لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-11-10, 05:00 PM   المشاركة رقم: 66
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 165861
المشاركات: 72
الجنس أنثى
معدل التقييم: هناء الوكيلي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 25

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
هناء الوكيلي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : هناء الوكيلي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

الجزء الحادي عشر

في ذلك اليوم لم يستطع صلاح النوم أبدا، بعد كل تلك الحقائق التي اخبره بها العم ابراهيم

عن الشركة، ونشاطها غير القانوني، وتورطها في العديد من القضايا..

هل عمي البشير هو أيضا متورط؟؟

ظل هذا السؤال ينخر بعقل صلاح طوال ذلك الأسبوع، منتظرا بفارغ الصبر زيارة خالد

وبكر له..

إلى أن اعلمه رفيقه في الزنزانة أنه غدا الأربعاء، أي يوم الزيارات..

لم يتبق إلا سويعات قليلة، لينتهي النهار ويحل الليل، وبعدها ياتي الصباح، اشتاق لسمرا،

فهي لم تغب عن نظره، طوال حياته مدة كهذه..

لا يزال يتذكر حينما كانت في السابعة من عمرها، وذهبت إلى التخييم رفقة مدرستها، لم

ينم تلك الليلة، وفي الصباح الباكر سافر إلى افران حيث كان المخيم، وخيم رفقة أصدقاء

له هناك، ليتمكن من رؤيتها وزيارتها دائما..

لم تكن الأخت وحسب بل كل شيء في حياته، شيء لم يصادف ترجمته اللغوية أبدا، طوال

حياته..شيء يتغلغل من الاعماق.

سارع إليها فور رؤيته لها وهي قادمة مع خالد، الذي ككل مرة يكلف نفسه عناء إحضار

قفة الأكل وكل مايحتاجه صلاح، بل حتى بعض قطع الحشيش والمال التي يرشي بها بعض

الحراس، ليعتنوا بصلاح ويحرصوا على ألا يضايقه أحد..

سارع إليه ليضمه وعيني سمرا معلقة على ملامح أخوها، لقد اشتاقت إليه..

ووسط دموعها، وكبرياء رجل يرفض أن تدمع عينيه عانقها بقوة، وقد بدا لها أنه يرفض

أن يتركها..لكنها كانت سعيدة جدا وهي بين احضانه تشم رائحة جسمه التي لم يغيرها

السجن أبدا..

لم يطل بهم الحال، حتى تقدم بكر إليهم، وهو يلقي تحيته على الجميع ويصافح بعدها خالد

ببرود، ويعانق صلاح، أما سمرا فلم يكلف نفسه عناء النظر إليها..

لكنها لم تهتم..أبدا لم يعد يحرك مشاعرها..

بعض المشاعر لا نكتشف مدى سذاجتها إلا حينما نطردها بهدوء من حياتنا، لنكتشف

مشاعر أعمق وانضج منها..وسرعان ما تبدو لنا تلك الأولى كحبات الرمال حينما تذرها

الرياح..

ابتسمت لخالد، وهي تشد على يديه حتى تبعث في روحه الطمأنينة، ليرد لها ابتسماتها

وهو يغمز بعينيه، قبل أن يطلب منها صلاح الانتظار قليلا بالخارج، حتى يتسنى له الحديث

مع بكر وخالد، نقلت بصرها بينه وبين زوجها، في تردد قبل أن تجيب في تفهم:

-حسنا..وضمته بقوة وهي تطلب منه الاعتناء بنفسه..

تنهد صلاح بعمق وهو يقترب من بكر وخالد ليقول بصوت حازم:

-أحتاج لأن اهرب..

شهق بكر شهقة قوية، قبل أن يعيد كلماته بذهول:

-تهرب؟؟؟

أجاب صلاح بحزم وهو ينقل بصره بين بكر وخالد الذي لم يبد عليه أبدا الاستغراب:

-أجل أشعر أني مقيد هنا..

تنحنح خالد قليلا وهو يتساءل:

-هل السيد ابراهيم من سيتكلف بالأمر؟

-أجل إن له رجالا يعتمد عليهم..

ابتسم خالد وهو يتذكر لقاءه برجلين من طرف السيد ابراهيم، ليلة زفافه وقد كانا يبدوان

قويان جدا..ويعتمد عليهما فعلا..

اقترب بكر منهما، حتى يتسنى له سماع صلاح جيدا..

-متى ستنفد العملية؟

هز صلاح كتفيه دلالة جهله وهو يجيب:

-لست أدري العم ابراهيم يقول –حينما يكون الوقت مناسبا-

ألقى بكر نظرة على خالد الذي كان يطوي ذراعيه أمام صدره وينصت لكلام صلاح، وقد

بدا وكان الفكرة راقته كثيرا، ثم قال:

-وهل العم ابراهيم يستطيع فعلا تهريبك؟

أومأ برأسه إيجابا قبل أن يقول:

-لقد أصبح العم ابراهيم رجلا قويا، لقد أذته الشركة كثيرا..

-من تقصد بالشركة بالضبط؟-قالها خالد-

أحنى صلاح رأسه للأرض كمن يشعر بالخجل من ذنب، قبل أن يجيب بصوت ملؤه الحزن:

-إنه واثق أن العم البشير لديه يد في سجني، كما لديه يد في سجنه..

ضرب خالد يدا بيد وهو يطلق شتيمة بذيئة،ثم قال بعصبية:

-كنت واثقا أن ذلك العجوز قادر على فعل أي شيء من أجل المال.
-يبدو أنه اليد اليمنى للسيد ماركو، لقد اكتشفت أن للشركة نشاطا غير قانوني، وأن

الشحنات التي تأتي من الصين، اسبانيا، مجرد شحنات وهمية والتي لا يكون مصدرها

غالبا سوى كتامة أو الناظور، حيث يملك السيد ماركو أراضي كبيرة لزراعة الكيف والذي

يتم استخراج منه مادة مخدرة، يتم تحليلها وتنقيتها عن طريق المختبر السري، الذي

يتواجد بالمصنع، والذي يشرف عليه عالم كيميائي يدعى الدكتور خوان غابرييل، وهو من

يتكلف بهذه المهمة، مع جموعة من المختصين..وذلك منذ سنين طويلة.

-وكيف يتم توزيع المواد المخدرة؟؟تساءل بكر.

هز صلاح كتفيه في تخاذل ثم أجاب:

-لقد عمل العم ابراهيم أزيد من عشر سنوات، وقد كان سؤاله عن طبيعة العمل هناك،

يتزايد يوما بعد يوم، وحينما فتح عن طريق الخطأ أحد الصناديق التي كان يشرف عليها

ذات ليلة،كان مصيره السجن، ليتم اخبارنا أنه توفي وقد ذهب أهله إلى بني ملال حيث كانو

يعيشون من قبل.

صدقنا خرافتهم ولم نبحث عن خيط يدلنا لاكتشافهم..

فما كان يهمنا بالأصل هو ذلك الراتب، الذي كنا نحصل عليه، لأفاجأ به أنه حي يرزق

والأغرب من هذا أنه داخل أسوار السجن.

اغرورقت عيون بكر..فلم يسبق له أن عاش أو سمع عن مثل هذا، وهو الذي كان يبحث

عن حقيقة موت خطيبته ليفاجأ بعالم آخر لم يكشف عنه النقاب، اللهم إلا في الأفلام

والروايات الخيالية..

أما خالد فقد وجد سببا آخر، كي يكره السيد البشير، ويسعى للانتقام منه..

فمن يجرؤ على إيذاء صلاح لا يستحق أن يمرح في الحياة دقيقة واحدة.

وكأن صلاح قرأ أفكار خالد، فربت على كتفيه وهو يقول بنبرة أقرب للتسول:

-لا تؤذه يا خالد.

هذه الوصاية هي ما أعجزته عن فعل أي شيء لأنور، حينما ترجاه صلاح، وجعله يقطع له

وعدا بعدم التعرض لأنور، لأي سبب لكن هذه المرة الوضع صعب..صعب جدا.

إنه البشير اسم لطالما آذى خالد وهو أحد أهم الأسباب التي جعلته يترك الدار البيضاء

ويأتي لسلا...

عاد صلاح يحث خالد على قطع وعد له قائلا:

-عدني أن تترك القانون يتصرف..ولا تتهور..

انتبه خالد لانتهاء وقت الزيارة، ليقف وهو يربت على كتف رفيقه قائلا:

-لا تقلق لن أفعل إلا ما أراه عين العقل..

وخرج ليترك اجابة صلاح معلقة بحلقه..

عانقه بكر بدوره..بصمت ثم خرج.

عند موقف السيارات التقت عيون بكر بسمرا، التي ابعدتهما وهي تدخل للسيارة، في

انتظار خالد الذي كان يتحدث مع أحد الحراس، ويوصيه على صلاح، كما رأته وهو يسحب

بعض المال من جيبه، ليمنحه للحارس..الذي بدا سعيدا به جدا.

انتظره بكر حتى انتهى وهم بالصعود لسيارته حينما نادى عليه، في البداية فكر خالد ألا

يلبي نداءه، لكنه عاد عن رأيه فعلى أحد ما، أن يخبر هذا الصرصور انه لا احد يستطيع

العبث مع الذئب.

تنهدت بعمق وخالد يمسك يدها، طالبا بدون كلمات أن تنتظره قليلا، ابتسمت له رغم

الانقباض الذي شعرت به وهو يتركها.

-هل يمكن أن نلتقي بالمساء على المركب؟؟

طفت ابتسامة ساخرة على محيا خالد سرعان ما أخفاها بلمحة من الجدية، وهو يهز رأسه

موافقا.

طوال الطريق وسمرا تحاول أن تسأله عما دار بينه وبين بكر، لكنها كانت تبلع كلماتها كما

نبلع الدواء المر، كان يعلم خالد ما الذي يدور بخلدها لكنه لم يشأ أن يناقشها بهذا

الموضوع.

-هل ستتناول العشاء ؟

-لا لدي موعد مهم،-توقف حينما هم بالخروج ليطبع قبلة صغيرة على جبهتها وهو يتابع-

يمكنك النوم يا جميلتي سأتاخر قليلا في العودة.

بالنسبة لخالد لم يعد يهمه أمر العلاقة المحتملة التي كانت مع سمرا، فهي الآن نعم الزوجة

التي يتمناها كل رجل، تحاول جاهدة أن تسعده هو لن يتخلى عنها تحت أي ظرف....

كان بكر قد سمح لنفسه باقتحام المركب، وتجهيز براد الشاي الصحراوي الذي يحبه خالد،

حينما وصل خالد لم يعجبه الأمر لكنه لم يعلق وسرعان ما نسي الأمر حينما بادره بكر

بالحديث متمتما:

-أحببت أن أعتذر لك عن تلك الليلة الغبية، أدرك أن تصرفي كان صبيانيا جدا....

أحرق خالد كعادته قطعة الحشيش وهو يمد نصفها لبكر الذي رفض في البداية لكن خالد

أصر قائلا:

-أكره التدخين وحدي...


هز بكر رأسه استخفافا ثم أسر لنفسه أن الادمان لا يأتي من اول سيجارة،وسرعان ما وجد

نفسه ينتشي بقطعة حشيش تلوى الأخرى، وكؤوس الشاي تتزايد بينهما...

ضحك بكر وهو ينصت لنكات خالد البذيئة، والذي كان يحمل الكثير في جعبته، مما جعله

يبدو مختلفا، رجلا طيبا...

وصلت الساعة الحادية عشر ليلا حينما رن هاتف بكر، وقد بدا عليه الارتباك وهو يجيب،

ببعض الكلمات مفادها أنه الآن مشغول وسيتصل لاحقا حينما يفرغ مما لديه...

ربما ما جعل خالد يتساءل في ذلك الوقت هو تلك الكمية التي أحرقها من الحشيش، معتقدا

أنه يحدث نفسه، لكن بكر استمع جيدا لما قال، فضحك وهو يجيب بسؤال:

-هل تعتقد أني كنت على اتصال بسمرا أيام شهر عسلكما؟؟

نظر إليه خالد مطولا وسحابة تكاد تغشي عينيه، ليجيب في تثاقل:

-لقد كنت تقتلني في كل لحظة يا رجل..

لف سيجارة مشحونة بفتات الحشيش، وقد أصبح يجيد لفها أخيرا، ثم قال:

-كنت أتمنى فعلا أن أقتلك وأخرب ليلتك، لكني عدلت عن رأيي فبالأول والأخير ستضرر

سمرا، من هذا وكنت أخشى عليها منك..

تأكد لم اكن لأتصل بها أبدا، فما كان بيني وبينها سوى إعجاب لم يكن ليصبح حبا أبدا..

لم يعلق خالد على كلامه لكن بكر كان سعيدا، بلمحة الهدوء التي ارتسمت على ملامحه

فتابع يقول في حزم:

-لدينا قضية اكبر من كل هذا يا رفيقي –ومد يدا مصافحا إياه وهو يقول:-هلا بدأنا صفحة
جديدة..

ارتاب خالد في البداية من نية بكر، لكنه سرعان ما مد يده القوية له، وهو يجيب:

-أجل فلنبدأ صفحة جديدة..

حمل بكر إحدى صفحات الجريدة التي كانت مرمية على الأرض، وبدأ يتصفحها، ثم علق

على خبر يقول أن هناك امرأة في الثلاثينات، متزوجة منذ أربع سنوات، بعد قصة حب

دامت سبع سنين، تقتل زوجها وتقطعه لقطع وذلك بعدما ملت من خياناته المتكررة لها..

كانت الزوجة سيدة موظفة بإحدى الوزارات، وتحتل منصبا جيدا هناك، حاصلة على

الاجازة في الأدب الفرنسي، لها طفلة تبلغ السنتين، ويشهد لها الجميع بحسن سلوكها..

-لا أستطيع أن اتصور نفسي يوما هكذا..

رفع خالد رأسه إليه وهو يتساءل:

-تتصور ماذا؟؟

طوى الجردية ببطء وهو يجيب:

-ان أكون قاتلا..

ابتسم خالد وهو يجيب في شرود:

-لكل منا جانبه المظلم..لا أحد يولد مجرما...

ارتشف بكر من كأسه وهو يرد:

-بعض الناس تولد وهي تحمل دما ملوثا..أعتقد أن الاجرام هو شيء أشبه بفطرة تولد مع

بعض الناس، لا يمكن إلا أن يكونوا مجرمين..

ران صمت طويل بينهما، ليقرر بكر قطعه قائلا:

-ماذا تفعل في حياتك يا خالد؟؟

ألقى خالد جسده الثقيل على قطعة خشبية فرشت ببعض الملابس القديمة، وسرح بعينيه

في عرض السماء، متأملا ضوء البدر. بدا كأنه لم يسمعه فغامر بكر سائلا اياه:

-أعلم انك تتاجر في الحشيش، لكن ما هي طبيعة عملك؟

نفث خالد سيجارته في الهواء، وتابع دخانها ليجيب في سخرية:

-اعمل مهندسا –ثم انقلب على جنبه الأيمن، وهو يتابع-هل أنت مجنون؟ تعلم أني أتاجر

في الحشيش فعن أي عمل تتساءل عن طبيعته؟

ضحك بكر وهو يجيبه:

-اعتقد أن هذه القطعة قوية جدا..

وافقه خالد الرأي، وهو يحاول النهوض ليعود ويجلس من جديد...

-علي الذهاب للبيت، ستقلق سمرا...

اختار بكر ركنا بعيدا قليلا عنه، وهو يقول:

-سانام ليلتي ها هنا لا احد في انتظاري..تصبح على خير..

-وأنت من أهله، لا تنس أن تغسل الكؤوس والبراد، وترتب المكان في الصباح..

لم يصل أي من كلام خالد لبكر، فقد كان غارقا في النوم، أما خالد فبصعوبة استطاع أن

يصل تلك الليلة للبيت..



******************






حينما دخلت سمرا للبيت الكبير الذي أصبح يقطنه العم البشير مع ابنته ليلى ، روادها

شعور غريب وكأنها سبق وأن رأت هذا البيت سابقا لكنها تعلم جيدا أنه لا يمكنها زيارة

مثل هذه البيوت الكبيرة والتي لا يقطنها سوى الأغنياء، لقد أنعم الله أخيرا على العم البشير

وقد كسب تلك القضية التي يتنازع عليها منذ أكثر من عشر سنوات مع إخوانه في حقه

بالارث والآن بعد كل هذه المدة قررت المحكمة الحكم لصالحه

استقبلتها الخادمة الأنيقة وهي تبتسم لها بود قبل أن تقول بلباقة:

-هل أنت السيدة سمرا صديقة السيدة ليلى؟

ابتسمت لها سمرا بدورها وهي تدور بعينيها حول المكان باعجاب. تلك الدرابيز المغربية

الأصيلة والزرابي المفروشة على السلالم التي تؤدي للطابق االعلوي وتلك اللوحات المعلقة

على طول الممر المؤدي لغرفة أنيقة جدا مفروشة بأثاث تركي، أصيل بسرير كبير على

يمين الباب فرش بغطاء وردي اللون، قبعت داخله فتاة شاحبة اللون تكاد لاتعي ماحولها

شهقت سمرا شهقة فزع حينما بدت لها صديقتها ليلى بعينين ذابلتين وكأن الموت قد زارها

فقط ليعلمها أنه قريبا سيأتي ليأخذها اقتربت منها وهي تتحسس وجهها بريبة

ثم مالبثت أن لوحت بيديها أمام عينيها، بعدما لم تحرك صديقتها ساكنا، رفعت رأسها

للخادمة وهي تتساءل:

-هل تتحرك؟

ألقت نظرة سريعة إليها وهي تجيب، بحزن:

-أحيانا قليلة تستلقي لكنها لا تتحدث مع أحد، رغم أن الأطباء قالو انها تعاني من صدمة

قوية فقط ، كما أنها تسمع كل ما يجري حولها، لكنها زاهدة عن الحياة....

هزت سمرا رأسها في تفهم ثم مالبثت أن مسحت على شعر رفيقتها الأشقر، وهي تتساءل

بمرارة:

-ما الذي جرى لك يا غالية؟؟ أخبريني ما الذي حل بك؟؟

وذرفت دمعا ساخنا على رفيقتها لتبادلها ليلى دموعها بصمت الميت الحي بالدنيا...

لم تنبس ليلى بكلمة، لكن سمرا أخذت على عاتقها تلك الظهيرة، مهمة السرد لرفيقتها ما

حل بهم، حكت لها كيف اجبرت من الزواج من خالد، وكيف كانت تعامله في البدئ وكيف

انتهى الامر بحبها له، وسعادتها معه، بثت لها مخاوفها من عمله، وأن ذلك هو ما يهدد

زواجها بخالد، والساعادة التي تطمح لها معه..

أخبرتها عن صلاح وكيف بدا يتأقلم مع السجن، اخبرتها أنها تكاد تلمح صوتها كلما زارته

تفرش عينيه، وأنه أصبح يخشى السؤال عنها، فقط لكي لا يسمع ذات الجواب..-لا نعلم

من امرها شيئا- أخبرتها كيف أبت عيونه أن تذرف الدمع أمامهم حينما أخبروه عن

رحيلها، وأنه يشتاقها..

كانت ليلى تستمع لرفيقتها بصمت، وألف سؤال وحديث يدور برأسها، الذي لم تستطع تلك

الأدوية من ايقافه..

ودت أن تصرخ بصديقتها:

-كفكفي دمعك..فانا أعلم ما لا تعلمين..كفكفي دمعك يا أختاه..فالقضية أكبر مما تتصورين..

لكنها لم تستطع أن تتحدث، فكتمت حقيقة الأمر مع الآه التي لم تستطع أن تلفظها..

وعند الخامسة بعد العصر غادرتها سمرا، لتتركها تجرع ألم الوحدة، والخوف وحدها..

تصارع شبحا يكاد يخنقها كل ليلة..

وكعادتها منذ أن مرضت، تأتيها أوقات عصيبة فتصرخ وتصبح كما من به مس، تكسر كل

ما يأتي حولها، لتسرع إليها الممرضة، فتحقنها بمهدئ، يساعدها على الارتخاء،

والسكون..


بالمقهى حيث كان يجلس خالد الذي أنهى عملية أخيرة، هذا الفجر والتي اقتضت توصيل

شحنة من القنب الهنديـ ، والذي يتم زرعه بكتامة، ويتكلف خالد بتهريبه لأوروبا، حيث

يوجد الاقبال عليه كثيرا، وقد كانت عملية هذا الفجر تعد جيدة نوعا ما إذ أنها مرت بهدوء

دون إثارة المتاعب من طرف الدرك الملكي، أو الحناش..

-هل قرأت الجريدة؟؟

زفر خالد بعنف وهو يجيب:

-كم مرة علي أن أخبرك أني لست من محبي القراءة للأخبار المتكررة..

-إذن اسمع..

وبدأ بكر يقرأ الخبر وهو يكاد يلتهم السطور..

كان الخبر في الصفحة الثالثة وقد أخذ حيزا صغيرا، مقارنة باخبار فلسطين وأخبار

المباريات، وكذا الفنانين والمهرجانات، لكن بكر وجد فيه ما يثير اهتمامه..

إلى متى؟؟ فقط إلى متى؟؟

كان هذا هو العنوان الذي عنونت به الصحفية موضوعها حيث كتبت تقول..

-هذه النبتة لم تجلب لنا سوى الذل والعار)
جاءت هذه الكلمة على لسان أحد المزارعين بإقليم كتامة الذين يعملون برزراعة الكيف،

وهو المحصول الوحيد المتوفر بالمنطقة، والتي من المحظور عليك –

كمواطن،كصحفي،كرجل أمن-أن تطأها قدمك دون متاعب او مشاكل تذكر..وقد واجهت ذلك

شخصيا..

حيث تم تسجيل أسعار الكيف ومشتقاته في منطقة كتامة ارتفاعا ملحوظا، إذ يتحدث

منتجون في السوق الأسبوعي، لعبد الغاية السواحل –أيكاون-على بعد 60 كيلومترا إلى

الشمال الغربي من مدينة تاونات، حيث يوجد حيز خاص لعرض سواعد عمال قدموا إلى

المنطقة للإشتغال في محلات سرية لتحويل محصول القنب الهندي، أن سعر الكيلوغرام

الواحد من مسحوق-الغبرة- ذات الجودة القصوى يصل إلى 10 ألاف درهم، أي عشرة

دراهم للغرام الواحد،في الوقت الذي لم يكن يتعدى فيه الصنف نفسه وبالكمية نفسها السنة

الماضية 8 ألاف درهم.

وكشفت المصادر ذاتها أن مشتقات الكيف شهدت أسعارها ارتفاعا بداية شهر شتنبر

الماضي مقارنة بالسنوات الماضية، وأن ذلك شمل مختلف الأصناف حسب تراتبية جودتها

من الممتازة إلى الرديئة، فيما ارتفع الكيلو غرام الواحد من –الشيرا-إلى 12 ألف درهم.

هذه الأرقام الهائلة، أين منها الدولة؟؟

وتجدر الاشارة إلى أن هناك دراسة أنجزت من لدن وزارة الصحة همت عينة من

المواطنين من 15 سنة إلى ما فوق، أن نسبة التعاطي للكحول تقدر ب 4%، ونسبة

الإدمان6,1 في المائة.

وبخصوص المخدرات، عرفت نسبة التعاطي 5% ونسبة الإدمان9,2 في المائة، ويبقى

السن الأول للاستهلاك هو 11 سنة. وخلصت نتائج التحقيق حول تعاطي التبغ والقنب

الهندي والمخدرات في أوساط التلاميذ ما بين 15 و17 سنة بمنطقة سلا زمور زعير سنة

لهذه السنة، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن الشعارات التي نسمعها عن التخلص من

آفة المخدرات بالمغرب، لهي مجرد نفخ في الهواء..

وقد أظهرت إحصائيات رسمية أن ما يقارب 800 آلاف مغربي يعيشون على زراعة

المخدرات، وهم أفراد 96 ألفا و600 أسرة بمناطق الريف، وتدر تجارة المخدرات سنويا

154 مليار درهم ، وتذهب 3 مليارات ونصف المليار إلى جيوب المزارعين، في حين

يذهب الباقي إلى جيوب بارونات المخدرات، ويعتبر إقليم شفشاون أكبر خزان لهذه التجارة

المحرمة.

ومن جهة أخرى، أوضح تقرير أمريكي حول المخدرات أن ثمة 3 موانئ تقليدية لتصدير

مخدرالكيف بالمغرب، وهي واد لاو وبن احمد ومارتيل، بالإضافة إلى الساحل المتوسطي،

وقد تم حجز أزيد من طنين من المخدرات على متن تلك الزوارق خلال .2007

هذا ليس بغريب علينا، فنحن كمواطنين نعلم جيدا، ان مثل هذه الأرقام الضخمة كانت

حصرا على المناطق الشمالية..لكن ان تفوق مدينة سلا الصغيرة، والتي كانت كأقصى ما

نسمعه هو التعرض للغرباء بالسلاح الأبيض، أو إثارة الشغب من بعض المراهقين، يصبح

لها الأن شنة ورنة في العالم المخدرات..

حيث تم الاستعلام عن أكثر من ألف ضحية تلقى حتفها، في مختلف من ارجاء المديينة،

وأيضا الاختلاف الطبقي، والعمري وكذا الثقافي..


فإلى متى؟؟ فقط إلى متى؟؟
-تبدو صحفية مجتهدة..

-أجل لديها كلمتها، لكن ليس لها مساحة...، اسمع إن الأرقام التي تحدثت عنها هذه

الصحفية تبدو هائلة، وهذا يدل على أن هناك خللا ما، هل سمعت عن الطفلة التي تبلغ

الخامسة عشر من عمرها، أقدمت على قتل أخيها التوأم من اجل علبة عصير..؟؟

عقد خالد يديه أمامه وهو يقول مستغربا:

-من اجل علبة عصير؟؟ ما ذا تقصد..

-لقد سمعتها ليلة أمس حينما كنت مارا من الطريق الجانبي الذي يؤدي إلى الحي الذي

تقطن به عفاف رحمها الله، هناك وجدت مجموعة من الناس يلتفون حول امرأة تلطم

وجهها وهي تصرخ، وتبكي، وحينما سألت عن الموضوع أخبروني أنه أم لتلك الطفلة،

والتي كانت تبكي بصمت غير مستوعبة ما الذي فعلته بأخيها..

-عالم المخدرات أصبح كما البحر، يبلع كل من يعبث معه..

انفجر بكر بشكل مفاجئ صارخا بوجه خالد:

-أو لست أنت أيضا، واحدا منهم؟ ألست تاجرا في هذه السموم التي تقتل كل يوم اولادنا؟؟

سحقا لك أيها..

أوقفته لكمة خالد، وهو يصرخ بوجهه:

-اسمع ما أقوم به أنا لا يعنيك، ولا يخصك، فأن لا ادخل السموم إلى المغرب، بل يتم

تهريبها إلى الاتحاد الأوربي..ليس لي دخل فيما يحصل..

مسح بكر بعض الدم من شفته السفلى بكمه، ثم هب واقفا، وهو يلتف حوله، ليتمتم في


صوت خجول:
-آسف فقدت السيطرة على نفسي..

عدل خالد من قميصه، وهو ينظر بنصف نظرة، حانقة لبكر ثم ما لبث أن قال:

-حسنا لا عليك، آسف أيضا بشأن-وأشار بأصبعه إلى شفته السفلى-

ليبتسم بكر وهو يجيب في لا مبالاة:

-لا عليك كنت أستحقها على أي حال..

عاد خالد يتصفح الجريدة من جديد، بعدما طلب من سعد تجهيز براد الشاي، بدون نعناع ثم

قال وكأنه يتحدث مع نفسه:

-اخشى على هذه الفتاة..ما اسمها؟؟

-رباب الصالحي.

هز رأسه متفهما، وهو يمعن النظر بما جاء به قلم رباب...

 
 

 

عرض البوم صور هناء الوكيلي   رد مع اقتباس
قديم 29-11-10, 05:28 PM   المشاركة رقم: 67
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 165861
المشاركات: 72
الجنس أنثى
معدل التقييم: هناء الوكيلي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 25

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
هناء الوكيلي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : هناء الوكيلي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

الجزء الثاني عشر


-أممم شممت رائحة الطجين من بداية الشارع، فعرفت أن اميرتي هي صاحبة هذه الرائحة

-وأمسك أناملها برقة ليطبع قبلات صغيرة عليها، وهو يتابع-لا حرمني الله منك..

رفعت حاجبيها وهي تبتسم في غنج، لتجيب:

-ولا حرمني منك..

مسح بطنه بيديه وهو يتذمر في تصنع:

-أشعر بالجوع..وهذه الرائحة تسيل لعابي..

ضحكت سمرا لتثير في نفسه كل مشاعر الحب، التي يحملها لها، وهي تجيب:

-حسنا خذ حماما سريعا، وسيكون الغذاء جاهزا..

تناول خالد وجبة الغذاء، الدسمة وأتبعها بكأس شاي صحراوي مما يحب، ثم استلقى على

الأريكة لتلحق به سمرا بعدما رتبت المطبخ..

اقتربت منه بهدوء لتتأكد ما إن كان مستيقظا، وحينما وجدته نائما حاولت أن تعود أدراجها

لكنه أمسكها من يديها برفق، ليقول:

-عطرك يفضحك..

ابتسمت وهي تجلس بجانبه، بعدما ترك لها مساحة تكفيها لتكون ملتصقة به..

أراحت رأسها على كتفيه، وهي تحاول تركيب الكلمات بعقلها، تنهدت بعمق لتقول أخيرا:

-خالد؟

أطل برأسه عليها مبتسما فأخفضت عينيها متابعة:

-لقد كنت أزور ليلى طوال هذا الأسبوع،-عادت تنظر إليه لتجده ينصت لها باهتمام فتابعت-

لقد بدأت تتحسن قليلا، لكنها لا تزال صامتة لست أدري أمس شعرت وكأن لها رغبة

بالتحدث معي لكنها لا تقو على ذلك..أو انها خائفة من شيء..

قاطعها خالد في اهتمام:

-ما الذي تقصدينه؟؟

لوت شفتيها وهي ترفع رأسها على كتفيه:

-أعتقد أن سجن اخي أثر عليها كثيرا..فأنت لا تدرك كيف كانت تحبه، لم تكن تتخيل أن

تعيش لحظة واحدة بدونه..

مسح على شعرها وهو يقول:

-سمرا عليك أن تعديني ألا تزوري ليلى مرة أخرى..

جحظت بعينيها ذهولا وهي تستنكر قائلة:

-ماذا هل جننت؟؟

تأفف في عصبية ثم استعاذ من الشيطان ليقول بتوسل:

-عديني حبيبتي ألا تزوريها، فأنا أخشى عليك هي تمر بظروف...

قاطعته وهي تمسح دمعة فرت من عينيها:

-ها أنت قلتها بنفسك، تمر بظروف صعبة فهل من المنصف أن أتخلى عليها الآن...

كان يعلم أن سمرا لن تقتنع بما يطلبه منها، لذلك وكمحاولة لانهاء نقاش ربما قد ينتهي

بشجار هو في غنى عليه الآن معها، قال بحزم:

-اسمعي لقد انتهى الأمر وأنا لا أريد لزوجتي أن تذهب إلى مكان لا أرغب فيه...

لم تجد سمرا أمامها سوى الامتثال لطلبه، وإبعاد فكرة زيارة ليلى عن بالها، فبالأول

والأخير خالد زوجها، وعليها أن تطيعه..


في تلك الأيام لم يكن هناك من حديث سوى عن تلك الصحفية، الشابة التي ظهرت مؤخرا

لتثير الجدل في أرجاء المدينة، حيث أصبح لها ركنا خاصا بجريدة الأحداث المغربية، وقد

شكل لها هذا مساحة واسعة عرفت كيف تستغلها، بشن هجومها على الكثيرين من

المسئولين، وهذا الصباح قرر خالد أن يقرأ لها خبرا، تحدثت فيه عن العصائر التي

أصبحت تباع بنصف ثمنها، والتي تزعم شركة أورانج ماروك التي يمتلكها السيد ماركو

أغيراس وهو رجل أعمال اسباني، له العديد من المصانع والشركات بالمغرب، من بينها

شركته أورانج ماروك المتخصصة بإنتاج عصائر البرتقال الطازج..

والتي أصبحت عصائرها التي كانت حصرا على الطبقة الراقية فقط، بمتناول كل من هب

ودب، ليشتريها بنصف الثمن، بعدما لم يتبق على انتهاء مدة صلاحيتها سوى الشهر،

هل أصبحت شركة أورانج ماروك تعاني من الكساد فجأة، رغم الاقبال الذي نعرفه على

عصائرها فمن منا يمر يومه دون علب عصائر اورانج ماروك؟؟ أم أن المنافسة الشديدة قد

أحدثت شرخا بانتاجها؟؟

كان المقال طويلا وغنيا كعادتها، لكنه لم يكمل القراءة، فقد أثار انتباهه هذا الاسم لكنه لم

يعد يتذكر أين سمعه بالضبط؟؟؟؟

طوى جريدته وهو ينظر لساعته، فبكر تأخر عن موعده كثيرا، وأشد ما يكره هو الانتظار

فتح عينيه ذهولا حينما توقفت سيارة بكر، ونزلت منها فتاة معه تبدو جميلة فتساءل خالد

ما إن قد وجد بكر نصفه الثاني بهذه السرعة؟؟
بدت التسلية على وجهه وهما يقتربان، فغمزه بكر بمعنى لا تسئ الفهم، ولا تطلق العنان

لخيالك، فكتم خالد ضحكته وهو يعدل جلسته..

ألقيا التحية فردها خالد بأدب مبالغ فيه، ليدعوهما للجلوس:

بدأ بكر بالحديث معرفا عن الشابة التي معه:

-أقدم لك الآنسة رباب الصالحي، صحفية بجريدة الأحداث المغربية

مد يده إليها بثقة وهو يتفحصها، كانت ذات لمحة أمازيغية بتلك الحلي التي تلبسها

بمعصمها والتي تنحدر لأقاليم أغادير، رغم لباسها العصري، وتلك البشرة البيضاء

والعيون الشديدة السواد، وشعرها البني الغامق، الرطب الذي يصل لخصرها، وقد جعلته

على شكل ذيل الحصان..

تأكد من شكوكه فور بدئها الحديث بتلك اللهجة الأمازيغية، الواضحة والتي امتزجت

بالدارجة المحلية.حاول طرد تخيلاته فما همه بها إن كانت أمازيغية أو لا وانتبه اخيرا لما

كانت تقوله:

-....وقد اخبرني السيد بكر أن لكم بعض الشكوك حول الشركة ذاتها..

تلك العلامات الاستفهامية التي ارتسمت على وجه خالد، جعلت من بكر يعلم جيدا، أنه لم

يكن حاضرا معهم، وأنه ربما كان في عالم بعيد عنهم، فحاول أن يفسر الأمر من جديد دون

أن يحرجه:

-إن الآنسة رباب مستعدة للتعاون معنا، فبالأول والأخير نحن لنا هدف واحد، وقد أخبرتها

أننا نشك بالمصنع الذي كان يشتغل فيه صلاح، والذي أخبرنا عنه السيد ابراهيم، نحن لسنا

متأكدين من صدقه، لكننا على أي حال سنبدأ من هناك..

فكر خالد أن بكر قد حكى أكثر من اللازم لرباب هذه، لكنه ارتأى أن لا يعلق على الأمر،

حتى لا تعتقد أنه متضايق من وجودها معهم، فاكتفى بهز رأسه في تفهم ثم بعدها قال بتأن:

-حسنا فليكن خيرا..

إجابة كهذه لم تكن لتقنع رباب، بموافقة الذئب على وجودها معهم لكنها لم تعلق..

أخبرتهم أنها قامت بإحصاء الأسبوع الماضي حول الوفيات، الغريبة التي شهدتها المملكة

مؤخرا، وخصوصا، في المناطق النائية، والفقيرة، ودور الصفيح كسهب القايد، بسلا

وحي سيدي مومن بالدار البيضاء، والعديد منها وقد وجدت أن عدد المتوفيين بجرعات

زائدة قد ارتفع بمعدل 5% مما يضعنا أمام سؤال مهم، مالتغيير الطارئ؟؟

عقد خالد ذراعيه على صدره ثم قال:

-سمعت أن هناك نوعية جديدة من الحشيش التي تأتي من أفغانستان، وهي ذات جودة

عالية..

قاطعته رباب متسائلة:

-ألا تعتقد أن النوعية الجيدة لا تصل لأماكن كهذه بهذه السهولة؟؟

أومأ برأسه موافقا إياها فتدخل بكر قائلا:

-غدا سنذهب لزيارة صلاح وسنعرف ما إذا كان يحمل الجديد..

والجديد الذي كان يحمله لهم صلاح، جعلهم يفتحون أفواههم دهشة، وهم ينصتون إليه:

-...حينما قرأت مقال الآنسة رباب أثار انتباهي ادراجها لاسم السيد "ماركو أغيراس"

إنه نفس الاسم الذي قرأته ذات مرة بفواتير وجدتها صدفة بمكتب العم البشير، ويبدو أنه

قد تم التوقيع عليها من طرفه..



فذهبت لأسأل السيد ابراهيم، وقد أخبرني أن شركة العصائر "أورانج ماروك"هي من أهم

الشركات التي يمتلكها السيد "ماركو أغيراس" الغريب في الأمر ما الذي يجعل من شخص

مهتم بالعصائر، وفي نفس الوقت يملك مصنعا صغيرا، بحي فقير لنقل البضائع الرخيصة؟؟

-هنا يكمن مربط الفرس.."قالها بكر بحماس"

أجل كان هذا مربط الفرس لنا، وكانت هذه هي الحقيقة التي كنا نجري وراءها لشهور

عدة، دون أن نصل إليها، ومع اقتراب حلمنا لتحقيق العدالة التي كنا نصبوا إليها جميعا،

زاد خوفنا من هذا الشبح الذي اقتربت ملامحه من الظهور، وكنت قد بدأت أشعر بالخوف

فمابعد الكمال إلا النقصان، كنت أشعر أن شيئا ما سيحصل ليغيرني، لأصبح شخصا آخر

لم أكن لأرغب في أن اكونه يوما، شيء ما كان يخبرني أنها ستصاب بأذى رغم علمي جيدا

أني أحطتها بكل العناية وجعلتها آمنة، من أن مخالب الشبح لن تصيبها...

لكني أخطأت حساباتي لم أف بالوعد الذي قطعته بحمايتها، لم أكن الشخص المناسب أبدا

لأحافظ عليها، لم يكن علي أن أقطع وعدا له بحمايتها حتى آخر رمق، كنت السبب في

موتها وقد كان لابد أن أريح روحها لم أشعر بأني أنا من أطلقت النار عليهم جميعا، لم

أعرف ذلك إلا حينما فات الأوان.

لست نادما على موتهم فقد كانوا يستحقون أن يموتوا كان على أحد ما يقيم العدالة التي لم

يمنحني إياها القانون.

كانت منى تسمعه بصمت وهو يسرد عليها تفاصيل الجزء الأخير، وكأنه كان يعود بروحه

إلى هناك أجل لقد أحب أن يعيش معها تلك الفصول بكل تفاصيلها الصغيرة، كان يتعمد أن

ينقل لها كل تلك الصور، ربما كان يخاف أن تنسى قصته أو تؤول بطريقة أخرى، كان على
أحدهم أن يشعر بكل نزف تقاطر من جسده، وقد اختارها القدر لأن تكون هي المتفرجة

الوحيدة، والقارئة الوحيدة لتفاصيل حكاية تداولتها كل العقول،، ولعقتها كل الألسن،

وحكمت عليها كل الأيادي..

كان على أحدهم أن يعرف القصة بدون رتوشات...



بعدما التقى السيد ابراهيم بالرجل الذي زاره اليوم والذي كلف احد رجاله بالبحث عنه،

وبعدما وافق على مطلبه، أصبح من الممكن الآن أن يخبر صلاح بالمستجدات...

سيحتاج صلاح كثيرا خارج السجن وبصورة قانونية، لذلك لم يجد أمامه سوى هذا الحل

ولأن لا شيء أرخص من ضمائر بعضهم، فقد وجد مطلبه بثلات ألف أورو، مبلغ محترم

قد وجده السيد عبد الحق الوزاني الذي يعمل كحارس لإحدى الإقامات بالرباط، والذي لا

يتقاضى على عمله سوى مئتي دولار، لاتكاد تكفيه حتى للمواصلات، ومدرسة ابنته

الوحيدة التي تبلغ التاسعة من عمرها، حلا يسد ثغرة الفقر، وينسيه فجيعة قضاء سنين في

السجن، بدلا من شخص أخر...

قرر أن يتقدم صباح الغد إلى مركز الشرطة، والاعتراف بذنب لم يرتكبه، وإخبارهم أنه هو

من دس تلك المخدرات، وعقاقير "القرقوبي" التي وجدوها بغرفة صلاح، بعدما كان قد

نشب بينهم في الليلة السابقة شجار عنيف، وكان قد هدد فيه المتهم بالانتقام منه، لينفذ

تهديده في الليلة التي تليها مستغلا بذلك حفلة زفافه.

كان السيد ابراهيم يسرد هذه التفاصيل وغيرها لصلاح الذي كان يستمع في دهشة وحينما

انتهى تساءل في استغراب كبير:

-لم لم تستغل نفوذك للخروج من هنا والانتقام ممن زجوك بالسجن؟؟

مسح السيد ابراهيم رأسه الأبيض وهو يقول ببساطة طفت على نبرة صوته :

-هنا أتصرف بحرية تامة، والسيد ماركو مطمئن من جهتي ولربما كان قد نسي أمري، لكن

إن علم بأمر هروبي، فسأزرع في قلبه الشك، ولربما قد تصبح حياتي في خطر...

ظهرت نظرة متشككة على ملامح صلاح، فسارع السيد ابراهيم مطمئنا إياه:

-لا تقلق سأوفر لك كل الحماية.. لن أسمح لأي مكروه قد يصيبك..

ابتسم له صلاح، وهو يعيد التمعن في ملامح الرجل الثلاثني، الذي قرر أن يتبرع بسنتين

من عمره، بمقابل أن يعيش مستقبلا مشرقا، هو لايعلم أن ليلة واحدة تقضيها بالسجن

ظلما، تعادل كنوز الدنيا وما فيها...

كانت الاجراءات جد بسيطة أو ما جعلها كذلك هي نفوذ السيد ابراهيم سواء في مركز

الشرطة، أو الشهود التي شهدت بما لم تراه عيونها، لتعلن براءة خالد بعد أسبوع من ذلك

ويصبح أخيرا رجلا حرا....

تنفس بعمق وكأنه لم يسبق له وأن ملأ رئتيه بالهواء، ما أجمل أن يكون الانسان حرا..

طوال الطريق وسمرا تعده بأشهى المأكولات، وخالد يدعي غيرته من الحبيب الجديد، الذي

استحوذ على زوجته..

كان الحمام رائعا، وقد أراحه بعض الشيء من تعب تلك الشهور التي قضاها هناك، حيث

عالم جديد عليه..

تناول الغذاء الذي أعدته سمرا خصيصا بمناسبة خروجه، من السجن، وأتبعه بكؤوس

الشاي وبعض الأحاديث الطريفة لخالد عن الأيام الأولى لزواجه بسمرا، لكنهما اخفيا

وبشدة أمر ضربه لها، لأنهما يعلمان أن صلاح لن يفوتها لخالد مهما كانت الأسباب..

والأكيد أن علاقتهما قد تنتهي.

نهض صلاح وهو يضع كأس الشاي من يديه، لتتساءل سمرا:

-أين ستذهب يا أخي؟؟

مسح على شعرها وهو يجيب بحنانه الذي افتقته كثيرا:

-لدي مشوار صغير وسأعود..

ابتسمت في ريبة، وعينيها تكاد تلتهم وجه اخيها، حبا واشتياقا له..

قبل جبينها وارتدى سترة فالبرد بدأ يعلن عن قدومه..وخرج..

لحق خالد به بخطوات سريعة ليضرب كتفيه بخفة، قائلا:

-اعتقد أنه قد حان الوقت للذهاب..

أومأ صلاح برأسه وهو يفكر في لقائه معها كيف سيكون، ما يرغب فيه هو معرفة لم

تنكرت لحبه؟ ما يرغب فيه هو أن يرى عينيها بلا حبه..

أخذ سيارة خالد وتوجه إلى العنوان الذي كتبه له، وهو يحمل معه كل تساؤلات الثلات

شهور الماضية، كل تعبها، وسهر لياليها، واشتياقه لها..

توقفت أنفاسه عند مدخل الباب الحديدي الأنيق، وذلك الهدوء الذي يلف المكان.ضرب

الجرس وانتظر إلى أن خرجت إليه الخادمة وهي تلبس اليوني فورم الأسود، ذكره ذلك

بالأفلام العربية القديمة، سألته عن نفسه، فأجابها بهدوء :

-صلاح الهاشمي، زوج السيدة ليلى الهاشمي..

فتحت عينيها ذهولا وهي تفسح له المجال ليدخل، كان الممر طويلا بين الباب الخارجي

والباب الداخلي، طويلا لدرجة أنه سمح لصوفيا الخادمة بتفحص الرجل الذي سبب سجنه

تلك الأزمة النفسية الفظيعة لسيدتها الجميلة..

قادته فور دخولهما إلى الطابق العلوي، حيث غرفة ليلى مستغلة عدم تواجد السيد البشير،

فقد كانت تشعر بعدم رغبته بتحسن ابنته، لأسباب تجهلها، لكنها متأكدة أن حضور السيد

صلاح الآن سيغير الكثير من حالة ليلى..

أشارت له بالدخول، وهي تبتسم له ابتسامة تشجيع، متراجعة للوراء، انتظرها حتى غابت

عن نظره، ثم فتح الباب..ليراها تجلس بذات الهدوء على كرسي خشبي كبير، شاردة في

نقطة ما من الفضاء..تتأمل زرقة السماء القاتمة التي تعلن عن ولادة فصل جديد..لطالما

زرع في قلبها الحزن..بلونه الرمادي الذي ينعكس على الحياة..

اقترب منها وأخذ مكانا أمامها، لم تدر وجهها إليه، فقد كانت ملتفتة إلى النافذة القريبة

منها خاشعة حواسها، كراهبة تتعبد في الكنيسة..لكنه لاحظ ملامحها التي تجمدت فجأة، ثم

انكمشت لتصغر وتصغر وتولد دمعة أحس بحرقتها تقطع قلبه..

تزامنت دموعها مع ولادة زخات المطر الأولى على الطبيعة، فعانقت تراب تلك الحديقة

التي كانت أسفل نافذتها، لتتخللهما رائحة التراب..

لم يشأ أن يفسد تلك اللحظة الصادقة مع مصالحة الذات، و دموع ليلى تزيد شيئا فشيئا

وكأن ذلك المطر قد عقد اتفاقا ضمنيا معها، فوعدها بهدية مغرية إن هي راقصته تلك

الظهيرة..

أخيرا هدأت، ليركع أمام عينيها الخضراء، وهو يكفكف دمعها بصمت، حالتها جعلته يجيب

على كل الأسئلة التي لم تكن تغادر عقله، وهو يتأمل تلك الملامح التي لطالما كانت تشع

بالحياة، منطفئة الآن أمامه.

-سمرا أنا آسف لكل ذلك العذاب الذي جعلتك تعيشينه،لكن أقسم لك يا حبيبتي أني بريئ

وأنها خطة دنيئة دبرت لي.... إنها مكيدة....

عادت دموع ليلى تغسل وجهها كما يغسل المطر أبواب نوافذها، وشفتيها ترتعشان وكأنها

نقلت فجأة إلى القطب الشمالي، أخذ جسمها يرجف على نحو غريب وهي تقع الأرض

مغشى عليها... شعر صلاح بهلع فظيع وهو ينادي على الخادمة التي أسرعت إليه وهي

تدعوه للخروج من الغرفة قبل أن تسوء حالتها...

بعقل غائب ابتعد وهو يترك قلبه ومشاعره مع ليلى التي كانت غائبة عن الوعي، لم تعرف

صوفيا ما الذي تفعله لذلك سارعت بالاتصال بالطبيب، الذي أخبرها بقدومه خلال عشر

دقائق لا أكثر، كان خلالها صلاح يروح ويجيئ بخطوات طائشة ببهو الطابق السفلي،

حيث كان ينتظر أي أخبار قد تساعده في معرفة ما الذي حصل لليلى، إلى أن فوجئ

بحضور الطبيب المعالج، الذي كان يتكلف بعلاجهم بالمصنع، ارتبك الرجل فور رؤيته

لصلاح لكنه سرعان ما تجاوزه بخطوات سريعة، وهو يصعد السلالم المؤدية لغرفة ليلى

وقد بدا عليه أنه يعرف الطريق جيدا,,,

غاب فترة قصيرة قبل أن ينزل بصحبة الخادمة، ويتوقف أمام صلاح الذي كان يعترض

طريقه عند نهاية السلالم، ارتعشت شفاه الرجل وأنجبت ابتسامة باهثة، وهو يقول:

-الحمد لله على سلامتك يا أستاذ صلاح، علمت أنك خرجت من السجن,,,

عقد صلاح يديه على صدره وهو يطيل نظرات متشككة إلى السيد عثمان قبل أن يقول

بسخرية:

-يبدو أن الأخبار تنتشر بسرعة هنا؟ -وتابع دون أن ينتظر رده- ما بها ليلى؟؟

مسح عثمان بعضا من قطرات العرق التي تساقطت على جبينه وهو يتمتم قائلا:

-إنها بخير أعصابها متعبة جدا، وتحتاج لبعض الراحة,,,

تجاوزه صلاح متجها نحو الدرج، وهو يقول:

-حسنا إذن سآخذ زوجتي معي إلى البيت...

سارع نحوه الطبيب ليوقفه قائلا بلطف مبالغ فيه:

-سيد صلاح أقدر اهتمامك الكبير بزوجتك لكن عليك أن تعرف أنه لا يمكنك أخذها الآن إلى

أي مكان فقد أعطيتها مهدئا الآن وستنام إلى الصباح,,

التفت ايه صلاح وهو يعيد التفكير فيما قاله الطبيب الآن، وقد كان سيعدل عن قراره لولا

تلك النظرة الغريبة التي غلفت عيني صوفيا، بدت وكأنها تحثه على أخذها من هذا المكان

بأقصى سرعة,,,

-لقد أخبرتك أني سآخذ زوجتي، شئت أم أبيت

وانتقل بخطوات سريعة إلى الطابق العلوي، وحينما أدرك عثمان أنه لن يستطيع منعه

اتصل بالسيد البشير، رغم أنه أعطى أوامر مشددة بعدم ازعاجه لأي سبب لأنه سيكون في

اجتماع مطول مع السيد ماركو,,,

تبعته صوفيا بصمت، وأخذت تجمع كل مايقع على عينيها من ملابس لليلى، وما ستحتاجه

من ضروريات في حقيبة بينما كان صلاح يغير لها ملابسها، وبعدما انتهيا من عملهما،

حملها بين يديه، مريحا رأسها على صدره، وهو يتوجه إلى سيارته، التي رغم محاولات

السيد عثمان لإيقافه إلا أنه فشل في ذلك .

حينما ركب السيارة اتصل بخالد وأخبره أنه سيجلب ليلى إلى منزله ريتما يجد مكانا ملائما

لها،لكن خالد اقترح عليه أن يأخذها مباشرة إلى الكوخ الذي يتواجد بالجبل.

ابتسم صلاح رغم صعوبة الظروف، وهو يتذكر ذلك اليوم الذي تعرف فيه على خالد، حينما

أنقذه هذا الأخير من مخالب أبو سكة رحمه الله، والذي اعترض طريقه، وقتها طلب منه

خالد أن يعلمه القراءة والكتابة، وبالمقابل طلب صلاح أن يعلمه كيف يحمي نفسه، ليصبح

الجبل وذلك الكوخ هو المأوى والملاذ الوحيد لهما...

فيه تعلم صلاح فنون القتال على يد خالد، وتعلم فنون الصبر على يديه أيضا، تعلم كيف

يدافع على نفسه، ويصنع لنفسه قوة ذاتية، دون أن يضطر يوما لاستخدامها.

التفت إلى ليلى التي كانت تغرق في سبات عميق، وهمس لها في رقة:

-لا تقلقي انتهى كل شيء الآن...

أجل لقد قرر أن يترك كل شيء هنا، وليترك هذا العالم، ما همه هو إن قتلت المخدرات

بعض الناس، هو لن يغير الكون، لقد اطمأن الآن على أخته وهي سعيدة بزواجها من خالد،

لذلك سيسعى لأن يقضي بقية حياته مع ليلى في مكان آخر، مكان يستطيعان أن يبدآ فيه

من جديد.

استغرقت الطريق إلى الجبل ثلاث ساعات، لم يتوقف صلاح خلالها أبدا، وحينما وصلا

كانت الشمس قد بدأت تغرب لتلبس السماء ثوب الحداد...

كان ذلك الهدوء هو أكثر ما يعشقه في هذا المكان، لذلك أول شيء قام به حينما وضعها

على السرير، وتأكد من أنها بخير، خرج ليتمشى في ذلك الليل المحمل بالصمت إلا من

طنطنة بعض الحشرات التي وكما يبدو قد أصابها الأرق.

أشرقت شمس باهتة عليهما، لكنها كانت كافية جدا لتنير تلك الغرفة الوحيدة بالكوخ الذي

كان يحوي حماما ومطبخا صغيرا، بت بعض لوازم الطهي، لكن وكما يبدو فليس هناك ما

قد يسد جوعهما، التفت إلى ليلى التي كانت تئن ببطئ، وهي تنكمش داخل اللحاف الكبير،

فابتسم لرؤيتها وهي نائمة بهدوء..

حمل هاتفه بين يديه، لكن لم تكن هناك اشارة...

وقبل أن يرمي الهاتف على أقرب أريكة ، تأمله إنه هاتف عفاف الذي منحه إياه بكر،

والذي أعطته له سمرا أمس فور خروجه من السجن، عليه أن يعيده إلى صاحبه، فحتما

هو يحمل ذكرى غالية عليه,,,

بينما هو غارق في أحلام يقظته سمع ثلات دقات متتابعة، ليهدأ صاحبها قليلا ويعيد الكرة،

فعرف أنه خالد، وفتح له....

ضحك صلاح ملئ الفم حينما بدت له تلك الأكياس المملوءة بالأكل وأخذ يربت على كتف

رفيقه في امتنان...

تزامن استيقاظ ليلى مع تجهيز الشاي والبيض المقلي بالجبن، ففتحت عينيها ببطء،

ليسرع نحوها صلاح وهو يجلس على طرف السرير، قلبت نظرها في استغراب على

المكان غير مستوعبة لما حصل بالضبط.

أمسك يديها في رقة وهو يقول:

-لقد تعبت أمس كثيرا، فجلبتك معي إلى هنا، سترتاحين هنا أعدك..

أغمضت عينيها بقوة، فالصداع الذي ألم بها يكاد يقتلها، وبعد مدة بدت لصلاح أنها طويلة

جدا، لكنه لم يستطع أن يشوش تفكيرها بشيئ، إلى أن فتحتمهما مرة أخرى وهي تبتسم له

قبل اناملها بحب، ثم جلب لها صينية عليها كأس الشاي وصحن به بعض البيض المقلي،

والجبن، ليطعمها بنفسه,,,

أما خالد فقد خرج حتى يفسح لهما المجال بالحديث واستاعاذة مشاعرهما، بعيدا عن

عيونه الفضولية، منتشيا بنسمات الهواء البارد الذي كان يدخل رئته فينعشها...


في تلك الأثناء كان السيد البشير يبحث عن ليلى وصلاح، لكن بدون جدوى،

-إنها تعلم الكثير يا سيدي، وقد تسبب لنا المتاعب مع السيد ماركو..

تطلع البشير إلى ساعته في نفاذ صبر وهو يشعر بدقات قلبه تتزايد شيئا فشيئا، ثم قال في

حنق:

-لن تجرؤ على الحديث إنها ابنتي وأنا أعرفها جيدا.

لم يبد على الرجل الذي كان معه أنه قد اقتنع بحديث البشير لكنه لم يعلق..

زفر بعنف وهو يتابع:

-لم يعد لي من حل آخر سوى أن..

وبتر كلماته ليشير للرجل بركوب السيارة، توجها فورا إلى بيت خالد حيث كانت سمرا

تنتظر بفارغ الصبر أخبارا عن صلاح وليلى، وحينما سمعت دقات الباب هرعت بجنون

لتفتح لكنها فوجئت بالعم البشير، الذي قال بصوت صارم:

-أين هي ليلى؟؟

تنفست بعمق وهي تنظر إليه وإلى من معه، فخيل إليها وكأنها في أحد الأفلام العربية

القديمة، أوصدت الباب قليلا عليهما معتذرة:

-زوجي ليس هنا، لا يمكنكما الدخول..

ابتسم في ضيق ثم اعاد سؤاله:

-أين ليلى يا سمرا؟؟

-مع زوجها على ما أعتقد..

بدا صوته ياخذ حدة أكبر وهي يجيب من بين أسنانه:

-نعلم ذلك لكن أين؟؟

هزت كتفيها بلامبالاة لتجيب:

-لا اعلم لم يخبراننا، حتى أني لم أرهما أبدا..

-ألم يتصلا ؟؟ ألم يخبرك صلاح مثلا أين سيتوجها..

نفت بعلامة من رأسها، ثم قالت:

-ما يهمني أن يكونا بخير، باقي التفاصيل لا أهتم بها...لا أحب ان أكون فضولية..

هز رأسه في تفهم، ليسر لنفسه أنها تعلم الكثير، لكنها تخفي ذلك عنه..

رفع سبابته مهددا إياها وأن كانت نبرته هادئة بعض الشيء:

-أخبريه أنه من غير اللائق أن يبعد ابنتي عني، خصوصا وأنها مريضة، لا زلت أحترم

الجيرة التي كانت بيننا، فلا يجبرني على تصرف آخر..قد لا يعجبه..

وعاد من حيث أتى..

أغلقت الباب، وهي تشعر بأنها غير مطمئنة لما يحدث، أو ما سيحدث..

مر وقت طويل شعرت فيه سمرا وكأنه دهر، حينما سمعت مرة اخرى دقات الباب وهذه

المرة ارتمت في أحضان زوجها الذي ابتسم لها، لتقول في دلال:

-خفت كثيرا وحدي، لاتتركني مرة أخرى..

عبث بشعرها وهو يجيب:

-ولم الخوف يا جميلتي، فأنت في بيتك؟

ابتعدت عنه وهي تجيب:

-لقد حضر والد ليلى...

أخبرته بما دار بينهما من حديث ومن تهديده الأخير، كما بثت له كل مخاوفها، والتي حاول

أن يطردها من عقلها..

ووعدها أن الأمور ستكون بخير..

في المساء وحينما اعلنت عقارب الساعة على العاشرة ليلا، اتصل بكر بخالد، ليخبره أنه

يريده في شيء عاجل..

ارتدى ملابسه بسرعة ثم أخذ سيارة اجرة، والتحق به في المكان الذي أخبره عنه..

كانت مقهى بعيدة عن المدينة قليلا، يرتادها بعض تجار الحشيش، وبعض المستهلكين له،

دخل إليها ليجد بكر ورباب في انتظاره وكانا في صحبتهما رجل..

-أليس لديك عائلة؟؟

وجه سؤاله الساخر لرباب التي كانت برفقتهما، مرتدية سترة، زرقاء وجنز أزرق باهت،

لافة شعرها الطويل على شكل كعكة، دون أي لمحة من الزينة على وجهها..

تراجعت إلى الوراء بكل ثقة، لتجيب:

-لدي قضية..

سحب كرسيا وهي يصافح بكر والرجل ليتابع:

-لقد اقتحمت النساء المغربيات كل الميادين ياصاحبي، في المستقبل القريب ستجد رجال

المغرب يرضعون ويغيرون الحفاظات..

ضحك الرجل وهو يجيب:

-لم تتغير أيها الذئب..

هز كتفيه وهو يتساءل:

-وما الذي سيغيرني أيها "النمرود"؟؟ إن كانت الدولة برمتها لم تتغير..

ضحك بكر وهو يوقفه:

-هيه أيها الذئب لا أحب الحديث في السياسة..

أشار للنادل ليطلب براد الشاي بالنعناع، ثم غمز صديقه "النمرود"ليمنحه سيجارة

ويلف لنفسه أخرى..

حينما أحست رباب أنه لن يتكرم أحدهم بالدخول للموضوع، تنحنحت قليلا وهي تقول

بصوت هادئ:

-لقد اكتشفنا أن السيد ماركو قد باع المصنع منذ عشرين سنة لرجل مغربي، وهو من

يتولى الادارة بنفسه...

قاطعها خالد وهو يتساءل:

-هل يعني أن صاحب المصنع وشركة العصائر هي لرجل مغربي؟؟

هزت رأسها موافقة وهي ترتشف من قهوتها السوداء، لتجيب:

-أجل وعلينا أن نعرف من هو..

بدت الصدمة على وجهه، وهو يضع كأس الشاي ببطء، ثم قال وكأنه يتحدث مع نفسه:

-لا بد أن ندخل الشركة، وبالضبط للمخزن..

بدت الفكرة وكأنها أرعبت بكر، وهو ينقل بصره بين رباب التي كانت تهز رأسها، وبين

خالد الذي كان وكأنه يدرس تلك الفكرة، او ربما الطريقة التي يتمكن منها من الدخول إلى

المصنع..

-لكن أنت تعلم كيف قوانين المصنع، كل من يشتغل فيه هو شخص مختار من طرف السيد

البشير..

قالها بكر وكأنه يحاول ان يثني خالد عن فكرته..

تنهد خالد بعمق وهو يجيب:

-لا تقلقوا سنجد الحل..ثم وجه سؤاله للمدعو"النمرود" هل أنت من أخبرتهم بذلك..

كان النمرود وقتها يحرق قطعة الحشيش، التي سيمزجها مع التبغ قبل أن يلفها..ويجيب:

-لقد قامت الآنسة بزيارة لإقليم كتامة، وهناك علمت أن السيد ماركو قد توفي قبل خمس

سنوات، ومن قبل حتى أن يموت كان قد باع الأراضي وكل ما يملك لأحد أصدقاءه المغاربة

فقد كان ينوي العودة لبلده لكن المرض لم يمهله ذلك مات قبل أن يحقق رغبته في العودة..

تفهم خالد الوضع، وأن كانت لا تزال الكثير من الأسئلة تغلي برأسه، لكنه في الوقت الراهن

اكتفى من طرحها، والتفكير في الخطوة القادمة..

 
 

 

عرض البوم صور هناء الوكيلي   رد مع اقتباس
قديم 18-01-11, 06:34 PM   المشاركة رقم: 68
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 165861
المشاركات: 72
الجنس أنثى
معدل التقييم: هناء الوكيلي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 25

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
هناء الوكيلي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : هناء الوكيلي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

العواء الثالث عشر



كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، حينما عاد خالد للحي، وكالعادة وجد المقهى تعج

بأنصاف الرجال، الذين يتركون بيوتهم ليسكنوا المقاهي بحثا عما يعدل مزاجهم، ورغم

ذلك الزحام كان خالد يجد كرسيه فارغا في انتظاره، فلا أحد يجرؤ على الجلوس بمكانه،

نادى على سعد الذي أسرع إليه، وهو يقول بذات الصوت المرح الذي عهده خالد:

ـمرحبا أيها الذئب أنرت المكان

أشار خالد إليه ليقترب منه فامتثل له هذا الأخير، وهو يفتح عينيه، ويصغي باهتمام لما

سيقوله له:

-أحتاج لشخص موثوق فيه ويعمل في المصنع الذي كان يشتغل فيه صلاح,,

اعتدل سعد في وقفته وعينه أخذت تضيق شيئا فشيئا، وهو يفكر في مطلب الذئب، ليقول

بعد صمت قليل:

-طلبك موجود,,

ابتسم له خالد وهو يربت على كتفيه بفخر:

-كنت أعرف ذلك، دعني أقابله غدا,,

ونهض وهو يتثاقل ليذهب لبيته، حيث كانت سمرا قد غفت على الأريكة التي بالبهو وهي

تنتظر عودته، وقف يتاملها وهي نائمة كما الأطفال تضم إحدى الوسائد الصغيرة لصدرها،

وقد نزلت بعض خصلات شعرها فغطت نصف وجهها، ليبدو له النصف الآخر، نائما

بصمت، كما هذا الليل . بعدها حملها بين ذراعيه ليضعها برفق على السرير ويخلد للنوم

هو أيضا..

في الصباح استيقظت ليلى قبل صلاح وخرجت لتتمشى قليلا، وتنعم بذلك الهدوء وتلك

الجبال التي تقطر ندى وتسقي أعشاب الأرض اليابسة، وتعانق مياه النهر فتزيده خريرا،

أحست بيد تلف رقبتها فانتفضت بفزع، قبل أن يهدئها قائلا بحب وهو يضمها إليه:

-آسف حبيبتي لم أقصد إخافتك..

سارعت تخفي وجهها الصغير، بين صدره، وهو يربت على ظهرها بحب، حتى هدأت

ساعدها على الجلوس بعدما فرش سترته الصوفية على العشب المبتل بمطر الليل، وضمها

إليه، كان يشعر بدقات قلبها وهي تهدأ شيئا فشيئا،ليحل بينهما صمت طويل لم يشأ صلاح

أن يقاطعها إياه، إلى أن قالت وكأنها كانت تتحدث مع نفسها,,,

-كان ذلك حينما دخلت للسجن، وكنت وقتها قد أصبت بصدمة قوية، لم يتحملها قلبي

الضعيف، فجلب لي طبيبا من المصنع، أعطاني مهدئا وأخبره أني سأنام للصباح، لكن

المهدئ لم يجلب لي النوم أبدا، كنت كما المجنونة، أريد أن أنام، أريد أن أنسى كل شيء،

قد حصل ، وحينما انتصف الليل وقد كان النصف الآخر يبدو لي كمائة عام، تنميت لو أني

أنعم بنوم أهل الكهف، أردت أن أوقف هذا عن التفكير –وأشارت لرأسها- لكن لاشيء كان

يفيد، فخرجت بحثا عن "البابونج" عله يساعدني على النوم، حينما سمعت صوت والدي

يتحدث مع رجل ضخم الجثة، وأصلع يشبه رجال العصابات في الأفلام العربية القديمة –

تبادر إلى ذهن صلاح ذلك الرجل الذي كان قد سبق وأن رآه مع العم البشير، والذي أخبره

الحارس أنه المدعو ماركو..- لم يكن من الأدب أن أقاطعهما، أو حتى أن يراني السيد

بملابس النوم الخفيفة، ولم أستطع العودة لغرفتي ريثما يذهب، فقدماي كانتا متعبتين،

فارتأيت الانتظار قليلا لعلها زيارة سريعة، وحينها سمعته يخبره أنه لديه عينة من

البضاعة الجديدة، وقد وصفها الرجل بأنها تجعل الشخص يرتفع عن عقله، وينسى العالم،


فقلت لنفسي إنه العلاج الذي أبحث عنه والذي سينسيني كل هذا العذاب، خصوصا حينما

وضعه أبي في درج مكتبه الصغير بدون اهتمام وهو يقول:

-حسنا سأجربه من الأفضل أن يكون جيدا، وإلا قطعت رأسهم,,

وقتها لم أهتم لتلك النبرة الشريرة بصوت والدي فما كنت أريده هو ذلك العلاج، الذي

سيخفف ألمي، لم أفكر في ماهيته، أو مدى ضرره بقدر ما فكرت بحديث الرجل عنه، وهو

يتشدق في وصفه المريح لكل الآلام النفسية والجسدية,,,

انتظرت حتى خلد والدي للنوم، وأخذت تلك العينة التي جلبها له، الرجل وكانت الصدمة

الأولى التي صدمت فيها بوالدي، لقد كانت هروينا، كان الألم الذي أشعر به في رأسي

فظيعا جدا، يمنعني من التفكير بأي شيء،فتعاطيت لأول مرة للكوكايين، قلت أن الادمان لا

يأتي من مرة واحدة، وقد كان مسكنا رائعا، لم أعد أفكر في شيء ، لم أتذكر يومها ما قمت

به لكن ما أتذكره هو أن أبي لم يعرف بالأمر أبدا ولم يشعر بشيء، كعادته هو آخر من يعلم

بما يحصل لي-قالتها وصوتها يختنق دموعا، تجاهد في حبسها-أصبحت عادة لي كل

مساء، حتى أستطيع النوم دون أن أفكر في شيء.

-وهكذا صرت مدمنة؟

هزت رأسها إيجابا، والدموع تغشي عينيها، فتمنعها من الرؤية، ضمها إليه حتى يهدئ من

روعها، ويكفر عن ذنب يدرك تماما أنه لم يرتكبه,,


رن هاتف صلاح ليجيب بصوت مرحب، رغم ذلك الكم من الغضب الذي كان يملأ قلبه من

جهة البشير، فكيف يسمح لنفسه بأن تصل ابنته إلى هذه الدرجة,,

قال بضع كلمات لصديقه خالد، واتفقا على موعد اللقاء، لكنه أصر على أن يكون اللقاء

هنا، فهو لا يستطيع أن يترك ليلى وحدها، كما أوصاه أن يأخذ حذره فلربما يكون مراقبا

من طرف العم البشير، لكن خالد كان قد جهز نفسه لمثل هذا الظرف.

بعد الغذاء التقى خالد بصلاح، وقد كان معه الرجل الذي حدثه عنه سعد، والذي سيتكلف

بدخول المخزن، ومن هناك يفتح الباب الخلفي له، حتى يتمكن خالد وصلاح من الدخول

ليلا دون أن يشك أحد فيهما، فعادة لا تكون أية حراسة هناك، بما أن الباب لا يفتح إلا من

الداخل، وإذا ما حاول أحدهم فتحه من الخارج، فإن زر الخطر يكون لهم بالمرصاد،

وسيفضح أمرهم,,,

لم يكن صلاح خائفا على أحد سوى ليلى فكيف سيتركها وحدها في ذلك الخلاء، وكيف

ستتصرف إذا ما عاودتها النوبة مرة أخرى، أحس خالد بقلقه فسأله قائلا:

-مابك يارفيقي... ستكون الأمور بخير لا تقلق لن يشعر بنا..

-لست قلقا من هذه الناحية، لكن كل القلق على ليلى، كيف سأتركها هنا...

صمت خالد لبرهة ثم اقترح عليه:

-لم لا نتصل ببكر ويأتي هو وسليطة اللسان التي تدعى رباب، أعتقد أنهما سيفيان

بالغرض ما رأيك؟؟

هز صلاح رأسه في استخفاف وهو يجيبه:

-سليطة اللسان؟؟ إلى متى ستظل هكذا؟؟

حك رقبته وهو يضحك ليقول:

-وما أدراني إنه طبع يا أخي أكره النساء القويات..

ضحك منه صلاح وهو يرفع حاجبيه لتتسع عينيه، دون أن يعلق..

اقتربت الساعة من العاشرة، لابد أن العم البشير الآن في مكان آخر سوى المصنع،

خصوصا وأن عقله الآن منشغل بالبحث عن ابنته، ارتدى صلاح سترة خالد الجلدية

السوداء، والتي ارتدى مثلها خالد، ثم قبل جبين زوجته، ليربث بعدها على كتف بكر وهو

يوصيه:

-أرجوكما اعتنيا بها..

هز كل من بكر ورباب رأسيهما في تفهم وهما يعدانه أنها ستكون بخير.

وتوجها نحو المصنع،وقد أخذت منهما المسافة أربع ساعات، لم يتوقفا خلالها أبدا، ليصلا

في الثانية بعد منتصف الليل، توقيت جيد، إذا ما أسرعا ووجدا ما يبحثان عنه بسرعة، قبل

أن يضبطهما أحد.

دخلا بسهولة إلى المخزن حيث اصطفت الصناديق، في الظلام، أشعل خالد مصباحه اليدوي

الصغير، بعدما أنزل ستائر النوافذ، ليذهب مباشرة إلى الصناديق، أما صلاح فقد توجه إلى

المكتب حيث يعمل العم البشير، ومن ثم إلى الخزنة الصغيرة، والتي قد زودهما

" فتاح" الذي سمي بهذا الاسم خصيصا لأنه لديه كل أنواع المفاتيح الخاصة بكل أنواع

الخزنات القديمة، وخزنة العم البشير قديمة لدرجة أن فتاح قد عرف نوعها بسرعة حينما

وصفها له صلاح، حتى أنه لم يحتج لأي صورة لها، او أن يأتي معهما، منحه مفتاحا

واحدا، ليخبره أن الرجل العجوز إما رجل غبي، لأنه لايزال يحتفظ بخزنة من هذا النوع، أو

ان الخزنة ليس فيها ما يهمه,,

لكن صلاح حينما فتحها، ووجد تلك الأوراق، قال في سخرية:

-أعتقد أن الاجابة الأولى صحيحة يا صديقي..إنه رجل غبي..

انتهيا بتوقيت واحد، ليصبحا في الخارج بعد دقائق، ويتوجها نحو الجبل مرة أخرى،

تنفس صلاح الصعداء، وهو يتفقد ما وجده من أوراق قائلا في دهشة:

-يا إلهي إنهم مجرمون حقا، لقد كانو يستخرجون مادة مخدرة من الكيف، ويمزجوها مع

الكوكايين، ويضيفونها إلى العصائر التي تنتجها شركة "أورانج ماروك"

-يا إلهي أنهم أناس مجرمون حقا،تبا لهم...

لم تتمالك رباب نفسها وهي تقرأ تلك الأوراق وتكتشف أن شركة "اورانج ماروك" كانت

طوال هذه السنوات، تدمر دماء المواطنين، من أجل الربح,, الذي تحظى به من استهلاك

لمنتوجها,,,

مررت يدا مرتعشة على وجهها، وهي تتساءل:

-والآن مالذي سنفعله؟؟

نظر كل من بكر وخالد إلى صلاح، الذي كان لا يزال يحاول أن يستسيغ هذه الصدمة، وهو

يسأل نفسه، كيف تورط العم البشير بكل هذا,,

-فلننتظر قليلا علينا أن نحاول معرفة المزيد..

اعترض بكر قائلا:

-لم يعد لنا ما نعرفه، يكفينا هذا الدليل، والباقي هو من مسوؤولية الشرطة.

أجاب صلاح من بين أسنانه، وقد بدا الغضب يسيطر على ملامحه الهادئة دائما:

-قلت ليس الآن,

وأشار لرباب أن تعطيه تلك الأوراق وهو يحذرها مرة أخرى"إياك أن تنشري كلمة أو

تلمحي عن الموضوع غدا في الصحيفة"هزت رأسها موافقة وهي تستأذنهم في

الذهاب,,ليستأذن بكر أيضا معها، وهو ينصح صلاح بإعادة التفكير وتبليغ الشرطة الآن.


اقترب صلاح من ليلى والتي كانت تجلس بهدوء تام، تعبث بخصلات شعرها الأشقر، تردد

قبل أن يعلن عن قراره، فابتسمت له وقد قرأت أفكاره، لتقول:

-لاعليك يا صلاح، فلتقم بما تراه مناسبا..

هز رأسه موافقا إياها لتلمع عينيه، نصرا، فأخيرا لديه ما يدين به المجرم الحقيقي، سواء

كان ماركو بذات نفسه، أو البشير فما يهمه هو أن تتحقق العدالة..

كان في طريقه إلى المركز، بعدما اتصل ببكر، وخالد، واتفق ان تكون رباب موجودة حتى

تحصل على سبق صحفي مميز، في هذه القضية، حينما اتصل به البشير، من رقم غير

معرف، بعدما حصل على رقم هاتفه، بصعوبة بما ان الشريحة ليست باسمه، بل باسم

عفاف..

-ألو..أجل معك صلاح الهاشمي، من أنت؟؟

نبرة صوته الرزينة، جعلته يعرف من يكون قبل أن يعرف عن نفسه قائلا في حنان، أصبح

صلاح يشك الآن في مصداقيته:

-أنا عمك البشير يا بني..

انفجر صلاح غاضبا في وجهه وهو يقول:

-اسمع أيها العجوز ليلى هي زوجتي الآن، ولن تر شعرة منها بعد الآن..

انفلتت منه ضحكة صغيرة، قبل أن يجيبه:

-ابنتي وسأعرف كيف أعيدها إلي.. لكني الآن أبحث عن شيء لا يخصك أخذته مني أمس،

وأعتقد انه سيدفعك الثمن غاليا,,غاليا جدا يابني,,

-ليس لديك شيء وتأكد أنه ستتعفن في السجن أنت والسيد ماركو لسنوات طويلة، لن

تستطيع أبدا أن تعدها..

بدأ صوت البشير يحتد شيئا فشيئا وهو يجيبه:

-اسمع يا صلاح إن الأمر أكبر منك، ومن تلك الصحفية، التي قد تم اسكاتها هذا الصباح,,

قاطعه صلاح صارخا، حتى ان يديه كانت ستفلت من مقود السيارة، من شدة الصدمة،

ليقول في دهشة:

-تم اسكاتها؟؟؟

اجابه في هدوء:

-أجل يا بني,, الصحفيون عادة ما يسوقون بسرعة كبيرة، ودون تركيز خصوصا إن كان

لديهم سبق صحفي كهذا..

وأتبع تعليقه بضحكة، ليجيب صلاح من بين أسنانه:

-تبا لكم..ستدفعون الثمن..

-فلتكن عاقلا يا بني، ولتجلب تلك الأوراق..ولا تثر المشاكل فبالأول والأخير لا أريد ان

تنتهي حياتك بهذه السرعة..

وأغلق الخط..

لم يكن لتهديد البشير أي تأثير على صلاح، لكنه أصبح واثقا أن ذلك سيكلفه غاليا، كانت

تلك اللمحة الحزينة بعيني بكر، توحي بأنه قد علم بالأمر، عانقه صلاح بصمت، وهو يقول:

-دمها ودم كل من سبقها لن يذهب هدرا، أعدك بذلك,,

كانت غصة تستقر بحنجرته، وتمنحه من الحديث، من البكاء، من الصراخ، وهو يجد نفسه

عاجزا عن فعل شيء..

دخلوا إلى المركز، الذي كان يعج بعدد كبير من الناس، لكن الضابط عبد الكريم الحياني،

والذي تحدثت إليه رباب هذا الصباح، وأخبرته أنه لديها اوراق تدين شركة كبيرة، وتسعى

لمساعدته في القبض على المسؤولين، لم تمنحه التفاصيل، لكن ما قالته جعلته ينتظر

الموعد بفارغ الصبر,,

تقدم صلاح نحوه، بوجه واجم، بينما ظل كل من بكر وخالد بالخارج,, ليضع بين يديه تلك

الأوراق، طلب الضابط عدم ازعاجه، وهو يطلب من الحارس أن يغلق وراءه الباب، حتى

يتسنى له قراءة تلك الوثائق، بروية..

استمر في تقليبها والبحث فيها لمدة أربع ساعات، كان خلالها صلاح، يضغط على أصابعه

بنفاد صبر، فبعد تلك النبرة التي تحدث معه فيها البشير، وإخباره بكل وقاحة انه تخلص

بسهولة من رباب، والتي ليس لها أي ذنب سوى انها أحبت عملها، وجاهدت حتى تظهر

الحقيقة,,أصبح يدرك أنه قادر على فعل أي شيء..

اخيرا رفع رأسه ليتساءل:

-إن المعلومات التي لدي هنا، تدين السيد ماركو لسنوات طويلة جدا,,

اقترب منه صلاح وهو يجيب:

-للأسف السيد ماركو قد توفي منذ سنوات طويلة، ومن اشترى منه الشركة والمصنع

وأيضا الأراضي هو رجل مغربي، لكن للأسف أيضا لا أعرف اسمه,,

تساءل الضابط في دهشة:

-لكن الأوراق هنا وأيضا الملكية باسم السيد ماركو أغيراس، وآخر توقيع له كان قبل

أسبوع، لااعتقد أنه سيتم التزوير في مسائل كهذه وبهذه الطريقة الغبية؟؟

لوى صلاح شفتيه لينهض من مكانه وهو يمد يده مصافحا الضابط قبل أن يقول:

-لقد وضعت بين يديك كل ما يدينهم، اتمنى فقط أن تقوموا بما يجب:

هز عبد الكريم رأسه وهو يجيبه:

-سنفعل بالتاكيد، أشكرك كثيرا..

هم بالخروج حينما أوقفه الضابط ليسأل:

-رباب لم أرها أين هي؟؟

ازدرد صلاح لعابا وهميا، وهو يطأطء رأسه مجيبا:

-لقد رحلت..

لم يفهم في البداية عبد الكريم مالذي يقصده صلاح بهذه الكلمة، رحلت أين، ولم .؟؟؟

وعندما انتصف النهار،عرف أن الصحفية الشابة قد لقيت حتفها أثر جروح بليغة، أصيبت

بها، حينما اصطدمت بشاحنة، كبيرة كانت قادمة من الجهة المعاكسة، والتي لقي السائق

حتفه أيضا، في تلك الحادثة..

حادثة صغيرة تحدث كل يوم، قامت الجريدة بتقديم أحر التعازي للأسرة الصغيرة، للفقيدة،

كما تحدثت نشرة الأخبار عنه في دقيقة، قبل أن تعد المشاهد بالتفاصيل عن الخبر في

نشرة المساء.

عاد صلاح ليلا، وحينما دخل للكوخ لم يجد ليلى، فخرج مسرعا يبحث عنها، بجانب النهر

لعلها ذهبت للمشي، انقطعت أنفاسه بحثا عنها لكن دون جدوى,,

وحينما عاد مرة أخرى وجد هاتفه يرن، اجاب دون أن يلقي نظرة على الرقم

-ألو من؟؟

-صلاح اين كنت؟؟ اتصلت بك أكثر من مرة؟

-خالد لقد كنت أبحث عن ليلى؟؟

انصدم خالد وهو يعيد ما قاله صلاح:

-تبحث عن ليلى؟؟ يا إلهي..

-ماذا هناك ياخالد؟

جاءه رد خالد خاليا من الحياة:

-لم أجد سمرا يا صلاح..

توقف قلب صلاح عن النبض لمدة طويلة، حتى خيل له أنه لن يعاود النبض مرة اخرى،

وقد اصفرت ملامح وهو يجيب بريبة:

-ماذا تقصد بأنك لم تجد سمرا؟؟

صمت خالد وقد اختنقت حباله الصوتية، فأدرك صلاح أنه يبكي,,لأول مرة يذرف الذئب

دمعا وهو يجيب:

-أخشى ان يكون ماركو...

قاطعه صلاح قائلا:

-انتظرني سأكون بعد قليل بالمقهى..

وأقفل الخط.

إن الطريق بين الجبل والمدينة، طريق طويلة، و صلاح كان يعلم أنه لن ستطيع أن يكون

قبل أربع ساعات على الأقل..

أربع ساعات قد يقع فيها الكثير، فربما هو لا يسمح بأن تؤذى ابنته، لكن سمرا..

ضغط على بوق السيارة حتى تتنحى له شاحنة كبيرة أمامه، وهو يسب ويلعن بصوت عال،

كان كما المجنون، أما خالد فقد كان كمن سلبت منه الحياة..لا يعي ما يجري حوله، فقط

ينتظر مجيء صلاح..

وصل صلاح إليه وهو يسأله:

-ألم تعرف شيئا؟

هز رأسه نفيا ثم أجاب بصوت خاو:

-أخشى أن يكون قد أصابها مكروه..

أسكته صلاح باشارة منه، وهو يتمتم من شدة التوتر:

-فلتسكت أرجوك لا أريد أن أسمع مثل هذا الكلام..

وأخذ يدور بعينيه حول المكان، وكأنه يسأل جدران الحي الذي لطالما ضمه، عن أخته..

وبينما هما كذلك، تقدمت إحدى الجارات نحو خالد وهي تسأله:

-هل تبحث عن المفاتيح، آسفة لقد تركتهم لك زوجتك عندي، لكني خرجت للسوق

وتاخرت..

أمسكهم خالد دون وعي منه، وأخذ يقلب فيهم ثم فتح عينيه ذهولا وهو يتبعها:

-هيه سيدتي

توقفت المرأة وهي تفكر أنه ربما اخيرا فكر أن يشكرها..

-ماذا قلت أرجوك؟

قلبت عينيها بنفاد صبر لتقول:

-عفا الله عنك، أخبرتك أن زوجتك تركت عندي مفاتيح المنزل..

فور سماعه لكلامها نادى على صلاح الذي سارع إليه بقلب متلهف:

-ماذا هناك؟؟

أجابه خالد بحماس:

-تقول أن زوجتي تركت لديها مفاتيح المنزل..

التفت إلى المرأة الواقفة، والتي بدأ الخوف يتسلل إلى قلبها، تقدم منها ببطء، وهو يسألها:

-متى حصل هذا؟؟

ارتعش صوتها وهي تجيبه:

-حوالي الثالتة بعد الظهر، كانت مع فتاة شقراء..

قاطعها في دهشة:

-فتاة شقراء؟؟؟

-اجل واخبرتني أنها ستخرج مع صديقتها قليلا، ثم....

سكتت المرأة حينما سمعت صراخ أهل الحي، وأخذت تتطلع بعيون فضولية، قبل أن يسرع

الجميع نحو منزل خالد، الذي سقط أمام جثة امرأة رآها الناس تقف على حافة السطح

وتلقي بنفسها..

كان شعرها الأسود يغطي وجهها، الملطخ بالدماء، تكسرت عظامها كلها، وحسب تقرير

الطبيب ان قلبها لم يتوقف إلا حينما ارتطمت بالأرض، وذلك لتأثير الهروين عليها، حتى

لم تعد تعي ما تفعله..

******
مدت منى محرما ورقيا له، حتى يمسح دموعه وعرقه الذي أمطر من جبيبنه، أحست أن

شعرات جسدها الدقيقة قد توقفت، ورقبتها قد تشنجت حينما تخيلت تلك الفتاة السمراء،

الهادئة وهي تنزل من قمة منزل يتكون من أربعة طوابق.. عالية..

كان جسده يرتعش وهو يتابع بصوت مبحوح:

-ماتت سمرا، دون أي سبب يدعو لقتلها، لم تكن مسؤولة عن شيء..وقتها لم أعد أفكر في

شيء وما زاد الطين بله، أن الشرطة كالعادة، أقفلت ملفها فليست هي الأولى او الأخيرة

التي تنتحر،

بسط كلتا يديه وهو يتساءل بصوت عال:

-هل هذا هو العدل؟؟ ان تموت سمرا بهذه الطريقة؟؟

لم تجبه منى، ولم ينتظر جوابها بل تابع في ألم اعتصر قلبها..

-كنت اعلم جيدا هنا –أشار إلى قلبه- كان يحدثني، أن البشير له يد في كل شيء، بل هو

المنفد لكل العمليات، لكني صدمت حينما أخبرنا الضابط انه تم إلقاء القبض على ماركو

أغيراس الاسباني صاحب الجنسية المغربية، فيما لا يزال البحث عن الدكتور الذي كان

مسؤولا عن تحليل مواد بالكيف ومزجها مع الكوكايين ومن تم اضافتها للعصير الذي

تنتجه شركة "أورانج ماروك" والذي كان يدر مبالغ طائلة من الربح..قبل أن يرتكب هذا



الأخير خطآ كان سيكلف الشركة خسائر مادية كبيرة، فقد ضاعف النسبة كثيرا، لتصبح

جرعة قاتلة، تستطيع أن تقتل في ثوان قليلة، إن شرب الشخص علبة كاملة منه..

ولأن الجشع هو من طبيعة النفس البشرية المريضة، فقد ارتأى ماركو، عدم خسارته بل

بيع تلك العصائر بشكل عشوائي في معظم نواحي المدن الفقيرة، وبثمن رخيص، معللا ذلك

أن مدة صلاحيته قد اقتربت من الانتهاء..

كنت أسمع الضابط وهو يشرح ويعلل ويقدم لنا تلك الأدلة التي حصل عليها من بحثه

المضني، ليشكرنا، بعدها على جهودنا..

تبادلنا نظرات متشككة فييما بيننا لأسأله:

-والسيد البشير..؟

استغرب الضابط وهو يرد بسؤال آخر:

-مابه؟؟

ترددت قبل أن أعاود سؤاله:

-ألن تلقوا القبض عليه؟؟

ضحك ملئ الفم وهو يجيبني:

-إن ألقينا القبض على البشير، فسيكون علينا القبض على كل العمال،لقد علمنا من

مصادرنا أن العمال، لم يكن لهم معرفة مسبقة بما يجري بمختبر المصنع، بل لم يكونوا

على علم أبدا بأن هناك مختبرا سريا..

إن العقود الموقعة بين الشركة والعمال، تقضي بحمل صناديق أواني قادمة من الصين..

وهز كتفيه في تخاذل حينما لمح تلك النظرة في عيني-للأسف ليس لدينا دليل..ضده..
ولتنشغل وسائل الاعلام بعدها بالتهليل والزغاريد للشرطة التي فككت شبكة اجرامية،

يسيرها بارونات من كلومبيا واسبانيا..

حيث تم الاعلان على عملية تفكيك الشبكة الدولية الخطيرة المتخصصة في الاتجار

بالكوكايين والشيرا، جعلتهم يلقون القبض على 40 عنصرا من بينهم أجانب يعد أحدهم

العقل المدبر لهذه الشبكة داخل المغرب، والذي كان يستخدم هذه السموم أيضا بمنتوج

العصير المدرج تحت اسم أورانج ماروك للنفس الشركة التي تحمل نفس اسم المنتوج،

"اورانج ماروك"..


في تلك الأثناء ولدت بداخلي رغبة كبيرة في القتل، خرجت رفقة صديقي، وانا أنظر بعيني

بكر وأسأله:

-هل حققت ما تريده يا بكر..؟

أحنى رأسه ليجيب:

-لقد خسرت الكثير لا أعتقد أنه لا يزال هناك ما أخسره..

كانت تلك هي أولى خطواتنا..لنصنع المجد، ونثير الخوف في المدينة الصغيرة، تلك المدينة

التي لم تنصفنا أسوارها العالية، ولا أزقتها الضيقة، ولا مساجدها العتيقة، بل ولا حتى

سواقيها القديمة، لطالما أحببنا تلك المدينة، لازلت أذكر حينما كنا نجتمع على كؤوس

الشاي، ودندنة العود، وكنا نغني الطرب الأندلسي، كان لبكر صوت شجي يطربنا دوما...

كنا نحزن كل ليلة، ونبكي بصمت، كنا نخجل من نبكي أمام بعضنا..لم يكن البكاء يناسبنا

أبدا....

إلى أن اشتد عودنا، وعرفنا في كل المدينة، عصابة خطيرة يترأسها الذئب،

و جاء اليوم الذي انتظرناه، وانتظرته أنا مطولا..

اتصل بنا السيد ابراهيم ليخبرنا، أن البشير سيقيم حفلة عشاء، بمزرعته الجديدة،

وسيحضر فيها كبار البارونات،وسيوقع صفقة جديدة، هناك قررت أن أقتله..لكن القتل كان

شيئا هينا، فما كنت أرغب فيه هو أن يتمنى الموت، ولا يجده.

كان عدد المدعوين بحراسهم وخدمهم، ثلاثون شخصا، ونحن كنا سبعة أشخاص، أنا

وصديقي وبكر، وأربعة من رجال السيد ابراهيم، والذين تكلفوا بتنظيف المكان من

الحراس، حتى نستطيع الدخول، -ابتسم لتلك الذكرى، وكأنه عاشق يتذكر حبيبته- كان

المكان رائعا، حديقة واسعة ومسبح كبير، صفت على جوانبه، طاولات جلس عليها

أصحاب البطون الكبيرة، ينفثون أغلى دخان من أفواههم الرخيصة، لم تكن عملية إرهابية

كما تشدقت وسائل الاعلام عنا، لم تكن مجزرة، لم نكن صهاينة بل كنا رجالا لم تنصف،

كنا دماءا لم ترد أن تهدر ، كنا صوتا يصرخ..

كانت أول من أطلقت عليها النار، كانت ترغب بذلك بشدة، عيناها أخبرتني بذلك، أقتلني،

أقتلني، أقتلني...رددتها عيناها بقوة..

لم ترمش تلك العينان الواسعة، لم تخف .

واستمتعت بصراخ البشير، لطالما تمنيت أن أراه وهو مكبل يزحف ليقبل حذائي المتسخ

ويغسله بدموعه، لطالما تمنيت أن أنتقم لأبو سكة،عفاف، انور الذي زهقت روحه ظلما،

والسيدة زهرة، التي لم يمنحها حق طلب المغفرة لذنبها..ولرباب..وسمرا..

توقفت الكلمات بحنجرته،فالتفتت منى للخلف، تاركة له مساحة ليبكي كل من أحب..

بصمت رجولي، قبل أن يتابع:

-لست بطلا يا آنسة،ولست شريرا، لكن لكل منا جانبه المظلم..

جملة سمعتها ذات يوم من صديق، لكل منا جانبه المظلم...

تنحنحت منى قليلا وهي تزيح بعضا من خصلات شعرها، حتى تخفي تلك الرعشة التي

سرت بعظامها:

-هل كنت تعلم أنه والدك؟؟

هز رأسه بصمت، وهو يجيب :

-أجل علمت قبل ليلة قتلي له، لكن ذلك لم ينحني عن أي شيء، فالغل الذي كنت أحمله له

أكبر من أن أسامحه..لم يكن يستحق أن يكون أبا..

لازلت أتذكر كيف وقفت تنظر إلي بصمت، وأنا أشهر مسدسا كان مزودا بكاتم الصوت، إلى

مابين عينيها، وصراخ البشير يتزايد شيئا فشيئا، طالبا أن أخلص تأري منه، وأنه لا ذنب

لابنته في ذلك.

لم أجبه، لم اخبره أنه لم يكن لكل الذين ماتو ذنبا في جشعه، لكني ابتسمت في وجهه، وأنا

أزرع رصاصة باردة بجبهتها، لتسقط أمامي، بلا حياة..

أغمضت منى عينيها، غير مصدقة بأن كل هذا الشر، كان موجودا بقلبه،

-بعدها لم تستطع أن تتوقف عن القتل؟؟

هز رأسه موافقا:

-أجل أصبحت كما المجنون، كل من وقف بطريقي أقتله، أصبت الدكتور بثلات طلقات حتى

يتعذب قبل موته، ويتذكر العذاب الذي سببه لكل الذين ماتو، قبل أن أرغمه على أن يشم

كمية كبيرة من الهروين ذلك السم الذي كان يقتل به كل من يقف بطريقه، والذي قتل به

كريم، ذلك الشاب الذي لم يكن له من ذنب سوى أنه اكتشفهم، وكان ينوي إخبار الشرطة،

لكنهم أنهو حياته بتلك البشاعة..

صرخت بوجهه فقط ليمنحني سببا واحدا لفعلته القذرة:

أجاب:

كنت ساخسر الكثير من المال،لم أكن أتصور أن الأمر سيطالكم أيضا، وستتأذو بتلك

الطريقة، آسف لموت سمرا، كثيرا، كنت أرغب باخافتك فقط لكنها هربت منا وسقطت

صدمت لذلك كثيرا، فقد كانت كابنتي..حرصت كثيرا على أن يوزع العصير بالأحياء الفقيرة

فقط، لم يكنوا اناسا صالحين على أية حال، لقد تابعت من ماتوا إما متسكع أو لص أو تاجر

صغير بالحشيش، أو معترض طريق..

لم يكنوا يستحقون الحياة بأي حال..

أجبته من بين أسناني:

-إجابة جيدة، لانك أيضا لا تستحق الحياة بأي حال..

واستمتعت بزرع رصاصاتي بكل مكان من جسده، وسماع صراخه قبل أن يهدأ بصمت..

-هل ارتحت بعدما قتلت أزيد من اربعة عشر شخصا..

ابتسم وهو يجيب:

-كانو ستة عشر شخصا، وتمنيت لو أني قتلت البشير أكثر من مرة..

لست نادما أيتها المحامية، لقد قتلتهم جميعا، لأنهم يستحقون ذلك..ولان القانون لم

ينصفني..

-وهل نحن نعيش بغابة، أيها الذئب، كل من لم ينصفه القانون يقوم بازهاق الارواح، كما

لو كانت حشرات؟؟

تراجع للوراء، وكأنه يستمتع بغضبها:

-لقد قلتها أيها الذئب..


جمعت أوراقها وهي تحاول أن تجمع مشاعرها المبعثرة، بعد هذه الجلسة، حاولت أن

تجعل صوتها حياديا وهي تقول:

-حسنا أيها الذئب نلتقي في المحكمة غدا باذن الله..




انتهى الجزء..

 
 

 

عرض البوم صور هناء الوكيلي   رد مع اقتباس
قديم 18-01-11, 06:38 PM   المشاركة رقم: 69
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 165861
المشاركات: 72
الجنس أنثى
معدل التقييم: هناء الوكيلي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 25

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
هناء الوكيلي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : هناء الوكيلي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 



العواء الاخير

يوم الإثنين السادس من أكتوبر 2008 الموافق لــ السادس من شوال 1429

استمعت منى إلى حاجب المحكمة وهو يعلن عن دخول القاضي، للمحكمة ومن ثم الأعلان عن الجلسات، وكانت الجلسة الأولى لذلك الصباح البارد.
هاهو يعلن عن الدعوى وينادي باسم المتهم، ومحامية الدفاع ومحامي عائلة السيد البشير الذي كلفه أخوه الأكبر والذي لم يجد محاميا ينفع لقضيته سوى أستاذها السيد شوقي..
لم يرعبها ذلك فقد أقسمت أن تتابع هذا المشوار إلى أخر لحظة، ولن تتردد الأن أبدا..
وقفت شانها شأن الجميع احتراما لقاضي الجلسة، والمستشارين..ثم ألقت نظرة عليه، بذات الصمت والهدوء يقف دون أن تعرب ملامحه عن أي مشاعر..مبهم لطالما كان كذلك..أخيرا ابتسمت لها عينيه وكأنه يشجعها، كأب يشاهد طفلته تشارك في مسرحيتها الأولى، التي تعرضها المدرسة..
حل الصمت الكئيب بالمحكمة، ليدلي القاضي عبد الله بنزيدان صك الاتهام:
-....الملقب "بالذئب"انت متهم بتكوين عصابة والتجارة بالأسلحة، وجريمة القتل مع سبق الاصرار والترصد.
ما قولك في مانسب إليك؟
التفتت الرؤوس إليه، وهو يجيب دون أن ترمش عينيه:
-أجل سيدي..
-النيابة العامة هل من سؤال؟
وقف ممثل النيابة العامة وهو يجيب:
-نعم سيدي القاضي وسؤالي للمتهم الملقب بالذئب، فليخبرنا كيف تمت الجريمة، وكيف تم التخطيط لها؟والدوافع الحقيقية لها:
-أجب..
-اغتنمت فرصة قيامه بحفل صغير بمنزله، بعدما ذهبت قبل يومين مع صديقي، لمعاينة المكان، على أننا مسؤولون من شركة الكهرباء، المكلفة بتجهيز الأنوار، سمح لنا الحارس بالدخول للمنزل، مما سمح لنا أيضا اكتشاف ممرات البيت وتوقع أين سيكون الضيوف مجتمعين، وقد كان ذلك كما تصورناه فعلا، تكلف أربعة من رجالي بعزل الحراس عن أسلحتهم، وحجزهم في مكان بعيد، ثم بعد ذلك دخلت مع شريكي إلى المنزل من سور الحديقة الخلفي، ومن بعدها إلى المطبخ ، بعدها أحطنا الصالة التي كان يتم فيها توقيع الصفقة الجديدة، وبعدما أحضر رفيقي ابنته من غرفتها، تم اقفال الغرفة وحجزهم فيها، تم تفتيشهم في البداية عن أي ّأسلحة مخبئة لكنهم كانوا عزلا، وقتها وقفت ابنته أمامي، وهي تنظر إلي، لقد قتلتها لأنها كانت سببا في موت أكثر إنسانة غالية على قلبي، من أجل حفنة صغيرة من الهروين، ساعدت والدها باحضارها إليه، كانت تستحق الموت، وكان يستحق أن يراها تموت ويرى أن وريثته الوحيدة قد انتهت حياتها،
وأني بقتلها لن أحقق مطامحه، من أن أكون خليفته ذات يوم، كانت تلك اولى جرائمي، بعدها لم أعد أعي ما أفعله، فأصبح كل من يقف أمامي أو يصرخ، أنهي حياته، فلم يتبق سوى السيد البشير الذي كان يتمنى الموت ألف مرة على أن أمس شعرة منها، والدكتور الاسباني الذي كان يشرف على تحليل المواد المخدرة، ومزجها بالعصير، حتى تزيد نسبة الاستهلاك، وتدر الشركة أرباحا طائلة من ذلك، فكان التالي، وبعدها أنهيت حياة البشير..بعدما عاش لحظات عذاب طويلة،وكانت الطلقة الأخيرة والمميتة حينما سمعت أقتحام الشرطة للمنزل..وإلا لكنت استمررت في تعذيبه مدى الدهر..
لست مجرما سيدي القاضي، لكني لم أنصف.
-النيابة هل من سؤال:
-لا سيدي القاضي.
-محامي الضنين هل من سؤال؟
-نعم سيدي القاضي أحب أن نستفسر من المتهم بعض الأسئلة التي شكلت لنا بعض الشائكات،
إذا سمحتم سيادتكم؟-أشار له القاضي بالقاء أسئلته:
-الذئب هلا أخبرتنا من فضلك متى علمت ان الضنين، والدك؟؟
-أجب.
-ليلة الجريمة..
-محامي الضنين هل من سؤال آخر؟
-نعم سيدي القاضي، فليخبرنا المتهم من أخبره بتلك الحقيقة؟
-أجب.
-أخبرني به بنفسه حينما اتصل بي..
اشار له بالوقوف عند هذه النقطة وهو يقول له:
-أيها الذئب أتمنى أن تجيب فقط على قدر السؤال..
أشار له متفهما ذلك في حين تابع القاضي وهو يسأله:
محامي الضنين هل من سؤال آخر:
-أجل سيدي القاضي، وسؤالي للمتهم، هل كان يعرف السيد البشير أنه والده أم أنه لم يعرف هو أيضا سوى في الليلة التي أخبره بها بالخبر؟
-أجب.
-أجل كان يعلم بذلك..
-هل يستطيع سيدي القاضي أن يخبرنا بملابسة قصته مع السيد البشير والأسباب التي جعلته يخفي عنه حقيقة انه والده:
-اجب.
-لقد كان البشير له اعداء كثر، وكان يخفي نفسه في تلك البساطة، ويدعي أنه رجل بسيط حتى يتحين الفرصة لتوقيع الصفقة التي كان سيوقعها في تلك الليلة، وقد كان له ابنين تخلى عنهما، منذ ستة وعشرين سنة، وكنت أحدهما، لكنه لم يكن يتوقع أبدا أن نجتمع وأن سره سينكشف ذات يوم..خصوصا بعدما منح كل منا إلى أسرة مختلفة، وأن من سيقف بوجهه هما أبناءه،تخلى عنا حتى نستطيع أن نرثه بالأخير، ونتابع الطريق التي بدأها، في تجارة المخدرات..
-محامي الضنين هل من سؤال؟
-لا سيدي القاضي..
-محامية الدفاع هل من سؤال ؟
-لا سيدي القاضي..

-الكلمة للنيابة العامة-وأشار للرجل الأربعيني ذو وجه أسمر واثق، حتى يبدأ في الحديث:
-بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز" {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:92].
سيدي القاضي، إنه مما لايخفى على إنسان على أن القتل محرم من جميع كل الأديان السماوية، وكبيرة من الكبائر التي لا يغفر فيها الله سبحانه وتعالى وهو أرحم الراحمين، لما ينتج ذلك عن تسيب بالمجتمع، هذا المجتمع الذي نسعى كلنا أفراد ومؤسسات حتى ننهض به، وقد شرع الانسان قانونا يحمي كل أطراف هذا المجتمع الذي نعيش فيه، الفقير منه والغني، الصغير والكبير، الضعيف والقوي، حتى لا نكون كمن يعيش في غابة، وحينما يتعدى أحد كيفما كان على حق من حقوق الآخرين، فلا تأخذنا به عين الرحمة، فكيف يا سيدي القاضي من يقتل النفس التي حرم الله عز وجل قتلها، وإثارة الرعب في النفوس الهادئة لمدة سنة كاملة، إن المتهم سيدي القاضي لم تمنعه نفسه الخبيثة، والأمارة بالسوء عن التراجع عن أفعاله في جميع مراحل الدعوى، بل أصر كل الإصرار امام النيابة العامة أنه يدرك تماما فعلته، وانه غير نادم، فكيف تاخذنا الرحمة والرأفة بمجرم قد تسممت عروقه بدم الاجرام والخبث.
إنه في اليوم...... توصلت الشرطة بإخطار الجريمة، حيث انتقلت بأقصى سرعة لعين المكان، وبعد معاينة الأدلة وساحة الجريمة تبث فعلا أن الفاعل هو نفسه الملقب بالذئب، والذي كانت الشرطة تبحث عنه وبالتالي تم إصدار الأمر من النيابة العامة بإلقاء القبض عليه فورا.
سيدي القاضي إن النيابة العامة تطالب بأقصى العقوبات، حسب الفصول،392،393،396،398،399،من القانون الجنائي المغربي، حتى لا تسول لأي أحد نفسه بالقيام بما قام به المتهم، وحتى يكون عبرة لكل الناس..
ولنحقق العدالة السماوية، في قوله عز علاه:" {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ يأُولِي ٱلألْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]."
ولمحكمتكم الموقرة واسع النظر.

-الكلمة لمحامي الضنين.
وقف شامخا بهدوئه وهو يمر بجانبها ثابت الخطى،فكرت أنه لم يعاني ما عانته من هذه القضية ربما حتى أنه لم يجهز ملفا ولم يحتج لفناجين القهوة، وهو يشطب عن هذه الكلمة ليبدلها باخرى، أو يبحث في فصول القانون، على خيط قد يساعده، لابد أنه نام ليلته جيدا، واستحم، وتناول فطورا وربما مارس رياضته المحببة للقلب الا وهي المشي لنصف ساعة..
أبعدت هذه الأفكار عنها وهي تنصت له يبدأ مرافعته كالعادة:
السيد الرئيس المحترم،السادة المستشارون المحترمون،
السيد ممثل النيابة العامة المحترم،السيد كاتب الضبط المحترم،
السيد المحامي المحترم، أيها الحضور الكريم،
قال تعالى { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/33
وقال في كتابه الكريم أيضا: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) " .. الإسراء 23 ، 24.
لقد قرن سبحانه وتعالى عبادته بطاعة الوالدين، وكلنا نعلم سيدي القاضي دور الوالدين في الحياة، وقد أمرنا الله عزو وجل بدعائنا لهم بالرحمة والتعامل معهم بالمودة، والسكينة لا أن نزهق روحهم دون أي شفقة منا، لأسباب لا وجود لها، فالمتهم سيدي القاضي سولت له نفسه أن يكون عصابة أثارت الرعب في المدينة الصغيرة الهادئة، واقتحام منزل والده، وقتل أزيد من ستة عشر بريئا ليترك الدماء تغطي بعضها، نهر من الدماء سيدي لم يوقفه ضميره ولا إنسانيته، ولا دينه الذي يحرم مثل هذا الفعل الشنيع..
سيدي القاضي، لقد اتهم المتهم والده بالمتاجرة بالمخدرات، وقد تحققت الشرطة من ذلك فعلا بناءا على الوثائق المقدمة من طرفه قبل سنة من إقدامه على القتل بتاريخ، 12/11/2007 حيث تم إلقاء القبض على خلية دولية، تتاجر في المخدرات، والتي كان يعمل فيها المتهم كحامل لتلك الصناديق، قبل أن يرأف لحاله والده ويتوسط له عند المدير ويشغله مهندسا هناك، بل وزوجه وحيدته ابنة زوجته الثانية رحمها الله، والتي لم ينجب منها سيدي القاضي لأنها بعد ذلك أصيبت بمرض بالرحم نتج عنه عقم، سادلي بالوثائق التي تبث كلامي سيدي القاضي، -تفضل-
سيدي القاضي، السادة المستشارون، السيد ممثل النيابة العامة، إن المتهم حينما تم سؤاله الآن أمام سيادتكم عن السبب الحقيقي الذي جعل والده لا يعترف به أو بأخيه المشارك له أيضا فيي الجريمة هو وصديقهم بكر الفيلالي، والذي أصدرت محكمة الإستنئناف في حقهما، ثلاثون سنة حكما نافذا لكل واحد منهما، وذلك للمشاركة في تكوين عصابة والقتل العمد، والذي يعاقب عليه حسب الفصول 392،393،396،398،399من القانون الجنائي المغربي.
أن والدهما كان يريد أن يورثهما تلك التجارة التي يزعم سيدي القاضي أنه يترأسها، لكن الحقيقة والتي سيلقي بها كل من الشهود أن القتيل، كان على خلاف مع عائلته من أجل الميراث، وكان يخاف أن تطال يدهم أعناق ابنائه، إنها الرحمة التي زرعها الله في قلوب الوالدين، فحرم نفسه منهما، لكي يحافظ على حياتهما معا، لكن الشر الذي ولد معهما جعلاهما يقتلانه بلا رحمة ولا رأفة..
سيدي القاضي إننا حينما نسلب أحدهم حياته فنحن بذلك نكون قد تجردنا من إنسانيتنا، لنكون أشبه بالحيونات،
لذلك سيدي القاضي حتى لا تسول لأحد نفسه أن يفعل فعلته، فعلينا سيدي القاضي ألا تأخذنا الرحمة، عليه، وأن يكون عبرة لمن يعتبر، لذلك فإني أطالب، بإعدامه حسب الفصول392،393،396،398،399من القانون الجنائي وبتعويض مالي لعائلة السيد البشير بن عبد الله، قدره واحد درهم، كثمن رمزي.
ولمحكمتكم الموقرة واسع النظر.
-الكلمة لمحامية الدفاع:
لملمت منى بعض الأوراق وهي تلقي نظرة على السيد شوقي، الذي كان يجلس في استرخاء ونظرة الظفر تطل من أهدابه الشرقية، وملامحه السورية العتيقة..
ارتعشت اناملها قليلا، ثم سرعان ماضبطت نفسها وهي تسمع القاضي، يعطي الكلمة لها.
وقفت في اعتدال ومشت بضع خطوات حتى انتصفت خطواتها، ثم قالت بصوت هادئ، ورزين:
السيد الرئيس المحترم،السادة المستشارون المحترمون،
السيد ممثل النيابة العامة المحترم،السيد كاتب الضبط المحترم،
السيد المحامي المحترم، أيها الحضور الكريم،

اسمحوا لي في البداية أن أمهد لهذه المناقشة: لماذا نحن اليوم هنا؟ نحن هنا اليوم هنا بحثا عن الحقيقة وكشفا لها، من أجل ماذا؟ من أجل العدالة، من أجل أن تنتصر الحقيقة ومن أجل إحقاق الحقيقة.

اليوم هناك إرادة مجتمعية، ومن أعلى المستويات لإصلاح القضاء ببلادنا، وأتمنى صادقة أن نجعل من هذه النازلة التي بين أيدينا، أن نجعل منها مناسبة تاريخية لتدشين هذه الإرادة المجتمعية في الإصلاح القضائي.

ونحن اليوم هنا من أجل تنوير الرأي العام. تعرفون، السيد الرئيس، أن الرأي العام المغربي معروف تاريخيا بعفويته، فحين تكون الأمور واضحة ولا لبس فيها، يقدم المغاربة ولا يترددون، وإذا ترددوا، فاعلم ان هناك شبهات وشوائب.

تابعنا تلك الزوبعة التي أثارتها مؤخرا الصحافة من أجل هذه القضية، والتي اتهم فيها موكلي بقيامه بعمل إرهابي، نحن هنا سيدي القاضي لا نناقش قضية إرهابية كما صورت لنا وسائل الأعلام، فموكلي شعر بالاهانة، شعر بعدم الانصاف حينما دفع أخوه ووالدته بالتبني، وأخته التي كان لا يحب أحد بقدر ما يحبها، دفع أكثر من ستة أشهر من حياته داخل السجن ظلما، وعدوانا، ونحن أدرى بالسجون ومدى العذاب الذي يعانيه الأنسان فيها، فموكلي سيدي القاضي شاب في السادسة والعشرون، متفوق دراسيا وعلميا، وأخلاقيا، فالجميع كان يشهد قبل دخوله السجن ظلما وأكررها، ظلما سيدي القاضي، فأبدا طوال الخامسة العشرين من حياته، لم يرتكب ولو مخالفة صغيرة، رغم أنه كان يعيش في حي كثرت فيه الجرائم، نال أعلى الشهادات، ورغم ذلك وجد نفسه يعاني من البطالة، ومقاهي الحي تنتظره، لكنه رفض أن يخضع لذلك المصير، وخرج ليشتغل حمالا وهو الحاصل على شهادة الهندسة الالكترونية، بثمن زهيد لا يكاد يسد حاجيات أسرته الوحيدة التي فتح عينيه عليها، الأسرة سيدي القاضي التي فتحت له ذراعيها، وربته وعلمته، هنا يتبادر إلى ذهننا أين هو الأب الذي يمثل الأمان لكل طفل، سيدي القاضي لقد كان الأب منشغلا في جمع المال، والمال الحرام للأسف، حسب المحضر الذي حررته النيابة العامة، فقد ضبط ليلة الواقعة كمية من الكوكايين بمكتب الضنين بمنزله، بخزنة سرية لا يعرف أرقامها سواه، ومزودة سيدي بألة كامرا صغيرة، حيث أنه لو كان موكلي من دس له المخدرات هناك لكانت التقطته عدساتها الصغيرة والتي تظهر الضنين بوضوح وهو يضعها دون أي لمحة من التهديد، بالخزنة، مع مبالغ طائلة من المال، وجواز سفر له ولابنته، والذي كان يحجز لكليهما في نفس الليله على طائرة لسويسرا حيث تم تهريب كل امواله هناك، لدي هنا سيدي القاضي نسخة من المحضر المحرر، وأيضا كشف حساب بنكي باسم البشير بن عبد الله في أحد البنوك السويسرية، وهنا أيضا سيدي القاضي شهادة مطابقة التوقيع الذي هو باسم ماركو أغيراس والذي ألقي عليه القبض، سترى أنه مطابق لتوقيع السيد البشير بن عبد الله ,
إن ما خفي على النيابة العامة ومايشكل ثغرة كبيرة في هذه القضية، سؤال سيدي القاضي أعتقد أن النيابة العامة أهملت الاجابة عليه، وهو إن كان من ألقي عليه القبض بتاريخ 12/11/2007 والذي لم تتوصل النيابة العامة لكشف مدخراته المالية، ولا حتى الحجز على ممتلكاته حيث أنه لم يكن يملك سوى منزل بسيط بأحد الأحياء بالدار البيضاء، في حين أن العامل الذي يشتغل عنده يملك من المال مالا يعد ولا يحصى,, بل أصبح يعد في غضون سنة واحدة من الأثرياء؟؟ من أين له هذا وراتبه لم يكن يتعدى الخمس الاف درهم،؟ من أين له هذا؟؟
هذا هو السؤال الذي أغفلته النيابة العامة، ولست هنا للإجابة عليه، فما لدي من وثائق هنا سيدي القاضي والتي كانت بحوزة المتهم قبل أن يقدم على جريمته، كانت الدافع الأساسي للجريمة، فقد ارتكب الجريمة سيدي ليس حبا في القتل كما تشدقت وسائل الأعلام وليس لان بدمائه تجري دماء الذئاب المتعطشة للدماء، وصف بالذئب ليس لشراسته بل لذكائه وخفة بديهته، ونظرته الثاقبة، واصراره على اظهار الحقيقة، والتي سعى إليها مند البداية، بل إنه دفع منها شهورا بالسجن ظلما، ودفع منها أرواح أسرته، إن كان هناك من سيحاكم سيدي القاضي فنحن كمجتمع، ومؤسسات، ومحاميين، وقضاة، ونيابة عامة، كلنا مسؤولون لما وصل إليه الذئب، هل نصفه القانون؟؟ حينما لجأ إليه، لست هنا للتحريض أو إظهار تعاطفي لما قام به، لكني أخبركم أنه باسم الانسانية و بنود حقوق الانسان، والتي يسعى المغرب
كأول دولة عربية لالغاء الإعدام الذي يخالف مطالب حقوق الانسان ألا وهو حق الحياة، أنه يحق له أن نمحنه حق الحياة.
أما بخصوص ما نسب إليه بتكوين عصابة والمتاجرة بالأسلحة، فأعتقد أن النيابة العامة قد حققت في النازلة، ولم تجد دليلا قاطعا يدين موكلي، كما لم يتقدم أي مواطن ببلاغ صريح ضد موكلي، فإذن فإن التهمة تسقط عنه، والمتهم بريئ حتى تثبت براءته، جاء على لسان موكلي سيدي القاضي أنه لم يعلم بأن الضنين والده، إلا ليلة الجريمة، أي أقل من إثنا عشر ساعة، والتي لا أعتقد أنها كافية حتى تثني شخصا عانى ولقي ما لقيه موكلي من ظلم، ثم أنه كما أخبرنا اتصل به ليخبره ببرود أنه والده، وأنه يريده أن يكون اليد اليمنى له، وأنه سيورثه أمواله التي جمعها من الحرام، في حين أنه لا يخفى علينا أنه كان قد هرب كل أمواله للبنك السويسري، وجهز جوازي سفر باسمه واسم ابنته، أي أن موكلي سيدي القاضي كان خارج لعبته، لذا نحن لا نعلم بنية الضنين الحقيقية، والشك يفسر دائما لمصلحة المتهم,,
اعترف موكلي بجريمته، في كل مراحل الدعوى، ليس جرأة منه على القانون، وحبا في الجريمة، ولكن اعتراف بذنبه والاعتراف بالذنب فضيلة، لكل ذلك سيدي القاضي أطالب بتمتيع موكلي بأقصى ظروف التخفيف، نظرا لعدم سوابقه، والظروف الاجتماعية والنفسية المؤدية للجريمة، والخلل الناتج عن تنفيذ المساطر القانونية، لحصوله على حقه، والثأر لعائلته، المغتصبة.

ولمحكمتكم الموقرة واسع النظر,,

جلست منى وهي تلقي نظرتها عليه، وقد أمعن نظرته عليها، هو أيضا، ثم تذكرت ليلة أمس حينما وقعت منها بطاقة دعوة لشخصين، وتذكرت ذلك الشاب الذي منحهما إليها، حينما أوصلته، ودعاها إلى مهرجانه الموسيقي، الليلة سيكون الاختتام، ابتسمت وهي تتذكر قوله"اذهبي فالحياة لا تستحق أن نؤخر لحظة فرح"
أجل مهما كان حكم المحكمة اليوم، فهي لن تؤخر لحظة السعادة، أبدأ، فاليوم فقط أدركت لم طلب الذئب أن تترافع عنه هي، ليس من أجل أن تحصل له على التخفيف، بل لتكتب عنه وتوصل حقيقته إلى كل العالم,,
انتفض جسدها وهي تسمع ضربة مطرقة القاضي، ليقول بصوته الرزين:

- الحكم بعد المداولة......





تمت بحمد الله



نلتقي بالرواية القادمة، بعنوان رسائل محترقة


 
 

 

عرض البوم صور هناء الوكيلي   رد مع اقتباس
قديم 30-01-11, 07:53 PM   المشاركة رقم: 70
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2010
العضوية: 182037
المشاركات: 5
الجنس أنثى
معدل التقييم: rere1899 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
rere1899 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : هناء الوكيلي المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

شكرااااااااااااااااااااااااااا روايه حلوه واساوب الكاتبه ممتاز ويجذب لمتابعة القصه طوال ما انا اقرا القصه كنت متحمسه اعرف النهايه صح اتخربطت في النهايه من الذئب خالد ولا صلاح بس حبيت النهايه كانت مرضيه للجميع

 
 

 

عرض البوم صور rere1899   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مرحبا هناء بروايتك وتعوي الذئاب تحية خالصة من القلب من جوهرة, حينما تعوي الذئاب،الذئب،هناء الوكيلي
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:25 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية