لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-08-15, 07:51 PM   المشاركة رقم: 371
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





دغدغهُ النسيمُ البارد الذي تسلل عبر النافذةِ المفتوحة، ارتعشَت أنامله التي تُمسك بقلمٍ بينها، واتّجهت عيناهُ نحوَ النافذَة وحلمٌ عبَر مع النسيم، هذا النسيم الذي استقرّ في غرفتي دون أن يُحمّل معهُ أملًا جديدًا، هذا النسيمُ الذي دغدغَ كلِّي وتركَ الثّقة بشيءٍ أفضل بعد خُسرانِي لكلِّ حياتِي الماضيَة، والحاليـة، ولربما المستقبلية. نهضَ من الكرسي المكتبيِّ وهو يضع القلم على الصفحةِ البيضاء والتي لم يخطَّ عليها شيئًا، اتّجه نحوَ النافذةِ ليخرجَ ويقف في البلكونةِ ناظرًا للبَشرِ الذين يمشُون والحيـاة تمشي بينهم، من غيرِ العدل أن تكون شقّته في هذا الحيِّ النشيط، من غير العدل أن يسكن شخصٌ ماتت الحيـاة فيه بينهم.
زفَر بوجَع، اليأسُ بدأ ينتشر في أوردته، لمَ هذا اليأس؟ لمَ هذا الإستسلام الذي يُجاور أحلامه؟ لمَ يسميها أحلامًا أصلًا؟ الأحلام تبقى في المنام ولا تتحقق، أأجعل منها هدفًا وطموحًا حتى تصير؟ تسميتي لها بالحلمِ أكبر دليلٍ على كون اليأسِ قد وصلَ بي منتهاه، غرقتُ باليأس! غرقت يا الله وليس هناك من طوقِ نجاةٍ يُنقذني .. أغمضَ عينيه وصوتُ الحيـاة يأتيه من كل جانبٍ في هذا الحي، ومعهُ أصواتٌ كثيرة من الماضيء تجيئه حتى في مناماتِه، تجيئه حتى في اللحظاتِ التي يكون فيها تعِبًا على فِراشه .. زفَر ذرّات الهواءِ وكم يتمنى أن يزفر حزنهُ معها، دماءهُ مُخضّبةٌ بالشوق، والشوقُ ذاته محضبًا بالألـم.
تنهّد وهو يتحرّك حتى يدخل ويُغلق النافذَة من خلفه، تنـاول معطفهُ الثخين حتى يرتديه ومن ثم أخذ " السكارف " ليلفّه حول عنقه ويُغطي إلى مافوقِ شفتيه، ارتدى أخيرًا القبعة الصوفية ودسّ كفيه في جيبي معطفهِ وتحرّك باتجاه البابِ ينوي الخروجَ والمشي في شوارِع باريس حتّى ينفّس عن مافي صدرهِ - الموجوع - بالرغم من أن لا شيء يُهدّئُ لوعَته، فتَح الباب وخرج ليُغلقَه من خلفِه، تتكرر ذكرى ذلك الرجل الشبهِ سكير الذي اصتدم به، هذا إن كان سكيرًا أصلًا! لكنّه بالرغم من الذي حدَث لابد له من أن يخرج كلّ يوم ويتمشى هنا وهناك، فلو تركَ نارهُ تشتعل لاحترق وهو في شقته، لحقّق ظاهرةَ " الإشتعال الذاتي " في نفسه!
ابتسمَ بأسى وهو يتنهد : ألف خيبة! ألف خيبة والله تسكن بصدري ، وتِحرقُه


،


ما إن ركبَ السيارة والحقيبَةُ على ظهرهِ حتى ابتسم سيف بمحبةٍ وهو ينحني قليلًا مُقبلًا وجنته بحنان، ومن ثم اعتدل في وقفته وهو يهتف : متأكد ما ودك تعطيني الشنطة؟ منت مرتاح يا ولد
هزّ زياد رأسه بالنفي مُصرًا على ما يُريد، ليضحك سيف بخفوتٍ وهو يهزّ رأسه يمينًا ويسارًا ويُغلق الباب مُستسلمًا لرغبةِ ابنه، اتّجه للجهةِ الأخرى حتى فتح الباب وجلس في مقعده، ومن ثمّ حرّك سيارته باتجاهِ بيتِه ليقضي الوقت معه هناك وبرفقةِ والدته التي تشتاقُ لحفيدها بالتأكيد، وإلا لما استثارت مسألة عودة بثينة!
عبَست ملامحه بانزعاجٍ من هذهِ الفكرة، طردها محاولًا التفكير في أمورٍ أكثر إيجابية، لكنّ صورةَ ديما جاءته فجأةً مُهاجمةً أفكاره وهي تقف أمامهُ ظهرها يلتصق ببابِ الخزانةِ والذعر يسكُن عينيها، التوى فكّه بقهر، لازالت قبضتها الناريـة تعصر قلبهُ بهذا الجُرح، بهذهِ الصدمةِ التي لم يتوقعها منها هي! شدّ على مقودِ السيارةِ وهو يضاعف السرعة قليلًا، يشعر بهذا الفراغِ الذي سكَنهُ فجأةً مُنذ صُدم منها ومما فعلت، منذ نظرَت إليه بعينيها الخائفتين، منذ حدّثته بنبرتها المهتزّة وأسهبَت في الكَذِب ، هذا الفراغُ يتشعّب ، يتشعب ... لمَ ذلك يا ديما؟ لمَ ذلك؟
زمّ شفتيه وهو يزفُر بقهر، لننظر إلى أين سنصَل، لننظر الآن وليكُن كذبكِ هو المحرّك لعلاقتنا إن أردتِ ذلك، وأقسم لكِ يا ديما بأنني لن أقومَ بشيءٍ يوقفُكِ لأنظر كم أنا - لا شيء - في عينيكِ، وكم يوجعني هذا اللا شيء الذي لولاهُ لما كذبتِ عليّ بتلك الكذبةِ النتنة.

مرّت الدقائقُ طويلةً وعلى غير العادةِ لم يستغرقها في الحديثِ مع زياد، وصَل للبيتِ لينزلا، وفي خلالِ لحظاتٍ كانت أم سيف تحتضن زيـاد وتقبّله في كل جهةٍ من وجهه، ومن الجهةِ الأخرى كانت ديما متجهّمةَ الوجه تُشغل نفسها عنهم بهاتفها، يُراقبها سيف دون أن تنتبه وهو يقرأ في ملامحها تعبيرًا عن " وش جابه ذا؟ "، يُدرك ملامحها وتعبيراتها كما يُدرك نفسه تمامًا، ولم يكُن في إدراكهِ يومًا أنّها قد تكذب بهذه الطريقة، لكن هيهات له أن يمرر ذلك مرور الكِرام.
نهضَت ديما وهي تسمعُ زياد يردّ على أسئلة ام سيف التي تتعلق بحالِه، تنوي الذهاب لجناحها فوجودُ هذا الطفلِ يُشعرها بالضيق، يُشعرها كم ظُلمت في هذهِ العلاقة .. مشَت خطوتين فقط ومن ثم استدارت فجأةً إلى سيف الذي كان يسترقُ النظر إليها : سيف
شتت نظراتُه عنها وهو يبلل شفتيه، ومن ثمّ نظر إليها بجفاءٍ ليهتف بنبرةٍ تحلّت بجفاءٍ أكبر من نظراته : نعم
ديما بهدوء : خاطري في ورق عنب عالعشاء اليوم ، ممكن تجيبه لي؟
أزاحَ نظراتهُ عنها إلى زياد، وبنبرةٍ باردة : تو بدري عالعشاء ، يصير خير
رفعَت حاجبيها لطريقتهِ في الحديث، من الواضِح أنّهُ لازال غاضبًا بسبب ما حدث في الظهيرة، لوَت فمها بحنقٍ وهي تستدير عنه لتصعد ، " بالطقاق اللي يطقك أنت وبزرك ذا ".


،


الجدرانُ تتحدّث، صوتُ الريحِ يعوِي وهو يتسلل من النوافذِ التي فتَحها وكأنّه بسعادته يريد لهذا البيت المجيدِ أن يتنفّس بتجديد الهواء، يا الله ما أجمل هذا المكان! ما أجمل صورَ الراحـةِ والسعادةِ فيه، فحيحُ الأيامِ الخوالي، وحفيفُ الضحكات التي لازالت تنتشر، لازالت الجُدرانُ معبّقةً بعطرِ والده، بل بعطرِ والديْه! . . ابتسمَ رغمًا عنه، ابتسامةً كان فيها من الحُزنِ والخيباتِ الكثير، كان فيها من نواقِص السعادة ما يلي : صورتيْن وضحكتيْن، راحليْن واحدٌ تحت التُراب وآخرٌ فوقهُ لكنّه ميت انتشرَت رائحة موته، لكن هنا! في هذا البيت، لازالت رائحته العطرةِ تعبر أنفه وتتخلخله بأكمله، لازالت الرائحتين كلتاهما، والصورتين بعضُهما ساكنةٌ في عقلِه بكاملِ حلّتها والأُخرى متحطمة! لكنّها باقيَة، بكل عنجهةٍ لازالت باقيـة.
إلهي وحسْب، إلهي وحسب، حسبي على هذِي الصور، حسبي على تلك الرائحة، حسبي على صوتٍ لازال يسكُن أذناي رغمَ غيابِه، على صورةٍ لازالت تتواجدُ في هذا البيتِ رُغم كوني مزّقت كل صورةٍ تعلّقت به، على الجراحِ يا الله إني أسألكَ الأجر والثواب، وأخذِها بالعقابِ تعزيرًا . . كما جلدَتني، كما حطّمتني ، أعدنِي لما كُنت ولما كان عليه قلبي.
بللَ شفتيه وهو يرفعُ نظراته ويوجّهها لزوايا المنزل، تتحرّك قدماه هنا وهناك حتى تصلَ للأماكنِ التي وصَلت إليها النيرانُ تلك الليلةِ وشوّهتها، والآن عادت تُشبهُ ما كانت، تسارعت خطواتهُ حتى وقفَ أمام مكتبِ والدهِ القديم، الذي تسكُن روحه بين كُتبها المُحترقة، ويرفرف صوتُه فوق رفوفِ الكتب، هذا المكتب الذي رفَض أن يتم الدخولُ إليه وتركه كما هو، مُحترقًا بتلك النيران الهوجاء التي لازلت تحرقُ صدره، والتي ما انطفأ نارها حتى هذه اللحظةِ التي وقف فيها بعد أن فتَح البـاب، وابتسَم للكُتبِ بحيـاة.

يتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 09-08-15, 07:53 PM   المشاركة رقم: 372
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





كالعادة، غرفتُها تصدحُ بالبرودة، صوتُها يخفت بين ضجيجِ قلبها، يغرقُ عقلها في الشرُود، تدسّ رأسها أسفل وسادتها التي تشتدّ أناملها على قماشِها بقوّة، تعضّ شفتها وعيناها خافتتين كصوتِ الحيـاةِ فيهما، لم تكَد ترتَاح أولًا من قهرها حتى اتّصل بها والدها وكرر ذاتَ " الموال " الذي حفظَتهُ جيدًا، ليختمَ كلامه مؤكدًا عليها أنّها لابد لها من أن تكون في بيتِ سلطان، وفي أسرعِ وقتٍ ممكن.
عضّت شفتها بقوةٍ أكبر حتى احمرّتا وكاد ينفجر منهما الدم، لم تشعر بألم، لم تشعر بوَجع، فأي مجالٍ للألمِ والألمُ ذاته اختزَل نفسه فيها وسكنَ في عيناها، أي مجالٍ للألمِ وصوتي ألم، وروحي كلّها ألم، حتى ضحكتِي واللهِ ألم!
تقوّست شفتاها بوجعٍ واهتزتا بعبرة، الإرتعاش انتشَر في ربوعِ جسدها الأسمر، تستعد للبكاء! تالله قد مللتُ البكاء، مللته، بالرغم من كونِه صديقي الوحيد، أنا صديقُكَ يا البكاء.
أغمضت عينيها بقوّةٍ وهي ترفعُ ركبتيها إلى صدرها ليضمّها الإرتعاش، وفي كلِّ رعشةٍ موجةُ ألم، وفي كل ألمٍ قصة، اجتمعت كلّها لتكوّن روايةً بائسةً ابتدأت ببكاءٍ ولم تنتهي حتى الآن.
ارتخت أجفانها وهي تشهق شهقةً شرَحت فيها الوجَع الذي تشعر بهِ الآن، شهقةٌ لم ترفقها بدمعةٍ حتى هذهِ اللحظة، وفضّلت محاولةَ النوم، لربما تجد في نومها راحـةً وسكينةً لم تجدها في صحوةِ حياتها ... سكَنت لربعِ ساعةٍ تحاول جلب النومِ لعينيها، وقد كادَ أخيرًا أن يسرِقها قبل أن تنتفض بقوةٍ على صوتِ تحطيمِ زجاجٍ لتجلس بسرعةٍ شاهقةً بذعر.
غزل بخوف : بسم الله وش هالصوت؟ معقول رجع سلطان؟!!
توترَت لتلك الفكرة، لكنّ توترها لمسألة نفي هذا الإحتمال كان أكبر، لا تدري لمَ بدأ قلبها ينبضُ بقوّةٍ وتنفسها يتصاعد، وكأنّ عقلها يُحذرها من هذا الصوتِ ومصدره، من قد يكون مصدره غير سلطان!! ... بترددٍ نزلت عن سريرها لتتجه نحوَ البابِ وتفتحه، ومن ثمّ وزّعت نظراتها هنا وهناك علّها ترى سلطان أو شيئًا ما مكسورًا في الصالة، وحينَ لم تجد شيئًا تحرّكت قدماها لتمشي باتّجاهِ المطبخ الذي تكاد تُجزمُ أنّ الصوتَ كاد منه، وما إن دخَلت حتى شهقت بقوةٍ وذعر وهي ترى قطراتِ دم تنتشر في أرضيّةِ المطبخِ والنافذةُ محطمةً تمامًا.


،


ابتسم سيف ابتسامةً واسعة وهو ينظرُ لكراسةِ زياد : الله الله! والله ولدي فنّان
ابتسم زياد بفرحةٍ أمام مديحِ والدهِ له، ليهتف بانتشاء : أعرف ارسم؟
سيف يقرصُ وجنتهُ بحب : ومين يتجرأ يقول غير هالحكي؟
التمعت عيناه ببراءةٍ وتحوّرت ابتسامته بخجَل، بينما كانت ام سيف تنظر إليهم بابتسامةٍ تعتلي شفاهها وكم تتمنى لو يبقى زياد قريبًا منهم ويكبر أمام أعينهم، ولا مجال لتِعدَادِ الحلول!
لوَى سيف فمه بتفكير وهو ينظر للرسمةِ الطفولية التي تمركزت في شخصين يقفان وبينهما طفلٌ كل يمسكُ بيدٍ له، عقَد حاجبيه قليلًا قبل أن يرفَع نظراته إلى زياد هاتفًا بابتسامةٍ اهتزّت قليلًا : مين هذول؟
اتّسعت ابتسامةُ زياد وعيناه تلتمعان بلهفة، مدّ يده نحو الشخص الأول ليهتف بحماس : هذا أنت ، * أشاز بإصبعه على الشخص الآخر * وهذي ماما ، * وضع اصبعه أخيرًا على الطفل بينهما * وهذا أنــا
التوى فكّه وابتسامته تخفت رويدًا رويدًا وهو يرى الحماسَ البريء في عينيه، بينما التصقَ زياد بهِ وهو يكمل بسعادةٍ ناظرًا إلى الرسمة : هذا احنا إذا سافرنا بعدين دبي .. * وجّه نظراته إلى سيف * جهّزت أشياء كثيرة لسفرتنا
ازدرد سيف ريقه بضعفٍ وهو يرفعُ نظراته إلى أمه، لا حل! لا يجد حلولًا أمام براءةِ هذا الصغير والذي لا يُدرك مقدار ما يتحدّث عنهُ وأثرهُ في قلبه، لا يُدرك أن كلّ أحلامه صعبة ، بل مستحيلة!! ، زفَرت ام سيف وهي تهزّ رأسها يمينًا وشمالًا لا تجد ما تقوله، حينها زمّ شفتيه وهو يعود للنظر إلى زياد الذي بدأ في الحديثِ بحماسٍ عما سيفعلونه إذا سافروا وعما سيحدث، وهو يستمع إليه بصمتٍ بينما قلبهُ يتمزق لحماسهِ وأحلامه التي ستبقى أحلامًا.


،


كان قد جلَس في إحدى الزوايا على الأرض، يبتسم للكتابِ الذي بين يديه، هذا الكتابُ الذي لم تطلهُ الكثير من النيران، لازالت هناك العديد من الأوراقِ السليمة، الأسطر الشغوفُ هو بها، رائحةُ والدهِ والماضي، رائحةُ الصِغَر، رائحة الحنانِ و " فهد " التي تتراقص على منصّةِ قلبهِ الصغير، قلبهِ الذي سيكبر هو ويشيخ دون أن يكبَر، تلك هي القلوب الوفيّة، التي مهما طال عمر صاحبها تبقى كقلبِ الطفل في حبّها لمن مرّ في حياتِه وصنعَ منه الكثير.
يا الله ما أجمل رائحةَ هذهِ الكلمات! ما أجمَل عبور هذهِ الأحرف على عيناي، ما أجملك يا الله! تركتَ لي فرصة رؤيـةِ هذه الأحرف التي تُنقَش على قلبي، التي مهما صدأ الزمنُ لا تصدأ .. رفعَ الكتابَ إلى وجههِ ليشمّ عبقهُ بانتشاءٍ وكأن في رائحتهِ الحياة، بل واللهِ فيها الحياة، فيها صورةٌ لنفسه وهو طفل، من تلك الرائحةِ يبتدئ، مهما تلوّثت برائحة الرمـاد يبقى الماضي متشبعًا فيها بجماله، وأبقى أنا غارقًا في الحنين.
أيقظهُ من لحظةِ الإنتشاءِ هذهِ رنينُ هاتفهِ في جيبه، عقدَ حاجبيه متضايقًا ممن قطَع عليه هذه اللحظة الخاصة بينه وبين والدِه، وبكَدرٍ دسّ يدهُ في جيبهِ ليُخرحَ هاتفه وينظر للمتصل حتى يتفاجئ بكونها غزل التي تتصل به، من غير العادةِ أن تتصل به؟ ، ردّ عليها وهو يُلقي السلام، لكنّ صوتها الذي هاجمهُ باكيًا مرتعشًا جعلهُ ينهض بصدمةٍ ويسقط الكتاب الذي كان في جحره.


،


عليلُ ما بعد العصر يمر حولهما، يصتدم بهما في هذهِ الأجواءِ الصافيَة، يُمسك بكفِّها بين كفِّه القويّة ويمشي معها بين الأطفال الراكضين في هذه الحديقةِ العامة، بالرغم من اعتياديَة المكان لعينيه، وكونهُ جاءهُ مراتٍ ومراتٍ ورآه مملًا في كل مرة، إلا أن الوضع اليومَ مُختلف، فما تأتيه وحيدًا أو مع أصدقائك يكُون بخلافِ ما تأتيه مع زوجتك، حتى وإن كان ذات المكان، ذات النسيمِ وذات الأشجار.
هتفَ لها برقّةٍ وهو ينظُر لسيّارة الآيسكريم الواقفةِ قُربهم ويشير لها : ودك؟
ابتسمت أسيل بخجلٍ وهي تهزُّ رأسها بالنفي، وبهمس : أكره أكل الآيسكريم بالأماكن العامة ، ما أعرف
شاهين بابتسامة : براحتك ، تبينا نجلس؟ ما تعبت رجيلاتك مثل ما تعبت أنا
ضحكَت أسيل بخفوت : لا والله ما تعبت ، بس دامك ضعيّف مالنا إلا نمشي وراك
رفعَ حاجبهُ وهو يتّجه معها نحو إحدى الكراسي الخشبية : تدرين؟ دايم الزوجات في بداية زواجهم يكونون مدللات، والا كان ردي عليك ثاني
اتّسعت ابتسامتها وهي تجلس : وش هو؟
شاهين بلؤم : لا لا ما ودي أجرح مشاعرك
عقدَت حاجبيها وهي تلفظُ بإصرارٍ وفضول : لا قولها ما راح أنجرح
شاهين يُحرك حاجبيه بمكر : معنى كلامك الأول إن مافيني لياقة وأتعب بسرعة والا؟ عمومًا كان ودي أقولك إنّي واثق بأن وزنك ضِعف وزني
شهقَت وهي تُخفضُ نظرها تلقائيًا ناظرةً لجسدها أسفل العباءة في حركةٍ غير مقصودة، ومن ثمّ رفعت وجهها إلى شاهين الضاحكِ باستياء وهي تهتف : قصدك إني دبّة؟
هزّ شاهين كتفيه ببراءة : عيوني تحاول تشوف غير كذا بس ماش ، شكل النوتيلا عاملة عمايلها معاك ههههههههههههههههههههه
نفخَت فمهَا بقهرٍ وهي تدرك أنّه لا يقصد سوى إغاظتها ولا يعنيها حرفيًا فهي تُدرك أنها أصبَحت نحيلةً في الفترة الأخيرة وفقدت الكثير من وزنها، لكنّها بالرغم من ذلك شعرَت بالحنق : تدري كم كان وزني بس؟ أنا نحفانة بشكل كبير وأحاول أرجّع جسمي مثل ما كان
شاهين يتصنع الدهشة : ليه أنتِ كنتِ أسمن من كذا؟ يا لهووووي لا أكون متزوج برميل بلديِة
أسيل بغيظ : ما عندك ذوق أحد يكلم زوجته كذا!!
ضحكَ وهو يمدُّ يديه ويُمسك إحدى كفيها ليشدَّ عليها بقوةٍ وحميمية، وبحب : أمزح أمزح يا كل الزين ، أنتِ بالعكس نحيفة وماني حاب نحفك ذا فعادي جدًا إذا ودك أساعدك في نفخ جسمك أنا عند أمرِك
ابتسمت بخجل وهي تُخفض عينيها بتوترٍ وعيناه توترها رغمًا عنها وتُرسل الإضطرابَ في جسدها، تُدرك لمَ تفعل عيناه ذلك! ذات السبب هو ما أفقدها وزنها في السنتين اللتين جريتا بحزنهما في قلبها، لكنّها بالرغم من هذا تحاول التفكير بغيرِ ذلك وطردِ أي فكرةٍ قد تزعج شاهين من عقلها.


يتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 09-08-15, 07:55 PM   المشاركة رقم: 373
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




وصَل أخيرًا وفتَح الباب بالمفتاحِ الذي معه، لم يستوعب شيئًا حين اتصلَت بهِ غزل وبدأت تمطرُ عليه بكلماتٍ مبهمةٍ لم يلتقط منها ماهو مفهوم ( دم، النافذة، المطبخ، الريحة )! كان كل الذعر الذي واتاه متمركزًا في صوتِها الذي انبعَث كموجةٍ أغرقَت الشاطئَ ومن معه، لذا خرَج من البيتِ دونَ شعورٍ واتّجه مباشرةً إلى هنا دون أن يفكر في الإستفسارِ أكثر، وكل ما فهِمَه فقط هو أن هناك شيئًا سيئًا قد حصل.
ما إن دخَل حتى وجدها تجلس في الصالةِ تعضُّ سبابتها بتوترٍ ودموعها التي جفّت على وجهها لازالت ملوحتها بارزةً وأثرها باقٍ، تقدّم نحوها وهو يراها تنظر للأرض بشرودٍ خائفةٌ حتى أنها لم تنتبه لدخوله، وما إن هتَف باسمها حتى رفعَت رأسها بسرعةٍ بعد أن انتفَضت نفضةً مذعورة لتلفظ اسمهُ ببكـاء : سلطــان
زفَر بقوةٍ وهو يشعر بشيءٍ ثقيلٍ انزاحَ نصفُه عن صدرهِ المذعور، ومن ثمّ جلس بجانبها ووجههُ يغطيهِ قناع الإستفسار ليهتفَ بهدوءٍ وهو ينظرُ لوجهها الباكي : بسم الله عليك ، وش صار عشان كل ذا وأيش سالفة الدم والمطبخ ومدري أيش!!
التصقَت به بتوترٍ وهي تهزّ رأسها بالنفي وتهتف بنبرةٍ مرتعشة : ما أدري ما أدري ، سمعت صوت ، ودخلت ، ولقيت دم ووو
قاطعها سلطان وهو يُطوّقُ وجهها بكفيه، وبهدوءٍ يُحاولُ بثّهُ إلى قلبها ومن ثمّ صوتها : بشويش ، اهدي وتنفسي وحاولي توقفين خوفك وتوترك ، أنـا هنــا ..
زمّت شفتيها المُرتعشتين ونظرَت للأسفلِ وصوتُها الهادئ يضيعُ وتبقى النبرةُ المُمتلئة بالضجيج، لذا كان الصمتُ هو ما لازمها لثوانٍ طالت قبل أن يتركَ سلطان وجهها وهو يرى فيها الضياع، ومن ثمّ وقف ليتّجه للمطبخ، وكرُ الذعر الذي ينتابها منذ اتصلت به، وما إن دخل حتى انتشر الذهول على وجههِ هالهُ ما رآه. اتّسعت عيناهُ لقطراتِ الدمِ التي انتشَرت هنا وهناك وهو يغضِّنُ جبينه ويرفعُ كفّه لأنفِه إثر الرائحةِ النّتنة التي تفوح في المطبخ، وزجاجُ النافذةِ كان محطمًا متساقطًا في مكانٍ وآخر، ما الذي حدَث بالضبط؟ وما هذهِ الرائحة المُقززة؟؟!
تراجَع للخلفِ ليتّجه لغزل التي كانت تمسحُ على وجهها بتيه، ثمّ وقف أمامها ليهتف بملامح ملأها الإستنكار : وش اللي شفته؟ وش صار بالضبط ومين سوّى كذا؟
هزّت كتفيها وهي تغمضُ عينيها وتهتف بصوتٍ ذاهبِ النبرات : ما أدري ، ما أدري عن شيء بس سمعت صوت تكسّر قزاز ولما دخلت شفت اللي شفتَه
سلطان باستفسار : من برى صح؟
هزّت غزل رأسها بالإيجاب : أيه من برى
وقفَ وقد اشتدّت ملامحهُ بغضب، اشتعلت عيناه وهو يحاول استنباط المغزى مما حدث، من قد يفعل ذلك؟ من قد يتهجم على مكان سكنِه الذي لا يوجد فيه سوى زوجته؟؟ وما قصّةُ الدمِ النتن هذا؟؟!!
تحرّك بغضبٍ ليعود للمطبخِ ويداه تنتفضان بغلٍ وقهرٍ من مسألة كون هذا المكان قد هُجم عليه وغزل تجلس لوحدها!! وممن؟ لا يدري؟ ولا يدري معنى تلك الحركةِ الحقيرة!!
نظَر للأرضيّةِ بعينين تشتعلان، وانتبه لوجودِ كيسٍ من النايلون وبداخلهِ بعضُ الدمِ لازال يحتويه، اقترب وهو يغطّي فمه وأنفه بتقززٍ من الرائحةِ التي تتباعد كثيرًا عن رائحة دم الإنسان! واستطاع أن يفهم جزءً بسيطًا مما حدث، من الواضح أن هناك من حطّم الزجاجَ من الخارجِ أولًا ومن ثمّ رمى هذا الكيس المُمتلئ بدمٍ لحيوانٍ ما ... عضّ فمهُ بقوةٍ وهو يتراجع للخلف ويحترقُ بتخميناته، من الذي فعل ذلك؟ من؟!! ، أيعقل أن يكون هو؟؟ .. اتّسعت عيناه بدهشةٍ وهو يشدُّ على قبضتيه بقوةٍ وقهر : معقولة هو؟ معقولــة؟؟ ، لا لا ، مستحيل يسويها ، مستحيل يوصل لهالحد اللي يخليه يتجرأ على غزل! أجل مين؟ مييين هو؟؟؟
عاد ليتجه إلى غزل ويجلسَ بجانبها وهو يضعُ كفّه على كتفها ويهتف بحدة : طيب شفتي أحد؟ كان فيه أحد وقت دخلتي المطبخ؟
هزّت غزل رأسها بالنفي وصوتُها يثبُت قليلًا بعيدًا عن الإرتعاش الذي كان يسكنه : لا لا ما كان فيه أحد ، كل اللي كان وقت شفته نفس الحين
زمّ شفتيه وهو يزفر بغلٍ ويمسح على ملامحهِ المشتدّة بقهره، من الذي قد يفعل ذلك؟ من الذي قد يفعلها؟!


،


عقارب الساعة تجانسَت عند الثانيَة عشرَ منتصف الليل، كانت مُمددةً على السريرِ وظهرها يتكئ على الوسادة، بينَ كفيها كتابٌ تقرأه لتكسر الملل الذي تشعر به، زارها النومُ ليجفلَ بعينيها وتتهدل أجفانها، وضَعت الكتاب جانبًا على الكومدينة وهي تتثاءب، لتعتدل وتُغطي جسدها باللحاف وهي تُقابل الباب، مرّت ثواني وهي مُغمضة العينِ قبل أن يُفتح الباب وتفتحَ معهُ عينيها ناظرةً لسيف الذي دخَل وعلى ملامحهِ تعبيرٌ لم تتبين ماهو جيدًا، لكنّها تجاهلت لتعُودَ وتُغمض عينيها، إلا أن النومَ تباعَد عنها وسيف ينثُر الضجيجَ هُنا وهناك من إغلاقهِ لبابِ خزانةِ ملابسهِ بقوةٍ حتى تأفأفه العالي، عقدَت حاجبيها وهي تُزيحُ اللحاف عنها وتنظر إليهِ بتكشير، وبصوتٍ ناعِس : أبي أنام
اتّجه سيف ناحيَة الحمام والتشنّج الذي كان يُغطي ملامحه الغاضبة انتشر في كاملِ جسده المُحترق بنارِ قهره ما إن سمعَ صوتها - الناعس -، لا تُدرك كم أن النُعاسَ أصاب كلُّ خليةٍ في جسدهِ منذ الظهيرة، أصابَ مشاعرهُ التي كان على الأحرى أن تندفعَ بغضبٍ ليصرخَ في وجهها بقهره، أن تُحركه باتجاهِ الريحِ حتى يندفعَ بكلِّ قوِتهُ إليها .. عضّ شفتهُ بحنقٍ وهو يهتف بجفاءٍ قبل أن يفتح بابَ الحمام دون النظر إليها : وفيه أحد منعك؟
ليُغلق باب الحمامِ بقوةٍ جعلتها تنتفضُ جالسةً فاعرةً فمها باستنكارٍ من كل ما يفعله اليوم، وبقهرٍ وهي تعود لتتمدد وتُغطي نفسها باللحاف حتى رأسها : مريض
مرّت الدقائقُ طويلة قبل أن يخرجَ سيف وقد ارتدى بنطال البجامةِ البيضاء دون قميصها، يُجفف شعره بمنشفةٍ صغيرةٍ وعيناهُ تتجهان رغمًا عنه إلى ديما التي استغرقَت في النومِ واستكنَت أنفاسها أسفلَ اللحاف، رمَى المنشفةَ جانبًا على إحدى الأرائك المُنفردة، واقترَب من السريرِ وهو يمعن النظرَ بهيئتها الغضّة والتي أخفتها عن عينيه كلّها، هل من العدل أيضًا أن تُخفي هيئتك عن ناظري كما ابتعدي كلِّك؟ هل من العدل ذلك؟ ... اندسّ أسفل اللحافِ معها ليُمعن النظرَ بها بعد أن أنزلهُ قليلًا عن وجهها، رائحةُ عطرها تغزو أنفه، وصراخُ ملامحها السمراء يتغلغلهُ حتى قلبه، أُدركُ أنّي مُفسد، لا أطول شيئًا حتى يتحوّر هذا الشيء ويتبدّل، لكنّك تملكِين من الطهر مالم يجعلني أتوقع أن يطولك الفسادُ وتتلوّث ملامحكِ بارتباكِ الكذب، هذا التلوّث الذي أصابكِ جلدني مائة جلدة، كان قاسيًا، أقسى من تمردكِ وعصيانك، أقسى من كل ماقد تفعلينه ضدّي لتثبتي كم أنتِ متواجدة، وأنتِ بالفعل كذلك.
زفَر بسخونةٍ وهو يُديرها ظهرهُ ويترك للنار أن تشتعل في صدره، في هذهِ اللحظةِ خشيَ عليها منه، أن يضمها بقوةٍ بين ذراعيه وينفض قهرهُ فيها ... لأشتعلَ بقُربك ، وأقسم لكِ يا ديما أن جزاءَ هذا الإشتعالِ سيكُون عسيرًا


،


كان قد دخَل منذ نصفِ ساعةٍ تقريبًا واستقرّ على السريرِ كي ينام، تقلّب كثيرًا وكأنه فوقَ مشواةٍ خاصةٍ هي الأفكارُ التي تعصفُ بهِ من كل حدبٍ وصوب، باتت أقصى مخاوفهُ هو الفراق، ما أقسى تلك الكلمة حين تعبرُ فوق أعينِ علاقةٍ ما، علاقةٍ وجد نفسهُ فيها ووجد جمال الحياةِ في قُطرِها، لكن هل سيسمحُ بذلك؟ هل سيرضى بمفارقةِ الروحِ لجسده؟ بمفارقةِ الكلماتِ لصوته! ... أغمضَ عينيه بقوةٍ وهو يزفرُ بحشرجة، ومن ثمِّ وجّه نظراته ناحيةَ البابِ منشدهًا لصوتِ التلفازِ الذي صارت تقضي معظم وقتها أمامه، عقدَ حاجبيه بانزعاج، ألا تريد النوم؟ .. نهضَ عن السريرِ ليتّجه للصالـة وينظر إليها وهي تستقرُّ فوق الأريكةِ كعادتها وتُطالعُ فيلمًا أجنبيًا أمامها، تنهّد وهو يتكئ على البابِ ويهتف بنبرةٍ تتجهُ ناحيَة الخفوت : ما ودك تنامين وتتركين التلفزيون؟
اتّجهت نظراتها إليه بعد أن تفاجئت بتواجده، لتتعلق عيناها بعينيه الناظرتين إليها بغرابة، وبتوترٍ أخفضَت نظراتها وهي تلفظ بصوتٍ هادئ : ما ودي أنام الحين
فواز بهدوءٍ يُماثل هدوءها : لا ودك بس تكابرين
رفعَت نظراتها إليه وهي تقطِّب جبينها باستياء : ليه هو الموضوع بكيفك؟ حتى نومي بتمشيني فيه على مزاجك؟!
تحرّكت قدماه ليقطَع المسافة التي بينهما ويقف أمامها تمامًا قبل أن ينحني قليلًا ويحملها : على قولتك
شهقَت متفاجئةً من حركته لتحاول النزول إلا أنّه ضمّها إلى صدره بقوةٍ وهو يتجه نحو غرفة النوم، لتصرخ في وجهه بغضب : فواز نزلني ، ماني طفلة عشان تجبرني أنام
فواز ينظر لملامحها الغاضبَة ويبتسم بلؤم : أنتِ مهما كبرتي تبقين طفلة بعيوني
جيهان بقهر : الله يقلع عيونك ، نزلني
رفعَ إحدى حاجبيه بعنادٍ وهو يتجاهل الرد عليها ويضعها على السرير لتجلس بحنقٍ وهي تنظر إليه، بينما جلس بجانبها بسرعةٍ حتى يمنعها من الهرب، وبهمسٍ وهو يطوّق كتفها بذراعهِ ويُمرّغُ أنفه بين خصلاتِ شعرها : مافيه قومه ، من أول أحاول أنام وعجزَت عيوني، وأكيد السبب أنتِ
اضطرَب قلبها وهي تبلل شفتيها بلسانها وتُخفضُ رأسها، بينما ابتسمت عيناه لها ليتضاعف ارتباكها وتُدير ظهرها عنهُ حتى تتمدد وتفضل الهربَ منه عن طريق النوم حتى دونَ أن تبدّل ملابسها، ابتَسمت شفاهه هذه المرة وهو يتمدد بجانبها صدرهُ يواجه ظهرها، وذراعه المتمردة امتدّت حتى تطوّق خصرها ويجذبها لتلتصقَ بدفئه، حينها أغمضَت عينيها بتوترٍ وهي تفغَر فمها قليلًا، إلا أنها استكنَت وهي تُحب هذا القُربَ البعيد، هذا الحنانَ والجفاءِ في آن، عيناه تتناءى عنها ما بين الحُب والإبتعاد، وكم تكرهُ هذا الإبتعاد اليتيم منه، لم تعد تعرفه جيدًا منذ بدأ بالإبتعاد، لذا كان لابد لها من أن تتمرغ في أحضانه وتنعم بها دون أن تهرب، أن لا تميط ذاتها عنه.
بقيَت ساكنةً وهي تشعر بأنفاس فواز تصتدم بخصلات شعرها الحريرية، قبل أن ينبعث صوتُه الهادئ إليها هاتفًا برقّة : اتصلت بعمي يوسف اليوم
تجمّدت في حضنه وهي تفتحُ عينيها قليلًا وحلقها يجف، بينما أردف فواز بأسى : بس للأسف ما كان يرد ، تقريبًا اتصلت فوق الخمس مرات بس واضح انه مشغول
زمّت شفتيها وهي تُغمضُ عينيها بحُزن، ولهفتها السابقةُ للحديثِ معهُ تتكرر الآن في قلبها، شعرت بالحزن ذاتِه الذي واتاها حين أخبرتها أرجوان بأنه غير موجود يتكرر، ينقش نفسهُ في صدرها مرّتين وثلاثٍ وألف، يختتم الأرقامِ في تعدادهِ السكني داخلها، داخلِ عضلةٍ مساحتها صغيرة، لا تتسع لكلِّ هذا الحُزن.
صمتت ولم ترد عليْه وهي تشعر بأنها تستعد للبكاء، لكنّها بقيَت فاردةً أجفانها فوقَ صفيحتي عينيها حتى لا تسمع للدموع بالفرارِ والهربِ عن مقلتيها، بينما تنهّد فواز حين وجَد منها الصمت، وأغمضَ عينيه حتى يغيبَ في سباتٍ غيُومُــهُ دفئها.


،


في صباحاتِ روما
يبتسمُ بنهمٍ وهو يقرأُ المعلوماتِ التي وصلتهُ عن عناد، الخُبثُ يعتلي فمه، كل تلك اللعبةِ هو المُحرّك لها، ويُدرك جيدًا إن علم من يُحرِّكه هو لغضِب وربما يتصرّف بطريقةٍ قاسيَة، لكنّ كل ذلك لا يُهمّه! فيكفي أنّه يستمتع! وبالتأكيد استمتاعهُ فوقَ كلِّ شيء.
حرّك الكرسي المكتبي ذي الإطاراتِ للخلفِ وهو يرفعُ هاتفه بحماس : تبي اللغز الثاني؟ بيوصلك يا حلو بيوصلك
ما إن فتحَ هاتفهُ حتى أنار برقمٍ جعلهُ يعقدُ حاجبيه، اسم جدِّه اعتلا الشاشةِ ليجعله يزفر وهو غيرُ مطمئن لهذا الإتصال، لكنّه ردّ عليه أخيرًا وهو يمط شفتيه : هلا وغلا باللي نوّرنا باتصاله
جدّه بجمود : اترك البكش عنك أعرفك وأعرف وش تفكر فيه ، عمومًا كيفك؟
لوَى تميم فمهُ وهو يرد بضجَر : تمام * أردف بشك * فيه شيء تبيه مني صح؟
الجد : عليك نور أبي منك شغلة بسيطة
جلَس تميم على الكرسي المكتبي وهو يعقد حاجبيه باعتراض : متعلق بالشغل؟ لاااا احنا وش كان اتفاقنا؟ إحازة لي من كل وجع الراس
الجد بحزم : أيه متعلق بالشغل وتقوم تصطلب غصب عن خشمك وتسويه لي
تميم تمتَم باستياء : الله بس! وليته شغل شرعي بعَد!
الجد بحدة : شقلت؟
تميم بتكشيرة : ولا شيء سلامتك يا سِيدِي
تجاهله الجد بالرغم من كونِه سمع ما قال تمامًا، ومن ثمّ بدأ يشرح لهُ عن ضرورةِ مقابلةِ رجلٍ ما ليُتمّم معه صفقةً كان المفترض أن تكون في بروكسيل إلا أنّ الطرف الآخر صاحبته بعض الظروف في خطوطِ الطيران ومن حسنِ الحظِّ توقف في روما. ببساطةٍ كان يجب عليه أن يتمم صفقةً " غيرَ شرعية ".


يتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 09-08-15, 07:57 PM   المشاركة رقم: 374
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 





خرجَت من الحمامِ وهي ترتدي الروب الأبيض وتُجفف شعرها، وعيناها اتّجهتا لسيف الذي لا يزالُ نائمًا، حينها تأفأفت وهي تقترب منه بنيّةِ إيقاضه، من غير المعتاد أن لا يصحو حتى الآن! ... مطّت فمها وهي تمدّ يدها لتضعها على كتفهِ وتهتف باسمه كي توقضه، ليفتح عينيه أخيرًا ناظرًا إليها بملامح ممتلئةً بالنوم، وبصوتٍ متململ : خير!
" يا الله صباح خير "، كانت هذهِ هي العبارة التي تتلاحق لتخرج من بين شفتيها، لكنّها ابتلعتها في نفسها لتلوي فمها بحنق، وبصوتٍ حاولت جعلهُ هادئًا : الساعة صارت ٦ ، ما ودك تداوم والا شلون؟
أدار جسدهُ عنها ليرفع اللحافَ إلى كتفيه ويهتف بمزاجٍ متعكر : لا ما ودي أداوم
ارتفعَ حاجباها باستنكار، لكنّها لم تبالي بهِ كثيرًا بحجم ما اهتمت بنفسها هي، حينها لفظَت بإصرار : طيب اصحى عشان دوامي أنا بس!
سيف ببرودٍ دون أن ينظر نحوها : منتِ مداومة اليوم
اتّسعت عيناها بصدمةٍ لما قال، وفغرَت فمها قليلًا وهي تقتربُ منه دون استيعابٍ وتضع كفيها بجانبه على السرير : كيف؟ ماني مداومة؟
سيف بذاتِ بروده : أيه ، بما إني ماراح أداوم فأنتِ بعد ماراح تداومين ... عندك اعتراض؟
تراجعَت للخلف وهي تكتّف ذراعيها أسفل صدرها وعيناها تشتعلان بغيظ، لن تسير الأمورُ كما تشاء رغباته، منذ البارحةِ وهو يفرد عضلاته عليها ويتصرف معها بجفاءٍ غريب، لكنّها لن تُسيّر الأمر الآن كما يبتغيه، هتفت بنبرةٍ مشتدة : وأنتِ ليه ماودك تداوم؟
سيف يُدير رأسه ناحيتها ويردّ بكل البرود الذي قد يتحلّى بهِ صوته : مزاااااج
ديما بعنادٍ وهي ترفع ذقنها قليلًا : أجل أنا مزاج راح أعارضك وأداوم
جلس بعد أن أزاحَ اللحاف عنه بعنفٍ وهو يوجّه نظراتٍ مشتعلةً إليها، غضبه منذ الأمس يتراكم ويترسّب على صوتِه وهو يحاول بكل ما يستطيع ألا يفجّره بها، صرخ : ديــمــا
انتفضَت كالعادةِ حسن يصرخُ في وجهها، لكنّها بقيت مكانها ولم تتراجع بالرغم من الخوفِ الظاهرِ على عينيها، هتفت باهتزاز : مو بكيفك ، متى ما تبي تمشيني في الأمور اللي أحبها ومتى ما تبي تمنعني من كل شيء! محنا في سجن وأنت السجان عشان تتصرف بهالهمجية!
زمّ شفتيه وهو يتجاهل كلّ ما قالتهُ ويقف أمامها بطوله الذي جعلها تتراجع خطوةً صغيرةً خائفة والغصّة داهمتها لترتعش شفتاها، نظَر إليها من أعلاها لأسفلها نظرةً تدلُّ كم أن غضبهُ منها كبير! أكبر من مجرّدِ كونه بسبب اعتراضها له، أكبر بشكلٍ جعلها تُخفض عينيها وهي تقرأ في عينيه كم أنّه يحاول بأقصى ما يستطيع ألا يؤذيها في هذهِ اللحظة ... قصَفَ بصوتٍ كالمدفعِ وهو يشدُّ على قبضتيه بعنفِ الإختلاحاتِ التي تتماوجُ في صدره : قلتها لك ، وما ودي أكررها أكثر من مرتين ... دوااام اليوم مافييييييه! لا تخليني أحلف عليك ما عاد تطبين الروضة من أساسها
تقوّست شفتاها بعبرةٍ وهي ترفعُ وجهها إليه ليرى النظرةَ التي اعتلتها، لكنّ هذه النظرة لم تحرِك فيهِ شيئًا ولم تشعره سوى بالرضى لبعض ما خلّفته من جروحٍ في جسده، تلك الجروح التي لا تجيء إلا وتنثر الدماءَ هُنا وهناك، لا تتوازى مع نظرتِها الكسيرةِ الآن والتي لم تخلّف الكثيرَ من الرضى في نفسه.
هتفَت ديما بصوتٍ متحشرجٍ وهي ترفع كفّها لتضعها على وجنتها : مو من العدل تسوي كذا!
سيف بنبرةٍ مُحذّرة : قلت ما ودي أعيد اللي قلته * بأمرٍ حاد * انقلعي من وجهــي
تحركت من أمامِه وهي تمسحُ الدموع التي سقَطت على وجنتها، شعرت بصوتِها يسقُط في فوّهةٍ عميقةٍ وغابت نبرتها عن الثبات، غابت وبقيَ الإنكسارُ الذي سكنَ حُنجرتها وهزّ حبال صوتها، تشعّب هذا الإنكسار، وهذا الحزن الذي يُغلِّف حياتها الناقصَة معه، هذهِ الحيـاة الوحيدة التي تمنّت فيها الكمال وهي تدرك ألّا كمال غير الله، لمَ يستنقص السعادة عليها؟ لمَ لا يُريدها ضاحكةً طولَ يومها؟ هل أخذتَ عهدًا على نفسكَ أن تجعَل من حياتي كئيبةً معك؟ أن تُحاول بثّ الكُرهِ في قلبي رغمًا عن أنفي؟ ، ثق يا سيف! الحب لا يدوم في هذهِ الظروف، صدِّقني لا يدوم.
وقفَت أمام بابِ الحمامِ وهي تمسحُ آخر دمعةٍ سقطَت على وجنتها ولازال الكثير يتنافس ليسقط، استدارَت إليهِ بملامحها الكسيرةِ لتهتف بحزن : في هاللحظة يا سيف ماراح أدعي الله إلا بشيء واحد ، ماراح أناجيه غير بكرهك ... سقى الله قلبي بكرهك ، عشان أرتاح بس
استدارت عنه لتدخل إلى الحمامِ وتُطبق البابَ بقوّة، وكان آخر ما سمعتهُ منهُ هو صوتُ صرختهِ المقهورةِ وصوت تحطّمِ الأبجورةِ التي صفعها يُشفي غليله بها.


،


صعَدت في المقعَد الخلفي للسيارة وهي تُلقي السلامَ على ياسِر وهديل ليردا عليها، أغلقَت البابَ وهي تعتدل في جلستها وتبتسمُ للصباح، هذا هو الصباحْ، أجملهُ في البداياتِ، بعدَ أن تغسل ظلامَ الليلِ وسوادِه، وقبل أن تُشرقَ شمسُ الرياض الساخنَة .. ما أعذَب رائحةَ الصباح، ما أنقى نسيمه، هذا الصباحُ يستفزها للكتابـة التي ابتعدَت عنها منذ مدةٍ واشتاقتها، لكنّها كانت تكتبُ لشخصٍ واحد، شخصٍ تحوّرت مكانته فيها وتبدّل بتبدّل الزمنِ والحقيقةِ والأوضاع. عقدَت حاجبيها بضيقٍ من أفكارها وهي توجّه نظراتها المُضطربةِ إلى ياسر، يجب عليها أن تنسى ذلك الماضي وتحاول طرده بأي ثمن، يجب عليها أن تمحوهُ من عقلها فقط لتمضي وتُحاول التعامل مع ياسر بعفويةٍ أخويةٍ دون نفور.
ابتَسمت وهي تحاول كسر ذلك الماضي ببداياتٍ جيدة، كل شيءٍ يتعلق بالبدايات، بالألِف، بالواحد، بالشطْر، كل شيءٍ يبدأ بشيءٍ ليتمَّ في أبهى حلّة، لذا هتفت بابتسامةٍ تُحاول كسرَ كل توترٍ في علاقتها بياسر أو هديل أو أيٍ ممن في المنزل، ولتحاول حتى مع هالـة! : شلونك ياسر؟
ابتسَم ياسر وهو يحرّكُ السيارة ويرفعُ نظراته إلى المرآة كي ينظر إليها عبرها، وبلطف : تمام نحمدالله ، كيفك أنتِ مع هالصبح؟
إلين بصوتٍ مُرتخي : تمام التمام ، نحمدالله كمان
اتّسعت ابتسامةُ ياسِر وهو ينظر للطريقِ ويكمل صامتًا، بينما أدارت هديل رأسها قليلًا إلى إلين لتهتف بتساؤل : وين وصلتي؟
إلين تعقدُ حاجبيها دون فهم : وين وصلت؟!!
هديل : قصدي في المسابقة ، كم جزء خلصتي؟
ضمّت إلين فمها بضجرٍ وهي تهتف بحنق : توني ما خلصت غير ثلاثة أحزاب يعني جزء ونص ، ما أمداني أذاكر والا أيش بالضبط!
اتسعَت ابتسامةُ هديل بسعادةٍ وهي تلفظ بحماسٍ ترفع حاجبيها أسفل النقابِ فلم ترها إلين : أنا خلصت ثلاثة أجزاء ونص حزب ، يعني إن شاء الله ربحانة عليك
نفخَت إلين فمها باستياءٍ قبل أن تلفظَ بحنق : مسابقة غير عادلة ، وأبصم بالعشرة إنّك تقرين وما تدرين وش اللي تقرينه
شهقَت هديل وهي تضعُ كفها على صدرها : لا استغفر الله وش أقرا وما أقرا ، حبيبتي واضح إنّك مرة محترة لأني سابقتك ورحتي تتهمين خصمك اتهامات باطلة
إلين بحقد : يا الله إنك تخسرين وأكمل الأجزاء كلّها وأنتِ ما وصلتي للنص حتى
هديل : ههههههههههههههههههه دعوة اللي مقهور * استدارت إلى ياسر لتردف باستمتاعٍ ولؤم * تسمع ياسر؟ خلّك شاهد إن خصمي حاقد وما عنده روح رياضية، إذا فزت عليها ولقيت جثتي مرمية آخر الليل بالمطبخ فاعرف إنها اللي قتلتني
كتمَ ياسر ضحكته وهو يرطِّب شفتيه بلسانه قبل أن يسأل مستفسرًا : وش قصة هالمسابقة؟
هديل : هذي الله يسلمك مسابقة القرآن المعتادة إذا للحين متذكرها
ياسر : أها ومتى بديتوا؟
اندفعَت إلين لتُجيب بحنق : أمس ، تخيّل دخلت علي كأنها فاتحة لها القسطنطينية وفرضَت هالمسابقة غصب وهي تشوفني أذاكر
هديل بشهقة : بدينا بالكذب بدينا؟ مو أنتِ اللي وافقتِ وقمتي تبين تتشرطين ديور وشانيل
ضوّقت عيناها بغيظ : ما قلت أبي ديور وشانيل خلي الكذب على هالصبح
هديل : وأنتِ بعد خلّي الكذب على هالصبح
سقطَت ضحكةٌ خافتَة من بين شفتي ياسر وهو يهزُّ رأسه يمينًا ويسارًا : الله يخلف على عقولكم ... عمومًا بما أن المسابقة جات بوقت غلط وتمنذلتي حبتين فيها ياهديل فأنا بكون بصف إلين وبدعي لها بالفوز
هديل بحقدٍ وهي تنظر إليهُ بشر : أيه بالطقاق يقال إنك الحين نبي ودعواتك مستجابة
ياسر : ههههههههههههههههه استغفر الله اص اص بس خلني اركز بالطريق ، * رفعَ صوتهُ قليلًا ليُغيظ هديل * دعواتي لك إلين
ابتسمت إلين قليلًا بالرغم من الغيظ الذي كانت تشعر بهِ ضدّ هديل وهي تدير وجهها نحو النافذةِ ناظرةً للطرقاتِ التي تمتلئ بالسياراتِ في هذا الوقت.


،


تأمّل المسجدَ من الخارجِ قليلًا، لربما أصبح هذا المكان هو مأواه الذي يلجأ إليه عندما يصل بهِ الضيق لأقصى ما يُمكن ... خلَع حذاءهُ عند البابِ وولَج، كان المكانُ فارغًا تمامًا في هذهِ الساعة، حتى الإمام الذي قابله يومذاك وألقى عليه سؤالًا لم يجبه لهذا اليوم غير موجود.
دائمًا ما يكون في المساجد رائحةٌ استثنائة، رائحةٌ لا تصفها الكلمات، رائحةٌ تتسلل ببطءٍ إلى القلبِ لتبعث سكينةً لم يُشعَر بها من قبل، رائحةُ المساجد تتوكأُ على كلِّ ضيقةٍ لتعتليها وتُمحق الحُزن من العيون، وتلك هبةٌ إلهيةً لم يضعها سوى في بيتهِ العتيق.
ألقى السلام على الجدرانِ والسجادة والمصاحف، وابتسم باحترامٍ لهذا المكان الذي وإن قاطعهُ أيامًا يبقى يُحبه، رغمًا عني أحبهُ وأتمنى من قلبي أن تُسامحني يا بيتَ اللهِ على جفائي معك.
توسّط المسجدَ وهو يتنفّس عبقه، أغمضَ عينيه ليستغفر الله ثلاثًا ويرفعُ يده مكبرًا حتى يُصلّي ركعتي تحيّة المسجد، ركعتين فيها يقترب من الله، يغسلُ فيها حُزنه، يعود مهما ابتعد عن بارئه، وكأن فطرته تخبره أنّ لا أحد سيحتمل مقدار الفراغِ في صدره إلا الله، إلا الواحد، القاهر، الرحمن الرحيم والتوّابُ الغفور، ركعتين وأربعِ سجدات، تكبيراتٍ وشفاهٌ تتمتم بآيآتِ الله، سلّم أخير يمينًا ثمّ شمالًا، ثمّ رفعَ يدهُ للسماء، لخالقه، حتى يبدأ بالدعاء لنفسه بالهدايـة، لأنه يدرك أكثر من أيِّ شيءٍ أنه مقصرٌ للغاية، بالرغمِ من حبّه لهذا المكان وراحتهِ الآن إلا أنه مقصِّر.
مسحَ على ملامحهِ وهو يستغفر ويهمس بأدعيَةِ ما بعد الصلاة التي يحفظها! لحبهِ يحفظها، نعم! يحبها ولا يُحافظ على ممارستها.
قـامَ من مكانه ليتّجه للأدراجِ التي تحمل المصاحف، تناول واحدًا واندّس في إحدى الزوايـا حتى يقرأ كلماتِ الله، حتى يغسل - أدهم - من الضيق الذي يعشعشُ في داخلهِ كوبـاء، كمحتلٍ ينهَبُ كل الحيـاة، وقد كان قد قرر الإعتكاف لوقتِ صلاة الظهر.


يتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 09-08-15, 08:01 PM   المشاركة رقم: 375
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 






الساعةُ الثامنَة بتوقيتِ بروكسيل
كانت الشقّة ساكنةً تمامًا، مُظلمةً بعض الشيءِ وبدر وحسام ينامان في هذهِ اللحظة على غيرِ عادةِ بدر، لكنّه البارحة أُرهق لكونه تقابل مع زملاءٍ لهُ في السلك وتناقشوا بأمورٍ تختص في عملهم " المقيت "، للحظةٍ أرادت التهور، أن تنزل دون علم بَدر بالرغم من اعتراضاتِه خوفًا عليها وأن تتجهَ للمقهى الذي بقربهم، ما الضير في التهور؟ على الأرجح الحيـاة ستصبح عندها تهورًا بعد هذا التضييق!!
بدّلت ثيابها البيتية وارتدت بنطالًا أسود انسدل فوقهُ معطفٌ زيتيٌ إلى ركبتيها، لفّت حجابها التفاحي على رأسها لتختم الأمر بالتلثّم حتى لا تلفت أنظارَ أحدٍ ممن يراقبون المكان وتدركهم جيدًا، وضعَت نظارتها الشمسية وارتدت حقيبتها التي وضعَت فيها كتابًا لتقرأه حينما تجلسُ في المقهى بمفردها، حينما تشتمُّ نسيمَ الصباحِ بمفردها، بحريتها!!
تحرّكت بتمردٍ عن أوامر بدر لتفتح الباب وتخرج متسللةً كاللصوص، نزلَت بحذرٍ وهي تخشى أن يتعرّف عليها أحدٌ من زملاءِ بدر والذين يراقبون المكان، وما إن خرجت من بوابةِ المبنى حتى تنفّست بقوةٍ عليلَ الهواءِ ورائحة الفطائـر الساخنة، القهوةِ المرّة. ابتسَمت بشعورٍ بالحرية، وتحرّكت نحو المقهى كاسرةً كل الحواجزِ حولها.


،


بقيَت تُعاقرُ حجرتها طويلًا بعدَ أن نزَل سيف إلى أمه، تجلس فوقَ السريرِ وقد ارتدت فستانًا قطنيًا أبيضَ يُعاكس حُزنها الأشهب، يعاكس غبنتها وقلبها الذي يطاوعها في الدعاء لله بأن تنسى هذا الحب، بأن تنسى هذا الشرَف المقيت المتعلق بالزواج، من قال أن الزواجَ حب؟ من قال أن الحياة حب؟ من قال كل ذلك ومن تجرأ ونفاه! لطالما قرأت أن الزواج مودةٌ واحترام، وهي التي أضافَت أن الحب جزءٌ لا يتجزأ منه، وحتى الآن لم تدرك جواب سؤالها الحالي " هل الزواج حب، أم احترام! ".
زمّت شفتيها وهي تضمّ ركبتها إلى صدرها، استنزفت علاقتنا من قلبي مهجتين وحيـاة ... لازالت تقفُ أمام فوّهةِ البركان وقليلًا قليلًا لربما ينتهي بها أن تسقط وهي التي لازالت تمشي خلفَ هذا الحُب، حتى حملها هذا لا تنكر أنّه يتعلق بهذا الحب، يتعلق بحياتها مع سيف، بالقُربِ منه! أصبَحت على شفا حفرةٍ من نسيَان نفسها! أصبَحت على مقربـةٍ من الإنهزام بالرغم من كلِّ عنفوانها الذي جعلها تُخالفهُ وتُسكن هذا الجنين في رحمها.
أسدلَت أجفانها على خشبَة المسرحِ المُتصدّع، الذي احتوى مسرحيةً كان فيها من الحُزن ماهو مُهلك، ماهو متعبٌ لمَن يحمل في قلبه ولو نصفِ حُب، ليسَ هناك ماهو أشدُّ قسوةً في الحيـاةِ من حبٍ يقلّب الروح ذاتَ اليمين وذات الشمال، على مشواةٍ وهي تدرك أنها أخيرًا ستحترقُ مالم يلتقطها من تحب ناضجةً مُحافظةً على مذاقها الحلو.
نزلَت من السريرِ وهي تمسحُ على شعرها الملمومِ خلف رأسها في " كعكةٍ " فوضوية، ومن ثم خرجَت من الغرفـة والجناحِ بأكملهِ حتى تنزل وتنضمّ للأم وابنها القاسي الجالسين في الأسفل، فمهما وصَل الوضعُ بينهما لن تحبس نفسها في الغرفـةِ وهو طليقٌ يتحرّك هنا وهناك ويضحك وكأن الشيطان لم يتمثل به!
نزلت عتباتِ الدرج حافيةً لتُلامس بباطن قدميها برودة الأرضية الرخامية، اتّجهت لمكانِ جلوسهما لتتوقف فجأة والوَهنُ أصابَ جسدها بينما دوى الفراغُ في أعماقها وهي تستمع لجملة سيف الفاترةِ التي أطلقها لأمه " أظن إنّي بفكر بجدية هالمرة بخصوص رجعة ام زياد "
اتسعَت عيناها بذهولٍ وشهقةٌ تسللت من بين شفتيها جعَلت الرؤوس تتجه إليها، تراجَعت خطوةً للخلفِ وشفتيها ترتعشان، كفيها ترتعشان، أطرافها كلّها ترتعش ونزيفٌ داخليٌ أصابها وعقلها يقلّب بين كفيه ما سمعت، بينما وقفَ سيف ناظرًا إليها نظرةً لم تستنبط ما حمَلت، لكن كان فيها من الذهول الكثير وهو يوجّه إليها حديثًا كثيرًا وكأنه لم يكن يتمنى أن تسمعه، بينما تساقطَت دموعها من عينيها وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا بخذلان، ليس هذا! ليس ذلك القبر الضيّق، ليس هذا! لا تجعل أحلامي بهذا الطفلِ تترنح وتسقط أخيرًا فوق غماماتِ ظلمك، أنا لستُ أول عاشقةٍ تُخذل في عشقها، لكنّ هذا أكبر من كلِّ خذلانٍ مر، واللهِ أكبر! .. استدارت عنه بسرعةٍ وهي تسمعه يلفظ باسمها بنبرةٍ واهنةٍ لم تكُن يومًا في قاموسِ نبراته، هروَلت بأسى لتصعد مبتعدةً عنه، مبتعدةً عن هذا النطاقِ المُظلم، عن هذه الدائرةِ العميقة التي لفظتها في قُطرها وانحنائها ... من قال أصلًا أن كل خذلانٍ مرْ؟ كلّها واللهِ تجري على عيناي، كلّها واللهِ تطبعُ نفسها في صدري، كلّها تجرحني، وحتمًا لم يتبقى مكانٌ فيَّ يحتمل جرحًا آخر، فكيف استطعت؟ كيف استطعت؟!!!
دخَلت صالَة الجناحِ وساقيها ترتعشان بمدى الوهنِ الذي أصابها، بمدى الهوّة التي دوَت داخلها وهزّت كل خلاياها لتضعف، لتضعف!! هيَ واللهِ ضعيفة، مهما تصنّعت العكس هي ضعيفةٌ به، وقد استغل هذا الضعف جيدًا ودمّر كل ما تبقّى منها، سقَطت جالسةً على الأرضِ ودموعها تتناثر على وجهها لتشقّه كوادٍ ليس بذي زرع، كوادٍ خاوٍ جافٍ إليه، إلى لمسةٍ من كفّهِ الحنون مطبطبًا على كل جراحِها منه، على كل خيبةٍ أصابتها من شفاهه وبقيَت تنغَمسُ فيها .. ليتها حبَست نفسها بالفعل، ليتها بقيَت حبيسةَ غرفتها ولم تنزل إليه لتسمع دويِّ هذا المدفع.
ارتفَع صوت بكائها وهي تستند على الأرضِ بكفّها اليُمنى بينما اليُسرى تضغط على فمها المتقوّس بحزنٍ وممات، وفي تلك اللحظة كان سيف يدخُل مهرولًا ليقفَ عند البابِ للحظةٍ وهو يضعُ كفّه على جبينه بإرهاق تنامي حين رأى حالها، لم يكُن ينقصه ذلك، لم يكُن ينقصه سماعها له، مهما فعلت ومهما أخطأت وجرحته لم يتمنى يومًا أن يجرحها بامرأةٍ أخرى وبهذهِ الطريقة.
اقترب منها وهو يلفظ اسمها بنبرةٍ عطوفةٍ كانت لأذنيها جافةً جعلتها تقشعرُّ ويتضاعف بكاؤها بها، وقف على بعدِ خطوةٍ وهو يهمس مجددًا : ديــمــا
شهقَت بقوةٍ وهي ترفع يدها الأخرى وتغطي وجهها باكية، وبصوتٍ تموتُ فيهِ القوّة ولا يُبقي سوى على نبراتِ الوهنِ التي تهزّ حبالها الصوتية الضعيفة : ليه؟ ليه تحب تجرحني بهالطريقة يا سيف؟
اقترب سيف أكثر ليكسر الخطوة الباقيَة بينهما وملامحهُ وهَنت بحُزنها، انحنى قليلًا ليُطوّق خصرها بذراعيه ويرفعها وهو يشعر بالثقل الذي يُهاجم جسدها حتى أن وقوفها على ساقيها كان صعبًا. صرَخت وهي تُمسك بيديه وتنزعه عنها بقهر : وخــر ، ابعد يدك عني ، وخــر عني كافي! * أكملت بنحيبٍ مبحوح * كافي اللي تسويه فيني
هتفَ سيف بتوترٍ أصابهُ رغمًا عنه وهو يُمسك كتفيها ويديرها إليه بقوة : ديما ، اسمعيني بس
ديما باعتراضٍ تنتزع نفسها منه وتتراجع صارخةً بكل القهر والخيبات التي زرَعت ذاتها في روحها الكسيرة : الله ياخذك ، الله ينتقم لي منك مثل ما تجرحني دايم! مثل ما تحب تشوف الحزن والدمْع بعيوني
هزّ رأسه بالنفي وهو يعضّ زاويةَ شفتهِ السُفلى ويهتف بضيق : ما أبي أجرحك ، والله ما كان قصدي أجرحك
ديما بقهر : كذااااب ، أنت أصلًا صرت تتلذذ بجرحي، صرت سادي وتحب تشوفني مجروحة منك مع إنك تعرف بحبي لك
انتحَبت بقوةٍ وهي تتراجع لتجلس على أولِ أريكةٍ كانت خلفها بعد أن هزمَ ساقيها الإرتعاش، غطّت فمها بكفيها وهي تُردف باختناق : ليه تحب تجرحني؟
مسَح سيف على وجهه وهو يتراجعُ ويزفر بقلّة حيلة، يراها باكيَةً منهارةً بشكل لم يكُن يومًا أن يمرّ أمامه ولا يُقلّص عضلات صدره، من يقول ذلك؟ من يقول أنني أتعمد جرحي لكِ الآن؟ أنتِ لا تدركين كم أنّ قلبي ينزف الآن، لا تدركين ذلك!!
اقترب منها بخطواتٍ مضطربةٍ حتى جلَس بجانبها ورفعَ كفيه ليُمسك بمعصميها ويُنزل يديها عن فمها، هاتفًا بحزمٍ يبررُ لها بكل نبرةِ حبٍ وعطفٍ قد يحتويه صوته : ما ودي أجرحك ، ما كانت نيتي أجرحك بهالموضوع ، بس ولدي يا ديما ، ولدي! ما أقوى أشوفه بهالحـال حالم بأهل مجتمعين وفرحة ما جته!
وجّهت نظراتها الناريّةَ إليهِ وعيناها تحمرّان بدموعها المالحة، كانت شرارة! لطالما كانت شرارةً تلك التي تزرعها في صدري بعد كل جرح، ولم أتوقع لمرةٍ أن تحوّلها لنارٍ وعيناكَ لم تكتفي برضائهما في حُزني! ... هتفَت بصوتٍ واهنٍ وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا حقدًا عليه وعلى ابنه ووالدته! : الله يحرق قلبك فيه، الله يحرقك بالحرمان مثل ما حرقتني بالحرمان والحين بظلمك
اتسعت عيناه بصدمةٍ وهو يقف بعد سماعهِ لدُعائها الذي هزّ قلبه وجعله يصرخ في وجهها بغضب : حدّك ، إلا زياد يا ديمــا إلا زياد! ودّك تدعين ادعي علي، بس زياد لا!!
رفعَت رأسها إليهِ لتتطاير الخصلات التي سقطت على وجهها، وعيناها المتسعتان بحقدٍ لفظَت سهامًا تشاركت مع صوتها العنيف : الله يحرقك فيه ، الله يحرقك ويحرق أمه فييييييه
لم يشعر بنفسهِ إلا وهو يمدُّ يده إليها حتى قبضَ على ذقنها بقوّةٍ ليوقفها بينما الألم زرع نفسه في ملامحها، لكنّ الغضَب وصل بهِ منتهاه ليتجاهل النظرة المتألمة في عينيها وهو يهتف بقهر وحدة : بــس ، لا توصِّلين عصبيتي لأكثر من كذا ، احذريني يا ديما ، احذريني بالنقطة اللي يكون فيها زياد بيننا ..... بـــــس
زمّت شفتيها وهي تُغمض عينيها ووجهها يُغطيه الدموع، حتى أن خصلاتها المتمردةِ التصقَت ببشرتها، انتحَبت بقوةٍ وما إن تركَ سيف ذقنها حتى سقطت جالسةً على الأرضِ وظهرها يلتصق بالأريكة، ضمّت ساقيها إلى صدرها لتغرق في موجةِ بكاءٍ أغرقتهُ معها .. قد حان ميعادُ السقوط، احمليني يا أحزاني فوقَ سفينة الخذلان، احمليني واصرخي بي بعيدًا خلف الأفق، أهواكِ! أهوى عينيكِ ونبرتك، أهوى النحيبَ في صدرك والغصات في حنجرتك، أنا التي لم تحتمل العيشَ وفي ماضيك امرأة، أنا التي لم أحتمل حياتِي وأنت يحرّكك الماضي ، فكيف تقوى على إعادته في صورةِ حاضر؟ كيف تقوى على جعل شريكةٍ لي بكَ وأنا التي احترق بماضيكَ وأُلفظ من نارهِ لأعود مرةً أخرى في جحيمه ... أهواكَ يا حُزني، أهواكَ يا خُذلاني، أهواكِ يا سنيني الثلاثُ التي تولّه فيها قلبي المُراهق على عيناه، أهواكِ يا لحظاتي معه، القاسيةَ والجافـة .. كيفَ يكون هذا الحزن؟ كيف يُترجم في صدر المرأةِ والمُحرِّكُ له امرأةٌ أخرى شغرَت مكانًا في حياتنا وبقي هذا المكان شاغرًا لتعود إليه؟ ماهذهِ الضربة؟ ، التي كانت أشدّ من كل ضرباتِ حياتي.
" يا قو قلبك ، يا قو قلبك على دمعي "
أغمَض عيناهُ بقوةٍ وهو يشعر أن صوتَ بكائها يخترق صدره، يجرحه بسيفٍ لم يكن له يومًا أن يحتمله، لمَ أرى الميناء الذي ننتظره بعيد؟ لمَ أرى أن الغروبَ يطول؟ لمَ أرى خيوطكِ يا أيتها الشمس الدافئة شفافة؟ حُزنها هذا قاسٍ، واللهِ يا إلهي قاسٍ! حادٌ يمرر نصله على قلبي الذي يكتوي بنارِ نحيبها.
انخفضَ ليجلس بجانبها بعد أن شاركها جسدهُ الوهن، جلَس بجانبها تمامًا يلصق ظهره بالأريكةِ القاسيةِ وإحدى ساقيه تمتدان على سطح الأرضِ بينما الأخرى تنعكفُ كحُزن عينيها.
بقيَ صامتًا للحظاتٍ وهي تبكي دافنةً وجهها بين ركبتيها، تاهت الكلماتُ بين ذبذباتِ ألمها، وجعها الذي ينغرسُ في صدره، لكن كان لابد من الكلمات أن تجد طريقها حتى تخرج ويلفظ هذا السكونَ الكئيب بينهما .. همَس بغصّة : ديما ، ترى هو ولدي ، وله مني نصيب مثل ما لِك!
استكَن نحيبها وبقيَت بضعَ شهقاتٍ معذبةٍ لا تكاد تخرج حتى تصتدمَ بركبتيها في اختناق ، لتهتف بذبول : وهيَ؟
أغمَض عينيه قليلًا وهو يرفعُ كفّهُ إلى وجههِ بقلِّةِ حيلةٍ حتى يضغط أعلى أنفه ما بين عينيه، وبصوتٍ واهن : هي ام ولدي يا ديما ، متعلّقة بولدي ونصف سعادته مثل ما أنا النصف الثاني
رفعَت رأسها لتُديره إليه وتنظر إليه بملامحها الباكية، وفمها التوى في ابتسامةٍ ساخرةٍ لتلفظ بغبنة : وعشان تكتمل السعادة لازم تتلاقى الأنصاف ، يا الله ما أسعدها من قصة
زمّ شفتيه دون أن يقول شيئًا، بينما انحنَت ابتسامتها بحزنٍ لتُكمل بغصّة : وأنا وشو في حياتك؟
نظرَ إليها سيف بنظراتٍ مُرهقة قبل أن يهمس بصوتٍ فارغ : أنتِ زوجتي
ديما بضحكة ساخرة : لا غلطان ، أنا جاريتك!
احتدّت ملامحه بنفورٍ من تلك الكلمة وهو يوجّه نظراته المحذّرة إليها، وما إن فتَح فمه حتى يهتف معترضًا بحدة حتى قاطعته بنزق : شفيك عصبت! جد جد ما ودي أثير استعطافك أو من هالمواضيع ، أنت اللي تقول هالكلمة، في تصرفاتك، في حصرك لحياتنا بأمور معينة، في حرماني من الأمومة، في كل شيء يا سيف أنت تقول وتترجم معنى إني ما أعني لك شيء سوى هالمعنى، رجّعت زمن الجواري في علاقتنا، مهما أنكرت حياتنا الضيّقة اللي تقول كذا ... ولا تقول عني أبالغ ... على فكرة، كأني اشتقت لـ " مي "!
أغمض عينيه بقوةٍ وهو يُخفضُ رأسهُ ويسند جبينه إلى يدهِ المرتعشةِ ارتعاشًا غيرَ ملحوظٍ ما إن نطقت ذلك الاسم الذي اقتربَ على نسيانه، ذلك الاسم الذي باتَ يكرهه منذ مدة، وبصوتٍ ميتٍ ذابلٍ كفصلٍ اختزل كل الفصول في حياتهما، كالخريفِ الذي ظلل كلماتها ونبراته : تبالغين ، بكل قسوة تبالغين!!
ديما بتعجبٍ رفعَت حاجبيها وهي تنظر لمدى تأثير كلماتها على قسوةِ قلبه، وجاء اليوم الذي لم تتوقعه! جاء اليومُ الذي انعكسَت فيه الأدوار واستطاعت استلامِ دفّةِ الإيلامِ بعد أن استنفد كل ذرةٍ حيّةٍ منها : أبالغ! وبكل قسوة!! أنت تظن أن لك الحق تحكي عن القسوة !!! * أردفت بسخرية * جاوبني أجل ، وش أعني لك يا سيف؟؟
رفعَ رأسهُ ووجّه نظراتهُ إليها، نظراتٌ كان فيها من الوهنِ الكثير وهو الذي لم يتخيّل أبدًا أن يُهلكه كما أهلكها هذا الموضوع، أن يُهلكهُ حزنها وسقوطها بعد كل هذا الحزنِ الذي انقلبَ لعتابٍ في صوتها ونبرتها، لعتابٍ قاسٍ جدًا!
اقترب منها قليلًا وهو يرفعُ كفّه اليُمنى ويضعها على وجنتها، وبهمسٍ خافتٍ كادت ألا تسمعه، همسٌ كصفير الليلِ البعيد، كنسيمِ الصُبح المُغترِب : أنتِ زوجتي ، اللي مهما قسيت عليها تبقى زوجتي ، شيء ما أدري وش هو في حياتي بالضبط ، بس كل اللي يحكي عنك هو خوفي من فقدانك! خوفي إني أصحى بيوم وما ألاقي عيونك قدامي مثل شمس خاصة فيني أنا وبس!
ارتعَشت بقوةٍ تحتَ كفِّه وهي تتراجعَ وحُنجرتها تجفُّ من كل مخارجِ الحروفِ بينما بقيَت عيناها معلّقنين بعينيه الساكنتين بعكس نبرتِه الساخنة، تاهَت كلماتها وشعورها أمامه، لكنّ كل كلمةٍ قالها لا توازي الوجَع في صدرها، لا تُضمّد جراحها بجحم ما سكَن الغمُوض فيها، ليسَت هذه هي الكلمات التي قد تضعفها بعد كل موجةٍ أغرقتها منه، بالرغم من كونها انتظرت تعبيرًا ولو بسيطًا منه، إلا أن كل التعبيراتِ الآن لا تعذرُ موجَة الجرح الذي صوّبه إلى قلبها، لذا هتفت بصوتٍ ميت : وش أسمي هالحكي؟ تملك؟ والا اعتياد على وجودي؟ والا حب!!!! أيش بالضبط؟!
سيف بصوتٍ فاتر : سميه اللي تبين ، المهم هو إني أخاف فقدانك ، من أكبر مخاوفي!
ابتسَمت ابتسامةً مهتزةً وعيناها تغرقان بالدموع من جديد، وماذا عن مخاوفي؟ تلك التي تحققت وانتهى أمرها، أنا التي لم تشعر بكَ يومًا حتى تخافَ فقدانك، أنا التي سقطتُ في شباككِ المهترئة لينتشلني البحر منك ببساطة، كانت مخاوف، وتحققت منذ التقينا، كانت تعازي، وأُلقيَت منذ افترقنا .. عيناكَ! تلك التي ما حقّقت يومًا نظرةً شغفتُ بها، والآن حين لفظَت شفاهُك بمشاعرَ تخصّني لم تلتمع حتى تخبرني ماهذه المشاعر تحديدًا ... التقينا وافترقنا في نفس اللحظة، في نفس اللحظةِ المؤلمةِ يا سيف.
مسحَت على أنفها وابتسامتها تميل في خيبَة، وصوتها التمَع بخفوتٍ متمتمًا بكلماتٍ مُتأسية : لا تآخذ في بالك كثير ، مخاوفك تحققت ، وفقدتني من أول لحظة كنا فيها لبعض
سيف بنبرةٍ متملكة : مو بكيفك أكيد
ديما : طبعًا ، مو بكيفي، هو أكيد بكيفك، مو أنت الحين مختار قديمك؟ أيوا شلون نسيت!! قديمك نديمك لو الجديد أغناك ، شكلي مرة كنت مآخذة مقلب في نفسي
وقفَ وهو يمرر أنامله بين خصلاتِ شعره ويتنهد بعمق الدُنيا وبما فيها، يُديرها ظهرهُ دون كلمةٍ ما، ومن العدل في هذه اللحظاتِ أن تغيب الكلمات، لذا كان ختامها الصمت .. تحرّكت قدماه حتى يُنهي هذا الحوارَ المُهلك بخروجه، لكنّ صوتَ ديما الجاف انبثقَ من خلفهِ وكل برود القُطبين اجتمع في صوتها كردِّ فعلٍ على كل الخيبات التي تساقطت فوقها : روح يا سيف ، روح والله يهنيك بأم ولدك وولدك ، أنت اللي كنت رافض أكون أم لعيالك ، عشان كذا تهنى بحياتك وخلّني بعيدة عنك باللي تبقى من كرامتي المكسورة وحبي المجروح .... اتركني بروحي مع ولدي يمكن يلملم الكسر اللي فيني
اتّسعت عيناه باستنكارٍ لآخر ما قالته وهو يستديرُ إليها لافظًا كل إدراك، مبتلعًا كل استيعابٍ ليبقى عدم الفهم في حنجرتهِ وصوته الذي اهتزَّ بفراغٍ هاتفًا وكأنه لا ينتظر صدمةً جديدةً منها بعد تلك : ولدِك!!!

.

.

.

انــتــهــى

هالجزء اجتهدت فيه بكل ذرة فيني، واستنفذت كل وقتي عشان تظهر كل شخصية أساسيـة ولو بصورة عابرة، وأتمنى جد جد أشوف نتائج تعبي فيه، + اشتقت لقارئات كثيرات اختفوا فجأة، ما ودكم تطلعون من وكركم وتبسطوني فيكم؟

عمومًا المفترض بعد هذا الجزء تاخذون لكم راحة أسبوع، بس خوفًا من أنكم تلاقون أعضائي مقطعة في زوايـة القسم بلعت افتراضي ذا وانثبرت :( ، فموعدنا مثل ما قلت يبدأ من اليوم كل أربعة أيام ، حلو كذا؟ ولو تأخرت فحدّ الوقت بيننا ١٢ بالليل أو بعطيكم علم بنفس اليوم :$
قراءة ممتعة يا حبايبي ولا تنسون أقرأو كلامي اللي قبل البارت تراه مهم لكل قارئ ...


ودمتم بخير / كَيــدْ !



 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 08:08 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية