لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-10-10, 01:40 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 26655
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: saaamyaaa عضو له عدد لاباس به من النقاطsaaamyaaa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 115

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
saaamyaaa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : saaamyaaa المنتدى : الارشيف
افتراضي

 


خاب ظني تماما عندما قرر ياسر تجنبي بكل وسيلة, فأصبح يبتعد عن أية أحاديث يمكن أن نشترك فيها, الا ما تقتضيه ضرورات العمل القصوى
لا أحب أن أقول هذا, ولكن ياسر يتجاهلني بشكل فج, وكأنني لست موجودة
لقد أثار غيظي الشديد
ولكن للأسف لم يكن لدي الوقت الكافي للوقوف على أسباب تغير معاملته لي( والتي أعرفها أنا والجميع بالطبع) ولا لمحاولة اصلاح الأمر
فلقد انشغلت بالحدث الأهم الذي استولى على عقلي ومشاعري, وهو التجهيز للقافلة المنتظرة
ورغم المقاطعة التي فرضها هو على فرضا, الا أنني استطعت خرق تلك المقاطعة لبعض الوقت وكررت عليه طلبي بإلحاح أن ينضم للقافلة وأنا أستحثه بشتى الطرق وأحدثه عن الثواب العظيم والفوائد الجمة من خبرات ايجابية و...و...و...
لكن رأسه كان يابسا كالحجر
لكنه في النهاية قال لي جملة غريبة : أتمنى لكم التوفيق والنجاح في محاولة الوصول الى هناك, احرصي على رأسك, والكاميرا لا تدعي أحدا يأخذها منك
اكتفيت من عناده والتفت الى مشاغلي مع الأستاذ حمدي وابتسام واللجنة, وانضم الينا أعضاء من نقابات أخرى وبخاصة نقابة الأطباء
وبعضهم كان يعرف والدي جيدا, وشارك معه في كثير من أنشطة ورحلات إغاثية تابعة للنقابة, مما جعلني أشعر بالفخر الشديد, وبأن لي ميزة لا يحملها غيرى
كما انضم كثير من شباب من أحزاب المعارضة المختلفة
وحشدت اللجنة الإعلام حشدا ووجهت دعوات لجرائد المعارضة وقنوات فضائية اخبارية
وكانوا يعلنون عنها عبر الإنتر نت وفي النقابة
وأدركت أنا أن معني كلمة قافلة مجازي بحت, فالأمر لا يتعدى ثلاث حافلات, وهو مجرد رمز ومحاولة ايجابية, وان نجحت فستتبعها محاولات أخرى
وفي اليوم المحدد استيقظت مبكرا وارتديت ملابسي على عجل, بعد ليلة تمتلئ بالأرق والتوتر والنشوى والقلق والإثارة وكأنني لا زلت طفلة تترقب شمس العيد تشرق بفارغ الصبر لتتذوق طعم العيد الذي طال عليها انتظاره
ذهبت مسرعة الى حجرة أمي, وبمجرد أن رأتني مستعدة للذهاب حتى تبدى لي قلقها الشديد رغم كثرة الرحلات التي قمت بها سابقا تبع الجريدة أو تبع النقابة
قلت محاولة أن أطمئنها : لا تقلقي, انها رحلة عادية كأية رحلة أخرى خرجت اليها سابقا
هزت رأسها بقلق : أخشى أن الأمر سيكون مختلفا تماما هذه المرة
لقد اشتعلت الجامعة ولم تهدأ حتى الآن
انتقل الى قلقها, ولكنني قلت بشجاعة ظاهرية : لا تقلقي, تعرفينني جيدا أستطيع أن أفوت في الحديد
ابتسمت بحنان : هل صليتي الفجر؟
قلت : أمي, تعرفين جيدا أنني لا أخرج من البيت أبدا دون أن أصلي
ضمتني بقوة وشعرت بدقات قلبها القلقة تخترق جسمي, وهي تقول : اعتني بنفسك يا حبيبتي,حفظك الله ورعاك وأبعد عنك كل شر
تأثرت كثيرا بهذا الموقف, ولكنني خرجت من عندها مسرعة قبل أن تخونني عيناى, ومررت في طريقي بحجرة أيمن ووقفت أمامها للحظات, وفكرت أن أدخل بالفعل, ولكنني تذكرت الحالة التى أراه عليها في كل مرة أدخل عليه حجرته فأصابني احباط كبير, فلكم تمنيت أن يرافقني فى تلك الرحلة
انطلقت بسرعة بعد أن تجاوزت تلك الحالة العميقة المفعمة بالعاطفة , وملأت عقلي بالقادم المجهول المقلق بحق
أوقفت سيارتي في موقف النقابة وغادرتها وأحكمت اغلاقها جيدا, وحملت حقيبتي وحقيبة اللابتوب وكاميرا الفيديو الصغيرة التي أهداني إياها يحيى
أمام النقابة التقيت ابتسام التى رحبت بي كعادتها بمرح وحفاوة : مرحى, في الوقت المحدد تماما, فليحيا الإنضباط
ابتعدت خطوتين وتأملتني من فوقي لتحتي : رائع, حذاء رياضي وبنطال جينز واسع, اذا ما جد الجد ستحطمين الأرقام القياسية كلها
ضحكت لعبارتها فقالت : تمنيت لو ارتديت الجينز اليوم لكن عمر لن يوافق أبدا
تأملت عباءتها الواسعة والمفتوحة من الجانبين, وتحتها بنطال من نفس لونها وارتقت عيني الى الوشاح السماوى الذي يغطي رأسها ورقبتها وقلت بمكر : نعم نعم, اذا فالخاطب الغيور لا يقبل بالبنطال
قالت بحماس : ولكنني لم أستسلم,
أشارت الى بنطالها الذي تنسدل عليه العباءة الى قدميها : انظرى ارتديت بنطالا رغم كل شيء
ضحكت كثيرا على عباراتها المضحكة الساخرة وقلت : لست سهلة أبدا, مسكين زوجك المستقبلي
هتفت ساخرة : مسكين!! بل هو محظوظ أن رزقه الله بي
انها دعوات أمه التي هي حماتي
لا شك ان وجود شخصية مرحة كابتسام في الرحلة يزيل الكثير من التوتر والقلق, أنا سعيدة أنني تعرفت بإنسانة مثلها
وصلنا معا عند الحافلة وهناك وجدت أستاذ حمدي منهمك في حديث في هاتفهه المحمول, ومجموعة من الشباب بجوار الحافلة ومعهم عمر خطيب ابتسام شاب أسمر نحيل ومن أقربائها
حياني أستاذ حمدي بيده وأشار لنا بالدخول الى الحافلة, وبعد قليل وجدت شروق تركب الحافلة ومعها مصور القناة, قمت من جوار ابتسام وسلمت على شروق التي حيتني بحرارة وقالت : سعيدة أن رأيتك هنا اليوم
ثم سألتني مباشرة : أين ياسر؟
قلت وأنا أدعي اللامبالاة : لم يأتي
ظiرت خيبة الأمل جلية في محياها : عجبا, توقعت أن يأتي, هل معك رقم جواله؟
تعجبت لسؤالها كثيرا وقلت بابتسامة ديبلوماسية : كلا, ليس معي
قالت : يا للخسارة
أخيرا انطلقت الحافلة بعد أن ركب الجميع, وانشغلت شروق بالتحدث مع المصور, وأستاذ حمدي لم يكف لحظة عن التحدث في هاتفه المحمول
وكنت أنا في قمة التوتر والقلق, بعد أن هدأت ابتسام وشغلت لسانها بترديد الأدعية وآيات القرآن
فجأة أغلق الأستاذ حمدي هاتفه ونهض من كرسيه والتفت الى كل من في الحافلة : يا شباب الجميع هناك في القطاع رجال ونساء وأطفال يجهزون لمسيرة حاشدة بعد صلاة الجمعة لإستقبالكم, ستكون احتفالية لا مثيل لها ويوم مشهود في حياتكم لن تنسوه أبدا, صرخ جميع الشباب من شدة الفرح ومنهم من كبر وهلل
وبدأت أعصابي ترتخي وتخالجني مشاعر أخرى خلاف القلق وأنا أستمع وأردد دعاء السفر مع الركوب
كانت مشاعر مختلطة تماما أعجز عن وصفها, كانت فرحة ورهبة في آن واحد
لكن الأمر فاق حدود المشاعر لتنطلق كل المشاعر الحبيسة بداخلي عندما بدأ الشباب في الحافلة يطلقون الأغاني الحماسية والأناشيد الوطنية التي تلهب الأحاسيس وتفجر المشاعر
أغاني لم أسمعها ولم أفكر أن أسمعها منذ سنوات طويلة
وعندما كانت تذاع في المناسبات الوطنية على شاشة التلفاز, كنت أشعر بالملل منها وأغير القناة
لكن اليوم كل كلمة في الأغنية اكتسبت معاني جديدة, ومذاق خاص, وروح جديدة
انها نفس الأغاني والأناشيد التي سمعناها آلاف المرات, نفس الكلمات والألحان, لكن المشاعر مختلفة بالمرة
شعورى الآن أعجز عن وصفه وأنا أشارك المجموعة في الأغاني والأناشيد
تلك الفرحة العارمة والحماسة المتدفقة واختلاجات المشاعر والقلوب
حتى النشيد الوطني الذي لا أذكر أنني رددته يوما سوى أيام الدراسة وبلا حماس, اكتسب اليوم مذاق رائع وحماس هائل
وها هو العلم المصرى والفلسطيني فوق الرؤوس والأكتاف, وأكاد أجزم أنه في كل القلوب
لا أذكر أن رأيت العلم مكرما ومحبوبا ومصدر فخر وحب وانتماء منذ 73 أكثر منه الآن
لقد انفعلنا جميعا وبلغ منا التأثر مبلغه, واشتعلت الحافلة بالمشاعر الملتهبة كبارا وشبابا
حتى شروق, اندمجت مع الجميع وكأنما تعرفهم منذ سنوات
وعلى طريق الإسماعيلية أخرجت هاتفي المحمول واتصلت بأمي, كان على أن أطمئنها, فقد كانت قلقة للغاية, ردت على الهاتف بعد رنة واحدة وكأنها كانت تنتظر تلك المكالمة
قالت بلهفة : أميرة. أين أنتى الآن؟
قلت بسعادة : إننا على طريق الإسماعيلية, أتسمعين الأغاني؟ نكاد نطير فرحا, الكل هنا سعداء بالرحلة ولا مشكلات
قالت بصوت هادئ : حسنا, اعتني بنفسك, في أمان الله
سلمت عليها وأغلقت الهاتف
ويبدو أنني كنت متفائلة للغاية, فالمشاكل بدأت بالفعل ونحن في قمة حماسنا وفرحنا
توقفت الحافلة وكلنا عجب وتساؤل ماذا حدث؟
غادر أستاذ حمدي الحافلة ونظرت من النافذة, كانت نقطة تفتيش
وبدأ القلق والإعتراضات يحل محل الأناشيد والأغاني الحماسية
سألت ابتسام عما يحدث, فقالت : سآتي لك بالخبر اليقين
نادت خطيبها الذي جاء الينا وسألته : ما الذي يحدث
قال بسخط : احتجزوا احدى الحافلات
غمرني القلق والضيق الشديد, وتركت ابتسام تحادث خطيبها وانشغلت بمراقبة ما يحدث على الطريق من النافذة
ولكن بعد قليل صعد أستاذ حمدي الى الحافلة وقال : حسنا يا شباب حلت المشكلة, فليلزم الجميع مقاعدهم لننطلق
هتف الشباب بفرح : هييه وكبروا وهللوا, وعدنا للإنطلاق من جديد
وعرفت من عمر أنهم أفرجوا عن الحافلة بعد أن أخذوا أرقام جميع الحافلات وأبلغوا بها
عاد الشباب للحماس والأغاني, ولكني سألت ابتسام : أخبريني, كيف تعرفتي الى عمر؟
قالت ضاحكة : سأخبرك بقصتنا, انه قريبي, ولكني لم أكن أعرفه عن قرب, فلم نكن نلتقي سوى في أفراح الأقارب أو المناسبات الإجتماعية
وكنت رافضة لمبدأ الزواج من الأقارب فقط لأنهم أقاربنا بغض النظر عن الخلق أو حتى القبول النفسي, كما أن لدي نشاط ملحوظ في أسرتي في الجامعة وأنا لا زلت في العام الثاني, ولم أكن لأضحي بكل هذا من أجل خاطب لا أعرف عنه شيء سوى أنه قريبي ويعمل صحفيا في احدى جرائد المعارضة
ورفضته دون مناقشة الأمر, دون حتى أن أسمح له بزيارتنا ليتقدم لطلب يدي, أو حتى أجلس معه في جلسة تعارف
ولكني فوجئت به يأتي الى الجامعة ويتحدث معي بكل احترام ويطلب مني فرصة للتعرف اليه والسؤال عنه وعن أخلاقه
ووجدت كلامه مقنعا
وزارنا بالفعل في البيت عدة مرات, ووجدته انسانا لا بأس به
وقبلت خطبته, ولكم كانت فرحتى عارمة عندما دعاني للإنضمام للجنة, من لحظتها وأدركت أن طريقي وطريقه قد اتحدا وصارا طريقا واحدا, لن تتخيلي كيف قاربت اللجنة بين أفكارنا ومشاعرنا
تحركت مشاعري وأنا أستمع لكلماتها, فما أجمل أن يجد الإنسان رفيقا لدربه, رفيقا لعقله ومشاعره
هذا هو الحب الحقيقي
حب يندمج فيه العقل والقلب والروح وتتحد المشاعر ليتحول الإثنان الى واحد
من يستطيع الحصول على حب كهذا ؟!!!
.................................................. ..

 
 

 

عرض البوم صور saaamyaaa  
قديم 18-10-10, 01:44 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 26655
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: saaamyaaa عضو له عدد لاباس به من النقاطsaaamyaaa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 115

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
saaamyaaa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : saaamyaaa المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

عند كوبرى السلام توقفنا من جديد, وعرفنا أن الكوبرى مغلق, وعاد الإحباط من جديد, وعاد التذمر بين الشباب, لكن أستاذ حمدي بدأ يبث فيهم الهدوء بكلماته : يا شباب نريد أن نكون متحضرين, لا أريد أية اعتراضات ولا ردود أفعال غير محسوبة
هدأ الشباب قليلا
لكن الاعتراضات والتذمر بدأ من جديد مع طول مدة الإنتظار الغير مبررة
وخرج أستاذ حمدي والمسئولين عن القافلة يتحدثون مع المسئولين عن الكوبري, وكلما نظرت من نوافذ الحافلة يمينا ويسارا أجد السيارات تتكدس من حولنا على الجانبين وعلى طول الطريق
عندما ازدادت أعداد السيارات فتح الكوبري, ومرت عدة سيارات
وفهمت من الشباب وأحاديثهم المعترضة أن الأمن لا يوافق على عبور الحافلات
لكن بعد قليل عاد أستاذ حمدي وبشرنا بعبور الكوبري
بسرعة انطلقت الحافلة على الكوبري واشتدت أصوات الشباب في حماسة زائدة, وكانت تشتعل حماسة مع كل كيلو نقطعه على الطريق فنحن الآن في الأرض المحررة
بعد قليل التقينا بكمين, فتوقفت الحافلات واشتد التوتر بين الجميع
ونزل أستاذ حمدي وتبعه بعض الشباب
وبدأ أحد الأطباء الكبار يردد مجموعة من الأدعية ونحن نردد من خلفه : اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين
لا اله الا الله العظيم الحليم, لا اله الا الله رب العرش العظيم, لا اله الا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم
سمعنا أصوات من خارج الحافلة تعلو بالغضب
كان المسئولين عن القافلة يتفاوضون مع الأمن, والأصوات الغاضبة تعلو حتى صارت كالصراخ
وسمعنا عبارات صارخة من قبيل : هذا تعنت ... افتحوا لنا ... انها بلدنا كيف تمنعونا من التحرك فيها ... هل أصبحت سيناء محرمة علينا!!
اشتعل الجو في الحافلة وبدأت النساء في الحافلة تتوتر
أما الشباب الذين بقوا في الحافلة يتابعون الموقف من النوافذ فقد شعروا بتكهرب الجو وتوتر الجميع, فأخرج أحدهم رأسه من النافذة وهتف قائلا : فتشونا, ربما نحمل مخدرات, لا والله ما تفتشني, ما تفتش
يصرخ الثاني : اجلس يا مجنون قبل أن أفجرك بحزامي الناسف
أخرج ثالث مسدس لعبه من جيبه وصرخ : أنا معي آر بي جي, معي آر بي جي
فيرد رابع ساخرا : أفسحوا الطريق للإف 16
يرفع ذراعيه بمحاذاة كتفيه قائلا وهو يمط الكلام مطا : يا شباب, توكلنا على الله, الى الجنة
يصرخ فيه الثاني وهو يطبق ذراعه اليمني حول رقبته في مزاح ساخر : اخرس يا ارهابي يا متطرف, سأخبر العم بوش
قال عمر بهدوء : اسمعوا, لدي فكرة, ما رأيكم أن نختطف الحافلة ونطلب فدية
قال أحد الشباب : هأ, سيرسلون لك خطاب شكر مسجل بالبريد ومعه تأشيرة مغادرة بلا رجعة
استطاع الشباب التخفيف من جو التوتر العنيف الذي رسم حولنا دائرة سميكة عجزنا عن الخروج منها الا بتلك المسرحية الهزلية, والتي جعلتنا نضحك ونضحك وكأننا نفرغ توترنا بالضحك
لكن أستاذ حمدي صعد الى الحافلة وهتف فينا ووجهه أحمر وملامحه غاضبة : فليغادر الجميع الحافلة
أطاع الجميع دون كلام, ووجدت نفسي في مكان فسيح وحولي الرمال والحصى وأمامي الطريق الأسفلتي قد سد بحواجز من جنود الأمن بردائهم الأسود
وأمامهم حواجز حديدية مكتوب عليها قف
لا يزال المسئولين عن القافلة يحاولون التفاوض مع الأمن
فجأة هتف أحد الشباب بصوت جهورى هتافات اعتراضية وردد خلفه الجميع بصوت كالرعد
بقيت صامتة لدقائق أحاول التغلب فيها على خوفي وتوتري في موقف كهذا يواجهني لأول مرة, فحتى أيام الجامعة لم أشترك يوما في مظاهرة ولم يعلو صوتي بالهتاف, لذلك فقد كان الخوف يملأني
لكني نظرت يميني ويساري لأجد السيدات اللاتي يشاركنني في الرحلة من حولي يهتفون بنفس الكلمات وبدأت الشجاعة تتسلل الى قلبي, وشعرت أنني أذوب بينهم لأصبح جزءا من ذلك الكيان الكبير وعندما وجدت ابتسام تمسك بأصابعي بقوة وهي تصرخ مرددة الهتافات الغاضبة انفجرت في الهتاف معها بأعلى صوت لي وتوارى خوفي حتى انعدم ولم يعد له وجود, وارتفعت يدى تلوح لأعلى مثلهم
حقا لم أكن أتخيل أن لدي قدرات صوتية بهذه القوة, فلم أجرب يوما أن أصرخ بهذه الطريقة ولكل هذه المدة
ولمحت شروق والمصور يقومون بعملهم وبالطبع لم يسلموا من مضايقات الضباط الذين حاولوا أن يثنوهما عن التصوير
استيقظت من مشاعري الملتهبة على تذكري لحقيقة هامة ذابت في كل تلك المشاعر الجياشة التي انطلقت من صدري, وهو أنني صحفية أولا وأخيرا
أخرجت كاميرا الفيديو الصغيرة من حقيبة يدي وأخذت أصور بها وأنا أهتف في نفس الوقت
وبعد مدة, تقدم جدار من أجساد شباب ورجال القافلة بخطوات ثابتة نحو الحاجز واندمجت في تصويرهم وأنا أشعر باثارة هائلة
وللحظة ظننت أنهم سيشتبكون مع جنود الأمن, لكني فوجئت بالجنود يتراجعون أمامهم, ويزيح الشباب الحواجز الحديدية من أمامهم ويلقون بها بعيدا بغضب, واستمروا بالمسير
ونظرت خلفي لأجد الحافلات تتقدم أخيرا بعد أن فتح لها الرجال الطريق, وتبعت المسيرة مع نساء القافلة وخلفنا الحافلات حتى تجاوزنا الكمين وجنود الأمن, وصعدنا جميعا الى الحافلات التي انطلقت أخيرا
عندها اقتربت من شروق وسألتها : هل صورتي كل هذا؟
قالت : بلى, الحمد لله مرت على خير, أتمنى ألا يسوء الوضع أكثر
قلت بدهشة : ألا يزال هناك شيء
قالت ساخرة : أنت لم ترى شيئا بعد, في المرة السابقة أخذوا مني الكاميرا, أتمنى ألا يفعلوها مجددا
فجأة سألتني : ألا تعرفين حقا رقم جوال ياسر؟
نظرت اليها بدهشة : أخبرتك من قبل أنني لا أعرفه
قالت بإصرار : ألا تعرفين رقم أى شخص يمكن أن تطلبيه منه؟
رفعت احدى حاجبي وقلت : كلا, ولكن لم تسألين؟
قالت ضاحكة : لأنه هو الذي أعاد الى الكاميرا في المرة السابقة, حسني المصور لم يستطع فعل أى شيء, وبعد أن يأسنا أنا وهو من استعادة الكاميرا والأفلام التي صورناها عليها وجلسنا ننعي حظنا العثر
فجأة وجدته أمامي يقدم لي الكاميرا بكل تهذيب
صمت تماما أنصت لها وأنا أدعو الله ألا يقاطعنا أحد كالمرة السابقة وقالت هي : أتعلمين, إن له هيبة عجيبة تمنح من معه الشعور بالأمان, كما أن صدقه الشديد وتصرفاته الواثقة الشجاعة تشعرك من أول وهلة بأنه انسان ثقة يعتمد عليه
تمنيت أن أستمع الى تفاصيل القصة التي لم أسمعها بعد, ولكن مع الأسف توقفت الحافلة من جديد مما جعلها تقطع حديثها وتقفز من كرسيها وتذهب الى المصور وتعد نفسها لما سيواجهنا الآن
وأخذت أنا أنظر حولي في تلك الوجوه المشتعلة بالغضب الهادر وكأنما قد نفذ الصبر
انها نقطة تفتيش جديدة, وعندها تكرر نفس السيناريو بتفاصيله
التعنت وتعمد تأخير الحافلات
وأعضاء القافلة يحاولون معهم يرجونهم تارة ويهددونهم تارة ولا مجيب
لكن الأمر كان أشد هذه المرة مع الإستهانة والسخرية من الأمن بحديث الرجال الكبار
ونزل كل من في الحافلات من جديد وتجمعت سيارات عديدة للمسافرين على الطريق, وكلما طلب المسافرون من الأمن فتح الطريق ليكملوا سفرهم تعللوا بأن السبب هم من في الحافلات, مما أشعل الغضب في نفوس الشباب من جديد, ووجدت اللافتات ترتفع منددة بتلك المواقف المتعنتة والإعاقات الغير مبررة لقافلة خيرية ليس بها سوى مساعدات انسانية, وأخذ الشباب يهتفون من جديد, وهذه المرة لم أنس أن أصور ما يجري
ووجدت المسافرين قد غادروا سياراتهم وانضموا لأعضاء القافلة, وأخذوا يرددوا معنا الهتافات ويعبروا عن تضامنهم مع القافلة, ومرة أخرى تقدمت المسيرة وأزالت الحواجز واستطاع المسافرون والحافلات العبور
ودع المسافرون القافلة بالتلويح والإشارات بعلامة النصر والتأييد, وانطلقت أبواق السيارات على الجانبين تحيي القافلة بفرح, وردت عليهم أبواق الحافلات بما يشبه زفة سيارات لعروس في شوارع القاهرة
كانت تملأنا سعادة كبيرة رغم أن الوقت قد تجاوز بأضعاف الوقت الذي كان يجب أن نصل فيه, ولكن كان كل كيلو نقطعه يقربنا من هدفنا
وكما كنا نتوقع كانت نقطة تفتيش اخرى بانتظارنا, ولكن الجديد أنها أشد من سابقاتها
ويبدو أنه لم يعد هناك مزيد من الصبر لدى الشباب
فنزل الجميع من الحافلات دون انتظار أمر من أحد وقاموا بعمل مظاهرة أشد من سابقاتها كان الغضب هو المسيطر هذه المرة
وأغلقت المظاهرة الطريق القادم والذاهب احتجاجا على تعطيل الحافلات
الأمن أيضا لم يقصر واستمات في منع القافلة من التقدم بكل وسيلة, وشعر الجميع أن الضباط يعطلون القافلة في انتظار شيء ما
وبالفعل وصل ما ينتظرونه, وجاءت سيارات محملة بجنود بأعداد غفيرة
وشعرت بالخوف الشديد يجتاحني اجتياحا من ذلك المنظر المرعب, وقبضت على الكاميرا بكلتا يدي, وشعرت بيد ابتسام تجذبني للخلف فتراجعت معها لأحتمي بالحافلة
وفجأة تفجر الجنون الغاضب في المكان, واشتبك الشباب مع الجنود في مواجهه مرعبة, وانهال عليهم الجنود بالهراوات في نفس المكان الذي كنت أقف فيه من لحظات
ونظرت حولي لأجد النساء قد تجمعن خلف الحافلات, وأنا متشبثة بالكاميرا أصور كل ما يحدث
العصي تنهال على الشباب وتترك مكانها اصابات تتفجر بالدماء, وأنا أرتجف رعبا
فجأة وجدت أحد الجنود يجري نحوي, وتذكرت كلمات ياسر (احرصي على رأسك, والكاميرا لا تدعي أحدا يأخذها منك)
وفهمت أنه يريد الكاميرا, وأصابني رعب هائل وشلت كل أطرافي, فهي خبرة جديدة تماما على عقلي, ولم يسجل بعد في ذاكرته ردود فعل مناسبة لهذا الموقف
ماذا يمكن أن يفعل لو وصل لي؟ هذا هو كل ما كنت أفكر فيه
ولكن قبل أن يصل لي بسنتيمترات, وجدت أمامي ابتسام بوشاحها السماوي تحول بيني وبينه وهي تصرخ بعنف : ابتعد عنها
دفعها بذراعه فسقطت على الأرض وهو يهتف : هاتي الكاميرا
تجمع أمامه مجموعة من فتيات القافلة حتى لا يصل الي ومعهم ابتسام التي قامت بسرعة, وانضم اليه اثنان آخران من الجنود
وصرخت ابتسام في : اجري, اجري
كانت أقدامي أسرع من عقلي في الاستجابة, فلقد جريت بلا هدى لا أدري أين أذهب, وأنا أشعر أن الكاميرا أصبحت جزء من جسدي علي حمايته ولا أدع أحد يصل اليه
جريت على الطريق الأسفلتي وأنا أتلفت حولي وخلفي لا أدري أين أذهب, وبدأت أقدامي تتباطأ بعد أن شعرت أنني ابتعدت عن الخطر بما يكفي, فالتفت وأخذت أصور الشجار العنيف الدائر وأنا أقترب ببطء
ورغما عني كنت أبحث بعيني عن شروق وأنا متعجبة, ترى أين هي الآن؟
وشعرت بعد قليل أن القوى انقلبت وأصبحت السيطرة لشباب القافلة, وبدأ الجنود في التراجع
ولكن سرعان ما وصل عدد آخر من السيارات الضخمة وأفرغت حمولتها من جنود على الطريق, ثم وقفت بضخامتها بعرض الطريق وسدته تماما, وأمامها أكثر من جدار من جنود مدججين بالهراوات والدروع الواقية, وتحولت المنطقة الى ثكنة عسكرية
ورغم كل هذا كان الشباب لديهم اصرار رهيب على عبور كل هذه الحواجز واكمال الطريق مهما تكن النتيجة
خاصة بعد أن عرفوا عن طريق الهواتف المحمولة أن رفح كلها بشقيها تنتظر القافلة على أحر من الجمر
توقفت المواجهات ولم يجد أفراد القافلة حلا الا أن يفترشوا الطريق, وقام الأطباء بتضميد جراح المصابين ومنهم عمر الذي جعلت منظر جراحه دموع ابتسام تجرى فوق خديها
وقمنا بأداء الصلاة جماعة في المكان, وبعدها قام الطبيب الذي كا اماما لذلك الجمع بترديد دعاء مطول بصوت مرتفع امتلأ بالعبرات والنحيب
والجميع يردد من خلفه بتأثر والأمن حولنا يحاصرنا من كل الجهات
ثم عاد التفاوض من جديد بين المسئولين عن القافلة والأمن, ولكن هذه المرة بلا جدوى
جمع أستاذ حمدي شباب القافلة حوله وقال بصوت متأسف : يا شباب, لقد فعلنا كل ما نستطيعه, ولم نقصر, والله شهيد علينا
وإن لم نستطع الوصول, فقد نلنا شرف المحاولة وثواب النية وبذل الجهد, وحققنا دويا اعلاميا بعد أن صورت القافلة وما حدث لها عبر القنوات الإعلامية ووكالات الأنباء
أوجه لكم جميعا الشكر لمشاركتكم في هذه القافلة, انها محاولة رائعة تظهر حقيقة معدن الشعب المصري الأصيل
تنهد بأسى : أرجوكم عودوا الى الحافلات فسنرجع الآن
خيم ذهول الصمت على الجميع وظهر التأثر الشديد في الملامح والوجوه, وبعضهم جلس أرضا رافضا المغادرة وقرر الإعتصام في المكان
وسمعت أصوات النساء تجهش بالبكاء
ورأيت دموع الحسرة تملأ عيون الشباب وبعضهم بكى بالفعل
وشعرت بالأسى يغمرني فقد كانت لحظة شديدة على الجميع أدركت عندها مدى شوقي العارم ورغبتي الشديدة في الوصول الى غزة,
مجرد فقط الوصول
تلك الرغبة الجارفة التي لم تكن ظاهرة بذلك الوضوح قبلا
فكل ما كنت أشعر به وقتها أنني أقوم بعمل خيري بالإضافة الى الإثارة الصحفية
ولكني أدركت الآن أن مشاعرى تبدلت تماما منذ انطلاق الحافلة من القاهرة وتوحدت مع أفراد القافلة على هدف واحد, هو الوصول الى غزة
وفشل ذلك الهدف البسيط هو ما أصابنا جميعا باحباط هائل وألم لا يمكن وصفه
لكنني لم أذرف دمعة واحدة, رغم شعورى العميق بالألم, لم أستطع أن أبكي, فمنذ صغري وأنا لا أستطيع البكاء أمام أى انسان مهما بلغت الضغوط من حولي, لا يمكن أن أبكي أبدا أمام أحد, تلك هي طبيعة وجبلة جبلت عليها, ومهما كانت حاجتي للبكاء فلدى القدرة على كتمان تلك الرغبة حتى أنفرد بنفسي وعندها أستطيع أن أفرغ دموعي وألمي وضعفي
استفاق الشباب على حقيقة واضحة وهي أنهم لن يصلوا الى غزة, واشتعلوا بالغضب حتى أن بعضهم حاول أن يقتحم الطريق المسدود, لكن هذه المرة وقف رجالات القافلة الكبار في طريقهم وحالوا بينهم وبين الجنود تفاديا لكارثة قد تحدث في المكان
عاد التفاوض من جديد للسماح بمرور بعض التبرعات والمساعدات لكن الرفض قاطعا هذه المرة, ولم يستطع أفراد القافلة سوى الرجوع الى القاهرة بعد أن أصبح التقدم مستحيلا
ورأيت شروق تعود للإنضمام للقافلة وفهمت أنها كانت تصور من مكان لا يرونها منه
واتصل أستاذ حمدي بالهاتف المحمول لإبلاغ المنتظرين هناك على الحدود بما حدث للقافلة
وكانت رحلة العودة بخلاف رحلة الذهاب يغلب عليها الصمت الكئيب المحبط العاجز
وصلنا الى القاهرة بعد العشاء مع وعد من أستاذ حمدي بترتيب قوافل جديدة في محاولات جديدة لكسر الحصار
عدت للبيت واستقبلتني أمي بقلق شديد, وعندما نظرت في وجهي المقفهر ازداد قلقها وقالت : أميرة, أحمد الله أن وصلتي أخيرا, أأنت بخير؟
هززت رأسي بالموافقة, فلم أكن قادرة على الكلام بعد ذلك اليوم الطويل المرهق جسديا وعصبيا ونفسيا وروحيا
قالت بحنان : أنت متعبة, ارتاحي الآن ولنتبادل الحديث فيما بعد
صعدت الى غرفتي بصمت, وألقيت بحقائبي بجوار الفراش بلا ترتيب, وصليت بلا وعي تقريبا, واستلقيت على الفراش واحتضنت وسادتي, ووضعت خدي فوقها, وكأنما كانت وسادتي هي المفجر لدموعي الحبيسة من أول النهار, والتي كانت تثقل فؤادي وتكتم على روحي
انساب دمعي فوق الوسادة وأنا أستعيد التفاصيل المؤلمة لما حدث اليوم, وتحول الدمع الى نحيب وانخرطت في بكاء عنيف استسلمت له تماما
.................................................. ...
يتبع.....................................

