لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (15) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-12-12, 07:32 PM   المشاركة رقم: 66
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()

بالتوفيق لكل الناس الجميلة اللي تختبر وعسى ربي يتمم هالجهد وهالتعب بالدرجات العليَا، وكلنا سمعنا الأخبار الحلوة اللي جتنا من سوريَا :( الله ينصرهم و عسى بعد كل هالصبِر يفرحنا بنصرهم ويحفظ بلادنا وبلاد المسلمين جميعًا ويحفظ العراق وينصرهم على كل من زرع الفتنة في أرضهم، والله ينصر المسلمين في كل مكان ()

+ حاولت والله قد ما أقدر عشانكم أنه يكون بارت هادي ومافيه قفلات :( و " والله " مقدرت :( يعني كلها أحداث من هالبارت ماجبت حدث من البارت الجاي وحطيته قفلة :( عشان كذا أتمنى ما تنشغلون فيه وتبعدون عن دراستكم :( وإن شاء الله تكون القفلة باردة لكم و حارة لي *حششنا :(*
و طويل زي ما تبُون. و تذكرُوا أنه الرواية دايم تنتظركم لكن المستقبل ما ينتظركم و الصلاة ما تنتظركم




رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء ( 66 )


المدخل لـ سعد علوش .


اطغي اطغي .. خلي الغابات تتسلف خضارك ..
بس تترك اصفرارك..
لـ ابتسامات المجامل ولوقارك
واتركي لعشاقك الموتى حمارك
او بالاحرى... احمرارك

لاتلومينا مجانينك نحبك
لا طغيتي .. لازعلتي .. لاحكيتي .. لامشيتي
انتي مسكينه ومظلومه ومعذوره ليامنك نسيتي
لانك انتي اللي فقط...
ماشفتي نفسك لاحكيتي
لانك انتي اللي فقط
ماشفتي نفسك لا مشيتي

يادمــارك
ياوقوف العالم الثالث على شرفة زرارك

انتي مثل الظلم والاجحاف بس انتي لئيمه
هم طبيعتهم عدائيين بس انتي رحيمه
مابدر منك جريمة
انتي بالفطرة بدون سلاح ومقاتل جريمة
وانا بالفطره احبك ياعظيمه ...
بذبولك وازدهارك...وانصهارك


تلك الحديقة موبوءة بك، بصدرِي يتغنجُ الحب ويثمل، بصدرِي يمُوت الحب ويُحمَل على نعشه، إني أحبك على الرغم من كل شيء، كيف أصبر؟ علمني أن أصبر على عينيْك و نظرةُ عينيك ولمعةُ الحب في عينيْك، أعترفُ بشناعةِ حقدي عليك من تلك الأنثى التي كنت أراها بك، ولكنني أعرفُ أنك تحبني، لن أنكر أنك لم تُحبني يا عزيز، مهما حاولت أن تقُول لن تستطيع أن تُظلِّل عيناك وهي تراقبني في كل لحظة أشردُ بها، لن تستطيع أن تُخفي إبتسامتك الضيِّقة وأنت تنظرُ لي بعينٍ مُعجبة، لن تستطيع أبدًا أن تُخفي أمر يديْك وهي ترتعشُ بكفِّي وتسكُن، لن تستطيع يا عزيز أن تخفي الدمُّ الذي يجرِي بعروقك منِّي، أنا التي لم أفعل شيئًا بحياتي يستحقُ الذكر سوى أنني أعطيتُك من دمِّي و أحببتُك بكل جوارحي، أنا واقعة بك، واقعة جدًا يا عبدالعزيز.
يكفيني من هذه الدنيا أن تضِّل بجواري، يالله! على الندم المهرولُ بي، يالله على كل اللحظات التي ضاعت بيننا!، مرَّة أخرى أنا أحبك بكل شتائمِ هذا الكون التي تبادلناها، بكل كلمة سيئة نابية خرجت منّي، " أحبك كثيرًا يا أسوأُ شخصٍ نُمارس معه الحياة ويا أجملهم بالحُب " أحبك بطريقةٍ عشوائية خالية من التهذيب، أحبك بفوضوية لن أفكر يومًا بأن أرتبها، تبًا لوسامتك لن تترك لي فرصَة بأن أتخلى عنك، هذا الهواء الذي يعبرني، هذا البرد الذي ترتعشُ معه أطرافي يُغمض عينايْ لأتخيلك، أتخيلُ تفاصيلك وأنسى وحدتي، أنسى الفراغات التي توزِّعني بقوالبها دُون أن تعطف على قلبي، كلماتُك تستعيدُ نبرتها في صدري، ضحكاتُك تتمثَّلُ أمامي و " وين تبين تروحين ؟ - جهنم. كويس بطريقي " و الشوكلاته والمقهى الذي لن أنساه أبدًا وإبتسامتك التي أسقطتني بفخِها ولم أستطع أن أغضب! قُلتها بكل هدُوء ولم تعلم أنك سلبت قلبي " فيه شي هنا *تُشير لأنفك* " يالله يا عزيز كم كانت الأيام بيننا تضجّ بالعفويَة والضحكات المستفزة، كنت على الأقل " لا أحبك بهذه الصورة المسرفة ".
غطَّت جسدها بالشالِ الصُوف لينام عليْها بخمُولِ الدفء الذي تسرَّب بين الجدران، ألقت نظرة أخيرة من بعيد على ضي الساكِنة بهدُوء، التعبُ واضح على ملامحها والشوقُ لوالدها واضح جدًا، من قال أن الحُب يتقيّد بعُمر؟

،

فتح الباب ليتجه نحوها بخطواتٍ سريعة مهرولة، صدرها يرتفعُ بعلوٍ شديد و أنفاسها تضطربُ ببكاء مصعوقٍ كغيمتيْن تكهربتَا بالبرق، ثبَّت كتفيْها لتصرخ بآآآهٍ مقتولة، تحاول أن تقاومه و الدموع لا تنفَّك من تشتيتِ بصرها، شعرت بأن يديْها تنكسران وهما تحاولان دفعه، ضاقت أنفاسها لتهمس بوجَع : لا
شعرَ بحتمية الحزن وهو يحاول أن يوقظها من كوابيسها الرماديَة، تمنى لو يحفظ آية يرتِّلها على جبينها، كم من السكينة تفوتني وأنا لا أحفظ شيئًا من القرآن المنزَّل؟ كم من حياةٍ ضائِعة وأنا لا أحفظ شيئًا أرتله على جبين رُوحي. لو آية فقط تشهدُ لي يوم لا ظِل إلا ظله ؟ لا أعرفُ على من أحزن بالتحديد؟ على نفسي أم على حُبي أم على حظي أم على والدِي أم على . . عبير ؟
فارس بضيق يبلل يدِه ليمسح على وجهها، تلفظ كلماتٍ متداخلة لم يفهم منها سوى " يــبه "، وأشعرُ بِك! صدقيني أشعرُ بالحزن الذي تتفوهُ به شفتيْك و بكلمة – يبه – التي تتشبثُ بلسانك، أشعرُ بالوجع الذي يجعلك تشعرين بالوحدة الشاهقة، أنا الذي لم أعرفُ معنى لـ - أب – ولا – أم - ، ولم أعرفُ شيئًا إلا أنني فهمتُ كيف أحب، في اللحظة التي تخلصتُ بها من وحدتي عرفت أنني وقعتُ بك وبحُبك، عرفتُ لحظتها معنى للعالم، للوردِ الأبيض، للعطُورِ الناعمة و الليالي الباردة، عرفتُ كيف للدفء أن يأتِ من عينيّ أنثى! و عرفتُ كيف للحياة أن تأتِ – عبيرًا -.
من يُعيد ليْ أبي؟ من يُعيدني إليه؟ أنا التي لم أعرف الإنسلاخ منه منذُ أن عرفت ميلادِي، نضجتُ على يديْه وعرفتهُ أبي وأمي وأخي وصديقي و حبيبي وحياتي وكل حياتي، كيف أنام بهناء و " عينِ – أبوي – ماهي هنا؟ ".
لم تستغرق بنومها كثيرًا، هي ساعة وأقل حتى أستيقظت بشعورٍ ميِّت يُرثي نفسه بالدمع، نظرت لفارس بعد أن أستيقظت تمامًا بعينيْها اللامعتيْن، و إن برعت بشيءٍ هذه الأنثى! ستكُون براعتها في عينيْها والله العظيم، هذه اللؤلؤتان مصيبة والشواهدُ إن أعددتهن كُثر.
بقهرٍ لم تعرف كيف تسيطر على عقلها الذي بدآ يعيشُ أرق الغياب عن عائلتها، لم يعد لها قدرة أن تتحمل كل هذا وأن تُبقي هذه الأعصاب المشدودة بحالٍ أفضلُ من هذا، ضربته على صدرها بيديْها وهي تصرخ : أبعد عننني ما أبغى أشووووفك
أبعدت كفيّها بعد أن شعرت بأنها تضربُ حديدًا وليس جسد، لتشِّد بقبضة يديْها على الفراش وهي تحاول أن تمتص حزنها، أن تمتص كل هذه الشحنات وتعيشُ ببرودٍ فقط، أن تنعم ببعض البرود واللامبالاة، أنحنى رأسها وشعرُها الطويل من كل ناحية يواسيها.
فارس الذي يجلسُ على طرفِ السرير بقربها ألتزم صمته وأكتفى بمراقبتها، بمُراقبة قطراتُ الندى بين هدبيْها.
رفعت عيناها المُشتعلة بالغضب، وبنبرةٍ مختلطة بالبكاء : ممكن تطلع؟
فارس : لا
أتسعت محاجرها المُحمَّرة بدهشَة و لا يفصلُ بينهما سوى سنتيمتراتٍ قليلة، أبعدت وجهها للجهةِ الأخرى وهي تُردف : الله لا يسامحك
فارس لوى شفتِه السفليَة بأسنانه ليُردف : الله يسامحك على قلبك الحين!
عبير وضعت يديْها على رأسها وهي تحاول أن تضغط عليه من كلا الجانبيْن حتى تخفُّ حدّة الحزن الذي يتوسطُها، تشعرُ بحاجة تقطيع شعرها، تكره هذا الشعر الأسود في هذه اللحظة وهذا الجسدُ بأكمله، تكره نفسها التي تُحبه : كرهتني بنفسي بكل اللي حولي خليتني أحس بالنقص من الكل وأخاف من الكل حتى من ظلي .. وعقب كل هذا تستغلني بس عشان إسمي ماهو عشاني عبير! . . أنا أكرهك .. منقرفة منك .. ومنقرفة من حالي . . وماني طايقة أشوفك ولا طايقة أسمع صوتك . . أبيك تبعد عنِّي وعن حياتي!
فارس : تصدقين الكذبة اللي أنتِ مخترعتها! وقلت لك للمرة المليون لو ما كنت جبتك راح يجيبك أبوي! بكلا الحالتين كان راح يكون مكانك هنا لكن أنا . . . ولا ما يهمك تعرفين وش أبي ؟
عبير بحدة : ما يهمني
فارس يقف وهو يُشير إليها بالسبابة : تعرفين والله تعرفين أنك قاعدة تكذبين وتحاولين تصدقين أيّ شي عشان تقهرين فيه نفسك قبل لا تقهريني!
عبير تنظر إليه ولنبرته الغاضبة، لصوتِه الثقيلُ عليها وثقيلٌ على قلبها، بنبرةٍ خافتة عنيفة : مهما خليتوني هنا ومهما صار! في الوقت اللي أشوف فيه ابوي صدقني ماراح يكون مالك وجود في حياتي هذا إن كان لك وجود من الأساس!
فارس بإستفزاز لقلبها : طبيعي ماراح يكون لك حياة ثانية عشان يكون لي وجود فيها ! بتكونين مشغولة في حياتــــــــــنــــــا *نطق كلمته الأخيرة ببطءٍ شديد*.
عبير : أطلع برآ . . أطلع . . *علت نبرتها بصرخها* أطللللللللع
فارس بثباتٍ يقف ويُريد أن يروِّضها الآن : تفهمين شي واحِد أنه هذا الشي مو بإرادتي!
عبير ببكاء تُردد : أطلع . . أطلع . . ماأبغى أشوفك
فارس بتجاهل لكل توسلاتها : ما أستاهل منك كل هذا يا عبير! تذكري هالشي . . . . سحب المفتاح على السرير ليشدّ خطواته نحو الباب، وقف دُون أن يلتفت إليْها، أطال بلحظاته حتى فتح الباب وخرج.
أنفجرت ببكائِها، لا تحتمل أن تراه بعد كل هذه الفترة التي كانت تترقبُ بها فقط حرفٌ من إسمه، يأتِ الآن بكل ضراوةٍ وعنف لقلبٍ بكى عليه ومنه لأشهر لا تُنسى بسهولة.

،

تبحث بكل زاويَة عن أوراقٍ تُوصلها لشيء، و عن أرقامٍ تكشف لها أيُّ شيء، كانت تُفتش أوراقه بلهفة لمعرفة ما يحدثُ بحياتها وتجهله، سمعت صرخةُ تجهل من أيّ حنجرةٍ خرجت، هذه الصرخة التي لا تُوحي إلا بأنها تنتمي إليه، لتتجمَّد أصابعها على الطاولة الخشبيَة التي وضعت بها صورها معه، صورٌ لا تعلم بأيّ شعورٍ كانت تحمل، وبأيّ قلبٍ كانت تنبض.
غُرِز السكين حتى شعرَ أن الرُوح تصعَد لعنقه، سقط على بطنه حتى تناثرت الدماء حوله، سارت بخطواتٍ بطيئة متوجسة لتقف عند بابِ الغرفَة بقدميْن ثقيلة تيبَّست على أرضٍ لا تتزنُ بهذه اللحظات وهي تنظرُ للجسدِ الملقى، بلعت غصتها لترتبك أسنانها المتعاركة فيما بينها، تنظرُ بعينٍ تتسعُ بالدهشَة، بالخوف، وهي تهمسُ بدمعةٍ هزيلة : ناصر!
نظر للدماء باللاشعُور! قتل شخصًا هذا ما يأتِ في باله الآن، قتل نَفسًا، روحًا، عينيْن و حواسٌ آخر، قتلها بيديْه، هل يسامحني الله بحجة الدفاع عن نفسي؟ هل هذا صحيح؟ هل ما أفعله الآن صحيح!
تعدَّت أقدامه جسده ليسيرُ بخطواتٍ سريعة بإتجاه غادة : راح نطلع الحين .. بسرعة ألبسي
غادة بصدمة : قتلته ؟
ناصر يلتفت إليها بعينيْن محمَّرة وأطرافه ترتعش من كلمة "قتل " : مافيه وقت .. بسرعة
غادة تتراجع بخطواتها لتنظرُ إليه كيف يُخرج الشنطة الصغيرة ويضع بها بعض القطع ويُخرج الجوازيْن، بإستغراب : هذا جوازي؟ كيف طلعت لي جواز؟
يتجاهل أسئلتها ليُغلق حقيبته دُون أن يرتب شيئًا بها بعد أن وضع ملابسها أيضًا، رفع عينه لها ليسحب معطفًا ويمدُّه نحوها : ثلث ساعة قدامنا عشان نوصل للمترو . .
غادة تُضيء عينيْها بالدمع وهي لا تعرفُ أيّ مجهولٍ ينتظرها، كيف تتكهنُ بمستقبلٍ إن لم يوجد لها حاضرٌ من الأساس.
أرتدت معطفها لتنظرُ له وهو يضعُ بجيبِ حقيبته صورهم و الأقراص التي حبست أصواتهم و صورهم، نزلت دمعتُها وهو يُعطيها ظهرها ليُدخل في جيبِ جاكيته – ورقةٌ – كان خطُّها يتوزعُ بها.
ألتفت عليها ليطوِّقها من يدِها ويخرجُ معها تارِكًا الشقة و باريس و الحياةُ التي كان من اللازم أن يعيشُها هنا، مثل ما تُريدين يا هذه الأرض، تركتنِي أعيشُ على حُزنِي أيامًا ولم تغتسلي بعد من وعثاءِ ذنبي، مثل ما تُريدين أنا راحل ولن أختاركِ مرةً أخرى! لن تكوني في جدول عُمري مرةً أخرى وأنا الذي ظننتُ أسفل غطاءُكِ قبر حبيبتي وأنا الذي ظننتُ أني كتبتُ على سماءِك في ليلة البكاءِ تلك " بحفظِ الرحمن يا غادة يا قصيدتي الأبديَة، فالشعرُ من بعدكِ رثاءٌ لا يتزن شطرَه "، أنا الذي لم أنضجُ شِعرًا إلا عندما كتبتُ لها ومنذُ رحيلها لم أكتب شيئًا يستحقُ معنى " قصيدة " ، والآن؟ أيّ رثاءٍ ينتظرني؟ هل أرثي نفسِي بعدما أستلمتُ الصفعات تباعًا من يدٍ باردة.
أوقفهُ التاكسي عند محطة القطار، ليدخلان وهو يراقب أيّ قطارٍ سيأتِ الآن، وقف أمام شاشة الرحلات، بعد ساعة ستأتِ رحلةُ لندن، ألتفت عليها : أجلسي هنا بس أحجز وأرجع لك . . . تراقب ملامحُ الراحلين و المارَّة المسافرين، يا مدينتنا القديمة أنتِ يا باريس، هي المرَّاتُ التي غادرتُكِ بها قليلة، منذُ أن فتحت بها عينيْ لم أجد سوى بردُ باريس الذي كان يغطينا في هرولتنا الدائمة على شوارعها بين المدرسَةِ و شقتنا، لم أكُن أعرف شيئًا عاطفيًا ويستنزفُ قلبي سوى عدُّ الأيام لمجيء أبي إليْنا، كنت أرتفعُ إليه في كل مرةٍ أراهُ بها، كُنَّا نحسبُ الإجازات السنويَة من أجل أبي، كُنَّا نعيشُ في الرياض بأرواحنا من أجل أبي، كُنَّا نقرأ أخبارُ الرياض لنروي عطشنا لأبي، كنَّا نسيرُ في شان دو مارس لنقُول " نفتقد جسدًا آخرًا " كُنا ننتظرُ أبي، أدخلنا المدارسُ الفرنسيَة ليجلب لنَا معلمًا يعلمنا العربيَة التي أصبحت ركيكة على لساننا، في كل مرةٍ تُضيء باريس في عين أبي كان يعلمنا الفصاحة و إدارةُ أعمالنا، هذه باريس التي لا تعني شيئًا لأحد هي تعني لي الحياة والعُمر الذي مضى في كنف أبي، في خُبزها المنتفخ و المَاكرُون الملوَّن، في جدائِل الزهر على طريقها و أغنياتِ الليل بها، كنَّا نلتقي كثيرًا مع أبِي في دعاء الصباح.
أتى إليْها ليجلس بجانبها : راح ننتظر ساعة
غادة أخذت نفسًا عميقًا : مين هذا ؟
ناصر : شخص تهجم عليّ
غادة : دام تهجم عليك ليه خفت؟ ليه هربت!
ناصر : غادة ممكن ما تسأليني ولا سؤال! تعبان وماني متحمل ولا كلمة
غادة تلتفت إليه لتتجمدُ عينيْها أمام قطرات الدم التي تسيرُ من إذنه، بمنديلها التي مسحت به دمعها وضعته على دمِه، لا تعرفُ أيّ عاطفةٍ جرت نحوه في هذه اللحظات، لم يلتفت إليْها بقيَ ينظرُ للمارَّةٍ أمامه.
بهمس : تنزف!
وضع يدِه على مكان جرحه بجانبِ أصابعها بعد أن خدشهُ بالباب، سحب المنديلُ من أصابعها ليضغط به على مكان نزيفه، دقائِق حتى توقف النزيفُ بضغطه، ألتفت عليها : بردانة ؟
هزت رأسها بالنفي لتُردف بضيق : وين بنضيع هالمرَّة ؟
ناصر : لندن
غادة : ممكن أطلب طلب؟
ناصر ألتفت عليها بكامل جسدِه وهو يعكفُ ساقٌ واحدة أسفلَ فخذِه، نظر إليْها بعينيْن تنتظرُ طلبها.
غادة : ليه ما تفكر ببكرا؟ وش ممكن يصير! . . يعني حياتنا!
ناصر بهدُوء موجع : لما فكرت ببكرَا جتني فجيعتي بك، لما فكرت بأيش يصير جت خيبتي من هالدنيا فظيعة! لما قلت بعيش كنت أقول بمُوت بس بصيغة ثانية . . عشان كذا لا تطلبين مني أني أفكر بأشياء بعيدة لأني جربتها والمؤمن لا يلدغ من جحره مرتين!
غادة تنزلُ دمعةٌ حارَّة على خدِها لتُردف بخفُوت : طيب وأنا؟ كيف تخليني كذا بدون مستقبل بدون شي! كيف أعيش!
ناصر : لا تسأليني! . . كنت أبيك عُمر يا غادة ما طلبتك موت!
غادة : و انا ما أسألك كيف تبي تمُوت! أنا جدية بكلامي وبحياتي معك! أنا ماأقولك أتركني وما أبغى أشوفك! أنا مالي غيرك الحين بس أبغى أعرف عن الحياة اللي تنتظرني
ناصر يشدّ على شفتيه بعد أن تورط بقتلِ إحدى رجالاتِ عُمر : ماني متشائم كثير لكن لا تنتظرين شي . . وأسند ظهره على الكرسي ليراقب من جديد اللاشيء الذي أمامه.
غادة : ولا أنتظرك؟
ناصر بضيق يشعرُ بأن روحه تلتهب بحرقتها : تنتظريني؟ بدري حيل
غادة تمسحُ دموعها التي أنسابت على خدها بطرفِ أصبعها : يعني ما أنتظرك تجي على بالي مثل ما أنت متصوِّر؟
ناصر بتبلدٍ إتجاه الموت : في الوقت اللي راح تحسين فيه أنك تذكرتيني بيكون الوقت اللي تشبعت فيه من إحساسي بخيانتك ليْ!
غادة بضيقٍ يتحشرجُ بصوتها : ما خنتك! مو أنا اللي دعيت الله عشان أفقد ذكرياتي معك! أنا خايفة منك ومن هالصور اللي في جيبك . . أنا أحس أني ما أعرفك .. ليه ما تحس بوجعي من هالشي؟ ماني مبسوطة أبد بحالتي هذي عشان تقولي أني أخونك
ناصر يزفرُ بأنفاسه المشتعلة وعينِه تثبت في الشاشة التي أمامه : يرحم الله أوجاعي يوم لأجلك عشت في كنفها
غادة ببكاء لم تحتمل كلماته التي تجلدُ قلبها بقسوتها : تظلمني
ناصر : الله يسامحني
غادة أسندت ظهرها على الكرسي لِتُبعد أنظارها عنه وهي تغتسلُ بدمعها بصمتٍ أجبرت عليه، تكتفت وشفتيْها تنشدُّ حتى لا يخرجُ صوت أنينها.

،

يقفُ بكل هيبةٍ أمامهم، و الثقة تُزرَع في قلبه بطريقةٍ مستفزة لكل من حوله، ينظرُ للأوراق التي بين يديْه، للتطورات التي حصلت بالفترة الأخيرة ليُردف ببرود : و بنته الثانية ؟
أسامة : مختفية هي و مرت أبوها
سليمان صمت قليلاً لتهدأ عينيْه على الأسطر التي يقرأها، بخفُوت يحكُ ذقنه : وفارس؟ وش نيته؟
أسامة : ما راح يأذي أبوه هذا اللي أنا متأكد منه وماراح يأذي عبدالعزيز
سليمان تنهَّد وهو يُميل فمِه : طيب! . . شف لك صرفة معه
أسامة رفع حاجبه : يعني ؟
سليمان : تفكك رجال رائد اللي حوله ماراح يتم وفارس موجود! دام ماراح نقدر نستغله ضد أبوه، لازم يبعد .. عاد كيف يبعد أنت حلَّها
أسامة برهبة : بس فارس . .
سليمان بحدة : فارس وغير فارس! قلت أبعده
أسامة بلع ريقه : عارف لكن فيه طريقة ثانية نقدر نبعده فيه بدون لا نأذيه . . أقصد بدون لا نأذيه جسديًا
سليمان يجلس ليرقد قدمًا على قدم : أتكلم هندي؟
أسامة بخضُوع : مثل ما تآمر
سليمان ينظرُ لعمر الغارق بتفاصيل الحسابات ليُردف : أتصلت على مقرن؟
عمر دُون أن يرفع عينه : مثل ما طلبت! بعيد عنهم
يدخلُ الأبيضُ المنمش بخطواتٍ سريعة وبين شفتيْه خبرٌ معلق : امسكوا زياد!
رفع عينه عُمر بدهشَة تسبقُ دهشة أعين سليمان التي توجهت نحوه.
أخذ نفسًا عميقًا بعد أن أستنزف طاقته: و أعترف من أبوسعود و عبدالله اليوسف! ماني متأكد من هالشي لكن جواله صادروه
سليمان : قلت لي عبدالله اليوسف؟ رجع لهم؟
يهزُ كتفيه بعدم المعرفة ليُردف سليمان : حتى عبدالله يبي له قرصة إذن!!!!!
عُمر : وصلهم خبر ناصر؟
أسامة : لآ .. آخر مكالمة مع زياد قالي أنه ما يدرون عن شي
سليمان بإبتسامة : حلو .. أنا أعرف كيف أحرق قلوبهم . . . الحين عبدالعزيز مع بنته كيف لو عرف بموضوع غادة ؟ شكله مافهم الرسالة كويس ويبي لنا نعيدها له بطريقة ثانية! . . .
عُمر : وزياد ؟
سليمان بضحكة إستهتار : السجن للرجال!

،

في صباحٍ مُشمس تتلاعبُ الريحُ بورقاتِ الاشجار، بأغنياتِ الزهر الجافّ المهمل على الطريق، تلتفتُ بجسدِها عليه لتتأملُ عينيه النائمة بهدُوء و شعرُ وجهه المهمل بجاذبيةٍ تتكىء على أبناءِ نجد الذين ينتمُون لجلدِها الأسمر، هل أصدِّق حُبك يا يُوسف من اجلِ الجنين الذي ضاع منَّا أم أصدِقُ حبك من اجلِ قلبي ولا علاقة لشيءٍ آخر، كنت أريده يالله! كنتُ أريد أن أحملُ بين يديْ طفلٌ من رائحة رحمي، أن ينام بيننا كل ليلة وأن يوقضنا ببكاءِه كل صباح، تعبتُ من هذا العمر الذي لم يجلب ليْ سوى التعاسة، الذي لم يحفظ لي أحدًا أنظرُ إليه بتمعن حتى يشيب! لم أرى الشيب يخطُّ برأس أحبابي، جميعهم غادرُوا مبكِرًا وتركُوني، كنت أحتاج الرجل الذي يوقف إستخفاف الحُزن بي، كُنت أنتظر رجلاً أفرغ عاطفتي العطشانة، كنت أنتظرك يا يُوسف ولكن لم تنتظرني! لم تنتظِر أن تقترن بفتاةٍ حائلية كل حياتها تمرُّ كذكرى كل يوم، لم تنتظر أن تُقدَّم لك الفتاةُ ذاتها. أشعرُ بإذلالٍ في كل مرة أتذكر كيف تم زواجنا! أشعرُ بحزنٍ على أمي ومن أمي ولكن لا أتجرأ أن أقوله وهي التي حملتني في بطنها 9 شهُور وعانت منِّي في طفولتي دُون أبٍ يشاركها الرعي والإهتمام، لا أتجرأ ان ألفظ حزنًا عليها ولكن لا أتحمل كل هذا، لا أتحمل أن ينظرُ إلي الجميع بنظرةٍ مهينة ليْ، مهما حاولوا أن يخفُوها أنا أراها بعينِ ريم و هيفاء و نجلاء و الجميع بلا إستثناء.
اقتربت قليلا ليفصلُ بطنه عن بطنها إمتدادٌ قليل كالذي يفصلُ بين أصابعها، بتهور عاطفتها أقتربت أكثر لتُقبِّل ذقنه الخشن برقةِ شفتيْها، أعتلت حُمرة قلبها لتنبض بشدَّة وهو يُحرك رأسه قليلاً لليمين و أهدابه مازالت تتشابكُ بنومه، همست عند اذنه : صباح الخير .....
أستغرق ثواني طويلة حتى يفتحُ عينيْه بإنزعاج من ضوء الشمس المتسلل من وراء الستائر، ألتفت عليها وإبتسامتها الصافيَة تُثير إستغرابه بعد أن أعتاد هروبها أسفل الفراش في الصباحات الأخيرة حتى تبكِي وتنام من جديد.
: صباح النور
مُهرة تنظرُ للساعة التي خلفه : تعرف أنه الساعة 10 .. راح عليك الدوام!
يُوسف يُمدِّد ذراعيه بخمُول : ما نمت إلا متأخر .. منصور يغطي عليّ
يُطيل الوقت بنظراتهم المتبادِلة بصمتِ قلبيْهما، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه : بس إيش هالصباح الحلو؟
ضحكت بخفُوت لتُردف : صار لي ساعة أتأملك وأكتشفت أنه وجهك يجيب الروقان
أبتسم ليُنزل ظهرها على السرير وينحنِي فوقها، قبَّل غمازتها على جانبِ خدها اليمين ليهمس على وقعِ ضحكتها : عساني أشوفها دايم . . أبتعد ليقف وهو ينظر لهاتفه وإتصالاتِ منصُور المتكررة، تأكد أن والده لم يأتِ للشركة ما دام لم يتصِل، فهذه الفترة مشغول بعملِه السابق، تركه على الطاولة وألقى نظرة مبتسمة لمُهرة ودخل الحمام.

،

يمسحُ وجهه بعد أن أستنزفت قوَّاه للتو من الكشوفاتِ الأخيرة، رفع عينه بتثاقل : كلها بإسم ناصر!
: إيه . . لكن على حساب ثاني
فيصل بضيق : قاعد يورط نفسه ويورطني معه . . . .
: عندنا لنهاية الشهر الجاي لازم نسدد كل هالديُون اللي أستعملها ناصر بإسمنا
فيصل تنهَّد : حاول تمدد المدة، أتصل عليهم اليوم وأطلب منهم أنك تجتمع فيهم .. واللي يرحم والديك يا مساعد حاول بأي طريقة تتمدد الفترة!
مساعد :أبشر راح أحاول . . تآمر على شي ثاني
فيصل : لآ
مساعد خرج ليتركه بـ وعثاءِ تفكيره الذي يصبُّ عليه ولا يُريِّحه من حرقة نيران هذه المصائب التي تُقذف عليه من كل إتجاه، تنهَّد ليحاول الإتصال بناصِر ولكن " الهاتف مغلق " ، يالله يا ناصر ماذا تفعلُ بي في باريس؟ كيف تفعلُ كل هذا دُون أن تفكر للحظة بنيةِ قلبي الذي يعتبرك " شقيقه ".

،

خرج من المستشفى متجهًا لعملِه مباشرةً دُون أن يطلُّ على الأنثى التي تنتظره في البيت، ولا الأمُ المتشكلة بجسدِ عمته، فُتِح المصعد في الطابق الثاني ليخرج معه عبدالرحمن و من كل جهةٍ تتكررُ على أسماعه " الحمدلله على سلامتك يا بو بدر " ، ليُجيب بإقتضابِ وهو الذي ينتظر للحظة التي يصلُ بها لمكتب عبدالرحمن ويعرفُ ما حدث بغيابه؟ وما لم يحدث.
دخل ليُسلِّم عليه عبدالله : الحمدلله على السلامة
سلطان : الله يسلمك . . جلس بمُقابله . .
عبدالله : شلونك الحين ؟
سلطان : تمام الحمدلله . . وين زياد ؟
عبدالله بإبتسامة : تبرد حرتك فيه بقوتِك مو الحين ..
سلطان بضحكة وقف : إيدي تحكني . . أنا رايح له
عبدالرحمن : طيب أجلس بعد شوي روح له
سلطان : راجع لكم .. دقايق بس . . . وخرج متجهًا للطابق السفلي حيثُ إحتجازه على ذمة التحقيق، دخل للغرفة العازلة بزجاجها : جيب لي زياد
: أبشر طال عمرك . . . . ثوانِي قصيرة حتى جلس أمامه مقيَّد اليدين بنظراتٍ مُشتتة لا تتجرأ أن تقع بعينيْه.
سلطان بهدُوء يطلبُ من الواقفِ أمامه أن يسجل كل كلمة يلفظها : الساعة الحين 10 ونص . . الساعة 10 و 40 دقيقة أنت قايل كل اللي عندك . . مفهوم؟
زياد : قلت اللي عندي لبوسعود
سلطان : مفهوم؟
زياد بقهر : ما عندي شي غير اللي قلته لبوسعود
سلطان : وين سليمان الفهد ؟
زياد : آخذ الأوامر من أسامة
سلطان : و أسامة وينه؟
زياد : بباريس مع الجوهي
سلطان : و سليمان بباريس؟
زياد : ما أدري
سلطان : و أسامة من متى مع رائد ؟
زياد : ما أعرف
سلطان : مو من صالحك أعيد السؤال مرة ثانية
زياد : ما أعرف يخي ما أعرف
سلطان بحدَّته المُهيبة : ألفاظك يا شيخ! . . إذا مرَّت العشر دقايق وانت ما قلت لي صدقني ماراح أدخل عليك ولا راح يدخل عليك أحد عشان يعرف منك معلومة! بيكون فات الوقت اللي تتكلم فيه .. بيتحول وقتك ساعتها للمحكمة وهي اللي تحكم في موضوعك! عشان كذا ساعدني وبساعدك
زياد بعد صمتٍ لثواني طويلة : ما أعرف شي عنهم
سلطان : أسامة من متى عند رائد ؟
زياد ألتزم الصمت ولم يلفظ حرفًا واحدًا، ليقف سلطان متجهًا نحوه : كل الإختراقات الأمنية حصلت لما تعيّنت مسؤول عنها! ما تحس بشوية ذنب!
زياد ببرود : احس بنجاح
يصفعه بقوَّة متجاهلاً تعبه ليسقط زياد على الأرض، شدَّهُ من ياقته : نجاح في مضرة ديرتك! يا خسارة هالشارب عليك!
زياد بحركةٍ متهورة بصق عليه ليجنّ جنُونه في هذه اللحظات، السكرتير الذي كان يسجِّل كلمات زياد وقف بصدمة من الذي يحصل الآن، وهو الذي يعرفُ الكوارث من نظرة سلطان، خرج متجهًا لمناداة عبدالرحمن بعد أن تدهور الوضع.
سلطان يوقفه ليُلكمه على عينِه دافعًا بجسدِه نحو الجدار : أنا أعلمك حدودك زين! . . . صفعه عدَّة صفعات زفر بها غضبه من سوء الأحداث الأخيرة، سقط على الأرض بعد أن تبلل بدماءِه النتنة الخائنة للأرض التي خُلق من ترابها، سحبهُ من الأرض متجاهلاً كل آلآم جسده التي تصرخ بالتعب والإجهاد، رماه على حافةِ المكتب ليدخل عبدالرحمن ومن خلفه عبدالله.
سحبه عبدالرحمن بعيدًا : منت صاحي! . . وش سويت فيه!
سلطان يمسحُ وجهه بكفيّه وبغضب : شين وقواة عين
بوسعود بهمس : وش سوَّى !
أخرجُوا زياد ليجلس سلطان بإرهاق على الكرسي : قاعد يحمي أحد
عبدالله : كان لازم تمسك نفسك! ما يجوز نقعد نضرب بالمجرمين .. إحنا محنا بفوضى فيه قانون!!
سلطان : لو كان محترم نفسه ما كان مديت إيدي عليه لكن هو يستاهل!
عبدالله تنهَّد : وش قالك؟
سلطان يأخذ كأس الماء ليسكبه على يديه ويغسِّل وجهه: مافيه شي جديد! . .
عبدالرحمن : طيب أمش بوريك شوية كشوفات . . .
سلطان يخرجُ معه : نترك أحمد يراقب كاميرات التسجيل .. أخاف فيه شخص ثاني غير زياد
عبدالرحمن : راح أبلغ أحمد يراقب بنفسه ويجيب لنا الأسماء اللي يشك فيهم خصوصًا اللي جاء تعيينهم بفترة رائد
عبدالله صمت قليلاً ليُردف بعقدة حاجبيْه بعد أن قرأ إسم إحدى الموظفين : لحظة يزيد . . يزيد اللي دخل بقضية منصور
سلطان ألتفت عليه : يزيد مين ؟
عبدالله : كل الأشياء صارت بذيك الفترة .. بعد حادث سلطان العيد الله يرحمه . . . جت بوقت واحد لنا كلنا!
عبدالرحمن : كل هالأشياء وراها شخص واحد وإحنا اللي كنا نحسب ما ورانا غير رائد . . .
متعب بإبتسامة ينظرُ لسلطان : الحمدلله على سلامتك
سلطان يُبادله الإبتسامة : الله يسلمك .. شلونك ؟
متعب : بخير الحمدلله دام شفناك
سلطان : شكرًا على الكذبة
متعب ضحك ليُردف : نص بخير
سلطان : طيب شكرًا على المجاملة
متعب صخب بضحكته ليُردف : ماني بخير
سلطان : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه . . . يجلس على الكرسي . . لا تحاول تتمصلح معي لك عقاب على إهمالك الأخير
متعب بإبتسامته الصافية : كل شي منك مقبول . . ينحني ليضع الأوراق أمامه . . . هذي كل الأشياء اللي راجعوها بوسعود وبومنصور
سلطان : يعطيك العافية يا متعب
متعب : الله يخليك
سلطان رفع حاجبه وهو يُخفي ضحكته بعد أن أستنزفه الغضب عند زياد.
متعب بلع ريقه : معليش يضيع الحكي عندِي إذا شفتكم ثلاثتكم ناقص سلطان العيد ويصير الرعب الجماعي!
عبدالرحمن : ههههههههههههههههههههههه مشكلتك أنك واثق بنفسك لكن ترتبك! عاد حلَّها
سلطان : هذا وأنا هادي اليوم
عبدالله لم يسيطر على ضحكته ليُردف بسخرية : الله يتمم عليك الهدوء
سلطان : يعني عصبت شوي
متعب : طيب تبيني أطبع لك الأوراق لسكرتيرك؟
سلطان : لآ عادي تكفيني هالنسخ
متعب : تآمر على شي ؟
سلطان : شف لنا قضية ولد بومنصور! أبيك تراجع كل الأسماء وتجيبها لي
عبدالله : و شف الأشياء السابقة ليزيد وحاول تبحث عنه
متعب : أبشر . . عن إذنكم وخرج.

،

يُغسِلُ وجهه بالماء البارد، يحاول أن يستعيد بعض من نشوة الحياة التي بدأت تذبلُ في دمه، ينظرُ للمرآة، أجهلني! أجهلُ ماهية إختياراتي و توجهاتي، لا أعرفُ ماذا أخطط له؟ وما يجب أن أُخطط له! لا أفهمُ إستدراج الحزن فيني، وإبتزاز الحياة ليْ، كل الحياة بما فيها أشكالُ السواد التي تسيرُ على أرضها، بما فيها رائِد، جميعهم يحاولون إبتزازي بأقرب الناس، لم يكفِهم والديّ و لم يكفهم شقيقتيّ ، لم يكفهم كل هذا، مازالوا يقذفون قذراتهم على جسدِي المطعَّم برائحة الوطن، مازالوا يمارسون خياناتهم لأرضهم بيْ، ماذا يحصل يا رتيل؟ هل قرأتِي ما كتبت أم رميتِه دُون أن تنتبهي؟ كنت أشعر لأولِ مرَّة بمشيئة عقلك الذي يُريدني، كنت أستمع لرنَّة قلبك في جسدِي، هذا العناق الذي لا يمثل قيمة لأيّ أحدٍ رآه، كنت أفقد به قلبي، قلبي الذي أتكىء عليكِ.
مسح وجهه بالمناديل البيضاء ليرميها بعد أن تشبعت ملامحه بآثار الجروح والندبات المالحة.
خرج لينظر لفارس الجالسُ أمامه، جلس بمقابله : وين رائد؟
فارس : طلع من الصبح . . طيب شلونك الحين؟ تحس بوجع؟
عبدالعزيز : لا
فارس بعقدة حاجبيْه تنهَّد : وش ناوي الحين؟ بتنتظر لين أبوي يخلص عليك! . . ترى هالمرة ماراح يتراجع . .
عبدالعزيز بصوتِه المتعب والبرد يُرعش قلبه : مدري وش بسوي! . . أنتظر الفرصة تجيني
فارس : أتوقع أنه ناوي يخلص أشغاله هنا بأقرب وقت عشان يتوسطون له بالجنسية الفرنسية بعدها أكيد راح يستغني عنك .. بس كيف بيستغني؟ الله أعلم
عبدالعزيز تنهَّد محاولاً إبعاد كل هذه الأفكار عن رأسه : شلون عبير؟
فارس : تمام
عبدالعزيز رفع حاجبه الحاد : تمام؟ يعني كيف
فارس : تطمن هي بخير
عبدالعزيز : وش راح يصير فيها؟
فارس : بهالفترة مقدر أتحرك لأيّ مكان لأن أبوي ببساطة قادر يهددني فيك وفيها
عبدالعزيز ينظرُ للسلاح الذي على الطاولة ليُمسكه وهو يتأمل تفاصيله الفاخِرة
فارس بإبتسامة هادئة : لأبوي
عبدالعزيز : مشكلة أبوك دكتاتوري يرفض يعتليه أحد أو يوقفه أحد .. يحب يتحكم بحياة الناس لكن محد يتحكم بحياته
فارس بتضايق من وصفه لوالده بهذه الصورة : مهما كان الشخص سيء تأكد أنه له جانب طيِّب
عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة : يمكن جانبه الطيب فيك وبس . . . . ترك السلاح على الطاولة.

،

تجلسُ في شقتِه وهي تحاول البحث عن رقمٍ يفيدها، كل محاولاتها السابقة أنتهت بالفشل، لا تعرف كيف أختفُوا جميعهم فجأة، لا وجود لرتيل في فندقهم ولا وجود لوالدها ولا وجود لعبدالعزيز، يالله يا عبدالعزيز ماذا يحدثُ لديْك! أيّ قلبٍ هذا سيتصبَّر على غيابك! لا أعرفُ كيف مرَّت الأيام السابقة دُون أن أعرف أخبارك ولا أعرف كيف ستمر الأيام الآتية، لو إتصال فقط يُطمئني، تحبني بأنصاف الأشياء، جبان لا تحتمل أن تتقيَّد بأنثى واحدة، بأن تُطمئن هذه الأنثى عليك وعلى عينيْك الموجعة، كيف أصلُ إليْك وأنا لا أعرفُ أيّ سماءٍ تصعدُ إليها نظراتُك، كيف أطمئن على قلبي!
أجابت على هاتفها الذي أهتَّز : ألو
سارة : وينك يا ستِّي ؟
أثير : في شقة عزوز
سارة : يالله عليك وش تسوين هناك! تعالي بس البنات مجتمعين في . .
تُقاطعها : مالي مزاج أطلع
سارة : يعني بتحبسين نفسك لين يتكرم طال عمره ويتصل عليك ويعبرك !
أثير بسخرية : شكرًا على مواساتك .. أقدرها كثير
سارة : يا روحي يا أثير أنا ماأستخف بضيقتك عليه لكن هو كلب راح وتركك ولا بلغك تلقينه الحين راجع الرياض ولا فكر يتصل عليك ولا تلقينه مكيّف مع الكلبة الثانية
أثير تنهدت : مستحيل! أكيد صاير له شي .. أنا أعرف عبدالعزيز مهما صار مستحيل يتجاهل إتصالاتي كل هالمدة .. أصلا آخر أيام كانت علاقتنا ماشية تمام
سارة : طيب؟ يعني بتقلقين نفسك وبتشيبين عمرك عليه! خلاص مثل ماراح بيرجع لك ولا تخافين عليه
ينكمشُ قلبها بحزنها عليه : قلبي يعورني! مشتاقة له حيل ولا أعرف وينه فيه .. خايفة يكون صاير له شي ولا هو قادر يكلمني
سارة بضيق تسرَّب إليها من صوت صديقتها : يخي الرجال دايم يبكونا ودايم يضايقونا وياليتهم الكلاب يستاهلون!
أثير : يا رب أنه بخير
سارة : أنا أقول أمشي معنا تغيرين جو بدل هالكآبة اللي عايشة فيها .. يازينك قبل لا يجي عبدالعزيز بس من جاء كهرب أوضاعك وخربك بكآبته
أثير تنهدت : تخيلي دورت على كل الأرقام مالقيت ولا رقم صاحي أتصل عليه! حتى رقمه السعودي مغلق .. مستحيل يكون راح الرياض

،

تشربُ الماء بكميةٍ كبيرة لتُردف : أحس أني نايمة سنة كاملة! . . . تنظرُ للأرض والفاتورة المرمية عليها ويبدُو أنها ممتلئة بالحبر، رفعتها : رتيل تعالي شوفي
رتيل تضع هاتفُ ضي الذي كانت تحاول أن تبحث به عن إتصالٍ بالإنترنت على الطاولة لتتجه نحوها، ضي : هذا خط عبدالعزيز ؟
بلهفة تشدُّ الورقة لتنظرُ لخطِه المكتوب على عجل من أطراف الكلمات الغير مرتبة، قرأت " في حال حصل شيء يا رتيل، كل الحياة لك "
بقيْت عيناها على الفاتُورة الصغيرة، لتسقط دمعتها على " رتيل " و يذُوب الحبر الداكن في زرقته، لِمَ تتحدث بهذا الغموض؟ لِمَ تخشى الإعتراف؟ لِمَ أنت جبان يا عزيز؟ من أجل الله قُلها، قُل : أحبك. لِمَ تُشعرني دائِمًا بأنك غير مُتأكد من شعورك، بأنني شيءٌ وسيتلاشى قريبًا منك، لِمَ كل هذه الحماقة التي تتقاذفُ من كبريائك الذي لم ينحني ولو مرَّة ولن ينحني! أخبرني بثقة أنك تُحبني وأن عينيّ جميلة وأن شعري المموَّج سحر، أخبرني ولو للحظةٍ واحدة، لِمَ كل هذا؟ لا أستحق والله أن تجلب لي حياةٌ خاوية منك، لا أستحق أن أعيش دُونك، أنا أحتاجك، والله أحتاجك ، الأسفُ أنك قادر بسهولة أن تستغني عنِّي، أحتاجك كحالةٍ أبديَة لا تنتهي، أحتاجُ لكتفٍ يجاورني يُقلص المسافة التي تفرِّقُ خطواتنا. أحتاجُ لقلبك يا عزيز ولزُرقة السماء المنعكسة منك.
ضي بصوتٍ حاني : رتيل
رتيل تضغط على الورقَة لتتجعَّدُ بقبضة يدِها، أستسلمت للبكاء وهي ترميها على الأرض : حقيييييييير .. ليه يسوي فيني كذا !! . . . . . ضعفت أقدامها على حملِ جسدها الذي أثقلهُ الحزن، لتجلس على أرضِ المطبخ الباردة وهي تشعرُ بأن أطرافها تتآكل من حرارة الحزن المنصهرة في قلبها.
ضي تجلسُ بجانبها : ليه فهمتيه كذا يمكن قصده . .
رتيل تقاطعها : قصده شي واحد! أنا أعرفه مستحيل يتخلى عن غروره .. مستحيل يضحي بشي . . حتى أحبك بخل فيها عليّ . . . . . تُغطي وجهها بكفيّها الناعمتيْن وهي تجهشُ ببكاءها : ما يحس قلبه حجر . . ما كفاه كل هذا يحب يزيد عليّ .. يحب يقهرني ويضايقني .....
تسحبها لصدرها لتُبلل قميصها بدمعها ، حاوطت جسد رتيل بذراعيْها، هذا الإنهيار لا يشبه سوى إنهيارها ليلة العيد عندما أنفجرت بوجه عبدالرحمن : أهدي يا بعد عُمري قطعتي لي قلبي
رتيل بصوت يختنق تدريجيًا : يوجعني .. يوجعني حبه
ضي بصوتٍ هامس يربتُ على قلبها : ما تعودتي على مزاجيته وحدة طبعه!
رتيل : مزاجيته بس معاي! .. كل هالجنون ما يطلع إلا عليّ . . قلبه ما يستقوي إلا علي .. يقهرني .. يقهرني يا ضي
ضي تمسحُ على شعرها البندقِي : طيب أهدي! الحين مو لازم تتقبلين عيوبه؟
رتيل تختنقُ ببكائها : هذي مو عيوبه! هذا شي يسويه بس عشان يستفزني عشان يقولي في كل مرَّة أنتظره فيها أنه نهايتنا واضحة، غبي متشائم .. يتفائل بكل شي بالحياة لكن لما يجي الموضوع لرتيل يتشائم ويقول لا تنتظرين شي لاتحاولين تفرحين بأي شي . . . . . مو حرام اللي يسويه فيني ؟
ضي وتجهلُ كيف تواسيها وبأيّ الكلمات تربتُ على كتفها لتتنهَّد : الله يرجعه لنا بالسلامة بس
رتيل تجهشُ ببكائها بعد كلماتها : بيذبحني .. أنا عارفة وش بيصير! بيقهروني فيه ..
وبإستسلام تذبلُ كلماتها : طيب وأنا ؟ ليه ما يفكر وش بيصير فيني لا تركني! ليه دايم يحسسني أنه ماله وجود في حياتي وهو كل حياتي! . . . رفعت عينها لضي لتلفظُ بصوتٍ يبحُّ الحزن به : يدري أني أحبه بس يحب يعذب نفسه ويعذبني معاه . .

،

تُمارس النوم قهرًا، للحظةٍ لم تعرف كيف تفرغ حزنها إلا بالنوم وبالهرُوب من الواقع الذي أساء إلى أحلامها التي غرستها به، ذنبُها أن تُربتك يا ريان لم تكن صالحة أبدًا، تقلبت كثيرًا حتى نامت على بطنها وهي تدفن وجهها بالوسادة تحاول أن تبعد كل الأفكار السيئة عنها، كيف أمارس التبلد والبرود إتجاهك؟ رفعت رأسها قليلاً لتضربه على الوسادة، سئمت اليقظة التي لا تجلب إلا التعاسة، تأفأفت وهي تخنقُ ملامحها بالسرير، دخل بخطواته الهادئة ليُلقي غترته على كرسي التسريحة ويثبت أنظاره نحوها، نائمة إلى الآن؟
تقدَّم بخطواته وأصابعه تُفكك أزارير ثوبه، ثبت في مكانه عندما رآها تُمسك أطراف الوسادة لتضغط بها على أذنيْها، رفع حاجبه : ريم!
ألتفتت عليه وشعرها يُغطِي معظم ملامحها، أبعدت خصلاتها بأطرافها دُون أن تلفظ كلمة.
ريَّان : نايمة للحين؟
ريم : أحاول أنام
ريان : ما نمتي أمس؟
ريم : إلا بس كِذا أبغى أنام . . أستعدلت بجلستها وهي تضمُ الفراش بإتجاه بطنها وتسند ظهرها على السرير
ريَّان ينزع الكبك من أكمامه ليلتفت عليها مرةً أخرى على وقع رنة هاتفها، أغلقته لتُثير ألف علامة إستفهام بعقله : مين ؟
ريم دون أن تنظر إليْه : صديقتي
ريان : وليه ما رديتي عليها ؟
ريم : أكلمها بعدين
ريان يقترب منها ليأخذ الهاتف من على " الكمودينه "، فتحه لينظر لآخر الإتصالات " رنَـا ، رنـَا ، هيفاء ، جنتي ، هيفاء ، يوسف "
ريم بإمتعاض شديد : تأكدت ؟
ريان يضعه بهدُوء : قومي أنزلي معي
ريم : ما أبغى ... برجع أنام
ريان تنهّد ليُربكها بنظراته الممتدة نحوها : قومي
ريم بضيق : يعني غصب؟
ريّان : أنا جالس أطلب منك !
ريم بدأت الحُمرَة تتسللُ لعينيْها التي تجمدَّت زاويتها ولم ترمش، أطالت بنظرها لعينيْه حتى تلألأت بدمعها، قاسٍ أن ترى أحلامها تموت أمامها، وقاسٍ أن تشهدُ على خيبة أملها بالحياة، كانت تحلم كثيرًا والآن فُجعت كثيرًا، كيف أتعايش مع هذه الخيبة كأنها ولاشيء وأنا التي خططت لأشياء كثيرة أبسطها لم أستطع ان أحققها معه.
ريَّان يجلسُ على طرف السرير بجانبها : الحين طلبي يضايق لهالدرجة ؟
ريم هزت رأسها بالنفي لتمسح دمعها الشفاف، منذُ تزوجتك وأنا مفرطة بالحساسية، لا أعرفُ كيف أُمسك دموعي ولا أعرف كيف أتغلب على حزني.
ريَّان بإستفهام : طيب؟
ريم لوت شفتِها السفليَة لتحاول أن تُمسك زمام قلبها الذي تتلاعبُ به رياح الحزن : أسبقني وراح أنزل وراك
ريّان : أنا أسألك
ريم رفعت عينيها : يهمك بأيش؟ لا تحاول تمثِّل الإهتمام منت مضطر!
ريان ببرود : غريب أمرك، مهما سوينا لك ما يعجبك!!
ريم : لو قلت لك بنتناقش ! يصير أمري غريب بعد ؟
ريَّان : بإيش نتناقش؟
ريم : أنت شايف علاقتنا طبيعية ؟
ريّان : هذا التقصير منك مو مني
ريم بقهر : كيف مني؟ قولي عشان أصحح نفسي
ريّان بهدُوء : تعاندين وتحاولين تفرضين رايك حتى لو كان غلط
ريم : أنا ما عاندتك! أنا عاندت الأسلوب اللي تعاملني فيه! ماني من الشارع عشان تشك في كل مكالمة ولا كل رسالة تجيني! . . أنا متربية وأعرف حدودي زين
ريان : وأنا ماشككت في تربيْتك! أنتِ اللي أفعالك تخلي الواحد يشك
ريم : عشاني ما أرد أو عشاني سكرت الجوال صارت أفعالي مشكوك فيها! .. ريّان أنت وش مشكلتك بالضبط؟
ريّان تنهد ليحاول تجاهل سؤالها ويقف ولكن يدها التي تخلخلت بأصابعه أوقفته : ممكن لو مرة بس تحسسني بأهميتي!
ريّان بجديَّة : أنا يا ريم مو قادر أفهمك ولا أنتِ تساعديني!
ريم : طيب خلنا نجرب بس هالفترة أنك تتجاهل كل شي يضايقك مني .. أو علمني فيه بوقته . . جرِّب بس أنك تمسك أعصابك

،

مستلقي على الأريكَة و عبدالله الصغير ينامُ على بطنِه ويدِه اليمنى على ظهرهِ الناعم الصغير، نظر لهيفاء : ما سألته والله بس هو زواج عائلي عشان أبوه الله يرحمه
هيفاء بهدُوء : الله يتمم على خير
يوسف : فيه شي ناقصك ؟
هيفاء : لآ
يوسف بإبتسامة : عاد الحين ماعندك ريم تتحلطمين عليها .. فعشان كذا رأفة بحالك تحلطمي عليّ
هيفاء وتختنق بعبراتها : هو طبيعي أني أبي كل شي يتفركش!
يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههه أعوذ بالله .. ليه ؟
هيفاء : الحين حسيت بشعور ريم
يوسف : فترة وتعدِّي، عاد أنتم يالحريم مفلّمات . .
هيفاء تنزل دموعها لتجهش ببكاءها، تشعرُ أن قلبها الذي بحجم الكفّ ينكمشُ عليها ويتقلص بمسافاتِه، تشعرُ أن الحمرة التي تحملُ أكسجينها تصفَّر ويشحبُ لونها، أهذه أعراضٌ طبيعية؟ كيف سأعتادُ عليه؟ كيف سيمّرُ إسمه على لساني دُون أن أرتعش؟ كيف سينام بجانبي؟ كيف سأعتاد على أن يشاركني الوسادة والحياة؟ كيف سيكُون روتين حياتنا؟ هل يملكُ حنيَّة يُوسف و منصُور أم يفتقرها؟ هل عيُوبه ضئيلة أم ستُتبعني؟ كيف أعرفُ شخصيته وما يُحب وما يكره، كيف أفهمُ نظراتِه وحركاته البسيطة؟ هل سأُحبه أم لا؟ هل سيكُون بينُنا علاقة – عاديَة – فقط لا حُب فيها ؟ هل سيشعر بالإنجذاب نحوِي أو انني لن أغريه!
يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه منتِ صاحية الحين تبكين عشان أيش . . . يضع عبدالله على مقعده ليقوم ويتجه نحوها، يجلس على الأرض بجانبها : هيوف هذا وأنا أقول ما تتحسسين زي ريم طلعتي ألعن منها!
هيفاء تمسح ملامحها بأطراف أصابعها : خايفة ما أتوافق معه!
يوسف بهدُوء : شوفي يا ستِّي لو كان بينكم تعارف قبل الزواج وغيره! أول سنة زواج دايم مشاكل! كذاب ولد ستين كذاب اللي يقول أول سنة تمر عادي وما فيها مشاكل! . . أنتِ أخذيها كمنطق .. أنتِ وياه لكم حياة غير وفجأة يجيبونكم ويحطونكم في حياة مشتركة! طبيعي أنه إنتقالك من هيفاء اللي في بيت أهلك إلى هيفاء اللي في بيت زوجها ماراح يكون سهل! بس بالبداية لازم تتجاهلين كل شي ممكن يعكر هالشي .. والاشياء البسيطة اللي كنتي مستحيل تتجاهلينها عندنا عدِّيها .. إذا بتفكرين بكل شي وبتعظمين كل غلط بتتعبين! . . وفيصل أنا واثق فيه يعني أعرفه وأعرف شخصيته
هيفاء بضيق : هذا ريان كنتم تعرفونه
يوسف : لآتقارنين نفسك بريم! ريان نعرف أهله بس كشخص أنا ما أعرفه وما أشوفه الا بالعزايم ... أما فيصل عشرة سنين وأنا قلت لك كعقل انتم مو متوافقين! هو ميوله شي وأنتِ ميولك شي ثاني لكن حلو الإختلاف! يعني لو إثنينتكم نفس الميول نفس الطبع أكيد بتملُّون من بعض . . لكن الإختلاف زين يقربكم
هيفاء : وإذا مقدرت؟
يوسف : الحين ورآه متشائمة! إذا مقدرتِ فيصل يقدر
هيفاء : يوسف أحس ماراح أعجبه من الأشياء اللي أهتم فيها!
يوسف إبتسم : يآكل تراب هو حاصله
هيفاء ترفع عينها : ما تعرف تواسي على فكرة
يوسف بضحكة يُردف : بيني وبينك يعني أنا مطمن عليك عكس ريم الحين لأني عارفها حساسة وبتضيق من الكلمة
دخل منصُور لينظر إليهما بحاجبٍ مرفوع، يوسف يلتفت عليه : دبرت الإجتماع بروحك؟
منصور : شف هي كلمة وحدة الأسبوع هذا أنا بكيِّف في البيت وأنت اللي بتداوم عني .. عشان أطلع سحبتك من عيونك
يوسف : والله راحت عليّ نومة لو كنت صاحي كنت بجيك
منصور : مو أنا اللي في الوجه! أنت بس كبر مخدتك ومنصور يضبط الشغل وراك
يوسف : هذا انا راعي ولدك من اليوم!
منصور ينظرُ لعبدالله النائم بهدوء في مقعده : كثَّر الله خيرك عساك أرضعته؟
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب مقبولة منك يا بوعبدالله عشان سحبتي عليك ولا قولها مرة ثانية وبقطع علاقتي فيك
منصور بإبتسامة ينظرُ لهيفاء : وش فيهم الحلوين يبكون ؟
يوسف : ماتقدر على فراقنا
هيفاء تضربه على كتفه : الشرهة على اللي يفضفض لك

،

ينظرُ للرقم الغريب الذي يُنير هاتفه من الخارج، هذا الرقمُ الباريسي يثير في نفسه القلق، باريس لم تأتِ يومًا بفرح ليْ ولم تكُن صفحة بيضاء في عالمي، أجاب بصوتٍ هادىء : ألو
: السلام عليكم
يقف بدهشة : وعليكم السلام . . مقرن ؟
مقرن تنهد : إيه
فيصل : وينك فيه ؟
مقرن : مو مهم! فيصل أنت لازم تروح عند بوسعود وتعترف له بكل شي .. عندك من هنا لبكرا
فيصل : مقدر! أنا ماني عايش بروحي عشان أخاطر بنفسي .. وراي أم وأخت!
مقرن بغضب : من هنا لبكرا!
فيصل بعصبية : قلت بروح لكن طلعوا لي! . . وش أسوي أنا ؟
مقرن : أنت غلطت وصحح أغلاطك!
فيصل بصراخ : ما غلطت .. ما غلطت .. إذا بتعترف أنت فهذا أمر يخصك لكن أنا بهالظروف مستحيل
مقرن بهدوء يمتص غضبه : يخططون عليك يا فيصل! ساعد نفسك قبل لا يضيع منك كل شي
فيصل بمثل هدوءه : يخططون على إيش ؟
مقرن : أكيد ماراح تخلي أمك تبكي عليك!
فيصل يفهمُ قصده، يفهم كيف يتخلصُون هؤلاء الخونة مع من يتعاملون معهم! يعرفُ كيف يكون الموت هو أسهل الحلول إليهم : وأنت؟
مقرن : خلك مني! أنا متصل عليك عشان أقولك . . صحح أغلاطك قبل لا يجي غيرك ويصححها عنك وتخسر نفسك
فيصل بعصبية : كيف أبلغهم! أرسلوا لي مسج يا مقرن .. ليه منت راضي تستوعب؟
مقرن : أعطيك إياها من الآخر! أنت خسران خسران! فبأقل الخسائر روح بلغهم
فيصل بغضب يغلقه ليرمي هاتفه على جدارِ مكتبه، خرج من شركتِه التي أسسها بعرق جبينه وبدأ يفقدها شيئًا فشيء، كل الأشياء تسوء وكل من يرتبط بهم يموت ببطء، كل من تدخل بهم يموت! هذه القاعدة التي يطبقونها على البشريَة بكل قذارة، جميعهم يرحلون! يُسقطون الجثث وكأنها علبٌ لا فائدة منها، أبتدأوها بعائلة سلطان بن بدر و من ثم محاولتهم لإنهاء عائلة عبدالرحمن و أخيرًا عائلة سلطان العيد التي تلاشت، ومن ثم بدأوا بالأفراد، يحاولون أن يصهرون أجسادنا بجحيمهم، والآن مقرن يقترب وأنا؟ ومن أيضًا ؟ هل ناصر سينضم إلينا.
قاد سيارته بإتجاه بيته، أشتعل في صدره قهرًا كيف ينتهي كل هذا؟ صعب أن ينتهي أمرًا بدأه بكل غباء، أأكذب على ذاتي؟ كل شيء واضح و " بكلا الحالتين أنا خسران " ، دقائِق مضت غرق بتفكيره حتى ركن سيارته أمام بيتهم الشاهقُ بوحدتِه بعد والده، دخل ليصعد للأعلى ويجد والدته تنظر بنظراتٍ معجبة بالديكور الجديد، قبَّل رأسها لتُردف بشغف : وش رايك؟
ينظر فيصل لذوق والدته الكلاسيكي الذي يُشبهه، و الجناح الذي أتسَّع بالدرجات الترابيَة وبعضُ الحمرة العنابيَة تتسلل ببعض الأشياء، ولمكتبة الكتب التي أعادت والدته عملها : الله يسلم لي هالقلب ويحفظه لي ...
والدته :ويحفظك لي يا عيني . . متى تنوره هيفا ويكتمل!
أكتفى بإبتسامة ليجلس على الأريكَة وينظر لريف الغارقة بالكتاب، أتسعت إبتسامته : يا فديت المثقفين بس! . . ريوووف تعالي
وضعت الكتاب بطريقةٍ أنيقة تحاول التشبه بوالدتها، لتسير بخطى ناعمة : تبي إيش؟
فيصل يحملها لحضنه : أبي عيونك
بدأت يدها الصغيرة بالتلاعب بخصلاتِ شعره القصير دُون أن تفهم كلماته جيدًا.
فيصل : وش قريتي؟
ريف بدلعٍ عفوي تشرح له بحركاتِ يديْها : الناس أنا و أنتا يعني لما نسوي شي غلط الله يزعل علينا
فيصل : طيب وإذا سوينا شي صح ؟
ريف تضع يدها على جبينها وهي تحكه : آممم . . . ما أدري بس أنت لا تسوي غلط عشان ما يزعل علينا الله
فيصل يقبِّل خدها : ندخل الجنة إذا سوينا شي صح
والدته : ماراح تآخذ إجازة هاليومين؟ خلاص ما بقى شي على زواجك حاول تهيء نفسك
فيصل تنهد : لآ تشيلين هم مضبط أموري
والدته : طيب نام الحين شكلك تعبان . . ريف تعالي
ريف : بقولك سر . . . تقترب من إذنه لتتسلل نحو خده الخشن وتطبع قبلة عميقة على وقع ضحكاتِ والدتها : ملكعة . . يالله أمشي
فيصل بقدر ما أبتسم بقدر ما أوجعه أن يفقد هذه القبلة الرقيقة من إبنة قلبه : تمسين على خير ..
أم فيصل : قولي له وأنت من أهل الخير والسعادة
ريف : وأنت أهل الخييير والـ .... *رفعت عينها لوالدتها* أيش ماما ؟
أم فيصل : والفرح
ريف : و أنت من أهل الفرح بابا
أبتسمت والدتها بوجَع من مناداتها له بـ " بابا " : يالله خلينا نطلع ونخلي فيصل ينام . . . أغلقت الإضاءة وخرجت.
فيصل يراقب خطواتهم حتى أختفُوا من أمامه وغرق بتفكيره، كيف يخبرهم؟ هذا السؤال الذي يعجز عن إيجاد إجابته.

،

على أطرافِ المغرب، كان حضُوره صخبًا مُشتتًا لكل ما له علاقة بالإتزان، أنت بطبعك ليس مسالم! وعينيْك والله ليست مُسالمة وكل الأشياء التي تنبعثُ منك تُثير اللاإتزان والإضطراب، أتريد قتلي؟ عيناك يا سلطان قتلتني مرتيْن، أخذت نفسًا عميقًا وهي تسيرُ بإتجاهه بعد أن عانقتهُ حصَة بكل ما أؤتيت من حنان، أرتبكت قبل أن تحاول أن تلفظ كلمة شدَّها من خصرها ناحيته لتضطر أن تقف على أطراف أصابعها وتقبِّل خده الخشن بنعومةِ شفتيْها وتهمس : الحمدلله على السلامة
سلطان بمثل همسها : الله يسلمك ....
حصَة بعتب: الحين طالع من الصبح وتوّك تجينا
سلطان : مريت الشغل ... جلس على الأريكَة بهدُوء يحاول أن يسترخي ويُبعد أفكار العمل من عقله.
حصَة : كيفك الحين؟ حاس بتعب؟
سلطان : الحمدلله أموري تمام
حصة بإبتسامة : عساها آخر الطيحات .. كليت ولا للحين على فطورك؟
سلطان : لآ متغدي متأخر مع بوسعود وبومنصور . . ومو مشتهي شي
حصة : بتتعشى معنا من الحين أقولك . . . ووقفت بهدوء متجهة نحو المطبخ.
الجوهرة شعرت وكأنها بقفص وأستفرد بها، نظر إليها بنظرات تشتعل خبثًا لتُشتت نظراتها بعيدًا عنه، بنصفِ إبتسامة يبخل بأن يُظهرها كاملةً : إيه يا حفيدة خالد آل متعب وش أخبارك ؟
تُقسم بالله أن نبرته هذه لا تظهر إلا ليستفز عاطفتها الأنثوية، نظرت إليه ببرود : أخباري تسرّك
سلطان يقف ليتجه نحو الأريكة الأخرى بجانبها، جلس و سيقانهم تتلاصق ببعضها البعض، ألتفت عليها والمسافة التي تفصلهما عن بعض منعدمة، لا شيء بينهما سوى الأكسجين الذي يحمَّر بذراته حولهما : إيه .. و أيش بعد؟
الجوهرة تحك رقبتها بتوتر وهي تنظرُ للطاولة التي أمامها ولا تلتفت إليْه، بصوتٍ خافت : مو حلوة تجي عمتك وتشوفك كيف تستفزني
سلطان : هذا تسمينه إستفزاز ؟
الجوهرة بضيق : سلطان .. أبعد شوي
سلطان بمزاجٍ لا يقبل الأوامر، أقترب أكثر وهو يضع قدمه على قدمِها ليعيقها من الحركة : وين قوتك بالمستشفى؟
الجوهرة شعرت بأنها تتضائل أمامه الآن وأن قوتها وهمية لا تخرج إلا في تعبه، أردفت وهي تلتفت إليه ليفصلُ بين جبينه وجبينها مقدارُ " إصبع "، أرتفع صدرها بعلوٍ شاهق حتى هبط بنبضاتٍ مضطربة تترجمها أنفاسها العشوائية الضائعة : وأنت تارك لي مجال عشان أطلع قوتي عليك
سلطان بنبرةٍ مستفزة : وكيف أعطيك مجال؟
الجوهرة تنظر للسقف في محاولة جادة أن تهرب منه، كل هذا القرب وهذه الفتنة الحيَّة لعينيْها الضعيفتيْن أمامه لا تُحتمل، ألتزمت الصمت وهو يراقب حركاتها الرقيقة في الإبتعاد وعينيْها المشتتيْن، أردف : وتقولين أنك تقدرين! عجيب
الجوهرة بقهر ألتفتت عليه ولا تعرف كيف هذا الإلتصاق يُبقيها حيَّة إلى الآن :أنا قادرة لكن كالعادة الرجال أقوى
سلطان يُشعلها بحمرتها : طبعا هالشي يختلف عند الأسمر اللي روَّح لك قلبك
الجوهرة شعرت أنها تذوب وأن لا مقدرة لها بالنظر لعينيْه، تولَّعت كقنديلٍ أحمر في كامل جسدِها وهدبيْها يرتعشان بالنبيذ الذي أنسكب على ملامحها، أرتعشت أطرافها وهذا الكون بأكمله تجمَّد بعينيْها ولم تعد تستطيع التفكير بكلمةٍ للخلاص من كل هذا.
سلطان ابتسم يشعرُ بلذة الحياة في خجل أنثى أمامه منتشية بلونِ النبيذ الأحمر : ما عندِك تعليق ؟
الجوهرة برجفةِ كلماتها : ممكن تبعد شوي؟
يضع قدمه بين أقدامها ليشدُّ سيقانه ويجعلها تلتفت بكامل جسدِها : يا جبانة على جملة ما قدرتي تواجهيني
الجوهرة بهمس مقهور : الحين بتجي عمتك
سلطان : جبانة
الجوهرة بعصبية علَّت صوتها : إيه أنا جبانة ممكن تبعد!
سلطان بهدُوء مستفز : لا
سيغمى عليّ فعلاً إن واصل كلماته المستفزة لعاطفة أيّ أنثى ولا تخصني وحدِي، إلهي يا سلطان ماذا تُريد ان تصل إليْه، تحاول أن تشعلني غضبًا وحرجًا منك، ليتني لم أغني تلك الكلمات ولم ألفظها وأنا أنتظرك على الهاتف، ليتني لم أنطقها، إلهي كيف يحمَّرُ قلبي بكل لحظة يُربكني بها بعينيْه، إلهي كيف أشعرُ بأن عاطفتي العميقة تصِل لحنجرتي وتتلاعبُ بصوتي.
الجوهرة تحاول الوقوف ليشدّ قدمها وتسقط على الأريكة، زفرت أنفاسها بضيق وسط إستلعانه في مزاجٍ " سلطاني "، الجوهرة : راح أنادي عمتك
سلطان : أنا أقترح تكسبين رضاي عشان ما تكون ليلتك فظيعة
وقف صدرها من الهبوط والعلو، تشعر أن قلبها لا يعمل بالصورة الطبيعية، أنخفض نبضها بربكةٍ لا يضاهيها ربكة، بلعت ريقها، وهذه الربكة من دواعيها أن تُضحك سلطان ليُردف وهو يبتعد بجلسته عنها : هذي قرصة إذن عشان توريني قوتك زين
دُون وعي منها أخذت الخدادية الصغيرة لترميها عليه وهي تقف محاولة الهرب، سلطان يتبعها بخطوتين حتى وصل إليها ليشدَّها ويلصق ظهرها بصدره وبحدَّة يتصنعها : قد هالحركة ؟
قيَّد ذراعيها بيدْه لتُردف وأوشكت على البكاء من قهرها : ويسألون بعدين ليه الحريم ينهبلون ما يشوفون الرياجيل وش يسوون فينا!
سلطان بضحكة يقترب من إذنها بهمس مستفز : بسم الله على عقلك ما كأنك قبل كم يوم تتشيحطين قدامي
الجوهرة وهي تشعرُ بأنفاسه التي تلتصق بعنقها : الحين لو حاولت أرد شوي من حقي قلت أتشيحط! بس أنت حلال لكن الجوهرة حرام!
سلطان يقبِّل عنقها وعلى آثار الجرح طبع قبلته العميقة ليجمِّد العرق الذي يجرِي بها، أطال بقبلته لتغمض عينيْها بخفُوت، ماذا تحاول أن تفعل بجسدِي؟ أن تداوِي جروحك الذي سببتها ليْ أم الخدوش التي قذفتها بقلبِي دُون رحمة! أريد لو لمرَّة أن أفهمك يا سلطان وأفهم توجهاتك! ومزاجك السماوي الذي لا تحليلٍ في علم النفس يفسره! تغضب وتضحك في آن وآحد وتستفزني بحُمرةِ ملامحي وتستفزني كثيرًا بجمالك.
أبتعد عنها متجهًا نحو الأريكة ذاتها ليأخذ هاتفه، أخذت نفسًا عميقًا تحاول أن تهدئ الإضطراب الذي صاب دماءها في أوردتها وشرايينها ، رنّ هاتفها لتتجه نحوه على الطاولة وتُجيب بمحاولة للهروب من كل شيء.
: ألو
الجوهرة دُون أن تفكر بصاحب الصوت والرقم الغريب، وبصوتٍ مرتعش وهي تضع كفَّها على رقبتها لتُخفف من إشتعالها : هلا .. مين؟
بنبرةٍ مشتاقة : تركي!

،

فتح عينيْه المتعبة بعد نومٍ عميق أستغرقه عقله بالأحلام المتتالية التي لا يتذكرُ منها شيء سوى الصداع الذي يهجم عليه بسببها، نظر للشَعر الذي يغطي صدره ليشعرُ برأسها النائم عليه، هل هذا حلم أم لم أستيقظ بعد؟ أكبرُ أحلامي وطموحاتي كانت أن أظفِّر خصلاتها بجسدِي، هل هي من أتت إليْ؟ هل هي من جاءت بحُب العمر الماضيِ والرسائل المتوجسة بيننا؟ هل هي غادة أم ما زلتُ أحلم، أأعيدُ صيغة الأيام بقصيدةٍ خافتة؟ أأقُول لكِ مما أحفظ وأرتله فوق قلبك؟ أحفظُ لعينيْكِ أشعارًا كثيرة! ولكن من يُعيرني صوتٌ يصلح للإنشاد؟ يصلحُ بأن اقول لكِ بنبطيةٍ تحبينها، " لو تشـوفيني شلون امشي ويديني فـ جيبي انا و أحزاني وطيبي ..كان مـاخذتي قرارك كان مارحتي وقلتي ترى .. مانت بحبيبي ، ياخســاره قلبي المظلوم والا.. يا انتصارك " ظالمٌ قلبك وأنا راضٍ، هذه المشكلة التي بيننا.
أقترب ليقبِّل رأسها بضياع، ليتنفس خصلاتِ شَعرها وهو يغرقُ بها، مهما حاولتِ أن تُظهرين البعد هذا الجسدُ لا يعرف أحدًا سوايْ، لا يستطيع أن ينكرني وهو يسحبُ نفسه بنومِك ويأتِ إليْ! لن يستطيع يا غادة أن يتواطىء مع قلبك!
سحب جسدِه بخفَّه ليضع رأسها على الوسادة ويتجه نحو الحمام، أغتسلَ بدقائقٍ طويلة غرق بتفكيره أسفل المياه التي تصبُّ فوقه، مرَّت ثلثُ ساعة حتى خرج، و أمطارُ لندن لا تتوقف، أرتدى ملابسه على عجل والبردُ ينهشُ بجسدِه، نظر إليْها ولإنغماسها بالنوم، جلس على ركبتيْه عند السرير بجانب رأسها : غادة

،

يقترب من المشرط الساقطُ أمامه، يحاول أن يسحبه بقدمِه و السلاحُ مصوَّب بإتجاهه، تعرَّق جبينه بمحاولاته البائسة، أستنزف طاقته وهو يحاول نزع حذاءه ليسحب المشرط بين أصبعيْه، قرّبه نحوه حتى رفع قدمِه لأعلى مدى يستطيعُ رفع قدمه بها، أخذ المشرطُ بأسنانه لينحني برأسه ويحاول أن يثبته بطرفِ الكرسي عند أصابع يديْه، تحرَّك كثيرًا دون أن يستطيع وضع المشرط على الكرسي حتى يسهل مهمة يدِه بأخذه، أستغرق وقته حتى أسقط المشرط وثبت على مقعده، رفع رأسه ليمد يدِه من الخلف نحو المشرط ويأخذه محاولاً أن يفكّ اللاصق الذي يقيِّد جسدِه وذراعيْه، سمع صوتُ رائِد القريب ليحشُر المشرط في كمه، ثواني حتى توسَّط رائد المكان وجلس أمامه : منور وجهك يا ولد سلطان اليوم !
عبدالعزيز : ما يسوَّد الله إلا الوجيه الخايبة!
رائِد بإبتسامة باردة : مسكين! هذا اللي طلع معك
عبدالعزيز يحاول فتح اللصق وهو يتحدثُ معه ويُطيل بحديثه حتى يستغرق أكثر وقتٍ ممكن : للأسف
رائد بسخرية : طيب يا صالح بكرا إن شاء الله بتحضِّر نفسك عشان توقع العقد! وطبعًا ماله داعي أقولك وش تقول! لأن أكيد بوسعود ما قصَّر وحفظك
عبدالعزيز أخذ نفس عميق : وش رايك أنكبك؟
رائد بضحكة : ما تقدر! لأن تقريبًا ما عندِك شي يحميك! لا أبوسعود سائل عنك ولا سلطان ولا غيره .. كلهم رموك ولا فكروا يسألون عنك
عبدالعزيز : تعرف وش مشكلتك! انك تحسب الناس كلها بمستوى غباءك! الحين تقريبًا سلطان وبوسعود وغيرهم يخططون كيف يحلُّون خلل عقلك!
رائد لوى شفتِه و يبدُو أن القهر يتضح على ملامحه : برافو! . . بعد ما توقَّع راح تخسر حياتك بكلمة وحدة تحاول تستفزني فيها! لكن الحين لأني محتاجك وإذا حاجتك عند الكلب قوله يا سيدي
عبدالعزيز يُمزِّق أولُ لصق ليُردف بإتزان : هالمثل يخصك لاتدخلني بقاموس هالأقوال اللي ما ترتقي لي . . . . يمدُّ يده الأخرى بعد أن تنمَّلت من النوم خلف ظهره، سحب يدِه الأخرى بهدُوء، أغمض عينيْه ليحمِد الله على هذه الفرصة، كيف أهرب الآن ورجاله يحاصرون المكان، أهددهم؟ هذه الطريقة الوحيدة.
رائِد ينظرُ إليه بنظرات مشفقة : مين تنتظر بالضبط؟ ناس مالهم علاقة فيك! ولا ممكن بيدافعون عنك لو خيروهم بين عيالهم وبينك! محد ينتظرك هذا الشي الوحيد اللي لازم تصدقه وتستوعبه! مالك أحد يا عبدالعزيز مهما حاولت تصنع لنفسك عايلة أنت بالنهاية . . وحيد
عبدالعزيز يبلع ريقه لينظر للسلاح المصوَّب نحوه، عدّ في داخله للخمسَة حتى دفع نفسِه على الأرض لتنطلق الرصاصَة بإتجاه النافذة . . . . . .

،

لم أراها اليومُ بأكمله، أردتُ أن أروِّضها أن أشعرها بضرورة تصديقها ليْ ولحديثي، أخذ نفس عميق ليفتح الباب ويطلٌّ عليها وجدها مستلقيَة بجانب النافذة وتغرقُ بتأملاتها، تقدَّم بخطواته نحوها لتلتفت بنظراتٍ شرسَة لا يستشفُّ منها سوى الكره.
جلس بجانبها لينظر للطعام الذي لم يُلمس : ليه ما أكلتي ؟
تجاهلت صوته الذي يُبعثر كيانها وهي تنظرُ للسماء، أعاد سؤاله : ليه ما كليتي ؟
عبير تنهدت : مو مشتهية
فارس يتأمل شحُوب ملامحها : ما كليتي شي من الصبح!
عبير و بدأت الهالات تخطُّ حول عينيْها لتُردف بنبرةٍ مُتعبة : ممكن تتركني؟
فارس : تعبانة ؟
عبير لا تتحملُ كل هذا الوجع من صوته لتسقط دموعها بإنسيابية وهي تغرس أظافرها بفخذيْها، تشعرُ بأن روحها تصعد للسماء بحرقَة، عقد حاجبيْه ليحاول أن يمسح بأصابعه دموعها لتبتعد وتقف : لا تلمسني !
فارس يقف متجهًا إليْها لتلتصق بالجدار : أبغى اساعدك والله
عبير : ما أحتاج مساعدتك
فارس : طيب دام كذا لا تهملين صحتك
عبير بقهر ممزوج بغضب : لآ أهمل صحتي! جايبني هنا وتقول لا تهملين صحتك!!!
فارس بهدُوء : ليه تضعفين ؟ ليه تهملين نفسك عشان تذبحين عمرك مرتين!
عبير بإضطراب أعصابها المشدودة : لو سمحت أطلع برا ماابغى أشوفك
فارس يقترب حتى ألتصقت أقدامهما ببعض : ممكن تهدين عشان أعرف أتكلم معك
عبير بغضب عارم بدأت تضربُه بيديْها وهي تصرخ عليه بإنهيار كل خلية تسبحُ في جسدها : أكرهك .. أكرهههكم كلكم
فارس يحاول أن يُمسك يديْها التي بدأت تضربه بعنف : عبييير
عبير بجنُون : أكرهننني ... أكرههه هالحياة .. يارب أمووت وأفتّك
فارس بعصبية يحاول أن يوقف إنهيارها : عبـــــــــــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــر !!! أهدي
عبير ويتكاثرُ بكاءها بحزنها اللاذع : أكره إسمي .. أكرهه منك . . .
فارس ويجهلُ ماهي الطريقة لإخماد نيران الحزن في قلب الإناث : عبيير يكفي!
يشعرُ بإنشطارِ قلبه بدموعها وببكاءها، ضُعف أن يرى دمعةُ من سلَّمها قلبه ولا يستطيع أن يفعل حيالها شيءً ، لو أُهدىء من خيبتك قليلاً وأُسكن هذا الحزن فقط.
عبير أرتخت يدِها لترفع عينيْها الغارقة بالملح وبنبرةٍ بحَّ بها البكاء أنفجرت به : راح أدعي عليك كل لحظة بأنك تشوف كل هذا في أقرب الناس لك . . *أرتفعت نبرتها مع قُربه لتحاول أن تدفعه بضرباتها على صدره* الله يآخذك يا حقيير يا قذ . . لم تُكمل من قبلته المفاجئة لها، بترَ صوتُها بشفتيْه وهو يُلصِق ظهرها بالجدار ويثبِّت يديْها بقبضةِ يده، لم أعرف ماهي الطريقة السليمة لإيقاف غضبك، كل ما أعرفه من دراستي أن القُبلة الواحدة كافيَة ببثِّ البرودة لدمٍ سخِن بثورته . . .

،

ينظرُ إليْه بجسدٍ مثقل، لم تعد الخيارات تُجدِي ولم يعد هناك شيءٌ يستحق الحياة، يعرفُني الله ويعرفُ نواياي، ويعرف إضطراري لأفعالٍ لم أكن أريد أن أفعلها، يعرفُ الله أنني لم أخون أرضٌ خلقت منها، ولم أخون أشخاص عاشرتهم حتى شبتُ معهم، يعرف الله أنني حاولتُ بقدر المستطاع أن أحمي أشخاصًا ولم أستطع، أنا آسف لكل شخصٍ ظن بي ظنًا سيئًا ولم أستطع أن افسِّر له وأبرر، أنا آسف لهم جميعًا الذين توقعوا مني الكثير ولم أقدم لهم شيئًا سوى دمٌ مالح، أنا آسف هذه المرة أيضًا لقلبي الذي لم يتنفس الحياة كما ينبغي لرجلٍ مثلي.
عُمر : طيب؟ عندك مهلة لدقيقتين يا مقرن . . ياتجي كشوفاتهم بإيدنا ولا ماراح يحصل لك طيب!
مقرن بلع غصتِه : ما أخونهم
عُمر : أوكي! هاللي شايل همهم تراهم ما طقوا لك خبر . . . فكِّر كويس
مقرن : ما عندي غير اللي قلته!
عمر تنهد : دقيقة ثانية يا مقرن
مقرن مقيّد اليديْن شعر بحُرقة الحزن به، ودّ لو ينظرُ للمرة الأخيرة لقبُور أحبابه الذين سبقوه، إلى الذين سبقوني إلى الله أني على يومنا الموعود أنتظر، أنتظرُ الجنَة.
عُمر يجهِّز سلاحه بدمٍ بارد يوجِّهه نحوه : un . . . Deux . . . Trois . . . . Quatre . . . سافا ؟ أكمل يا مقرن ؟
مقرن تمتم : أشهد أن لا إله الا الله و أشهد أن محمد رسول الله

،

رفع عينِه للسقف يُشعر بأن حركته تُشَّل في هذه الساعة المتأخرة من الليل، أنتظر لوحدِه أمام هذا الكمُ من الخراب الذي يحصلُ لديْه، رفع الهاتف ليتصل على سلطان ولا يُجيب، إلا هذا الوقت يا سلطان لا تنشغل به،
وضع يديْه على رأسه ليضغط بجهةِ إذنيه حتى رفع عينيْه لعبدالله الذي قرأ رسالته وأتى سريعًا، قرأ ملامح عبدالرحمن بصورةِ الخيبة ليُردف مكذبًا إحساسه : وش صار !
عبدالرحمن بوجَع عميق : مقرن وعبدالعزيز . .

.
.

أنتهى نلتقي إن شاء الله بعد الإختبارات على خير.





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 18-01-13, 09:30 PM   المشاركة رقم: 67
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء ( 67 )



بقول حاجة بسيطة :$ بالنسبة للي مستغربين من حالة غادة، أكيد ماني مخترعة مرض من مخي، تقدرون تشوفون تقارير وأفلام وثائقية وحتى أفلام عادية تكلمت عن هالموضوع، إسمه " فقدان الذاكرة الرجعي " يعني يكون واقف عند زمن معيَّن.

+ ورآه مافيه ثقة :( كثير رسايل مكتوب خلاص بتوقفين وماراح تكلمين والخ :( صدقُوني مهما حصَل أنا نفسيًا وكقناعات مستحيل أبدأ بشي وماأنهيه، يجيني إنهيار :P حتى لو كان شي شين لازم أكمله للنهاية فما بالكم بشي يسعدني كثير وأحبه . . إن شاء الله مايردني عن إكمالها شي أبد ()

+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.


المدخل لـ مشعل الدهيم .


وماقلتلك ...

لو جيتني مرّه مطر ...

تلقاني بدوٍ تنتظر !

يستبشرون .. إن جت مقاديمك تغنّي عن حضورك يمّهم ...

من طهرهم ...

البرق .. في تعربفهم يعني حياة ...

والغيم .. صوته أغنيات ..

من غبت عنهم عايشين بهمّهم ..

تفرّقوا ... صاروا شتات ...

وأنت الوحيد اللّي تجي وتلمهم !

وماقلتلك ...

أشيا ( 3 ) باقيه ماقلتلك ...

إنّك مثل حزني ... قدر !

وإنّك مثل ليلي ... سهر !

وإنّك عمر ...

والعمر ... مرّه بالعمر !

والعمر ... مرّه بالعمر !



عبدالعزيز يبلع ريقه لينظر للسلاح المصوَّب نحوه، عدّ في داخله للخمسَة حتى دفع نفسِه على الأرض لتنطلق الرصاصَة بإتجاه النافذة، تساقط الزجاج كمطرٍ حاد، يغرزُ في الأرض ندبات البشر، ندباتُنا نحن الذين تعبنا من المسير، أخرج سلاحه ليصوِّبه نحو جسد عبدالعزيز الملقى على الأرض، وقف بثبات وهو ينظرُ للرصاصة الجادة جدًا نحو قلبه.
رائد بخفُوت : وش حاول تسوي؟ تهرب؟ . . غبي! غبي جدًا ما ورثت من أبوك ربع ذكاءه
عبدالعزيز يتقدَّم، يعاند الخطوات، يقف بإتزان أمام رائد، ولا يفصله عن فوهة السلاح سوى سنتيمترات قليلة، رائد رفع حاجبه : ودِّك تموت؟ مستعجل مررة! ولا عشان تعرف أنه مصلحتي بحياتك تحاول تتحداني
عبدالعزيز بهدُوء : أنا أوافقك أني ممكن سويت أشياء غبية بحياتي! لكن ما وصلت لمرحلة الغباء، ما وصلت لمرحلة أنه ينضحك عليّ لمدة سنة وأكثر
لم تُختم كلماته بإطباق شفتيْه، خُتمت بضربةٍ رفع بها رائد ركبته ليضربها ببطن عبدالعزيز، تراجع عدة خطوات للخلف متجاهلاً ألمُ معدته الخاويـَـة : شايف! ماحاولت أهرب! أنت محاصرني ومع ذلك قدرت أهرب من رصاصتك! . . شايف الفرق! أنا قادر . . قادر أني أفلت منك بهذا *أشار لرأسه*
رائد بإبتسامة متشبعة بالخبث : تفضل أهرب . . يعجبني النضال والدراما اللي مسويها . . *يصفِّق بحرارة ساخرًا*
عبدالعزيز أبتسم بمثل إبتسامته : طول عمري درامي! ممثل قدر يلف عليك
رائد تختفي إبتسامته : تحاول تستفزني! لكن بدري عليك
عبدالعزيز : بدري عليّ؟ بما أني وحيد ماعندي شي أخسره على قولتك! . . العقد ماراح أوقع عليه يا سيادة الجوهي
رائد أخذ نفس عميق ليُردف ببرود :. آممممممم تعرف أني مآخذ من فارس شاعريته .. بضحكة عميقة مُستفزة أردف . . . بنت الفتنة! صاحبة الشعر البني ذكرني بإسمها! . . . ما تتذكرها! معليش أوصف لك أكثر . . . *يُخرج طرف لسانِه ليُشير لحركة رتيل التي رآها*
يقاطعه وهو يركل الطاولة التي أمامه لتأتِ بمنتصف سيقان رائد، صخب بضحكاتِـه : واضح أنه ماعندك شي تخسره
عبدالعزيز أغمض عينِه لثواني، ليتقدَّم بخطواتِه الهادئة ويركز نظراته لخلفِ رائد، كانت كلمات سلطان تُعاد على رأسـِه، كان حضُوره قوِي في عقله وحنجرته الرجوليَة العنيفة التي تلفظ بغضب " هذي الحياة ما هي هبَة يا عزيز! ما تصرف عليك ولا تعطيك بدون سبب! ما راح تطبطب على كتفك إذا فقدت أحد! . . إذا عطتك في يوم تأكد أنها راح تآخذ منك شي . . لأنها ماراح تبقى لنا! ماراح تجيك عشان قلبك أشتاق! ماراح تجيك عشان قلبك يبكي عليهم! ماراح تجيك هالحياة عشان نَفسِك بشي! . . إلى هنا ويكفي! تحملت فوضويتك بما فيه الكفاية! كلمة ثانية وأقسم بالذي لا إله الا هو راح أبدأ أعاقبك بالحجز! . . . مفهوم ولا أعيد كلامي من جديد يا سعادة المراقب عبدالعزيز "
أستغرق دقائقه وهو ينظرُ لِمَ خلفه بطريقةٍ مُريبة حتى يُشتت إنتباهه ليكسب عندما رآهُ يلتفت، سحب ساق رائد بقدمِه ليأخذ السلاح من جيبِه، وضع الفوهة بإتجاه رأسه ليلفظ بخبث : أنا آسف لأني في كل مرة أصدمك بنفسك . . . الحين يا حبيبي رائد ممكن تخلي حرسك يبعدون عن طريقي عشان ما يصير شيء يخليك درامي والعياذُ بالله . . . ولا تنسى ترى راسك يبونه يعني جثتك مجد ليْ
رائِد إبتسم وبداخلِه براكينٌ من القهر تفور : كنت عارف أنهم ما جابوك عشان يدربونك عليّ!
ضحك عبدالعزيز ومنذُ فترة طويلة لم يضحك بهذه الطريقة العدوانيَة ليُردف وهو يليِّن نبرته بطريقة طفولية : شيء مؤسف والله . . بنبرةٍ هادئة أكمل : أرجعك شوي لورى! وش سويت فيني! حرقت جلدي بالليمون . . صح ولا أنا أتخيَّل
رائد : لقيت فرصتك تنتقم
يحاوط رقبَة رائد من الخلف ليشدَّها نحوه حتى ألتصق رأسُ الجوهي بصدره : أضف لمعلوماتك المهمة! أني مزاجي حتى بإنتقامي . .
أفلته حتى يسعلُ من بعد أن أختنق بقبضة عبدالعزيز : برافو! أحييك بس صدقني ورب العزة لا أخليك تندم على اللحظة اللي مديت فيها يدِك
عبدالعزيز ينظرُ للتاريخ الذي يُشير للثامن عشر من اكتوبر في جدول التقويم المعلَّق وبنبرةٍ ساخرة ممتلئة بالغرور : أسمح لي يا سيدي حسب المادة الثامنة عشر من دستور عبدالعزيز سلطان العيد الذي ينص على مرتكب الحماقة بأن يعاقب بإسقاط شرعيْته أمام من يتولاهم بما فيها هيبته مع كامل الأسف لمعاليك. . يالله قدامي وجِّه يا معالِيك أوامرك لحرسك
رائد تنهَّد وهو يشتعل كما لم يشتعل من قبل، يشعُر بقهرٍ لا يساويه قهر، وكأنه لأول مرةٍ يُقهر! أو رُبما لأن هذه المرة الأولى التي يُستصغر بها بهذه الصورة! سلطان العيد بقوته لم يستطع أن يتجرأ عليه ومن بعد سلطان بن بدر أيضًا لم يستطع ويأتِ الآن شاب بعُمر فارس يتجرأُ بكل وقاحة! إنهم يلعبون بالنار.

،

على بُعدٍ قريب، أرتخت يدِها لترفع عينيْها الغارقة بالملح وبنبرةٍ بحَّ بها البكاء أنفجرت به : راح أدعي عليك كل لحظة بأنك تشوف كل هذا في أقرب الناس لك . . *أرتفعت نبرتها مع قُربه لتحاول أن تدفعه بضرباتها على صدره* الله يآخذك يا حقيير يا قذ . . لم تُكمل من قبلته المفاجئة لها، بترَ صوتُها بشفتيْه وهو يُلصِق ظهرها بالجدار ويثبِّت يديْها بقبضةِ يده، لم أعرف ماهي الطريقة السليمة لإيقاف غضبك، كل ما أعرفه من دراستي أن القُبلة الواحدة كافيَة ببثِّ البرودة لدمٍ سخِن بثورته، قُبلة واحِدة كافيَة لتزداد رئتيْكِ إنتفاخًا لتأخذ حاجتها من الأكسجين، لتتخلص من نواتج الإحتراق وتُزيد نشاط غدَدِك المشدودة، قُبلة يا عبير كافيَة لإنبساطِ عضلاتِ رقبتِك ووجهك المنتشيَ بالغضب، تُجبريني على إستعمال طرقٍ تُغضبك، تُجبريني على تعنيفك بخفّة، ولا تسأليني عن هذا التناقض؟ أنا رجلٌ التناقضات، رجل الضد في كل الأمور، درستُ شيء ومارست شيءُ آخر، لم أوجه الحُب نحوك بوضوح رُغم أني شفافًا والسبب يعُود لك، يعُود للعائلة التي تنتهي بإسمك.
أغمضت عينيْها، ليخفُت جسدها بضوءه ويشحب، أولُ قبلَة ماذا تعني؟ أولُ إلتصاق يحمَّرُ به جسدي، هذا الإرتفاع الذي أصعدُ عليه بقلبٍ يفقد سيطرته على نفسه، هذا الشاهق الأسمر الذي أنتظرتُه كثيرًا أتى بريحٍ أقتلعت جذوري، يالله! هذا حقيقي! ليس وهمًا! للمرةٍ الأولى أشعرُ بأن أحدًا يرفعني للسماء ويُسقطني، يُسقطني بقوةٍ لا يتحملها جسدٌ ناعم، عاقبني الله بك أشد عقاب، عاقبني الله بأبيك، وبك! لا حق يضيعُ في هذه الحياة، حقُ المعصيَة، حق تجاوزي كان لابُد أن يرَّد في الدنيَا قبل الآخرة، هل يحق لي أن أقول " آخ " في ضيق ملامحِك، في إتساع صدرِك وتشعبه؟ هذه الشفتيْن تقتلع قلبي من محجره، تمتصُ أوردتِي وشراييني، إنها تُسقطني جافَّـة، آخ من هذه الدنيَا ومن الحياة التي لا تستقيمُ لي، آخ من عينيْك المُشتعلة و سُمرتك الشاهِقة، لِمَ أنا بهذا التناقض؟ لمْ أواجه حبك بأمرٍ إختياري، كان حُبك أكبر من كل شيء، أتى حُبك بضراوة شديدة، أفقدني القدرة على التحكم بالأشياء التي تخصني، أفقدني كل شيء، لم يكن حُبك صالِحًا مُسالِمًا، كان حُبك نزعة تطرفيَة إتجاه أحكام هذه الحياة، كان طعنًا في خاصرة الإستقامة، كان حُبك : مآسآة . . مآسآة جميلة.
أخترق صوتُ إرتطام الزجاج بالأرض حاجز شفتيْهما، ليبتعد خطوة للخلف دُون أن ينظر إليْها وصدره يهبط بشدَّة ويعلُو بذات الشدة وكأنه للتو خرج من معركَة تصنَّف تحت بند فارسيٌ حساس، أعطاها ظهره ليخرج بخطواتٍ سريعة ويتركها " غرق ".
جلست على ركبتيْها والبرودة تجمِّد أطرافها، مدَّت كمها لتقسُو على شفتيْها الناعمة وهي تمسح أثر قبلاتِه، نزل دمعها المنتشي بحرارةِ أنفاسِه، كان قريبًا . . قريبًا جدًا يالله!، كان مؤذيًا، لمن أشكُو؟ لمن أشرح كيف لرجلٍ أن يُمسك زمام عاطفتي؟ عاطفةُ الأمومة التي تكبرُ معي وعاطفَة الصبيَة التي تصبرُ على برودي، بكل عواطف المرأة التي جُبلت عليها، أنا أضيع .. أتوه ولا أحد يقول: أنا معك، من يتوقع أن أكون محاصرة برجل لا أتوقع أن أبي رآه قط؟ من يتوقع أن أتزوج بهذه الطريقة؟ من يتوقع أن إبنتك يا أبي يُصيبها الدوار بقُبلة؟ أنا التي كنت أشعر بأن أولُ قبلة ستكون في حياتي تحت إطارٍ عاطفِي رقيق لرجلٍ يحبني بدوافعٍ كثيرة من أهمها " أني عبير "، هذا مالا طاقة لي به يالله! ليس لي طاقة بأن أصطبر على هذا العذاب . . عذابُ ضميرِي وعينيْه.

،

يُمسك سبحته ليُبعد الخرزات المنتظمة واحِدة واحِدة بوقارٍ وسكينَة، كان تدق الخرزات السوداء المزخرفَة ببعضها البعض بصوتٍ يقتلع قلبها لحظة ويُعيده لمكانها، تحاول أن تتأكد، تتأكد من الكلمة التي نطقها ومن النبرَة ذاتها " تُركي !!! "
ألتفت عليها بعد أن أنتبه للصمت، نظر إليها نظرة واحدة كافيَة بأن تُشعل وجهها إرتباكًا ورجفَة، رفع حاجبَه ولا يعجز عن مسألة ترجمة ملامحها، وقف لتعُود للخلف عدة خطوات وعينيْها تزداد حُمرة، إختصَر بقيَة المسافَة بخطوتيْن طويلتيْن ليُردف : مين؟
لم يعد لها القدرة على التحكم بصوتها الذي فلت منها لينزلق بمسارٍ ضيِّق، تشعر بأن كل شيء في جسدها يُعيش دوارٌ حارق، حتى لسانها.
سحب الهاتف من كفِّها ليستمع لنبرتـِه المبحوحة كبحَّتها، الحزينَة كحزنها، الضيِّقة كضيقها، الباكيَة كبكائها، الهادئة كهدُوءها، أيشابهها أم أنا الوحيد الذي يشعر بأن كل شيءٍ يفعله يُشبهها!
تُركي : الجوهرة! . . . بس أسمعيني هالمرة . . أنا أعرف! أعرف أني سرقت منك كل أحلامك، سرقت حياتك ومستقبلك بلحظة، جردِّتِك من أغلى شيء تملكينه، بس . . كنت معمي . . كنت أشوفك كل شيء، ومازلت إلى الآن مو قادر أبعدك من أحلامي! من نومي . . . تخيلي الدكتور يحسبني مجنون! يعاملوني كأني فاقد عقلي! كل هذا عشان . .
بصوتٍ يُزلزل أركان الجوهرة قبل أن يزلزل أيّ جسدٍ آخر يُقاطعه : عشان؟ . . إلى الآن ما تغيَّرت! ما حاولت تصلّح وضعك! الحين تأكدت بأن حقك بالحياة سقط ومحد بيلومني على اللي بسويه! سقط يا تُركي وأقسم بالذي لا إله الا هو ما راح يبقى فيك عظم صاحي . . . أغلقه ليرمي الهاتف بقوَّة على الجدار، ألتفت إليها وهي ترتعش لينظر إليها بنظرة تُميت وبشدَّة، هذه النظرات أعرفها، هذه النظرات لا أنساها، ذاتها التي كان يراني بها أولُ مرةٍ أستمع بها الخبر، ذاتُها التي لم يكررها سوى مرَّة! مرَّة وجعلني أموت! يالله!! كم مرةٍ مُت على قيد هذه الحياة؟ كم مرَّة قلتني بعينيْه، كم مرة يا سلطان؟ من أجل الله كيف لنظراتِك أن تقتلع قلبي وتُعيده! من أجله كيف لهذه العينيْن أن تكون هُنا! على هذه الأرض التي لم تحاول أن تتعايش معي! لمْ تحاول أن تربت على كتفي وتصاحبني معها.
الجوهرة تُغمض عينيْها بشدَّة تُشبه شدة الضربات على صدرها الصادرة من قلبها وهي تستندُ بذراعها على طرفِ الطاولة،
سحبها من زندها لترتطم بصدره دُون أن تضع عينها بعينيْه، بحدَّة : كنتِ بتخبين بعد؟ لو ماني موجود الله أعلم كيف بعرف! . . عُمرك ماراح تتغيرين .. مثله تماما!
خرجت حصَة مهرولَة بفزع : سلطان! .. نظرت للهاتف المتفكك على الأرض! لترفع عينيْها إليه بلومٍ عميق.
سلطان بصوتٍ هادىء ظاهريًا ومن داخله يحترق بنارٍ لاذعة : طيب . . أبتعد بخطواته ليُعطيهما ظهره.
حصة : وش صاير لكم؟
سلطان ألتفت بجنون وصخب ليعتلي صوته بإنفجار وهو يُشير بسبابته نحوها وكأنه يُشير بسلاح من شأنه أن يرتجف جسدها، هذه السبابة المتجهة نحو قلبها تقتلها : حسبي الله عليك! بس وربِّك لتلقينها بحياتك دام أنا حيّ !
حصة أتسعت محاجرها بالدهشَة لتُردف : تهددها قدامي! ما عاد في وجهك حيا!! هي ما تشتغل عندك عشان تلومها وتلوي ذراعها عند أيّ زلة! وش قدمت لها إن شاء الله عشان تحاسبها! ما تطلع منك كلمة حلوة وتبيها ملاك ما تغلط أبد هذا إذا غلطت فعلاً! . . أصحى على نفسك شوف أغلاطك .. شوف وش مسوِّي بهالمسكينة يومك تبيها كاملة منزهة!
سلطان : لو سمحتي عمتي
حصة بحدة تشدُ بها نبرتها وهذا الغضب لا يعتاده منها : سلطان! للمرة المليون أقولك أنت منت عايش بروحك بهالعالم! ولا كل هالعالم يطلب رضاك! أعرف هالشي وأصحى على حالك
سلطان بغضب نرجسي : إلا هالعالم واقف على بابي وأسألي اللي وراك تثبت لك بعد!
الجوهرة تضمُ ذراعيْها ولا صوتُ يخرج، عادت للسنوات الماضية بتصرفها هذا، عادت للسنوات التي يحتبسُ بها صوتها حتى تنسى شكلُ ولون نبرتها.
تركهما ليتجه نحو مكتبه المنزلي القريب، دفع الباب بقوَّة ليضجّ بأسماعهم، عادت إليْها لتشدَّها بلطفٍ نحو صدرها: أشششش خلاص يا روحي!
الجوهرة من بين طوفان بكاءها: يظلمني كثير
حصة غرقت بالتفاصيل، بالتأكيد أن هناك شخصٌ أستفز سلطان خلف السماعة، ولكن كيف يستفزه؟ هل بمعرفته بالجوهرة! من المستحيل أن تتحدث مع أحدٍ لا تعرفه، يالله يا سلطان على غضبك الذي يؤلمك قبل أن يؤلمها، تنهدَّت لتُردف : يهدأ ويرجع لعقله . .

،

فتح الباب لتتسع عينيْه بالدهشَة، ينظرُ لجسدِ والده الذي يقف خلفه عبدالعزيز ومصوِّب ناحيته السلاح، كيف فلت وكيف أمسك بوالدِي بسهولة هذا مالا يستوعبـه.
عبدالعزيز ينظرُ إليه بنظراتٍ يفهمها فارس كثيرًا : ممكن تبعد!
فارس : عبدالعزيز!
عبدالعزيز بنبرةٍ مبطنة : زوجتك وتحت جناحك ... أظن أننا متفقين
فارس تنهد : ممكن تبعد السلاح
رائد بسخرية : كفو على ولدي الحين بيبعده
عبدالعزيز : طبعًا لأنك فاهم الرجولة بالضرب وبالصوت! أكيد ماراح تعجبك تصرفات ولدك .. بس خل فارس يقولي مرة ثانية أترك السلاح وأنا أتركه قدامه
رائد ولا ينفك عن السخرية : الله على الصداقة والتضحية! . .
عبدالعزيز ينظرُ لفارس : تبيني أتركه؟
فارس بغضب يضع كفِّه على جبينه يحاول أن يتزن بتفكيره للحظة
رائد بغضبٍ من تفكيره الذي بموضعٍ لا يحق له أن يفكر : وتفكر! يا خسارة تربيتي فيك!
فارس : من ناحية تربيتك فهي خسارة فعلاً! بس قلت لك من قبل لو تذبحني مقدر أقولك شي
يُكمل بصوتٍ يعتلي بنبرته : قلت لك من قبل لو أسوي أسوأ الأشياء بحياتي مستحيل أضرك بشي! مستحيييييييييل وليتك تفهم معنى مستحيل . .
رائد بهدُوء : طيب وريني!
عبدالعزيز : غبي! جدًا غبي حتى ولدك عجزت تفهمه
رائد ولم يعتاد على هذه الأوصاف أن تقال بوجهه ليلفظ بغضب : معليش يا سموّكم أنزل شوي لعقلي
عبدالعزيز : هههههههههههههههههه . . ممكن تبعد فارس .. أنا فعليًا ما عدت أتحمل أبوك
فارس تنهَّد : لا . .
عبدالعزيز عقد حاجبيْه : فارس!!!
فارس : لو سمحت
عبدالعزيز يتقدم بخطواته نحو الباب ليُردف بذكاء نحو الحارس الواقف : كل رجالك خلهم يجوني الحين وهنَا!
رائد يُشير بعينيْه ليفهم الحارس ويذهب.
أبتعد عبدالعزيز قليلاً عن الباب ساحِبًا رائد معه : ننتظر كلابك تجي على فكرة لا تحاول تخدعني فيهم! عارفهم بالعدد!!
ثوانِي قليلة حتى أصطفُوا جميعهم أمامه لينظرُ إليهم بتفحص وهو يعدهم بداخله : ناقص واحد!
: كاملين
عبدالعزيز : وأنا أقول ناقص واحد! ماأشاورك إذا كلامي صح ولا غلط . . مفهوم؟
: مفهوم لكن مافيه أحد غيرنا اليوم
عبدالعزيز بسخرية : عاد أخترع لي واحد!
رائد : وش رايك بعد نطلع أبوك من قبره عشان تقتنع حضرتك؟
عبدالعزيز يضربه بفوهة السلاح على مؤخرة رأسه وبحدة أشتعل غضبًا : أبوي لا تطريه على لسانك!
فارس يلتفت لأحدهم : روح نَاد حمد!
ويقذفُ شتيمته بوجه إبنه ليضحك عبدالعزيز بإستفزاز صريح لرائد، ينتقم منه بهدُوء، كل التعذيب الذي سكبه رائد عليه لا شيء عند إستفزازه.
أتى حمد ومعه الآخر ليقفَا مع زملائهم، وبإستهزاء كبير : جيب الكيس اللي وراك
أخذ حمد الكيس ليلفظ عبدالعزيز : حطوا فيه أسلحتكم!
رائد بغضب يضرب بقدمه على الأرض، لا يتحمل كل هذا الإستهزاء به وبقوتِه.
عبدالعزيز بصوتٍ مستهزء : معليه يا رائد تحمَّل الهزيمة . . مو كل مرة تفوز
وضعوا أسلحتهم جميعًا في الكيس، عبدالعزيز يحبسُ ضحكته المنتصرة : أفتح الشباك اللي وراك وأرميهم.
عبدالعزيز ينظرُ للمكان نظرةٍ أخيرة حتى يتأكد من هربه بأمان، أردف : مفتاح الشقة وين؟
فارس بغضب : إلى هنا ويكفي!
عبدالعزيز بجدية : أنا آسف
فارس يقترب بتحدي كبير له : عبدالعزيز لا تنسى أنه في بني آدم تحت!
عبدالعزيز بحدة : أبعد عن طريقي مو من صالحك! . . . ليوجه نظراته للواقفين أمامه . . وين المفتاح؟
حذفه أحدهم لتلتقطه كفُّ عبدالعزيز ، أقترب بخطواته ليُرغم فارس على الرجوع للخلف قليلاً، . . أتجه نحو الباب ليبدأ خطواته عكسيًا وهو ينظر إليهم مهددًا . . ثواني فاصلة حتى فتح باب الشقَة وسلاحه مصوَّب على رأس رائد، بكل ما أعطاه الله من قوَّة دفع جسدِ رائد للأمام حتى خرج وأغلق الباب عليهم، ركض للأسفل.
رائِد بغضبٍ يُقيم جحيم الدنيا أمامه : يا ************ على أيش واقفين!
بأقل من ثانية بدأوا ينتشرون ويختفُون من أمامه، أقترب من فارس وهو يقذف عليه تهديده : هي كلمة وحدة بقولها لك! راح تدفع ثمن غلطتك معي
في جهةٍ أخرى أستغرق بركضِه الكثير حتى خرج من المنطقة البائسة/المشتعلة، أوقف التاكسي ليركب بتنهيدة الراحة والخلاص من كل هذا العذاب.

،

في آخر الليل بعد ساعاتٍ طويلة من ضجيج باريس،
وضع يديْه على رأسه ليضغط بجهةِ إذنيه حتى رفع عينيْه لعبدالله الذي قرأ رسالته وأتى سريعًا، قرأ ملامح عبدالرحمن بصورةِ الخيبة ليُردف مكذبًا إحساسه : وش صار !
عبدالرحمن بوجَع عميق : مقرن وعبدالعزيز . .
عبدالله : عبدالرحمن تتكلم بالقطَّارة!
عبدالرحمن بغضب : قتلوا مقرن! . . إحنا الأغبياء اللي ما قدرنا نوصله ونحميه والدور على عبدالعزيز . . لأنه هرب .. هرب ياعبدالله وهو يحسب أنه اللي يلاحقه رائد وبس! فيه اللي أكبر من رائد وليته يفهم
عبدالله مسك جبينه الذي تعرَّج، زميلُ العمل وصديقُ سنواتٍ كثيرة يموت هكذا! دُون أن يلمس قلوب من تجرأوا عليه الندم : كيف وصلك الخبر؟
عبدالرحمن : يعرفون العناوين زين! يحاولون يحرقون قلوبنا بكل شي . . ما يخافون . . والله ما يخافون .. يسوون الجريمة ويعترفون فيها!
عبدالله : يمكن يحاولون يهددون وبس!
عبدالرحمن جلس على الكرسي بإنكسار، لا يتحملُ موت من يعز عليه، أأحزن عليك يا من أنجبته لي الحياة أخًا أم أحزن لأني كنت وضيع وأسأت الظن بك! على من تحديدًا يجب أن أحزن يا مقرن؟ يارب السماء أرحمني وأرحمه. أرحم ميتنا.
عبدالله يجلس لترتفع الحُمرة لعينيْه بعد أدرك أنه هذا الأمرُ حقيقة واقعة، بعد كل هذه السنوات! هجرنا البكاء، نحنُ الرجال كنا نهجر البكاء ونضعه خلف ظهورنا ولكن دائِمًا ما يصفعنا، دائِمًا ما يجيء بهيئة حادة تكسرنا، نحنُ الذي لم نعتاد على الملح و ماءه ليتنا لم نتذوق الحياة.
ترك المصعد الكهربائي الذي طال به حتى صعد بالسلالم وهو مفزوع من إتصال بوسعود به، بهرولة جرى نحو مكتب عبدالرحمن المفتوح لينظر إليهم بدهشة : بو سعود!
رفع عينه لمتعب الذي كان لزامًا عليه أن يتصل عليه ليجهِّز بعض الملفات ويُعيد فتح القضايا من جديد وبأسرعِ وقت.
متعب برهبة بعد أن طال المكوث أمامهم : بو بدر صاير له شي؟
عبدالرحمن يقف رُغم كل الهزائم المعنوية والحسيَّة، رُغم هذه الحياة التي لا تُصيب بحظٍ معه : لا . . مقرن
متعب برجفة صوته : وش صار له؟
عبدالرحمن شعر بأنه يختنق، بأن صوته لأول مرةٍ يضعف هكذا، في وفاة زوجته كان حزنه يحبس صوته والآن يُعيد نفس الحزن سطوته على لسانه، نظر إليْه بنظرةٍ أنكمش بها قلب متعب.
هدأت أنفاسه المهرولة وعينيْه تحمَّر بدرجةٍ مرتفعة : أسمح لي شوي بس . . عن إذنكم . . . وخرج متجهًا لدورات المياه، دخل ليضع يده على المغسلة منحنيًا بظهره، يشعرُ بأن قوَّاه تتضاءل وكل مافي هذه الحياة يتضاءل، وصوتُه، صوتُ مقرن يتوسطُ عقله وتفكيره، وكلماته وضحكاته تعاد عليه بصورةٍ مُفجعة له.
" مقرن بضحكاته يقف تحت شمسٍ حارقَة وهو ينزل نظاراته الشمسيَة: تعرف وين المشكلة! طبعا غباءك موضوع منتهيين منه لكن يخي عجزت أرقع لك! مرة مع بوبدر ومرة مع بوسعود! خلاص أعفيني ماعاد بتوسط لك لأنك بصراحة منت كفو "
كم مرةٍ ستر علي بمصائبي المتكررة في العمل وكم مرةٍ تجاوز عنِّي وحاول إصلاح أخطائي، كم مرة يا مقرن حاولت أن تُلطف غضبهم عليّ، لِمَ يجيء الموت خاطفًا هكذا؟ أريد أن أعرف لِمَ لا يُمهّد لنا هذا الطريق بأعراضٍ قبله.
سقطت دمعته الحارِقة على خده الخشن، شدّ على شفتيْه وأنفاسه تزيدُ إضطرابًا، مات؟ هذه الحقيقة التي يجب أن يستوعبها.
فتح الصنبُور ليغسل وجهه بماءٍ بارد يحاول أن يخمد به نيران روحه، في مكتب عبدالرحمن أعطاهُ ظهره لينظرُ للنافذة، كان يحاول أن لا تسقط دمعته أمام عبدالله، يشعرُ بالحرقة تصل لعنقه، تلألأت عينيْه بالدمع المحبوس وهو ينظرُ لساحة التدريب المُظلمة، من ألوم؟ هل ألوم نفسي التي فرطّت بُبعدِك؟ ليتني رأيتك يا مقرن! ليتني فقط فهمتُ منك لِمَ حدث كل هذا! ليتني شرحت لك كيف شككنا بك! أنا يائس جدًا! يائس من هذه الحياة ومن إستقامتها، يائس من بقائكم حولي، شخصٌ يغزو الشيب رأسه بمن يجب أن يُفكر؟ هل يُفكر بالحياة أم الموت! إني أفكر به أكثر من تفكيري بشيءٍ آخر، مُتصالح معه من أجل نفسي ولكن لستُ متصالح معه مع غيري، كيف أستوعب أنك رحلت! والله وبالله وتالله لأجعلهم يدفعون ثمن دماءك غاليًا، الآن فقط أدركت بأن التعامل المثالي وفق القوانين لا يفيد! إن العدالَة لا تُقام على أرضٍ هشَّة، إن العدالة هي الإنسان، قضيتُ طوال عمري أبحث عن العدالة . . عن رفع الظلم ولكنني لم أعدِل.
عبدالله بمحاولة أن يصغِّر ألمه : مين لازم يكون ثابت بعد كل هالظروف؟ عبدالرحمن عارفك ما يهزِّك شي . .
عبدالرحمن يلتفت عليه وبحديثٍ غاب لسنوات يعرِّي قلبه : هنا الوجع . . *يُشير لصدره* . . قاعد يروحون مني واحد ورى الثاني يا عبدالله . .
عبدالله يغمض عينِه ليُرجِع تلك الدمعة لمحجرها : هذي الحياة! . . وش طالع بإيدك عشان تسويه!
عبدالرحمن بإنكسار مجموعة رجال، بإنكسارهم جميعًا يلفظ : وين العدالة يا عبدالله؟ سنين وسنين وهُم نفسهم يحاصرونا! ندفنهم فترة ويرجعون يطلعون! . . وينها العدالة اللي كان لازم يروحون فيها هُم مو مقرن! . . مو سلطان العيد . . وينها العدالة اللي تخلي غادة تضيع؟ . . قولي بس ليه كل ما تقدمنا خطوة رجعنا 100 خطوة لورى! يا عبدالله أنا بالطقاق بس هُم! . . وش ذنبهم؟ . . وش ذنب أهلهم؟ وش ذنب عيالهم ؟؟ . . كيف يعيشون؟ أنا من تركت بناتي وأنا نومي ماأتهنى فيه كيف هُم ؟ .. سقط على الكرسي بحزنٍ يتغلغل بأعماقه ليُردف بنبرةٍ يخدشها بحة البكاء . . بهالمكان وش كنا نقول قدام بعض؟
بصوتٍ تعتلي نبرته حرقَة : أنا و أنت و بو بدر وبوعبدالعزيز . . وش كنا نقول يا عبدالله؟ . . إننا نموت ولا ينلمس طرف واحد هنا! . . لكن . .
بنبرةٍ تجعلُ كل الأشياء تصغي له، بنبرةٍ متعبة ضيِّقة، بنبرةِ رجلٍ يُعاني ويا شدة المعاناة، وقف متعب بعيدًا قبل أن يلاحظوه وهو يستمع لحديثٍ شفاف لم يستمع له من قبل : لكن قتلوه! بس ما متنا . . ما متنا يا عبدالله . . وين العيب؟
عبدالله : انت تنهار!
عبدالرحمن أغمض عينيْه ليضغط عليهما بأصابعه ودموعه تتجمع خلف جفنه، ليُردف : ولمّا ننهار . . أعرف أننا ميتين . . ميتين بهالحياة
عبدالله يقف لا يتحمَّل وضعية هذا الحُزن الذي قّذف بقلوبهم بكل قسوة : بهالوقت بالذات إحنا محتاجين صلابتك
عبدالرحمن : تعرف شي ياعبدالله! أنا كاره نفسي مو بس عشان مقرن . . كاره نفسي لأني أقتنعت بأني ظلمت . . أنا اللي قضيت عمري أنادي بالعدالة . . ظلمت
عبدالله : ما ظلمت أحد . . الموت قدر من الله
عبدالرحمن : كم مرة متنا على هالحياة ؟
عبدالله شتت نظراته، لن يجد أكثر من هذا السؤال ألمًا، لن يجد أكثر من هذا السؤال حيرةً، جلس على الكرسِي بقلة حيلة، أضطربت أنفاسُ متعب بسؤال عبدالرحمن الذي بالتأكيد لن يبحث به عن إجابة، هذا السؤال الذي أتى بنبرةٍ موجعة من حقها أن تكسرنا نحنُ الرجال.
عبدالرحمن : هم يآخذون روحنا، يآخذون روحي اللي بسلطان العيد . . ويآخذون روحي اللي بمقرن . .
أسند ظهره ليرفع رأسه للسقف : يارب . . . . يارب . .

،

يهزُ قدمه على الأرض متجاهلاً هاتفه، متجاهلاً كل صوت يخترق عليه وحدته وغضبه الملتحم مع جلده، ينظرُ للعدَم، للفراغ وهو يغرقُ بالتفكير، يغرقُ بالنيران تمامًا، نظر للباب الذي يُفتح لتطل عليه عمته بعينيْن حزينَة.
أعاد نظره بعيدًا : ماني طايق أتكلم بكلمة! لو سمحتِ
حصة : سلطان لا تسوي في نفسك كذا . . والله مو قادرة أنام وأنت بهالحالة!
سلطان يضغط على القلم ليُصدر صوتًا مزعجًا به في كل ثانية مستفزًا عتمته الذابلة على كتفه.
حصة : سلطان حبيبي . . . أقتربت منه وما يفصلُ بينهما مكتبٌ خشبي : ممكن تروح تصلي لك ركعتين تهدي فيها! من الساعة 7 وأنت هنا!
سلطان تنهّد ليلتفت نحوها : عمتي أتركيني
حصة بضيق : لآتقول عمتي! أنت ماتقولها الا لما تكون متضايق مني وأنا ماأقوى يا سلطان
سلطان : طيب يا حصة ممكن تتركيني بروحي
ويتجمعُ الدمع بعينيْها : قوم معي
سلطان يقف متجهًا إليها، دموعها تهزمه على الدوام : مو بس ماني طايق أتكلم، أنا حتى نفسي مو طايقها! خليني براحتي يا روحي
و كلمته الأخيرة من شأنها أن تُبكيها وتجلدها بعذاب الضمير، أخفضت رأسها لتُردف : مدري الحق مع مين ولا مين! بس والله خايفة عليك وخايفة عليها
سلطان أخذ نفسًا عميقًا : أنا آسف أني عليت صوتي عليك
حصة بدمعٍ يجهشُ بعينها : أكره نفسي والله لما تسوي كذا!
وضع ذراعه على كتفيْها ليخرج بها وتسقط عيناه عليها، أبعد نظره عنها بإستحقار ليتجه نحو غرفة عمته، جلس على السرير الذي بجانبها : تصبحين على خير
حصَة : ما أبيك تتضايق مني بس . .
سلطان يقف ليُقاطعها وينحني بقُبلة على جبينها ويُرضيها بأقرب الأشياء إلى قلبها وبأكثر الكلمات حُبًا إليها : يالله يا يمه نامي!
حصة وتحزن فوق حزنها : اللي تسويه فيني تعذيب يا سلطان
أبتسم بهدُوء : نقولك عمة ما يعجبك! نقولك حصة ما يعجبك! نقولك يمه ما يعجبك! طيب يا أم العنود تآمرين على شي؟
حصة تنظرُ للسقف: بس أرحم نفسك وأرحمها معك
تبتعد إبتسامته وتتلاشى : تصبحين على خير يالغالية . . . وخرج ليصعد للأعلى دُون أن ينظر إليها، أخذت نفسًا عميقًا وهي تحاول أن تصمد وتتزن بجسدها الذي بدأ كل عضو به يضطرب، صعدت خلفه وهي تُجهز نفسها لبراكينه، دخلت لتُشتت نظراتها بعد أن رأته يُغلق أزارير قميصِه، رفع عينه إليْها ليترك بقية الأزارير وبنبرةٍ حادة : لو أسمع صوتك ما تلومين الا نفسك!
تشدُّ على شفتيْها من بكاءٍ سيُقذف بعينيْها بحرارةٍ لا تتحملها، تراجعت للخلف لتصعد للدور الثالث وهي تجهش بالدمع، دخلت الغرفة ذاتها التي أصبحت لها قبل فترة، رمت نفسها على السرير لتخنق ملامحها بالمفرش، بكت دُون أن تحاول أن توقف هذا الإنهيار، تصاعد أنينها وهي تغرز أظافرها بالوسادة، إتصاله أعاد لها الكابوس الذي تحاول أن تنسلخ منه، مازال يلاحقني! مازال يجلبُ لي الحزن والمتاعب، لِمَ يا تركي! لِمَ كل هذا؟ شعرت بصوتٍ خلفها، رفعت رأسها ولا شيء سوى ظلها، بلعت غصتها وقلبُها يضطرب بخوفٍ ورهبة من فكرة وجودها لوحدها هنا، نظرت للنافذة وهي تراقب حركة الستائر الخفيفة، برُعب وقفت لتتجه نحو الباب والرجفة تتحكمُ بأطرافها، وضعت يدها على مقبض الباب لتلتفت محاولةً أن تتحدى خوفها، لن يُهينني أكثر! . . . عادت للسرير وهي تنكمشُ حول نفسها والخيالات لا تفارقها، تكره أن تصِل لمرحلة الوهم، هذه المرحلة التي تكره نفسها به، تشعرُ بحرارة أنفاسه قريبة منها، تشعر بكلماته التي تتقزز منها تقذف بإذنها، تشعر بجسدِه يلامسها، لا قوة لها أن تتحمل هذا، وضعت يدها على أذنها محاولة كتم كل صوت يطوف حولها.

،

أشرقت سماءُ لندن بشمسٍ خافتة تتراكم أمامها الغيُوم المحمَّلة بالمطر، كان ينظرُ للنافذة وتفكيره يغرق كغرق سماء هذه المدينَة، أرتفعت عينِه ليدها الممتدة، أخذ كُوب القهوة : شُكرًا
غادة أكتفت بإتبسامة مُرتبكة لتجلس أمامه على الطاولة . . ما تعرف شي عن عبدالعزيز؟
لايُجيبها بأيّ شيء، مثقل بالوجَع، بالحزن الذي لا يتركه للحظة يهنأ، نظر إليها بنظراتٍ لم تفهمها ليُشتتها نحو النافذة مرةً اخرى ويستقيمُ بظهره، تورطنا جميعًا! الغارقُ بمصائبه لا يخرج منها بسهولة، لن يتركوني! وهذا ما يجب أن أستوعبه في هذه الأثناء، أنا أخسر دائِمًا، لم أتذوق طعم الإنتصار لمرَّة، لم أتذوقه معكِ يا غادة ولم أتذوقه حتى من بعدِك، كل ما حصل كان حقيقة مؤجلة، كانت تستطيل لتغرقني بِك ثم تسحبني بتيارِ هذه الحياة، تسحبُني بشدَّة وتكسرني! . . كسروا مجاديفِ قلبي! كسروها ويا قهري لو أعددتُه لفاضت لندن بنا، يا قهرُ الأشياء التي تسكني فيّ، يا قهرُ الرسائل والمواعيد البسيطة التي كنا نرتديها . . يا قهر " أحبك " التي تموت شيئًا فشيئًا بصدري، لِمَ أشعر أن النهاية قريبة؟ لِمَ أشعُر بأن لا خلاَص من كل هذا! أنا الذي تشائمت كثيرًا ولكن لم أصِل لهذه الدرجة من التشاؤم، لم أصل لدرجةٍ أشعُر بها أنني أريد أكتب وأكتب وأكتب لتقرأينها بعد أن أموت، لم أصِل لدرجة أشعُر بها أن الأيام التي بيننا معدودة و أن النقطة التي ستفصلنا قريبة جدًا. لمن أعتذر؟
غادة بضيق : أرجوك
ناصر يضع الكُوب على الطاولة وبصوتٍ يختنق تدريجيًا : غادة لا تضغطين عليّ!
غادة بحزن عميق يتحشرجُ بصوتها : مشتاقة له كثييير ... كثيييييييير
عقد حاجبيْه : تعرفين وش أكثر شي يكسر الرجَّال؟ . . يكسره القهر ويكسره الحزن بس تبين تعرفين وش أكثر شي يوقف هنا . . أشار لعنقه . . يوقف مثل الغصة ماتروح يا غادة بسهولة!
أرتجف رمشُها بدمعها وهي تشدُ على شفتيْها بأسنانها العلويَة، تحاول منع نفسها من البكاء ولكن لا فائدة.
ناصر: اليأس . . اليأس يا غادة! تبيني أكذب عليك وأقولك عبدالعزيز ينتظرك ولا إحنا راح نقدر نتوقع وش السعادة اللي تنتظرنا بعدين! . . حاليًا أنا متصالح مع نفسي كثير! ماني مقهور منك . . ماني مقهور من شي . . أنتظر بس الرحمة من الله . . في هالحياة اللي أنتِ متأملة فيها كثير . . فيها يا غادة أنا ماأنكسرت بهالطريقة! .. جيتي وكسرتيني بساطة
وقف ويشعرُ ببراكين تشتعل على لسانه ليُكمل : لا .. ما كسرتنيي ببساطة . . كسرتيني بأقسى شي . . كسرتيني باليأس . . وش تبيني أقول؟ . . . . . . . أنا آسف لأني ما عرفت كيف أتعايش مع موتك . . أنا ما عشت . . ماعشت يا غادة أنا بس كنت أحاول أتعايش وما عرفت . . والحين جالس أدفع ثمن غلطاتي! . . ثمن حُبي لك . . . توقعتي بيجي يوم وأقول أنه حُبي لك غلطة؟ . . . . أنا نفسي عُمري ماتخيلت ولا حتى فكرت بيجي يوم وأحس أنه وجودك بحياتي غلط! . . في لندن! في بيكاديلي قلتي لي بالحرف الواحد العُمر مرّة! وأنت عُمر . . تبين تبعدين؟ تبين الفرصة اللي قلت لك عطيني بدالها عُمر . . أخذيها يا غادة ما عاد أبي هالعُمر . . الباب مفتوح تقدرين تطلعين بس عارف أنك ماراح تطلعين . . وحتى لو طلعتي راح ترجعين لأن قلبك ماهو بإختيارك . . قلبك هناا . . أشار لصدره . . .
غادة أخفضت رأسها لتجهش بالبكاء وكأنها تستقبلُ خبر موتٍ أحدهم، رفعت عينها المحمَّرة : طيب ساعدني! . . خلني أحبك من جديد
ناصر وهذا الحوار لا يطيقه، الحوار الشفاف الذي يكشفُ به كل شيء يجعله يتصلب، يفقد إحساسه بمن حوله، يتجه نحو الباب ليأخذ جاكيته البُني ويلتفت نحوها : تذكري! . . صوتك يناديني . . . وخرج ليتركها بزحمة تفكيرها، بزحمة التخمين بماهية جملته الأخيرة، نظرت للسماء من النافذة الزجاجيَة ليطرق بذاكرتها ذاتُ الجملة، أتجهت نحو الحمام لتُبلل وجهها الشاحب ويتداخلُ الماءُ ببكاءها العميق، شعرت بأن سقف هذه الشقة ينام على صدرها ويضيِّقُ على أنفاسها المضطربة، خرجت لتنظرُ لهاتفه الملقى على السرير، أقتربت منه لتفتح المتصفح، كتبت بخانة البحث " صوتك يناديني " وهي تُدرك بأنها لأحدٍ ما، لشاعرٍ يتلاعبُ بعاطفتنا . . ثوانِي قليلة حتى دخل بها على اليوتيوب، سكنَت الغرفة بصوتِ بدر بن عبدالمحسن " تِذكَّر .. جيتي مِن النَّسيان .. ومِن كلَّ الزَّمان الَّلي مضى .. والَّلي تغيَّر صوتك يناديني .. يناديني تِذكَّر "
أرتجفت شفتيْها لتتذوَّق ملوحة دمعها، تكره أن تسترجع شيئًا لا تعرفُ كيف حصَل ومتى حصَل، جلست على ركبتيْها وصوتُه يمرّ عليها وبكلماتٍ تقتلها، كيف للكلمات أن تُزهق قلبي . . يالله!

،

في مركز الشرطة الكئيب في إحدى ضواحي باريس، تنهَّد وهو يمسحُ على وجهه بكفيَّه لينظُر للضابط : فقط!
الضابط : الساعة الرابعة كنت هناك؟
وليد : نعم أتيْت لأتحدث معه ورأيت الشرطة بأكملها في المكان
الضابط : حسنًا تم تسجيل إفادتك . . وقّع هنا
وليد ينحني على الطاولة ليوقِّع ويُردف : ماذا سيحدث له؟
الضابط : ملاحق قانونيًا وهربه يؤكد بأنه القاتل عطفًا على البصمات التي أثبتت أنه قتله متعمدًا
وليد : من الممكن أن يكون هو من تعدّى عليه! إذا أراد قتله لِمَ أتى به إلى بيته؟
الضابط : أصدقاء المقتول أقرُّوا بأن هناك تهديدات من " ناسِر " له، وأن هناك مشكلة بينهما جعلت ناسِر يتصرف بهذه الصورة
وليد : ولكن ليس هناك دليل يثبت معرفة ناصر به يا حضرة الضابط!
الضابط : أعتذر منك ولكن التحقيقات مازالت جاريَة ونحن نبحث عنه . . وبما أنه ليس هناك صلة قرابة بينكما فأفضل أن لا تتدخل بهذه المشاكل أو أجلب له محامي
وليد وقف دُون أن يلفظ كلمةٍ أخرى، خرج بخطواتٍ متوجسَة وهو يحاول أن يتصل عليه ولكن لا إجابَة، جنّ جنون ناصر هذا ما أعرفه، تورط بقضية قتل في فرنسَا! يا سلام على المصائب التي ستأتِ على رأسه . . غبي!
نظر لإهتزاز هاتفه ليُجيب : هلا فيصل
فيصل الذي يذهب ويجيء في غرفته : وينك فيه! صار لي ساعة أتصل عليك
وليد : صديقك الغبي ورّط نفسه وكنت أسجّل شهادتي بمركز الشرطة
فيصل وقف بمنتصف غرفته : لحظة لحظة! مافهمت شي وش صاير؟
وليد تنهّد : لقوا جثة في شقة ناصر! وهرب مع غادة وماأعرف وينه فيه الحين . . كل الأدلة تثبت أنه قتله والحين يلاحقونه!!!
فيصل تجمَّدت أقدامه : قتل مين؟
وليد : فيصل وش يهم هذا!
فيصل : أبغى أعرف إسمه
وليد : ماركزت
فيصل : مقدروا يعرفون هرب لوين؟
وليد : ماأدري يمكن إلى الآن بباريس ماطلع منها
فيصل عقد حاجبيْه : طيب
وليد : ناوي تسوي شي؟
فيصل بتوتر : أكيد . . أكلمك بعدين . . . وأغلقه، مسك رأسه وهو يشعُر بالثقل، بدأ يدُور بغرفته وهو يحاول أن يبحث عن حل، ضرب بيدِه الجدار حتى تألم، يعاقب نفسِه، يتصرف بتعذيبٍ لذاته، يالله لِمَ يحدث كل هذا بهذه السرعة؟ كيف أواجه كل هذه الأمور وحدي؟ لِمَ نحنُ الذين نعيش من أجلهم يرحلون عنَّا؟ كنت أشعر بأني ميِّت في اللحظة التي فقدتُ بها والدي وأشعر الآن بذات الشعور لأني أعرف كيف ستنتهي أمور ناصر! وكيف ستعذَّب بضميري إن لم يعذبوني بأنفسهم! . . يالله رحمتُك . . رحمتُك يا من وسعت رحمته كل شيء . . . أقرّ بكذبي . . بخداعي . . لكن يالله أغفر لي . . أغفر للذين ماتُوا وهُم لا يستحقون، إن كان هُناك أحدًا يستحق العقاب . . هو أنا!
أخذ مفتاح سيارته ليفتح الباب ويجد والدته أمامه
أبتسم بربكة : هلا يمه . . قبَّل رأسها . . تآمرين على شي؟
والدته : وين رايح؟
فيصل : عندي شغل ضروري وبرجع . .
والدته بإبتسامة : بحفظ الرحمن . .
بثواني معدُودة يسابق بها الزمن خرج متجهًا لبيت عبدالله اليوسف، ينظرُ للشارع بعينٍ يهبطُ عليها الضباب، يكره أن يضطر لفعلٍ شيء غير مقتنع به، يعلم ما عواقب ما يفعل ولكن لا فُرصة ثانية، أخذ نفسًا عميقًا ليقف عند الإشارة الأخيرة، أستغرق بتفكيره وبدأ يلوم نفسِه أم يحدِّثها فهذه الطقوس خاصة به " لا تحاول العودة! لا تحاول . . واجه أخطاءك يا فيصَل " ، لن أنتظر مكتوف الأيدي متى يأتون ليأخذُوا روحي! ركن السيارة بوقتٍ يخرج به يوسف من سيارته، ألتفت عليه بإبتسامة : حيّ النسيب
يُبادله الإبتسامة : الله يحييك . . . سلَّم عليه ليستضيفه بمجلسهم.
يوسف : شلونك؟ عسى أمورك تمام
فيصل : بخير الحمدلله بشرني عنك وعن منصور والأهل؟
يوسف : لله الحمد والمنة أمورنا طيبة . .
فيصل : بو منصور وينه؟
يوسف : داخل . . رفع حاجبه من هيئة فيصل المشككة . . صاير شي؟
فيصل : لآ بس أبي أشاوره بموضوع
يوسف عقد حاجبيه : عيونك تقول شي ثاني! . . تعبان؟
فيصل بإبتسامة يحاول أن يطمئنه بها : وش دعوى يوسف! قلت لك مافيه شي مهم
يوسف : طيب . . وقف . . الحين أناديه . . . دخل ليجد والدته تنزل من الدرج . . يمه وين أبوي؟
والدته : توني كنت بتصل على منصور! مدري وش صاير له طلع الفجر ورجع من بوسعود توّ وشكله ما يبشر بالخير!
يوسف بدأ يقرن حال فيصَل المرتبك بكلام والدته : ما قالك شي؟
والدته : لا . .
يوسف : اللهم أجعله خير . . صعد للأعلى ليطرق باب غرفته، حتى فتحه بخفُوت : يبه
ألتفت عليه دُون أن يجيبه بحرف، يوسف : فيصل تحت يبيك! . . يبه صاير شي؟ حتى فيصل مو على بعضه!
والده وقف بوجهِ شاحب لم ينام طوال ليله : صديق لي توفى اليوم
يوسف : الله يرحمه ويغفر له . . مين؟ نعرفه؟
والده تنهَّد : إيه . . مقرن
يوسف أتسعت عيناه بالدهشَة ليُردف : الله يرحمه ويغمّد روحه الجنة . . كيف مات؟ يعني بمرض؟
والده هز رأسه بالنفي ليخرج ويتبعه يوسف الذي بدأ يشك بما يحدث حوله، وقف أعلى الدرج تاركًا والده خيار النزول وحده، هُناك أمر يحصل ولا أحد يُريد أن يقول!
بجهةٍ أخرى دخل عبدالله المجلس ليقف فيصل متجهًا نحوه، قبَّل رأسه : أعذرني أزعجتك
عبدالله : البيت بيتك
فيصل : راعي الطيب مو غريبة عليك . . جلس بجانبه . . جيت بوقت غلط بس مضطر
عبدالله يربتُ على فخذه : حياك يا فيصل بأي وقت
فيصل : أنت تعرف اللي حصل بالماضي
عبدالله هز رأسه بالإيجاب دُون أن يردف كلمة
فيصل : يعني . . عرفت أنك رجعت الشغل لفترة مؤقتة عشان قضية سليمان
عبدالله ألتفت عليه : سليمان؟ تعرفه
فيصل بلع ريقه : بس . . . . . حصلت أشياء وأبي أناقشك فيها
عبدالله أبتسم بغبن : مو صعب عليّ أستنتج وش الكلام اللي بتقوله! بس ليه تكلمت الحين بالذات؟ وش علاقته بوفاة مقرن؟
تجمدّت أصابعه وهو ينظرُ بعينٍ متسعة لكلمته الأخيرة، عمّ الصمت لثواني طويلة حتى أردف : مقرن؟ وش صار بمقرن؟
عبدالله ينظرُ لسحبته التي بيدِه : توفى امس
فيصل شعر بأن عينيْه تحترق بحُمرتها : مات!
عبدالله عاتب نفسِه بداخله من أنه أوصل الخبر هكذا وهو يعلمُ بعلاقته بمقرن : الله يرحمه ويغفرله ويسكنه فسيح جناته
فيصل وقف بصدمَة وحركاته تزداد متوترًا : كيف مات؟
عبدالله : ما عندي خير
فيصَل بضياع : أرجوك! قولي كيف مات! . . شفتوا بعينكم ولا يمكن كذب . . صح كذب؟
عبدالله وقف متجهًا نحوه : يبه فيصل ..
فيصل وضع يده على جبينه وهو يشعُر بأنه كان على حافة الإعتراف، كان قريبًا من أن يعترف ولكن كل الأمور تحدث بالعكس، هل هذا تهديد فعلي لأذى عائلته : ماني فاهم شي! . . ماني فاهم والله
عبدالله : وش كنت بتقول؟
فيصل بإنهيار فعلي لكل عصب بجسدِه : أعذرني . . خرج بخطواتٍ سريعة مُريبة، وصدره يرتفع بدرجةٍ مرتفعة ويسقطُ بذات الدرجة، مسك طريقًا مبتعدًا به عن الرياض، على طريقٍ رملي كان يسير حتى مرَّت ساعة وهو بذاتِ الطريق، وقف ليخرج من سيارته لتنغرس قدمه بالرمال، جلس على ركبتيْه ليضع يديْه على رأسه : يالله . . . صرخ . . يالله
لا تحرقني يالله بالندم، لا تحرقني أكثر! مللت والله من الشعور بأني مذنب بكل لحظة يذهب بها شخصٌ لتحت هذا التراب! أغفر لي يا غفُور، أغفر لي جُبني . . لم أستطع حتى أن أحميه وأنا كنت قادر! ليتني أعترفت لهم، ليتني تكلمت حتى يعرفُوا أنه كان يحميهم بغيابهم . . ليتهم يعرفُون ماذا فعلت يا مقرن، نظر لهاتفه ولا شبكة به . . ركب سيارته ليعود للخلف بسرعةٍ كبيرة حتى عادت له الشبكة، ضغط على رقمٍ غير معرَّف عنده ليأتِ صوته.
فيصل : أظن أننا أتفقنا
بصوتٍ مستهزىء يُجيبه عمر : سُوري حبيبي
فيصل بغضب : الحين راح أروح لهم وماعاد عندي شي يتخبى
عُمر بتهديدٍ مبطن : طبعًا ما صار عندك شي يتخبى! قول كل اللي عندك وإحنا بعد بنقول اللي عندنا
فيصل بعصبيَة كبيرة : **********
: هههههههههههههههههههههه يا أخلاق يا ولد عبدالله
فيصَل : أقسم بالله . . لو تحاولون لمجرد المحاولة لأخليكم تلحقون مازن؟ تذكر مازن ولا أذكرك فيه
بنبرةٍ جدية : طبعا ماأنسى! لكن هالمرة ما معك مقرن! ما معك أحد يا فيصل . . علمني كيف بتقدر؟
فيصل : الليلة . . بتعرف مين فيصل . . وأغلقه بوجهه ليعُود بسيارته لصخب المدينَة المتصدِّعة بأحزانهم.

،

جلست على الكرسي الخشّب المعلّق بحبالٍ متينَة وهي تنظرُ للمسطحات الخضراء التي أمامها ولا يخترق خصوصيَة الخُضرة أيّ بيتٍ آخر، ولا صوتُ سوى أوراق الأشجار التي تعانق الهواء، ألتحفت شالها من برودة الطقس وأنفُها يزداد بحُمرته، ألتفتت نحوها : أبوي ما أتصل؟
ضي : لا . . -وقفت- . . خلينا ندخل بردت مررة وشكلها بتمطر بعد
رتيل : بعد شوي أدخل .. أسبقيني
ضي تقدمت نحوها : رتول لا تضايقين نفسك أكثر . . ونامي لك شوي ريّحي فيها جسمك
رتيل : لو بتناقشيني بهالموضوع تحمّلي لساني اللي بيصير أقذر لسان على وجه الأرض
ضي ضحكت لتُردف : طبعا بس مع عبدالعزيز يطلع هاللسان
رتيل : لأنه كلب . .
ضي أبتسمت : طيب أدخلي ونامي
رتيل بضيق عقدّت حاجبيْها : الله يخليك ضي أتركيني
ضي تركتها متجهة نحو الداخل بعد أن تركت الباب الخلفي مفتوح حتى تدخل منه إذا أرادت العودة، على بُعدِ خطوات كان يسيرُ على حافة الطريق متجهًا إليهم، بعد أن ذهب للشقة أولاً وأخذ أوراقه الهامة وغيّر ملابسه، سقطت عينُ نايف عليه ليهرول إليه سريعًا : عبدالعزيز؟
عبدالعزيز : هلا نايف . . مدّ إليه ملفُ أوراقهم والجوزات . . أحفظها عندك
نايف : أبشر . . بوسعود يدري أنك رجعت؟
عبدالعزيز : ببلغه بس أتصل عليه . . أشار بعينيْه للمنزل الصغير . .كيفهم؟
نايف : تطمن ما صار شي ولا طلعوا لمكان . .
عبدالعزيز : طيب أنت روح أرتاح وأنا بكون هنا
نايف بإبتسامة صافية : لا تشغل بالك . .
عبدالعزيز أتجه نحو الباب حتى أستمع لصوت حركة قادمة من الجهةِ الأخرى للمنزل، ألتفت إلى نايف بشك ليُردف الآخر : يمكن جالسين ورى! الباب الخلفي مفتوح بس لا تخاف مو قدامهم شي
عبدالعزيز تنهّد بإطمئنان، ليتجه بخطواتٍ خافتة نحو الخلف، وقف بعد أن ثبتت عيناه بإتجاهها، بإتجاه شعرَها الملقى خلفها وتتلاعبُ به الريح كيفما تشاء،والشال الأسود الذي يُغطيها وتُغطي به بدايَةُ ذقنها وعينيْها الغارقَة بالعدَم، بالفراغ الذي أمامها، أمَّا شَعرُك يا رتيل لم يُتيح لي بأن أعترف أمامه بشيء، أنا لا أحبه لأن لونه رائِع أم لأنكِ لئيمة جدًا بجمالك! أنا أحب هذا الشعَر لسبب واحد: أنكِ صاحبته، كل الأشياء الفوضويَة وكل الشتائم التي تلقينها ليلاً ونهار، كل هذا يا رتيل يترك بداخلي فرصَة بأن أتآلف معها وأحبها، أنا ممتن لهذه المصائب التي لولاها لما كُنت أعرف بأن شعرُكِ جميل وعيناكِ جميلة، تقدَّم قليلاً حتى جلس بجانبها على الكرسِي المتمرجح، أرتعش قلبها الذي أندفع بقوة نحو صدرها، تعوّذت بقلبها من شياطين الإنس والجن والرعب بدأ يسيرُ بأوردتِها، دُون أن تلتفت وهي تتوقع أسوأ الأشياء تحصل لها.
ألتفتت عليه لتتشبث عيناها به غير مصدقَة وهي تُرجع ذلك بأنها لم تنام ومن الممكن أنها تتوهم، وضعت يدها على صدرها برجفة : بسم الله
عبدالعزيز يرفعُ إحدى حاجبيْه : هذي " أشتقت لك " بصيغتك؟

بلا وعيّ منها ضربت صدره وأطرافها تتجمَّد وحرارة أنفاسها ترتفع بعلوٍ شاهق : يالله عليك . . تبقى حقير
عبدالعزيز أبتسم حتى بانت أسنانه : يجي منك أكثر
رتيل بتضارب الشعُور وتناقضاته بداخلها، سقطت دموعها التي سكنَت لفترة مؤقتة بعد ليلةٍ باكيَة : ليه؟ . .
عبدالعزيز يسحبها نحوه ليعانقها بشدَّة لا تضاهيها شدّة، هل أحبسُكِ فيّ؟ لدقائِق معدودة أنا اسحب رائحتِك إليْ، أن اخبئها بداخلِي إلى أن يصعب على أحدٍ أن ينتزعك مني، " ليه ؟ " هذا الإستفهام الذي لا أملك إجابته لأني لم أعتاد أن أكون جوابًا، دائِمًا ما كُنت سؤال يعيشُ حيرته ويموت في حيرته ولا أحد يحاول أن يجاوب عليه بشيء.
بللت كتفه بدمعها الذائبُ بالملوحة وهي تهمسُ بقرب إذنه ببحّة تخرج بها دخانًا أبيض يعبِّر عن برودة الأجواء في باريس : ليه تسوي فيني كذا؟ . . ليه تتخلى عني بسهولة؟
عبدالعزيز : أشششششش . . لاتبكين
رتيل تبتعد عنه وهي تضمُّ كفيْها من البرودة، لا تستطيع أن تُخفي رعشتها ورجفتها المتشكلة بكل خلية في جسدها، نظرت إليْه بنظراتٍ " تكوِي " ، تكوِي بها عبدالعزيز.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه وبدأت البرودة تتسللُ إلى جسدِه : كيفك؟ . . كيف الأيام اللي فاتت؟
رتيل : يهمك؟
عبدالعزيز : لو مايهمني ما سألت . . أسند ظهره للكرسي والريح تحركه قليلاً، لينظر للأشجار العاليَة المنتشرة على هذه الأرض.
رتيل : وش مفهوم الحب بنظرك؟
عبدالعزيز : تعبان يا رتيل . . لا تزيدينها عليّ
رتيل ببكاء : أسألك . . جاوبني
وتهزمُه هذه الدموع وهذا البكاء الناعم، تهزمه البحَّة في صوتها وإرتعاشُ أطرافها، تهزمه كلماتها بشدَّة.
رتيل : ما تعرف ! . . . . وقفت وهي تحاول أن تتجه للداخل ليقطع عليها صوته دُون أن يلتفت إليْها : اللي يخلينا نعيش صح
رتيل دُون أن تلتفت إليه هي الأخرى : وكيف نعيش صح؟
عبدالعزيز وقف متجهًا نحوها ليقف أمامها ويلاصق حذاءها حذاءه : ما عشت صح عشان أقولك
رتيل أخفضت رأسها لتجهش بالبكاء وهو يزهق روحها بهذا الجواب، بهذا الإنكار، لم يعترف! لم يحاول أن يتجرأ و يعترف، مازال يُكابر ويحرقني . . يالله!
عبدالعزيز : بس ممكن يختلف مفهومه عندِك؟
رفعت عينيْها وشفتيْها ترتجف : كله كلام . . كلام يا عبدالعزيز . . . . أتمنى بس لو . .
يُراقب تصاعد البياض من بين شفتيْها وتبخره في الهواء وهو يشعرُ بأن صدره يحترق وهذا البرد لا يُخمد جرحه/ حزنه
رتيل تُخفض رأسها : ما راح أتمنى أني أحبك أبد . .
عبدالعزيز شتت نظراته، يقبل شتى أنواع الهزائم إلا قلبها، لا يقبل منه.
رتيل : لكن أنت . . آآ . .
عبدالعزيز يعود بنظرِه لعينيْها التي تحكي الكثير : لكن؟
رتيل : تقول أنه الحب اللي يخلينا نعيش صح . . طيب واللي ماعاش صح؟
عبدالعزيز : ما جرب الحُب
رتيل تصادم فكيّها ببعضهما البعض لتسقط دموعها بإنهمار، ضمّت نفسُها بذراعيْها والهواءُ البارد يسرق منها إتزانها
عبدالعزيز بصوتٍ خافت تعبره البحة من البرودة : ما أبي أوجعك! . . كنت جايّ وأبيك تبتسمين بس أنتِ . . أنتِ اللي تضايقين نفسك
رتيل شدّت على شفتِها السفليَة بأسنانها : لأني متضايقة من نفسي . . أمس مانمت من البكي! . . ليه تكتب لي كذا؟ ليه؟ . . جبان يا عبدالعزيز .. أحلف بالله أنك جبااااان
عبدالعزيز : جبان بأيش؟
رتيل تثبت عينيْها بعينِه : أعترف . . .
عبدالعزيز : بأيش؟
رتيل بغضب تصرخ من بين بكائها : أنت تعرف بأيش!
عبدالعزيز يستفزها بلا وعيٍ منه : أني جبان
رتيل تلتفت للجهة الأخرى :حرام عليك! . . حرااام يا
حاول أن يقترب منها ولكن صدته يدها : لآ تلمسني . .
عبدالعزيز : أعصابك تعبانة ... أدخلي
رتيل وضعت يدها على صدره لتدفعه بقهر وهي تتجه نحو الباب : على صبري . . مثواي الجنَة
عبدالعزيز بإبتسامة من خلفها : مثواك عِيني.
وقفت قبل أن تضع يدها على مقبض الباب، وأعصابها تبدأ بالإنفلات من سيطرتها، ألتفتت عليه بنظرةٍ مشتعلة : ياربي بس! أنا أضحك ولا أبكي ولا وش أسوي؟ أقطع نفسي عشان ترتاح
عبدالعزيز ضحك بهدُوء : أبيك تضحكين
رتيل : هذا إن بقى فيني عقل! . . جننتني الله يآخذ العدو
عبدالعزيز : تعالي . .
رتيل وتستند بظهرها على الباب : ماأبغى . . لأنك إنسان أعجز عن وصفه .. متناقض قاسي مجنون مستفز عصبي و معفن
عبدالعزيز بإبتسامة : شكرًا . . طيب ممكن تجين شويّ
رتيل : يعني حتى كلمة حلوة بخلت فيها عليّ!
عبدالعزيز بإستفزاز يجري بدمِه : من أيّ صنف من الكلمات الحلوة تبين؟
رتيل : جبان مستحيل تقول شي ماتعرف تواجهه
عبدالعزيز يقترب بجديّة : رتيل .. ماأبغى أزعج ضي
رتيل عقدت حاجبيْها : كلامي معك أنتهى وأبوي جاي بكرا . . . . وكان مفروض أني أفرح بشوفتك بس طول عمرك يا عبدالعزيز بتخليني مقهورة و مقهورة ومقهورة
عبدالعزيز : أفآآ! بعتذر لك . . والله العظيم بعتذر لك بس تعالي
رتيل تتقدم خطوتيْن إليْه لتقف أمامه : يالله سمعني! . . خلني أحس أنه هالعالم تغيّر وأنت تتنازل من برجك العاجي وتقول آسف
عبدالعزيز ينحنِي ليطبع قُبلة رقيقة بجانب شفتيْها، أطال بقُبلته ليهمس : أنا إعتذاراتي فعلية ضيفيها لأوصافك السابقة
تجمدَّت بمكانها مع قُبلته ولا تعابير على وجهها، عبدالعزيز حبس ضحكتِه وهو يراقبها، ينتظرُ ردة الفعل.
رتيل أخذت نفس عميق بعد أن شعرت أن هذا العالم يضيقُ عليها والحُمرة تدبّ في وجهها : أضحك وش عليه . . دفعته بقوة ليسقط على الأرض.
لم تتوقع أن تُسقطه، نظرت بشك إليْه، عبدالعزيز الذي سقط بسبب إنزلاق حذاءه وليس بسبب قوةِ يديْها، وقف وهو ينفض ملابسه، غرق بضحكته ليُردف وهو يقلد صوتها : تنازلي شوي سموِّك وأقبلي الإعتذار
رتيل لا تعرف هل تبكي أم تضحك أم ماذا؟ بقدرةٍ هائلة يتلاعب بمزاجاتها وبتعابير قلبها، أمالت فمِها : شايف النفسية الزبالة اللي وصلت لها الفضل يعود لك فيها
عبدالعزيز بصوتٍ مبحوح والمطر يهطل بغزارة : أنا آسف
وتشعرُ بأن كبرياءها يتشبّع بإعتذاره، تشعرُ بلذة الإنتصار لتبتسم بضحكة تحاول كتمانها، وبإنتقامٍ لفظي : إعتذارك مو مقبول!
عبدالعزيز ينظر إليها بنظرة كان يقصد بها أن يُحرجها بغزلِ عينيْه، أنتظر كثيرًا حتى أشتعلت بالحُمرة، أردف بخبث : بسم الله على قلبك لا يطلع من مكانه!

،

نظرت لنفسها نظرة أخيرة بعد أن حاولت ان تسترجع ضياءها الذي أزهقهُ ريان بتصرفاته، تعطرت لتخرج من جناحهما، وفي منتصف الدرج قابلته، نظر إليها بنظرةٍ تفصيلية من قدمها لرأسها.
ريم بهدُوء أبتسمت : عن إذنك . . أتجهت لليمين حتى تُكمل نزولها ولكن وقف باليمين ... ذهبت لليسار ليقف أمامها، رفعت عينها بإستفهام.
ريّان : خير إن شاء الله؟ لمين كل هالزينة؟
ريم : أنت شايفني الحين متزينة؟ كلها كحل وماسكرا !
ريّان : أمي مو موجودة
ريم : أنا أصلا رايحة أجلس مع أفنان
ريّان بنبرةٍ يُطيلها بتوجس : أفنااان! من متى علاقتكم قوية؟
ريم بمثل سخريته تُجيبه : من يوم ماصارت علاقتي مع الجدران قوية
ريّان بحدّة : أنتبهي لكلامك أعرف مين تقصدين!
ابتسمت ببرود : طبعا ماأقصد بأنه الجدران أنت! لكن إذا أنت تفهمها كذا الشكوى لله
ريّان : مو قلتِ خلينا . .
تُقاطعه : وأنا الحين أتجاهل حدتك معي وأتجاهل سؤالك وشكِك . . أظن أني ماشية على الإتفاق
ريان : فيه أحد مالي راسك اليوم؟
ريم : أنا ماني ضعيفة يا ريان عشان يملي راسي أحد . . أنا لي شخصية وأعرف أتحكم بنفسي
ريَّان يُميل فمِه : طيب يا شخصية . . أتجه نحو الأعلى ليرتطم بكتفها بقوة دُون أن يلتفت، كان يتعمد أن يضايقها بتصرفه.
بحديثِ نفسها أنصتت، " ماعليك منه يا ريم! . . ولا يهزِّك بشي . . أنا أعرف كيف أعدله! "


،

أستيقظت عيناه لينظر للسقف والشمس المشرقَة بأشعتها القويَة، ألتفت نحو هاتفه لينظر للساعة التي تُشير للحاديَة عشر ظهرًا، تنهّد من غرقه بالنوم وتأخره، بخطواتٍ سريعة أتجه نحو الحمام، تمرُّ الدقائِق الطويلة والثوانِي التي تستطيلُ مع كل قطرةِ ماء تسقط على جسدِه وتُذكره بما حدث أمس، لا يتصالح مع نفسه أبدًا، لا يتصالح مع هذه الحياة، لا يتصالح مع الجوهرة أيضًا مهما حاول، سحب المنشفة ليخرج متجاهلاً الهواء البارد الذي يُحيط جسده العاري، أرتدى ملابسِه على عجل ليُضع " الطاقيَة " على رأسه ومن فوقها " العقال " تارِكًا الغترة على كتفِه، وخرج ليقف عند الدرج، نظر للطابق العلوي . . أخذ نفسًا عميقًا ليصعد للأعلى، وقف خلف الباب لثواني طويلة حتى فتحهُ بخفُوت، تقدّم بقدمِه اليمنى لينظرُ لجسدِها الملقى على الأرض والفراش الذي يُغطي أقدامها فقط، أقترب وهو يتأملُ المكان المرتب عدَا السرير الذي وكأن معركة حدثت عليه، جلس على ركبتيْه ليضع يده على جبينها المشتعل بحرارتِه، همس : الجوهرة . . . . الجوهرة
أستيقضت برُعب لتعُود برأسها للخلف حتى أرتطم بحافةِ السرير، أضطربت أنفاسها وتسارع نبضات قلبها لتُشتت نظراتها، لا تُريد أن يراها بنظرة الشفقة، وضعت يدها على رأسها بألم
سلطان عقد حاجبيْه : قومي . .
الجوهرة لا تُجيبه، تكتفي بأن تنكمش حول نفسها وهي تضمّ أقدامها إليْها.
سلطان : وش فيك ؟
الجوهرة : أتركني بروحي . . ماأبغى أشوفك
سلطان تنهّد : وراي شغل ماهو وقت تتدلعين عليّ . . قومي قدامي
الجوهرة بغضب تنفجر عليه : روح لشغلك . . وش يهمك أموت ولا أروح في ستين داهية . . . . . مرررة مهتم ماشاء الله عليك
سلطان بحدة وهو يضغط على أسنانه يقترب منها ويفصلُ بين جبينها وجبينِه 5 سنتيمترات لا أكثر : إن علِّيتي صوتك عليّ مرة ثانية . . ماراح أقولك وش ممكن يصير
تبللت ملامحها لتُردف بضيق : أتركني . .
سلطان وقف ليشدّ يدها ويجبرها على الوقوف، حاولت أن تسحب يدها من قبضته ولكن دائِمًا ما يتفوق عليها بالقوّة : أترك إيدي . . يخي ما أبغى أطلع من هنا
سلطان ينظرُ إليْها بنظراتٍ تُربكها : أولاً إسمي مو يخي . . ثانيًا شوفي حالتك .. . . وش صار أمس؟ ليه نمتي هنا؟
الجوهرة : على أساس أنك ماتبي تسمع صوتي ولا تبـ
سلطان : بس ما قلت ما أبي أشوفك
الجوهرة : وأنا ماني تحت رحمة مزاجك ولا راح أقبل أنك تهيني في كل مرة .. أعرف أني ماأشتغل عندِك عشان تسكتني وتهددني
سلطان تنهَّد ليُرغمها على السير معه للأسفل، دخل جناحه وتقدَّم بها نحو السرير : نامي هنا
الجوهرة ببرود : طار النوم
سلطان بعصبية : الجوهرة! . . ترى واقفة معي هنا * أشار لأنفه *
الجوهرة : بتنوّمني بالغصب . .
سلطان تنرفز: أقنعيني أنك نمتي أمس . . نامي وأرحمي أمي .. أستغفر الله العلي العظيم
الجوهرة أدركت أن أعصابه تعبانة، بهدُوء جلست على السرير لتُردف : راجع نفسك . . بديت تظلمني كثير
سلطان بغضب وهو خارج يلفظ : أمرك عمتي بحاول إن شاء الله أتناقش مع نفسي اليوم . . .

،

عقدت حاجبيْها وهي تنظُر إليه بشك من كلماته الأخيرة ومن تنبيش جروحهم الغائرة، تشعرُ بأن الحرقة تصِل أعلاها من هذا الموضوع وكأنه أمر عادِي وكأن مشاعرنا لا تهم : كيف يعني؟
يوسف : ماأدري . . توّ قالي منصور
أخذت نفس عميق : يوسف . . . أخوي عمره ما كان كذا وما يتورط مع ناس ما يعرفهم .. لا تحاولون تشوهون سمعته بس عشان تبرأ أخوك . .
يوسف وقف ليتجه نحوها ويجلس على السرير أمامها : مهرة وش هالكلام! أنا ما قلت بيشوهون سمعته . . أنا أقولك إحتمال ممكن يكون صح وممكن يكون غلط . . والقضية للحين بس يبون يفتحونها من جديد لأن دخل عليهم إسم ثاني وممكن يفيد مجرى القضية
مُهرة بضيق : طيب . . وش بتستفيدون؟ . . أنه أمي شرطت شرط ما يحق لها أو لأن . .
يُقاطعها بنبرةٍ حادة واضحة : أنتِ زوجتي لو صار اللي صار! لو طلع منصور بريء هذا ما يعني أني بطلقك . . تعدينا هالمرحلة يا مهرة ولا أبغى أرجع لها.

،

يضرب حبَّات النرد على الطاولة لينظر إليه بغضب : كيف يعني؟
عُمر : هذا اللي صار طال عُمرك . .
سليمان يقذف الحبات الثقيلة على وجهِه : فيصل لو تكلّم بيصير كل شي واضح لهم
عُمر عاد خطوتين للخلف من ضربته التي أتت بعينِه : هددته بس
سليمان بصرخة يُقاطعه : هددته ما هددته مو شغلي! . . فيصل ماأبغاه يتكلم مفهوم ولا أعيد كلامي
عُمر أخذ نفس عميق : مفهوم . .
سليمان : وشف لي الحيوان الثاني . .
عُمر بربكة : أيّ واحد ؟
سليمان وجن جنونه بغضبه الكبير : والله أنت الحيوان!!! . . من غيره عبدالعزيز . . أبيه عندي حالا
عُمر : إن شاء الله
سليمان : أجل هرب من رائد رغم كل هالرجال! .. والله يا خسارة الشنب فيكم! . . واحد مقدر أبوه علينا يقدر هو! . . واحد يا كلاب قدر يلفّ عليكم كلكم . . .
عُمر : تآمر على شي ثاني
سليمان : أنقلع
عُمر ترك المكان ضاجرًا من أسلُوب سليمان الذي يعلم أنه لا يتحدث بهذه الصورة الا إذا وصل قمة غضبه،

،

يجلسُ خلف مكتبِه ببرود يقاوم به كل هذا الإضطرابات التي تواجهه، وسيلٌ من الشتائم لا تختفي من على لسانه، ينظرُ لإبنه الجالس أمامه بصمت يكرهه، يكره هذا الهدوء الذي يشعرُ بأن خلفه كوارث
دخل حمد : رجعوا الشباب ما لقوه في . .
يُقاطعه رائد : طيب! . . طلعه لي من تحت الأرض . . . جيب لي أيّ أحد له علاقة فيه وماأبغى أعيد الكلام عشان ما يتعب لساني لأن إذا تعب لساني وش يصير يا حمد؟
حمد بربكة بلع ريقه لأنه يُدرك ماذا يحدث إذا خابت إحدى أوامره : إن شاء الله
رائد يلتفت نحو فارس :والسيد فارس ليش ساكت؟
فارس رفع عينه : وش تبيني أقول؟
نظر لهاتفه الذي أنار بإسم " موضي " ، بضحكة ساخرة : أنا أقول المصايب ليه جتنا . . شف من أتصل؟ عشان لما أقولك لها قدرات هائلة بأنه تعلقني بكل مصيبة ماتخطر على البال
فارس أبتسم رُغم كل هذا الإضطراب، رفع عينِه : ردّ عليها
رائد : سكرته .. شكلها كانت تبي تتشمت
فارس : يـــبه!
رائد : ووجعة! . . أمك هذي لا خلتني مرتاح معها ولا بعدها
فارس بسخرية : أوجعك الحب
رائد : تعرف الكف؟ شكله بيجيك ترى للحين حرّتي منك ما بردت
فارس وقف : طيب بما أنها ما بردت أنا رايح
رائد : أقول إجلس
فارس تنهد : يبه بتحبسني عندك
رائد : كِذا مزاج
فارس : أستغفر الله . . وجلس دُون أن يردف أيّ كلمة.
رائد : على فكرة لو بحب أمك بحبها عشانك ولا هي وجه حُب!
فارس : هههههههههههههههه طيب . . لا تبرر لي
رائد : أنا ماني فاضي أبرر لك لكن أصحح مفاهيمك العوجااا
فارس : مفاهيمي العوجا بأيش؟
رائد أبتسم : يخي والله العالم تمصخرنا! . . ما كأن صارت لنا مصيبة قبل كم ساعة
فارس : تتهرب . .
رائد يحذف علبة المناديل عليه ليغرق فارس بضحكته المبحوحة : على فكرة من قدرات أمي الهائلة إستحواذها لك عقب كل هالسنين
رائد : إستحواذ! الله يآخذك أنت ومصطلحاتك تحسسني ماني بني آدمي . . بشّر أمك بس
فارس وقف وقبل أن يتفوَّه بكلمة سمع صرختها التي شعر بأنها تُمزِّق طبلة إذنه، ركض بإتجاه الأسفل لينظُر . . . . .


،

دخلَ مبنى عمله لينظر لوجوههم بريبة، هذه الوجوه التي تُشبه العزاء المجسَّد، قبل أن يتجه نحو مكتب عبدالرحمن ألتفت على أحدهم : وش صاير؟ . .
بربكة أرتجف به لسانه : مقرن . . آآ
سلطان رفع حاجبه : إيه وش فيه مقرن؟
: الله يرحمه
شعر بأن العالم يدُور حوله، تجمدّت أعصابه ليُثبت عينِه بعبدالرحمن الذي تقدَّم نحوه : أتصلت عليك طول الليل!
سلطان : وش اللي قاعد يصير ؟.
و وجهُ عبدالرحمن الشاحب من حقه أن يجعل سلطان يقطع الشك باليقين، أردف : خلنا ندخل وأفهمك
سلطان : هُم صح؟
عبدالرحمن تنهد : سلطان خلنا ندخل مافيني حيل عليك بعد!
سلطان بغضب : أنا أعرف لهم . . وتركه لينزل للأسفل بهرولةٍ سريعة جعلت كل الأعين تراقبه، دخل للغرفة المخصصة للحجز، سحب زياد بقوّة ليدفعه على الأرض : كنت تعرف بأنهم راح يتخلصون من مقرن؟
زياد ببرود يقف : إيه نعم
سلطان بصفعةٍ قوية جعله يرتطم بالجدار : والله لاأعلمك إن الله حق . . . أشار بعينيْه لرجل الأمن أن يأخذه ليخرجا لساحة التدريب الحارقة بمثل هذا الوقت، جعله يجلس على الأرض ليلفظ بغضب وكل الأعين من النوافذ من عدةِ طوابق تراقب ما يحصِل بإهتمام، تُراقب ثورة غضب سلطان الذي لن يرحمه بالتأكيد.
يُشير إليه بالسبابة : لو تكذب بحرف والله ثم والله ما يردِّني عن ذبحك شي . . تجاوبني على كل سؤال
زياد : مالك حق . . ت
لم يكمل . . .

،

بعد ساعاتٍ طويلة، ينظرُ للجثة الواقعة على الأرض ليلفظ ببرود دُون أن يعي قدسيَة الموت : هذا للحين موجود هنا! . . أرموه في أيّ مكان
ليتمدد على الأريكة : سليمان يبي عبدالعزيز
أسامة الذي كان يشربُ الماء أسترجعه من فمِه ليُردف : وشو!!!
عُمر : لا تسألني شي! هو أنهبل رسميًا
أسامة : يبغاه! . . يبغاه بهالوقت؟
عُمر : وحالاً
أسامة : من جدك! . . يالله . . يبي يذبحنا واحد واحد
يدخلُ الآخر : تخيلوا وش صار اليوم؟
عمر : واللي يرحم والديك ما أبغى أتخيل شي
: زياد! . . سلطان قاعد يستعمل معه أسلوب القوة
عُمر : جد؟
: والله . . . . وصلتني الأخبار وبدقة! متأكد 100 بالمية .. شكلهم أنهبلوا بعد سالفة مقرن
عُمر تنهَّد : لا تقول لسليمان بيهلكنا وبيورطنا بأهل سلطان بعد
من خلفهم : ماشاء الله السيّد عُمر يتخذ قرارات بالنيابة عنِّي
جميعهم وقفوا ملتفتين نحوه، ليتقدَّم إليه وهو يضع طرف المفتاح الحاد على رقبةِ عُمر : للمرة الألف أحذرك يا عُمر من أنك تسوي أشياء من ورى ظهري! . . وتصرفوا مع سلطان! . . ولا تبوني أعلمكم كيف تتصرفون معه ؟
أسامة : أبشر . . اليوم ننهي لك موضوع فيصل وسلطان
سليمان يتكتف : وش صار على فارس؟
عُمر : نحاول والله العظيم لكن هالفترة هو بس عند أبوه
سليمان : أنا وش قلت؟
أسامة : بالنسبة لفارس عطنا وقت
سليمان : 48 ساعة لا غير

.
.

أنتهى – وش رايكم فيني : $ ؟ يقال أنه مافي قفلات : $ ؟ طيب حاولوا تسألوني ليه مافيه بتر للمواقف بهالبارت :$؟ عشان أجاوبكم وأقولكم :$ الدنيا مولّعة في البارت الجاي إن شاء الله واللبيب بالإشارة يفهم :$

نلتقي إن شاء الله يوم الثلاثاء () + أذكركم بمواعيدنا السابقة " الجمعة + الثلاثاء "
+ للي وعدتهم وحلُّوا اللغز أدري تأخرت عليكم بس إن شاء الله هاليومين حاولوا تدخلون المنتدى كثير عشان تشوفون الخاص.





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 23-01-13, 02:58 AM   المشاركة رقم: 68
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء ( 68 )



- قبل لا نبدأ في البارت ودِّي أقولكم شي :( هالبارتات الأخيرة جدًا متعبة وجدًا تستنزف الواحد، ممكن البعض يقرأها يشوف أنها زي البارتات القديمة وممكن البعض يشوف لا، بس الأحداث اللي تقرونها أنا نفسي أحس أني أمرّ في مرحلة إنفجار بالروايـَة، كل الأبطال بدون تمييز يمرُّون بهالشي، وطبعًا زي ما كنت أقولكم قبل ماراح أختصر شي، بخليكم تعيشون النهايَة بكل لحظاتها، أتمنى بس تراعون هالشيء في كل لحظة أتأخر فيها، النهايَة اللي تسألون عنها ما بعد وصلنا لختامها، توّنا قاعدين نمشي في هالنهايَة، أسترخوا وعيشوا هالنهايَة زي ماعشتم أحداث الروايَة كلها، ممكن نطوّل بهالنهاية بس تأكدوا أني أحاول أختمها مثل ماخططت وإن شاء الله تتم على خير () + بارت اليوم طويل جدًا وحركي كثير . . أقروه على يومين إذا تبون عشان ما تفوتون نقطة لأن كله على بعضه مهم في مسار الروايــة.

+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.


المدخل لـ محمود درويش .


تكبّر.. تكبرّ!

فمهما يكن من جفاك

ستبقى، بعيني و لحمي، ملاك

و تبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك

نسيمك عنبر

و أرضك سكر

و إني أحبك.. أكثر

يداك خمائل

و لكنني لا أغني

ككل البلابل

فإن السلاسل

تعلمني أن أقاتل

أقاتل.. أقاتل

لأني أحبك أكثر!

غنائي خناجر ورد

و صمتي طفولة رعد

و زنيقة من دماء

فؤادي،

و أنت الثرى و السماء

و قلبك أخضر..!

و جزر الهوى، فيك، مدّ

فكيف، إذن، لا أحبك أكثر

و أنت، كما شاء لي حبنا أن أراك:

نسيمك عنبر

و أرضك سكر

و قلبك أخضر..!

وإنّي طفل هواك

على حضنك الحلو

أنمو و أكبر !



يُشير إليه بالسبابة : لو تكذب بحرف والله ثم والله ما يردِّني عن ذبحك شي . . تجاوبني على كل سؤال
زياد : مالك حق . . ت
لم يكمل من قدمِ سلطان التي كسرت ذراعه المتوسدة الأرض حتى صرخ زياد من إلتواءها، أبتعد و بإبتسامة تُصنِّف من إبتساماتٍ سلطانية كثيرة، هذه الإبتسامة التي تُخفي تهديدًا مبطن واضح.
سحب الكرسي الذي أمامه ليجلس عليه : يالله طال عُمرك سمعني صوتك
زياد يرفع ظهره من على الأرض ليجلس بتوجّع من ذراعه وهو يفركها بكفِّه الأخرى : قلت كل اللي عندي المرة اللي فاتت
سلطان يضع يدِه على ذقنه ليُردف بإستفزاز : وأنا ماعجبني اللي قلته .. خله يعجبني
زياد بقهر : أنا مو مكلّف أني أعجبك
سلطان يعقد حاجبيْه : نعم؟ عيد ما سمعت
زياد يلتزمُ الصمت وهو يُشتت نظراته للساحة الشاسِعة التي تدرّب عليها كبيرهم وصغيرهم.
سلطان يقف ليسحبه من ياقته ويوقفه، قرّبه منه ليدفعه بشدّة على الأرض : ليه قتل سليمان مقرن؟ مقرن وش اللي يعرفه وخايف منه سليمان؟
لا يُجيبه، يكره نرجسيته الواضحة رُغم أني أدرك تمامًا بأن التواضع والبساطة في حياة سلطان قاعدة أساسية ولكن معنا، نحنُ المجرمين بحسبِ تصوراته دائِمًا ما يتسلّط.
سلطان : ما أبغى أعيد السؤال كثير!
زياد يُخفض رأسه والصمت يربطُ لسانِه دُون أيّ همسٍ ولا حرف.
سلطان يقف مجددًا ليأخذه بقوة نحو عمودٍ يحترقُ من أشعة الشمس، ليضرب رأسه به وبصرخة : وش اللي خايف منه سليمان؟
من أعلى ينظرُ من النافذة وبيدِه الهاتف، رماهُ بغضب على المكتب: مجنون!!! . . . ليخرج ويُصادفه أحمد : بو سعود إذا . .
لم يُكمل كلمته من ترك عبدالرحمن إليه ونزوله للأسفل، ثواني حتى توسّط المكان وبحدة : سلطاااااااان
سلطان بغضب : عبدالرحمن أتركني
في الطابق الثاني ناداه بحماس : سعُود تعاااال شوف
الغارق بالأوراق يكتبُ على البياض بحبرٍ أزرق يُسجِّل به إحدى الشواهد التي يُريد أن يناقشها معهم : مشغول!
: بيطوفك نص عمرك . . يا حمار تعال شوف وش صاير؟ . . .
وقف ليتجه نحوه ويُطلق بشفتيْه تصفيرٌ خافت : أووه! وش يبون يسوون فيه ؟
بحماسٍ منفعل : والله لو يقطعون جلده حلال . .
سعود بضحكة : وش فيك متحمس؟ كأن اللي مات ولدك
محسن : مقهور منه الكلب! أنا جلست 4 شهور زي الحمار أتعلم كيف أكشف كذب الواحد وهذا لفّ علينا كلنا
سعُود : كلن بيلاقي جزاه! . . تهقى سلطان العيد الله يرحمه كان يعرف عنهم؟
محسن : إلا مليون بالمية! . . وبصوتٍ شاهقٌ شغُوف . . بيدعي على نفسه والله ولا يجيه شي من عبدالرحمن
بالقُربِ منهم كان عبدالرحمن يقف بإنتظارِ إبتعاد سلطان الذي لفظ كحرقةِ الشمس المصوّبة بإتجاههم : وش اللي يخاف منه سليمان؟
زياد ببرود يصطبر على هذا الجلدُ النفسِي والجسدي : ما أدري
سلطان يُخرج سلاحه ليقترب عبدالرحمن منه ويسحب السلاح من يدِه : إبعد . .
بغضب تراجع للخلف : يا عبدالرحمن! اللين والرحمة مع هالأشكال ما تنفع
عبدالرحمن يُمسك زياد من ياقته المتمزقة ليجعله ينحني بظهره قليلاً حتى عجن بطنه بركبته التي إتجهت نحوه بقوِّةٍ جعلته يسقط على الأرض، رفعه مجددًا ليلكمه على وجهه حتى نزفت شفتيْه.
من الأعلى أبتعدت شفتيْه عن بعضهما البعض وهو يلفظُ بدهشةٍ كبيرة : أححححح! . . . تشوف اللي أشوفه
سعود: بوسعود يضرب! والله هذا شكل أحد داعي عليه بليلة القدر
سلطان يقترب ويشدٌّه نحوه ليدفعه بلكمةٍ أخرى وبحدة : مين ايش خايف سليمان؟
عبدالرحمن الذي يستنزفُ كل جهدِه بمعرفة ما يحصِل لا يتحمّل برود زياد وبرود إجاباته، والصمت أصبح مستفزًا لدرجةٍ لا يصطبر عليها.
زياد : ما كلمته .. اللي يتعامل معي أسامة
سلطان يُظهر ملامح الشفقة بسخرية : والله؟ . . لا جد . . يصفعه بقوّة حتى بدأت الدماء تنزل بين أسنانه.
زياد يسعلُ بحُمرةِ سائلة تخرجُ من شفتيْه : مالنا علاقة بسليمان! علاقتنا مع أسامة وأسامة هو اللي يوصِّل كلامنا لسليمان
عبدالرحمن : ومين أسامة؟
زياد : سكرتير عند رائد
عبدالرحمن : حلو . . حلو . . يقترب ليشدّ على ياقته حتى خنقه وبغضبٍ لم ولن يرى مثله أبدًا من شخصٍ حليم كعبدالرحمن : ليه قتل سليمان مقرن؟
زياد بعد أن شعر أن روحه تصعد لعنقه وبصوتٍ مختنق : لأن مقرن كان يبي يبلغكم
تركه ليسعل بشدَّةٍ وهو يتقيأ دماءُه، سلطان : وش يبلغنا فيه؟
زياد بعد أن شعر أن لا مفّر من غضب سلطان والآن عبدالرحمن : مقرن كان مع سلطان العيد قبل وفاته
عبدالرحمن بحدّة : وش صار؟ . . تكلّم بالتفاصيل لا تخلي جنوني تطلع عليك!
زياد وأنفاسه تضطرب : سلطان العيد بعد ما تقاعد كان يشتغل معه
سلطان ينظرُ إليه وعينيْه تثور ببراكينها : عشان ؟
زياد : كان يعرف هو ومقرن أنه رجال رائد اللي وصاهم عشان يراقبونه مع رجال سليمان . . فكان يعرف أنه ماراح يصير له شي لأن التهديدات اللي من رائد مستحيل تتنفذ من رجال يتعاملون مع سليمان
سلطان بغضب يصفعه : أنا أسألك عشان مين؟ ما أسألك عن الحادث
زياد مسح دماء أنفه ليُردف : ما أعرف
سلطان جنّ جنُونه ليسحبه بقوّة حتى حاول دفعه على حجارٍ غير منتظمة الشكل قاسية، ولكن وقف أمامه عبدالرحمن ليسحبه منه ويدفعه بهدُوء ليجلس على الأرض : وش الشي اللي يعرفونه عنهم؟
زياد بعصبية : أنا مالي علاقة . . أفهموا أنا ماني مسؤول هناك . . كل اللي أسويه أنفذ أوامر
عبدالرحمن بغضبٍ كبير يأخذ حجرٌ كبير ويرميه على بطنه : الحين بتصير لك علاقة
زياد بألم يُبعدها وهو يشعر بأن كل خلية بجسدِه تتألم : معاهم الأدلة اللي تثبت كل العمليات اللي حصلت من رائد ومن سليمان واللي حصلت بينهم بدون علم رائد وكل اللي حصل من رجال سليمان لرجال رائد والعكس . . معاهم كل شي
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : كانت مع سلطان و مقرن؟ وليه أخفوها؟
زياد بعد صمت لثواني رفع عينيْه إليهما : أتوقع كانوا مضطرين
سلطان : وليه مضطرين؟ . . مهددينهم بأيش؟ . ." صرخ ". . مهددين مقرن بأيش؟
زياد : فيكم
سلطان : فينا؟ . . بأيش؟
زياد : كان كل ما يرفض مقرن يعمل لهم شي يضرون بناتك . . وجه كلمته الأخيرة لعبدالرحمن.
عبدالرحمن : أجبروه عن طريق بناتي؟ . . صح؟
زياد هز رأسه بالإيجاب ليُكمل : كان مضطر يسكت خصوصًا أنه مقرن ماله منصب كبير هنا يحميه
سلطان بحدّة : شفت بو كريم .. هذا عندنا هنا منصبه كبير .. دوّر حجة ثانية عشان ما أخليك عمود هنا! " بو كريم مسؤول النظافة "
زياد : هذا اللي صار بعد ما تدخل فيصل
سلطان : فيصل مين؟
زياد : فيصل القايد
عبدالرحمن جلس على الكرسي بعد أن تنهَّد تنهيدةٍ تحمل الكثير من الوجع : وش علاقة فيصل؟
زياد : ما أعرف بالضبط لكن فيصل متورط معهم بعد ما خبّر ناصر عن وجود زوجته
سلطان أتسعت محاجره بصدمة : لحظة . . لحظة . . . . سليمان اللي كان ورى إختفاء غادة بعد الحادث؟
زياد : إيه
سلطان بقهر تمتم :ليه يامقرن . . ليه!
رفع عينِه ليُكمل بصوتٍ واضح : وخلوا مقرن يجينا ويقولنا أنه غادة حيّة وأنها في مستشفى ثاني بعد فترة من الحادث؟
زياد : كانوا يبون يحطونكم في الصورة عشان . .
سلطان : عشان! . . بصرخة . . عشان أيش؟
زياد : عشان عبدالعزيز . . يبون يحملونكم الذنب قدامه
عبدالرحمن ضحك من شدّة قهره ليُردف : برافو! . . حبكوها عيال الكلب صح . . . . .
سلطان حكّ جبينه بحدّة أظافره ليُردف بتحليلاتٍ تتفجّر بعقله : في ليلة الحادث بلغ رائد رجاله أنهم يعترضون طريق سلطان بدُون قتل! لكن سليمان وصاهم بالقتل . . وبكذا تلبست التهمة رائد لكن اللي تسبب بالحادث فعليًا هو سليمان وأمثالك الكلاب! . . بعد الحادث جت الشرطة وجت الإسعاف! . . سلطان العيد وينه ؟
عبدالرحمن رفع عينِه بصدمة غير مصدقًا للتحليلات التي وصل إليْها سلطان.
زياد : ما أعرف
سلطان يتجاهل صوتُ زياد ليلفظ بغضب : أخذوا هديل و أم عبدالعزيز للمستشفى . . أتضح أنه أم عبدالعزيز توفت مسبقًا بنزيف و هديل توفت بعد وصولها للمستشفى بفترة . . باقي سلطان العيد . . . وينه؟
زياد : ما أدري
سلطان بتأكيد يُعيد كلماته : و طلعت غادة عكس ما يبون! رحمها الله وطلعت سليمة، أخذتوها لمستشفى ثاني و أختفت تمامًا . . . . . زورتوا تحاليل الـ دي إِن إيه و غيرتوا الجثث . . حصل تغيير الجثث بسرعة عجيبة .. كأنكم كنتم واثقين بأنه إثنين منهم راح يكونون أحياء
زياد : سلطان العيد ميّت!
سلطان : وأنا أسألك وين سلطان العيد؟ ما أسألك هو ميت ولا حيّ ؟ . . وصلت الفكرة
زياد شعر بأن قلبه ينبضُ بصورةٍ مهوِّلة : ما عندي علم
سلطان : وكلتوا مقرن لموضوع غادة! . . جبتوا لها وحدة تكرم نعالي عنها . . . . هبّلت فيها وهذا كان المقصود! كنتم تبون تتخلصون من غادة بأقل الخساير وبدون لا تلفتون النظر . . كنتم خايفين من مين؟ بموضوع غادة؟ . . لاحظ أني أسأل وأنا أبي إجابات واضحة بدون لف ودوران عشان ما أنهي لك روحك
زياد صمت قليلاً حتى أردف وصوتُه يختنق شيئًا فشيئًا : عبدالعزيز
سلطان تنهّد : عبدالعزيز! . . ألتفت لعبدالرحمن الذي يُراقب الوضع ويُحلل هو الآخر بطريقةٍ أخرى : أنا أشوف الحادث صار واضح قدامنا!
عبدالرحمن يقف مقتربًا منهما : ما دخلت مخي سالفة أنه مقرن خايف علينا . .
زياد يهزُ كتفيه : هذا اللي أعرفه
سلطان بإبتسامة مستفزة : عاد أنا أبيك تدخلها مخ بوسعود! . . عطني التفاصيل
زياد : بعد الحادث مقرن حاول يتصرف بالملفات بروحه ويفضحهم واحد واحد . . لكن كنت آآ . . كنت آخذ بيانات سرية من مكتبه وأعطيها عُمر اللي يهدده ويضطر أنكم تخلونه موضع شك
عبدالرحمن : قلت المسؤول عنك أسامة! وش جاب عُمر الحين
زياد تجمدّت ملامحه قليلاً ليُردف : أختصرت الموضوع . . عطيتها أسامة وأسامة عطاها عمر
سلطان يسحبه ليجبره على الوقوف : شايفنا حمير! . . . . لا تحاول تكذب . .لا تحاول . . فاهمني
عبدالرحمن بنبرةِ وعيد : الملفات وينها؟ الملفات اللي هدد فيها رائد؟
زياد : اللي يعرف الإجابة سليمان وحده . . كل الأشياء السرية ما يخبّر فيها أحد هو بنفسه يتصرف معها
عبدالرحمن يلكمه بقوّة على عينيْه : الملفات وينها؟
زياد ببلاهة : بباريس
عبدالرحمن : ما أنتهينا منك للحين . . . وأبتعد ليخطُو نحو الداخل ومن خلفه سلطان الذي وقف قليلاً ليعُود، أقترب من وجه زياد ليبصق عليه ويُردف بفرنسيَة تركت في نَفسِه الرعب وهو يعرف ماذا تعني تحدثه بالفرنسية أمامه؟ يعرفُ كيف يهدِّد سلطان بطريقةٍ أو بأخرى : إينيُوبل . . . . ." ignoble = خسيس/دنيء "
حاول أن يثُور عليه لولا أيدي الأمن التي أحاطت به، أعطاهُ إبتسامة ذات معنى عميق وأكمل دخُوله.
في جهةٍ أخرى : يالله شباب كل واحد شغله لا يجون ويشوفنا كذا . . . جلس . . شفت متعب؟ حالته حالة
: تقطّع قلبي اليوم عليه . . . . هو أكثثر واحد قريب منه . . الله يرحمه ويغفر له . . متى تجي جثته؟
: والله مدري . . أتوقع راح يخلون ربعنا اللي في باريس يتحركون هناك
دخل عبدالرحمن ليدخل لمكتبِ المراقبين : أبي سكرتير سلطان العيد الله يرحمه عندي . . لا تتصلون عليه . . روحوا بيته ويجيبوه معاكم . .
: إن شاء الله طال عُمرك . . . دخل مع سلطان ليُردف : سلطان العيد كان يشتغل بدون لا يحط عندنا علم! . . كان يعرف كل شي وما كلّف عمره بس يبلغنا . . يحط عندنا خبر بدل مالحوسة اللي انحسناها
سلطان يجلس على الكرسي الداكِن : ضاع آخر دليل منَّأ . . مقرن وراح وقبله سلطان . . مين الحين نسأله ولا يقولنا وش اللي قاعد يصير!
عبدالرحمن : سعد! . . اكيد يعرف شي . . والحين ناصر بعد!
سلطان : أنا متطمن من حاجة وحدة أنها زوجته مستحيل يضرّها لكن . . لايكون فاهم غلط ساعتها بينفتح علينا باب ما يتسكر
عبدالرحمن : انفتح وخلص . . لا يوصل الخبر لعبدالعزيز بهالحالة! والله ساعتها كل شي بيطلع من سيطرتها!
سلطان يقف أمام النافذة وهو يُفكر بطريقةٍ يحلّ بها هذه الأمور التي تراكمت فوق بعضها بوقتٍ واحد : تتوقع سلطان العيد كان حي بعد الحادث؟
عبدالرحمن : لا .. بس ماني مقتنع بموضوع الجثة لكن مسألة أنه حي هذي شيلها من بالك
سلطان : تذكر لما كان عبدالعزيز يهذي بأبوه! . . قلت لي مرة أنك شفته يتكلم وكأنه يشوفه
عبدالرحمن : إيه
سلطان : قلت أنه كان يقول ماراح أغلط مثلك!
عبدالرحمن : وش علاقته فينا! كان هذيان من عبدالعزيز
سلطان : أؤمن كثير بالأمور النفسية . . هذيان عبدالعزيز معتمد على حقيقة غايبة عنَّا
عبدالرحمن ألتفت عليه : نفكر الحين بخيالات عبدالعزيز ولا بهالمصايب يا سلطان!
سلطان : ليه أحس أنه سلطان العيد أرتكب خطأ وخطأ كبير!
عبدالرحمن : سلطان الله يرحمه مستحيل يغلط! . . مستحيييل يا بو بدر
سلطان تنهّد وهو يُدخل يديْه في جيُوبه : غلط يا عبدالرحمن! . . غلط ومايبي ولده يغلط مثله لكن . . وش الغلط بالضبط؟ ما أدري! . . تتوقع مسألة أنه يشتغل بعد تقاعده جريمة يُعاقب عليها؟
عبدالرحمن : سلطان بديت تهلوس!
سلطان بهدُوء : حيازته لملفات سرية بعد التقاعد هذي جريمة كبيرة! لكن مستحيل هالغلط بيكون هاجس بالنسبة له . .
عبدالرحمن بغضب : سلطان يكفي! بوعبدالعزيز مستحيل يتصرف أو حتى يفكر يضرنا بشي
سلطان : أنا أفكر حسب اللي أشوفه! ما أفكر إذا هو بيسويها أو لا . . انا أعرف سلطان العيد ومتربي على إيده ومستحيل أظن فيه ظن سيء لكن أنا أقولك حسب الأشياء اللي واضحة لي . . . ليه كانت تجي هالخيالات فترة وتروح؟ لأن فيه شي يصير ويعرفه مقرن . . أكيد كان يعرفه
عبدالرحمن : مجنون!
سلطان : قول عني مجنون بس ما تتساءل ليه هالأشياء تصير بهالطريقة وبهالتصادف العظيم! . . ليه عبدالعزيز الحين ما صار يشك فينا؟ ما صار يتصرف بهمجيته لما كان بالرياض؟
عبدالرحمن يقف وهو يقترب من سلطان مُشيرًا إليه بسبابته : شفت يا سلطان! شفت طريقتك أنت ما قعد تستنج أنت قاعد تتهم بدون أيّ دليل! . . عبدالعزيز كانت الأشياء اللي حوله تأثر عليه ولا تنسى كان ماضي على وفاة أهله شهر وأقل . .يعني أكيد حالته النفسية سيئة ويهذي كثير! لكن الحين بدآ يسترد قوته ويوقف على حيله . . طبيعي أنه بينسى كل هالخيالات وهالهذيان!
سلطان : فيه صوت بداخلي يقول أنه سلطان العيد كان شغلته بعد تقاعده ماهي شرعية!
عبدالرحمن بحدة : واللي يرحم والديك سكِّت الصوت اللي في داخلك . . بتجيب لنا مصايب . .هالصوت اللي بداخلك خلاني أشكّ في مقرن وشوف وش طلع آخر شي!
سلطان بحنق : الحين طلعت أنا السبب! طيب فسّر لي ليه كان يشتغل سلطان العيد بعد تقاعده؟ تحس أنه هذا أمر طبيعي؟
عبدالرحمن :أكيد كان لسبب لكن مو السبب اللي في بالك
سلطان : عبدالعزيز يظن أنه شغل أبوه هو الغلط اللي أرتكبه بس سلطان العيد مستحيل يظن أنه الشغل وحماية البلد غلط! . . سلطان العيد قبل وفاته ندَم أنه تصرف لحاله
عبدالرحمن بغضبٍ ينفجر بوجهه : مجنون! تحبك القصة من خيالك وتألف من عندِك وتقول ندم وما ندم! وشلون عرفت أنه ندَم! . . يا سلطان كافي تحليلات من خيالك
سلطان بغضب يبتعد عن عبدالرحمن وهو يُعطيه ظهره لينظر للنافذة : ندَم وبلغ مقرن وكان راح يجينا! لكن حصل اللي حصل
عبدالرحمن بحنق يجلس على كُرسيه : استغفر الله العظيم وأتوب إليه . . أستغفر الله بس!
سلطان : جلسنا سنين نجمِّع الأدلة عشان نعتقلهم كلهم! وكنا نعتقل جماعات تحتهم وتنتهي فترة حكمهم ويطلعون! لكن وش استفدنا؟ ما أستفدنا شي لأن كل واحد فينا يحاول يشتغل بروحه
عبدالرحمن : سلطان أطلع برا لا تطلع جنوني اليوم!
سلطان : عبدالرحمن أنت تخبي شي
ألتفت عليه بنظرةٍ مندهشة ليصرخ وهو يصِل لقمة غضبه : أتهمني بعد!
سلطان : كلنا متهمين لين تثبت براءتنا
عبدالرحمن : سلطان أقسم بالله أقدِّم طلب الحين أخليك تبعد عن هالقضية! وتعرف أنه صلاحياتي تسمح ليْ
سلطان : تهددني؟
عبدالرحمن بحدّة :إيه أهددك
سلطان تشتعلُ البراكين بعينيْه : وش تعرف؟ كنت تعرف بموضوع سلطان العيد صح؟
عبدالرحمن بغضب يقف مجددًا : أطلع برا ما أبي أناقشك بأيّ شي .. ماعاد فيك عقل تفكر فيه
سلطان عقد حاجبيْه : وش اللي قاعد يصير؟ ليه كل شي قاعد ينهار!!!
عبدالرحمن بسخرية: البركة فيك من أستلمت هالشغل وكل يوم محاولة إغتيال وكل يوم سرقة ونهب!
سلطان : الحين الذنب كله صار عليّ ؟ . . بغضبٍ يصرخُ عليه . . مين اللي دفع حياته عشان هالإغتيالات على قولتك؟ . . . محد خسر كثري فلا تحلمني ذنب ما أستحقه! ولو فيه ذنب صدقني أنت تشاركني فيه
عبدالرحمن ينحني ليكتب على ورقةٍ بيضاء مهددًا : راح أطلب بإعفاءك . . وكذا مايصير عليك ذنب! . .
سلطان يضرب بكفِّه على الطاولة : تعفيني من منصبي يا عبدالرحمن!!!!!!
عبدالرحمن : صح اني ماأملك صلاحيات الإعفاء لكن أملك صلاحيات الأسباب اللي تخلي السِلطة تعفيك!
سلطان بغضبٍ يجعل عروق وجهه واضحة : وش الأسباب اللي عندِك؟
عبدالرحمن يتكتف : أطلع برا
سلطان ينظرُ إليْه بإنزعاج : الحين تفسيرات منطقية لموضوع سلطان العيد خلاك تطلع من طورك؟ أحييك والله
عبدالرحمن بثبات : أطلع برا
سلطان بغضب يصِل صوته لكل من في الطابق : لا تنسى أني أملك صلاحيات بعد تخليني أنقلك من الرياض بكبرها! . .
عبدالرحمن بإبتسامة : أطلع برا يا سلطان
سلطان يبتعد متجهًا للباب ليلتفت عليه : راح أخليهم يحجزونك لو حاولت تتصرف بموضوع أمني من غير موافقتي!
عبدالرحمن : برا !
سلطان يخرج ويضربُ الباب بقوة تُثير رهبة كل من في الممر، أتجه نحو مكتبه ليغلق الباب وهو يحاول أن يهدىء من أضطراب أنفاسه والغضب المنتشي بملامحه.

،

يقتربُ من ملامحها الناعِمة بخطواتٍ خافتة لينحني عليها وينظرُ لعينيْها المغمضتيْن، فتحتها بعد أن شعرت به، لتتجمَّد خلايا جسدِها بوجهٍ لا تعرفه، بوجهٍ يُثير الرعب في قلبها، بهمس : أششش ولا صوت . . خلينا حلويين
عبير تعُود للخلف لآخر زاويَة بالسرير الضيِّق دُون أن تلفظ حرف وعرُوق عينيْها تشتعل بالحُمرة، حمَد يتجاوز السرير ليضع كفِّه على خدِها لتشتعل حُنجرتها بصرخةٍ وصلت لمدى عميق، دخل الآخر بعجل : حمد الله يآخذ أمش قبل لا يجون!
حمد : أنتظر . . . بقسوّة وضع كفِّه على فمِها وهو يضغطُ بأظافره على ملامحها البيضاء : قلت لا تعاندين! . . . . . . هزّت رأسها كثيرًا تحاول أن تقاومه وهي ترتعشُ من لمساتٍ غريبة، من جسدٍ لا تعرفه، من هذه الملامح الكريهة، لم تعتاد أن ينظر إليْها شخصٌ لا تعرفه، لم تعتاد على نظرات الرجال وهي التي عاشت في كنفِ رجالٍ قليلين، أختنقت محاجرها بملوحةٍ مضطربة حتى سقطت عينيْها على فارس الذي توسّط المكان، ألتفت حمَد ليخرج قبل أن تتجمّد قدماه بوجود فارس أمامه، بغضبٍ أنطبق عليه نظرية الحليم الذي يجب أن تتقِ شرّه، سحبه بقوّة ودفعه على الجدار، مسك رأسه ليشدُّه من شعره ويُلقيه بإتجاه النافذة التي تكسّرت وتناثر زجاجها، لوى ذراعه خلف ظهره ليُردف بعصبية يحترق بها صوته : لا تحاول تلعب معي! . . . صرخ حمد من ذراعه التي شعر بأنها تنفصل عن جسدِه، وبعنفٍ لم يتوقعه من فارس المُسالم أخذ كفّ يدِ حمد ليكسِر أصابعه بقبضتِه، وأخترقت صرخته أسماعهم وهو يسمعُ صوت إنكسارِ أصابعه، لفّ جسدِه عليه ليُقابل وجهه : لا تحاول ولا حتى يجي على بالك أنك تقدر تلوي ذراعي!
وبصرخة : فاهم . . .
كان سيُلكمه لولا يدِ والده التي مسكته : أتركه . . حسبي الله بس
فارس بتجاهل ليدِ والده سحب يدِه الأخرى ليُلكمه بأقوى ما يملك حتى تناثرت الدماء من أنفِ حمد، شدّه من ياقته ودفعه على الأرض وهو يضع قدمِه على بطنِ حمد ويحفرها بمعدتِه : أقسم بالحي القيوم لو تحاول تقرّب منها لا أزفّك على القبر!
حمد بنظراتٍ رجاء لرائد حتى يُبعده، للحظة شعر بأنه مجنُون سيقتله، رائِد مسك فارس من كتفيْه ليُبعده : خلاص ما بقيت فيه عظم صاحي!
فارس بغضب : ولو أشوفه قدامي مرة ثانية لا أكسر راسه
رائد يُشير لحمد بأن يخرج، حمد تحامل على ألمه وهو يعرج حتى خرج من الغرفة : ما قمت تشوف قدامك! . . كل هذا عشان بنت عبدالرحمن!
فارس بقهر ينفجر بوجه والده : وش رايك بعد أصفق له ؟ عجيب والله أشوف هالحيوان يدخل وأسكت! . . ماألومهم من الوصخ اللي متربين عليه!
رائد بسخرية : لا تصدق مررة! . . طيب حبيبي؟
عبير انكمشت حول نفسِها وهي تضع رأسها على ركبتيْها، تشعرُ بأن وعيْها يغيبُ تمامًا ولا تشعرُ سوى بالبكاء، هذا الشعور تمامًا ينهشُ جسدي يالله، هذا الشعور الذي لا أعرفُ به ما يدُور في عقلي، الذي أجهل به إرتجافات قلبي، هذا الشعور الذي يتركني مع البكاء، أتوحَّدُ مع الملح، يالله لِمَ لا يدركون أن أظافرهم تقطِّع كبدِي؟ لِمَ لا يدركون أن عينايْ ملتهِبة بالبكاء، أنا لا أخافهم يالله! أخافُ من نفسي، أخافُ من هذا البكاء، أخافُ من هذه العزلة، أخافُ على أن تنام خلايا مخي ولا تستيقظ أبدًا، أخافُ من الجنون، هذا الجنون الذي يجعلني أشعر بأن لا حياة قادمة ولا حياة تستحق أن أسترجعها.
فارس بحدّة يُعيد على والده : هذي زوجتي! وصلت لك المعلومة يبه
رائد ينظرُ لعبير بنظرةٍ باهتة حتى عاد بعينيْه لإبنه : لعنة تلعنكم قل آمين . . . وخرج بخطواتٍ غاضبة.
عبير رفعت عينيْها بدهشَة، بدهشة اللعن الذي يجري على لسانِه وكأنه شيءٌ عادِي وهي التي اعتادت منذُ صغرها على حُرمة هذا اللعن وعلى الذنبُ العظيم الذي تقع به بمُجرد أن تلفظ هذا اللعن، شعرت بأن شيئًا غريبًا يحدُث، لا مُشكلة لدي بأن يلفظ كل الشتائم بوجهي ولكن أن يلعن! هذا الشيء الذي يُصيبني بفجاعة، يُصيبني بذات الشعُور كلما أتى في عقلي آيةٍ واحدة " وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم " ، هذه الآية يا فارس التي كانت تمنعني عنك في كل مرة، تمنعني عن سماع صوتِك، عن قراءة رسائلك، عن التغنج بزهرِك، كُنت أشعر بأن ذنبي عظيم حين أتذكر الله وكنت أشعرُ بأنه لاشيء حين أجدني وحيدة لا تحفني الملائكة، سوى ملكيْن يكتبُون أعمالي، سوى ملكيْن يا فارس من حق التفكر بهما أن يقتلوني.
فارس تنهَّد بعُمق لينظر ليدِه التي أنجرحت من ضربه لحمد، مسحها بأكمامه ليتجه نحو الباب ويُغلقه، ألتفت نحوها ولا يعرف كيف يُهدىء من خوفها ومن بكاءها، وقف صامتًا دُون أن يقترب خطوة، يشعرُ بأن البراكين تفيض بصدرِه ويديْه تهيجُ بأن تعاود الضرب على حمد، شدّ على قبضةِ يداه وهو ينظر إليْها ويستمعُ لصوتِ بكاءها الخافت الخادشُ لروحه/لقلبه الذي يضطربُ بذبذباتِه، أقترب قليلاً حتى وقف بجانب السرير وبصوتٍ خافت : عبير . .
غرست أظافرها بسيقانها التي تضمّها وهي تحاول أن تُسكِن رعشة جسدها، ودمعها لا يتوقف، لا تملك أيّ خليَة بعقلها تنتصب بثبات لتُصدِّق ما يحصل لها في هذه اللحظات، تفقدُ إدراكها بالأشياء لحظةً بلحظة، جلس على طرف السرير دُون أن يقترب منها حتى لا يُثير رعبها من جديد : أهدي . . محد راح يقرّب لك . . .
ومع كل كلمةٍ يلفظها تزيدُ ببكاءها، ليس لأن الكلمات وجع! ولكن الكلمات التي تهدأني دائِمًا ما تستثيرُ دمعي، تُشعرني بأني مُتعبة حدُ العدَم، حدُ الفراغ والإحساس بذاتِ العدَم، لو أنني أختفي من هذا الوجود للحظة، فقط لحظة أعيد بها نفسِي، أخاف! والله أخافُ من فقدان نفسي، هُم لا يعرفون ماهي الجريمة التي يرتكبونها بحقي؟ جريمةٌ بحقّ روحي التي إن أندثرت لن يُعيدها إليّ أحد، هُم لا يعرفون يالله كيف يعيشُ الواحد دُون أن يشعر بما يحدثُ حوله، هُم لا يعرفون يالله كيف يصِل الواحد من شدَّةِ حزنه أن لحظات فرحه هي ذاتها لحظاتِ حزنه، والله لايعرفُون كيف أنهم يخترقون الشخص ويلوثونه! لِمَ هذا العذاب؟ لِمَ هذا الأسى؟ لِمَ هذا البكاء يا أنا؟ من يجب أن ألوم؟
فارس و تفاحةِ آدم في عنقه تضطرب بحركتها : آسف . . ماراح يتكرر هالشي مرة ثانية . . وعد
بتوجس أقترب حتى وضع يدِه على رأسها، نفرت بسُرعة لتزحف جانِبًا، فارس : عبير . . أنتِ عارفة أنه هالبكي ما راح يفيدك بشي! وانا والله أساعدِك!!!
عبير تنظرُ إليْه بضيق : تساعدني؟ تساعدني منك!
فارس أشتعلت عروقِه بحُرقة من إتهامها : تشوفني عدوّك؟
عبير تُغطي وجهها بكلتا كفيّها وهي تهزُ رأسها بالنفي، فارس : أجل؟ . . تشوفيني كيف؟ . . عبير ليه منتِ راضية تستوعبين؟ أني والله ما أخترت أحبك! ولا أفتعلت دور العاشق عشان مصلحة . . أنا ما أخترت هالشي
عبير بين دموعها وهي تشدُّ على شفتِها لحظة وتُرخيها لحظةً أخرى : كنت تعذبني كل يوم وما تجرأت حتى تقول إسمك! . . خليتني أضيع فيك . . أضيع . . أخفضت رأسها وهي تختنق بهذه الكلمات التي تستثيرُ حزنها ولا تفعل شيئًا آخر.
فارس : وش كان راح يصير لو ما رحت غرفتك بالمزرعة؟
عبير رفعت عينيْها بإستغراب وهي تتسعُ بصدمتها ليُردف فارس : وش كان راح يصير لو ما شفت صورك؟ لو ماشفت رقمك مسجّل بأوراق كثيرة كتبتي فيها أشياء ما فهمتها . . كتبتي عن شخص ما عرفت وش يقرب لك! . . كتبتي عن حُبك الضايع . . عن أملك اللي أنمحى . . كنت يوميًا قبل لا أنام أفكر بهالإسم . . أفكر بعبير وبالصورة اللي شفتها . . وكل ما مسكت لوحة أبغى أرسم .. القاني أرسمك . . صرت ما أعرف أميّز ملامح أحد . .
عبير بتصادم فكيّها المرتجفيْن : ملامحي؟
فارس: قدامي نوعين من الملامح! ملامح عبير و ملامح هالعالم كله . . كنت اشوفك كذا . . وكان الفضول يذبحني أعرف مين هالشخص! . . تصرفت بحقارة أعترف . . حاولت أستعمل رجال أبوي بمصالحي! . . أستعملت خدمكم حتى يوصلون لي أخبارك . . أعترف أني تعديت على خصوصيتك بس أنا ما أخترت أحبك يا عبير . . ما أخترت . .
عبير بضيق تنكر كل هذه الإعترافات : ما كتبت شي بالمزرعة
فارس الذي حفظ النصُ من كثرةِ قراءته له : أنا التي أنتظرتك كثيرًا و أحببتك كثيرًا و تخيلتُك كثيرًا و لم أجِد منك شيئًا يكافئ هذا الكثير، أنا التي قُلت لك أني أحبك وأجبتني بصوتِ درويش، أجبتني بحُنجرة غيرك " يحبونني ميتًا "، كيف أقُول لك أنني أُحب درويش من أجلك ومن اجل عينيْك، كيف أقُول لك مثلما قال تكبّر.. تكبرّ! فمهما يكن من جفاك ستبقى، بعيني و لحمي، ملاك ، و تبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك.
عبير تسقطُ دموعها من نصٍ يُعيدها لسنواتٍ ماضيَة، من ولعُ محمود درويش ومن لحظات إختناقها بشعرِ درويش، ومن نهايَة الفجر الذي أستقبلُه بـ " أحنّ إلى خبز أمي و قهوة أمي و لمسة أمي " أنا التي أرتديتُ وشاحًا نُقش من أجل قصائده، كيف يتعدّى أحدهُم ويقرأني بهذا الوضوح؟ كيف يتجرأ أحدهم أن يقرأ حُزني بهذه الشفافيَة؟
فارس : بس ما كملتيها . . ما كملتي قصيدته؟
عبير : ليه فتشت بغرفتي؟ ليه قرأت أشياء ما تخصّك
فارس بتجاهل للومها ليُردف : وإنّي طفل هواك على حضنك الحلو أنمو و أكبر !
عبير : يكفييي
فارس : كان يشعلني فضولي إتجاهك
عبير تشعرُ بأن حصونها تتهدَّم بصدرها : ممكن تتركني لحالي!
فارس يقف : براحتك . . . براحتك يا عبير . . . أتجه نحو الباب حتى ثبت في مكانه من إسمه الذي يعبرُ لسانها الآن، لأولِ مرةٍ يشعرُ بأن لإسمه موسيقى خاصَة وجميلة جدًا.
عبير : لا تتركني! . . ممكن تجلس بدون لا تتكلم
فارس إتسعت إبتسامته بإنتصارٍ لذيذ ليُبعدها عن محياه وهو يلتفت نحوها، نزع جاكيته ليجلس على الأريكة التي بزاويَة الغرفة
أخذ نفس عميق عندما شعر بسكينتها، قلبي يا عبير! تسرقينه والله. لأني أحبكِ عادت الحياة لأوردتي، وعدتُ أرى أن هذا العالم بإمكانه أن يكُون جميلاً من أجلِ عينيْك، بإمكان هذا الكون أن يتجمَّد للحظة أمامي بمُجرد عبورك نحوِي، لأني أُحبكِ عادت الأغاني والقصائد لحُنجرة الرسائل، عاد كل شيءٍ لمكانه الذي يجب أن يكون به، أظنُ أنني أتجاوز العشق بمراحل، أنا هائم! هائم حدُ الفضاء، مُصاب بكِ، مُصاب بالجوَى، بالشغف، بالكَلف، بالوجد، بالود، بالوصب، بالغرام، بالعشق ، أتصِل إليْك كلمات الهوى مثلما أريد؟ أم تختصرُ الكثير مما أريد؟ أجُنِنتْ؟ أظنُ أنني فهمتُ جيدًا كيف لنظرةٍ أن تعبثُ بقلب رجلٍ تظنُه الأنثى لم تترك لها أثرًا، كل الإناث أثَر في عُمرِ أحدهم وهذا ما يجب أن يفهمنه ، كل الإناث عبارة عن وسمٍ في صدر أحدهم، كل الإناث منذُ العصُور القديمة، منذُ أن قال جميل بثينَة " ألا تتقين الله في قتـل عاشـق ، لـه كبـد حرّى عليـك تقطّـع، فيا ربّ حببنـي إليهـا وأعطني المـودّة منها أنت تعطي وتمنع، وإلا فصبّرني وإن كنت كارهـا فإني بها يـا ذا المعارج مولـع، تمتّعْتُ منها يوم بانـوا بنظـرة وهل عاشـقٌ من نظـرةٍ يتمتّع ؟ " . . مولّع يا عبير . . مولّع!

،

تنظرُ إليْه قليلاً حتى تعود بعينيْها لطفلها النائمُ، تُراقب تفاصيله الصغيرة لترفع عينها مرةً اخرى إليه وتُراقب أدقُ الأشياء التي يفعلها، لتعقيدة حاجبيْه وضيقُ شفتيْه التي تميلُ قليلاً بفتُور، لطُوله الفارع، لعرضِ كتفيْه وساعتِه التي يرتديها منذُ سنوات رُغم أنه يشتري ساعاتٌ كثيرة ولكن تبقى هذه، تبقى وسمٌ على معصمِه لتُذكرني بأحبك رقيقة نطقتها للمرةِ الأولى له، هذا الشيء الوحيد يا منصُور أشعرُ بأنه شيء خاص بيْ لا يُشاركني به أحد، هذه الساعة التي أهديتُك إياها وأنا في سنتي الثانية بالجامعة، تحديدًا في أولِ خطوبتنا التي أستمرت فترة طويلة حتى تنتهي بالزواج، ألتفت عليها عندما لاحظ تأملها به، رفع حاجبِه بإستفهام لتأخذ نفسًا عميقًا وتنظر إلى طفلها مرةً أخرى.
تقدّم إليها ليجلس وينحني بقُبلةِ على أنف عبدالله الصغير، رفع عينه إليْها : وش فيك؟ مو على بعضك؟
نجلاء : ولا شي . . بتروح الحين؟
منصور : إيه . . أقترب ليُقبِّلها بقُبلةٍ رقيقة على جبينها وبضحكة : متهاوشة مع أحد؟
نجلاء بضجر تُبعد عينيْها لتتكتف : شايفني مشكلجية ما يمّر يوم الا وأنا متهاوشة مع احد!
منصور : لا لا النفسية اليوم ماش! . . كنت أمزح . . .
نجلاء : طيب روح لا تتأخر على أبوك
منصُور ينظر إليْها بنظرة تتفحصُ عينيْها : عشان القضية؟ . . تطمّني الموضوع منتهي ماله داعي تشيلين هم
نجلاء بقهر : ما أعرف ليه تفتحون القضية من جديد! وش تبون توصلون له يا منصور! . . بتضايقون يوسف وبتضايقون عمِّي بعد وماراح تستفيدون شي . . المجرم وأعترف وبالسجن . . ليه تفتحون أشياء راحت وأنتهت؟
منصور يمسحُ على شعرها المنسدِل بخفّة على كتفها : لأن حصل شي جديد! وإحنا في بلد لها قانون محنا بفوضى!!!!
نجلاء برجاءِ عينيْها وبصوتٍ خافت : طيب المجرم معترف ليه تشككون؟
منصور : ممكن يغطي على واحد . . نجول هذي الأشياء يمكن ما تفهمينها لكن مهمة وتأثر على ناس كثير! . . . وقف . . تآمرين على شي يا عيني؟
نجلاء :سلامتك
منصُور يأخذ هاتفه ومفتاح سيارته : الله يسلمك . . وخرج ليرى أمامه يُوسف . . . أحسبك سبقتنا!
يوسف تنهد : لا . . قلت لأبوي يسبقنا وأنا أجي معك
منصور بخفُوت : فهمتها زين وش المقصود؟
يوسف بإبتسامة ضيِّقة : جبت العيد!
منصور ينزلُ معه للأسفل : وش قلت؟
يوسف : كنت أبي أوضح لها بس خليتها تشك بأخوها الله يرحمه
منصور : يسلم لي مخك
يوسف تنهّد ليضغط على عينيْه بأصابعه : يخي أنا أفكر بأيش ولا أيش . . مخي بروحه جايّ له تشنج من هاللي صاير! . . لازم أشوف فيصل اليوم
منصور : وإحنا طالعين نمرّه
يوسف : يالله أجل خلنا نستعجل وما نتأخر عليهم

،

وضعت يدِها على فمِها لتُسكِن شهقاتها المتتاليَة، الأنين الذي يُزيد من تجاعيدها ثقلاً و يخرقُ شعيراتها بالبياض، سقطت سماعة الهاتف من يدِها الأخرى لترتفع الحُمرّة في عينيْها بدمعٍ يحرقُ محاجرها ولا يُبقي بها مساحةً للتفكر، لا يُبقي بها مساحةً للتركيز.
ركضت نحوها لتضع يديْها الصغيرتيْن حول ساقِ والدتها : ماما
أنخفضت لتجلس على الأرض بجانبها وهي تُجاهد أن تقاوم بكاءها : يا عيُون ماما
ريف تنظرُ للدمع بعينيْن مُستفهمة لتُردف : تبكين؟
والدتها بإبتسامة تزيدُ تدفق الدمعُ بعينيْها لتُردف : وش رايك ننتظر فيصل . . . تحملها لتتجه بها نحو الصالَة، أجلستها بحضنها : ننتظره هنا على ما يجي . . . . تبيني أشغلك التلفزيون؟
ريف تهز رأسها بالرفض لتُردف بنبرةٍ رقيقة تُشير لنفسها بحركةٍ طفولية: أنا ماأحبك تبكين
تعانقها وهي تستنشق رائحتها وتغرقُ بتفاصيلها البريئة : الحين لما تضيع لعبتك مو تبكين؟ . . إحنا الكبار كذا نبكي بس مو عشان ضاعت لعبتنا . . . . عشان شي هنا يعوّرنا . . *تُشير ليسارِ صدر ريف*
ريف تلتفتُ نحوها وبإبتسامة مشرقَة : إذا جاااء بابا راح أقوله أنه عوّرك
والدتها تمسحُ دمعاتها الشفافة من على خدها : عوّرني؟
ريف : دايم تقولين أنه هنا بابا!
والدتها تعانقها بشدَّة لتضع ريف يدها الناعمة حول رقبة والدتها وهي تبتسمُ بأنها عرفت كيف تمسح بكاء أمها الرقيق، شدّت على شفتِها حتى لا تغرق بحزنها أمام إبنتها، لا تعرف لِمَ يُعذِّبها هذا الإبن بهذه الصورة؟ لا يُريّحها أبدًا وهو يتجه نحو الجحيم لوحده، من هؤلاء؟ كيف سترتاح بعد هذا الإتصال الغريب.

،

عضّت شفتِها السفليَة حتى لا تبكِ أمام صوتُها الذي يخترق كل الجُدران، صوتُها الذي تشعرُ بأن ظله قريبٌ منها، بأن صداه يسكنُ روحها، بأن هذه المسافات بأكملها لا تستطيع أن تقف حاجزًا بينهما، ابعدت شعرُها للجانب الآخر من كتفها لتُردف : ما فيني شي بس أشتقت لكم
والدتها : وإحنا مشتاقين لك . . . . ما ودّكم تجون؟
الجُوهرة بضيق بحّتها : ما أدري عن سلطان . . مشغول هاليومين كثير . . . أبوي عندِك؟
والدتها : آآيـ . . تنظرُ لإيماءة عبدالمحسن لها بأنه لا يُريد التحدث معها حتى خرج من المجلس بهدُوء.
أردفت : مو موجود بس يجي أقوله أنك اتصلتي
الجُوهرة شعرت بوجوده، شعرت بربكة صوتِها التي تُوحي بأنه لا يُريد التحدث معها، أبتلعت غصتها المترديَّة في حنجرتها لتُردف : تآمرين على شي يمه؟
والدتها : متأكدة أنك مو تعبانة؟ صوتِك يوجعني يا يمه . . تكلمي فيه شي صاير؟
الجُوهرة : تطمني كل أموري تمام
والدتها : أسألك بالله يالجوهرة لا تخبين شي!
الجُوهرة تستنزفُ كل طاقتها بالبكاء الذي أضناها : سلمي لي عليهم كلهم . . تآمرين على شي يالغالية؟
والدتها : ما أبي إلا أنك تكونين مرتاحة وسعيدة
الجوهرة : الحمدلله لا تشغلين بالك عليّ . . . مع السلامة
والدتها : بحفظ الرحمن . . بمُجرد ما أغلقته حتى رمت هاتف البيت الثابت بعيدًا وهي تدفنُ رأسها بالوسادة وتجهشُ بالبكاء، لا شيء يُضاهي وجع الصدُود، الصدُود من أحدٍ كأبي، لِمَ كل هذا يحدثُ معي في لحظةٍ واحدة؟ لِمَ كل هذا يالله! أرجُوك إلا أبي. كيف أعيش دُون صوتُ أبي؟ ولمسةُ أبي؟ وعينُ أبي؟ وحنانُ أبي؟ وكل أبي! لابُد أن تركي اتصل به، بالتأكيد أنه تحدَّث معه، يا مرارة الوجع التي لا تنفّك عنِّي، كُلما ظننتها أنها تلاشت أعُود لنقطة الصفر، للبداية التي ترهقني، كل شيء يستثيرُ البكاء، كل شيءٍ في الحزن يأتِ بغزارةٍ حادة، وقفت لتنظرُ للتاريخ في شاشة الهاتف، رفعته للأعلى، من المفترض أن تُنهي اليوم مراجعة سورة النور، أتجهت نحو الحمام لتُبلل ملامحها الشاحبة بالماء البارد، رفعت شعرها لتشعرُ بغثيانٍ يؤلم بطنها الخاوي، جلست على الأريكة لتأخذ مصحفها، فتحت على سورة النُور لتسقط عينيْها الآية 35 ، وتقرأها بصوتٍ مبحوح متعب: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وقفت دُون أن تتقدم للآية الأخرى، تتأملُ الآية وكأنها للمرةِ الأولى تقرأها، للكلمةِ الأولى، لصفة القلب البشري الذي يأتِ بقلبٍ نقي صافِي كزيتٍ صافٍ لا يخالطه شيء، مستعد أن يتعلم التعاليم الإلهية، فإذا وصل له العلم النافع اشتعل هذا القلب كإشتعال النار في فتيلة المصباح. أغلقت المصحف وهي تشعرُ بأن معدتها تستفرغ داخليًا دُون أن تتقيأ، نزلت للأسفل بخطواتٍ سريعة، نظرت لحصَة التي تقرأ إحدى الكُتب، بلعت ريقها لتُردف : سلطان ما جاء؟
حصَة رفعت عينيْها : لا . . فيك شي يمه؟
الجُوهرة : لا بس . . . ولاشي . . أتجهت نحو الدرج لتشعر بأن هذا العالم يدُور حولها، مسكت مقبض الدرج تحاول أن تستنِد إليْه، تستجمع بقايا القوّة التي بدَّدها سلطان بمزاجِه، ألتفتت نحو حصَة التي أخفضت رأسها بإتجاه الكتاب، كانت عينيْها تستنجدها، أرتفع صدرها بعلوٍ شاهق حتى هبَط وبهبوطِه سقطت على الأرض مغميًا عليها.
حصَة رفعت عينيْها التي أتسعت بالصدمَة، تركت الكتاب لتهروِّل إليها سريعًا، رفعت رأسها لتضعه على فخذِها : يمه الجوهرة . . . يممه أصحي . .. . . عاااااااااااااايشة . . جيبي موياا

،

يسيرُ يمينًا ويسارًا وهو يتحدثُ بلهفة عن حالِ بناته : الحمدلله . . وعبير؟ قدرت تشوفها؟
عبدالعزيز : تطمّن عبير شايلها بعيونه
عبدالرحمن : ليه مقدرت تجيبها معك؟
عبدالعزيز : هي في الدور الثاني! مقدر أوصلها! . . طلعت وأنا واثق بفارس
عبدالرحمن تنهَّد : يارب أحس بهالثقة
عبدالعزيز: قالوا بتجي اليوم؟
عبدالرحمن : مقدر أخلي هالخراب اللي صاير بهالفترة! . . جالس أحاول والله أجيكم بس مقدر . . بين نارين
عبدالعزيز بحنق : بين نار أهلك و بين نار وطنك . .
عبدالرحمن : بالضبط
عبدالعزيز : تختار شغلك!
عبدالرحمن : مضطر . . لأني واثق فيك يا عبدالعزيز مثل ما أنت وافق بفارس . . أرجوك بس أبعد عن عواطفك وفكِّر بمنطقية
عبدالعزيز تنهد : إن شاء الله . . وش صار بموضوع رائد؟ وش قررتوا تسوون ؟
عبدالرحمن : إلى الآن! . . نحاول نحل المواضيع اللي طلعت لنا وبعدها نفكر
عبدالعزيز : وش المواضيع اللي طلعت؟
عبدالرحمن : أقولك بعدين
عبدالعزيز بقهر تعتلي نبرته : من حقي أعرف! . .
عبدالرحمن : أنت تعبان ريّح هاليومين ولاحق
عبدالعزيز بغضب : لا تقرر عنِّي . . أبي أعرف أيش قاعد يصير ؟
عبدالرحمن: أنا عندي إجتماع الحين . . نتكلم بعدين
عبدالعزيز يصرخ بقهر : أنا ماني جدار تقررون وبعدين تبلغوني!
عبدالرحمن بحدّة : لا ترفع صوتك!
عبدالعزيز بضيق صوته الذي ينخفض تدريجيًا : لا تسوي فيني كذا! . . لا تقهرني بهالصورة
عبدالرحمن يجلس على طرفِ الطاولة : بنحطّك في الصورة يا عبدالعزيز بس مو الحين .. بالوقت المناسب
عبدالعزيز : الوقت المناسب! . . يضرب بعصبيَة الطاولة الخشبيَة التي أمامه لينغرز به مسمارًا لم ينتبه له، كتم نفسُه من الألم.
عبدالرحمن عقد جاجبيْه: عبدالعزيز؟
عبدالعزيز تحامل على وجعه ليُردف بقهر عميق : اللي تسويه فيني ما يسويه أبو إتجاه ولده . . يا يبه
عبدالرحمن بلع ريقِه من حساسيته إتجاه هذه النقطة، من " يبه " حين تخرجُ من عزيز : عز . . بس عطني وقت والليلة أتصل عليك أفهمك
عبدالعزيز بعُقدة حاجبيْه ينظرُ للدماء التي تسيل وهو يتقطّع بحُرقَة . . . أغلقه دُون أن يردف كلمة، أعطى الهاتف نايف وجلَس على الكُرسي المتمرج، بفوضويَة غضبه قطَع طرفِ قميصِه ليمسح دماءه، أنحنى بظهره وهو ينظرُ للسماء النقيَة أمامه، تراجعت عن الشباك : رتيـــــــــــــــــــل! . . .
سلّمت من صلاتها التي تفوتها كثيرًا بهذا المكان المعزول، بهذا التوقيت الذي يفرقُ كثيرًا ويتجادلُ مع أرواحنًا كثيرًا، بعينيْن متلألأتين : وش تسوي عبير الحين ؟
ضي تجلسُ بجانبها على السجادة وهي تضع كفّها على كفِّ رتيل : فيه شي بداخلي يقول أنه حالها مو سيء
رتيل تُخفض رأسها لينساب شعرُها خلفها : ما تعوّدت تبعد عني كل هالفترة، ما تعوّدت يمّر أكثر من يوم بدون لا أشوفها . . أخاف . . أخاف صاير لها شي وإحنا ما ندري . . . بتقطّع عشان أشوفها يا ضي
ضي تمسح على شعرها المموّج : رتيل .. . أبوك بيجي اليوم تبينه يشوفك كذا؟ وتزيدينها عليه؟
رتيل : أحس فيها! والله أحس فيها . . مهي مرتاحة . . أنا أعرفها عبير . . ما تقدر تنام على سرير مو سريرها . .
ضي تُشتت نظراتها لبعيد لا تُريد أن تنجرف معها وتبكِي، خرج أنينها المكتُوم الذي كان نادِرًا ما يخرج أمام أحد، خرج وهي تشتعل شوقًا لعبير : كيف لو صار مثل اللي نشوفه بالجرايد؟ كيف لو ما خلوها ترجع؟ . . كيف بنعيش؟
ضي تُشاركها الدمع المالح، وبنبرةٍ ضيّقة : تفائلي! أكيد أبوك قاعد يتصرف الحين معهم . . بس ما يبي يخوّفنا . . . وقفت لتمدّ يدها إليها وتوقفها معها وبصوتٍ خافت : روحي لعبدالعزيز . . برا
رتيل تمسح عينيْها بأناملها الباردة : ليه؟
ضي : روحي شوفيه . . لا تتركينه
رتيل بضيق تشدُ على جاكيتها من بردِ هذه المدينة التي أصبحت أتعسُ مدينة في عينيْها : ما أبي يا ضي . . . ووقفت متجهة نحو الأريكَة.
ضي تنهدّت لتقف أمامها : متضايق . .
رتيل : كيف عرفتِ!
ضي: مدري مين كان يكلم بس كان واضح أنه متضايق
رتيل تنظرُ لعينِ ضي بمحاولة لإكتشاف خداعها لتُردف ضي بضحكة تمسح بها هذا البكاء : والله منتِ بهيّنة تقلدين أبوك بعد!
رتيل بإبتسامة : ضي! إن طلعتي تكذبين لأخليك تولدين الحين!
ضي غرقت بضحكتها لتُردف : والله . . أستغفر الله بس
رتيل كانت ستتقدّم للباب الخلفي ولكن تراجعت للمرآة المعلقة لتنظر لشكلها أمام إبتسامات ضي التي قلدت صوتها : ما أبغى أشوفه!
رتيل ترفع شعرها بأكمله كذيل حصان : صدقيني لو أبوي يدري عن هبالك ما كان فكّر يتزوجك! حسافة بس يحسبك عاقلة وأنتِ من جنبها . . .
لم تُكمل سيل كلماتها من يدِ ضي التي سحبتها بإتجاه الباب : ليتك تخافين على نفسك بس وتفكرين فيها . . .
رتيل فتحت الباب لتتجه نحوه، تنحنحت حتى تُجذب نظره إليْها ولكن الصمت هو من أجابها، وقفت أمامه لتشهق عندما رأت يدِه، رفع عينه إليْها دُون أن يلفظ كلمة، مسكت يدِه التي تنزف بكلتا كفيّها : وش صار؟ وش اللي جرحها؟
عبدالعزيز يسحب كفِّه منها وهو يعقدُ حاجبيْه بضجر.
رتيل بضيق : لحظة . . . . ودخلت للداخل . . وين أمس شفتي علبة الإسعافات ؟
ضي التي كانت تتجه نحو المدفأة : بالغرفة اللي جمب المطبخ . . ليه؟
رتيل وهي تبحثُ بالأدراج وتحذف كل شيء أمامها بفوضوية : يدِه مجروحة . . .
ضي تقدمت إليها لتمدّ لها الحقيبة البلاستيكية التي كانت أمام رتيل المُشتتة، رتيل وقفت لتأخذها وتخرج بخُطى مبعثرة خائفة.
جلست بجانبه لتسحب يدِه دُون أن تترك له مجال أن يناقشها، عقمتهُ وهي تمسح الدماء التي أنتشرت على راحةِ كفّه، أخذت الشاش لتلفُّه حول يدِه : تُوجعك؟
هز رأسه بالرفض ليُردف : أبوك ماراح يجي اليوم! ما قدَر
رتيل تجمدّت عينيْها دُون أن ترمش، كانت تنتظر طيلة البارحة متى يأتِ الصباح حتى تراه، وقفت وهي تُشتت نظراتها بعيدًا : طيب، أنا بدخل . .
عبدالعزيز يسحبها بيدِه الأخرى لتجلس بجانبه، وضع رأسه في حُجرها ليستلقِي على الكرسي العريض المعلّق، نظرت إليْه لثوانِي طويلة حتى رمشت وسقطت دمعتها بجانبِ عينِه، أنحنت لتراقبه وهو يُغمض عينيْه، قبَّلت مكان دمعتها بقُربِ عينِه اليُمنى، نامت كفيّها على رأسه دُون أن يشاركهما الصوت بكلمةٍ أو حتى حرفٌ بسيط يُخمد النيران التي تشتعل بهما.
الرجال لا يقولون شيء، الرجال عندما يضعفُون يلجأون لمرأةٍ واحدة تمدّهم القوة، بعد كل هذه الفترة الطويلة يا عزيز أنا أفهمك تمامًا، أفهمُ ضجرك وأفهمُ تعبك وإستيطان الحزن بك، أفهمُ تقاطعات الضيق بعينيْـك، أفهمُ تمامًا يا حبيبي لِمَ كانت حياتنا مُرَّة؟ لِمَ كان في فمِي تنامُ ذكراك و قلبِي يحاول لفظِك كل ليلة؟ لِمَ كان قلبِي يتجاوزني ولا يُلقي لمحاولاتِي بالاً؟ رُدَّ لي بعض قلبي أعش به، رُدَّ لي عقلٌ يُقنعني بحقيقة ما يجري.
رمشت عينيْه ليُعيد إغماضها وهو يضع كلتا يديْه بين فخذيْه، يتخذُ وضعيَة الجنين المنكمش حول نفسِه، مسحت على شعره كثيرًا لتلفظ ببحة هذه السماء في هذه اللحظة، بصوتِ الريح التي تحرِّك الحبال المتمسكة بهذا الكرسي، بصوتِ هذه الأرض التي لا نعرفها مرارًا ونجهلها تكرارًا : تعرف يا عبدالعزيز! . . قد ما أنقهر منك . . من تصرفاتك بس توجعني هالنظرة منك
لا يرد عليها، مازال يتوحّد مع نفسِه ومازال رأسُه المثقل في حضنها،
رتيل بحُمرة تضيِّق على دمعها : ما يعني لك شي؟ أني أنتظرك وأنت هنا . . جمبي . . قريب مني وإيدي على راسك . . ما يعني لك أيّ شي أنك قريب و أني . . أشتاق لك . .
يستلقي على ظهره ليفتح عينيْه عليها، على ملامحها الناعِمَة وإن شحبت قليلاً، كيف تكُونين أنثى بهذه الطريقة اللاذعة؟ بهذا اللؤم الأنثوي؟ كيف يكُون دمعك نقطة ضعف بي؟ وكيف تكون ضحكتِك نقطة ضُعفٍ أخرى؟
رتيل بحاجبيْها المعقوديْن: ما يعني لك أني اشبهك كثير! أشبه قسوتك . .أشبه عيونك لما تضيق . . أشبه عنادِك . .
يستعدِل بجلسته ليُبعد رأسه عن حضنها وهو ينظرُ إليْها بعينيْن تحكي بعُمق وتُراقب تفاصيل بكاءها الذي لا يُشبه بكاء أحدٍ في هذه الدُنى.
تُكمل بصوتٍ مبحوح و في الأعلى غيمَة تصرخ للحظة وتخفت للحظةٍ أخرى، في الأعلى غيمة تُظللهما وتراقب الأشياء الصغيرة التي تلتحم ببعضها البعض من أجسادهما، هُناك في الأعلى غيمة تبرق السماء وتصبُّ الرعد بها، هُناك في الأعلى مطرٌ تغنيه السماء.
رتيل : ما يعني لك أيّ شي صح؟
عبدالعزيز عقد حاجبيْه : اللي أساسه هشّ وش نهايته؟
رتيل بغضب تقف : وش بعد! .. الحياة لك يا رتيل . . شوفي أيّ حيوان وأخذيه . . بس أنا لا تفكرين فيني
عبدالعزيز : أنا ما قلت كذا
ويهطلُ المطر ليُشاركها البكاء : إلا قلت . . أفعالك تقول . . عيونك تقول . . حتى كلامك معي واضح! . . بس أنت جبان ماتعرف تنكر ولا تعترف! . . أنت من أيش مخلوق؟ . .
تُبلل السماء شعرها ليلتصق بملامحها التي يختلطُ ملحها بعذبِ المطر لتُكمل : أتقِ الله في نفسك! . . أتقِ الله في قلبك . . حرام اللي تسويه فيني وفيك . . كافي! . . من شهور وإحنا نفس السالفة .. نفس الكلام . . خلاص . . خلاااص مليت . . مليت من نفسي اللي تتأمل بشي وبعدها تنصدم! . . أنت نفسك نفسك ما تغيّرت بس أنا اللي تغيّرت . . أنا اللي صرت زي المجنونة أحاول أقنعك بأنك فعلا حمار . . لأنك لو بني آدم ما كان قلت هالكلام لبنت مثلي!
عبدالعزيز بهدُوء : بنت مثلك!
رتيل بنرجسيَة : إيه بنت مثلي! يتمناها ألف واحد بس مختارتك وكل مرة تعرف أنها تخطي بإختيارك . . . أنا أعيش مع شخص ما أحبه لكن بيننا إحترام . . إحترام لمشاعري أشرف لي مليون مرة من واحد يهنني في كل مرة يشوفني فيها
عبدالعزيز يقف ليُبللهما المطر، متجاهلين كل هذه الغزارة من المياه وبقسوةٍ تعُود لصوته : أنتِ ما اخترتيني أنا اللي اخترتك
رتيل أرتجفت شفتيْها لتُشتت نظراتها : رجعنا للنقطة اللي عمرها ماراح تنتهي! . . رجعنا لمسألة أني معروضة عليك! . . هذي المسألة ما تعنيني شي على فكرة . . ماهي مشكلتي أنك حقير بهالصورة اللي تلوي فيها أبوي!
عبدالعزيز يُدخل يديْه بجيُوب معطفه : مكبوتة كثير! . .طلعي بعد وش باقي ما قلتيه!
رتيل : أنا نفسيتي تعبت يا عبدالعزيز . . يرحم لي والديك فكّر على الأقل فيني لمرّة! . . ليه كِذا ؟ بس قولي ليه تحب تعذب نفسك وتعذبني معاك ؟
عبدالعزيز سعَل من المطر والبرد الذي يتصبب على جسدِه المرهق : وش قلت لك؟ . . قلتِ مثواي الجنَة . . وقلت عيني يا رتيل . .
رتيل ببكاء : ما أفهم! أنا حمارة . . أنا غبية ماأفهم بهالأشياء . . قولي بشكل واضح . .
عبدالعزيز يُشتت نظراته التي بدأت تصعد الحُمرَة إليها : مقدر
رتيل : ماتقدر! . . عشان مين؟ عشان أثير؟
عبدالعزيز لايُجيبها وهو ينظرُ للسماء المكتظّة بالغيم، أخذ نفس عميق يبحُّ معه صوته.
رتيل بنبرةٍ باكية : ماراح تقول شي؟
عبدالعزيز : بس ينتهي كل هذا . . نتفق
رتيل : على ؟
عبدالعزيز بضيق : عشان ما يطلع أساسنا هشّ!
رتيل تُدخل يديْها بجيُوبِ جاكيتها وعينيْها تذرفُ الدمع بلا توقف : كِذا؟ . . يهون عليك قلبك بسهولة؟
عبدالعزيز : ماراح نوصل لشي . . ماراح ننتهي من هالمشاكل . . مو تقولين مليتي! خلاص ننهي كل شي
رتيل تنفجرُ بوجهها : جباااااااااااااان . . جبااان . . أعطته ظهرها وهي تتجه نحو السُور الخشبي لتقف بجانبه.
عبدالعزيز بتجاهل لكلماتها : أدخلي داخل . .
رتيل بحدّة : مالك شغل فيني! . . أبعد عنِّي
عبدالعزيز يقف خلفها مباشرةً، يُلصق ظهرها بصدره : ما أعرف أكون مثل ما تبين يا رتيل! . . لا تطلبين مني شي أنا مقدر عليه
رتيل بصوتٍ يتحشرجُ بالبحة : كلمة . . كلمة ياعبدالعزيز ماتقدر عليها
عبدالعزيز ببحّة تؤلم قلبِ رتيل : لأني ما أعرف أنهي حياتي اللي كانت قبلك! ماأعرف كيف أتقبل أنه ماعاد فيه أحد أقوله يممه.

،

بتنهيِدة ينظرُ إليْه ليعود لمكتبه دُون أن يلفظ كلمة، وهذا الصمت يُثير الرعب في نفوسهم، جلس ليضع أقدامه على الطاولة بإتجاههم: خذوا جثته وحطوها قدام السفارة! . . خلهم يصلُّون عليه مساكيين . . *لفظ كلمته الأخيرة بإستهزاء*
عُمر : فارس ما يطلع برا الشقة! . .
سليمان ببرودِ ملامحه : طيب تبيني أروح وأطلعه لك! . . حمار أنت! . . أخلص عليّ فكني من فارس عساه ما به فارس
عُمر بلع ريقه : نستعمل القوة مع رجاله
سليمان يقف وهو يأخذ التفاحة من صحن الفواكه ويقضمها بصوتٍ مقزز : ضحكتني وأنا ماني مشتهي أضحك! . . كلّم الكلب أسامة ولا حمد يطلعونه لك . . في راسك هذا مخ ولا درج!
عُمر بضيق : موت فارس بيكلفك كثير! . . لأنه صار نسيب عبدالرحمن
سليمان رفع حاجبه : نعم؟ وأنا من متى يهمني عبدالرحمن! . . ما أبغى أعيد كلامي! . . فارس أبيه يتبخّر مع هالمطر مفهوم؟
عُمر : رائد مستعد يسوي كل شي عشان ولده! . . الموت راح يخليه يفكر بجدية ينتقم منك ويترك عبدالرحمن وسلطان
سليمان بغضب يصفعه : قلت ما أبي أشوف أثر لفارس! . . لا تناقشني
عُمر بحدّة : فارس ما يهمك بشي! كذا بتخلي ألف واحد يتربص لنا
سليمان : وأنا أبيهم يتربصون لنا على قولتك! . . خلّ أسامة يسممه ولا يسوي له أيّ شي . .
عُمر برضوخ : مثل ما تبي! لكن راح تتذكر كلامي
سليمان : أنقلع عن وجهي .. لا أبو من جمعكّم يالخمّة! . . يجلسُ بالأريكة . . والحمار الثاني؟
عُمر بسخرية : الحمير كثير
سليمان : تأكد أني لو أربي حمار كان تعلم وأنت ما تعلمت . . عبدالعزيز الزفت! . . أنا إذا ما سارت خطتي زي ما أبي راح أخلي قبوركم معلَم سياحي!
عُمر تنهّد : مقدرنا نوصله . . بحثنا في الفنادق اللي جاها وبشقته وبشقة ناصر . .مالقينا أثر له
سليمان : وش صار على ناصر؟ ما قلت لي تطورات قضيته؟
عُمر : حطيت بصماته على السلاح عشان يتأكدون أنه هددهم
سليمان : حلو حلو . . يعني القضية جاهزة لناصر! . . وقف ليتقدَّم نحو الورقَة المعلقة وهو ينظرُ للأسماء التي شُطبت . . أخذ القلم ليشطب " ناصِر " وبنبرةٍ حزينة يُمثِّل : وش قد هالبلد تخسر من رجالها!

،

وقف أمام الباب كثيرًا وهو يتردد لحظةٍ ويعُود للحظةٍ أخرى، يشعرُ بشيءٍ يُرهق خلاياه، لا يستطيع للحظة أن يفكر بإتزان وبإستقامةٍ أكثر، تقدّم إلى أحمد الجالس خلف مكتبه، فيصَل بهدوء : السلام عليكم
أحمد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
فيصل : أبي أشوف سلطان بن بدر
أحمد : تفضل إجلس . . إتجه نحو مكتبه ليطرق الباب ولا يستمع صوت يأذن له، كان جالسًا يقرأ الخطاب الذي وصله، بغضبٍ عجن الورق بقبضةِ يدِه ليصرخ : مين!
أحمد أرتجف ليفتح الباب : عُذرًا .. . آآ . . ولا شي .. وخرج.
سلطان بقهر يرمي الورقَة ليخرج دُون أن ينتبه لفيصَل، أتجه نحو مكتبِ عبدالرحمن ليفتحه بقوَّة حتى سقطت عيناه عليه هو وعبدالله جالسَان يُدققان ببعض الأوراق، عبدالرحمن رفع حاجبه : خير؟
سلطان : وش اللي حاول تسويه؟ تبي تكسر ظهري ... انا ماني فاهمك! أنا عدوّك ولا صديقك! . .
عبدالله : وش صاير لكم؟
سلطان بغضب كبير : اقسم بالله لا أجيب تقرير بأنك أنهبلت .. وبأنه عقلك رسميًا توقف وماعاد تعرف تفكر زي الخلق!
عبدالله يقف : سلطااان! . . وش هالكلام؟
عبدالرحمن يقف هو الآخر ليُردف : أنت تحتاج تجلس لحالك وتراجع نفسك! راجع أخطاءك الأخيرة وطريقة تفكيرك وحبكتك لخيالاتك
سلطان يُشير إليه بسبابةٍ مُهددة : راح أعتبر اللي صار ما صار! . . . واللي محتاج يراجع نفسه هو أنتْ! وفاة مقرن مأثرة بعقلك مو بس بقلبك! . . . وخرج بغضب للأسفل متجهًا لخارج المبنى.
فيصل يقف :وش فيهم؟
أحمد يهزُ كتفه باللاأدري ليُردف : ماراح تقدر تشوفه اليوم
فيصل تنهَّد ليتجه نحو مكتبِ عبدالرحمن وينظرُ للباب المفتوح : السلام عليكم
ألتفتوا عليه، عبدالرحمن يجلس وهو يحاول أن يهدىء من غضبه، يشعرُ بالقهر من نفسه وليس فقط من سلطان : تفضَّل فيصل . . . . كنا راح نتصل عليك

،

هيفَاء تقف أمام رزنامة التقويم الموجودة في المطبخ، يومين بالتمام ويأتِ زفافها المنتظر، يومين بالتمام وتنقلبُ هذه الحياة ليُشاركها أحدٌ آخر، يومين فقط. دخلت لتجِدها تقف مبتسمة ببلاهة أمام التقويم، ألتفتت نحوها بخوف : بسم الله . . . خرعتيني
مُهرة : ما كنت أقصد
هيفاء بإبتسامة : رجع يوسف
مُهرة : لا . .
هيفاء بتوتر من الحديث مع مُهرة التي لا تجدها دائِمًا مُبتسمة : كنت أجرِّب أسوي حلا . . وش رايك تذوقينه وتعطيني رايك؟
مُهرة بإبتسامة : وريني . .
هيفاء تُبعد القصدير عن الطبق لتمدّه إليْها، أخذت حبة لتتذوقها بتلذذ : مررة حلوة
هيفاء : جد ولا تجاملين؟
مُهرة : والله مررة لذيذة . .
هيفاء : ومكوناتها يحبها يوسف مرة متأكدة . . خليه يجي بس وأذوقه إياه . . . . سمعت صوتُهما خارجًا .. هذولي هم جوّ . . خرجت لتجِد منصور ويوسف : طولتوا مررة
منصور : مرينا فيصل وما لقيناه ورجعنا
هيفاء بللت شفتيْها بلسانها بربكة : سويت حلا وأبيكم تذوقونه
منصور : بصعد أغيّر وأجيك . . . صعد لتخرج مُهرة من المطبخ متجهة نحوهما.
يوسف : وهذا اللي قدرتي عليه . . والله لو طابخة ذبيحة!
بإبتسامة يلتفت نحوها : وش صاير بالدنيا؟ السلطانة مهرة نازلة تحت
هيفاء : طيب وأنا قلت لك أني مستانسة أني مسوية حلا! شي جديد وجربته فيها شي؟
يوسف : طيب لا يكثر روحي جيبيه ويقيّمه لساني
هيفاء : مرتك لو يجيها حالة نفسية ما ألومها!
يوسف يضع ذراعه على كتفيّ مُهرة : أنا ومرتي نتهاوش ونتكافخ بعد بس أنتِ أطلعي منها
هيفاء : أفآآ يعني تفشيل بدون مقدمات
مُهرة ابتسمت : ما بعد شاف التكفيخ
يوسف : متعددة القدرات الله لايضرك
مُهرة تضربه بكوعها على بطنه بقوّة حتى عاد للخلف بألم : كِذا قدراتي تمام
هيفاء : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه منتِ هينة
يوسف يجلس على الأريكة : أنا قايل بنات حايل يرضعون مع أبليس بس محد صدقني!
مُهرة تجلس أمامه : من عذرك . . مآخذين قلبك بنات حايل
يوسف بضحكة عميقة أردف : شوفي الخبث! طبعا مين بنات حايل؟ هُم انتِ . . الله على غرورك بس تختصرين البنات كلهم فيك!
هيفاء جلست على الطاولة بجانب الباب لتتسع بإبتسامتها : أسمح لي يوسف بس طلعت مُهرة جايبة آخرتك
يوسف يحبسُ ضحكته ليُردف بغزل : تجيب آخرتي . . تجيب دنيتي . . تجيب اللي تبيه
مُهرة أرتفعت حرارة جسدِها لتضجّ الحُمرة بوجهها، غرقت هيفاء بضحكتها ليُشاركها يوسف بعينيْن تُراقب ردّة فعل مُهرة الخجولة.
هي الأخرى سحبت منديلاً لتمسح جبينها الذي تعرَّق : أنا بصعد
يُوسف : تعالي يا بنت الحلال . .
هيفاء : بروح أجيب الحلا . . دقيقة بس .. وخرجت
مُهرة تقف متجهة نحوه بعد أن أختلت معه : مشكلة أني احب الرياض ولا صدقني كان ممكن أكرهها بسببك
يوسف بسخرية : لا مالك حق! كيف يعيشون أهل الرياض بدون حبك
مُهرة تقترب منه وكانت ستتوعّده لولا أن يدِه سحبتها حتى سقطت على الأريكة بجانبه، أقترب من ملامحها : تضربين بعد!
مُهرة : محد أحسن من احد . . أتركني منصور بيجي الحين
يُوسف : يا قوتك بس! .. ماتبين تسأليني وش صار اليوم؟
مُهرة تغيّرت ملامحها بربكة : مو مهم
يوسف : مو مهم تعرفين أنك تظنين ظن سيء بأحد؟
مُهرة وقفت بتوتر كبير لتخرج من الصالة متجهة للأعلى دُون أن تلفظ كلمة وتشعرُ بأن قلبها سيخرج من مكانه، لا تُريد أن تصدِّق بأنها ظلمت أحد ولا تُريد أن تصدِّق بأن منصور بريء.

،

وضعت يدِها على شفتيْها بمحاولة تصديق ما يحدُث، نظرت بعينيْن لا تصدِّق ما تقوله حصَة امامها حتى رأت دمعتها تنزل بفرح : والله! . . يالله وش كثر بيفرح سلطان لو عرف . . راح أتصل عليه
الجُوهرة بدأت دموعها تهطلُ بغزارة على ملامحها لتشدّ على يدِ حصَة : لا . . أقصد يعني أنا أقوله . . لا تقولين له الحين
حصَة جلست بجانبها : الجوهرة خايفة من شي؟
الجوهرة أرتجفت بالبُكاء الذي يُصيبها في هذه اللحظة، لا تعرف هل يجب أن تبتسم لهذا الخبر أم تحزن؟ هل يحقُ لها أن تسعَد بخبرٍ كان من المستحيل أن تتمناه، أيجب أن أفكر بأنه من المستحيل أن يلاحظه سلطان أو حتى يهتمُ له، لن يشعر به، لن يشعُر بالشعور الذي عند جميع الأباء لأنه ببساطة لا يُحب أن يشعر! لا يُحب أن تتحرك أحاسيسه إتجاه أحدٍ ما، كيف أخبرك؟ أنا حتى أخاف أن تصرخ بوجهي عندما أقول لك، لأنك لا تُريد مني شيء، لا تُريد أن انجب طفلاً رُبما يشبهني! رُبما يشبه أحدًا من عائلتي، رُبما يذكرك في كل مرة أن هناك جرحٌ لم يتلئم، و هُناك حزن لم يندثر رُغم كل هذه السنوات، هُناك أثر! هُناك ألم و وجع فيّ أنا . . أنت لا تعرف ولا تُريد أن تعرف، قاسي جدًا.
حصَة : حبيبي جُوج وش فيك؟ . . مفروض تنبسطين .. هذا الخبر اللي منتظرينه من زمان!
الجوهرة : بس سلطان ما ينتظره
حصَة بمُقاطعة حادة : لا تقولين كذا! . . لو تبلغينه الحين بتشوفينه طاير من فرحته . . . أبعدي كل هالمشاكل اللي بينكم بعيد وخلِّي هالحمل يقربكم من بعض
الجُوهرة أخفضت رأسها لينساب شعرها عليها وهي تضع يدها على بطنها، تحاول أن تصدِّق بأن هناك روحًا بداخلها، أصغرُ من كل هذا، حصَة : تتصلين عليه ولا أنا أتصل؟

،

باللاإراديَة قلدت حركات شفتيْه عندما أستيقظ، تأفأفت لترفع شعرها بطريقةٍ أنيقة وتضع في أذنها قرطها الذهبي، ألتفتت إليه وهو يُغلق أزارير ثوبه : بتطلع؟
ريان بسخرية : لآ بجلس معك أتونّس
ريم بإبتسامة : خسارة! . . جلستك مكسب
ريّان يتقدّم نحو التسريَحة ليبعدها بيدِه وهو يُعدِّل نسفة شماغه متنهدًا : خففي هالروج!
ريم تسحب منديلاً وهي تستجيبُ له بلا إعتراض : كِذا زين؟
ريّان يعرف ماذا تُريد، بلؤم الرجال الذي لا ينتهي إقترب منها ليُقبِّلها بهدُوء جعل سيقانها تتجمَّد، أبتعد وبنظرةٍ ذات معنى : كذا أزين . . . وأخذ مفتاحه وهاتفه خارجًا.
ريم تزفرُ أنفاسها التي توترت : يبغى يروضني! . . طيب يا ريَّان . . . . لحقته لتنزل معه للأسفل.
والدته : وإحنا صايرين مانشوفك!
ريّان : معليش هالفترة مشغول
ريم : طيب ريان لا تنسى غداء بكرا! عشان تحجز لنا بدري
ريّان رفع حاجبه : غدا؟
ريم بإبتسامة : إيه مو قلت أنك عازم خالتي وأفنان وبنتغدى بالواجهة
ريّان صمت قليلاً حتى أتى صوتُ والدته : زين تسويّ صار لنا قرن ما طلعنا
ريّان بنظرة وعيد وهو يلفظُ بين أسنانه التي شدّت على بعضها البعض: طيب ماراح أنسى. . . وخرج بخطواتٍ غاضبة تشتدُ غضبًا في كل لحظة.
ريم بإبتسامة واسعة : خالتي وين أفنان ؟

،

على أطرافِ أصابعها كانت تسيرُ بإتجاه النافذة، فتحتها ليهبّ هواءُ باريس المحمَّل بالمطر، تجمدَّت أصابعها عندما أقترب لأذنها الصوت القادم من الشرفة الجانبيَة : مجنون أنت! . . قوله مقدر، هو أصلا بينهبل من بعد هروب عبدالعزيز! .............................. لا . . . تقريبًا يمكن الحين نايم يا عمر مقدر أدخل عليه و بنت عبدالرحمن عنده . . . . من جدك أنت ؟ . . . . . . . أستغفر الله بس! . . . . طيب الليلة أنهي لك هالموضوع . . . . خلاص لا تحنّ الليل بمحي لك هالفارس! . . . . طيب . . .يخي أبثرتني . .. مع السلامة
تجمدّت عروقها وهي تسمعُ لكلماته المُفزعة، ألتفتت لتجِدهُ نائِمًا على الأريكة ويتضحُ على ملامحه التعب، جلست على ركبتيْها عند رأسه وهي لا تعرف كيف توقظه : آآآآ . . آ .. ففـ .. فارس! .. وضعت يدها على كتفِه لتُحركه قليلاً، أستيقظ بفزع لتلفظ بعفويَة : بسم الله عليك! . . .
فارس يرمشُ بعينيْه يحاول أن يستوعب من أيقظه؟ أم يستوعب كلمتها الأخيرة . . نظر إليها بعينيْن غير مصدقة حتى قطعت كل خيالاته بصوتها : آآآ .. يعني . . . . . ممكن تصحى؟
إبتسم على ربكتها ليستعدِل بجلستها : محتاجة شي؟
عبير تقف ويديْها تتشابك ببعضها البعض : لا . . شتت نظراتها بعيدًا عنه لتُكمل : تو فتحت الشباك . . و .. يعني سمعت واحد يتكلم
فارس : إيه
عبير بربكة : يقولون أنهم بيمحونك . . ما فهمت كلامه بالضبط . . لكن كان يقول إسمك
عقد حاجبيْه : أنا؟
عبير : إيه . .
فارس وقف : طيب لا تتحركين وراجع لك . . . وخرج وهو يضع يديْه في جيُوبه وينظر لرجال والده المنتشرين في كل مكان وفي كل زاويـة، دخل عند والده ليجذب عينيْه له : صح النوم!
فارس : اللي يسمعك يقول نمت نومة ولا أحلى منها! كلها غفوة . . بعدين يبه وش دراك أني كنت نايم؟
رائد : العصفورة قالت لي
فارس بإبتسامة : عصفورة! . . عصفورة ولا الحمار اللي مخليه يراقبني!
رائد : ما أناقشك بمسألة انه حمار لأن هو حمار فعلاً لكن . . أرتاح وتطمن حبيبي محد يراقبك
فارس ينظر لأسامة الجالس بعينٍ جعلته يرتبك من أن وصل له شيءٌ عنه : باين يا أسامة أنك تشتغل بتركيز . . عيونك تعبانة!
أسامة وقف : تآمر على شي؟
رائد : لا تقدر تروح
فارس يقف أمامه : وين كنت اليوم؟
أسامة : هنا . . أبتعد قليلاً ووقف فارس مجددًا أمامه : بس ما كنت موجود العصر! . .
أسامة بتوتر : كنت تحت
فارس يُبعد جسدِه عن طريقه : أحلام سعيدة . . ألتفت لوالده . . واثق في هالحمار؟
رائد تنهّد : ألفاظك بدت تصير زي وجهك
فارس : مليت من الكلام الحلو والذرب قلت أجرّب شوي ألفاظ الشوارع
رائد : بنت عبدالرحمن طلعت جنونك
فارس يقترب من والده ليلفظ : على فكرة ما تنتقص مني بشي بهالكلام! إيه مجنون فيها
رائد : الله يخلف عليك! ما منّك فايدة ..
فارس يحك رقبته التي تيبست من غفوته الخاطئة : إيه نسيت لازم الفايدة تكون بأني أنهي حياة أحد . . كذا المجد لي
رائد : بالله ريّح مخي من مثاليتك وأفكارك اللي ما كسبنا منها شي! . . الحياة همجية . . حط هالشي في بالك
فارس تنهّد : مدري مين حاط في بالك هالتعاريف الواطية
رائد إبتسم ليُردف وهو ينظرُ للأوراق : أمك أتصلت تقول ليه ما ترد عليها ؟ قلبها تقطع المسكينة
فارس يُراقب نبرة والده الساخرة ليُردف : بس هذا اللي قالته ؟
رائد : إيه محرومة من النوم كله تفكر فيك خايفة أننا ما رضعناك
فارس : هههههههههههههههههههههههههههه
رائد يرفع عينه : من جدي أتكلم! . . أتصل عليها تراها مجنونة تروح تبلغ عنك وتفضحنا
فارس : الله العالم مين المجنون
رائد بهدُوء :أنا أحس الله رزقني عائلة تذهلني بقدراتها دايم . . أنقلع عن وجهي لا يجيك ذاك الكف اللي يخليك تعيش البرزخ
فارس : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ما افتي لك بس ما يصير كذا! لا تقول البرزخ
رائد بغضب : انقلع عن وجهي! . . أنقلع لا تخليني أذبحك الحين
فارس ببرود يستفز والده : إحنا يبه من ربع اللي قالوا نحنُ قوم إذا أحبوا ماتوا . .
رائد : الكلب اللي قالها لو يشوف أمك ينتحر مو من حبه من قهره . . . . .
فارس بهدُوء :حقك عليّ
رائد : وش تبي توصله ؟
فارس : لهدرجة هالجملة تضايقك كثير؟
رائد يقف متجهًا نحوه : ما تضايقني! بس لأني عارف وش تبي توصله . . . أنا بالنسبة لي حياتك أهم من كل شي وحط هالشي في بالك قبل لا تسوي أيّ شي غبي!
فارس : أمرك . . يقتربُ منه ليقبِّل جبينه ويهمس . . أبعد رجالك عنِّي لا أصدمك باللي راح أسويه . . . . وخرج متجهًا للأسفل.
نظر لأسامة وهو يعطيه ظهره ويحضِّر الشاي، نظر لإنفلات شيءٍ من جيبه في كُوب الشاي، ألتفت أسامة : جيت! . . أجل خذ صحصح على هالشاي
فارس : وش حطيت فيه؟
أسامة بإبتسامة : سكر
فارس رفع حاجبه : سكر؟ . . .أخذه منه ليقذفه بوجهه الذي أحترق بحرارته، ركله في بطنه حتى سقط على الأرض ليشدُّه نحوه : مين بيمحيني؟ . . ها ؟ . . . لكمه بشدّة على وجهه المبتَّل بالشاي ليجلس فوقه وهو يُردف بغضب : وش رايك أخليك عظة للحيوانات اللي معك؟ . . صرخ بقوة . . يبــــــــــــــــــــــــــــــــــه! . . .
ثواني حتى أتى بغضب والشتائم يطلقها بصورةٍ سريعة : قوم عنه
فارس : لا أبيك تشوف رجالك وش يخططون عليه؟ . . تكلّم
أسامة : فارس وش فيك! فاهم غلط . .
رائد : حسبي الله بس . . قوم لا أفرمك الحين معه
فارس : قبل وش كنت تقول ؟ حياتي أهم من كل شي .. طيب هذا اللي تشوفه كان بيسممني ولا تسألني ليه؟
رائد ينظرُ لأسامة بريبِ ليُردف فارس وهو يقف : قايلك أنك تتعامل مع حمير بس ما صدقتني . . . ودخل لغُرفة عبير . . شدّ معطفها ليتقدّم نحوها . . سحبها من معصمها دُون أن يترك لها فرصة بأن تتحدث او تقول شيئًا، خرج بخطواتٍ سريعة من الشقَة وبنبرةٍ يستعجلها : أركبي السيارة
عبير تفتح الباب وهي لا تعرف ماذا يُريد أن يصِل إليه، ركبت ليركب معها ويقودها بسرعة، توجهت طلقات الرصاص ناحيته لتكسر الزجاج الخلفي، فارس : دنقي . . .

،

يضع معطفه فوقها : عنيدة!
رتيل التي تجمدّت بالبرد و البياض يتبخَّر من بين شفتيْها : مزعوجة منك يا عز ولا تحاول تكلمني
يجلسُ بجانبها ليبتسم بخفُوت : عز! . . اول مرة تناديني بهالإسم
رتيل بسخرية : واضح أني كرهتك
عبدالعزيز يقترب منها ليُقرِّب كتفيْها منه وهو يحاول أن يدفئها بجسدِه : على فكرة بما أنك قلتي جبان كثير لازم أثبت لك العكس
رتيل : تثبت لي بأيش؟
عبدالعزيز يقترب من إذنها ليهمس : وش منتظرة تسمعين؟
رتيل تحاول أن تدفعه ولكن قوته أكبر، ضحك ليُردف : صفِّي النية
رتيل : عبدالعزيز أنت تجرح وتجي ببساطة تمشي على جرحك! ولا كأنك مسوي شي
عبدالعزيز بهدُوء : لما أجرحك . . أجرحني
بجهةٍ أخرى يُطلق تصفيرًا خافتًا بلسانه من خلف الأشجار، ليضع السماعة في إذنه وهو يلحِّن الكلمات : موجودين . . موجودين يا حبيبي .
عُمر : وين ؟ برا باريس؟
: مدري إذا موجود عبدالعزيز أو لا بس الأنوار شغالة. . و إذا ساكنة مرت أبو سعود ماظنتي يكون داخل .. أتوقع أنه مو موجود . . مافيه ولا سيارة أصلاً قدام الباب
عُمر بإبتسامة خبث : محد موجود . . غير البنات؟ .. طيب لحظة أول شي سالفة أخته وصورها مع ناصر في لندن!
: إيه لا تهتم دقيقتين وربِّك لا تشوف خبر غادة عنده . .
عُمر : كفو والله . . الساعة 11 أبي يكون عند عز خبر بموضوع غادة! . . وأسمعني زين لا يدري سليمان أننا نعرف بأنه ناصر بلندن! . . لازم نستغل توريطة ناصر هالفترة . . ونستغل بعد توريطتهم هناااااك!

،

يدخلُ البيت بخطواتٍ تشتعل من أمور العمل التي لا تنتهي، ألتفت ناحية عائشة الواقفة : ماما حصة وين؟
عائشة قبل أن تتحدث أنفتح الباب لتدخل معه الجوهرة وعمتِه، بعُقدة حاجبيْه : وين كنتم؟
حصَة تنزع نقابها وبإبتسامة شاسعة : خل الجوهرة تقولك
سلطان : تطلعون بدون لا تقولون لي وأنا محذركم مليون مرة!
حصة تنهدت : وش فيك معصب! خلاص طلعنا ورجعنا ماصار في الدنيا شي .. أنا بدخل أطبخ شي للجوهرة ماكلت شي من الصبح . . وأبتعدت عنهما.
سلطان أقترب منها : وين كنتم؟
الجوهرة تنزع عباءتها : كنا في المستشفى .. تعبت شوي وأصرّت عمتك
سلطان بنبرةٍ تُخيفها : تعبتِي شوي؟
الجوهرة وصدرها يضطرب معها بعلوِه وهبوطه : إيه . . يعني وش فيها الواحد ما يتعب
سلطان بقهر : لاأتعبي يا قلبي . . ألف سلامة عليك
الجوهرة تراقب عروقه المتفجرة بوجهه : صاير شي؟
سلطان يتجاهلها متجهًا للأعلى، تبعته وهي تُردف : فيه شي أبي أقوله لك
سلطان : ماأبغى أسمعه لأن مزاجي مقفل
الجوهرة : على أساس أنه مزاجك دايم مروّق
ألتفت عليها بنظرة . . . .


.
.

أنتهى

.
.


نلتقي إن شاء الله يوم الجمعة ()





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 26-01-13, 10:53 PM   المشاركة رقم: 69
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء ( 69 )



- تأخرت عليكم، معليش ما كان الوضع بإيدي، على العموم كنت بقولكم قبل لا نبدأ البارت إنه إن شاء الله نلتقي الجمعة لظروفي، ولأن هذي البارتات الأخيرة لازم لها شويّة شغل أكثر من البارتات السابقة، كلكم تعرفون أنه دايم النهاية تكون صعب الواحد يكتبها بيومين . . فعشان كذا ممكن على توقعي أنه النهاية بتكون البارت 75 إن شاء الله أو ممكن حولها . . يعني بدآ العد التنازلي للنهايَة، كل الأحداث بدت تتضح، مثل ما عودتوني ووقفتوا معي بالبدايَة، أكيد ماراخ تبخلون عليّ بالدعم في النهايَة، المهم كم باقي مو مهم قد ماهو مهم أني أوصلكم أنه البارتات متعبة عشان كذا بوقف هالثلاثاء عشان الجمعة ينزل بارت مهم بعد بإذن الكريم + ولو تلاحظون أنه أصلاً البارتات الحين صايرة طويلة أكثر لأن ما أبغى أقسمها، بخليها تنزل طويلة عشان تنتهي على خير بالتاريخ اللي حددته في بالي وشي ثاني لأن نهاية هالرواية ماتقبل الإختصار بأيّ حدث، وفيه أشياء ممكن تشوفونها بسيطة لكن برؤيتي أشوفه حدث مهم + شكرًا كبيييرة لدعواتكم الطيبة، جد أسعدتوني وأخجلتوني بعد :""" ماأنحرم من هالقلوب الطيِّبة ()

+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.


المدخل لـ الحميدي الثقفي .


آه يا قربك ويا بعد المسافة
اقرب من القرب لكنك بعيد
أنت عمر صـب في عمري جفافه
نصف نار ونصفه الثاني جليد
أنت نهر عندي استودع ضفافه
واعذابي لا افتكرت إني وحيد !
حزني ابسقف المسا يأخذ كثافه
ويتصاعد صبح دخان وحديد
وارتمي بين الحقيقة والخرافة
جوف صدري عذق وضلوعي جريد
افتح الدفتر ويصفعني غلافه
ويتساقط كل ما به من قصيد
وتختنق دمعه ويسقط حلم تافه
وارجع ارسم اكتب احلم من جديد !
آه يا قربك ويا بعـد المسافة
اقرب من القرب لكنك بعيد !



ألتفت عليها بنظرةٍ لا تدرِي ما هيتها وإلى ما تصِل إليه، عادت بخطواتها للخلف حتى ألتصقت بالجدَار وصدرها يرتفعُ بعلوِ الشهيقُ دُون الزفير، الزفير الذي دائما ما يهزمني بقوةِ أنفاسه التي تسلب الهواء من مُحيط فمي، تصَادم فكيّها برجفةٍ خافتة وهي تنظرُ إليْه برهبةٍ لم تستطع أن تُخفيها، أقترب حتى وضع ذراعه بشكلٍ أفقي على نحرها ليُردف بحُمرة عينيْه الغاضبة : لسانك طايل! . . أنتبهي على نفسك منِّي . . مفهوم؟
عضت شفتِها السفليَة بمحاولة جادّة أن لا تبكِي أمامه، بمحاولة أكثرُ صدقًا بأنها لا تنهارُ وتضعف، بمحاولةٍ حقيقيَة بكَت، سقطت دمعة من عينيْها الداكِنة، رفعت نظراتها للسقف وشفتيْها ترتجفَان معًا، البردُ يحقن نفسه بجسدِها رُغم دفء الأجواء، في كل مرّة، في كل لحظة أؤمن أكثر بأن البرد هُنا! في صدرِي وليس في السماء ولا في الهواء، ولا الريحُ تجلب هذا البرد، البردُ فيّ وإن طالت الشمسُ هناك، لم يُساعدني هذا الدفء على أن أستعيد توازنِي من عينيْه الغاضبة، لم يُساعدني أبدًا بأن يُخفف ربكتي في اللحظة التي يتسربُ حبه في دمائي، حتى عينيْه يالله! حتى عينيْه تهزمني شر هزيمَة، لمرّة واحدة . . لمرةٍ واحدة يالله أجعلني صالحة بما يكفي بأن أرد عليه، بأن أغضب . . من حقي أن أغضب وأحرقه بالكلمات مثلما يُحرقني، أن أفرغ هذه الشحنات السلبيَة المشبعّة بحُبه، لِمَ أحبك على أيّ حال؟ لِمَ أُخبرك أيضًا بخبرٍ أجزم بأنه لن يُسعدِك! لمْ يعتاد قلبك أن يفرح لأنه لم يحزن كفايةً ولم يفرح أيضًا كفايةً ، أنت النصف يا سلطان، نصفُ الأشياء التي لا ترحل، ولا تعود أيضًا، أنت النصف المعلّق بالسماء التي كلما نظرتُ إليها قُلت في نفسي أنها ستأتِ يومًا، ستكون في متناول يدِي ولكن . . دائِمًا ما تكسر ذراعي بأشعتها.
أبعد ذراعه لتصطدم قدمِه بقدمها، يُلامس أنفاسها المضطربَة بشفتيْه التي تستنشق مثل الهواء، أطال نظره، أطال ترجمة عينيْها التي تتحدث بلا توقف وتبكِي بلا توقف و تحزنُ بلا توقف، متى تأتِ النهاية؟ متى تأتِ النقطة التي تُوقف كل هذه الأشياء؟ شعرت بطعم الدماءِ على شفتيْها، تستثير حواسِّي يا سلطان، تستثيرها بشكلٍ لاذع ومُدمي، حتى أنفِي الذي أحاول أن أتخلص من التوتر الذي يُربكه تُعيده إليّ بكل عدوانيَة، وضع أصبعيْه السبابة والوسطى على شفتيْها، مسكت كفّه لتُبعده بنظرةٍ أشدُ عدوانيَةٍ منه ولكن يدِه اليسرى أتت لتوقف حركة يديْها، مسح الدماء التي على شفتيْها ليُخرج منديلاً من جيبه ويرفع رأسها للأعلى، بلحظاتٍ قليلة أوقف النزيف الجارِي من أنفها، أبتعد متجهًا للحاوية الصغيرة المنزويَة ليرمي بها المنديل، بخطواتٍ سريعة أتجهت للحمام لتُغلق على نفسها، وضعت يديْها على المغسلة وهي تنحني بظهرها بدمعٍ لا ينضَبّ، وضعت أصبعيْها فوق شفتيْها التي شحبت بلونها، مازال طعمُ لمساتِه في فمي، مازلتُ أشعر بإنشطار الكلمات على حافة لساني، مازال يؤذيني هذا الشعور.
في جهةٍ أخرى جلس على الأريكة وهو يمسح على وجهه متنهدًا : لا حول ولا قوة إلا بالله . . . وقف متجهًا نحو الحمام ليطرق الباب : الجوهرة! . . . لم يأتِ صوتها ولم يقترب أبدًا منه.
شدّ على مقبض الباب ليُردف : أفتحي . . مو زين الجلسة بالحمام! . .
بغضبٍ يتفحمُ بنبرته : لو ما فتحتيه بكسره فوق راسك! . .
ثوانِي قليلة حتى فتحته ولم تترك له مجال بأن يرى ملامحها من خُطاها المبعثرة التي أتجهت نحو الأريكة وأعطته ظهرها لتُردف بصوتٍ متحشرج يحاول أن يصعد لمرحلة الإتزان ولكن دائِمًا ما يُوقعها في الدرك الأسفَل من البحّة : ما أبي منك شي! ولا أبي أسمع منك شي! ماني على هواك متى ماتبي تسمع صوتي قلت سمعيني ومتى ما بغيت سكوتي قلت يا ويلك لو أسمعك . . ماأمشي مثل ماتبي! ماني جدار ولا أنا أشتغل عندك عشان تمحي شخصيتي بهالطريقة وتحاول تبيّن كيف تقدر تتحكم فيني! أنا حرّة يا سلطان ماني عبدة عندِك توجهني مثل ما تبي . .
كان واقف خلفها يسمعُ لكلماتها الخافتة ببحّة تارة و تارةً ترتفع ببحةٍ أشد، صامت لا يقطعُ مجرى كلماتها بخطوة ولا صوت، يشعرُ بإنقباضات قلبها التي تسحبُ صوتها وتُخفِض من حدّته، صمتت أمام صمته لتصمت الأشياء من حولهما، لم تتجرأ أن تلتفت إليه، أن تضع عينيْها بعينيْه، تشابكت يديْها ببعضهما البعض بمحاولةٍ طبيعية لتخفيف إضطراب جسدها المنتشي بالربكَة، بنبرةٍ مُجهدة بما يكفي للبكاء : أفصل بيني وبين اللي يشتغلون معك! ماني بالقوة اللي تستحمل كل هذا . . أنا بنت يا سلطان ما أتحمّل كل هالضغط! ما أتحمل كل هالقهر! . . ماراح أحاسبك إذا بتتحملني أو لا! مو عشان ما أبغى بس لأني مقدر! مقدر أوقف بوجهك وأقولك ليه! ومقدر آخذ منك إجابة . . ولا حتى نص إجابة، بس خلاص! مقدر أتحمل اكثر . . تبغى تعاقبني؟ عاقبتني بعيونك كثييير! . . تبغى تعذبني؟ عذبتني بعيونك كثيير! . . تبغى تقهرني؟ قهرتني بعيونك كثيير! . . تبغى تذبحني؟
أخفضت رأسها لتجهش بالبكاء وهي تلفظ بين أوتار صوتها الباكية : ذبحتني كثييير! . . و أحرقتني! . . بس أنا وش سويت؟ ما عصيتك بأيّ أمر طلبته مني ولا قهرتك بشي ولا . . ليه أشرح لك أصلاً؟ . . ماراح تستوعب حجم الألم فيني! ماراح تستوعب خسارتي بهالحياة! . . ماراح تستوعب أبد كمية اليأس اللي عايشة فيها . . . . . بقولك شي أخير يا سلطان أنا لولا رحمة الله كان ما شفتني الحين! لولا رحمة الله كان أنتهيت من زمان! لكن شي واحد يصبرني على اللي تسويه فيني! على نظراتك اللي تحسسني بالقرف وأني إنسانة ما توصل مستواك! على نظراتك اللي تنتقص من شرفي كثير! شي واحد يقولي في كل مرة إِنّ الّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ . . . الله يعرفني ويعرف نيتي ويعرف اللي بداخلي! . . وقفت لتلتفت ببطء نحوه، نظرت لعينيْه لصمتِه الشاهق جدًا بشكلٍ لا تقدر أن تصِل إليه، للمسافة القصيرة التي تفصلُ بينهما وعبارة عن مترٍ ورُبما أقل، لم تعرف أن تترجم ملامحه الجامدة، نظرت إليه بنظرةٍ عاشقة لتُردف بصوتٍ ركيك، أخفضه الحُب كثيرًا، بلحظةٍ تنتصرُ بها لنفسها : أنا ما أحتاجك! ماعطيتني شي يخليني أحتاجك . . لكن أنت؟ ولا مرة حاولت تصدق وتختار! . .
سلطان بحركةٍ أولى، بحركةٍ يُزهق بها صمته وهدُوءه، سحب شفتِه العليَة بلسانه ليُردف : خلصتي كلامك؟
شتت نظراتها بعيدًا وهي تتلألأ بالدمع لتبتلع ريقها المُنهك : بتستهزأ كالعادة! بتقول أنتِ مالك حق تـ
يُقاطعها بهدُوءه الغريب عليْها : لِك حق! . . على أيش بالضبط تبيني أجاوبك؟ على أيّ كلمة قلتيها؟
الجوهرة بثبات تتجه إليه ليبقى الفاصل بينهما ثلاثِ خطوات لا أكثر ولا أقل : ليه تسوي فيني كذا؟
سلطان بحدّة : على أيّ سؤال أجاوبك!
الجوهرة بإنهيارٍ تام ترتخي دموعها من تفرعاتِ أهدابها : لا تسوي فيني كذا
سلطان بحدةٍ أكبر : على أيّ سؤال أجاوبك!
الجوهرة أخفضت رأسها ليُشاركها العزاء شعرها الطويل، تقدّم حتى تلامس قدمه بقدمها : سهل عليّ أكسر كلامك! وأطلعك كذابة! وأعطيك إجابات على قولتك . . شفتي كيف أني أقدر بمزاجي أخلي كل الحق لي وأحيانًا لك!
الجوهرة دُون أن تنظر إليها، بكلماتٍ متقطعة بالبكاء : وأنا مقدر أعيش مع هالمزاج! مقدر أعيش تحت الضغط والخوف من هالمزاج! . . مقدر
سلطان يُمسكها من ذقنها ليرفع عينيْها بإتجاهه وهو يغرزُ أصابعه على جانبيّ خدها بالقُرب من شفتيْها : إذا أنا مسبب لك كل هالأزمات! لعلمك عيونك أكبر حاجز بيني وبينك!
الجوهرة بنبرةٍ خافتة وحاجبيْها ينعقدان بالبكاء : ومزاجك وكلامك؟
سلطان بحدّة نبرته : وافعالي . . وأيش بعد؟
الجوهرة تضع يديْها فوق يديْه وهي تحاول ان تخفف من شدّته على وجهها : ليه ما تعترف بذنبك؟
سلطان بغضبٍ يُبعد يديْه لتتراجع خطوتين من صوته الصاخب : الحين عرفت وش هي مشكلتك! . . مُشكلتك هنا . . غرز أصابعه بكل شراسَة بإتجاه قلبها حتى عادت أكثرُ من خطوة للخلف وهي تشعر بأن أصابعه تأتِ كهيئة سكين تُبدد الإتزان من دماءها المنتشيَة به. أعطاها ظهره وهو ينظرُ بإتجاه النافذة، بنبرةٍ تكسرُ قلبها من الوجَع وتكسرُه كثيرًا وهو الذي عاش في كنف الألم أكثرُ من عقديْن : يوجعني كثير أني مقدرت أسِّس لي حياة توازي التعب اللي عشته طول الثلاثين السنة اللي فاتت! يوجعني أكثر أنه زوجتي تكون بهالحزن! صح أنا مقدرت أختارك! مقدرت أقول أبي الجوهرة ! . . ألتفت عليها بكامل جسدِه ليقترب إليها وبنبرةٍ تُحرقها . . ما أخترتك بكامل قناعاتي! لأني ما أخترت أشوفك ذيك الليلة، ما تفكرين للحظة وش اللي جابني الشرقية في هاليوم! وش اللي خلاني أجي بروحي! وش اللي خلاني أكلم أبوك من الأساس! وش اللي خلاني أدخل بيتكم وأشوفك! . . ما أخترت أنا ولا شي من كل هذا! . . ولا راح أختار . . بخطواتٍ لا يُحددها شعور ولا ترتفع لسقفٍ يُقرر ماهيتها . . أتجه نحو الباب حتى وقف ودُون أن يلتفت عليها لفظ : لا تتصورين ولا للحظة أني بقمة سعادتي وأنا أوجعك ولا أضايقك بكلمة . . لا تتصورين أبد أني مبسوط . . . انا قبل ما أوجعك أوجع نفسي اللي مقدرت تنجح في حياتها أبد . . . وخرج تاركها تُصارع إحتمالاتها بالحياة، يهزمني كعادته بكلماته، حتى وأنا أخفف تراكمات الحزن بصدري وأبددها بصوتي، حتى وأنا أحاول الحديث معه لنصِل لنقطة يهزمني، لأن الوجع بيْ على كل حال مهما حاولت، لأن عيناه يالله مؤذيَة وموجعة.

،

أخفضت رأسها دُون أن تستوعب ما يحدث الآن، وأصوات طلقات النار تصخبُ وأنا التي لم اعرفها إلا بلحظاتٍ قليلة كنت أتمرنُ بها مع رتيل في الرياض، وضع ذراعه على رأسها عندما أستدار بتقاطع الشارع بقوةٍ كانت ستُذهب رأسها بإتجاه النافذة لولا يدِه التي شدّتها بقوة ناحيته، أكمل سيْره للطريق السريع متجهًا لشمال باريس، رفعت رأسها ليلتفت نحوها : بخير؟
هزت رأسها بالإيجاب دون أن تلفظ كلمة وهي تنظرُ للزجاج الخلفي كيف تهشّم، قلل من سرعة السيارة عندما أبتعد عن المنطقة، في كل ثانيَة كان يلتفت إليْها ويراقب حركاتها الصغيرة والدقيقة، تداخل أصابعها في بعضها البعض وغرزها بلحظةٍ أخرى في ركبتيْها و ليدِها التي تشدُّ على معطفها في لحظةٍ أخرى و السبابة والإبهام اللذانِ يرتفعها نحو إذنها لتُحرِّك به قرطها الناعم الصغير، دُون أن تنظر إليه : وين بنروح ؟
فارس : مدري يا عبير . . فتح " درج السيارة " الذي أمام أقدامها ليُخرج السلاح ويضعه في حضنه، أخرج الجوال ليحاول أن يفتحه إلا أنه مقفل برمزٍ سري، نظر للأوراق ليُخرجها ويقرأها تحت أنظار عبير التي تراقبه بخشيَة، تتفحصُ عيناه الأسماء وألقابها التي تخفي شخصياتٍ حقيقية، كان يحاول أن يفكك الشفرات وهو يعدُ في عقله المواقف السابقة التي حصلت والكلمات التي كان يتناقلها والده مع رجاله، ينظرُ للطريق الذي أمامه وعينيْه تغرق بالتفكير، صمتُ والده عن عبدالعزيز إلى الآن يُثير بداخله ألف سؤال، من المستحيل أن يكون والده بهذا الصمت والغباء، شعر بأن عروقه تحترق من فكرة إستغباءهم لوالده، ادفع حياتي بأكملها من اجل أبي، حمَد خطوته إتجاه عبير لم تكُن لمجرد أهواءه، هُناك أمر مُخبأ و فكرة أسامة ومهاتفته لأحدٍ مجهول مثلما سمعته عبير لم تكُن أيضًا لمجرد اللاشيء، هُناك سبب واضح لصمت والدي وسبب أوضح لوجود هؤلاء حوله، ماذا يحدث بالضبط؟ عادت أنظاره للأوراق، للكلمات الحادّة المكتوبة، هل هذه وثائق سريَة؟ من المستحيل أن توضع في السيارة، أيّ رجال أبي يقود هذه السيارة؟ بالتأكيد ليس أسامة ولا حمد . . هُناك شخص آخر يتلاعبُ بهم.
ألتفت على عبير وهو يُعيد الأوراق وخلفه السلاح ليشتم نفسه عندما شعر بأن ضيّع فرصة التحقيق مع أسامة وعقله يربط الأحداث، محاولة إغتيال سلطان بن بدر وقعت دُون علم أبي من رجاله، هذا يعني أنه هؤلاء الرجال مشتركين مع شخصٍ يوجههم غير أبي، هذا الشخص لا بُد أن يكون معروف، هذا يعني أن بعد حادث العيد كانوا رجال والدِي يتصرفون بغير علمه، شِتْ!
حرّك السيارة ليُكمل سيره بطريقٍ لا يعرف ما مُنتهاه، وأفكاره تتخبّط بإحتمالاتٍ تُبعد عنه التركيز/الإتزان، عبير بصوتٍ هادىء : ودني الفندق!
لم يسمعها وأمواجه تتلاطم عند طبلة إذنه، بصوتٍ أكثر وضوحًا : فارس!
ألتفت عليها ليُعيد أنظاره بثواني قليلة إلى الطريق : هلا
عبير : ودني الفندق . . أهلي هناك؟
فارس : لا . . بنشوف لنا مكان قريب تجلسين فيه وأنا بضطر أرجع أشوف أبوي
عبير : بتخليني بروحي؟
فارس : ساعة بالكثير وراجع لك
عبير وفكيْها يتصادمان معًا : كيف تتركني بروحي؟ بأيّ مكان؟ إحنا مو بالرياض!!!
فارس: طيب انتظرك لين تنامين وأطلع وماتصحين الا وأنا عندك . .
عبير : يعني تسكتني؟ تعرف شي! روح الله لا يردِّك
فارس ألتفت عليها وعيناه تشتعل بالغضب : يا كُبرها عند الله
تنظرُ للطريق وشفتيْها ترتجفَان بزمهرير غضبه، شعرت بأن صدرها يحترق بكلمتِه، لامت لسانها كثيرًا وشتمت نفسها بداخلها من دعوتها عليه، ودّت لو تقول " آسفة " ودّت لو تنطق شيئًا يُمحي هذه الدعوة، أخفضت رأسها أمام عينيه التي تراقبها بقهر، شدّت على شفتيْها بأسنانها لتلفظ بخفُوت : مو قصدِي!
فارس : في هالدنيا كلها محد يخاف عليك كثري عدا أبوك . . تأكدي من هالشي
عبير تنزلُ دمعة رقيقة على ذكرى والدها الذي أصبح يمرُّ كإسم دُون أن تراه : أنا مقهورة من اللي صار! . . كان مفروض توقف بوجه أبوك قبل كل شي . . كان مفروض ما تجي الفندق وتكذب عليّ عشان أنزل وتآخذني . . كان مفروض ما تتزوجني بهالطريقة الرخيصة . . . كان مفروض تسوي أشياء كثيرة تخليني أثق فيك وبحبك . . بس أنت يا فارس ما سويت شي!
فارس يركن السيارة مرةً اخرى ليلتفت عليها بكامل جسدِه : طيب إذا كان شي فوق طاقتي؟ تبيني أقولهم خلاص أنا مقدر سوو اللي تسوونه فيها . . أنا حاولت بس أمنع أشياء كثيرة كانوا ممكن يسوونها فيك! . . حاولت يا عبير وتقولين ما سويت شي! . . يا جحودك!
عبير ببكاء : في داخلك كنت راضي لأنك تزوجتني وأنت موافق بس أنا ماعطيتوني مجال حتى اختار! . . قهرتوا أبوي بعد هالعُمر! أبوي اللي كان يرفض الرجال أحسنهم وأسوأهم بعد! . . كان يرفض لأنه ماكان يثق بأي أحد والحين يجي أحد يتزوجني و أبوه بعد ملاحق قانونيًا ويضر أبوي . . فيه أكثر من كذا قهر لأبوي؟ . . ماراح تفهم أبد وش معنى انه أبوك يحترق؟ ماراح تفهم أبد لما تشوف القهر بعيونه! أنا أعرف . . أعرف والله أنه أبوي الحين جالس يحترق من وجودي معك! أعرف أنه أبوي مايحط راسه على المخدة الا وهو مقهور! . . كيف تبيني أرضى؟ . . إذا أنا رضيت كيف أبوي؟ . . محد بقى لي في هالدنيا الا أبوي! . . وكسرتوه! كسرتووه يا فارس! عُمري ماراح أغفر لأحد كسَر أبوي وقهره! عُمري ماراح أسامح أحد ذبحني بأبوي!
فارس ينظرُ لنهرِ عينيْها المتلألأ : مو بكيفي! . . كانوا راح يآخذونك سواءً معي أو لا . . بس أنا مارضيت .. لأني كنت فعلاً خايف عليك . . والله كنت خايف عليك! . . صح معك حق ما حاولت كثير بموضوع الزواج لأني كنت أتمناه . . بس ماكنت أتمناه بهالطريقة . . ولا كنت راضي على هالطريقة . . كنت أحلم بشيء ثاني! بس هذي الظروف . . هذي الحياة اللي خلت خطواتنا تتقابل! . . بالنهاية محد بيجبرك على شي! بالنهاية راح تختارين .. إذا مو اليوم بكرَا . . راح تختارين

،


،

في جهةٍ أخرى صفعه بقوة حتى سقط على الأرض، رفع حاجبِه : قلت تمسكونه! تخوفونه! بس ما قلت أذبحوه واطلقوا عليه النار!
: هذا اللي صار! هرب ومقدرنا نوقفه الا بأننا نطلق عليه
رائد يُمسكه من ياقته : لو صار شي لولدي! وش ممكن أسوي فيك؟ . . ضربه على رأسه . . فارس لا ! مفهوم ياغبي؟ . .
يقف وهو يعدِّل ياقته وقميصه الذي أنتزع : إن شاء الله
رائد : انقلع عن وجهي . . . دخل أسامة وهو يُغلق أزارير جاكيته الأسود . . طلبتني
رائد بهدوء : اجلس . .
أسامة : تفضّل
رائد وهو يلعبُ بحباتِ النرد بين أصابعه : أفكِّر نكلم آسلي ونحدد موعد قريب في باريس
أسامة رفع حاجبه : آسلي؟ . . بس ماعندِك عبدالعزيز!
رائد : هذا اللي بوصل فيه وياك . . نلتقي فيه ونخلي سلطان وبوسعود ينشغلون بهالموعد . . نخليهم يجون هالمكان وبكذا راح نضرب روسهم في بعض
أسامة : اللي تشوفه
رائد : أبي رايك
أسامة : متوقع أنها بتنجح الخطة ؟ يعني . . ممكن يشكون
رائد بثقة : ماراح يشكون! مافيه هنا أيّ جاسوس ممكن يخرب الوضع . . صح؟
أسامة بتوتر : صح . . وقف . . خلاص أدبّر لك موعد وأجهز لك اياه
رائد : تمام .. تقدر تطلع
أسامة خرج وهو يفتح أزارير ياقته من حُمرة التوتر التي صعدت إليه.
رائد نظر إليه وهو يخرج ليتمتم : بنشوف أنا ولا أنت يا سليمان!

،

كان المسطّح مرتفع وأقدام رتيل يُحرّكها الهواء وبجانبها يجلسُ بصخبِ حضوره ورائحة عطره تغزو جسدها الذي يلامس معطفه : أكيد ما تهمك كلمة هالقد؟
والبردُ يسحب صوتها للداخل أكثر : مو مسألة كلمة! لكن مسألة رفضك هي اللي توجع . . مو مسألة أني أبي أسمع منك كلام حلو ولا غيره .. بس كل المسألة أنك . . . . مدري أنت وش أصلاً . . نظرت إليه بينما كانت عيناه للأرض التي أمامه، أبعدت عينيْها ليلتفت عليها بإبتسامة : وش هالنظرة؟
رتيل إبتسمت رُغمًا عنها : نظرة وحدة حقيرة
عبدالعزيز ضحك ليُردف بصوتٍ مُتعب : محشومة
بنبرةٍ تحمل معنى يعرفه عزيز : ليتك تقولها لشي ثاني
عبدالعزيز تنهَّد لينظرُ إليها بنظرةٍ تُضيء هذا الليل الباريسي، يستمعُ لتأوهاتِ جسدها بمُجرد أن يلامس كفّها، يشعرُ بأنها تلتحم به في كل مرةٍ يحاول أن يبتعد، في كل مرةٍ يحاول أن يُنهي البدايَة : عن الوجع محشومة.
نظرت إليه لتُحقن عينيْها بكلماتٍ خافتة مُحمّرة ترتفع شحوبًا للحظة وتقتلها البحة في صوتها : ما أحب غموضك يخي!
عبدالعزيز بإبتسامة يمسح دمعتها التي حاولت أن تلامس خدّها : يخي؟!!!! طيب أسمعي . . فيه بيت شعر أحبه كثير وعالق في بالي دايم
رتيل : ما توقعتك تحب الشعر
عبدالعزيز بضحكة : أحب المواويل! . . ترى حافظ إذا تبين
رتيل لتُردف بين دموعها : وش حافظ من المواويل ؟
عبدالعزيز : ما أحفظ شي شريف
رتيل : ههههههههههههههههههههههه زين تعترف بعد
عبدالعزيز : أيام الجامعة والسهرات كان ما يعلق على لساني الا المواويل اللي أسمعها بالقهاوي ماكنت أميل للشعر أبد . . يمكن لأن كنت ملغي دور قلبي فماأحب الشعر الغزلي أبدًا
رتيل : وللحين ملغيه على فكرة
عبدالعزيز بضحكة : لا ماني ملغيه . . لو ملغيه ما قلت لك أبي أقولك بيت شعر وبعد ماخليتيني أقوله
رتيل : طيب وشو؟
عبدالعزيز وهو يُبعد أنظاره عنها : أنت عمر صـب في عمري جفافه نصف نار ونصفه الثاني جليد . . أنت نهر عندي استودع ضفافه وعذابي لا افتكرت إني وحيد ! . . . لشاعر إسمه الحميدي الثقفي
نظرت إليْه بعينيْن تتلألأ، ترتفعُ الحمرة الضيِّقة إليها أمام إرتجافات شفتيْها التي تصارع البرد، بحنجرته التي تسرق الكلام والأماني والمواعيد ليُكمل : و فيه شيء ثاني قرأته ببلوق أحد ناسي مين بالضبط .. لكن حفظته من كثر ما استرجعه ببالي
رتيل تحت ضوء القمر كانت عينيْها تُسرفان بالدموع دُون أن تطلق آه واحدة، عبدالعزيز : ماقلت لك ! كم أسهرك ؟ وأتنفسك ؟ وأمشي معك واقدّرك .. ! وماقلت لك! تمر لحظه .. فيهـآ أكرهك ! وأحس إني اجهلك ! وأستغربك ! وأودعك .! وماقلت لك ! برجع بـشوقي و أعشقك .. و بـداخلي ألملمك .. وأحلف, والله ما أتركك .. وأبدلك! ماقلت لك ! أني غبيّ ..! لـأني عجزت أستوعبك . . .
ألتفت عليها لينظرُ لعينيْها الداكنتيْن التي تُضيء بإسراف، لم أحبك كفايةً ولم أكرهك كفايةً، أنا بينُهما، ما بين الوجود واللاوجود، ما بين البداية والنهاية، أحيانًا أشعُر بأنني أمامك مقيِّدٌ تمامًا، يستحيلُ عليّ أن أتزنُ أمام عينيْكِ وأحيانًا أشعرُ بأن الإبتعاد هو الحقيقة الواحدة الموجودة أمام عينيْكِ، أحيانًا أشعرُ بأنكِ هُنا! فيّ، وأحيانًا أشعرُ بأن ظلالِك تُعشعش بصدرِي، أحيانًا لا أعرفني، أجهلني كثيرًا، أحيانًا أحبك بشراهة و أحيانًا لا أعرفُ كيف أحبك؟
رتيل : ليه هالقصيدة بالذات؟
عبدالعزيز لأولِ مرّة تُضيء عينيْه أمامها بماءِ محاجره، رفع حاجبيْه باللاأدري ليُردف : تركضين يا رتيل وتعرفين وش النهاية . . تركضين كثييير وينقطع نفسَك بس ماتوصلين لشي . .
رتيل تتبللُ ملامحها بملحِ بكاءها : وش النهايَة؟ ما تعرفها كيف تحكم من كيفك؟
عبدالعزيز يُدخل يديْه بجيُوبِ بنطاله وهو ينظرُ للسماء الغامقة وعيناه ترتفعُ بإتجاه القمر : شايفة هالمسافات الطويلة اللي مشيناها . . . . ضاعت منِّي يا رتيل! . . ضاعت . . ومستحيل ترجع . . .
عقد حاجبيْه وهو يشعرُ بأن أعصابه تنهار شيئًا فشيئًا.
رتيل بصوتٍ يُقاطعه البكاء كثيرًا : نقدر، صح أننا مقدرنا نسوي شي صح في حياتنا بس نقدر
عبدالعزيز بضيق : أنا ما كنت جبان معاك! . . كان أقدر أقولك بأيّ وقت وبأيّ لحظة أني أفقدني لما أفقدك! بس
ألتفت عليها وعينيْه تستثيرُ دموعها : بس أنا مقدر أقول لأن أنا ما ينفع أقول كذا . . لأني مقدر . . مقدر
اخفضت رأسها ليصِل أنينُ بكاءها لآخر مدى في جسدِه، تناثر بكاءها وهي تستقبلُ إعترافِه الشفاف بنفسِه، يالوجع الذي يتسربُ من صوتِك، يا لمرارة الحزن التي تعبر لسانِك، يالكُبر فجيعتي بقلبِك الذي يموت شيئًا فشيئًا، لم يتركُوا لي مساحة لأتغنج بحُبك، لم يتركوا لي مساحة لأعشق إسمك، سرقوا منِّي رغيفُ الحب و تركوني على حافةِ الإنهيار، سرقُوا مني الماء و عينيْك يا عزيز.
عبدالعزيز بحنجرةٍ تبحّ مع الهواء : فيه رجال ينهزمون بالحياة ومايتقبلون الهزيمة يضلُّون يحاربون ويحاربون لين تثور أوجاعهم ضدهم . . تخيلي أوجاعك توقف ضدِك؟ تصوّري وش كثر الرجّال يفقد نفسه؟ إحنا ما نؤمن بقبول الأمر الواقع . . إحنا الرجال سيئيين ومحد يتأسف علينا ولا يبرر لنا لأننا نستاهل كل لحظة وجع! لأننا ماعندنا قلوبكم يا رتيل! ماعندنا قلوب تتحمل وتحبس هالوجع! ما عندنا قلب يكمل حياته بدون لا يرجع لورى! ماعندنا هالشيء! إحنا سيئين بالحب حيييل! وسيئيين أكثر لأننا تربينا في مجتمع جاف! ما وقف فيه شخص يدافع عن حُبه . . .
بنبرةٍ يتحشرجُ بها الألم يُكمل : المسألة ماهي فيك! المسألة أنه الشخص ما يقدر يتخلى عن نفسه . . مايقدر ينفصل عن نفسه . . وأنا . .
رفعت عينيْها التي تُضبب عليها رؤيتها من نهرُ الدمع الذي يجري بها : وأنت؟
عبدالعزيز تنهَّد ليُشاركه الهواء البارد الأبيض الخارج من فمِه : وأنا؟ . . مين بالضبط؟
رتيل بإرتجافة شفتيْها وبالمسافة القصيرة جدًا ما بينهما : أنت يا عبدالعزيز
عبدالعزيز بوجَع الرجال الذين تلاحمُوا في صدرِه ولم يرحموه : ما قلت لك الخسارة يوم جتني حاصرتني جماعة . . . وماقلت لك نحارب هالحياة لين ينكسر فينا الضلع واحد ورى الثاني . . وما قلت لك أنك نفسي يا رتيل . . وإني مهما بعدت ماراح ألقاني إلا ويَاك . . وإني مهما سويت الكثير منِي فيك . . وإني مهما حاولت أحفظك فيني . . يكسروني! .. .. مو أنا اللي ما أبيك لأن محد يرفض نفسه وقلبه . . يقترب منها فوق إقترابه ليحاصِر ملامحها بيديْه وجبينه يلاصق جبينها وعينيْها يتدافعُ بها الدمعُ بلا توقف، بصوتٍ يسلبُ قلبها و يزرع في كل زاويَةٍ بجسدها وجعًا آخر وعينيْه تحتبسُ الدموع دُون أن تنزل دمعة من أجلها : يمكن الله ما كتب لنا الحياة في الدنيَا، يمكن الوعد في الجنَـة بس تدرين وش أخاف منه؟ . . .
أرتجف من درجة الحرارة التي تقل أكثرُ بكلماته الضيِّقة : أخاف أننا ما نلتقِي بعد، قدرت أهرب وأحمي نفسي مرَّة ومرتين . . بس الثالثة ماراح تكون سهلة أبد يا رتيل . . . أقترب من عينها اليسرى الباكيَة ليُقبِّلها بعمقٍ و صوتُ الهواء الذي يُداعب أوراق الأشجار وحده من يشارك صخب أنفاسهم المتصاعدة : مو جبان لما تقولين أختار الطلاق! . . لأني ما أبي ننفصل . . لأني أبي أعيش هالخراب معك وهالأساس الهش اللي مقدرنا نوثق حباله، أبي لمَّا أغيب تكونين زوجتي اللي مقدرت أراقب حركاتها وهي نايمَة، مقدرت أشوف عيونها كيف تشرق! مقدرت أحتفل معاها بزواجنا ولا قدرت أجيب منها طفل يشبهها . . أبيك تكونين زوجتي اللي حلمت فيها ولا قدرت أوصلها . . اللي أنتظرتها وماعرفت كيف ألاقيها . . ابيك زوجتي اللي مقدرت أصلي جمبها ركعتيْن ولا قدرت أشوفها كيف تصحيني! . . أبيك زوجتي اللي مقدرت أسهر معها ليلة ولا قدرت أشاركها بأيّ قرار . . أبيك مثل ما أنتِ! أبي كل هذا ينتهي وأنتِ زوجتي
لم تبكِي مثل هذه المرّة أبدًا، ضاعت بغياهيبه وهي تُغمض عينيْها حتى لا تراه أكثر، هذا الوداع تعرفه، هذا الوداع لا تطيقه، أرتخى جسدُها بين ذراعيْه وهي تجهلُ كيف تتحدث، تلعثم قلبها بالكلمات وبالحُب، تشعرُ بأن الرجفة لا تخترق جلدها فقط! بل قلبها يُشاركها الرجفة، بكت كثيرًا منه وعليه ولكن لم تبكِي يومًا بكاءً يذبلُ به كل شيء، يذبلُ به تفكيرها وقلبها معًا، تفقدُ وظائفي الجسميَة مرونتها، كل شيء يتيبس يجف يا عزيز.
أقترب من عنقها ليحبس أنفه بها وهو يتحدث كأن روحه تُزهق، دقائق كي أسحبُ رائحتك فيّ، كي أحبسُ لمسات جسدِك في صدرِي، أنا أموت يا جميلتي وكل آه مصدرها سمرَاء، وكل آه يتحشرجُ بها الطريق المسافر عنكِ أصلُها عينيْك، اموت بهزائمي التي قررت أن تُنيب بقراراتها عنِّي، أمُوت من حرقة الولع، أموتُ يا رتيل ولا تكفيني صلاة الغائب عليّ! أنا الذي كنت أرى الموت في أعينهم، أنا الذي أحببتُك في اللحظة التي كنت أقترب بها من الموت، المجدُ لقلبك الذي صبَر والرثاء على قلبٍ أندثَر، المجدُ للبكاء الذي لم يفوِّت لحظة من غطرسته نحوي و الحزن كل الحزن على أولئك الذين جرّمُوا البكاء بحق الرجال، الحزن على أولئك الذين علّموني كيف أتغطرسُ على دمعي حتى تغطرس عليّ، الحزن على المجتمع الذي تعامل مع الرجال ولم يتعامل مع إنسانيتهم، الحزن وكل الحزن أنهم جعلونَا نبكي بقلوبنا حتى لا نضعف، ليتهم ينظرون! ليتهم يعرفون كيف بكاء القلوب يسلبُ من الحوَّاس حركتها، ليتهم يعرفون كيف لقلبٍ أن يتقطع ولا تنزل دمعة تخفف وطأة النحَر، ليتهم يعرفُون وليتني استطعت أن انسلخ من هذه القناعات من أجلِك، ليتهم يعرفُون كيف لبرزخ القلوب أن يؤذي بهذه الصورة دُون أن يُحيلني لحياةٍ أخرى، أنا واقف بالمنتصف، واقف بالمرحلة الوسطية، واقفٌ وكلِّي موْت.
أغمض عينيْه وهو يغرقُ بها : مقدرنا نسوي شي مجنون! . . ما صوّرنا ولا مرة مع بعض . . ما أحتفظنا بشيء . . قسينا! قسينا كثير!
رتيل رفعت رأسها للسماء لتبكِي و أنهارُ عينيْها لا تتوقف، وضعت يديْها فوق رأسه القريبُ منها وهي تجهشُ ببكاءٍ لا يتوقف أبدًا، ما عاد الوقوف يُفيد؟ ما عادت النهايَة تُغري للوقوف! كل الأشياء ترحل . . كل الأشياء تبتعد منِّي.
عبدالعزيز أرتخت يديْه منها ليصعدُ بقبلةٍ عميقة بين حاجبيْها وهو يهمس لعينيْها المغمضتيْن : جينا لزمان ماهو زماننا ولمكان ماهو مكاننا . . جينا بوقت غلط ماكان في شيء صح إلا عيونك . .
رتيل تدفنُ ملامحها بعنقِه وهي تستنشق سُمرتِه وبصوتٍ مخنوق : أشششش! لا تقول كذا . . لا تتشائم بهالطريقة! أنت تعرف وأنا أعرف أننا نقدر . . راح نرجع الرياض وراح نكمّل حياتنا . . راح نبدأ من جديد وراح ننسى هاللي صار! . . أنت ماتعرف وش يصير فيني لو تغيب عنِّي؟ . . أنا مقدر . . إحنا قلوبنا بعد ما تتحمَّل! ما تتحمّل والله . . . لا تروح! . . خلك هنا، أنا أحتاجك!
عبدالعزيز وشعرُها البنِّي يهطلُ على وجهه وهو يشدُّ جسدِه بقوة، يعانقها بعنفِ قلبه الذي اصطبر حتى تلاشى صبره : ما أتشائم!
رتيل بضيق : من خاف سلم! .. وأنا قلبي خاف كثير ولا سلَم يا عزيز
عبدالعزيز بخفُوت : كانوا يهددون أبوي لكن ما سمع لهم! . . وماتوا كلهم ولا تركوا لي أحد . . . والحين نفس الأسلوب يستعملونه معايْ . . . أنا ماأتشاءم بس ما احلم كثير
رتيل ببكاء : ليتني ما سمعت كل هذا! . . ليتني ما عرفت كل هذا . . ليتني ما اصريت عليك عشان تتكلم . . . ما احب هالوجع اللي بعيونك . . أحترق يا عزيز فيه


،

بصوتٍ يتوتر لحظة ويتزن بلحظةٍ أخرى، يجلسُ بسكينةٍ على المقعد الجلدِي دُون أن يتحرك به شيء سوى أصابعه التي تتحركُ بموسيقيَةٍ على جانبِ الكرسي : حصل هالشيء بعد الحادث تحديدًا، اضطر مقرن يساعدني وتورط معهم . . . خبينا غادة في مستشفى ثاني و . . قدموا الرشوات للطاقم الطبي المسؤول عن حالتها . . قدرنا نزوّر أوراق كثيرة تتعلق فيها . . حوّلنا إسمها وخليناه يقترن بإسم مقرن بدون رضا منه لكن من ضغطهم عليه . . . فيه أوراق محتفظ فيها مقرن وكانوا يحاولون يآخذونها دايمًا بس كل محاولاتهم تفشل ويساعدهم مقرن بطريقة ثانية غير الأوراق . . لين ما قدرُوا يضبطون له كل هالأفعال ووصلوها لكم بطريقة غير مباشرة بعد . . لما وصلتوا لمرحلة الشك فيه أضطر يختفي عشان يتفاوض معهم بخصوص الملفات اللي عنده من سلطان العيد الله يرحمه لكن . . مقدر يسرب معلومات تخص أمن بلد . . أقتلوه! و الحين مهدديني عشان ما يوصلكم كل هذا! . . . . . لأن سليمان راح ينهي قوة الجوهي بعد ما ينهي الأشخاص الواقفين هنا! . . كانت هذي خطته من بعد حادث العيد . . لكن حاليًا يستعمله آسلي المتعاون مع سليمان ورائد بس بالصدق هو ضدهم لكن يحاول يستغل إندفاعهم . . . عبدالعزيز هو الوجهة الأخيرة لهم . . راح يستدرجونه في الأيام الجاية عشان يروح لهم بروحه بدون أيّ أحد ثاني . . وهناك راح يستعملون إسمه مع شركاءهم . . وعشان يستعملون إسمه أكيد ماراح يكون حيّ . . . . راح يفككونكم .. راح يفككون أساس الأمن هنا . . وراح يضربونكم في بعض . .
عبدالرحمن : آسلي هو اللي كانوا يسمونه صلاح؟
فيصل : إيه
عبدالرحمن بضيق يقف : كل شي قاعد يطلع من سيطرتنا! . .
وصَل سلطان بخطواتِه الثقيلة ليُسرع إليه أحمد : ينتظرونك . . في مكتب بوسعود
سلطان يتجه نحو مكتبه بعُقدة حاجبيْن حادة، فتح الباب لتتجه الأعين نحوه، نظر لفيصل بإستفهامٍ شديد حتى وقف الآخر : أنا مضطر أروح الحين . . مع السلامة . . . وخرج من أمام سلطان دُون أن يتحاور معه بكلمة.
سلطان : وش صاير؟
عبدالله : اجلس وأستهدي بالله عشان نقولك
سلطان : أتمنى بس أنكم ما اتخذتوا قرارات من دوني
عبدالرحمن تنهّد : تطمّن
سلطان يجلس على المقعد بمُقابلهم : وش صار؟ وش قال فيصل؟
مرّت الدقائِق والساعات الطويلة في سماء الرياض وهُم يشرحُون ما قاله فيصَل ثم معرفَة فك الشفرات التي بدأت تختلط ببعضها البعض، والأوراق تنتشرُ في كل مكان حتى الأرض التي جلس بها عبدالله ويحلل مسار قضايا قديمة بدأ الشك يتسلط عليها، جلس كل واحدٍ منهم في زاويَة لمراجعة الأوراق من جديد والملفات التي رُبما تعمل معلومة تساعدهم، تربّع سلطان على الأرض وهو يوزّع بعض الأسماء في الأرض ليُردف : صلاح يتعامل مع فوّاز . . بس مافيه أيّ ملف يحمل إسم فواز . . . . ولا حتى له أيّ وثائق رسمية . . لا جواز ولا بطاقة تحمل هالإسم . .
عبدالرحمن رفع عينِه والساعة تصِل للثالثة فجرًا : دققت بإسمه الكامل؟
سلطان صمت قليلاً حتى أردف : فواز أكيد من طرف سليمان! . . يستعمل هالإسم عشان ما نصيد عليه شيْ!!!!!! . . . و سليمان يلتقي مع رائد بأسامة . . هذا يعني أنه مخططات سليمان تتم بكل هالسرية لأنه يستعمل إسم فواز . . ممكن يكون هو فواز مو شخص ثاني من اللي يشتغلون تحته
عبدالرحمن يقف وهو يسير يمنة و يُسرة : إذا حطينا هالفرضية .. أنه فواز هو سليمان . . كيف حققوا و استجوبوا فواز؟ .. مين كان ماسك القضية؟
سلطان : عبدالمجيد . . بو سطام الله يشفيه
عبدالله : يتعالج في باريس الحين صح؟
سلطان : إيه قبل مدة كلمته كان طالع من غيبوبة . .
عبدالله : هو تقاعد قبلنا بسنة أو . .
عبدالرحمن : معقولة يكون يعرف شي وما حطّه في الملف؟
سلطان يقف وهو يُمدِّد يديْه بإجهاد : بو سطام تقريبًا تقاعد 2007 بعد المشاكل في قلبه وعلى طول راح باريس . . لحظة لحظة . . في الوقت نفسه كان سلطان العيد الله يرحمه مقدّم على التقاعد والروحة لباريس! . .
عبدالله : ما فيه غير نكلِّم عبدالمجيد ونستفسر! . . مستحيل يكون فيه أوراق رسمية ما حطّها في الملف
سلطان : ومستحيل تفوت على عبدالمجيد أنه هالوثائق مزورة وهالإسم ماله أيّ وجود! . . فيه شي ناقص بالموضوع!
عبدالرحمن : كيف نلقى اللي كانوا مع عبدالمجيد في تحقيقه مع هالفوّاز!
سلطان : ووش يضمن أنه تم التحقيق؟ ممكن ماحصل تحقيق وكل هذا كلام!
عبدالله : أنا رايي من راي سلطان! . . مستحيل هالإستجواب يكون صاير وناقص بهالشكل المشكوك فيه! . .عبدالمجيد مو غبي عشان تفوت عليه مثل هالأشياء . . .
سلطان : هذي بتاريخ 7 / 6 / 2007 .. يوم الخميس ..
عبدالله : ما تتم الإستجوابات هذي يوم الخميس!
عبدالرحمن : الخميس إجازة لدائرة عبدالمجيد أصلاً
عبدالله : إيه بدائرتنا معنا الخميس إجازة دايم وماتتم فيه تحقيقات ولا شي! اللهم أمور روتينية
سلطان تنهّد ليُردف بعد صمت لثواني : يعني هذا الملف مزوّر! أو ماله وجود! . . عشان كذا سليمان ما هو مراقب! لأن مافيه أيّ شي يدينه . . بس هذي جريمة بعد! اللي غطوا عليه وأتركونا ننحاس كل هالحوسة عشان نوصل لإسمه . . .
عبدالرحمن : وممكن إسم عبدالمجيد بالتحقيق مزوّر بعد . . مو شرط
سلطان : أموت عشان أعرف وش كان يخبي سلطان العيد الله يرحمه
عبدالرحمن : بنرجع لنفس الموضوع اللي ماراح يفيدك بشي
عبدالله : وش تتوقع ممكن يخبي سلطان العيد؟
عبدالرحمن : خرابيط من سلطان!
سلطان بإبتسامة : تتحدى! إذا طلع صح وش ممكن تعطيني؟
عبدالرحمن بمثل إبتسامته : أحلق شاربي!
عبدلله ضحك ليُردف: خرفتوا رسميًا!
سلطان : لأنه صار له كم يوم يشكك بأنه سلطان العيد ممكن يخبي شي عظيم! . .
عبدالله يقف وهو يأخذ شماغه ليرتديه : طيب ليه ما نستعمل زياد! . . نخليه يرجع لهم لكن نراقبه ويوصِّلنا هالأوراق اللي مضيعتكم
سلطان : مستحيل ينوثق فيه! . . خله زي الكلب هنا لين يجون الكلاب الثانيين ويحاكمونهم! . .
عبدالله : على الطاري! اليوم مدري أيّ جريدة كاتبة عن إختطاف بس مو كاتبة أسماء أحد لكن يقصدون بنت عبدالرحمن . . أتوقع رائد قاعد يحاول يرسلك بطريقة غير مباشرة بأنه بنتك تحت التهديد
عبدالرحمن تنهّد بحنق : أفكر نحاصر بيته بس بهدوء، أخاف يوصله الخبر ويولّع في عبدالعزيز والبنات
سلطان : كيف بهدوء؟ .. ماراح نقدر! لأن هو ماسك علينا أكثر من شي . . ولو عرف بموضوع أننا مصادرين بيته ماراح يرحم أحد!
عبدالله : هو اصلا مافيه الا كم واحد بالرياض الباقي كلهم بباريس! . . بكرا بدون ضجة نجيه . . ندخل مكتبه ونحاصر رجاله دامهم قليليين ومحد بيوصله الخبر
عبدالرحمن : يعني بدون القوّات؟
عبدالله : إيه . . واحد منّا يروح ومعه إثنين ويتولون الموضوع! . .
سلطان : خلاص تم! أنا بكرا أروح وآخذ معي من القوّات إثنين يكفون . .
عبدالرحمن : تدخل مكتبه وتشوف ممكن توصل لشي ولا تحاول تتكلم مع الحرس لأن أصلا ماراح يعرفون شي!

،

ينظرُ بعينيْن متسعتيْن ليلفظ بخفوت : موجود! معاه وحدة
عُمر : يا حيوان خلك ولا تتحرك . . لحد يشوفك . . راقب البيت و شوف وين يدخل وحط الظرف عنده . .
: طيب بس شكلهم مطولين . . هذي زوجته يمكن بنت عبدالرحمن
عُمر : زوجته ولا اخته وش دخلني أنا! . . انت لا تسوي أيّ ربكة وتخليهم ينتبهون لك . . خلك هادي
: طيب اذا ما طلع برا البيت وش أسوي؟ آخذه هو واللي معه
عُمر : أقطع راسك لو تلمسه قبل لا أقولك . . أنت الحين سوّ اللي قلته لك بعدين نفكر .. الواحد يكون حذر مو غبي كل شي بسرعة
تنهّد : مو إذا صرنا حذريين قلتوا الناس تتذابح وأنتم تتفرجون وإذا صرنا متسرعين قلتوا بتشككونهم فينا . .
عُمر : إكل تراب ناقصك أنا . . وأغلقه بوجهه.

،

بعينيْن ناعِسة تضع رأسها على صدره، تسمعُ لموسيقى قلبه الخافتة وهي ترتفع بلحظاتٍ قليلة وتصمد للحظاتٍ كثيرة، لا يخرب اللحنُ بها، مازالت جُغرافيَةِ صدره وحدها الملاذ، أظن أنني بدأت أقع بتشعباتِك في قلبي، لستُ أظن على كل حال بل مُتأكدة تمامًا أنني لا أريد الخلاص منك : كلمتها اليوم وقلت لها عن القضية و عصبت عليّ
يُوسف بصوتٍ ينامُ على شعرها : عصبت! . . ليه؟ ماقالت لك شي ثاني
مُهرة : تقول أنك تدوّر الزلة عشان تطلقني ومن هالكلام
يُوسف عقد حاجبيْه : أمك غريبة
مُهرة : هي أعصابها توترت من عرفت بموضوع الإجهاض . . وصارت تحمّلني الذنب في كل شي أقوله لها
يوسف : مُهرة لا تزعلين مني بس ما تلاحظين انها تخبي شي!
مُهرة : لآ أنا اعرفها أمي هي يمكن منقهرة ومتضايقة من سالفة الإجهاض مو أكثر
يوسف : ممكن تعرف شي عن أخوك الله يرحمه؟ يعني ممكن قبل لا يتوفى قالها شي و
قاطعته مُهرة بحدّة وهي ترفع رأسها عن صدره : مستحيل!
يوسف : مو قصدي أنها تكذب! بس ممكن هي خايفة من شي . .
مُهرة : أنت ملاحظ أنه صار لك يومين تتهمني مرة ومرة فهد ومرة أمي
يوسف يجلس ليسند ظهره على رأس السرير : مو إتهام! أنا أقولك أشياء مستغرب منها وأمك تثبت لي هالشي بعصبيتها وبردة فعلها
مُهرة بغضب : تصبح على خير .. . وأعطته ظهرها لتُغطي وجهها بالفراش دُون أن تلفظ كلمةٍ اخرى، في داخلي شعُور بانه يحاول أن يبتعد بطريقةٍ لا تؤذي ضميره، يحاول أن يتهم ويفتعل المشاكل حتى أبتعد من نفسِي.
يُوسف يقترب منها ليضع ذراعه حول بطنها ويسحبها بإتجاهه : مو قصدي أجرحك بأخوك ولا أمك . . أنا آسف
مُهرة وعينيْها بعينيْه : هالموضوع يوترني كثير! خلاص خلهم يفصلون بالموضوع بدون لا نتناقش فيه .. سواءً كان الذنب علينا أو عليكم . . ما أبغى أعرف وش بيصير ولا وش راح يصير! . . أتركني أتقبل النتيجة بوقتها
يوسف بإبتسامة : وعد ماراح أتكلم بهالموضوع قدامك أبد . . أقترب ليُقبِّل جبينها . . تصبحين على خير

،

تستلقي على الأريكة وهي تضغطُ على بطنها للحظاتٍ كثيرة حتى ترفعها بهدُوء، يسيرُ دمعها بمجرى ضيِّق على خدها، تأملتُ كثيرًا بأن تأتِ اليوم يا عبدالرحمن، تأملتُ بأن تأتِ وتنتشلنا من وعثاءُ باريس، لم ولن أكره مدينة ككُرهي ومُقتي هذه اللحظة لباريس وفرنسَا بأكملها، متى نعُود كما كُنَّا؟ متى نجتمع جميعًا بفرحٍ مُحقق! متى يلتمُ شملنا ونسعَد؟ إلى متى والدمعُ لا يجفّ من محاجرنا؟ إلى متى والحُزن يغرقُ بنا؟ إلى متى وكفوفنا تتجمَّدُ دون دفءٍ من أحدهم، إلى متى يا عبدالرحمن ونحنُ بهذا البكاء وهذه الندبَات تُحاصرنا في كل مكان؟ إلى متى ونحنُ لا نثير دهشة السماء بفرحة؟ بضحكة؟ بإبتسامة؟ إلى متى ونحنُ نعدّ الأيام للحزن! إلى متى ونحنُ نعيش بهذا الكابوس؟ لا أطلب الكثير، لا أطلب الفرح بقدر ما أطلب الراحة، أطلبُ هذه الراحة التي سُلبنا منها طيلة الأيام الفائتة؟ حاليًا لا أشعرُ بشيء أكثرُ من شعوري ببلادِ الحروب، بأوطانٍ تربّت على طلقات النار والدبابات! كيف يعيشون؟ كيف ينامون بهدوء؟ كيف يأكلون؟ كيف يراقبون متى يحين الموت؟ كيف يحملون كل هذه القوة للإستسلام بمجدِ الشهداء؟ أشعرُ وكأنني أنتظر فجيعةٍ بأحد، متى أراك يا عبدالرحمن حتى تخمدُ في عيني الحروب؟
نظرت للباب الذي يُفتح لتدخل منه رتيل وملامحها تُثير الفزع بقلبِ ضي، وقفت لتتقدّم إليها : رتيل؟
أرتمت بحضنها وهي تعانقها بشدّة لتبكي على كتفِها، ضي بخوف : صاير شي؟ . . تكلمي طيحتي قلبي
رتيل : عبدالعزيز
ضي بحزن تربت على ظهرها المبتِّل بالمطر وعلى معطفِ عبدالعزيز الذي ترتديه،و يضجُّ صخب رائحته فيها لتُردف : تعوّذي من الشيطان . . قطعتي نفسك بالبكي
رتيل : أحس روحي بتطلع! .. ما قد شفت في حياتي كلها كيف شخص يموت من داخله! كيف يبقى كِذا جسد وبس! . . ما قد شفت هالشي أبد . . يوجعني حييل يا ضي .. أحس أني بموت من الوجَع
ضي التي تستنزفُ عاطفتها كثيرًا بكَت معها : بسم الله عليك . . لا تقولين كذا
رتيل : حسيته يودّعني . . ما كان يفضفض هو كان يعترف بأننا ما عاد فيه أمل . . كل شيء ممكن الواحد يتجاوزه الا أنه يموت بإيده الأمل . . ليه يعيش؟ إذا مافيه أمل ولا فيه سعادة تنتظره؟ . . . أحس بنار في صدري .. ما ودِّي يروح مكان! خايفة يصير له شي .. ما أبيه يموت يا ضيّ
ضي تسقطُ دموعها كسكاكين في صدرها : محد يموت قبل يومه! الله يطوّل بعمره . . وش صاير؟ ليه يقولك كذا
رتيل : ما أدري! . . بس عُمره ما كان صادق مثل هالمرّة . . . كان صادق كثير . . . كان ودِّي أسمع منه هالكلام بس ليتني ما سمعته . . سمعته واوجعني فيه . . . . ليه كذا؟ ليه يصير معنا كل هذا؟ . . يوم حسيت كل شي ممكن يتحسن رجعنا للبداية اللي عيّت تختفي

،

يجلسُ على الكرسِي بجانب السرير وعينيْه تراقب محاولاتها البائسة في النوم، يغرقُ بملامحها ليغرق بتفكيره بأعمالِ والده، ينظرُ لحركاتها الخافتة ليسترجع بعض المواقف مع رجال والده، تنتحي عينيْه لكفوفها التي تشدُّ على الفراش ويستعيدُ بعض الكلمات التي سمعها من والده، أقترب منها ليهمس : عبير
فتحت عينيْها بهدوء ليلفظ : الفندق ما يدخله أيّ أحد . . وفيه تفتيش آلي عند الباب .. ماراح أتأخر بس ساعة وراجع
عبير بخفُوت : طيب
فارس ينحني ليُقبِّل جبينها ويخرج دُون أن ينظر لردة فعلها، نزل للأسفل بالسلالم متجهًا لمواقف السيارات، ركب السيارة ليقودها بسرعة تتعدى السرعة القانونيَة، ينظرُ للساعة التي تقترب من الثانية فجرًا بتوقيت باريس، فتح درج السيارة ليضع الأوراق بجيبِه وهو يقود بتهوّر، رفع عينه للطريق ببرود ليُكمل سرعتِه، تمرُّ الدقائق السريعة بتفكيرٍ يجعلُ عقله يُصيبه الأرق من المصائب المتداخلة ببعضها البعض، ركن السيارة اسفل الشقة التي يسكنها والده ليقترب من إحدى الحرس : هذي سيارة مين؟
لم يُجيبه وهو يلفظ : أبوك معصِّب خليتنا نضطر نطلق النار
فارس يلكمه بقوة على عينه : هذي سيارة مين؟
: ما أعرف
فارس : طيب . . حسابكم معي ما خلص . . .وصعد للأعلى وهو يُعدِّي الدرجتيْن بخطوة، فتح مكتبِ والده الذي كان يقرأ بإحدى الأوراق بتمعنٍ شديد، رفع عينه بغضب عندما أنتبه له : شرّفت! . . وقف . . مين سمح لك تطلع ولا مآخذها معك بعد!
فارس : أترك هذا على جمب . . كيف مخلي هالحمير عندِك؟ يشتغلون من وراك وينسبون لك أشياء مالها علاقة فيك!
رائد ببرود : طيب؟
فارس : وش طيب! . . أسامة جالس يخوّن فيك
رائد : أدري! . . مع سليمان
فارس عقد حاجبيه : تعرف ومخليه
رائد بإبتسامة : أحيانًا من الذكاء أنك تتغيبى شوي! . . بعد كم يوم راح يجي سليمان بحجة عقد وراح أورطه فيه!
فارس تنهد براحة : الشرهة والله عليّ اللي جايّ وراسي كان بينفجر من خوفي عليك يا يبه بس واضح أنك مضبط كل أمورك
رائد : ليه طلعت؟
فارس بحدة : من الحمير اللي عندِك! . . الحين مين يطلع سليمان؟
رائد : إذا عرف سليمان بأني قابلت آسلي واتفقت معه على كذب بيروح ويتفق معه واورطه بقيمة لو يقضي عمره كلها ما جاب نصّها . . وينتهي بالسجن زي الكلاب اللي قبله . .
فارس : يعني بتكذب وتسوي نفسك شاري من هاللي إسمه آسلي عشان يندفع سليمان ويشتري لأنه ضامنك وساعتها بتطلع ببرود و تتركه يواجه خسارته
رائد : عليك نور! كما تدين تدان! هو تصرّف بموضوع سلطان العيد مثل ما يبي وحرّك المواضيع ببرود وخلاني اتورط فيها! . . أنا هالمرّة بورطة ورطة مايطلع منها لو يحب السما
فارس : بس توريطته لك ما كلفتك ذاك الشي الكبير! وأنت تبي تفلسه على الآخر وترميه بالسجن
رائد بنرجسية : لأنه تحداني! . . وأنا ماأحب أحد يتحداني
فارس : ماراح ننتهي من هالمشاكل؟
رائد : لين يصير اللي في بالي! بكفّ شري عن ديرتك يا حبيبي
فارس: وديرتك
رائد : بهاجر هجرة بلا عودة! بنسى الرياض واللي جابوا الرياض! بعيش حياتي مثل ماأبي ومثل ما خططت
فارس : مو كذا الأمور تنحّل! أنت متورط بجرايم كثيرة!
رائد : وين الدليل؟ لو عبدالرحمن واللي معه يقدرون كان ما شفتني الحين! هُم ببساطة يعرفون أنه ماهو من صالحهم يتحدوني! . . عشان كذا خل سليمان يتعشى فيهم وينسفهم وبعدها أنسف سليمان وانتهي من هالعفن!

،

يطلق آهٌ مؤلمة : لا تحرّك كثير
: يخي دبلت كبدي . . تقول حرّك رجلي ومرة تقول لا تحرّك
حمد : يا حمار حرّك رجلي الثانية أحسها تحللت
: من الدرج اللي في راسك قلت لك أبعد عن فارس بس ما طعتني
حمد : وتحسبني ببعد! والله ثم والله لأخلي هالكلبة تحترق لما تشوفه!
: وش تبي تسوي؟
حمد : كل ماضيه الوصخ بجيبي! بالوقت المناسب راح أنشر غسيله وساعتها بشوف كيف بترضى فيه بنت عبدالرحمن ؟
: بتودينا بداهية! من الحين أقولك أنا مالي دخل لأن لو عرف رائد أني معك قسم بالله لا يشرب من دمِّي

،

بخطواتٍ هادئة يُغلق الباب لينفتح النور، ألتفت بفزع لينظر لوالدته : مانمتي؟
والدته بوجهٍ شاحب : أنتظرك
فيصل عقد حاجبيْه وهو يقترب منها : خير فيه شي؟
صفعتهُ على خدّه بكل ما أوتيت من قوّة، هذه المرة الأولى التي تمدُّ بها يدِها عليه، بعينيْها الغارقة بالدمع : قلت مافيه شي وكذبت!
فيصل وقف متجمدًا من صدمته بالصفعة التي لم يعتاد عليها أبدًا ولم يراها في حياته، نظر لوالدته بنظراتٍ من شأنها أن تزيدُ من غضبها : ليه كذبت عليّ؟
فيصل : يمه وش صاير! والله مو فاهم وش تقصدين؟
والدته وعينيْها تختنق بالدموع : مين عُمر؟
فيصل : عُمر!
والدته بغضب تصرخ عليه : إيه عُمر! . . متصل ويهدد ويتكلم بأشياء ظنيت أني أعرفها بس طلع ولدي يخبي عليّ
فيصل يشعرُ بأن براكين تثور في صدره : طيب أهدي .. لا ترفعين ضغطك
والدته : فيصل لا تهديني ماني أصغر عيالك! قولي مين عمر؟ وش علاقته بمقرن وبهالناس!
فيصل يبلعُ ريقه : كان موظف و . . يعني حصلت مشكلة وهو شكله يبي يخوفك بس عشان يقهرني لأني متهاوش معه
والدته : تضحك عليّ؟ . . فيصل أنا أعرفك لما تكذب! . . قولي مين هذولي؟ . . ياربي حرام عليك اللي تسويه فينا! عرسك بكرا وأنت تتهاوش مع فلان وعلان! . . واليوم الشغالة تآخذ من السواق أوراق من مكتبك! . . وش صاير؟ ليه ما صرت تداوم! وين تجلس كل اليوم؟
فيصل بضيق يُمسك يديْها حتى يُخفف من توترها : طيب أجلسي يا بعد عُمري مافيه شي يخوّف لاتشغلين بالك! . . بيتم العرس على خير وبتفرحين وأنسي كل هذا . . صدقيني كله كذب
والدته : يا يمه اللي تسويه غلط! .. صدقني غلط!
فيصل يقبِّل جبينها : حقك عليّ .. ماراح يتكرر أيّ شي من هذا . . روحي نامي الشمس قربت تشرق وأنتِ سهرانة
والدته بضيق : الله يصلحك هذا كل اللي أقوله . . وصعدت للأعلى.
فيصل تنهّد بغضب ليُخرج هاتفه ويكتب رسالة " راح أوصِّل لسليمان خرابيطك لو حاولت لمجرد المحاولة أن تتصل على أمي! وحط هالشي في بالك والله لا أحرقك أنت واللي معك " . . . . أتصل على من هذَّب غضبه وأعاد له توازنه في هذه الحياة بعد الله، أنتظر كثيرًا حتى أتى صوتُه المُسكِن لكل الأوجاع بنظره : هلا بالغالي
: هلابك . . وش أخبارك يبه؟
فيصل : تمام . . رحت اليوم لبوسعود وكلمته . . قلت له كل شي قلته ليْ
: كفو! . .
فيصل بتنهيدة الوجع : بس ماني مرتاح يا عمي! . . راح يحوسون حولي!
: فيصل لا تهتم! كل الأمور من الله بتتسهَّل . . .
فيصل : اخاف يضرُّون عبدالعزيز! . . ويضرُّون ناصر وزوجته؟
: ناصر وزوجته بالحفظ والصون! . .
فيصل : وعبدالعزيز؟
: الله يحفظه . . لا تفكر بأحد . . فكّر بنفسك وشوف مشاكلك بالشركة! . .
فيصل يزفرُ بإختناق: والله خوفي يكشفونك ويضيع شغلك وشغل سلطان العيد الله يرحمه وراك
: تدري يمكن محد يعرف هالشعور كثير! بس شعور الفخر والفرح بعد تعب أستمر سنين يا زينه من شعور! . . قريب جدًا راح ينتهي كل هذا . . وراح نحتفل كلنا بسجدة لله وتذكر كلامي يا فيصل
فيصل بإبتسامة ضيِّقة : ليت مقرن كان موجود
: دمه ماراح يروح هباء . .

،

دخل بإرهاق دُون أن ينظر لأي شيء بالغرفة، توجه نحو الدولاب ليرتدي بيجامته، نظر للسرير المرتب على حاله منذُ الصباح، عقد حاجبيْه ليخرج وينظر للطابق الثالث، صعد بخُطى خفيفة ليقترب من الباب الذي يتيقّن بأنها خلفه، فتحه بخفُوت لينظر لعينيْها النائمة، اقترب وهو يُغلق الباب بقدمِه، يتسللُ إلى السرير الضيِّق حتى أستلقى بجانبها، شعر بأنفاسها التي توحي بأنها مستيقظة، بحركةٍ تعرفها جيدًا، سحبها من خصرها بلطفٍ سلطانِي حتى ألصق ظهرها به، فتحت عينيْها دُون أن تتحرك شفتيْها بكلمة، همس : ليه نايمة هنا؟
الجوهرة : مانمت! كنت راح انزل تحت
سلطان ويدِه اليمنى تستلقي على بطنها، أرتعشت من لمسته، لا تعرف كيف تسلل إليها شعُور بأنه وكأنه عرف بالأمر، حاولت أن تتخلص من قبضته وتنظرُ إليه لتترجم عينيْه ولكن زاد بضغطه ليُقيِّدها.
الجوهرة بسخرية : أكيد فيه شي مفرحك! هو لازم الجوهرة تبقى تحت سيادة مزاجك
سلطان : بالعكس! ما صار شي مفرح لي اليوم! . . بس حبيت أكسر كلمة مزاج اللي ما تفارق لسانك
الجوهرة : وكسرتها؟
سلطان يُقبِّل عنقها وهو يهمس: أكسرها لك مرتين لو تبين
شعرت بأن حرارة جسدها ترتفع والحُمرة تغزو أطرافها، أنت تعلم يا وجَع الكلمات في قلبي، يا ضيقُ التسويف في صدري، تعلم جيدًا أنك تُشعل فتيل الدماء المُستنزفة بحُبك، تعلم أكثر كيف للحياة أن ترتفع عند عينيْك وكيف تسقُط؟ يا وجعي يا سلطان مِنك في كل لحظةٍ تجمِّد بها الكون أمامي، أحيانًا أشعرُ بأنك تُضيِّع عليّ يقيني، بحقِ الله كيف تخلخل خاصرة اليقين بأصابعك دُون أن تدرك ماذا أرتكبت! أحيانًا أقف مصليَة متعبدة بأملي وأحيانًا تقطع عليّ صلاةُ الأمل التي يركع بها قلبي، تُذهب عقلي إليْك في سجُودِ أفكاره المتسبحة، كُنَّا نقول في صغرنا إذا صعدنا كبّرنا وإذا هبطنا سبّحنا، وأنا كُلما أرتفعُ لعينيْك أقول في نفسي " الله أكبر على وجعك " وحين أسقطُ بِك لا أعرفُ كلمة أبلغُ من " عيناك وجَع و إني إليها تائبة "، حتى حُزني يتُوب بصوتِي، يخمدُ لينام على عتبة لساني ولكن صوتُك يا سلطان يُزعزع نومه ويُفزعه، صوتُك كيف يجرح؟ كيف يخدش روحي و على ضفافِه ينبتُ الفردوس؟ قُل كيف لا أبكيك؟ وأنا أشعرُ بأنني مأذنة لا تجِدُ صوتًا تردُّ صداه، أتشعرُ بهذا الخلو/الوحدة ؟ أتشعرُ كيف يعيشُ الإنسان دُون أن يرتّد عليه صوته؟
بلعت ريقها لتُردف بربكة من أفكارها المتخبطة : قاعد تمحيني!
سلطان ببرود يستفزها : أنا؟
الجوهرة بإختناق : ما يوجعك شي على فكرة! أنت تتلذذ بكل كلمة تجرحني فيها!
سلطان : ما اتلذذ! بس متعوّد لما استجوب أحد أعيد كلامه عشان يصرخ ويقول كل اللي في قلبه
الجوهرة بحدة: وقلت لك أفصل ما بيني وبين شغلك! . .
سلطان : وأنا أصلي الفجر بالمسجد سمعت قصة عُمر بن الخطاب رضي الله عنه وزوجته
الجوهرة : رضي الله عنه
سلطان : لما علت صوتها عليه . . وجاني إحساس بأني أتقبل أنك تشتميني اليوم
الجوهرة رُغمًا عنها أفلتت ضحكة من بين شفتيها : وتقول مافيه شي مروقني! المسجد لوحده يروّق الواحد ويهدِّي أعصابه
سلطان بإبتسامة : قلت في نفسي! معليش يا سلطان خل الجوهرة تصرخ وتعصب وتسوي اللي تبيه . . بالنهاية هي من حقها تصرخ وتنهبل بعد إذا تبي
الجوهرة وتظهرُ أسنانها من إتساع إبتسامتها لتُردف بخفوت : ضيف لصفاتك أنك ملكّع
سلطان بضحكة يحبسها ليُكمل بتمثيل مُقنع : جلست بالسيارة شوي وأنا أفكر كيف أخليك تطلعين كل اللي في قلبك! لأن بكذا راح تتخلصين من حواجزك قدامي
الجوهرة : وأيش وصلت له ؟
سلطان بجديّة : ولا شي
الجوهرة ضحكت دُون أن تحاول أن تحبس ضحكاتها أمامه : ما يستفاد من كل هذا ؟
سلطان : بالضبط! أنا ابغاك تسأليني ليه قلت لك هالسالفة؟
الجوهرة : ليه؟
سلطان يقترب من إذنه ليُردف بخفُوت : وصلت لقناعة أننا مفروض نؤمن باللي كتبه الله لنا
الجوهرة : قناعة! مررة بدري
سلطان أفلت ضحكة خافتة ليُردف : هنا المشكلة الثانية
الجوهرة : ليه أحس أنك تتمصخر!
سلطان : واضح؟
الجوهرة بغضب : أبعد عني . .
سلطان بضحكة خافتة يشدُّها أكثر : المشكلة الثانية حلها أني أخليك تتثقفين شويْ فيني
الجوهرة بحدة : اتثقف فيك!
سلطان : لأن نظراتي لك عمرها ماكانت انتقاص مير أنتِ تشوفينها كذا هذا دليل أنه ثقافتك فيني ماهي كافية
الجوهرة : وش تبي توصله سلطان؟
سلطان : نحدد مشاكلنا ونعالجها بعدها نقرر
الجوهرة : وش مشاكلك معي؟
سلطان : أولاً فيه شي بخاطري من زمان ودِّي أقوله بس دايم أتراجع
الجوهرة ابتسمت : وش الشي؟ أكيد لي حق فيه
سلطان : يعني هو لك حق بس مو كثير
الجوهرة تشعرُ بلذة الإنتصار : إيه وشو؟
سلطان : ليه دايم أحسك تتعمدين تطلعين قدامي مبهذلة؟
الجوهرة صخبت بضحكتها وبضحكاتٍ نادرة تخرج منها جعلت سلطان يبتسم لضحكتها : واضح أنه دورك عشان تتمصخرين؟
الجوهرة : أولا عمري ما طلعت بشكل مبهذل بس أنا فعلا ما أحب المكياج ولا أحب أترك شعري مفتوح!
سلطان : بس تحبينه يكون مفتوح قدام غيري
الجوهرة : أقولك شي! مرة عمتك قالت لي الرجال إذا تبين تقهرينه صح! خليه هو والجدار واحد
سلطان : شوفي عمتي لها سلسلة فاشلة من الزواجات! يعني نصايحها لو تفيد كان فادتها
الجوهرة : أنا ما طبقت نصيحتها بس كما تدين تدان
سلطان : واضح الغل في قلبك والله لو أني يهودي
الجوهرة : أنت سويت فيني اللي ما يسوونه اليهود!
سلطان : تبالغين كثيير
الجوهرة : وش صار اليوم؟ أحس فيه شي وصلك
سلطان : ذكية الله لايضرك! . . تبين الصراحة ماصار ولا شي من اللي قلته لك بالبداية بس مريت المسجد جلست فيه شوي وجاني واحد شايب قمت أسولف شوي معه وقالي دايم قبل لا تقدِم على عمل منت واثق فيه كفاية تذكّر الرسول صلى الله عليه وسلم .. قول في نفسك لو كان الرسول مكاني راح يسوي هالشي أو لا؟ إذا حسيت أنه بيسوي هالشي سوّه وإذا حسيت أنه مستحيل الرسول يتصرف كذا أبعد عنه .. خل أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام هي القاعدة في حياتك والمفصل بكل قراراتك
الجوهرة بخفُوت : وراجعت أفعالك!
سلطان بجديّة : جلست لين طلعت الشمس وأنا أفكر واستخير الله . . وش ممكن يسوي الرسول صلى الله عليه وسلم بحالتي؟
الجوهرة بربكةِ شفتيْها وقلبها يضطرب : وش ممكن يسوي؟

،

ريم : أفنان واللي يرحم لي والدِيك
أفنان تنهدت : طيب خلاص بسوي كل اللي تبينه . .
سمعت صوتُه القريب، ركضت بخطواتٍ سريعة نحو الفراش، لتندَّس وتُغمض عينيْها، فتح الباب ليرفع حاجبه وهو يعلم تمامًا بأنها مستيقظة، أقترب بخطواته وجلس على طرف السرير عند أقدامها : بالله؟
ريم تحاول أن تكتم أنفاسها التي بدأت تُخيط لها ضحكة قد تُنهي كل خططها بحقِ ريَّان، ألتفت عليها : أدري أنك صاحية! . . بالله وش خليتي للبزارين؟
ريم فتحت عينيْها : ممكن تطفي النور لأني أبغى أنام
ريَّان : وش تحاولين تسوين؟ تبين تورطيني مع أهلي وتوقفينهم ضدِّي
ريم بإندهاش: أنا!! طبعًا لا . . واللي يوقف ضد زوجي يوقف ضدي
ريّان بسخرية : إيه واضح
ريم بإبتسامة تستعدل بجلستها : شفتني سويت شي غلط؟ . . بقولك شي ريّان . . أنا من يومي صغيرة أعاني من شي نفسي وياليت تراعيه شوي
ريّان : وشو؟
ستسلب الإتزان من عقل ريَّان بنبرتها الصادقة : ممكن أتوهم أنك قلت لي شي أنا ماقلته . . عشان كذا أنا ماأركز كثير . . ماكنت أدري أنك ماقلت لي عن الغدا لو كنت أدري طبيعي ماراح أتكلم بشي أنت ما قلته
ريّان عقد حاجبيْه : وش هالخرابيط؟ كيف تتوهمين؟ أنتِ بوعيْك ولا . .
ريم تُقاطعه : يعني هي حالة تجيني مرّات وهالمرة صدفت عليك . . على فكرة هو شي طبيعي يعني فيه ناس كثير يعانون منه
ريّان : ريم لا يكون تكذبين
ريم بضيق وهي تُكمل التمثيل ببراعة : أكذب؟ يعني عقب كل هالحكي تحسبني أكذب . . أوكي شكرًا يجي منك أكثر
ريّان : طيب وهالحالة كيف علاجها؟
ريم : مالها علاج! هو شي نفسي إذا كنت سعيدة مايجيني بس إذا كنت *شدّت على كلماتها* تعيسة تجيني كثير وممكن تحطني في مصايب كثير . . يعني تخيّل أتوهم أحد قالي أطلعي برا وأطلع . . استغفر الله استغفر الله إن شاء الله مايصير . . نفثت على نفسها بكلمتها الأخيرة.
ريّان ينظرُ إليها بصدمة : ماني مستوعب!
ريم بلعت ريقها : وش اللي منت مستوعبه! . . أتصل على أخواني إذا تبي وأسألهم بس أنا خفت أقولك في بداية الزواج وتحسبني مجنونة ولا شي
ريّان : طيب نتصل على أخوانك
ريم توترت لترتفع الحمرة لجسدِها : كلم يوسف
ريّان : لا منصور احسن
ريم : مقدر أتصل على منصور يعني يوسف أكيد صاحي الحين!
ريّان : بهالوقت؟
ريم : إيه عادي أخوي أتصل عليه بأيّ وقت بس أنت أكيد مو عادي
ريّان يعض شفتِه السفلية بحدّة : طيب أتصلي عليه قدامي
ريم بدأت أصابعها ترتجف وهي تضغط على إسمه، ثواني قليلة حتى أتى صوتُه الناعس : ألو
ريم : هلا يوسف
فزّ من سريره : ريم! . . فيك شي؟
ريم بربكة : لا لا . . ولا شي بس كنت أبغى أسألك وكذا
يوسف : الله يآخذك قولي آمين
ريم بإبتسامة لريّان : بخير الحمدلله
يوسف : الله يآخذك مرتين إن شاء الله! الواحد حتى وأنتِ منقلعة عنه ما ينام براحة
ريم : كيف أمي وأبوي؟
يوسف بعصبية : وش قاعدة تخربطين؟
ريم : أيوا الحمدلله . . طيب أسمعني يوسف أنا قلت لريّان أنه فيني حالة نفسية تذكر اللي جتني وأنا صغيرة وأحيانا تجيني . . المهم ريان تصوّر أنه مو مصدقني فقلت خلني أتأكد من يوسف بديت أشك حتى في نفسي
يوسف صمت قليلاً حتى أردف : هذا يدخل من باب إيش؟
ريم بضحكة : يدخل من باب وفاق الزوجين
يوسف : هو قدامك؟
ريم : إيه
يوسف : طيب وش تبيني أقول
ريم : إيه . . أقصد يعني صح أنا احيانا أتوهم أشياء ماهي موجودة . . تذكر يوم في المزرعة أحسب أبوي ناداني وطلع ما ناداني وبغيت آ
يقاطعها يوسف : طيب يا كذابة وصلت المعلومة لا تكثرين منها عشان مايطلع شكلك بايخ قدامه . . حطي سبيكر خلني أتكلم
ريم : طيب . . . ضغطت على زر السماعة الخارجية لتلفظ : إيه يوسف عيد اللي قلته
يوسف : جتك ضربة على راسك يوم كان عمرك 7 سنوات أتوقع أو ممكن 8 والله ناسي .. مفروض علمنا ريان عشان يكون على بينة .. المهم هو عندِك؟ *ألفظ كلمته الأخيرة بإستغباء*
ريم : آآآ . . لا يعني أنا بس أبي أقوله لا جاء أنك أتصلت وكلمتني وكذا
يوسف في داخله يشتم ريم بأشد الشتائم ليلفظ : طيب أنا أكلمه أجل
ريم : لآلآ وش تكلمه تبي تفضحني عنده! يقول هذي مجنونة ولا شي
يوسف : طيب وش تبيني أقول! يعني مفتخرة بأنك تتوهمين أشياء مهي موجودة؟ ترى هالشي يفشل ولا عاد تقولينه لريان بكرا يحسبك مجنونة صدق
ريم بنبرة حزن تنظرُ لعينيْه : هو أصلا حسبني مجنونة وخلص! ما صدقني أبد
يوسف : يا حبيبتي والله! ولا يهمك أهم شي لا تنسين أذكارك . . هي تخف شوي هالحالة مع الأذكار وقراية القرآن
ريم : طيب حبيبي كمل نومتك . . . . وضعته على أذنها لتأتِ كلمات يوسف الحادة . . فعلا فعلا أنا مصدوم فيك!
ريم : لا ولا تهتم كل أموري تمام
يوسف : إيه أكذبي أكذبي على ظهري . . حسبي الله كان الزواج خرّبك!
ريم : يوصل سلامك . . تآمر على شي
يوسف : الله يآخذك أنقلعي . . وأغلقه.
ريم : بحفظ الرحمن حبيبي . . وأغلقته لتنظر إليه . . سمعت بإذنك؟
ريّان : طيب ليه مانروح دكتور يمكن . .
ريم : لآلآ وش دكتور! . . خلاص إذا أنت متضايق ماعاد بتكلم بشي الا لما أتأكد سمعته منك أو لا أصلا هالحالة ناسيتها من كثر ماجلست فترة طويلة ماجتني الا يوم تزوجتك . . ياليت تراعي هالشي شوي ريّان

،

يقذف بالهاتف على الجدار لتبتعد عدة خطوات للخلف من أعصابه التي بدأت تفلتُ منه، يُكمل يومه الثاني دُون نوم! تشعرُ بأنه ليس بوعيْه وهو لا ينام ولا يُريح جسدِه، بلعت ريقها لتُردف : آآ .. ناصر
ناصر بعصبية : عبدالعزيز جواله مغلق! . . أكيد صاير شي
غادة : طيب أهدى . . اجلس
ناصر : وين أجلس! هم قاعدين يكذبون من وراي! أنا أعرفهم
غادة عقدت حاجبيْها بضيق على حاله : مين اللي يكذب؟
ناصر بعينيْه المحمّرة من السهر وهالات السواد التي تنتشر حولها : بيقولون اني كذبت عليه . . مفروض أروح الحين الرياض وأكلمه
غادة : كيف تروح؟ أنت لو تطلع يمسكونك
ناصر بحدّة : مين يمسكني؟ . . أنا ماذبحت أحد مفهوم!
غادة برجفةِ شفتيْها : ناصر الله يخليك أجلس . . أعطيك بندول يريّح أعصابك
ناصر يجلس بهدُوء لينظر إليها : غادة
رفعت عينيها نحوه ليلفظ بإبتسامة موجعة : بس كنت بتأكد أنك هنا
تصادم فكيّها برجفةٍ أقشعر منها جسدِها، شعرت بأن هُناك دمعة ستفلتُ من عينيْها : نام وارتاح
ناصر ينظرُ إليها بنظراتٍ حانية : قبل مدة قالي عبدالعزيز أنه شافك بس قلت له أنت تتوهّم . . أنا بعد أتوّهم يمكن عشاني مانمت؟ . . هو كان يتوهم بعد لأنه ما نام . . إحنا أصلاً ما . .
غادة تُلاحظ تقاطع الكلمات في صوتِه المتعب وهي تقترب نحوه : أششش .. أنا هنااا . . جلست على ركبتيْها أمامه . . . نام شويّ .. بس شوي عشان نفسك وصحتك!
ناصر يضع يدِه على شعرها ليُردف بخفُوت : عبدالعزيز ماراح يصدقني! محد بيصدقني . . أنتِ بتصدقيني؟
غادة تجهلُ ماهية حديثه لتُردف : مصدقتك
ناصر : بكل شيء راح أسويه راح تثقين فيني؟
غادة تنزلُ دمعتها الرقيقة : راح أثق فيك
ناصر يشعرُ بأنه يتخدَّر وعينيْه تذبلُ أكثر : راح ترجعين معي! ماراح تسمعين لهم؟ صح؟
غادة والغصات تتجمعُ في حنجرتها : صح
ناصر : تحبيني؟
غادة تُخفض رأسها لتتبلل ملامحها بمطرٍ مالح يُثير البثور و الندبات الضيِّقة، رفعت عينيْها الناعمة وهي تنظرُ للوجَع بعينيْه، إبتسم بضيق : من زمان ما سألتك ؟ لأني كنت أحسك دايم تقولينها لي بتصرفاتك . . بس ودِّي أسمعها منك
غادة ببكاءٍ عميق وصوتُها يبُّح بهذه الكلمة : إيه
ناصر يستلقي وعيناه تنام تدريجيًا، بصوتٍ خافت: قوليها! أبي أسمعها
غادة بمرارة الحزن في صدرها : وأحبك

،

يخرجُ بخُطى هادِئة ليأخذ هاتف نايف، رفع حاجبه : مين أتصل؟
نايف : ما أعرف! .. عبدالعزيز إحنا لازم نطلع من هالمكان بأسرع وقت! . . .
عبدالعزيز تنهَّد : لازم يجي بوسعود عشان يروحون الرياض!
نايف : راح أتصل عليه اليوم وأكلمه بهالموضوع لكن أنت بعد مفروض ما تطلع مكان . .
عبدالعزيز : بجلس لا تشغل بالك . . . نظر للظرف الذي تحت – مسَّاحاتِ السيارة - . . وش هذا ؟ مين حطه هنا؟
نايف : آآ مدري والله . . يقترب ليلفظ عبدالعزيز . . أتركه أنا أشوفه . . . تقدم نحوه ليُقلِّبه بين كفيّه . . . فتحه لتتساقط الأوراق المختلطة بالصور على الأرض المبتلة، أنحنى ليرفعها و أصطدمت طبلةُ إذنه بصوتِ الرصاص . .

.
.

الساعة العاشرة صباحًا – الرياض.
[ يقترب منه أمام الموظفين بأكملهم، لتتجه الأعين صوبِه، أكثرُ شخصين مؤثرين في هذه المؤسسة الأمنية يقفان بمُقابل بعضهما ويبدُو الغضب على ملامحهم ، أقترب حتى لكمه على عينِه بشدَّة لترتفع الشفاهُ المراقبة بصدمة ليس بعدها صدمة، وقف متعب وقدميْه ترتجفان أمام المنظر وهو يهمسُ للذي بجانبه : .. ]

.

أنتهى


.
.


نلتقي إن شاء الله يوم الجمعة ()





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 01-02-13, 11:23 PM   المشاركة رقم: 70
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (70)



قبل لا نبدأ البارت أبغى أقولكم، إن شاء الله هالفترة راح نكون على يوم واحد في الأسبوع اللي هو الجمعة لظروفي ولظروف الروايـة اللي بدت توصل للنهاية ومحتاجة وقت أكبر، غير كذا كثير منكم لما ينتهي من البارت راح يحس وكأنه قليل أو كأنه ناقص، هالبارت مقسمته تحديدًا هو الجزء الأول من البارت الجاي، يعني بداية أحداث راح نشوفها كاملة بالبارت الجاي إن شاء الله، ولأن هالأحداث صعبة بمحتاجة بارت طوييل جدًا فشفت أنه لازم التقسيم.

+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.


المدخل لـ حبيبنا بشارة الخوري :$


جَفْـنُـهُ عَلّـمَ الـغَـزَلْ
وَمِـنَ العِلْـمِ مـا قَتَـلْ

فَحَـرَقْنَـا نُـفُـوسَنَـا
فِي جَحِيـمٍ مِـنَ القُبَـلْ

وَنَشَـدْنَـا، وَلَـمْ نَـزَلْ
حُلُـمَ الحُـبّ وَالشّبَـابْ

حُلُـمَ الـزّهْـرِ وَالنّـدَى
حُلُـمَ اللَّهْـوِ وَالشّـرَابْ

هَاتِهَـا مِنْ يَـدِ الرِّضـى
جُرْعَـةً تَبْعَـثُ الجُنُـونْ

كيفَ يَشْكُـو مِنَ الظّـمَا
مَـنْ لَـهُ هَـذِهِ العُيُـونْ

يـا حَبيبِــي ، أكُلّمَـا
ضَمّنَـا لِلْهَـوَى مَكَـانْ

أشْعَلُـوا النّـارَ حَـوْلَنَـا
فَغَـدَوْنَـا لـهَا دُخَـانْ

قُلْ، لِمَـنْ لامَ فِي الـهوَى
هَكذَا الحُسْـنُ قَـدْ أمَـرْ

إنْ عَشِقْنـا... فعُـذْرُنَـا
أنَّ فِـي وَجْهِنـا نَـظَـرْ




أنحنى ليرفعها و أصطدمت طبلةُ إذنه الرقيقة بصوتِ الرصاص، رفع عينه لينظر لنايف الذي وقف أمامه حتى يحميه من أيّ رصاصة تخطفُ روحه، وضع الصور المختلطة بالاوراق في جيب جاكيته دُون ان يُدقق بها أو يلتفت حتى بنظرةٍ، هي إشارات القدر التي تستطيل بالجدار الفاصل عن الحقيقة/ النهاية، لكننا دائِمًا يالله نفهمُ متأخرًا، ونصِل بقلوبٍ تلهث تتسامى وتتبخَّر كأن شيء لم يكُن، كأن هذا الوجع لا يهم أحد ولا يعني هذا العالم، لِمَ ارواحنا أصبحت بهذا الرخص؟ إني حزين ويجب على هذا العالم أن يتفهم كيف لرجلٍ أن يحزن ويصِل لمرحلة متقدمة من بحَّةٍ تُزعزع أمن قلبه، يجب أن يفهم هذا العالم أن حنجرتي مُصفّرة كالخريف لا تزرع الكلمات ولا ينمُو على ضفافها زهرة واحدة.
نايف : أنت خلك هنا أنا بشوف بالجهة الثانية
عبدالعزيز بتعقيدة حاجبيْه وضع كفيّه بجيبِه : لا طبعا رايح معك
نايف : عبدالعزيز! أرجوك
عبدالعزيز يسيرُ بإتجاه الأشجار المتكاثرة على جنباتِ المكان ليلتفت نحو نايف : خلك هنا عشان محد يقرّب من البيت
نايف يتقدّم إليه بضيق : عبدالعزيز كِذا بتحطني في مشاكل! . . خلك هنا وأنا أشوف الوضع
عبدالعزيز رفع حاجبه الأيسر : وش المشاكل؟ بوسعود لما حطِك هنا قالك عن أهله ولا قالك عن عبدالعزيز؟
نايف بإستغراب : أكيد عنكم كلكم
عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة موجعة : منت مسؤول عني يا نايف! مسؤول عن اللي في البيت هذا اللي قاله لك بوسعود ولا أنا غلطان؟
نايف شتت نظراته ملتزمًا الصمت ليُكمل عبدالعزيز وهو يسير نحو الجهة الأمامية : هو أصلاً بقى شي عشان أخسره؟ . . . يسيرُ والغيم يلاحِقه ببداياتٍ دافئـة. رفع عينِه للسماء الداكنة بالبلل.
تموت في حنجرتي الكلمات، تتصاعد لتحجب عن صوتي وضوحه، لا أعرف تماما بمن يجب أن أسخَر حتى أفرغ هذا الغضب، لِمَن أوجه هذا القهر الذي يتجعَّدُ في قلبي، إثنان وثلاثون عامًا يا أمي لم يجيء الضياعُ مختالاً جريئًا هكذا، لمْ أضعف بهذه الصورة قط، لم يتمكّن مني البلل حتى الغرق، كانت حنجرتي ينمو على ضفافها من البلل مدائن يا أمي، ولكن الآن! لاشيء من هذا! أفقدُ صوتي تدريجيًا كما أفقدُ إحساسي بالأشياء من حولي، وهذا ما يُزعجني، أنني لا أشعر بالأيام، بالأحداث التي تصير أمامي، أنا أموت يا – يمـه – كنت أمنِّي النفس من دونكم بأنني قادر ولكن لم أستطع أن أواصل، حاولت ولكن الآن أقف بلا حولٍ ولا قوة، أنا العدد الزائد في هذه الحياة وأنا الذي يعيشُ الموت بتضاداتِه، بالأمس لم أتمكن من النوم ليس لأن الأرق يسيطر عليّ، على العكس تماما أنا من باعدتُ بمسافات كثيرة بيني وبين النعاس، أنا أحارب كل ما تقوم عليه هذه الحياة، حتى النوم تخيلي! تذكرتُ أوصافك عندما بلغت عقدي الثالث، كان أبي بجانبِك يقول في القرآن ذُكِر لفظ السنة للأيام الصعبة والحزينة وذُكر لفظ عام للأيام الطيبة الجميلة، قُلتِ بفمِك الناعم " لا سنوات في أعوامِ ولدي " وكُنت أتخيّل دائِمًا بأنه ليس هُناك سنة ستقطعُ أعوامي الخالدة في عُقدة قلبك، إلى أن جاءت هذه السنة، أتت السنة السيئة التي ظننتها لن تجيء أبدًا، هذه السنة لم أبتسم بها من فرط السعادة ولا للحظة، أبتسمت فيها كثيرًا ولكن لستُ سعيدًا، كنت سيئًا لم أفعل شيئًا حَسنًا، حتى المرأة التي ظننت أن من حقي أن تكون ليْ تزوجتها برُخص، لِمَ أنا بهذه الصورة؟ أوّد أن أشرح لنفسي يا " يمه " كيف لإبنك خلال سنة أن تختل به موازين هذه الدنيـا، أنا فقدتُ في الحياة حياتي، لأنني ببساطة لم أعرف كيف أتعامل مع الصدمات ولم أعرف كيف أتجاوز أعيُنكم النائمة بعُمق الموت، تصوَّري أن اليوم عرفـَة، و غدًا العيد، تصوَّري حجم فُقدِي الذي يجعلني أتلاشى بين هذه الأيام، لم أصوم لأولِ مرة منذُ أعوام طويلة، لم أجلس أمام التلفاز أراقب الحجيج، لم أستقبل رسائل التهنئة من أيّ أحد، لم يكُن الموت عاديًا يمرُ بسلام عليّ! هذا الموت لو تعلمين ماذا يفعل بيْ؟ أنه يُفقدني الشعور بالحياة، هذا الشعور الذي يتفاقمُ في داخلي لا يترك لي فرصَة بأن أُعيد إتزان الأشياء المتناثرة. كل ما أوّد قوله وكل ماأريده أن يصِل أنني والله العظيم أشتقت حتى الوجعُ مات فيّ.
ألتفت كثيرًا وهو يغرقُ بتفكيره، نظر بدقَة لِمَ حوله حتى عاد بخُطى مبعثرة للبيت، تقدّم إليه نايف : شفت شي؟
عبدالعزيز : لا . . مافيه شي!
دخل للغرفـَة الجانبية التي يفصلها عن المنزل ممرٌ ضيِّق، رمى نفسه على السرير الوثير لينظر للسقف بعينيْن ناعِسة تطلبُ النوم، أغمض عينيـه طويلاً وهو يسحبُ الهواء ببطء لداخل صدره الخاوي، الخاوي من كل شيء إلا الحزن، هُناك مسافة شاهقة كانت تنمو بيْ وتحمَّر كضحكة أمي الخجلى، لكن هذه المسافة تلاشت، ذابت كالسكر في الشاي، إني أنسى حلاوة الأشياء كما أنني أنسى تدريجيًا الحياة، لله يالنسيان! لله أطلبك.
فتح عينيْه ليراها بدلاً من السقف الجامد، لم يتفوه بكلمة تقطع هذا السكون، تأملاها بملامحها القاسية مرّات والناعمة مراتٍ كثيرة، لتقاطعاتِ وجهها الخافتة، للشمس التي لم أرى إنعكاسها ببشرة أحدٍ سواها، للمعة عينيْها الداكِنة و لشعرها الذي لو لم يكُن ينتمي إليْها لَمَا أحببته، لكل الأشياء التي تطوف حولها كلؤلؤٍ أبيض، ولكل الأشياء التي أحبّها من أجلِ عينيْها.
رمشت عيناه لينظر للسقف مرةً أخرى دون أثرٍ لرتيل، ألتفت بإتجاه الباب " صرت أتوّهمك وأنتِ واقع." تمتم بخفُوت وهو يمسح على وجهه بكفيّه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . .

،

قبل ساعاتٍ قليلة، بجديّة : جلست لين طلعت الشمس وأنا أفكر واستخير الله . . وش ممكن يسوي الرسول صلى الله عليه وسلم بحالتي؟
الجوهرة بربكةِ شفتيْها وقلبها يضطرب : وش ممكن يسوي؟
سلطان : أنتِ وش تتوقعين؟
الجوهرة تضع أصابعها على كفِّه الخشن بإتجاه بطنها لتُبعدها بهدوء دُون أن يعارض، بقيْت للحظات بمثلِ وضعيْتها حتى أستلقت على ظهرها لتنظر للسقف أمام نظراته المثبتة بإتجاهه.
بنبرةٍ متزنة : ممكن يترك لي الخيار . .
سلطان : وش خيارك؟
الجوهرة أرتجفتا شفتيْها لتقع عيناها بعينيْه، حاولت أن تُشتت نظراتها ولكن!
هُناك شيء يشدُّني نحوك، شيء يسحبني إلى النظر بعينيْك، أحاول أن لا ألتفت ولكن تفلتُ مني زمام الأمور، أحاول أن أن أجمِّد كل الأشياء بيننا ولكن لا شيء يستجيب لرغبتي، كل الأشياء تتغلغل فيني وتتحرك بلا توقف، أحاول أن أستقِّل بحياتي عنك ولكن لا قُدرة لي على ذلك، إنك قضائِي والقدر الذي كُتب على الجبين، كيف أنساك؟ كيف أتجاهل وجودك؟ كيف لا أتسامى بعينيْك والشمس ترقد بها؟ كيف لا أتبخَر وأنت تنظرُ إلي بهذه الطريقة يا سلطان؟ هل تنظر إلى نفسك بذاتِ النظرة؟ هل تشعر كيف نظراتُك الحادّة والناعمة بذات الوقت تُشعل قلبي البكر الذي لم يحب قبلك ولن يُحب بعد، يا مشيئتي بهذه الحياة بعد الله، عيناك قاتلة.
إبتسم من نظراتها، بانت أسنانه المصطفّة في إبتسامة ودّت لو تحفظها بصورة، الإبتسامة التي تصنَّف من النوادر السلطانيَة، كل الأشياء يا سلطان أصبحت تنتمي إليْك وتتوزعُ بك.
شتت نظراتها بحُمرة ملامحها ليُردف والإبتسامة لا تتلاشى : عيونك كانت تحكي! . .
الجُوهرة بتوتر يعتلي صدرها بشهيقٍ ويهبطُ ببطء : ما كملت ليْ! وش تسوي؟
سلطان بنظراتٍ تغرق و تغرق و تغرق ولا تنجُو : فيني فضول أعرف وش كنتِ تفكرين فيه
الجُوهرة دُون أن تنظر إليه : ما كنت أفكر بشي محدد . .
سلطان تنهَّد لتتبدد بجُزءٍ من الثانية إبتسامة سرقت قلبها : ما وصلت لنتيجة واضحة!
الجوهرة تستعدل بجلستها لتُقابله بمسافةٍ تتضاءل وكأن الهواء يتخدَّر من المضي بينهما : وصلت! . . صرت أفهمك وأفهم كلامك اللي تخفي وراه أشياء كثيرة!
سلطان يرفعُ ظهره عن السرير ليجلس هو الآخر : وش فهمتي من كلامي؟
الجوهرة : وش لازم مفروض أسمع الحين؟
سلطان : لا تجاوبين على سؤالي بسؤال
الجوهرة : لا تسألني وأنت تعرف الجواب
سلطان : بقولك شي الجوهرة . . لو أنا شاك واحد بالمية بعفتِك ما تركتك كل هالمدة هنا! كان بسهولة راح أرمي عليك الطلاق بدون لا يهزّ رمشي ندم!
الجوهرة بلعت ريقها، تخشى كلماته الواضحة الصريحة، شتت نظراتها ليرتجف قلبها ببعثرةٍ.
سلطان : الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة قال لقريش أذهبوا انتم الطلقاء . . ما حاسبهم ولا حاول يعاقبهم . .
رفعت عينيْها المتلألأة بالدمع إليه وهي تفهم ماذا يُريد أن يصِل، ليُكمل : أحيانًا أفكر من هالزاويَة، من زاوية تسامح الرسول عليه الصلاة والسلام . . . لكن في داخلي ماني مقتنع! مو ماني مقتنع بهالمبدأ لكن ماني مقتنع بأني أستعمله معك
الجوهرة تسقطُ دمعة حانيَـة تربتُ على خدها : تستعبدني يا سلطان!
سلطان بضيق يُبعد أنظاره عنها دُون أن ينطق كلمة تنحر الإتهام الموجّه إليْه، لا يعنيه أمرُ قلبي ولن يعنيه أبدًا ما دامت الكلمات التي أرتجي منها إجابة لا تحرِّك به شيئًا والإتهامات المصوَّبة نحوه لا يُبطلها صوتها.
الجُوهرة بدمعٍ مالح : تآخذك العزة بظلمي، أنت ببساطة تلغيني وتمحي كياني! أنا أستحي من نفسي لمَّا أتخيَّل كيف ممكن أقبل إعتذارك! لأنك من الأساس ماراح تعتذر ولا حتى تجبر خاطر قلبي وتعترف! الماضي اللي تشوفه أسوأ شيء ممكن يحصل في حياتي! يهووون كثير لما أشوف نفسي منذلّة بهالصورة! . . على الأقل كنت أحس أنه لي حق القبول والرفض لأيّ إعتذار ممكن يجيني! لكن معك أنا ما مقدر أختار! مقدر أرفض ولا أقدر أقبل . . أنا معك على الهامش.
تتقابل عينيْه بعينيْها المُشتعلتيْن بالبكاء، بنبرة موجعة تُكمل : أسألك بالله ما يوجعك قلبِك؟
سلطان بعُقدة حاجبيْه : أنتِ وش تشوفين؟
الجُوهرة : تبيني أجاوب بس مُجرد جواب يشبع غرورك وبعدها أنت اللي تقرر! . . تبي تهيني وبس! سواءً بقصد أو بدون قصد.
سلطان بخفُوت يقف مبتعدًا بخُطاه نحو الخلف : لعلمك! . . دايم تحبطين أيّ خطوة نتقدم فيها بعلاقتنا سواءً بقصد أو بدون قصد.
الجوهرة بحزن عميق يتحشرج به صوتها : لأنك ما تراعيني! ما تحاول تنتبه لكلامك معي! كافي والله كافي! وش بقى يا سلطان ما قلته؟
سلطان يُدخل كفِّه اليمنى بجيبه ليُردف وهو ينظرُ لسماء الرياض التي تشرق تدريجيًا : أبي أعرف رايك!
الجوهرة : رايي! كأن مالي علاقة بالموضوع! لكن أنت لك الحق بالقرار بس أنا لا! مجرد أني أقول رايي وأنت بعدها ممكن تآخذ بهالراي وممكن لا . . وتقول ليه ما نتقدم خطوة!!
سلطان بحدّة : لا تنتظرين مني أني أعتذر! ولا تنتظرين مني أقول إني غلطت! . . يُشير إليها بالسبابة . . ماني في مجتمع ملائكي ولا أنا مخلوق من نور! إذا بتوقفين على كل غلط وتنتظرين مني أعتذر فأنتِ تضيعين وقتك! ماعندي شي اعتذر عشانه
الجوهرة وتشعرُ بالدماء تجري على لسانها : يعني ما غلطت؟ ما ضربتني؟ ما احرقت إيدي؟ ما أتهمتني؟ ما قلت لي ولا شي يستحق أنك تعتذر؟؟؟؟
سلطان : أغلاطي ما جت كِذا بدون سبب! لكل فعل ردة فعل . . إذا كانت ردَّات فعلي أغلاط بالنسبة لك فأفعالك سبب هالأغلاط!
الجُوهرة بضيق : صحِّح أغلاطك معي! . .
سلطان : أبشري يا بنت عبدالمحسن!
الجوهرة عقدت حاجبيْها وهي تشدُّ شفتِها السفليَة حتى لا تسقط ببكاءها : من الحين أقولك لا تلومني لو خبيت عليك شي! ولا ما صارحتك بشي! . . إذا أنت ماتعرف كيف تقرر في حياتك! هذي مشكلتك مو مشكلتي!!!
سلطان : متى ماتبين قلتي حياتنا ومتى ما ودِّك تفصلين حياتي عنك قلتِي حياتك ومشكلتك!
الجوهرة بملوحة محجرها الذي لا ينضبّ : أنت ما عطيتني سبب واحد يخليني أقول حياتنا! ما شاركتني في أيّ قرار! ما جيت مرّة وقلت أنا متضايق أنا محتاجك! ما حسستني بأيّ شيء يقول أني مهمة في حياتك! . . على أيّ أساس أقول حياتنا وأنت ملغي دوري؟
نظر إليْها بحُرقة القهر في عينيْه، أقترب حتى أبتعدت بخطواتها وأصطدم ظهرها بالدولاب، ألتصق بها بلسانٍ يزفرُ غضبًا : يالله قرري! أعطيتك الصلاحيات الكاملة بأنك تقررين! . . قولي لي وش قرارك؟ وراح يتنفذ . .
أرتجفت شفتيْها الناعمة بإنقباض قلبها الذي ينكمش بلا تردد، تلعثمت خُطى الكلمات على لسانها لتتكوَّر حول الصمت، حاصرها بأقدامه وبطنه يُلامس بطنها، بنبرةٍ حادة : وش قرارك؟
الجوهرة أخفضت رأسها لتنساب ببكاءها، بغضبٍ رفع صوته : شايفة أنك إنسانة ما تعرف تتخذ قرار واحد! وتلوميني على أيش؟ . . . أنا لما ما أشاركِك في قرار أكون عارف بقرارة نفسي أنك مستحيل تختارين!
الجوهرة بصوتٍ يختلط بالدمع رفعت رأسها، قريب جدًا منها، من ملامحها الباكية. : أنت كِذا! تشدِّني بنظراتِك! تخليني ساذجة أصدق كل كلمة وكل شيء تنطقه عيونك قبل لسانِك، تخليني أظن أنه الأمل قريب لكن بمجرد ما تدير وجهك عنِّي أذبل! . . . أنا أكره نفسي اللي مقدرَت تكرهك.
سلطان بحدّة : مين يقسى على الثاني؟
الجوهرة بنظراتٍ ضائعة : صرت أشبهك! عشان لما أقولك أنك ألغيت الجوهرة القديمة فأنت فعلا ألغيتها ومحيتها
سلطان بنبرةٍ خافتة تصِل إلى شفتيْها قبل أذنها بهواءٍ يتجادلُ بينهما : ما تقدرين تقسين!
الجوهرة بقسوة بترَت النصف المضيء من قلب سلطان : ماني مُثيرة للشفقة عشان أتعلق بحياة احد
أشتعل صدره من جُملة قصيرة، قلبه الذي لا ينقبض من الأفعال ألتزم قهره بسبب جُملة ضيِّقة لا يتلاشى صداها، باقٍ في سمعه وقلبه الذي توتَّـرت حباله.
بحدّة : أحد؟
الجوهرة بوجَع :تصبح على خير . . . وخرجت من أسفل ذراعه التي تحاصرها، نزلت للأسفل بخطواتٍ مرتجفة، وضعت يدها على أنفها الذي غرق بالدماء، سحبت منديلاً وهي تحاول إيقاف النزيف، لا شيء يمرُّ بسلام، لا سلام بيننا يا سلطان ولا حتى هُدنـة.

،

بتجمدِ أطرافها على الأرضيَة التي تُغطيها قطعة قماشٍ رقيقة، وضعت يدها على جبينِه المحترق بحرارته، لم تستطع الوقوف من تشبثِه بها، أستجابت لنومه على حجرها دُون أن تتحرك وتُزعجه، عينيْها ترتفع للنافذة، للثلج الذي يملأ لندن، تُراقب سقوطِه وأصطدامه بالزجاج، تُخفض نظرها لتتنهَّد ويُشاركها الهواء البارد الأبيض من بين شفتيْها الحزن.
ببحَّـة تستعيدُ ذاكرتها الطريَّة صوتُه : المحبّة أرض والفرقـَآ أرآضي والزمن كله ترى لآ غبت مـَآضي . . والله إني ما أشوف الا عيونكـ إن رحلت اليوم أو طول مرآضي . .
هرولت دمعةٌ سريعة من عينيْها لتسقط على جبينه، مسحتها بأصابعها الناعمة لتتجمَّد كل الأشياء التي أمامها، غابت في ذاكرتها للحظةٍ تضخُّ بها أصواتٍ متداخلة لا تدلُّ صاحبها.
في زمانٍ ومكان لا تعرفُه، أمام عينيْه الشاهقة و الضحكات تتورَّدُ بين شفتيْها. ألتفتت نحوه : قَآلوآ العذآل والعذآل مرضـى وش بلآ حآلك من الأشوآق قـَآضي . . قلت يهجرني حبيبي لين يرضى علموآ الظآلم ترى المظلوم رآضي . . .
رمشت عينيْها لتنظر إليْه، شعرت بالصداع يُهاجمها ويُعيق كل فكرة تحاول التعمق بها، كل نبرة تحاول أن تتكىء عليها وتكتشفُ صاحبُها، عقدت حاجبيْها لتنساب ببكاءٍ عميق دُون أن تتأوه بأنينها، تُراقب نومه المطمئن وتغرقُ بأفكارٍ لا تنتهي، كيف يحيَا المرء دُون ماضي؟ أوَّد أن أسمع بلا توقف عن لقاءاتنا الأولى، عن المحادثات الطويلة التي تنتهي على وسائدنا، عن الصور التي جمدَّت لحظاتُنا وعجزت عن تجميد النبضَة التي ترتجفُ في كل مرَّة نلتقي بها، أوَّد أن تحكي لي عن الحياة التي مضت من عُمرِي معك، أوَّد أن أعرف كيف كُنت أحبك؟ وكيف كُنَّا نلتقي بأغنيَة! كيف كُنَّا نخطفُ حنجرة شاعر و نسقطُ في البيت الأول؟ علِّمني كيف كانت القصائد تتكاثف بجانب نوافذنا وكيف كانت عيناكِ تطلّ على حلمٍ لا ينتهي! أنا ذابلة يا ناصر! لا أفهم تصرفات قلبي، ولا أعرف إلى أين سيذهب بيْ، أشعرُ بك والله، أشعرُ بالنبضة المرتجفة في جيب قلبي، أشعرُ بالحيويَة التي تتسلل إلى جسدِي أمامك، أشعرُ بالتصلَّب في اللحظة التي تُدير وجهك عنِّي، أنا أفهمُ كل هذا ولكن شيءٌ واحد لا أستطيع تحديده، شيء واحد ينتهي بـ " أحبك ".

،

يُشير إليْها بإتجاه إحدى الزوايـا : هنا القبلة . .
وقفت لترفع عينيْها للسقف، بمحاولة جادة أن تصرف كل الأفكار عنها، بمحاولةٍ جادة أن تستجلب الهدوء/ الخشوع إليْها، كبَّرت لتتبعها نظراته، أستلقى على السرير بإرهاق وعيناه مازالت تُبسط النظر إليْها، تطُوف حولها كـ ناسكٍ متعبِّد، يجمِّد اللحظات بين أهدابه التي لا تقطعُ صلاة عينيْه برمشَة ولا رجفة، ركعتيْن تنتهي وترمش عينيْه، جلست على الأرض للحظاتٍ طويلة دُون أن تقِف.
أشعرُ بغربة قلبك في هذه اللحظات، أن غدًا العيد ولا شيء حولك يدلُّ على ذلك، بعد شهور قليلة سأُكمل الثلاثون عامًا ولم يرمق لي العيد مرَّةٍ بنظرة ناعمة، ولم أسمع تهنئة ورديَـة تُسعدني سوى من أمي وأبي، ما عدا ذلك تهنئاتٍ تمرُّ كالعدَم، من نساء لا أعرف عنهن إلا أسماءهن الأولى، من نساءٍ كنت أكتب ما أقوله لهن في مسوَّدة خشية النسيان، من نساء لم يحركن بيْ شيء، ولم أرسمهن مرَّة ولم أكتب لهن الشِعر ولا للحظة ولم أرسل لهن هديـةٍ واحدة. كُنت أشبع الفراغات حولي بهن لأني آمنتُ بأن لا حُب ولا خرافاتِ السعادة عبر الهاتف، نحنُ الشباب نطيش لأننا نعلم بأن هُناك مجتمع خلفنا سيُبرر لنا هذا التمرُّد، لا أحد يتزوَّج من فتاة رآها بسوق تجاري ولا أحدٍ يتزوَّج من فتاةٍ تعرّف عليها بموقعٍ في الإنترنت، كل هذا أنا أؤمن به لأنني أؤمن بطبيعة العلاقات في مجتمعي، لا نهايات طيبة تبدأ من رقمٍ ورسالة. ولكنني سيء! مضى حُبكِ يتفاقمُ بصدرِي، بدت نظرات الإعجاب تتحوَّل لتفكيرٍ مزمن لا ينتهي الا بِك، كنت أنام لأستيقظ بفكرةٍ واحدة وهي أنتِ، وكُنت أحاول النوم ولكنكِ في ليالٍ كثيرة كانت الوسائد أرق، أُدرك جيدًا بأن بدايتنا هشَّـة لأنها مُشبعة بغضب الله، بالتعدي على حدوده، أُدرك ذلك جيدًا ولكن الآن! الخيارات بأيدينا.
ألتفتت عليه عندما حسَّت بسكُونِه، ألتقت عينيْها بعينيْه، بحركةٍ بائسة بدأت تُقطِّع أظافرها بأسنانها، لتُردف وهي تقف : ابي اكلم أبويْ
فارس يُخرج هاتفه الذي أتى به من الشقة، مدَّه إليْه أمام نظراتها المندهشـة.
بلهفة أخذته من يدِه لتضغط رقمه الذي تحفظه عن ظهر غيب/حُب،بدأت بالسير بلا توقف في الغرفـة الضيِّقة، تشعرُ بأن الثواني التي تستطيلُ بلحظاتها تعبرها كساعاتٍ لا تنقضي بسهولة.
عبدالرحمن : ألو . .
توقفت أقدامها بنبرته التي اشتاقت إليْها، توقَّف هذا العالم بأكمله واصطَّف بعيني بصوتِه الطري في ذاكرتِي والخالدُ في يساري، مالِي أنا والناس؟ إن لم تلفني يدِك الحانيَـة، إن لم تأخذنِي عينيْك لعلييِّن، مالي أنا والحياة؟ إن لَمْ أعِش في كنف صوتك. يا وجَعُ الكلمات المتراميَة على أطرافي يا " يبـه " و يا شدَّةُ وجعها إذا ضاقت بها حنجرتي، يا إتصالي بهذه الحياة عبر وريدُك، إن باعدت المسافات وارتفعت لن يفصلني عن قلبك شيء، وكيف يفصلني؟ و جسدِي يبتهِّلُ بـ " اشتقت ".
تصعد الحُمرة إلى عينيْها المتلألأة، بإختناق : يبــه
عبدالرحمن فزّ من كرسيْه ليُردف بصوتٍ مُبلل باللهفة : يا عيون أبوك! . .
عبير جفَّت حنجرتها ببحَّـةٍ موجعة : اشتقت لك
عبدالرحمن بأنفاسٍ تتصاعد حدُ الإضطراب : وينك؟ . . تكلميني من أيّ جوال!
عبير : جوال فارس .. يبه . . أخفضت رأسها بصوتٍ يئن . . أشتقت لك كثييير
عبدالرحمن بنظراتٍ حائرة تثبتُ على المكتب الخشبي : اشتقت لك أكثثر! . . قولي لي كيفك الحين؟ تنامين كويِّس؟ وين تنامين؟ فيه أحد يضايقك؟
عبير : أنا بخير .. دام سمعت صوتك بخييير الحمدلله
عبدالرحمن : يبه عبير طمنيني ولا تخبين عليّ شي! . .
عبير بخفُوت : والله بخير . . محد يضايقني! أصلا طلعنا من عندهم أنا مع فارس في مكان بعيد . . بعّدنا من وسط باريس!
عبدالرحمن بدهشة : طلعتوا!!!!
عبير : إيه بس رفض يرجعني للفندق
عبدالرحمن : عبير . . كيف تعامل فارس معك؟ يضايقك بشي؟
عبير تنظرُ لعينيْه التي تراقبها لتُشتتها بعيدًا، بصوتٍ ضيِّق : مو مثل أبوه
عبدالرحمن تنهَّد براحةٍ لم يشعر بها منذُ فترة طويلة : الحمدلله . . الحمدلله . .
عبير : شلون رتيل وضي؟
عبدالرحمن : كلهم بخير . . يجلس على الكرسي ليُكمل بصوتٍ يختنق تدريجيًا . . . تثقين فيني يا يبه؟ وعد أنه كل هذا راح ينتهي
عبير ببكاء تنهار كل أوتارها : إن شاء الله
عبدالرحمن بهمس : أشششش! لا تبكين
عبير تزيدُ نبرتها حزنًا وبكاءً، لم تستطع أن تصمد أكثر أمام نبرته التي تشكَّلت بعنفٍ أمام قلبها المتلهَّف إليْه : الأيام تمّر كأنها سنين! تمّر وتقطعّني يا يبه! . . أبيك . .
عبدالرحمن بدأت أعصابه تضعف وصمُوده يتضاءل، هُناك ثقبٌ فيّ يتسع مع كل نبضةٍ تعبرُ لسانها، مع كل كلمةٍ مُبللة، هذه النبرة المترسبة بالملح تقتلني.
بضيق تُكمل : كل يوم أندم على الأيام اللي كنت ازعلك فيها! . . كل يوم أتذكر أشياء ألوم نفسي كيف سويتها! . . يبه مشتاقة لك كثييير! أخاف ما أشوفك! أخاف من هالفكرة وأتعب منها! . . . أموت لو صار فيكم شي!!!
عبدالرحمن بإتزان يحاول أن يُمسك زمامه بكفٍّ بدأ الإتزان يذوب بها : بسم الله عليك من الموت، جعلي ما أبكيك! . . عبير لا تفكرين بهالأشياء، حافظي على صلواتك طيِّب و . . . بُتِر صوته، أبعدت الهاتف لتنظر للشاشة التي غُلِّفت بالسواد، جلست لتضع جبينها على ركبتيْها، شعرَت بالدمع المحترق بمرارة حزنها يتدفقُ من محجرها الذي اشتعل بالبكاء.
بخُطى هادئة إتجه نحوها، جلس على الأرض بجانبها، يتأمل رجفتها من أجلِ صوت والدها، إنقبض قلبه بأنينها التي تحاول أن تحبسه في فمِها الناعم، صمَت! أُدرك جيدًا أن الكلمات ذابلة لن تقدر على الإنتصاب من أجلِ مواساتِك، لا شيء يُخفف الحزن بغيابِ والدك، لا شيء ولا حتى أنا!
رفعت وجهها الذائِبة به الدموع، نظرت إليْه بنظراتٍ تجهل ماهيتُها، كل الأشياء تفقدُ إتزانها وتضطرب بين يديّ، حتى عيني بدأت تتصرفُ من تلقاءِ نفسها، بدأت لا تخضعُ إليّ.
فارس : بالرياض؟
هزت رأسها بالإيجاب وهي تشدُّ على شفتيْها خشيَة الغرق أكثر، خشيَة الإنهيار.
فارس : طيب قومي! الأرض باردة . . وقف ليمِّد يدِه إليْها، بقت بالهواء لحظاتٍ كثيرة أمام نظراتهما المتبادلة، رفعت كفَّها لتتلامس بكفِّه، هدأ كل شيء عدَا اصوات الرياح التي أشتدَّت من خلف زجاج النافذة، ولا شيء يعبرُ مسامعهم، لا الرياح ولا رفرفة الأشجار، للحظةِ الاولى أشعرُ بأن للمساتِ نبضاتٍ ترتجف وتعبرُ طبلة الإذن بربكة، للحظةِ الأولى أشعرُ بأن عروق كفِّي تتحرَّك بمساراتٍ متخبطة، هُناك شيء غريب! هُناك قلب يتوزَّع بكامل جسدِي ويرتجفُ بكل جزءٍ به.
شدَّها بلطف لتقف، سحبت كفَّها لتحضنها بكفِّها الأخرى، شتت نظراتها بعيدًا عنه لتتجه نحو الأريكَة.
فارس من خلفها : راح أنام ساعتين بالكثير! . . إذا أحتجتِي شي صحيني . . . نزع جاكيته ليبقى على بلوزتـِه القطنيَة، أستلقى على السرير ليغمض عينيْه بمحاولة جلب النوم إليْه رُغم نعاسه.
نظرت لعينيْه النائمتيْن بسكُون، بقيْت لدقائِقٍ كثيرة تتأملُ ملامحه، أبعدت عينيْها ولكن سُرعان ما تعود لمصَّبِ فتنتها، يُذكرني بعبدالعزيز في ملابسه، في ذوقِه الداكن، في حُبه الواضح " للـسكارفات "، تستغرقُ الكثير من الوقت في نظراتها إليْه.
فتح عينه المتجهة نحوها بلا سابق إنذار، شتت نظراتها وهي تضع يدها على رقبتها التي اشتعلت بالربكَة.
فارس : ماراح تخليني أنام؟
عبير بتوتر بدأت تنظرُ لكل الأشياء عداه، لم تشعرُ بأنه يراقبها حتى وهو مُغمض العينيْن، من بين دموعها الناعمة ابتسمت بمحاولةٍ جادة أن تُبعد هذه الإبتسامة التي لا مُبرر لها، عضَّت شفتِها السفليَة حتى لا تبتسم.
فارس بنبرةٍ تسرقها في كل مرَّة منذُ المكالمة الأولى : على فكرة عيُونِك أرق.

،

طرقت عليْها كثيرًا بنبرة تتصاعدُ بخوفها : ضيّ!! أفتحي الباب . . لم يأتِ سوى سعالها المتكرر وتقيؤها الحاد، استغرقت وقتها حتى فتحت الباب وهي تضغط على بطنها بكفِّها.
رتيل عقدت حاجبيْها بشحُوبِ ملامحها التي اصفرَّت بالتعب، استندت عليْها لتسيرُ بخُطى متعبة نحو الأريكة، جلست بتأوه من بطنها الذي يهيجُ بالوجَع : أخاف صاير شي!
رتيل بإندفاع : لا إن شاء الله . . جلست على ركبتيْها أمامها . . يوجعك كثير؟
اختنقت محاجرها بالدَمع لتلفظ : مو مرة . . أقدر أتحمله
رتيل بضيق : أكلم عبدالعزيز؟ . . يعني ممكن فيه مستشفى قريب!
ضي : لا . . خلاص بنام وممكن يخف الألم
رتيل : طيب أنسدحي يمكن داخلك برد
ضي بإبتسامة : لو داخلني برد ما رجّعت
رتيل بإبتسامة شاحبة: تحمّلي دلاختي بهالأمور . . بروح أجيب لك فراش يدفيك . . . إتجهت نحو الغرفة المنزويـة لتجلبْ لها فراش يدثِّرها، غطت جسدها : إرتاحي . . . بخطواتٍ خافتة نظرت للنافذة، لا ترى شيء سوى ظهره على الكرسي المتمرجح بفعلِ الهواء، سحبت جاكيتها لترتديه، أخذت وشاحها الصُوفي لتلفّه حول رقبتها، إتجهت نحو الباب وانحنت لتأخذ معطفه التي نامت به، شدَّت على مقبض الباب دُون أن تصدر صوتًا، إلتفت عليها لتسير برجفة من البرد الذي يصيِّر أنفاسها لبياضٍ متبخر، جلست بجانبه لتمد إليْه معطفه، ارتداه فوق جاكيته ليلفظ : كيفك اليوم؟
رتيل دُون أن تنظر إليْه، أعينهما كليْهما متجهة نحو المسطحات الخضراء التي أمامهما : بخير
عبدالعزيز : و ضيْ؟
رتيل : تمام . . إلتفتت عليه . . ما نمت؟
عبدالعزيز : متقطِّع نومي
رتيل تنهدَّت لتعود إلى صمتها مرة أخرى ويُشاركها الصمت، نظراتهما جدل لا يهدأ.
سمع صوت طرق، إلتفتت رتيل للخلف بتوجس، عبدالعزيز وقف : هذا نايف . . . إتجه إليْه ليقترب منه : أبو سعود يبي يكلمك . .
عبدالعزيز يأخذ الهاتف ليُجيب : ألو
عبدالرحمن : هلا . . شلونك يبه؟
عبدالعزيز : تمام . . أنت شلونك؟
عبدالرحمن : بخير الحمدلله . . أموركم تمام؟
عبدالعزيز : إيه بس نايف يقول لازم نغيّر المكان لأنه شاك بأنهم عرفوه!
عبدالرحمن تنهَّد : بخلي نايف يدوِّر على مكان ثاني إن شاء الله
عبدالعزيز : وش قررتوا؟
عبدالرحمن : بأقرب وقت راح أجي عشان نرجع الرياض كلنا وهناك بفهمك كل شي
عبدالعزيز : متى؟
عبدالرحمن : بس أضبِّط كم شغلة هنا وأسلمها لسلطان يكملها عني وأجيكم
عبدالعزيز : طيب
عبدالرحمن : رتيل عندِك؟
عبدالعزيز : إيه . . لحظة . . . إتجه للخلف بخطواته الهادئة ليمدّ إليها الهاتف . . أبوك
بلهفة أخذته لتُجيب : هلا
عبدالرحمن : هلابِك
رتيل : شلونك يبه؟
عبدالرحمن : بخير الحمدلله و . . كلمتني عبير اليوم
رتيل وقفت بدهشة : جد!! وينها فيه؟ يعني بيتركونها؟
عبدالرحمن بإبتسامة لم يشعرُ بأنه تلذذ بها منذُ مدَّة : أمورها تمام إن شاء الله كلها كم يوم وينتهي كل هذا
رتيل : قالت لك شي؟ تعبانة؟
عبدالرحمن : لآ بس مشتاقة لنا كثيير
رتيل برجفةِ شفتيْها تلألأت عينيْها بالدمع : واحنا مشتاقين لها . . طيب يبه متى بتجي؟
عبدالرحمن : بس انتظر كم شغلة أنهيها وأجيكم . . أنتبهي لنفسك ولا تنسين صلواتِك وكل أمورنا إن شاء الله بتتسهَّل
رتيل : إن شاء الله
عبدالرحمن : عطيني ضي!
رتيل بتوتر : طيب . . دخلت إلى البيت الدافىء . . . شكلها نايمة
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : نايمة الحين؟ . . فيها شي؟
رتيل : آآ .. لا . . يعني شوي تعبانة بس . . يعني عادي تمام
عبدالرحمن بضيق : تعبانة!! رتيل وش صاير؟ فيه شي مخبينه عنِّي؟
رتيل بربكة : لآ . . يعني وش بيكون؟ . . هذا هي صحَت
ضي التي كانت تحاول النوم ولم تستطع من الألم، رفعت عينيْها إليْها
رتيل : أبوي ..
ضي بحركة متهورة من لهفتها إليْه ضربت بطنها بطرفِ الطاولة التي أمامها لتخرج " آآه " موجعة من بين شفتيْها الشاحبتيْن.
عبدالرحمن بخوف : ألو!! ..
رتيل تضع الهاتف على الطاولة : لا تتحركين . .
ضي أخذت الهاتف بعدمِ رضوخ لطلبات رتيل : ألو
عبدالرحمن : وش فيك؟
ضي تتحامل على وجَعها: ولا شي بس صدمت بالطاولة . . المهم ماعلينا . . بشرني عنك؟
عبدالرحمن بعدمِ إقتناع : صاير شي؟
ضيْ : وش فيك عبدالرحمن؟ مافيه شي . .الحمدلله كل أمورنا تمام . . . أبي أسمع أخبارك؟ ليه ماجيت قبل أمس؟
عبدالرحمن : مقدرت! بس إن شاء الله هاليومين بجي
ضي : إن شاء الله
عبدالرحمن : يبه ضي فيك شي؟
ضي بضيق : صار فيني شي من قلت يبه
عبدالرحمن ضحك ليُردف : لا تدققين مرة! طلعت عفوية
ضي بإبتسامة : الله يديم هالضحكة! من زمان ما سمعتها
رتيل بضحكة تجلس على الطاولة ليصِل صوتها إلى والدها : من قده أبوي!
ضي بدأت الحُمرة ترتفع لوجهها لتُردف : كنت متأملة تجي قبل العيد!
عبدالرحمن تنهَّد : والله ماهو بإيدي . .
ضي : أهم شي سمعنا صوتك، لا تطوّل
عبدالرحمن : أبشري . . . تآمرين على شي؟
ضي : ما أبي إلا سلامتِك و ضحكتِك
عبدالرحمن : الله يسلمك من كل شر . . أنتبهي لنفسك طيب يبـ . . طيب ضي
ضيْ تنهدت : طيب يبه
عبدالرحمن بضحكة عميقة أردف : بحفظ الرحمن يا رُوحي
ضي : مع السلامة . . أغلقته لتمدِّه إليْها.
وقفت رتيل بخبث : راح التعب؟
ضي بضحكة مجنونة : هههههههههههههههههههههههه مبسوطة . . مبسووووطة ودي أطييير
رتيل : هههههههههههههههههههههه عساه دوم . . خرجت لتمدّ إليْه الهاتف.
إبتسم لإبتسامتها لتُردف رتيل بفرَح : أتصلت عبير على أبوي!
عبدالعزيز : كويس الحمدلله
رتيل : الحمدلله . .
عبدالعزيز : دقيقة بوديه لنايف وأجيك . . . ثواني قليلة حتى عاد وجلس بجانبها، إلتفت إليْها بكامل جسدِه : شوفي عيونك كيف تضحك؟ لو أدرِي كان قلت له يتصل عليكم كل دقيقة.
رتيل إلتفتت نحوه بمسافة قصيرة تفصلهما، نظرت لغياهيب عينيْه: محد يرِّد للحياة فرَحها إلا صوت أبويْ.
عبدالعزيز : الله يخليه ويطوِّل بعُمره
رتيل : آمين . . . كليت شي؟ وجهك تعبان!
عبدالعزيز : مو مشتهي
رتيل : عبدالعزيز ممكن أسألك سؤال؟
عبدالعزيز تنهَّد بعينيْن تقبلُ الإجابة.
رتيل : كيف عرفت عن هالجرح؟ . . أشارت إلى بين حاجبيْها.
عبدالعزيز بإبتسامة ضيِّقة : كنت أصلي الفجر بالمسجد وشفت سيارتكم مارَّة، قمت أخمِّن وش ممكن يخليكم تطلعون بهالوقت وما جاء الصبح الا وسألت الشغالة وقالت ليْ وعرفت.
رتيل : كنت أحسب في وقتها كنت تدري أني إسمعك عشان صدق أحقد عليك!
عبدالعزيز : ما عرفت إلا منك، بس أحب هالمكان
رتيل بإبتسامة : تحبه عشان . .
لم تُكمل من قبلته العميقة بين حاجبيْها ليهمس بضحكة مبحوحة : هنا موضع العشق . . أرتفع قليلاً ليُقبِّل جبينها . . وهُنا الإحترام . . إلتفت جانبًا نحو عينيْها ليقبِّلها . . وهِنا الودّ . . . مال قليلاً ليُقبِّل خدها . . وهنا الحنان . .
ضحك عند إذنها ليُردف : أعلمِّك فن القُبل؟ تراني خبرة من بعدِك
رتيل تدفعه بقوة ليضجُ كل ما حوله بصوتِ ضحكاته، والحُمرة ترتفع لأعلى رأسها، كل الأشياء في جسدها تغلي بالدماء.
إلتفت عليها بإبتسامة ونبرةٍ فصيحة : جفنه علم الغزل ومن العلم ما قتل، فحرقنا نفوسنا في جحيــم من القبل
رتيل تُقلد صوته : أنا ماأحفظ شعر غزلي كثير!
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههه
رتيل تقف بغضب ليسحبها بيدِه : له الجنة أبوك . . كان بيروح يومي بالكآبة.
رتيل تحك جبينها بتوتر عميق لتُردف دون أن تنظر إليْه : لمين هالقصيدة؟
عبدالعزيز بخبث: عجبتك؟
رتيل : لا! بس كِذا أسأل فضول
عبدالعزيز : لبشارة الخوري . . اللي قال يـاعاقد الـحاجبين على الجبين اللجين . . إن كنت تقصد قتلي قـتلتني مرتيْن
رتيل : ما أعرفه
عبدالعزيز بإستغراب : اللي قال قـَتل الوردُ نفسهُ حسـداً منك وألقــى دِمَاهُ فــِيْ وجنتيـــكِ.
رتيل بإصرار :ما أعرفه
عبدالعزيز يبتعد بأنظاره للسماء : ما عندِك ثقافة أدبية!
رتيل : لأني ما أحب الشعر! أحب المواويل
عبدالعزيز بضحكة إلتفت عليها : طقطقي عليّ! مسموحة
رتيل بإبتسامة تنظرُ إلى السماء و بصوتٍ ناعم لم يعتاد أن يسمع فصاحته : أضنيتـنـي بالهـجـر مــا أظلـمـك . . . فارحم عسى الرحمن أن يرحمك
إلتفت عليها بدهشَة جعلتها تضحك ليُردف : هذي اللي ماتعرفه!
رتيل بضحكة محمَّرة بالخجل : أقولك شي! . . الأيام اللي كنَّا جالسين فيها في شقتك كنت أحب أشوف أغراضك وأكتشفها وأقرآها! وعلق في مخي إسم الشاعر لما رجعنا الرياض ما قريت الا قصيدة وحدة وصرت أرددها دايم لين حفظتها . . بس ما تذكرتها يوم قلت البيت الأوَّل لكن يوم قلت قتل الورد نفسه تذكرت اللي قريته بشقتك!
عبدالعزيز بإبتسامة يراقب حركات شفتيْها الرقيقة.
رتيل : مـولاي .. حكمتـك فـي مهجـتـي . . فارفـق بهـا يفديـك مــن حكـمـك! . . آآ . . ما كان
يُكمل عنها بنبرةٍ لا تقلُ صحة مخارج الحروف عنها : ما كان أحلى قبلات الهوى إن كنت لا تذكر . . فأسأل فمِك، تمرُ بي كأنني لم أكن قلبك أو صدرك أو معصمك.
رتيل بنظراتِ متلألأة نحو السماء : لو مرّ سيفٌ بيننا لم نكن نعلم . . هل جرى دمي أم دمُك ؟
عبدالعزيز بإبتسامة واسعة : الله الله!
رتيل : سـل الدجـى كـم راقنـي نجـمـه لمّـا حكـى .. مبسـمـه مبسـمـك
عبدالعزيز إلتفت عليها : يا بدر إذا واصلتني بالجفا . . ومتُ في شرخ الصبا مغرمك . . قُل للدجى مات شهيد الوفا فأنثر على أكفانه أنجمك.
رتيل غرقت بضحكة مبحوحة وهي تُدفىء كفيّها بين فخذيها : هذي القصيدة خلتني أحب الشعر على فكرة!
عبدالعزيز : شكرًا.
رتيل إلتفتت إليْه بإبتسامة : عشاني حبيت الشعر؟
عبدالعزيز : عشانِك جميلة.
ضاعت النظرات بينهما، هذه النظرات لا تصنَّف تحت الحُب الناعم، هذه النظرات عشق موضعها: علييِّن. حرَّكت الريحُ شعرها الملتوِي بإلتواءاتِ ناعمة تُشبه تلعثم قلبها في هذه اللحظات، تاهت بحيرة هدبيْه، رُغم الدنيـا، الحزن ومراسيل عينيْك الحادَّة، رُغم الناس والعالم الذي يُباعد بمسافاته عنَّا، رُغم الكلمات المودِّعة و الأشياء المخبئة في تلويحة، رُغم إيماءات الغياب نحنُ نلتقي بقصيدة شفافَـة، بمُباركة طيِّبة من حناجرنا المبحوحة.

،

في ساحة العمل المكتظَّة بحُرقة الشمس، يتدرَّب على ثلاث ساعات متواصلة. أتى إليه ليُناديه بصوتٍ عالي : سلطاااان
سلطان الذي كان يتشبثُ بالحبل المتين الذي يربطُ المبنى بمبنى آخر، إلتفت عليه ليُشير إليه بالإنتظار للحظات، رمى نفسِه وخاصرته تلتفُ بحبلٍ آخر، نزل ليقترب منه.
عبدالرحمن : بيته من داخل فيه شخصين عند الباب، وعند الباب 4 بس . . بتروح الحين؟
سلطان يفتح الحزام الغليظ ليرتفع الحبل المصنوع من المطاط إلى الأعلى : إيه . . بس خلني أغسِّل وأجيك
عبدالرحمن : طيب موضوع زياد وصلهم؟
سلطان : ماراح أطلع من بيته إلا وأنا عارف مين الكلاب اللي عندنا!
عبدالرحمن : المهم نفسك لا تجهدها ولا تدخل بخناقات معهم! توّك طالع من العملية
سلطان : بتجلس سنة كاملة وأنت تقول توّك طالع من العملية!
عبدالرحمن : الشرهة على اللي خايف عليك!
سلطان بإبتسامة : أبشر من عيوني . . طيب أسمعني فكرت وأنا أتدرب بهالشي وحسيته بيساعدنا كثير . . إذا دخلت أبيك تجي وتضربني! خلنا نوصِّل لهم أننا على إختلاف وبعدها بروح بيت رائد وبيتأكد رائد أننا على خلاف وبيوصل للحمار الثاني سليمان . . . وبعدها نطبخهم إثنينتهم على نار هادية
عبدالرحمن إتسعت إبتسامته : طيب أستعجل وأنا بنتظرك فوق
سلطان يشعرُ بالنوافذ التي تكشفُ هذه الساحة كثيرًا : طيب حاول تبيِّن إنك معصب
عبدالرحمن بجمُودِ ملامحه : كلمني وبتركك الحين وحاول تحذف أيّ شي عشان تضبط السالفة
سلطان أعطى النوافذ ظهره ليتسع بضحكته : واثق أنهم أغبياء لو يشوفنا نضحك بعد يشكون
عبدالرحمن بعُقدة حاجبيْه : طيب يالله لا تطوِّل . . بنتظرك فوق وبنتظر 5 دقايق وبطلع من مكتبي
سلطان : تمام . . أخذ نفس عميق ليعقد حاجبيْه . . .
عبدالرحمن تركه بخُطى سريعة إلى الداخل، سلطان بحركة غاضبة رمى المنشفة على الأرض وإتجه نحو دورات المياه.
أستمر دقائِق حتى أغتسل وأرتدى لبسه العسكري، مسح وجهه ليتنهَّد ويعُود بخطواته نحو المبنى، وضع السلاح على خاصرتِه والقبعة بجانبها، صعد للطابق الثاني لينظر لعبدالرحمن المتجه إليه بغضبٍ يتضح بملامحه، شعر لوهلة بأنه صادق في غضبه، كل الأنظار بدأت تتبع خُطاه الحادة.
لكمه بشدَّة جعلت أنفه ينزف دماءً، بتعابيرٍ من سلطان صادقة بسبب الألم الذي بدأ يشعرُ به بأنفه، تخدَّر تمامًا كما تخدَّرت عيناه، أشار إليه بالسبابة وهو يقترب منه بخفُوت، همس وأشعَر كل من حوله بأنه يهدد، بخبث يعرفه سلطان جيدًا : سلامات
سلطان بمثل همسه وهو ينحني بظهره بمحاولة أن يوقف النزيف الذي أندفع في أنفه : الله يسلمك ما سويت شي بس طيّرت لي خشمي! . . إبتعد عبدالرحمن عائِدًا لمكتبه تارِكًا سلطان واقف أمام أنظار الجميع المندهشة/المصدومة.
وقف بربكة أقدامه : وش صاير؟
أحمد بإستغرابٍ شديد : شكلهم مختلفين في شي!
سلطان بخطواتٍ غاضبة عاد للدرَج لينزل للأسفل، ركب سيارته ومن خلفه تتبعه السيارة الأخرى بإتجاه قصر رائد الجوهي.
سحب المنديل وهو يقود بكفٍّ واحدة، يمسح الدماء التي بدأت تسقط على قميصه، تنهَّـد وهو يراقب السيارة من خلفه، أستغرق دقائق كثيرة حتى وصل للمنطقة. ركن السيارة بعيدًا، إلتفت إليهما : واحد منكم يجلس هنا وواحد معايْ
: إن شاء الله
سلطان و مُعاذ إتجها نحو الباب الخلفي، نظر لكاميرات المراقبة ليثبت ظهره بالجدار : انتظر . . تسلق الجدار ليضع أمامها حجرة صغيرة تحجب الرؤيـا.
قفز ليُردف : خلنا ندخل من هنا . . دخلا ليثبِّت السماعة في إذنه المتصلة بعبدالرحمن.
عبدالرحمن الذي يراقب الوضع بنفسه بعد أن فقد الثقة بموظفيه : فيه شخصين عند الباب الأمامي
سلطان : معاذ خلك هنا . . دخل من باب المطبخ ليرى الخادمة، أشار إليْها بالصمت وهو يضع يدِه على السلاح. الخادمة برهبة إبتعدت ليصعد للأعلى بخطواتٍ سريعة، عبدالرحمن : مكتبه على يمينك
سلطان تراجع عندما سمع خُطى أحدهم، مدّ قدمِه لتتلعثم خُطى الآتي ويسقط على وجهه، جلس عليه وهو يضع كفِّه على فمِه حتى لا يصدر صوتًا، ضغط بقوَّة خلف رقبته حتى أُغمى عليه، تركه وإتجه نحو المكتب، حاول فتحه ولكنه مقفل، بقوَّة دفع نفسه بإتجاه الباب حتى أنفتح، دخل وأغلقه عليه.
أخذ نفسٌ عميق ليتجه نحو مكتبه، فتح الدروج لينظر إلى الأوراق، يقرأها بعجالة ليرميها بفوضوية على المكتب، إتجه نحو الملفات المصطفة بترتيب في رفوف مكتبته، إبتدأ من الملفات التي على الجانب الأيمن، قرأ بعض المعاملات والعقود التي تربطه مع شخصياتٍ معروفة، تركها وهو يقف على ركبتيْه لينظر للرفِّ الأول، بدأت الأوراق تتوزَّع على الأرض، ليُردف : كلها أشياء نعرفها!
عبدالرحمن : شوف أبحث! يمكن يحفظها بمكان ثاني
سلطان يقف ليأخذ نظرةٍ شمولية لمكتبه الواسع : مافيه شي يُذكر! . . إتجه نحو الجهة الأخرى من الغرفة لينظر إلى الباب الذي يتوسطها، حاول فتحه ولم يستطع، دفع نفسه بقوة بإتجاهه ولم ينكسر، حمل الكُرسي ليدفعه بقوة نحو الباب حتى إنكسر وفُتح.
نظر للمكان الشبه خاوي سوى جهةٍ واحدة مكتظة بالأوراق والملفات الورقيـة.
سلطان بنظرةٍ مندهشة : هنا أسماء الموظفين . . . وضع الأورق بجيبه دُون أن يقرأها، أستغرق وقتٌ كبير وهو يفتش بكل جهة تسقط عينه عليها، تراجع ليُغلق الباب بهدُوء ويضع الكرسي جانبًا، اخذ منديلا ليمسح كل المواضع التي لمسها، مسح بصماته ورتَّب المكان، نظر نظرةً أخيرة ليطل من النافذة على الرجال الذين يقفُون عند الباب.
فتح الباب بهدُوء ليُغلقه بذات الهدوء، نظر للرجال الساقط أمامه وبكُرهٍ أبعدهُ بقدمه لينزل للأسفل، شعر بفوهة السلاح على رأسه من الخلف، تجمدت قدماه ليأتِ صوت عبدالرحمن : سلطان؟
: سلطان بن بدر بجلالة قدره مشرِّف عندنا!
سلطان : أبيك تبشِّر اللي فوقك
بضحكة مُستفزة : لازم نبشّره! بيجيك من باريس طاير!! . . دفعه حتى يسيرُ للأسفل، سحب سلاحه من خاصرته ليرميه بعيدًا : وش خذيت؟
سلطان : قرِّب أقولك
: قديمة الحركة
سلطان بخداع قدَّم قدمِه اليمنى بخطوة وترك قدمه اليسرى ليشِّد بها ساق من خلفه حتى سقط من أعلى الدرج، هرول إليْه سريعًا ليسحب السلاح منه، أخذ سلاحه المرمي جانبًا ووضعه في حزامه، رفعه من شَعرِه بحدة الغضب : بلغه يا روح ماما . . . وخرج بخطواتٍ سريعة بجانب معاذ.

،

تنقضي ساعات الظهيرة، تجيء ساعات الليل الطويلة، تنقضي هي الأخرى بتفاصيلٍ مرتبكة، يحلُّ ليلٌ آخر و عيدٌ يفتقدُ نفسه تحت أسقف مالِحة و يتغنجُ فرحًا بين جُدرانِ ناعمة في بيوتٍ أخرى.الساعة التاسعة مساءً.
وقفت أمام المرآة التي تعكسُ البياض الذي يلفَّها كقطعةٍ سماويـة، كنجمةٍ سقطت من كنف القمر، وشعرُها مرفُوع بأناقة مخمليَة، و بشرتها التي تعُود لبياضها المعهُود يغرزها السواد بعينيْها التي تطلُّ على أحلامٍ زهريـة، أخذت نفس عميق ولسانها بحركة مستمرة على شفتيْها حتى تلاشى الروج.
نجلاء : هيوف مو من جدِك! . . بطلي تلحسين الروج! تقل بزر
هيفاء تأخذ المنديل لتمسح شفتيْها : ما أحس على نفسي! . . تعالي حطيه ليْ أحس قلبي وقَّف
نجلاء تضع لها الرُوج وهي تمسح الأطراف الخارِجة : كِذا شكلك تمام . . . ماشاء الله تبارك الرحمن ربي يهنيكم ويسعدكم ويرزقكم الذرية الصالحة
هيفاء بإبتسامة : آمين
نجلاء : أستحي شوي مو على طول آمين
هيفاء تنهدت : نستحي مايعجبكم! ما نستحي بعد ما يعجبكم! . .
نجلاء بضحكة : وجهِّك لا يحمّر بس!
دخلت ريم بتأفأف : إنكسر كعبي! هذي حوبة ريَّان والله ...
نجلاء إلتفتت عليها : أشوف!
ريم جلست على طرفِ الأريكة وهي تنزع حذاءها : يالله . .
نجلاء : جيبيه أنا أعرف كيف ألصقه بس لا رقصتي أنزعيه عشان ما تطيحين على وجهك
ريم : وش بتسوين فيه؟
نجلاء : جايبة معي صمغ!
ريم بإبتسامة : منتِ هيّنة كل شي عندِك اليوم!
نجلاء : جايبته عشان أختك الهبلة! ماتعرف تمشي بالكعب وخفت ينكسر
ريم بضحكة : هيفاء أمشي خلني أشوف
هيفاء : جايين عشان تمصخروني؟
ريم : لا والله بس بشوف! . .
هيفاء تسيرُ نصف خطوة لتغرق ريم بضحكاتها : لا تدخلين القاعة!
هيفاء بضيق : الفستان أبو كلب مو الكعب!
نجلاء : يا حمارة يا كلبة شكلك حلو وفستانك حلو! مفهوم؟
هيفاء ببلاهة : مفهوم
ريم : جايبة الكعب الثاني صح؟
هيفاء : إيه مستحيل أمشي فيه هذا مسافة طويلة، لا طلعت من القاعة بلبس الثاني . . . بشغف أردفت . . كيف الناس تحت؟ صديقاتي جوّ؟
ريم : القاعة ممتلية كل صديقاتك وبنات ما أعرفهم بعد جايين! . . وأهل فيصل أنصدمت منهم! طبعا ماعرفت الا أمه بس شكل أهله من بعيد أو مدري
نجلاء تمدُّ لها حذاءها : يالله ألبسيه . .
ريم ترتديِه لتقف : تمام .
نجلاء بخبث : وش حوبة ريَّان؟
ريم بحماس جلست : ما قلت لكم! سويت نفسي المريضة المسكينة عنده
نجلاء بدهشة : من جدِك؟ . . وش تبليتي فيه على نفسك؟
ريم : قلت له أنه فيني مرض نفسي وأني أتوهم أشياء ماهي موجودة
نجلاء : مجنونة! بكرا ربي يعاقبك وتمرضين جد! . . لا تتمارضوا فتمرضوا
ريم : أستغفر الله يعني أنا قصدي حسَن مو سالفة أتبلى على نفسي! . . وش أسوي ريَّان عقله واقف عند عصر ما أنولدت فيه! لازم شوي أكسب رحمته عشان يرحمني
هيفاء : أنا لو أتميرض الليلة وش يقول عنِّي؟
نجلاء إلتفتت عليها : وش بتقولين له بعد؟ خففي ربكة وش فيها الأدوار أنقلبت!
هيفاء تجلس بتنهيدة : هذا إذا طلع صوتي! . . طيب وش أسوي؟ يعني وش أقوله أول ما اشوفه . . ريم أنتِ وش قلتي له؟
ريم : أصلاً ليلتي كانت زفت! نمت وما سأل عني . .
هيفاء : وأنتِ نجول؟
نجلاء بإبتسامة شاسعة : سولفنا عادي!
هيفاء بربكة : يعني وش أقوله؟ أجلس ولا وين أروح أول ما أشوفه؟
ريم ضحكت لتُردف : أمشي على حظك وشوفي وش يصير! لا تفكرين وش بتقولين ولا وش بتسويين . . خليك عفوية
هيفاء تضع يدها على عنقها لتبلع ريقها بصعوبة، أردفت : طيب سوِّي لي تجربة . . يعني أنتِ فيصل
نجلاء بإبتسامة : مبرووك يا قلبي
ريم : كذابة ماراح يقول يا قلبي على طول! وش هالميانة الوصخة
نجلاء : ههههههههههههههههههههههههههههههه طيب مبرووك
هيفاء بإتزان تجاهد أن تصِل إليه : الله يبارك فيك
نجلاء : آآ . . آممم . . شلونك؟
ريم أسندت ظهرها على الأريكة بضحكاتٍ عميقة لا تنتهي.
نجلاء : والله كِذا يسألون وش فيك!
هيفاء عقدت حاجبيْها : يخي جد أتكلم! . . لا تضحكون
نجلاء : ما عليك منها! . . إيه شلونك؟
هيفاء : تمام . .
نجلاء : قولي وأنت شلونك
هيفاء صمتت قليلاً لتُردف : لا وش ذا الجو المخيس! مستحيل يكلمني كذا
ريم : إيه خليها تنفعك! . . أنا أقولك وش بيصير . . . مبروك هيفاء
نجلاء : أقص إيدي لو قال إسمها
ريم بسخرية : بيقول يا قلبي ياعيوني يا روحي! . . أنتِ إكرمينا بتضيعينها بكلامك
هيفاء تنهدت : الله يبارك فيك . .
ريم : خلاص أنتهى دورك أسكتي لين هو يتكلم! إذا تكلم جاوبيه ما تكلم لا تحاولين أنتِ اللي تتكلمين . . وإكلي هنا لين تقولين بس عشان تتغلين هناك
نجلاء : الحمدلله والشكر! خلها تآكل معه . . هذي ليلة للذكرى تبينها تموت جوع فيها
ريم : مستحيل راح تآكل براحتها . . صدقيني
هيفاء : طيب شكلي حلو؟
ريم : يجنن والله العظيم يجنن
هيفاء : يارب تمر هالليلة على خير . . تخيلوا نقضيها سوالف ونضحك؟
ريم : إيه وش فيها؟ عادي .. أكيد بتسولفون بس عاد لا تفلينها مررة
هيفاء : لا مستحيل! وش بنسولف فيه؟ مافيه سوالف
نجلاء : أهم شي كلمة براحتك . . على كيفك شيليها من قاموسك! إثبتي شخصيتك قدامه من البداية عشان بكرا ما يمسح فيك البلاط
ريم : لا تسمعين لها! لو فيها خير سوّت هالأشياء عند منصور
نجلاء : أنا و منصور طبيعة زواجنا غير! جلست دهر ملكة لين جاء العرس!

،

الإبتسامـة تُزيِّن محياه بسكسوكـة تشتدُّ سوادًا تُشابه عينيْه المضيئة بالفرحَة، على كتفيْه يثبت البشت الأسود وبفلاشاتٍ تصوِّرُ كل شخصٍ يجيء إليْه للسلام، زفاف يخطفُ أنظار الصحافة بحضُورٍ يحتوي على شخصياتٍ هامة، جلَس و بمُجرد ما لمَح دخُول عبدالرحمن حتى جاء إليْه، قبَّل رأسه بإحترام كبير.
عبدالرحمن : مبرووك منك المال ومنها العيال
فيصل : الله يبارك فيك . . . عاد ليُوسف ليهمس له بضحكة يقصدُه بها . . شكلي تمام؟
يوسف الذي يتلاعبُ بين أصابعه سبحته السوداء : خل أمك تبخرك
فيصل: عيّت الساعات تمّر
يوسف : مستعجل! .. هدّ اللعب
إلتفت عليه بدهشة ليضحك يُوسف : جوكينق! . . وش فيها حرارتك ارتفعت؟
فيصل : لولا البرستيج كان هفيتك ذاك الكف اللي يعلمك الحرارة صح!
يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه أحمد ربك وجه وقفا أني موجود في حياتك لولا الله ثم يوسف ولد عبدالله كان الحين أنت ضايع!
فيصل بإبتسامة : ما أبغى أدعي عليك! انت عارف دعواتي
يوسف يمسح وجهه : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه . . طيب طالعني بصوّرك
فيصل : لا تنزلها بالإنستقرام!
يوسف : خف علينا! . . ترى الأكاونت برايفت إذا خايف على جمالك
فيصل : صوّرني ولا يكثر . .
يوسف يصوِّره ويرسلها بالواتس آب إلى " هيفاء ".
فيصل : ورني أشوفها
يوسف يمدُّ له الهاتف : حلوة الصورة حطها بدل المخيسة اللي من أيام الثانوي وأنت عليها
فيصل : لا هذيك الصورة أحبها
يوسف : حبتك القرادة وين الزين فيها!! كنك توّك بالغ على هالشنب! . .
فيصل : ههههههههههههههههههههه عمري فيها 22
يوسف : قسم بالله كل ماأشوفها ودِّي أتفل بوجهك! معليش فيصل ودي أجاملك أحاول أجامل بس يخي الصورة معفنة! . . معفــــــنة . . معفنننننة
فيصل :الله يآخذك قل آمين . . أدخل يوزري وغيّرها . . وقف عندما أتى أحدهم للسلام.

،


تذكَّر الأوراق التي تركها في جيبه، بخُطى متمللة إتجه نحو الغرفة ليأخذها من جاكيته، سحبها لتنتثر مرةً أخرى بعض الصور، إنحنى لتتعلق عينيْه بصورة غادة، تخدَّرت أقدامه بهيئتها الجديدة عليه، رفعها لينظرُ إليْه بعينيْن متخدرة تمامًا، نزلت عينيْه نحو الأوراق، قرأ الورقـةِ الأولى التي تنقشُ إسم " رؤى بنت مقرن بن ثامر " عقد حاجبيْه ليرى سجلٌ طبي لا يفهم ولا كلمة منه، قرأ الورقة المنفردة لوحدها مع الصور " غادة صارت رؤى؟ و سلطان بن عيد صار مقرن بن ثامر؟ . . هوَّا الميِّت إزايْ بيصحى؟ العلم بعد الله عند أبو سعود "

،

في ساعاتِ الليل المتأخرة بعد عملٍ دام لساعاتٍ طويلة بعد خروجه من زفافِ فيصل، عاد لينظر للضوء المستيقظ بالصالة، إتجه لتلتقي عيناه بهما : صاحيين!
حصة بإبتسامة : جيـ . . تغيَّرت ملامحها عندما رأت الجرح الذي بجانب أنفه . . وش فيك مجروح؟
إلتفتت الجوهرة بنظراتٍ ترتجي الإطمئنان.
سلطان : بالتدريب . . ليه ما نمتوا؟
حصَة : خذتنا السوالف . .
سلطان ينظرُ إليْهما بنظراتٍ فضولية تُخمِّن الكثير، يعرف جيدًا أن خلفهما أمرٌ ما.
حصَة وقفت : يالله تصبح على خير
سلطان يقف أمامها : بالله؟
حصَة : وشو؟
سلطان : فيه شي تطبخونه من ورايْ؟
حصَة : وش فيك سلطان! يعني وش بيكون؟ . . سوالف عادية تبي تعرفها؟
سلطان : لا . . بس عيونك تقول شي ثاني
حصة بإبتسامة : لا تطمَّن مافيه شي . . يالله تصبح على خير . . وأختفت من أمامه لتتجه عينيْه نحو الجوهرة الهادئة، إقترب بخطواته إليْها، بدأ الغضب يعتليه عندما أنتبه لتجاهلها وهي تنظرُ للتلفاز، وقف أمامها وبحدَّة دفع ساقها اليمنى التي تضعها على اليسرى . . .

.
.

أنتهى. - نلتقي الجمعة إن شاء الله -





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t186834.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ظ…ظ‚ط¨ط±طھظٹ طھط±ظˆظٹ ط§ظ„ط­ظƒط§ظٹط§طھ ط£ظ† … - ط¹ط¯ظ„ظ‰ ظ…ظ†طµظˆط± ظ†ط§ط¦ظ… This thread Refback 17-03-16 06:19 PM
[ظ‚طµط© ظ…ظƒطھظ…ظ„ط©] ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ... | grosiralami.com | PinBB: 541310B9| SMS/WhatsApp: By Request This thread Refback 10-05-15 01:15 AM
Untitled document This thread Refback 08-03-15 01:41 AM
Untitled document This thread Refback 22-12-14 12:07 PM
Untitled document This thread Refback 20-12-14 09:56 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:53 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:49 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:38 AM
Untitled document This thread Refback 19-11-14 12:20 AM
Untitled document This thread Refback 15-11-14 01:52 AM
Untitled document This thread Refback 14-11-14 12:56 AM
Untitled document This thread Refback 11-11-14 08:37 PM
Untitled document This thread Refback 10-11-14 12:04 PM
Untitled document This thread Refback 03-11-14 07:03 PM
Untitled document This thread Refback 22-07-14 03:55 PM


الساعة الآن 05:53 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية