وعلى الرغم من الثقة في صوت الرجل فقد استطاعت جيمسي ملاحظة القلق . راقبت ردة فعل روس بمتعة وفوجئت عندما وضع يده القوية على كتف الرجل الاخر , دلالة الى الصداقة بينهما .
"هيا آندي , تحمل سنة اخرى ؟ إنك تعرف خططي ."
قال ولاحظت ابتسامة المكر على وجهه على الرغم من المسافة بينهما . ابتسم آندي لأنه اكتسب ثقة روس ستيورات .
"نعم , فعلت ذلك , إنه ليس الشيء الذي لا أوافق عليه . الزراعة العضوية هي أحسن بكثير للأرض , ولكن الحقول القاحلة لا تستطيع اطعام أطفالي وترضي بريدجيت ."
أخبر روس بجدية .
"أنا متأكد أن بأستطاعتي إقناع بريدجيت .."
بدأ روس بالاجابة وابتسامة عريضة مرتسمة على وجهه . سحب يده من على كتف الرجل واستدار لمواجهته .
"الاسياد , لن يملكوا هذا الحق بعد الان , سأذكرك , روس ."
قاطع آندي ضاحكا :
"صراحة ! ربما تآلف ذلك أكثر مني ."قال بحزن .
تغيرت ملامح روس , واستطاعت جيمسي أن ترى أنه أصبح أكثر جدية .
"لا شيء خطأ , أليس كذلك , ياآندي ؟"
سألأ بصوت دافىء ومقنع . همهم آندي بجواب مرتبك , وابتدأ الرجلان بالمشي بعيدا , مستغرقين في محادثة خاصة جدا . انتظرت جيمسي عودة روس ولكن المحادثة كانت طويلة ومضى وقت طويل قبل ان ترى شكله المألوف , يخطو سريعا نحو البيت .
منتديات ليلاس
"أتزالين هنا ؟"
صاح روس بصوت مزعج وكأنه يطلب إيضاحا .
"نعم ."
"لا أستطيع شيئا إلا التساؤل...."
توقفت قليلا , غير قادرة على إيجاد الكلمات المناسبة من غير أن تدعه يعرف أنه استرقت السمع .
"ماذا ؟"
قال روس وقد نفذ صبره بشكل واضح .
"ذاك الرجل , هل كان لديه بعض المشكلات ."
سألت بتردد.
نظر إليها روس مفكرا , ثم هز رأسه ببطء .
"مشكلات شخصية .كي يصبح المرء سيدا , يتطلب الامر أكثر من مجرد أمتلاك الارض . إنني مسؤول عن سعادة هؤلاء الناس بطرق متعددة . إنهم يعتمدون علي ."
قال بنبرة تفاخر , شعرت جيمسي فجأة بأعجاب نحو الرجل . هزت رأسها موافقة وهي تشيح نظراتها , خوفا من ان تدعه يرى هذه النظرة في عينيها .
"سأذهب الان , كاميرون سيكون في انتظاري ."
"حسنا ,إني لا أشك أنه سيفعل ."
أجاب روس بتجهم واستدارت جيمسي لتذهب عندما نادها روس .
"جيمسي تأكدي بأنك ستبقين بعيدة عن تلك الخرائب ."
حذرها والنبرة الفولاذية في صوته تتلاءم مع النظرة في عينيه .
انها مصممة على معرفة المزيد , ربما كاميرون يعرف المزيد , فكرت , ثم , من دون التوقف حتى لتناول الافطار , أخذت بالسير الى بيت كاميرون .
وجدت عند وصولها أنه أمر صعب , فكاميرون هو كنز من المعلومات ولكن ملفاته غير منظمة . شهادات الميلاد العائلية والاوراق القديمة اختلطت مع فاتورة الاسبوع الاخير للغاز .

كانت مهمة شاقة ومحبطة ومما صعب الامر هو ميل كاميرون لمزج الوهم مع الحقيقة . بعد اربع ساعات من العمل الشاق وصلت جيمسي الى قدر كبير من المعلومات .
آل ستيورات و آل ماكدونالد كانتا العشيريتين الاقوى في المنطقة وتمتلكان العديد من الهكتارات وتتشاركان في المسؤولية عن مجتمع دنكلي .
الملكة فكتوريا كانت غالبا تتوقف في دنكلي وهي في طريقها الى بالمورال , وتحضر الى الكنيسة القديمة الموجودة هناك .
واعتادت العائلتان التنافس في ما بينهما للحصول على شرف استضافتها . حين أعلنت الملكة خطوبتها , سعت العائلتان لشراء أفضل المجوهرات كهدية زواج . لسوء الحظ , وقبل يومين من تقديمهما اختفى السيد دانكان ماكدونالد والجواهر الجميلة ولم يظهر ثانية !
"ولكن لا يوجد دليل حسي , قد يكون ذلك كله مجرد صدفة أليس ذلك ممكنا ؟"
قالت وهي تناشد كاميرون في مساعدتها .
"نعم ,إنه شيء غامض , من دون شك , ولكن آل ستيورات استغلوا تلك الفرصة , أفضل أستغلال ."
أضاف بمرارة وهو يسحب غليونه القديم :
"لا يمكن السيطرة على القرويين , وقد عرف وليام ستيورات ذلك . وشجعهم على هذا الامر , إلى أن حملوا العصي وأسرعوا نحو بيت آل ماكدونالد , ودموره إلى أن ساوى الارض وذلك يعبر عن مدى غضبهم وحزنهم ."
منتديات ليلاس
انتبهت جيمسي على الفور :
"هل يمكن رؤية ذلك البيت من منزل ستيورات ؟"
سألت وقد غضبت فجأة وهي تتذكر كلمات روس القاسية .
"نعم , بالفعل يمكن , إنه ملكي يا عزيزتي , وأنا ملقى هنا كالفقير المعوز , في كوخ يمتلكه آل ستيورات ."
نظر اليها باشمئزاز وجيمسي قطبت جبينها .فركت عينيها اللتين بدأتا تؤلمانها , هذه المعلومات جعلتها غاضبة جدا .
تأوهت وهي ترفع نفسها من وضع الانحناءة على ركبتيها على الارض وانتصبت واقفة ومطت ظهرها . لم تشعر كم استغرقت من الوقت وهي تعمل , وها هي تدفع الثمن الان .
"سأذهب الان , يا كاميرون , لدي أكثر مما ينبغي انجازه في الوقت الحالي ولا اعتقد أن باستطاعتي أن أعمل أكثر ."
قالت بتعب وعقلها مشوش بعواطف شتى , لا تستطيع الا التفكير كيف يمكن ان تكون الحياة لولا آل ستيورات .
المسافة التي مشتها , عائدة سيرا على الاقدام , لم تستطع ان تهدىء من غضبها وتعبها المتزايد والالم في رأسها الذي يضايقها وحاجتها الى الطعام , كلها اجتمعت لتشعرها بعدم الراحة .
تلاشى المشهد الجميل بالنسبة لها , لقد كانت غارقة في عالمها الخاص من الالم , ولم تدرك الروعة حولها . الغابات الكثيفة الممتدة على طول الطريق , منحتها بعض المأوى من أشعة الشمس وعيناها لا زالتا متأججتين . مشت جيمسي ببطء , في الطريق الملتوي , آملة ان يكون بمقدورها العودة الى حجرتها غير متسخة . إنه ليس يوما سعيدا , تأوهت وهي ترى مجموعة كبيرة من الناس خارج الباب الرئيسي .سيارات متعددة كانت متوقفة, مصقولة وباهظة الثمن , وبعضها سيارات سريعة وبعضها الاخر ألماني الصنع ,ولكن أغلبيتها كانت ذات أربعة دفعات للعجلات وهو ضروري في هذه المنطقة .
كانت السيارات غير مقفلة والحقائب مبعثرة على طول الطريق وأصوات التحيات تتطاير في الجو . فترت همة جيمسي , لابد من وجود باب آخر , فكرت بغضب شديد وهي تستدير للذهاب .

"جيمسي , ها قد أتيت !"
هتفت سارة بسرور :
"تعالي دعيني أقدمك الى الجميع ."
قالت سارة وهي تفتح ذراعيها إشارة للصداقة بينهما . إن جيمسي تعرف أنه من العار أن تستدير وتجري , عوضا عن ذلك تمالكت نفسها ومشت نحو سارة وهي ترسم ابتسامة على وجهها .
لقد توقفت المحادثات منذ أن هتفت سارة والتفت الجميع لرؤيتها , مجمدين وكأنهم لوحة ثابتة . الشخص الاول الذي رأته وكأنه ظل للسماء , كان روس . لقد كان بعيدا وبدا غاضبا لوصولها غير الملائم . رأته يتوجه نحوها بحركة بطيئة . أخذ رأسها يردد ما عرفته منذ قليل . الغضب يغلي في داخلها وعيناها شبه مشتعلتين من النار , سمعت روس يقول شيئا ما ولكنها لم تستطع ان تفهمه . بدأ رأسها في الدوران , هزته لتحرر نفسها من شعور الدوار وثبتت عينيها على روس بتردد بارد .
"ماذا ؟"
"جيمسي , سألت هل أنت بخير ؟"
وصوته يدل على الاهتمام , فكرت , وادركت انه يجب عليه , على الاقل أمام الناس , التظاهر . شعرت بطعنة من الكراهية نحوه وتمنت الثأر .
"نعم ."
منتديات ليلاس
ردت بحدة واستدارت بعيدا عنه وهي تنظر الى الاخرين . واحدة منهم كانت شابة دقيقة الملامح ووجهها نحيل , وبدت مغرورة مما جعل جيمسي تشعر على الفور بكراهية نحوها .
كانت ترتدي معطفا جلديا أخضر مع منديل حول الرقبة وهي الثياب التقليدية للاغنياء في هذه البلاد .
"جيمسي , هل استطيع ان أقدم لك السيدة كونارت ؟ إنها ضيفة روس لمدة يومين مع ابنتها سوزان ."
استطاعت ان تسمع الضحك في صوت سارة وهي تقدمهما وكأنها تدرك إحتمال ظهور مشاكل بينهما .
"إن جيمسي صديقة لنا من اوستراليا . هي تحب اسكتلندا . وقد أخذها روس الى البحيرة ؟ هل تستطيعين تصديق ذلك يا سوزان ؟"
ثرثرت سارة وهي تمتع نفسها مبتهجة . التفتت جيمسي لتنظر الى سوزان , إنها ترتدي ملابس أنيقة مثل والدتها , ولكنها ليست نحيلة مثلها , إنها طويلة وقامتها ضخمة , بالتأكيد سيحصل لها مشكلة زيادة الوزن في حياتها المستقبلية , استغرقت جيمسي في التفكير وهي تصر على أسنانها بينما رمقتها سوزان بنظرة كراهية واضحة .
تصافحتا ولكن تحيتهما كانت رسمية تماما . ولم تكن جيمسي في مزاج لتهذب نفسها ولكنها استغربت لماذا كلتاهما اتخذتا موقف كراهية فوريا ,نحوها .
أما بقية الوجوه , فكانت عادية بالنسبة إليها ولم تعر اهتماما كبيرا لاسمائهم , الالم في رأسها يتزايد مع كل صوت . تمايلت قليلا , التفتت سارة ونظرت إليها بقلق .
"هل من خطب ؟ تبدين شاحبة بشكل مخيف ."
سألت سارة فيما القلق عقد حاجبيها الناعميين .
"لا شيء !"
ردت جيمسي , ولكنها شعرت بالذنب على الفور , عندما رأت نظرات الالم في عيني سارة . إنه ليس مستحسنا ًإلقاء اللوم عليها لسلوكها الاتهامي .

"أناآسفة عندي ألم في الرأس , هذا كل شيء ."
أوضحت وهي تبتسم شاحبة .
"تعالي , دعينا ندخل , يوجد مقصف للغداء جاهز . وربما كوب من الشاي هو ما تحتاجينه فعلا ."
قالت سارة باقناع وهي تقود جيمسي نحو غرفة الجلوس . ولو كانت تشعر بأنها أقوى لأعترضت , غير أنها كانت في مزاج لا يسمح لها بالمناقشة . رأتها سارة تجلس في الزواية واعطتها كوبا من الشاي الساخن ومجموعة من الكعك اللذيذ . ابتسمت جيمسي لها , عرفانا منها بالجميل , ولكن سارة أنشغلت بالترحيب بالضيوف الاخرين .
دخل روس , وسوزان متأبطة ذراعه ولسبب ما أحست بطعنة في قلبها وهي تلاحظ الطريقة البسيطة التي يتعاملان بها . عندما رأى روس جيمسي , تجمد . قام بأنحناءة من رأسه بأتجاهها ولكن عينيه باردتين كما هما دائما .
ولم يمض وقت طويل بعدها حتى استطاع الافلات من سوزان واتى نحو جيمسي .
"أليس من الواجب أن تكوني في الفراش ؟"
انفجر بها , وأسنانه ظاهرة وكأنه يعبر للجميع بأنه يبتسم لها .
"هل هذه دعوة ؟"
منتديات ليلاس
اجابت جيمسي على الفور . ارتفع حاجباه ولكن عيناه بقيتا غامضتين . شعرت جيمسي بالاسف لانها تلفظت بهذه الكلمات وقبل ان يجيب روس انضمت سوزان اليهما .
استبدل روس تقطيبته بابتسامة دافئة على الفور . جلست جيمسي بصمت , ناسية الالم في رأسها وهي تراقب سوزان .
أن لها نظرة تملك جائعة عندما تنظر الى روس ويدها تنقر معطفه بلطف واهتمام .
"لقد تعرفتما على بعضكما أليس كذلك ؟"
سأل المرأتين وهو لا يعي كرهما لبعضهما بعضا.
"نعم , لقد تم ذلك , ولكن لم نعرف أسم عائلتك ."
قالت سوزان وهي تنظر الى جيمسي , غير مدركة نظرة الازعاج في وجه روس .
ألقت جيمسي نظرة سريعة عليه قبل ان تقول بصوت أعلى من اللازم :
"إنني آل ماكدونالد , عاشت عائلتي في دنكلي الى ان جاء أحدهم."قالت وهي تشير بيدها "وجعلهم ينتقلون الى اوستراليا ."
خيم الصمت بعد هذا الافصاح , وسمحت جيمسي لنفسها بابتسامة أرتياح . إنها تكره ان تكون في هذا الموقف الذي يذكرها ثانية بكونها وحيدة و يتيمة , من دون أي من أقاربها , كرهت ذلك بشكل جعلها تتوق الى ايذائهم كما أوذيت . سوزان كانت الاولى لتكتشف ذلك , لقد بدت مسرورة بهذه الاخبار.
"أنت في الواقع سليلة تلك العائلة غير المشهورة ؟"
سألت والدهشة في صوتها تبدو واضحة . أخذت جيمسي نفسا عميقا قبل ان تجيبها , هي لا تريد بالتأكيد منح سوزان الفرصة لتشعر بالسعادة لرؤيتها منزعجة .
"ماذا ؟ نعم , إني كذلك , إني أبحث عن تاريخ عائلتي ."
شرحت بلطف "و روس يساعدني كثيرا ."
قالت وهي تبتسم له , ورد عليها بنظرة قاتمة غاضبة . نظرت سوزان نحوه .

"حقا , يا روس إني مندهشة كيف تسمح لشخص من آل ماكدونالد في البقاء في بيتك . إن سمعتهم معروفة , إني اتساءل !إذا كنت في أمان ؟"
جهدت كي يأتي صوتها مرحا وهي تبتسم ولكن النكتة فشلت في إبهاج جيمسي التي قفزت واقفة لتجد نفسها تعود إلى مقعدها بعد ان دفعها روس بقوة. كانت جيمسي على وشك الاحتجاج ولكن ومضات الغضب في عيني روس حذرتها بأن تبقى صامتة .
"إني آمن , يا سوزان , ولكن أشكرك على الاهتمام ."
قال روس بلطف .
"بالطبع إنه آمن!"
ردت جيمسي بحدة .
"وكل ممتلكاته آمنة أيضا ."
تابعت "ولكن أستغرب كم من كنوز العائلة تخصه حقا . أعتقد أن نصف ثروته على الاقل أتت من بيت ماكدونالد ."
ازدادت تعابير روس عبوسا وجسده مشحون بالغضب وعيناه باردتان كالفولاذ عندما نظر اليها . ردت جيمسي نظرته بنظرة كراهية مساوية والتقت عيناهما في نزاع غاضب . ارجعت رأسها الى الوراء دلالة تحد ولاحظت عروق الغضب في وجنتيه .
"اعتقد أنك غير ممتنة ."
قالت سوزان ساخرة "لقد قدم لك روس بيتا . وانا شخصيا وجدت ذلك شيئا لا يمكن تصديقة إذ كيف يسمح بدخول شخص من آل ماكدونالد الى بيته ."
"أن ما تشعرين به سببه التكبر ."
ردت جيمسي والتفتت لتواجهها .
"على كل حال إن روس يحب امتلاك كل شيء يعود لآل ماكدونالد ."
قالت بتمعن , ثم التفتت الى روس مع ابتسامة عريضة .
"أليس ذلك صحيحا ؟"
أضافت بصوت أجش عندما تركتهما , من غير ان تضيف شيئا , وكلاهما يحدقان بها وهي تغادر الغرفة .
أسرعت الى الطابق العلوي وألقت بنفسها على السرير وقد بدأت دموع الالم والاحباط الحارة في التساقط . لم تسمع الطرقة الخفيفة على الباب , ولم تسمع أنه قد فتح , ولم تعي وجود روس إلا عندما أحست بالسرير يهتز بسبب وزنه . انتبهت جيمسي وجلست فورا وهي تحملق فيه.
"أخرج !"
صرخت به والغضب في كل جزء من جسمها .نظر روس إليها وعيناه غير مقروءتين . رأت نظرة ألم تبدو على وجهه لكلماتها , ولكنه تجاهل رغبتها .
"لقد جئت لاطمئن عليك ."
أخبرها بأسى ووضع يده على يدها , ولكن جيمسي انتزعتها بسرعة . صرخت , غير قادرة على مواجهته لمدة أطول . وقف وهز كتفيه وعيناه إحلولكتا وقد بدت على وجهه نظرة حزن وجدية .
حدقت جيمسي فيه إلى أن سمعت صوت مزلاج غرفة النوم وهو يقفل , وعادت ثانية الى البكاء .

نهاية الفصل الخامس