 
 

 

عرض البوم صور saaamyaaa  
قديم 18-10-10, 02:58 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2008
العضوية: 75876
المشاركات: 331
الجنس أنثى
معدل التقييم: شمس المملكة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 39

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شمس المملكة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : saaamyaaa المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

ياسر سيغييررر رأيه تدريجيا بهااا بعد ان يعرف حقيقتهااا


اتمنى ماتطولي في التنزيل لأني عندي مشكلة في الحماااس

 
 

 

عرض البوم صور شمس المملكة  
قديم 21-10-10, 10:23 AM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 26655
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: saaamyaaa عضو له عدد لاباس به من النقاطsaaamyaaa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 115

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
saaamyaaa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : saaamyaaa المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

أختى الغالية شمس المملكة
كل ودي لك
وان شاء الله ما بطول
ان شاء الله بنزل الحلقات الاثنين والخميس
.........................................................
............................................


لا أدري كم استمر بكائي المؤلم, ولكني لم أستفق من تلك الحالة إلا في صباح اليوم التالي, وأدركت أنني نمت وأنا على تلك الحالة
ولكني لم أستيقظ على جرس المنبه ككل يوم, بل على جرس الهاتف, كانت شيرين تسأل عني فقد قلقت بسبب تأخرى عن موعدي وخشيت أن يكون قد حدث لي مكروه بسبب الرحلة
أغلقت الهاتف بعد أن طمأنتها وأخبرتها أنني سآتي اليوم الى الجريدة
نظرت حولي لأجد أن أحد قد أسدل على الغطاء, فأدركت على الفور أن أمي كانت تتابعني بقلق طوال الليل ولكنها لم تقترب مني وأنا أبكي, فقد كانت أكثر من يفهمني ويعرف طبعي, لذلك فقد تركتني أتحرر من ألمي ودموعي بحرية وحدي, وعندما استغرقت في النوم دخلت لتغطيني
غمرني شعور جميل بالراحة والإحتواء فأمي الحبيبة تعرف جيدا متى تراقب من بعيد ومتى تتدخل في الوقت المناسب
أخذت حمام في زمن قياسي وارتديت ملابسي على عجل وجمعت شعري في دائرة كبيرة في رأسي من الخلف على غير عادتي, وثبته جيدا وانطلقت بسرعة الى العمل, وقبل أن أخرج سلمت على أمي وطمأنت قلقها على
دخلت الى المكتب بخطوات بطيئة مرهقة على غير عادتي, ولم ينسى كمال أن يستقبلني بواحد من تعليقاته السخيفة : ها قد أتت المناضلة
قال الأستاذ فؤاد بتعاطف : كيف حالك يا أميرة؟ هل كل شيء على ما يرام؟
قلت ببطء : الحمد لله, أنا بخير
كان صوتي محشرجا يخرج بصعوبة, فقد بح من كثرة صراخ الأمس
قالت شيرين بقلق وهي تنهض لتستقبلني : عزيزتي, قلقنا عليك كثيرا
همست ممتنة وأنا أتنحنح : شكرا يا شيرين, لقد مر الأمر بسلام
وضعت حقائبي فوق المكتب وجلست بارهاق على الكرسي, وأنا أتعجب, الكل سأل عن أحوالي الا شخص واحد فقط نظر الى ولم يعلق رغم أن مكتبه يواجه مكتبي مباشرة, هل المقاطعة وصلت الى هذه الدرجة!!!
أزحت حاجياتي جانبا وأسندت رأسي الى كفي بإرهاق وأنا غير قادرة على النظر في أية ورقة, فالصداع يكاد يفتت عظام رأسي
قلت لأستاذ فؤاد برجاء : أستاذ فؤاد, هلا أمرت لي بكوب كبير من القهوة السوداء المركزة من فضلك؟
قال بود : بالتأكيد يا بنيتي
كنت شاردة أحاول أن ألملم أوجاع رأسي, عندما شعرت بشخص يضع كرسيا أمام مكتبي ويجلس عليه, وعندما رفعت رأسي وجدته ياسر
كانت تلك هي المرة الأولى التي يبادر فيها هذه المبادرة
قال بصوت هادئ به نبرة اهتمام : حمدا لله على سلامتك
قلت بدهشة : سلمك الله
قال : كيف كان يومك أمس؟
لم أستطع أن أنظر اليه فقد كنت أدلك جبيني بأصابعي وأنا أغلق عيني من شدة الصداع, ولكنني ابتسمت بسخرية وقلت بتهكم : لا أستطيع أن أجد الكلمات المناسبة التي يمكن أن أصف بها ذلك اليوم المشهود
فظيع ربما, أو مريع أكثر مناسبة
قال بلهجة هادئة : أنت متعبة للغاية, كان عليك البقاء في البيت للراحة
كنت مندهشة للغاية من تغير موقفه تجاهي, وأخذت أخرج ملفاتي وأوراقي من الحقيبة وأرصها على المكتب فقد كان آخر ما أتمناه هو أن أثير شفقته, وقلت بسخرية أحاول بها اخفاء مدى تعبي الذي بلغ مبلغه : لا بأس, انها فقط بعض الألعاب النارية التي تنطلق في رأسي وستهدأ بعد قليل
قال : عليك النظر الى الجوانب الإيجابية من التجربة وستجدين أن هناك الكثير منها
تنهدت بعمق : كل ما أخشاه أن يفعلها زكي معي كما فعلها معك, وعندها سيكون موتا وخرابا للديار معا, لن أتحمل ذلك أبدا, وقد أترك الجريدة
قال بلهجة من يثق تمام الثقة : اطمئني, سينشر مقالاتك بالتأكيد
فوجئت به يلملم الملفات والأوراق التي أمامي وهو يقول بجدية : سأقوم أنا بمراجعة هذه الملفات
قلت بدهشة وأنا لا أستطيع أن أفتح عيني : ما كل هذا الاهتمام!!!
هل قررت أخيرا قبول طلب الصداقة الذي تقدمت به الى معاليك!!!
لم تحمل لهجته الى أذني أية سخرية أو حتى أسلوب غير لائق, بل كان هادئا وجادا جدا وهو يقول : من الصعب أن أغير رأيي في شيء أنا مقتنع تماما به
قلت باسمة : أعلم, فأنت رجل صاحب مبدأ ومؤمن بكل خطوة تخطوها
قال وهو يقوم من كرسيه : إننا زملاء ويسعدني تقديم المساعدة
قلت : شكرا
ثم عاجلته بسرعة : شروق ترسل لك تحياتها
قال بدهشة وتساؤل : شروق!!
ثم أكمل وكأنما تذكرها : آه, نعم, هل كانت معكم؟
قلت : بلى, انها ممتنة لك لما قدمته لها من مساعدة في المرة السابقة
لا أدري لم أتيت على ذكر شروق الآن؟! هل كنت أحاول استفزازه!! لا أدري
ولكنه تقبل الكلام بطريقة عادية تماما وقال بصوت خالي من أية تعبيرات : أى انسان آخر في مكاني كان سيفعل ما فعلته وأكثر
فهمت من حديثه أنه يعتقد أن شروق قصت على ما حدث بينهما
آمنت تماما أنه شخصية واضحة للغاية في كل شيء, أفعاله وتصرفاته صادقة وواضحة للغاية, لذلك, لا يمكن لأى انسان أن يأخذ عليه أى مأخذ
ناديته بصوت منخفض بسبب احتباس صوتى : ياسر
ومن أول نداء التفت الى قائلا : نعم
اقترب ثانية من مكتبي ليستطيع سماع ما أقوله, فقلت له : هل يمكن أن أطلع على مقالاتك التى منعها زكي؟ أريد أن أعرف ما الذي كان يحدث قبل أمس والى أين وصل غيرى, أريد أن أفهم الموضوع بكل جوانبه
قال مؤكدا : سأفعل ان شاء الله
.................................................
وبعد أيام عندما عرضت التحقيق الذي كتبته بعناية على زكي والذي قرأه ياسر أولا وأبدى اعجابه به, كنت متوجسة أن يرفضه زكي كما رفض مقالات ياسر قبلا, لكن ياسر شجعني وأكد لي أنه لن يفعل
عجبا!!
من أين أتته كل هذه الثقة!!
عدت من مكتب زكي وأنا أكاد أطير فرحا بموافقته على نشر التحقيق, ودخلت المكتب وأنا سعيدة للغاية وأهتف : وافق, وافق, وافق, وافق,
ابتسم أستاذ فؤاد قائلا : رائع, لم أشك لحظة في كلام ياسر, فعندما يقول أنه سيفعل فسيفعل بالتأكيد
صفقت شيرين بسعادة وأشارت الى بإبهامها دليل التأييد : تقبلي تهنئتي يا عزيزتي, فأنت تستحقين كل الخير
قال كمال بأسلوبه السمج : ياسر, هلا توقعت لي ماذا سيفعل زكي بمقالي التالي يا بركة؟ وفي أى صفحة سينشره؟
نظرت اليه باستخفاف
لكن ياسر تقبل الأمر بصدر رحب على أنه نكتة, ورد عليه مازحا : إن شاء الله, عندما أقرأ لك فنجانك, أو ربما أحلم لك حلم من أحلام سي علام
ضحك الجميع لمزحة ياسر, أما أنا فقد كان حماسي وسعادتي يفوقان أية مشاعر أخرى
جلست أمام ياسر مباشرة وكعادته التي تقبلتها كإجراء اعتيادي منه لم ينظر لي واستمر يكتب على الكمبيوتر, وقلت بحماس كبير : هلا أخبرتني كيف توقعت أنه لن يعترض على نشر التحقيق؟؟
قال ببساطة : الأمر ليس فيه أية توقعات, لو لم ينشر التحقيق فسينشره غيره, ولا يمكنه المجازفة بخسارة صحفية نشيطة مثلك
أسعدني كثيرا اطرائه لي
احتفظت به في نفسي على انه اطراء, رغم أن ياسر لا يعرف المجاملات ولا الإطراء
أكمل : لقد حشدت اللجنة الإعلام حشدا, وأذيع كل ما حدث على القنوات الفضائية, وكثير من صحف المعارضة نشرته
فكان عليه أن ينشر التحقيق حتى لا يكون الجريدة الوحيدة التي لا تذكر الحقيقة
قلت بدهشة : ولكن لم لم يتعامل مع مقالاتك من نفس المنطق؟
قال : لأن المقالات التى كتبتها اعتبرها هو وجهة نظر من جانب واحد فقط, فقد كانت تصور ما يحدث في الجانب الآخر
كما أن هناك تشديد على عدم الحديث في هذا الموضوع في هذا التوقيت بالذات, عجبا!! فكما أن هناك حصار على أرض الواقع, هناك أيضا حصارا على تصوير هذا الواقع بإبعاد القنوات الفضائية وأخذ الكاميرات منهم
قلت بفهم : كما فعلوا مع شروق!!
قال : نعم, لقد حالفك التوفيق بالفعل لأنك لم تكوني هناك قبلا
والآن وبعد أن صورت القنوات الفضائية ما حدث فلا مانع من النشر
قلت بدهشة : اذا فما يحدث هو يحدث وسيحدث وبنفس الطريقة, ولكن التغير الوحيد هو السماح بالإعلان عنه
اذا فالوجه صار مكشوفا دون أى احساس بذنب أو حتى الاحتراز لردود أفعال العالم, أو اعتبار لأية انتقادات من أية جهة كانت
قال بتهكم يشوبه المرارة : رزق الصحفيين
قلت بابتسامة سعادة : رغم كل شيء فأنا أتفاءل بوجهك, ولا زلت أتمنى أن تقبل دعوتي لك على الغداء, هذه المرة كزملاء مكتب واحد, ان كنت لا زلت مصرا ألا نكون أصدقاء
دعوة بريئة فقط أعبر لك بها عن مدى امتناني لدعمك ومساعدتك لي
هتف كمال من خلفي بأسلوبه السمج : آخ, يعطي الحلق....
وتجاهلته تماما كعادتي, وكما تجاهل ياسر تلك المقالة الطويلة التي أفردتها في مدحه الآن, وكأنه لم يسمع حرفا مما قلت, وقال بجدية وعيناه في شاشة الكمبيوتر : كنتي قد طلبتي مني سابقا المقالات التي كتبتها في هذا الموضوع
صمت قليلا مشدوهة من ردة فعله, ثم زفرت زفرة ضائقة لا شك أنها أوصلت اليه مدى ضيقي بتجاهله لمشاعري وكلامي وقلت وأنا أضغط أسناني بغيظ : بلى, هل قررت سيادتك أخيرا أن تتفضل على ببعض من كرمك وتدعني أقرأها
للمرة الثانية يتجاهل تماما كل ما أقوله ولا ينظر نحوي حتى وهو يقول: حسنا, ستجدينها على مدونتي على النت , وسأرسل لك الرابط
رغم أنه لم يقل أى شيء يمكن أن يستفز أى انسان, ولكن في تلك اللحظة وجدتني أغلي بالغضب من أسلوبه اللا مبالي
ضربت سطح مكتبه بكفي بعصبية وأنا أهب واقفة, مما اضطره لأول مرة أن يبعد عيناه عن الكمبيوتر وينظر لي بدهشة وكأنما لا يتوقع أن أغضب
لكنني قلت بضيق به رنة سخرية : كلا, شكرا, لا ترهق نفسك, فأنا لا أحب القراءة من شاشة الكمبيوتر, أرجوك عد لعملك, فأنا آسفة حقا لمقاطعتك
عدت لمكتبي بعصبية واضحة ولم يفتني نظرات كمال المتهكمة ولا دندنته المستفزة التى تثير أعصابي أكثر وأكثر, ولكنني اعتصمت بالصمت ولم أصرخ في وجهه حتى لا يزل لساني بالخطأ من شدة انفعالي, فتحت الأوراق التي أمامي بعصبية رغم عدم تبيني لأى حرف منها لكيلا أنظر الى ما حولي أو أستفز من جديد, ولكن فجأة وعلى غير ما توقعت وجدت يدا يحمل خنصرها خاتم فضي مميز وأنيق تمتد أمام وجهي بملف أخضر وياسر يقول : تفضلي
تطلعت اليه وارتفع حاجبي الأيمن وأنا أتساءل بتجهم : ما هذا!!
قال بنبرة هادئة بها بعض الإعتذار : انها المقالات التي طلبتها, أعتذر عن سوء الفهم فلم أكن أعرف أنك لا تحبين القراءة عن طريق الكمبيوتر
وظننت أنك قد ترغبين أيضا في الإطلاع على بعض مما كتبته من قصص قصيرة وخواطر, انها موجودة على المدونة, والكثير منها كتبته مباشرة على الكمبيوتر دون أن أسجله في الدفتر البني
أظن أن أحدهم قد ألقى على بدلو من الماء المثلج في تلك اللحظة, ولم أجد أية كلمة يمكن أن أرد بها وأنا أتناول منه الملف سوى كلمة شكرا
عاد الى عمله دون أن يزيد, ونظرت أنا الى أستاذ فؤاد الذي رماني بنظرات لائمة معاتبة على عصبيتي وأسلوبي الجاف مع ياسر
من الصعب حقا أن تصل لشيء مع انسان له تهذيب ياسر
أختلف معه في أشياء كثيرة نعم, ولكنه يجبرني دوما على احترامه, وتقدير كل فعل يقوم به
ركبت سيارتي متجهه الى البيت وتوقفت في أول اشارة في الشارع الرئيسي الذي به مبنى الجريدة, فاليوم الزحام شديد, ولكن فجأة لمحت ياسر في نافذة الحافلة الصغيرة (ميكروباص) المتوقفة في الإشارة بجوار سيارتي
لم ينظر الى, فقد كان يقرأ في مصحف صغير بين يديه
لم أستطع أن أحول عيني عنه وأخذت أتأمله بشرود
لا زالت بداخلي تلك الأمنية, لا زلت أتمنى أن نكون أنا وهو أصدقاء, وكل موقف أو احتكاك ولو بالصدفة معه يزيد من تلك الرغبة بداخلي ويشعرني تجاهه بثقة كبيرة واحترام وتقدير لعقله وأفعاله
إنه...
كيف يمكن أن أصفه؟ لا أجد وصفا مناسبا أكثر من أنه رجل مستقيم, نعم مستقيم في أفكاره وأفعاله, لا يخفي شيئا ولا يضطر أبدا للكذب, نقي الروح, صادق اللسان, شامخ الشخصية, خدوم لكل من حوله
استيقظت من أفكاري عندما تحركت الحافلة الصغيرة التي تقله, وسمعت أصوات أبواق السيارات العالية من خلفي تنبهني أن الاشارة فتحت وأنا لم أتحرك, فحركت السيارة وعدت الى البيت بسرعة واضطجعت على الفراش وانخرطت في قراءة الملف الذى أعطانيه ياسر
وفهمت الآن فقط ماذا كان يعني بأن زكي اعتبر المقال هو وجهة نظر من جانب واحد
كان المقال يتحدث عن مأساة العالقين على المعبر من حملة الجنسية المصرية, والذين كانوا في زيارات لعائلاتهم الفلسطينية وأغلق عليهم المعبر ولم يجدوا الا أن يفترشوا أرض المعبر من الجانب الفلسطيني في انتظار أن يفتح لهم ليعودوا لبيوتهم في مصر, وأغلبهم من سكان رفح والعريش, وبيوتهم لا تبعد عن المعبر سوى بضعة كيلومترات
وأورد المقال صورة لبعض الحالات الإنسانية التى تعاني الأمرين من غلق المعبر فمن سكان مدينة العريش، عجوز بلغت الستين تحكي بدموعها عن ظروف احتجازها القاسية: قررت البقاء على بوابة المعبر لحين فتحه، وأنا أشعر بالقلق الدائم على أولادى الذين لم أرهم ولم أسمع عنهم شيئا لستة أشهر.

وأضافت "كنت في زيارة عند أقاربي في مدينة غزة، وفي كل مرة يتحدثون فيها عن فتح المعبر أذهب بسرعة إلى رفح لعلي أتمكن من العبور لكن دون جدوى
وسيدة أخرى تحكي : نعيش في مبنى بسقف دون جدران وكأننا على قارعة الطريق ينظر إلينا كل من يمر من هنا، ويرسل إلينا أهل الخير من المنطقة ماء وطعاما نسد به رمق أطفالنا".
وأضافت، أن قلبها يعتصر ألما وحزنا على أطفالها الصغار الذين يقاسون الأمرين بفعل ظروف انتظارهم الصعبة وتدهور حالتهم الصحية دون أن تتمكن من علاجهم، لنفاد مالها.
وسيدة أخرى تعرب عن بالغ قلقها وخوفها من أن يتسبب احتجازها في فقدانها لعملها وحرمانها من مصدر قوت أطفالها
ألقيت بالملفات بعصبية, فكلما قرأت كلما ازداد حنقي وغضبي
بل أدركت الآن كيف كان شعور ياسر وهو على المعبر
وفهمت أن زكي لم ينشر له تلك المقالات فقط للأسباب التى قالها ياسر, بل أيضا لأن أسلوب المقال قوى ويؤلم ويمتلئ بالإثارة وتهييج المشاعر
انتزعتني أمي من أفكاري ووجدتها فجأة تقف أمامي وعينيها تمتلئ قلقا وحيرة
قلت بدهشة : أمي!! منذ متى وأنت هنا!!
قالت : طرقت الباب عدة مرات ولكنك لم تردي, فدخلت لأسألك عن أحوالك وكما توقعتك مستغرقو في القراءة لدرجة عدم الشعور بمن حولك
قلت باسمة : انها مقالات ياسر, وأنا بخير والحمد لله
ولكني قلقة بعض الشيء
جلست بجوارى وقالت باهتمام : وما الذي يقلق أميرتي؟قلت : انها قلقة على الملكة الأم, هناك ما يشغلها ويقض مضجعها
نظرت الى بدهشة فقلت : هكذا أرى في عينيها
تنهدت بأسى وقالت : ماهرة أنت في لغة العيون
قلت باهتمام وقلق : أماه, ما الذي يقلقك الى هذه الدرجة؟ أهو أيمن؟
هزت رأسها موافقة فقلت : وما الجديد!! هو مصدر دائم للقلق
قالت : الجديد أنه يريد السفر للخارج
قلت بدهشة : أهي بعثة, أم منحة من جامعة أجنبية؟
هزت رأسها بإحباط : بل يريد السفر على نفقته الخاصة
قلت : لم؟ أينوي أن يدرس في أوروبا؟
قالت : الأمر لا علاقة له بالدراسة, هو فقط يريد السفر
قلت بدهشة : هكذا فقط دون أسباب مقنعة أو حتى تأشيرة محترمة؟
لا تقولي أنها هجرة كالتي نسمع عنها, هجرة البدروم والحجرات المظلمة والزوارق المطاطية!! هل جن!! لا أصدق أن أخي يفكر بهذه الطريقة!!
انتفضت من الفراش بغضب : سأذهب اليه لأصلح له عقله
قالت : لا تتعبي نفسك, هو مصر تماما على موقفه, يقول أنه أحب فتاة ايطالية يتواصل معها عبر النت وبمجرد أن يصل هناك ستستقبله ويتزوجها ويحصل على الجنسية
هتفت بغضب : وماذا سيعمل هناك؟ ماسح أحذية, أم غاسل للصحون, أم عامل لتنظيف المراحيض؟ !! أم سيعمل زوج السيدة!!!
أين العقل؟ أين الدين الذي تربى عليه!!! أهو حقا أخي؟ لا أصدق!!
اتصلي بيحيى ليأتي ويتحدث معه
قالت بيأس : فعلت, وتحدث اليه طويلا ولكنه لم يصل معه الى شيء
فأيمن مصر ولن يتنازل عن رأيه أبدا
قلت بدهشة : حتى يحيى فشل معه!! لكم تغير أيمن!!
حسنا, وماذا تريديني أن أفعل؟ ان كان يحيى قد فشل معه اذا فهو لن يتقبل مني كلمة كما تعلمين, وعندما نتناقش في موضوع ما فهو يزداد عنادا وتصلبا في الرأى
قالت بألم : لا أريد منك أن تتحدثي اليه, فأنا هنا لأتحدث اليكي
قلت بتعاطف : أعلم كم يبلغ ألمك يا أماه, شيء بشع حقا أن نراه يتدنى الى هذا المستوى
قالت بتوجس : أخشى أن يسوء الوضع أكثر
هتفت بغيظ : وكيف يمكن أن يسوء أكثر من هذا!! أهناك شيء لم يفعله بعد!!
قالت : أخشى أن تشتبكا معا أو تحدث بينكما مصادمات
قلت : وما الجديد, فنحن دائما ما نتصادم
ولكن اطمئني فمن هذه اللحظة لن أتحدث اليه في أمر السفر حتى لا أنفجر في وجهه وأخرج له القديم والجديد
قالت : لا أريدك أن تتفاجئي, ولكن أيمن يطالبني ببيع الأرض التى ورثناها جميعا عن أبيك ليأخذ نصيبه منها ملا ينفقه على السفر
هتفت بذهول : ماذا؟؟ لقد جن تماما,
اتجهت نحو الباب بعصبية وأنا أهتف : على أحد ما أن يوقفه عند حده, ولن أسكت بعد الآن عن تصرفاته المجنونة
قالت بسرعة : أيمن ليس في البيت
قلت هازئة : مرحى, هل خرج من قوقعته أخيرا!!!
آه, نعم, لا شك أنه يخشى من مواجهتي
قالت بحزن : أنا لم آت الى هنا لأسمع منك هذا الكلام, ولا لأشهد معركة بينك وبين أخيك, لقد أتيت لأجد معك حلا لتلك المشكلة
أيمن يريد المال ليسافر, ولا أخفي عليكي لقد قالها لي بوضوح أنه يريد حقه في ورثه من أبيه
قلت بعنف : الآن يبحث عن الحق هذا الفاشل المهزوم!! لم لا يدع الأجنبية تنفق عليه!! لم لم ترسل له تأشيرة محترمة ان كانت حقا تحبه!!
قالت بإحباط : وهل تعتقدي حقا أنها تحبة؟ إن نصيبه من بيع الأرض كبير, أظنه سيدفع منه لمن سيوصله الى ايطاليا
قلت : بلى, فالطريق طويل الى ليبيا, كما أن الزورق الذي سيعبر به البحر يحتاج مبلغا كبيرا ولكن سيتبقى لديه مبلغ كبير أيضا
أتعلمين فيما أفكر؟
أظن أن حبيبة قلبه ستأخذ منه مبلغا كبيرا للغاية لتتزوجه وتمنحه الجنسية
نزلت دموعها غزيرة : لقد وصلك ما وصلني تماما, رغم أنه ينكر ذلك بشدة
قلت بغيظ : كيف يصل الى تلك الدرجة من الدناءة والحقارة!!!
لا يمكن أن أوافق على ذلك, وان كان يريد السفر فليدبر أموره بنفسه, الأرض لن تباع
قالت : اذا فلقد قررتي أن تدخلي في عراك مع أخيك بسبب المال
قلت بتحدي : لا يا أمي, بل قررت أن أصعب عليه الأمر للغاية عله يستفيق من غيه
..................................................

 
 

 

عرض البوم صور saaamyaaa  
قديم 21-10-10, 10:27 AM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 26655
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: saaamyaaa عضو له عدد لاباس به من النقاطsaaamyaaa عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 115

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
saaamyaaa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : saaamyaaa المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

مرت أيام وصفعتني مفاجأة جديدة لا تقل قوة عن مفاجأتي أن أخي الوحيد سيهرب خارج بلاده مع أجنبية
فتحت الجريدة لأقرأ التحقيق الجديد لياسر لأفاجأ بأنه عن شركة الاستيراد التي تستورد القمح الروسي والذي يستخدم في صنع الخبز المدعم
استشطت غضبا, فما كنت أتصور أن ياسر يفعل هذا!!
أخذت الجريدة ووقفت أمامه وهو جالس خلف مكتبه وقلت بغضب : ياسر, ما هذا التحقيق الذي نشر لك اليوم!!
قال بهدوء : هل أعجبك؟
قلت بغضب : أتجرؤ أن تسألني أنا هذا السؤال!!
التفت الى بدهشة كبيرة وقال : ما هذه اللهجة التي تتحدثين بها؟!!
قلت بعصبية : ما كنت أعتقد أبدا أن تفعل هذا
أنت, أنت بالذات ما كنت أنتظر منه هذا!
قال بحدة وقد بدأ يغضب : مهلا, مهلا, أوضحي ماذا تعني بكلماتك
قلت وقد أعماني الغضب : أتدعي البراءة!!
انتفض من كرسيه وهتف بطريقة هزتني من الداخل : كفى, لن أسمح لك بكلمة أخرى
نعم
شروق محقة, إن لديه هيبة عجيبة حقا
لأول مرة يخرس لساني أمام انسان وأنا موقنة أنه أخطأ في حقي
لكن ياسر مختلف, حقا مختلف عن أى انسان قابلته في حياتي
كانت عيناه تشتعلان بالغضب من كلماتي
غضب مخيف, يبدو أنني تماديت كثيرا
ابتلعت ريقي وحاولت أن أسترد رباطة جأشي أمامه وأنا أقول : هذا التحقيق كان من المفترض أن أقوم به أنا
قال متهكما : لم!! أهو احتكار أم أن اسمك قد كتب عليه!!
قلت بعصبية : لا تستفزني بكلماتك
قال بحزم : وأنت التزمي حدود الأدب معي, فلن أتقبل أسلوبك هذا أبدا
تدخل أستاذ فؤاد بسرعة : توقفا أنتما الاثنان, لا يجوز أن تتراشقا هكذا بالألفاظ, تذكرا أنكما زملاء
قلت بغضب : انه لم يراعي أصول الزمالة معي
قال بغضب : اسمعيني جيدا, اما أن تقولي ما لديك مباشرة, أو تسكتي
قال أستاذ فؤاد : ما الذي جرى لكل هذا يا أميرة؟
قلت بضيق : الموضوع الذي أعمل عليه من مدة طويلة, موضوع شركة استيراد القمح الذي عرضته على زكى ووافق أن أقوم به, وتعبت كثيرا في جمع المعلومات عنه, وكنت أعد سلسلة من التحقيقات القوية
وأفاجئ اليوم بأن الأستاذ سبقني ونشره
قال ياسر بغضب : قبل أن تتهميني, اعلمي أنه لا معلومات لدي عما تقولينه الآن
قال أستاذ فؤاد : لا تتسرعي, لم لا تسألين زكي أولا؟
رفعت حاجبي الأيمن والغيظ يأكلني : حسنا, سنرى
خرجت من المكتب بخطوات غاضبة متجهة الى مكتب زكي, اقتحمت المكتب فقال بدهشة : كيف تدخلين المكتب بهذه الطريقة!!
هتفت : وكيف تفعل بي هذا!!
أسند ظهره للكرسي وقال ببرود : آه, فهمت
قلت : لقد سرقت عرقي وجهدي, وبعد أن أعطيتني موافقتك للعمل الجاد في هذا التحقيق
ألديك فكرة كم تعبت في جمع المعلومات حول هذا الموضوع!!
قال بابتسامة مستفزة : ولكنك تأخرتي
قلت باستنكار : تأخرت!! كيف تقول هذا!!
قال : ظننت أننى سأحصل على التحقيق سريعا, ولكنك سافرت الى العريش
هتفت بغيظ : انه يوم واحد فقط
أتعاقبني على سفري للعريش!! لقد قدمت لك تحقيقا لم تكن لتحلم به
قال : هذا صحيح, لقد كسبت الجريدة تحقيقك الرائع, وفي نفس الوقت خسرت مقالات ياسر, وكان على أن...
لم أدعه يكمل : الموضوع كان لي من البداية, وأنت وافقت عليه, فما دخل ياسر بالأمر؟
أتجامله على حسابي!!
قال : ياسر قدم تحقيقا رائعا وفي زمن قياسي, وأنت تأخرتي
صمت تماما أمام تلك الكلمات العجيبة, وأنا أحاول أن أعمل عقلي لأفهم ما الذي يريده زكي بالضبط
قال بمهادنة : لا تغضبي, أرجوكي, أعدك ألا يتكرر هذا الأمر ثانية, ولن...
قلت بلهجة مهددة : أنت تحاول الإيقاع بيني وبين ياسر, لقد جعلت الأمر كما لو كان سباقا بيني وبينه, دون حتى أن ندري بذلك, لقد استغفلتنا, وأشعلت نيران المنافسة بيننا
قال مدافعا : أنت لم...
هتفت بعنف : أنت لا يهمك سوى الإثارة والتوزيع والسبق الصحفي, لا يهمك أن تتحول غرف الجريدة الى بؤر للمنافسة الحارقة, وبدلا من التعاون تحترق بنيران الغيرة بين الزملاء
عجبا, لم تكن هذه هي السياسة التي تتبعها قبلا!!
آسفة, لا يمكنني الاستمرار في جو كهذا
تسابقت أقدامي خارجة من تلك الغرفة الخانقة وأنا أسمعه يهتف من خلفي : أميرة, انتظري, فلنتفاهم
عدت الى المكتب وأنا لا أرى شيء أمامي سوى الغضب, ولم ألتفت لأى انسان في المكان ولا حتى لشيرين التي هتفت : أميرة, ماذا فعلتي مع زكي؟
جمعت أشيائي بسرعة وأفرغت درج مكتبي بعصبية, وأستاذ فؤاد وشيرين يحاولان فهم أى شيء مني, ولكني قلت باختصار : زكي لا يمكن أن يكون مديرا محترما, ان ما فعله شيء لا يمكن احتماله
قال كمال ساخرا : لم تأتي بجديد
فجأة قال ياسر وهو واقف أمام مكتبي مباشرة : ترك الجريدة لن يحل المشكلة, عليكي البقاء ومواجهة المشكلة
فوجئت بكلماته وتجمدت في مكاني ونظرت اليه بصمت, فقد كان الخجل يغمرني, حاولت أن أقول له أى شيء, أى شيء لكنني لم أستطع, فحملت أغراضي وكدت أخرج من الباب, لكنه اعترض طريقي, وقال بحزم : يجب أن تفهمي أنك لن ترحلي من هنا بهذه الطريقة, ولن أكون سببا في تركك للجريدة
ابتلعت ريقي ونظرت اليه وأنا أستجمع أكبر قدر لدي من شجاعة الاعتذار وأنا أقول : ياسر, أنا. أنا آسفة حقا, عن كل ما قلته
زكي يريد الايقاع بيننا, يريد أن يحولنا الى متنافسين, لهذا كلفك بنفس الموضوع الذي كلفني به وانتظر أسبقنا اليه لينشرله
ما آسف له حقا هو أنني ما كان يجب أن أشك لحظة في نزاهتك
قال بهدوء : أخبرتك من قبل أنه ما من مكان في هذا الكون مكتمل, كل ما نستطيعه هو وزن العيوب والمميزات
صدقيني, لو تركتي عملك فستتعبين كثيرا للحصول على غيره
قلت : شكرا لنصيحتك, لكن الأمر بالنسبة لي منتهي
غادرت المكان وأنا أحترق غضبا, ومرت على عقلي كلمات ياسر, انه محق, أعلم جيدا أنني لن أجد عمل آخر بهذه السهولة وإن وجدت فلن يكون على نفس المستوى
لكن ما حدث لا يمكن أن أسكت عنه
في اليوم التالي كنت في النادي مع صديقي الوفي.. أصيل
ركوب الخيل هو الشيء الوحيد الذي يشعرني بالراحة, ويخفف عني الغضب والتوتر
كنت عصبية للغاية وأنا أجرى به في المضمار, لا أنكر أن أصيل صديقي تحملني وتحمل غضبي وضغطي عليه
بل كنت أقسو عليه وهو يحاول حمايتي
فهذا المخلوق الراقي له عقل وقلب ويفهم ويشعر كما البشر
لذلك فإن وجوده بجانبي يشعرني بأمان كبير وايناس
لم أنزل من على ظهره الا عندما شعرت بالتعب, وبعدها جلست الى احدى الطاولات التي لها مظلة في الحديقة, وتناولت عصير البرتقال وأنا أنظر الى ما حولي من خلف نظاراتي الشمسية بلا تركيز
سمعت رنة هاتفي المحمول, كان أستاذ فؤاد الذي قال مباشرة : مرحبا أميرة, أين أنت الان؟
قلت بلا حماس : مرحبا أستاذ فؤاد, أهناك شيء؟
قال : هل أنت في البيت؟
تعجبت من سؤاله وقلت : كلا, أنا في النادي
هتف بحماس : رائع, انتظريني سأكون عندك بعد قليل أنا وياسر
هتفت بذهول : ياسر!!!
استثارتني كلمة ياسر بقوة, وصمت قليلا مفكرة, فقال أستاذ فؤاد : أأنت معي؟
ارتفع حاجبي الأيمن تلقائيا وقلت : سأبلغ الأمن عند البوابة لتدخلا بسهولة, وسأنتظركما عند مضمار الخيل
قال : جميل, ونحن في الطريق
أغلقت هاتفي والاثارة تغمرني, أسرعت الى السائس وطلبت منه أن يعد أصيل, ثم أخذت أعدل من مظهري وأطمئن الى أناقة ملابسي, وأخذت أتحسس شعري المربوط على شكل ذيل حصان وأحكمت قبعتي الرياضية البيضاء حول رأسي
عندما أمسكت بلجامه بين أصابعي, وأخذت أربت على عنقه وجبينه أخذ يهز رأسه وكأنما يسألني عما غير مزاجي, فهمست في أذنه : اليوم سأعرفك الى صديقي, نعم, هو صديقي حتى ولو لم يرغب في صداقتي, يكفي أنني أعتبره كذلك
فكرت قليلا ثم قلت بحزم : هناك صديق آخر يجب أن يراه ويتعرف اليه
أخرجت هاتفي المحمول من جيبي واتصلت بيحيى وكالعادة اعتذر وتحجج بالعمل, لكني مارست عليه أشد أساليب الضغط والتهديد, حتى استسلم أخيرا ووعدني أنه سيأتي حالا
أخذت أترقب وصولهما بشغف والاثارة تملؤني وقلبي يدق بشدة وأنا فوق حصاني
حتى رأيته قادما من بعيد فأخذت أختال بحصاني يمينا ويسارا وأدرت وجهي وكأنني لم أره, وبدأت في الاستعراض فأخذت أسرع بالحصان وأقوم بالحركات الصعبة, وعندما اقتربا من المضمار ناداني أستاذ فؤاد بصوت عالى
التفت نحوهما ولوحت بذراعي وأنا أهتف : مرحبا, سأنتهي حالا وأنضم اليكما
ضغطت أسناني بغيظ وأنا أقول لنفسي : ويل لك مما سأفعله بك إن لم تأتي الان يا يحيى
كنت أستعرض مهاراتي مع الحصان ثم التفت نحوهما ولكم أغرقني الغيظ عندما وجدت ياسر قد أدار ظهره لي واندمج في الحديث مع أستاذ فؤاد, فضلا عن تلك النظارة السوداء التى استبدل بها نظاراته الطبية التى يلبسها باستمرار
كان الغيظ يأكلني وأنا أراه لا يلتفت حتى لي, كانا يقفان خارج المضمار بالقرب من أحد الحواجز العالية, فانطلقت بالحصان بأقصى سرعة نحو الحاجز وقفزت من فوقه مما أفزع أستاذ فؤاد الذي هتف : هاى, اهدئي قليلا أفزعتينا
التففت بالحصان نحوهما, وعدلت قبعتي الرياضية فوق جبيني
أخيرا التفت ياسر نحوى
بداية طيبة عندما ينظر الى حصاني تجعلني أأمل أن ينظر يوما ما لمن فوقه
نعم, أنا متأكدة أنه ينظر الى الحصان رغم أنه يخفي عيناه خلف تلك النظارة السوداء السخيفة
قال أستاذ فؤاد مازحا : أتسمح الفارسة القديرة بالنزول قليلا عن حصانها لنحصل منها على حديث صحفي
قلت باسمة : حالا سأكون معكما
أدار ياسر وجهه الى جهة أخرى
أعلم أنه لا يصوب نظراته نحوى أبدا, ورغم أن تلك العادة تدل - كما علمني أبي - على مدى تمتع صاحبها بالاحترام والتهذيب, الا أنني شعرت بالغيظ الشديد من لا مبالاته وعدم التفاته لي
في بعض الأحيان يكون الانسان مهذبا أكثر من اللازم!!
قلت أستفزه لينظر لي : مرحبا ياسر, كيف حالك؟
فشلت خطتي فقد رد على دون أن ينظر نحوى : الحمد لله
أخيرا , سمعت صوت يحيى يناديني, ولوحت له بسعادة : يحيى, مرحبا, تعالى
نزلت عن حصاني وانضممت لهما ولم تمضي لحظات حتى اقترب يحيى منا وصافحته بحرارة : كيف حالك, ألا يمكن أن أراك الا مصادفة؟
قال مازحا : لا يحق لك لومي فالصحافة هى التي أخذتك منا
قدمتهما اليه قائلة : أستاذ فؤاد, تعرفه بالطبع, وياسر زميلي في المكتب
راقبتهما وهما يتصافحان وقلت : يحيى, صديقي العزيز
لا شك أن هدوءه وجمود ملامحه سوف يصيبني بالجنون
منذ أن جلسنا نحن الأربعة حول طاولة مظللة في الحديقة ولم تخرج من فمه كلمة واحدة, يا له من رجل!! حتى الجدية والتحفظ في مكان مثل هذا!!
تكلم الأستاذ فؤاد كثيرا عما حدث في الجريدة وعن زكي, ولكن ما استفزني حقا أن كلمة (ياسر) تخللت حديثه الطويل بعدد لا يحصى من المرات
ياسر قال.. ياسر فعل.. ياسر ينصح.. ياسر لا دخل له...
والمذكور في الحديث لم ينطق بربع كلمة ولم يعبر عن نفسه أو يقول أى شيء
وكانت الجلسة للترضية, وتدخل يحيى في الحديث وطلب أن يسمع القصة كلها وحكى له أستاذ فؤاد, وأنا صامته أتأمل ياسر من خلف نظارتي الشمسية وأنا متأكدة أنه لا ينظر نحوي ولو حتى خلسة, فهذه هي أخلاقه كما أعرفها, كما أنه يمم وجهه نحو أستاذ فؤاد ويحيى
رن هاتف أستاذ فؤاد, فتحه وابتسم ابتسامة واسعة وهو يقول : مرحى
ثم صمت قليلا, وبعدها قال : هذا رائع, نحن هنا في النادي, حسنا, سننتظرك
أغلق هاتفه وأنا أشك في شخصية المتحدث, حتى أعلنها وأكد لي ظنوني : زكي قادم الآن
قلت بعصبية : زكي!!
وما الذي يريده؟ أنا لن أعود للعمل في الجريدة, هذا قرار نهائي
هتف يحيى : الأمر لا يستحق كل هذا الانفعال, فما أكثر ما نواجهه من مقالب ومشكلات في مجالات العمل المختلفة, وما أكثر المواقف السخيفة التي ستقابلينها في عملك, لو كل موقف صدرتي له عنادك وغضبك فلن تبقي في عمل واحد أكثر من أسبوع
وصل زكي وتنحنح بإحراج وبدأ يقدم الاعتذارات أمام الجميع
قلت بلوم : لقد جعلتني أظن السوء في ياسر وأخطئ في حقه
قال باسما وهو يلقي بنظرة خاصة نحو ياسر : وهو لم يقصر, لقد ترك استقالته على مكتبي وهددني إن تركتي العمل في الجريدة فسيتركه هو أيضا, إنه مستقيم للغاية وصاحب مبدأ
هتف أستاذ فؤاد لياسر : ماذا!!! لم لم تخبرني بذلك؟!
اعتدلت فجأة وقلت بذهول : أفعلت هذا حقا!!! لماذا؟! كنت تنصحنى ألا أترك العمل والا فسأتعب كثيرا حتى أحصل على غيره
لأول مرة يتكلم ياسر منذ أن جلسنا في هذا المكان, قال بهدوء : أخبرتك من قبل أنني أبدا لن أكون سببا في تركك للجريدة
صمت تماما أتأمل ذلك الكائن الغريب الذي لا أدري أى شهاب أو نيزك ألقى به على أرضنا هذه
لفترة طويلة كنت أعتقد أن ذلك النوع من البشر قد انقرض, أو في طريقه للإنقراض
دائما ما يسبقني بخطوة, فعندما غادرت الجريدة غاضبة لم أفكر كيف سأرسل لهم باستقالتي, ربما بالفاكس, أو أعطيها لأستاذ فؤاد, لم أهتم بالتفكير في هذه النقطة
أما ياسر فقد كتب استقالته وقدمها بالفعل
لأى شيء؟ لأجلي, لأجلي أنا, لأجل أن أظل في الجريدة!!
بل إنه لم يحادث أحدا بما فعله سوى زكي, لم يخبر حتى أستاذ فؤاد الذي رافقه طوال الطريق
ما هذا الرجل!! ما هذه الشخصية العجيبة المملوءة بالقوة والحزم!! ودون ضجة أو ثرثرة أو اعلانات أو استعراضات!!!
هل يمكن أن أطلق عليه رجل المواقف والأفعال وليس الكلمات
ولكن ما أقرأه له على صفحات الجريدة ليست كلمات بل طلقات رصاص , فأسلوبه كما قلت سابقا قوى للغاية ومؤثر
إن ذلك الضغط الذي مارسه على زكي جعله يقدم على خطوة ما توقعتها أبدا منه, لقد أتى بنفسه ليعتذر لي
بالتأكيد لا يمكنه أن يتحمل أن تخسر الجريدة ياسر وأنا في نفس الوقت
قال زكي بلهجة اعتذار : إن كان هذا الموقف قد أصابك بكل هذا الضيق, فأعدك ألا يتكرر ثانية, وأنا..
لم أستمع لأغلب كلامه, فقد كنت أتأمل ياسر من خلف نظاراتي
لا أستطيع أن أستوعب أننا حتى الآن لسنا أصدقاء!
كيف أستطيع التغلب على تلك الفكرة التي في رأسه!
كيف يمكنني أن أكسر ذلك الحجر الذي وضعه بيننا!!
إن رفضه لفكرة صداقتنا تثير جنوني, كيف يمكن أن أجعله يثق بي وبأخلاقي مثلما أوليته ثقتي التامة
بل إن شعورى بالثقة والاحترام نحوه فرض علي فرضا
انتهت الجلسة برجوعي الى العمل وتمزيق زكي لإستقالة ياسر أمامنا جميعا, وصافحهم يحيى جميعا, وكذلك أنا, ولكن عند ياسر ومددت اليه كفي قائلة بمكر : مع السلامة, أراك غدا في الجريدة
لم يرفع يده ليصافحني كما كنت أتوقع, بل تجمد تماما أمام ما فعلته
فقلت بخبث شديد ويحيى بجواري يراقب : آه, نسيت أنك لا تصافح النساء
أعلم أن ما فعلته من باب الخبث والمكر
ولكن كان على أن أفهم يحيى كل شيء عن ياسر وكيف يفكر ليعطيني رأيه وانطباعاته عنه بصورة صحيحة, وأعلم أن الرسالة وصلت يحيى بدقة
رحل الجميع ووقفت بجوار يحيى أراقب ياسر وهو يبتعد وكأنني لا أرى سواه, حتى أيقظني يحيى بضربة خفيفة على كتفي وقال بصوت اتضح فيه الغضب : هل يمكن أن تشرحي لي ما يحدث هنا؟
ما هذا الذي أحضرتني الى هنا لأراه؟
قلت بحماس : ها, ما رأيك؟ أليس رائعا؟
أرأيت كيف أجبر زكي أن يأتي الى ؟
قال بغيظ : لقد جننتي!!
لا يمكن أن تكوني معجبة بذلك الشخص ذو الأفكار المنغلقة؟
قلت باستنكار : اذا فأنت لم تقرأ شيئا مما كتبه؟
قال : لا يمكن أن تكون فتاة مثقفة ومتفتحة مثلك, وتعجب بشاب من هذه النوعية!!
قلت معترضة : مهلا مهلا, وما المانع؟
أنت لا تعرف كم هو رائع وذو شخصية قوية ومحبوب من الجميع, إنه ليس كما تظنه
أو بمعنى آخر, ليس كما تصوره السينما والتليفزيون منغلق متخلف جاهل مقزز حافي يتقعر في الكلام, ولا يفهم شيئا في الحياة
إنه مختلف كلية عن تلك الصورة الكاريكاتيرية التي نراها على الشاشات, فهو مثقف للغاية وذو أفق واسع وجم التهذيب واجتماعي
حتى كمال التافه السخيف زير النساء يحترمه ويقدره بل ويمزح معه أحيانا كثيرة
أرأيت بنفسك كيف أن أستاذ فؤاد الذي يكبره بأكثر من ضعف عمره مبهور به وبشخصيته وبكلامه؟
عاد اليه الهدوء فجأة, وعندها فهمت أنه يعد لخوض معركة طويلة في اقناعي كما كان يفعل معي دائما وأنا صغيرة
قال بهدوء : سأفترض معك أن كلامك صحيح, وأنك معجبة به وترغبين في التقرب اليه
هل تعتقدي أنه هو أيضا لديه نفس الرغبة؟ أو حتى يستطيع الاقتراب منك؟
هل فكرتي لحظة واحدة كيف ينظر اليك وكيف يفكر فيكي
قلت وأنا رافضة لفكرته التي اتضحت فجأة أمام عيناي : ماذا تعني؟
قال بأسف : أعتذر عما ستسمعينه مني, ولكني أحب أن تسمعينه مني أنا لا منه هو
فأنت تدركين كم أحبك وأخاف عليكي وعلى مشاعرك أن تجرح لأى شيء ومن أى شخص مهما كان
إن هذا النوع من الرجال يا ابنة أختي الحبيبة يراك فتاة متحررة لا يمكن السيطرة عليها أو تحويلها لتابع له يواريه في بيته ويشكله حسب أفكاره ومعتقداته, لذلك فأنت أبعد ما يكون عن تفكيره
يجب أن تصدقيني, فأنا أفهم ذلك النوع جيدا
فهو لا يمكن أن ينظر الا لفتاة تتوافق عقليتها وتصرفاتها (وملابسها) مع أفكاره
فهمت تماما ما يعنيه وهو يضغط حروف كلمة ملابسها, وقلت بتوجس وأنا أشير الى وجهي في دائرة : أتعني...
قال بصراحة : بلى, فتاة ترتدي الحجاب ولا تختلط بالرجال
قلت باعتراض : لكن كل هذه شكليات لا تعبر عن الجوهر الحقيقي للإنسان
قال : مع الأسف, قد تكون تلك الشكليات أهم عند ذلك النوع من العقليات من الجوهر نفسه
كنت محبطة تماما من كلام يحيى, لا شك أنه أثر بي تأثيرا كبيرا
أيمكن أن يكون ياسر بهذه العقلية المنغلقة!! أيمكن أن يكون مظهري الخارجي هو الحائل بيني وبينه!!
كانت تلك الفكرة تحرقني من داخلي وتقض آمالي, وتهزم ثقتي بنفسي
فهى تعني أن ياسر ينظر الى كفتاة متحررة
كلا, فلأكن صريحة مع نفسي وأختار التعبير الأصح, (فتاة منحلة) تعرض صداقتها على الرجال وتضع الزينة وتكشف أجزاء من جسمها
نفضت رأسي بقوة محاولة أن أقاوم تلك الفكرة الكئيبة التي سيطرت على
مستحيل أن تكون هذه فكرته عني
مستحيل
فهي فكرة خاطئة تماما
..........................................
يتبع.......................................

 
 

 

عرض البوم صور saaamyaaa  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, الأبتسامة, شجاعة, وحي الأعضاء, قصص
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:42 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية