهو مشغول الذهن بالخطوة القادمة التى عليه أن يسلكها حتى ولو كانت صعبة التنفيذ ولا يستطيع التكهن بنتائجها الوخيمة عليهما , فسألها عن والديها:
-وهل أخبرتك خالتك ... أقصد السيدة مديحة من هم والديك الحقيقيين؟
-طبعا , فعندما أخبرتك فى مكتب كريم بأننى من هذه العائلة لم أكن أخترع كذبة جديدة كما تظن.
بسط كفيه أمامه وهو يشجعها على اكمال اعترافها حتى النهاية وقد بدأ يتوتر قبل أن يعرف ما ستلفظ به الا أنه أحس بالخطر الكامن ورائه:
-كل ما أعرفه أن أبى ينتمى لعائلة الشرقاوية وأن هذه العائلة قد ظلمتها ظلما بيّنا وحرمتنا من بعضنا ويعود الذنب الى جدك عبد العظيم الشرقاوى, فهو من قام بتمزيق روابطنا الأسرية اضافة الى استيلائه على نصيب أبى من ميراثه.
ضاقت عيناه وهو يستمع اليها بترقب بالغ وقد سيطر عليه هاجس خفى بأن ما ستضيفه لبنى لن يعجبه على الاطلاق :
-أنت مصر على أن تعرف من هو أبى الحقيقى , هذا شئ سهل ولكننى صدقا لا أعرف من هى أمى كما لم تخبرنى خالتى باسم أبى ... ولكننى عرفت أنه ...
ناجى الشرقاوى.
-لا يمكن , كيف عرفتى بأمر ناجى الشرقاوى ؟ لا أحد يعرفه سوى المقربون .. المقربون جدا فقط.
اذا صدق ما جاء على لسانها فهو يعرف جيدا هوية أمها التى ولدتها,وكانت أقرب له مما تتصور ويبدو أنها لا تعى ماسيؤول اليه الحال اذا انتشر هذا الخبر فى أرجاء البيت , سينقلب رأسا على عقب ولن تعود الحياة الى سابق استقرارها,وبدا حائرا ماذا يفعل بها ؟ وماذا يقول لها ؟
-هل أنت متأكدة مما أخبرتك به ؟ هل لديها الاثبات على بنوّة ناجى الشرقاوى لك؟
اندفعت لبنى من مقعدها تهاجمه بشراسة:
-ان خالتى لا تكذب فهى ليست مضطرة لهذا مثل عادتكم المفضلة بالعائلة الكريمة.
هب بدوره وقد أمسك بها يمنعها من المغادرة ثم أجلسها مرة أخرى بحركة عنيفة فاجأته بعد أن أطلقت صرخة ألم ضعيفة وهى تفرك كتفيها بعد أن شعرت بأصابعه الطويلة المسيطرة قد انغرست فى لحمهما الطرى مشعلة النار بآثارها مما جعله يتركها على الفور وينسحب بعيدا عنها وهو غير مصدق لما وصلا اليه ثم وجدته يتأمل بصمت البنايات الشاهقة الارتفاع المحيطة بهم من خلال لوح النافذة الزجاجى الكبير وسمعته يقول لها برقة ولأول مرة:
-أنا أعتذر عما بدر منى , لم أكن أحب أن تسير الأمور بيننا بهذه الطريقة السيئة , فهذا لا يتفق مع مخططاتى أبدا لعلاقتنا.
هل يملك مخططات هو الآخر ؟ ولكنه يتحدث عن علاقة بينهما , انه لا يقصد بالطبع علاقة عمل أو قرابة , هل تتخيّل أم أنه قد ندم على تصرفه تجاهها؟لم تشعر بنفسها الا وهى تتعاطف معه بصدق وتمنت لو تستطيع محو نظرته المتألمة من على وجهه الوسيم ليعود فتتشكّل بجمود ملامحه الصارمة من جديد وكأنه يرفض اظهار أى نقطة ضعف انسانى لديه.
-لا يهم , أنا أيضا أخطأت بفقدان أعصابى وانفعالى الزائد.
استدار ليتأملها بنظرة مختلفة تماما وكأنه يحاول اختراق روحها وان كان ما يزال واقفا بمكانه , فقد شعرت بنظراته تلامسها بشغف جعلها ترتجف حتى الأعماق وهو يعيد السؤال عليها مرة أخرى ولكن بصيغة مختلفة وبصوت أكثر ليونة:
-هل تمتلك السيدة مديحة اثبات رسمى على هويتك ؟ هل لديها ورقة حكومية .. شهادة ميلاد ... اعتراف خطى .. أى شئ من هذا القبيل؟
توجست خيفة من استجوابه فهل يأمل أن تعطيه دليلا على صدقها ليمزقه وتصير شريدة بلا مأوى ولا ملجأ , لا لن تسمح للضعف بأن يتسلل الى مقاومتها , عليها واجب تجاه أمها المظلومة ولا بد أن تأخذ بالثأر حتى ترتاح , وهى حقيقة لا تعرف ان كانت أمها على قيد الحياة أم لا ؟ ولا تعرف ان كانت ستنعم برؤيتها أو تملأ فراغ حياتها بداخل أحضانها الدافئة ؟ انها لم تحرم من العطف والحنان فوالديها بالتبنى كانا نعم الأب والأم لها ولم تشعر بأنهما يعاملانها كأنها لقيطة ! وصرعتها اللطمة القاسية ... هل هى لقيطة ؟ ولهذا السبب فأنكرتها العائلة وطردتها خارج الجنة , كما طرد آدم من قبل بسبب خطيئته ؟ ولكن لديها أب فهل أنكر صلته بأمها ؟ أم أنهما لم يتزوجا من الاساس ؟
ولكنها ليست مذنبة , فهى المجنى عليها بكل حال وعادت لتنكمش على نفسها فاذا كان هذا صحيحا فبأى عين ستتطلع نحوهم؟
أزعجته النظرة الخائفة القلقة التى نمت على محياها وشعر برغبة عارمة فى الدفاع عنها واحتوائها بداخل روحه حتى تنسجم معه ولا تعود فتشعر بالوحشة وكان يعلم بأنها تنتمى له, تأكد الآن من أنها لا بد صادقة بكلامها فهى تشبه عمه لدرجة خيالية وهذا ما يسهّل عليه من ابتلاع كلماتها التى أطلقتها كالسهام النافذة بقلبه وعقله.
حان دورها الآن لتسأله وهى غير قادرة على كتمان فضولها الذى يتآكلها بحرقة:
-هل .. هل ستخبرنى كيف عرفت بحقيقة أمرى ؟ ولم أخفيتها عن الجميع ؟ أرجوك أريد أن أعرف , لن أتحمل المزيد من الخيوط العنكبوتية التى تظلل حياتى وتمنعنى من المضى قدما بها.
كانت لهجتها متوسلة حانية تستعطف قلبه الذى أراد مواساتها على طريقته الخاصة , وحدّث نفسه بأن هذا ليس هو الوقت المناسب , ربما فيما بعد أن ينفضا من حياتهما كل خيوط العناكب التى تمنعهما من التمتع بالراحة والسكينة, لن تفلت منه وقتها , فلن يسمح لها بالتراجع,أما الآن فعليه أن يكسب ثقتها مجددا حتى يستعيدا سابق انسجامهما.
-أنا لدىّ مصادرى الخاصة , وقد سبق وتحريّت عنك عندما أبلغنى مجدى بالخطوط العريضة للوصية قبل أن نلتقى , أما عن دوافعى لاخفاء الحقيقة فهى شخصية ولكنها شريفة فلا أنوى أبدا أن أؤذيك أو أدمر سعادتك الهشة التى تكوّنت لتوها بعد أن غمرتك العاطفة الأسرية فى ظل عائلتنا.
ثم مد يده لها وهو يأسرها بنظراته الحميمية القاتمة:
-هل تثقين بى يا لبنى ؟
كانت تعى مدى أهمية اجابتها عن هذا السؤال والذى يحمل أكثر من معنى , وقلّص أى احساس بالشر فى نواياه , فخاطرت بقلبها وبسلامتها النفسية وهى تمد يدها لتلامس أطراف أصابعه قبل أن يجذبها بقوة اليه فيما أخذت هى تتعثر فى خطواتها نحوه وقالت:
-لبنى .. ليس اسمى الحقيقى.
ابتسم لها بمحبة وقبل طرف أصبعها البنصر وقال بغموض:
-أعرف ... فأنت أميرة ... أميرة الشرقاوية.

*****************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 23-10-18, 05:36 PM   المشاركة رقم: 35
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,136
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف

 

توجهت السيدة مديحة الى شقتها القديمة بعد أن عانت الأمرين مع ابنها وزوجته لتحاول اقناعهما بضرورة ذهابها الى هناك لتطمئن الى أن كل شئ على ما يرام فقد صارت مغلقة لعدة أيام اضافة الى أنها أرادت أن تجمع بعض من أغراضها التى نسيتها فى غمرة انشغالها بلملمة حاجياتها حتى تسكن مع ابنها بشقته الأوسع والتى تشغل مكانا أرقى بكثير من الحى الذى كانت تقطنه مع زوجها الراحل , لِمَ تشعر بأن منزل ابنها ينقصه الدفء والسكينة التى كانت تغمرها ببيتها القديم حتى بعد وفاة زوجها كانت لبنى تملأ عليها فراغ حياتها وتؤنس وحدتها , كانت مدركة تماما منذ البداية أنها ليست ابنة أختها ولا حتى ابنة زوجها ,وأنهما قد تبنيّاها مباشرة بعد وفاة وحيدتهما التى لم تبقى على قيد الحياة سوى سويعات قليلة بعد ولادتها ,وقبل أن تصير الحادثة الفظيعة التى راح ضحيتها كلا منهما اعترف وجدى لها بأن الفتاة تنتمى لعائلة الشرقاوية وأن أباها اسمه ناجى ولكنه لم يفصح عن اسم والدتها وهى لم تضغط عليه بالسؤال ,كانت علاقتها بنسيبها ودية للغاية , فقد كان يعزها وهى كانت تحترمه , كأنه كان يشعر بدنو أجله فأزاح عن كاهله سر ابنته - التى رباها وتولى رعايتها هو وزوجته - وكأنها ابنتهما الراحلة وجعلها الوصية عليها ,وتساءلت بعدها هل من الأفضل ابعادها عن أقاربها الأثرياء وحرمانها من التمتع بثروة تغنيها الى يوم الدين وتكفل لها حياة الرغد , ولكنها خشيت افتضاح أمرها ولم يشك أحد فى نسبها لوجدى حيث كانت تشبهه لدرجة مذهلة ومن يراهما سويا لا يشك ولو مثقال ذرة بأنهما والد وابنته , وهذا يعود لقرابته لها فهما يحملان فصيلة دم واحدة وهى نادرة,والآن اتصلت بها صديقتها المفضلة والتى كانت لا تفترق عنها فى الماضى لتطلب منها اللقاء لأمر ضرورى, كانت تخشى من مواجهتها لها فهى بالتأكيد لم تنس الماضى ولا أحداثه المريرة التى تركت مذاقا لاذعا فى نفسها لا يمكن تجاهله,ولم تستطع رفض هذه المقابلة فهى تعلم بأنها آتية لا ريب فيها فما الفائدة من ارجائها لما بعد , فكما يقال وقوع البلاء ولا انتظاره , وهل يوجد ابتلاء أشد من هذا ؟
كانت جالسة فى صالة منزلها تسترجع شريط حياتها وأحلى أيام عمرها التى قضتها مع رفيق عمرها الراحل وذكريات ابنها الذى صار رجلا والابنة اليتيمة التى ترعرعت فى كنفها بعد موت والديها بالتبنى,وبالرغم من المناوشات التى كانت تنشأ بين لبنى وبين ابنها حسام الا أنهما كانا يتصالحان بعدها لتعود المياه الى مجاريها وهى لا تنكر رغبتها فى عدم زواجه منها حيث أنها شعرت بميل طفيف فى تصرفاته نحوها فوأدت هذه المشاعر الوليدة فى مهدها حتى لا تطالهما المشكلات فيما بعد , يكفيها ما نال أختها مهجة من جراء زواجها من وجدى الشرقاوى , ان مجرد انتمائه ولو اسميا لهذه العائلة ذات النفوذ القوى كان شيئا مرعبا لها , فقد نجح أبوه السيد عبد العظيم فى منع استقراره بأى مكان ولا بأى وظيفة فصار كالرحالة هو وزوجته ولبنى لا يبقون بمكان واحد أكثر من شهرين أو على أقصى تقدير ثلاثة أشهر فقرروا السفر الى محافظة أخرى وقد استقر الثلاثة مدة لا بأس بها فى الاسكندرية حتى صارت الحادثة الأليمة التى تركت أثرا غائرا فى نفسية البنت المراهقة لفقدانها مصدر الوحيد للأمن والأمان وهى وحيدة بهذه الحياة محرومة من اهتمام عائلتها ومن حنان أبويها, فكان من المنطقى أن تستقر لدى خالتها ولم يكن معروفا لأيا كان أنها ليست ابنة أختها حتى ابنها حسام كان مقتنعا بأنها قريبتهم فقد كتمت هى السر وكان كالشوكة فى ظهرها تخزها من حين لآخر غير قادرة على التحمل وتريد الفضفضة لعلها تريح قلبها المثقل بالأحزان.
اعترفت للبنى بهذا السر يوم قررت الفتاة الذهاب الى عائلتها للاستقرار فى منزلهم , وقد خشيت عليها من هناء بالذات لا بد أنها تكرهها لأنها تذكرها بزوجها الذى نبذها وفضّل عليها مهجة ,وها هى هناء تود المجئ لرؤيتها بعد كل هذه السنوات وقد ظنت أنها نسيتها مع بعد المسافات وانقطاع سبل الاتصال بينهما ولا تعرف كيف حصلت على رقم هاتفها المحمول , لا فائدة من محاولة التخمين لسبب الزيارة , كلها دقائق قليلة وتتشرف بمعرفة الغرض من هذا اللقاء.
ارتعدت فرائصها وهى تستمع لرنين جرس الباب المتواصل بقوة , والذى ينبئ بقدوم الزائرة فى موعدها بالضبط , وترددت لبرهة قبل أن ترى أنه لا جدوى من الادعاء بعدم تواجدها أو محاولة تجاهل الرنين المزعج والذى أقلق راحتها وأخرجها من ذكرياتها المتدفقة لتواجه واقعا لا مفر منه , ما جدوى الاختباء فى قوقعة من وهم ؟ لتذهب وتواجه القادمة بثبات.
كان اللقاء غريبا , سيدتان متقاربتان فى العمر وقفتا الواحدة أمام الأخرى تتأمل آثار الزمان على الوجوه وعلى المشاعر المتبادلة , رحبت بها مديحة بعد أن أفسحت لها المجال لدخول منزلها وقد اعتادت على زيارتها له بالماضى ولم تنس هناء تفاصيله المختزنة بذاكرتها الحديدية , كل شئ فى مكانه لم تمتد اليه يد التغيير وهى تعرف عمق تعلق صديقتها بكل ما تملكه وكانت تدعوها بالمتملكة العتيدة لأنها ترفض مذهب التجديد ما دامت الأشياء على حالة جيدة ولم يصبها أى ضرر , واتخذت لنفسها مقعدا منفردا حيث تستطيع مواجهة المرأة التى كانت ذات يوم من أقرب الناس الى قلبها , حيث كانتا زميلتين منذ أيام الدراسة وحتى دخول الجامعة وكانت وقتها قد تزوجت من ابن عمها ولم يمنعها من استكمال دراستها وقد كانت بغنى عنها فهى تمتلك مالا يكفيها العمر , بينما أصرت على مواصلة تحصيلها العلمى فكان هذا هو قرارها الوحيد الذى نبع عن تصميم شخصى بعد أن تخلت عن حقها الأصيل فى اتخاذ القرارات منذ صار عمها مسؤولا رسميا عنها وعن أخيها ,واستسلمت بيأس له وهو يرسم مستقبلها بأصابعه القوية ويحركها كالدمية الخشبية بخيوط حريرية كانت أشد قسوة من القيود الفولاذية , تنهدت بعد أن صار الماضى ورائها ولا سبيل للعودة اليه لتغيير ما جرى.
الا أن القدر أبى الا أن يعلنها حربا على صداقتهما الوطيدة وينتصر بمعركته ضدهما وهى لا تلومها فقد كانت على حق وقت أن قطعت علاقتها بها فلا توجد واحدة تتحمل أن تصادق امرأة تزوجت شقيقتها بزوجها حتى ولو كانا شبه منفصلين قبل لقائه بها , كانت مهجة شقيقتها هى السبب فى التفرقة بينها وبين صديقة عمرها هناء .
-مرحبا بك يا هناء فى بيتى , مضى وقت طويل منذ آخر مرة رأيتك فيها.
قالتها مديجة بصوت مرحب وهى تحاول أن تبتسم ببشاشة فى وجه ضيفتها الغير مرغوب بوجودها.
-مرحبا يا مديحة,نعم مضى أكثر من خمسة وعشرين عاما.
كان صوتها باردا كالثلج يتسلل الى العظام يؤلمها ببرودته, وشعرت مديحة بتجمد الهواء الفاصل بينهما فأرادت الانتهاء من هذا الأمر بسرعة حتى تستطيع التقاط أنفاسها بحرية.
-لا أظن أنك أتيت لاسترجاع ذكريات الماضى.
تعجبت هناء من سخرية مديحة فلم تعهدها شخصية قادرة على جرح مشاعر أى انسان , كانت دوما البلسم الشافى لجراحها والصديقة التى تأمن معها على سرها , فما الذى غيّرها هكذا ؟ وفكرت أنها قد تغيرت أيضا وصارت لا تعرف نفسها حتى وهى تنظر الى المرآة تشعر بأنها ترى مجرد انعكاس لصورة امرأة غريبة كليا عنها , وبدأت تحاول الدخول الى صلب الموضوع فشبكت يديها فى أحضانها وهى تشعر بتوتر بالغ وقالت بصوت جاهدت لتخرجه قويا ثابتا:
-أنت تعرفين أن لبنى قد جاءت لتستقر معنا فى منزل العائلة .. وفى البداية .. كانت كل شئ طبيعى , الى أن حدثتنى اليوم بأمر غريب , ولا أدرى هل أصدقها أم لا ؟
تسللت الحيرة الى مديحة وهى تتساءل يا ترى يا لبنى ماذا فعلتى ؟ وأى تهور قمتى به ؟
سألتها مديحة وقد أثار انتباهها هذا الحديث:
-ما الذى دار بينكما ؟أرجوك لا تخفى عنى شيئا.
-لقد أتيت لسؤالك ...
تريثت لخمسة ثوانى ثم أكملت مباشرة بدون تردد:
-هل لبنى حقا متبناة ؟ أليست ابنة وجدى ... ومهجة ؟
أسقط فى يدها وشعرت بالدنيا تدور من حولها وبأن أثاث بيتها يطبق عليها من كل جهة ,لا يمكن أن تتصور أن جرأة لبنى وتهورها قد أوصلاها لهذا المدى البعيد ,وخطرت ببالها فكرة ربما كانت هناء تكذب وربما عرفت بالأمر من شخص آخر غير لبنى , وجاءت لتوقع بها وهى ساذجة تصدق أيا كان فهاجمتها بقوة:
-ما هذا الكلام الفارغ؟ انها ابنتهما رسميا, ويوجد لدى كافة الأوراق المطلوبة وقد اطلع عليها محاميكم .. ماذا كان اسمه .. آه اسمه مجدى العمراوى , أليس هذا هو اسمه؟
كانت تحاول حماية صغيرتها كأنها قطة تدافع عن ابنتها ومستعدة للنيل ممن يحاول أذيتها,قاطعت هناء ثورتها المتشددة:
-انها لبنى بنفسها من أخبرتنى بأنها ليست ابنة وجدى الحقيقية .. وطالبتنى بالتحالف معها من أجل الانتقام من العائلة التى ظلمتها وظلمت أمها , ولكنها لم تخبرنى من هم والديها الحقيقيين , هل تعرفين بشأنهما ؟
حسنا,يمكن للمتهورة التى تعرفها أن تقوم بعمل غبى كهذا وتحرق أوراقها فى أول أيامها بالفيلا , لقد أخبرتها من قبل بأنها تنوى الانتقام لأمها الحقيقية والأم الأخرى التى ربتها , وأنه لن يغمض لها جفن قبل أن يدفعوا الثمن غاليا.
ولكنها لم تطلع لبنى على اسم والدها واكتفت باخبارها بأنه ينتمى لعائلة الشرقاوية لذلك اعتنى بها وجدى لأنها تعد قريبته , ولهذا فهى متأكدة بأن هناء لا تدرك بعد عمق الصلة بينها وبين لبنى , واذا أرادت التأكد من حمايتها لها فعليها أن تعترف بالأصعب ولتواجه القدر فهى تشعر بثقل هذا السر على قلبها وتريد البوح به لأقرب شخص ومن أفضل لتشاركه حملها من صديقتها القديمة, أغمضت عينيها وكأنها تحاول استجماع شتات نفسها المبعثرة حين سمعت صوت هناء يستحثها بأمل:
-ألا تعرفين حقا من هم والديها ؟ أؤكد لك أننى لا أتمنى لها الأذى , كل ما يجعلنى أتكدر لرؤيتها أمامى أنها تذكرنى بوجدى حيث أنها تحمل ذات العينين ببريقهما اللامع وتشبهه فى الكثير من الملامح , كنت أعتقد بأننى قد نسيته وكرهته مع الوقت , الا أن صارت الحادثة وعلمت بنبأ وفاته , يومها لم أتمالك نفسى من البكاء والانهيار الذى أصابنى بعدها أكد لى أن مشاعرى نحوه لم تكن كراهية أبدا , ظللت أحبه حتى النهاية بالرغم من هجره لى وزواجه من شقيقتك , ظل زوجى حتى وفاته , هل تعرفين ... كان يمكن أن أطلب منه الطلاق بسهولة وكان سيوافق غير نادم على شئ الا أننى لم أجرؤ على الانسلاخ عن هويته .. تمنيت أن أظل حاملة لاسمه الى يوم تصل نفسى الى بارئها.
وأجهشت بالبكاء المرير وأخذت تشهق بقوة من بين دموعها المنهمرة كالأمطار الصيفية تتسابق لتصل الى خديها الجميلين حاملة معها لون كحلها الأزرق الذى زينت به عينيها, فأثارت التعاطف نحوها فى نفس مديحة وقامت لتربت عليها وتأخذها فى حضنها كما كانتا تفعلان فى الماضى , وكانت هناء فى البداية منكمشة على نفسها لا تتحرك ثم تباطأت ذراعاها وهى تلفهما لتحتضن الصديقة المخلصة التى كانت لها دوما السند فى الأوقات العصيبة.
ابتعدت عنها مديحة قليلا لتنظر الى عينيها الدامعتين وتحاول مواساتها فأبدت استعداد لتقبل هذه المشاعر الودية المتنامية نحوها:
-اسمعى يا هناء , لقد صدقتك لبنى الحديث ولم تكذب أبدا.
برقت عينا هناء بلمعان خاص وهى تستنجد بمديحة لتطلق رصاصة الرحمة التى تنتظرها:
-هل هى حقا ابنة ناجى؟
صدمت مديحة بما قالته صديقتها فكيف خمنت باسم والد لبنى , وهى لم تعترف به للفتاة الشابة , وجاء الدور عليها لتسألها باهتمام:
-هل لبنى من أخبرتك بهذا الاسم ؟
أومأت هناء برأسها ايجابا ثم قالت بارتعاش:
-ظننتها لعبة منها , وقد اعتقدت بأنها تحاول مضايقتى الا أنها كانت تتكلم بثبات ...ولكنها لم تعترف باسم والدتها , فعادت الشكوك لتساورنى بمرادها.
-انها ابنة ناجى ... أخيك , ولكننى لا أعرف حقا من هى والدتها, ربما وجدى كان يعرف.
-هل ... هل وجدى كان يعرف بأنها ابنة ناجى ؟
-طبعا , لقد قام بالعناية بها بسبب قرابتها له ولأخيك ,وأعتقد كرما لك أيضا.
أدركت هناء أنه لم يفعل هذا كرما لها أو لأخيها , ولكنه كان يقوم بواجبه تجاه ابنة أخته , وعادت لتتذكر بأن مسألة الزواج بين أخيها وفريال كانت سرية فلم يعرف بها الا القليلون حتى ابنها كريم وأبناء عمومته لا يدركون أن عمتهم كانت متزوجة من ابن عمها وأنها فقدت طفلتها الرضيعة قبل خمسة وعشرين عاما.
-حسنا,هذا يفسر الأمر تماما,ولكن هل توجد أوراق رسمية تثبت هذا النسب؟
ساورت مديحة الشكوك حول رغبتها فى الاطلاع على هذه الأوراق التى لا تملكها للأسف , ولكنها حاولت مسايرتها حتى تعرف بنيتها الحقيقية:
-هل تريدين انكار هذا النسب ؟
-لا , ولكن ما يذهلنى أنه باعترافها هذا تكون غير مستحقة للميراث , فلماذا أرادت أن تلعب هذا الدور الصعب؟
اذا علم الآخرون بهذا وخاصة سيف ورفيق سيكون كارثة بكل المعايير , ولن يرحمها أيا منهما , بل أعتقد أنهما سيقومان بطردها من البيت.
خبطت مديحة على صدرها براحة يدها وهى تشهق بفزع:
-أليست ابنة أخيك ؟ أليس لها الحق بالتواجد فى ذات المنزل؟
-بل لن تصدقى , بهذا سيكون لها النصيب الأوفر من الميراث , فعندما اختفى أخى واستصدر عمى شهادة وفاة له كان متيقنا بأنه لا وريث له على قيد الحياة , وهذا الاكتشاف سيسجل ضربة لهم , ضربة قاصمة حقا.
كانت تحدث نفسها أكثر مما توجه الحديث لمديحة وقد خشيت هى من تلاعبهم بمصير لؤلؤتها الجميلة , كل واحد له أغراضه الخاصة ويريد استغلالها فيها , وما يهمهم من مشاعرها ؟ لم يعد باستطاعتها حمايتها من غدر الزمان , وتمنت لو كان وجدى ما زال على قيد الحياة ليتولى الدفاع عنها كما أخذ دائما على عاتقه , لم يكن من النوع الذى يتخلى عن مسؤولياته , وآه من لو !
-اسمعى يا مديحة , أرجوك اذا ما وقع تحت يديك أى اثبات لما أخبرتنى به أن تبلغينى , ألم يترك وجدى وسط أوراقه أى شئ يمكن أن يساعدنا؟
هزت رأسها نفيا, وهى موقنة بأنه لم يعترف لها بالأمر من أجل الميراث ولكنها محاولة منه فى مشاركتها للسر حتى لا يدفن بموته,وحتى تعلمها به وقت اللزوم.
-لا لم يترك شيئا وراءه , أقسم لك أنه لو كان لدى ورقة واحدة كنت سلمتها للبنى.
ابتسمت هناء بالرغم من أحزانها :
-انها ليست لبنى ... هى أميرة ... أميرة الشرقاوية.
قالتها بغموض وودعت صديقتها وانصرفت بهدوء تاركة مديحة تتخبط فى حيرتها التى ازدادت الى حد مرعب.

***************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لؤلؤة, العواصف, تائهة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:24 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية