لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (15) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-11-12, 08:05 PM   1 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 56
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-




لفقد أبي وأمي والحبيبيـــن
هل سأراهم أم أن ذلك بعيـد
أبكيت عينيــي الحزينتيــــن
ماهذا الذي تقولـه ياوليــــد؟
هذا الذي أعرفه أرجوك لا تبكين
هل تَرىَ أن قلبي من حديد
أنا مثلك مصاب ولأجلك حزين
لا تلمني كل يومٍ همي يزيد
عند لقائك بزوجك قد ترتاحين
وأهلي وأخي وأختي ياوليد؟
اصبري وأن الله مع الصابرين
وهل عبدالعزيز مات أم فقيد
أدعي لهم بالمغفرة ولا تجزعين

* وصف المشاعر.





رواية : لمحت في شفتيْها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 56 )


فتح عينه على صرختها التي ضجَّت زوايـا البيت و حفرتْ بغشاءِ أذنه إبرٍ حادة الحواف ، أستعدل بجلستِه من الأريكة التي كسرت ظهره ليتمتم بإستيعاب لِمَا سمَع : الجوهرة !!
بخطواتٍ سريعة صعد للأعلى وأفكاره تضيع بين أشياءٍ كثيرة لا يستطيع التركيز بها إلا أنه يثق تماما بالحُراس المحاصرين البيت تمامًا والحيّ بأكلمه ، ثبتت أقدامه على الدور الثالث لينظرُ لحصـة المُعانقة للجوهرة وتحاول أن تُهدئها ببعضِ الكلمات الناعمة.
سلطان نظر لعائشة الواقفة علَّهُ يلتقط شيئٌ يفهمه ولكن سُرعان ما أنسحبت الأخيرة بخوفٍ يتجعدُ بملامِحها ، جلس على الأرض بالقُرب من عمتِه ليهمس : وش صاير ؟
حصَة لم تُجيبه وأكتفت برسمِ علاماتٍ تُنشط بها عقل سلطان الناعس ، بصوتٍ ثقيل : طيب .. الجوهرة
حصة وقفت لتتركها : بروح أسوي لها شي يخليها تسترخي ..
ضغطت بيديْها على رُكبتيْها المتلاصقتيْن وشعرُها يتناثر على وجهها المُنجذب للأرض التي لم تبتسم لها يومًا، أكان ثقيلاً على هذه الأرض أن تُزكِي عن نفسي الحزينـة وتُعطيني قطعةً منها لا تعرفُ للبؤس جوًا ؟ هذه الأرض مازالت تُمارس ضياعها في قلبي الذي بحجمِ الكفّ ! أكان لزامًا عليها أن تضيع وتُضيِّعني معها.
سلطان عقد حاجبيْه ، أبعد خصلات شعرها بأصابعه : ماراح تقولين لي وش فيك ؟
الجُوهرة بإختناق : أبي أبوي
سلطان : أدق عليه ؟
الجوهرة بنبرةٍ تحشرج بها البُكاء : أبي أرجع بيتنا
سلطان بهدُوء : أنتِ في بيتك
الجُوهرة رفعت عينها له لتضغط على شفتِها السُفليـة بأسنانها العلوية وكأن هذه الطريقة الطفولية ستمنعها من البُكاء، لا أعرف لِمَ نُجاهد أن نُمثِّل اللامبالاة ونحنُ خلقنا من تُراب قابل للتطاير والصمُود ، لسنَا من حجر حتى نتحلى بالجمُود على الدوام.
سلطان بحدَّة باغتت نبرته : وش صاير لك ؟
الجُوهرة تنظر لِمَ حولِه ، ليسترجع عقلها عائشة التي صدمتها بالأعلى حتى خُيِّل لها أنها سُعاد، ذاك الوجه البشوش الذي رأتهُ بإحدى الصور التي تجمعها مع سلطان، أتت صرختها بعنفوان الدهشـة والخوف، أتت بحدةِ الحُب الذي ينمو في داخلها دُون حاجتها لحنان/إهتمام يُحفِّز هذا النمو، روحها عطشى منذُ أن وُلِدت لم يتغيَّر شيء، تستطيع التكيُّف بجوِ سلطان الصحراوي الذي يشتدُ بضراوتِه، قادرة أن أتحمل ولكن هذا الحُب الذي يكبرُ يومٌ عن يوم يزدادُ بحدَّةِ أطرافُ النبات الذي يُعشعش بأرضِك يا سلطان.
الجوهرة : وش صاير!! أبد سلامتِك .. وقفت ليسحبها من معصمها بغضب حتى سقطت بجانبه. لو أن أحدًا غيرها لن يصرخ بهذه الحدة أو حتى لن يخاف من إصطدامه بشخصٍ ما، لكن أنا ؟ دائمًا أختلف عن البقية حتى في خوفي، أخشى أن يأتِ يومًا أخافُ به من ظلِّي.
أردف رافعًا حاجبه بحدَّة : هالأسلوب ما يمشي معي
بربكة الحواس شتت نظراتها التي ترمشُ بتناسب طردِي مع نبضات قلبها المُتصاعدة.
سلطان بصيغةٍ أمر بالجواب : وش اللي صار تو ؟
الجوهرة بقهرٍ تراقص على نبرتها : دلع بنات ما يهمِّك
سلطان بحدةٍ أكبر : وش اللي صار تو ؟
الجوهرة رفعت عينها للسقف حتى تمنع الدموع من التساقط وبخفُوت كأنها تُحادث نفسها : كنت أشوف صور زوجتك وعلقت في بالي بعدها طلعت لي عايشة ... و
يُقاطعها : مين زوجتي ؟
الجوهرة ثبتت نظراتها به لتغرق في حصُونِ عينه ،أصطدم قلبها بقوَّة في صدرها الرقيق : مين عندك غيرها ؟
سلطان بهدُوء ملامحه : ما أعرف إلا وحدة
الجوهرة شعرت بوخزِ الإهانة في عُنقها الذي بقيَ خاويًا بعد تجمُع الضربات في صدرها، ألتزمت الصمت لتنظرُ لعينيْه.
أكمل وهو يقف : تعرفينها ما يحتاج أقولك
مدّ يدِه لتُعانق كفَّها وتقِف من على الرُخام البارد، سحبت كفَّها لتُردف بضيق حروفها التي لاتُنطق عادةً : أبغى أروح لأهلي
نزل بخطواتٍ بارِدة تُشبه برود أعصابه الآن : طيب
الجوهرة : أكلم أبوي ؟
سلطان ألتفت عليها : لا وهالموضوع لا ينفتح
بغضب أتى ناعمًا كخامة صوتها الرقيقة : بتمنعني عن أهلي ؟ أنا برتاح!! تعبت نفسيتي من هالبيت وهالمكان
سلطان : تعاملي مع مشكلتك بنفسك
الجوهرة تقف عند آخر عتبة من الدرج في الطابق الثاني، بمُقابل جناحهم : مشكلتي هي مشكلتك!! توِّك تقول زوجتي يعني مسؤول عني
أبتسم وهو يستفزها ببروده : مسؤول عنك؟؟
الجوهرة تستقيمُ بظهرها لتتضح قوتها بمثل مفهومها : إيه رضيت ولا ما رضيت أنت مسؤول عني، إسمي زوجتك وعلى ذمتك سواءً برغبة منك أو لا
سلطان : شكرًا على الدرس الأخلاقي .. وأتجه نحو غُرفتهما لتلحقه ومازالت دموعها تُبلل ملامحها الدافئة.
أردفت : ليه تعاملني كذا ؟
سلطان يفتح أزارير قميصه مُتجهًا لدولابِه : كيف تبيني أعاملك ؟
الجوهرة : لا تتناقض وبيكفيني هالشي
سلطان رفع حاجبه : تناقضت!!!
الجوهرة بحرج بدأت تنظرُ لكل الأشياء ماعداه.
سلطان الذي يخشى أن يتعرى بقلبه أمامها أردف : لازم ليْ أصحح لك معلوماتك
الجوهرة بحدةِ موقفها : طيب صحح ليْ ؟
سلطان تنهَّـد : خلينا ننهي هالنقاش عشان عيونك لا تبكي أكثر
الجوهرة نظرت إليْه بسهامٍ حادة تخترق عينيْه الواثقة ، أردفت وهي تمسحُ دموعها المترسبة على ملامحها : أبكي؟ أنا لو أبكي تأكد أنه ماهو عشانك! أبكي على عُمري اللي ضاع معاك
سلطان بتجاهل : كان الله في عونك

،

الساعة تقتربْ من التاسعة مساءً ، أتصل عليْه بحزنٍ يُلامس أطراف يدِه : أحجز لي بأسرع وقت ، لو مافيه رحلات شف لي ترانزيت .. أبي هاليومين أكون في باريس.
فيصل : أبشر الحين أدوِّر لك حجز
ناصِر بضيق : أنتظر منك رد .. وأغلقه دُون أن يسمع جوابٍ ، ينظرُ للسواد الذي يُحيطه بعد أن شعَر بأن الحياة تتذبذب بلزوجة أسفل قدميْه، لا يستطيع أن يتزن أبدًا أو يُصدق أن قلبُها مازال ينبض إلا حينما يُلامس قلبُها بيدِه ويتحسس نبضاتِها بعناقها، أحتاج أن أراهَا بصورةٍ حسيـَّـة تُحرِّك ذاكرة القلب كيفما تشاء، أحتاج ان أستسلم لهذا العالم حتى يُبعد عنِّي " بياخته " المُلازمة له في تشتيت طُرقنـا. أحتاج أن أحيـا على عينِ غادة وقلبِ غادة ورائحةِ غادة وكُل غادة.

،

يسيرَان بخطواتٍ سريعة طويلة ، يُخرج هاتفه المُغلق حتى يعكس بشاشته صورة الرجل البعيد جدًا ولكن مازال يُلاحقهم، أخذ نفسًا عميق ليُردف بصوتٍ خافت : لو صار شي ترجعين لنفس الفندق وتخترعين أي كذبة عشان تدخلين الغرفة قولي أنك نسيتي جوالك أو أي شي.. وأتصلي على فندقكم بباريس من تليفون الغرفة وكلمي أبوك... أخرج من محفظته بطاقة فندقهم .. هذا رقمكم ...
رتيل بتشتُت : وأنت ؟
عبدالعزيز : معاك بس لو صار شي تعرفين كيف تتصرفين!
رتيل بربكة : طيب ...
عبدالعزيز ينظرُ لمحل الهواتف : أدخلي وأشحني الجوال بس 10 دقايق يكفينا
رتيل بهدُوء دخلت بينما عبدالعزيز واقف ينتظرها بالخارج ويُراقب أفكارها التي بدأت تخيط بحيلةٍ حتى يهرُب.
إلتفاتاتها الكثيرة تفضحُ خوفها الذي يُداعب شفتيْها المُتشققة بفضلِ أسنانها المُرتبكة : شكرًا .. بعد أن مرَّت أقل من 10 دقائق ، أنهالت عليها الإتصالات الفائتة : بتصل على أبوي
عبدالعزيز مسكها من معصمها ليدخلان طريقًا فرعيًا مُقارب من نهر السين الذِي تُعتبر هي عاصمتُه.
رتيل بخوف : ما يرِّد !!
عبدالعزيز : على مقرن ؟
رتيل بدأت أنفاسُها الخائفة تتصاعد : ماعندي رقمه الفرنسي .. نسيت لا أحفظه لأنه غيَّره أول ما وصلنا
عبدالعزيز : عبير .. مرت أبوك .. اي أحد !!
رتيل أصابعها المرتجفة تخطأ في كل مرة ، باغتها إتصال والدها لترُد بصوتٍ متلهف : يبـــه
عبدالرحمن : وينكم ؟
رتيل : في روَان
عبدالرحمن : طيب الطريق مسكرينه أنتظروا بالسيارة للغروب وبعدها راح نجي
رتيل بربكة كانت ستتحدث لولا يدِ عبدالعزيز التي سحبت الهاتف : هُم في روَان !!
عبدالرحمن تنهَّد : مافيه طريق ثاني يوصلني لـ روَان طيب! عز حاول قد ما تقدر تروح لآي مكان آمن بس لين الغروب وساعتها إن شاء الله بنكون عندك
عبدالعزيز بغضب : سلاحي بالسيارة اللي تعطلت ومعاي رتيل وفيه واحد يلاحقني! وش أسوي ؟ فرضًا كان مسلح بجلس أدافع عن نفسي بأيش ؟
عبدالرحمن بمثل غضبه : طيب أنا وش أسوي ؟ رحت مرتين والشمال كله مسكرينه ..
عبدالعزيز تنهَّد بعد صمتٍ لثواني : وش صار مع رائد ؟
عبدالرحمن : ماعندنا خبر عنه لكن أكيد الحين شاك فيك لأنك خلفت بالموعد بدون لا تبلغه .. بس تجي نشوف لنا عذر له
عبدالعزيز : طيب ..
عبدالرحمن : الله يحفظكم بعينه اللي ما تنام .. أنتبه لنفسك ولا تروح لمناطق فاضية .. خلك بمركز المدينة
عبدالعزيز : إن شاء الله .. وأغلقه ليُردف : أغلقيه عشان ماينتهي شحنه
رتيل : بننتظر لين الغروب ؟
عبدالعزيز : أيه .. نظر للسماء التي تُنبأ عن مطرٍ سيزور الأرض قريبًا، تبللت فرنسـا بأكملها هذه الأيام، والأكيد أنها تزُور قبر أحبابي، ماذا لو كان هُناك شيئًا يجعلني أتحسس ما بهم وهُم نائمين بسلام منذُ عام وأكثر؟ يالله لو أن الطُرق تقودني لهُم الآن؟ أنا في أشَّد أحزان هذا السماء أتذكركُم. يالله لو يأتيني حلم سعيد يجمعني بكم ، أن يأتيني عيدٌ أبيض يجعلني أبتسم فقط. إلهي! " وش كثر " أنا مشتاق وبيْ من الحنين حدُ الهذيان.

،

دفعه بقوة حتى أسقطه على كُرسي من جلدٍ أسوَد، شدُّهُ من ياقتـِه بعد أن شطَر ظهرهُ نصفيْن إثر ضربته له ، صرخ به : تبي تجنني!!
فارس الذِي نزَف من أسفلِ شفتيْه ألتزم الصمت لا يُجيد التجادل مع والدٍ غضبه يُشبه ريحٍ تقتلعُ كُل من مرّت به.
رائِد بغضب ترك ياقته ليعُود لمكتبه ويُخرج سيجارةٍ يُدرك أنها لن تُطفىء النار التي توهّجت بصدرِه ، منذُ متى والأشياء المُحرَّمة تُطفىء شيئًا غير طريق الطاعة ؟ أدرك تمامًا أن ما بينْ أصبعيّ نارٌ يتحرك وأنا أزيدهُ إشتعالاً : من متى تعرفها ؟
فارس بهدُوء مُشتتًا نظراته : سنة و 7 شهور
رائد : والخيبة والله
فارس : ما ضريتك ولا ضريتها !
رائد بصراخ : تآكل تراب !! هذا اللي ناقص بعد قل أنك تحبها ومهتويها عشان أهفِّك بـ ذي *أشار لطفايـة السجائر*
فارس جلس على الأريكة الوثيرة دُون أن ينطق شيئًا وهو يسحب منديلاً يمسح به دماءه.
رائد ينظرُ إليْه مُستغرقًا جُلّ وقته ليُردف : كيف عرفتها ؟
فارس : لما أرسلتني للي يستأجر مزرعة بوسعود
رائد وهو ينفث دخانه : كنت حاس ..
فارس : قدرت أفتح الغرفة وكانت غرفتها
رائد بسخرية : خروف !!! حبيتها من صور
فارس نظر لوالده بحدَّة : ماهو من صور!
رائد بحالمية صوته الساخر : إيه أطربني كيف حبيتها ؟
فارس مُتجاهلاً سخريته ليُثقل من نبرته الرجولية : أعجبت فيها وبديت أفكر .. يعني أفكر فيها دايم وأنت يا يبه ما مليت حياتي بشي عشان أفكر بشي ثاني !! بسهولة قدرت تسيطر على عقلي ، ورجعت للمزرعة مرة ثانية وقمت أفتش بغرفتها لين شفت رقمها و .. الباقي ما يهمك
رائد بإبتسامة : مراهق!!
فارس : تستهين بالحب كثير لأنك ما جربته
رائد يُطفىء سيجارته : إلا مجربه مع أمك الخيبة الثانية !! وعارفه زين .. وبنت عبدالرحمن تدري وتحبك بعد هالخيبة الثالثة ؟
ضحك فارس من وصفه ليُردف : لا
رائد : كويِّس والله! تعجبني الدراما اللي معيِّش نفسك فيها
فارس بجديّـة : لو ما شفتها كان صدق كنت خروف وراك يا يبه
رائد : يعني حُبك لها عزز رجولتك ؟ ماشاء الله عليك تقتلني بهالرجولة !!
فارس : لك قناعاتك ولي قناعاتي
رائد بنظرة شك : وبس؟ مجرد مكالمات!!
فارس أبتسم بإنتصار خفيف : رجالك ما قصروا معي
رائد عض شفته بغضب وقبل أن يُردف شيئًا باغتهُ صوت فارس الممتلىء بصخب الرجولة : إذا أنت ذكي أنا أذكى منك يبه وإذا حمد يحاول يتشيطر عليّ فهو غلطان!! يحزني والله أني أعرف كل أمور شغلك ويحزني أكثر أنه رجالك ما ينوثق فيهم وعلى فكرة السجن الأنيق اللي كنت ساكن فيه طلعت منه أكثر من مرة وبغباء فادح من حرَّاسك وأزيدك من الشعر بيت .. كل أمور عبدالرحمن آل متعب عندي ولأنك للأسف فشلت بأنك تلقى لك جواسيس عندهم أنا قدرت ألقى ليْ !! شايف الفرق بيني وبينك ؟ أنا مراقب كل شي لكن ماأضر أحد أما أنت ماتدري وش صاير في الدنيا وتضر العالم بكل همجيـ
لم يُكمل من الطفاية التي أتت بجانب حاجبه الأيمن حتى خدشته بقوَّة. وقف مُتجهًا إليْه وهو يعلم أن فارس يحاول أن يتمرد عليْه ولكن حذارِي أن يكُون بهذه الصورة.
وقف أمامه والدماء تقطُر من جبينه : أنا قابل بأنك تضربني وتمسح في كرامتي الأرض! لكن تأكد أنه عمري ما راح أضرِّك أو ممكن أفكر أني أضرِّك حتى لو عشان اللي حبيتها واللي مستهين في حُبها !! .. مستعد أخسر كل شي ولا أخسرك لكن أنت مستعد تخسر هالعالم كله بس ما تخسر مصلحتك !! وهالفرق يا يبه يذبحني !
رائد أخذ نفسًا عميقًا و لا يفصلُ بينه وبين إبنه إلا خطواتٍ ضئيلة ، تراجع للخلف ليجلس : مين اللي يوصِّلك المعلومات ؟
فارس : راح
رائد بحدة : فارس لا تلعب معي!!
فارس : والله سافر
رائد : كم مرة رشيتهم ؟
فارس ضحك بسخرية على حاله : بالشهر 5 مرات يمكن ..
رائد : وبمقابل كم ؟
فارس : الفلوس اللي تحطها لي كل شهر ما اصرف منها شي
رائد : وحمد ؟
فارس بخبث : اللي وصله لك قادر يوصله لغيرك
رائد : أوكي يا ولد الكلب
فارس نظر لوالده بإستغراب شديد من وصفه الأخير.
رائد بغضب جنوني : إيه أنا كلب يوم خليتك مع الحمار الثاني!!
فارس بهدُوء جلس بمُقابل والده ليُردف : يبــه ،
رائد بحدة يُقاطعه : أنقلع عن وجهي لا أرتكب فيك جريمة
فارس تنهَّد ليعُود لصمته وينظرُ لوالده ، مازال جالسًا وكأنه يُريد أن يخفف عنه هذا الغضب.
أستمرت الدقائِق ليعُود رائد لسيجاراته وغضبه الذي ينفثـه ، يقطعُ عقرب الساعة الثواني ويُثير رتابتها. ألتفت لإبنه : وش تعرف عن عبدالرحمن ؟
فارس : فيما يخص بنته بس
رائد : كذاب!!
فارس بلع ريقه ليُردف : بخصوص شغله ماأعرف شي
رائد ببرود : صدقتك
فارس: قلت لك يبه مستحيل أضرِّك بشيء يعني لو أعرف أي شي بقولك
رائد : مشلكتي أثق فيك تربيتي وأعرفك زين بس الكلاب شغلهم عسير معي!! اجل قلت لي 5 مرات بالشهر ترشيهم
فارس ضحك ليُردف وهو يُقبِّل كتفه القريب منه : للأمانة آخر شهرين بطَّلت رشاوي!
رائد بإبتسامة تُشبه سحر إبنه : عاد تركت هالعالم ومالقيت الا بنته !
فارس : قدر إلهي مالي سلطة عليه

،

سَارَ بخطواتٍ خافتـة إليْها، شيءٌ ما يجذبني إليك وأكثرُ مما ينبغي تُساق أقدامي إليْك ، جلس بعد أن شعَر بهدُوء بكائها، لا يعرفُ لِمَ يجرح وبمثل الوقت يوَّد أن يُراضِي ويُطبطب الجروح الطريَّـة ، تشتت أفكاره ليلفظُ بين زحمتها صوتٌ هادىء : ريم
لم تُجيبه مازالت تغرزُ رأسها بالوسادة القطنيـة، شعَرت بضياعٍ حقيقي فلا أحد يستطيع أن يواسيها أو حتى يُخفف عنها وطأةُ حديثه أو رُبما ينصحها، يُخبرها بما يجب أن تفعله الآن. تشعرُ بالوحدة/الوحشة.
كرر إسمُها الذي يمرُّ بإنسيابية على لسانه : ريم
أدخلت أصابعها في ضيق المساحة التي تفصلُ بين وجهها والوسادة، لتمسح دمُوعها الشفافة ، ألتفتت عليه لتستلقي على ظهرها وتنظرُ له.
ريَّـان بإتزان : صلِّي العصر بالأول بعدها نتكلم
ريم ببحّـة : جمعتها مع الظهر
ريَّان تنهَّد : طيب .. قومي
ريم أستعدت بجلستها لتسند ظهرها على السرير : أنا كذا مرتاحة
ريَّان : طيب .. بغضب أبتعد مُتجهًا للتسريحة ، أخذ هاتفه ومحفظته ليخرج مُغلقًا الباب بشدَّة تخدش قلبها الرقيق، لِمَ يفعل كُل هذا ؟ مَن مِن حقه أن يغضب ؟ أليس أنا ؟ الذي شكّ بيْ وكأني لاأنتمي لخُلقٍ حسَنٍ واحد! لا أعرفُ لِمَ مزاجيته مُتغطرسة لهذا الحد ؟ يغضب متى ما يُريد و يرضى متى ما يُريد ؟ وأنا ؟ أليس لديْ مشاعر ويجب أن يُراعيها ، لستُ تحت حكم مزاجيته المُتذبذبة. ولن أكون كذلك. مثل ما يغضب يجب أن يتحمَّل عوائِدُ غضبه.

،

أغلق هاتفه بعد إتصال سلطان، أستغرق طويلاً وهو يحلل معه كيف أنَّ هُناك طرفٌ يتلاعبُ بكلا الجانبيْن، حديث سلطان الذي يؤكد فرضيتي بأدلةٍ غابت عن عقلي! أشياء كثيرة لا يتسعُها المدى تُخبرني بأن هُناك أمرًا سيفلت من سيطرتنا قريبًا.
مسك القلم وبدأ بالتنقيط على الورقة البيضاء وبعلمِ جيدًا أن هذه النقط تعني أشياءً كثيرة وأحداثٌ أعظم.
نظر لضيء التي تدخلُ عليه : السلام عليكم
عبدالرحمن : وعليكم السلام
ضيء : وش صار مع رتيل ؟
عبدالرحمن : الطريق الرئيسي متعطل ، بلغونا أنهم بيجرون إصلاحات روتينية وبينفتح على الغروب مرة ثانية
ضيء : غريبة!! مو داخلة مزاجي سالفة الطريق متعطل
عبدالرحمن بسخرية : أصلاً هو فيه شي يدخل المزاج !!
ضي أبتسمت بمواساة : أهم شي أنها مع عبدالعزيز ومتطمن عليها
عبدالرحمن تنهَّد : الحمدلله
ضي جلست بالقُرب منه لتسحب كفِّه التي تكتُب وتُعانقها بين كفيّها : ماأحب أشوفك متضايق ومهموم!! .. إن شاء الله كل الأمور سهالات لا تستبق أشياء ما بعد صارت وتفكر فيها وتتضايق
عبدالرحمن : مقدر أمشي على البركة! أنا في شغل ماني جالس أمارس هوايتي
ضي : دارية يا حبيبي بس ولو ؟ يعني شوف نفسك بالمرآية لا تآكل كويس ولا تنام كويِّس وكل تفكيرك منحصر بشي معين، خذ نفَس شوي وأرتاح
ألتزم الصمت لثواني طويلة حتى أردف : وين عبير ؟
ضي : راحت تغيِّر ملابسها!!
عبدالرحمن مسح على وجهه والإرهاق يفتكُ به : صار شي غريب معكم ؟
ضي : لآ ، جلسنا شوي بعدها وصلنا أفنان شقتها
عبدالرحمن : ليه ما قلتي لها تجي هنا ؟
ضي : قلت لها بس قالت بترتب أغراضها عشان آخر أسبوع لها بيكون في كَان

،

رمى عليه بعضُ قطرات الماء حتى يفيق : فيه أحد ينام هالوقت ؟
يُوسف بإمتعاض : ماهو وقتك أبد
منصُور : اليوم منت على بعضك
يوسف يستعدل بجلسته بعد أن أتعبهُ النوم على الأرض في مجلسهم : أذن المغرب ؟
منصور : لآ تو باقي نص ساعة
تنهَّد ليتجه نحو المغاسل الواضحة لعينِ منصور الجالس في صدرِ المجلس : فيك شي ؟
يوسف : وش بيكون يعني ؟
منصور : مدري إحساسي يقول صاير شي
يُوسف : وفِّر إحساسك لنفسك
منصور بسخرية : دام حوَّلت الموضوع لشخصنة فأنا صادق بكلامي
يُوسف يأخذ المنشفة الرماديـة ويمسح بها وجهه : يازينك ساكت
منصُور رفع حاجبه : يخص مين ؟
يُوسف بهدُوء : سالفة فهد اللي ما تنتهي
منصُور بقهر : يوم قلت لكم نفتح القضية من جديد قلتوا لا مانبي مشاكل!! وحياتك يعني ؟ بتضِّل طول عمرك بنظرها أنك أخو شخص قتل أخوها!!
يُوسف : أقدر أقنعها بمليون طريقة بس ماهو بالشرطة وبمشاكل القضية اللي إذا أنفتحت ماراح تتسكر بسهولة
منصور تنهَّد : قولها السالفة كلها! لا تقول ماله داعي تعرف التفاصيل لأن لو ماعرفت منك بتتوهَّم أشياء مالها أساس
يُوسف بحلطمة : أستغفر الله بس.

،

تنظرُ له بنظراتٍ خافتة لامُباليـة، يضع كُوب الشاي الدافىء أمامها، أنشغل بهاتفه حتى لا يُربكها بعينيْه رُغم أنَّ سهامُ عينها لا تنفَّك من المرور بجانبِ محاجره. رفع رأسه ليُردف : ودِّك تحكين بشي ؟
غادة بصدّ : لا
وليد يُدخل هاتفه بجيبه : ماتبين تعرفين وش صار على ناصر ؟
غادة بنبرةٍ مقهورة تنفجر بالكلمات المحشوَّة بالعتب : طيب ناصر وينه ؟
وليد : قريب بيكون هنا
غادة : وينه عني من زمان ؟ تقول أنه صار لي سنة وأكثر ومحد عندي غيرك!!
وليد بنبرةٍ كاذبة ، يكرهُ نفسه حين يطعنُ قلبه بالمثالية التي يمقتُ تشبثه بها : يجيك دايم
غادة بضيق : فجأة كلهم يختفون من حياتي!! كذا فجأة!
وليد : طيب تفكيرك بالماضي ماراح يرجعهم لك! فكري بحياتك وبمستقبلك الجايْ ، عندِك بكالريوس إدارة أعمال ومؤهلك عالي وتقدرين تشتغلين وتكملين حياتك
غادة : طيب والناس ؟ أبي أهل وناس تسأل عنِّي .. كيف أعيش بهالوحدة ؟
وليد: طيب مافيه أبسط من الصداقات! .. و ناصر
غادة : ناصر وناصر وناصر!! ماأعرف كيف هالعالم يمشي !! ماني قادرة أستوعب الموضوع ، أفقد ذاكرتي لآخر 5 سنوات وأسمي مقترن بناصر و ماعندي أهل !! .. يالله كيف الواحد يقدر يستوعب هالشي ؟
وليد تنهَّد : هذي الدنيا وبتمشي كذا!!، أكيد أنتِ حزنتي بوفاتهم فلا تعيشين نفس الحزن مرة ثانية، هذا قضاء وقدر ولازم تؤمنين فيه وتصبرين عليه
غادة : ودي أعرف كيف كانت حياتي بعد وفاتهم!
وليد صمت لبُرهة، و بتقاطع الثواني الضيِّقة أتى صوتُه : عشتِ عند صديقة لك إسمها أمل وكنتِ تجيني تتعالجين في ميونخ، بعدها أنتقلتِ لباريس ويَّاها و.. رجعت السعودية وتركتك. لين صار الحادث الثاني وهذا أنتِ بصحة وعافية
غادة : كنت أتعالج من أيش ؟
وليد : نفسيتك كانت مضطربة
غادة بألم : أكيد بعد وفاتهم تشتت
وليد : أكيد، وتذكري أنه عندك ناصر .. قريب إن شاء الله راح يجيك وبتشوفينه أكيد هو مشتاق لك وأنتِ مشتاقة له
غادة : ليه ما تفهمني؟ مابيني وبينه الا كلام سطحي وسطحي حيل .. أشوفه كثير بس ماأعرفه شخصيًا
وليد : تعرفينه يا رؤ .. أقصد غادة.. وبتسترجعين نفسك معاه
غادة : رؤى!! ليه تناديني فيه
وليد أبتسم : مدري ليه كذبتِ عليّ مع أمل
غادة بمثل إبتسامته : شكلي كنت ملكعة
وليد : تعرفين شي ؟ رب ضارة حسنة .. قبل فقدانك للذاكرة كان بشكل كلي للماضي لكن الحين الحمدلله أنك تتذكرين كل شيء ماعدا هالخمس سنوات! صدق عُمر ويمكن صارت أشياء كثيرة منها زواجك من ناصر .. لكن هالـ 5 سنوات راح تسترجعينها بعد الله من ناصر .. هو بروحه اللي يقدر يساعدك عن الخمس السنوات اللي فاتت من عُمرك، تعرفين يا غادة أنه الإصابات على المخ ماهي ثابتة ومحد يقدر يحددها بسهولة فيه ناس يفقدون الذاكرة وفيه ناس تُكسر عندهم الجمجمة وفيه ناس يجيهم شلل .. يعني مافيه شي قطعِي يفصل بالموضوع، ممكن حالتك النفسية قبل الحادث أثرت على هالشي وخلتك ترجعين لفقدانك الذاكرة، فيه ناس كثير يسترجعون ذاكرتهم من حادث مثل ما فقدوها من حادث، لكن سُبحان الله!! وممكن هالشي كويِّس لك ما تدرين ممكن فيه شي سيء حصل لك بالخمس سنوات الماضية ونسيانك له رحمة من الله.
غادة أخفضت نظرها لتسقط دمعة باردة على كفَّها : تصدق! أبي أشوف ناصر .. متلهفة كثيير على شوفته ..
وليد يُدرك تمامًا ما تشعُر به، العقل الباطنِي العاشقُ لناصِر والذي يُناقض ذاكرتها المُتحفِّزة للماضِي البعيد. يُدرك بأن جسدها يعترفُ بمُلكيةِ ناصر بينما قلبها باردٌ مُشتت بين عقلٌ يفهمُ هذا الشعور و ذاكرة تبترُ هذا الحديث.
بهدُوء الضائع : إن شاء الله تشوفينه ...
أعلن إفلاسي من هذه الحياة، أعلن الكُفر بالحُب بل أشدٌ إلحادًا به من هذه اللحظة، أنا الأسوأُ على كُل حال، أنا المثالي والمُبالغ بمثاليتي ! جعلتني أتنازل عن الجوهرة بسهولة دُون أن أقف أمامهم جميعًا وأعلن الحفاظ على حُبٍ كان في المهد، ومرةً أخرى أتنازل عن " رؤى " أو غادة لا يهُم مادامت هذه العينان واحِدة، كل الأشياء تقف بوجهِي، تجعلني مستسلم تمامًا! لستُ خصمًا لهذا العالم حتى يُعامل إبن الطين بهذا السوء، بهذه اللقاءات العشوائية التي تجعلني لا أعشق إلا إمرأة كُتبت لغيري. سنَة وأكثر وأنا أنجذبُ نحوها في كل يوم، سنَة وأكثر كيف أُمحيها من حياتي لأبدأ من جديد. يالله! آمنت أني لا أصلحُ لأيّ إمرأة في هذا الكون، أن أعيش وحيدًا هذه النهايـة التي حاولت أن أؤخرها وأتجاهلها لكنها هاجمتني بشراسة فتت بها قلبي قطعًا. لِمَ الأطباء فاشلون بالحُب ؟ سؤالٌ لأرضِي ولا أريد منها جوابًا فحُزني منها يكفي.

،

محاجره مُحمَّـرة كبُقعةِ لونٍ مُتيبـِّسـة، عرقٌ داكِن يغزُو عدستِه السوداء ويقطع بياضِ بؤبؤة عينِه، يشعرُ بثقلٍ على رأسه الذِي حُلِق ولم يبقى به شعرَة، بشرتِه الذابلة بجروحٍ طفيفـة والهالات السوداء التي تُعزِّي ملامحه بكُلِ خضُوعٍ وإنكسار، أشياء كثيرة لا يفهمها تمامًا وهو ينظرُ لسقفٍ أبيض ورائحـة تُثير الغثيان.
نظر لعينِ أخيه الهادئة التي تتأملُه من على بُعدِ متريْن وأقل، بلع جفافه الذي أسفل لسانه، يسترجعُ ما حدث وكأنه بالأمس.
عبدالمحسن: لا تخاف ماني مسوي شي
تُركي يضع عينه على الشُباك دُون أن يلفظ بكلمة وهو يشعر بعطشٍ شديد، تصاعدت أنفاسه على هيئةِ ملحٍ مُذاب يُحشَر في محاجره. شدّ على شفتِه السُفلى، ليس مُدركًا لفداحة الذنب ولكن مُدركًا بفظاعة الألم الذي يشعُر به سواءً كان السبب الجوهرة أو غيرها، أشعرُ بطينٍ يتيبس على قلبي ويُبطء من نبضاته، يضيقُ عليّ كثيرًا حتى يُفقدني عقلي الذي يُجّن يومًا عن يوم، أنا أين ؟ أهذه مستشفى أم ماذا ؟
خرجت غصتُه العالقة في حنجرته بجبنٍ شديد، هذا الذنب لم يترك له متسعًا لرجولته ولشجاعته، كان واضحًا جدًا أن مُرتكب الكبائر جبان لم يستطع أن يواجه الحياة بإختياراتها المُتاحة، كان واضحًا أنه ناقص الرجولة من لا يستطيع أن يصبر على ذنب!
عبدالمحسن ينظرُ لعينه التي تتجمعُ بها الدموع بكثرَة : أحمد ربك أنه الله إلى الآن ساترك ، ماراح أقولك ليه تغيَّرت وكيف تغيَّرت وأنا مقدر أنسى اليوم اللي جيتنا فيه وتقول أنك قررت تحفظ القرآن وعلمت أفنان والجوهرة على الطريقة وكنت تبيهم يحفظون معك!! موجوع منك يا تركي .. ياخوي .. يا ولدي .. يا اللي كنت حياتي كلها! موجوع من أنك ما حفظت القرآن ولا حققت ولا هدف كنت أتمناه وأقول بعدها للناس هذا أخوي ولد أمي وأبوي اللي أفتخر فيه .. عُمري ما توقعت أنك توصل لهالمستوى ؟ وين اللي كان يقول بيجي يوم و بأِم بالناس بالحرَم!! وينه تركي القديم ؟ 7 سنوات ياتركي يا كبرها عند الله !!
تحشرج صوتُ عبدالمحسن وهو يُكمل : 7 سنوات وأنا مالاحظت تغيِّرك وأنك ما قمت تحضر محاضرات المسجد .. يالله كيف كنت بعيد لهدرجة ؟ قولي بس وش كان راح ينوِّمني لو الله خذا حياتِك وأنا أحس بمسؤوليتي إتجاهك ؟ ماخفت عليّ طيب ؟ أني أتحاسب بذنبك ؟ ليه كنت أناني وأنا عُمري ما تعوَّدت أنك تكون كذا ؟ وش سويت لك عشان تعامل أخوك بهالصورة ؟ بنتي .. تعرف وش يعني بنتي ؟ كيف تفكر فيها بطريقة شهوانية!! كيف هان عليك عرضك يا عمَّها يا أخو أبوها !!
دفن وجهه بالوسادة ليبكي بكلماتِ أخيه العاتبة.
عبدالمحسن دُون شفقة عليه زادهُ بحدَّة : اللهم لا إعتراض، اللي فات من عُمرنا ماله رجوع! لكن نقدر نكفِّر عنه بتوبة .. بساعدك يا تركي بس ينتهي علاجِك مالك محل بحياتي .. شوف حياتك بعيد عنِّي .. ما هو أخوي اللي يخوني في غيابي!! .. أبد ماهو بأخوي ..

،

ينظرُ لِمَ حوله، لا أثر لِمن كان يُراقبه، رُبمَا رحل أو مُختبىء .. يحاولون تخويفي أم ماذا ؟ لِمَ لمْ يجيء إليْ أو مُجرد بثُّ رعب وفقط. ليس من طرف رائد وأيضًا ليس من طرفنَا ؟ من الذي يكُون بالمنتصف حتى يفعل كل هذا ويُعطِّل أعمال رائِد وأعمالنا! إن كان عدوًا لرائِد فهو صديقًا لنا لكن ماهكذا يتعامل الأصدقاء! وإن كان صديقٌ لرائِد فليس من مصلحة الصداقة أن يُعطِّل عمل صديقه! إذن من له كل هذه المصلحة ؟ هل هُناك شيء لا أعرفه يُخبئه سلطان أو عبدالرحمن؟ رُبما طرف ثالث أجهله يتلاعبُ بيْ وبمعرفة جيدة من أبوسعود والبقيـة.
ألتفت لرتيل : خلينا نطلع لسيارتنا ..
دُون أن تجيبه سارت معه لخارج المدينـة، نصف ساعة سيرًا على الأقدام حتى خرجَا للشارع الرئيسي وبأعينِهم واضحة جدًا سيارتهم السوداء، تساقط المطر على ملابِسهم الثقيلة، وهي تفتح هاتفها لتنظرُ للساعة التي تُشير على الرابعة والنصف عصرًا بتوقيت باريس.
في بدايـة الطريق ذُو الهندام المُبعثر يتحدَّث بإنجليزية مُغلظَّة : هو أمامي الآن ... نعم في الأمس عطلتُ مدوِّس فراملها .. لا تقلق كل الأمور في حال جيِّد .. حسنًا ... أغلقه ليركن سيارته خلف سيارة عبدالعزيز تمامًا.
خرج له بإستغراب بعد أن أنتبه لملابسه التي لا تُشكك في أمره سوَى بأنه شخص عادي.
: هل تحتاج مساعدة ؟
بعد صمتٍ لثواني أردف : عجلات السيارة الأمامية قُطِعت
: حسنًا ، بإمكاني أن أساعدك
تمُّر الدقائق وهذا الرجل تحت مُراقبة عينِ عبدالعزيز، يبدُو لطيفًا بأنه نزَل ليُساعدنِي ويتضح من سيارته الأقل من متوسطة بأنهُ رجل من الريف. ليس واضحًا من ملامحه أنهُ سيء الخُلق وإلا لمَا وقف! تداخلت أفكاره وهي تُحلل عينَاه الزرقاء وبشرته الشقراء بصمتٍ يغرقُ به.
وقف : أنتهينا .. أتمنى لك يومٌ جيد
عبدالعزيز بإمتنان كبير : شكرًا لك
: لا عليك .. وبثواني قليلة أختفى من أنظاره ، دخل السيارة : جابه ربِّك
رتيل تنهَّدت براحة : الحمدلله .. يالله خلنا نرجع بسرعة لباريس قبل لا تظلِّم الدنيا ونضيع
عبدالعزيز : نضيع ؟ لمعلوماتك أني كنت عايش فيها يعني أدلّها أكثر من الرياض
رتيل ألتفتت عليه بكامل جسدِها : تدلَّها وأنت بغيت تنسف شبابي ! لا عشت حياتي ولا شي .. رجِّعني بس وتوبة أطلع معك
عبدالعزيز يُحرك سيارته بطريق العودة لباريس الأنيقة ، وبصوتٍ شغوف : بتضلين طول عمرك تقولين ياليت ترجع أيام روَان
رتيل : كلها يوم وكان زفت وش اللي يخليني أتمنى رجوعه! ماأقول الا وين أيام الرياض بس
عبدالعزيز بخبث : أيّ أيام بالضبط ؟
رتيل بثقة : أيام ما كنت أعرفك فيها
عبدالعزيز جمدَت ملامِحه بهدُوء ليُردف بسخرية شديدة : وش كثر كنتِ سعيدة!!
رتيل دُون أن تنظر إليْه : على الأقل كنت عايشة عُمري
عبدالعزيز : والحين مو عايشة عُمرك ؟
رتيل بنبرةِ الصراحة التي تجعل قلب من يُقابلها يضطرب : إيه طبعًا! ماني ناقصة شي يوم أتزوج بهالطريقة ومحد يتزوَّج بهالطريقة الا اللي عمره عدَّا الأربعين .. أصلا حتى الأربعينية ما ترضى بزواج على الصامت
عبدالعزيز بضحكته التي تسلب عقل رتيل وتُغرقه أيضًا : هالحين اللي مضايقك أنه ماصار عرس ولا صار طقطقة وعالم تبارك وتهنِّي
رتيل أنتبهت لسطحية تفكيرها لتُردف بدفاع عن نفسها : لآ طبعًا!! أنا بس أطرح لك مثال ..
عبدالعزيز : مع أني فاشل بعلم النفس لكن أثق أنه هذا اللي مضايقك
رتيل بقهر : ثقتك مهي بمحلَّها
عبدالعزيز بشماتة : يعوّضك الله في حاتم
رتيل بإبتسامة تُخفي غيضٌ شديد : ومين قال برضى بحاتم ؟
عبدالعزيز بمثل نبرتها ، بدأت حربُ الكلام بهذا الطريق الطويل : ما يرضيك أنهم أقل منك مستوى إجتماعي!
رتيل بدلع لم تتعمَّده، بعضُ الكلمات تأتي مُتغنجة بعفويـة شرسة على قلوبِ الرجال : أولاً حاتم بمثل مستواي مافيه فرق كثير! لكن كذا مزاج ماأبغاه ! أحلم بشخص ثاني
عبدالعزيز بإبتسامة مُفتعلة : كويِّس ، وإيش مواصفات الشخص الثاني ؟
رتيل تشعُر بالتلذذ وهي تستفزه : أحتفظ فيها لنفسي
عبدالعزيز : تصدقين عاد! كنت أحلم بأشياء كثيرة وسويت عكسها
رتيل : ووش هالأحلام ؟
عبدالعزيز : كنت أتوقع أني بتزوج وحدة حياوية عاقلة هادية لها قناعات ثابتة وأخلاقها عالية ..
رتيل بإنفعال : وش قصدك ؟
عبدالعزيز ألتفت عليها بنظرة ذات معنى لتعُود أنظاره للطريق. أردف : ما قلت أقصد رتيل! أنتِ قليلة حيا وطايشة ومزعجة ومالك رآي وشخصية وأخلاقك صفر ؟ عاد إذا أنتِ تشوفين نفسك كذا الشكوى لله
رتيل : لآ طبعًا ماأشوف نفسي كذا ! يمكن تقصد بزواجك من أثير لأن أظن أنه زواجك منها ..
تُقلد صوته بسخرية لاذعة وتُكمل : مبني على أخلاقها العالية وعقلها وحياءها وهدُوئها.
عبدالعزيز : إلا بشريني مجتمعنا تغيَّر بنظرته للمطلقة ؟
رتيل تفهم تماما ما يرمي إليْه : في كل شيء فيه الشين وفيه الزين! يا سعد عينه من كنت نصيبه
عبدالعزيز أبتسم حتى بانت أسنانه العلويـة : أتفق معك بالجملة الأولى بس
رتيل بنرفزة : كمِّل طريقك بس ولا عاد تكلمني

،

ينتظرُها حتى تُسلِّم من صلاتها، ألتفتت عليه لتصدّ بنظراتها وهي تقف نازعة جلال صلاتها، أخذت السجادة ووضعتها على الأريكـة الوثيرة لتنظُر إليْه مرةً أخرى : ما أبغى أتكلم بالموضوع
يُوسف بإبتسامة : مين قال أني جاي أكلمك ؟
شعرَت بالحُمرة وهي تسري بين عروق وجهها. ضحك بخفُوت ليُردف : إلا جايْ أكلمك، أجلسي
مُهرة بربكة : مالي مزاج أحكي في هالشي .. لو سمحت
يوسف : دام قلتِ لو سمحت فأنا بناقشك فيه وبعدها قرري بكيفك
مُهرة تنهَّدت لتجلس بجانبه : طيب .. وش بتقولي ؟ أنه أمي تدري من السماء ولا كانت موجودة في يوم الحادث مثلاً !
يوسف : لا بس بحكي لك القصة من بدايتها
وهذه الجروح التي لم تضمَد بعد ليس من حقِ أحدٍ ان ينبش بها ليجعلها تغرزُ الوجع مرةً أخرى، أردفت : لا ماأبغى أسمعها! أنا عارفة وحافظتها أكثر من إسمي
يوسف : لآ ماتعرفينها .. فيه أشياء ما سبق وقلتها لك
مُهرة بعصبية : جاي تدافع عن أخوك قدام وحدة خسرت أخوها!! يالله على الضمير اللي عايش فيه أنت وأهلك
يوسف بهدُوء : ماني جاي أدافع عنه، أنا جاي أقولك الكلام اللي عندي وبعدها انتِ قرري !! أسمعيني للأخير وبنفسك أحكمي
مُهرة وضعت يدها على بطنها الذي يُشاركها الحزن بألمِه : طيب ، شتت نظراتها لا تُريد أن ترى كيف الحُب يتضع بعينه لأخيه وأن ترى الدفاع من عينيْه قبل حديثه!
أستغرق نصف ساعة وأكثر وهو يقصُّ عليها ليتقطَّعُ الحديث بصمتِ يُوسف الكثير ودمعُ مُهرة الذي لم يجِّف، مع كل حرف وكلمة كانت تنزل دمعة تُشعرها بالضياع، بالحُزن الذي لم ينفَّك منذُ أن فقدت شريكُ رُوحها/حياتها. يأتِي الكلام سهلاً جدًا ولكن قلبي الذِي يواصل حياتِه مازال يتذكرُ فهد في كل زوايـا غُربتِه، الغربـة ليست بتغيير الديَار، الغربـة أن تفقد حياتِك السابقة التي كنت تشارك بها من يُطلق عليه حياتِك، أفتقدك جدًا وأكثرُ بكثير والله من " جدًا ".
يُوسف يترقبُ ردَّةِ فعلها، توتُره زاد وهو يؤمل نفسه على أن تُصدِقه : والله العظيم أنه ما قتل أخوك وأنا أحلف لك بالله يا مُهرة والحلف بالله ماهو لعبة ..
أخذت نفسًا عميقًا لتمسح دمُوعها المالحة التي تسربَّت تحت عينها، أيُّ هراء يجب أن أصدقه! لم أجِد من هذه العائلة ما يُسيء لها فعليًا، لم تكُن سوَى مُتعاطفة معِي وأيضًا يوسف! لا أعرف تماما ما شعُوره نحوي! أهو دور بطولي يقوم به من أجل أخيه ومازال أم مُجرد .. لا أعرف كيف أصنِّفه. لا شيء واضحًا بهذه الحياة وأنا أحمل بداخلي رُوح تنمُو كل يوم بيْ، الرحمة منك يارب.
يُوسف : مُهرة
مُهرة مازالت بصمتها، الوجع الذي ينمُو في داخلها كالجنين كيف تُجهضه بسهولة؟
يُوسف : حكمي عقلك!! وشوفي الموضوع من زاوية المنطق ماهو من عواطفِك
مُهرة أتجهت نحو الحمام ، أغلقته بإحكام وهي تُسند ظهرها على المغسلة وتغرقُ ببكائِها الخافت، أنفجرت وكأنها للتو أستقبلت خبر وفاتِه، تناثر دمعُها وكأنهُ لم يتناثر منذُ عقُود، تدافع بغزارة على ملامِحها النقيـة.

،

بصمتِ الطابق وإنزعاج أذنه التي توَّد أن تتداخل بها الأصوات، للسقف الأبيض الذي قاس أمتارهُ بعينه منذُ الصباح، بذاكرته التي تعُود إليْها ولقلبها الزهرِي، على دندنةِ البدر يغيب " كانوا الاحباب ظلك بعض احساسك ونورك ..ما عرفتك يوم كلك .. ياللي في غيابك حضورك .. انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم .. هذا إنتي .. قولي والله إنه إنتي .. وين غبتي ؟! .. عني هذا الوقت كله .. وين كنتي ؟! .. شيبت عيني طيوفك .. وما أصدق إني أشوفك .. ياللي قلبي في كفوفك .. نقش حنا .. وفي جديلك عطر ورد .. آتمنى .. لو تكوني في فراغ اعيوني معنى وفي سموم ضلوعي برد .. ليه تأخرتي علي .. وما طرى لك تسألي .. كنتي في غير الزمان ، وكنتي في غير المكان وانتي عمري كله عمري كله .. اللي باقي واللي كان .. انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم .." أكملهُ بعزفِ رُوحه " أنتِ حلم ؟ و أنا اللي شبيه ظلالِك ألقى به جنُوني. أنتِ حلم ؟ وأنا اللي تركتْ الشعر بعدِك وأنا كيف أكتبه وعيُونك ما تقرآه ؟ أنتِ حلم يا غادة أو أنا اللي ما صادفني من هالحياة لحظة صادقة، أنتِ حلم ولا هالحياة دُونك هي الحلم ؟ هو صوتِك اللي سمعته ؟ هو أنتِ ؟ يا أجمل من وطى هالأرض ، يا أجمل من كسَر فيني عذاريب الوقت ، يا أجمل حلم مرِّني و يا كثره حظِّي يوم عينك مشتْ بخطاويها لعيُوني ".
دخَلت الممرضـة الهنديـة ذات الملامح الناعمة لتطمئن عليْه ، أردفت بلغة عربية ركيكة : محتاج شِي ؟
ناصر هز رأسه بالرفض لتنسحب بهدُوء ويعاوِد لقلبه الذي غرق بها، حاليًا أحتاج صفعة تُخبرني بأن ما يحدُث حقيقة.

،


تنظرُ من النافذة للأمطار التي تهطل بشدَّة، تسابقت الدعوات على لسانها العذب، صمتت لزمنٍ قصير أو طويل لا أعرف جيدًا كيف أحدده وهو يأتيني، يُشاركني دعواتِي ليس مُتطفلاً أنا بقلبي من أسيرُ معه وأتصادمُ أيضًا. يُجاور عقلي حدُ اللانسيان، أقصى الأحلام أن أراك، تحت غيمةُ الحُب أحتاجُك بجانبي، أحتاجُ أن أسمع صوتِك وأنا التي أدمنتُ نبرته ، كيف أشفى منك ؟ أعرفُ جيدًا كيف الحُب يؤذِي ؟ كيف أنه يتحشرجُ بيْ وكأني أحتضر لأني مارستهُ دون رضـا الله، أعرفُ كل هذا وأُعاقب بِك، بتعلقي، بحُزني الآن وإشتياقي، أتعاقب بطريقةٍ لاذعة تجعلُني أندم مع كل قطرة تنزل من السماء، تجعلني أندم على اللحظة التي سمحتُ لك بها أن تجتاحني وسمحتُ لقلبي أن يُغضب الله، أعُود لحياتي السابقة لكن بيْ شيءٌ مكسور! منك لله يا مجهُول لا أعرفُ منه سوَى صوتِه ورسائله المُتمدِدة على كفِّي، يا مجهُول لا أعرفُ سوَى أنهُ يُضيء عيني ويخدُشني بالنور دائِمًا. يخدُشني وأنا التي رضيتُ بالعتمة كيف أقبلُ بالنور بعد كُل هذا ؟ يالله في يومِك هذا أسألُك أن تُطهِّر قلبي منه ومن حُب أهواء الشيطان، يالله في وقتٍ إستجابتك هذا أسألك أن تُبعدني بينك وبين ما يُغضبك كما باعدت بين المشرق والمغرب، يا رحمن أرحمني من حُبِه.
بنبرةٍ دافئة :عبير
ألتفتت عليها وهي تمسحُ على وجهها تخافُ من الدموع المُباغتة الضيِّقة التي تهطلُ بلا حولٍ ولا قوة منها.
ضيْ : كلمتنا رتيل، هي في الطريق
عبير : الحمدلله .. أبوي وينه ؟
ضي : راح مع مقرن ، فيك شي ؟
عبير بتوتر : لا ، كيف رتيل يوم كلمتوها ؟
ضي : كلمها أبوك بس طمَّني وقالي أنها بخير
جلست لتُطيل النظر بشتات الغُرفة دُون أن تسقط على ضي، الشرُود هو محاولة ضائعة لإنكار الواقع.
ضيْ : تبينا نطلع نتمشى في هالجو الحلو
عبير تنهَّدت : لا ، طيب ممكن أسألك سؤال ؟
ضي بإبتسامة : إيه
عبير بربكة أصابعها : طبيعي انه بنت تتزوج شخص ماتحبه بس عشان تنسى معاه واقعها ؟
ضيْ صمتت لثواني طويلة حتى تقطعه : طبيعي إذا كانت متقبلة الزوج والحب يجي بعدين لكن الغير طبيعي أنه يكون هالزواج قايم عشان تنسى واقعها ماهو عشان قيمة الزواج نفسها والإستقرار و إلى آخره من أهداف الزواج ، وش فيه واقعك يا عبير ؟
عبير : ما تكلمت عن نفسي بس كان مجرد سؤال
ضي عقدت حاجبها : ممكن الحياة اللي تبينها ماراح تلقينها في الشخص الثاني اللي ناوية ترتبطين فيه بس عشان ينسيك الواقع!
عبير : طبعًا لا ، أكيد أني بفكر بمؤهلات الشخص اللي راح يتقدم لي
ضي بإبتسامة : اللي راح يتقدم لك!! واقعك يا عبير ماهو سيء لهدرجة
عبير أرتبكت من إندفاعها بالكلام لتُردف بإتزانٍ أكثر : ماهو مسألة واقع سيء أو كويِّس، أظن أني وصلت لعُمر يخليني أحتاج لشخص ثاني في حياتي
ضي : وعادي يكون أي شخص ؟
عبير : لا، بس عندي ثقة أنه من يجي عند أبوي يعرف على مين نوافق وعلى مين نرفض .. يعني أثق بأنه بيكون شخص مقبول
ضي : حاسَّة فيك، أعرف قدر حاجتك لرجَّال في حياتك لكن ممكن ما يرضيك أي أحد يتقدم لك بالنهاية هذا نصيب إلا إذا أنتِ تبين توافقين على أي أحد من باب أنك تتخلصين من قيود أبوك
عبير بهدُوء : أبي أوافق على أحد يشغل الفراغ اللي فيني، مثل ما الرجَّال لازم يحصِّن نفسه بالزواج أنا محتاجة أني أحصن هالقلب ..
ضي بإندهاش : ما جاء في بالي ولا حتى ممكن راح يجي أنك تشكين من فراغ العاطفة
عبير بلعت غصتها لتقف مُتجهة لهاتفها المُتصل بالشاحن : كلنا نشكي!!

،

على مكتبه يُرتب بعض الأوراق التي تُهمه، مُثبت هاتفه على كتفه : يا وليد أفهمني الموضوع ماهو بإيدي، قلت لك اللي عليّ
وليد : وعبدالعزيز ؟ وينه ؟
فيصل بهدُوء : مدري اللي أعرفه ناصر وراح يجيك يوم الإثنين
وليد : يالله يا فيصل كيف أتعامل معاه ! يخي تورِّط الواحد
فيصل : ليه تتورَّط معه ؟
وليد توتر ليُردف بمحاولة لتضييع كلماته : ماعلينا! كيف بكلمه عشان أخليه يدل المكان!
فيصل : تدري شلون؟ بشوف لي صرفة وأسافر معه
وليد : فهمته الموضوع كله وأنها فاقدة ذاكرتها ؟
فيصل : يعني ماقلت له كل شي، الرجَّال مصدوم وبالمستشفى قايلين لي أنه أنهار بعد ما رحت وحاسهُم !! الله يصبره ويعينه
وليد أخذ نفسًا عميقًا : طيب ومقرن كيف جاء إسمه عندها ؟
فيصل : تسألني وكأني أعرف كل شي .. خلاص يا عمِّي لا تدخل نفسك بهالمشاكل.. أهم شي أنك سويت اللي عليك
وليد : بالله ؟ يعني أشوف الغلط قدام عيني وأسكت
فيصل : أنت ما بإيدك حيلة عشان تتصرف!! أرجع ميونخ وشوف شغلك وأنسى الموضوع
وليد : يا هي سهلة على لسانك أنك تقولها كذا !! مع السلامة قبل لا ترفع ضغطي .. أغلقه دُون أن يسمع جوابه.
تأفأف، صعب إقناع وليد بأشياء وهميـة، يخاف أن يُخبر والِده بالموضوع ومن ثم يصِل إلى مقرن مرةً أخرى وعبدالرحمن .. يالله صعب عليّ أن أتخيَّل السيناريو الذي سيحدُث.
نزل للأسفل ليجِد والدته تُغلق الهاتف : هلا بالزين كله
أبتسم : هلابك
والدته : متى إن شاء الله تبشرني وتروح تخطبها مع عمك؟
فيصل : يمه هالأسبوع مشغول وبسافر لا رجعت إن شاء الله نزورهم
والدته عقدت حاجبيْها : لآ والله منت مسافر قبل لا تملك عليها
فيصل : الله يخليك لا تحلفين عليّ، بسافر كم يوم وأرجع ماني مطوِّل
والدته : لآ كم يوم ولا غيره! تملك وتسافر
فيصل تنهَّد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليْه، يممه ماله داعي والله تعطلين شغلي كذا
والدته : هيفا أهم من الشغل !
فيصل بقهر يجلس : الله يهديك يا يمه!! كان مفروض أحطك أمام الأمر الواقع وأسافر
والدته : عشان أذبحك! هذا اللي ناقص بعد .. الحين وش له طاير ؟ خلاص أنتظر نفرح فيك بعدها سافر وسوّ اللي تبي
فيصل : يمه أنتِ اللي وش له طايرة!! هذا زواج خليني أفكر حتى ...
والدته شهقت لتضرب صدرها برقَّة : وشهو ؟ وأنا غصبتك مو فكرت وقلت أنك موافق
فيصل بإبتسامة : تفكير تحت الضغوطات وش أسوي بعد !
والدته : الشرهة مهي عليك الشرهة عليّ أنا
فيصل بضيق : أمزح يالغالية بس مستعجلة مررة يعني بكرا يقولون أهلها وش السبب اللي يخليك تستعجل ؟ هذا إذا وافقت البنت بعد
والدته : قل لهم بسافر وبيعذرونك

،

لملمت شعرها الفوضوي، ملامحها شاحبة خالية من أيّ شيء حتى شفتيْها بدأت تكتسِي ببعضِ الشحُوب ولون الزهر الفاتح، لم يأتِ إلى الآن! لا يهُم. فتحت النافذة الزُجاجية حتى يدخلُ لها هواءِ أسطنبُول البارد/المُنعش، تأملت النهار الطويل الذي تعيشُه ، الأفكار التي ترفضُ الغروب رفضًا قاطِعًا، كلمات ريـّـان القصيرة الخادِعة القاتلة، نبرتُه المُشكِكة التي تُمسك بقفازٍ من شوك ولا ترحم قلبها، أكان طلاقُه منها سببًا لذلك؟ لكن كان طلاقًا وأنتهى حتى أنهُ لا يُفكر بها أبدًا هذا ما قالته رتيل لهيفاء، هذا بالضبط ما أراح صدرِي تلك الليلة وهيفاء تُخبرني " مطلقها من زمان وتقول أنه مشكلة صارت بينهم وماعاشرته كثير أصلاً عشان ينساها بصعوبة، يعني مجرد نصيب ومالقاه معها .. لاتفكرين بالموضوع كثير دامك أستخرتِ ووافقتِ خلاص "
تنهَّدت وهي تراه يُقبل عليْها، بنبرةٍ مبحوحة : جوالي فصل وأبي أكلم أهلي
ريـَّـان وضع هاتفه على الطاولة التي أمامها : أستعمليه
ريم بضيق : عشان تتأكد ولا عشان تراقب إتصالاتي ؟
ألتفت عليها : أراقبك ؟ يا صغر عقلك بس
ثبتت في مكانه بشكلٍ أدق تجمَّدت وهي تسمعُ منه جملةٍ كهذه في أول أيام زواجهم، الكلام الناعم الذي أعتادت أن تسمعه من صديقاتها المتزوجات حديثًا لا تراه مع ريَّان أبدًا.
بلعت ريقها بربكة : عقلي مو صغير!! لكن أنت اللي تخليني أتكلم معك كذا
ريّــان تجاهلها بطريقةٍ لاذعة لقلبها وهو يسحب منشفته ويتجه نحو الحمام. نظرت للباب الذي أغلق، و رمشةُ عينٍ تفصلها عن دمعة حارَّة على خدِها الوردِي، كثيرٌ عليْها كل هذا! كثيرٌ جدًا أن يتجاهلها بهذه الطريقة. ما هذا الذنب العظيم الذي أرتكبته حتى يُعاملني بهذه الصورة البشعة لشخص يُفترض أن يقال عنه " مازال عريسًا ".


،

في أطرافِ ليل الرياض، يتراجع للخلف بعدةِ خطوات دُون أن يحدث أيّ صوت لتلتقط إذنه حديثهُم الخافت.
حصّـة : مدري والله يمكن أنتِ تحكمين عليه من موقف واحد أو إثنين، سلطان ماهو بهالصورة أبد .. أكثر شخص ممكن يمسك أعصابه هو سلطان
الجُوهرة وهي تحتضن الوسادة : أنتِ لو ما كنتِ هنا يمكن كان أنهبلت ..
حصة أبتسمت : بسم الله عليك، طيب وش رايكم تسافرون أيّ مكان ؟ يعني تغيرون جو ؟ مع أني دارية ماراح يوافق بس ممكن محاولة من هنا وهناك يوافق
الجوهرة : لا مستحيل ، وين نسافر وقلبه شايل عليّ !
حصة : رجعنا لنفس الموَّال! أنتِ وش يدريك ؟ ، طيب وش رايك تعزمينه على مطعم يختي أنا أحجز لكم طاولة ومستحيل يرفض .. عاد ماهو لهدرجة سلطان قليل ذوق !!
الجوهرة : قلت لك سلطان مستحيل ينسى !! ودامه ما ينسى أكيد بيجلس يذِلني ويذِّل طوايفي ..
حصة : الله أكبر يالشي العظيم اللي ما يقدر ينساه!! كل هالمشاكل صغيرة وبكرا راح تضحكون عليها لا عرفتوا كيف فرقتكم على تفاهتها .. أبدي بأول خطوة .. يعني مين يضمن عُمره ؟ هالدنيا كلها كم يوم عيشوها ولا تزيدون هالحزن عليكم
الجوهرة أخفضت نظرها لا جوابْ لديْها، هذه الحياة فعلاً قصيرة لكن هُناك غصَّة تُباعد خطواتهم ولا سُلطة عليْها.
حصَة : عشان حُبك له ؟
الجوهرة رفعت عينها لتلتصق بشفتيْ حصـة ، لا صوت يخرُج ويُدافع عن كبرياءٍ مكسُور، تتعرى تمامًا أمام عمتِه بجروحها.
أكملت : تحبينه ولا تكذبين عليْ ! أنتِ بنفسك قلتِ لي ؟ ليه تكابرين! دامك تكابرين أكيد سلطان بيكابر معك
الجوهرة بضيق حُنجرتها : ما أكابر لكن ماهو أكبر طموحاتي أني أعيش على مبدأ الحب بس!! فيه أشياء كثيرة أفقدها في سلطان وبنظري هي أساسية
حصة : عشانه ضربك ؟ طيب يمكن بلحظة غضب مقدر ..
تُقاطعها : مو بس ضرب! بس أنا وياه ما ننفع لبعض
حصة بهجُومٍ عنيف : إذا مالقيتي سبب قلتِ ما ننفع لبعض لو كل البنات يسوون زيِّك صدقيني 3 أرباع الحريم مطلقات !!
كلماتها الشفافة تخترق قلبه وتتوسَّدهُ بكل طغيان، بدأ يعزمُ على شيء واحِد فقط . . قدَّم خطواتِه بإتجاه الباب . .

،

أقترب من بارِيس ليُعيد للصوتِ مداه، يشعرُ بفرقعة أصابعها المُتمللة أو رُبما لايفهمُ توترها جيدًا، ألتفت عليها كثيرًا ولا يعرفُ لِمَ يأتِ في باله بيت شعرٍ يجعلهُ يبتسم حتى تكاثرت إبتساماته لضحكة من طريقة تفكيره وعقله يقرأ عليه " الشاهد الله من لمحت عيونك آمنت في سحر الجمال النجدي " ، ألتفتت عليْه : مريض يضحك لحاله ويبتسم لحاله!!
عبدالعزيز : ذابحك الفضول تبين تعرفين ليه أبتسم!!
رتيل بكذبٍ أنيق : ماني فضولية
عبدالعزيز : واضح !
رتيل تنهَّدت : متى نوصل وأفتَّك
عبدالعزيز بمحاولة إستفزاز : فرضًا يصير شي وماتوصلين
رتيل : تبيها من الله
عبدالعزيز يشرب من الماء البارد ما يرويه ليُردف بإنتعاش صوتِه : لا والله مشتاق لأثير .. أردف كلمته الأخيرة بضحكة صخبت بها السيارة.
رتيل أبتسمت حتى بان صفُ أسنانها البيضاء : أتصل عليها من جوالي لا يطلع قلبك من شوقك
عبدالعزيز ألتفت عليها بمثل إبتسامتها وعيناه تغرق بالضحك : والله شكله اللي بيطلع قلبه هو أنتِ إذا وصلنا
رتيل بضحكة طويلة : آآخ ياربي لا تطيح علينا السما !! ثقتك مستحيلة
عبدالعزيز : أعترفي قبل لا نوصل
رتيل : أعترف بأيش ؟
عبدالعزيز بسخرية : طيب أعتبري أنه خلاص ماراح تشوفيني بعد اليوم! الكلمة الأخيرة وشهي ؟
رتيل بنبرةٍ لاذعة : مع السلامة
عبدالعزيز ألتفت عليها : وبس ؟
رتيل هزت رأسها بإيجاب لتُردف : وأنت ؟
عبدالعزيز يُقلد صوتها : ماراح أقولك شي ..
رتيل ترفع حاجبها ليُكمل بصوتِه الواثق : أودِّعك على أساس أنك أيش ؟
رتيل فاضت بقهرها لتُردف : ماتعرف تعيش بدُون تجريح
عبدالعزيز بهدُوء تنهَّد : أظن أننا نتشابه بصفات كثيرة فما هو أحسن لك أنك تعايريني بشي أنتِ تسوينه
رتيل بحدَّة : وش اللي أسويه ؟ تعرف شي !! خلنا ساكتين أحسن ولا نسولف عشان نجرح بعض
عبدالعزيز : شفتِي ! أنتِ أعترفتي ، عشان أيش ؟ عشان نجرح ؟ ماهو عشان تجرحني !! شايفة الفرق
رتيل بضيق : عاد صراحتي هي تجريح لك لكن انتِ تجريحك ليْ مجرد إنتقاص وماله أساس
عبدالعزيز عض شفتِه السُفلية : قصدِك كذبك
رتيل ببرود مُستفز: لو بكذب كان كذبت من زمان وقلت لك أول ماجيت باريس وأظن تذكر كلامي
عبدالعزيز ألتزم صمته ليدُوس على دوَّاسة البنزين حتى يُخفف من سرعته ويفصله عن باريس بعضُ الكيلومترات، ضغط أكثر من مرَّة ولكن لا تعمل ولا تُبطء من سيرِ السيارة، شعَر بأن قلبه ينقبض وهو يُدخل يدِه في جيبِ بابه، أنتبه للورقة الصغيرة على جانب شباكه " هذه المرة أنت من يجب أن أشكره على غباءه "
بلع ريقه كيف يوقف هذه السيارة الآن ؟ سيدخل بطُرق باريس المُزدحمة سيتعدى الإشارات تباعًا فهذا الأكيد ؟ مالحل ؟
ألتفت لرتيل الضاغطة على أسنانها والغضب يتضح على ملامحها، لن يُخبرها ويثير رُعبها ، بدأت ذكريات حادث عائلته يتكرر عليْه، تقرير الشرطة الذي أخبره أن هُناك عطلٌ في الدوَّاسة جعلها لا تعمل، مثل العُطل ومثل الحركة القذرة! أنعطف يمينًا للشارع الآخر الذِي يؤدي للطريق نفسه الذي قطعه منذُ ساعات، هذا الشارع السريع هو الحل المؤقت.
ألتفتت عليه رتيل بعصبية بالغة : ليه إن شاء الله !!

،

يُدندن بالقلم على الطاولة الزُجاجيـة ، ينظرُ لإبنة مرةً وللنافذة مرةً أخرى، أفكاره تتشابك والشيطان صديق يجاور كل هذه الأفكار الخبيثة، رفع عينه له : فارس
: هلا
رائد : تبي تتزوجها
فارس بلع ريقه بصعُوبة لينطق : وشو ؟
رائِد : تبي بنت عبدالرحمن ؟
فارس بهدُوء : أكيد بس يعني مستحيل و ...
رائِد يُقاطعه : واللي يزوجِّك إياها ؟

.
.

أنتهى نلتقِي الخميس بإذن الله.

.
.


إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 15-11-12, 06:13 PM   المشاركة رقم: 57
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()

حيّ هالناس الطيـبة وحيّ القلُوب الجميلة، تسعدُوني وتخجلوني دايم بلطفكم وكرمكم، الله يرفع من قدركم وكل من سجَّل عشان الروايـة أتشرف فيكم كثير شخصَة شخصَة :$() ممنونتكم و زي دايم " يا كُبر حظي " فيكم و الحمدلله على هالأعين اللي تقرأني والحمدلله أننا قدرنَا نوصَل لجُزء بعيد من الروايـة. جدًا جدًا ممتنــة.


المدخَل للميِّز/الفاتن : عمر محمود العنَّاز.
وَأَنا يُبعثِرُني المَسَاءُ على يَديكِ
فَكَيفَ أَغفو؟
لاصوتَ يَجمعُنِي
ولاتمتدُّ نحوَ يَدَيَّ كَفُّ!
عيناكِ تَبحَثُ في دَمي عَنّي
وَفي غَسَقِي
تَرفُّ
وَأَنا يُبعثرُني حُضُورِي
في سَمائِكِ
وَهْوَ كَشْفُ،
الله مِنْ عَبَقٍ إلى شَفَتيِكِ ياليلايَ
يهفُو
البوحُ يُولَدُ مِنْ رَحيقِ الصّمتِ
إن أَغرَاهُ وَصْفُ
وَمَواعِدٌ خَضراءُ تَغزلُها الجَداولُ،
فَهْيَ رشْفُ
هَلْ لانفِراطِ الموجِ في عِينيكِ ياسَمراءُ
جُرْفُ ؟

أَخشَى عليكِ،
وكيفَ لاأَخشى عَليكِ،
وأَنتِ عَزْفُ


روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 57 )


عينَاه تتأمل أصابع والِده التي تصطدم بسطحِ الطاولة لترتفع نحو شفتيْه التي تتحرك بهدُوء وهو يُحدث الصخب في قلبِه النابض بتسارع تزداد حدة سرعته مع الكلمات النديَّـة التي تخرجُ منه ليُردف بخفُوت : يبه كيف! مستحيل بغصب أبوها !! ولا أبي أتزوّج أصلاً بهالطريقة
رائِد رفع حاجبه : ومين قال بتغصب أبوها! إلا بيوافق وبيبارك بعد
فارس : كيف
رائد يرقد قدم على قدم ليُثبتهما على طرف الطاولـة ودُون إنقطاع يُشعل سيجارته : لا تسأل كيف! المهم أنك بتتزوجها مو هذا اللي تبيه
فارس : وش بتستفيد ؟ شغلك لا تدخلني فيه
رائد بإبتسامة : لا تخاف ما أضِّر زوجة ولدي
فارس يضيع بالمسمى لِيخفت بصوته : و أبو زوجة ولدك ؟
رائد : عاد أبو زوجة ولدي مالك علاقة فيه
فارس وقف بحزم : لا يبه هالشي ما أمشي معك فيه
رائد بنظرة وعيد : نععم ؟
فارس بهدُوء : ماني جبان عشان أغدر فيها وفي ابوها وفي ظهورهم!!
رائد : وش قصدِك ؟
فارس بغضب لم يتمالك نفسه : يبه أنت وش تعرف عن الحُب ؟ أقولك أحبها !! وتبيني أضرَّها ؟ قول شي يستوعبه عقلي ..
رائد : شف هالحُب كيف مخليك ضعيف!!
فارس : غلطان ! مخليني أعيش ! أنا مدري كيف قبل عبير كنت عايش!! كيف كنت متحمِّل الجدران ؟ عُمرك ماراح تحس وش يعني الحُب يا يبه !! إيه أبيها وأحلم باليوم اللي أكون معها بس أبيها برضاها ماهو بهالطريقة القذرة! أنا حُبي لها أسمى من هالقذارة ومستحيل أدخل فيها
رائد أمال فمِه وعينه تنطق الغضب ، أنزل أقدامه من الطاولة ليقف وهو يُطفىء السيجارة : قلت لك بتتزوجها برضاها وبرضَى أبوها
فارس بسخرية : على أساس أنه فارس رائد الجُوهي يشرِّفه !!
رائد بحدَّة : ويزيده شرف بعد
فارس : تآمر على شي ؟ أنا بطلع
رائد : بتتزوجها يا فارس .. وهالشي ماأشاورك فيه أنا أقولك خبر راح يصير ! إذا مو اليوم بكرا
فارس تنهَّد : تآمر على شي ؟
لم يُجيبه وهو يعود لمكتبه ، خرج بخطوات غاضبة يجرُّ إذلال والده لهذا الحُب، وطَأت قدمُه على الرصيف المقابل للدكاكين الصغيرة الفرنسيـة ذات الرائحة المنعشة، أستنشق هواء باريس والمطرُ بخفَّة يهطل. أدخل يديْه بجيُوب جاكِيته البنِي، الخُطى تقُوده لمكان إقامتها، منذُ أن رأيتك وأنا أقدِّس معنى " الحُب "، أنا المتفقه بأموره وأنتِ الشريعة التي لا تُخطىء كيف أتجاوزك ؟ منذُ أن تطفلتِ على رسوماتي وأنا لا أعرفُ منفذًا لِأرسم غيرك، منذُ رجوعي تلك الليلة وعقلي يُسيطر عليْه فكرة واحِدة " الملامح الحسناء البيضاء من صاحبتها ؟ " منذُ تلك الليلة وأنا لا أنام إلا من بعدِ أن تسترجعك ذاكرتِي وتهرول رقصًا بِك، أنتِ يا عبير التي كتبتُ إسمها و زخرفتُه الرقيقة أسفل القصائِد، كُتبت لكِ ولكِ فقط، لو تعرفين كم أوَّد أن أكُون شاعرًا فقط لأكتُب عن حسنك، مللت النثر ، أحتاجُ أن أكتبك بقافيةِ الفتنة التي تنتمي إليْك. أسفلُ أشعار نزار وإخضرار قلبي بكلماتِه يُوجد أنتِ. تجاورين القصائِد بإستيطان لا يرحم ولا يرحمُ قلبي، " أشهد أن لا امرأة قد أخذت من اهتمامي نصف ما أخذت واستعمرتني مثلما فعلت وحررتني مثلما فعلت " و ليس هذا فقط، أشهدُ لكِ بحُبِ يعبرُ المحيطات وعينيْك. " أشهد أن لا امرأة تجتاحني في لحظات العشق كالزلزال ، تحرقني .. تغرقني ، تشعلني .. تطفئني ، تكسرني نصفين كالهلال "
جلَس بالمقهى المُقابل لفندقهم، تحديدًا بالكُرسي الذي أعتادت عبير عليه منذُ ان أتت باريس ، أخرج قلمه ليكتب على منديل المقهى المُزخرف بخطُ الثلث " يقُول نزار وأقُول لكِ : أيتها البحرية العينين والشمعية اليدين والرائعة الحضور أيتها البيضاء كالفضة والملساء كالبلور أشهد أن لا امرأة على محيط خصرها . .تجتمع العصور وألف ألف كوكب يدور أشهد أن لا امرأة غيرك يا حبيبتي على ذراعيها تربى أول الذكور وآخر الذكور أيتها اللماحة الشفافة العادلة الجميلة أيتها الشهية البهية الدائمة الطفوله "
طوَاه ليُخبر النادِل الذي وضع كُوب القهوة أمامه : هل لي بطلب شيء آخر ؟
النادل : بالطبع تفضَّل
فارس : تأتِ هنا أمرأة عربية دائِمًا مع فتاة اخرى
النادل بإبتسامة : العرب كُثر
فارس : أعلم ولكن تجلس هُنا أيضًا .. أخرج هاتفه ليفتح على صورتها .. هذه
النادل : عرفتها
فارس : تأتِ كل يوم، هل لك أن تحتفظ بهذا المنديل حتى تأتِ وتُعطيها إياه مع قهوتها
النادل الوسيم يتسعُ بإبتسامته : بالطبع يا سيدي
فارس : شكرًا لك.
أخذ النادل المنديل ليضعه في جيبه، حكايا الحُب تُدَّس في بلادِنا ولكن تستنطقها العيُون بفضيحة كبيرة، ليست فضيحة بمعناها بقدر فضيحة إنسانية مُشرَّفة تبدأ بـ " أحبك " و تنتهِي بمثل الـ " أحبك " و ترتيلها. وأحيانًا تكون فضيحة لا تُشرِّف إن أتت بعصيانٍ لله، هو الحُب يكُن أجمَل إن غلَّفهُ رضـا الرحمن.

،

لم ينطق حرفًا وهو يواصل طريقُه للخرُوج من باريس ناحيـة الشمال الفرنسي، ضاق فِكره لايستطيع التركيز وهو يبحث عن منفذ، ليس أكثر ذكاءً من والِده الذي واجه مثل هذا الموقف وأنقطعت أنفاسه حتى أندثر التراب عليه، ليس أكثرُ دهاءً من سلطان العيد حتى يُفكِر بحلٍ غير الإستسلام للموت الذي سينتهي به وهو يصطدم بإحدى السيارات. وهذا السيناريو المتوقع، الموت الذي يختمُ الحياة، يبقى السؤال كيف نفُّر من النهاية ؟
ألتفت إليْها، صمتها ، هدُوئها وصدرها الذي يهبطُ بشدَّة ويرتفع بمثل الشدَّة، فمُها الذي يتمايل تارةً وتُقطعه أسنانها تارةً وجبينها الذِي يتعرج لحظات ويستقيمُ بثوانِي مُتقطعة، أصابعها التي تتشابك فيما بينها ويدُها التي تتكأ تحت خدِها بجانب الشباك، أقدامها التي تهتزُ ، لِمَ أتأملُ أصغر تفاصيلك في وقتٍ ضيق كهذا ؟ عطشان يا رتيل لكلمة منك، كلمة وأنتِ شحيحة جدًا.
: أربطي حزام الأمان
لم ترد عليه ولم تُطيع أمره، تفيضُ بقهرها حد انها لا تطيق أن تسمع صوته الآن. يلعبُ معي كالمراهقين، يستفزُ كل عرق يتصل بعقلي ليجنُّ معه جنوني، أخذتُ كفايتي من أسلُوبه ولا أظن أنني سأستمر أكثر.
يُكرر لها بحدةِ صوته : قلت أربطي الحزام
رتيل بنبرةٍ مُرتفعة وهي تلتفتُ إليْه بكامل جسدها : مالك دخل فيني !!
بصرخة ألجمتها : أربطي الحزااااااام
تعبَّرت وهي تنظرُ له، أختنقت بعبراتِها وتدافع الدموع عند عينيْها، صرختُه زلزلت صدرها لتسند ظهرها على الكُرسي وتنظرُ للطريق المُبلل وتُجاهد أن تمنع دموعها من إستعمار محاجرها أكثر.
نظر للطريق الذي فرغ بشكلٍ تام سوى من بعض السيارات البعيدة ، بحركاتٍ سريعة سحب الحزام ليربطه عليْها. لم تتحرك سوى دمعة أبت الغرق في محاجرها لتنزل على خدها.
سحب هاتفها ليتصل على عبدالرحمن، ثواني طويلة حتى أجابه بصوتٍ يستبشر الفرح : هذاني بجيكم
عبدالعزيز بصوتٍ متزن تخونه الكلمات المتقطعة على حافتِه : مقدر أرجع
عبدالرحمن من نبرته أستطاع التخمين بأن أحدًا ثالثٌ معهم : وش صاير ؟
عبدالعزيز مسح وجهه ليُردف بقلة حيلة وكأنه يستقبل الموت مثل أهله، أصواتهم تتداخل في ذاكرته، تتداخل بتقاطع حاد يشطرُ قلبه، ضحكاتهم وصرخاتهم تعبرُ إذنه وتخنق عينيْه بلا رحمة : كان فخّ منهم بس مقدرت أتوقعه
وهذه النبرة التي تعني الخلاص تُنهي قلب عبدالرحمن أيضًا، أردف : كيف فخ ؟ أنت وينك ؟
عبدالعزيز : السيارة ماتوقف .. الدواسَّة ما تشتغل ولا راح تشتغل لأنها بس شكل قدامي لكن منفصلة
ألتفتت رتيل له وهي تسمعُ كلماته، بلعت غصتها ودموعها تتدافع على خدها،
أكمل : مقدر أرجع باريس والطرق كلها زحمة .. الحين في طريق الشمال ...
صمتٌ مهيب يعقدُ على لسان عبدالرحمن الذي جلس على طرف السرير بعد أن تجهَّز للخروج ، هذا الحادث تمامًا ما حصَل مع سلطان العيد وعائلته، لا قوة لديْ لأتحمَل كل هذا مرةً أخرى.
عبدالعزيز ينظرُ للهاتف الذي يُضيء برسالة تُخبره عن نفاذ الرصيد، رماه جانبًا ليأتِ صوت عبدالرحمن الندِي : ألو. .. عبدالعزيز .... عبدالعزيز ... *صرخ* .. عبدالــــــــــــــعزيــــــــــز ...
سقط هاتفه من يدِه ليُحاصر رأسه بين يديْه ، يشعرُ بالضياع التام، رتيل وعبدالعزيز معًا! قلبيْن يشطران روحه الآن.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليُردف بصوتٍ هامس : كتفِي إيدك ،
رتيل بصوتٍ يختنق : وش بيصير ؟
عبدالعزيز يفتحُ النافذة التي بجانب رتيل حتى إن حصَل شيئًا وأصطدم لا يأتِ الزجاج عليْها : كتفيها يا رتيل عشان ماتنكسر
رتيل أخفضت رأسها لتبكِي بإنهيار تام، يُشبه إنهيارها في تلك الليلة التي أغتصب بها شفتيْها، يُشبه تمامًا ذلك الأنين الذي يشطره نصفيْن، شتت نظراته : رتيل ..
رتيل هزت رأسها بالرفض، لا تُريد أن تُصدق ما يحدث الآن، لا تُريد أن تعرف. والهواء البارد يلعبُ بدمعها المُتطاير.
عبدالعزيز يفتحُ شباكه أيضًا والشارع الواسع الطويل يكاد يكُون خاويًا الآن إلا من الشاحنات الغذائية : تنطين ؟
رتيل ببكاء عميق : ما أبغى
عبدالعزيز ينظرُ للطريق مرةً أخرى وبنبرةِ المواساة التي يُدرك أنها كذب : إن شاء الله ماراح يحصل شي ..
صمتَا لدقائق طويلة ولا يحضرُ سوى بكائها، ببحة : ياربي عبدالعزيز كيف كذا ؟
تنهَّد بضيق : أبوك صار عنده خبر يمكن يقدر يسوي شي
أنتبه للوحة المكتوبة بالفرنسية " يوجد إصلاحات يُرجى المرور من الطريق الفرعي " ، تجاوز الطريق الفرعي الذي خلفه بعدةِ مترات قصيرة ، لم يستطيع أن يتراجع للخلف والسيارة مازالت مُستمرة بالسير أمامًا، . . . والآن لا مفَّر يا أنا ، تبًا.

،

تقدَّم بخطواتٍ ضئيلة للصالة العلويـة التي كانت سابقًا مكانًا للوحشة فقط، ألقى السلام بجمُودِ ملامحه : السلام عليكم.
: وعليكم السلام
سلطان : غريبة جالسين هنا !!
حصَة : قلنا نغيِّر
سلطان بصوتٍ يُثير الريبـة : تصبحون على خير .. ونزل للأسفل.
حصة : ألحقيه شوفي وش فيه
الجوهرة : لآ .. أصلا ماراح يقولي ليه أتعب نفسي !
حصة رفعت حاجبها : طيب روحي له .. وأنا بدخل أنام تأخر الوقت
الجوهرة تنهَّدت أمام أنظار حصة المراقبة لخطواتها، عادت للخلف : بنزِّل القهوة للمطبخ
حصة أخذتها من الطاولة : أنا بنزِّلها
الجوهرة تبحثُ عن حجة أخرى : طيب بآخذ لي كتاب أقرآه لأن مو جايني نوم
حصة أمالت فمها لتُردف : الجوهرة!! وش فيك تدورين الحجة عشان ماتنزلين
الجوهرة بحرج : مين قال كذا ! بس .. خلاص طيب .. ونزلت للأسفل بإتجاه جناحهم.
وضعت يدها على مقبض الباب وبمُجرد مرور حصَة بجانبها فتحته بهدُوء لتلتقط عيناها خطواتِ أصابعه التي تُغلق هاتفه ، رمقها بنظرة لم تفهمها تمامًا، تُشبه نظرات العتاب أو الحزن أو الضيق أو اللاأدري، بلعت ريقها بمُجرد ما أعطاها ظهره، أتجهت نحو دولابِها لتُغيِّر ملابسها ، أفكارها ضاعت بنظراتِه وهدُوئه الذي يُزلزلها دائِمًا، أرتدت بيجامتها بخطواتٍ خفيفة/سريعة ، فتحت شعرها المرفوع كـ " كعكة " ، بخفُوت سارت نحو الجانب الآخر من السرير المصوِّبـة نظراته له، جلست والأرق يهرول في جسدها من بدايته حتى نهايته، نظرت له وهو مُغمض العينيْن ، منتظم الأنفاس ، ملامحه هادئـة لا مجال بها للغضب أو الحقد الذي أعتادته في الفترة الأخيرة، الإستفزاز الصامت من عينيْه الدائِمة الحُب ، الذبذبات التي تقفزُ من جسدِه نحوي لا يُمكن أن يُنكرها عقله مهما فعل، رجولته التي تسيرُ بثبات نحو قلبٍ ناعم، حاجبيْه الغامقتيْن، عيناه المرَّة كالقهوة الشديدة التعقيد ، صخبُ فحولته وصخبُ جسدِه الذي يمرُ دائِمًا ليُضيئني ويُشعلني ويقتلني وكيفما يشاء يفعلُ بيْ ، يا رجُل التاريخ الأول، يا رجُل الوشم الذي لا يُمحى من جسدِي. يا رجُل الحُب المُعقّد والعُقَد من عينيْك تقتلني، يا رجُل البُنّ المُرّ أني أحبك في وقتٍ لا أُريد به أن أحبك ، " يا أيها اللغز الذي.. دوّختَني وأنا أحاولُ جاهداً أن أحزرَكْ " يالسماء النديَّـة أنا والله أخشى أن يُغمى عليْ إن قُلت ليْ يومًا " أحبك ".
فتح عينيْه التي لم تنام ويشعرُ بالتفاصيل الرقيقة التي تُراقبـه، كيف ينام وأفكاره تتلخبط وتصطدم بشدَّة/بحدة.
شهقت بمُجرد أن فتح عينِه، لتضع يدها على صدره وتهمس : بسم الله.
سارت الحُمرَّة وليست وحدها هي التي تسير، الحرارة الداخليـة تتفجرُ من قلبها بهذه الثواني. ضحك بشهقتها دُون أن يلفظ كلمة.
وضعت رأسها على الوسادة وهي تُغطي وجهها بالفراش تحاول أن تتجاهل نظراته وضحكته والمحاولات بحقِ سلطان شديدة الفشل والحرج.
بهمس : الجوهرة
لم ترد عليه وهي تغرز وجهها في الوسادة وتُغطي كامل جسدِها بالفراش، أردف بعد أن رأى الصدّ : تصبحين على خير

،

يرمي كل شيء أمامه وهو يرتدِي ملابسه المُجعَّدة، يُريد الخروج ما عاد به قوَّة للتحمل أكثر، أُريد أن أنظر لها، أن أشعر بها، أن أصرخ وأقول " هذه والله غادة " ليست من الأربعين الحمقى الذين تشبهُوا بها ، ليست أحدٌ والله سرق ظلالها ، إنها هي غادة أوَّد أن أسقط لعناقها كما لم أعانقها من قبل، أوَّد أن أبكِي على صدرها وأتخلص من الشرقية المُتغطرسة التي تأبى الدموع، يالله كم كان عقابِي شديدًا في الوقت الذي تفاخرتُ به بهذه الشرقيَّـة ، كم كان فخرِي مدعاةً للحزن وللسخرية وأنا أبكيك الآن.
عينايْ وإن جفَّت فهُناك قلبٌ يبتهلُ بِك، لا يرى من النساءِ إلا أنتِ ، يا مخملية العينيْن التي أشتهيها، يا الحضُور البهي التي يخضرُّ به القلبْ ، يالغياب الذِي يُشارك الموت في مفرداتِه، يا الصباح الزاهِي يشتَّقُ من غيابِك شحُوبِه.
خرَج بإضطراب خطواتِه وهو بجنُون يُفكر أن يسير على أقدامه لباريس إن صعب عليْه الأمر، يُريد أن يغمض عينيْه ويفتحها وهي أمامه، ياللمجانين الذين يريدُون أن يهذبُون قلبي وأنا ميتٌ بِك ؟ يا للمجانين الذين يمحُون البكاء وأنا عينايْ مسامات لا تيبس !
مرّ من الإستقبال المُلتهي ليخرج من المستشفى و سماءُ الرياض الجافـة مازالت تُمارس قمعها لقلبي الذي يتُوق للبلل.
في مثل هذا الفجر، في مثله قبل سنوات.
غادة : وجهة نظرك خاطئة ماله علاقة بالرجولة!
ناصر : هذا اللي ناقص !! أنا الرجال اللي يبكي قدامي يطيح من عيني
غادة تنظرُ لفجرِ باريس الذي يُزاحم الغيم : يالله يا ناصر! والله أنك تكذب مستحيل ما قد بكيت
ناصر : إلا بس ما أبكي يعني أدمِّع أحيانًا لكن أني أبكي وأنهار بصراحة لا و هالشي عندي عيب
غادة : يعني بينقص من رجولتك أنك تبكي ؟ بالعكس الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يبكون أحيانًا
ناصر : صلى الله عليه وسلم لكن أنا بالنسبة ليْ ماأحب البكي ولا أحب أشوف رجال قدامي يبكي
وبضحكة أردف : البكي مخلينه لكم يا رقيقات
خرج للشارع الرئيسي وهو يوقف إحدى سيارات الأجرة ، لو تعلمين يا غادة كم تغيَّرت قناعاتِي منذُ أن غبتِ، أنا الذي لم أُحب البكاء يومًا بات لا يمرُ يومًا دُون أن أسجِد ببكائي من جنُون شوقِي إليْك.

،

حك جبينـه ، لم يأتِه النوم منذُ إتصاله ، أخرج ورقـة بيضاء من الدرج ليرسم بوقعٍ ثقيل على البياض، افرادٌ مشتتة و إسم " عبدالرحمن " يُنقش بطرف الورقة و يوازيـه إسم " سلطان " تنهَّد لتختلط أفكاره بغثيانٍ شديد.
رفع هاتفه الذي يهتز : هلا . . . هههه ضحكتني وأنا ماني مشتهي، تستهبل معي ولا كيف ؟ . . . طيب . . تعرفون أنكم تلعبون مع الشخص الغلط ! بمجرد ما توصل لجهاز الرياض راح يتحرك اللي أكبر من سلطان بن بدر وساعتها مدري مين اللي لازم يفلت ! . . طبعًا لا أنا أحاول ألقى نهاية لهالمسألة بما لا يضرني ولا يضرّك . . . . . . وتحسب عبدالرحمن بيسكت ؟ هو أصلاً بدآ يشك وسلطان بعد بدآ يشك . . . . . . أنا مايهمني كل اللي تقوله اللي يهمني أنه ما ينداس على طرف واحد من اللي يعزهم عبدالرحمن . . . إيه نعم يؤسفني هالشي يا حبيبي . . . . عبدالرحمن وأهله خط أحمر وماأبغى أعيد هالحكي مرة ثانية.
أغلقه بهدُوء لينظرُ لرسالة متعب " مقرن دوَّرت على ملف قضايا 2008 ومالقيتها، بس تصحى أرسلي مكانها "
مقرن تنهَّد ليكتُب له بأصابعٍ مُثقلة " في أرشيف الدور الرابع ".

،

ترك ضيء في ريـبة من أمرها ومن خلفها عبير التي بدأت تُخمِّن بعينيْه المُتسائلة عن ما يحدُث، أبلغ الشرطَة ولكن الأمور تفلتُ منه في وقتٍ يُخبره رجل الأمن أن الطريق بأكمله خاوٍ من أيّ سيارة تحمل هذا الرقم، أين ذهبُوا في هذه الساعات ؟ أيُّ أرض تحمل خُطاهم المسكينة التي لم ترى يومًا أبيض! لا هاتف يستطيعون الوصول إليْه ولا رقم يستطيعون مراقبته لمعرفة أين هُم ! سيئـة الأجواء والأكثر سوءً هي الظروف. في مُنتصف الشارع بعد أن تم إغلاقه والمطر يُبلل أجسادهم : إذن ماذا ؟
: يا سيدي إننا نفعل كل ما بوسعِنا والآن يتم البحث في الناحية الأخرى من المدينة
عبدالرحمن مسح وجهه لا يستطيع التفكير أكثر، الرماديـة تغشاه والضباب يُخبره بأن لا أحدًا تنتظره. لسانه يبتهل بالدعوات منذُ أن سمع صوتُ عبدالعزيز المرتبك.
: هل بإمكاني أن أرى آخر مكالمة له ؟
عبدالرحمن : مسجلة في البريد الصوتي.
: حسنًا ، سمع صوتُه وهو لا يفهم العربية تمامًا ، سنرى آخر مكانٍ له ، دقائق عريضـة مُمتدَة تسوء على قلوب الجميع دُون إستثناء. أتى الشاب الآخر بلكنة فرنسية بحتَة : الإشارة عند ( إستوِيغ ) بجانب مصبَّات النهر
ينظرُ عبدالرحمن للطريق ذاته : نحنُ هنا !
الشرطي : رُبما تقدمُوا للأمام قليلاً سنتجه في ناحية الطريق ذاته ..
ركبَا السيارة التي تسيرُ بمثل الطريق ، أعينهم الشاردة تبحثُ بكل بُقعة في هذا الشارع التي على جانبيْه الأرضُ الخضراء المُصفَّرة.
الشُرطي بصوتٍ متزن وبإنكليزية مُغلظة : تم إبلاغ شُرطة الميناء بفقدانهم، أمرُ الحادث واقع لا مُحالة لن يستطيعُوا السيطرة على السيارة التي تسير بسرعة مثل ما تم تحديدها 180 كيلومتر في الساعة ، معنا مُسعفين في حال كانوا أحياء ولم يحصل لهم شيء.

،

في صباحِ الرياض الباكِر، الجوُ يعتدل مائِلاً لقليلٌ من البرد. دخَل المستشفى مُتجهًا لغُرفته ، أتسعت محاجره من السرير الفارغ المُرتب ويتضح أن لا أحدًا نام عليه ليلة الأمس ، أتجه للإستقبال : بسأل عن المريض ناصر الـ .. لم يُكمل إسمه من مقاطعته له : إيه للأسف مالقيناه موجود وتوقعناه طلع حتى كنا نحاول الوصول لرقمك عشان بعض الأوراق المحتاجة توقيع
فيصل رفع حاجبه : كيف طلع ؟
: آعتذر بس
قاطعه فيصل بعصبية : هذي مسؤولية المستشفى كيف مريض يطلع بدون لا تتم إجراءات الخروج!!
: أخ فيصل إحنا مـ
فيصل : لآ آخ ولا زفت أنا راح أشتكي عليكم .. هذي أرواح كيف تغفلون عنها
: لو سمحت إحنا بمستشفى وماينفع تعلِّي صوتك، إحنا نعتذر عن الخطأ الغير المقصود وممكن أنه هرب بطريقة تحايل يعني خارج عن إرادتنا
فيصل بتهديد : هالشي تقوله لمُدير المستشفى ..
أبتسم موظف الإستقبال بضيق : يعني بتقطع أرزاقنا الله يهديك!
فيصل يتجاهله بغطرسة لا تخرجُ منه عادةً : أنتهى كلامي معك ... خرج وهو لايعرف كيف يصِل إلى ناصر الآن.
أتصل على بيته لتُجيب الخادمة : ناصر موجود ؟
الخادمة : إيه الحين يبي يطلع
فيصل أغلقه وهو يتجاوز السرعة المطلوبة في مثل هذه الطرق، هذا الرجل بات لا يعرف أين مصلحته. ستقتلني يا ناصر!!

،

وقفت عند الباب لتُردف في داخلها كثيرًا " يالله يا ريم تشجَّعي .. هو الغلطان ماهو أنا " ، يارب رحمتِك التي وسعت كل شيء، هو المخطىء في كل هذا لستُ أنا ، تقدَّمت له وهو جالِس بهدُوء على الأريكـة : ريَّان
رفع عينه : نعم ؟
ريم شتت نظراتها لتُردف بربكة لسانها : أظن لازم نفهم بعضنا ، يعني تفهمني وأحاول أفهمك
ريَّان بنظرةٌ جارحة تحملُ اللامبالاة وكأن أمرُ علاقتنا لا تهمه : طيب ؟
ريم : أنا مدري سبب طلاقك في زواجك الأول ...
يُقاطعها بغضب : الماضي مالك دخل فيه زي ماأنا مالي دخل في ماضيك
ريم بتوتر : وأنا وش الماضي اللي بيكون لي ؟
ريَّان : مدري أسألي نفسك
ريم : ماأعرف يمكن فيه موقف مآخذه ضدي وأنا ماأعرفه أو فاهمه غلط لازم أوضَّحه لك .. فكون صريح معي عشان نبدأ صح
ريَّان يتجاهلها وهو ينظرُ لهاتفه، أخذت نفسًا عميقًا : لو سمحت ريَّان ، إذا زواجك الأول مأثر عليك إلى الحين فمن الظلم أنك ..
يُقاطعها مرةً أخرى : قلت لك لا تفتحين سالفة زواجي الأول
ريم بدأت تختنق بعبراتِها : بس
بنبرةٍ مُرتفعة : قلت لا تفتحين هالموضوع وأنتهينا
ريم تنهَّدت : طيب يعني كيف ؟ أنت تعاملني كأني ولا شي
ريَّان وقف مُقتربًا منها، عادت بخطواتِها للخلف حتى ألتصق ظهرها بالجدار ، تخافُه كثيرًا لتُردف : أنا أحاول أفهمك
ريّــان : أنا أقول أفكارك أحتفظي فيها لنفسك، مايمشي معي هالموَّال وسالفة أفهمني وأفهمك
ريم شدَّت على شفتيْها ليتدافع دمعُها على خدِها الأبيض، أردفت بحشرجة صوتها : كيف نعيش إذا ما بيننا تفاهم ؟

،

نزل للأسفَل ومزاجهُ لا يُناسب يوم العطلة، تركها نائِمة دُون أن يلفظ كلمة تُزعجها، يحتاج أن يتحدث معها أن يفهم ما تُريد وأن يعرف ماذا توَّد أن تُقرر.
أتسعت محاجره عندما رأى هيفاء : وش مسوية بنفسك ؟
هيفاء بإبتسامة مُتسعة : تان يا حبيبي
يُوسف عقد حاجبيْه : الحمدلله والشكر ، وأمي راضية ؟
هيفاء بضجر : والله أنه يهبل عليّ بس وش يعرفك أنت! .. لا مسوية لها مفاجئة
يوسف : الناس يدورون البياض وأنتِ تلاحقين السواد
هيفاء : أولاً هذا ما هو سواد إسمه برونزاج!
دخلت الوالدة المُبتهِّلة بلسانها لتتجمَّد في مكانها ويصخب يوسف بضحكته على منظر والدته : حسبي الله ونعم الوكيل وش مسوية بنفسك ؟
هيفاء بإحباط : يالله وش يعني مسوية!! تان يمه
والدتها : يا مال الضعفة قدامك زواج ولاعبة بنفسك
هيفاء وستبكِي من الأراء المُحبطة لها رُغم انه في نظر صديقاتها " وآو " : يروح يا بعد قلبي بعد فترة
يوسف بسخرية : أعوذ بالله منكم يالحريم مابقى شي ما قدرتوا توصلون له !! عزِّي لنا بس
هيفاء : لو سمحت أنت وش يعرفك بالتان خلك على ساعاتك
يُوسف : فرضًا طلب فيصل يشوفك .. بينصدم من وصف أمه لك .. بيقول ذي البيضا اللي تقولين عنها !!
هيفاء بحرج حاولت ان لاتُظهره : وش دراك أنه أمه وصفته ليْ
يوسف بضحكة : لآ أبد قالت له أبيك لهيفاء وهو وافق
هيفاء تنهَّدت لتتكتف : أولاً البرونز حلو عليّ ثانيًا اللون ماهو غامق يعني لون حلو ويجنن .. بس طبعًا أنتم نظام قديم البيضا اللي أحلى شي لو ملامحها حفريات الرياض أهم شي بيضا وشعرها طويل
والدتها : حسبي الله بس .. شايفة وجهك بالمرآية كيف معدوم !
هيفاء ضربت صدرها بخفَّة : بسم الله عليّ يمه ورآه تبالغين كذا! .. انا بروح غرفتي ماعمري شفت ناس يحبطون زيّكم.
يُوسف يُعلِّي صوته : لا تحطين مكياج أخاف تقلبين رصيف
هيفاء وهي تصعد الدرج : ها ها ها تقتلني بظرافتك
يوسف بجدية : يمه شفتي منصور اليوم ؟
والدته : أنت كبِّر مخدتك بس!! راح ويا ابوك المزرعة
يوسف عقد حاجبيْه : كان صحيتُوني
والدته بغضب من هيفاء بدأ يصبُّ في يوسف : أبد حبيبي أنت بس بلغني بمواعيدك وأنا أقوم وأصحيك
يوسف زفر أنفاسه بضيق : لاحول ولا قوة الا بالله .. هالحين تحطين حرة هيفا فيني ؟
والدته : أنهبلت ذا البنت .. وأختك الثانية بعد منهبلة
يوسف : وش فيها ؟
والدته : متصلة تبكي تقول أنها ماتبي ريَّان
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه أستغفر الله .. شر البلية ما يُضحك وش تحس فيه ريم !! لا يكون ما عجبتها قصة شعره
والدته نظرت له بحدَّة : تحسب أختك تافهة يالتافه
يوسف بمزاج مُضطرب : طيب ولاتزعلين .. وش عندها ؟
والدته : مدري عيَّت تقولي بس تقول أنها ماهي مرتاحة
يوسف رفع حاجبه : يمكن مشكلة بسيطة وهي مهولَّة بالموضوع! كلميها و سحبي منها الحكي
والدته تخرج هاتفها : بتصل عليها الحين .. الله يصبِّرني بس
وقف مُتجهًا للأعلى ، قرر أن يذهب للمزرعة ويتسلى مع أخيه ووالده، دخَل بخفُوت ليسمع بكائها الذي جمَّد خطواتِه وهو يُغلق الباب. أخذ نفسًا عميق وأنينُها لم يعتادِه أبدًا، يشعرُ بالغصات التي تتراكمُ في عنقها وتُؤذيه أيضًا، تقدَّم بخطواته نحوها وهي تُغطي وجهها بالفراش العنابِي، جثَا على ركبتيْه بجانب رأسها : مهرة
لم تُجيبه سوَى بكتمها لأنفاسها وبُكائها الضيِّق، كيف لا تحزن ؟ تشعرُ بالضياع التام. ولا إجابة تشفي صدرها وكلمات أمها تتجاوزها وتشطُرها أيضًا ، صوتُها الداكِن يُخبرها بمُرِّ لم ترحمها به " لا تجدِّدين الجروح الفايتة، أهتمي لبيتتس ورجلتس وماعليتس من شي ثاني ، تُخبرها بقهر : طيب أبي أرتاح! أنتِ تدرين عن شي ماأعرفه ، والدتها : قلت لتس أني متطمنة عليتس عنده ولا تكثرين الهرج وتخسرين يوسف "
أبعد الفراش عن وجهها المُحمَّر بالبكاء، لتُشتت نظراتها بعيدًا عنه. يُوسف بنبرةٍ حميمية : مهُور يابعد عُمري الحين البكي وش بيفيدك ؟ أنا داري أنك مقتنعة مهما حاولتِ تبعدين الأفكار عن رآسك بس هذي الحقيقة ، لاعاد تفكرين باللي مضى وخلينا في اليوم . .
بعد ثواني طويلة تجادلت بها أعينهم أردف : يالله قومي وريِّحي صدرك من هالبكي
مُهرة تشدُ على شفتيْها لاتستوعب بعد ما يحدُث، تحاول أن تنظرُ له ويخترقها بعينِيْه الغامقة.
يُوسف : مهرة .. يالله قومي .... وقف ليمُد يدِه لها .... أنتظر كثيرًا حتى قال : بتفشليني ؟
وضعت كفِّها في باطن كفِّه وهي تقف ليشدّ جسدها النحيل نحو صدرِه، أحاطت عنقه بيديْها وبدمعها المُنهمر على كتفِه، قبَّل عنقها الذِي واجَه وجهُه ،قُبلاتِه الدافئـة كفيلة بتلاشِي رعشة عروقها المُشتتة، الراحة التي تمتصُ من جسدِه تُشعرها بقُدسيـة العناق، ربكةُ قلبها التي تزيدُ بإلتصاق صدرِها بصدرِه تربتُ عليْها لتُخفف وطأة الحياة التي تقطعها دُون إلتفات. دسَّت وجهها في عنقه لتستنشق رائِحته، رائِحة العُود التي منذُ قابلته أول مرَّة وهي تشمُه منه ، هذه الرائحة الخاصَّة به ولم تشمُّها في غيره تلتصق بقلبها وعقلها معًا، برقَّـة قبَّلت عنقه كقُبلة الأبديـة، كقُبلة الإستسلام، همست : ماني عارفة وش أسوي! أمي عيَّت تقولي شي
أبعدها بهدُوء ليمسح دمعها بباطنِ كفِّه : لو عندها شي يدين منصور كان قالت لك بس أمك مقتنعة بعد باللي قلته لك
بلعت ريقها لتُردف بتشابك أصابعها : بس ...
يُقاطعها : الحين مقتنعة صح ولا لا ؟
مُهرة : طيب مين ؟
يوسف : اللي الحين بالسجن يا مهرة! .. أكيد هو مافيه غيره اللي رمى على منصور كل التهم! ولو ماأغلقوا قضية القتل كان راح يعترف إذا مو اليوم بكرا! لأنه بالنهاية قدر يعترف بكل شي يخص الأشياء الممنوعة
مُهرة ألتزمت الصمت وهي تنظرُ للأسفل، الفوضى المنتظمة التي تشعرُ بها تجعلها تضيع في بحر أفكارها.
يوسف : وش رايك نطلع ؟ نغيِّر جو !
مُهرة رفعت عينها له : وين ؟
يُوسف : أفكر بس أنتِ الحين جهزي نفسك
مُهرة : خلها يوم ثاني أحس صدَّعت من كثر البكي
يوسف : تروقين ماعليك
مُهرة أبتسمت : طيب .. بدخل أتروش .. وأتجهت نحو الحمام لتترك يوسف يفتح هاتفه ويبحث عن مكان يذهبا إليْه.
فتح مُحادثة صديقه علي " يالسبع مرِّنا بالإستراحة الجو يعجبك "
يوسف " مانيب فاضي لوجهك ، أسمعني أبي مكان حلو "
علي " يخي وش فيك قطعت فينا! "
يُوسف " تعرف أنا عضو مجلس إدارة شركة ماعندي وقت لأشكالك "
علي " الله يالدنيا ! بس معجزة عضو مجلس إدارة ومتخرج بمقبول "
يوسف " أقول لا يكثر جاهز للشماتة ، المهم علي تعرفني ماني راعي تمشي بالرياض حدِّي الإستراحة أبي مكان وبسرعة بعد "
علي " *أيقونة الوجه المبتسم إبتسامة عريضة* طيب وش نوع المكان ؟ "
يوسف " معفن طول عمرك معفن ! أنقلع طيب "
علي " ههههههههههههههههههههههههه خذها نجران يمدحون جوَّها "
يوسف ضحك ليُردف " ترى هذا تراث مايجوز تتطنز عليه "
علي " حاشى والله ماأتطنز مير أنت ودِّك أني أتطنز على أهل مرتي ، تهبِّل أنا رايح لها قبل شهر "
يوسف " أقولك أبي شي بالرياض! "
علي " وأنا أقول خلك من ذا الأشياء خذها مني الحريم نكارَّات العشرة والجميل ! بس تعال الإستراحة ونكيِّف "
يوسف " ياليل النشبة "

،

تقطَّعت أظافرُها من أسنانها التي لم تكفّ عن القلق منذُ أن أخبرهم أنهم مفقودين إلى الآن، يالله أحمهم برحمتِك التي وسعت كل شيء، أخذت نفسًا عميقًا لاتعرف كيف تُبعد التوقعات الرماديـة الشديدةُ السواد، منذُ ليلة الأمس مفقودين ؟ يالله لو حصَل عليهم شيئًا كيف يُساعدُون أنفسهم دُون أحدٍ بجانبهم ولا حتى هاتف يتصلُون منه، ماذا يعني لو كان لا شيء عليهم ولكن بسبب فقدانهم لكل وسائل الإتصال يُصيبهم مكروه، يارب أرحمنَا ولا تفجعنا بهم، رفعت عينها لضي التي بدأت تسيرُ ذهابًا وإيابًا في عرض الغُرفة والقلق ينهشُ في عقلها : ما أتصل للحين .. وحتى مقرن ماهو معه .. يارب لاتفجعنا
عبير بدأ صوتها يتحشرج : معه الشرطة إن شاء الله مو صاير إلا كل خير.
في جهةٍ أخرى واقفٌ على جانب الطريق والشُرطة تُحيط هذا الشارع من كل جانب، بدأت إتصالاتُ السفارة تنهال عليه وهي التي مسؤولة عن كل مواطن هُنا في باريس. سمع صوت التبليغ " تقاطع A151 تم العثور على السيارة "
أنجذبت أذنه إلى حديث الشُرطي لتبدأ عينيه بالتساؤلات، الشرطي : عثرنا عليهم في الطريق القائم على الإنشاءات ..
عبدالرحمن : وحالتهم ؟
الشرطي : سنذهب ونرى
عبدالرحمن ركب السيارة بإستعجال ، قلبه الذي لا يكفّ عن الدعاء خشيَّة أن يحدث لهُما شيء، الإسعافات سبقتهم بإتجاه الحادث ، وقفُوا عند التقاطع فخطر أن تمُر السيارات بطريق لم يجهز إلى الآن، نزل بخطواتٍ سريعة مُتجهًا للداخل، نظر للسيارة لتتجمَّد أقدامه من هذه السيارة التي أنكمشت تمامًا ولا تُوحي بأن أحدًا يخرجُ منها حيًا. سأل المُسعف الذي غطى أجسادهم قبل أن ينظر إليْهم : كيف حالهم ؟
: الشكر للرب، ولكن فقدوا الكثير من الدماء .. وتركه في إصطدام عقله.

،

وقفت بعد أن شعرت بالإحراج الكبير منه، بيَّنت اللامُبالاة وهي تتكتف : إيه نعم
نواف رفع حاجبه : على فكرة منتِ صاحية!!
أفنان : عفوًا ؟ أولاً هذي الأوراق قديمة يعني .. أنا ماأعرف أصلاً ليه أبرر لك
نواف أبتسم بعد أن قرأ في ملفها أنها " عازبة " : صح ليه تبررين لي! صدمتيني
أفنان ودَّت لو تنبثق الأرض وتسقط بها : خطبة يعني مو حاطين خيار مخطوبة
نواف مسك نفسه قليلاً ولكن لم يتمالك ليغرق بضحكاته : صح الحق علينا كان مفروض نكتب خيار ثالث اللي هو مخطوبة عشان تحطين عليه صح
أفنان أخذت أغراضها من على المكتب : عن إذنك
نواف خجَل من نفسه هو الآخر كذِب مثلما كذبت تمامًا، لا أعرف لِمَ كذبنا على بعض ؟ لم نكُن مضطرين أن نكذب! أحيانًا قلُوبنا تملك السطوة على ألسنتنا وتُسيِّرها كيفما تشاء دُون أن نفهم ما تفعل بنا.
خرجت مُتجهة لشقتها وهي تشعرُ بحُمرةِ تسرِي بعروقها بعد أن أكتشف كذبتُها اللاسبب لها. شعرت بمحاجرها التي تختنق، لم تتوقع أن تُحرج بهذه الصورة، أن تُحرج حدّ البكاء وتسمعُ ضحكته الساخرة. " أوووف، كلب طيب!! ".

،

ينزلُ بخطوات سريعة بعد أن عرف بخبر الحادث الذي حُضِّر لعبدالعزيز، بدأت الشكوك تُثبت ووجود خائن أيضًا تُبرهن الفكرة بأدلة كثيرة.
توقفه حصة : سلطان
سلطان يلتفت عليها : يا قلبي مشغول مررة بس أرجع .. وتركها.
دخل سيارته ليُحرِّك سيارته بسُرعة تجاوز الحد الطبيعي، مسح جبينه وأفكاره ترتطم ببعضها البعض، صعب أن يتقبل فكرة خيانة أحدٌ من نظامه، ولكن إن لم يكُن من أفراد رائد من يكون ؟ الحادث الذي حصَل لعائلة سلطان لم يكُن من تدبير رائد أم ماذا ؟ إلا الغدر صعب عليّ أن أتقبله. دقائِق طويلة تستغرق بتفكيره إلى أن وصَل لمبنى عمله، دخَل مُتجهًا لمكتبه ومن خلفه أحمد : تفضَّل هذي أوراق القضايا اللي على رائد ، بحثت في أسمائهم كلهم أسماء مالها علاقة بالحادث ..
سلطان : طيب يا أحمد! فيه أحد طلب منك شي بغيابنا ؟
أحمد بتوتر : مافهمت !
سلطان : يعني أحد طلب أوراق سرية وخاصة ؟
أحمد : لآ مافيه غيرك أنت وبوسعود
سلطان : بس أنا وعبدالرحمن ؟ متأكد ؟
أحمد بلع ريقه: إيه
سلطان تنهَّد : ناد لي أمين الأرشيف
أحمد : بإجازة طال عمرك
سلطان : نائبه
أحمد : إن شاء الله ... وخرج.
سلطان رمى سلاحه جانبًا وهو ينظر لساحة التدريب من نافذتـه، أخذ نفسًا عميقًا وفكرة أن " رائد " ليس مسؤولاً عن الحادث تُثير في داخله ألف علامة تعجب وإستفهام. ثوانـي قليلة حتى ألتفت لنائب أمين الأرشيف : أبغى سجلات اللي دخلوا الأرشيف غيري أنا وعبدالرحمن
: بس طال عُمرك أنت تعرف أننا مانسجِّل أسماء إدارتك
سلطان : مين تقصد ؟
: يعني مقرن أو أحمد أو حتى متعب .. كل رجالك ما نطلب منهم التوقيع !
سلطان : طيب متى آخر مرة طلب مقرن شي يتعلق بإحدى القضايا ؟
: يمكن قبل أسبوعين
سلطان : وش كانت ؟
: قضية سليمان فهد
سلطان : وش كانت قضيته ؟
: الإشتراك في عمليات إرهابية مع رائد الجوهي
سلطان : و وش يطلع إن شاء الله
بلع ريقه ليُردف : أحد جماعته يا بو بدر
سلطان بغضب : وكيف تعطيه إياه ؟
بربكة : مقرن يعتبر ..
سلطان صرخ عليه بجنون : إن شاء الله يطلع أبوي هذي معلومات سرية ماتطلع لأيّ فرد يشتغل هنا
أخفض نظره دُون أن يعلق.
سلطان : تجيب لي كل شي متعلق في سليمان فهد
: إن شاء الله لكن قضية 2009 ما نملكها لأن خذاها مقرن
سلطان رفع حاجبه : وش قلت ؟
بلع ريقه بربكة كبيرة : خذاها مقرن
سلطان : عيد ما سمعت
أرتبك ليصمتْ
سلطان صرخ : طلعه لي من تحت الأرض . .
: إن شاء الله .. وخرج بخطوات سريعة.
خرج خلفه متجهًا لمكتب متعب الذي من شدة الربكة أسقط كوب القهوة على ثوبه : جب لي كل الإتصالات اللي سوَّاها مقرن الشهر اللي فات
متعب : إن شاء الله
سلطان بنظرةٍ حادة : الحين
متعب : إن شاء الله ثواني و تكون عندك
خرج من مكتبه ومقرن يُثير في نفسه الريبـة والشك ، أتصل على عبدالرحمن ولكن هاتفه مغلق، خشيَ أن حصَل مكروهًا لعبدالعزيز!
جلس على مقعده ويديه تُحاصر رأسه المثقل، يجب أن يتأكد فعلاً من توجهات مقرن قبل أن يتصرف.
في جهةٍ أخرى : لا والله أني ماأكلمه
أحمد : تكفى متعب ..
متعب يعضْ شفتيه بتوتر : معصب لو أقوله يذبحني ..
أحمد : إذا ماعرف اليوم بيعرف بكرا !! ماتفرق
متعب : إيه بس عاد ماهو أنا اللي أقوله
أحمد : جبان
متعب : خف علينا يالقوي الشجاع اللي مايهاب أحد
أحمد رمقه بنظرات إستحقار وأتجه نحو مكتب سلطان وهو يأخذ نفسًا عميقًا ويُجهِّز نفسه لغضبه وكلماته الجارحة.
طرق الباب ودخل ليرفع سلطان عينه ،
أحمد بتوتر : حبيت بس أبلغك يعني حصل شي قبل فترة وما قدرنا نبلغك
سلطان بنظرات تُوحي لجحيم سيُقبل عليه الآن : لحظة! كيف ما قدرتُوا تبلغوني ! أظن أني أداوم كل يوم ومقابل وجيهكم !
أحمد : إيه بس ما حبينا نشغلك بأشياء بسيطة
سلطان وقف : نععم ؟ طبعًا انتم اللي تقررون وانا أشتغل عند سعادة مزاجك أنت وياه متى ماحبيتُوا تبلغوني ومتى ما حبيتوا قلتوا لأ
أحمد : لا الله يسعدك ماهو كذا ! بس قلنا نحل الموضوع بدون لا نزعجك.. يعني اللي حصل أنه أرشيف الدور الرابع أستقال أمينه من فترة و . .
سلطان بغضب يُقاطعه : و طبعًا الأرشيف صار سبيل للرايح والجاي
أحمد : لآ مو كذا بس قدرنا نعيِّن نائب أرشيف 4 A و
سلطان : شف أحمد لا تهبِّل فيني! مين اللي دخل الأرشيف ؟
أحمد : محد .. يعني غيرنا
سلطان : وغيرنا! يدخل تحتها مين
أحمد : أنا و بوسعود و ..
سلطان : ومقرن ؟
أحمد : إيه
سلطان يحك طرف شفتِه وبنبرة هادئة تشتعل بخفوت : وش أسوي فيكم ؟
أحمد : يعني إحنا واثقين بـ
يُقاطعه بعصبية : هنا مافيه شي إسمه واثق فيه! حتى أبوك لو كان يشتغل معك ما تثق فيه
أحمد : آسف خطأ خارج إرادتنا
سلطان : أطلع برا لآ أرتكب فيك جريمة أنت والغبي الثاني
أحمد أنسحب بهدُوء عاقد الحاجبيْن، بعض الأخطاء التي كنا نراها بسيطة أصبحت فادحة وجدًا.
متعب : وش صار ؟
أحمد : رح ودّ له سجل إتصالات مقرن وأستشهد
متعب أخذ الأوراق مُتجهًا لسلطان ، طرق الباب ووضعها أمام الطاولة وبخطوات أسرعُ من البرق خرج قبل أن يلفظ كلمة ويتصادم مع سلطان الغاضب.
يقرأ الأرقام وأسمائها وعينيه تشتعل غضبًا وهو يقرأ بعضُ الأسماء المشبوهة، كتب رسالة لعبدالرحمن " خل مقرن قدام عينك وبس تشوف رسالتي أتصل عليّ ضروري "

،

يُقاطعه وهو يقف أمامه : بس أنتظر
ناصر بغضب ونظرات حادة : أتركني
فيصل : طيب أنا أوديك بنفسي
ناصر : فيه طيارة الليلة من البحرين وأنا أبيها !!
فيصل : أبشر أنا أطير لك الحين للبحرين .. بس خلني أنا بنفسي أوصلك
ناصر بحدة : توصلني ؟ بزر قدامك ولا وش سالفتك
فيصل بجديَّة : طيب قدامنا طريق 5 ساعات ماعلى نوصل البحرين و بنلحق إن شاء الله
ناصر : حجزت وخلصت .. بالمناسبة يعني
فيصل بهدُوء : إيه عارف .. خلاص أنا بمشي معك أوصلك بس للبحرين
ناصر ألتزم الصمت لثواني ليُردف : طيب .. وخرج مع فيصل الذي تنهَّد براحة.

،

يقرأ رسالة فيصَل له " بكرا بيكون ناصر بباريس، مهِّد لها " أخذ نفسًا عميقًا يشعرُ بتأتأة الحُب في قلبه وهو يحاول أن يُدافع ويسقط في فخِ الواقع، نظر إليْها وهي تسير على رصيف الميناء تتجاهله تمامًا، شخصيـة غادة الجامعية ذات عنفوان الشباب عنيفة إتجاه الغرباء أمثالي، ياللسخرية! الآن أصبحت غريبًا عليْها.
سار بجانبها : غادة
غادة دُون أن تلتفت عليه : نعم
وليد : خلينا نرجع ،
غادة : بروح شقتنا
وليد : شقتكم الحين اكيد ماهي موجودة !!
غادة بحدة : مالك شغل فيني .. أنت دكتور ولا وش ؟
وليد تنهَّد : طيب زي ماتبين
غادة سارت بإتجاه طريق ريفُولي الذي يبدأ بمنطقتهم السابقة، كلماتها تخدشُه كثيرًا، يوَّد أن يصرخ عليها ويُخبرها أنه وليد الذي يُحبك وأنتِ كُنتِ تعلمين بذلك. بدقائِق سريعة وبخطواتها المُستعجلة وصَلت لعمارتهم وبنهاية الشارع تسيرُ أثير القلقة بشأنِ عبدالعزيز، تُكرر إتصالاتها كثيرًا والجوال مغلق منذُ يوميْن، يالله ! ماذا يحصُل معه.
وقفت وهي تسمع الصوت الذي يُشير للبريد الصوتي : عزوز أنشغل بالي وينك فيه من يومين لا حس ولا خبر .. بس تسمع هالرسالة أتصل عليّ ضروري.
نظرت للعمارة التي بمُقابلها، تذمَّرت من نفسها ماذا تفعل أن تذهب وهي تعلم انه ليس هُنا ، تراجعت لتعود من حيثُ ما أتت.
في جهةٍ كانت غادة تطرق الباب ولا أحد يُجيبها.
وليد : شفتِي ؟ خلينا نطلع
غادة تنظرُ للباب الذي يقابلهم : هنا أم نادر جارتنا ..
وليد تنهَّد : العمارة فاضية يا رؤى .. أقصد يا غادة ...
غادة تنظرُ للحارس الطاعن بالسن : جورج !! ...
جورج الذي كأنه سينصرع بمجرد أن رآهآ : أوه ماي قود .. ماذا يحدث هنا ؟
وليد أبتسم على منظره : مرحبا
جورج بتهويل : كنت أعرف أن الأموات يعيشون بعد زمن
وليد : هذه غادة ..
جورج يهرب بخطواته نحو غرفته ليُتمتم بكلماته لا تُفهم منها سوى " يسوع .. "
غادة : يحسبني ميتة ؟
وليد : أختفيتِ سنة أكيد الكل بيحس نفس إحساسه ، خلينا نمشي
غادة بإحباط رحلت وهي تمرُ من العمارة الأخرى : هنا كان يعيش ناصر

،

صلَّت ركعتيْن شُكر ومثل مافعلت تمامًا ضي، يالله كيف يفلتُ منَّا كل شيء وتبقى رحمةُ الله، كيف نظلُّ نعصيه رُغم النعم التي تُحاصرنا من كل جانب، يالله كيف فقط ندسُّ أنفسنا بالذنب ونحنُ نعرف أن كل شيء بيدِ الله ولو شاء أن يخسفُ بنا فعَل. يالله ماارحمك.
عبير : الحمدلله .. أهم شي أنهم بخير
ضي أبتسمت وعيناها تتلألأ : الحمدلله .. الحمدلله يالله
في جهةٍ أخرى من باريس ينظرُ للأطباء الداخلين والخارجين، الإنتظارُ هذا يقتله، يستعدُ أن يفعل كل شيء بوجه الحياة إلا الإنتظار الذي يجعل أقدامه على حمَمٍ تُثير الفزَع.
أتجه نحو غرفة عبدالعزيز ليطمئن عليه بعد أن خرج الممرض من عندِه، دخل بخطواتٍ خافتة حتى لا يُزعجه ولكن كان واعٍ تمامًا، إصاباتٌ طفيفة تعرَّض لها، رأسُه المُغطى بشاشٍ أبيض وصدرِه الملتَّف حوله الشاشُ أيضًا يجعله يطمئن قليلاً من أنهُ لا شيء أكبرُ من ذلك حصَل له.
أنحنى له ليُقبِّل جبينه بكل إمتنان : الحمدلله على سلامتك
عبدالعزيز بصوتٍ مبحوح : الله يسلمك ..
وخانتهُ البحَّة لتتقطع بصوتِه : رتيل ؟
عبدالرحمن : الحمدلله هي بخير...
عبدالعزيز يستعيدُ اللحظات الأخيرة التي تمرُ على رأسه الذي يشعرُ بأن طينًا ثقيلاً يُحَّط عليْه. كان الطريقُ مغلق تمامًا لم أستطع أن أنحني جانبًا كان لا بُد أن نصطدم بعربةِ النقل ، عينيها التي أغمضتها بشدَّة مازال يشعرُ بأنه ينظر إليْها ، أنحناءه لها وهو يفتح لها الباب حتى تخرجُ من السيارة قبل الإصطدام في وقتٍ كان بابِه بجانب الأسلاك التي لا يستطيع أن يعبر عبرها، رفضها أن تخرج من السيارة وهي تخفضُ رأسها لا تُريد أن ترى شيئًا. لم أستطع أن أفعل شيئًا سوَى رميِي لهاتفي الذي كان أثقلُ شيئًا إتجاه الزجاج الأمامي حتى يتكسَّر قبل أن يتكسَّر بملامِحنا ويعجنها، رميتهُ عدَّة مرات حتى تكسَّر قليلاً ، لم نعِش يومًا جميلاً يا رتيل، لم تكُن أيامنا جميلة معًا ، لم نستطع أن نستمتع بالصباح معًا ، لم أستطع أن أرى عيناكِ وهي تستيقظ، لم أستطع أن أمسك يدِك أمام الجميع ونسير معًا، لم أستطع أبدًا أن أقُول لكِ " أحبك " ولم أستطع حتى أن أقُولها لنفسي، لم أستطع أبدًا! في الحادث الأول كُنتِ هنا، سمعتها منكِ، سمعتها جيدًا ومنذُ يومها أنا لاأنسى نبرةُ صوتِك، أعترفتِ بحُبك في وقتٍ تجاهلت هذا الإعتراف، في هذا الحادث أيضًا أعترفتُ لنفسي وأنا أتجاهل هذا أيضًا، لِمَ نُكابر على كل حال ؟ لِمَ الحوادث ترتبط بقلبيْنا رُغم أننا ننبذُ ذلك.
قطع تفكيره صوتُه : ريِّح نفسك ونام ، لاتفكر كثير
عبدالعزيز أستجاب لأمره وهو يحاول أن ينام بعد أن أنقطعت أنفاسه بالساعات الماضية.

،

ينظرُ له بضحكة بعد أن غرق تمامًا بصخب ضحكاتِه ، أردف : فحل ماشاء الله عليك
فارس يتجه نحو مكتبة والده : بقرآ كتاب أسهر عليه الليلة
رائِد : فويرس ..
فارس يحاول أن يقطع أحاديث والده المُحرجة له : تصبح على خير يبه
رائِد : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب يا ولد موضي .. قلت ليْ تحميها!! يخرب بيت عقلك بس
فارس ألتفت عليها : طالع على أبوي
رائِد بإعتزاز : والله فخور فيك لكن طبعًا مانيب راضي
فارس أبتسم حتى بانت صفُّ أسنانه : على قلبي يا ولد الجوهي
رائِد بمثل إبتسامته : طيب .. وش قررت بموضوع بنت عبدالرحمن ؟
فارس : اللي قلته لك ماعندي غيره
رائِد : طيب يا مشعل المحمَّد
فارس رفع حاجبه بدهشة : عفوًا ؟
رائِد بإبتسامة ذات معنى عميق : الله يسلمك هذا الإسم ما ينرَّد عند عبدالرحمن
فارس بسخرية : تبغى تزوِّر إسمي عشان يقبل فيه عبدالرحمن !! مستحيل يبه
رائِد : ماهو مستحيل! بتروح مع أبوك محمد .. وبتخطبها وطبعًا بيسأل عنك وكلام الناس ينشرى .. كل شي جهزته لك ... أخرج من جيبه بطاقة الهويـة المزوَّرة والجواز.
فارس ضحك من دهشته ليُردف : من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام
رائِد بهدُوء : ماشاء الله على ولدِي المتفقه بأمور الدين، يشرب ويكلم بنات ويقولي والله حرام يبه التزوير!!
فارس تنهَّد بغضب شديد : يبه مستحيل تنسبني لواحد ماأعرفه
رائد : ماله علاقة فيك، راح تتزوج وتسافر تنقلع لأي ديرة وتصرف زي ماتبي
فارس : هالشي ما يمشي معي بعدين كيف ! يعني .. أستغفر الله بس .. العقد بيكون باطل
رائد : لآ مايكون باطل دام الشروط كاملة فهذا شي عادِي ، طيب اللي يغيرون أسمائهم بعدين تحسبهم يتطلقون من زوجاتهم ! طبعًا لا و مافيه شخص إسمه مشعل المحمد .. يعني إسم وهمي معناه فارس رائد الجوهي .. لو أنه فيه شخص بهالإسم كان ممكن يطلع عقدك باطل .. فاهم عليّ ؟
فارس : يبه أنت على كيفك تتلاعب بالأمور الشرعية
رائِد تنهَّد : لآ تكثِّر حكي .. وروح أسأل أيّ شيخ وقله لو طلع الإسم مزور ماحكم العقد بيقولك صحيح لأن الشروط كاملة ويتوجب عليك أنه تسوي عقد ثاني عشان الإسم لكن زوجتك تبقى زوجتك
فارس : لا يبه مستحيل هالشي يصير! أصلا بيكشفنا بسهولة لا تنسى هالشي
رائِد بإبتسامة : الحين هو لاهي ماهو يمِّك، بيسأل عنك في الرياض وأنا رتبت لك كل الناس و أنت ماشاء الله عليك دكتور وين يرفضك ؟
فارس: دكتور ؟
رائد بضحكة : معاي شهادة تثبت هالشي وكشف حساب يثبت بعد وظيفتك المحترمة .. رجل تتمناه كل بنت وزي ماوصلني أنه بنته كبرت أكيد ماراح يوقف نصيبها لا عرف عن سمعتك
فارس : أيّ سمعة أيّ خرابيط و اصلا مين بيكون عارفني عشان يسمع عن سمعتي
رائِد : غمض عين وفتِّح عين تلقى الرياض تحكي عنك
فارس : جد يبه منت صاحي!!
رائِد : بكرا العصر أنت عنده في باريس، تخطبها منه أنت وأبوك *أردف كلمته الأخيرة بضحكة ساخرة*
فارس : طيب وإذا كان يعرف شكلي!
رائد : مايدري عنك !! كيف بيعرف وأنت أصلا ماتطلع بالشارع زين يعرف أنه عندي ولد
فارس تنهَّد ليُردف بشك : أنت تعرف مع مين في باريس ؟
رائد دُون إهتمام : مع بناته يراقبون الوضع بس ماعنده ماعند جدتي ..
فارس : وزوج بنته ؟
رائد : يقولون أنه مسافر ولد سلطان العيد
فارس أطمئن على عبدالعزيز ليُردف : طيب ..
رائِد : المهم أنت يا عريسنا جهِّز نفسك وكل الشغل خله عليّ ، ملف حياتِك وماضيك عندي وكل شي ممكن يخطر على بالك لقيت له حل .. أنا خبرتي ماتروح عبث!!
،

في ساعات الليل المتأخرة تسيرُ مع ضي على الرصيف مُتجهات للفندق بعد عودتهما من المستشفى ، عبير : خلينا نآخذ قهوة نصحصح عليها
ضي : إيه والله محتاجين .. دخلتَا المقهى المُقابل لتطلبَا على عجل دُون أن تجلسَا ، أنتظرتَا وقوفًا بهدُوء.
النادل الذي يبدأ دوامه فجرًا دخَل مُسلِمًا على أصحابه، عاد خطوتين لينظرُ لعبير في جهةٍ كانت عبير تنظرُ إليْه بريبة من نظراته ، تقدَّم لها : مرحبا
عبير بتوتر : أهلا
النادل : معي شيءٌ خاص بك
ضي بإستغراب : لك ؟
عبير هزت كتفيْها بعدم فهم ، النادل يُخرج المنديل من جيبه ويُقدِّمه لها. أخذتها لتقرأ الخطُ ذو اللون الأسود المزخرف.
ضي أبتسمت : معجبين ماشاء الله
عبير شعرت بأن أنفاسها تختنق، هذا الجو يضيقُ عليها لتضعها في حقيبتها بعجَل بعد أن قرآها بإنسيابيـة: خلينا نطلع
ضي أخذت قهوتهمَا : وش فيك ؟ تعرفينه ؟
عبير بربكة تبحثُ عن كذبة رقيقة تُقنع ضي : لآ ، بس .. من جيت باريس وهالرسايل تجيني
ضي : آهآآ ..
تستعيدُ بذاكرتها ما قرأتهُ للتو وتقف عند " أيتها اللماحة الشفافة العادلة الجميلة أيتها الشهية البهية الدائمة الطفوله " ، وأنا أشهدُ أن لا رجلاً يُرضي غروري إلاك ، أشهدُ أن لا رجلاً يجتمعُ عليه صمتٌ متواصل وحديثٌ لا ينقطع إلاك ، أشهدُ أن لا رجلاً يُحيطني برجولته كأنت ، أشهدُ أن لا رجلاً يسرقُ ضوء القمر ويضيئني كأنتْ ، أشهدُ أنِّي أنتمي إليك، أستعمرتني تمامًا. أشهدُ أنِّي لا أُريد الحريـة مِنك وأنِّي أرغبُ بإحتلالِك الكامل ليْ ، أشهدُ أني أحبك بقدر ما قِيلت هذه الكلمة منذُ أتينا على هذه الدنيا.

،

يتوسَّل الممرضة بلكنته الفرنسية المُغرية : أرجوكِ
الممرضة الحسناء : حسنًا ولكن لن تُطيل المكوث
عبدالعزيز بإبتسامة : شكرًا لك
الممرضة تأتِ بالكُرسي المتحرك له ، ليجلس عليه بِ رداء المستشفى المُنقَّط الذي يصِل لركبتيْه، أتجهت به نحو الغرفة المجاورة، دخلت بهدُوء وخرجت لتتركه معها.
مثل ما فعلتِ تمامًا يا رتيل، مثل ما تسللتِ إليْ في الرياض، نحنُ نتشارك بكل شيء ولكن الحياة لا تُريدنا أن نتشارك. يالهذا الواقع!
نظر إليْها، خدوش بسيطة على جبينها ووجهها ، يلفُ يديْها جبيرةٌ بيضاء، تبدُو شاحبة فقدت دماءً كثيرة. هذه السمراء تواصِلُ قتله ، " هَلْ لانفِراطِ الموجِ في عِينيكِ ياسَمراءُ جُرْفُ ، أَخشَى عليكِ، وكيفَ لاأَخشى عَليكِ، وأَنتِ عَزْفُ " أخذ نفسًا عميقًا وهو يتأملها دُون أن ينطق شيئًا سوَى قلبه الذي يبتهل ويُثرثر. " شِتْ ! " حتى وأنا أمامك أكابر الآن. لوهلة أشعُر بأنِي خلقت من حجر.
حركت رقبتها المثبَّتة بحامِي الرقبـة ، يبدُو أنها شعرت به. . . .
فتحت عينيْها بإنزعاج دُون أن تميِّز من أمامها، تُغمضها تارةً وتفتحها كي تستوعب الضوء الذي يدخل عليها من كل جانب . .
بللت شفتيْها الجافتيْن بلسانها حتى تنطُق . .

،

رجَع على أطراف الفجر بعد أن أستغرق اليوم بأكمله في العمل، يبحثُ بالسجلات وبملفاتٍ ضخمة تمتلىء بالأوراق والحبر ، بدأ يسترجع ما حدث المغرب حين قرأ الرسالة في مكتبه " سألت لك الشيخ وقال عليك كفارة اليمين لأنها تدخل بمعنى اليمين لكن لو بنية الطلاق فلا يجوز لك وأنت قلت لي أنه ماكانت في نيِّتك الطلاق فما عليك الا كفارة اليمين " وتحديدًا بعد صلاة العشاء أتجه للجنة الخيرية حتى يتصدق بالطعام عن 10 مساكين وتسقط عنّهُ الكفارة ، شتت أفكاره المضطربة ليضع يدِه على مقبض الباب، شعر بأن قلبه لايستقيم بالتفكير، مرَّت دقائِق طويلة وهو أمام الباب، شعر بحركتها بالداخل لم تنَم بعد. أخذ نفسًا عميقًا ليدخل بثرثرة عميقة مع روحه " من حقِّي يا أنا، لن أخرج من هذا الزواج خالي الوفاض، ...... " لحظة!!! "
.
.

أنتهى ، نلتقِي إن شاء الله يوم الخميس الجايْ. ()
عندِي إختبارات هالأسبوع ماراح أفضى ذهنيًا ليوم الإثنين. لذلك راح نلتقي الخميس إن ربي أراد.

.
.


إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 22-11-12, 12:41 AM   المشاركة رقم: 58
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()

حيّ هالناس الطيـبة وحيّ القلُوب الجميلة، تسعدُوني وتخجلوني دايم بلطفكم وكرمكم، الله يرفع من قدركم وكل من سجَّل عشان الروايـة أتشرف فيكم كثير شخصَة شخصَة :$() ممنونتكم و زي دايم " يا كُبر حظي " فيكم و الحمدلله على هالأعين اللي تقرأني والحمدلله أننا قدرنَا نوصَل لجُزء بعيد من الروايـة. جدًا جدًا ممتنــة.


المدخَل للـ مُتنبي.
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه
و لكن من يبصر جفونك يعشق
أغرك مني أن حبك قاتلي
و أنك مهما تأمري القلب يفعل
يهواك ما عشت القلب فإن أمت
يتبع صداي صداك في الأقبر .
أنت النعيم لقلبي و العذاب له
فما أمرّك في قلبي و أحلاك .
و ما عجبي موت المحبين في الهوى
و لكن بقاء العاشقين عجيب .
لقد دب الهوى لك في فؤادي
دبيب دم الحياة إلى عروقي .
خَليلَيَ فيما عشتما هل رأيتما
قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم
و لا رضيت سواكم في الهوى بدلا ً .
فياليت هذا الحب يعشق مرة
فيعلم ما يلقى المحب من الهجر .
عيناكِ نازلتا القلوب فكلهـــا
إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتــــلِ.
و إني لأهوى النوم في غير حينـه
لـــعـل لـقـاء فـي الـمـنـام يـكون.
و لولا الهوى ما ذلّ في الأرض عاشـق
ولـكن عـزيـز الـعاشـقـيـن ذلـيل.


روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 58 )



يدخل بثرثرة عميقة مع روحه " من حقِّي يا أنا، لن أخرج من هذا الزواج خالي الوفاض، ...... " لحظة!!! منذُ متى وأنا أفكر بهذه الإستغلالية ؟ بأن أفرغ حقدِي بهذا الرُخص ! أن آخذ حاجتِي التي حُرمت منها وأتركها، أتركها لهذه الدنيا تواجهها كيفما تُريد لا دخل ليْ بها ، هذه الحركة القذرة التي ألطخ نفسي بها من يستحقها ؟ مللنا من المثالية والمبادىء الزائفة ، هذه المبادىء لم تجعلني سعيدًا ولم تجعلني أظفرُ بما أريد، بائسة هذه المبادىء والقناعات وأنا الآن على أتمِ إستعداد أن أعلن تنازلي عنها، أعلن تنازلي عن سخافاتِ عقلي، ومن حقي أن أأخذ حقي الشرعي من هذا الزواج وإن كان يُزعجها فهو يزعجني أكثر منها.
فتح الباب لتتقدم خطواتِه نحوها، رفعت عينها وهي مُتربعة في منتصف السرير وبين يديْها إحدى الكُتب التاريخية التي تحكِي سيرة العهد العثماني.
سلطان : مساء الخير
الجوهرة بخفوت : مساء النور .. أعادت نظرها للكتاب مُشتتة ولم تستطع التركيز بأيّ سطر وصَلت، تحت أنظار سلطان المُتأمل بها، تشعرُ بالسهام التي تخرجُ من عينيها وتخترقها. أطال وقوفه وأطال بضياعها، رفعت عينها مرةً أخرى محاولة لمسك زمام ربكةُ قلبها بقُربه.
وقفت لتتجه ناحية الباب، أن تجتمع معه تحت سقف واحِد سببٌ للتكهربْ لا أكثر، مسكها من معصمها وهي تمِّرُ بجانبه. أخذت شهيقًا وأضاعت الزفيرُ من بين شفتيْها، تشعُر كأنها تركض محاولة الظفر بالزفير هذا هو تعبيرها عن الإختناق الذِي يسيطر عليها بقُربه، سحب الكتاب ووضعه على الأريكة : أظن تعرفين بالشرع أكثر مني
الجوهرة بعدم إستيعاب تاهت نظراتها.
سلطان بهدُوءٍ متزن : زي ما لك واجبات عليك واجبات بعد.
الجُوهرة بلعت ريقها الجاف لتُردف بصوتٍ مُرتبك : ما ينطبق علينا هالشي
سلطان يُجاريها بمثل التيَّار الذي تغرقُ به : وش ينطبق علينا ؟
الجُوهرة تشعرُ بأنها تبتلع لسانها، شتت نظراتها لا رد لديْها.
سلطان رفع حاجبه : وين وصلتِ ؟
تحشرجت محاجرها وهي تنطُق : لا
تفاجىء، لم يتوقع أن تنطقها دُون أن يمنعها خوفها، أردف بمحاولة إستفزاز أعصابها : وش اللي لا ؟
الجُوهرة : واجباتك مهي معي
سلطان أمال فمِه : ومين معه إن شاء الله ؟
الجُوهرة ببرود عكس البراكين التي تفيض بقلبها : الشرع محللك 4 تزوج وخذ واجباتك منها
ترك معصمها ليُردف : يعني موافقة أتزوج عليك ثلاث مو وحدة ؟
لو كنت مع أكرهُ شخص على وجهُ هذه الكون لمَا رضيتْ بأن يُشاركني معه أحد كيف معك يا سلطان ؟ ، تشعُر بأن الدمع سيخُون خامة صوتها ويُبللها : طلقني و سوّ اللي تبي
سلطان بحدةِ الكلمات التي تجاور بعضها البعض وتشطُر قلب الأنثى التي أمامه : كل مرَّة أكتشف فيك شي سيء، حتى قراراتك تجي بدون تفكير ..
الجوهرة بمثلِ حدته : أيّ قرار جاء بدون تفكير؟ طلاقي منك مفكرة فيه وحتى مفكرة بحياتي بعدك ..
سلطان بتملُك : مالك حياة بعدي
الجُوهرة تضغط على شفتِها السُفليَة بأسنانها علَّها تُخفف بعض من رعشتها : مو أنت اللي تقرر !! أقدر أوقِّف عمتك ضدك وأقدر أوقف أبوي ... لكن إلى الآن أحاول أحترم قدرك عندهم عشان ما ينصدمون بأفعالك
سلطان أبتسم بسخريَة : تهدديني ؟ خسرانة يالجوهرة مهما حاولتِ، إن كان عندك ورقتين ضدي فأنا عندي أكثر ..
الجُوهرة أغمضت عينيْها لثواني طويلة حتى نظرت إليْه : بمفهومك الجاهلي أنه البنات دايم خسرانين
سلطان : البنات!! أنتِ من فئة البنات ؟
الجُوهرة بلعت غصتها لتغصّ محاجرها بالدمع، تلألأت عينيْها أمامه، لن تجِد أقسى من هذه الكلمة وهي تعبرُ لسانه ببرود، لن تجِد أقسى منها أبدًا. أخفضت رأسها ليُواسيها شعرَها المُنسدِل على الجانبيْن، بكت ولم تخشى أن تبكِي أمامه كالمرَّات التي تحاول بها أن لا تضعف ، هذه المرَّة أريد أن أضعف، أن أبكِي ، أن تفلت دموعي من محجرِ عيني. يا قسوتِك! ويا حنيني بقُربك. كيف تنهمر الكلمات بزوائِدها الحادة دُون أن تجرح لسانِك ؟ دُون أن تتكوَّر كـ غصَة تسدُ مجرى تنفسك! كيف يا سلطان لا تقتلك الكلمات قبل أن تقتلني؟ تربطُ مصيرك بمصيرِي وتغمس يديْك بالملح حتى تُمرِرها على جروحي! جرُوحي التي بقيْت لسنوات غائِرة مكشُوفة، لم تسترها ولم تداويها! بقيْت كما أنتْ وبقيْت كما أنا . . خطيْن متجاوريْن لا يتقاطعان ولا يسيران معًا.
رفعت عينها المنزلقَة بالدمع وبنبرةٍ باكيَة : وأنا كل مرَّة أكتشف أنك ما تمِّت للإنسانية بصلة، تبي تقسى !! أنا أقسى معاك!! مثل ما تسوي يا سلطان بسوي ! مثل ما تحلل على نفسك أنا بحللها ومثل ما تحرِّم على نفسك أنا بحرِّم على نفسي.
سلطان ببرود يُناقض النار التي تصِل لأعضاءه التنفسيَة : وش بتحرمين على نفسك ؟
أبتعدت عدة خطوات للخلف، مهما تظاهرتُ بالقوة أظلُ أخشى عليّ مِنك، أظل أخافُك كما لم أخاف من أحدٍ قبلك.
سلطان يقترب بخُطاه وبنبرةٍ مُتحديَة : قوليها! وبعطيك درس في أصول التحريم
الجوهرة بضيق : أبعد.. خلني أطلع
سلطان بتملُك سَادِي يشدُّها من خصرها الغضّ وهو يغرز أصابعه بها ليهمس عند إذنها بنبرةٍ وصَلت لها بسخريَة في وقتٍ كان يعنيها سلطان بجديَّة : دايم تخسرُون يا بنت.
أعادها بخطواتٍ حتى أرتطمت سيقانها بالسرير، أفلتها من قبضةِ أصابعه لتسقط بسكُون الليل على المفرش السُكَرِي، الذِي يعكسُ شفافيَة دمعها، أشعرُ بأن قلبِي يبهُت بإصفرار، أَسمعت عن مرض العين؟ أن تشحُب بلونها حتى يسقطُ لونها الطبيعي في القلب ويغرق، يتلوَّثُ قلبي يا سلطان كثيرًا وأنت تزيدهُ. " غرزَت أصابعها في كلتَا كفيَّها على المفرش " كُنت أنتظر أن أمُوت ولكن ليس بهذه الطريقة الرخيصة. لم تترك ليْ حجةٌ واحِدة أُخبرك بها أنني عنك أعفُو، وعن قلبي الذي بين يديْك أُسامح. تواصِل إستحلالك على جسدٍ يراك في هذا الكون كُل الكون، تواصِل إستعمارك لخلايا الحركَة فيني حتى جمَّدت الحياة بعيني ولم أستطَع، لم أستطع يا سلطانِ أن أتجاوزك، أن أتجاوز عثراتِي، مللت البنيان على التزييف، هذه ليست شخصيتي، هذه ليست أنا، هذه جُوهرة سلطان، أنا التابعيـَـةُ لعينيْك " الولعانة "، أنا شرعيتُك الباطلة، أنا عقيدتُك في الحُب وأنت الحاكمُ والظالم. أنا الإنتماءُ لقلبِك، لتشعُبِ صدرك، أنا جُوهرتِك بينما أنت ! لم تكُن يومًا تخصُني وحدِي، لم تكُن عيناك الداكنة تُريدني، و حين أردتُ الإتكاء بين عينيْك عجنتني بعُقدة حاجبيْك ، حين أردتُ أن أُقيم الثورة على قلبِك أستعمرتنِي، يا حُزنِي! لم تكُن مثله، تشافيْت من تُركِي، تشافيْتُ تمامًا ولكن مرضتُ بما هو أعظم، كُنت في كل مرَّة تقترب بها منِي أتذكرُ تقرب تُركي ليْ أما هذه المرَّة لا يأتِ أبدًا على بالي، لم يأتِ ولكن تُعنِّف قلبي بما لايليقْ بحُبك، تُغرقني، تُغرقني وما عدتُ أخشى غرقي.
أغمضت عينيْها لتسيل دمعةٌ مُلتهِبة على خدَها، و لأنك تُغيضنِي بملكيْتك هذه المرَّة أنا من أستسلمُ لك يا سُلطانِي.
صعدت شفاهه لعينيْها، قبَّل دمعتها وذراعيْه تُحاصِرها من كل جانب، أشدُ الخيبَة أن تُقبِّل دمعةُ إمرأة أنت سببها. يا خُذلانِي من هذه الدُنيا، و إنصهارُ الوجَع في قلبي، أن يُعيد هذا العضو النابض تركيب نفسه في كل مرَّة وتُعيد الحياة إنصهاره في كل لحظة، يا وجَع " الأنا " في صدرِي، يا تكاثرُ " الآه " في محجر عيني، كان بؤسًا أن أراكِ في كل لحظة وكل ثانية أمامي ولا أتحرك، كان سيئًا على نفسِي أن أُحرِّمك عليها، أن أبتعد في وقتٍ كان اللاسبب يطغى علينَا، في وقتٍ لم أفهم نفورك، كُنت أفهم فقط أنني أريد أن أُحبك برضاك، لم يكُن الجسد يومًا مُبتغايْ، لم يكُن أكبرُ ما أتمنى هو الظفرُ ببياضِ جسدِك، كُنت رجل أقاوم كل أهوائِي أمامك، كُنت رجل ألتمسُ لك من العذر ما يفُوق السبعين، أمتنع عنكِ لأجلِ عينيْك التي تتورَّد كُلما رأتنِي، تضببتْ رُؤيتي ولستُ مُخطىء، إن كُنت أخطأت في مسالكِ الدُنيا بأكملها إلا أنني لم أخطىء بقلبك أبدًا، لا أعرف أن أتعامل ببرود أمام عينيْن أشتهيها وجسدٍ أتُوق له لأن الشرع يكفلُ ليْ كل هذا، لم أكُن شاذًا عن القاعدة حين أردتك ولكن كُنت شاذًا عنها حينما قاومتُك في كل مرَّة أراكِ بها، أُطيل نظرِي بتفاصيلك الصغيرة، بأصابعك التي تُخلخل شعرك في مللك وكفِّه التي تُزيح خصلاتِك جانبًا في قراءتك، أراقب أدقُ الأشياء التي تقتلني كرجل وكنت أصمد لأنني لا أريد أن أرغمك على شيء. لكن هذه المرَّة أعلن إستسلامِي من قناعاتِي الشرقيَة، أعلن إستعمارِي لثلجيَة ملامحك، أعلن وبغطرسَة لا أعرفُ كيف أبتليْت بها أن لا حياة بعدِي يالجوهرة.

،

بللت شفتيْها الجافتيْن بلسانها حتى تنطُق بإنسيابيَة، و ما حول رقبتها يُضيِّق عليها، لم تنتبه لِمَن أمامها وهي تُشتت أنظارها بإنزعاج وببحة : يبــه
عبدالعزيز يُحامل على نفسَه حتى وقف وجلس على السرير بجانبها وبإبتسامَة كانت تُغيض رتيل بإستمرار : يا عيُون يبه
عقدت حاجبيْها لتصمُت لثوانِي طويلة حتى تفتح عينيْها مرةً واحِدة وتنظرُ له، تأملت صدرَه المُغطى بالشاشِ الأبيض لتصعد أنظارها لرأسه المُغطى أيضًا، قطَع تأملاته : الحمدلله على سلامتِك
رتيل ترمشُ كثيرًا حتى تستوعب : الله يسلمك .. أبوي هنا ؟
عبدالعزيز : الساعة 2 الفجر
رتيل عادت لصمتها لتقطعها الثوانِي الشاهِقة ، تسأله برعشةِ شفتيْها : كيفك ؟
أبتسم حتى بانت أسنانه : بدرِي
رتيل : حتى وأنت تعبان مستفز
عبدالعزيز أخذ نفسًا عميقًا وهو ينظرُ لشعرها " الويفي " : تمام الحمدلله أنها جت على كذا ماهو أكثر
رتيل : الحمدلله ... ألتفتت للجانب الآخر .. عطشانة
كان سيقف لولا يدها التي مسكته من معصمه : خلك .. أستعدلت لتجلس وتسندُ ظهرها على السرير، أخذت كُوب الماء لتشرب رُبعه ومن ثُم ألتفتت عليه وهي تشعُر بأنها " صحصحت تمامًا ".
أطال نظرُه بعينيْها، بمحجرِها وحصُونِ أهدابِها، أجيءُ لكِ كما يجيءُ العاشقُ من عصرِ المُتنبي " وما كنت ممن يدخل العشق قلبه و لكن من يبصر جفونك يعشق " ، أتغلغلُ وأشتعل وأخفتُ بضياءِك و " عيناكِ نازلتا القلوب فكلهــــا إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتــــلِ " يا جريحتِي بالهوَى أصبتنِي بمقتل، كتمتُ حُبكِ ولم يعُد ينفع! ما دامُ الإسرار والإعلان هُما على حافةٍ واحدة، منذُ النظرة الأولى وأنا أُدرك بأننِي مجنُون مُتعديًا على مُلكِ عبدالرحمن، لمحتُ في شفتيْك طيف مقبرتِي وواصلتُ المضيَ ولم يهمُني الموتُ الذي يضيعُ أسفَل لسانِك، كُنت أدرك جيدًا أنهُ مهما حاولنَا أن هذا الحُب يُسلِّط أعداءنَا، يُسلِّط علينا كُل من هوَ يكرهُ والدِك ووالدِي، كُنت أعرف ولستُ نادِم، لأنهُ لو عاد الزمن لعصيتُ بمثل المعصيَة وتزوجتُك رُغمًا عن الجميع، رُغمًا عن من يروِي أن حُبنَا مستحيل. والرواةُ كاذبُون يتأثرُون بعهدٍ عقولهم الجافَّة السطحية، و أنا والله غارقٌ بعينيْك، شفتيْك، شَعرُك البندقِي، ملامحُك النجديَّة وبشرتك السمراء، أنفُك الذي أُحب وعقُدة حاجبيْك وشتائِمُك التي تعني " أحبك كثيرًا " مهما أنكرتِ.
نظرت له بضحكَة مبحوحة وهي تشعرُ بحرارة تسرِي في أوردتها من عينيْه : لا تطالعني كذا
عبدالعزيز : تخيلي لو صار فينا شي لا سمح الله ؟
جمَدت ملامحها لتردف : ماأبغى أفكر باللي صار
عبدالعزيز بمحاولات هزيلة لظفر إعترافٍ منها : كنتِ راح تندمين على شي ؟
بلعت ريقها الجاف : لا
عبدالعزيز تنهَّد، صدقها في الفترة الأخيرة، كلماتها التي تعني تلويحة وداع، تحديها لقلبها ومازالت هي الفائزة بهذا التحدي، كل هذه الأشياء تثقب قلبه : ولا حتى كلمة ؟
رتيل صمتت لثواني طويلة حتى أردفت بوَجَع : ولا حتى كلمة يا عبدالعزيز ، ماراح أندم على شي
نظر لعينيْها المُتلألأة بخفُوت، أشاح قليلاً حتى ألتصقت أنظارُه بكفِّها المرتبط بالمغذي : لو أنا! كنت راح أندم، يمكن ماهو على شي سويته بحقك بس على أشياء سويتها بحق ناس ثانين ..
رفع عينه لها ليُكمل : ما يستاهل أني أندم على شي أنتِ ما ندمتِي عليه
عقدت حاجبيْها، هذه الكلمات الأخيرة ستدخل لفئة الأشياء الأكثرُ جرحًا لقلبي، والله لا يوازي جرحها شيئًا، أن يُسند لكلامِي مثل هذا الألم والوَجع، وجدًا " يستاهل " أن نبكِي على أيامنا التي تمضِي دوننا رُغم أننا معًا.
أردفت بربكَة لسانها : كنت راح أجاوبك بنفس الشي، ما يستاهل أبد أني أندم على كلام أو أفعال إذا كانوا أصحابها أصلاً ماندموا عليها
عبدالعزيز بهدُوء : من كل قلبك هالحكي ؟
شتت نظراتها : إيه، ليه تفتح هالمواضيع الحين ؟
عبدالعزيز بصوت أشتَّد به الغضب الذي لم يستطع أن يسيطر عليه : لأنك كذابة ، تكذبين كثير وماتحسين على نفسك .. شوفي عيونك وأنتِ تتكلمين .. تناقض كل كلامك
رتيل تحاول أن لا تفلت بها الدموع وتبكِي، تنظرُ لكل شيء ما عداه، هذا الإتهام الصريح لها يجعلها تضعف بعد حادثٍ كادت تفقد به حياتها، أردفت ببحَة : مو قصدِي أسيء لك ...
عبدالعزيز : إلا قصدِك .. تستمتعين بكل شيء يقهرني
رتيل توجه نظراتها إليْه وبنبرةٍ تنخفض تدريجيًا : وأنت ؟ أحلف بالله أنك سَادِي ومتغطرس وكل متعتك في هالكون أنك تضايقني
عبدالعزيز بإبتسامة مُتعبة : بتكفرين عن الحلف صدقيني
رتيل أشاحت نظرها : شفت كيف ثقتك! عبدالعزيز واللي يسلمك تعبانة وماأبغى أسمع مثل هالحكي
عبدالعزيز ينظرُ للممرضة التي تُشير إليه من خلف الزجاج : طيب ...
و بإبتسامة مُستفزة أردف : تصبحين على خير يا زوجتي الغالية
رتيل رُغم تكاثرُ الشعور المتناقض بها إلا أنها ضحكت : يارب أرحمني
عبدالعزيز : سبحان الله ما تآخذين الأمور بجديَّة !
رتيل بمثل إبتسامته أقتربت ولا يفصُل بينهما شي لتنحني قليلاً نحو اليمين وتُقبِّل خدِّه الأيسَر : وأنت من أهل الخير
أبتسم حتى بانت أسنانُه وهو يجلس في مقعده المتحرك بعد أن دخلت الممرضَة للغرفة : يعني الحين أخذتي الأمور بجدية ؟
رتيل بضحكَة طويلة غرقت بها : أنتهى كلامي
عبدالعزيز الذي يفهم قصدُها جيدًا : ملكعة!!!
رتيل أتسعت بإبتسامتها وهي تنظرُ له عندما خرج، أستلقت على السرير تحاول أن تعُود لنومِها، " أنا حيَّة " بعد أن واجهتُ الموت لدقائِق طويلة، قبل الإصطدام كنت أتذكر الأخطاء التي أنجذبتُ لها وكأنها أشياء عاديَّة، هذه الأخطاء التي خنقتني وأنا أشعُر بعظيم ذنبها، لا أعرف لِمَ نحتاج إلى تنبيه من الله كحادِثٍ أو حلم أو غيره حتى نعُود له، حتى نستغفر لذنوبنا بالطاعات، الحمدلله أنني أتنفس الآن ومازال في الحياة مُتسع لأستغفر لهذه الذنوب، الحمدلله أنَّ هُناك وقت لأفعل وأفعل وأفعل، لا أحد سيُقدِّر نعمة الوقت الضائع إلا عندما يواجه الموت، عندما ينتهي به وهو يقُول " ياليتني قدمت لحياتي " ، يا غبائي طوال السنين الماضيَة!!

،

في ظلامِ غُرفتها والسكُون، لا نُور سوَى المُنبعث من الشباك حيثُ الأنوار تُزيِّن شوارع باريس، جلست بجانِب النافذة الزجاجية، بين يديْها الرسالة التي تؤرقها، كيف أنام و أنا أقرأُ صوتك الأسمَر، أقرأ حبر قلمِك وتقاطُعاته، أشعرُ بالإنهزام، كيف تهزُمنِي بكلماتٍ بسيطة ؟ كيف تهزمني بنزَار ؟ كيف تقتلني بأشعارِه؟ يا قساوةُ صوتِك ويا حنيني إليْه، صعب جدًا أن أقُول " وداعًا " في وجهِ حُبك، أن أرمِي هذا القلب بعرض الحائِط حتى لا أتمادى بالذنب، تأخرت كثيرًا وأنت تتغلغل بيْ الآن، كيف أنساك بسهولة؟ سنَة تمُر و شهُور طويلة وأنا لا أراك ، لا أعرفك، أجهلك تمامًا. ألا ترى بأن هذه قسوة؟ يالله مِنك! يالله كيف تجعلني أصبرُ كل هذا الوقت، أنا أنثى الصبر منذُ أحببتك، أنا سيدتِه. صيَّرتنِي مثلما تُريد، كُنت مزاجِي الذي ينفرُ مرَّة ويلوذ إليك مرةً أخرى، أُريد نسيانك، ساعدني يا رب.
أخفضت رأسها لينهمر دمعُها، أخذت المنديل لتكتبْ خلفه محاولةً إفراغ حزنها، علمتني كيف أكتُب وأنا التي لا علاقة ليْ بالكلمات وتقاطعُتها، أغرقت محاجرِي وأنا لم أراك، أغرقتها حتى أنزلقت بِك، أراك بكُل العابرين ، من فرط الحنين لملامِحك التي أجهلها أصبحت أرى كل شخصٍ يُطيل النظر بي أنه أنت، يا عذابي منك! يا لوعةُ الحُب المجروحة مِنك! أنا متلهفة حتى لإسمِك، لكوبليه حروفك وهي تمرُ على لساني، يالله ألهذه الدرجة تبلغُ قساوتِك حتى على إسمك! " ليه ؟ " لم أستحق أبدًا أن تُهاجمني بقلبك؟ لم أستحق أن تُعنِّف حُبي بجهلِي لك ، كُنت أحلم كثيرًا، كُنت يائسة كثيرًا، كُنت أحبك كثيرًا ولكن لا أدرِي ما الوقتُ الذي أندثر بيننا. أدرك بأنك ذنب، وأدرك أن الله يُجازي كل عبدٍ بما عمل، أنا أدفعُ ثمن خطيئتي لكن .. أحبك. لا أطلب الكثير، ولكن أطلبُ من الله أن يُعيدني لقلبي الذِي أخذتهُ منِّي.

،

صحَت مفزُوعة من رنين هاتفها الذِي ضجّ بالغُرفة وصوتُ الأمطار تُثير الخوف في داخلها، فتحت الأبجورة لتُضيء عتمتها، أجابت بصوتٍ ممتلىء بالنعاس : ألو
منيرة : السلام عليكم
أفنان : وعليكم السلام .. هذا وقت تتصلين فيه الله يهديك خرعتيني
منيرة : بسم الله على قلبك .. وش يدريني الوقت عندكم كم ؟ المهم أبغيك في موضوع
أفنان : وشو ؟
منيرة : عندِي لك عريس لؤطة
أفنان بتنهيدة غاضبة: من جدك منيرة !! متصلة عشان تقولين لي هالحكي ..
منيرة تنهَّدت : لا حول ولا قوة الا بالله .. صدق منتِ وجه نعمة .. هذا يصير ولد السفير يا ماما يعني بتقضينها غربة يحبها قلبك
أفنان بغضب : أستغفر الله!! منيرة مع السلامة
منيرة : لا تقولين بعد منتِ موافقة زي أختك الهبلة!! أنا مدري وش قاردني معكم أبي لكم الزين بس منتم كفو
أفنان : الجوهرة الله سخَّر لها سلطان وعايشة حياتها ومرتاحة .. وماأظن هالراحة كانت بتلقاها مع أخو زوجك
منيرة : يا ليلنا اللي ماراح ينتهي! أبشرك عنده ولد الحين ومتزوج خلي اختك تندم وتعض أصابعها عليه .. وواصلة لي علومها.. لو مرتاحة كانت حملت منه
أفنان بعصبية : أتركي عنك الجوهرة .. عندك شي ثاني تبين تقولينه ؟
منيرة : أفنان فكري بنفسك وبمصلحتك .. الرجَّال ما ينرد
أفنان : ماأبغاه يا منيرة .. الناس اللي من طرفك غاسلة إيدي منهم
منيرة بإنفعال : أحسن بكرا أندمي عليه لا تزوجتِ واحد طايح حظه وقولي ليتني سمعت كلام مناير.. والله أنتم يا بنات عبدالمحسن ما يعجبكم شي رافعين خشومكم على وش مدري .. مالت الا مالت الشرهة عليّ اللي أبي لك الخير .. وأغلقته في وجهها.
أفنان تنهَّدت ومزاجُها بدأ يتجعد بكلمات منيرة اختها بالرضاعة، تذكُر مجيئها في بدايَة السنَة بمحاولة الضغط على الجوهرة للزواج من أخ زوجها، تغيبُ لشهورٍ طويلة ثم تعود بأخبارٍ " تسم البدن "، تُفكر بأن جميع النساء في السعودية يرغبن السفر خارجًا مثلما أرادت حين تزوَّجت مسفِر الذي يشتغل بسفارة اليونان، أحيانًا أشعُر أن منيرة تعاملنا كأننا نعيشُ على حسابها الخاص، و كأننا عالة عليها رُغم أنها لا علاقة لنا بها، فهي منذُ تزوَّجت وهي مجنونة فعليًا بتفكيرها، تقطعُ بنا ولا تحاول أن تتصِل علينا حتى في المناسبات تكتفي برسائِل نصيَة وكأنها لا تنتمي إليْنا، ومن ثم تُعاتب! يالله على تخلُفك.
أرسَلت بالواتس آب للجوهرة " صاحية ؟ " . . أنتظرت كثيرًا حتى كتبت لها مرةً أخرى " كلميني ضروري بس تصحين "

،

ينظرُ من نافِذة الطيَّارة لأرضِ باريس، ضاقت محاجره بضيق هذه الأرض التي باتت لا تتسع أبدًا، متى تهبُط؟ متى أراكِ؟
بإبتسامة المُضيفة : يُرجى ربط حزام الأمان.
ناصِر دُون أن ينظر إليْها ربَط حزامه وهو مازال ينظُر، قريب جدًا منكِ، قريب يا غادة. شعَر بأنه سيُغمى عليه الآن، أفكاره تتهاوى من دماغه، كل الأشياء تبدُو رماديَة شاحِبة، لا أحد أعرفه، لا أحد يُريدني، أُريد فقط أن أتنفس بنقاء! هذا ما فوق الأحلام، منذُ فقدتِك وانا أعرف أن الهدُوء والراحة لن تهطُل مرةً ثانية ، كُنت أعرف أن عيناكِ هي الحل ومنذُ غيابها وأنا فقدتُ جميع حلولي للحياة، حاليًا أنا أحاول أن أتنفس، أن أعيش. يالله أخشى أنني لن أتحمل، لن تحملني أقدامِي، أخشى السقوط/الموت قبل أن أراك، أشعُر بأن شيئًا سيمنعني مِنك، حلمتُ بكِ كثيرًا ، حلمتُ أنني سأمُوت بلا دماء ، بلا مرض ، بلا شيء ، سأمُوت وأنا لم ألقاك، رأسي سينفجر من هذه الفكرة، لم يبقى بي صبر، فقدتُ كل ما يربُطني بالحُلم، بالهدُوء، فقدتُ كل شيء يجعلني إنسانًا مُستقيمًا. أريد أن أراك ولا شيء بعد ذلك.
تصاعدت أنفاسه وكأنَ روحه تختنق بعينيْه، ينظرُ للرُكاب الذين بدأوا بالوقوف، نزع حزامه ليرتطم رأسه بالمقعد الأمامي والخالي بعد أن فُرغت الطائِرة إلا من القليل، ثبت جبهته في الكُرسي وأنفُه يواصِل النزيف، عيناه تحترق بالإحمرار وكأن نارًا تشتعلُ ولا تنطفىء، كُنت قويًا، كُنت!
أطلَّ المُضيف : المعذرة! هل أنت بخير ؟
يشعُر بالضباب يغشى عينيْه، أفقدُ النظر للأشياء بوضوح كما فقدتها أول مرَّة تلقيتُ بها خبر وفاتِك، كان البشتُ بيدِي سأرتدِيه عندما أصِل، كان على ذراعِي اليُمنى ولم ألبِسه أمامك، ولم أراكِ بفستانك الأبيض، يا حُزني الكبير بِك! أخشى أن أفقدك مرةً أخرى أو أفقدني قبل أن أراك.
المُضيف يضع يدِه على رأسه : سأجلب لك الـ ..
لم يُكمل من رأسه الذِي رُفع وعينه الشديدة الإحمرار، منظرُه أفزعه بشدَّة وهو يُنادي بقيَةُ الطاقم، الدماءُ لطَخت وجهه وهو يمسحها من كُلِ جانب، بدأ جبينهُ بالتعرق رُغم الجو البارد، أهذه سكرات الموت؟ لستُ أفهم تمامًا ما يحصل، سيُعيد الزمان فعلتهُ معي، مثلما فقدتُك سأفقدك مرةً أخرى! يا عذابي من يُنهيه؟ ليس هذا الحل، لا أُريد أن أموت قبل أن أرى عينيْك، مشتاق جدًا فوق ما تتصورين لكِ، كيف ينتهي عذابِي بقبر وأنا لم أراك! أستغفرُ الله من أن أسخط على القدر، أستغفرُ الله على شتات صبرِي وجزعي، أستغفر الله على حُبي الذِي يُريد أن ينهيني، أني أموت وأنا لم أجدِك، عُودي إليْ! أنا من أحببتك!
سقط بقوَّة بين المقعدين لينجرح رأسه الذِي أصطدم بالنافذة.

،

أستيقظت بتعرُقٍ شديد ، مسحت عينيْها لتنتبه لدمعها المُنهمر، تبلل وجهها وأختلط ماءُها المالح بماءِ مساماتها، نفسُها يضيق و غصاتٍ مُتراكمة تسدُ مجرى تنفُسها، نظرت لِمَ حولها، للغرفة الغريبةُ عنها، أتجهت للنافذة الزُجاجية والمطرُ يُبللها، تنظرُ لسماءِ باريس الباكيَة، تنزلُ أنظارها للطريق الذِي تقسُو عليه الأمطارُ بسقوطها الحاد، أتجهت للحمام لتُغسِل وجهها، بخطواتٍ سريعة أرتدت ملابسُها السابقة التي كانت مرمية على الأريكة، أخذت معطفها وحجابها لتخرج بخفُوت لممر الفندق قبل أن ينتبه لها وليد الذِي يسكُن بالغرفة المقابلة، نزلت بالدرَج وهي تفوِّتُ الدرجتين بدرجة، وطأت أقدامُها الرصيف المُبلل ، أحكمت شدّ معطفها وهي تسيرُ عليْها بإرتجافةِ شفتيْها من البرد الشديد، بكل محاولة للتنفس كان يخرجُ بخارٌ أبيض من بين شفتيْها، بدأت تهروِل مُتجهة للطريق ذاته، للمكان ذاته التي تعرفُه، صعدت للعمارة المُظلمة في ساعات الفجر المُتأخرة، طرقت باب شقتهم، طرقتها كثيرًا وهي تبكِي، همست من خلفه ببحة : عبدالعزيز ........ عزُوز ... هدييل ...
أوجعتها البحَة والبردُ يخطفُ منها صوتُها، أردفت ببكاءٍ عميق : ردُّوا! ..... ألتصق صدرُها بالباب وهي تطرق الباب حتى خانتها أقدامُها لتسحبها للأسفل، جلست على الرُخام البارد وعينيها تحمَّرُ بالدمع، تتذكرُ أصواتهم جيدًا، تشعُر أنها تسمعهم بوقعِ الأمطار، نبراتِهم الخافتة والصاخبة، كلماتهم اللامنتهية تطرقُ سمعها " تعرفين أنك أشين أخت !! لا جد جد أشتقت لك " " و حيّ الله غادة، تعالي يا قلبي تعالي جعلني ما أذوق حزنك وأنا حيّ " " غادة هنا!! أشتقنا لك " " غااادة تعالي شوفي " " أنتِ مستحيلة " " يا قاطعة ترى وحشتينا " " غاااااااااااااااااادة جُوتيم "
شدَّت على شفتِيْها المُرتجفتيْن، ضعت تمامًا، يالله يا شوقي لكم. " ماني بخير ! ردُّوا لي أحبابي اللي راحُوا "
سمعت بعضُ الأصوات في الأعلى، أضطرب قلبُها بالنبض لتركض نزولاً للطابق الأول، ضاعت عينيْها بطُرق باريس، صدرُها يهبط بشدَّة ويعلُو بمثل الشدَّة التي تشطرُها كثيرًا، يا حُزني الذي يصعبُ عليه أن ينجلِي! أتجهت ناحيَةُ الطريق الآخر، تنظرُ للنافِذة التي تتوسطُ الطابق الخامس، شقةُ ناصِر! ألتفتت للجهةِ الأخرى والمطرُ يختلط بدمعِها، في هذا الوقت لا أحد يسيرُ سوَى السُكارى والمُشردين، نظرت لشخصٍ يجلسُ على المقاعد، هذا عبدالعزيز! هذا هو! هذا شعرهُ القصير وملامِحه السمراء، هذا هو تمامًا، ليس حلمًا إنهُ " عزيز " . . أقتربت منه ليستنطق صوتها المبحوح : عزوز !
ألتفت عليها بنظراتٍ مُضطربة، عادت عدة خطوات للخلف، ليقترب منها، صرخت بفزَع وهي تضع كلتا يديْها على أذنها.
أبتعد عنها وهو يشتُمها بشتائِم كثيرة لا تفهمها، ركضت بكلُ ما أوتيت من قوة بإتجاه الفندق، كان نهايةُ الشارع الآخر الطويل جدًا، سعَلت والمرضُ يبدُو أنه في طريقه لجسدِها والمطرُ يُبللها من حجابها الذي تشرَّب المياه العذبَة إلى أقدامها، دخلت الفندق لتتجه نحو المصاعد الكهربائية، ما إن فتح المصعد على طابق غُرفتها حتى سارت بسُرعةٍ إليْه ودمعُها يسبقها، دخلت لترمي حجابها على الطاولة وتجلس على الأرض، لم تستوعبُ أقدامها بعَد! لم تستوعب أنهم رحلوا عنها! غطَت وجهُها بكفِّها لتنهار ببكائها، " ماتوا ؟ طيب أبغى أشوفهم! أبغى صورهم، أبغى شيء يصبِّرني على فراقهم ! ، مشتاقة لهم كثير، والله كثير ، بموت من شوقي لهم " وضعت رأسها على السجادةِ التي تُغطي الغرفة ودمعُها يعبرُ مُنتصف أنفها ويسقطُ على الأرض، بدأت تهذِي وهي مُغمضة العينيْن : يُبه، كيف يقولون لي لا تبكين .. لا تحزنين ! ما جربوا أنه يموت أبوهم ! يفقدون أبوهم! ... ما شفتِك آخر مرة .. رحت الرياض وتركتنا .. قلت بتقدِّم على التقاعد .. قلتها والله ورحت وماشفتك بعدها .... يقولي هالمجنون أنك متّ !! آآه يا يبه ... راح عُمرك بعيد عننا .. بعيد عنِّي والحين ما عاد أشوفك ... أبيك .. مشتاقة لك .... مشتاقة لأمي ... لعزيز ... لهديل ... مشتاقة لكم كلكم .... و أمي ؟ كانت تصحيني كل فجر .. بس هالفجر ماهي موجودة ... ماهي هنا .... ماهي موجودة عشان تصحيني .. صوتها غاب! .. وأنا أشتقت له يا يبه .. أشتقت له كثير ....... أشتقت لصوتها لما تقرأ قرآن .... لما تغني لنا أغانيها القديمة .... لما تطبخ لنا ... أنا مشتاقة لريحة طبخها!! ... وينهم يبه ؟ وينهم كلهم غابوا ! ... كلهم راحوا وأتركوني وأنا طيب ؟ مين يسأل عني .. مين يحضني ويخليني أبكي لين أقول بس! ... مين يا يبه ........... هُم ما يدرون وش يعني أنتم؟ ما يدرُون كيف الواحد يعيش بدُون أم؟ بدون أبو ؟ ... يبه محتاجتِك
تحشرج صوتها المخنوق وهي تُردد : محتاجتك ومحتاجة أمي ..... محتاجتكم كثييييير

،

فتحت عينيْها بتضايُق من النور، الساعة تُشير للسادسة صباحًا والمطرُ مازال يهطُل بشدَّة، نظرت إليْه وتوقعت أنه مشغول ببعض الأوراق لتدخل إلى الحمام وتستغرقُ بإستحمامها دقائِق طويلة، خرجت وهي تضع المنشفة فوق رأسها وتُنشف شعرها بها، نظرت إليه بشك : عبدالرحمن !!
الجالسُ على الأريكة ورأسُه بين يديْه، كان شديدًا عليه أن يتصوَّر بأن مقرن يخونه، يطعنهُ بظهره، أن يستغل إنحناءِ الحُب والعشرة بيننا ويركبُ فوقي، هذا أكثرُ ما كان يرمقُ إليْه بأنه " كذب، نكتة، مزحة " لا يُمكن أن تكون حقيقة، يالله! كيف أُصدق بأن هذه السنوات التي مضت مُجرد كذب! يستحيل على عقلي أن يُصدق بأنه خائن! هذا فوق الخيال، لِمَ الجميع يحاول أن يقتلني ببطء! لِمَ الحياة تُصيِّرني كـ مادةٍ تواصِلُ صهر نفسِها دُون أيّ سبب يُذكر. فعلاً لا عقل لديْ إن كان مقرن خائِن!
أقتربت منه لتجلس على الطاولة التي أمامه وتُحاصر رأسه بيديْها وهي تضع كفَّها اليُمنى على كفِّه اليسرى وكفَّها اليسرى على كفِّه اليمنى : فيك شي ؟
عبدالرحمن يرفعُ عينه الخائبة، حزين جدًا ويا شدةُ حُزنِ الرجال الصابرين الكتُومين، يا شدة حُزن من لا يعرفُ كيف يُفضفض عن حزنه. نظراتِه كانت كفيلة بأن تُعانقه ضيْ، لا تتحمل نظرةُ الحزن في عينِه، لا تتحمَل أبدًا أن تراه ذابل وشاحب بهذه الصورة، ودَّت لو تمتص كل حزنِه وتجعله في صدرها ولا يحزن أبدًا، قلبُه لا يستحق كل هذا الضيق، تُعانقه بشدَّة وكأنها تُريد أن تدخل به، تشعرُ به، والله أشعرُ بك وبحُزنِك، أشعرُ بإضطراب نبضاتِ قلبك المسكين، لم ترتاح أبدًا! حياتك لم تهدأ وهي تهطلُ بالبكاء فقط. ليتني أستطيعُ فعل شيء لك، أن أجعلك تبتسم ولا تهتم لأحد، اوَّد فقط أن تهتم لنفسك الذي أصبحت تفقدها يومًا عن يوم بإهمالك لها، أنت لا تعرف بأنك حين تهملُ نفسك يعني أنك تهمُلني معك.


،

يفتحُ عينيه على السقف الأبيض، مزاجُه مضطرب تمامًا وخطُوطِ جبينه المُجعَّدة تثبتُ ماهو أكثر من ذلك، لم ينظُر إليْها وهو يُبعد الفراش ليتجه نحو الحمَام، أستغرق ساعةً كاملة وهو يغتسل/يستحِم. خرج والمنشفة تلفُ خصره، مسح وجهُه وهو يضغط على عينيْه من صُداعٍ فتَك رأسه، أرتدى لبسهُ العسكرِي ليخرج من جهةِ الدواليب ناحية التسريحة، مازالت عيناه لا تنطق، لا تنظُر، لا تلتفت.
ينظرُ لنفسه بالمرآة بجمُود مُريب، وضع سلاحه على جانبِ خصره ليجلس على الأريكة ويرتدِي حذاءه الأسود الثقيل، أرتدى ساعته ذات الجلد الأسوَد وأدخل محفظته وهاتفه في جيبه، أتجه نحو الباب ليقف مثل ما وقف أمس خارجه، شدّ على شفتِه ليُنزل مقبض الباب ويخرج بخطواتٍ سريعة غاضبة، لم يُسيطر على نفسه وهو يُغلق باب المنزل بعصبيَة، ركَب سيارتِه مُتجهًا للعمل والشمسُ بدأت تشرق متأخرًا والشتاءُ يقترب من الرياض، مرَّت عشرُون دقيقة حتى ركَن سيارته بمكانها المخصص في عمله، دخَل والموظفُون مازالُوا يأتُون، لم ينظرُ لعينِ أحد كان يسير بثبات نحو مكتبه وهو يُثير الشك والخوف معًا في نفسِ كل شخصٍ يراه خشيةً أن أمرًا حصل بالعمل أو قصورًا منهم، أغلق الباب خلفه وهو يرمي سلاحه على طاولة مكتبه ويجلس، يشعرُ بصدره الذي يهبط ويعلو بفارقٍ هائل، شدّ على قبضةِ يدِه ليضربها على الطاولة من غضبه الهائل الذِي يشعرُ به، نظر لظاهرِ يدِه التي تألمت كثيرًا ، يُريد أن يرمِي نفسهُ من أعلى طابق حتى ترتاح نفسه، لم أكن أول رجلاً في حياتِها، لم أكُن أبدًا !
يدخل أحمد بعد طرقه للباب وهو يضع بعض الملفات على مكتبه : تآمر على شي طال عُمرك ؟
لم يُجيبه بشيء و عينِ سلطان مازالت على المكتب، خرَج أحمد بهدُوء وفي داخله ألف علامة إستفهام!
في قلبِه كان يشتُم كل الأشياء التي عرقلت حياته " الله يلعنـ ... أستغفر الله " ... خرج مُتجهًا لدورة المياه، نزع حذاءه ليتوضأ، وفي داخله قهرٌ عظيم، يشعرُ بأنه يحملُ في داخله ثقلُ مئاتٍ من الرجال المقهورين، يشعرُ بأن قلبه يفيضُ بالقهر وبشدَّة " ، أتجه ناحية مكتبه، فرشَ السجادة ليُصلِي ركعتيْن علَّها تُريح صدره. كان يعرف أنها ليست بالبكر وتأكد من ذلك ولم يكُن ينتظر أن يجِدها بغير هذه الصورة ولكن شعَر كأنها بِكر، لوهلة شعَر أنها أنثاه وحده، 7 سنوات !! يالله أرِحني فقط من هذا الحُزن.
في جهةٍ أخرى تدفنُ رأسها في الوسادة، تغرقُ ببكائها الثقيلُ على نفسها، يعلُو صوت بكائها بمُجرد ما تتذكرُ الليلة الماضيَة، هو رجُلها الأول، هو حياتها، هو كل شيء لكن .. لا يُحبني بقدر ما أحبه، لا يُريدني بقدر ما أريده، يحاول أن ينساني، يحاول أن يبتعد عني، يحاول بكل ماأتاه الله من قوة أن ينتقم مني، يا هذه القسوة التي لا أعرفُ كيف تتغلغل به بهذه الشدة ؟ بلعت غصاتها المُتراكمة وهي تشدُ المفرش الصغير من الأرض وتلفُه حول جسدِها مُتجهة للحمام، تماما مثلما أستغرق بإستحمامه أستغرقت ساعة وأكثر، أختلطت دمُوعها بالماء وهي تنسى نفسها وتغرق بحُزنها وتفكيرها، خرجت لترتدِي بيجاما بأكمامٍ طويلة، تشعرُ بأن أطرافها ترتعش من البرد، أتجهت نحو التسريحة ورائحة عطره تخترقُها، عقدت حاجبيْها وهي تأخذُ الإستشوار لتُنشف شعرها، أطالت وقوفها أمام المرآة حتى شعرت بلسعةِ الحرارة في فروةِ رأسها ، أبعدت الإستشوار وأغلقته، نظرت لشحُوبِ ملامحها، لشفتيْها الصفراوتيْن، لعينيْها المُحمرتيْن، لأنفها .. الذِي بدأ ينزف، شعرت بطعمِ الدماء وهي تعبرُ شفتيْها، أخذت منديلا ورفعت رأسها للأعلى حتى توقف النزيف الذي لا يُفزعهًا أبدًا، هو يواسيها فقط.
ربطت شعرها لتنحني وهي تُلملم ملابِسه وملابسها وترميها في السلة التي تنزوي بجانب الدولاب، طوت الفراش جانبًا لتسحب المفرش وتطويه بين يديْها وتنزل به للأسفل، لم يستيقظ أحد إلى الآن، أتجهت نحو غُرفة الغسيل لترميه في سلة الغسيل وتصعد مرةً أخرى للطابق الثالث حيثُ المخزن، بدأت تبحث عن مفرشٍ آخر، فتحت الدولاب العريض الذِي تُخزَّن به المفارش والوسائِد، أخذت ذو اللون العنابِي ونزلت به لغُرفتهما، كانت تمُر الدقائِق وهي تُرتب بالغرفة، تُفرغ حُزنها بحركتها المُستمرة وبإنشغالها المتواصل، أتجهت نحو النوافِذ لتفتحهُما وهواءُ الرياض يُلاعب الستائِر الخفيفة، فرشَت سجادتِها وصَلت ركعتيْن. لا تدرِي بأنها تفعل مثلما يفعل هو، كيفما تُفرغ غضبها هو يُفرغه أيضًا.
أطالت سجُودها ليتحشرجُ صوتها المردد " سبحان ربي الأعلى " وغرق بالدمع المالح، يالله أني أسألُك بوجهِك الكريم الجنَة و كل ما يُقربني إليها فأني أفلستُ من هذه الدنيا وما عاد بها شيءٌ يهمُني إلا أن ترضى عليّ وتُرزقني درجاتِك العليا في يومِك الموعود.

،

يُصحيه وهو يُقطِر الماء بين أصابعه : أصحى دبلت كبدِي وش هالنوم الثقيل!!!
فارِس بتثاقل : الله يرحم لي والدِيك يا يبه أتركني أنام بدون لا تزعجني
رائِد : قم عندنا شغل
فارس بضجر : وانا وش دخلني في شغلك
رائِد : دخلك اللي يدخَّل ... " بتَر كلماته التي كانت ستنحدِر لمستوى الجُمل الشوارعيَة " أستغفر الله لا تجنني على هالصبح
فارس وقف مُتجهًا للحمام : طيب هذاني صحيت .. ياليل الشقا بس
رائد أتجه نحو الصالة : هذا هو صحى، المهم عرفت شغلك كويِّس
محمد : مثل ماتبي حفظته حفظ
رائد : وكلمت ربعك! أبيهم يمدحون فيه عشان يصدِق
محمد : أبد كل أمورنا طيبة
رائِد بإبتسامة : الحمدلله
مضَت الدقائِق الطويلة حتى خرَج لهُم فارس بلبسِه الأنيق، يأخذُ من والِده كل شيء حتى ذوقه الرفيع في الملابس، جلس وهو يجهل من أمامه.
رائِد بضحكة ساخرة : هذا أبوك ..
فارس لم يتمالك نفسه ليضحك مع والِده : تشرفنا
محمد بإبتسامة : الشرف لنا
رائِد بنبرة السخرية : والله هذي اللي ما حسبنا حسابها مافيه شبه بينكم .. قله أنك طالع على أمك الله يرحمها
فارس : هههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب شي ثاني ؟
رائِد : أنت يا مشعل يا حبيبي دارس في لندن معك دكتوراه علوم سياسية، والآن دكتور في الجامعة، عندِك أعمال حُرة ودخل ثاني غير الجامعة، أمك ميتة ، إذا أسألك عن أحد عندك خيارين يا تقول ميِّت يا تقول مهاجرين ماشفتهم من يومي صغير *أردف كلمته الأخيرة بضحكة*
أكمل : أسست نفسك وكوَّنت حالك بينما أبوك طايح حظه يشتغل في البنك الإسلامي بباريس ...
فارس : شي ثاني ؟
رائِد : لا ترتبك و رزّ ظهرك، أصابعك لا تتشابك ولا تنحني بظهرك، عيونك خلها في عيون عبدالرحمن، كلماتك خلها قصيرة وواثقة.. عشان ما يشك ولا يعرف أنك كذاب، حاول تبيِّن له أنك صادق .. يالله خلنا نسوي بروفة وأنا عبدالرحمن .... وقف وأتجه بمُقابل أبنه .. تكلم .. وش تشتغل يا مشعل ؟
فارس بصوتٍ متزن : دكتور متخرج بتخصص علوم سياسية وعندي أعمال حُرَّة ثانية أدريها
رائِد : كم عُمرك ؟
فارس : 29
رائِد : وين ناوي تستقر ؟
فارس : إن شاء الله الرياض
رائد : لآ الرياض أنساها، بتستقر في لندن الله يسلمك
فارس : صدق يبه ؟
رائد : هههههههههههههههههههه إيه والله، بعد ما تتزوجها أبيك تروح لندن فترة لين أضبط وضعي
فارس : وش بيكون وضعك ؟
رائد : عاد هذا مو شغلك
أكمل وهو يحاول أن يتذكر شيئًا : وش بعد راح يسألك ؟ ماأتوقع بيسألك شي ثاني ... المهم أنك حضرت نفسك ... طبعًا محمد خذا لك موعد راح تلتقي فيه بصالة الفندق الخاصة ومعك أبوك الوسيم
محمد الذِي لا يبدُو جميلاً كثيرًا ضحك لرائد : مخلين الوسامة لك
رائِد شاركَهُ الضحك وهو الذِي يُشبه ملامحه إبنه بشدَّة : بعد عُمري محمد لا يحز في خاطرك أهم شي جمال الروح
فارس : طيب متى ؟
رائِد : الحين الساعة 10 الصبح .. الساعة 2 أنت عنده . . طبعًا هو مايدري أنك بتخطب يعني محمد ما قاله
فارس تنهَّد : طيب يا يبه أجل بطلع أتمشى
رائِد : تتمشى وين ؟
فارس وقف : ماراح أبعد، قريب من عندِك ...

،

مُجتمعين في الصالَة، تبدُو أحاديثهم حميمية صاخبة بالضحك، هيفاء وهي تشرب قهوتها : وعد أني بس أفضى بعطيكم محاضرة بالجمال
منصور : أنا قلت لك رايي! شكلك معفن بالتان!! ماهو حلو .. يعني وش أسوي غصب أقول حلو
هيفاء فتحت فمَها وهي تنظُر لكلماته الجارحة المُندفعة ، أردفت بإنفعال : لآ والله أنه حلو ويجيب العافية عليّ بس أنتم والله وش يعرفكم بالزين والذوق ..
يوسف : أنا والله ممكن أتقبله بعد يومين كذا لما أتعوَّد لكن مبدئيًا يختي مدري أحسِّك وصخة
هيفاء : الله يآخذ إحساسك قل آمين .... اليوم أكلم البنات في سكايب أنهبلوا عليّ يخي أنا يوم أشوف نفسي بالمرآية أقول ليتني أتزوج نفسي من كثر ماهو يجننن وأنتم أكلوا هوا من زينكم يوم تتكلمون عن الزين
منصور : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه عاد وش يسكتها الحين .. خلاص أنتِ حلوة أنتِ مزيونة أنتِ تجننين .. أرتاحي بس
هيفاء : ترفعون الضغط ! أنت شايف ولدك الأشهب يوم تتكلم ..
يوسف : أيوا ههههههههههههههههههههههههههه هذا اللي طول الوقت تمدحينه أطلعي على حقيقتك
منصور : والله ولدِي مزيُون بس من الغيرة تتكلمين
هيفاء : على وش أغار يا حظي ! على عينه ولا خشمه
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ما تسوى عليك يا منصور فتحت عليك باب ما يتسكَر
هيفاء بإنفعال : إيه عاد لا تحارشوني عشان ما أحارشكم
دخلت والدتهم : عندي لكم خبر شين وحلو !
ألتفتوا جميعًا ليُردف منصور : وش الحلو ؟
والدتهم : خالتكم أم أرام بتجي السعودية بس الخبر الشين أنها بتجلس بجدة يومين وترجع
يوسف بسخرية : أجل وشهو له تقولين ؟ بس والله مشتاق لأرام كانت مسوية جو في بيتنا أول ماجت
أرام المولودة الصغيرة التِي قضَت معنا عدةِ شهور نهاية السنة الماضيَة بسبب مرض إبنةِ عم أمي التي بمقام الخالة لنا حتى أعتدنا عليها وأصبحت فردًا من عائلتنا التي كانت تشكِي الوحشَة، ولكن بمجيء السنَة الجديدة رحلت مع والدتها لميُونخ حيثُ تتعالج هُناك مع زوجها من الورمِ الذِي ينزوي في رأسها. يالله يا أرام كانت ملاك لهذا البيت.
منصور : هي كيفها الحين ؟
والدته : لآ الحمدلله تقول أنها أحسن وللحين من عملية لعملية الله يشافيها يارب
منصور : آمين، والله زمان عنهم ..
جلست والدتِه لتنظُر لهيفاء بحسرة : يا حسافة البياض
هيفاء : ههههههههههههههههههههه يمه كل الشعراء في العالم يتغزلون بالسمرا
والدته : الله يآخذهم واحد واحد يوم أنك تصبغين نفسك كذا .. بس أنا أوريك... والله يا هيفا لو تسوين بشكلك شي بدون لا تشاوريني لا أقطع رآسك
هيفاء تنهَّدت : طيب خلاص ماني مسوية شي ..
تُكمل بحلطمة : في هالعايلة لا تخلوني أسافر مع أخوي ولا تخلوني أقص شعري ولا تخلوني أروح إستراحة مع صديقاتي ولا تخلوني أعيش حياتي .. يخي الواحد تعب طفش ملّ !!
منصور : هذا اللي ناقص نحجز لك إستراحة أنتِ وصديقاتك بعد!!
هيفاء : إيه وش فيها! كل البنات الحين يجتمعون في إستراحات وش تفرق يعني! الإستراحة نفس البيوت ! هذا أنتم ماتقولون شي لو أسيِّر على صديقتي في بيتها لكن تصير كارثة لو أقول بإستراحة
يوسف : الإستراحة غير
هيفاء : وش فيها غير! نفسها نفس البيت
يوسف : لآ يا حبيبتي الإستراحة تخرِّب عاد لاتقولين شلون تخرِّب ! هي تخرِّب وبس
هيفاء بتذمُر : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .. متى أتزوج وأفتك . . *أردفت كلمتها الأخيرة بعفويَة دُون أن تعني فيصل*
يوسف بضحكة : لاحقة على فيصل
هيفاء أحمَّر وجهها لتحاول التبرير : وش دخل فيصل! أنت ودِّك كذا تحارشني .. ماأقول الا مالت عليك ومالت على اللي يجلس معك .... وخرجتْ.
والدته : بكرا بيجي فيصل مع أعمامه إن شاء الله
منصور : الله يكتب لهم اللي فيه الخير
والدته : آمين يارب

،

تفطُر دُون أن تنظر إليْه، تحاول أن تُمثل البرود والجمُود أمامه، تتجاهلُ أصغر تفاصيله المُستفزة لقلبها المُتأرجح بين حُبه وكُرهه، تكرهه يوم و تُحبه أيام، تنجذبُ إليْه لحظات وتنفرُ منه بلحظة، مُتذبذبة علاقتِي معه ومُتذبذب قلبي إتجاهه، بعد يومينْ ستعُود لأرضِ الوطن، كانت تتأملُ الشيء الكبير منه وخابت كل توقعاتها، ليتنِي لم أتوقع شيء، ليتني بقيْت هكذا دُون توقعات حتى أتفادى الخيبة التي أنغرزت بأعماقي، مخذولة من كل شيء، أشعرُ بأن حياتي تنحدِر في بدايتها، كيف أبقى بجانب عائلته وأنا أعيشُ هذا الصراع، أحتاج أن أذهب إلى الرياض ولا غيرها ولكن كيف أقنعه؟ كيف أناقشه حتى!
وضعت الكوب على الطاولة لتنظُر له وهو غارق في هاتفه، يقرأُ شيءٌ ما، رفع عينه : خلصتِي ؟
ريم هزت رأسُها بالإيجاب وهي تأخذُ منديلاً وتمسحُ شفتيْها الزهريتيْن، أخذت مُعقم من شنطتها وعقمت يديْها، أخرجت هاتفها ولكن سرعان ما أعادته، أعرفُ مقدار غضبه حين أمسك بهاتفِي بينما نحنُ نسير على الطُرق. أخذت نفسًا عميقًا لا تعرف ماذا تفعل أو بما تُفكر حتى تحل هذه العقد والألغاز التي تواجه حياتها معه. بالأمس سهَرت على إحدى المنتديات ، قسم " المشاكل الزوجية " شعَرت بأن مُشكلتها بسيطة مقارنةً بما قرأت، ألتفتت عليه وهي تقطعُ الطريق معه : وين بنروح ؟
ريان بهدُوء : اللي تبين
ريم بفكرةٍ لاذعة طرأت عليها بعد أن أفلست منه تمامًا : طيب بروح أتسوق
ريَّان دُون أن ينظر إليْها : طيب .. أوقف سيارة الأجرة ودخلاَ.

،

جلست على حافةِ السرير بجانبِ بطنه لتُقبل جبينه وتُردف بصوتٍ خافت : بعد عُمري والله ، كل هذا يصير معك وأنا ماأدري
عبدالعزيزلم يُعلق وأكتفى بإبتسامة.
أثير : وجوالك وينه ؟
عبدالعزيز : أنكسر .. بشتري جديد بس أطلع
أثير : ولا تتعب نفسك أنا بشتري لك وماأبغى إعتراض .. بس أنت أطلع بالسلامة
عبدالعزيز : الليلة راح أطلع إن شاء الله
أثير : كويس الحمدلله .. لو تدري وش صار فيني .. بغى قلبي يوقف من خوفي عليك
عبدالعزيز : بسم الله على قلبك ...
أثير بإبتسامة : طيب أنا بروح أحضِّر لك الشقة وأرتبها لك و بس تطلع أتصل علي من تليفون الغرفة
عبدالعزيز : طيب
أثير : تآمر على شي أجيبه لك ؟
عبدالعزيز : لا ..
أثير : أجل أشوفك على خير حبيبي .... وخرجت لتلتقط عينها عبير وضي الواقفتيْن أمام غُرفة رتيل، أشمئزت لتتجه نحوهما : صباح الخير
ضي : صباح النور
عبير تجاهلتها تماما ولا كأن كائنًا يتحدث لتنشغل بهاتفها
أثير : سلامتها ماتشوف شر
ضي بإغاضة : الشر ما يجيك يا قلبي ، الحمدلله أنها جت على كذا ماتسوى عليهم هالرُوحة لروَان ، بغوا يتمشون ويغيرون جو لكن قدر الله وماشاء فعل
أثير عقدت حاجبيْها : روَان ؟
ضي بإبتسامة واسعة : إيه كانوا في روَان، زوج وزوجته وش الغريب في الموضوع ؟
أثير تراجعت بخطواتها للخلف لتدخل بغضب لغُرفة عبدالعزيز.
عبير : ههههههههههههههههههههههههههه ولَّعت
ضي بضحكة : مع أني ماأحب هالأسلوب بس هي تستاهل تحاول تقهر رتيل وهذا هي أنقهرت.
عبير : حسيتها جايَّة تتشمت بس تغدينا فيها قبل لا تتعشى فينا
على بُعدِ خطوات : ليه ما قلت ليْ ؟ مستحيل تكون رحت معها روَان كذا فجأة أكيد مخطط وياها من زمان وأنا أحترق عليك بالإتصالات ولا ترد عليّ
عبدالعزيز : مين قالك هالكلام ؟
أثير بغضب : ماهو مهم مين قالي! أبغى أعرف ليه ما تكون صريح معي! دامك رحت وياها مفروض تحط عندي خبر!! ماأظن هالشي صعب عليك
عبدالعزيز : أثير ماني فاضي لهالكلام.. لو سمحتِ
أثير : ومتى تفضى إن شاء الله ؟ لين ست الحسن والدلال تشرِّف عندك
عبدالعزيز بنظرةٍ حادة : أثير!! لا تخلين النفس تشين عليك
أثير بإنفعال : بس شاطر تلحق وراها لكن أنا ولا أهمك ...
عبدالعزيز : صوتِك لا يعلى عشان ما يجيك كف يعلمك كيف تحكين معي
ضربت بقدمها على أرض لتخرج بخطواتٍ مُشتعلة.
في غُرفةِ رتيل، مُجتمعات حولها.
رتيل : وش قالت ؟
ضي : ما ردَّت وراحت لغرفة عبدالعزيز .. ماعليك منها بس
عبير : لو تشوفينها كيف ولَّعت .. ضي عطتها بالجبهة
رتيل : ههههههههههههههههههههههه تستاهل هالمدلعة
عبير : قولي لنا وش صار معكم ؟
رتيل تنهَّدت وهي تسترجع اللحظات الأخيرة لهُما قبل الحادث لتحكِيها لهُم.
دخلاَ في الطريق الرئيسي الذِي تُجرى عليه الإصلاحات، كان الشارعُ ليس مستوي مما جعل السيارة تهتز في كل مسافةٍ نقطعُها، كانت الأدوات الإنشائية مرمية على كُل جانب ، شعَرت بأنَّ أنفاسها تضيق وهي تنظرُ لنهاية هذا الشارع بشاحِنة خاويَة ، أغمضت عينيْها بشدَّة لا تُريد أن ترى شيئًا بينما عبدالعزيز يحاول أن يلتف بالسيارة جانبًا ولكن لا مجال أبدًا بالشارع الضيق جدًا من كُل جانب، حين سمعت صوت تكسير عبدالعزيز للزُجاج الأمامي أدركت أن الموت قريب منهم لا مُحالة، شعَرت بضياع الكلمات والأدعيَة التي تُريدها حتى تحفظها بهذه اللحظات المُرتبكة، ثوانِي فقط كانت تفصُلها عن إرتطام رأسها الشديد بالجُزء الأمامي من السيارة والباب الذي كان مفتوحًا بسبب إصرار عبدالعزيز بأن تقفز منه بينما كنت مُصرَّة على الرفض، سقطت على التُراب الخارجي بعد أن فلَت حزامُ الأمان وأوجَع بطنها حتى شعَرت بالغثيان لا مجال للرؤيَة والدماءُ تهطل كالمطر، نظرت للتُراب الذِي بات طينًا بالدم، رفعت عينها التي يُغمى عليها تدريجيًا لترى عبدالعزيز الساقط على النافِذة الأخرى ورأسهُ ينزف، هذا آخرُ شيءٍ رأته.

،

في ساعات العصر الأولى، الرياض التي بدأت تهدأ شوارعها بعد إنتهاء الدوام. وتصخبُ من جهةٍ إخرى.
نظرت لإبنتها التي قصَّت شعرها الطويل حتى وصَل لمُنتصف رقبتها، بإبتسامة : ماجد قال أنه حلو عليّ !
حصَة : ماجد!! طيب .. أجل وش جاية عشانه الحين ؟
العنود : بآخذ كم لبس لأني بجلس عند أبوي وحددنا حفلة صغيرة بنسويها الأسبوع الجاي وبروح معه دبي.. ومتى ما لقينا وقت مناسب بنحتفل مع بعض بما يليق طبعًا فيني وفيه
حصَة تشعُر بالحسرة على إبنتها، أردفت بهدُوء : طيب ... وأتجهت نحو الصالة.
العنود لحقتها : يممه!! وش فيك متضايقة كذا؟ تدرين أني ماأحب أشوفك زعلانة
حصة : لو يهمك زعلي ولا ضيقي كان أهتميتي برايي
العنود: رجعنا نفتح هالموضوع من جديد
حصَة : خلاص أرحميني بس ولا عاد تسألين عن شي مايهمك
العنود بضيق : تدرين يا يمه أنك تهميني
حصة ألتزمت الصمت دُون أن تنطق شيئًا.
العنُود : وين ولد أخوك ؟
حصة بغضب : تكلمي عنه زين
العنود : أكيد يشيّشك عليّ
حصة بسخرية : أكبر همه أنتِ
العنُود بقصدِ إستفزاز إسمه وكأنه موجود أمامها : ماني أكبر همه بس قدرت أتزوج غصبًا عنه
حصَة تنهَّدت : جايَّة تعلين قلبي .. روحي عند أبوك وخليه يبسطك
العنود : أبوي كان زوجك
حصة بغضب : تعالي علميني بعد كيف أحكي عنه !! الله والأبو بس خليني ساكتة
العنود بقهر وقفت : أبوي عمره ما جاب سيرتك بشي شين ودوم يتذكرك بالزينة لكن أنتِ تحبين تشوهين صورته
حصَة بسخرية : أكذبي بعد!! أقص إيدي إذا يطلع منه شي زين
العنود بخطواتٍ غاضبه أتجهت لغرفتها بينما تركت حصَة تُصارع خيباتها بإبنتها.
في الأعلى، مُثبتة الهاتف بكتفِها وهي مُستلقية على السرير : طيب ؟
أفنان : بس هذا اللي قالته لي !! مجنونة هالبنت مهي صاحية
الجوهرة ببحةِ صوتها المُتعبة : محنا ناقصين نغتابها بعد! .. الله يهديها
أفنان : طيب ما قلتِ لي وش فيه صوتك ؟ تشكين من شي ؟
الجُوهرة : الأجواء عندنا متقلبة يمكن عشان كذا
أفنان الجالسة أمام مكتبها والنُعاس يقترب منها بعد أن حرمتها منيرة من النوم جيدًا، أردفت وهي تتثاءب : طيب بخليك .. تآمرين على شي ؟
الجوهرة : سلامتك .. بحفظ الرحمن
أفنان : فمان الكريم .. وأغلقته، وضعت رأسها على الطاولة وبمُجرد ما أغمضت عيناها دخلت في نومٍ عميق.
وضعت يدها على عُنقها وهي تحاول أن تسترد صوتها المبحوح : آحم .. أتجهت نحو دولابها ، فتحت الدرج لتأخذ جوارب قُطنية تُدفئها، نزلت للأسفَل تحاول أن تشرب شيئًا يُخفف وجَع أحبالها الصوتيَة، وقفت وهي تسمعُ صوتها الذي يأتِ من الصالة.
العنود ممسكة حقيبتُها الصغيرة : يمه واللي يرحم لي والدِيك لا تقهريني زيادة! حفلة بنتك وماتجين ؟
حصَة : قلت لك اللي عندِي، دام سويتِي اللي براسك وش يفيدك حضوري
العنود : تعرفين شي يمه ؟ بديت أشك في الخبلة الثانية اللي ورى ولد اخوك
حصة بغضب : العنود ووجع! تكلمي عنهم بأدب
الجُوهرة تشعُر بأنها مازالت تحمل بعض الشحنات التي لم تُفرغ في ترتيبها للغرفة، أخذت نفسًا عميقًا وهي التي لا تغضب بسُرعة ودائِمًا ما تُمسك نفسها، أتجهت نحوها وأتى صوتُها المبحوح من خلفها : مين الخبلة الثانية ؟
ألتفتت العنود لتتأفأف : في هالبيت الواحد ما يقدر يتكلم الا والكل عرف بالموضوع! ماهو من صغره بس من هالتنصت على الرايح والجايْ
الجوهرة ببرود : ما تنصت بس على الأقل ما ذكرت أحد بغيابه وبهالوصف الشين
العنود بسخرية : يا شين مثاليتك!! سبحان الله تناسبون بعض أنتِ وسلطان كلكم منافقين وكذابين .. إذا أنتِ تكرهين شخص قولي له بوجهه ماله داعي هالكلام الملتوي
حصة بحدة : العنووووود!!
العنود : مع السلامة يمه .. أتجهت نحو الباب لتقف الجوهرة أمامها : ماهو معقولة الكل يشوفنا شي وأنتِ تشوفينا شي ثاني! يعني أكيد ماهو كل الناس على خطأ وأنتِ الصح!! .. راجعي مخك وللمعلومية أنا ماأنافق عليك .. أنتِ ماتعنيني شي ببساطة! لا أنتِ موجودة بقلبي وأحبك ولا أنتِ بعقلي وأكرهك .. مُجرد شخص من فئة الكومبارس بهالحياة
حصة تنظرُ للجوهرة بدهشة، هذه الكلمات القاسية لا تُصدق بأنها تخرج منها، باتت تُشبه سلطان في قسوته أيضًا.
دفعتها العنود لتخرج دُون أن تلفظ كلمة، أنحرجت الجوهرة من نظراتِ حصة لتُردف : آسفة حصة بس هي أستفزتني
بهدوء رُغم ضيقها من الجوهرة : حصل خير ... وخرجت مُتجهة نحو غرفتها.
أدركت أنها غضبت منها، كيف أراضيها الآن؟ لم أتعود أن تزعل منِي أبدًا! تنهَّدت وهي تمسحُ جبينها الذي بدأ الصداع يزحفُ نحوه. رأت عائشة وهي تصعد الدرج : عايشة ... سوِّي لي عصير ليمون بالنعناع
عائشة : زين ... لتتراجع بخطواتها مُتجهة للمطبخ.
أخذت هاتفها وأتصلت على الرقم الذِي ترددت كثيرًا في الإتصال عليه رُغم أنها تحتفظُ به منذُ شهور، جلست منزويَـة في الصالة لتنطق بصوتٍ خافت : السلام عليكم
: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجوهرة بإرتباك : دكتورة سلوى ؟
: إيه معاك الدكتورة سلوى
الجُوهرة بلعت ريقها : ماني عارفة كيف أبدأ معك، لكن فيه كم سؤال ودِي أسأله لك إذا مافيها إزعاج
: تفضلي حبيبتي وقتي لك
الجُوهرة : أنا تعرضت لتحرش وأنا صغيرة ..
: قبل البلوغ ؟
الجوهرة : لا بعده .. كنت بالثانوية
: طيب وأيش صار بعدها ؟
الجوهرة : ما أتذكر بالضبط لكن متأكدة أنه حصل إغتصاب .. بس .. حاليًا أنا متزوجة و ... يعني مدري كيف أقولك .. *أردفت كلماتها بتقاطعات شديدة وأنفاس تعلُو وتهبط*
: فاهمتك! يعني زوجك ما دخل عليك ؟
الجوهرة بكذب : إيه .. بس أبغى أتأكد عشان مستقبلاً
: طيب أنتِ سامعة بعمليات ترقيع الغشاء ؟
الجوهرة بربكة : لآ مستحيل!! أقصد يعني ماأبغى أسوي شي حرَّمه الشرع .. أنا راضية بس أبغى أعرف يعني .....
: طيب أنتِ صارحتِي زوجك ؟
الجوهرة : إيه لكن أنا أبغى أسألك بخصوص الغشاء يلتئم ؟ لأن هالشي قبل 7 سنوات ؟
: لو كان التحرش قبل البلوغ فنسبة كبيرة يلتئم زيَّه زي أي جرح بالجسم مع مرور السنين يلتئم ويرجع زي ماكان، لكن لو بعد البلوغ حصَل له تمزق وما أنفضّ الغشاء بأكمله ممكن يلتئم ويرجع طبيعي لكن لو أنفضّ الغشاء كامل فهذا شي مستحيل، لو كان هالشي موجود كان لعبت البنت في نفسها لين قالت بس وبعدين بمرور السنين تضمن أنه يعود .. فاهمة عليّ ؟
الجوهرة برعشةِ شفتيْها : إيه
: السنين تلعب دور في المنطقة نفسها لكن ماهو في الغشاء، يعني ممكن تحس الزوجة أنها بكر بعد هالسنوات لأن منطقتها بتكون مثل منطقة البكر لكن بدون غشاء ... والزوج ممكن يحس بعد بهالشي ... تماما مثل المطلقة اللي تتزوج بعد سنين بتحس بنفس الإحساس.
الجوهرة وهي تسمع صوتُ الباب ، بعجَل : طيب شكرا دكتورة .. مع السلامة وأغلقته وهي تسمعُ وقع خطواته. خرجت من الصالة لتسقُط عينيْها بعينِه. تجاهلها دُون أن ينظر إليْها وهو يصعد للأعلى، هذه النظرات بحدِ ذاتها إهانة، بلعت غصَّتها، تشعُر كأنها طعامٌ أخذ ما يُشبعه منها ثم تقيأُه والآن يشعر بتقززه من منظرِ هذا الطعام. أخذت كأس العصير من عائشة، شعَرت بأنها نفسَها لم تعد تشتهيه بعد نظراتِه، حاولت وهي تُطبق أسنانها بشدَّة ولكن لم تستطع، تركت الكأس على الطاولة لتجلس وهي تُغطي وجهها، كتمت صوتُها وهي تنزلق ببكائها، يكسُرني بكل ما أعطاهُ الله، يكسرني بنظراتِه وبكلماته وبتصرفاته، يكسُرني وأنا الهشَّة السهلةُ الكسر وصعبة الجبر.
أتجهت نحو المغاسِل لتغسل وجهها، شعَرت بحاجتها للتقيؤ رُغم أنها لم تأكل شيء منذُ الصباح، تقيأت جفافها وهي تشعرُ بالألم من هذا التقيؤ الجاف، سعلت كثيرًا حتى ألتقطتها أنظارُ حصة الخارجة، أتجهت إليْها بحنانها الذي لا ينضب : وش فيك ؟
الجُوهرة : شكلي مخربطة بالأكل
حصة بشك : بس ؟
الجُوهرة هزت رأسها بالإيجاب وهي تنحني لتتمضمض، مدَّت لها حصَة المنشفة الصغيرة لتُنشف وجهها.
حصة : وجهك أصفر .. تعالي أكلي لك شي
الجُوهرة : منسدة نفسي ماني مشتهية
حصَة بهدُوء : إذا فيك شي قولي ؟
الجوهرة بعينيْها المُحمَّرة : تطمني ولا شي
حصة تنظرُ للساعة : شكل سلطان بيرجع اليوم المغرب
الجوهرة بهدُوء وهي تتجه نحو الصالة : رجع وصعد فوق
حصَة جلست بمُقابلها : أشربي عصيرك, ما يصير كذا يالجوهرة تهملين أكلك .. حتى صوتك رايح
الجوهرة لم تجِد جوابًا تُعلق به، أستجابت لأمرها وهي تشربُ من العصير الحامض. تمُر الدقائق الطويلة حتى ألتفتت حصَة عندما سمعت خطواته.
لم ترفع عينها، تخشى أن ترى مثل النظرات التي تقتُلها، تخافُ تلك النظرات جدًا.
حصة : وينك صاير ما تنشاف ؟ كل يومك بالشغل وإن جيت حطيت راسك ونمت
سلطان : تعرفين بوسعود مسافر والشغل عليّ مقدر أهمله
حصة : الله يوفقك ويسهِّل عليك يارب
سلطان : آمين ... سرق النظرة إليْها وهي تشرب بهدُوء ليعُود بأنظاره ناحية عمته ... كنتِ تبيني في شي ؟
حصة : لآ خلاص، ما قصرت عنيِّد جت وخذت أغراضها وراحت ماعاد ينفع الحكي معها
سلطان : متى زواجها ؟
حصة : تقول الأسبوع الجاي وبعدها بتسافر معه
سلطان بخِل عليها بدعوة التوفيق ليُردف : بتروح دبي ؟
حصة بإنزعاج : إيه
سلطان : خلها تتحمل نتايج قرارها بروحها
حصَة تنهَّدت بضيق لتلتزم الصمتْ.
سعلَت الجوهرة بشدَّة لتجذُب أنظار سلطان إليْها، كحتُها الحادَّة تُؤلم. وجدًا.
حصَة وقفت مُتجهة إليْها، سكبت لها من زُجاجة المياه : أشربي بسم الله عليك
الجوهرة شربت الماء دفعةً واحِدة لتُردف بصوت مبحوح : عن إذنكم
حصة تُمسكها من معصمها : لحظة أكلي شي
الجوهرة المُشتتة تضيعُ نظراتها بكل شيء ما عداه، تشعرُ بعينيْه المصوَّبة بإتجاهها، تكاد تُخمِّن تعابير وجهه وتصدق بها، أعرفُ كل تفاصيلك الصغيرة والمُعقدة من كسرةُ حاجبيْك حتى فرقعةِ أصابع قدمِك اليُمنى التي تبدأُ بالرنين على الارض كُلما كتمت غضبك.
: بنام وبس أصحى أكـ...
يُقاطعها بصوتِه الذِي يُزلزل قلبها : أكلي بعدين نامي .. وقف مُتجهًا لطاولة الطعام التي تقع في الجهة الأخرى من الصالة.
كانت كلماته أمر وليس لها حق المشاورة، تبعته حصَة لتشعُر حقًا بأنه أمر ويجب الخضوع له.
تقدمت بخطواتها لتتوعَّد عائشة بداخلها بعد أن رأت كراسي الطاولة ليست موجودة بأكملها، فقط ثلاثة على عددهم.
بلعت ريقها وهي تجلس بجانب سلطان وحصة بمُقابلهم. لن تستطيع أن تأكل لقمةً واحدة وهو بهذا القُرب.
بدأتُ تُقطِّع حبة الأرز الصغيرة لمئة قطعة وكأنها تحاول الهروب من الطعام بطريقة الصغار، بمُجرد ما شعرت بأنظاره سحبت الملعقة وقرَّبتها من فمِها، تمُر الدقائِق الصامتة، لا أحد يفتحُ حديثًا ولا أحد يحكِي بعينه شيئًا ولكن الصمت ثرثار، حركات أيديهم لوحدِها " ثرثرة عميقة " ، وقفت حصة : الحمد لله الذي أطعمنا و سقانا و جعلنا مسلمين الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا .. وأتجهت نحو المغاسل.
تجمَّدت الجوهرة في مكانها وهو يهمس : تشكين من شي ؟
نبرةُ الحنيَّة في صوته تشطُرها تمامًا : لا
سلطان ألتفت بكامل جسدِه عليها : ما أفطرتِي ؟
الجوهرة لم تعد تفهمه أبدًا، نظراته قبل قليل كان توحي لشيء وكلماته الآن توحي بشيءٍ آخر، تنظرُ لصحنها دُون أن تضع عينها بعينِه : ما أشتهيت
مرَّت حصَة من عندهم لتتجه لغرفتها بعدما رأتهما يتحدثَان معًا، تحاول أن تفتعل الإنشغال فقط لتُحضِّر لهم الأوقات التي يختلُون بها مع بعضهم البعض، سلطان يستحق والجوهرة أيضًا تستحق، أشعرُ بانه أبنِي وأشعر أيضًا بأن الجوهرة إبنتي، لا أحد يُسعدني غيرهما في وقتٍ هجرتني به إبنةُ بطني.
سلطان يُثبت أنظاره على إرتعاشِ شفتيْها، يتأملُ ملابسها التي تبدُو وكأنها مُتجمدة رُغم الجو الحار بنظره : ليه لابسة كذا ؟
الجوهرة : بردانة
سلطان : بس ؟
الجوهرة تفهم ما يُريد أن يصِل إليْه : إيه
سلطان دفع كُرسيه للخلف ليتركها، بلعت ريقها تخشى أن تنهار ببكائها، أريد أن أفهم هو يخافُ عليّ ام يُشفق أم يحاول أن يسأل بـ روتينٍ مُعتاد؟ تنهَّدت لتقف مُتجهة للمغاسِل المُطلة على الصالة والخاصة للضيوف بينما تنتهي بحمامٍ في الزاويـة، نظرت إليْه وهو يتوضأ، أخذت نفسًا عميقًا وهي تُغسل يديْها، رُغم أنه ليس وقت صلاة ولكن تُلاحظ وضوءه المتكرر في كل مرة يدخل بها الحمام. أذكر عمي عبدالرحمن كان يتوضأ ايضًا في كل مرة يدخل بها الحمام أو يمُر ناحية المغاسل.
سحب بُضع مناديل ليمسح ذراعيْه المُبللة ووجهه، ينظرُ إليْها ويُطيل النظر، مسكَت نفسها ولكن معدتُها تهيجُ عليها اليوم لتنحني مرةً أخرى وتتقيأ، أقترب منها وهو يضع يدِه خلف ظهرها : وش صاير لك اليوم ؟
الجُوهرة بدأت تسترجعُ ذاكرتها، كانت تتقيأُ كثيرًا كُلما أقترب تُركي منها ولكن لا مقارنة بين تركي وسلطان.
الجوهرة التي تعرفُ سبب تقيؤها، إهمالها لتغذيتها تجعلُ معدتها تثُور في اليوم مئة مرَّة : سوء تغذية وبس!!
سلطان يسحبُ لها المناديل دُون أن يمده لها، هو بنفسه من قام بمسح ملامحها، وضعت يدها عليه محاولةً إبعاده ولم تتوقع أن تتورط به، بلعت ريقها الجاف بعد أن أرتجفت أصابعها بلمستِه، سحبت كفَّها لتتدافع دموعها عند حافة محاجرها.
سلطان يرمي المناديل في الحاوية الصغيرة ليتكأ على المغسلة بمُقابلها : إذا تعبانة من شي قولي
الجُوهرة بتشتيت نظراتها وصوتُها المبحوح يُؤلمها، وضعت يدها على بطنها الذي يتقلص ويتمدد بوَجَع : قلت ولا شي ..
كلمتُها الأخيرة التي أتت مُرتجفة كانت كفيلة بأن تُسقط دمعها الذي كابرت به كثيرًا.
سلطان تنهَّد وبصيغة حادة : ليه تبكين ؟
الجوهرة أبتعدت بخطواته لتتجه ناحية الدرج ولكن وقف أمامها بغضب : أنا ما أسأل جدار! لو منتِ تعبانة كان علمتِك كيف تديرين ظهرك وتروحين
هذا التوبيخ يزيدُ من بكائها، أردفت ببحة : طيب أنت قلتها! تعبانة وأعصابي بعد تعبانة .. ولا حتى بالبكي بتحاسبني
سلطان : ما حاسبتك! أنا سألتك
الجوهرة ببحتها الموجعة : وأنا جاوبتك .. قلت لك تعبانة ... ممكن أصعد فوق ؟
سلطان أبتعد عن طريقها بهدُوء دون أن ينطق بكلمة.

،

يوقِّع على بعض الأوراق الخاصَة بعمله الشخصي، ينظرُ للساعة يترقبُ بشوق موعدٍ مع صوته الذِي يُحب ويشتاق له، هو الحياة في كل شيء، هو الوطن حين أحتاج للإنتماء، جهَّز نفسه لموضوع الملكة، يُفكِر بطلب رؤيتها ولكنه منحرج من اشقائِها، وصفُ والدته لا بأس به ولكن أشعرُ بمبالغتها، أحتاج أن أراها. سمَع صوت ريف ليتجه نحو الصالة العلويَة : يسعدلي مساك
والدته : ومساك يارب ، فصول حبيبي وش رايك تنام وتريِّح عينك عشان يكون وجهك منور بكرا
ضحك ليُردف : ليه وجهي مبيِّن تعبان ؟
والدته : مررة يا بعد قلبي
أبتسم : يمه عادِي أطلب شوفتها ؟
والدته : إيه عادِي وش فيها من حقك
فيصَل : بس مستحي من يوسف ومنصور .. مدري أحس صعب الموضوع
والدته : لآ تستحي ولا شي .. قل لهم بشوفها ولا خل عمك ضاري يجيب لك راسهم
فيصَل أتسعت إبتسامته لحضُور إسم عمه الذِي دائِمًا " يجيب العيد " : تبيني أنفضح
والدته : لا تنفضح ولا شي .. قوله وبيضبط
فيصل : طيب يمه في حال ما عجبتني وش أسوي ؟
والدته بسخرية : سو نفسك ميِّت
قبل أن يُعلق عليها أندفعت بكلماته : بتعجبك ونص .. لا تفشلنا مع أهلها ، البنت كاملة والكامل الله
فيصل : يمه أنتِ عندك كل بنات الرياض كاملين
والدته : حرام عليك ما عُمري مدحت لك وحدة .. و هيفاء تهبِّل ماشاء الله تبارك الرحمن .. ثقل ورزانة وسنع وعقل .. وش تبي أكثر ؟
فيصل : خوفي أنصدم فيها
والدته : منت مصدم أقولك البنت تهبِّل .. وعليها رقص ماشاء الله عيني عليها باردة
فيصل : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه وأنا أبيها ترقص!! أنا أبي وحدة تكون ..
قاطعته : تكون ذكية وتهتم في شغلك وتحاول تساعدك ويكون عقلها متفتح ومتعلمة .. كل هالمواصفات في إنسانة وحدة إسمها هيفـــــــــــــاء *مدَّت بإسمها حتى تضع له حدًا في تردده*
فيصل : يمه والله خايف يكون ذوقك شين لأني مقد جربته
والدته : يا قليل الخاتمة أقولك البنت قمر تهبل ماشاء الله! وأنت شايف أخوانها مزايين يعني ماراح تطلع غير عنهم
فيصل : يا كثر البنات الشيون وأخوانهم مزايين .. ماهي قاعدة ذي
والدته : الحين تبي الجمال ولا لأ ؟
فيصل : أبي شخصية بالمقام الأول وشكل يفتح النفس بالمقام الثاني
والدته : شكل يفتح النفس فهذا الشي منتهين منه والله لا تخلي نهارك ليل وليلك نهار من تأملك فيها
فيصل أتسعت محاجره بدهشة من وصف أمه التي تُشعره بأنها ملاكًا على الأرض : هههههههههههههههههههههههههههههههههههه والله يا يمه تراك بتؤثمين إذا كنتِ تبالغين
والدته : رجعنا لموضوعنا القديم! أقولك البنت قمر يا ولدي ليه ما تصدقني .. قلت لك تشبه يوسف وأنت شايف يوسف ماشاء الله تبارك الرحمن زينه محدن يختلف عليه .. وفيها شبه من منصور بعد .. البنت مزيونة
فيصل : مقياس الجمال يختلف ممكن أنتِ تشوفينها مزيونة لكن أنا ما أشوفها شي
والدته : فيصل دبلت كبدِي أقولك كذا تقولي كذا !! تعبتني .. هيفاء تناسبك خذها مني وتوكل على الله

،


يوقِّع على بعض الأوراق التي تدرج تحت إسم " مركز إعادة التأهيل في ولاية يوتا – أمريكا – " ، ليجلس بالقُرب منه، يُبلغه الخبر الأسوأ على الإطلاق ولا طاقة له للرفض، بصوتٍ يشتدُ إتزانًا : هناك بتلقى واحد سعودي وبيساعدك،
صمَت قليلاً ليُكمل : ماراح أعتذر لك يا تركي على اللي أسويه لك الحين، عشت طول عمرك حر تطلع متى ماتبي وتدخل ماتبي ، ما حاسبتك على شي .. ولا شيء حاسبتك عليه ولا رفضت لك طلب، لكن الحين منت حرّ .. بتجلس في المصحة هناك لين ترجع تركي اللي نعرفه ذيك الساعة أبعد وكوِّن حياتك بعيد عنَّا ..... تعرف شي؟ أني متسامح كثير والغلط يتصلح ونغفره لك .. لكن الخيانة يا تركي صعبة! تخوني في بنتي هذي اللي مقدر أسامحك عليها ...... روح واجه الحياة بروحك .. حسّ بالنعمة اللي كنت فيها، هذا إذا قدرت تواجه الحياة .. هذا إذا قدرت تنام وأنت مرتاح الضمير .... يا هي قوية يا تركي كيف قدرت تنام طول هالسنين وكيف قدرت تطالعني وتحط عينك في عيني وأنت تغدرني في اليوم مليون مرررة ... *أردف كلماته الأخيرة بضغطِه الشديد على أسنانه وكأنه سيقتله الآن بنظراته* ...... بس لو أعرف كيف ... ضرب بكفِّه على الطاولة بغضب ليقف : الله لا يسامحك .. الله لا يسامحك ........... وخرج بخطواتٍ تحشرُ أصابعها بحُزنٍ عميق.
وضع يداه على أذنيه وملامِحه يتدفقُ منها الحزن/البكاء، تم الحُكم عليه بسجن جسدِه في مصحَةٍ لا يعرفُ عنها شيء سوَى أنها ستُحاصره وتمنعه من العيش، كان يجب أن نُفكر قبل أن نرتكب أخطائنا بعواقبِ ما نفعل.

،

تتراجع خطوتيْن للخلف لينجذب سمعُها لكلماتِه الخافتة اللاذعة و الساخرة، بلعت ريقها بصعُوبَة ما تسمَع.
بضحكَة : أنتظرها تولد آخذ ولدِي وأطيِّرها لأهلها
هيفاء : هههههههههههههههههههههههههههههههه تذكرت جدِّي الله يرحمه .. ماشاء الله عليه ما خلاّ وحدة من القبيلة الا ما تزوَّجها .. كثَّر نسله على الفاضي أستغفر الله
يوسف يصخبُ بضحكتِه : هذي حوبة حريمه كلهم ماتوا صغار ... لا يجي الحين أبوي ويعطيك محاضرة في إحترام الأموات
هيفاء : فديت طارِي جدي الله يرحمه ويغفر له
يوسف: آمين
أخذت نفسًا عميقًا لتدخل : السلام عليكم
: وعليكم السلام
يُوسف بإبتسامة : زين نزلتي .. تعالي
بهدُوء جلست بجانبه دُون أن تنطق كلمَة أو حرف،
هيفاء نظرت لجوِّها المشحون لتنسحب بهدُوء وتتركهم ، ألتفت عليها : وش فيك ؟
مُهرة دُون أن تنظر إليه لفظت بغضب : تعرف تستغل الظروف لصالحك
يُوسف رفع حاجبه : أيّ ظروف ؟
مُهرة بحدة ألتفتت عليه و لا يفصلُ بينهما سوَى بعضُ الهواء العابر : تتفاخر عند أختك بكل شيء سخيف تسويه بحقي !!
يُوسف عقد حاجبيْه : وش اللي تفاخرت فيه ؟
مُهرة بقهر تنظرُ له : لا تحاول تستغفلني!! أنا بنفسي سمعت .. كذِّب أذني بعد!
يوسف : وش سمعتِ ؟ فهميني عشان أعرف وش الخرابيط اللي تقولينها
مُهرة وقفت ولكن يد يوسف شدًّ على معصمها حتى لوَى كفَّها وبغضب : ماني أصغر عيالك!! أنتبهي لكلامك معي
سحبت كفَّها وهي تُدافع عن الغصات الي تتراكم في جوفها : أنا بطير لأهلي قبل لا تطيِّرني
تنهَّد بعد أن فهَم ما سمِعت : غبية!! حتى المزح تآخذينه بجد ..
وبعصبية أردف : الله والنفسية الزبالة يوم تآخذين المزح كذا !!
مُهرة بمثل عصبيته : ولا أنا أصغر عيالك عشان تكلمني بهالطريقة!! وش المزح في الموضوع !!!!! ولا هالكلام فيه مزح بعد
يوسف : روحي أسألي هيفا عن وش كنا نتكلم! بس أنتِ تنهبلين لو جاء يوم و ما نكدتِّي عليّ فيه ... وتركها خارجًا.

،

تجاهل كلماتِهم وتوصياتِهم، عقلُه لا يسيطر عليه إلا فكرة واحِدة، فِكرة " غادة " فقط، يسيرُ متجهًا لشقتِه بعد أن دخل منطقتهم الصاخبة، نظَر لغُرفته الشديدة الترتيب ، وضعَ حقيبته على الأرض ونزع قميصه المُتسِخ بقطراتِ الدماء، أرتدى على عجل وهو يسابق عقربُ الثواني، أخذ معطفه وخرج ليتصل على الرقم الذِي أعطاهُ إياه فيصل : السلام عليكم
وليد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ناصر : وليد ؟


،

السادسَة التي تمرُ على سماء باريس كتوقيتٍ للعصر، تنهَّد بعُمق وهو يشعرُ بأنَّ نبضاته تقترب للنفاذ، هزّ قدمِه اليمنى كثيرًا لا يستطيع أن يُخفي توتره وترقُبه لمجيئه.
محمد الذِي ألتقط حضُوره على بُعدِ أمتار، همس : جا .. خلك ثقيل ولا ترتبك
وقف فارس معَه ليبتسم عبدالرحمن مُسلمًا عليهُما.
محمد : بشِّرنا عن حالك عساه تمام ؟
عبدالرحمن : الحمدلله بخير
محمد : معك محمد إبراهيم وولدي مشعل
عبدالرحمن : والنعم والله..
أقترب النادِل الفرنسِي ليُضيِّفهُما بالقهوة العربيَة في صالة الفُندق المخصصة لكبار الشخصيات.
محمد : ماعليك زود،
صمت قليلاً حتى أكمل : مالي في المقدمات يا بو سعود ، إحنا جايينك وطامعين بالقُرب، نبي بنتك الكبيرة لولدنا مشعل

،

وقفْ بعد أن أتزن بمشيْه، يشعرُ ببعض الألم في قدمِه اليمنى ولكن تحامل وهو يرتدِي لبسه الذي أتت به أثير صباحًا، لآيعرف كيف يُراضيها الآن! أو كيف يشرحُ بها، لا يُحبذ أبدًا ضيقها أو حتى زعلها، أقترب من المرآة نظر لرأسه المُغطى بالشاش والجرحُ الذِي يعتلي حاجبه، أخذ نفسًا عميقًا ليرتدِي جاكيته وصدره مازال يؤلمه في كل حركة. يعرفُ أنها ستخرج غدًا لذلك بخطواتٍ خافتة أتجه إليْها قبل أن ينتبه له أحدًا.


.
.

أنتهى ، نلتقِي إن شاء الله يوم الإثنين. ()
بس أحب أقولكم شيء صغير :$، ترى القفلات ماهي للتشويق بس، أنا أحيانًا أحتاج لقفلة عشان أمخمخ على الموقف اللي بعده صح، لأن بعض المواقف تحتاج تكون بداية بارت لوحدها، فاهمين علي :$(())
غير كِذا هذا البارت بصراحَة كان بيكون أطول من كذا رُغم أنه للمعلومية طويل وعدد صفحاته بالوورد 23 ، لكن لحاجة في نفسِي قسَّمته.

.
.


إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 26-11-12, 08:36 PM   المشاركة رقم: 59
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


المدخَل للـ الأخطل الصغير.
عِشْ أَنْتَ إِنِّى مِتُ بَعْدَكْ
وَأَطِلْ إِلَى مَا شِئْتَ صَدَّكْ
كَانَتْ بَقَايَا لِلغَرَامِ
بِمُهْجَتِى فَخَتَمْتُ بَعْدَكْ
*
أَنْقَى مِن الفَجْرِ الضَّحُوْكِ
وَقَدْ أَعَرْتَ الفَجْرَ خَدَّكْ
وَأَرَقُ مِنْ طَبْعِ النَّسِيْمِ
فَهَلْ خَلَعْتَ عَلَيْهِ بُرْدَكْ
واَلَذُّ مِنْ كَأْسِ النَّدِيْم
وَقَدْ أَبَحْتَ الكَأْسَ شَهْدَكْ

*
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ عَدَلْتَ
أَمَا رَأَتْ عَيْنَاكَ قَدَّكْ
وَجَعَلْتَ مِنْ جَفْنَيَّ مُتَّكَأً
وَمِنْ عَيْنَيَّ مَهْدَكْ


روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 59 )



قلت لكم عن مفاجئة يوم الإثنين : ( بس ماش فيه أحد داعي علينا :P على العموم إن شاء الله الخميس أحاول اضبط الوضع وأقولكم، بالنسبة لتعليقاتكم كان ودِّي أعلق عليها بس ما أمداني لكن برِّد على شيء، اللي يقولون الجوهرة حامل : ( ليه دايم الغثيان والدوخة مرتبطة بالحمل : ( طيب والله فيه مليون شي يخلينا ندوخ *فيس متعقد* ، يعني وش هالسرعة اللي بتحمل فيها. وأحب أقولكم يوم الإثنين دايم البارتات تكون بليل يعني حرام تنتظرون من العصر لأن ببساطة أنا أرجع من الدوام العصر فأكيد بآخذ وقتي، غير كذا، أنتم تعرفون أننا دخلنا بالقسم الأخير من الرواية والله يتممها على خير إن شاء الله يعني ممكن نآخذ وقت في هالقسم يتعدى الـ 15 بارت إذا ما وصلنا العشرين ، فأتمنى جد أنكم توقفون معاي زي ماعودتوني بدعمكم في هالقسم الأخير و إن شاء الله أني ماراح أخيِّب الظن. ( )


أخذ نفسًا عميقًا ليرتدِي جاكيته وصدره مازال يؤلمه في كل حركة. يعرفُ أنها ستخرج غدًا لذلك بخطواتٍ خافتة أتجه إليْها قبل أن ينتبه له أحدًا بوقتٍ محضُور من الزيارات، فتح الباب بهدُوء ليطل برأسه عليها، كانت مستيقظة تنظرُ للشباك ودمُوع السماء التي تتساقط عليه ، كانت في أوَّجِ سرحانها وغيابُ الوعي عن واقعها، أفكارها المُزخرفَة بأسماء الكثير والكثير، وتنتهي بك يا عزيز! تنتهِي بعينيْك الداكنتيْن ولمعةُ الوحشة بها، كانت مُكابرتِي فخ! كان تجاهلِي لك كذبة! صدقتها ولم تخطُو خطوةٍ لإدانة هذه المسافات المُزيَّفة، كُنت أنتظرك، أنتظرُ إعتذارك، أن تقُول " مللنا المكابرة تعالي نبني في هالبلد حُبنا " ، تبتزُ قلبي يا عزيز بكلِ أوجاع الدُنيا، أُريدك! أنت تعلم جيدًا أنني أريدك ولكن تعلمُ أكثر أنني قادرة على العيش بعُزلة ولا أعيشُ مع الذل حتى لو كان على حساب قلبي! لا تبتز هذه القناعات وتجعلنِي أطلبُ الطلاق بلذاعةٍ تخضعُ لها، لا أُريد والله وأنت تعلم كم أُحبك، كم أشتاقُ لك، كم أحزن منك وكم أخافُ عليك ، تعلم يا عزيز أنني أُجَّن بعشقي لك.
أقتربت خطواته لتلتفت إليْه، كانت عينيْها السمراوتيْن مُتلألأة بالدمع المُكابر مثل قلبها. جلس على طرفِ السرير بجوارِها : تبكين ؟
رتيل بقوَّة تضجرُ منها حواسَّها : لأ
عبدالعزيز : عيونك تقول شي ثاني
رتيل تنهَّدت لتمسح دمعٌ لم يسقط بعد، ضغطت على عينيْها لتفتحها بهدُوء : والحين وش تقول ؟
عبدالعزيز بإبتسامة خافتة : تقول حنِّيت
رتيل توترَّت من عُريْ حزنها وبمثل خفوته : لمين ؟
عبدالعزيز هز كتفيْه باللامعرفة : أنا أسألك مين ؟
رتيل لوَت شفتِها السُفليَة وهي تُصارع جيُوش الحزن في قلبها، نظراتها تلتصقُ بعينه : بتطلع ؟
عبدالعزيز صمت لثوانِي كثيفة مشتتًا نظراته على كفِّها، رفع عينه : ايه
رتيل بلعت ريقها : بحفظ الرحمن
عبدالعزيز : بس ؟
رتيل شدَّت على شفتيْها، يُريد أن يبكيها بكُل الدوافع التي تعرفها ولا تعرفها أيضًا، هزت رأسها بالإيجاب ولو نطقت حرف ستغرق ببكائها والجوُ الماطر يستنزفُ دمعها.
عبدالعزيز يقف ليقترب منها، أنحنى لتُغمض عينيْها بخفُوت، قبَّل ما بين حاجبيْها، هذا المكان الذِي مازال أثرُ الجرح به، الجرحُ الذِي يجهله ولا يعرفُ عنه شيء سوَى أنها سقطت عليه ولا يدرِي بأن خبر زواجها منه كان سببًا للندبَة المالحة. أشعرُ بالإنتماء لهذه الجهة المقدسة، تحديدًا ما بين حاجبيْك، أشعرُ بأنها ليْ وحدِي ولا تخصُ غيري، عاد بخطواتِه للخلف، نظر إليْها لثوانِي أرعشت قلبُ رتيل، خرَج وبمُجرد خروجه سالت دمعتها المحبُوسة في محجرها، سحبت أقدامها لتلتوي على نفسِها وتضع جبهتها على ركبتيْها، حزينَـة وغارقة ولا أُريد شيئًا إلا أن تسهر معي هذه الليلة وتُجالسني، كان صعبًا أن أطلب منك.

،

متوتِر، يشعرُ بأن قلبه سيقتلعُ من مكانه أو رُبما ضخُّ الدم سيغيَّر مساره بمُجرد ما ينظرُ إليْه عبدالرحمن، 29 سنَـة مضت من عُمره لم يراه بها أحدٌ من معارفِ والده طبيعي جدًا أن لا يعرفه وطبيعي أكثر أن يندهش الجميع إن سمعوا أنَّ لرائِد إبن.
صمت قليلاً حتى أكمل : مالي في المقدمات يا بو سعود ، إحنا جايينك وطامعين بالقُرب، نبي بنتك الكبيرة لولدنا مشعل
عبدالرحمن بإبتسامة لم يُخفي تفاجئه : وألف نعم فيكم
محمد : الله ينعم بحالك، و مشعل الحمدلله معه دكتوراه علوم سياسية من جامعة بريستول ومستقر في لندن وكوَّن نفسه بنفسه مو ناقصه إلا بنت الحلال و ماراح نلقى أحسن من بنتك له
عبدالرحمن بإعجاب لهذا الصامت أمامه ، يبدُو من النظرة الأولى أنه خجُول : ماشاء الله تبارك الرحمن، وإحنا يا بو مشعل نشتري الرجَّال بأخلاقه .. بالنسبة ليْ يبقى رآي البنت هو الأول والأخير ... والله يكتب اللي فيه الخير
محمد : تآخذ راحتها بالتفكير لكن ودِّي أقولك أنه مشعل ناوي يستقر في لندن عشان شغله إن كان مافيه مانع ..
عبدالرحمن أخذ نفس عميقًا، هذا الأمر يجعله يغرق بتفكيره كثيرًا وليس من السهولة أن يضع إبنته في خانةٍ تجاور شخصٍ يجهلُ عائلته ولم يسمع بها من قبل : مثل ما قلت لك يبقى رآيها الأول والأخير ... ما سمعنا صوتك يا مشعل ؟
فارس بلع رجفةُ حنجرته وبنبرةٍ مُتزنة مُبتسمة : أنا تحت أمرك
عبدالرحمن بإبتسامة صافية : الله يزيدك من فضله، كم صار لك هنا ؟
فارس : بلندن من فترة دراستي وهالفترة بباريس عشان أبوي .. الوالد يشتغل في البنك الإسلامي
محمد : وطبعًا جبته بس عشان نخطب له بنتك الله يحفظها
عبدالرحمن بنظرة مُدققة لفارس : و أنت يا مشعل ماشاء الله دكتور وتخصص مرغوب! ليه ما فكرت بالزواج من زمان ؟
فارس شعَر بالورطة الحقيقة، أردف بإتزان : كنت مشغول بدراستي وبعدها كوَّنت لي تجارتي الصغيرة بلندن فما كان عندِي الوقت الكافِي أني أفكر بالإستقرار، وهالفترة حسيت بحاجتي للزوجة اللي تكملني وأكمِّلها
عبدالرحمن رفع حاجبِه حتى يستشفِ شخصيته من أسئلته : و حاط في بالك مواصفات معيَّنة ؟
فارس بثقة : أهم شيء تكون متعلمة وقايمة في نفسها وأظن عبير في هالصفات
محمد دعسَ على قدمِه من أنَّ " عيدًا " سيأتِ مُبكرًا من كلمات فارس.
عبدالرحمن أبتسم : عبير!! واضح أنك مآخذ فكرة كاملة عنها
فارس دُون أن يرتبك، أردف بإتزانٍ كبير : إلا الزواج ما ينبني على أراء الغير، لازم شي محسوس ويكون عن إقتناع
عبدالرحمن : و وش الشي المحسوس اللي خذيته عن عبير ؟
فارس صمَت لثوانِي مُرتبكَة حتى أردف بمحاولة تخفيف حرارة جسدِه التي بدأت تفور : خذينا السي في الكامل عن بنتك طال عُمرك
ضحك عبدالرحمن ليُردف : وأنا طمعان أقرأ السي في !
فارس بإبتسامة وديَّة : السي في الله يسلمك يقول أظفُر بذات الدين لكن الطمع خلاني أقول أظفر بذات الدين والجمال والحسب و هذا التعريفْ ما يرادفه باللغة إلا بنتك
أبتسم عبدالرحمن حتى بانت أسنانُه وهو ينظرُ إليْه بإعجاب كبير : ماعليك زود يا مشعل

،

تضع آخرُ أغراضها في الحقيبَة، بعد عدةِ أيام سيكُون حفل ختام الدورة والتدريب الذِي أستغرق أكثر من ثلاثِة شهور، شعرت بالإنجاز بأنها حققت هذه الدورة بمستوى عالٍ، ستفتقد الأجواء الفرنسيَة، والإستيقاظ على رائِحة الخُبز والمكرون، تحتاج أن تسيرُ وتركض إلى مالانهاية في طُرقِ "كَان" حتى تستغلُ كل ثانيَة بهذه الأجواء الماطرة وضحكاتِ السماء وتوهِجها.
خرجَت من شقتها وهي تلفُ الوشاح حول رقبتها، مرّ على بالها إتصال منيرة ليتعرج جبينها، تنهَّدت لا تُريد التفكير بها أو بكلماتها.
نظرت له بدهشَة : إستاذ نواف!!
نواف الذي كان سيدخل إلى العمارة : أهلا ... نفض قميصه المُبتَّل.
افنان تتشابك كفوفها بربكة : هلابك
نواف : شفتك ما جيتي اليوم قلت أجي وأتطمن من باب الزمالة *أردف كلمته الأخيرة بسخريَة يُحرج بها ملامح أفنان بعد كذبتها*
أفنان : خلصت شغلي أمس وماكان عندِي شي اليوم
نواف أخذ نفس عميق : دام كِذا تآمرين على شي ؟
أفنان بإندفاع عفوِي لم تقصد به شيء: ليه ؟
نواف رفع حاجبه بدهشَة لتلتقط أفنان حُمرة وجنتيْها، أكملت قبل أن يُعلق : أقصد يعني .. بحفظ الرحمن ...
شتت نظراتها وهي تنزل آخر عتبات الدرج مُتجهة للخارج.
نواف من خلفها : أفنان
ألتفتت عليه ، أقترب منها والأمطار تُبللهما : ودي أقولك شي
أفنان : تفضَل
نواف : يعني .. آسف على اني أحرجتك بسالفة الأوراق .. ماكان قصدِي أفتش بملفك وأشوف بياناتك
أفنان تُقاطعه : لا عادِي حصَل خير و .. أصلا نسيت الموضوع
نواف بإبتسامة : أشوفك على خير
أفنان أكتفت بإبتسامة خافتَة وأنسحبت بهدُوء للسير على الرصيف بطريق يُعاكس طريقه، شعَرت أن نبضاتها ستخرج من مكانها بمُجرد أن صوته مرّ عليه، " وش فيني أنا !! " مُجرد إعجاب عابر وسيمُر أنا أثق بميُولي وقلبي، دائِمًا ما تبتسم عاطفتِي ودائِمًا ما تنسى. ونواف إحداهم.

،

وليد خمَّن من صاحب هذا الصوت ليُردف : إيه معاك وليد
ناصر أخذ نفسًا عميقًا : أنا ناصر، أتوقع فيصل خبرك عني
وليد صمت لثواني طويلة ليُردف : إيه .. وصلت باريس ؟ *سأله وهو متأكد أنه وصَل من الرقم الفرنسي الذي ظهر على شاشته*
ناصر : إيه
وليد : طيب .. هي الحين في شقتها ... راح أرسلك العنوان
ناصر بصوتٍ ينخفض تدريجيًا : أنتظرك
وليد : مع السلامة .. وأغلقه. كتب له رسالة نصيَة وقلبُه ينبض في كل حرف وكل كلمة ويضيق أكثر بالنقطة التي تُنهي السطر، كُنت أخشى النهايَة، يُرعبني جدًا الكوبليه الأخير، ليت الساعة تتنازلُ عن مبادِئها وتُخفف من سُرعتها، أحتاج أن يتلاشى ناصِر ولا أراه، أحتاج ذلك بشدَّة وأنا أعرفُ عن المستحيلات في هذا العالم. يا فجوة الحُزن التي نمَت بيْ.
دقائِق وهو يسيرُ على الرصيف، حتى أضاء هاتفه بالرسالة، قرأ لتتوهجُ عيناه المُحمرتيْن، قريب جدًا منها، عاد بخطواته ليعكس خط السير مُتجهًا للجهة الأخرى، يعدُ الخطوات ولولا العابرين لركَض بشدَّة نحوها، أدخل يديْه الباردة في جيُوبه وملامحه شاحبَة بعد ان فقد دماءه إثر نزيفه الباكي، يشعُر بأن قلبه سيتوقف عن النبض، لا يعرف كيف سيراها بعد كل هذه الفترة! شيء من المستحيل يحدُث الآن أمامه، ينظرُ للعمارة ليدخلها بعد أن بلله المطر، أتجه نحو المصعد و ضغط على الدور الرابع، ثواني وأقلُ من أجزائها ليسير بإتجاه غُرفتها، أوَّدُ لو أنني أصرخ لمن حولِي وأنادي عليْك.
و بأجزاءِ الثواني كانت تُخطط للخروج، فتحت الباب لتنتبه أنها نسَت هاتفها، تركت الباب المفتوح طرفه لتعُود لغرفتها وتبحث عن هاتفها.
وقف عند الباب المفتوح، و تُفاحة آدم التي تُزيِّن عنقه تتحشرجُ ترتفع قليلاً وتهبط كثيرًا، دفع الباب بخفُوت لينظُر للصالة الخاليَة، ألتفت لطاولة المطبخ التي عليها جاكيتها، أقترب منه ليُلملم بين كفيّه ويُقربه من أنفه، هذه غادة!! ، كتم نفسه برائحتها و قبائلٌ بقلبه تتساقط حُزنًا، سمَع خطواتِها الخفيفة، ألتفت ليراها عند أحدِ الرفوف القريبة من النافذة، لا يرىَ سوى ظهرها، أطال نظرَه حتى خشيَ أن يسقُط من الحشُود التي تُصيب قلبه بمُجرد ما إن رآها، ترفع شعرها الأسود بيديْها جانبًا بعد أن أزعجها وهي تحاول البحث عن هاتفها، تأفأفت ليبلع ريقه الواقفُ بكامل إتزانه أمام جسدِها المُصيبة، هذه " الأفأفة " لا تمرُ إلا من نبرتها، هذا الليلُ البارد هوَ شعرَها، هذه البيضاء الشهيَّة هي مُرادف لشخصٍ واحد، هي غادة ولا غيرُ الغادة من تستعمرُ البياض في كفيَّها و عرقُها النابض خلف رقبتها، ثبِّت يقيننا يالله ما عاد بأجسادِنا قوَّة تتحملُ مجرَّة بأكملها تلتوِي حول جسدِ أنثى، ترك الجاكيت على الكُرسي ليقترب بخُطى لاصوت لها، اللهم أنَّ هذه الأنثى تُزيد إيمانِي بك وبقُدرتك، هذه الأنثى التي لا أعرفُ ممن خُلقت، هل خلقت من ماءٍ وتُراب أم خُلقت من حباتِ التُوت ؟ هل خُلقت من طِين أم خُلقت من ماءٍ شفاف يُشبه شفافيه عينيْها. على بالِي أن تتلبسنَا السماء ولا تجرحنا الأرضِ بتقاطعاتِ طرقها، على بالِي " أحبك من جديد ".
ألتفتت لتتجمدُ عيناها عليه، ألتصق ظهرها بالنافذة بعد أن أطلقت شهقَة خافتة مُرتعبة، بعد الفترة التي شعَرت بأنها سنين وسنين منذُ 2007، مازال هذا الأسمرُ الذِي أتسابق من أجله إلى النافذة حتى أراه واقفًا مع عبدالعزيز، مازالت هذه العينيْن اللذيذة التي تُشبِه جدائِلُ ليلٍ دافىء، هو ذاتُه ناصِر فارسُ أحلام الصِبَى، أوسمُ رجال الكون بعيني، أجملُ الرجال على الإطلاق بعينِ هذا الكون، أنفُه الشاهق وعوارِضُه الخفيفَة التي تتزيَّن بسكوكة، هذا هو ناصِر لم يتغيَّر سوَى أنه أزدادْ عِرضًا ووسامةٌ، وسامةُ الناضجين التي تقتلُ تمايل النساء من حوله، تقتلهن حتى يسقطن موبوءات به، أبناءُ الثلاثينات لا يعرفون أنهم يُصيبوا الفتيات بنظراتهم، ولن يعرفُوا أبدًا معنى أن تكُن ثلاثينيًا أسمر، معنى أن ترى الوسامةُ تنضج أمامك.
كان ينتظرها، ينتظرُ أن تركض لأحضانِه ولكن نظراتها كانت أكبرُ جرحٍ تلقاه في حياته، كانت نظرات تتعرفُ عليه فقط، يا عذابُ عيني وصدرِي الذي يشتهيك، يا عذابُه وأنتِ بعيدة. هل تأتين أم أأتِ ؟ أنا الذِي أمُوت بك في الحياة مئة مرَّة وأعيشُ على صوتِك، هل تقتليني بموتٍ جديد أم أنا الميتُ على كل حال ما ضرَّني أن أحفر قبري!
همست ببحةِ السماء الماطرة وعينيها تتدافعُ بها الدمُوع : ناصر!!!
توسَّل إليْها بعينيْه المُشتاقة، و ذليل العاشقين عزيز يا غادة. يشعرُ ركبتيْه تخونه وهو يحاول أن يُصدِّق بأنه يراها، هذه هيَ، بلع غصَّةُ الحنين الذي مضَى، " لِك في حشرجَة الصُوت حُب ما أندثَر، خلنَا نبني فيه من هالصحرآ بلد ، لِك في وسِط هالقلب من الحنين سمَاء تستحضِر كل ما مرَّها صوتِك ، خلنَا نلملم كفوفنا ونجمِّع بكي السمَا، خلنَا نغتسِل من مواجعنا ونبتسم لأجل حُبنا، يا جنُونِي ، لِك مقطع قصِيدة ما تمُوت لو مرضت، لو رحلتِ يجيني طارِيك عسَّاس لأجِل يثُور الحنين ويبكيك "
هذا إسمِي " ناصِر " الذي نسيتهُ بين شفتيْك في يومنا الأخير، هذا إسمي الذي أشعرُ بفخره وهو يمرُ على لسانك، هذا إسمِي الذي أناديه ولا أسمع صداه بعد أن خطفتِ الصدى وكل شيء بعينيْك، هذا الصدى استرده الآن.
لم تقوَى، تشعرُ بقلبها الذِي يركضُ إليه ويصطدمُ بصدرها بشدَّة لا طاقة لها بها، جلست على ركبتيْها وهي تنظرُ لجمُودِه أمامها، أخفضت رأسها ليُدثِّرها شَعرها وتتساقطُ دموعها المالحة.
عاد خطوةٌ للخلف، هذا البُكاء المالح أعرفه، أعرفُ كيف العينيْن تتلألأ كـ ليلٍ يغيبُ به القمر وتُرثيه النجوم ! " يا غايبة عنِّي، ردّيني ويَاك، لِك في نبرةِ الصدر موَّال حزين، رجعِّيه معاك يا غادة "
وضع يديْه على رأسه وأنظاره على الأرض، هذه حقيقَة، هذا الألمُ بعينِه يواجهه، " تعالِي " أنقذِي حياتي من الحياة دُونك، أرتفع ضغطُ دمِّه الذِي يتفجرُّ بحُمرةِ جسده المريض بها، نزف أنفُه للمرة الثانية، يا حُزنِي كيف لأمرِ عودتك يُلخبط هذه الدُنيا ويجعل كل شيء .. كل شيء بلا إستثناء يبكِي .. مطرًا ودمًا. أرفقِي بيْ! وأنا أعترفُ بقدرِ الدماء التي تفُور على غيابك ، أعترفُ بلهجةِ نجد التي جفَت مثل ما جفوتِ ، أعترفُ بنبرتِك وأنتِ تُرددين البيت الشعري الذي تُفضلينه " فينيّ بـدو مـاتـوا ظمـا لـ المواصيـل وَ وجيههـم من لاهـب الشـوق سمرَا "، من لاهِب الشوق سمرَا يا عين ناصر، قلبهُ يبتهِّل وعيناه تحكِي، أعيانِي الوقوف ردِّيني بخُطاك، أروِي عطش فقيرٍ يا غادة، أرويني يا غنيَّة وعيُونك على غناك ترفع السبابة، يا كاملة الزين وش بقى من الزين ما أستحلتَه ملامحك، يا كاملة الوصف سقطت الأوصاف من بعدِك، أنا الذِي لا أعرفُ من الأوصافِ غيرك ولا أعرفُ كيف أصف إلا بـ " جميل جدًا يُشبه غادة ".
أختنقت، هذا الهواء يهربُ من الشقَة، لم يعدُ لها قدرًا تستطيعُ التنفس به، أحتاجت أن تعانق أيّ شخص، أيّ أحدٍ يُخبرها بأنه معها، بأنه بجانبها، بعد كُل هذا تراه، هو زوجها! هو الذِي تُحب ولكن .. لا مجال للأسئلة كيف ومتى! 5 سنوات لا أعرفُ عنها شيء، بإنكسار رفعت عينيها إليْه ، أستسلم تمامًا، خُذنِي إليْك، خُذني لصدرِك، لقلبِك، لبين ذراعيْك ولا تُخرجني لهذه الدُنيا أبدًا.
ناصِر ينخفضُ صوته مرضًا و ذراعيه تسقطُ على جانبيْه دُون حِراك، طالت نظراته وهي تسرقُ من بينهم زمَن وعُمر، تنظرُ لصدرِه ولمعطفه، عقلُها الواقف عند عتبَةِ زمنٍ مُعين طلّ عليه بتطفُل لثوانِي قليلة مشهدٌ فات من عمرهما، مشهدُ من الحياة البائسة، مشهدٌ حشَر بها جسدِها الغضّ في معطفه وسَار معها على الطريق الممتلىء بالثلوج : يا رب العباد !!
بكلمتِه المبحوحة في صوتِه تزايد فوضى دمعها على ملامحها البيضاء، لتُردف بضِيق الكلمات بعد صمتٍ دام أكثرُ من ثلث ساعة ولا يحضرُ سوَى بكاء الأجساد في حين كانت ملامحُ ناصِر مُتجمدة مُحمَّرة والأكسجين يبدُو أنه لا يصلها : آسفة
لم يفهم أسفها، لم يفهم ما تعني، بنبرة غاضبة تشتدُ كثيرًا : ليـــه ؟
غادة تُشتت نظراتها المُتضببة بالدمع، تنزوِي في زاويـة الصالة : أنتظرتك، لكن ... مقدر .. مقدرت أتذكرك
يسترجعُ نظراتها الأولى، حُرقـة عينيْها التي تنظرُ إليه، أبتسم بسخريَة وهو يشعرُ بأن غليانٍ في رأسه وكأن نزيفًا يُدغدغ خلايا مخه : أنا ؟ مقدرتِ تتذكريني أنا!! أنتِ غادة أو مين ؟
صرخ بقوَّة فرغ بها غضبه : أنا ناصر!! .. "ينخفضُ صوته المكسور " ناصر يا غادة! .... كيف تضيعين مني !
غادة بلعت غصتها بصرخه لتُردف بكلماتٍ سريعة حتى تتفادى عينيْه الغاضبة : ما أتذكر سنواتي الأخيرة معك .. والله ما أتذكر
ناصر يقترب بخُطاه إليْها لتنكمش حول نفسها، أقترب حتى جلس بقُربها وعيناه تفيضُ بالحمرة : طالعيني، قولي أنك غادة اللي أعرفها .. اللي أنتظرتها .. اللي مشتاق لها كثييير
غادة تشد على شفتيها حتى لا تنطلقُ شهقاتها العالية، نظر لشفتيْها المرتجفة، أنتظر جوابًا، أنتظر أن تقول له " غادتِك "، تمرُ الثواني لتشطره أنصافًا دُون أن يسمع منها ما يجعله يصطبر على اللحظات التي مرَّت دونها : غادة!!
غادة ببكاء : أرجوك لا تضغط عليّ! أنا ما أعرفك .. ما أعرف إلا أنك صديق عبدالعزيز ...
بتملُك شدَّها ليُوقفها حتى لاصق صدره صدرها، عانقها حتى أوجعها بشدَّةِ عناقه، أضطرت أن تقف على أطراف أصابعها لتستنشق رائِحة العُود التي خلف أذنه، ألتوت أقدامه التي تخشبَّت بحقيقة ما يرى، ومازال يُردد " ثبِّت يقيني يالله " ، سقطت معه على الأرض وهو يتنفس عنقها وشعرَها، هي رائِحتها لم تتغيَّر، هذه الرائِحة التي أدُوخ بها وأتجدُد عشقًا، يالله! قليلاً من الصبر والرحمَة. دمُوعه التي هطلت بإستمرار طوال الأيام الماضيَة لم تهطل وهو يعانقها، كان جامِدًا ماعدا قلبه وعرُوقِ دمه التي تثُور عليه وتعلنُ الهرولة لجسدِ غادة.
حفرت أصابعها على ظهره، أشعرُ بإنتمائِي لك، رائِحة الماضِي التي أشتاقتها تتنفسها، أنت الذِي أجهلُ صفاتِه وحدُود شخصيته، " وَدِّيني " مثل ما تُريد وتشتهي. يالحياة، يا ذرات الأكسجين التي تطوف حولِي بعناقك وتقتلنِي، " ودِّيني .. وخذني لك "
مرَّت الدقائِقُ المُتعبة الذابلة بسُرعة، أطالُوا العناق حتى تيبَّست أجسادهم المرضي عنها بالحُب، صوتُ بكائها الذِي لم ينقطع في حضرةِ صمته الذِي مازال مفجوعٍ بها، حاولت أن تُبعده ولكن كان يُحكم قيده عليها، كان يُوصل لها مقدار شوقِه وهو يُدخلها بجسدِه
بخُطى الكلماتِ الميتَة التي تحاول الحياة : لا تكذبين! لا تكذبين وأنا اللي أنتظرتك
غادة في غياب الوعي التام، لا يحضرُ سوَى قلبُها وضباب يُغطي عينيْها الممتلئة بالدمع.
ناصِر بنبرةٍ عالية تحشرج بها الحنين : وش سويتي بدوني؟ وين كانت أراضيك! وينها يا غادة
ينخفضُ صوتِه بحُزن وهو يكتمُ نفسه بعنقها، لا يُصدق إلى الآن بأنها غادة ، بدأ هذيانُه ولا يعرفُ بأيّ الكلمات ينطق : وأنا لما جيت أعانقك خذوك منِّي .. خذوك ..... يا زُود حزني فيك وشلون خذوك مني
غادة ببكاء عميق، تُخفض رأسها لتغرق ملامِح ناصِر بشَعرِها، تقاطعت كلماتها بتأتأةِ الحنين : مدري والله مدرِي وش كنت ووش صرت .. أنا ما أتذكر شيء
أبعد جسدها ليصرخ واقفًا وهو يُشارف على السقوط، أضطرب بسيْره وهو يعُود مرةً للخلف ومرةً لليمين : كذابة!! أنتِ ما تعرفين وش قاعد تسوين فيني! حرَّة قلبي في موتك كانت أهون من الحين .. ليه .. بس أبغى أسألك ليه غبتي كل هالمدة ؟ وين كنتِ فيه ؟
غادة تُغلق أذانها بكفيّها : ما أعرف .. أتركني
ناصر : يا قو قلبك وشلون هان عليك ... وين حبنا ؟ كيف تنسيني بهالسهولة!
غادة جلست على الأريكة وهي تنحني بظهرها وتغطي وجهها بكفيّها، غرقت ببكائها بينما غرق صوت ناصر بحُرقة الذي مضى دونها.
ناصر ينظرُ لها بضُعف، برجاء : نسيتيني؟ نسيتي ناصر يا غادة!!
غادة أعتلى صوت بكائها بعتابه الحارّ، أكمل بصوتٍ يرتجف به الحب : ما فكرتي تتصلين؟ ما فكرتي تقولين اللي محترق بغيابك وش مسوي؟ ما أصدق أنك تكونين بهالأنانية!
صرخ : بهالحقارة يا غادة!! ..... دفعَ الطاولة الزجاجية بقدمِه غاضبًا يكاد يجنّ جنونه ليتناثر الزُجاج ....
بجنُون الصابر الذِي أنفجر : كملتي حياتك بدوني وأنا أستخسرت الضحكة على نفسي بدونك!! .. مستحيل تكونين غادة! ليتني ما عرفت بوجودك .. ليتني صدقت كذبة موتك ولا شفتك تنكريني كذا ....
شعَر بالغثيان وأنّ الإختناق يقتربُ منه، خرج بخطوات سريعة من الشقة وهو يسيرُ للأسفل مُتجهًا للخارج، بسرعتِه كانت دماءه تنزف وتفُور، " هذه كذبـة " . . " يا حسرة قلبي من يشفي له طعونه ".

،

تحت فراشها بعد أن نامت بُضع ساعات حتى أستيقظت على أذانُ الفجر، صلَّت وعادت لدفء سريرها الذِي ينبعثُ منه ضوء هاتفها، تقرأ ما يخصُ إستفساراتها التي لم تتجرأ أن تنطقها، كانت تعلم جيدًا أن تُركِي لم يُبقِي لها شيئًا يُساعدها على الأمل، تفهمُ نظرات سلطان الذِي لم يكُن ينتظر منِّي شيئًا ولكن أن يعرف الحقيقة أمرٌ هيِّن ولكن أن يُجرب بنفسه مالحقيقة سيشعرُ بقهرٍ يتجدد في داخله، أفهمُ جيدًا شعُوره وأفهم جيدًا شعُوري الذِي لم يتنازل ويفهمه، لم أكُن بِكر رُغم أنك أول رجلٍ في حياتِي، رُغم ذلك أنا أراك كل الرجال، كلهم بلا إستثناء، ولكن مرّ على ذلِك وقتُ طويل، مرّ الكثير الذِي جعل جسدِي يتكورُ حول نفسِه ويبقى لرجلٍ واحِد وهو أنت، لم أنقص شيئًا، مازلت فتاتُك ولا يُحدد ذلك " غشاء "، لا يُحدد ذلك فقدِي لبكارتي، ما دُمت بنتًا لم يلمسها من الرجال أحدًا، من لمسنِي لا يمتُ للرجولة بصلة وليس محسوبًا عليكم، لذلك لا تسألنِي من لمسِك قبلي؟ لم يلمسنِي أحدًا، فقط أنت. وأنا الضائعةُ بك ومنك.
تركت هاتفها بعد ان قرأت سبب شعُورها بأنها بِكر رُغم أنها ليست بِكر رُغم أنها رأت الآثارُ على مفرشها، كان السبب بسيطًا جدًا ، بسيطًا لجعلِ قلبها الطِفل يفهمُ أشياءً لم تفهمها من قبل، مازلت يا تُركي تحضرُ فيني، أنا التي لم أكُن شخصية جبانة وضعيفة مثل ما أنا أخافُ الآن حتى من ظلِّي، أخافُ من الأصواتِ الغريبَة والحركات المُباغتة. أبعدت الفراش لترفع شعرها الطويل للأعلى كذيلِ حصانٍ، أقتربت من المرآة تُدقق في ملامحها البيضاء الشاحبة، أخذت نفسًا عميقًا، لم يعُود إلى الآن ؟ رُبما أستغرق وقته في العمل أو رُبما لا يُريد أن يراني، أكثرُ شيئًا يجرحُ أنوثة المرأة أن يُقابلها الرجل بالرفض. هذه الإهانة لا تتقبلها أيّ أنثى كيف بأنثى وهبتهُ كل شيء ومن ثم رفضها؟ رُبما نَدِم على الليلة الفائتة ؟ ولكن رفضته! رفضتهُ بكل شيء أعطاهُ الله لها، لم أستسلم له ولكن تبقى قوته ورجولته فوق كل شيء، ورُغم كل هذا يرفضني الآن؟ يرفضني وكأنني أريده رُغم أنني لم أصرِّحُ بذلك، لم ألفظها من بين شفتيّ.
نزلت للأسفل في عُتمة الطابق الأول، دخلت المطبخ لتفتح نُور الجهةِ اليمين فقط ويبقى بقيةُ أجزاء المطبخ مُعتمة، أخذت قارورة مياه زمزم الكبيرة لتُفرغ نصفه في كأسِها، تمتمت بهمس : اللهم أني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعا وشفاءً من كل داء.
بخطواتٍ هادئة كان يُراقبها بعد أن دخلت المطبخ، خلف جسدِها يسحبُ الكأس من يدِها ليضعه على الطاولة قبل أن يسقط من فرط فزعِها، ألتفتت عليه لتلتصق أقدامه بأقدامها، أشتد خوفها وطريقة سيرهُ إليْها تُشبه شخصًا تُبغضه، نظرت إليْه برُعب وصدرها يهبط ويعلُو بكثافة.
سلطان أطال نظره لثوانِي وهو يشعرُ بقلبها الذِي سيخرج من مكانه، عاد عدةِ خطواتٍ للخلف ليلتفت للطاولةِ الأخرى ويسكبُ له من الماء، بالصوت اللامُبالي يقذفها : نمتِ اليوم كله وتوك تصحين!
الجوهرة بلعت رجفة ريقها، صمتت طويلاً حتى تُجهِّزُ جيوشِ كلماتها الساخرة : أجاري زوجي اللي ما يرجع الا متأخر
دُون أن يلتفت إليْها وهو ينحشرُ في العتمة ،ينظرُ لكأس الماء : و نعم الزوجة
الجُوهرة صمتت وهي تتأمله، هذه القوة التي ترتديها قليلاً وسرعان ما تتلاشى، ليتك تعرف أن المؤسف في كل شيء أنني أحببتك قاسيًا ولم تنظرُ إليّ إلا جريحة، ولا أعرف إن كنت تحبني أيضًا جريحة.
ألتفت عليها بعد أن أفرغ المياهُ في جوفه : وش تنتظرين ؟
الجوهرة شتت نظراتها لتلفظ ببرود : ولا شيء بس كنت أفكر بكتاب أقرآه
سلطان ودّ أن يُحرجها : ووش الكتاب ؟
ونظراتها مُعلقة في عينه : بصعد وبشوف أيّ كتاب أقرآه
سلطان و مزاج " الإستلعان " يُرفرف به : وكل هالوقت تفكرين كيف تصعدين فوق ؟ محتارة الدرج ولا الأصنصير ؟
أحمرَّت ملامِحها من طريقه تحجيره لها، بسخرية رُغم جمود ملامحها : تصدق! كنت أفكر كيف أصعد
سلطان ألتفت بكامل جسدِه ليسند ظهره على حافةِ الطاولة : طيب .. وش تنتظرين ؟ لا يكون خايفة تصعدين لوحدك
الجوهرة لوَت شفتِها السُفلية لتجذب أنظار سلطان لشفتيْها، بخطواتٍ مُتنرفزة صعدت للأعلى، له قُدرة رهيبة في إستفزازي بأبسطِ الأشياء، صعدت للدور الثالث الذِي تخافه، قاومت كل شيء حتى تتجه نحو مكتبته التي شتمتها في داخلها كثيرًا.
صعد خلفها والإبتسامة تُزيِّن محياه، شعَرت بخطواته ولكن تجاهلته تمامًا وهي تقف أمام رفّ الكُتب.
سلطان من خلفها : محتاجة مساعدة ؟
الجوهرة بحدَّة : لا
سلطان بتملُك حقيقي، يتجه نحوها ليسحب إحدى الكُتب وينظرُ لعنوانها : أقرأي هذا
الجوهرة : ماأبغى
سلطان بصيغة الأمر : قلت أقرأيه
الجوهرة نظرت إليْه : خلاص ماأبغى أقرأ شي
سلطان يضع الكتاب في مكانه : يكون أحسن
الجوهرة : يعني المسألة عناد!
سلطان يجلس على الأريكَة التي في الزاويـة : مُشكلتك ما تعرفيني زين
وهذه إهانةٌ اخرى، أن تتهمني بجهلك وأنا التي أعرفُ كل شيء عنك، شعَرت بالدماء وهي تسيلُ من أنفها، بحثت بعينيْها عن مناديل حتى أتجهت نحوه بقُربه كانت علبة المناديل.
بصوتٍ مُربِك لحواسها : ما تنزفين إلا بالبكي والخوف! وأنتِ لا بكيتي ولا خفتِي!! وش صاير لك؟
الجوهرة ترفعُ رأسها لتوقف النزيف، مرَّت ثواني طويلة حتى تقع عيناها عليْه : أنت اللي مشكلتك ما تعرفني
سلطان بهدُوء : عرفيني عليك! وش سبب هالدمَ ؟
الجُوهرة بقهر : رفعت ضغطي ... وأتجهت نحو الدرج ليُراقبها بعينِه، وضعت يدها لتقف طويلاً، شعَرت بأن إغماءة تتسلل إليْها.
سلطان بِـ شكْ وقف وأتجه إليْها لتلتفت إليْه : دوخة بسيطة ... ونزلت ، لم يُطيل وقوفه حتى نزل إليْها، سُرعان ما أنزوَت في الفراش وغطَّت وجهها به.
أخذ نفسًا عميقًا ليجلس بقُربها ويُبعد الفراش بعد أن نزع حذائه العسكري : كليتي شي ؟
الجوهرة ألتزمت صمتها
سلطان : على أكلك العصر ؟
الجوهرة : ما أشتهيت شي
سلطان : طبيعي بتدوخين وأنتِ ما أكلتِ شي .. قومي أكلي لك شي ولا تكذبين وتقولين أنك بتنامين وأنتِ توّك صاحية
الجوهرة أستعدت بجلستها لتنظُر إليْه : من مبدأ إيش مهتم في أكلي؟ من مبدأ أنك شفقان ولا تحس بتأنيب الضمير ولا ...
يُقاطعها بحدَّة : من مبدأ ما يعنيك
الجوهرة بعناد : ومن هالمبدأ أنا ما ودِّي آكل
سلطان بتهديد : تعاندين كثير وماهو من صالحك!
الجُوهرة ترفعُ كلا حاجبيْها بطريقةٍ مُستفزة لسلطان، تعابيرُ وجهها هذه المرَّة فزَعت لصوتها الذي دائِمًا مايكُون في محل جُبن.
نظر إليْها بتعجُب، ليشدّ على أسنانه ومن بينهُما أتى صوته حادًا غليظًا : بالله؟
الجوهرة شعَرت بالخوف ، ولكن تظاهرت بعكسِ ذلك مُشتتة نظراتها
مسكَ ضحكتِه، لأولِ مرَّة يشعرُ بأن نظراتِه تُرعبها : عندِك شي تبين تقولينه ؟
الجُوهرة دُون أن تنظر إليْه : ممكن تتركني أنام
سلطان دُون أن يحبس إبتسامته : قوليها وعينك في عيني وبعدها بتركك
الجوهرة لم تفهم مزاجه هذه الليلة، ألتفتت عليه لترمش أكثرُ من مرة في الثانية
سلطان غرق بضحكته الطويلة ليُردف : تصبحين على سعادة
الجوهرة عرفت لِمَ يضحك، كان واضحًا جدًا أن ملامحِي الشاحبة مُرتعبة، يشعر بالإنتصار لنفسه لأن أستطاع ببساطة أن يفرض قوته عليّ، ما أشدُ قسوتِك يا سلطان.


،

تضع رأسها على صدرِه الدافىء وشعرها الطويل ينسابُ على ظهرها جانبًا، خلخل أصابعه البيضاء في شعرَها و الصمتُ مترسب في حناجرهم، رفعت عينها له ليبتسم : وش تفكر فيه ؟
عبدالرحمن بتنهيدة : اليوم جو ناس يخطبون عبير
أتسعت إبتسامتها لتُبعد رآسها وتتربع على السرير بجانبه: مين ؟
عبدالرحمن : ما أعرفهم واضح عايشين حياتهم برا إسمه مشعل المحمد .. عنده دكتوراه في العلوم السياسية ومستقر في لندن
ضي : ماشاء الله ، الله يكتب لهم اللي فيه الخير .. لآيكون منت موافق؟
عبدالرحمن : مدرِي عايلة ما أعرفها ولا أدري وش طبايعهم ولا عاداتهم
ضي : تحسسني أنه دايم زواجات القبايل ناجحة! هذا هُم يعرفون عادات بعض ويا كثر ما يحصل الطلاق، دام مؤهلاته كويسة ماشاء الله ومستواه كويِّس وأخلاقه زينه خلاص .. لاتوقف نصيبها .. بالنهاية أنت ماراح تجلس لها العُمر كله
عبدالرحمن : وش يعرفني عن أخلاقه! أقولك الرجال ماعندي أيّ خلفية عنه ولا عن عايلته، تبيني أرمي عليه عبير وبكرا تجيني تشتكي منه ؟
ضي : أسأل عنه، كلم أبوه وقوله وين ساكنين وفي أيّ حيّ ووين يشتغل! وروح للأماكن هذي وأسأل عنه
عبدالرحمن : أنا لما شفته أرتحت له ، يعني حتى كلامه وأسلوبه جذبني لكن ما أدري وش ممكن يصير بعدين
ضي : يا عبدالرحمن يا حبيبي! كم مرة خطبوا عبير وتردّهم وأنت تعرف قبايلهم وعوايلهم، بكرا ذنبها بيكون في رقبتك وعبير وصلت لعمر محتاجة فيه لشخص ثاني يكملها
عبدالرحمن وكلمات ضي تُقنعه وتجعله يعيش الحرب بين قناعاته وخوفه من المستقبل.
أكملت : وهذي رتيل تزوجت! أكيد بتتحسس أنها الكبيرة وإلى الآن ما شافت حياتها ، أنا يمكن ماأفهم عبير كثير زي ماأفهم رتيل ، ويمكن حتى كلامها معي أحيانًا أحسه تتحاشى تتعمق فيه لكن واضح جدًا حاجتها لشخص ثاني
عبدالرحمن تنهَّد : أمرنا لله بسأل عنه وأشوف
ضي بإبتسامة متورِّدة : خلنا نفرح فيها وننبسط، يكفينا اللي جانا

،

أقترب فجرُ إسطنبُول وخفتت أضواء الصخب في شوارعها المُزدحمَة الراقصَة بتنغنج.
بعد أن أستغرقت بالتسوق ساعاتٍ كثيرة لم تملّ منها، كانت تُفرغ غضبها وحُزنها بالشراء، لم تستفد منه شيئًا، لم يكُن لها الزوج التي تطمح، ناحت أحلامها بجانبها ومازالت واقفة على قدمها، مازلت أكابر وأحامل على حُزني، كثيرٌ عليّ أن تُحزني هكذا.
نظرت إليْه وهو يُرتب بعض حاجياته في الحقيبة الاخرى، بللت شفتيْها بلسانها وهي تأخذ نفس عميق حتى تتحدث معه، أتكأت على الجدار : ريَّان
دُون أن يلتفت عليها : نعم
ريم تحاول أن تُمهِّد له بتبسيط الطلب : بعد ما نرجع إن شاء الله، أبغى اجلس كم يوم بالرياض ماابغى أروح الشرقية على طول
ألتفت عليها : كم مرة تناقشنا بهالموضوع!
بلعت ريقها بربكة : طيب أنا أناقشك الحين عشان نتفاهم
ريَّان بحدة : لا
ريم : طيب ليه؟ عطني سبب وأقنعني
ريَّان : ماني مضطر أعطيك أسباب
ريم شتت نظراتها : ما يصير كذا لازم نتناقش تعطيني أسبابك وأعطيك أسبابي وبعدها تقرر
ريَّان : ريم لا تكثرين حكي وفلسفة على راسي قلت لك اللي عندي
ريم : وأنا ماني موافقة
ريان رفع حاجبه : نعم ؟
ريم : اللي سمعته .. ماني موافقة أرجع الشرقية على طول بدون لا أشوف اهلي
ريان : لآحقة عليهم
ريم بقهر : طيب ليه تمنعني كذا! ليه تعاملني من الأساس كذا
ريَّان : تعرفين أنك تجيبين النكد!! ... وأستلقى على السرير لينام دُون أن يعير نقاشها أيّ إهتمام.
ريم بقوةِ شخصيتها التي تتذبذبُ كثيرًا أمام رجلٍ يُحييها لحظات ويُميتها أيام، تكتفت : هالحكي ما يمشي! لك شخصيتك ولي شخصيتي ما يصير تعاملني كأني أشتغل عندك وتفرض شخصيتك على شخصيتي ..... ريان أنا ماأعرف وش فكرتك عن الزواج! من جينا هنا وأنت يوميًا تبكيني وتضايقني ... والله لو أني ذابحة واحد من أهلك ما تسوي كذا! صارحني وقولي وش مضايقك فيني .. يمكن أقدر أغيره أو يمكن أنت فاهمه غلط .. بس هالطريقة ما تمشي أبد .. كيف بنعيش إذا إحنا نكتم على نفسنا وكل واحد يعيش لحاله .. الزواج شراكة نكمل فيه بعضنا ونستقر .. لكن ........
بربكة شفتيْها : ما أطلب منك شي كثير.. بس أبي أفهمك ! فهمني وش يعجبك وش اللي يرضيك وأسويه
ريَّان أستعدل ليسند ظهره على السرير : خلصتي ؟
ريم بتوتر : إيه
ريَّان عاد للإستلقاء : تصبحين على خير ..
أتسعت محاجرها وهي تنظرُ إليْه، رُغمًا عنها تدافعت دموعها لتسقط على ملامحها المُتيبسَة بحركته الأخيرة، كيف تتغاضى عن هذه الإهانة؟

،

يقرأ بعض الرسائِل التي أتت بالظرف البُني، رفع عينه لسعد الجالس أمامه ويبدُو النعاس يقترب منه : أحرقها
سعد بدهشَة : ما تحتاجها ؟
مقرن بهدُوء : لآ ماأحتاجها ... عبدالرحمن وسلطان صاروا يشكون فيني .. أستغفر الله بس
سعد : حسبي الله على أمل هي اللي شككتهم فيك ما يدرون أنك تخاف عليهم أكثر منهم
مقرن : وصلنا لنص الطريق مقدر أبعد وأوقف، يحسبوني خاين!! يا كبرها عند ربي
سعد : لا تهتم! دامهم ما قالوها في وجهك أتركهم .. أكيد بيتراجعون أو ما عندهم دليل يثبت هالشي
مقرن : كلها يومين وراح يواجهوني، لكن أنا مازلت أبغى أكمل اللي بديته، كل شخص لازم يتعاقب بذنبه واللي سببوا حادث أهل بو عبدالعزيز راح ينكشفون إذا مو اليوم بكرا

،

فِي يومٍ جديد، الساعَة تُشير للثالثة عصرًا بتوقيت باريس، يجلس بمُقابل والده وضحكاتهم تتواصل دُون إنقطاع، ألتفت عليه : الله لا يشمت العدو فينا
دخَل إحدى رجاله الذِين يبغضهم فارس : إلى الآن جواله مغلق
رائد بحلطمة : أستغفر الله!! وش صاير له ذا قطع فجأة
فارس : مين يبه ؟
رائد : واحد نشتغل معه
فارس بهدُوء : أنا أسألك عن إسمه
رائد بسخرية : كنك بتعرفه!! صالح
فارس عرف أنه عبدالعزيز ليردف : وش فيه ؟
رائِد : عندنا شوية شغل وكنا متفقين على اليومين اللي فاتت لكن أنقطع فجأة
فارس : يمكن سافر
رائد : أنا أظن كذا! يسويها هالنكبة
فارس بإبتسامة يُغير أجواء والده المشحونة بالعمل : تدري يبه أحس مبدئيًا بيوافق على شخصي لكن ممكن يتردد بموضوع أنه ما سمع في العايلة ومايعرفها
رائد : ولا يهمك كل شي مرتب، بيسأل وكل علومك الزينة بتجيه
فارس بهدُوء : طيب وعبير ؟ ماراح اقولها أني فارس
رائد بإندفاع : أنحرك قدامها لو تقولها أنك فارس، أتركها مع أبوها
فارس بضيق : وافقت على طريقتك بس طبعا ماراح أكذب عليها
رائد : لاحول ولا قوة الا بالله .. لا تطلعني من طوري وش قلت لك أنا!!
فارس وقف بعصبية : عن إذنك .. وخرج وهو يُفكر كيف يُخبر عبير متجاهلاً سلطة والده، من المستحيل أن يبدأ حياتها معها كذبًا وبسخريَة نبرته الداخلية " هذا إذا وافقت عليّ ! " ، يا رب قلبُها أجعل الخيرةُ بجانب قلبي.

،

يطرق الباب، مرةً ومرتيْن وثلاث وفي كل مرَّة تحتدُ ضرباته عليها، تفكيره الأبيض أستعمرتهُ خلايا السواد والحقد، يشعرُ بأنه كبت نفسه لعهُود طويلة، لن يُبعدها أحدًا ولن يأخذها أحدًا، هي تخصني وحدِي، الذِي يحب لا يضر من يُحب ولكن الذي يُحب يسرق من يحب دُون أن ينتبه هل يضره أم لا! لو أُخبر عبدالعزيز لجنّ جنُونه، لستُ انانيًا حتى لا أخبرك يا عزيز ولكن هذه الفترة أنا أحتاج غادة ، أحتاج عقلها أن يكون ليْ فقط حتى أروِّض نسيانها، كيف تنساني بسهولة؟ هل تكذب أم أنها تحاول أن تُخبرني أنها تريد الإنفصال بطريقةٍ مهذبة، كيف أستطاعت العيش كل هذه الفترة دُون أحدٍ ؟ أنا آسف يا غادة إن كنت سأقهرك! إن كنت سأضرك فأنا لا أعرف طريقًا متزنًا أكثرُ من ذلك.
فتحت الباب ليدخل دون أن يترك لها فرصة الإختيار، بكلماتٍ هادئة : جهزي أغراضك وبتروحين معي
غادة برعشة شفتيْها وأصابعها تتشابك مع بلوزة بيجامتها: وين أروح ؟
ناصر جلس ليرفع عينه التي باتت لا تُفهم : عندك 10 دقايق حتى تجهزين نفسك ولا بآخذك بشكلك هذا
غادة التي لا تعرف عن هذه القساوة شيئًا أردفت : كيف تآخذني! لو سمحت يا نـ
قاطعها بغضب : قلت لك 10 دقايق
غادة بأعصابها المُتعبة تحشرجت دموعها : لا تضغط عليّ! شوف أوراقي الطبية وتأكد بنفسك
ناصر بمثل حدتِه مُتجاهلاً كلماتها : 9 دقايق
غادة بضيق : وين عبدالعزيز ؟
ناصر وقف : يعني ماتبين تآخذين معاك شيء
غادة بغضب : ليه ما تفهمني! أنا ماأعرف مين أنت ولا مين ......
ناصر يُقاطعها بعصبية بالغة أعتلى بها صوتُه لآخر مدى : لا تقولين ماأعرفك! .. أخلصي عليّ !!!
غادة برجاء : لو سمحت!
ناصر يُمسكها من زندها ليشدَّها نحو غرفتها : 5 دقايق ألبسي فيها وأطلعي لي
غادة تتساقط دمعاتها الحارَّة، رضخت لصوته الغاضب وهي تعود خطوةٍ للخلف من صوت الباب الذِي أغلقه بقوَّة، نزعت بيجامتها لترتدِي على عجل أول ما رأته أمامها في الدولاب، أخذت معطفها الأسود الذِي يصل لمنتصف ركبتها، سحبت الإيشارب لتلفه وتُغطي شعرها الداكن، ودَّت لو أنها تهرب، لكن لا مفر وهو جالس بالصالة، خرجت له بتشتيت نظراتها، بغضته لتصرفه معها ولحدةِ كلماتها وقساوتِه.
وقف : بإسم مين الغرفة ؟
غادة : وليد !
أمال فمه : ومن متى المعرفة معه ؟
غادة : دكتوري
ناصر بعصبية : دكتورك!! وطول هالفترة كنتي عنده
لم تُجيبه حتى صرخ عليها : كنتِي عنده؟
لم تعتاد أبدًا على هذا الصراخ لتنطق بملوحة دمعها : لا بس .. بس كان معاي لأن ما كان فيه أحد جمبي
ناصر يفتح الباب ليُشير لها بعينه اللاذعة أن تخرج، أتجهَا لشقتِه وهو يفكر بطريقة يخرج بها من باريس! يجب أن يخرج بأسرع وقت قبل أن ينتبه عبدالعزيز. كيف يُخرج لها أوراقها الرسمية ! يجب أن يتحدث مع والده هو الوحيد الذِي يملك الواسطة في هذا الموضوع.
بُضع دقائقٍ حتى أوصلها لباب شقته، ألتفت عليها وهو يدخل : دايم تعيّشيني بالتناقضات! تغيريني كثير، تخليني أتصرف بأشياء ما ودي أتصرف فيها .. لكن تحمَّلي! تحملي يا غادة مسألة أنك ما تتذكريني ...
بحدَّة يكمل : تنسين الكون كله بس ماتنسيني.. لكن أنتِ اللي تبين هالشي .. أنتِ بنفسك تمشين لهالطريق وودك فيه !! لا تحاولين تتأملين شي مني .. مثل ما خسرت بتخسرين معايْ! إذا كنت أنا بضيع راح تضيعين معاي ... وأعتبري هالشي مثل ماتبين .. أعتبريه حتى تهديد ...

،

أرتدت الجاكيت بصعُوبة وهي تتذمر : أستغفر الله ليت إيدي اليسرى اللي أنكسرت
عبير : الحمدلله بس أنها عدت على خير!
رتيل بضيق : الحمدلله على كل حال بس يختي وش ذا كيف أصبر كذا! ما أعرف أسوي شي بإيدي اليسرى
ضي تُغلق حقيبة رتيل لتُردف : يالله مشينا ..
رتيل : ابوي وينه ؟
ضي : مشغول .. وبعدين أنا ما أكفي ؟
أبتسمت : إلا تكفين ونص بس أستغربت أنه ما جا
عبير : عبدالعزيز ما جاك الصبح ؟
رتيل هزت رأسها بالرفض لتخرج من غرفتها الكئيبة وحامِي الرقبة بدأ يُضايقها، أتجهتَا للخارج و بأولِ خطوةٍ تحت السماء الغائمة كانت أمامهم أثير.
دبّ الشك في قلبها من وجودها في المستشفى على الرغم من خروج عبدالعزيز، بإبتسامة تُخفي الكثير : مساء الخير
رتيل ببرود : مساء النور
أثير : الحمدلله على سلامتك
رتيل ودَّت لو تنطق " الله لا يسلمك " : الله يسلمك
أثير بإغاضة : الله ستَر وماراح فيها وجهك ..
عبير شعرت بالقهر يفيضُ بها فكيف رتيل! ، كانت ستسحب رتيل وتدخلان السيارة ولكن رتيل بدأت بالحرب الكلامية المُستفزة : غلطتي في المكان اللي تتشمتين فيه! إذا عبدالعزيز مزلِّب فيك فمشكلتك مع عبدالعزيز ماهي معي!
ضي مسكت ضحكتها وهي تشتت نظراتها للطريق، بينما عبير أتسعت بإبتسامتها وهي تتكأ على باب السيارة.
أثير بنبرةٍ مُتغنجة : الله أعلم مين اللي مرمي على جمب ومسحوب عليه! عاد تصدقين كنت متوقعة أني بدخل منافسة بس للأسف نافست نفسي لأن محد جمب عبدالعزيز غيري ومحد عايش مع عبدالعزيز غيري ! لكن أنتِ يا قلبي وش موقعك بالإعراب! زوجة فقط وبالإسم لكن فعليًا مافيه إلا زوجة وحدة اللي هي أنا
رتيل أمالت فمها وهي تشدُ على شفتِها السفليَة، ضحكت بخفُوت لتردف : تنافسين نفسك!! عفوًا بس مين قال أنه لك وجود عشان أنافسك! أنا لو أبي عبدالعزيز يجيني قدرت أخليه يجيني ولا تحاولين تشككين عشان ماتحطين نفسك في مواقف بايخة!
عبير مسكتها من معصم يدها اليسرى : ما نبغى نتأخر
رتيل بخبث : تهنِّي فيه فعليًا " أردفت كلمتها الأخيرة وهي تقلد نبرة صوتها "
ركبُوا السيارة لتتحرك مُبتعدين عن المستشفى، أطلقت ضي ضحكاتها : هههههههههههههههههههههههه بدآ شغل الضراير
رتيل : شفتوها! انا ماتحرشت فيها بس هي اللي تحرشت وتتحمَل! قال أنافس قال!! مدري وش جايبها
عبير : ما أتوقع جاية عشانك وكيف تدري بموعد خروجك أكيد جاية عشان شي ثاني
رتيل صمتت قليلاً لتُردف بخوف : لآيكون حامل!
عبير : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههه وش هالدجاجة اللي بتحمل بهالسرعة
رتيل : تسويها الحيوانة ذي! بس لا ما أتوقع .. لا مستحيل أنا متأكدة
عبير : تراها عايشة معه يعني خلاص ! إذا مو اليوم بكرا
رتيل بتوتر وهي تتذكر كلماته في الرياض " ماراح تكونين أول بنت في حياتي " ، أخذت نفس عميق : حيوان لو يسويها
ضي : تآخذين بنصيحتي؟
رفعت عينها لها لتُردف ضي : أنسي اللي فات، أدري جرحك!! ممكن ذلِّك لكن أنتِ بعد ما قصرتي.. أقطعي هالشر ولا تتركين أثير تتمكن منه، حتى لو ما يحبها إذا عطته كل شي طبيعي بيميل لها .. رتيل فكري بالمستقبل وش تبين تصير حياتك؟ قاعدة تضيعين عمرك بهالمُكابرة
رتيل بقهر : انا ما أكابر وأفكر بالمستقبل! ودام هو أختار حياته مع أثير بكيفه .. أما أني أتنازل لا والله ماني متنازلة ! يتحمَّل كلامه معاي
عبير : في ذيك الفترة كل الظروف كانت تجبره وتجبرك بعد تتصرفون كذا! وأصلا كانت أعصابكم تعبانة .. لآتزيدينها أكثر
ضي : صادقة عبير .. رتيل ليه تبين تخسرينه ؟
رتيل تنهدَّت : هو خسرني ماهو أنا
ضي : طيب تنازلي لو شوي.. ماأقولك سلمي نفسك له بس يعني شوية تنازل تخلينه هو بنفسه يشوف رغبتك وتتقدمون بعلاقتكم
رتيل : أنتم ما تحسون فيني! أقولكم قهرني ماكان يخليني أنام ليلي من قهري منه .. وفوق هذا كان يذلني بكلامه وعايرني بأسوأ الأشياء وبعد كل هذا أتنازل! لا والله ماني متنازلة لو يصير اللي يصير ......
ضي بضيق : بس أنتِ تحبينه ؟
رتيل بلعت غصةُ صوتها : اللي خلاني أحبه يخليني أحب غيره
ضي : ببساطة كذا ؟ يا قو قلبك يا رتيل .. تخسرين سعادتك عشان ..
قاطعتها : عشان عزة نفسي! مسألة أني أهين نفسي عشان قلبي هذي مستحيلة وما هي صايرة، إن تنازلت مرة بيخليني أتنازل كثير وبيذلني كثير لأن داري أني بالنهاية راح أتنازل لكن هالحكي ما يمشي معي ! بخليه يدفع ثمن حكيْه ويعرف قدره ومن خسر بأفعاله
عبير عقدت حاجبيْها : عُمرك ما كنتِ شخصية ماهي متسامحة!
رتيل : مقهورة منه ودفاعكم عنه يقهرني زيادة
ضي : انا ماأدافع عنه بس أنا أشرح لك من وجهة نظري، إثنينتكم غلطتُوا! صلحوا أغلاطكم وعيشوا زي هالعالم والناس
رتيل تنهَّدت : ممكن نسكر الموضوع!!

،

في سكُونِ ليلِ الرياض، رفعت شعرها المموَّج جانِبًا وهي تخط الكحل على جفنها، أرتدت فستانًا ناعمًا يصِل لمُنتصف الساق ويُظهر إنتفاخ بطنها الخفيف، تعطرت وهي تنظرُ لنفسها نظرةً اخيرة، ألتفتت على الطاولة التي جهزَّتها بالعشاء الذي لم تطبخه منذُ فترة طويلة، أتجهت لهاتفها حتى تُخبره كتبت له بالواتس آب " يُوسف "
دخَل للمحادثة وظهرت علامةُ الصح المزدوج كنايةً أنه قرأ ولكنه لم يرد، شعَرت بحجمِ زعله لتتصل عليه ولولا أنها تخجل أن تنزل في هذه الساعة للأسفل لكانت نزلتْ وتحدثت معه فالأكيد انه بالمجلس الآن أو رُبما مع هيفاء، مرةً ومرتيْن ولا يُجيبها حتى أعطاها " مشغول " ، كتبت له بالواتس آب " تعبانة حيل " أبتسمت وهي تراقب شاشتها حتى لاحظت الصح المزدوج، كانت ستكتب له بعد أن أستغرق الثواني ولم يُجيبها لولا أنه فتح الباب لترفع عينها بإتجاهه.
نظر إليْها بعد أن أنقبض قلبه خشية أن يُصيبها شيء، ضاعت نظراته في عينيْها السوداوتيْن، هذه الأنيقَة كم من مرَّة يجب أن نُخبرها أن اللون الكُحلِي فاتِنٌ على جسدها الأبيض! أقتربت بخطواتها وأصابعها تتداخل في بعضها البعض : آسفة
يُوسف شعَر بأن شيءٌ غريب بهذا العالم يحدث، إعتذارها الذي لم يتخيَّل أنه سيحدث حدث! أبتسم : مين داعي لي اليوم !
أتسعت إبتسامتها حتى بانت غمازةُ خدها الأيسر : يعني رضيت علينا ؟
يُوسف يقترب حتى لاصقت أقدامِه أقدامها : أطلع حيوان إذا ما رضيت
ضحكت بخفُوت و ملامِحها البيضاء تسرِي بها الحُمرَة خجلاً، قبَّلها بالقُرب من عينيها التي تقتله أكثرُ من مرَّة، وهي التي تحكِي وتبكي وتُثرثر وتعتب وتغضب وتضيق وتحزن في عينيْها، هذه السوداويتيْن يملكان سحرًا حائلي.
مُهرة بخجَل تُمسك معصمه لتتجه معه نحو الطاولة التي جهزتها : بذوقِّك طبخي اليوم
يُوسف ينظرُ للأطباق التي منظرها بحدِ ذاته يُشبعه، بعد يومٍ أحتد به مزاجه كانت الراحة في ختامه، إبتسامتها لوحدِها تُدخل الفرح لقلبه، والغمازة التي لا تظهر كثيرًا أمامه يشتاقُ إليْها.

،

واقفًا مُتكىءً على مكتبِه، بدأ يحك عوارِضه كنايةً عن غضبه وهو ينظرُ لمتعب الذِي بلع ريقه بصعُوبة بعد أن خلى المبنى وأنتهى الدوام الصباحي، أردف : أيوا وش أسوي ؟
متعب : يعني لقيتها .. الحمدلله
سلطان بسخرية : كذا نزلت من السماء
متعب إبتسم إبتسامة بلهاء ليُردف : سبحان الله
سلطان بهدُوء : يا سبحان الله ! كل شيء هنا صدفة وينزل من السماء ....
متعب : تعرف يا بُو بدر احيانا الواحد من كثر الضغط يضيِّع وينسى .. ولا أنا والله كنت أعرف أنه الملف عندِي بس سبحان الله ما لقيته الا اليوم
سلطان يهز رأسه مُستهزءً بكلماته ليُردف : وأنا ما أقتنعت بالعذر! قلِّي شي ثاني يقنعني ولا .. أنت تعرف وش بسوي
متعب : هالحين تؤمن أنه الله أحيانا يرسل ملائكته على هيئة بشر ، يعني ممكن أحد لقى الملف وحطه لي
سلطان يمسح على وجهه : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، متعب لا تخليني أفصل عليك! ملف فجأة يختفي بعدها يطلع ..
متعب أرتبك : طيب هالحين فكِّر بالمعنى مالنا دخل بالوسيلة .. والمعنى أنه وصل الملف
سلطان يتجه ليأخذ هاتفه ومفاتيحه بعد إنتهاء الدوام بالنسبة له : طيب يا ولد إبراهيم .. حسابك ماهو الحين حسابك بعدين لا فضيت لك ....
خرج ليسير خلفه متعب : الله يشهد أني بحثت عنه وأنت شفتني يوم كنت أدوّره
سلطان : كل غلطة يتحملها صاحبها
متعب بضحكة حاول يستعطفه : ترى المعاش بحّ
سلطان كتم ضحكته ليلتفت عليه قبل أن يدخل المصعد : عزابي ماعندك لا شغل ولا مشغلة! وين يروح ؟
متعب : قطية إستراحة
سلطان بإبتسامة : مشكلتي أحبك ولا كان هفيتك الحين باللي معي *أشار لهاتفه*
متعب تنهد براحة أن أبتسم هذا يعني أن الأمور محلولة : أدفع عُمري كله عشان تبتسم .. يعني أتطمن على أموري
غرق بضحكتِه الطويلة ليُردف : ما أعصب الا لما تعصبني أنت وأحمد! ولا أنا هادي
متعب : ما ودِّي أكذبك طال عُمرك لكن قوية والله
سلطان يضغط على زر الطابق الأول : ههههههههههههههههههههههههههههههههه أنا أوريك القوية بكرا ! تجي بلبسك العسكري بخليك تتدرب معي
نزَل للأسفل ليتجه نحو سيارتِه السوداء، دقائِق قليلة حتى خرج من منطقة عملِه ليدخل في شوارع الرياض الصاخبة، أضواء السيارات تُغرقه في التفكير، تتشابك في داخله ألف فكرة وفكرة، إبتداءً من الجوهرة نهايةً في مقرن، مسك هاتفِه ليدخل الواتس آب ينظرُ لآخر دخول لها، قبل دقيقتين! لم تنام بعد.
تمرُ التقاطعات بخفَّةِ تفكيره حتى ركَن سيارته أمام بيته، خرجت أمامه العنود، تجاهلته تماما وهي تركب السيارة التي تبعد عن البيت عدة خطوات، ألتفت ليرى بها " ماجد "، عقد حاجبيْه بغضب وهو يفتح الباب ويبحث بعينه عن حصَة ، تقدَّم لها بالصالة دُون أن ينتبه للجوهرة الجالسة خلفه : كيف تطلع معاه بنتك ؟
حصَة : قول السلام طيب
سلطان تنهَّد : وش هالمصخرة اللي قاعدة تصير
حصَة : أنا رفعت إيدي منها! كيفها هي وأبوها
سلطان صمت قليلاً ليُردف : على يوم بتنذبح .. طيب وين الجوهرة ؟
قبل أن ترد عليه حصَة التي أتسعت بإبتسامتها، أتى صوتُها من خلفه : أنا هنا
ألتفت، يكرَه أن يقع في فخِ الغباء ، قطعت إنظاره الموجهة للجوهرة : تعشيت ؟
سلطان : لآ
حصَة : أجل بروح أحط لكم العشا
الجوهرة وقفت : خليك حصة أنا بروح أجهزه
حصَة تدفعها برقة لتُجلسها وبنظرة ذات معنى : خليك أنتِ في نفسك ... وخرجت.
سلطان جلس وهو يسند ظهره على الكنبَة بتعب، بعد أن مدَّد يديْه وفرقع أصابعه ألتفت عليها : متى صحيتي ؟
الجوهرة : ما نمت العصر.... أبوي نهاية هالأسبوع يبغى يرجع الشرقية ... كلمته وقلت له أني برجع معه
سلطان بجمُودِ ملامحه : وش قلتِي له ؟
الجُوهرة تعرف أسلوبه جيدًا، يُحب أن يسأل حتى يستفرد بغضبه، أرتعش لسانها : قلت أبغى أرجع معه
سلطان : وقررتي من كيفك!
الجُوهرة : بيت أهلي ما أحتاج أستأذن فيه
سلطان بغضب : لا! ومرة ثانية ما تفكرين من كيفك وتقررين وين بتروحين ووين بتجين
الجُوهرة بحدةِ كلماتها وهي تُمثِّل البرود في ملامحها : أنا قلت لأبوي وأنتهى الموضوع
سلطان صمت حتى وقف والغضب يفيض به : كيف يعني أنتهى الموضوع! أقسم بالله لو تعتبين باب البيت ماراح تلقين في وجهك الا القبر
الجُوهرة بربكة وهي تُشتت نظراته بعد أن أقترب منها: طيب أبغى ارجع! صار لي فترة طويلة ما شفت أمي
سلطان بحدة كبيرة : قلت لا ! تفهمين عربي ولا لأ ؟
الجُوهرة وقفت تحاول أن تتخلص من خوفها منه : لا ما أفهم! أبغى أرجع
سلطان يحاول أن يُمسك أعصابه أمامها : ناوية على نفسك اليوم ؟
الجوهرة : ليه ما تفهم أني ...
قاطعها بعصبية : قلت لا ! أنتهى النقاش بالنسبة ليْ! ثاني مرة ما تفكرين من نفسك ... لأنك ما تعيشين لحالك فيه عالم حولك تستأذنين منهم
الجُوهرة أمالت شفتِها السفليَة، تُجاهد أن لا تبكِي بعد توبيخه لها، أردفت بهدُوء : طيب أنا الحين أستأذن منك !
سلطان : وأنا وش قلت ؟
الجُوهرة : بس ما عندك أيّ مبرر! هذولي أهلي ومن حقي أشوفهم
سلطان : وتوِّك تفكرين فيهم .. تلعبين على مين بالضبط ؟
الجوهرة رفعت عينها له بدهشَة لتندفع بكلماتها : طول وقتي أفكر فيهم! ولا أنت أصلا تجلس بالبيت ولا تجلس معي عشان أقولك وش أفكر فيه ووش ما أفكر فيه .. حلوة ذي تغلط وتحط غلطك عليّ
سلطان يُمسكها من معصمها بغضب ليخرج بها متجهًا للأعلى
الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . . . .



،

لم تتوقع أن يحتال عليها بهذه الصورة ولم تتوقع أن يكذب عليها والدها حتى تلتقِي بعبدالعزيز وقفت أمامه وهي تشتدُ غضبًا من تصرفات الجميع بحقَّها : وش تبي ؟
عبدالعزيز : ممكن تجين معاي ماراح نطوَّل ، نص ساعة وبنرجع
رتيل : لآ مو ممكن
عبدالعزيز : طيب كيف نخليه ممكن ؟
اعطته ظهرها وهي تسير بإتجاه المصاعد الكهربائية، مسكها من معصم يدها اليسرى : رتيل .. بس شويّ
رتيل تنهدّت : أكيد وصلت لك الأخبار من حرمك المصون !
عبدالعزيز : ما وصل لي شي
رتيل : بحاول أصدقك .. تقدر تقول اللي عندك هنا لأني بنام
عبدالعزيز : فيه أحد ينام الحين ؟
رتيل : إيه أنا
عبدالعزيز بضيق : رتيل! لا تآخذين الأمور بإستخفاف .. جد عندي موضوع معك
رتيل بسخرية: موضوع زي مواضيعك اللي فاتت
عبدالعزيز ضحك ليُردف بإغاضة : لا هالمرة الموضوع جسدي
رتيل ودَّت لو تصفعه، ضربت صدره بقبضة يده اليسرى : معفن ... مسكها وأحكم قيده على معصمها ليخرج بها إلى خارج الفندق ويغرقُ بضحكاته : أمزح
رتيل تشعر بأن أعصابها بأكملها مشدودة : مزحك ثقيل
عبدالعزيز : بعض مما عندِك
رتيل تنهدت : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .. يعني وين بتوديني ؟
عبدالعزيز : بما أنه ماعندي سيارة راح نمشي
رتيل : لوين . .
عبدالعزيز : شقتي
ألتفتت عليه بغضب و . .

،

تضع يدها على قلبها المُرتجف من حضُور الرجل الذِي سيقترن إسمها بإسمه، تشعر بأن قلبها سيقتلع من محجره، لم تُجرب النظرة الشرعية رُغم أنه سبق وتقدَّم لخطبتها، هذه المرة الأولى وتشعر بالضياع الفعلي : يممه قلبي بيوقف
نجلاء بضحك تستفز خوفها : حاولي تطالعينه طيب عشان تقولين لنا الأخبار
هيفاء : كيف أطلع له ؟ لا بطَّلت خلاص قولوا له يشوفني بالعرس
نجلاء : شكلك حلو والله خليك واثقة .. يالله روحي صار له ساعة ينتظر ومعاه يوسف
هيفاء : ومنصور ؟
نجلاء : لأ قال يوسف أقرب لهيفا عشان ما تنحرج
هيفاء : ياربي وش أسوي! يختي جتني أم الركب
نجلاء : هههههههههههههههههههههههه لا إله الا الله .. تعوّذي من الشيطان وأدخلي قبل لا تجي أمك وساعتها بتحسبك من شعرك
هيفاء تأخذ نفس عميق : يارب يارب ... طيب إذا سألني ما أرد عليه صح ؟
نجلاء تضرب صدرها برقة : ورآه! فاهمه الحيا غلط .. ردي عليه على قد السؤال
هيفاء تتجه نحو المجلس الجانبِي، وهي تقرأ كل آيات القرآن التي تحفظها، حتى فتح يوسف الباب الذي تذمر من الإنتظار وكان سيأتِ ليُناديها ولكن تفاجىء بوقوفها، توسلت إليْه بنظراته لأشياء لا يفهمها يوسف، أبتسم ليُهلِّي بها مُستفزًا كل أعصاب هيفاء : هلا بالشيخة ....
رفع عينه فيصل لتلتقط حضُورها . . .

،

يتأملُها، يُطيل نظره بها وكأنه يستكشفها من جديد، مازال يشعُر بغربةِ جسدها عنه، يراقب تفاصيلها الصغيرة التي مازالت تحتفظ بها ولم تتغير بعد، تُشتت نظراتها من ربكة عينيْها التي تحدق بها.
ناصر بهدُوء : ماراح تقولين لي وش سويتي في غيابي ؟
غادة بمثل هدوئه : ما أتذكر
ناصر الذي لا يستطيع أن يستوعب أو يُفسِّر أو حتى يُجمِّع بعقله الذي مازال تحت تأثير الصدمة حتى لو كانت ملامحه تُوحي بغير ذلك، لا يستطيع ان يتزن بتفكيره أو يصِل الخيوط ببعضها، كم يلزمني من الوقت حتى أستوعب وأفكر بطريقةٍ لا تتحمل غبائي في هذه الدقائق، نظر إليها بحدة حاجبيْه : ليه تكذبين ؟
غادة بقهر : ما أكذب قلت لك ما أتذكر
ناصِر يضرب بكفِّه على الطاولة غاضبًا : تكذبين! من عيونك واضح تكذبين .. انا أعرفك أكثر من نفسك وأعرف كيف تكذبين
غادة بنبرةٍ لم تقصد بها الإستفزاز : لا ماتعرفني! لو تعرفني ما كان كذبتني وخذيتني كذا
يقترب منها ليحاصر كتفيْها وهو يُمسكهما بيديْه : أنتِ ما توعين لحكيْك ولا تعرفين وش قاعدة تقولين!!! .. غيروك .. واضح أنهم غيروك
غادة بضيق : أتركني أروح .. ما أبغى أجلس هنا ..
ناصر : لمين بتروحين! ماعندك أحد غيري
غادة : عندي وليد ....
ناصِر وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه . . . . . .

،

يضع شريحةُ هاتفه الأخرى التي لا علم لوالده بها، يجلسُ بالمقهى المعتاد وبالكرسي المعتاد أيضًا، الكُرسي الذي يخص العبير، كتب رسَالةً إلى الإسم الذِي رمزهُ بـ " عزيز "، " أحتاج أشوفك ضروري، والليلة إذا أمكن .... فارس "

،

مُقتطف/لمحة " بحماس تتكلم غاضبَة وهي تندفعُ بالكلمات الحادَّة ومن فُرطِ الإندفاع تفتحت أزارير قميصَها، لم يستطع الوقوف وهو يجلس على الأريكَة غارقًا بضحكاته : كم مرة قلت . . . . "


.
.

أنتهى ، نلتقي الخميس إن شاء الله.

.
.


إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 30-11-12, 02:57 AM   المشاركة رقم: 60
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


المدخل لـ عبدالرزاق عبد الواحد.

أشعلتِ حبَّكِ في دمائي
وسكنتِ في زَرعي ومائي
ومَلأتِ كلَّ مواسمي
وملَكتِ حتى كبريائي
إن كنتُ بعضاً من رَجاكِ
فأنتِ لي كلَّ الرَّجاءِ
أنا ما خلَعتُكِ من دمي
أنا ما دفعتُكِ من سمائي
وفعلتِ أنتِ فَبعتِني
يا ليتَ بيعَ الأوفياء!
ياني.. وحسبُكِ إن أقُلْ
ياني، يُغالبني بكائي!
ويعودُ بي هذا النِّداءُ
لِعزِّ أيّامِ النِّداءِ
أيّامَ كان الزَّهوُ يملؤني
بأنَّ لكِ انتمائي
وبأنَّ قَلبَكِ لا يُثيرُ
رَفيفَهُ إلاَّ لِقائي
وبأنّ عينَكِ، عينَ ميدوزا
سَناها من سنائي
وبأنّني الغالي لديكِ
وأنتِ أغلى من غَلائي
وثقي بأنكِ رُغمَ ما
سَفحَتْ نصالُكِ من دمائي
وَبِقَدْرِ ما للتّافهين
كَشَفتِ ياني من غطائي
ما زلت ياني أجملَ الـ
لَحظاتِ حتى في شقائي!
ما زلتِ كلَّ رفيفِ أجنحَتي
وكلَّ مَدى فَضائي
ما زلتِ نَبضَ دمي، وأعظمَ
ما يُحَقِّقُ لي بَقائي
ما زلتِ أنتِ مَجَرَّتي
وغَدي المشعشعَ بالضياءِ
لا تُطفئيها مَرَّةً
أخرى.. فَناؤكِ في فنائي!



روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 60 )


ألتفتت عليه بغضب لا تكاد تُصدِّق بأن والدها يوافقه ويصادِق على أفعاله بكل أريحية دُون أن يُلقِي لموقفِي منه أيّ إهتمام، عبدالعزيز أهانني بإرادة والدِي ودُون هذه الإرادة لمَا ذلَّني أبدًا. : طبعًا لا
عبدالعزيز أدخل يديْه في جيوبه ليبتسم : صدقتِي؟ أصلاً مستحيل نروح .. أثير هناك ..
رتيل أخذت نفس عميق: عبدالعزيز يكفي تضايقني أكثر!!
عبدالعزيز : وأنا ماأبغى أضايقك .. تذكري الهدنة اللي قلنا عنها !!
رتيل بضيق : وأنت خليت فيها هدنة! تقهرني وتضايقني بعدها تقول هدنة
عبدالعزيز تنهَّد : طيب خلينا نمشي .... وأتجهَا لحيٍّ أقل صخبًا، دخلا في إحدى المقاهي المنزويَة بهدُوءها.
وضعت هاتفها على الطاولة وهي تأخذ الهواء بطريقةٍ تُوحي بأنها تختنق، رفع عينه لها : أنا تعبت من هالموضوع! خلينا نقرر من هاللحظة
رتيل : يعوضني الله
عبدالعزيز أمال فمِه بمثل حركتها الدائِمة التي ترتبط معه بها ولم يلحظها بعد، أطال صمته ليقطعه بجمُود : يعني ؟
رتيل شتت أنظارها دُون أن تُجيبه. وبدأت تسرق الغطرسَة والساديَّة من جوفِ عزيز، بدأت تستنسخُ قساوتِه كما يليقُ بالحزن الذي تسبب به في قلبها.
عبدالعزيز : وش تقصدين يا رتيل!
رتيل : اللي فهمته
عبدالعزيز : وهذا قرارك ؟
رتيل أرادت أن تلسعه بعذابِ الضمير لتُردف بقسوَة أحتدَّت بنبرتها : لا! القرار لك ولأبوي .. من متى كان لي قرار ؟ مثل ما طبختوها .. طلعوا لكم مخرج منها
عبدالعزيز يُشتت أنظاره للمقهى الخاوِي من كل شيء عدَا العجوز الذي يجلس خلف الطاولة التي بجانب الباب، عاد عينه إليْها : نطلع لنا مخرج!! أنتِ شايفة انه موضوع تافه عشان ..
تُقاطعه : بالنسبة لي تافه
عبدالعزيز بغضب : لآ تستفزين أعصابي يا رتيل!!
رتيل ألتزمت صمتها وهي تتشابك بأصابعها مع مفرش الطاولة.
عبدالعزيز : صدقيني محد بيخسر غيرك! أحكمي عقلك وأعرفي كيف تفكرين وتقررين
رتيل بإستفزاز صريح : قلت يعوضني الله عن خسارتك
عبدالعزيز أخذ نفسٌ عميق : ما عندك غير هالحكي ؟
رتيل بإنفعال لم تستطيع أن تُسيطر على كلماته الفاتِرة في حضرة غيرتها المُنتشية : ماهو على كيفك ولا هو على مزاجك متى ماتبي تجي ومتى ما روقت مع أثير نسيتني
عبدالعزيز : متى نسيتك ؟
رتيل : أسأل نفسك ...
عبدالعزيز رفع حاجبه : مشكلتك ماهي معي على فكرة .. مشكلتك مع قلبك اللي يناقضك
رتيل : أجل أترك لي مشاكلي بروحي! أنا أحلها مع نفسي
عبدالعزيز بدأت قدمه اليمنى بالإهتزاز والضرب على الأرض : تفكرين بمستقبلك كيف يكون ؟
رتيل : أحلامي مالك فيها مكان
عبدالعزيز شدّ على شفتيْه : يعني أفهم أنه قرارك أخير!
رتيل ودَّت لو يقُول شيئًا يعاندها به، لو يرفض وينكر القرار، والله لأتحجج بكل شيء في يدِي وأرضخُ لك، لو كلمة! فقط كلمة تُبلل جبينُ القلب المتعارك بحزنه، فقط كلمة وأعفُ عنك، لكنك أقسى من أن تتنازل عن كبريائك أمام أنثى مثلي، أقسى بكثير من أن تشعرُ بأن الحياة ضئيلة ولا تستحق أن نعيشها بهذه الصورة، أقىسى بكثير يا عزيز من أن تعتذر ليْ ولو إعتذارٌ مُبطَّن.
عبدالعزيز : كنت متوقع شي ثاني! لو أدري أنه كلامك بيكون كذا .... ما كان جيت .. ما كان خليتك تسمعيني إياه
رتيل بضيق تقاوم رعشاتُ عينيْها : وش كنت متوقع؟ أقولك راضية أنه أثير تشاركني فيك! ولا أقول أنه إهاناتك ما عادت تعني شي .. وش بالضبط منتظر منِّي ؟
عبدالعزيز يُثبِّت نظراته في عينيْها المتلألأة بالدمع : شي واحد ما أفهمه فيك! .... شي واحد يا رتيل ماني قادر أفهمه ... كيف تتلذذين بتعذيب نفسك!
تجمدَّت ملامحها، ستكره نفسها لو تبكِي أمامه، بلعت غصتَّها وهي تقاوم الحشُودِ الذائبة في عينيْها : أعذِّب نفسي!! غلطان .. لو يصير اللي يصير ما يهمني وأظن كل شي يثبت لك هالحقيقة ما يحتاج أقولك وأزيد عليك .. حتى عقب الحادث لو لا سمح الله صار فيك شي كنت بحزن عليك لمُجرد شخص عادِي.. ممكن أحزن على أيّ شخص في الشارع! لكن مستحيل أندم على وقت راح بدون لا أكون معك .. لأنك ببساطة ما تعني لي شي، أشك حتى أنه أثير تعني لي أكثر منك!!
يُطيل النظر بها، لعينيْها التي تصدق وتُهينه كثيرًا، للكلمات الحادَّة التي تُنصِّف القلب وتُسقطه، تُبادله الإهانة ذاتها ولكن يخشى أن نبرة الصدق هذه واقعٍ وليس من أوهامه، أردف بإبتسامة تُخفي قهره : تحاولين تبنين كلامك على أشياء ماهي موجودة! تكذبين الكذبة وتصدقينها
رتيل بغضب ترفع عينها المُحمَّرة بالرعشة وصدرها الذِي يعتلي بالنبض : ما أبني كلامِي! أنا فعلاً ما عندي غير هالكلام .. لا تجرب تستخف فيني بحكيْك أو حتى تفكر تضايقني بأثير! وهالمرَّة أنا اللي بصارح أبوي عشان يعرف قدر اللي معطيه هالثقة
عبدالعزيز : خلصتي كلامك ؟
تكاثرت الدموع في محاجرها، كيف للغيرة أن تتسرب إلى عيني، كيف لكلماته أن تشطرني نصفيْن؟ كيف لإسمها البسيط أن يقف كالغصَّة في صوتِي؟ كيف لكل هذا يجتمع في رجل! قاسٍ يا عبدالعزيز ويعزُّ على قلبِي أن تكون هكذا، يا حُزني المتواصل منك، يا حُزني الذي لم يجفّ بعد! لم يتضائل بعد، مازال في قوتِه، في تماسكه، وأنت وحدِك من تُبدده وأنت وحدِك من تستلذُ بتماسكه على قلبي.
يهمس : مين يوجع الثاني يا رتيل؟ أنتِ اللي توجعين نفسك
أتى صوتها الباكي، تعرَّت من مُكابرتها لتنهمر دموعها بقساوةِ الغيرة المترسبة في محجر عينها : أنت تضايقني! تهيني كثير يا عبدالعزيز هذا وأنا ما أجرمت في حقك أبد، كل هذا عشان أدافع عن نفسي في وقت الكل بما فيهم أبوي أرخصني .. وش سويت لك بالضبط عشان تقهرني بكل شي يجي في بالك؟ قولي بس وش سويت وأنا مستعدة أعتذر لك الحين وننهي كل هذا ..
أنهارت لتغرق كلماتها في البكاء، بكلماتٍ مُتقاطعة يعلُو بها بكائها : أنت اللي بديت! وانت اللي ضايقتني! في كل شيء .. في كل شيء والله تقهرني .... ما أطلب منك شي.. بس أحترم قلبي ...
بإنكسار أردفت : أحترمه لو شويَّـة
وقف ليتجِه للكرسي الذي بجانبها ويجلس عليه : وأنتِ؟ يا كثر ما توجعيني يا رتيل وتقولين ما أجرمتي في حقِّي!
ببحَةِ الوجَع : اللي سويته ولا شي! بس أنت ما قصرت في أكثر شي يوجع البنت سويته! رحت وتزوجت
عبدالعزيز : قضيتك ماهي أثير .. انا متأكد من هالشي
رتيل: قضيتي بأنه فيه شخص ثاني موجود في حياتك!! تقبل تهين أثير ؟ .... جاوب على سؤالي تقبل ؟
عبدالعزيز بهدُوء : مستحيل أقبل أحد يهينها
أرتفع صدرها بشهيقها المتأني دُون زفير، ليُكمل : إن كان في بالك أني أستغل أثير فأنتِ غلطانة وأني جايبها لمجرد أني أهينك فأنتِ في مصيبة .. لأن أنا قادر أهينك بدون ما أستخدم أحد، لكن أنا .. أبغى أثير يا رتيل
لا يُدرك بالوجَع أبدًا، لا يُدرك بحزني ولن يُدرك، لِمَ حظي بهذا السوء؟ لِمَ الحزن يتربص لي في كل محاولة أبتسم بها! في كل مرة لا أرى شيئًا يستحقُ الحياة، يُجدر بي أن أهنئك يا عزيز فأنت كسبت وأفقدتني المتعة في الحياة.
ألتفتت عليه بكامل جسدِها لتلتصق به، تأمل دمعُها بعينيْه التائهتيْن، كيف يجب أن نُخبر هذه السمراء بأن لاتبكِي؟ كيف نُخبرها بأن البُكاء منها يعنِي : إنقلاب وكارثَة، بأن ملامحُ الجميلات يُحرِّم عليهن الدمع، أنا أعترف أنني قادر على فعل كل شيء، وأن أقاوم رغباتِي بكل ماهو سيء ولكن أمام دموعك أنا جدًا سيء يا رتيل وأعني بجدًا سيء أنني مستعد أن أنقض العهُود كما ينقضها اليهود! أنقضها بكل عنف دُون أن أسأل عما سبق وعما سيأتِ، ما بيننا أكبرُ من هدنَة، ما بيننا عمرٌ لا يقبل أبدًا أن يتعطل بهُدنة.
رتيل بألم : تبغاها ؟ يعني كنت تبغى تتزوجني بس عشان تضايق أبوي .. وتضايقني .. تعرف وش اللي موجعني؟ كنت أظن أنك ليْ وهي الدخيلة بيننا .. بس طلعت أنا اللي مالي مكان بينكم .. كيف تقدر يا عبدالعزيز تسويها فيني؟
بدأت تفقد شعورها بعقلها وبإتزان تفكيرها، أنهارت تمامًا وهي تُعاتبه بألمٍ يقذفُ نفسه بجسدِها : علمني كيف تقدر توجعني كذا ؟ يخي أنا وش سويت في حياتي عشان تسوي فيني كذا !! ليه ما تفهم .. حرام عليك .. تدري بشعوري .. تدري بأنه قلبي معك وتوجعني! ....
يجلس بجانبها جامدًا سوى من عينيه المحاصرة لعينيْها المرتعشتيْن، بلاوعي ضربت يدِها التي تُغطيها الجبيرة في الطاولة وهي تعلن جنونها الآن على حُبها وإنهيارها عليها، سحب يدَها حتى لا تكسرها أكثر لتعتلي نبرتها ولا يفصلُ بينهما سوى هواءُ عابر : أنا الغبية اللي أتحراك وأنت أصلاً قلبك معاها
عبدالعزيز بنبرةٍ حانية : رتيل ..... خلاص ..
تُخفض رأسها : ذليتني، كرهتني بنفسي، قهرتني بكل شيء حتى بأبوي، سويت كل شي ممكن يسيء لي .. وش بقى أكثر ؟
عبدالعزيز يسحب كرسيْها أكثر حتى يلتصق تمامًا وما عاد الهواء العابر يمرُّ بهما، أصبحت الأنفاس هي من تمرٌ وتطوف حولهما : كانت ردَّة فعل لكلامك .. ما كان هدفي أني أضايقك .. والله ماكان هدفي أني أجرحك وأوجعك
رتيل : هذا وما هو هدفك .. كيف لو كان هدفك وش كنت بتسوي فيني!!
عبدالعزيز أبتسم بضيق : اهدي ولا تبكين عشان أقدر أتناقش معك
رفعت عينيْها الباكية : أنا أبكي على حظِّي .. على حياتي الضايعة ...
يقُاطع لذاعةُ كلماتها ليسحبها لحضنه، شدَّها حتى ودّ لو أنها تدخلُ فيه : ما تضيع حياتك وأنا جمبك .....
يهمسُ بدفءِ أنفاسه في أذنها : رتيل ... خلينا ننسى كل اللي صار .. أمحيه من بالك
رتيل بصوتٍ مخنوق : وأثير ؟
عبدالعزيز : تجاهلي وجودها في حياتي
رتيل ببكاء الغيرة : كيف أعتبرها مهي موجودة وهي تعيش معك !!
يُبعدها بهدُوء ليمسح دمعاتها بأصابعه لتُكمل بوجَع : كيف تحب لك شخصين ؟
عبدالعزيز يُطيل الصمت والضياع في عينيْها التي يكرهها بقدر ما يُحبها، هذه العينيْن التي دائِمًا ما تُجرِّد قلبه من كل الكلمات، حتى أُصبح لا أعرفُ كيف أواسِي قلبك ولا أعرف كيف أواسي نفسي!
يُمسك كفَّها الأيسَر ليضغط عليه بكفِّه الأيمن، تنظرُ له بضياعٍ تام، لا أعتبُ عليك وعينيْك خمَاري، وأني والله يا حبيبي أخافُ العُريّ وأخافُ من نظراتِ المارَّة وأغار!.. أغارُ من العابرين والطُرق التي تراك ولا تراني فكيف بالإناث؟ كيف أقبل أن تأتِ أنثى وتسكُن معك؟ أن تراها وهي تستيقظُ أمامك؟ أن تُبصرها وهي تنام بجانبك؟ كيف أقبَل بأن تُشاركها طعامها، أن تُشاركها أمورها الحياتية الصغيرة والكبيرة، كيف أقبل بكُل هذا دُون أن يُخدشَ قلبي؟ دُون أن يضيق بيْ ويُحزنني؟ كيف أقبَل بأن ترى عيناك غيري؟
: ما توفِي يا عزيز .. ما توفي لا ليْ ولا لأثير ...
عبدالعزيز وهو يتلاعبُ بأصابعه على باطنِ كفَّها، عقد حاجبيْه بوجَعٍ أكبر : ما كنت متخيِّل ولو للحظة حتى بأكثر لحظاتي تشاؤم أنه حياتي بتكون كذا ! اني بتزوج بهالطريقة .. أنه بيكون على ذمتي ثنتين مو وحدة! .. كنت أحلم مثل الكل .. كنت أحلم بالبيت اللي بيجمعنا وبالأطفال اللي بيحملون إسمي .. كنت أحلم .. كنت أحلم فيك .. بس أنا ما حققت ولا أيّ شي من أحلامي ..... أنا ماني متضايق من أبوك .. بالعكس أعتبره بمقام أبوي، أنا متضايق لأني أفلست من هالدنيا .. لأن ماعاد أنتظر أحد ولا أحد ينتظرني ، متضايق لأن أبوي ماهو معايْ.. لأن أمي ماهي جمبي .. متضايق من أشياء كثيرة فقدتها وفقدت نفسي فيها، بس قولي لي تقدرين تعيشين بدون أبوك؟ .....
تُخفض رأسها لتسقطُ دمعتها الحارَّة على كفِّه التي تتغلغل بكفِّها،
عبدالعزيز يتعرى بجروحه تمامًا، لم يعد يُفيد الإسْرَار بشيء : ما تقدرين وأنا مقدر يا رتيل، إذا غبتي ساعة بتفقدك أختك وبيفقدك أبوك وبيفقدك مقرن وبيفقدونك أعمامك .. وبنات عمك والكل .. طيب أنا ؟ مين بيفقدني ؟ محد .. أفهميني بس ..
يُشتت أنظاره بضياع : أفهمي أنه القصد أبد ماهو أني ماني قادر أوفي لأثير أو لك ..

،

رفع فيصل عينيْه ليلتقط حضُورها، تجمدَّت ملامحه بأنها بعيدة وجدًا عن وصف والدتِه، لم تَصدِق بشيء سوَى شعرها الطويل ماعدا ذلك خرافات من أمي التي ترى شيءٌ لا أراه، أخذ نفسًا عميقًا وهو لا يرمش أبدًا، يوسف القريب منها يهمس بإبتسامة ساخرة : تبين تقهوينه ؟
هيفاء تُهدده بنظراتها العنيفة وتشعرُ بالإختناق وهي لم ترى سوَى أقدامه، بلعت ريقها لتتوسَّل إليْه بنظراتٍ ثرثارة، يوسف وقف لم يعد يعرف ماذا تريد منه بالضبط ؟ ودّ لو يتركها لوحدها حتى تتورط ولكن لم تتم الملكة بعد ولا يجُوز أن تختلي به لوحدها، جلست لتلتصق بيوسف.
يوسف يحاول بكل ما أعطاه الله من قوة أن لا يضحك بموقفٍ يجب عليه أن يكون الأكثر إتزانًا، طال صمتهم وطال ملله منهما.
فيصل تنحنح ليُردف : شلونك يا هيفا ؟
هيفاء بصوتٍ متقطع : بـ.. بخير
يوسف أشفق عليهم ليحاول هو الآخر بفتح موضوع : طيب يا فصِيل تقدر تقولنا الصفات اللي تبيها في هيفا
فيصل هدده بعينه ليشدّ على أسنانه : فصِيل بعينك!!
يوسف أتسعت إبتسامته حتى بانت اسنانه : يالله يا بُو عبدالله لا تبطي علينا عندِك 10 دقايق بس
فيصل ينظرُ لهيفاء التي تكاد تذوب في خجلها، بشرتها البرونزيَة مغريَّة حدِّ التأمل، عينيها شديدة الشبه بيُوسف يشعرُ بالضياع أمامها : ما عندي صفات محددة
يوسف غرق بضحكته الطويلة وهو يُشير له بيدِه دُون أن تنتبه هيفاء بأنه " تخرفن "
فيصل مسح على وجهه حتى لا يضحك ويضيع " البرستيج "
يوسف : طيب فيه شي ثاني ودِّك تقوله ؟
فيصل : وأنت مخليني أتكلم
يوسف : يالله قول وش عندِك ؟
فيصل بإبتسامة متزنة : أنا مستعجل ، عندِي شغل وأبي زواجنا يكون بأقرب وقت
يوسف لم يستطيع أن يُمسك نفسه ليضحك بخفُوت وبنبرةٍ ساخرة : عندِك شغل!
فيصل بإندفاع : والله محدد هالشي من زمان ومنصور عنده خبر
يوسف يلتفت على هيفاء بإستلعان : موافقة يا هيفا ؟ طبعًا إذا ما وافقت بتضطر تنتظرها
فيصل يُراقب حركة شفتيْها المرتجفة.
يوسف : وش قلتي ؟
هيفاء بحركة عفوية تغرز أصابعها في ذراعِ يوسف مُعبِّرة عن شدَّة الحرج التي تشعرُ بها.
يوسف : نعتبرها موافقة وصلى الله وبارك
فيصل أتسعت إبتسامته : أجل ألف مبرووك
يوسف وقف ليتجه مع فيصِل للخارج حيثُ مجلسهم الذي أجتمع فيه الجميع، أطالوا وقوفهم أمام الباب وأصواتهم تخفت قبل أن يدخلا للمجلس.
خرجت هيفاء دُون أن تنتبه أنهما مازالا واقفيْن ، رددت وهي تهفُّ على نفسها بيدِها بعد أن أعتلت حرارة جسدها والخجل مازال يُسيطر عليْها لتُنادي على والدتها بنبرة توشك على البكاء : يممممممه ... يممه وش ذا ..
يوسف تنحنح حتى تنتبه لهُما بينما فيصَل تمتدُ إبتسامته لآخر مداها.
شهقت وهي تتراجعُ للخلف وتشتمُ نفسها ويوسف وفيصل وكل عائلتها في ثواني قليلة، ودَّت لو الأرض تنشق وتبلعها حالاً .. حالاً.

،

الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . .
تعتلي قبضته لتُحاصر زندها وهو يصعدُ وهي تقاوم الصعود وتتمسك بالدرج : سلطاااان
يقترب منها ليفكُّ يدها من الدرج ويُحكم سيطرته على كلتا يديْها بيدِه ويصعدُ بها، أندفعت وهي تكرهُ نفسها أكثر حين ترضخ له : طيب آسفة .. خلاص آسفة ...
سلطان : أنا أعلمك كيف تتطاولين وتعلين صوتك عليّ! .... دخل بها لغرفتهما وأغلق الباب.
بقساوة ينزعُ حزامه العسكرِي الغليظ من بنطاله، تنظرُ له بدهشَة بعد أن تجمدَّت عروقها، ألتصق ظهرها بالباب : عمتِك ما رضيت عليها بالكفّ وأنا حتى الحريقة ترضاها عليّ !!!
سلطان بغضب : طيب يالمحترمة! يوم تعرفين تحاضرين وتناظرين !! شوفي نفسك كيف تكلميني!!
الجوهرة بربكة كبيرة أمام غضبه، أردفت بصوتٍ ركيك : وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ... وأنت على طول قدَّمت الضرب
تهزمه دائِمًا بالقرآن، بالآيات الي تعبره لتُمسك غضبه وتليِّنه، مدد أصابعه ليسقط الحزام على الأرض وقبل أن ينطق شيئًا أوجعتهُ بقدر الوجع الذي يترسبُ في قلبها، لتسخَر بكلماتها بجديَّة الحزن : وأظن أنك هاجرنِي بليَّا شي! ما هو ناقص بعد تحط في بالك الهجر
سلطان يقترب منها لتلتصق أقدامهما المتقابلة، بتنهيدته المتأنية : طيب يا حلوة
الجوهرة من قهرها لا تعلم ماذا تقول : لآ ماني حلوة!!
سلطان يكره أن يضحك في وقتٍ تضطرب به أعصابه ويرتفعُ به الغضب، أبتسم :وش تبيني أناديك ؟
انتبهت لكلماتها ليحمَّر وجهها، حاولت أن تُبيِّن اللاخجل : نادني الجوهرة
سلطان : طيب يالجوهرة بكلم أبوك وأعزمه عندنا قبل لا يرجع
نظرت له بملامحٍ أرتخت، شعرَت بأنه يفكّ قيدها تمامًا، هدأت أنفاسها وضاعت نظراتها في كل شيء بالغرفة ما عداه رُغم أنه لا يترك لها فرصة لتأمل شي وجسدُه يلاصقها تمامًا، لا تعرف كيف أنه يرضخ بسبب كلمةٌ بسيطة منها! أن يوافق على ذهابها لوالدها بعد رفضه.
سلطان بخبث يقطعُ سلسلة أفكارها : عشان أقطع يقينك بالروحة له
تغيَّرت ملامحها للأسوأ بعد أن رأت أملاً وسُرعان ما تبخَّر، لتتسع إبتسامته : تبين شي ثاني ؟ لأن ماراح أرد لك طلب
الجوهرة أمالت شفتِها السفليَة بغضبٍ شديد بعد سخريته بها، لا تعرف كيف تزورها القوة والجرأة أحيانًا، أندفعت : طيب يا حلو .. منك أنت بالذات ما أبغى طلبات
سلطان يُقلد نبرتها : لا ماني حلو
الجوهرة أخذت شهيق ونست الزفير من العصبية التي تُسيطر عليها : لآ تقلدني!!
سلطان مازال يُعاند، يشعرُ أنه يصغر 10 سنوات للخلف بتصرفاته : ناديني سلطان
الجُوهرة تُشتت نظراتها، تخاف من كلماتها القاسية أن تأتِ وهي تنظرُ لعينيه : يقول عني صغيرة عقل وما يشوف حاله
سلطان يضع ذراعيه على الباب لتُحاصر جسدِها : ما تبيني أمزح معك ؟
الجوهرة : أنت ما تمزح أنت تهين وبالشرع ما يجوز أنك تمزح بالإهانة
سلطان بإبتسامة : عاد أنا مزحي كذا
الجوهرة : وأنا ماأحب مزحك
سلطان : غصبًا عنك تحبينه ..
بغرورة الذِي يغيضها يُكمل : كل شي منِّي مجبورة أنك تحبينه
الجوهرة تعضُّ شفتها بغضب حتى أحمرَّت بالدمّ : طيب أبعد
سلطان : وإن ما بعدت ؟
الجوهرة تكاد تجَّن من تصرفاته التي لا تعرفُ بدايتها من نهايتها، كيف مزاجه يتلون بالدقيقة مئة مرَّة : سلطان
سلطان يُمسك ضحكته ليقترب أكثر فوق إقترابه الشديد : حاولي تدلعيني بكلمة ثانية وأبعد
الجوهرة : منت صاحي!
سلطان : هذي من معجزات القرآن، تقرأين عليّ آية وتضيعني
الجوهرة أضطرب نبضها وهو يتصادم في صدرها : طيب .. ممكن تبعد ؟ الحين حصة بتدوِّر علينا
سلطان بسخرية لاذعة : صادقة ماحسبناها! عمتي بتدوِّر علينا الحين وبتخاف إن ما لقتنا
شعرت بغباءها وسطحيتها في التبرير : سلطان لو سمحت جد أتكلم
سلطان : قلت دلعيني بإسم وأفكر أبعد
الجوهرة : طيب يا حلو ممكن شوي
غرق بضحكته : دلعيني دلع رجال
الجوهرة رفعت عينها لتُغيضه : يا سبحان الله حتى بالدلع ما ترضى تنتقص رجولتك بشي
سلطان يُغيضها أكثر : ما تنقص برجولتي الكلمات
الجوهرة : طيب إسمك ماله دلع رجولي
سلطان : إلا له .. أنتِ فكري وأنا بفكر معاك
الجوهرة تعرف ماذا يقصد : ما أؤمن فيه
سلطان أدرك أنها فهمت قصده : وأنا ما أؤمن باني أبعد الحين
طال صمتها لثوانِي طويلة حتى أردف بقهر : طيب يا سلطاني ممكن تبعد ؟
أبتسم : ولا تفكرين بيوم أنك بتقدرين تبعدين
الجوهرة وعينيها لا تستطيع ان ترفعها إليه، لاصق بطنه بطنها ولا فُرصه للحركة : طيب أبعد سويت اللي تبيه
سلطان يستمتع في إغاضتها وقهرها : قوليها وأنتِ حاطة عينك في عيني
الجوهرة بقهر أندفعت بغضبها : أنت تبغى تهيني وبس!
سلطان بهدُوء : الحين هالكلمة بتهينك! أجل يا ضعفك إذا الكلام يهينك
الجوهرة تضع يدها على صدره محاولة أن تُبعده ولكنه كالجدار واقف.
سلطان بخبث : أعدّ لما الثلاثة وبعدها تشهدِّي .. واحد . . . . . إثنين . . . .
نظرت لعينيْه وهي تفيضُ بالقهر، ستصبح هذه اللحظة من أسوأ الأشياء التي أحزنتني منه، يتلاعب بيْ مثلما يُريد، يُثبت أنه متمكن منِّي، بأني لا أستطيع أن أنسلخ منه، يُرضي غروره على الداوم بأنني غير قادرة على الإبتعاد، ليتني أفعل رُبع ما تفعل وأشعُر بأنني فعلاً مُتمكنة منك، بنبرة هادِئة : ممكن يا سلطاني تبعد لـ
لم تُكمل من قُبلتِه المُفاجئة التي قطعت عليها سيرَ الكلمات الخافتة، أتشعرُ بالضياء الذي يتوهَّج بجُغرافية جسدِي كُلما مررت بيْ؟ كم يلزمُ غيرك من الرجولة حتى يجيء نصفك؟ كم يلزمهم وأنت تختصرُ عليّ كل الرجال؟ مشكلتِي والله أنني أحبك ولا أعرفُ طريقًا أبتعدُ به عن حُبك، لا أعرفُ طريقًا للهرب وأنت لم تُبقِي ليْ مكانًا للهرب، رُغم أنك أكثرُ شخصٍ يُهينني، يستفزني، يُغضبني ويُحزنني ويُبكيني إلا أنك أكثرُ شخصٍ أشعرُ بأنِّي دُونه أعيشُ في غربة، مُشكلتي أيضًا أن عينيْك تُجهض كل محاولاتي البائسة في النهوض من وعثاءِ حُبك! كيف لك أن تحملُ هذا القدر من الرجولة القاسية لأنثى بسيطة مثلي؟ كل لك أن تحمل كل هذا الجمال العنيفْ الذِي يجلدُ قلبٌ هشّ مثلي؟ إن كُنت يومًا موسوعة أنا ثقافتُك يا سلطان.
أبتعد وهو يُبلل شفتيْه بلسانه، يومًا ما سأذهب ضحيَة لعينيْها الشفافتيْن وثلجيةُ ملامحها الناعمة، كيف لمجرَّة تدُور حول جسدِ أنثى وأضيعُ أنا في شمسها وقمرها ؟
لم تتجرأ أن تنظرُ إليه، وهي تتجه نحو الدواليب من الربكة لم تعد تعرف ماذا تفعل، دُون أن يلتفت إليها خرجَ للأسفل.
وضعت يدها على صدرها وهو يرتفع ويهبطُ بشدَّة : يا الله عليك!


،

وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه، أنا مستعد أن أعلن إنسلاخي من كل الأشياء التي تربيْتُ عليها مُقابل أن يتلاشى وليد من هذا الوجود، مُقابل أن تعود ذاكرتها كما كانت، مُقابل أن تكُون ليْ وحدِي، وحدِي أنا لا يُشاركني بها أحد.
زفرَ أنفاسه الغاضبة : وليد!! حسبي الله ..
بصراخ : تنسين شي إسمه وليد!!! أنتِ زوجتي رضيتي ولا ما رضيتي ... لا تخليني أفقد أعصابي معاك فوق ماني فاقدها
غادة بحنق : أقولك فاقدة ذاكرتي ماني عارفة إذا أنت تصدق بكلامك ولا تكذب .. وش يذكرني .. الله يخليك أتركني .. أتركني بس أرتب أوضاعي
يشدِّها حيثُ الجزء الآخر من الصالة التي تُخزِّن بها الذكريات بلا إنقطاع، تحبسُ أصواتهم وكلماتهم الضيِّقة الحزينة والسعيدة المُتغنجة، فتح الحاسوب المحمول ليُشغل إحدى الأقراص
ناصِر : شوفي بنفسك وأعرفي مين الصادق ومين الكذَّاب
غادة بتشتيت نظراتها : عارفة ماله داعي أشوف .. لو سمحت
ناصر رفع حاجبه والغضب يسيطر على أعصابه: صار بيننا لو سمحت؟؟ بعد
غادة نظرت إليْه والمقطع يُحمِّل حتى يُفتح : لا تضغط عليّ
ناصر عقد حاجبيْه الحادتيْن : ما أضغط عليك!! هذا شي ضروري عشان تعيشين! أنتِ ما تعرفين تعيشين بدوني وأنا مقدر أعيش بدونك .. عشان كذا ضروري تكونين معايْ!! مفهوم ؟
غادة تنظرُ للشاشة التي أتسعت بصورتها وصوتها الذِي أنهمر على مسامعها.
تسير من بعيد في مكانٍ كان بالماضِي مقهى، مهجور جدًا لا تسمع سوى صدى أصواتهم، تنظرُ للكاميرا الموجهة إليها : للحين تصوّر
ناصر بضحكاتِه اللامُنتهية: تأخرتي قلت أوثق المكان .. وقف ووضع الكاميرا دون أن يوقفها على الطاولة المتصدِّعة
تعانقه وتتنفسْ عِطره : وحشتني
ناصر : ماهو أكثر منِّي .. جلسا على الكنبة الرثَّة .. هالمرة بعد عجئة سير؟
غادة : ههههههههههههه لأ أبوي فتح معي تحقيق وعطاني محاضرة بطول وعرض
ناصر : مانيب متكلم عن أبوك
غادة وبأصبعها تداعب خدّه الخشن : هو تقدر ؟
ألتفت عليها ووجهه يُقابل وجهها : بصراحة لأ
غادة وترى بقايا أحمر شفاه على خده : مع مين جالس قبلي ؟
ناصر ويراها من المرآة المتكسِّرة على الجدار :يامجنونة هذا رُوجك !!
غادة وتقترب منه لتمسح بأصابعها بقايا رُوجها على خدّه وبمرواغة من ناصِر ليُقبلها لكن ألتفتت للسقف وكأنها تتأمله
ناصر : لا والله ؟
غادة بإبتسامة تنظرُ لِمَا حولها : هالمكان من متى مهجور ؟
ناصر : تبخلين على اللي مشتاق لك ؟
غادة : عشان تطفش مني بعد الزواج
ناصر : مين قايلك هالحكي
غادة ضحكت لأنه يعرف من ينصحها ويُعطيها كل هذه المواعظ.
ناصر : نصايح حكيم زمانه عبدالعزيز !! شغله عندي ذا أتركيه عنك لو تسمعين له صدقيني تضيعييين ..
غادة : ههههههههههههههههههههههههه بس أنا أقتنعت بكلامه
ناصر : لازم يخرّب عليّ كل شيء هالولد
غادة : قولي وش أخبارك ؟
ناصر : ماشي حالي
غادة : أنت بس ناظر عيوني وأتحداك بعدها ماتقول أنك بألف خير
ناصر بحُب وعينه بعينيها : وعيُونك تعطيني درُوس بالفرح بالسعادة يابعد ناصر أنتِ
غادة أبتسمت وهي تنظر للكاميرا : للحين شغالة ؟
ناصر ألتفت عليها ويسحبها ليُغلقها . .

أضطربت وقلبُها يصطدم بصدرها الذِي تبلل بالكلمات الخجلى التي لا تعرفُ كيف كانت تتجرأ بنطقها أمامه، أحمرَّت خجلاً من حركاتها وكلماتها معه، هذه العلاقة لا تُوحي بانها سنة أو سنتين، جُرأتي تُوحي بأن الذي مضى عمرًا كاملًا.
أخذت نفسًا عميقًا وهي تصارع دموعها : لا تشغل شي ثاني
دُون أن يلتفت لها يُشغل القرص الآخر الذي هو نفسه لم يراه منذُ فترة طويلة بعكسِ الذي سبقه.

على القارب الذي يعبرُ نهر السين ولا يُشاركهم به أحد، تُمسك الكاميرَا وهي تصوِّره وأطرافها ترتجفْ ببرودةِ الأجواء : ناصر خلاص أبعدنا خلنا نوقف هنا
ناصر يُجمِّع كفيْه وهو يُدلكهما حتى يتدفئ : الجو يناسب القصيد
غادة تضع الكاميرَا لتثبت الصورة على أجسادهم من بطونهم حتى أقدامهم، أقتربت منه حتى يُحكم قيده على يديْها ويُدفئهما، قرَّبها إلى الأعلى وكانت تُوحي بأنه قبَّلهُما
غادة تزفرُ أنفاسها الباردة ليحملها ناصر بخفَّة ويجعلها تجلسُ أمامه، صدرُه يلاصق ظهرها وذراعيْه تُحيطها : متى نتزوج ؟
غادة : ههههههههههههههههههههههه كم مرة سألت هالسؤال
ناصر : وبضِّل أسأل لين يرحمنا أبوك ...
غادة : هانت! ما بقى شي ويجي تقاعد أبوي وبعدها أكيد بيعجِّل في الزواج

تُطبق الشاشة، ترفضُ أن ترى حياتها السابقة بعينيْها، تعالت أنفاسها وهي تتوسَّلُ إليه : يكفي! .. ما فيني حيل أشوف أكثر
يضع كفِّه على كفِّها : وأنا ما فيني حيل أشوف صدِّك
تلتفت إليْه وملامحها تُضيء بالدمع : طيب هذا فوق طاقتي! والله فوق طاقتِي ...
ناصر بغير وعي/إتزان : مافيه شي إسمه فوق طاقتك! يعني تبين حياتك هذي؟ اللي ماتعرفين فيها حتى إسمك
غادة : أنا مشتتة عطني الوقت اللي يخليني أستوعب كل هذا
ناصر : وأنا من يعطيني الوقت ؟
غادة ودمُوعها تتساقط : أرجوك ناصر
ناصر يقف مُبتعدًا عنها : يا قساوتك!
وبعصبية بالغة يرتفعُ على سطحه مُلكيته بها : بس طلعة من هنا لو تموتين ما طلعتي! حياتك هنا! مالك مكان عند غيري .. مالك مكان أبد

،

تمرُّ الأيام بصورةٍ مُهيبة، الهيبة التي تجعل الجميع ينحنِي إليْها، لا أعرفُ كم من الوقت يلزمُ أبناء جنسنا حتى يستوعبُ أن الهجر لا يزيدُ قلوبنا إلا مضرَّة/كدرًا! يراقبها وهي تأكل بهدُوء بعد أن أعتادت الأكل باليسار والآن تحاول أن تعتاد على يدِها اليمين التي نستها طوال الفترة الماضية، رفعت عينها : فيه شي بوجهي ؟
عبدالعزيز أبتسم : لأ
رتيل : شككتني بحالي، اليوم عندك شغل ؟
عبدالعزيز : إيه أنتظر أبوك يجي
رتيل : ما نام إلا الفجر
عبدالعزيز : الله يعينه ... نظر للمصعد الذي أنفتح بخروج عبير .. طيب 10 دقايق يا رتيل وتمشين معي .. ماهو أنتظرك ساعة!
رتيل تنظرُ لعبير التي لم تتوقع أن تجد عبدالعزيز اليوم بحُكم الأشغال التي أزدحمت في الأيام الماضية
عبدالعزيز دُون أن ينظر إليها : شلونك عبير ؟
عبير بخفوت : بخير الحمدلله
رتيل : طيب 10 دقايق وأجيك ، خرج ليتركهما
عبير : ليه ما قلتي لي أنه بيجي اليوم ؟
رتيل : نسيت ..... تنظرُ لمحادثات الواتس آب ... يارب صبِّرني
عبير : مين ؟
رتيل بشغف تلتفت عليها بكامل جسدها : تذكرين اللي تمشي مع صديقة هيفاء الطويلة .. اللي دايم تسوي بشعرها حفلة
عبير ضحكت لتُردف : إيه عرفتها .. إسمها هناء مدري نهى
رتيل : المهم قبل كم يوم جتني تعزمني لعرس أخوها قلت لها أني ماني في الرياض! راحت قالت لهيفا أني أكذب وأني أنا أتحجج عشان ماأجي .. جتني هيفا تقول أشوى أنه عندك عذر عشان ماتجين عرسهم أنا وش عذري! المهم الهبلة هيوف كتبت هالكلام في محادثتها .. وسوَّت لها فضيحة
تُقلد صوتها رُغم أنها لم تسمعه إلا لمرةٍ واحدة : أنتم ماتبغون تجون بكيفكم محد غاصبكم ! ليه تنافقون وتمثلون عليّ وأنتم وأنتم .. ههههههههههههههههههههههههه تفجرت البنت .. هيفا كلمتني الصبح تقول مسوية نفسها ميتة ما ترد على هواشها .. تو الحين كاتبة لي نهى .. ما فيه تقدير للعشرة تتزوجين وماتقولين لي ؟ بغيت أحط لها ضحكة طويلة وأقولها عفوا مين أنتِ ؟ يختي غصب تحط بيننا عشرة وأنا ما شفتها الا مرة وحدة
غرقت عبير بضحكتها لتُردف : هبلة هالبنت! لا تردين عليها وأسفهيها
رتيل : عقلها صغير أستغفر الله .. مشكلتي ما أحب أحش بأحد
عبير بسخرية :بسم الله على قلبك ماتحبين تحشين أبد!
رتيل : يعني صراحةً فيه ناس غصب يخلوني أحش ولا أنا ما ودي .. تحسين كأنهم يقولون لك تكفين حشِّي فينا
عبير : أصلاً أنا ما أدانيها يختي قلق مررة
رتيل : مدري كيف صديقة هيفا تماشيها! أبد الضد منها
عبير : تخيلي في ناس تشوفك وتقول .. كيف هيفا تماشي رتيل ؟
رتيل : يآكلون تراب! الحمدلله صدق أني أسوي أشياء غبية في حياتي بس ماني قلق ولا نشبة ولا أهايط .. الله يآخذ سيرة الهياط يختي تذكرني بناس وصخة
عبير: سبحان الله كل الناس وصخة ماعداك
رتيل غرقت بضحكتها لتُردف : أستغفر الله الله يتوب علي بس آخر وحدة بحشّ فيها وإن شاء الله أني بعدها بتوب، تعرفين بنت صديقة أبوي اللي إسمه مدري إسم جده معاذ .. اللي تعرفنا عليها أيام الثانوي ..
عبير أتسعت محاجرها : لآ تقولين لي أنك متواصلة معها إلى الآن .. قديمة مررة
رتيل بحماس الموضوع : معي في الواتس آب ، المهم أرسلت بي سي حق ..
تُقلد صوت الدلع : البنات الكيوت و اليايْ .... المهم كتبت المناكير وعلاقتها بالحب .. قلت لها طيب اللي ماتحط مناكير ؟ فشلتني الكلبة وقالت ماهي بنت ماتدخل من الفئة المعنية بالبي سي ! قلت طيب اللي تحط مناكير شفافة ؟ قالت لي لحوج! قلت طيب اللي تحط مناكير زي لون شعرك .. الحيوانة عطتني بلوك ..
عبير : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههه قسم بالله أنك حقيرة يا رتيل
رتيل بصخب ضحكاتها : قهرتني الكلبة أجل أنا لحجية وهي صابغة شعرها أصفر .. يا ليته أشقر بعد .. عاد هذا قبل سنين يمكن أنها الحين صبغته أسود وعقلت
عبير صمتت وشتت أنظارها لتلتفت رتيل للواقف أمامها : خلصتي حشّ ؟
رتيل بإبتسامة ونظراتها العفويَة تبتسم معها : باقي أنت ما حشينا فيك
عبدالعزيز : قومي معي منتِ كفو أحد ينتظرك
رتيل تقف : طيب خلاص ... أتجهت معه للخارج وبنبرة الفلسفة الغير مقنعة : تعرف عبدالعزيز وش يروقني ؟ لاحظت أنه أكثر شي يروقني لما تكون سعيد
عبدالعزيز ألتفت عليها : بحاول اصدق
رتيل : هههههههههههههههههه جد أتكلم! أنت أنبسط يا قلبي وأنا اروق
عبدالعزيز تنهَّد : تحبين تتطنزين على علاقتنا كثير! ملاحظ هالشي و أصلا هالفترة واصلة معي وأنتظر الزلة على ايّ أحد عشان أتهاوش معه
رتيل : هذا شي يرجع لخلل عقلك لكن ظاهريًا أنت سعيد
عبدالعزيز يعض شفتيه ليحاوط رقبتها بذراعه ويُنزل رأسها ناحية بطنه
رتيل : خلاص خلاص آسفين .. عورتني توَّها راجعة لي رقبتي تبي تطيِّرها بعد
عبدالعزيز يتركها : أنتِ ما تروقين يا قلبي أنتِ تهايطين
رتيل أتسعت بإبتسامتها : أستغفر الله أستغفر الله .. اليوم بجلس أستغفر عن كل شخص حشيت فيه ...
عبدالعزيز : أنتِ كويِّس ما تحشِّين في ظلك
رتيل عقدت حاجبيْها : تبالغ مرة .. أنت والله اللي كويِّس ما تتهاوش مع ظلِّك
عبدالعزيز : بس أنا أقولك وش اللي مروقك هاليومين ؟
رتيل : وشو ؟
عبدالعزيز وهو يسير بجانبها على الرصيف الصاخب : أنك صايرة ما تتهاوشين معي وتعاندين! عشان كذا أمورنا طيبة
رتيل : إذا أنت ما نرفزتني ما اتهاوش معك
عبدالعزيز بخبث : ولا عشان ماتشوفين أثير
رتيل وقفت وهي تعضُّ شفتها السفلية بحقد.
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه بترجع الليلة لازم تقومين بواجب السلام
رتيل تُكمل سيْرها حتى لا تلفت إنتباه أحد : شفت! ما ترتاح إلا إذا عصبتني وأنا مروقة .. يخي أتركني أنبسط لو يوم
عبدالعزيز : أبشري على هالخشم
رتيل أبتسمت : طيب .. وين بتوديني اليوم ؟
عبدالعزيز يواصل خبثه المُتغزل : لقلبي
رتيل ضحكت لتُردف : لاحول ولا قوة الا بالله .. جد عزوز
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههه وصرنا نقول عزوز ؟
رتيل : عفوية لا تجلس تدقق
عبدالعزيز : طيب عندي لك موضوع سري سري سري للغاية .. حتى بينك وبين نفسك لا تفكرين فيه
رتيل رفعت حاجبها : وشو ؟
عبدالعزيز : يخص أختك عبير
رتيل : إيه وشو .. خوفتني
عبدالعزيز : خلينا نجلس بالأول بمكان هادي وأقولك

،

ينظرُ لساعته بربكة : والله لا يعلقني معك ترى إحنا واعدينه ..
أحمد : طيب أنت توترني .. أبلع لسانك وبطبعهم الحين
متعب يقترب للنافذة التي تطلّ على بوابة المبنى الرئيسية : إن جاء ومالقى الأوراق بيقول أننا مو قد الوعد وعاد والله لا يمسكها علينا سنة قدام
أحمد : متعب إكل تراب .. دبلت كبدي ووترتني معك .. بيجي وبيلقى كل شي جاهز
متعب : بيمسكني دوام ليلي والله لا يذبحني معه .. انا أعرفه
أحمد يرمي عليه علبة المناديل : يخي أسكت
متعب صمت قليلاً ليُردف بصوتٍ عالِي : جاء .. جاء .....
أحمد يسحب الأوراق من الآلة ليركض للطابق الثاني الذي يحتوي على مكتبِ سلطان، متعب يسحبُ بقية الأوراق التي نساها الغبيُ الآخر وهو يركض خلفه ... دخل أحمد لمكتبه.
متعب الذِي أصطدم بالطاولة وآلمت بطنه، تحامل على ألمه ليركض نحو مكتبه وتجاوز بابه ليعُود للخلف بـ " سحبَةِ " أقدامه التي أنزلقت نحو الداخل ... وضع الأوراق على مكتبه بترتيب.
مرّ زياد بكُوب القهوة ليسحبها منه متعب ويضعها على طاولة سلطان. زياد بسخرية : ممشيك على الصراط !
أحمد : وش تحس فيه ؟
متعب : عشان يشوف القهوة باردة ويعرف أننا مجهزين كل شي من زمان .. ذكاء يا حبيبي ذكاء ... وخرجا مُتجهين لمكاتبهم.
أنفتح المصعد ليتجه سلطان دُون أن ينتبه للربكة التي حصلت قبل قليل، وقبل أن يدخل مكتبه تراجع عدة خطوات للخلف ونظرُ لمتعب ، أشار له من خلف الزجاج أن يأتِيه.
متعب تبعه : سمّ
سلطان ينظرُ للقهوة التي واضح أنها سبقت شفاهُ أحد : مين داخل مكتبي ؟
متعب : محد بس أنا الصبح حطيت الأوراق اللي طلبتها مني
سلطان رفع حاجبه : وهذي القهوة مين له ؟
متعب شعر بالورطة الحقيقية : لي أنا طال عُمرك! .. نسيتها ... أقترب وأخذها.
سلطان يجلس ويطيل النظر بعينِ متعب ليستنسخ الكلمات منها : وجهك ما يبشِّر بالخير
متعب وفعلاً يُريد أن يبكي الآن من قهره، مهما فعل يشك به سلطان : علمني وش أسوي! كل شي أسويه تشك فيه
سلطان بجمُود : بعد أبكي زي الحريم
متعب ويشعرُ بأنه تعقَّد تماما من هذا العمل : ما أبكي بس أشرح لك الحرقة اللي في صدري
سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك : حرقة بعد !!
متعب : هذي الأوراق وجاهزة .. والحين تجيك القهوة زي ما تحبها .. أنت بس آمرني
سلطان يضع يده على خده ويتكئ : متعب ماودِّك تترقى ؟ تدخل دورة وتآخذ رتبة جديدة
متعب ببلاهة : لا .. أنا كذا مرتاح
سلطان : طيب فارق
متعب : شكرًا ... وخرج
سلطان أبتسم على كثرة أخطائه الفادحة والغبية إلا أنه يُسعده حضوره، مسك الأوراق ليُراجعها بعد أن عاود نشاطُ عبدالعزيز مع عبدالرحمن في باريس. بدأ العدّ التازلي لإنتهاء الجوهي أو إنتهاءُ إدراتنا!

،

دخَل لتلتقط عينيْه جلوسها على السرير وبين أحضانها عبدالله، تُلاعبه بأصابعها وتُغني له بصوتٍ خافت، بإبتسامة : مساء الخير
رفعت عينيها : مساء النور ...
بربكة أردفت : كانت هنا هيفاء وخلته راحت تشوف أمها ...
يوسف : أصلا عادِي مافيها شي .... جلس بجانبها : رحتي الجامعة اليوم ؟
مهرة : إيه قبل شوي رجعت ... هالكورس إن شاء الله أتخرج وأرتاح من هالهم
يوسف يأخذُ عبدالله من أحضانها ويُقبِّل خده : وزين خدوده يا ناس ...
مُهرة أبتسمت : أحترت فيه مو طالع على واحد فيكم .. بس فيه شبه من عمِّي
يوسف : طالع على سميَّه ... أنا أدعي الله أنه طنازتي على خلقه ما تطلع في عيالي
مُهرة : ههههههههههههههه عقب وش؟ تطنزت وأنا اللي بآكلها
يوسف : انا واثق بجمالهم .. دام أني أبوهم غصبًا عنهم يطلعون حلوين
مُهرة : إذا ولد انا بسميه وإذا بنت بكيفك .. علاقتي مع أسماء البنات مهي كويسة
يوسف بضحكة : أنتِ إسمك كله على بعضه مو كويِّس
مُهرة رفعت حاجبها : إسمي اللي مو عاجبك معناه ..
يُقاطعها : والله داري وش معناه .. بس أنا كذا ما أحب الأسماء العنيفة .. أحب الركَّة *الرقة* *أردف كلمته الأخيرة بضحكة عميقة*
مُهرة : لو بنت وش بتسميها ؟
يوسف : ريَّانة بلا منازع وبخليها لولد عمَّها عبدالله
مُهرة : تدري لما كنا صغار كانوا مسميني لولد خالي مساعد .. بس تزوج يوم كنت في اول سنة جامعة
يوسف : شفته ؟
مُهرة : إيه كان موجود يوم جيت حايل ... لحظة عندي أخته حاطة صورته ... أخرجت هاتفها لتفتح بروفايل إبنة خالها على صورة أخيها
يوسف لم يُدرك من قبل أنه يغار بهذه الصورة الشديدة، نظر للصورة بحدَّة : طيب
مُهرة بعفوية : بس قهرني! يعني لما تفكر طول مراهقتك بأنك بتكون معه وتبني أحلامك على هالأساس بس آخر شي كسر قلبي وتزوج وحدة ثانية
يوسف بسخرية : بسم الله على قلبك اللي كسره
مُهرة : ههههههههههههههههههه جد أتكلم يعني بوقتها ما كنت أشوف من الرجال أحد غيره ..
يوسف بهدُوء يُقاطعها : مُهرة ممكن تبطلين حكي في الرجَّال اللي تزوج قدامي
تجمدَّت ملامحها بالإحراج : ما كان قصدي
يوسف : داري .. وضع عبدلله على السرير ليستلقي بجانبه مُرهقًا من العمل ...
مُهرة تقترب منه : بكرا موعد الدكتورة .. بتجي معاي .. بيكون الساعة 10 الصبح
يوسف وهو مُغمض العينيْن : طيب يعني بتداومين ولا كيف ؟
مُهرة : لآ ماراح أحضر .. بس أنت بتطلع من دوامك ؟
يوسف : إيه ولا يهمك
مُهرة ألتزمت صمتها وهي تُطيل النظر به، من أنفاسه يتضح أنه لم ينَم بعد، قطعت الهدوء : طيب إذا ما تبغى تنام أجلس معاي لأنه مو جايني النوم ومحد في البيت .. طلعت هيفاء مع عمتي ونجلا
يوسف مازالت عيناه مغلقة : من آثار الحمل أنك تكونين قلق؟
مُهرة أبتسمت : لأ بس طفشانة
يوسف يفتح عينيْه : تعرفين تسوين مساج لرآسي
مهرة : لأ
يوسف : حايلية على وش ؟
مهرة : ليه الحايليات لازم يعرفون كل شي
يوسف : إيه مين أسنع حريم بالسعودية ؟ بنات الجنوب وبنات الشمال
مُهرة : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه على كيفك تقسِّم ... بالعكس نجد مسنعات بعد
يوسف : بالنسبة لي أنا أشوفهم التوب
مهرة بخبث : مجرِّب ؟
يوسف : أنتِ أدخلي معي الإستراحة وبتشوفين حوار الثقافات اللي يصير
مهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههه ما تمِّل وأنت تتطنز على ربعك
يوسف : تراني أحبهم وأغليهم على كثر طنازتي! تحسبينا زيكم .. نتطنز من الغيرة والكره
مهرة : يخي لا تعمم .. كل شي حريم وحريم .. فيه الشين وفيه الزين دايم
يوسف : طيب بجلس أقول كل شوي " بعض " و " بعض " .. خلاص أكيد ما أقصد التعميم يعني كل حريم حايل سنعات هذا أنتِ غير عنهم ما قلت شي
مُهرة عقدت حاجبيْها : طيب نام خلاص
يوسف يضحك بصخب ليُردف : أنا لاحظت فيك صفة خايسة
مُهرة تكتفت : إيه وشهي
يوسف : ما تتقبلين الأراء ...
مُهرة : وشنوحك كل ما قلنا لك كلمة قلت ما تتقبلين الأراء!
يوسف : هههههههههههههههههههههه إيه طلعي اللهجة
مُهرة أنتبهت لكلمتها لتُردف بنبرة حائلية بحتة : أنا هاتس طبعي ما يعجبنن الطنازة وكل ما قلت شي تحندر بوه تسنِّي مِكفرة
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههه يا ولد .. لا لا هذا كلام كبير .. كيف أرد عليك الحين
مُهرة بإبتسامة عريضة : والله وش زين اللهجة بس لأني متعودة على الرياض ما صرت أحكي فيها

،

يُقابله في إحدى المقاهِي القريبة من شقته ليشرح له بطريقة لا يستوعبها قلبه العاشق، يُردف بحنق : ومع مين كانت جالسة ؟
وليد يتأملُ ملامحه الحادَّة، دائِمًا ما كنت أملك قناعة أن فئة ناصِر يملكُون وسامةٌ قاسيَة، قاسية حتى على أنفسهم حين تحتدُ بالغضب : كانت جالسة مع وحدة إسمها أمل
ناصر : ومين تطلع ؟
وليد بهدوء : ما أعرف!
ناصر : وطيب هي وينها الحين ؟
وليد : هربت
ناصر : هربت!!!.. ليُردف بغضب : تستهبل على مخي ؟
وليد : أنت شايفني بموضع إستهبال! أنا أكلمك جد كانت معاها وهربت ... مالها وجود بعد ما هبَّلت في غادة وخلتها تشك في نفسها وفي قدرتها على عودة الذاكرة .. كانت تتذكرك وتتذكر ناس كثير بس بطريقة مشوشة لكن حصل لها الحادث الأخير وفقدت كل ذكريات السنوات القريبة وصارت تتذكر الماضي البعيد .. وهذي حالة من حالات فقدان الذاكرة الرجعي اللي مالنا أيّ سيطرة عليها ولا تحكم عليها الحوادث وتصنيفها .. لأن الحوادث اللي تأثر على الرآس تختلف نتايجها من شخص لآخر .. انا ماراح أحبطك .. لكن صعب جدًا أنه غادة ترجع لها ذاكرتها بهالظروف .... تقدر تعيش معها وتبدأ من جديد ...
ناصر شد على شفتِه : كيف يعني أعيش معها وأبدأ من جديد ؟ مافيه علاج ثاني
وليد : قلت لك الإصابات في الرآس تختلف، بالنهاية 80 بالمية من العلاج يعتمد عليها هي وعلى نفسيتها، لكن أنا أقولك من واقع التجارب .. إذا فقدت ذاكرتها للمرة الثانية صعب ترجع لها، .. أقولك كدكتُور غادة واقفة ذاكرتها لزمن معين وهذا الزمن كان فيه ناس تثق فيهم، مستحيل الحين تتكيف بسهولة وهالصدمات منك راح تضرها أكثر ما تفيدها .. المطلوب منك أنك تجيب لها ناس كانت تعرفهم قبل 2007 وتثق فيهم عشان يساعدونها في ذكرياتها .. لأنها ببساطة أنت في موضع غير ثقة بالنسبة لها ولذاكرتها
ناصِر يُطيل نظره به ليُردف ببرود : وأنا أقولك خلك بعيد عنها .. وهالنصايح ماتهمني في شي وسالفة أنه ذاكرتها واقفة عند زمن معين أنا أرجِّع لها ذاكرتها يا شيخ بدون خدماتك ... و خرج ليتصل على والده ويسأله عن أوراق غادة التي لم يُصارحهه بها، يُدرك بأنه سيكذبه ويشكُ في عقله، أكتفى بأن يرمز لها بإسمها السابق " رؤى ".
في جهةٍ أخرى كانت تبحث في شقته بعد أن حبسها به، كانت تنظرُ للصور التي تجمعهم وضحكاتهم التي تلامسها بأصابعها، فاض الحنين بها، ما أقسى الحزن وما أقساه على قلبي، كيف أستردُ صوتِي الذِي أقرأه خلف هذه الصور والرسائل، كيف أستردُ ضحكتي التي تُرسم على هذه الأوراق! كيف أستردُ ذاتي التي ضاعت، سقط دمعها على عينِ عبدالعزيز الذِي يتوسطهما بالصورة، أشتاق لك يا عزيز، أشتاق لك فوق ما تتصوَّر، أشعر بأن غيابك مُختلف عنهم، أنت الذِي كنت قريبًا منِّي في لحظاتِ حُزني وإنزعاجِي، أنت الأب في مكوث أبي في الرياض، أنت وحدُك الذِي أشعرُ بأنه يجمع كل التصنيفات " أب، اخ،صديق، حبيب " أشتقت، أشتقت . . .
تقرأ على الصورة التي كُتب على طرفها " فيني بدو ماتوا ضما للمواصيل " ، نزلت دموعها بإنسيابية ليُكمل قلبها على روح عبدالعزيز التي تحنُّ لها : وجيههم من لاهب الشوق سمرا
عضت شفتِها تحاول أن تُمسك دمعها الشفاف من عُمق السقوط، كثيرٌ عليها أن تتحمَّل هذا الكمُ من الذكريات، هذا الكمُّ من الحزن، دقائِق قليلة حتى أنفتح الباب لتلتفت عليه.
ينظرُ ليديْها التي تعانق الصور، أقترب منها : مساء الخير
غادة الرافعة شعرها ككعكة في منتصف مؤخرة رأسها، تسيلُ دموعها دُون أن يواسيها الليل الطويل الهابط على رأسها، نظراتها الضعيفة تخنق ناصِر، تهزمه بكل ما تملكُ من رقَّة.
ناصر بهدُوءٍ متزن : إن شاء الله كلها كم يوم وراح نطلع من باريس
غادة بلعت الغصة التي تبحُّ معها صوتها : لوين ؟
ناصر : إلى الآن ما قررت بس أكيد مكان قريب ماراح نبعد كثير عن فرنسا..
غادة أخذت نفس عميق : ممكن أسألك سؤال ؟
ناصر بضيق : ممكن أطلب منك أنك ما عاد تستأذنين لطلباتك وأسئلتك .. تجرحيني يا غادة! .. تجرحيني كثير لا قمتِي تعاملني كأني غريب عنك
غادة شتت أنظارها للصورة التي بين يديْها : مو قصدِي .. انا .. بس أبغى أعرف وين عبدالعزيز ؟
ناصر : بهالفترة ماهو هنا .. إن شاء الله في الوقت المناسب راح تشوفينه
غادة : هو بخير ؟
ناصر : إيه بخير الحمدلله
غادة بحزن يشطرُ قلبها، لا أحد يفهم معنى أن أفقد الأخ الذي يوازي مقام الأب : يدري عنِّي ؟
ناصر : غادة .. راح تشوفينه قريب
غادة تسيلُ دمعتها التي لم تقل حرارتها عن كل دموعها التي عاشت في ركامها طوال السنة الفائتة والنصف الذي يفوت الآن : مشتاقة له حيييل
ينظرُ لها وهو يشعرُ بالعجر من أنه لا يستطيع أن يعانقها بكامل إرادتها، أن يمسح دموعها دُون أن تنفر منه، دُون أن تضيق، أن يُقبِّل كل دمعة تسقط منها ويحكي لها أنها جميلة جدًا عندما تبتسم، أن يرى ضحكاتها التي أعتادها، هذا وجهُ غادة الثاني! ليست غادة المرحة السعيدة التي أعتاد أن يغرق في حضنها ويعُود كمراهق أمامها، هذه ليست غادة التي أضيعُ في عينيْها وأحكي لها من الكلماتِ شعرًا ونثرًا ، هذه ليست غادة التي أستمتعُ بإغاضتها لأرى عُقدة الحاجبيْن التي أشتهي أن أقبِّلها دائِمًا، هذه ليست غادة التي تحاول أن تبتعد كُلما حاولت أن أقترب لتزيد لوعة قلبي، لتزيد من شغفِي بأن أعنِّف ملامحها بقبلاتِي وتعنيفِي رقيق ما دام يسكنها، هذه ليست غادة التي تبكِي مرَّة وتضحكُ مرَّات، هذه ليست غادة والله ولكن ذاتُها التي أتولَّعُ بعشقِ عينيْها وأغرقُ بشفتيْها، هي ذاتُها من أحب، هي ذاتُها التي تزيدُ عذابِي وتُميتني في كل مرَّة، الذاكرة مُضحكة للغاية! إن وددنا تذكُر شيءٍ بسيط نجد أنفسنا ننسى! وإن حاولنا النسيان نجد أنفسنا نتذكرُ أبسط التفاصيل، مُضحكة لأنها تستفزُ قلبي! تستفزُ حبي الذي لا يسكنه أحدٌ سواك.

،

لم تعتاد بعد على أجواءِ الشرقيَة الرطِبة والتي بدأت بالميل للبرودة قليلاً، لم تعتاد على جوّ البيت الخاوِي، ولولا وجُودِ أفنان كان من الممكن أن تنهار من وحدتِها، منذُ أتينا هنا وأنا لا أراه إلا أوقاتٍ قليلة، يستغلُ أيّ محاولة للإبتعاد، لا أراه إلا عندما ينام وأحيانًا أنام قبله ولا أراه، ولا أراه إلا عندما أستيقط وأحيانًا يستيقظ قبلي ولا أراه وما بينهما أنا ضائعة لا أعرفُ أين مستقرِ أقدامه، كثيرٌ عليّ أن أتحمَل كل هذا، كل هذا الهجر والصدّ وانا في أولِ حياتي معه، إما أن يختار طريقًا صالحًا لحياتنا أو " بلاها هالحياة " ، حتى ملكةُ هيفاء لم أستطع أن أحضرها، كان يعاقبني على أخطاءٍ بسيطة، على صوتِي الذي يعتلي لحظة من فيضِ قهري، أنا لا أفهمك يا ريَّان ولا أريد أن أفهمك مطلقًا.
رفعت عينيْها على دخوله، صدَّت لتُكمل قراءة الكتاب الذي لم يستهويها يومًا، و دائِمًا في لحظاتِ وحدتنا وعُزلتنا نبرع في ممارسة أكثرُ الأشياء سوءً وأكثرُ الأشياء كرهًا للقلب، أقرأ حتى أملُّ وأنام، لا شيء مفيد يمكنني فعله غير هذا، لأني ببساطة لا أريد التفكير بك، لا أريد أن أفكِر لِمَ يتصرف بهذه الصورة ؟ ظنوني السيئة بك تتجدد في كل لحظة وأنا لا أحبذ مناقشتها مع عقلي.
يسحبُ الكتاب بتأني بين يديْها ليجلس أمامها، ترفعُ عينها له : تآمر على شي ؟
ريَّان : ليه جالسة لوحدك ؟
ريم ببرود تتضحُ به حدةِ الحُزن في نبرتها : كذا .. مزاج
ريَّان : طيب أنزلي معي ..
ريم : أبغى أجلس بروحي
ريَّان رفع حاجبه : ليه ؟
ريم : أمر يخصني
ريَّان بهدُوء : وأنا أبغى أعرف وش الأمر اللي يخصك ؟
ريم بحدة تكررها وكأنها تبدأ الحرب على ريَّان : أمر يخصني
ريَّان يشدُّ على شفتيْها : يعني ؟
ريم : أمر يخصني
ريَّان بغضب : ريـــــــــــــــــــم! لا تطلعين جنوني عليك
ريم تنظرُ إليْه بعصبية لتقف : تطلع جنونك! لآ أنا أبغاك تطلعها عليّ ... أنا أصلا ماأعرف كيف متحملتك إلى الآن ... أنا منتظرة بس المصيبة اللي بتحجج فيها عشان أفتَّك منك
ريَّان يقف وبنبرةٍ حادة : أنتبهي لحدودك معي لا قسم بالله ..
تُقاطعه بنبرةٍ تعتلي للصراخ : لا تحلف عليّ! ماني أصغر عيالك تقسم وتحلف ... أحترمتك بما فيه الكفاية لكن أنت منت كفو إحترام! أنت حتى ظلك تشك فيه ...
يُقاطعها بصفعة على خدِها الناعم،أخفضت رأسها لينساب شعرها على جانبيْه، لم تستوعب بعد أنه ضربها ومدّ يده عليها، هذا الإجرامُ بعينه مثلما كانت تراه في أعين اخوتها اللذين يُحرمُّون الضرب كمبدأٍ دائِم، المبادىء التي تربت عليها جميعها تلاشت أمام ريَّان، لا تعرفُ كم من الطاقة تلزمها حتى تتحمَّل وقع إهاناته المتكررة سواءً بلسانه أو بأفعاله.
ريَّان : وغصبًا عنك بتحترميني ... خرج ليتركها في فوضى حواسها التعيسة.
لم تعد تشعرُ بأقدامها، لم تعد تشعر بمقدرتها على الوقوف لتجلس على الأرض، سقطت دموعها التي تسيرُ ببطء، هذه الحياة في كل يوم تقتلني، في كل يوم تُميتني بتأنِي لا يستحقه قلبي أبدًا.

،

تسكبُ له القهوة وهي تنظرُ له بإستمتاع حقيقي بالحياة التي تبتسمُ لها، بأن إبنها يتزوج وتفرحُ به وتنتظرُ الحلم الذِي يتحقق في رؤيَةِ احفادها : متى يجي العيد بس ؟ عاد عيد الأضحى كل سنة أحسه يجي عادِي مو زي الفطر بس هالسنة غير دام بيحصل فيه شرف زواجك
أبتسم فيصَل ليُرضي غرور والدته : طبعًا هالسنة كلها غير
والدته : ما قلت لي وش صار بالشوفة ؟ كل مرة تتهرب
فيصل : هههههههههههههههههههههه لأن يا يمه ما أبغى أحرجك صراحة وصفك شرق والبنت غرب
والدته عقدت حاجبيْها : أفآآ !
فيصل : إيه والله .. ما صدقتي الا بشي واحد وهو شعرها ما عدا ذلك مع إحترامي لك يا يمه لكن عيونك تشوف شي ما اشوفه
والدته : إلا والله أنها تجنن و
يقاطعها : داري أنها تجنن لكن ماهي بنفس أوصافك .. أولا ماهي بيضا .. سمرا
والدته تشهق : إلا والله أنها بيضا وبياضها ماهو بياض عادي
فيصل تتسع محاجره : يمه لا تحلفين! أنا شايفها
والدته : أقول لا تخبلني البنت شايفتها وبيضا ماشاء الله تبارك الرحمن .. بيضاها مثل أختك ريف وأكثر
فيصل يشعرُ بأنه سيُجَّن من والدته : يمه لا يكون وصفتي لي بنت غيرها و وروني بنت ثانية.. هم عندهم غير هيفا ؟
والدته : إيه ريم و تزوجت والحين ما عندهم غير هيفا
فيصل بضيق : لآ يمه والله غلطانة ... أستغفر الله كيف ! صدقيني يمه يمكن مخربطة بأختها أو بوحدة ثانية
والدته : إلا هيفا نفسها أنا شايفتها بيضا وش ملحها
فيصل بتشويش : ماني مستوعب! أتصلي على أمها وأسحبي الحكي منها

،

في تلك الجهة التي تستمتعُ بها هيفاء بعد أن هُلكت بالتسوق : شي مو طبيعي والله .. خل يأجل العرس يعني صعبة أحقق كل هذا بوقت قياسي
يوسف : طيب ماهو لازم كل شي جديد ..
والدته بإندفاع : وش تبيه يقول عننا ! ما عطيناها مهرها ؟
يوسف : خلاص خلاص .. خله تحلله قرش قرش
هيفاء بضجر : باقي لي أشياء كثيرة ما سويتها .. لا ما ينفع والله خل يأجله .. ما أتحمل يصير الزواج بالعيد!
والدته : إلا يمديك .. بس أنتِ لا تقلقين نفسك ... وخرجت
يوسف: أسمعي مني أشتري بعد العرس .. خليه يدفع لك بعد
هيفاء أبتسمت : لا يا حبيبي لازم كل شي كل شي جديد ... كأني توني مولودة
يوسف يُظهر ملامح التقرف : عندك تشبيهات مدري وش تبي! أنا قلت لك رايي كرجِل وفيصل شخصيته حافظها حفظ .. أستغفر الله بس نسيت هو نظام التدقيق في اللبس .. وأناقة وماأعرف أيش
هيفاء تضرب صدرها بخفَّة : وتبيني ماألبس أشياء جديدة عنده عشان بكرا يعلق عليّ يقول بنت عبدالله لابسة ..
يُقاطعها : اصلا الرياجيل مع بعض مستحيل يحكون في لبس زوجاتهم! بس يعني ممكن يجيك كمخة يحكي
هيفاء : زي ربعك مثلاً
يوسف : لكل قاعدة شواذ .. ربعي ما يحكون عن حريمهم بس يحكون من باب حل المشاكل والفائدة

،

أخذ نفسًا عميقًا، لا يعرف ماذا يفعل بوالده الذي يواصل سلطته عليه وكأنه إبن العاشرة وليس التاسعة والعشرُون، يُردف : طبعًا لا يا يبه .. يكذبون عليك وتصدقهم!
رائِد : وهذي الحسابات وشهي؟ قلت لي بتترك الشرب؟ لكن طلعت كلمتك ماهي كلمة رجال
فارس بإندفاع : تركته .. والله تركته ..
رائد : توَّه قبل كم يوم شارب قدامي وتقول تركته
فارس : بهالفترة أحلف لك بالله أني ما شربت شي .. والحين أروح للمستشفى أسوي تحليل يثبت أني ما شربت شي في اليومين اللي فاتت
رائد : أنا أبغى مصلحتك! بالنسبة لي يهون أنك تسوي كل شي قذر في الحياة إلا أنك تشربْ! الشرب بالذات ماأبيه يقرِّب صوبك
فارس بسخرية : يعني بتفرق مررة ؟
رائد : بالنسبة لي تفرق وتفرق كثير .. لأنك لو ادمنته مستحيل تبعد عنه وأنا ماأبغاك تدمن أشياء ماتقدر تتشافى منها
فارس بضيق : طيب .. أوامر ثانية ؟
رائد : على مين أتصلت أمس ؟
أرتعشت شفتيْها بالتوتر : على مين ؟
رائد : أنا أسألك
فارس : ما فهمت .. امس كنت هنا
رائد : أنت تقابل أحد بدون علمي!
فارس بتوتر عميق يُحاول أن يخفيه بنبرته المتزنة : طبعًا لا .. أصلا طول الليل كنت عندك
رائد بنظرة الشك : وش عرفِّك أني أقصد الليل
فارس أخذ نفس عميق : أنت قلت توّ
رائد : لآ ما قلت
فارس بضيق : إلا يبه قلت
رائد بعصبية : تكذب ؟ والله العظيم أنك تكذب ... لم يترك له مجال للدفاع عن نفسه ليصرخ به : مين عبدالعزيز ؟

،


في شقتِه تندفعُ كلماتها الغاضبة : أنت بس تبغى تهينني .. تدوِّر أكثر شي يضايقني وتقوم تسويه
عبدالعزيز بهدُوء : الحين الشقة تضايقك؟ أنتِ سألتيني وأنا جاوبتك ..
لا تعرفُ كيف للشقة أن تستفزُ غيرتها، كيف لهذه الألوان التي تظهرُ بها لمسات أثير أن تُغيضها، كيف لكل هذا أن يُحزنها وهو جماد!
رتيل بإنفعال : طيب يالله خلنا نطلع لأني أختنقت هنا
عبدالعزيز بإستفزاز : أختنقتِ ؟ هذا بكرا بيصير بيتك!
رتيل بحماس تندفعُ بكلماتها الحادة الغاضبة : لآ والله! لو أيش ما جلست فيه دقيقة عقبها! يالله رحمتك على عبادِك .. على فكرة كل مرة تثبت لي أنك بحاجة لدكتور نفسي! تقول خلينا نسوي هدنة وأوعدك ما أقول شي يضايقك وبعدها بدقيقة تقهرني! منت صاحي .. والله أنا لو أيش ما اسوي .. لو أترجاك ما تتغيَّر تبقى عبدالعزيز اللي يتلذذ في تعذيب غيره ..
تتفتحُ أزارير قميصها من فرط إندفاعها وحماسها بالغضب، ليجلس عبدالعزيز على الأريكة ويغرقُ بضحكاته الصاخبة : كم مرة قلت يا قلبي لا تعصبين عشان نفسك؟ شفتِ كيف ؟ الضرر وصل لملابسك
رتيل تُعطيه ظهرها وهي تتلوَّن بالإحراج، أولُ مرَّة لا تلبس شيئًا تحت القميص سوَى ملابسها الداخلية، أعتادت أن تلبس شيئًا دائِمًا ولكن حظُها يُثبت لها في كل مرَّة أنه من سيء إلى أسوأ، تُغلق الأزارير بتوتر كبير.
عبدالعزيز يقف بعد أنا أطالت وقوفها : يالله خلينا نطلع
رتيل دُون أن تنظر إليه تسحب معطفها وترتديه، يلتفت بضحكة مُستفزة : يعني الحين مستحية ؟
رتيل : ممكن تآكل تراب ؟
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههه بس لونه رهيب أهنيك
رتيل شعرت بالحرارة تفيضُ بجسدِها، وقفت في منتصف الدرج وهي تنظرُ إليْه بقهر/بحرج
عبدالعزيز يُكمل سيره للأسفل وهو يدندن : الأصفر جميل .. جميل ... جميل
رتيل وبأكملها يتحول لونها للأحمَر، تُقلد صوته : معفن .. معفن ... معفن
عبدالعزيز يُغيضها أكثر بعد أن خرجا : يا ويل حالي من الأصفر .. قطَّع قليبي معاه
رتيل بجدية : عبدالعزيز لو سمحت .. خلاص .....
عبدالعزيز ألتفت عليها : عندِك حب للأصفر مدري من وين تذكرين الفستان اللي شفتيه بباريس معاي أول ما تعرفت على شخصيتك الفظيعة
رتيل : إيه أتذكر يوم خليتك تتخرفن وتخاف عليّ
عبدالعزيز أنقلبت ملامحه : إيوا بالضبط لما خليتك تطيحين على الأرض وتشربين مو مويتها
رتيل : ههههههههههههههههههه تحاول تستفزني بس صعبة عليك
عبدالعزيز بإبتسامة يستفزها فعلاً : بس طبعًا اليوم تغيَّرت نظرتي للأصفر
رتيل تحمَّرُ وهي تحاول أن تتخلص من إحراجها، تضرب كتفه بغضب لتسير أمامه، يتبعها بضحكاته : طيب أنا وش ذنبي؟ مين فتح القميص أنا ولا أنتِ ؟
رتيل بغضب : ممكن تنسى الموضوع! اعتبر نفسك ما شفته ..
عبدالعزيز : طيب بوعدِك اني أنسى كل شيء لكن الأصفر مستحيل .. هههههههههههههههههههههه
رتيل : حيوان
عبدالعزيز رفع حاجبه : مين الحيوان ؟
رتيل : يالله! يالله .. خلاص أنا حيوانة .. ممكن توصلني وتتركني بعدها
عبدالعزيز بجدية : طيب بموضوع عبير
تلتفت إليه وهي تسترجعُ ما قاله له تحتاج لأيام حتى تستوعب ، يُردف : وهالكلام طبعًا بيني وبينك ، أتفقنا ؟
رتيل بتشتت : أتفقنا .. بس يعني؟ كيف بتقول لأبوي ؟
عبدالعزيز : إن شاء الله مسألة يومين وراح يقتنع أبوك
رتيل بضيق: طيب وعبير؟
عبدالعزيز : كل شي في مصلحتها .. مستحيل يضرَّها، وأنا أعتبرها مثل أختي مستحيل أقبل بأنه أحد يضرّها .. تطمني
رتيل تنهدَّت : طيب ... طيب بحاول أتكلم مع عبير إذا كانت معارضة
عبدالعزيز : ما أتوقع تعارض .. يعني إذا عرفت أنه دكتور وإلى آخره من هالهبال بتوافق
رتيل بوجَع : ولا وحدة فينا تزوجت زي العالم والناس! ليه قاعد يصير معنا كذا ؟ أحيانا أقول وش الشي العظيم اللي سوَّاه أبوي عشان يتعاقب فينا إحنا الثنتين
عبدالعزيز ويشعرُ بالضمير اللاذع : طيب هي أنرمت عليه! زواجها عادِي .... وممكن لو تزوجت بطريقة تقليدية ما كان راح تكون سعيدة وممكن هالزواج يكون خيرة لها
رتيل بسخرية : زي زواجي منك مثلاً!
عبدالعزيز : أنكري أني ماني خيرة لك ؟
رتيل أخذت نفس عميق : ترى عندي أشياء تخليني أقول أنك منت خيرة ليْ فخلنا ساكتين ومحترمين نفسنا
عبدالعزيز بإبتسامة لم تُطيل وعيناه تسقط على الرسالة التي أضاءت هاتفه من بو سعود . . . . . . .


،

ينظرُ للشاشة التي تُخبره بكل حدَّة أن الأشياء تسقطُ من سيطرته، تُخبره بأن طوال هذه الأشهر كانت أعماله قائمة على " خطأ " يا لذاعةُ هذا الخطأ في وقتٍ حرج وفي عملٍ ضيِّق كهذا ! يا قساوة هذا الخطأ على قلبه كمسؤولٍ يتحملُه. أيُّ خيبة هذه التي تكسرني! أيّ خيبة هذه تكسرُ قلب رجلٍ عُلِّق في العمل، بلع ريقه الجاف ليُردف بهدُوء يُخبر عن خيبته الشديد : بلغهم إجتماع طارىء الساعة 7 الصبح بكرا
أحمد : إن شاء الله .. شيء ثاني طال عُمرك ؟
سلطان : لا
خرج ليتركه بقمةِ حزنه، بقمةِ غضبه، بقمةِ قهره، هذا فوق طاقته، كيف يتحمَّل كل هذا ؟ كيف يستطيع أن يحكمُ سيطرته على نظامٍ بات يخرجُ الجميع عنه، لم يعد يعرف من يخون ومن يَصدق ؟
ضرب الطاولة بقدمِه، يُريد أن يكسِّر أيّ شيء أمامه، هذه الخدعة لا يتحملها ، هذا الخطأ لا يعرفُ كيف يعترف به، سنة وأكثر وهو يعملُ على معلومة خاطئة! يالله كيف ؟
نظر لهاتفه الذي أهتزّ برسالة ، قرأها مرارًا بعينيْها ولثواني طويلة رُغم أنها قصيرة، بحروفٍ إنجليزية بسيطة، أعادها مرةً أخرى بعينيْه " كانت هزيمتك امرٌ مؤقت، لكن لم أتوقع يوم أن تصل إلى هذا العمق "
يقرأ ما بين السطور ويستكشفُ ما هو العمق الذي لم يتوقعه، أخذ هاتفه ليتصل على الجوهرة بإستعجال وهو يخرج من عمله الخاوي في الساعات المتأخرة من الليل، لم تُجيبه ليتصل على الحرس الذي تم تعيينهم
: آمرني طال عمرك
سلطان : فيه شي صاير ؟
: لآ كل أمورنا تمام
سلطان : أنتبه أكثر وأنا جايك
: إن شاء الله
سلطان يُغلقه بعد أن تحشرج به الحزن إلى آخر حد، وصوتُ سلطان العيد يحضر بقوَّة في ذاكرته، يمرُّ على قلبه بكلماتِه التي دائِمًا ما كانت تُخفف وطأة غضبه.
" سلطان العيد : تعرف كم مرَّة قلَّت ثقة الموظفين فيني؟ تعرف كم خطأ حصل تحت إدراتي! كثير لكن كانت في أشياء تشفع لي، لكن أحيانا الأخطاء تكون بسيطة لكن أنت بموضع مفروض أنك ما تخطأ ، أنت لازم ما تخطأ أبد، لأن أخطائك ممكن تروِّح لك حياتك .. فاهم عليّ؟ "
يكتبُ رسالة لعبدالرحمن وهو يقود سيارته بعد أن أطال بإتصاله معه قبل ساعة تقريبًا " طلبت منهم إجتماع بكرا .. عبدالرحمن أنت لازم ترجع "
ينظرُ للحيّ البعيد عن وسطُ الرياض الصاخب، أخذ نفس عميق وهو ينظرُ للحرس أمام بيته، نزل : أبغاك تفتح عينك كويِّس الليلة
: هذا واجبي طال عُمرك
سلطان يربت على كتفه وهو الذي يحتاجُ من يربت على كتفِه : يعطيك العافية .. .. لم يتقدم سوى خطوتين في إتجاه البيت وتجمدَّت أقدامه، أستنفر الحرس الذي يحاصرون قصره، حتى بدأوا في تغطيَة المكان.
شعرَ بألم الرصاصة التي أخترقته، صوتُها اللاذع الذي أعتاد أن يسمعه في التدريبات كان مختلف جدًا لأنهُ شعَر بضربات قلبه التي تندفع بقوَّة، سقط على ركبتيْه وهو يشعرُ بالهزيمة الحقيقية.
البعيد عن الذي أحاطُوا جسد سلطان، يُبلغ عبر الجهاز اللاسلكي : مجهول الهويَة .. على بعد 20 متر تقريبًا ... أغلقوا الطريق العام . . . . .

.
.

أنتهى نلتقي الإثنين إن الله أراد، وجدًا جدًا جدًا أعتذر على التأخير اللي والله خارج عن إرادتي وتدرون وش كثر أحاول أني أقدِّر مُتابعتكم بكل شي يطلع في إيدي ، عشان كذا عُذرًا مرة ثانية ()
.
.


إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t186834.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ظ…ظ‚ط¨ط±طھظٹ طھط±ظˆظٹ ط§ظ„ط­ظƒط§ظٹط§طھ ط£ظ† … - ط¹ط¯ظ„ظ‰ ظ…ظ†طµظˆط± ظ†ط§ط¦ظ… This thread Refback 17-03-16 06:19 PM
[ظ‚طµط© ظ…ظƒطھظ…ظ„ط©] ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ... | grosiralami.com | PinBB: 541310B9| SMS/WhatsApp: By Request This thread Refback 10-05-15 01:15 AM
Untitled document This thread Refback 08-03-15 01:41 AM
Untitled document This thread Refback 22-12-14 12:07 PM
Untitled document This thread Refback 20-12-14 09:56 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:53 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:49 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:38 AM
Untitled document This thread Refback 19-11-14 12:20 AM
Untitled document This thread Refback 15-11-14 01:52 AM
Untitled document This thread Refback 14-11-14 12:56 AM
Untitled document This thread Refback 11-11-14 08:37 PM
Untitled document This thread Refback 10-11-14 12:04 PM
Untitled document This thread Refback 03-11-14 07:03 PM
Untitled document This thread Refback 22-07-14 03:55 PM


الساعة الآن 07:43 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية