منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t209058.html)

Rehana 03-12-23 06:15 PM

13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
https://i.pinimg.com/originals/f6/0d...c8ca378fd7.jpg

خاص وحصري لمنتديات ليلاس الثقافية

راح نزل رواية غير متوفرة في المنتدى مصورة وغير مكتوبة في أي مكان
واتمنى تنال اعجابكم

( لا احلل نقل جهدي وتعبي في كتابتها بدون ذكر اسمي Rehana والمصدر)

الملخص


صعدا معا سلماً متعرجاً مبنياً من الحجارة.
وراح كورتيس يصغي إليها بامعان وهي تروي القصص الفكاهية التي تدور حول المنزل خلال بعض الأزمنة التاريخية.
ثم ادخلته إلى قاعة اللوحات. وتوقف كورتيس أمام لوحة تمثل التوأمين عندما كانا في الثالثة من العمر. ضحكت فيليسيا وقالت:
" بلان يكره هذه الصورة لأنه يعتقد أنه يشبه البنات فيها ".
" هذا يفسر جهوده الحالية لاثبات العكس. حدثيني عنه من فضلك ".
" انه انسان طيب جداً. رياضي وفارس من الدرجة الأولى، يسبح كالسمك ويحب لعبة الروغبي ويفهم بميكانيك السيارات ... هل أكمل الحديث ".
ضحك وقال بسخرية:
" لقد اقتنعت أنه رجل ".
وبجدية سألته بصراحة:
" هل ستوافق على الدفاع عنه؟ والدي يريد من بلان أن يدخل في سلك السياسة في المستقبل ولهذا السبب من المهم أن يدافع عنه رجل مثلك ".
" لكنني أجد من الأفضل عليه ألا يخرج من هذا المأزق بسهولة. كما لست متأكداً بأن أخاك هو من نوع الرجال الذين تحتاجهم الادارة السياسية في هذا البلد. الابن المدلل لأم امتلاكية ... ليس مرشحاً انتخبه ".

Rehana 03-12-23 06:16 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت- روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
غلاف الاصلي للرواية

https://www.fictiondb.com/coversth/th_037310207X.jpg

روايط فصول رواية

الفصل الاول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عشر

الفصل الثاني عشر والاخير

Rehana 06-12-23 05:31 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
1- ليس من السهل ان يكون الانسان صاحب مبادئ ثابتة . فكل واحد من هؤلاء, انسان معذب ...يعذبه فقدان المبادئ لدى الآخرين وبخاصة الذين يمتون اليه بصلة القربى ...

يتوقع اصدقاء فيليسيا فالنورتن ان يجدوها دائماً مرحة , طيبة , وكريمة . فهي مرغوبة جداً من الشباب الذين يعيشون في بيئتها وفي وسطها الاجتماعي . لكنها كانت تثير الانتقادات العديدة , لأنها غير متزوجة بالرغم من شدة انوثتها وجمالها , اضافة الى اعجابها الكبير بالجنس الخشن .ريحانة
انها فتاة معروفة تعجب النساء والرجال وتتمتع بموهبة جمع الاصدقاء , تعيش حياة اجتماعية نشيطة, مقتنعة بها الى حد الاكتفاء, نهاراتها مليئة وسريعة , لا تترك لها الوقت للتفكير بحياتها الخاصة .

Rehana 06-12-23 05:32 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وصباح اليوم التالي لعيد ميلادها الخامس والعشرين , فتحت فيليسيا عينيها وشعرت باحباط وانحطاط . نظرت الى غرفتها الأنيقة بستائرها المخملية البرونزية المتدلية فوق النوافذ العالية , ثم الى البساط الكريمي الذي يفترش الأرض , وادركت انها بلغت من العمر ما يكفي للبدء في التفكير بحياة جديدة .
تعيش فيليسيا في قريتها الهادئة حياة مؤمنة , خالية من المشاكل اليومية العصرية, وتتمتع بجمال الطبيعة وهدوئها الساحر. منزلها الذي يعود الى العائلة منذ دهور عديدة مبني بشكل ابراج ثلاثة, ومن هنا اسمه ابراج نورتن , ويقع في زاوية نائية من الريف , قرب نهر شفاف يهدر في الوادي ويجلب للمنظر الخلاب رطوبة وسكوناً لا مثيل لهما . كانت فيليسيا تحب منزلها وأرضها حباً كبيراً.
في الصباح الباكر تقوم بنزهة يومية على صهوة حصانها ساندي فيتطاير شعرها في الريح ويخفق قلبها على ايقاع خطوات الحصان فوق العشب والخشار. احياناً , يرافقها والدها في هذه النزهة, واحياناً شقيقها التوأم عندما يكون في عطلة . علاقاتها العائلية على احسن وجه, فهي تعرف تماماً بأنها كنز ثمين بالنسبة الى والدها . ومن جهتها , كانت تجد الكولونيل فالنورتن انساناً مثالياً, أنيقاً وموضع ثقة . يقوم بواجبه كرجل قروي وكأبن المنطقة , وعلى افضل وجه . اما والدتها الفيرا فالنورتن فلم يكن يهمها الا ارضاء جميع رغبات ابنها .
وهذا الأخير, يملأ حالياً وظيفة كابتن في الحرس الملكي . انه وسيم وصاحب كبرياء ويحب النساء. كانت فيليسيا تحبه محبة كبيرة , فمنذ طفولتهما الأولى يتمتعان معاً بفرح وبهجة عيد ميلادهما المشترك وخاصة في حفلة الأمس التي نالت نجاحاً كبيراً, حيت تطايرت فيليسيا من رقصة الى رقصة, فطلب يدها عدد كبير من الرجال, لكنها كانت متواضعة وتعرف ان ذلك ربما يعود الى الجو الساحر للسهرة وينتهي معه .منتديات ليلاس
نعم, كانت السهرة رائعة, لكن الآن وبينما خادمتها انيتا تفتح النوافذ لتدخل الى الغرفة هواء الصباح المنعش , شعرت فيليسيا فجأة بصحو بادر . ومن دون سبب واضح اجتازتها قشعريرة مضطربة . وفي هذه اللحظة بالذات تهيأ لها انها تتقدم كالعمياء نحو كارثة تنتظرها في آخر الطريق.
ناولتها انيتا فطور الصباح , وبابتسامتها الاعتيادية راحت فيليسيا تقص عليها اخبار العيد المبهج , ولما بدأت تعدد اسماء الرجال الذين طلبوا يدها رمقتها انيتا بنظرة واضحة مشيرة الى يدها الفارغة من خاتم الخطوبة. هذا العناد للتهرب من المسؤوليات, ومن اي ارتباط حقيقي يؤلم الخادمة كثيراً, خاصة عندما تفكر بحياتها الباهتة وقد اصبحت الآن عانساً.منتديات ليلاس
- لو كانت اتمتع بجزء بسيط من مؤهلاتك , لتزوجت في سن مبكرة .
قهقهت فيليسيا بصوت عال , فالعلاقة التي تربطها بأنيتا ليست علاقة سيدة بخادمتها , انما علاقة صداقة حقيقية . كانت الفتاة تثق بها ثقة عمياء وتعرف ان ما تبوح به لا يتعدى جدران الغرفة. ظلت تتابع سرد وقائع السهرة الى ان قاطعتها انيتا قائلة :
- لا اذكر ان والدك دعا السيدة ستافوردلي . لكن هل صحيح ان شقيقك بلان وقع في حبها ؟ فهي تكبره سناً , أليس كذلك؟
- باستطاعة بلان ان يدعو من يشاء في سهرة عيد ميلاده ... للأسف انه لا يستطيع مقاومة إغرائها .
نورا ستافوردلي فتاة جذابة وتحب الاغراء . جميلة ولها شهرة كبيرة في المغامرات العاطفية المتعددة . لا يبدو ان العمر قد اثر بها وبجمالها . شعرها كثيف وطبيعي , ولا مجال لرؤية أي تجعيدة على وجهها الذي تعتني بزينته بفن واضح.

Rehana 06-12-23 05:32 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
فقط عيناها العنابيتان الرائعتان بامكانهما ان تظهرا حقيقة عمرها لرجل ذي خبرة كبيرة . وبلان له خبرة واسعة في النساء واعمارهن . كان هذا على الأقل رأي فيليسيا التي كانت معجبة كثيراً بأخيها. لقد اظهر لها دائماً عن رفقة مرحة وطيبة , وبمساعدتها على التخلص من كل كبتها كما يفعل مع النساء اللواتي يرافقهن .كان يسخر من اخته كلما حاولت منعه من المجون, فيشعث شعرها ويخوض معها معارك لا نهاية لها .منتديات ليلاس
كانت فيليسيا فضولية وتريد من اخيها ان يشرح لها نوعية الحياة التي يعيشها في الحرس الملكي . اما مغامرته العاطفية مع نورا ستافوردلي فعمرها سنة واحدة. في البداية , اعتبرتها فيليسيا عابرة , لكنها غيرت رأيها بعد أن رأتهما في حفلة عيد ميلادها .
وبينما كانت تتناول فطورها ادركت فيليسيا انها لم تعد تشعر تجاه طيش اخيها بالملاطفة والاعجاب كما من قبل. صحيح ان بلان شاب محبوب , لكنه سخيف وتافه احياناً . اي نوع من النساء سيتزوج في النهاية ؟ شعرت بنوع من الصدمة لمجرد التفكير بأنه سيتزوج يوماً. لكن ان ترفض هذا الاحتمال انانية لا تغتفر وهي لا تريد ان تراه وحيداً في المستقبل .
بلان بحاجة الى زوجة من نوع مختلف كلياً عن نورا ستافوردلي. وفيليسيا كانت تعي بوضوح خطر هذه العلاقة على اخيها . فبعد انتهاء الحفلة , تعاركت معه اذ قالت :
- انت مجنون لأنك تعرض نفسك للخطر بعلاقتك مع نورا ستافوردلي. زوجها رجل ذو نفوذ كبير وستجد نفسك امام مشكلة كبيرة اذا اكتشف الحقيقة.
صرخ حينذاك وقال وقد احمر وجهه :
- اعرف ما افعله !
- وهي ايضاً , يا مسكين ! نورا ليس عندها ما تخسره , اما انت فستخسر كل شيء.
وبعد هذا الكلام خرجت من القاعة وصعدت الى غرفتها على غير عادتها لأن العراك كان ينتهي دائماً بالمصالحة.
انتهت انيتا من ترتيب الغرفة واستعدت للخروج , فقالت لها فيليسيا :
- اود من كل قلبي ان يجد بلان لنفسه فتاة لطيفة وناعمة , وغير مرتبطة.
- على الأقل , يمكنه هكذا ان يفكر بالزواج.ريحانة
خرجت الخادمة من الغرفة تاركة الفتاة في خضم افكارها . كانت حالمة وتحدق بالباب المقفل وتفكر بحياة اخيها المرحة , الغريبة عليها . فحياتها المنعزلة في القرية لم تقدم لها الا مجالات ضئيلة للتعرف على الرجال بعمق. تجربتها البسيطة لا تسمح لها بتحليل نفسها , فكيف تتفهم طباع وحاجات اخيها .
كانت فيليسيا تشبه والدها. مثله حالمة ومثالية . وحتى الآن لا شيء في الحياة عكر صفوها او عاكس ميولها العميقة , تكره الأشخاص الفارغين غير الطموحين , وترى في ضعف بلان حيال المجون والنساء عذراً لشبابه الذي يحاول ان يعبر عن ذاته , مقتنعة بأنه قوي وراء المظاهر.
فوجئت كثيراً عندما رأت بلان يقترب منها بينما كانت تشد السرج على حصانها . ففرحت بوجوده كثيراً . ان غضب بلان لا يدوم طويلاً ولقد استعاد ابتسامته الساحرة . تنزها معاً فترة طويلة . وبعد الظهر اصطحبها الى سباق الخيول. ورافقهما والدهما . ولاحظت فيليسيا كم هو انيق بقبعته البريطانية وبزته الكلاسيكية المقلمة .فكانت فخورة به جداً.

Rehana 06-12-23 05:36 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
كانت تأمل بشدة ان يتمكن بلان من التحرر من عاداته الفاسقة ليصبح يوماً ما على صورة والده. لكنها ندمت على ذلك عندما دعاها شقيقها الى تناول الغداء معه وحاول بكل الوسائل كي يسليها . ونجح كالعادة . ولما جلسا تحت المظلة لتناول الطعام كان الاسترخاء السعيد قد عاد يسيطر عليها .
جلس بلان في مقعده وتناول لائحة الطعام وقال :
- جلبت لي الحظ , سآخذك الى المسرح هذا المساء وبعدها نتناول العشاء في المطعم .
- هل تستطيع تحمل كل مصاريف السهرة ؟
تذكرت فيليسيا جيداً الشيكات العديدة التي كانت تزوده بها لملء فراغ جيوبه لكنه اجاب قائلاً :
- لو كنت غير قادر على ذلك, لما دعيتك . لن استدين منك بالطبع ...
نظرت الفتاة الى وجه اخيها الجميل واجابت :
- سأذكرك بهذا الوعد. ريحانة
بعد المسرحية الجيدة اصطحب بلان شقيقته الى تناول العشاء في مطعم مشهور. دخلاه . تبعتهما نظرات المعجبين الكثيرة . وتقدمت يد ناعمة ورتت على كتف بلان . انها نورا ستافوردلي. قالت وابتسامة عريضة على شفتيها :
- مرحبا , يا بلان . هل احببت المسرحية ؟ كنت على بعد صفين وراءكما .
- اعجبتنا كثيراً . وانت ؟
- وانا كذلك . هل تحبا الانضمام الينا؟ فأنا هنا مع بعض الأصدقاء.
- آسف , لأن هذه السهرة كرستها لفيليسيا . شكراً , والى المرة القادمة.منتديات ليلاس
عادت نورا الى شلة اصحابها , فقالت فيليسيا لأخيها :
- عظيم . عرفت كيف تتخلص من الدعوة ! افهم لماذا جيداً لماذا تثيرك نورا . فهي حقاً امرأة جميلة .
اجاب بانزعاج :
- وترقص جيداً .
سألته بصوت جاف خال من الحقد :
- هل تعتقد ان ذلك مثير ؟
- آه! مهلاً مهلاً ...
احمر وجه بلان قهقهت فيليسيا ضاحكة وقالت :
- كنت امزح , صحيح انك ما تزال طفلاً صغيراً . ولا اعرف اذا كنت تستحق الضرب او القبل , فبامكانك ان تكون كتوماً وحذراً !
- لن أكون مثلك ...
- ولا تنوي حتى مجرد التفكير بالأمر, اليس كذلك؟ مجابهة الخطر ليس عملية بطولية ! انا فخورة بوالدي لأنه رجل نزيه ...
- وأنا , لست مثله ! اهذا ما تريدين قوله ؟
رفع رأسه ولمعت عيناه , ولاحظت فيليسيا ان في وقاحته ما يثير الشفقة. احست برغبة في مداعبة خده وضمه اليها . فقالت بنبرة مهدئة :
- انت ما تزال يانعاً كي تكون لنفسك مزاجاً ثابتاً . لا أنت ولا أنا اثبتنا قيمتنا وامكانياتنا بعد.
وبعد يومين غادر بلان المنزل العائلي متوجهاً الى لندن لاكمال ما تبقى من مأذونيته . فقالت له فيليسيا وهي تودعه :
- اعتنِ بنفسك جيداً. واعثر على فتاة لطيفة .منتديات ليلاس

Rehana 06-12-23 05:36 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
تردد قبل ان يقول بصوت حنون :
- أنا لست في سن الزواج , لكن اعدك بأن اكون عاقلاً .منتديات ليلاس
وذات يوم , بعد اسبوع من عيد ميلادها دخلت فيليسيا الى الصالون الصغير الذي تطل نوافذه العالية على الريف الأخضر, لتجد والدتها جالسة امام مكتبها , ومنهمكة في تحضير الشيكات لتفي ديون بلان. استاءت فيليسيا لهذا الأمر , لأن ما تفلعه والدتها لا يمكنه الا تشجيع بلان على الاستمرار في هذه الحياة . اقتربت منها وقالت :
- امي, هل فكرت مرة بالأذى الذي يلحق ببلان عندما تسددين ديونه بكل طيبة خاطر ؟ آن له ان ينضج ويتحمل وحده مسؤولياته كاملة . وذات يوم سيتزوج , وتصرفك هذا سيسيء اليه والى زوجته.
اكملت الفيرا عملها واضعة الشيكات في ظروف مختلفة . ثم التفتت لتتفحص تعبير ابنتها القلقة . ابتسمت لها وقالت بنعومة :
- انه سن الطيش , فقط لا غير. اساعده قليلاً . اي شيء يمكن ان يحدث له ؟ ولم لا ادعه يتمتع بما يعيشه الآن والعالم الحالي مزدحم بالكوارث التي لا تحصى ولا تعد .
- بالفعل . وكيف سيجابه الكوارث اذا استمريت في العناية به كولد صغير؟
- انت تغارين منه . اغلقي الموضوع الآن , ارجوك.
- أنا أغار منه ؟ لو كان الأمر صحيحاً لتركتك تتصرفين من دون ان اتدخل. انا احب بلان وهذا كل ما في الأمر, وربما احبه اكثر منك , لأنني لا اقدر ان ادمره كما تفعلين .ريحانة
توجهت فيليسيا نحو احدى النوافذ ونظرت الى الحديقة وتابعت كلامها بصوت مبحوح :
- اخاف عليه . اخاف عليه من النساء , كنورا ستافوردلي مثلاً. اخاف ان تؤذيه . نعم اخاف ايضاً على مستقبله . لا يصغي الى كلامي ويفعل ذلك ما دمت انت هنا مستعدة للاستسلام لكل نزواته ؟
ران صمت قصير . اقتربت الفيرا من ابنتها ووضعت ذراعها على كتفيها المرتجفين وقالت بصوت استرضائي :
- حبيبتي , هل تعتقدين انني لست قلقة عليه ؟ لقد فهمت , بعد فوات الأوان , انني مخطئة , لكن اذا لم اساعده بدفع ديونه يفلس كما ترين وتعرفين, وبلان مثلك ولد في جو الترف . وانا شجعته على تذوقه . لكنه سيمل ذات من هذا الهوس وسيعود الى رشده.
اغتاظت فيليسيا وابتعدت عن والدتها بسرعة ونظرت اليها وجهاً لوجه وقالت :
- ألا تريدين ان يتزوج بلان؟ تريدينه لك وحدك ولداً ابدياً.
- فيليسيا ماذا تقولين ... اسكتي !
- شكراً جزيلاً !
صحيح ان فيليسيا تتألم كثيراً لفقدان حنان والدتها وعطفها . لكنها حزينة اكثر لتصرف والدتها تجاه بلان. لقد حرمتها من علاقة ثمينة , علاقة ام لابنتها . لتفعم اخيها الى درجة الاختناق.
سمعت فيليسيا الباب ينغلق ببطء, فأرادت ان تتبع والدتها , لكنها غيرت رأيها . الفيرا لم تبذل أي جهد لفهم ابنتها . فتحت فيليسيا باب الصالون وخرجت الى العشب الأخضر بخطوات اكيدة. نظرت نحو الأفق وتمنت لو كان بامكانها ان تتكهن بمستقبلها ومستقبل اخيها . بتحد وضعت يديها في جيبي فستانها القطني وأكملت سيرها . هذه المرة كانت تتصور بأنهما سيقفان معاً على طريقة لانقاذ بلان من واقعه المرير وجعله يفكر بالمستقبل.

Rehana 06-12-23 05:38 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
لكن ذلك لم ينجح . احست بالكبت والمرارة , وقالت لنفسها بفخر " انت فيليسيا حمقاء لتبالي بهذه الأمور " وأكملت طريقها مبتعدة عن المنزل .
في المساء , تلقت فيليسيا مكالمة هاتفية من بلان . فبدا لها صوته غريباً .
- فيليسيا ؟ يجب ان اراك بأسرع وقت ممكن . متى يمكنك المجيء الى العاصمة ؟
- غداً صباحاً, اذا كان الأمر خطيراً وطارئاً.
- حسناً. انا في مأزق حرج . لا تقولي لأبي وأمي انك آتية لرؤيتي .
- حسناً . سأكون في المكان الاعتيادي بتمام الثانية عشرة والنصف . هل انت في الخدمة ؟
- نعم . مأذونيتي انتهت مساء امس. لا تغيري رأيك !
- لماذا تقول هذا الكلام ؟ هل سبق وفعلت ذلك من قبل ؟ سآتي الى الموعد غداً صباحاً.
شعرت بارتعاشة حذر وهي تقفل سماعة الهاتف. في اي مغامرة تورط هذه المرة ؟ المشاكل المالية غير واردة ما دامت ديونه كلها قد سددت .منتديات ليلاس
في الغد وصلت فيليسيا الى لندن للقاء بلان, وافية بوعدها . اوقفت سيارتها في المرآب وتوجهت عبر الازدحام نحو المطعم الاعتيادي . كان بلان بانتظارها , يرتدي بزة انيقة , زرقاء غامقة ومقلمة بالأحمر , تليق بشعره المشعث.
- شكراً لمجيئك . اعرف انني استطيع الاتكال عليك.
- هذه هي المشكلة ! ربما عليك ان تتدبر امورك بنفسك هذه المرة .
لكن بلان لم يكن يصغي اليها . امسك ذراعها وقادها الى افضل طاولة . تأملته فيليسيا بامعان بينما كان يطلب لائحة الطعام, ثم يختار لها ما اعتاد اخذه. فأدركت حينئذ ان همومه ومشاكله مهما بلغت اهميتها لن تلقنه الدرس المطلوب.
- هل اتصرف كالأحمق؟
- لا داعي لأردد عليك ذلك . والآن ماذا جرى؟
بتواضع واحمرار شرح لها قائلاً:
- ستكرهينني لأني لم اف بوعدي لك. لقد احضرت اقامتي في المنزل العائلي لأذهب الى باريس برفقة نورا ستافوردلي.
- اكمل ...منتديات ليلاس
- اوه , لم يكن حظنا كبيراً, لأن زوجها نزل في الفندق نفسه . انه يسافر كثيراً بسبب اعماله , وتصورت نورا انه في ايطاليا .
قالت فيليسيا غاضبة :
- ورآكما معاً؟
- جاءت الخادمة التي تعرف نورا جيداً واخبرتنا بوجود السيد ستافوردلي في الفندق نفسه . فتركت الفندق على الفور . لكنه عرف بمروري.منتديات ليلاس
- فهمت . وماذا كانت ردة فعله ؟
- هددها بالطلاق. وقال لها انه سيذكر اسمي في المحكمة .
- رائع! وكيف تخطط للتخلص من هذا المأزق؟
رفع كتفيه واجاب :
- عليّ الانتظار ورؤية ما سيحدث . ربما غير رأيه . عليّ ان اذهب بمهمة دورية في آخر الاسبوع المقبل ولمدة شهر بكامله , ثم الى الخارج لمدة معينة . افكر بالهجرة اذا حصل امر كريه , واعود متى انتهت هذه القضية .

Rehana 06-12-23 05:38 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- بباسطة كاملة ! والأهل ؟ تعرف ابي فخور بشهرة العائلة . وامي ستجن !
نظر اليها بحزن وقال :
- والدي هو مشكلتي . مع أمي اتدبر اموري.
- طبعاً! اتمنى لو كنت تستطيع تدبر امورك وحل مشاكلك بنفسك .
فقدت فيليسيا قابليتها على اكمال الطعام , ولأول مرة شعرت بالاخداع . فالحياة الريفية بدت لها فجأة غير واقعية ومحدودة . وخجل بلان لدى رؤية الدموع في عيني شقيقته لكنه بدا رحيماً وقال :
- أنا آسف , يا شقيقتي العزيزة , اعرف بأنك تعتبرينني سافلاً ودنيئاً. وبطبيعة الحال لم اكن آمل في ان تفهميني . فأنا رجل وأنت فتاة بسيطة.منتديات ليلاس
- هل تعتقد ذلك؟
لم يجب ولم يفهم ما تعنيه بسؤالها بل فضل الصمت . فسألته بالحاح:
- ولماذا فعلت ذلك؟
احمر بلان وبدأ يشرح لها :
- عندما تكون المرأة سهلة المنال , فأي رجل يجد الأمر طبيعياً في استغلال ذلك . هل تفهمين ما اقصده ؟
- نعم وأرى ايضاً انك لم تفهم شيئاً مما قلته وأقوله . نحن توأمان , لكن قيمنا مختلفة . كل شيء كان دائماً سهلاً عليك. وكذلك بالنسبة اليّ الى درجة معينة , لكن بالنسبة الى المرأة الأمر مختلف , احبك كثيراً يا بلان ولن اكفّ عن ذلك. وهذه المسألة انثوية صرفة . فطاقة المرأة على الحب والرأفة اقوى بكثير من الرجل , اعتقد اننا سنضطر للعراك!
اخذ بلان وقتاً طويلاً لهضم كلمات فيليسيا . ثم ضحك وقال :
- هل انت معي ؟
- اليس هذا دور الأخت !

نهاية الفصل

Rehana 09-12-23 06:50 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
2- واخيراً وقع ما كان لابد ان يقع والفضيحة ليست سهلة على العائلات المحافظة التي تهمها سمعتها قبل كل شيء , لكن مصائب قوم عند قوم فوائد!

احتاجت فيليسيا لبضعة ايام كي تستعيد هدوئها بعد لقائها ببلان وسماع تصريحاته الأخيرة . ومن جديد عادت الى حياتها الاعتيادية , ببهجة وبراءة , ملبية الدعوات واقامة الحفلات لاصدقائها في منزلها .
كانت تتسلى وتلهو كالعادة, لكنها لم تتمكن من نسيان مشاكل اخيها . اشتاقت اليه كثيراً , فقد ذهب مع فرقته لاجراء المناورات الشهرية , لكنه عنصر مهم في حياتها . وكلما فكرت به ينتهي بها المطاف الى التفكير في نفسها وفي نظرتها الى الوجود, وفي ميلها الى توقع الكثير من الآخرين .ريحانة
كانت تشعر بحاجة ماسة لأن تتحدث مع أحد حول تطورات علاقة بلان ونورا , وتناقشها معه, لكنها فضلت الصمت. حتى أنيتا الكتومة تجهل هذه القصة كلياً.
كل مساء تميل الى الحديث مع والدها, فهي تلجأ دائماً اليه عندما تكون بحاجة الى نصيحة او اطمئنان, لكنها وجدت نفسها غير قادرة ان تحدثه عن موضوع بلان. اما الكولونيل فلم يكن غافلاً بل كان يرى تصرفات ابنه الطائشة , لكنه لم يكن يكترث كثيراً بالأمر معتبراً ذلك امراً عابراً.
اخيراً وجدت فيليسيا الجواب من أنيتا بصورة غير مباشرة. اذ قالت لها صباح اليوم عندما دخلت الى غرفتها :
- اتصل بك امس ديفيد كولسون ثلاث مرات وكنت غائبة عن المنزل . لقد انهى التنقيب والحفريات .
ديفيد كولسون هو من الأشخاص النادرين الذين تثق بهم فيليسيا كلياً . يبلغ الثامنة والعشرين من العمر, عازب, ومرتاح مادياً. لكنه وللأسف يعاني من الأمرين من والدته الأنانية والامتلاكية . فبعد مغامرة بلان ونورا العاطفية وعدت فيليسيا نفسها بأن تعطي لحياتها المتهاونة معنى اكبر. وفكرت انها اذا تزوجت ونجح زواجها , فسيفعل بلان مثلها . وسألت الخادمة :منتديات ليلاس
- هل ترك لي كلمة ؟
- سيمر بك اليوم بعد الغداء. بامكاني ان اقول له انك لست هنا.
- كلا, سأكون هنا وانتظره .ريحانة
وصل ديفيد مباشرة بعد انتهائها من الغداء, كانت بشرته سمراء لوحتها الشمس ويبدو متعباً جداً. أسرع نحو الفتاة , وضع يديها بين يديه وقال :
- فيليسيا , عزيزتي ,اشتقت اليك كثيراً. يجب ان تتزوجيني !
دهشت ونظرت اليه وقالت :
- لكن لماذا ؟

Rehana 09-12-23 06:51 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- لأسباب طبيعية وحتمية : أنت فتاة جميلة, ذكية وأنيقة وتتمتع بكل الصفات المحببة لي ولأنني احبك , طبعاً.
قالت ما جاء في بالها :
- أنا لا احب والدتك !
- واي علاقة لها ؟ انت لا تتزوجين والدتي .
لاحظت انه مد يده الى شعره بعصبية , كما يفعل دائماً عندما يخسر في لعبة الغولف.
- لكن بلى ! عندما اتزوجك يعني بأنني اقبل العيش معها , واعتبرها بمثابة أم لي ايضاً!
- اذن ترفضين !
- احبك كثيراً, لكن الزواج بالنسبة لي, قد يدوم مدى الحياة !
- الطلاق ليس من عاداتي , هذه أول مرة اطلب يد فتاة !
احمرت فيليسيا واضطرات للتصرف بجدية وتواضع وقالت :
- لكن الأمر محال .
- لن تغيري رأيك ؟
- كلا.
وسرعان ما تساءلت اذا كانت على حق في اخذ هذا القرار النهائي . لقد سبق ورفضت كل طلبات الزواج التي تقدمت لها ولعل جوابها اصبح عادة وحسب. ديفيد رجل محترم, لكن القدر وهبه اماً متسلطة وسرية. للأسف ستشتاق اليه وغياب بلان ايضاً يزيد من كآبتها .منتديات ليلاس
عاد اخوها فجأة ذات مساء بينما كان الوكولونيل وزوجته يقضيان السهرة برفقة اصدقاء لهما . ولما نزلت فيليسيا من غرفتها لتناول العشاء رأته جالساً على المقعد, نصف ممدد ورافعاً قدمه على احد المسندين . كانت ملامح الارهاق واضحة على وجهه , ولدى رؤيته عرفت فيليسيا ان شراً ما قد حصل . لما رآها رمى على الطاولة المنخفضة ظرفاً كبيراً رسمياً . ثم قال :
- استلمت هذا الظرف صباح اليوم لدى عودتي من المناورات الشهرية. انه يحتوي على معاملات الطلاق الي باشر بها السيد ستافوردلي بناء على طلب محاميه . ولذلك جئت الى هنا بأسرع ما يمكن . انه يتهمني بالتآمر والزنى .
كانت فيليسيا متوترة , ومحتارة بين رغبتها في تهدئة روعه وبين ان تطلب منه التصرف كرجل ناضج. اخيراً قالت له ببطء ونعومة :
- يجب ان تعلم ابي بالأمر.
- اعرف. ماذا سأفعل اذا اصيب بصدمة قوية او بذبحة قلبية !
- كلا, لا اعتقد ذلك. جئت في الوقت المناسب . والدنا الآن يتناول العشاء مع والدتي بمزاج طيب. جئت تماماً وقت العشاء , هيا نأكل معاً.ريحانة
اطلع بلان والده الكولونيل على الأمر مفصلاً , فقال الوالد:
- لو لم تكن هذه القضية محزنة لكنت سعيداً لأنها حصلت لك. آن لك ان تتصرف كرجل وتتحرر من السجن الذي وضعتك والدتك فيه كل هذه السنوات .
استقبل الوالد الخبر بكل هدوء وأعاد المغلف الى ابنه بعدما قرأ محتوياته . فشعر بلان بالخجل واجاب باحترام :
- انا آسف لما حصل يا ابي . كنت تريدني ان امارس السياسة في المستقبل القريب. لذلك اخشى ان يؤثر هذا الحادث على امكانية تحقيق هذا الهدف الذي رسمته لي.
- للأسف , لأنك لم تفكر بالأمر مسبقاً. سأتصل حالاً بمحامينا, السيد ادوارد كلاو.

Rehana 09-12-23 06:51 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
ولما غادر الكولونيل الصالون ليخابر المحامي , اسرعت زوجته نحو ابنها واخذته بين ذراعيها وقالت :
- حبيبي , لا تتأثر كثيراً لما حصل , سنخرجك من هذا المأزق . المهم انك عدت الى المنزل . لقد سئمت فراقك , يا ابني الحبيب .
غضبت فيليسيا لهذا التصرف وخرجت من الصالون تتمنى لو كانت مثل والدتها متفائلة تجاه هذه القضية . وبطبيعة الأمر كان بلان مسروراً لأن والدته تداعبه وتخفف عن همومه .منتديات ليلاس
وصل ادوارد كلاو , محامي العائلة , الى منزل الكولونيل في مساء اليوم التالي . وعلى مائدة الطعام أعلن قائلاً :
- سأتصل بمحامي السيد ستافوردلي لأرى اذا كان ممكناً حل هذه القضية حلاً ودياً . وبالتالي تحاشي المحكمة . الطلاق سيأخذ اجراءاته القانونية الاعتيادية , لكن لن يذكر فيه اسم بلان , غير انني لا استطيع ان اعدكم بشيء.
فقالت له الكولونيل:
- في هذه الحال سأتصل بكورتيس مونرو كي يدافع عن بلان .
- اخشى الا تكون هذه الدعوى تهم كورتيس مونرو . لكن من الممكن اقناعه لأنه ... اعتقد انه صديق قديم للسيدة ستافوردلي .منتديات ليلاس
فقالت فيليسيا لنفسها : " ومن ليس صديقاً للسيدة ستافوردلي "
بعد محاولات عديدة وباطلة للاتصال بالسيد كورتيس مونرو , قرر الكولونيل دعوته الى قضاء عطلة الاسبوع في هذا المنزل القروي. وافق مونرو , نعم ابراج نورتن هو المكان المثالي لاقامة حديث جدي ومثير . لقد حافظ هذا المنزل على طرازه القديم بالرغم من الديكور الحديث الذي ادخل عليه . فألحق بكل غرفة قاعة استقبال وحمام .
كورتيس مونرو سيصل الى القرية مساء الجمعة , آتياً من لندن . ولم تكن فيليسيا تريد الا شيئاً واحداً: ان يصل بسرعة ويرحل بسرعة . تخاف ان يفسد بوجوده هذه العطلة الاسبوعية التي ارادت تمضيتها برفقة اخيها ووالديها كالعادة, من دون عنصر غريب. وبينما كانت ترتدي ملابسها استعداداً للعشاء, حاولت فيليسيا ان تتصور المحامي الشاب وتتذكر ما سمعت عنه . لا شك انه شاب وسيم. في حوالي الثلاثين من العمر وبالرغم من صغر سنه فهو يعتبرالآن من اشهر المحامين الشباب المنتسبين الى نقابة المحامين في لندن .منتديات ليلاس
دخلت انيتا لتسأل فيليسيا اذا كانت بحاجة الى شيء , فأجابتها بعبوس :
- لست في مزاج لاستقبال الضيوف . كنت افضل لو باستطاعتي البقاء في غرفتي , اقرأ واسمع الموسيقى . ارجوك ان تساعديني في رفع شعري كعكة .
- لم ارك من قبل تخافين من الرجال !
- كيف ؟! عن ماذا تتكلمين ؟
- معروف ان كورتيس مونرو هو اهم رجل عازب في لندن الآن بالنسبة اليك , انه وجه جديد. انت بحاجة الى معارف واسعة النطاق لتجدي لنفسك زوجاً مثالياً.
غضبت فيليسيا وقالت :
- ومن قال لك انني ابحث عن زوج ؟
- اذا كنت لا تبحثين عن زوج, فآن لك , اذن , ان تبدأي بالبحث عنه . لم ار فتاة بحاجة ماسة الى الزواج مثلك !
- شكراً , لم اكن اتصور انني على درجة واسعة من الكبت. انيتا انت حية سامة !

Rehana 09-12-23 06:51 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- ألسنا كلنا هكذا ؟ لكن انت , انت الألطف.
- يا عزيزتي انيتا, المديح لا يؤثر بي. سأكون لطيفة مع السيد كورتيس مونرو ما دام ضيفنا , لكن لن اتخطى الاياقة الاعتيادية .
قالت انيتا بجدية قبل ان تغادر الغرفة :
- سنرى ذلك !
قررت فيليسيا النزول الى قاعة الاستقبال باكراً لعل السهرة تنتهي بسرعة , ما دام بلان لن يأتي الا صباح الغد. وما ان وطأت قدماها أسفل السلالم حتى وجدت نفسها امام رجل ممشوق القامة يستعد للدخول الى الصالون. التفت اليها وابتسامة ناعمة على شفتيه .
تقدمت نحوه بتردد وفستانها الطويل يتموج بأناقة حول كاحليها ثم نظرت اليه بعينيها الزرقاوين البريئتين الهادئتين ولاحظته كيف يتأملها بتفصيل سري غريب.
لقد تعرف كورتيس مونرو الى العديد من النساء خلال حياته المهنية القصيرة والساطعة . لكنه لم يلتق بامرأة واحدة مثل هذه الفتاة , التي تبدو واثقة كلياً من نفسها . لكنه سرعان ما فكر بأن بعض النساء يمثلن جيداً, لذلك قرر الانتظار كي يتأكد من صدقها .منتديات ليلاس
انه انسان موهوب وذكي وخاصة في اخفاء الاضطراب الداخلي الذي يشعر به . ظل يحدق بالفتاة وهي تقترب منه . فخفق قلبها بجنون , ولم تعد قادرة على الافصاح بكلمة .
- الآنسة فيليسيا فالنورتن , كورتيس مونرو . لا شك ان والدك قد اعلمك بأنه دعاني الى قضاء عطلة الاسبوع في منزله .
مدت له يدها وقالت :
- آمل ان تستمتع باقامتك معنا .
- انا اكيد من ذلك.
ابتسم لها بعد ان صافحها بنعومة . فاضطربت واندهشت . وبينما كانت تتوجه الى الصالون برفقة المحامي , لاحظت بوعي حسي شكله الخارجي : قامة ممشوقة وكتفان عريضان ووجه اسمر ذو ملامح نضرة .
وخلال العشاء فوجئت بنفسها وهي تحدق به, لا ارادياً, وكأنها تحت تأثير المخدر. ولما اشتبكت نظراتهما , شعرت من جديد بضعف غريب فاضطرت الى ابعاد نظرها عن هذا الضيف الذي يتلألأ قوة وحيوية . غضبت من نفسها . لماذا هذا الرجل يؤثر بها الى هذه الدرجة ؟ لم يسبق ان شعرت بذلك مع أي رجل من قبل.
نجاحه في مهنة المحاماة لم يدهش فيليسيا كثيراً . فالانسان يشعر تجاهه بالثقة التامة . يعبر عما يريد بذكاء وفكاهة ويتمتع بموهبة نادرة في ايجاد الكلمات وكيفية استعمالها . لقد سيطر وجوده على الاجتماع بشكل طبيعي . انه في الحقيقة , يتمتع بشخصية فريدة من نوعها , شخصية جذابة ومشوقة . فانسحرت فيليسيا به تلقائياً وببساطة كلية. وكان واضحاً ايضاً ان والدها قد سر بحديثه المثير واعجب ببريق ذكائه ومرونته . وكان يأمل من كل قلبه ان يقبل مونرو في الدفاع عن بلان .
وألفيرا فالنورتن , من جهتها كانت مسحورة بجاذبية المحامي. كالزهرة التي تتفتح في الشمس. وصوته الناعم المبحوح جعلها تضحك مرات عديدة.
بعد العشاء عادت الأمرأتان الى الصالون , وبقي الرجلان على انفراد في حديث عملي .ريحانة
فقالت فيليسيا لوالدتها :
- الا تجدين ان الرجال الذين يمارسون مهناً حرة, كالمحامين والأطباء , تكون عشرتهم صعبة .

Rehana 09-12-23 06:52 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- هل تقصدين كورتيس مونرو , ام تتكلمين بصورة عامة ؟
ضمت فيليسيا يديها حول ركبتيها وقالت , وهي تنظر الى نار المدفأة :
- وهذا وذاك من دون شك , اريد ان اقول ان هذا النوع من البشر يتمتعون بخبرة واسعة , كأنهم يرون في اعماق الآخرين . هذا امر مزعج ووقح ويثير الارتياب.
شرحت لها الفيرا بنعومة :
- الرجال الذين يتمتعون بخبرة واسعة غالباً ما يفعلون هذا النوع من التأثير عند الشباب مثلك . واتصور ان كورتيس مونرو رجل مثير جذاب وفريد من نوعه . وأنا اكيدة ان الجميع ينظرون اليه بهذا المنظار. كما اعتقد ان حياته المهنية منعته حتى الآن من الزواج .
- لا شك ان هذا الرجل خال من اي عاطفة . انه كالآلة .
- هل انجرح شعورك لأنه اعارني انتباهاً اكثر منك خلال العشاء. اتصور انه يخفي قدرته العاطفية القوية وراء قناع كثيف , وذلك بسبب نظام داخلي قوي اخذه على نفسه . يعرف كل الأجوبة ومستعد ان يصل تماماً الى حيثما يريد , لكنه لن يذهب أبعد من ذلك .
وقبل ان تغط فيليسيا بنوم عميق ظل حضور كورتيس مونرو يحتل مخيلتها , خاصة بنظرته القوية الغامضة.ريحانة
وفي صباح اليوم التالي نهضت باكراً لتأخذ حصانها في نزهة صباحية اعتيادية . كان الجو منعشاً ومعطراً برائحة الورد. ما ان وصلت الى الاسطبل حتى رأت كورتيس يصعد بسهولة على احد احصنة الكولونيل . ابتسم لها , ومن جديد لاحظت كم هو جذاب وأنيق خاصة في بزة الفروسية .
- صباح الخير آنسة فالنورتن. هل تسمحين لي بمرافقتك ؟
اجابت بارتياح :منتديات ليلاس
- اذا تمكنت من تحملي.
كانت النزهة رائعة وفرح فيليسيا لا يضاهي . لن تنسى ابداً هذه النزهة على الحصان والريح تداعب بلطف وجهها المتألق . الرجل بجانبها يتكلم قليلاً, وعندما يبتسم لها كانت تمتلئ بالسعادة الكبرى . ومن حين الى آخر كانت ترمقه بنظرات غريبة معجبة بمظهره , فبدا لها منغمساً في افكاره وبعيداً جداً وادركت انه من الصعب على امرأة الاحتفاظ به كلياً.منتديات ليلاس
ولما عادا الى الاسطبل , مد يده لمساعدة فيليسيا على النزول عن ظهر حصانها . فاحمرت بعنف وتوقفت انفاسها . يداه كانتا قويتين وناعمتين في آن واحد.
- شكراً , آنسة فالنورتن , لهذه النزهة الرائعة .
شكرته بدورها ثم قالت :
- اشعر بالجوع وأنت ؟
- وأنا كذلك ! نتناول الفطور معاً ؟
- ولم لا نغير ملابسنا قبل الطعام ؟
أكلا الخبز المحمص والبيض المقلي ثم دعت الفتاة المحامي الى احتساء القهوة على الشرفة. اشعل كورتيس سيكاراً ثم سأل فيليسيا :
- هل تقومين بهذه النزهة الصباحية يومياً , هل انت مخطوبة ؟
- كلا, احب هذا المنزل كثيراً.
- انه فعلاً رائع. هل بامكاني زيارته معك ؟
ترددت لحظة ثم قالت :
- طبعاً, الآن ؟

Rehana 09-12-23 06:52 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- ولم لا ؟
- صعدا معاً سلماً متعرجاً مبنياً من الحجارة , الى قمة احد الأبراج, مطلاً على منظر خلاب للقرية المجاورة . وراح كورتيس يصغي اليها بامعان وهي تروي له القصص الفكاهية التي كانت تدور المنزل خلال بعض الأزمنة التاريخية . ثم ادخلته الى قاعة اللوحات . وتوقف كورتيس امام لوحة تمثل التوأمين عندما كانا في الثالثة من العمر . ضحكت فيليسيا وقالت :
- بلان يكره هذه الصورة . لأنه يعتقد انه يشبه البنات فيها .
- هذا يفسر جهوده الحالية لاثبات العكس. حدثيني عنه, من فضلك.
- إنه انسان طيب جداً. رياضي وفارس من الدرجة الاولى . يسبح كالسمك ويحب لعبة الروكبي ويفهم بميكانيك السيارات , هل اكمل الحديث.
ضحك وقال بسخرية :
- لقد اقتنعت بأنه رجل...
وبجدية سألته بصراحة :
- هل ستوافق على الدفاع عنه؟ والدي يريد من بلان ان يدخل سلك السياسة في المستقبل ولهذا السبب من المهم ان يدافع عنه رجل مثلك.منتديات ليلاس
- لكنني اجد انه من الأفضل عليه الا يخرج من هذا المأزق بسهولة . كما لست اكيداً بأن اخيك هو من نوع الرجال الذين تحتاجهم الادارة السياسية في هذا البلد . الابن المدلل لأم امتلاكية , ليس مرشحاً انتخبه.
- انت حاد الذهن .
- هذا جزء من مهنتي , استطيع تحليل زبائني وأعرف ما يوجد وراء المظاهر . واخوك سهل اكتشافه . زرته قبل أن آتي الى هنا ويعتبر نفسه غير مسؤول عما حدث.
ابتسم ولاحظت فيليسا مرة اخرى كم هو جذاب . نظرت اليه بأمل وقال :
- هل استنتج انك قررت مساعدته ؟
- ما دمت امثل السيدة ستافوردلي , فليس لدي اختيار.

نهاية الفصل

Rehana 12-12-23 08:05 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
3- ليس في الحب منطق واضح , او وصفة ثابتة , فهو اما أن يحدث او لا يحدث , يأتي أو لا يأتي , وليس هناك بين بين ... هذا ما اكتشفته فيليسا بعد سقوطها على ارض الملعب!

وصل بلان مباشرة بعد الغداء وقضى مع والده والمحامي كل فترة بعد الظهر في غرفة المكتبة. وعندما اتصل بها ديفيد كولسون ليدعوها الى العشاء والى المسرح وافقت فيليسا بكل طيبة خاطر.ريحانة
اعجبتها المسرحية وكان بطلها احد ممثليها المشهورين , والمطعم الذي توجهت اليه مع ديفيد بعد انتهاء المسرحية كان مكتظاً بالزبائن , لكن ديفيد كان قد حجز لهما طاولة على الشرفة. وشيئاً فشيئاً بدأ الفرح يتضاءل فيها بسبب التوتر الواضح لدى ديفيد . اخيراً امسك يدها وقال :
- فيليسا , يجب ان تتزوجيني . احاول بكل قواي ان ابعدك عن افكاري, لكن ذلك مستحيل. لا استطيع ان اركز في أي شيء . احبك ... عديني بأن تتزوجيني . لن اطلب شيئاً منك في الوقت الحاضر, اذا اردت الانتظار . لكن الا يمكننا ان نعقد خطوبتنا ؟
كان صوته ملحاً ومليئاً بالخيبة . اجابته :
- ارجوك يا ديفيد , اسكت .منتديات ليلاس
نهضت فجأة وأقطارها تتطاير في كل اتجاهات . هل تعطي لنفسها وقتاً للتفكير بهذا العرض أم تلغيه نهائياً. فبالرغم من اخطائه ديفيد رجل صادق وشريف. واذا افترق عن امه, ربما اصبح الرجل الذي ترغب بالزواج منه . والداها سيفرحان للخبر, لكن هي نفسها هل ستفرح ؟ كانت فيليسا خائفة ان ترمي نفسها في مغامرة لا تحمد عقباها , همست تقول :
- اريد العودة الى المنزل.
توجهت الى السيارة فتبعها ثم ارغمها على النظر اليه وجهاً لوجه وقال :
- فيليسا , آسف اذا كنت قد شوشت افكارك من دون قصد او سوء نية. ولكن عندما رأيتك هذا المساء, جميلة وفي الوقت نفسه منيعة , عرفت الى اي درجة ارغبك.
كان صوته عفيفاً ومتواضعاً ولامت فيليسا نفسها لأنها آذته . فقالت بصوت لين :
- تتصرف كالصغار , تريد ما لا يمكنك الحصول عليه .
تقلصت يدا ديفيد على ذراعيها وقال :
- لا تمزحي . انا جدي كلياً .
- وانا كذلك . لنذهب الآن , من فضلك .ريحانة
وبعد ان اوصلها الى ابراج نورتن , توجهت فيليسا نحو الحديقة . فهي بحاجة الى هواء منعش ونظيف . سلكت ممشى مظللاً تلتف الورود حول اعمدته وجلست على مقعد مبنى من حجر , وراحت تفكر بواقعها الحزين .

Rehana 12-12-23 08:07 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
لقد سبق وطلب يدها العديد من الرجال , لكن لا واحد يمثل لها ذكريات جميلة مثل ديفيد. انه يذكرها ببلان, وربما لذلك تشعر بالحزن لأنها رفضته . صحيح انه رقيق مسل وطيب, لكنه بعيد جداً عن الزوج المثالي . في الواقع لم ترسم فيليسا لنفسها صورة واضحة عن زوج المستقبل, مع انها كانت مقتنعة بأن ديفيد ليس الرجل الذي يمكنها ان تكون زوجته واماً لأولاده.
تنهدت وانتفضت لسماعها ضجة قريبة وواضحة في هذا الليل المنعش . صوت خطوات حازمة تقترب منها . رفعت رأسها بسرعة ورأت ضوء سيكار , ثم ميزت وجه الذي يدخنه . ومن جديد شعرت بنبضات قلبها المتلاحقة بسرعة جنونية . جلس كورتيس مونرو قربها وقال :
- للأسف , لم يتمكن هذا الرجل الذي اوصلك من البقاء . هذا اجمل وقت للسهرة .
اجابته بعدائية :
- هذا رأيك الخاص.
- طبعاً . هل هو اخرس , اعمى ام اصم؟
صدمت فيليسا لكلامه الوقح , واضطربت ايضاً لشعورها بأنها مختلفة كلياً عن النساء اللواتي اعتاد معاشرتهن. فهي ساذجة ومن دون دفاع . كان صوتها بارداً عندما قالت :
- بما انك ضيفنا , من المستحيل ان ابرهن لك الى أي درجة اعارض تطفلك , لكنني اسمح لنفسي ان اذكرك بأنني حرة . وليس عندي شيء ضد احد.ريحانة
- صحيح الا تشعرين بالوحدة ؟
فجأة امسك ذراعها تحت الشال الحريري وقال :
- آه , انت بردانة , ايتها المجنونة, هل تصرين على الاصابة بالزكام ؟ تعالي لندخل.
اطفأ سيكاره ثم ساعد فيليسا على النهوض. نعم, لقد احست بالبرد منذ قليل , لكنها لم تهتم في حينه لشدة اضطرابها لأشياء الجديدة التي تحدث لها . نهضت ومشت بصمت قربه خافضة الرأس .
- كنت في الحرس الملكي عندما كنت صبياً . واعتقد انك كنت حينذاك في الصف الابتدائي الأول.
- عمري 25 سنة !
- آه ! تبدين في الثامنة عشر.
- طبعاً, ليس لدي تجربتك .
- بالضبط , ولا عمري . انا في الواحدة والثلاثين من العمر.
- ماذا جرى في الحرس الملكي , هل طردت ؟
ضحك وقال :
- كلا , بل قدمت استقالتي . اتهم والدي خطأ بأنه زور حسابات احدى شركاته. والمحامي الذي وكله كان فاشلاً ولم ينجح في تبرئته . فمات ابي بالذبحة القلبية من شدة الصدمة. لم يدرك اذن رد الاعتبار اليه ... ولذلك قررت الانطلاق في سلك المحاماة , وامارس وظيفتي هذه منذ اربع سنوات .
وصلا الى المنزل . ولما أرادت ان تعتذر منه , لم يترك لها المجال لذلك . كانت على وشك الككلام عندما قال لها :
- تصبحين على خير , آنسة فالنورتن. لا تبقي في الهواء البارد وخذي شراباً ساخناً قبل النوم . نامي جيداً.
بدأ نهار الأحد جميلاً وممتعاً, وخاصة خلال النزهة الصابحية الاعتيادية التي قضتها فيليسا مع اخيها وكورتيس مونرو . كان بلان معجباً بمحامي دفاعه .

Rehana 12-12-23 08:07 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وبعد الغداء ذهبت فيليسا مع بلان الى ملعب كرة المضرب. فقال لها ببراءة سليمة النية :
- اتمنى لو كنت املك ذكاءه.
- لا شك ان ذكاءك شبيه بذكائه . لكنه تدرب كثيراً حتى اصبح عقله مسنوناً مثل الشفرة . هذا كل ما في الامر.
نظر اليها بلان حالماً وسألها :
- تحبينه , اليس كذلك؟
هزت كتفيها وقالت :
- لا احبه ولا اكرهه.
نظر بلان الى اخته مطولاً : المنديل الأزرق على شعرها والقميص الحريري الكريمي يظهر مفاتنها وخصرها النحيل ووركيها الضيقين , ثم اعلن بهدوء:
- اراهن بأنك تعجبينه .منتديات ليلاس
- لا اعتقد ذلك . كورتيس غير معجب بأي منا .
ولما وصلا الى ملعب كرة المضرب استاءت فيليسا لأنهما على مرمى نظر والديها وكرتيس مونرو وقد جلسوا على الشرفة المقابلة . وشعرت بعدائية خفية على وشك الظهور . وقفت وظهرها نحو الشرفة , وركزت على اللعب السريع لمدة ربع ساعة من دون ان يشرد ذهنها . وبعد انتهاء الجولة الأولى صار مفروضاً عليها ان تغير مكانها وتصبح مواجهة للشرفة. فلاحظت ان الجالسين فيها يستمتعون باللعب بشكل حماسي اكيد.
وبالرغم من الجهود التي بذلتها لمقاومة انفعالاتها واللعب بتركيز وبصورة جيدة , فقدت فيليسا برودة اعصابها وراحت ترتكب الأخطاء , الواحد تلو الآخر . وبينما كانت تنحني لالتقاط الطابة , تعثرت وسقطت على جنبها علماً بأن ارض الملعب قاسية .
ويلمح البصر قفز فوق الشبكة وانحنى بقلق واضح قائلاً :
- هل تشعرين بالألم ؟
حاولت الابتسام من دون جدوى . طاش رأسها لشدة الصدمة, فحملها من كتفيها فقالت بضعف:
- لن يحدث مكروه . لا تخف.
وصل كورتيس مورنرو بدوره, وساعدها على تمديد قدميها الطويلتين , باحثاً بأصابعه الماهرة عن الأماكن المرضوضة . ابتسمت له بشحوب قائلة :
- انا على ما يرام .
لاحظ شحوب وجهها , فحملها وقال :
- سأنقلك الى داخل المنزل . انت تحت تأثير الصدمة وبحاجة الى الراحة.
رفعها بسهولة وتوجه بها نحو المنزل بخطى سريعة ولما وصلا الى الشرفة , نهض الكولونيل وزوجته , فقال لهما :
- ما تزال تحت تأثير الصدمة وبحاجة الى الراحة قليلاً.
استعادت فيليسا انفاسها وابتسمت وقالت :
- ليس هناك من كسر.
هز والداها رأسيهما ولم يقولا شيئاً , بل نظرا وهما يدخلان المنزل . ولما وضعها كورتيس مورنو ببطء ونعومة على سريرها , شعرت بارتياح كبير. لكن سرعان ما عادت الغرفة تدور بها والعرق البارد يتصبب على جبينها . ترنح قلبها وراحت ترتجف , ويداها رطبتان وباردتان .
بدا لها كورتيس ضخماً وهو ينحني فوقها وراء سحابة غريبة. تمنت لو يدعها وشأنها وهذا ما فعل. وبعد قليل عاد حاملاً فنجان شاي. كانت فيليسا تشعر بتحسن كبير . فتمكنت من الجلوس في سريرها .

Rehana 12-12-23 08:09 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
تفحصها كورتيس , عاقد الحاجبين وسألها :
- كيف الحال الآن ؟
- احسن بكثير , شكراً, كنت على حق لحملي الى هنا . تصورت في البداية انك تبالغ . لكن الصدمة كانت قاسية , وفقدت توازني . اما الآن , فأشعر بتحسن ملموس.
- وستشعرين بتحسن اكبر عندما تنتهين من احتساء الشاي.
وضع المساند وراء ظهرها وقدم لها فنجان الشاي, ثم جلس على طرف السرير وابتسامة عريضة على شفتيه . ثم قال :
- يبدو حتمياً انك تضعين كل طاقتك في اللعب . تصورت انك تمزحين بيني وبين الطابة , لأن هجومك كان عدائياً . اليس ما اقوله صحيحاً ؟
ليس من عادة فيليسا ان تخفي الحقيقة . لكنها لم تنطق بكلمة في بادئ الأمر لشدة ما كانت خفقات قلبها سريعة . اخيراً ابتسمت له وقالت :
- افصحت لأمي مساء امس انني اشعر بالانزعاج عندما اكون برفقة الأطباء او المحامين . ليسوا حادي الذهن وحسب, بل متعجرفين احيانا . وأنت تشبههم تماماً.
- اذن كنت على حق, عندما قلت لك انك تمزجين بيني وبين الطابة . احب ان تتمتع المرأة بالأخلاق الحازمة. انه برهان الحيوية النابضة .
امسك ذراع الفتاة اليسرى وبكل نعومة تفحص كوعها المرضوض وقال :
- هل يؤلمك ؟
- ليس تماماً.
- هذا تصريح مهذب يا آنسة فالنورتن. في الجرح بعض الحصى الصغيرة . انا اكيد بأن هذا يؤلمك جداً. هل هناك من ضمادات هنا؟
- في خزانة الصيدلية , في غرفة الحمام.
توجه الى الحمام وبسرعة عاد حاملاً منشفة رطبة وضع عليها سائلاً مطهراً, وضمادة لاصقة .
- ستتألمين قليلاً في البداية . لكنني سأنتهي من معالجتك , بعد دقيقتين .
لمسته كانت شديدة النعومة . ولم تشعر بالألم لشدة فرحها لوجوده قربها . كم هي سريعة التأثر والانفعال امامه . فرض نفسه بسرعة البرق في سماء حياتها الهادئة . حتى الآن لم تجابه رجلاً من طرازه. ومنذ اللقاء الأول وهي لم تكف لحظة عن التفكير به . شعرت بخوف غريب ورائع يحتلها . ارادت ان تداعب شعره الكثيف ووجهه الملائكي . وادركت في الحال , انه الرجل الوحيد الذي يوحي لها بالخوف والحب.
انتفض قلبها بفرح داخل صدرها . هذا الرجل الذي تعرفه منذ اقل من يومين امتلكها كلياً , روحاً وقلباً ... انها تحبه ! شيء لا يصدق . التيارات الكهربائية التي تجتازها كلما لمسها تذكرها بالعوارض العاطفية التي يتحدث عنها الشعراء في كتبهم , انهم على حق. هذا هو الحب .
- والآن , كيف تشعرين ؟
- جيد جداً , شكراً.
نظرت انيتا علها ترى في عينيه توتراً ما . لكنه ابتسم لها بنعومة ولا مبالاة .
دخلت انيتا غرفة فليسيا , وسألت باندهاش :
- ماذا يجري ؟

Rehana 12-12-23 08:12 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- الآنسة فالنورتن وقعت على ملعب كرة القدم, وعليها ان ترتاح الآن .
لاحظت انيتا عيني الفتاة اللامعتين وخديها الحمراوين, فتناولت الصينية وسألت كورتيس:
- هل تريد المزيد من الشاي ؟
- كلا , شكراً . سأترك الآنسة فالنورتن لتستريح قليلاً.
وبعد ان خرج كورتيس صرخت الخادمة معلنة :
- انه رجل بكل ما في الكلمة من معنى !
لم تتذكر فليسيا ما حصل بقية النهار . لا شك انها نامت فترة طويلة . ولما افاقت, اخذت حماماً ساخناً وحضرت نفسها للعشاء, تاركة لأنيتا اختيار الفستان الملائم والتسريحة المناسبة , لأن عقلها كان بعيداً عن الانهماكات المادية البحتة .
ولم تعد الى وعيها الكامل والى مجابهة الواقع الا عندما كانت تهبط السلالم . فقد رأت كورتيس مونرو يصعد نحوها . توقف عندما رآها ولاحظت من جديد الجاذبية القوية النابعة من هذا الرجل.منتديات ليلاس
اضطربت لرؤيته واحمر وجهها . احست بتغيير عميق في داخلها . وادركت في هذه اللحظة بالذات , ان الحب الحقيقي يملأ قلبها .
سألها بصوت مرح :
- والآن , كيف تشعرين ؟
- كل شيء على ما يرام . شكراً . احترم لطفك وأقدره .
بعد العشاء خرجت فليسيا الى الشرفة لتتنشق بعمق روائح الليل. وفكرت بأن حياتها حتى الآن كانت هادئة , وبسيطة وسعدية في هذا المنزل وبرفقة شقيقتها , ورفيق اللعب والسهرات . هل تريد ان تغير نمط حياتها السابق؟ هل ما يعجبها في كورتيس اختلافه الكلي عن بقية اصدقائها , ام شيء آخر؟ بقيت طويلاً تفكر بماضيها السعيد والهادئ . لكنها عادت فجأة الى الحاضر لسماعها اقتراب خطوات حازمة منها . التفتت لترى وراءها كورتيس يطفئ سيكاره ويتوجه نحوها .
قال لها ببطء وهدوء :
- انا عائد الى لندن , آنسة فالنورتن , هل بامكاني ان اشكرك على هذه الاقامة الحلوة التي لا تنسى ؟ لقد امضينا معاً اوقاتاً رائعة .
مد لها يده بابتسامة ساحرة , فراح قلب فليسيا ينبض داخل صدرها . ثم قالت :
- ذاهب الآن ؟
- نعم , هل تحبين مرافقتي الى السيارة ؟
اعطته يدها وتوجها معاً خارج الشرفة .
- منزلكم رائح جداً. انا اعيش كعازب في شقة صغيرة .
- هل عندك اهل وأقارب ؟
- عندي والدة تعيش في باريس . كما لدي خادم بكل شيء من اجل راحتي .
فجأة شعرت فليسيا بالوحدة الباردة , ثم تفوهت بما خطر في بالها:
- هل أنت فرنسي ؟
- والدي فرنسي وأمي انكليزية . بعد وفاة والدي فضلت والدتي ان تعيش في فرنسا.
وصلا الى السيارة فسألها ببساطة:
- هل تقبلين ان ادعوك الى العشاء ذات مساء ؟
فوجئت في البداية , ثم ترددت , لكنها لم تقدر على تحمل فكرة عدم رؤيته مرة اخرى , فهمست تقول :
- نعم , ولم لا؟!
- ولم لا يكون موعدنا الخميس المقبل ؟ سآتي الى هنا في السادسة ثم نذهب الى لندن, نحضر معاً مسرحية جديدة ثم نذهب الى العشاء.هل تعتقدين انه بامكانك مناداتي كورتيس يا فيليسا ؟
وافقت على كل شيء . احست بيد تضغط على يدها بشدة ورأت اسنانه البيضاء في ابتسامة اخيرة , ثم سمعته يقول :
- الى الخميس اذن , ولا تنسي ان تطلبي من انيتا ان تغير عن جرحك يومياً . عليك العناية بنفسك!

نهاية الفصل

Rehana 19-12-23 06:41 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
4- يبدو كل شيء كسلسلة من المعجرات , العشاء انتهى بدهشة مكبوتة مازالت اثارها حاضرة والرحلة الى باريس رافقها ظهور شخصية امه التي لم تكن اقل ادهاشاً منه بأي حال...

لم تنم فيليسا جيداً تلك الليلة , ولما استيقظت في الصباح كانت تشعر بالتعب. احلامها المشوشة لشدة غموضها ظلت تلاحقها حتى الصباح, عندما فتحت عينيها لترى انيتا تفتح الستائر قائلة :
- انه صباح جميل !
تثاءبت فيليسا والنعاس ما زال يتغلب عليها . واخيراً جلست في سريرها وقالت بابتسامة فرحة :
- دعاني كورتيس مونرو لتناول العشاء معه مساء الخميس.
سألتها انيتا وهي تضع الصينية قرب الفتاة :
- وقبلت دعوته ؟
- نعم , هل فوجئت؟

Rehana 19-12-23 06:41 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- لو رفضت دعوته لأعتبرتك حمقاء. كورتيس رجل يناسب متطلباتك, انه يشبهك بشكل عام, فهو يتمتع بارادة شخصية ويفعل بالضبط ما يريده .
- ربما , لكنه لن يفعل ما يريد بي.
- ربما ...
- انيتا ! ما بك هذا الصباح ؟ آه تبتسمين ! هذا يعني انك توافقين ؟
- آه, ما زال قلبك ينبض بالعاطفة ... دعيني اقول لك شيئاً : الرجل الذي سيغير طريقة حياتي سيكون حقاً نادراً واستثنائياً.
- وهذه حال كورتيس مونرو .منتديات ليلاس
رفعت فيليسا فنجانها الى فمها وجرعت منه قليلاً , فكاد لسانها ان يحترق لشدة سخونة الشاي, فصرخت غاضبة :
- ليس كورتيس سوى رجلاً عادياً! لماذا يعتقد الناس ان المرأة العازبة تتمنى الزواج بفارغ الصبر؟ انا احب حياتي الحاضرة كثيراً ولا انوي تغييرها . لماذا ينبغي عليّ ان اهجر هذه الحياة الهنيئة من اجل حياة اخرى مجهولة ؟
- لأنك لا تستطيعين الحفاظ على قطعة الحلوى , وأكلها في الوقت نفسه !
قالت الخادمة هذا الكلام , ثم اختفت خارج الغرفة .
انتظرت فيليسا نهار الخميس بشعور متلهف لذيذ , لم تبح به لأحد . ومساء الاربعاء شعرت بالخوف يحتلها لمجرد التفكير في رؤية كورتيس مونرو من جديد, واحست بالذعر لفقدانها هويتها الشخصية, لشدة ما سيطر هذا الرجل على حياتها منذ اقامته العابرة في منزل والدها .
في المساء, خرج الكولونيل وزوجته للسهرة, فتناولت فيليسا العشاء وحدها ثم قررت القيام بنزهة صغيرة في الحديقة, لعلها تتمكن من اعادة الهدوء والسكينة الى قلبها .
خارج المنزل المليء بالذكريات , حاولت فيليسا التفكير منطقياً وبتجرد تام . وتبين لها ان كورتيس مونرو رجل يحب السيطرة على الجنس اللطيف. والحياة عملية صعبة جداً, وهي , ماذا تريد حقاً من هذه الحياة ؟ هل تريد زوجاً واولاداً ؟ وتأكدت انه من المستحيل ان تقبل بالزواج من ديفيد كولسن , لأنها لا تشعر بالحب تجاهه. ولو كان زواجهما عصرياً وبسيطاً , لكنه سيكون خال من الحرارة والحب. اما الحياة مع كورتيس فستكون مختلفة كلياً. صحيح ان ديفيد لن يطلب منها الا القليل , لكن كورتيس سيأخذ منها الكثير , بل كل شيء . ولن يعود لها وجود الا من خلاله . ستمنحه وستستمر في العطاء غير قادرة على مقاومة نفسها . نعم كورتيس مونرو سيسطر عليها حتى الاحتلال التام . فاذا وافقت فيليسا على تلبية دعوة كورتيس الى العشاء, هذا يعني ان لقاءها معه سيؤثر على حياتها كلها .
ظلت تمشي في الحديقة كالعمياء , لا تسمع شيئاً ولا ترى ما يدور حولها . وكل هذا بسبب كورتيس مونرو . لماذا يؤثر عليها الى هذه الدرجة ؟ وعرفت الجواب على سؤالها في الحال , بينها وبين كورتيس تشابه قوي وعنيف. حتى ولو رفضت رؤيته , فسيظل موجوداً في داخلها ولن تتمكن ابداً من التحرر منه بصورة قاطعة .
ولما دخلت فيليسا الى المنزل كان الخوف قد احتلها كلياً. الآن ام ابداً ... اسرعت الى الهاتف واتصلت بكورتيس في منزله . رد الخادم عليها واعلمها بانه مازال خارج المنزل, فوكلته ان يعلم سيده بأنها لن تستطيع تلبية دعوته الى العشاء مساء الغد , وطلبت منه ان يقدم له الاعتذار والشكر. ثم اقفلت الخط واحست بضرورة الجلوس.

Rehana 19-12-23 06:42 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
خارت قدماها وظلت جالسة مكانها وقتاً طويلاً قبل ان تشعر بالارتياح , ثم بدأت برسم تخطيط جديد.
لا يجب ان تعرف انيتا انها عدلت عن الذهاب الى العشاء مع كورتيس . سترتدي ملابسها كالمعتاد وتخرج من المنزل ساعة قبل الموعد المحدد لوصول كورتيس . ففي حال قرر المجيء ليطلب تفسيراً منها , تكون قد خرجت .
ولما اوت الى فراشها كانت مصممة الا تغير رأيها , وقررت البدء في محاولة ابعاد كورتيس مونرو عن عقلها وتفكيرها . ونهار الخميس بدا لها طويلا, كأنه لن ينحسر بسهولة . فصرفت جهداً كبيراً في تنفيذ خطتها والتصرف طبيعياً كي لا توقظ الشبهات . فاختارت لنفسها ثوباً طويلاً , يليق بلون شعرها الذهبي وعينيها ا زلزرقاوين , ازرقاللون , ومخرم بالخيوط الذهبية الناعمة . وبصمت مفتعل راحت تميل نظرها في انيتا وهي تسرح شعرها وتختار زينتها ومجوهراتها وانيتا تساعدها في كل شيء .
القت الخادمة نظرها الى ساعة يدها وقالت :
- لا اعتقد ان السيد مونرو على ذهابك الى لندن للقائه , خاصة انك ستضطرين الى قيادة السيارة وحدك في هذه الساعة المتأخرة . لو كنت مكانك لانتظرته هنا. لماذا المخاطرة ؟ ربما يكون قد خرج عندما تصلين ؟
شعرت فيليسا بالخوف, لكنها اجابت بعصبية :
- انه يعرف انني اقود سيارتي بحكمة وتريث , ولا ادع مجالاً للمخاطرة. وكم مرة ذهبت الى لندن, في سيارتي خلال الليل ؟ على كل حال , كورتيس غير متأكد ان في استطاعته التحرر من زبائنه في الوقت المحدد. ولا شك انه مايزال في المحكمة حتى هذا الوقت .
شعرت فيليسا بأنها سيطرت على الموقف . بعد قليل ستستقل سيارتها وتقودها بعيداً عن هذا المنزل , بعيداً عن كورتيس مونرو .
الى اين تذهب ؟ لم تفكر بذلك. فجأة سمعت صوت محرك سيارة . اسرعت الخادمة الى النافذة وصرخت اندهاشاً :
- هل تراهنين معي ؟ لقد جاء في الوقت المحدد !
- ماذا تقواين ؟ من جاء في الوقت المحدد ؟
- نعم , انت على حق . انها سيارة السيد مونرو , لكنه لم يتمكن من المجيء بنفسه . السائق , لا شك انه زهنري ... خادمه ...
اغمضت فيليسا عينيها وتقلصت امام منضدة الزينة , ثم قالت بارتباك :
- ماذا ؟ ومن قال لك ان كورتيس وظف لنفسه خادماً يدعى هنري؟
- آه , نسيت . لقد اتصل هنري صباح اليوم, ليعرف ما اذا كنت قد غيرت رأيك بخصوص الموعد واخبرني بأنك اتصلت مساء امس لتعتذري عن عدم تمكنك من الحضور.
جمدت فيليسا مكانها, من دون حركة . فالصدمة كانت عنيفة . واخيراً تمكنت من القول :
- لكن , لم تخبريني شيئاً ... لم ... ابداً...
- قلت له على الهاتف : واضح انه لا يمكن لأي فتاة ذكية ان تتخلف عن موعد مع كورتيس مونرو . الم نتحدث في ذلك صباح اليوم.
- لكن , انيتا , لم تكلميني بالأمر , لقد ...
مع ذلك لم تكن انيتا تصغي لكلام فيليسا , منهمكة بما حولها وهي تقول :
- لن تدعي هذا الرجل ينتظر طويلا . هذه حقيبة يدك , وضعت في داخلها منديلا نظيفاً . هيا , اتمنى لك سهرة جميلة . تصبحين على خير.

Rehana 19-12-23 06:42 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
بدا هنري في حيرة في امره, وراح ينظر الى الفتاة باعجاب قبل ان يقول لها بلباقة :
- انا تحت تصرفك يا آنسة . انشغل السيد كورتيس مونرو في المحكمة ووكلني بمرافقتك الى مكتبه حيث ينتظرك .
جلست فيليسا في المقعد الخلفي داخل السيارة الأنيقة يلفها شعور غريب وعادت الى ذاكرتها بحزن المكالمة الهاتفية التي اجرتها نهار امس لالغاء الموعد. هل تصرف هنري مثل انيتا ولم يعلم سيده بأمر هذه المكالمة ؟ لقد خدعها هذان الخادمان اللعينان ! شعرت بحاجة في ان تخرج من السيارة فوراً . لكنها ادركت سخافة ردة فعلها وقررت الاسترخاء.
بدت لها الطريق قصيرة وعندما وصلا امام البناية حيث يقع مكتب كورتيس , ادخل هنري السيارة الى ساحة واسعة , ثم ساعدها بالنزول وقادها الى جناح خاص في الطابق الأول.منتديات ليلاس
رافقها الى غرفة واسعة اثاثها المصنوع من الخشب الغامق والجلد المبطن , يوحي بجو مميز ودعاها للجلوس في مقعد مريح ثم قدم لها كوباً من عصير الفاكهة . ولما سألها ان كانت بحاجة الى شيء آخر , كالموسيقى مثلا , احمر وجهها غضباً.
وما ان خرج هنري من الغرفة حتى شعرت بالاسترخاء وراحت تلوم نفسها على تصرفها المتوتر وشدة عصبيتها . لكن بعدما احتست شرابها احست بتحسن . كل دقيقة انتظار كانت تبدو لها ساعة بكاملها . اخيراً قررت النهوض لتأمل اللوحات المعلقة في الجدار.
ولما وصل كورتيس , رآها واقفة امام لوحة مثيرة . وراح يتأمل جسمها النحيل وفستانها الازرق الانيق . ادارت رأسها , فأشتبكت نظراتهما... هو ادرك للحال جمال فيليسا الفاتن . وبطريقة عفوية راح يلقي بيت شعر بصوته الناعم والساحر متكئاً على حافة الباب :
فتاة الفستان الازرق .
كيف اقاربها ؟
انتظرت كل حياتي لقاءها .
اخاف ان تخاف حين اخطو.
لازورد عينيها حيث الصيف الساطع
يرجو مني ان امضي
مع ذلك انا باق
كي احقق حلمي
واعرف اخيراً
فتاة الفستان الازرق.
اصغت فيليسيا اليه وغمرتها النشوة. وغابت ظنونها وريبتها . فاضطرت الى الاعتراف بانها امام رجل جذاب يتمتع بصوت عميق وجميل . وشعرت بالحماس لأنها ستمضي السهرة برفقته وهو ينظر اليها باعجاب واضح . استعادت ثقتها بنفسها وهي تنتظر بلهفة ابتداء السهرة. ابتسمت له وسألته بنبرة شعرية متأثرة بالجو العاطفي :
- هل يتوصل المرء الى معرفة الآخر معرفة حقيقية ؟
- في كل حال انوي محاولة ذلك. هل هذا يزعجك؟ ولماذا اتصلت هاتفياً ماس امس لإلغاء موعدنا؟
كان صوته ناعماً وخطراً . ومن جديد احست بالاضطراب واحمرت وجنتاها . اخفضت رأسها غاضبة من نفسها لأنها فقدت رباطة جأشها . واخيراً قالت :
- بصراحة , لا اعرف. ربما بسبب ثقتك العمياء بنفسك. انت محمام لامع ولديك , على ما اظن , خبرة واسعة في هذه الحياة . اما انا , فلا خبرة لدي , كل ما تفعله وكل ما تقوله , يظهر عن قوة ارادة وحدة ذهن . وفتاة مسكينة مثلي لا دفاع لديها , اذا قررت مجابهتك بالمثل...

Rehana 19-12-23 06:43 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- هل تخافين مني؟
- شيء من هذا , هل هذا يضايقك ؟
ابتسم ثم قال :
- احاول استجماع افكاري , فيما تقولينه مثير . اكملي , ارجوك .

نظرت اليه ولمحت في وجهه بريقاً مرحاً, لا تشوبه السخرية . مطت شفتيها غضباً كما يفعل الصغار وقالت :
- انني حمقاء , اليس كذلك ؟ وكافرة بالنعمة , فوق ذلك, بينما انت تحاول قدر المستطاع مساعدة اخي ...
- انا اقوم بوظيفتي ولا اطلب عرفان الجميل, وحول الموضوع الآخر , احب ان اوضح لك شيئاً مهماً : انت على حق عندما تقولين بأنني اطلب الكثير من المرأة , لكنني في الوقت نفسه اعطي الكثير ايضاً.
تأبط ذراعها وخرجا معا . كانت السهرة ناجحة , وخلال طريق العودة الى ابراج نورتن , استرجعت فيليسيا كل ما اجبت به في تصرف كورتيس وايقنت انه ابخل عليها بالكلام , مع ان المحامين مشهورين عادة بالثرثرة . لكنها احبت فكاهته وخفة روحه .
ولما وصلا الى المنزل , رفض الدخول بحجة ارتباطه بعمل طارئ . مدت له فيليسيا يدها , فسألها :
- متى اراك ثانية ؟ غداً ؟
- كلا , ليس غداً.
- السبت؟
- نعم , اتفقنا .
ومرة اخرى لم تعد فيليسيا قادرة على مقاومة سحره . خفق قلبها بسرعة جنونية لكنها سحبت يدها من يده وقبل ان يضيف اي شيء ودعته ودخلت الى المنزل .
لم تنم جيداً تلك الليلة . كانت صورة كورتيس لا تغادر مخيلتها وتمنت لو انها لم تعرفه ابداً. قبل ان يدخل الى حياتها , كانت تعشق الايام الهائنة في منزلها القروي الجميل. اما الآن فراحت تتذكر السهرات في ضوء القمر , والنزهات في الهواء الطلق خلال الصباح الباكر, على ظهر حصانها ساندي وفي الشتاء, فوق الثلج البراق الذي يضيء الاشجار والعشب .
صباح اليوم التالي, استلمت فيليسيا باقة جميلة من الورد الاحمر. فأسرع نبضها لرؤية خط كورتيس واسمه. وضعت الازهار في غرفتها , كأنها علامة حمراء فاقعة على الجدران الفاتحة . وكلما وقع نظرها عليها , كان الضعف يحتلها . وخفت ارادتها . وبدا الوقت الذي سفصلهما دهراً لا نهاية له . لم تتمكن من التركيز , فلامت نفسها لعدم قدرتها على مقاومة سحره , ولجهلها سبب حاجتها الملحة لوجوده.
لم يسبق ان احست بهذا الشعور من قبل, تجاه اي رجل آخر . ولم تقدر ان تبوح بذلك لانيتا , صديقتها الوفية ومساعدتها المخلصة , ذلك لأنها كانت تعرف بأن شيئاً مهماً قد طرأ على حياتها , والقرار يعود اليها وحدها .
وغريزياً ادركت فيليسيا ان كورتيس لا يكفي باقامة مغامرات سطحية , بل يتطلب الكثير في اختياره . وتألمت لبعدها الشديد عن والدتها . الن تشعر بالارتياح لو تستطيع ان تفتح لها قلبها ؟ لكنها تعرف جيداً ان والدتها تنظر الى الامور بصورة مختلفة كلياً وانها سترى في كورتيس نصيباً جيداً لابنتها ولن تعي المشكلة الخطرة المطروحة عليها .

Rehana 19-12-23 06:43 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وهكذا مر الوقت . كانت في غرفتها عندما اوقف سيارته امام المدخل .
صرخت انيتا قرب النافذة :
- ها هو !
ثم نظرت الى فيليسيا باعجاب وتأملت فستانها الوردي الباهت المتناسق وعينيها الزرقاوين الواسعتين وبراءة وجهها الفاتن . تقدمت منها وناولتها فروتها وقالت لتشجعها :
- انت رائعة ! لقد جاء بنفسه ... آه ! يا له من رجل جذاب!
حملت فيليسيا حقيبة يدها السوداء وانتظرت لحظة كي يهدأ قلبها , ثم نزلت الى الحديقة للقائه.
ولما جلسا في السيارة , التفت كورتيس اليها وسألها :
- هل افتقدتني ؟
- بامكاني ان اطرح عليك السؤال نفسه .
- وسيكون جوابي : نعم افتقدتك .منتديات ليلاس
شعرت بالخجل من نفسها واخفضت رأسها مركزة نظرها على يديها المكتفتين , فوق ركبتيها . لقد افصح لها عن حقيقة عواطفه وما تزال تخاف من الالتزام الصريح . لماذا تتوقف انفاسها ويسرع صوته ؟ ألانه يتمتع بطاقة قوية وسيطرة كلية ؟
- آمل الا تستائين من تغيير برنامجنا . هذا المساء ستناول العشاء في منزل احد زملائي , القاضي غريمتان اعتقد انك تعرفينه جيدا .
اجابت باسترخاء وهدوء :
- انه اعز اصدقائنا . اعرفه منذ ان كنت صغيرة .
وعلى مائدة الطعام جلست فيليسيا بين القاضي وكاتب مشهور. وراحت تصغي الى الحديث بانتباه وذكاء . وفرحت لتصرف كورتيس المحايد كلما ابدى الكاتب حماساً لها . ولما قال لها الكاتب هامساً في اذنيها :
- انت فتاة ذكية وجميلة ونادراً ما التقيت بواحدة مثلك تحب الاصغاء بذكاء. متى اراك مرة ثانية ؟
اجابه كورتيس بجفاف :
- هذه الفتاة ليست حرة ...
وقبل ان يغادر الضيوف منزل القاضي, صرح هذا الاخير لكورتيس على حدة قائلاً :
- لقد سمعت على نجاحك الساطع باختيار النساء , لكنك حظيت الآن بامرأة نادرة ورائعة. لقد عرفتها مترفعة هكذا , فعليك الاعتناء بها كثيراً.
كان كورتيس صامتاً طول طريق العودة الى ابراج نورتن . ولدى وصولهما اسرع ليفتح لها باب السيارة . وبعد ان ودعها بشكل خاطف قال لها :
- اود ان ترافقيني الى باريس خلال عطلة الاسبوع المقبل, لاعرفك الى والدتي . سأتصل بك هاتفياً لأعلمك بموعد مجيئي واخذك الى المطار.
تأملت السيارة وهي تغادر المكان, مسمرة مكانها , غير قادرة على الحركة. عادت الريبة الى رأسها بعد هذا الوداع الخاطف. ودخلت الى غرفتها , باضطراب وشك .
سافرا الى باريس مساء الجمعة . وفي الطائرة , امتنعت فيليسيا عن الاقتناع بأنه يصطحبها فقط ليعرفها بوالدته وطلب موافقتها . وبالرغم منها راحت تتخيل العطلة التي تنتظرها في هذه المدينة العاطفية . نزهة على ضفاف السين , الى كاتدرائية نوتردام , في الشوراع القديمة الضيقة الواقعة خلف البانتيون , وبرفقة كورتيس الرائعة .

Rehana 19-12-23 06:44 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وبينما هي حالمة تسترسل في افمكارها , القت نظرة عابرة الى المقعد المجاور , الى هذا الرجل الاسمر الممشوق , فبدا لها مسترخياً في مكانه ومرتاحاً. السفر معه مريح ولطيف. لقد اهتم براحتها وبكل حاجاتها بسهولة بسيطة. واخبرها بان موعده مع والدته سيكون في مقهى فندقه المفضل. احمرت لهذه البادرة واتهمت نفسها بالحمق والتفاهة , بينما نظر اليها كورتيس وابتسامة ساخرة وحنونة على شفتيه .
وصلت السيدة مونرو الى الموعد , لاهثة وانيقة في بزتها الجميلة . اقتربت منهما ومدت يديها نحوهما . فانسحرت فيليسيا في الحال لقوة شخصيتها . وجاذبيتها الواضحة . وبصوت ناعم قالت الوالدة بسرور :
- كورتيس ! اي فرح كبير لرؤيتك من جديد ...
انحنى ليقبل خدها المعطر, الناعم الخالي من التجاعيد . ثم ابتسم لها ونظر الى عينيها الكستنائيتين النضرتين وقال مازحاً :
- تبدين شابة كلما اراك . امي , اقدم لك فيليسيا.
قبلتها السيدة مونرو ثم اعلنت بضحكة لطيفة :
- انا سعيدة للتعرف اليك ! انها حقاً رائعة , يا كورتيس!
ابتسم كورتيس لفيليسيا بخفة وقال :
- انا موافق معك كلياً.
تأبط الرجل ذراع كل من الامرأتين وقادهما الى سيارة والدته . ودعاهما الى الجلوس في المقعد الخلفي وجلس امام المقود .
بدأت فيليسيا تشعر بالارتخاء امام حرارة استقبال السيدة مونرو . انها مثل ولدها , ذكية , لطيفة , مليئة بالحيوية وتتمتع بشخصية خاصة . اصغت باهتمام الى فيليسيا وهي تحدثها عن حياتها في ابراج تورتن , ثم هزت رأسها وقالت :
- الحياة الريفية ليست لي. انا احب حياة المدن. لا احب ارتداء الملابس القديمة وخاصة المصنوعة من قماش التويد السميك , والتنزه في الحقول الموحلة منتعلة الاحذية السميكة والعالية . انما احب الحياة الانيقة والسهلة , المسرح والسهرات الليليه والفرو والمجوهرات وباريس.
- لحسن الحظ لسنا متشابهين كلنا , اليس كذلك؟ انا احب المدينة ايضا, لكنني سعيدة جداً في منزلي القروي.
ابتسمتا . هناك على الاقل شيء مشترك بينهما , وهو حبهما لكورتيس. ظلت الامرأتان تثرثران بمرح الى ان وصل كورتيس الى ساحة تحيط بها الجدران المغلفة بالعرائش. النوافذ الخشبية البيضاء تضيء واجهة الفيللا المحاطة بحديقة واسعة . قالت السيدة مونرو لفيليسيا :
- ستشعرين هنا كأنك في منزلك القروي , يا فيليسيا. امام المنزل حديقة واسعة وخلفها مشتل للزهور وسبيل ماء, وتمثال كوبيرون , رمز الحب عند الرومان.
ابتسمت لاحمرار وجه فيليسيا . فسألها كورتيس عن سبب خجل الفتاة فأجابت وهي تغمرها :
- هذه فكاهة بيننا .
كانت الفيللا لطيفة, ومطلة في جوانبها الاربعة على مناظر جميلة . الصالون الكبير رمادي اللون, على جدرانه علق البساط الفخم, الفرنسي الصنع . الاثاث قديم ويعكس انوثة مرهفة . غرفة الضيوف كانت رائعة ايضاً, وباقات الورد تملأ المكان كله. بعد تبادل الكلمات الادبية المصطلحة , رافقتها السيدة مونرو الى غرفة الضيوف , ثم سألتها فجأة:
- هل أنت مغرمة بابني ؟

Rehana 19-12-23 06:45 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
تلعثمت الفتاة لشدة دهشتها وقالت :
- انا ... لا اعرف...
ابتسمت لها السيدة مورنرو وقالت :
- آسفة. ما كان يجب ان اطرح عليك هذا السؤال . ارجوك اعذريني . لقد تطفلت عليك, لأنك اول فتاة بصطحبها ابني الى هنا. عندما كنت اقترح عليه دعوة صديقاته لزيارتي , كان يبتسم لي ببساطة معلناً بأنه لا يشعر تجاههن بأي اهمية تذكر . هل تفهمين الآن ؟
- نعم, لكنني لست اكيدة من شيء . كورتيس رجل مثير ونشيط بكل معنى الكلمة ...
- وهل تتمنين ان يكون اقل من ذلك؟
- كلا , لكن يتهيأ لي اني مدفوعة الى مكان مجهول , بعيداً عن كل ما احببت حتى الآن بعيداً عن عاداتي ...
- الا تعتقدين بأن كورتيس يعي ذلك كلياً ؟ لقد ربيت ولدي تربية جيدة وعلمته ان يفرق بين الشر والخير. لم ادلله حتى الاساءة .زواجي كان سعيداً وتركت لزوجي مهمة جعل كورتيس رجلا على صورته ومثاله.
- الاحظ ذلك عندما اقارنه بأخي الذي تلقى تربية سطحية ومبالغة من قبل والدتي.
- علينا كلنا ان نعرف العالم وخاصة الشباب . الامهات لا يتصرفن دائماً بطريقة عقلانية مع اولادهن. لكنني علمت ابني بأن الحب هو اهم شيء في الحياة , وقلت له ان الاغنياء هم في الواقع فقراء اذا لم يعرفوا معنى الحب.
- انه واثق من نفسه واناني.منتديات ليلاس
- آه ! واي رجل يحترم نفسه لا يكون هكذا ؟
قالت فيليسيا بضحكة عصبية :
- تبدين وكأنك ترغبين في ان اتزوج من ابنك...
- بالفعل. اشعر بأنك تستطيعين اسعاده. انت فتاة ناعمة , انثوية ومتفهمة . كورتيس بحاجة الى زوجة واولاد ليصبح اكثر انسانية . كان صبياً لامعاً, ومازال لامعاً كمحام مشهور. امامه مستقبل مهني كبير, لأنه يتمتع بمدخول ثابت , قبل وفاة والده كان متهاوناً وغير مكترث , بل كان متهوراً . اما الآن فباستطاعته ان يكون احياناً عديم الرحمة والرأفة , لكنه رجل مدقق جداً.
- هذا لطف منك, يا سيدتي , ان تكلميني عن كورتيس. لكن اخشى ان اكون قد خضعت لسحره الغريب النابع من رجولته !
- ارجوك لا تقاومي ! حسناً . العشاء بانتظارنا انزلي متى اصبحت مستعدة .

نهاية الفصل

Rehana 23-12-23 06:03 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
5- لماذا تطاردها المفاجآت على هذا النحو ؟ ان ما لا تفهمه فيليسيا هو كيف يتقدم منها كورتيس بطلب الزواج في سرعة ومن دون مقدمات وهو يمضي معظم اوقاته مع نورا ستافوردلي ...

عاشت فيليسيا خلال عطلة الاسبوع وكأنها في حلم سعيد. مع كورتيس تجولا في كل انحاء باريس, وشوارعها العالية. كانت تشعر بفرح لا يضاهي حيال طاقته ونشاطه وابتهاجه وحيويته . ولا تمر ضحكته الواسعة من دون ان تفعل في قلبها هزة ناعمة .
وظهر السبت تناولا الغداء في مطعم مشهور في ساحة الفوج , ثم اجتازا السين لزيارة جزيرة السيتيه وجزيرة سان لويس, ذات الالعنادق الضخمة والساحات الهادئة . وهناك شعرا كأنهما خارج الزمن . تناولا الطعام في الضفة الشمالية , في مقهى صغير يقع مواجهة كاتدرائية نوتردام . وبرفقة كورتيس تبين لفيليسيا كم كانت تجهل باريس التي زارتها مرات عديدة من قبل. كان كورتيس دليلاً ذكياً ورفيقاً رائعاً في اخذ يده . صحيح انه كان لطيفاً , حذراً , انيقاً ولبقاً, بطريقته الطبيعية المسترخية, لكنه لم يحاول ابداً ان يعانقها , او ان يقوم بأي حركة حنونة, وعاطفية نحوها. وخلال هذين اليومين ادركت فيليسيا ان حياتها السعيدة حتى الآن, لم تكن كاملة , لأنها كانت خالية من العلاقات العنيفة والقوية, التي لا وجود لها في الرابطة الأخوية. وشعرت بالسعادة لمجرد التفكير بأن الحب هو الجوهر الأساسي في حياة المرأة , وبواسطته تكون رعاية وحماية رجل يحبها ويرغبها ويكشف لها عن الحياة الحقيقية . انه احساس رائع وجديد ان تعامل بانتباه في كل لحظة تعيشها . فبلان المنهمك في حاله ليس قادراً ان يكن لها الانتباه المرغوب.
عادا الى لندن مساء الاحد, ولما اوصلها كورتيس امام عتبة الباب, عرفت شدة تعلقها به وحبها له . ارادت الا تتركه يبتعد عنها . هذا المنزل الذي احبته طوال حياتها حتى الآن لم يعد يعني لها شيئاً, بغياب كورتيس. بدت حياتها فارغة فجأة , وعليها ان تبذل جهداً كبيراً لتتقبل وحدتها الحالية, بانتظار ان تراه عما قريب.
مضى اسبوع بكامله ولم تسمع شيئاً عن كورتيس . لكنها ظلت تستلم منه باقة يومية تحتوي على الورد الأحمر, اضافة الى بطاقة يوقع عليها اسمه . مرات عديدة , كانت تتوجه الى الهاتف بنية التحدث اليه, لكن عزة نفسها القوية كانت تمنعها من الاتصال به , جاء بلان الى المنزل لقضاء عطلة الاسبوع . فركبا الخيل معاً ولعبا كرة المضرب وخرجا في المساء برفقة بعض الاصدقاء . وفيليسيا منصرفة بتفكيرها كله الى كورتيس وكلما غادرت المنزل كانت تخشى ان يتصل بها في غيابها . وبأسف وندم ادركت ان اعمق حبها للان, وعلاقة المشاركة التي تربطهما , والاخوة المخلصة, لم تعد ذات اهمية كبيرة بالنسبة اليها.

Rehana 23-12-23 06:04 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وبينما كانت تشارك اخاها في كأس اخيرة, قبل ان يعود الى الثكنة, مساء الاحد , قال لها بلان :
- لقد التقيت بصديقنا كورتيس مونرو مرتين هذا الاسبوع , احزري مع من كان يتناول العشاء ؟ مع نورا ستافوردلي, هل تعرفين انهما صديقان قديمان ؟
خفضت رأسها ونظرت الى كأسها الفارغة, وبحزن بدأت تفهم لماذا تصرف معها كورتيس بتحفظ وحذر خلال رحلتهما الى باريس. لكنها لم تستطع فهم حماسه عندما اكتشف نقاط عديدة مشتركة بينهما وبالتالي الانسجام والتناسق , ترى ما هدف ذلك؟
ان تتطور الصداقة التي تربطهما الى حب حقيقي من صنع مخيلتها , ربما يحتفظ بمداعباته وكلماته الناعمة لنساء أشد خبرة واثارة منها. هل يعتبرها فتاة ساذجة ومملة؟ في هذه اللحظة بالذات حقدت على نورا ستافوردلي وكل النساء الاخريات بغضب غريب الى درجة الكراهية وهي الفتاة الناعمة والطيفة والمسامحة . غير انها تمكنت من القول بصوت حازم :
- انها موكلته , لا تنسى انكما معاً متورطان بهذه القضية .
- يا الهي, اعرف ذلك تماماً, ولم اعد قادراً على النوم الهادئ. اريد ان ينتهي كل هذا, في أسرع وقت ممكن.
- آه , كم اتوق الى ذلك , انا ايضاص! لا تقلق , فكورتيس محام قادر وسيساعدك في الخروج من هذا المأزق بسلام.
وقبل ان تأوي الى فراشها تساءلت كيف يمكن للانسان ان تمنع نفسه من الحب. عندما كانت في باريس, استطاعت مقاومة رغبتها في وضع ذراعها حول عنق كورتيس وعناقه . وعزاؤها الوحيد , انه ما زال يجهل التوتر العميق الذي تشعر به , كلما انوجدت معه , والى أي درجة تمتلئ بحنين مؤلم لمجرد التفكير فيه . غير ان عليها الاعتراف بانه لم يحاول خداعها ابداً بأي شكل من الاشكال . هي وحدها مسؤولة لما يحدث في داخلها . ومن الآن فصاعداً, عليها ان تنسى وتحاول تضميد الجراح لاستعادة حياتها الطبيعية . لكنها تجد صعوبة وهي في المنزل في تنفيذ ما قررته . لذلك قبلت دعوة ديفيد كولسن الى العشاء في اليوم التالي.
وطيلة الاسبوع لم تبق فيليسيا مساء واحداً داخل المنزل. كانت تلبي جميع الدعوات الى الحفلات الراقصة التي ينظمها اصدقاؤها كما لعبت في كرة المضرب في النادي, بغية التعب وتخدير احاسيسها . وظلت باقات الورد تصل كالعادة كل يوم, لكنها ايقنت اخيراً بأن كورتيس نسي الغاء الطلبية!
وصباح الخميس, وبينما كانت الخادمة تضع الورود في غرفة فيليسيا, قالت لها :
- يقال ان الغياب يضرم الحب...منتديات ليلاس
- كورتيس منهمك كثيراً في اعماله في الوقت الحاضر . لكن بامكانه ان يتصل هاتفياً, على الاقل ...
- هل يعجبك ؟ هل مشتاقة لرؤيته ؟
- في صراحة , لا اعرف شيئاً , وهذه هي مشكلتي.
- بالنسبة الي , مشكلتك تكمن في عدم استطاعتك اختيار الرجل المناسب عندما يمر في حياتك . كورتيس مونرو انسان رائع وفريد من نوعه وسيظل جذاباً حتى في السبعين من عمره . مهما شاخ الانسان فيظل يستحسن السعادة والفرح واللذة ...
ولم ترد فيليسيا . ومن عتبة الباب اضافت انيتا قبل ان تغادر الغرفة :
- لماذا لا تقبلي ما يفرضه عليك القدر؟ الرجال مثل كورتيس مورنو نادرو الوجود.

Rehana 23-12-23 06:04 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وعلى البطاقة المرفقة بالورود التي وصلت صباح الجمعة , كتب كورتيس من دون مقدمة " سأمر بك في الثانية ظهراً لاصطحبك معي"
صرخت فيليسيا غاضبة :
- يا للوقاحة ! ومن يتصور نفسه ؟ وماذا لو كنت مرتبطة بموعد آخر بعد ظهر اليوم؟
سألتها انيتا :
- سترتدين الثوب الأزرق , اليس كذلك؟
كان كورتيس ينتظرها قرب سيارته عندما خرجت من المنزل في الثانية بعد الظهر . كان يدخن سيكاره, وبدا وجهه بارزاً تحت السماء الصافية , كأنما يحلم ونظره صوب الحديقة . في داخله قوة اتصال عنيفة جعلتها تنسى بسرعة الانتظار الطويل الذي عانته في الأيام الأخيرة. التفت ورآها واطفأ سيكارته بسرعة .
كان الارتياح بادياً عليه, كأنه من الطبيعي ان يراها من جديد بعد اسبوع من الصمت الغامض. شعرت برغبة في صفعه وفي الوقت نفسه ان ترتمي بين ذراعيه .
ولما ابتعدت السيارة عن ابراج نورتن سألته :
- الى اين نحن ذاهبان ؟
- الى اين نحن ذاهبان ؟
- الى الجنة !
- كن واضحاً, من فضلك .
- سترين ذلك بنفسك.
وصلا الى حديقة خضراء شاسعة تدعى غيلدبرن . وهي مسرح ايضاً. وعلى الفور ادركت فجأة انها ستعيش لحظات حياتها الحاسمة . كان نهاراً صيفياً رائعاً, لكنها لم تكن تعي سوى وجود الرجل بجانبها , ومشيته الفاترة اللامبالية . تأبط ذراعها وقال بصوت عميق:
- انه مكان ساحر, اليس كذلك؟ انتظرت هذه اللحظة طيلة الاسبوع . كانت اعمالي متواصلة ومرهقة, لكن ذات نتائج حسنة. اعتقد ان الحظ يحافني هذه الايام.
فوجئت فيليسيا بهذا الكلام الغامض, لكنها لم تجرؤ ان تطلب منه ان يوضح لها ما يقصد بذلك. كان الهواء منعشاً حول البحيرة وفي الجو تعبق رائحة الأزهار والعشب الطري. اخيراً توجها الى المسرح المعد في الهواء الطلق حيث تعرض الأوبرا الكلاسيكية وجلسا في المقاعد الأمامية وحضرا الفصل الأول بصمت مأخوذين بسحر الموسيقى والأصوات . ثم جلسا امام احدى الطاولات الصغيرة الموضوعة على العشب لتناول وجبة طعام خفيفة .
فجأة امسك كورتيس يد فيليسيا وقال بعزم :
- ارفض ان اعيش اسبوعاً آخر كهذا الاسبوع الفائت. يجب أن تتزوجيني وبأسرع ما يمكن !
كانت نظراته الحازمة لا تفارقها . فجأة سمعت خطوات قربها وقبل ان تدرك معنى كلمات كورتيس قال الصوت الأليف من ورائها .
- كورتيس ! يا للمفاجأة ! لم تقل لي انك ستأتي الى هنا عندما تناولنا العشاء معاً مساء امس . يا لك من رجل كتوم !
تقلصت فيليسيا . وقفت نورا ستافوردلي امام الطاولة ونظرت اليهما , وخاصة الى كورتيس , مبتسمة . فنهض كورتيس ببطء وبعد سلام ساخر اعلن قائلاً :
- جئت في حينه , يا نورا . انت اول من يعرف انني , منذ لحظة , طلبت يد فيليسيا ولم انل الجواب بعد, لكنني احذرها امامك انني لست مستعداً ان اتلقى جواباً سلبياً.

Rehana 23-12-23 06:05 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
جلس من جديد ولم تعي فيليسيا نظراته المشتعلة المحدقة بها , ذلك لانشغالها بنورا ستافوردلي, المتألقة اكثر من العادة , ببشرتها البيضاء وشعرها الناري وفستانها المذهب الذي يلمع تحت اشعة شمس المغيب . واذا كانت نورا قد تلقت ضربة قاسية لدى سماعها تصريحات كورتيس الا انها لم تظهر عن صدمتها . احمرت قليلاً , وبحركة انيقة مدت يدها الى فيليسيا, لكن الفتاة تجاهلت هذه الحركة مما جعل نورا تتقلص وتقول :
- اقدم لكما التهاني الحارة , عليّ الآن الالتحاق بأصدقائي , قريباً سيبدأ الفصل الثاني.
لم يكن ما قالته نورا عذراً. اذ رأت فيليسيا ان كورتيس ينهض من مكانه , ويتأبط ذراعها ويأخذها الى المسرح . والفصل الثاني كان أروع من الأول . تنهد كورتيس الى الفتاة بمرح وسألها :
- اذن , يا آنسة فالنورين, ما رأيك بفكرة الزواج هذه؟ وقبل أن تعطيني الجواب ارغب في القول بأن كل اعتراض مرفوض.
مد لها الكأس وضحك لاحمرار وجهها . فهمست تقول :
- يبدو ان ليس لي اختيار.
- لديك اختيار واحد وهو ان تتزوجيني .
- هل تحصل دائماً على ما تريده , بهذه الطريقة ؟
- دائماً.منتديات ليلاس
هل خانتها مخيلتها ام انها سمعت حقاً ضحكات نورا ستافوردلي الساخرة في هواء الليل الصافي؟ ولما سألها كورتيس ان تعانقها لتظهر له عن موافقتها , اجابته بجفاف:
- ليس هنا المكان المناسب لمثل هذا .
- لقد تصورت انه المكان المثالي لهذه الأمور . لكن كما تريدين . بامكاني الانتظار .
كان ينظر اليها بدهشة, فشعرت بخوار والدم ينبض في صدغيها .
وفي طريق العودة, اوقف كورتيس سيارته على حافة طريق صغيرة هادئة . ثم وضع ذراعه حول كتفيها ورفع ذقنها بأصبع حازمة ثم انحنى نحوها . ومن دون كلمة , عانقها . فكانت تتأجج بفرح حار ممزوج بالخوف, وراحت ترتجف من شدة الانفعال .
استعادت انفاسها بعد ان ابتعد عنها قليلاً, وراح يضحك ويقول :
- حبيبتي , كل كنت شرساً معك؟ انها غلطتك, لأنك جذابة كثيراً. آه لقد نسيت ان اقدم لك الخاتم.
وفي هذه اللحظة ادخل الخاتم في اصبعها وسألها :
- هل يعجبك ؟
نظرت باعجاب الى حجر السفير البراق الذي يضيء الظلمة وقالت :
- انه رائع حقاً!
- لأنه بلون عينيك الزرقاوين .
ولما وصلا الى ابراج نورتن, كانت نوافذ غرفة المكتبة ما زالت مضاءة , فقالت فيليسيا :
- ما زال والدي مستيقظاً.
- حسنا اود رؤيته.
كان الكولونيل يتصفح كتاباً عندما دخلا اليه . تقدم منه كورتيس متأبطاً ذراع فيليسيا وقال بوضوح وصوت مرتفع :
- انا آسف لازعاجك في مثل هذه الساعة , يا سيدي , لكنني احمل نبأ كبيراً. لقد طلبت من ابنتك ان تتزوجني , فهل انت موافق؟

Rehana 23-12-23 06:05 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- انا موافق اذا كانت فيليسيا موافقة ايضا .
نظر الى ابنته بتواضع وعرف من تعبير وجهها المتألق انه سيخسرها . ارتمت فيليسيا على ذراعيه , فنظر الى كورتيس بتحد وقال :
- لقد وجدت كنزاً, يا بني. اهتم بها جيداً وهذا كل ما اطلبه منك.
- انا آسف لأخذها منك . ولدي نبأ آخر سيفرحك , لقد عدل ستافوردلي عن الطلاق . وسيعيش مع زوجته في باريس من الآن فصاعداً.
وفي سريرها فكرت فيليسيا بهذا الحديث بينما كانت تصارع مع النوم المستحيل . سيفرح بلان لهذا الخبر وخصوصاً لخطبتها من الرجل الذي تحب من كل صميمها لكن شيئاً ما يعذب عقلها باستمرار , انها نورا ستافوردلي , هل هي التي اقنعت زوجها بالعدول عن الطلاق , ام انه كورتيس مونرو بذاته؟ هذه الأسئلة ظلت تنهمر عليها حتى نامت اخيراً, والارهاق يكبلها .

نهاية الفصل

Rehana 30-12-23 07:08 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
6- نفس مضطربة جداً برغم السعادة التي تعيشها. فوحدة والدها في غياب زوجته فعلت بها فعلها وخوفها من طيش اخيها جعلها تراه في المنام فارتعبت واستفاق في قلبها حدس مخيف ...

اقام الكولونيل فالنورتن وزوجته حفلة عشاء في منزلهما القروي للاحتفال بخطبة ابنتهما , دعي اليها اصدقاء العائلة واقاربها. وتمكن بلان من الحصول على اجازة خلال عطلة الاسبوع لحضور الحفلة.
كان فرحاً بنفسه لخروجه من هذه الورطة الكبيرة وهنأ اخته بخطبتها . نالت السهورة نجاحاً باهراً. وقدم كورتيس شكره للمدعوين , بلباقته وسحره المعروفين ...
وبفرح كبير لاحظت فيليسيا ابتهاج خطيبها عندما تقدم منه القاضي غريمتان ليهنئه على اختياره فتاة جميلة وذكية في آن واحد. واقترح الكولونيل على كورتيس قضاء نهاية الاسبوع في ابراج نورتن , فوافق هذا الأخير بطيبة خاطر. وبعدما ذهب المدعوون توجه الكولونيل الى مكتبه مصطحباً كورتيس معه في حديث مثير . فاغتنمت فيليسيا هذه الفرصة لتصعد الى غرفة اخيها والاستماع الى آخر اخباره .

Rehana 30-12-23 07:09 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
رأته خارجاً من الحمام, ببيجامته المقلمة وشعره المشعث , كان يبدو صبياً صغيراً, فابتسم لها وقال :
- اهلاً بك . الم يحن الوقت لتأوي الى فراشك؟
اغلقت فيليسيا الباب وراءها وتوجهت اليه بهدوء وقالت :
- اود ان اكلمك .
- اذن , ابتسمي , لماذا هذه النظرة الجدية هل تندمين على خطبتك ؟
- انا سعيدة جداً, شكراً . انت من يملأني هماً. لا يبدو انك تعترف بالحظ الكبير الذي حظيت به بخروجك من هذه الورطة . وبدلاً من ان تعترف بالذنب, تلوم القدر الذي اوقعك بين ايدي السيد ستافوردلي .
وبوقاحة ابتسم لها وقال :
- وماذا بعد؟
امسكت فيليسيا يده وركعت قربه وقالت بتوسل:
- بلان , لا شك انك تدرك بأنك لا تستطيع الاستمرار على هذا المنوال , في اللعب والشراب والنساء هذا لا يجدي شيئاً . انت قادر على القيام بأمور جدية وذات فائدة .
- يا صغيرتي , لماذا انت جدية الى هذه الدرجة ؟ انا اقضي اوقاتاً مرحة وهذا كل ما في الأمر . لكنني سأشتاق اليك كثيراً.
ضغط على يدها بين يديه من دون ان ينظر الى عينيها القلقتين . كانت لهجته خفيفة لكنها حنونة .
فأغرورقت عينا الفتاة وقالت :
- وأنا ايضاً سأشتاق اليك كثيراً , منذ الصغر ونحن لم نفترق , لهذا السبب اريد ان اتأكد بأن كل شيء سيكون على احسن ما يرام عندما اغادر هذا المكان . سنظل نمضي معاً اوقاتاً سعيدة, ستزورني وبامكانك الاتكال عليّ , في كل الظروف.
- انت دائماً كريمة , مثل والدتي. ربما كان من الأفضل لو لم اكن اتمتع بكل هذه الامكانيات . اعدك بأن اكون حذراً في المستقبل.
- انت لا تفهم. ليست المسألة ان تكون حذراً ام لا. المطلوب ان تصبح ناضجاً وتتحمل المسؤوليات المطلوبة منك . ستضطر يوماً لمواجهة امور عديدة . حتى الآن , اكتفيت بالرفرفة يميناً وشمالاً , حتى عندما تكون في المنزل في عطلة الاسبوع . ستأتي الى القرية خلال مأذونياتك , اليس كذلك؟ والا ستتألم امي كثيراً لغيابك, وكذلك ابي. في الحقيقة سيشتاقان إليّ ايضاً لأنني دائماً معهما, لذلك لا يجب ان تبتعد عنهما انت ايضاً.
ابتسم لبها وربت على كتفها بحركة مطمئنة وقال :
- سأفكر بكل ما تقولينه. وارجوك لا تشغلي بالك عليّ. اعرف اني رجل لا يصلح لشيء, لكنني استمتع بالحياة . وأعدك بأنني سابتعد عن النساء المتزوجات وسأقضي كل اجازاتي في ابراج نورتن. فما رأيك ؟
- آه لو كان بامكاني ان اصدق كلامك .منتديات ليلاس
لم تستطع فيليسيا ابداً ان تتذكر بوضوح الأسابيع السابقة لزواجها. فوالدتها اهتمت بجميع التفاصيل واصطحبت ابنتها الى المحلات لشراء الجهاز, كما اتفقت مع كورتيس على ان تكون مراسيم الزواج بسيطة وسريعة. وتم الاتفاق على ان يقام الاكليل في كنيسة القرية حيث تكلل آل نورتن منذ اجيال عديدة سابقة .

Rehana 30-12-23 07:13 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
اتصل كورتيس بخطيبته عشية العرس وقال لها :
- مساء الخير يا حبيبتي . كيف تشعرين : متكدرة ام متحمسة؟
اجابته بحمى وقلب سريع الخفقات كالعادة, كلما سمعت صوته :
- الاثنين معاً . احبك كثيراً.
- شكراً. سأبرهن لك غداً الى أي درجة احبك . نامي جيداً .
وهذا ما حصل . لقد نامت جيداً وفوجئت لهذا الامر كثيراً. كانت الكنيسة تتألأق بألوان الأزهار وفساتين المدعوات , عندما دخلتها فيليسيا النحيلة, الأنيقة , بثوبها الأبيض الرائع. يدها ترتجف وهي تتأبط ذراع والدها وتدخل في الممر على اصوات الألحان المنبعثة من ارغن كبير. ادار كورتيس رأسه نحوها وحدق فيها بحرارة . فاستعادت شجاعتها وثقتها ولم تعد خائفة من لفظ الكلمات المنتظرة منها بل استسلمت كلياً لهذه اللحظة التي لن تعود ابداً. قلبها يخفق بجنون ورائحة الأزهار تحتلها . جلست قرب كورتيس واجابت بالايجاب بصوت مرتفع وواضح . ثم خرجت متأبطة ذراع زوجها والخاتم يتلألأ في اصبعها , لتواجه حياة جديدة .
وعلى متن الطائرة التي اقلتهما الى اليونان لقضاء شهر العسل , التفتت فيليسيا عدة مرات نحو الرجل الأسمر الجالس قربها لتقنع نفسها بأنها اصبحت حقاً زوجته . وظلت تنظر اليه مفصلاً , بفخر وكرامة , تتأمل رأسه المرفوع وملابسه الأنيقة وملامحه الواضحة . وبذلت جهداً كبيراً لابعاد نظرها عنه . صحيح انها تجهل الكثير عن حياته الماضية , لكن رجولته الأكيدة سيطرت عليها وبدأت تستشف بأن حياتها لن تكون شهر عسل مستمر. لكنها اكيدة انها ستكون مليئة سحراً وروعة .
نظرت وراء نافذة الطائرة وادركت ان الأيام المقبلة ستكون مليئة بالحب والشمس والهواء النقي والبحر , عبر المنازل البيضاء الجميلة التي تداعبها امواج بحر ايجيه الهادئة . وراحت تحلم بأنها ستعيش مع كورتيس اوقاتاً جميلة ونادرة .
ومرّ النهار كالحلم وفي مخيلة فيليسيا تصور مخيف لما سيحدث في الليل , وكلما فكرت بكورتيس , في صورة حميمة, كانت ترتجف كلياً حتى الاشتعال , خائفة من المجهول , اذ لم يسبق لها ان استسلمت لرجل من قبل. وبالرغم من الخوف الذي يرافقها كانت تشعر باحساس جميل لن يتفتح الا في فعل الحب.
وعندما انغلق اخيراً باب شقتهما الفاخرة , شعرت بالضياع وتجمدت عروقها . وتحت الغطاء المعطر , راحت فيليسيا ترتجف عندما دخل كورتيس واطفأ الأضواء.
جلس على السرير قربها وتناول اليد الصغيرة المرتجفة في يده الهادئة الدافئة وقال بصوت عميق :
- في هذه اللحظة ارغبك اكثر من أي شيء آخر, ولا اجهل بأنك امضيت نهاراص طويلاً متعباً , فلا سبب للخوف. الميزة الخاصة التي جذبتني اليك هي صدقك الطبيعي . واطلب منك ان تتصرفي بصدق معي هذه الليلة . افعلي ما يوحي قلبك به . هل فهمت ما اقول ؟
احنت رأسها وذابت مخاوفها تحت حرارة نظراته الملتهبة . قبل يدها , ثم عانقها وهمس قائلاً :
- هل تريدين ان ابقى معك ههذ الليلة , ام اتركك وشأنك ؟
لم يعد باستطاعة فيليسيا مقاومته , فضمته الى صدرها . انها تحبه وبالتالي فهي ملكه كما هو ملكها .
وهكذا دخلت فيليسيا في الحياة الزوجية , بسعادة لم تعرف مثلها من قبل. اعطت شريكها كل ما يمكن ان تقدمه امرأة . وظلت تتذكر هذه الليلة طيلة حياتها , بفرح وحب , فاكتشفت نفسها وتعرفت على جمالها.

Rehana 30-12-23 07:16 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وفي الصباح كانا متألقين وهما يتناولان فطور الصباح. وبفضله شعرت فيليسيا بسعادة كبيرة , غير واعية لاخماد ارادتها الذاتية .
وذات صباح , بعد الحمام الباكر جلست فيليسيا الى مائدة الطعام مرتدية سروالاً زهرياً . تأمل كورتيس جسمها الممشوق ثم قال :
- تبدين وقحة بهذا السروال . كوني لطيفة وغيري ملابسك . افضلك في فستان او تنورة .
اقتربت منه وقالت بصوت مداعب :
- لست جدياً في ما تقوله , اليس كذلك؟
- صحيح ! امامك خمس دقائق , بامكانك ان ترتدي سروالاً عندما تكونين في المنزل وحدك وليس عندما نكون معاً . هيا ...
لكنه عانقها قبل ان تدخل لتغير ملابسها . وانتظرها واقفاً حتى عادت وهي ترتدي تنورة مسكرة , بيضاء وسترة متناسقة . ابتسم وهو ينظر الى ساقيها الشقراوين وقال :
- هذا أفضل بكثير. تعالي قربي.
اقتربت منه ووضعت يديها حول عنقه وقالت :
- عليّ ان اعتني جيداً بخاتم الزواج وإلا اضيعه, والا وجدت نفسي مقيدة بالسلاسل !
- ملاحظة اخرى من هذا النوع وتتلقين صفعة على قفاك . لدينا موعد مهم هذا الصباح وأفضل ان تظهري مثل زوجتي وليس كصبي صغير.
طبع كورتيس قبلة على انفها ثم قادها الى الشرفة حيث مدت طاولة الفطور. بدت فيليسيا مندهشة فشرح لها كورتيس مفصلاً اذ قال :
- نعم , من عادات وتقاليد هذه البلاد ان يدعو مختار الجزيرة الأزواج الذين يقومون بشهر العسل الى داره , ليقدم لهم شهادة تجعلهم اعضاء نادي السماء السابعة . فيتعهدون بذلك ان يحبوا ويفرحوا ويلهوا ويضحكوا ويكونوا سعداء, ويتعرفوا الى الاصدقاء ويأملوا ويعرفوا السلام . اليونانيون يدعون هذه الجزيرة خطيبة الشمس.
كان المختار في الأربعين من عمره , قصير القامة وبديناً ذا وجه مفرح وأناقة مبالغة . قدم لهما الشهادة , بأبهة وعظمة وبابتهاج. وبعدها , ذهبا الى مقهى صغير , فقالت فيليسيا :
- المختار انسان شديد اللطافة , اليس كذلك؟
- ظاهرياً , كان يفكر عنك الشيء نفسه. لقد نظر اليك بامعان مطولاً.
اجابت ضاحكة :
- انها غلطتك . انت الذي طلبت مني ان ابدو شديدة الانوثة . في كل حال, اعتبر ان هذه الشهادة عربون شكر وتهنئة ومبادرة جميلة من قبل اهل الجزيرة .
- انت على حق. انك أروع شيء اعرفه.
اجبت بسخرية مرحة وقلب خافق :
- شكراً.منتديات ليلاس
ضحك وانحنى نحوها وقال :
- هناك اشياء اخرى احب الحصول عليها , فيما بعد . اولاد مثلاً. هل انت موافقة ؟
اشارت برأسها بعدما احنته , وعبق وجهها بسيل حار . تابع يقول وهو يعي اضطرابها :
- لا شك انك لاحظت ان نومي خفيف. لكنني لن اقبل الا ان ننام في سرير مشترك عندما نعود الى منزلنا . الحياة المشتركة ضرورية لبقاء الزواج واستمراريته . زواجنا سيعيش الى الأبد وارفض كل اقتراح آخر.

Rehana 30-12-23 07:17 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
رفعت فيليسيا وجهها ونظرت اليه بابتسامة غريبة, بين الحزن والفرح . حدق كورتيس اليها وشعرت بتيار غني, لاهب , يفصلهما كلياً عن العالم الخارجي.
اخيراً قالت فيليسيا :
- انت انسان غليظ , لكنني احبك ولا اريدك مختلفاً.
قال ضاحكاً :
- عظيم , انتظري حتى المساء وسأريك الجنة .
قهقه بصوت مرتفع ورأسه الى الوراء , بينما الاحمرار احتل وجه زوجته وعنقها .
تعرفت فيليسيا على زوجها خلال اقامتهما في اليونان . كان كريماً حتى الغرابة , يغرقها بالهدايا ويستأجر افضل الخيول كي تتمكن من ممارسة رياضتها المفضلة . يصطحبها الى الحفلات الراقصة ويراقصها حتى ساعات الصباح الأولى بالرغم من انه صرح لها انه لا يحب ذلك كثيراً.
كانت معجبة بفكاهته الحاضرة باستمرار وفي نظرته المتألقة , ولياقته الطبيعية وتربيته الحسنة ونظرته الى الحياة ومعاشرته السهلة . ومصرة ان ترفض التفكير بما رحلة العسل هذه . لكنها كانت تعي ان هذه الرحلة ستشرف على نهايتها وعليها مجابهة الأمور اليومية .
ولأول مرة في حياتها , اكتشفت سر جمالها الذي يفرح كورتيس كثيراً. وادركت انه لن يسامح اي تصرف احمق ينتج عنها , لذلك كانت حريصة على عدم التصرف كالفتيات الساذجات خشية ازعاجه. كما ايقنت بذكائها وعفويتها ان الرجال انانيون وان كورتيس من فئة الرجال الذين يحصلون دائماً على كل ما يريدونه . لكنه لا شك انه يعرف حدوده وقادر , اذا اراد ان يفرض نظاماً على نفسه.
فيليسيا وكورتيس ايقظ فيها شغفاً لم تتصور مثله من قبل واحاسيس وعواطف عميقة جعلتها مستعدة لتحمل أي أذى يصدر منه , بكرامة ورباطة جأش. وعلى هذا النحو, بدأت تبني عشها الزوجي. تنظر الى الزواج وكأنه مهنة عليها ان تعمل على تأسيسها والتركيز على الحب والثقة. واقسمت لنفسها الا تزعجه او او تخيبه , حتى تكون المرأة الفريدة من نوعها .
ولما قامت بزيارة لوالديها بعد عودتها من رحلة شهر العسل, لم يطرحا عليها السؤال الروتيني المعتاد : هل انت سعيدة !
حتى خادمتها وصديقتها انيتا لم تتطفل في السؤال . أمر سعادتها بات حتمياً. قالت لها الخادمة وهي تساعدها على وضع الملابس والأشياء التي تود فيليسيا ان تأخذها معها الى لندن :
- اصبحت انسانة طيعة ولينة يا عزيزتي . لكن لا تنسي انك تتمتعين بميزات وسمات خاصة بك وعليك الاصرار في الحفاظ عليها . فالرجال يحبون ذلك.
- حسناً. واذا تشاجرنا سأفرح بسحر المصالحة , بعدئذ.
وضعت فيليسيا ذراعها حول عنق الخادمة وصرخت :
- آه , يا انيتا , آه كم اتمنى لو انك امرأة متزوجة , لا يمكنك ان تعرفي هذا الشعور الرهيب!

Rehana 30-12-23 07:18 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- من لا يعرف لا يتطلب , آمل ان تكوني سعيدة ولا تعرفي الا تعاسات صغيرة.
- اطلبي اولاً ان نعثر على منزل .
بعد عدة شهور تمكنت فيليسيا وكورتيس من ايجاد المنزل الذي يحلمان به. انه من الحرج , ويقع على بعد بضعة كليومترات من ابراج نورتن, وسط العرائش والكروم . الاشجار تحميه من قسوة الريح . خلف المبنى الأساسي اسطبل واسع. ووراء مساحة شاسعة من العشب الاخضر, المروج تتموج ببطء. اطلقا على هذا المنزل اسم اشجار الكرز وبفرح ابتاعا الأثاث والطنافس والأبسطة. وتدريجياً اصبح المنزل مكاناً مدهشاً وساحراً. بعض الاثاث أتى من ابراج نورتون ووالدة كورتيس اهدتها عدة لوحات ورسوم من الطراز الرائع الرفيع .منتديات ليلاس
كان كورتيس معجباً بصدق وذكاء وشخصية زوجته ويراقب تطورها الواضح . كان يرى انها ما زالت بحاجة لأن تتعلم اموراً كثيرة في الحياة وان بامكانه ان يلقنها بعضاً من خبرته الشخصية . فقرر ان يفعل ذلك بفكاهة , هذه الصفة العالية التي يتمتع بها والتي ساعدته على التغلب على الظروف العديدة الصعبة .
قرر كورتيس الحفاظ على شقته الكندية , لكنه طلب من هنري ان يعيش في منزلهما في القرية . ابدى كورتيس عن رشاقة في مراقبة الحرفيين الذين اشرفوا على الاعمال . كما اظهر عن المامه بفن الطبخ وعلم زوجته بعض الوجبات المفضلة لديه.
تدريجياً بدأت تخف زيارات العروسين الى ابراج نورتن , وذلك لشدة انهماكهما في تأسيس منزلهما الجديد. ثم اقام العروسان حفلة تدشين دعي اليها الكولونيل نورتون وزوجته ووالدة كورتيس. لم يستطع بلان الحضور لوجوده في ايرلندا. بقيت والدة كورتيس بضعة ايام في منزل ابنها وعروسه ثم عادت الى باريس وعادت معها الحياة الى طبيعتها الهادئة والسعيدة .
وذات مساء, دعي العروسان الى سهرة في منزل القاضي غريتمان. والكعادة كان الجو رائعاً. بعد العشاء خرجا الى الحديقة هرباً من الحر القوي داخل المنزل وجلسا في الشرفة وراحا يتأملان المدعوين الآخرين. بعد قليل تقدم منهما القاضي وطلب من كورتيس ان يخصص له بضعة دقائق لحديث داخل المكتب . نظر كورتيس الى زوجته واستأذن منها قائلاً:
- لن اطيل الحديث يا حبيبتي , سأعود لتوي.
استراحت فيليسيا في مقعدها واغمضت عينيها وراحت تفكر بوضعها كزوجة محام مشهور ومشغول . يبدو لها انه دائماً منهمك بقضية او بأخرى . وشعرت بالخجل لهذه الافكار , في الواقع انها سعيدة وتحب زوجها اكثر من ايام الزواج الأولى .
رائحة دخان تتصاعد من سيكار وصلت الى انفها , ترافقها ضحكة قوية . انحنت فيليسيا فوق الشرفة ورأت رجلين تحتها يدخنان وثرثران , فراحت تصغي الى الحديث عندما سمعت احدهما يلفظ اسم ستافوردلي ويقول :
- لقد سحب شكواه.
فوجئ الرجل الآخر وسأله :
- هل انت متأكد من الخبر؟
- بكل تأكيد لكنه بدأ يراقب نورا عن كثب. انا لا استلطفه ابداً وخاصة نظرته المتعالية . انما نورا ببلان عجلت الأمور بشكل سريع.
تصلبت يد فيليسيا على الكرسي بينما تابع الصوت يقول :
- آل ستافوردلي يعيشون الآن في باريس. ولست مندهشاً في التصور بأن كورتيس مونرو له ضلع كبير في قرار نورا بالرجوع الى زوجها . الجميع يعرفون انها على استعداد ان تفعل أي شيء من اجل كورتيس.

Rehana 30-12-23 07:19 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
قهقه السامع بضحكة ساخرة , فأكمل رفيقه يقول :
- يا لها من سخرية وقحة ان يتزوج كورتيس مورنرو شقيقة بلان فالنورتن , انها فتاة رائعة وفريدة من نوعها , امامها تبدو النساء كلهن باهتات , هذا رأيي الخاص.
وافق الآخر اذ قال :
- نعم , انها حقاً فتاة جميلة . اتساءل اذا كانت على علم بعلاقة زوجها بنورا . الاسبوع الفائت رأيتهما يتناولان العشاء معاً , بينما لم يمضي الا وقت قصير على عودته من حلة شهر العسل .
- آه , آه , هناك اشياء اهم من ...
دخل الرجلان وضاع بقية الحديث في الليل , تسمرت فيليسيا مكانها , يسيطر عليها الرعب . كل كلمة سمعتها انطبعت في قلبها بقوة . لم تشك لحظة واحدة في صحة ما سمعته . وفجأة ترآى لها زوجها ممزقاً ارباً ارباً . وفي هذا الاحساس المذهل , الميء بالألم والخجل, تخيلت كورتيس على حقيقته , اي مجرداً من سحره وجاذبيته القدرية . فشعرت بخيبة مريرة واغرورقت عيناها بالدموع . ولما جاء كورتيس قربها لاحظ في الحال شحوب وجهها. فانحنى آخذاً يديها بيم يديه وسألها :
- حبيبتي , ما بك؟
اجابته ببساطة :
- لنعود الى المنزل.
وفي طريق العودة لم يكف كورتيس من رمقها بنظرات قلقة . وهي لم تستطع ان تمنع نفسها من الجلوس جامدة على مقعدها , مغمضة العينين , كما لم تقم بأية حركة لتمنعه من حملها الى غرفة النوم. وبينما هي في ذراعيه عرفت بخجل كبير بأن السحر لم يتغير وبأن احاسيسها مازالت على حالها . مهما فعل فما تزال تحبه. حتى عزة نفسها وكرامتها وعنفوانها لم تمس بأي جرح . وادركت في الحال انها لن تتخلى عنه ولن تقول له ما سمعت .
ولما ضوعها بلطف ونعومة على السرير ابتسمت له مرتجفة وطمأنته قائلة :
- اشعر بتحسن الآن .
أعلن بنظرة متفحصة , حائرة :
- سأذهب وآتي بالطبيب.
- كلا, ارجوك يا كورتيس , أنا في احسن حال .
- عظيم سأجلب لك اذن شراباً مقوياً.
وبالفعل , شعرت بتحسن كبير بعد احتسائها الشراب. كان كورتيس جالساً على السرير قربها , ينظر اليها نظرات غير مطمئنة . فقالت له :
- تعال , تعال قربي, انا بحاجة اليك.
هذه السهرة الرهيبة علمت فيليسيا الكثير. علمتها ان الماضي ما يزال حاضراً . وان زواجها مرهون بالنجاح , اذا ارادت الحصول على السعادة والسلام الداخلي. لذلك فعليها ان تتقبل الأمور على حالها وليس كما هي تتمناها. هذا يتطلب منها ارادة قوية وجهداً مستمراً وحازماً لتتمكن من الصمت وغض النظر عما سمعته. فالثقة سلاحها الوحيد.
تلك الليلة احبته بشغف قوي. في البداية كان كورتيس حذراً في استمعمال خشونته الفظة, لكنه سرعان ما انجرف مع ذروة احاسيسه . وفي الصباح الباكر اقسمت فيليسيا الا تدعه يجد أي دافع للالتفات الى امرأة اخرى .

Rehana 30-12-23 07:20 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
بعد بضعة ايام اتصلت بها والدتها في الصباح لتعلن لها ان الكولونيل اصيب بذبحة قلبية خفيفة خلال الليل وجاء الطبيب وطمأن العائلة بأنه لا داعي للقلق وعد بأن يعود لزيارة الكولونيل في اليوم التالي.
استقلت فيليسيا سيارتها في الحال واسرعت متوجهة الى منزل والدها. استقبلتها والدتها على الباب وقالت لها :
- انه ينام ويتنفس بصورة طبيعية .
وبعدما تأملت ابنتها مفصلاً اضافت تقول :
- وانت لا تبدين بصحة جيدة ايضاً.
ابتسمت فيليسيا وكذبت قائلة :
- بالعكس , انا في تمام الصحة والعافية .منتديات ليلاس
وما ان انتهت من هذا الكلام حتى انهارت في حضن والدتها . ولما عادت الى وعيها فهمت في الحال ما جرى لها . كانت ممددة على الأريكة في الدار وطبيب العائلة قربها يتفحص نبضها . قال لها :
- انت حامل, يا سيدة مونرو . ومن حسن الحظ انني وصلت حين اغمي عليك . فحملتك الى هنا في الحال. لن تتعرضي لأي مشكلة اخرى , صحتك جيدة كجميع افراد آل فالنورتن.
ثم نظر الطبيب نحو الفيرا , والدة فيليسيا , وأضاف يقول :
- هذا الخبر السعدي سيكون افضل علاج بالنسبة الى الكولونيل !
ولما ذهب الطبيب صعدت فيليسيا الى غرفة والدها . نظر اليها بوجه شاحب ومشدود . وبصوت ضعيف همس مبتسماً :
- فيليسيا , حبيبتي , هذا لطف منك أن تأتي للاطمئنان عن صحتي . العارض بسيط والخطر قد زال . وضعت ذراعيها حول عنق والدها وقالت :
- كيف حالك الآن , يا ابي ؟
- افضل بكثير . لا اشعر بالألم , لكنني متعب فقط. وبسرعة سأستعيد نشاطي وأقف على قدمي . هذا مفروض , اليس كذلك؟
وبابتسامة مليئة بالحنان قالت فيليسيا:
- هل تشير الى الطفل ؟ عليك اذن أن تستعدي جميع قواك كي تستطيع ان تركض وراء حفيدك .
هز رأسه موافقاً وأغمض عينيه . جلست قربه حتى نام , ثم غادرت الغرفة بلطف واعدة نفسها ان تأتي غالباً لزيارته .
ابتهج كورتيس للخبر السعدي ولكونه سيصبح اباً . ومنذ ذلك الحين اصبح يعامل زوجته وكأنها تمثال من الخزف, فأضطرت الى تذكيره بأن هذا النبأ حادث طبيعي جداً.
استأنف الكولونيل جميع نشاطاته في الاسبوع التالي, وكانت فيليسيا تزوره يومياً . وأ[رق بلان مهنئاً شقيقته وواعداً بزيارة المنزل العائلي في أقرب وقت . وشرعت فيليسيا في تحضير جهاز الطفل, آملة ان يصبح كورتيس قريباص اكثر اليها بوجود وريث يدعم علاقتهما .
وباخلاص حاولت ان تنسى نورا ستافوردلي كلياً. وذات يوم توجهت مع والدتها الى لندن للقيام ببعض المشتريات وحضور عرض الأزياء . جلسنا في المقعد الأمامي حيث تقدمت منها سيدتان ترددت احداهن قبل ان تقول :
- انتهز هذه الفرصة كي اقدم لك التهاني بمولود سعيد, يا سيدة مونرو .
كانت هذه المرأة نورا ستافوردلي بالذات . ترتدي زياً من المخمل الأسود واضاءته بمنديل اخضر وضعته حول عنقها . وبابتسامة تهذيب قبلت فيليسيا تمنياتها وقالت بفخر:
- شكراً , لقد جئنا نبتاع جهاز الطفل.

Rehana 30-12-23 07:21 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
ارادت فيليسيا ان تبرهن لهذه المرأة القدرية الجميلة والواثقة من نفسها بأن كورتيس اصبح من الآن فصاعداً رجلاً يكرس حياته لزوجته وعائلته. وللحظات قليلة تجهم وجه نورا ستافوردلي بستار من الحزن, سرعان ما اختفى عندما قالت :
- هذا أمر رائع للغاية أنا سعيدة من اجلك. لاشك ان كورتيس سعيد جداً, نحن صديقان قديمان كما تعلمين .
شعرت فيليسيا فجأة باستلطاف عفوي تجاه الصدق النابع من صوت نورا . لكن , بعد ذهابها , قالت الفيرا هامسة :
- انه لوضع حرج . كيف تجرأت هذه المرأة الوقحة على الكلام معنا, بعدما اشرفت تقريباً على تهديم حياة ابني ؟
ظلت فيليسيا صامتة . ولما غادرتا قاعة العرض كان مقعد نورا ستافوردلي فارغاً.
الأشهر الأولى للحمل كانت مرحلة فرح حقيقي بالنسبة الى فيليسيا . وكلما اشرقت الشمس كلما اصبح مزاجها في الذروة . فالهواء المنعش مفيد لتطور نمو الجنين, لذلك كانت تنظم رحلات في الهواء الطلق , حتى في ايام الاسبوع , لكنها لم تكن تغامر بأخذ السيارة الا في الطرقات الصغيرة وفي الأحياء الهادئة , وذلك بعد اصرار كورتيس على ذلك .
وذات صباح جميل حملت زوادة احضرها الخادم هنري , واستقلت سيارتها , وانطلقت بها الى الحقول الهادئة الا من اصوات العصافير المتنوعة. المنظر منعش ونظيف والمكان مشجع لتربية الأولاد . اخيراً, وجدت زاوية هادئة وهبطت من سيارتها وراحت تتأمل مطولاً وباندهاش المنظر الذي ينبع من الوادي المنخفض الذي يجتازه نهر ضيق ازرق.
الأزرق لون الصبي, ويتفاؤل تخيلت ابنها يمتطي قربها , على حصانه الأول. وتمنت ان يكون المولود صبياً يحمل ملامح والده السمراء ورأسه الفخور الشامخ .
بعد الغداء تناولت كتابها وقرأت جزءاً كبيراص منه ثم قررت الذهاب الى ابراج نورتن . رائحة الخضاروالأزهار الجديدة. تصاعدت من الحقول المجاورة للطريق. حدائق طفولتها كانت تحتوي على العطر نفسه والزغودة اياها والسحر ذاته.
كان الكولونيل على الشرفة يأخذ القيلولة , وقربه تمدد الكلب صغير, فتح عينيه ليرى الزائرة واصدر نباحاً خفيفاً . ففتح الكولونيل عينيه وقهقهت فيليسيا ضاحكة وصرخت :
- ابي , يا له من كلب جميل, هل بامكاني مداعبته ؟
حملت الكلب الصغير الأبيض بين ذراعيها , بدا والدها مضطرباً بعض الشيء , وقال لها :
- صباح الخير كان علي ان اجد شيئاً بعد ذهابك عنا. اسمه قهوة .
- انه رائع , وما رأي والدتي بهذا ؟ اما زالت تكره الكلاب؟
- والدتك ليست هنا . ذهبت صباح اليوم الى ايرلندا لرؤية بلان. لم ار سبباً لذلك, ما دام سيأتي بمأذونيته خلال اسبوع او اسبوعين .
- انت تعرف ان بلان يعني لها الكثير.
اعادت له كلبه الصغير, وجلست قربه وتابعت تقول :
- انوي الا ادلل ابني مثلما دللت والدتي بلان , سيحبك كثيراً. وربما انجب بنتاً .
- انا مع ذلك , ولا شك انها ستكون نسخة طبق الاصل عنك.

Rehana 30-12-23 07:23 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
ضحك وقالت :
- يا لهذا الاطراء. ما رأيك ان تأتي الى العشاء في منزلنا مساء اليوم. سأتصل بكورتيس كعادته عن استقبال مضياف ومنعش وعامل عمه وكأنه والده . والحديث كان مثيراً.
بعد العشاء توجه الجميع الى الصالون لاحتساء القهوة . وكان الكولونيل متألقاً وراضياً وابتسم عندما جاء هنري بصينية القهوة وقال :
- يا لهذه القهوة العطرة . العشاء كان رائعاً , فهنري لؤلؤة نادرة .
اجابه كورتيس مبتسماً:
- انه يدرس فيليسيا فن الطهي الفرنسي.
نظر الكولونيل الى ابنته بحنان . وزاد اعاجبه بجمالها الذي بدا مختلفاً بعد الحمل . آه لو لم تكن رهيفة الحساسية !
يخاف ان ينجرح شعورها ذات يوم . لأنها ما تزال تتمتع بطفولة معينة , في ايمانها ونظرتها الى الطبيعة الانسانية . لقد اهتم بموها بشكل خاص محاولاً ان يطور فيها فضولها الشغوف بالحياة والناس.منتديات ليلاس
ومنذ زواجها نشأت بينه وبين صهره علاقة صداقة حميمة , فوثق به جداً. لكنه يرى, انه رجل حديدي , جسداً وعقلاً. يعتبره فيلسوفاً وليناً , بينما فيليسيا ليست سوى الدفء والكرم .لم يعد بوسعه ان يعلمها بعدما اصبحت ملكاً لرجل آخر . فالتجربة ستعلمها , ويأمل ان يحصل ذلك بلطف ونعومة . وبالرغم من فرحه لرؤيتها سعدية, كانت ابتسامته حزينة عندما تمنى لها ليلة سعيدة .
وفي سريرها راحت فيليسيا تتساءل عن معنى هذه الابتسامة , بينما كان كورتيس يوصل عمه الى ابراج نورتن . ولما عاد الزوج تثاءب بطريقة هزلية وبدأ يخلع ملابسه ثم تنهد قائلاً:
- يا إلهي لم اعد اتحمل الانتظار.
فقالت له بنعومة :
- اذن. تعال الى السرير.
وكالعادة , تحمس قلبها , لمن افكارها انصبت من جديد على والدها فقالت :
- بدا ابي ضائعاً هذا المساء , لقد اشتري كلباً صغيراً جميلاً لسليه . اصبح يمل , بعد ذهابي وغياب بلان. فبالي مشغول عليه .
وعندما دخل كورتيس السرير لمحت الجاذبية الساحرة في وجهه . ثم همس في اذنها قائلاً:
- همومك هي همومي ايضاً . انا زوجك , اليس كذلك؟ لكنني اكيد بأن والدك سيتغلب بسرعة على فراقك ووحدته. لماذا لا ندعوه الى الاقامة معنا الى حين عودة والدتك؟
وفي تلك الليلة حلمت فيليسيا انها ما توال صغيرة. تعيش في ابراج نورتن . تلعب في الحقول مع بلان وترقص تحت الشمس الخريفية. تقطف الأزهار والخضار الرطبة بالندى وتتراشق مع اخيها بفرح كبيرة . ثم راحا يلعبان بالغميضة بين الأشجار وبلان كعادته يختبئ بشكل جيد الى درجة انها تضطر ان تناديه من دون ان يرد عليها .
ظلت تناديه بصوت عال وتبحث عنه الى ان شعرت بالارهاق , فتمددت على العشب وغطت في نوم عميق. فجأة سمعت صوت انسان ينحني فوقها ويعانقها بلطف, عندما استيقظت من نومها واسمه على فمها :
- مهلاً , مهلاً يا حبيبتي . كنت تحلمين وها انت في السرير قربي!
كان كورتيس قد وضعها بين ذراعيه رافعاً عن جبينها الرطب شعرها الأشقر.
نظرت اليه باستغراب وقالت :
- هل عانقتني الآن ؟
- كلا, بل افقت من النوم صارخة بلان بصوت قوي. كنت تحلمين .
- اذن , بلان هو الذي كان يعانقني وهذا ما جعلني استيقظ من النوم . كأنه كان هنا في هذه الغرفة , اذ رأيت ابتسامته بوضوح كما اسمع صوتك الآن . آه يا كورتيس , هل حدث له شيء ما ؟
كانت عيناها مغروقتين بالدموع وصوتها يرتجف بشدة . لا تنسي انه شاب ناضج ووالدتك معه في ايرلندا . يا حبيبتي , انسي هذا الحلم وعودي الى النوم . اغمضي عينيك الآن .
طبع قبلة حنونة على جفنيها , فغطت في نوم عميق من جديد.

نهاية الفصل

Rehana 02-01-24 08:26 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 

7- هل هناك اصعب على المرأة من فقدان جنينها؟ وكيف اذا كانت تحمل نوأما واذا كان القدر يخبئ لها فاجعة اخرى وراء الباب ؟ صمودها في وجه كل هذا لن يكون سهلاً على الاطلاق.


افاقت فيليسيا من نومها متأخرة . ولما القت نظرة الى ساعة يدها عرفت ان كورتيس ذهب الى عمله من دون ايقاظها . كل صباح يغادر المنزل في الثامنة والنصف , والساعة الآن تجاوزت التاسعة .
اشعة الشمس تملأ الغرفة جاعلة كابوس الليل ذكرى بلا اهمية , كأنما ما شاهدته في الليل حلم عابر.
استحمت مطولا في الماء الساخن ثم راحت ترتدي ملابسها وتفكر بوالدها وتلوم نفسها لأنها لم تطلب منه قضاء اللسل هنا بدلاً من العودة الى ابراج نورتن . ثم وعدت نفسها بأن تزوره في وقت الغداء وتعيده معها .

Rehana 02-01-24 08:26 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
جاء هنري ليأخذ صينية الفطور وقال لها :
- العمال انتهوا من العمل في غرفة الطفل ويتمنون ان تلقي نظرة عليها قبل ان يذهبوا , لعلك تريدين القيام ببعض التغييرات .
كل شيء على اكمل وجه وينطبق تماماً مع التصاميم الموضوعة من قبل كورتيس وزوجته . الجدران الخضراء الفاتحة والمهدئة لعينين الطفل الحساسة, الاثاث الابيض الجميل تتخلله رسومات لشخصيات وولت ديزني , الخرائف العديدة وصناديق الألعاب. وفي احدى الزوايا حصان هزاز هدية من الكولونيل وزوجته وذئب ضخم من اخيها بلان .
سحابة غامضة حجبت عينيها , فراحت تفكر بغرفة طفولتها حيث كانت تلعب مع بلان بفرح كبير. الآن ستصبح هي اماً وبلان خالاً . اجتازت الغرفة لتتأمل من خلال النافذة الاشجار التي تأوي العصافير في اعشاشها . بدت الحديقة خضراء منعشة , مليئة بالاسرار وغنية بالمفاجآت ووعود الجن والاقزام والعفاريت .
امتعضت فيليسيا لدى دخول هنري الذي جاء يناديها الى الهاتف . كانت انيتا على الطرف الآخر فقالت لمعلمتها :
- هل بامكانك المجيء حالاً , اعتقد ان الكولونيل تلقى اخباراً سيئة منذ قليل , بعدما قرأ البرقية التي وصلته هذا الصباح فدخل الى مكتبه واقفل على نفسه ولا يريد ان يدعني ادخل اليه .منتديات ليلاس
كانت فيليسيا ترتجف عندما اقفلت السماعة وراحت تقول لنفسها : هدئي من روعك , فلا جدوى للخوف والهلمع . ابي المسكين , عليّ الذهاب في الحال . في هذه الاثناء ملأ الظلام ارجاء الغرفة وتساقط المطر بقوة . شعرت بقشعريرة تلف جسمها . وركضت الى المرآب من دون ان تأخذ معها معطفاً واقياً. وما ان اجتازت الشارع حتى انزلقت السايرة الى جانب الطريق وارتطمت بشجرة كبيرة . سمعت صوت صرير العجلات وتحطم الزجاج , ثم , الظلام تام .
عادت الى وعيها وسط رائحة الاثير والجدران البيضاء. امواج تميل حولها , وسمعت صوتاً يقول :
- مسكينة , هذه المرأة لم تخسر فقط ولداً بل اثنين ...
سقطت هذه الكلمات عليها كالصاعقة , تاركة فيليسيا في فراغ من الاحاسيس , مثل ولد صغير اضاع طريقه , ظلت تسمع الهمسات البعيدة وتمنت لو بامكانها اسكاتها , لكن صدى الكلمات الاولى يعود بقوة اليها : لم تخسر فقط ولداً , بل اثنين . طفلان . توأمان . شعرت بالألم يجتاحها كلياً. كيف بامكانها ان تتحمل كل هذه الصدمة واحست بأيد غريبة , قاسية, بلا رحمة , تعبث بجسمها حتى التمزيق. هل يمكن للمرء ان يقاسي هذه الآلام من دون ان يموت . بدأ العرق يتصبب من صدغيها . ففتحت فمها لتتنشق قليلا من الهواء, ابتعدت عنها الايدي الطاغية , لكن وحدها الاصوات ظلت تحدث ضجيجاً رتيباً في رأسها . ماذا بامكانهم ان يقولوا بعد كل ما قالوه , التوأمان غادراها ولا تريد الا الهرب بعيداً عن هذه الاصوات . حتى الحيوانات مسموح لها ان تختبئ لتلعق كدماتها . لكن الكدمة التي اصابتها لا شفاء لها . جن جنونها وشعرت بالارهاق في هذا الحر القوي وبين هذه الاصوات المنفرة . لكن انفتح الباب وقادوها الى ممر طويل منعش , فشعرت بارتياح كبير وسلام هادئ. اخيراً نامت.
وخلال اسبوع بكامله منعت عنها الزيارات . فظلت ممددة في سرير المستشفى مثل دمية من شمع. الممرضات يغسلن جسمها ويطعمنها ويرتبن سريرها . حتى بدت وكأنها لا تعي شيئاً. لم تكن تملك القوة لتعد الايام , الى حين افاقت ذات صباح ووجدت كورتيس جالساً قربها . عيناه مليئتان بالحب والقلق .

Rehana 02-01-24 08:27 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
همس قائلاً وهو يأخذها بلطف بين ذراعيه :
- يا حبيبتي المسكينة .
شعرت بالامان بعد ان ضمها الى صدره واسترخت في موجة بكاء هزتها حتى اعمق اعماق روحها .
حاول كورتيس تهدئتها , من دون جدوى. الجليد الذي كان يسجن قلبها ذاب فجأة , والغيوم في عقلها انكشحت وبدأت تشعر من جديد بما كانت تحاول نسيانه. لكن امراً واحداً ظل يعوم في محيط يأسها : التوأمان اللذان لن يريا النور. الحياة التي بنتها حولهما اصبحت الآن حلماً. وهي المسؤولة الوحيدة عن موتهما . مسكين كورتيس هو ايضاً سيعاني من ألم فراقهما.
ناولها كورتيس منديلاً لتمسح دموعها , فرفعت نحوه نظرها وقرأت في وجهه ملامح العذاب والحسرة . بكت ثم قالت متلعثمة :
- انا ... انا آسفة . قل لي ... انك سامحتني . انها غلطتي كلياً.
لامس بفمه جفنيها الملتهبين وهمس في اذنيها كلمات العزاء وقال لها بأنه لا مبرر للسماح وان الحياة ما زالت موجودة ومستمرة .
شعرت بالارتياح والسعادة واخذت وجه زوجها بين يديها في حنان ورأفة لكنها فوجئت بتعبير وجهه الحزين وتجاعيده العميقة .
همست تقول له :
- مسكين يا كورتيس . ها انا سبب حزنك ؟ تصرفت بحمق باسراعي في مغادرة المنزل . انها غلطتي أنا .
امرها بحزم قائلاً :
- انه الماضي . ما حدث قد حدث ولا يمكننا ان نفعل شيئاً .
- انت على حق . كنت في طريقي الى رؤية والدي. اين هو , ماذا حدث له ؟ لماذا لم يأت لزيارتي ؟
- والدك غائب في الوقت الحاضر. انه في حالة جيدة ولا سبب للقلق عليه . في كل حال انا اهتم به ايضاً.
- هل يعرف انني هنا ووالدتي وبلان هل يعرفان ...
كانت عيناها مرتعبتان واعصابها مشدودة في انتظار جواب كورتيس . فكر ملياً قبل ان يشرح لها اخيراً :
- ياحبيبتي المسكينة , لقد تعرضت لحادث كبير. ولولا اسراعك وعدم اغلاقك باب السيارة جيداً, لما كنت هنا الآن . عندما ارتطمت السيارة بالشجرة , رمتك الصدمة الى الخارج . لو بقيت في الداخل للقيت حتفك وحالتك الصحية لم تسمح لك حتى الآن بقبول الزيارات .
وبالحاح قالت :
- هل يمكنني مشاهدة والدي الآن ؟
- اذا اصريت على هذا المزاج القلق , لن تشاهدي احداً. عليك الآن ان ترتاحي والا تأزمت حالتك. سمح لي بزيارتك فقط لأنني زوجك. واذا اكتشف الاطباء ان وجودي سيسبب لك توتراً سيمنعوني من زيارتك في الايام المقبلة. تصرفي بتعقل وكوني صبورة . سترين والدك قريباً اؤكد لك انه في صحة جيدة ووكلني بأن اقبلك عنه.
قبل يد فيليسيا لكنها سحبتها وقالت بجهد:
- حدث شيء ما , اليس كذلك؟ شيء تخبئه عني, ارجوك يا كورتيس , قل لي ماذا حصل. لن تسوء حالتي , عما انا ولا احب المرض.
نظر اليها كورتيس بامعان ثم ازاح عنها وقال :
- اعتقد بأنك ستمرضين اكثر اذا لم افعل شيئاً لأقناعك . هل يكفي اذا استطعت التحدث الى والدك عبر الهاتف انه في رحلة عمل.

Rehana 02-01-24 08:28 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
هزت رأسها ايجاباً . اضاف يقول :
- ولن تطرحي عليّ اي سؤال حتى شفائك الكامل ...
وافقت مرة اخرى فغادر كورتيس الغرفة وعاد حاملا الهاتف على طاولة جرارة . طلب رقماً وهو يبتسم لزوجته وقال :
- آلو , صباح الخير , هنا كورتيس . ابنتك تصر الى التحدث اليك . وترفض ان تصدقني بانك بألف خير. تحدث اليها الآن, ربما تستطيع اقناعها بأن شيئاً لم يحصل .
تناولت السماعة باصابع مرتجفة وقالت :
- صباح الخير , ابي كيف حالك كلمتني انيتا عن برقية وتعتقد انها تحتوي على اخبار سيئة ...
بعد برهة وصل صوت ابيها واضحاً وقوياً اذ قال :
- يا ابنتي العزيزة تصلنا باستمرار اخبار سيئة في المهلة الاخيرة . انا اكيد بأن كورتيس طمأنك وقال لك ان كل شيء على مايرام . من دونه لا اعرف ماذا كان قد حل بي.
وبدا صوته متردداً حين اكمل يقول :
- الخطوط سيئة جداً وآمل ان تسمعيني جيداً. كنت ... كنا حزينين جميعاً للخسارة التي تعرضت لها . والدتك اجهضت ايضاً في حملها الاول واجهل اذا كانت قد اخبرتك بذلك. اصرت على ركوب الخيل وهي حامل واصيبت بحادث جعلها تخسر جنينها الاول.
- ابي , هذا لطف منك ان تخبرني ذلك, هل بامكاني ان اتحدث الى والدتي.
- انها مع بلان , الآن كوني قوية واجتهدي في الشفاء العاجل. اعتقد ان كورتيس حمل رسالة من بلان ارسلها لك في البريد يوم الحادث. ليباركك الله . اعتني بصحتك ودعيني اتكلم مع زوجك. تكلم كورتيس على الهاتف لبضعة دقائق ثم لاحظ انها تنظر اليه وبعينيها الضائعتين سؤال ملح. ابتسم لها وقال :
- والآن , ماذا تريدين ؟
- لديك رسالة من بلان لي؟
اخرج حزمة صغيرة من جيبه وقال بسرعة :
- افتحيها بعد ذهابي , ستطردني الممرضة خارجاً في اي لحظة بعد الآن .
ووصلت الممرضة في هذه اللحظة بالذات , فضمت فيليسيا ذراعيها حول عنق زوجها الذي انحنى وقالت له:
- انت حبي. لا تخف عليّ . ارجوك. لن افكر الآن الا في الشفاء العاجل. وسأستعيد عافيتي عما قريب.
- انا مقتنع كلياً بذلك. وارجوك ان تتذكري دائماً انني قربك.
- هذا لا يمكنني ان انساه حتى لثانية واحدة.
- آمل ان تتذكرينني دائما والى الابد.
انتظرت ذهاب الممرضة لتفتح رسالة بلان, كانت تحتوي على علبة داخلها زوج اقراط بشكل زهرة مطقمة بالماس وكلمة مختصرة كعادته تقول : " عزيزتي فيليسيا, آمل ان تكون هديتي الصغيرة عربون غير ومحبة . حبي , بلان"
نهار السبت جاء كورتيس الى المستشفى ليصطحب زوجته الى المنزل. حملها من السرير الى السيارة ومن السيارة الى المنزل , ووضعها على كرسي امام مائدة الطعام المزينة بأفخم المأكولات الطيبة.منتديات ليلاس
فقال لها الخادم هنري حاملا المشروب :
- انه لفرح كبير لعودتك يا سيدتي .

Rehana 02-01-24 08:28 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
سكب لها كورتيس كأساً وقال :
- لنشرب نخب عودتك يا حبيبتي .
كان الغداء الشهي مؤلفاً من طبق الكبد المقلي كمقدمة , يليه طبق من الدجاج مع الارز والقلويات المختلفة , ثم تورتة بالكريما .وبعد القهوة اصر كورتيس على زوجته ان ترتاح في غرفتها لكنها عارضت قائلة :
- اراك قليلا , يا حبيبي . واريد الاستفادة من وجودك في عطلة نهاية الاسبوع هذا بشكل كلي.
لكنه حملها بين ذراعيه وقادها الى غرفة النوم. ثم وضعها في السرير وقال :
- ارتاحي على الاقل ساعة واحدة. لدي كتابة بعض الرسائل ومن ثم اكون في خدمتك .
وما ان استحمت وبدلت ملابسها حتى عاد كورتيس , فصرخت معترضة :
- ارفض ان اعامل كمريضة , فأنا اتمتع بصحة جيدة ولقد شفيت كلياً.
- لا تلحي كثيراً, كان مستحيلا عليّ ان أنام من دونك قربي. فيك شيء يا حبيبتي , يجعلني بدائياً الى درجة اصبح فيها غير قادر على ضبط نفسي؟
احمر وجه فيليسيا لهذا الكلام وادركت انها تملك قدرة على اضرام شغفه, وان رغبتهما المتبادلة امر ثمين ونادر. اخفضت عينيها فتقدم منها وفي عينيه تعبير حنان ساخر وارداة للأنتظار , وسألها :
- اذن , ماذا نفعل بعد ظهر اليوم؟ انا تحت خدمتك لأطيع اوامراك . لقد فكرت في ان نقوم برحلة في السيارة نحو بحيرة هادئة ونأخذ مركباً يؤرجحنا في الماء, ثم نتناول الشاي وعشاء في مكان مجاور, واخيراً نقضي سهرة هادئة في المنزل نصغي الى الموسيقى الناعمة قبل ان ننام باكراً.
وهذا تماماً ما قاما به. ولما ارتدت فيليسيا ملابسها وضعت الاقراط التي ارسلها بلان لها . فهنأها كورتيس على جمالها وذوق شقيقها وغير الحديث بسرعة . وفي السرير بينما تمدد كورتيس قالت له :
- كتبت رسالة الى بلان لأشكره على هديته . لقد قال لي أبي , بان اخي سيأتي هذا الاسبوع الى المنزل خلال مأذونيته . ولاشك ان والدتي ستبقى معه حتى يعودا معاً.
ضمها كورتيس بين ذراعيه بنعومة فائقة وقال :
- كلا. عليك ان تتحلي بالشجاعة , يا ملاكي . لم اتمكن من اخبارك من قبل, لأنك كنت ضعيفة على تحمل الصدمة , لكن الآن , يجب ان اعلمك بكل ما حصل .
- اي صدمة يا كورتيس , ماذا خبأت عني؟
ببطء وحنان قال لها :
- والدتك وشقيقك قتلا في حادث سيارة يوم وصول امك الى ايرلندا . آه , لو كان باستطاعتي الا اخبرك شيئاً , لكن ذلك مستحيل . وليس بوسعي الا ان اعزيك واخفف عنك الآلام .
اخرستها الصدمة وقشعريرة باردة اجتازت كيانها . فضمها بشدة . اخيراً نظرت اليه بعينين جاحظتين, واستعادت انفاسها وقالت :
- كنت تعرف ماذا حدث ولم تخبرني .
- نعم كنت اعرف .
- كنت تعرف كل هذا الوقت ...

Rehana 02-01-24 08:28 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
ارخت رأسها على صدر كورتيس واغمضت عينيها , فراح يداعب شعرها بحركة مهدئة , مرتاحاً لردة فعلها وخائفاً الا تحبس الحزن في داخلها , قالت :
- لقد قلت انهما ماتا معاً.
- ماتا على الفور . ذهب يلان الى المطار لاصطحاب والدتك . فاصطدمت سيارته بقطار . ويقال انه فقد السيطرة على المقود.
- لكن لماذا , لماذا القدر اراد ان يموتا معاً؟
هذه المرة لم يرد كورتيس . بل ضمها اليه مجدداً.
توجهت فيليسيا الى ابراج نورتن صباح الاثنين بعد ذهاب كورتيس الى عمله . ارادت ان تكون هناك لدى وصول والدها من ايرلندا , حيث ذهب لجلب اغراض بلان وحضور التحقيق .منتديات ليلاس
لما وصلت الى المنزل استقبلتها انيتا بترحاب قائلة بتنهد وحسرة :
- نعجتي المسكينة , الا يكفي ما تحملته من عذاب ؟
- مشغول بالي كثيراً على أبي . عندما يصل ستناول طعام الغداء في الصالون الصغير . انها غرفته المفضلة .
الصالون الصغير , ذو الجدران الفاتحة والستائر الزاهية والبساط العجمي والمقاعد المريحة , لا يحتوي على المظهر الرسمي كبقية غرف الطابق الارضي. كما في هذه الغرفة مداليات الكولونيل ومكتبه الخاص.
لما وصل الكولونيل نظرت فيليسيا الى وجهه مفصلا ورأته مرهقاً للمرة الأولى . نعم , لقد شاخ والدها. لكنه انتصب عندما رآها وابتسم لها . فصرخت وهي ترتمي بين ذراعيه :
- ابي آه يا أبي...
- بنتي المسكينة , احذري , لا اريد دموعاً , تعالي واجلسي . الظاهر انك تألمت اكثر مني . هل كان ذلك قاسياً عليك.
دخلا الى الصالون الصغير وجلسا على الاريكة القديمة , جنباً الى جنب , امسك الكولونيل بيدها وقام بجهد كبير لكبت انفعاله . فأجابته:
- نعم , يا أبي , كان ذلك قاسياً جداً ... عني بانسبة الى كورتيس , خاصة . اصيب بخيبة كبيرة وكل ما حدث كان بسببي أنا . انها غلطتي يا أبي.
- اعرف انك كنت في طريقك الى مؤاساتي . ما كان يجب على انيتا ان تتصل بك وتطلب منك المجيء في الحال . لا انا ولا انت بامكاننا ان نفعل شيئاً.
سقطت دمعة على خده واضاف :
- لا تخافي . فستنجبين البنين والبنات , باذن الله .
- كيف بامكاني التأكد من ذلك ربما لن اصبح اماً ابداً.
- هذه كلمات تافهة . آل فالنورتن اقوياء ومتينون . وانت ايضاً, بالرغم من مظهرك الخارجي النحيل . ستنجبين لا تخافي . انت وكورتيس تتمتعان بصحة وعافية . غيرت الحديث وسألته :
- اخبرني ... عن أمي واخي.
استرخى في جلسته بعد ان ابعد يده . قامت فيليسيا وسكبت له كأساً مقوياً فقال لها :
- اسكبي لنفسك كأساً ايضاً.

Rehana 02-01-24 08:29 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
ملأت كأسها وعادت الى مكانها قربه عندما انفتح الباب .تقدم الكلب الصغير مسرعاً وقفز الى احضان الكولونيل. قال له الكولونيل مهدئاً:
- مهلا , مهلا لقد نسيتك كلياً.
ابتسمت فيليسيا وقالت :
- لكن الكلب ما زال يتذكرك , والآن لنكمل الحديث.
تجهم وجهه وقال بحزن :
- لم أكن راغباً في ذهاب والدتك لزيارة بلان في ايرلندا. اذ كان متوقعاً ان يأتي في مأذونية قريباً.
هز رأسه مراراً , مدعياً اذني الكلب الممدد على ركبتيه. ثم اضاف يقول بصوت بعيد :
- لقد عاد حقاً الى المنزل . عادا معاً ... في علبة . انهما يراقدان في مدفن العائلة ومراسيم الدفن كانت بسيطة وعادية .
- ولم اكن قربك يا أبي المسكين.
- لكن كورتيس كان معي . لا اعرف ما كان جلّ بي لولاه . الآن لدي انيتا للاهتمام بي. لكنني اكره تناول العشاء وحدي , سأعتاد على ذلك. وبامكاني احياناً دعوة احد اصدقائي القدامى . يا لهذا العصر الغريب. قديماً كان عدد النساء الأرامل اكثر من الرجال الأرامل. اما الآن فالعكس صحيح لا ارى سوى رجال ارامل . انا الارمل بين دائرة اصدقائي.
- لكن , هناك كورتيس وانا , يا أبي. الا تحب ان تعيش معنا سنسر لوجودك قربنا باستمرار.
كان حماسها بالغ الاخلاص لكن جوابه جاء دبلوماسياً:
- يا الهي , كلا , فالشباب سعداء عندما يكونون مع بعضهم . في كل حال , فكرت ان اسكن فترة قصيرة في النادي , في لندن. المنزل هنا مليء بالذكريات , ربما لدى عودتي يكون صداها صامتاً.
- أهذا حقاً ما تريده ؟
- نعم , هذا ما اريد. في لندن اكون بعيداً عن الوجوه الشفوقة والتعازي الكثيرة . ويصبح من السهل عليك ان تأتي الى لندن لزيارتي وتناول الغداء برفقتي .


نهاية الفصل

Rehana 07-01-24 06:05 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
8- وتجسد شبح نورا ستافوردلي اولاً على خط الهاتف وثانياً على الضفة الثانية من البحيرة في مسار بالغ الجمال والرقة , لكن الى متى ستعذبها هذه المرأة ؟

خلال الاسابيع التالية لم تكف فيليسيا عن التفكير بوالدها , لقد اشتاقت اليه كثيراً. اضطرت ذات مرة الى زيارة ابراج نورتن بطلب من انيتا التي لم تكن تعرف ماذا تفعل بأغراض بلان الشخصية . ولدى وصولها الى المنزل الكبير, ظلت وقتاً طويلاً حاملة قبعة اخيها في يدها , تتذكر طريقته الخاصة في وضعها على شعره الاشقر المجعد . يصعب عليها التصديق بأنه يرقد الآن في مدافن العائلة جامداً , فاقد الحياة . كما بدا لها غريباً امتلاك والدتها لروح ابنها , حتى في الموت .
توجهت فيليسيا مع والدها الى مدفن العائلة. وبينما كانت تجول نظرها في أكاليل الزهور المضاءة بأشعة الشمس شعرت بسلام غريب يمتلكها , طارداً احساسها المرير تجاه القدر الغدار.منتديات ليلاس
وزعت اغراض بلان على الاقارب والاصدقاء ما عدا بزته الرسمية التي ظلت معلقة في الخزانة. كما وزعت ايضا ملابس السيدة فالنورتن , فتحولت الغرفة الكبيرة الى غرفة خاصة بالكولونيل وحده, سيعيش فيها بعد عودته من النادي في لندن.
وخلال فترة النقاهة , امضت فيليسيا معظم اوقاتها , تتمشى عبر الوديان والتلال المجاورة لمنزلها . وتدريجياً عاد اللون ينير وجهها. اما كورتيس فكان مشغولا جداً في عمله , يعود الى المنزل في ساعة متأخرة من الليل . وذات مرة امضى ثلاث ليال متواصلة في شقته الصغيرة في لندن لانشغاله في قضية شديدة الصعوبة .
وفيليسيا حزينة حتى الملل , تشتاق الى زوجها وتنتظر بفارغ الصبر مكالمته الهاتفية كل مساء . وفي اليوم التالي لغيابه رنّ الهاتف باكراً وما ان تناولت السماعة حتى سمعت صوتاً نسائياً يقول :
- آلو , كورتيس ؟
فوجئت فيليسيا واجابت :
- كورتيس غائب . هل بامكانك ان تتركي له رسالة؟
- كلا, كلا , الامر ليس مهماً.
كان الرد سريعاً جداً. ولما اقفلت السماعة ادركت ان الصوت الذي كلمها , هو صوت نورا ستافوردلي. وفي اليوم التالي توجهت فيليسيا الى لندن لتناول الغداء مع زوجها وفي اعماقها اخفاق للثقة بنفسها . وقررت عدم اخباره عن المكالمة الهاتفية .
كان ينتظر في المطعم . ولما تقدم منها مسرعاً راح قلبها ينتفخ حباً وكبرياء لرؤيته الجذابة, بقامته الممشوقة واسنانه الناصعة التي تضيء وجهه الاسمر .

Rehana 07-01-24 06:07 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
قادهما مدير المطعم الى طاولة في احدى الزوايا الهادئة حيث بامكانهما الحديث بحرية, وأمر الخادم باحضار المأكولات المفضلة لديهما . وباعجاب تأمل كورتيس ثوب زوجته العاجي وحدق بها مطولا قبل ان يسألها :
- هل اشتقت إليّ؟
- كثيراً, الى درجة اني منعت نفسي من المجيء الى شقتك والجلوس قربك في السرير.
ابتسم وقال :
- ولماذا لم تفعلي ذلك يا حبيبتي المسكينة , اخاف ان اكون قد اهملتك بطريقة قاسية, لكن اليوم هو آخر يوم لغيابي الاضطراري. ما رأيك لو تحضرين اليوم مرافعتي ؟ لا سبب لأن اقول لك بانني سأربح الدعوى.
- لا يمكنني يا كورتيس. ليس في جلسة عامة!
- ولم لا ؟ القاضي غير تمام هو الذي سيرأس الجلسة . الا تحبين سماعه؟
اجابته ببساطة :
- انت من اريد الاستماع اليه.
ذهبت الى المحكمة بعد الغداء وشاهدت كورتيس في خضم العمل, هادئاً كعادته . كل كلمة ينطق بها لها صداها عند الجمهور . وبعد كلمة القاضي غيرتمام اختلت اللجنة المحاكمة لاصدار الحكم .وكانت النتيجة ان المدعى عليه كان بريئاً.
تناولت فيليسيا عشاء خفيفاً بصحبة القاضي وكورتيس. ثم توجهت مع زوجها الى المنزل . وفي الطريق اقترح عليها كورتيس قائلاً:
- هل تحبين الذهاب الى باريس؟
كانت وكأنها تعيش حلماً, تسبح في غيمة بيضاء. فعودة كورتيس الى المنزل ملأتها بفرح كبير.
- هل نذهب الى باريس في عطلة؟
- كلا. عرض عليّ القيام بمرافعة في قضية مهمة, في باريس , ولا اريد ان آخذ قراراً الا بعد موافقتك. اذا وافقت يعني بقاؤك وحيدة في المنزل.
- لماذا تطلب رأيي ما دمت لا اعرف شيئاً عن القضية. هل الامر شديد الاهمية ؟
- بالفعل, انها فرصة تشرفني, لأنه يوجد في باريس مرافعون بارزون بامكانهم ان يقوموا بالعمل بطريقة جيدة مثلي.
نظرت المرأة بحزن الى خاتم الزواج الذي كان يلمع في الظلام وظلت محنية الرأس لئلا يرى تعبير وجهها , ثم قالت :
- ما دام الامر مهماً بالنسبة اليك من الافضل ان تذهب الى باريس اذن .
اغرورقت عيناها فسألها بسخرية :
- هل اذهب برضاك؟
- كم من الوقت ستبقى هناك؟
- حوالي ستة أشهر!
مزقها الجواب القاسي واخرسها . ران الصمت داخل السيارة . لكنه اوقف المرحك فجأة وواقف سيارته على جانب الطريق, ثم وضع يديه على كتفي زوجته وادارها نحوه . كانت عيناها خفيضتين ورموشها رطبة. أمرها قائلا :
- انظري اليّ, يا فيليسيا . عيناك كالبنفسج الرطب بعد المطر . يا ملاكي المسكين, انا انسان متوحش. هل احزنك ان افكر بتركك وحيدة ؟

Rehana 07-01-24 06:08 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
لم ترد , فردد السؤال بالحاح, كمن يلاعب السكين في الجرح :
- خذي قراراً ارجوك. ان اتركك وحدية امر يؤلمني كثيراً, ذلك لأنني لا استطيع ان اعيش من دونك.
- آه , يا كورتيس , يا حبيبي الاحمق. كنت سأموت مزناً. لماذا طرحت عليّ هذا السؤال اذن ؟
اجابها وهو يضمها اليه بحنان:
- حتى اسمع جوابك الصريح.
ابعدته فيليسيا ببطء عنها وسألته بصوت حزين :
- متى , ستذهب الى باريس؟
صحح سؤالها اذ قال :
- متى سنذهب الى باريس؟
- هل تعني ... معاً؟ الن ازعجك هناك؟
- طبعا لا.
- لكن, لا يمكنني ان اترك والدي وحيداً كل هذه المدة .
- هو الذي تركك , الا تتذكرين انه يعيش في الوقت الحاضر داخل النادي ويبدو انه مسرور بوضعه . سنتناول العشاء معه لراحة ضميرك.
ولما توحها الى النادي كان الكولونيل في حالة جيدة, افضل بكثير من الايام الاولى. قال لهما :
- امضي وقتي برفقة اصدقائي القدامى . نتبادل الذكريات . ربما ابقى هنا طيلة فصل الصيف ولن اعود الى ابراج نورتن الا في بدء الخريف اللندني, الكثيف الضباب , اذن ستذهبان الى باريس؟ عظيم , باريس عاصمة الشباب.
قال كورتيس:
- انها عاصمة القلوب الشابة . اتمنى ان تأتي لزيارتنا, فوالدتي ستفرح جداً لرؤيتك واستقبالك في مسكنها الباريسي .
وافق الكولونيل قائلا:
- انها حقاً امرأة رائعة . لا تنس ان تشكرها للطفها ومحبتها لابنتي .
ابتسم لابنته بحنان وقال :
- افرحي وتمتعي كثيراً يا حبيبتي , ولا ينشغل بالك عليّ.
وفي طريق العودة قالت فيليسيا لزوجها :
- والدي كان على حق فيما يختص والدتك. لقد كتبت اليّ رسائل رائعة عندما فقدت التوأمين . لم اكن اعلم بأنه كان لك اخاً آخر .
سألها من دون اي انفعال واضح:
- هل اخبرتك والدتي عنه؟
- نعم , قالت لي انه كان ابنها البكر ويكبرك بخمس سنوات , حدثني عنه, من كان يشبه.؟
- كان يشبه والدتي ويحب حياة المدينة .
هذا ما قاله ولم تجرؤ فيليسيا على الاستمرار في طرح الاسئلة , اذ اخذ وجه كورتيس تعبيراً غريباً غير واضح. هزت كتفيها وحاولت اخماد فضولها . لا اهمية لذلك ما دامت ستذهب مع كورتيس الى باريس, في رحلة عسل ثانية .
نظرت باعجاب الى الغرفة المفروشة بالاثاث الابيض والذهبي وقالت :
- يا لهذه الجنة, هذه الفيللا روعة من الجمال .منتديات ليلاس
سألها كورتيس وهو ما يزال على عتبة الباب :
- هل تحبينها ؟
- كيف ؟ طبعاً, انها رائعة .
تقدم منها وقال متوجهاً الى الشرفة :
- تعالي وتمتعي بالمناظر الخلابة.

Rehana 07-01-24 06:08 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
الشرفة تطل على حديقة غنية بالاشجار والازهار المتلألئة بأشعة شمس المغيب. وبعض الغيوم الوردية تعوم في السماء الزرقاء في بحيرة صغيرة تحيط بها الاشجار .ظلت المرأة صامتة تتأمل المياه الهادئة بعينين فاتحتين وبراقتين.
- تبدين سعيدة حقاً, يا حبي , ولأول مرة منذ عدة اسابيع . هكذا احب ان أراك دائماً , كأنما الشمس حبست اشعتها في شعرك الذهبي .
قهقت ضاحكة وقالت :
- انه لطف منك ان تستأجر هذه الفيللا الهادئة. لا مانع لدي ان اعيش في منزل والدتك , لكنك على حق ان تقرر السكن في الريف . الجو هنا مختلف كلياً ويطرد كل آلام المدينة , اليس كذلك؟
قال ببطء :
- حبيبتي , اينما تكونين هي الجنة بالنسبة اليّ. لكنني افهم ما تعنيه , وللقرية حقاً رونقها الخاص. هذا المكان وهذه الفيللا والعشاء الفاخر الذي احضره هنري. ليست كلها سوى امور مادية , مقارنة بالحاجات الروحية والعقلانية .
امسكت وجهه بين يديها وقالت :
- الهذا السبب جئت بي الى هنا؟ هل لأنني بحاجة الى السكينة , في بيئة مختلفة , لأداوي جروحات قلبي المعذب؟
امسك بمعصميها وقال :
- انا فخور جداً بك يا حبيبتي . تعرضت لصدمتين عنيفتين وخرجت منهما والابتاسمة على وجهك. لم تندبي خظك ابداً , كما لم تسأليني عن قضاء ثلاث ليال متوصالة في لندن, تاركاً اياك وحيدة في القرية. انا سعيد لأن هذه المأساة لم تجعلك مريرة . بالعكس ما زلت ناعمة وحالمة ومداعبة . ابقي على حالك يا حبي!
همست في اذنه قائلة :
- اعدك بذلك.
الفيللا تقع على مسافة نصف ساعة من باريس , استأجرها كورتيس من نحات مشهور , عرض معظم انتاجه في كل غرف الفيللا وحديقتها . اصرت فيليسيا على زوجها ان يجلب والدته لتناول العشاء معهما . لقد مرا عليها لدى وصولهما الى باريس , باصرار من فيليسيا التي ارادت تشكرها على الرسائل والهدايا التي بعثت بها خلال وجودها في المستشفى وبعد عودتها الى المنزل . بدت السيدة مونرو شديدة الاناقة في ثوبها المخملي الاخضر وعقد الزمرد البراق , وابتهجت لدى رؤيتها الفيللا الساحرة . فهي تعرف صاحبها معرفة جيدة , ثم راحت تقول لفيليسيا :
- نعم , انه نابغة عصره . يطلب اموالاً طائلة كي يصنع تمثالاً , اذا رآك سينحت لك تمثالاً مجاناً يا فيليسيا, لأن وجهك من نوع خاص .
ضحكت ثم اضافت :
- انه يحب النساء الجميلات , وله جاذبية قوية تجعلهن يقعن في حبه , في الحال .
قالت فيليسيا :
- لا شك انه شخصية مهمة وللاسف لن اراه .
- نعم , لن تريه . الم تقل له يا كورتيس, ان زوجتك ستأتي معك الى هنا ؟
- اخاف اذا رآها ان ينحتها ! ولن اترك لأحد المجال في ان يفعل هذا مع زوجتي.
شربوا القهوة على الشرفة بعدما جلسوا في مقاعد مريحة ومنخفضة . كان الليل حاراً وعطراً . ومن بعيد قرب البحيرة سمعوا شخصاً يعزف على قيثارة بطريقة خاصة والموسيقى الناعمة الحزينة كانت تصلهم مع النسيم العليل , ظلت فيليسيا تنظر الى زوجها الوسيم الذي كان ممدداً في مقعده يدخن سيكاره ببطء وهدوء , فجأة تغيرت الاضاءة وبدت البحيرة تلمع تحت الاضواء .

Rehana 07-01-24 06:09 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
اقترح كورتيس قائلاً:
- من يحب القيام بنزهة الى البحيرة ؟
نهض الثلاثة بترحاب. صعدوا في زورق صغير وراح كورتيس يجذف وكانت هناك زوارق اخرى في عرض البحيرة واصواتاً تعلو من الضفة الثانية . المياه كالحلم في الضوء الغريب المنعكس على وجه كورتيس مظهراً بوضوح كتفيه العريضين .
استرخت فيليسيا في جلستها مسندة ظهرها على خشب الزورق , تنظر الى زوجها وهو يجذف بهدوء وصمت , وكذلك حماتها التي بدت فخورة بابنها . في الحال شعرت فيليسيا بحاجة لأن تسألها عن ابنها الراحل لكنها لم تجرؤ على ذلك محبة واخلاصاً لكورتيس.
ولما وصلوا الى الضفة الثانية , سمعت بوضوح اصوات السابحين العائمين في الماء. ولما وصلوا الى الارض الصلبة , تأبط كورتيس ذراعي الامرأتين وقادهما الى حانة صغيرة مضاءة , ذات جدران بيضاء . احتسوا المشروب الخفيف وشعروا جميعاً بالارتياح .
فجأة شاهدت فيليسيا قامة ممشوقة تدير لها ظهرها نحو البحيرة .ولاحظت شيئاً اليفاً في رأسها وشعرها البراق وتذكرت نورا ستافوردلي في الحال . حبست انفاسها عندما ادارت المرأة رأسها نحو الرجل الذي تقدم منها وادركت في الحال ان صاحبة هذه القامة ليست سوى نورا بالذات والرجل الذي يرافقها لابد ان يكون زوجها .
تقدم الزوجان نحو المقهى وتوقفا امام الطاولة آل مونرو , وبدأت التحيات . قال كورتيس:
- انضما الى طاولتنا . اعتقد انك لا تعرف زوجتي يا كليفورد . فيليسيا اقدم لك كليفورد ونورا ستافوردلي .
جلس الجميع وقال السيد ستافوردلي بالفرنسية وهو يحيي فيليسيا بألحاح :
- تشرفت بمعرفتك يا سيدة مونرو . نقضي هنا اجازة الصيف في فيللا صغيرة نملكها , اكون مسروراً اذا جئتم في عطلة الاسبوع لزيراتنا . انا اكيد بأن كورتيس يحب رحلات صيد السمك . وانت يا سيدتي ستجدين بركة السباحة رائعة لك .
اكملت نورا شارحة :
- المنزل يقع في هذه الجهة من البحيرة .
ثم نظرت الى فيليسيا بلطف غريب واضافت تقول :
- ليس عليك الا اجتياز البحيرة بالزورق للوصول الى منزلنا . في كل حال انا مقتنعة ان كورتيس يتدبر امره جيداً , الزواج يليق به , لأنني لم اشاهده من قبل بهذا الاسترخاء والهدوء.منتديات ليلاس
نظرت فيليسيا بامعان الى نورا وتساءلت كم من الوقت مضى على معرفتها به . ثم اسرعت في القول :
- بما ان وجود كورتيس هنا مرتبط بالعمل فقط , اخشى الا يكون بوسعنا ان نعيش حياة اجتماعية . في كل حال هو صاحب القرار الاخير .
ضحكت نورا وقالت :
- كورتيس يجهل معنى التعب والارهاق . لم يسبق ان التقيت برجل مثله , مليء بالطاقة والحماس. صدقيني إذا قلت لك, إنه قادر على العمل واللهو في الوقت نفسه . انت لا تعرفينه جيداً.

Rehana 07-01-24 06:09 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
قال كورتيس مازحاً:
- كلامك صحيح , يا نورا .
تخيلت فيليسيا فجأة وجه بلان عندما اخبرها بنية كليفورد الطلاق من نورا . ومهما كانت صداقة نورا وكورتيس حميمة , فلن تقيم فيليسيا اي علاقة مع هذه المرأة , خوفاً من تفتح الجراح من جديد . هل تعرف فيليسيا زوجها معرفة جيدة ؟ بدأ الشك ينخرها , عندما لاحظت ان السيد ستافوردلي يتحدث عنها ويقول :
- الزواج يليق بزوجتك ايضاً , انها نضرة وحيوية . وكلما نظرت اليها ابدو وكأنني في التسعين من عمري.
قالت والدة كورتيس بابتسامة حنون :
- نعم , كنتي ناجحة وآمل ان يكون كورتيس مدركاً الحظ الذي حالفه في التعرف اليها .
فقالت نور ستافوردلي :
- كورتيس ليس بحاجة الى ذلك فهو يملك الحسن الغريزي , الذي لا يخطئ , لاختيار الأفضل في جميع المجالات . كل ما يختاره ينال الاعجاب : خادمه هنري انسان كامل وكذلك عادته وملابسه , الجميع يتوافدون الى السهرات التي كان ينظمها في شقته اللندنية وعيوبه قليلة جداً. عندما يحصل له شيء ما , يعرف جيداً كيف يسيطر عليه ثم ينساه كلياً. ربما كان قاسياً احياناً اذا فشلت احدى مؤسساته , لكنه يبعدها من دربه في الحال .
تدخل كورتيس في الحديث من دون اي انزعاج ظاهر وقال :
- يبدو انك رسمتني عن قرب يا نورا . واعتقد ان لا قيمة للرجل اذا كان لا يعرف كيف يخطط برنامج اعماله .
هل الصداقة بين زوجها ونورا متينة الى درجة تسمح لهما بتبادل الآراء بصراحة كلية , ام ان هناك علاقة بينهما اعمق بكثير من هذا ؟ تعرف فيليسيا جيداً ثقة كورتيس جيداً ثقة كورتيس بنفسه وقدرته على السيطرة على افعاله . اصابتها قشعريرة عندما طرحت السؤال على نفسها : هل نورا ستافوردلي جزء من اخطائه النادرة ؟ لم تكن تأمل في الحصول على جواب لهذا السؤال .
نهض كليفورد ستافوردلي ورفع كأسه امام الجميع , كأنه يريد ان يغير موضوع الحديث. كانت نظراته ساخرة احياناً ومليئة بالخيبة احياناً اخرى . وبعد قليل غادر المكان برفقة زوجته بعدما جدد دعوته الملحة .
وبعد اجتياز البحيرة والوصول الى المنزل اخرج كورتيس سيارته لايصال والدته الى المنزل . لم ترافقها فيليسيا , كعادتها , كي تسمح للأم وابنها بعض الوقت من الخلية .
بعد ذهابهما انتابها شعور مرير وهي تتمشى في ارجاء المنزل الكبير, وعاد الماضي الى مخيلتها وشعرت بالحنين القوي يعيدها الى ابراج نورتن , الى ايام الطفولة والمراهقة , الى صداقتها الاخوية الصادقة مع بلان والى علاقتها الواضحة مع والديها .
اغرورقت عيناها بدموع سخية وظلت تزرع المكان بخطواتها مكتفة اليدين فوق صدرها , الى ان شعرت اخيراً بالهدوء والارتياح . فخرجت الى الشرفة لتتأمل الحديقة الجميلة ولتفكر في مصيرها . وادركت في هذه اللحظة ان عليها اكتشاف كل شيء من جديد. واتباع طرق جديدة في حياتها الخاصة وهذه مهمة غير سهلة واي رجوع الى الوراء غير ممكن اذا ارادت ان يكون اتحادها مع كورتيس حقيقياً وشاملاً.
طبيعي ان تكتشف زوايا عديدة في شخصية كورتيس لكن حبها له لن يخطئ ابداً ...
دخلت الى فراشها وغطت في نوم عميق , غير شاعرة بكورتيس عندما عاد الى قربها .

Rehana 07-01-24 06:09 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وفي صباح اليوم التالي , سألها وهما على مائدة الفطور :
- ماهو الشعور الذي احسست به بعد رؤية نورا ستافوردلي مساء امس؟
كان صوته هادئاً وطبيعياً . تأملت فيليسيا بامعان كأس العصير وقالت :
- الم افرح كثيراً بهذا اللقاء , انه امر عادي , نظراً لما فعلته ببلان .
- افهم ما تشعرين به , يا زوجتي الناعمة , لكن ما دمنا نورا وانا صديقين قديمين , فمن المهم ان تصبحي انت صديقتها ايضاً.
- منذ متى تعرفها ؟
- منذ الصغر , كبرنا معاً , فهي تكبرني بثلاث سنوات , ستحبينها متى تعرفت اليها .
- صحيح ؟
- الماضي ولي ولندعه بسلام .
- هناك امور من المستحيل نسيانها , صحيح ان نورا ستافوردلي صديقة قديمة لك , لكنها لن تصبح ابداً صديقة لي .
- انت لا تعرفينها ابداً , لماذا لا تنظري الى الأمور بذهن متفتح ومن دون سوابق؟
نهضت فيليسيا وتمسكت بدرابزين الشرفة كي تخفي ارتجاف يديها , ثم قالت بصوت مترنح :
- تصورت انك جئت بي الى هنا لمساعدتي على نسيان الماضي , غير انك تفرض عليّ جهداً يزيد في اعادة هذا الماضي المرير . كيف تجرؤ وتطلب مني ان اصبح صديقة لأمرأة مثلها لم تدمر حياة اخي وحسب, بل سببت ايضاً لوالدي بعض المشاكل .
- بلان كان يدمر حاله بنفسه , هل نسيت ذلك ؟
قالت بغضب:
- لم انس شيئاً , انا اعرف بأن بلان لم يعجبك , لكنه كان اخي وكنت احبه , ربما كانت لديك حجة لذلك ايضاً.
- ماذا ؟
ران صمت عنيف خلاله كانت فيليسيا تراقب تعبير وجه زوجها القاسي , ثم قالت آلياً:
- ربما لأنك كنت غيوراً.
شحب وجهه وسألها :
- وماذا تقصدين بذلك؟
- كنت غيوراً لأنه كان رفيق نورا ستافوردلي .
امسكها بشدة وقال :
- ردي ما قلته , لا تجازفي بالحكم عليّ ومقارنتي ببلان . لن اتنازل وانفي اتهامك , لكنني افرض منك ان تعتذري مني عندما اعود في المساء . آمل ان تعودي الى رشدك , في اقرب وقت .منتديات ليلاس
ابتعد عنها وترك المنزل . جلست فيليسيا على الكرسي القريب منها وظلت برهة مسمرة مكانها وجسمها يرتجف بعنف . دخل الخادم وقطع حبل تفكيرها قائلاً :
- هل تريدين مزيداً من القهوة الساخنة يا سيدتي ؟
لم تأكل شيئاً , لكنها احتست فنجانين من القهوة , فشعرت بالارتياح وعادت الى غرفتها وتمددت في سريرها .
بعد قليل سمعت صوت كليفورد ستافوردلي يسأل الخادم عنها . فأجابه بأن معلمته مرتبطة بمواعيد كثيرة لكنه سيعلمها بمجيئه . كانت فيليسيا مسمرة النظر في السقف, في حالة انهيار وهبوط الارادة , تفكر بوالدها وبرغبتها في رؤيته الملحة . فبدت لها الحياة فجأة صعبة ومن دون هدف . اشفقت على حالها وراحت تذرف دموعاً سخية .

Rehana 07-01-24 06:10 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
الجدران الاربعة باتت كجدران سجن مظلم من المستحيل الهروب منه . بعد قليل نهضت من السرير وارتدت بزة كاكية وسألت هنري عن مواعيد الباص المتجه الى باريس.
وفي باريس الساحرة شعرت برغبة في التنزه تحت قناطر شارع الريفولي , ورؤية طيور الحمام في حديقة التويلوري, لكنها قررت ان تتناول الغداء قبل أي شيء.
ركبت القطار الذي اوصلها الى الى ساحة صغيرة قرب المدرسة العسكرية . وفي المطعم أكلت شريحة من اللحم المشوي مع الاعشاب والبطاطا المسلوقة والصالصة الطازجة . وبعد وجبة الطعام اللذيذة قامت بتنفيذ ما صممت على القيام به من نزهات . ولما عادت الى المنزل , استحمت وغيرت ملابسها وقررت المطالعة بانتظار عودة كورتيس, لكنها لم تستطع التركيز ابداً. فكرة واحدة تراودها وهي كيفية مواجهة كورتيس لدى عودته . هذه أول مرة يتشاجران فيها .
ولما عاد كورتيس , دخل في الحال الى الحمام ثم ارتدى ملابسه قبل لقاء زوجته في الصلون الصغير . وبصوت عادي سألها :
- هل قضيت نهاراً جميلاً؟
اسرعت الى ذراعيه وهمست تقول :
- آه , يا كورتيس , انا حزينة لكل ما قلته . ارجوك , قل لي انك لست غاضباً مني .
طبع قبلة على اذنها وقال :
- لن اقول ذلك الا بعد ان تتوقفي عن البكاء.
عانقها بشدة وشغف . ثم جلس على المقعد القريب وقال :
- انت منعشة كعين ماء . تملكين لطفاً وعطراً خاصاً ونعومة وعطراً خاصاً ونعومة طبيعية . انت ساحرة يا حبي. اغراؤك لا مثيل له .
- وانت كذلك . احبك.
- رددي هذا الكلام ايضاً! ردديه دائماً!

نهاية الفصل

Rehana 13-01-24 09:51 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
9 - طفح الكيل هذه المرة الى حد انه عاد مع نورا آخر الليل ودعاها الى العشاء في منزله فلم تعد فيليسيا قادرة على الاحتمال , وعدما فتحت قلبها له لم يظهر انه اضطراب او اهتم للموضوع , فماذا ؟

ومضت الايام , جميلة , ممتعة . خلالها كان تصرف كورتيس ممتازاً. والطقس الجميل ساعد الزوجين على الاستفادة من الشمس والتنزه مشياً على الأقدام عبر الممرات الخضراء , او في السيارة لاكتشاف الأماكن البعيدة , المحيطة بمنطقة قصور اللوار . وغالباً ما كانت تأتي والدة كورتيس لزيارتهما او تدعوها لزيارتها . هكذا نشأت لديهما رتابة معينة , اصبحت عزيزة عليهما وضرورية .
كل صباح يتناولان الفطور معاً قبل ذهاب كورتيس الى عمله في باريس . وفي المساء يعود كورتيس الى المنزل , في الساعة نفسها , في اواخر الظهيرة .
احياناً يأخذ عطلة نهار كامل , يكرس جزءاً كبيراً منه في دراسة بعض الملفات اللندينة . فلا مجال ولا وقت لزيارة آل ستافوردلي . وعلمت فيليسيا من هنري انهما قد ذهبا في عطلة . وافضل ما كانت تتمتع به فيليسيا هو موقع منزلها قرب البحيرة , حيث كانت تسبح احياناً , او تراقب من الشرفة السابحين والزوارق الصغيرة والمراكب الشراعية .
كانت تكتب الرسائل الى والدها باستمرار وتصلها منه رسائل عديدة , يخبرها فيها انه التقى اصدقاءه القدامى وانه يمضي معهم اياماً حلوة . كما اصبحت لديه مجالات عديدة للهو والابتعاد عن الأحزان والذكريات الأليمة .
وخلال احدى ايام عطلته , اصطحبها كورتيس الى باريس واشترى لها سيارة رينو صغيرة وقال :
- سأهتم ببيع سيارتك البريطانية في وقت لاحق . اريد ان امحو كل الذكريات المؤلمة التي تتعلق ببلان وبوالدتك .
ثم قررا قضاء بقية النهار في التسكع في الشوارع الصغيرة , كالسواح , فانطلقت فيليسيا بسيارتها الجديدة , عبر الطرقات الفرعية لتعتاد على قيادتها , وفرحت لتمكنها من السيطرة الكاملة على المقود .
وبينما كانا يجتازان الطرقات الريفية قال كورتيس حالماً:
- الذّ ما يفعله المرء عندما يقوم بنزهة في السيارة عبر الريف , ان يتبع طريقاً فرعية صغيرة , متعرجة, فارغة توصله الى مكان هادئ ومقهى صغير, يقدم الطعام اليجد, بعيداً عن الازدحام والضوضاء.
الحانات الصغيرة الريفية , في فرنسا لها ميزة خاصة : الطعام والاستقبال والهواء العليل ...
دخلت السيارة غابات السنديان والصنوبر حتى وصلت الى قمة تلة . هناك اوقفت فيليسيا المحرك ليتأملا معاً المناظر الخلابة الهادئة .
كان كورتيس واقفاً في النور , وذراعه ملتفة حول كتفي فيليسيا . قال :
- انت ابنة الشمس , ذهبية وبراقة مثلها .

Rehana 13-01-24 09:52 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
همست وهي تداعب خده :
- اريد ان اكون دائماً في الشمس معك , وليس في الظلام ابداً.
اخيراً عثرا على مطعم صغير محاط بالأشجار الوارفة . استقبلهما رجل قصير القامة بابتهاج , قائلاً بابتسامة طيبة :
- آمل ان يكون هواء الجبل قد فتح قابليكما ...
كان الطعام بسيطاً ولذيذاً ومتنوعاً . رفع كورتيس كأسه وقال :
- كأس حبنا ! من الضروري القيام غالباً بمثل هذا النوع من الهروب والتسكع , اليس كذلك ؟
وهذا صحيح, فالمأساة التي تعرضت لها فيليسيا في حياتها , وأوهامها العديدة وخيبات آمالها تلاشت وانمحت واصبح الحاضر محاطاً بهالة من الفرح . ابتسمت وجرعت كأسها وادركت ان نهاراً مثل هذا لن يعود الا في الذكريات الجميلة .
عادا الى المنزل وقت غياب الشمس. اخبرها كورتيس بأن القضية التي يعمل عليها تتطور بشكل جيد ولابد ان يصدر الحكم فيها خلال ثلاثة او اربعة اشهر , بدلاً من ستة اشهر كما كان متوقعاً في البداية . وعرفت فيليسيا ان حياتها الغزلية في الفيللا لن تدوم ابدياً. لكنها كانت مقررة الا تفسد هذا الانسجام النادر خلال وجودها هنا .
ذات مساء, وكان قد مضى ثلاثة اشهر على اقامتهما في فرنسا , اجتازا البحيرة وتوجها الى المقهى الصغير لاحتساء القهوة . وفي طريق العودة سمعا صوتاً يناديهما . التفتا نحو مصدر الصوت وشاهدا كليفورد ونورا ستافودلي واقفان في شرفة المقهى , يشيران بالتحية والسلام.
بدت نورا متألقة ونضرة بينما زوجها يحدق بفيليسيا بالحاح , ثم ضحك والتفت الى زوجته ووشوشها بضعة كلمات ثم عاد ينظر الى فيليسيا من جديد. شعرت فيليسيا بانزعاج غريب وخوف لا تعرف سببه .منتديات ليلاس
تنفست الصعداء عندما رأت زوجها يستعد للاقلاع باتجاه المنزل . القت نظرة اخيرة الى نورا ولمحت في وجهها تعبيراً حزيناً ومرهقاً ومأساوياً . هل هي حزينة بسبب موت بلان ام ان كورتيس هو السبب ؟ غيمة كئيبة اجتاحت سعادتها . كانت تتمنى الا ترى آل ستافوردلي ابداً وخاب ظنها .
نظرت الى كورتيس يقود الزورق بسهولة وبطء ولم تجد في وجهه فرحاً معيناً بلقاء اصدقائه. غير انها كانت تعرف انه ذكي في كبت انفعالاته وعدم اظاهرها بسهولة . هل حكمها عليه خاطئ ؟ هل اصبحت امرأة غيورة ؟ اخيراً سألت كورتيس بخجل:
- هل كليفورد ستافوردلي رجل ... سكير !
- لماذا تطرحين عليّ هذا السؤال ؟
- هل هو سكير ام لا ؟
- نعم كان سكيراً .
كانت نبرة صوته تظهر عن استيائه لهذا الحديث. لكنها اصرت على المتابعة وسألته :
- انت لا تحبه , اليس كذلك ؟
- وهو ايضاً لا يحبني .
- لكنك تحب السيدة ستافوردلي كثيراً .
اجاب بسخرية :
- نعم .
اتكأت على طرف الزورق ووضعت اصبعها في الماء كي تخفف من اضطرابها الداخلي . لماذا لا تستطيع القبول بهذه الصداقة التي تربط كورتيس ونورا, والتي نشأت منذ الصغر , وقبل زواجها بكثير ؟ الخوف سيطر على كل انفعالاتها ومنعها من تقبل كل ذلك, مع ان عقلها وادراكها يقولان لها بضرورة السيطرة على عواطفها وتجاهل اللهب الأعمى الذي ينغز قلبها .ما أقسى الشك واين الحقيقة ؟

Rehana 13-01-24 09:53 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
الليل يلفهما بجماله الساحر . كيف باستطاعتها التفكير في مثل هذا الجو ؟ كورتيس قربها وعليها ان تعيش الحاضر معه . وما ان فكرت بحبها له حتى اختفت جميع الشكوك . قال لها حالماً بعدما شطط على الضفة الأخرى :
- تشبهين تمثال العذراء مريم . لكن ارجوك , عودي الى الحياة .
ولما وصلا الى المنزل خرجا الى الشرفة . احاطها بذراعيه وهمس قائلاً :
- الليل لنا يا حبي , انه ينادينا , هل تسمعينه ؟
- نعم , اسمعه .
وبنعومة وضعت ذراعيها حول عنقه , فانحنى نحوها وحملها بسرعة وادخلها الى الغرفة .
فيليسيا تحب الشمس وحرارتها الى درجة انها تبدو كالتفاحة الناضجة . عندما لا تستحم في البحيرة تخرج الى الشرفة وتتأمل الطبيعة باسترخاء وابتهاج . ذات يوم سمعت صوتاً يناديها . قال كليفورد ستافوردلي باناقة مصطنعة :
- سيدة مونرو , جئت اقترح عليك الافادة من سيارتي للذهاب الى باريس . يسعدني ان ألبي طلبك .
اجابته بتهذيب مصطنع :
- اشكرك, يا سيد تسافوردلي , لكن لدي سيارتي الخاصة . هذا لطف منك ان تفكر بي.
قال من دون انزعاج :
- مرة اخرى , ربما ...
- اخشى الا يكون هناك مرة اخرى .
- هل حذرك احد مني . للأسف . والا لكنا امضينا اوقاتاً ممتعة معاً.
- انت مخطئ كلياً. لكنك وقعت على امرأة متزوجة تبحث عن رفقة الرجال .
- يا لهذا الخلاص غير المتبادل , انه محزن حقاً.
- ماذا تعني ؟
- اعني , زوجتي ... وزوجك . لا شك انك على علم بالأمر , لقد وقعا في غرام بعضهما البعض من زمان بعيد . انا آسف لنورا , فلم يعد لها بعد الآن سوى حظ واحد وذلك بانتظار النهاية .
- لا اصدق كلمة واحدة مما تقوله . انت كاذب . اذهب واحتفظ بهذه التكهنات الوقحة لنفسك . اذهب .
لم تعد تحتمل وجوده دقيقة واحدة . فدخلت الى غرفتها مسرعة . ثم قررت الخروج لتهدئة انفعالها , واجتازت طريقاً ضيقاً باتجاه البحيرة الى وصلت الى باب الحديقة . وبدلاً من فتحه. وبدلاً من فتحه , اتكأت عليه لاهثة ومضطربة : لقد صدقت كل ما سمعته من فم ستافوردلي.
ظلت جامدة مكانها وقد عمتها الغيرة . ثم عادت الى الفيللا بخطوات بطيئة والافكار والهواجس تملأ عقلها . استحمت ثم تمددت في سريرها وراحت تذرف دموعاً سخية .
في المساء ارتدت ثوباً بسيطاً وسمعت دقات ساعة الحائط. انها السابعة مساء . لقد تأخر كورتيس بالمجيء . انتابها القلق وقررت النزول الى الصلون . بعد قليل يمعت محرك السيارة , فراح قلبها يطرق بقوة جنونية . في البدء لم تر الا نقطة بيضاء تتمايل قرب كورتيس . اخيراً , تقم كورتيس منها ترافقه نورا ستافوردلي , التي قالت معتذرة :
- انا آسفة , لقد اصريت على المجيء مع كورتيس لأقدم لك اعتذاري. انا التي حجزته في مكتبه الى هذه الساعة المتأخرة . آمل ان تسامحيني .
فقال كورتيس في الحال :
- مساء الخير يا حبيبتي , آسف لتأخري . اقترح في ان ندعو نورا الى العشاء كي نقاصصها.

Rehana 13-01-24 09:53 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
كانت نبرة صوته مقنعة وقبلته مهدئة , ثم اضاف يقول :
- هل ترافقين السيدة ستافوردلي الى الصالون الكبير ؟ سأقول لهنري باضافة صحن على المائدة .
لم تجرؤ على النظر الى زوجها خوفاً من ان ترى نظراته موجهة الى المرأة المتألقة قربه . اكتفت بالابتسام للضيفة على مضض.
وكالعادة كان تصرف كورتيس مضيافاً وطبيعياً . اما فيليسيا فكانت مضطربة حتى الانزعاج . اكتفت بتأمل المرأة بفضول مؤلم , ولاحظت بأن كورتيس , مثل بلان , وقع تحت سحر هاتين العينين الخضراوين والشعر المشع والصوت الجذاب.منتديات ليلاس
قررت فليسيا اخيراً الابتسام والكلام والاصغاء بتهذيب , كي لا تظهر للضيفة مخاوفها وحزنها . شعرت بالارتياح عندما انتهى العشاء. لكن عندما ذهب كورتيس لايصال نورا في سيارته , وجدت فليسيا نفسها وحيدة , ضائعة في جزيرة تأسفاتها . وفي حذر توجهت الى الشرفة لتتأمل مياه البحيرة الهادئة في الليل , هذه المياه القاتمة كأفكارها . وتساءلت بيأس بارد : ماذا عليّ ان افعل ؟ هل اقبل فشلي وارحل , ام ابقى واتقاسم زوجي مع امرأة اخرى ؟
رفعت فليسيا شعرها عن جبينها لعلها تتمكن من ابعاد الهواجس والانفعالات عن كيانها والصول الى تفكيرها واضح . وساتطاعت بعد جهد تذكر قوة كورتيس وحنانه وغنى علاقتهما . فشعرت بحاجة ملحة اليه . وادركت انها لا تستطيع العيش من دون حبه . اذ بدا لها بوضوح ان الطريق الوحيدة الممكنة لسعادتها تكمن في النضال من اجل الحفاظ عليه . صحيح انها تملك الشجاعة , لكن كرامتها عزيزة ولا تتحمل العيش مع رجل يفضل عليها امرأة اخرى . توجهت الى الصالون الصغير وقررت انتظار عودة كورتيس , والتحدث اليه في هذا المساء بالذات .
سمعت محرك السيارة , وبعد قليل دخل الى الغرفة متألقاً كعادته وقال لها :
- تعالي يا حبيبتي واخبريني ما فعلته اليوم , ولماذا كنت غاضبة عندما وصلت برفقة نورا؟
- آه , تأتي بهذه المرأة الى هنا وتعترف لي بأنها كانت سبب تأخرك ثم تسألني لماذا كنت غاضبة , هل كان هذا ضرورياً ولماذا ؟
اجابها بلهجة باردة :
- نورا ستافوردلي صديقة وليس عليّ ان اشرح لك أي شيء آخر . ماذا جرى ؟ لم يسبق ان رأيتك بهذه الحال . كنت دائماً لطيفة ...
- ولينة , اليس كذلك؟ هذه هي المشكلة . تفعل وتقول كل ما تريده .
- احذري يا فليسيا, ارفض ان اتشاجر معك بهذا الموضوع السخيف. هل من ذنب ان اصطحب صديقتي وادعوها الى العشاء في منزلي؟
- نعم , اذا كانت رفيقتك هذه حباً قديماً ما زال ينبض فيك بوضوح . لا اعتقد ان الموضوع سخيف كما تتصوره . ما رأيك لو جئت متأخرة الى المنزل , بصحبة كليفورد ستافوردلي , واطلقت عذراً مما ثلاً؟
اجابها متقلصاً:
- هذا امر مختلف كلياً.

Rehana 13-01-24 09:54 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- بالفعل , انه امر مختلف , ذلك لأنني احترمك واحترم وضعي , كأمرأة متزوجة . كان بامكاني ان افعل الشيء نفسه مع كليفورد ستافورلي, لكنني لا ارغب في اقامة علاقة مع هذا النوع من الناس.
صرخ بصوت هادئ قبل ان يمد لها يده :
- انا مسرور جداً بك , يا ملاكي. تعالي عانقيني ولننسى سوء التفاهم هذا . ارفض ان يتدخل آل ستافوردلي بيننا بأي طريقة كانت .
- انت الذي جئت بها الى هنا .
انتهزها بقوة :
- تعالي الى هنا .
لم تبتعد من مكانها , وبعناد سألته :
- لماذا جئت متأخراً ؟ من حقي ان اعرف .
- جاءت نورا الى مكتبي لتطلب مني نصيحة مهمة , كوني صديقها القديم. نعم لاحظت ان الوقت متأخر , لكنني لم استطع رفض مساعدتها.
رفعت ذقنها بتحد وقالت :
- انا اكيدة انك لم تستطع ...
تقدم منها ووضع يده على فمها . عانقها بعد ان ضمها اليه بشدة . ثم قال لها :
- الست مقتنعة بأن المرأة التي احبها هي انت وليست نورا ؟ لماذا انت غاضبة ؟ ... لحظة ... لقد ذكرت في حديثك كليفورد ستافوردلي , ماذ اخبرك؟
حاولت فليسيا ابعادها عنها لكنه ظل متمسكاً بها بقوة . اجابته :
- كنا نتحدث عن تأخرك , هل تتذكر انك لم تشرح لي لماذا تأخرت ولماذا دعيت نورا ستافوردلي الى العشاء.
ابتعد عنها قليلاً ونظر اليها بامعان وقال :
- هل تبعدينني عنك لهذا السبب؟ انها المرة الأولى , هل تستخدمين هذه السهرة التعيسة حجة في ابعادي عنك هذه الليلة ؟
فوجئت فليسيا بكلامه الوقح فقالت :
- كيف تجرؤ ان تقول هذا الكلام وانت تعرف انني احبك اكثر من اي شيء آخر في هذا العالم ؟
لأن تعبير كورتيس , فأمسكها من كتفيها وسألها بنعومة :
- ماذا هناك اذن ؟
- آه , يا كورتيس , الا ترى ان السبب نورا ستافوردلي ؟ معروف عنها انها امرأة قدرية وترفض ان تقول لي لماذا اخرتك بالمجيء الى المنزل .
- انا محام يا صغيرتي . وما جرى بيني وبين السيدة ستافوردلي جزء من السر المهني . وليس في نيتي ان ابوح لك به . انا سيد امري, افهمت ؟
- افهم جيداً . لكنني ارفض ان اتقاسمك مع امرأة اخرى . وأنت , هل فهمت ما اقوله ؟
- ماذا تعنين ؟ يا ايتها الحمقاء الصغيرة , هل تعتقدين انني كنت فرحاً بوجود نورا هنا هذا المساء؟ انا بالكاد اراك وكل اوقات فراغي احب ان امضيها معك انت . اضافة الى ذلك لدي خبر سعيد سأقوله لك .
- ما هو ؟
جذبها اليه وعانقها مطولاً وسألها :
- هل تحبينني دائماً؟

Rehana 13-01-24 09:55 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
ضكته اليها وعانقته بشغف وقالت :
- والآن , ماهو هذا الخبر السعيد؟
- لقد انتهيت من العمل المرتبط به هنا وسنعود الى بلادنا خلال الاسبوع المقبل, حيث نكون قد استقرينا قبل عودة الكولونيل الى القرية . ستفرحين لاستقباله , اليس كذلك؟
- طبعاً, آه ياكورتيس , كم هو رائع ان اعود الى المنزل معك !
نظرت اليه باشعاع فابتسم لها بسخرية وقال مازحاً:
- لم تسألني اذا كانت نورا ستأتي معنا ؟
تلألأت عينا المرأة وضغطت معصميها فوق صدره وقالت :
- انت وحش قتال ارغب في قتلك .منتديات ليلاس
ضحك بفرح وسعادة وجذبها اليه وهمس قائلاً:
- لماذا لا تعانقينني بدلاً من ذلك؟

نهاية الفصل

Rehana 16-01-24 05:59 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
10 - عندما يقرع جرس القدر لا يستطيع احد ان يوقفه ! فالرحلة الى لندن انتهت في باريس قرب نورا ستافوردلي المتهمة بقتل زوجها .

كانت انيتا تنتظرهما في منزلهما الريفي , بعدما طلب منها كورتيس هاتفياً ان تأتي لتملأ جميع الغرف بالأزهار . استقبلتهما بوجه بشوش وقبلت فليسيا والدمع ظاهر في عينيها , ثم همست في اذنها :
- في غرفتك هدية لك . احل ان ارى محتواها قبل عودتي الى ابراج نورتن .
صعدت الأمرأتان الى غرفة النوم بينما انصرف كورتيس لمساعدة هنري في ادخال الحقائب والحاجيات العديدة .
جلست انيتا لحظة لتلتقط انفاسهما , بينما فتحت فليسيا بسرعة العلبة الكبيرة الموضوعة على السرير واخرجت منها معطفاً رائعاً , مصنوعاً من الفرو الفاخر , هدية من كورتيس.

Rehana 16-01-24 06:00 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
صرخت بفرح واعجاب :
- آه ! انه رائع ! يا للمفاجأة !
كانت تلامس خدها باكمام المعطف عندما دخل الخادم حاملاً الحقائب. وضعت المعطف جانباً وفتحت الحقائب وقدمت هداياها لأنيتا قائلة :
- هذه لك. وعندما اذهب الى ابراج نورتن سآخذ معي هدايا ابي.
عاد الكولونيل الى منزله في الخريف. وكانت انيتا وفليسيا في استقباله . ووافاهم كورتيس مساء في موعد العشاء.
يذكر فصل الشتاء فليسيا بأمور كثيرة : ركوب الخيل, النزهات الطويلة على الثلج النقي والسهرات العائلية امام المدفأة . تذكرت فليسيا كل هذا وهي تنظر بقلق الى والدها الذي يتناول عشاءه الأول في المنزل بعد وفاة زوجته وابنه . تعبير وجهه لم يتغير كثيراً . كان يضحك لكنه كان حزيناً . مثلها ما زال يحفظ في قلبه الحنين المؤلم لأعزائه الراحلين عن هذا المكان الكبير. منتديات ليلاس
راحت ترتجف لسعادتها الكاملة الى درجة الخوف . هل هذه السعادة حقيقية ؟ لكن كورتيس طمأنتها عندما قال لها وهما في الغرفة :
- نعم , سعادتك حقيقية . تقبليها بيدين مفتوحتين وكوني سعدية !
ايقنت فليسيا ان سعادتها مرتبطة برؤية والدها سعيداً . لذلك اصبحت تزوره يومياً في ابراج نورتن وتقوم معه بنزهات طويلة عبر الأراضي التي يملكها , تلك الأراضي الزاهية جمالاً, بألوانها الخريفية المتنوعة. شجعته على دعوة اصدقائه لزيارته في المساء , وممارسة هوايته المفضلة : الشطرنج . وكان الكلب يرافقة اينما ذهب. ذات يوم وكان الطقس رمادياً , نظرت فليسيا الى والدها ولمحت القلق في وجهه , فقال لها:
- قريباً سأشيخ يا حبيبتي . ولا ضرورة لأن تكرسي لي كل هذا الوقت يومياً . لديك زوج وبيت , وعما قريب ستنجبين البنين والبنات .
ابتسمت وقالت :
- ربما ... ربما لن انجب الأولاد . حالفني الحظ يوماً لكنني اضعته .
- كلام سخيف ! انت في صحة جيدة ولا سبب للتخوف من عدم الانجاب. هل تحدثت مع كورتيس بهذا الامر؟
- كلا. انه مشغول جداً.
- اعرف ذلك . انه انسان لامع , لا مع جداً. هل تدهشك نظرتي اليه ؟ نعم . صحيح انه شاب جيد , لكنه قوي. عفواً اذا كنت صريحاً معك . فكرت دائماً انك ربما تسعدين اكثر مع رجل لا يملك مهنة تتطلب منه تكريساً وعملاً متواصلين لأنني اعرف ان طبيعتك مرهفة وحساسة . وهذا ما يجعلك تتألمين حتماً.
- انا سعيدة جداً يا ابي ولا ينشغل بالك عليّ: احب كورتيس حباً جنونياً , ولن افضل عليه اي شخص آخر ابداً. كل انسان يتعرض في حياته لبعض العذاب . لكنني محظوظة مع عائلتي ومع زوجي.
نعم , كلامها صحيح كلياص . صحيح ان كورتيس يعمل كثيراً ويحمل معه الى المنزل المستندات العديدة , لكنه لم يبخل ابداً في احاطتها بالحنان والاهتمام. طاقته كبيرة وهو قادر على الكد والاجتهاد باستمرار , وفي الوقت نفسه انه شغوف ونظامي. كورتيس رجل يعمل كثيراً ويلهو كثيراً. بالنسبة اليه , الحل الوسط لا وجود له .

Rehana 16-01-24 06:01 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
حل الربيع بسحره واخضرار عشبه وأوراقه الجديدة وألوانه وزقزقة العصافير في اعشاشها . وخلال عطلة الفصح استضاف كورتيس مساعده , ووجيه قاليه , رجل لطيف من الجنسية الفرنسية . والقضية التي كانا يعملان عليها كانت ذات اهمية كبرى , اعرب كورتيس عن الحاحه في انهاء الكلف بسرعة . لذلك كان الرجلان يجلسان طيلة الوقت في المكتب بينما تذهب فليسيا لزيارة والدها في ابراج نورتن .
وليلة الفصح نظمت فليسيا عشاء بسيطاً دعت اليه القاضي غير تمام والكولونيل. فكانت السهرة ناجحة . وماسء الأحد, نهار الفصح , دعى روجيه فاليه الى ابراج نورتن . بعد العشاء, تمددت فليسيا وكورتيس في الصالون الصغير وراحا يسمعان اسطواناتهما المفضلة . قدم لها كورتيس كأساً ثم جلس قربها وقال :
- انا مضطر للبقاء في لندن طيلة الاسبوع المقبل. سأذهب الى المحكمة يومياً وفي المساء نفسي وراء المكتب لدراسة الملفات .
- آه ! كورتيس. هل الأمر ملح الى هذه الدرجة ؟
- اخشى ان يكون جوابي ايجابياً, يا حبيبتي المسكينة . ليس بوسعي تنظيم اعمالي بطريقة اخرى . لا تحزني كثيراً , ارجوك .
وضع ذراعه حول كتفها وجذب وجهها الأشقر ثم راح يمئنها قائلاً:
- انها مسألة اربعة ايام فقط , بعدها يمكننا القيام برحلة صغيرة , ما رأيك ؟
رفعت رأسها وابتسمت قائلة :
- فكرة رائعة ! الى اين نذهب ؟
- ما رأيك بالذهاب الى جزيرتنا اليونانية , حيث امضينا شهر العسل ؟
- آه ! نعم , ارجوك .
- وخلال غيابي استعدي للسفر وشراء الأمور اللازمة . هل تسامحينني ؟
ولما عانقها بحنان وشغف , عرفت مرة اخرى بأن لا شيء في الوجود سوى حبهما وتفاهمهما المتبادل ؟ وظلت متقوقعة قربه تصغي الى الموسيقى التي تملأ الغرفة .
وبدت ايام الوحدة طويلة . لم يسبق لفيليسيا ان شعرت بحدة غيابه كهذه المرة . فكرت مطولاً بسيطرته الكلية على حياتها وبالارتباط القوي الذي يجمعهما . يكفي ان يلفظ هنري اسم كورتيس حتى تجتاح قلبها احاسيس قوية , هي نفسها الأحاسيس التي تحتلها خلال رؤيته .
ونهار السبت موعد عودته افاقت فيليسيا من نومها عند الفجر . قامت بامتطاء حصانها والقيام بنزهتها الصباحية فبدت نضرة وعلى استعداد لمواجهة النهار بكامله . ثم جلست بفرح امام مائدة الفطور .
تناولت جريدة الصباح وفوجئت بالعنوان الكبير في الصفحة الأولى : " وفاة تاجر غني : وجد كليفورد ميتاً في منزله الواقع قرب العاصمة الفرنسية , صباح الجمعة . ويتوقع ان تكون الوفاة ناتجة عن جريمة قتل "
بدأت فيليسيا ترتجف كلياً . الكلمات افزعتها لأنها نهائية , فتالعت القراءة وهي في حالة صدمة . ربما مات متسمماً. يا له من رجل مسكين , صحيح انها كانت تكره شخصيته, لكنها تأسفت عليه . وتساءلت ما اذا كان كورتيس على علم بما حدث . وضعت الجريدة جانباً, عازمة على طرد هذه القضية من رأسها , فالأمر لا يتعلق بها .

Rehana 16-01-24 06:03 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
وفي الحال اخذت افكارها سيرها الطبيعي , متوجهة صوب كورتيس, الذي ربما اتصل بباريس هاتفياً للحصول على تفاصيل الحادث, ما دامت نورا ستافوردلي صديقته . ربما استقل طائرة الصباح , الى باريس , لمساندة نورا معنوياً. لكنها قررت ابعاد هذه الشكوك من رأسها . لكن مع مرور الساعات , بدأت تشعر بتوتر وعصبية , خاصة ان كورتيس لم يتصل بها ولم يعد باستطاعتها التركيز على اي شيء .
ولما رن الهاتف في آخر النهار كانت اعصابها قد وصلت الى نقطة الانفجار ...
- هذا انت يا كورتيس؟
- نعم , حبيبتي , اتصل بك من باريس.
احتلها الذعر وقالت :
- من باريس ؟!! لكن ... كنت انتظرك مساء اليوم !
- اعرف , لا يمكنني ان اشرح لك هاتفياً. سأراك في الغد ...الظاهر انك لم تقرأي جريدة الصباح ؟
- بلى قرأتها وافهم ما تقوله .
وبعدما اقفلت الحظ ادركت انه لم يذهب فقط الى باريس من دونها , بل لم يعلمها برحيله مسبقاً . هل طلبت نورا منه الحضور ام ذهب بملء ارادته ؟ في كل حال , انه معها الآن ...
وفي ذلك المساء, لم تتمكن فيلسيا من احتمال وحدتها , المضطربة بالأفكار القاتمة , فقررت زيارة والدها. ولما رآها الكولونيل تصل في موعد العشاء فهم ان امراً ما قد حصل . فسألها بقلق :
- ألم يأت كورتيس معك؟
- كلا , انه يعمل.
جلست قرب المدفأة , مواجهة له , وامسكت بالكأس الذي قدمه لها . كانت تأمل الا يلاحظ شيئاً لكنه سألها :
- هل تعانين من اي مشكلة يا صغيرتي ؟
- اعتقد انك قرأت جريدة الصباح , فيما يختص بوفاة زوج نورا ستافوردلي؟
- نعم , انها قضية محزنة .
- سافر كورتيس الى باريس , ربما لرؤية السيدة ستافوردلي . انا قلقة عليه .
- لماذا ؟
نظرت اليه باندهاش . كان يبدو هادئاً بينما كانت هي في خيبة كبيرة .
- هل توافقه في الرأي ؟
- ليس من صالحي موافقته الرأي او عدم موافقته . انه محامي القضايا الاجرامية ومن المع المحامين في هذا المجال . اعتقد ان السيدة ستافوردلي هي المتهمة الأولى بقتل زوجها .منتديات ليلاس
- هل تعني ان كورتيس ذهب الى باريس بنية الدفاع عنها ؟ لم اتصور لحظة واحدة انها متورطة في مقتل زوجها .
- وهل تعتقدين ان هناك سبباً آخر حمله على الذهاب الى باريس؟
- نورا ستافوردلي وكورتيس صديقان قديمان . لقد اعترف امامي, انا زوجته , بأنه يحترمها . وأنت تعرف أي نوع من النساء هي .
اجابها بابتسامة كبيرة :
- انهما صديقان قديمان . وكورتيس رجل جذاب , ولا شك انه قام بمغامرات عاطفية في شبابه مع عدة نساء, ونورا ستافوردلي واحدة منهن. انت لا تبالين بالبقية , لأنك لا تعرفينهن . ونورا ستافوردلي هي الوحيدة التي تعرفت اليها ولهذا السبب تشعرين بالانزعاج والتوتر .
- انها تدمر زواجي . هل هو مضطر حقاً للدفاع عنها ؟ هناك محامون عديدون بامكانهم اذا تساموا قضيتها الدفاع عنها .

Rehana 16-01-24 06:03 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- ربما هناك اسباب محقة تدفعه لأن يمثلها .
- ولماذا لا تكون أكثر صراحة ؟
- فقط, لأنني لا اعرف شيئاً عن هذه القضية . لكنني مستعد ان اتضامن معك ضد نورا ستافوردلي . ومهما حصل , انت زوجة كورتيس , لا تنسي.
- الزواج في ايامنا سريع العطب.
اجابها بطريقة فلسفية :
- لا موت أقوى من موت الحب, يا صغيرتي . كفي عن البحث في الأمور المجهولة . بامكاني ان اذكرك بأسماء بعض الاشخاص الذين ما زالوا مغرمين بك ومن بينهم ديفيد كولسن , وآخرون لن اذكر اسماءهم .
- لا اصدق ما تقوله . في كل حال لم اخرج مع احد منذ زواجي.
ابتسمت بحنان وتابعت تقول :
- هذا لطف منك ان تحاول تعزيتي .
وفي الويم التالي انتظرت فيليسيا عودة كورتيس وقلبها يضطرم بالعواطف والأفكار المضطربة . كانت مصممة ان تفعل ما في وسعها لتمنعه من استلام دعوى الدفاع عن نورا ستافوردلي. في الصباح امتطت حصانها وذهبت في نزهة طويلة في الهواء الطلق. ولما عادت الى الاسطبل وضعت خدها على رأس الحيوان ولم تسمع محرك السيارة عندما تقدم كورتيس منها , فتسارعت ضربات قلبها لدى رؤيته . كان يبتسم لها بسحره ولطفه الاعتيادي . فجأة , سمعت نفسها تقول بصوت غريب:
- اذن عدت اخيراً. هل قضيت اياماً ممتعة في باريس؟
نظر اليها وسألها ساخراً:
- هل اشتقت اليّ؟
ارتعشت , فضمها اليه وقال :
- انت بردانة جداً. تعالي لنأخذ فطور الصباح . انا اتضور جوعاً .
وعلى المائدة قال ملاحظاً:
- لماذا لا تأكلين ؟ هل الكولونيل بصحة جيدة ؟
- نعم .
- اذن, ماذا هناك؟ هل سئمت مني ؟
- لماذا لم تعلمني مسبقاً عن سفرك الى باريس؟
- هل كان ذلك واجباً عليّ؟
حمل الجريدة الموضوعة على الطاولة وفتحها فقالت له :
- لم تعلمني مسبقاً لأنك تعرف انني لن اوافق.
- يا ابنتي الحبيبة , معارضتك لا تأثير لها في مثل هذه الحال , لأنني ذهبت الى باريس للعمل.
- يعني ان وجودك في باريس ليس له علاقة بآل ستافوردلي ؟
- ابداً, لكنني سأدافع عن نورا ستافوردلي المتهمة بقتل زوجها .
- هذا أمر رهيب , انا آسفة طبعاً, لكنني لا ارى سبباً كي توافق على الدفاع عنها . هناك محامون غيرك.
اقترب كورتيس من فيليسيا الواقفة قرب النافذة وضمها اليه وقال :
- انا آسف يا ملاكي, لكنني ارتبطت بذلك ولن اعود عن قراري . نورا صديقة الطفولة ومن واجبي مساعدتها في هذه المحنة العصيبة .
- لكنك كنت تقول لي منذ وقت قصير ان الاعمال ارهقتك لكثرتها , الى درجة انك لم تعد الى المنزل . آه ! كورتيس , لابد ان هناك طريقة للتخلص من هذه المسؤولية , وماذا عن رحلتنا اليونانية ؟

Rehana 16-01-24 06:03 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- علينا الانتظار . انا آسف حقاً, يا ملاكي . الأمر صعب عليك , لكنني اكيد انك لن تطلبي مني ان اتصرف عكس ذلك لو كنت تعرفين حقيقة الأوضاع . لقد قطعت وعداً ولن ادع احداً يؤثر على قراري.
احتل اليأس كيانها ولم ترد . ببطء ادراها نحوه , فنظرت الى وجهه مفصلاً قبل ان تضع ذراعيها حول عنقه صارخة بلهجة متوسلة :
- ارجوك , كورتيس , دع شخصاً آخر يدافع عنها ! ارجوك .
اجابها بصوت حازم ونهائي:
- كلا.منتديات ليلاس
امضى كورتيس يومين في المنزل قبل عودته المتوقعة الى باريس, خلالهما كان مرحاً لكن افكاره كانت بعيدة . ووعد بأن يقضي عطلات الاسبوع معها في منزلهما الريفي. لكنه قال لها وهي تودعه في المطار:
- اكون مطمئناً عليك اذا بقيت في منزل والدك خلال غيابي.
اجابته والدمع مكبوت في عينيها :
- افضل البقاء في المنزل. اريدك لي كلياً عندما تأتي لرؤيتي .

نهاية الفصل

Rehana 20-01-24 08:07 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
11- انكسرت الجسور وتهدمت الحصون ولم يعد هناك اي شيء على حاله . لم تعد تطيق شعورها القارس فحملت وجعها وعادت الى البيت , الى منزلها الأول وحياتها الهادئة .

نهار السبت ذهبت فيليسيا لاستقبال زوجها في المطار. فلم تعد تلك الارملة الابدية الشاحبة المحيطة , عندما ارتمت بين ذراعي كورتيس , واهبة اياه نظرات عينيها الشفافة. فقال لها باستغراب :
- يا له من استقبال جميل!
وخلال اليومين التاليين لم يذكر كلمة واحدة عن قضية ستافوردلي , فهو يرفض ان يحدثها عن مهنته وهي لا ترغب بافساد هذه الاوقات الثمينة في مواضيع تفضل ان تتجاهلها كلياً.
امضيا سهرة السبت في لندن حيث ذهبا الى المسرح, ثم تعشيا في المطعم , وفي طريق العودة قال لها :
- فوجئت والدتي لأنني لم اصطحبك معي الى باريس. فشرحت لها بأنني سأكون مشغولاً في عملي, ليلاً ونهاراً , ولن يكون هذا الامر مفرحاً لك . انما اصرت ان اقترح عليك المجيء معي , ولو لأسبوع واحد.

Rehana 20-01-24 08:08 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
لو اظهر عن موافقته لهذه الدعوة لعادت فيليسيا معه الى باريس, لكنه لم يتابع الموضوع . وهكذا اصبحت عطلات الاسبوع جنات في صحراء وحدتها . لكنها بدأت تلاحظ تغيرات في تصرفه . وفي كل مرة يعود الى المنزل , يبدو اكثر تطلباً من الاول , لم يعد يتحملها بعيدة عنه . عناقه اصبح عنيفاً ومداعباته قوية ومرهقة , كأنه يستعمل طاقته الجسدية لينزع عنه الضغوطات المكدسة خلال الايام التي يمضيها في باريس.
وتأكدت من هذا الاحساس اكثر لدى ملاحظة نطق بها ديفيد كولسن الذي التقت به في سهرة اقامتها احدى صديقاتها . دعاها ديفيد الى الرقص وقال :
- لقد اشتقت اليك كثيراً. كنت في باريس الاسبوع الماضي وتوقعت ان اراك هناك برفقة كورتيس. لماذا لم تذهبي معه ؟
- لكنه يأتي الى المنزل في عطلة الاسبوع وانا افضل البقاء قرب والدي خلال الاسبوع .
- اظن انك على علم بقرب موعد الدعوى , انه محامي السيدة ستافوردلي , اليس كذلك؟
- نعم , ولهذا السبب هو في باريس في الوقت الحاضر.
- القضية صعبة للغاية, لا شك انك على علم بذلك.
فوجئت وسألته متلعثمة :منتديات ليلاس
- كلا, هل تعني ان السيدة ستافوردلي غير بريئة ؟
- اقول انها بحاجة الى الدعم الكافي والحظ الكبير حتى لا يحكم عليها .
ظلت تتذكر هذا الكلام خلال الايام الاخيرة التي تلت فتح الجلسة .وخلال هذه المرحلة كان كورتيس يعود الى المنزل مرهقاً ومتوتراً . وفيليسيا تتحمل تطلباته الملحة علماً منها انه يجتاز مرحلة صعبة . لكنها بهذا التصرف معه اصبحت اكثر تعلقاً به وتنتظر نهاية الاسبوع بفار غ الصبر.
كل نهار جمعة تذهب لاستقباله في المطار, تحبس انفاسها حتى هبوط الطائرة . وحين يأتي اليها برجولته القوية , يأسر نظرها وتسرع ضربات قلبها .
ومرة لم يأت كعادته, بل ارسل برقية معلناً اضطراره للبقاء في باريس وفي اليوم التالي قرأت في الصحف :" نورا ستافوردلي بريئة محامي الدفاع اللامع انقذ حياة المرأة الشقراء الجميلة "
ومر شهر بكامله وفيليسيا تنتظر بحزن وألم عودة كورتيس . اشتاقت الى قوته , وعناقه وحضوره الى درجة اليأس . ولم تحدث احداً عن قلقها وعن خوفها لخسارته . كرامتها منعتها من الكتابة اليه او الاتصال به هاتفياً.
بدأ موسم الصيد وغادر الكولونيل ابراج نورتن لقضاء اسبوعين بصحبة صديق له يعيش في منطقة ساسيكس . فرحت فيليسيا لرؤيته يستعيد باهتمام حياته المرحة, لكنها كانت تشعر بالوحدة القاتمة . ولما عاد كورتيس الى المنزل كان قد مضى اسبوع على رحيل الكولونيل .
- صباح الخير , يا حبيبتي . الزوج الضال قد عاد !
- صباح الخير , تهانينا لقد ربحت الدعوى . لا شك ان السيدة ستافوردلي مسرورة جداً.
- مسرورة ؟ انها صفة فاترة . على فكرة , استقبالك لي فاتر ايضاً. تعالي الى هنا .

Rehana 20-01-24 08:08 PM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
جذبها اليه وراح يعانقها لكنها لم تتجاوب , فقال لها بحزن :
- لقد نحلت كثيراً . الم تأكلي جيداً؟
كيف بامكانها ان تأكل والحاجة الماسة اليه امرضتها جسدياً؟ ليس بوسعه ان يفهم ذلك, وان يفهم ايضاً احاسيس المرأة . لكنها قامت بجهد قوي للسيطرة على ردة فعلها تجاهه ونجحت . ابتعدت بلطف عنه وتمكنت من الابتسام وسألته :
- هل ستبقى مطولاً هنا؟
- كيف ؟ لم اصل بعد كي تطرحي عليّ السؤال .
- بالفعل . اظن انك ستبقى عطلة الاسبوع فقط.
- صحيح . عليّ العودة الى باريس لأنهاء بعض التفاصيل قبل الانتقال نهائياً الى مكتبي اللندني . لا تكوني حانقة يا حبيبتي . ماذا جرى ؟ لقد جئت الى المنزل وانا شديد الفرح للنجاح الذي احرزته . كل شيء تم بشكل رائع ! حبيبتي , لا افهم .
- الهذا السبب لم تأت الى المنزل طيلة هذه الاسابيع الفائتة ؟ هل خروج نورا ستافوردلي من السجن سبب فرحك الكبير؟
- طبعاً . آه , اعرف ما تفكرين به , لكن آمل ان تكوني مسرورة لنجاحي وبالتالي ببراءتها .
ضحك وادراها اليه في الوقت الذي كانت تريد الخروج من الغرفة . نظر الى وجهها الاحمر فرأت انه يستعد للعناق . فابعدته عنها وقالت :
- كيف تجرأت بالعودة اليّ وانت تعترف علناً بعلاقتك بهذه المرأة ! انت تشتمني بعد ان هجرتني مدة ستة اسابيع , وتتهمني بأنني اكره نورا ستافوردلي ! اكرهك ! ولا اريد ان اراك بعد الآن . عد الى عشيقتك , لا اريدك ابداً!
اسرعت الى الحمام واقفلت الباب بالمفتاح . لم تعرف كم من الوقت بقيت هناك. حاول كورتيس مرتين ان يفتح الباب , من دون جدوى .
كان كورتيس ينتظرها في غرفتهما عندما دخلت اليه. ظلت واقفة مسندة ظهرها الى الباب . فوقف وقال ببرود :
- اعتقد ان عليك ان تشرحي لي ماذا جرى ؟
- انا التي اطلب شرحاً منك , اذا ما زلت اعني لك شيء.
- ليس عندي ما اشرحه . لقد دافعت عن نورا ستافوردلي كأي انسان آخر . علاقتنا لم تتغير ابداً. كنت فقط محامي الدفاع في المحكمة .
- هل تفضل زبائنك على زوجتك؟
- آه , اذن انت غيورة ! وما زلت تتخيلين علاقة سرية بيننا تعود الى سنوات عديدة ؟ اعتقد انني اضيع وقتي في التحدث اليك . من غيرك ؟ ديفيد كولسون ؟
- بامكانك اذا اردت ان تحمل ديفيد مسؤولية ردة فعلي . في كل حال, لو تزوجته لما تركني بهذه السرعة من اجل امرأة اخرى .
- لا يملك القدرة حتى ليجد امرأة تتزوجه .منتديات ليلاس
- لقد طلب يدي مراراً وانا نادمة لأني لم اتزوجه .
- ربما لم يفت الاوان !
قال هذا الكلام وخرج من المنزل .
هذا المساء عادت فيليسيا الى ابراج نورتن . ثم ارسلت وراء بعض حاجياتها الشخصية وعاد حصانها الى اسطبله القديم . وخلال الاسابيع التالية اصبحت ابراج نورتن ملجأها الوحيد , المكان المقفل الذي يجلب لها السلام والعزلة والراحة النفسية . وتدريجياً اختفى فنورها وعادت تتذوق الفرح برفقة الاشخاص والحيوانات والاشياء التي تحبها . منزلها الزوجي اقفل وهنري عاد الى كورتيس. ولما جاء كورتيس لزيارتها اعطت الأوامر الصارمة لخادمتها ان تقول له انها غائبة .
في المرة الثانية رأته ينزل من السيارة , فاختبأت وظلت حيث هي الى وقت ذهابه . لكنها امضت ساعة بعدها في عذاب كبير تحارب قوة احاسيسها التي ما تزال تميل اليه. ولما عادت من مخبأها في الليل كانت الدموع قد جفت نهائياً.

نهاية الفصل

Rehana 24-01-24 09:35 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 

12- الحقيقة الكاملة تحدث في اللحظات الحاسمة وتبدو الشكوك كلها تافهة أمام الواقع الأليم , لكن ايضاً يبدو الغد مشرقاً ومسكوناً , كشجرة بعصافير السعادة !


بعد اسابيع من مغادرتها المنزل الزوجي تلقت فيليسيا زيارة من السيدة مونرو والدة كورتيس , التي سبق وارسلت لها رسالة تعبر فيها عن اسفها الشديد لانفاصالهما وعن رفضها التصديق بأنه نهائي.
استقبلتها فيليسيا بحرارة , مثل اي صديقة حميمة . احضرت انيتا صينية الشاي وتركتهما . الكولونيل كان غائباً طيلة فترة بعد الظهر. ومباشرة افصحت لها السيدة مونرو عن موضوع زيارتها قائلة :
- فوجئت كثيراً لعدم مرافقتك كورتيس الى باريس. واتساءل اذا كان هذا له تأثير مباشر على انفصالكما؟
- في الواقع , الاسباب قديمة . اعني علاقة كورتيس بنورا ستافوردلي.

Rehana 24-01-24 09:35 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- اذن هذا هوالسبب !
- لا شك انك على علم بذلك, اليس كذلك؟ هذا معروف لدى الجميع.
- عفواً , كان عليّ ان اشرح لك من قبل, لكنني لم اعرف خطورة الامر. سبق واخبرتني ان شقيقك بلان تدلل كثيراً على يد والدتك . وانا انجبت صبيين , راوول الكبير كان طفلاً رائعاً وحساساً . وبعد خمس سنوات انجبت كورتيس. كان راوول مدللاً الى درجة كبيرة . اما كورتيس فعكس اخيه , كان متيناً وقوياً ومستقلاً , كما هو عليه الآن . كنت اكرس وقتي لراوول واهملت كورتيس حتى اصبح هذا الاخير الولد المفضل لأبيه . ونورا ستافووردلي كانت تدعة حينذاك نورا سميث. كانت ابنة الجيران.
وترعرع الاولاد الثلاثة معاً .منتديات ليلاس
صحيح ان كورتيس كان اصغر من اخيه , لكنه كان اكثر نضجاً منه ولا يملك الوقت للالتفات الى الفتيات , بل كان يحب والده كثيراً ويشجع علاقة الحب التي نشأت بين راوول ونورا . فكان اول من هناأهما في خطوبتهما, وكذلك زوجي , الذي رأى في نورا تأثيراً جيداً على توازن راوول , لأنه لم يتمكن من الاستقرار في اي عمل بعد تخرجه من الجامعة . بعد الخطوبة وجد وظيفة في مجال الاعلانات , لكنه قتل في حادث سيارة ليلة واحدة بعد زواجه , تاركاً نورا حاملاً في شهرها الاول .
قرركورتيس الزواج منها من اجل مستقبل الولد , لكنها رفضته وتزوجت من كليفورد ستافوردلي . وحصل الزواج في الوقت التي اتهم فيه زوجي خطأ باختلاس اموال المؤسسة التي كان يعمل فيها . توفي الطفل مباشرة بعد ولادته , فتحولت نورا من يوم الى آخر امرأة سهلة المنال. حياتها الزوجية مع ستافوردلي كانت تعيسة جداً, واعتبر كورتيس انه المسؤول عن حياتها الزوجية الفاشلة .
احست فيليسيا بحزن حماتها وهي تتحدث عن هذا الماضي المؤلم , فامسكت يدها وقالت لها بلطف ونعومة :
- شكراً لاخباري كل هذا . لا شك ان ما حدث كان مؤلماً لك . غير انني آسفة اذا قلت , بأن هذا لن يغير شيئاً في علاقتي بكورتيس. في الحقيقة انا ما زلت واثقة بأن كورتيس ما زال يحب نورا ستافوردلي.
هزت السيدة مونرو كتفيها وفهمت فيليسيا ان هذه المرأو جاءت لزيارتها بدافع الواجب وليس لمحبتها لكورتيس . لا شك ان قلبها دفن قرب راوول ابنها النفضل . كما هي الحال الآن مع امها وبلان. وقبل مغادرتها ابراج نورتن قامت السيدة مونرو بمحاولة اخيرة حين قالت :
- انا مقتنعة كلياً انك مخطئة حول نوعية العلاقات بين كورتيس ونورا . انه يشعر بالواجب تجاهها , لا اكثر ولا اقل .
- اود لو كان بامكاني ان اصدق هذا الكلام .
وفي المساء اخبرت فيليسيا والدها السيدة مورنو , فسألها متأملاً:
- اذن جاءت تحاول اعادتكما لبعضكما البعض , هل نجحت في ذلك ؟
- كلا , يا ابي.
- اعرف ان الامر لا يخصني يا صغيرتي , لكنك تزوجت من رجل رائع , ومهما كان موقفه عليك القبول بمقابلة صريحة معه .
شحب وجه فيليسيا وقالت :
- ارفض ان يعود اليّ كورتيس بدافع الواجب , أي بسبب الطفل الذي سيولد.

Rehana 24-01-24 09:40 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
- يا ابنتي , انا سعيد جداً لهذا النبأ المفرح . لكن عليك ان تفهمي ان لكورتيس الحق بمعرفة الحقيقة.
- ارفض ان اخبره بذلك وارجو ان تعدني بعدم البوح له بشيء.
- القرار لك. لكنه سيعرف بالأمر , عاجلاً ام آجلاً.
في الاسابيع التالية مرت فيليسيا بمرحلة مليئة بالانفعالات المختلفة . الفراغ الكبير الذي تركه كورتيس في حياتها اليومية يؤلمها مثل جرح ملتهب , ثم شيئاً فشيئاً اصبح لهذا الطفل الجنين سبباً لاستمرارها في الحياة . انه ملكها , وحين يأتي الى الحياة سيطرد وحدتها القاسية كلياً.
كانت تمضي معظم اوقاتها في ابراج نورتن , تنهض باكراً وتقوم بالنزهات الطويلة , حتى ترهق نفسها لتستطيع ان تنام خلال الليل . واحياناً تكون برفقة والدها , الذي كان يعبر لها عن اهتمامه الكبير خلال فترة الانتظار هذه . ومن حين الى آخر , كانت تصلهما الاخبار عن كورتيس, الذي يعمل بين لندن وباريس. ورأت مرة صورته في احدى المجلات برفقة نورا سنافوردلي خلال حفلة استقبال اقيمت في قصر كبير في جزيرة فرنسية .
اخيراً انجبت فيليسيا ذات مساء صبياً جميلاً يشبه كورتيس تمام الشبه . كان الكولونيل سعيداً وانيتا فخورة .
- انه يشبه والده كثيراً.
كانت فيليسيا تتمتع بصحة جيدة واستعادت رشاقتها بأسرع وقت. وراحت تمضي نهاراتها ولياليها مع طفلها , مصرة على ارضاعه بنفسها وغالباً ما كانت تفكر بكورتيس , خاصة في سكون الليل . لم تصرف فلساً واحداً من النفقة التي كان يبعث بها كل شهر بواسطة محاميه .
كان الطفل قد بلغ الشهر من عمره عندما دخلت انيتا الى غرفتها معلنة :
- انه هنا.
- من هنا؟
- زوجك. هل اطلب منه الصعود إلى هنا؟
- كلا. كلا . سأنزل لعد لحظة.
اعطت الطفل للخادمة وخرجت . وبينما كانت تهبط السلالم فكرت بأن كورتيس لا شك رأى الاعلان عن ولادة الطفل في جريدة التايمس . ولما وصلت امام باب الصالون تمنت ان يصل والدها في الحال, فهي بحاجة الى وجوده قربها في مثل هذه اللحظة. لكنه لأسف لم يصل بعد. تحلت بالشجاعة ودخلت اخيراً الى الصالون .
قال كورتيس واضعاً يديه في جيبي سرواله :
- صباح الخير, يا فيليسيا, لماذا تنظرين اليّ بعينين مرتعبتين ؟ انا لا انوي ايذاءك!
سألته محافظة على بعد واضح بينها وبينه :
- لماذا جئت ؟
نظر مطولا الى وجهها الجميل وعنقها الممشوق وشعرها الذهبي وقامتها النحيلة , قبل ان يقول :
- تعرفين تماماً لماذا جئت ! لقد قرأت الجريدة , ولهذا السبب انا هنا.
اتكأت فيليسيا على الكرسي القريب . والاحمرار يملأ وجهها . نظرت الى كورتيس غير قادرة على الكلام . فتقدم منها وقال :
- يا حبيبتي المسكينة , هل يعني لك الكثير هذا الطفل؟
- انه حياتي . انه لي ولن اتخلى عنه ابداً.
شحب وجه كورتيس وارتجفت عضلات فكيه . فأحست فيليسيا برغبة فيه قوية كحد السيف الذي يوقظ الذكريات الحلوة والمؤلمة .

Rehana 24-01-24 09:41 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
هل هذا الشغف الغريب , حب ام كراهية ؟
نظر اليها نظرات اجرامية واسكها بقوة وقال :
- هل كنت مدركة لكل كلمة نطقت بها ؟ انت تقولين لزوجك انك لا تستطيعين العيش من دون رجل آخر ؟
- أي رجل آخر ؟ ما بك ؟ من تقصد؟
- ديفيد كولسون , من غيره ؟ نعم , لقد قرأت في جريدة التايمس , اعلان خطوبته ولهذا السبب جئت اليك. من اجل ان اخفف من آلامك ...
- ديفيد مخطوب؟ لا استطيع تصديق ذلك.
بدأت تضحك باخلاص ثم قالت :
- لم اكن اتصور انك ما زلت تهتم بحالتي النفسية . لماذا الآن , بعد سبعة اشهر ؟
- لسبيبين . الاول لأنك زوجتي والثاني لا يهمك.
- ولماذا لا تذكره لي ولنرى اذا كان يهمني ام لا ؟
- جئت الى هنا لأنني احبك. كان مستحيلاً عليّ ان اتحمل فكرة عذابك بسبب كولسون . لقد سبق وقلت لي بصراحة انك نادمة لأنك لم تتزوجيه . هل انا بحاجة الى برهان آخر لأعرف انك لا تحبينني ؟
- قلت لي بأنك تحبني . هل بامكانك ان تردد ذلك , ارجوك .
- احبك بكل خلية من خلايا روحي وجسدي . ولم سبق ان رغبت امرأة مثلك . وهذا صحيح الى الأبد.
ضمها اليه وعانقها . فاستسلمت له كالماضي. لكنها سرعان ما سألته :
- لكن كيف باستطاعتك ان تقول انك ما تزال تحبني , بعد ان تركتني مدة سبعة اشهر من دون كلمة ؟
- بعد ان جئت الى هنا مرتين من دون ان اتمكن من رؤيتك ... لا تنسي انك قلت لي انك تحبين كولسون .
- وماذا لو طلبت منك الطلاق؟
- لما واقفت ابداً . انت زوجتي وستبقين زوجتي , انا مضطر الى السفر لأنهاء بعض المعاملات العالقة , ثم اعود الى الابد. هل فهمت ؟
كلا , لم تفهم , سيذهب بهذه السرعة بعد عودتهما الخاطفة .
لاحظ تعبير وجهها المذعور , فقال بلطف:
- هل تريدين المجيء معي؟
- كلا, سأنتظرك هنا.منتديات ليلاس
- هل تريدين ان القاك هنا في ابراج نورتن ؟
- نعم , وستعرف حينذاك لماذا .
- ماذا يا حبي؟ ... الايام القليلة المقبلة ستكون اطول ايام حياتي .
وبعد عشرة ايام هبطت طائرة كورتيس في المطار , فاستقل سيارته متوجهاً بسرعة الى ابراج نورتن . استقبلته انيتا في البهو , وقبل ان يطرح عليها السؤال المنتظر , اشارت اليه بحركة الى الباب في نهاية السلم . صعد السلالم بسرعة , طرق الباب ثم فتحه . الغرفة التي دخلها كانت مضاءة بأشعة الشمس , لكن الذي فاجأه هو رؤية فيليسيا منحنية فوق مهد تسحب منه شيئاً طويلاً ابيض اللون . في هذه الحال , شعرت فيليسيا بوجوده , فرفعت رأسها وصرخت بفرح:
- كورتيس ! تعال , قل صباح الخير لأبنك !
ظل كورتيس مسمراً مكانه كالاخرس . اخيراً اقترب من زوجته وحمل الطفل بين ذراعيه بحذر كبير ونظر اليه مبتسماً وقال :
- انه رائع لماذا لم تخبريني بشيء.
- لقد اشرت اليه بطريقة سرية . ولن يحالفك الحظ في المرة المقبلة , عليك ان تعاني كل عذابات الرجل الذي ينتظر ان يصبح اباً!

Rehana 24-01-24 09:41 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
رفعت عينيها وابتسمت له . لكن ما رأت في نظرته جعلها تبعد نظرها اذ صرخ بسخرية :
- انتظري كي ينام الطفل وسأبرهن لك ان بامكانك الاتكال عليّ.
وهذا ما فعله . كان عناقه رفيقاً ووجهه منعشاً . وضمها اليه بشدة خوفاً من ان تبتعد عنه, وهي كانت تداعب شعره المشعث. فشعرت بتحسن وارتياح .
همس في اذنيها قائلاً:
- تستحقين الضرب لأنك اختبأت عليّ, لكنني اسامحك لأنك منحتني هدية رائعة . وانا لديّ هدية لك ...
- انت ماتزال متعجرفاً وواثقاً جداً من نفسك . اصبح لديّ الآن كورتيس رقم 3 . يا للجنون !
- جنون رائع , يا حبيبتي , وجميل جداً. الامومة تليق بك كثيراً. لا تعرفين الى أي درجة اشعر بالارتياح , خاصة عندما افكر بتجربتنا المقبلة !
ضحك ثم تابع يقول :
- هل تعرفين ما هي امنيتي العزيزة ؟ ان اكون معك طوال الوقت . ان استيقظ قربك واتقاسم اطفالك , وفرحك وحياتك . لكن قبل اي شيء اريد ان اعرف لماذا تصرفت بهذا الشكل ضدي وجعلتني اصدق بأنك نادمة لأنك لم تتزوجي من ديفيد كولسون . صدقيني كانت صدمتي قاسية . وفي هذه الفترة ادركت فعلاً المنزلة الكبيرة التي تحتلينها في حياتي . عندما مات والدي , كرست مستقبلي لأدافع عن قضيته . درست وجاهدت لأدخل في سلك المحاماة . ولما اعلنت براءته , لم يعد يهمني شيء غير مهنتي . ثم رأيتك وتغير العالم . لقد جلبت لحياتي الحب والحنان . جعلتني رجلاً حقيقياً , انا الذي كنت اتصرف كالآلة . لا يمكنني ان انسى ابداً كم توترت اعصابي وكم تألمت عندما حدثتني عن كولسون ...
لكنه نظر إليها بحنان منتظراً ردها , فتحلت بالشجاعة وقالت له بصراحة :
- كنت غيورة جداً يا حبيبي, لقد كنت اعتقد ان بينك وبين نورا ستافوردلي علاقة حميمة بدأت قبل لقائنا بمدة طويلة .
- وما زلت تعتقدين ذلك؟
- كلا. كلا.
قررت ان هذا الموضوع لا اهمية له, وربما ذات يوم يخبرها عنه . وحتى اذا فضل ان يخفي عنها شيئاً فلن تلح لمعرفته . تحبه وقد عاد اليها ولا شيء غير ذلك يمهمها .
ابتسم لها كورتيس وامسك كتفيها وقال :
- ما رأيك في ان تأتي معي لأجلب حقيبتي ؟ الهدية بداخلها !
وعندما فتحت فيليسيا العلبة , اخرجت منها البوماً , غلافه من الجلد الابيض , رسم عليه كلمة طفلنا بالخيوط الذهبية المطرزة .
نظرت الى كورتيس ورأته مدهوشاً مثلها . وبين الصفحات رسالة موجهة الى فيليسيا, فتحتها وقرأت :
" شكراً لأنك سمحت لزوجك ان يساعدني , في الوقت الذي كنت فيه بحاجة ماسة للمساعدة. ويسرني ان اقدم لك هذا الالبوم لطفلك المقبل. في الاساس , كان هذا الألبوم لي لكنني فقدت طفلي ووالده ايضاً. عندما تستلمين الالبوم سأكون مع الرجل الذي احببت وانت ايضاً. اريدك ان تعرفي ان كورتيس كان حزيناً جداً خلال الايام التي كان فيها بعيداً عنك. ارجوك ان تسامحيني للمشاكل التي سببتها لك ولعائلتك , لقد شعرت تجاه بلان بالمحبة , لكن راوول هو الرجل الوحيد الذي احببت ... كوني سعيدة
نورا ستافوردلي "

Rehana 24-01-24 09:42 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
اغرورقت الدموع في عيني فيليسيا , حمل كورتيس بلطف الالبوم والرسالة من يد زوجته وضمها اليه وقال بهدوء :
- ماتت نورا يومين , في سويسرا . واستلمت هذا الالبوم صباح اليوم في مكتبي , في باريس.
صرخت قائلة :
- آه ! كورتيس !
ساعدها كورتيس في حمام الطفل, وجلس قربها وهي ترضعه , ثم وضعاه فير سريره النظيف. تناولا العشاء برفقة الكولونيل الذي كان فرحاً بوجودهما معه , خاصة عندما عبرا عن رغبتهما في المكوث بعض الوقت في ابراج نورتن .
كانت فيليسيا متألقة وسعيدة , اقترح عليها كورتيس بعد انتهاء العشاء , القيام بنزهة في الحديقة . نسيم عليل يميل الاشجار , ورائحة الورد تملأ الجو وتغمرهما . ولما جلسا على مقعد مريح في زواية مطلة , قال كورتيس:
- لا اريد ان تكوني مرغمة على قبول هدية نورا . لأنني لا اريدك ان تكوني تعيسة .
- آه كورتيس , ابداً . اعجبتني الهدية بقدر ما ارغب في البكاء.
- صحيح . عليّ ان اشرح لك شيئاً , هل توافقين ؟
جذبها قربه وبدأ يقول :
- لم يسبق ان حدثتك عن اخي راوول . ومن الضروري ان افعل ذلك الآن . كان صبياً لطيفاً ومقرباً من والدتي. ويكبرني بخمس سنوات . كان مدللاً منذ ولادته وكنت احبه كثيراً . ولما توفي شعرت بمسؤولية تجاه زوجته نورا . وبسبب الطفل اقترحت عليها ان تتزوجني , لكنها رفضت وتزوجت من كليفورد ستافوردلي . لو تصرف معها بتعقل لأصبحت سعيدة معه. لكنه لم يكن متفهماً وغير قادر على القبول بحبها لراوول . وبعد وفاة الطفل, بدأ العراك بينهما بصورة مستمرة . اخيراً راحت تبحث غن رفقة الرجال . انا اكيد انها وجدت في بلان ملامح كثيرة تذكرها براوول . ومباشرة قبل موت زوجها , صرح لها الاطباء انها مصابة بمرض السرطان . لم تخبر احداًبذلك . وذات مساء انتابها اليأس فوضعت في كأس ماء سماً كانت تنوي احتساءه والانتحار . وفي هذه اللحظة رن الهاتف وتناولت السماعة للرد ولما عادت الى الغرفة كان زوجها قد شرب الكأس .
- يا للهلع ... يا للماسأة !
- بالفعل ... ووجد الاطباء الذين شرحوا الجثة بأنكبده كان في حالة خطرة . لم ار نورا الا مرة واحدة بعد صدور الحكم , وذلك في قصر احد الاصدقاء . لم تخبرني عن مرضها . امضت الاشهر الاخيرة من حياتها في مستشفى سويسري. اخبرني بذلك كله محاميها الذي وصلتني منه رسالة في الوقت نفسه مع هديتها لك .
- هذه الهدية غالية على قلبي . وعندما سأضع فيه صور طفلنا , سأتيخل نورا تنظر من وراء كتفينا , مبتسمة .
كانت فيليسيا حزينة على آل ستافوردلي وعلى نورا خاصة . لكن في الوقت نفسه كانت تشعر بالارتياح . من جديد كل شيء آخذ مكانه والحياة تبدو هادئة ومليئة بالوعود .
بقيا في الحديقة مدة طويلة يفكران بالمستقبل . اخيراً قال كورتيس :
- هل سنعود الى منزلنا الريفي ؟ لقد بعثت برسالة الى هنري طالباً منه ان يلقاني هنا . وعليك اخذ القرار , يا حبيبتي . انه من المؤسف على الكولونيل الانفصال عنك, بعد كل هذه المدة .منتديات ليلاس

Rehana 24-01-24 09:42 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة
 
نظرت فيليسيا اليه بفرح وقالت :
- كورتيس , حبيبي , هذا ما افكر به ايضاً . هل يزعجك كثيراً اذا بقينا هنا ؟ ابي وحيد وهذا المنزل سيصبح لنا في كل حال .
وافق كورتيس مبتسماً ووضع خده على شعرها الاشقر . شعرت بدفء بين ذراعيه , وادمعت عيناها من شدة السعادة . انها جالسة الآن في حديقة منزلها ولديها كل ما ترغبه من الحياة : زوج تحبه وابن رائع , ووالدها لن يكون وحيداً.
رفعت رأسها ونظرت بكورتيس بحنان وحب, ورفعت يدها لتلمس خده, وانتعشت لسماع صوت عصفور في الشجرة القريبة وصرخت :
- ما هذا الصوت ؟
همس كورتيس في اذنها قائلاً :
- ربما هذا صوت عصفور صغير يعتقد بأن علينا الدخول ...
انحنى صوب فيليسيا وعانقها بشغف وقال :
- تعالي .

تمت

نجلاء عبد الوهاب 19-02-24 12:11 AM

رد: 13 - تعالي - كاترينا بريت - روايات عبير - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
:rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1: :rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::075::075::075::075::075::075: :075::075::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754: :iU804754::iU804754::iU804754::hR604426::hR604426::hR604426: :hR604426::hR604426:


الساعة الآن 05:12 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية