منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t207877.html)

Rehana 14-01-21 09:45 AM

137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد ( كاملة )
 
https://b.top4top.io/p_184073ljq1.gif


راح انزل اليكم رواية ( اسمع همس الجراح )
وهذا رواية كتبتها بنسخة روايات عبير الجديدة
للكاتبة فلورا كيد
شكرا لكابتات رواية بنسختها من احلام
فقط هناك صفحة ناقصة تم كتابتها من قبلي وكذلك تدقيقها بالكامل

الملخص

هل تستطيع ليديا أن تبعد أختها سالي عن إغواء كليف برودي الرجل العابث وفاتن النساء ؟
لم توفر أي جهد ممكن كي تحمي أختها لكن أندفاعها الأعمى وضعها وجها لوجه أمام غضب كليف ثم اوقعتها غفلتها تحت رحمته .
-حذرتك يوم التقينا أنني سأجعلك تعانين إذا لم تبعدي أنفك عن شؤوني,وأعتبري أن هذه المعاناة قد بدأت الآن...
لم يكن هذا كلاماً في الهواء, فقد أخذ ليديا أسيرة في مركبه، وحيدة معه في عرض البحر, وهو مصمم على جعلها تدفع ضريبة إزعاجه..

Rehana 14-01-21 09:46 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
روابط فصول رواية

1- ابتعدي عن طريقي !

2 - لن تسامحه أبداً!

3- مد المشاعر

4- الملاك المتسول

5- هرب العصفور !

6 - الحب الصامت

Rehana 14-01-21 09:52 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
1- ابتعدي عن طريقي!

ضربت إطارات الطائرة أرض مطار هيونارا, لتصل في آخر رحلتها إلى مدينة كاستريس عاصمة سانتا لوسيا.
نزلت ليديا كندي من الطائرة ببهجة وجذل, شعرها القصير الأسود تقريباً يقفز على كتفيها وهي تسير
وتتكلم مع الزوجين المتوسطي العمر ,اللذين كانا رفيقي رحلتها ...تابع الثلاثة طريقهم مع ما يزيد عن المئة شخص ,معظمهم من السواح ,وبعض رجال اعمال جاؤوا يقضون أسبوعاً أو بضعة أيام تحت أشعة شمس شباط في جزيرة ساحرة .
على رغم عدد الوافدين الكبير لم تتأخر معاملات الدخول ومعملات استلام الحقائب .
عندما دخلت إلى قاعة الوصول التفتت ليديا حولها, فسألتها السيدة جايسون رفيقة سفرها :
-هل شقيقتك هنا ؟
-لا اظن...لكنني اتوقع وصولها.
-سنذهب إلى الفندق الآن ...لا أدري ماذا ستفعلين ...أن الحر يجعلني لا أقوى على الإنتظار أكثر .أريد تغيير ملابسي في أقرب فرصة.

Rehana 14-01-21 09:54 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
وقفت السيدة جايسون على اطراف اصابعها لتقبل ليديا :
-لقد استمتعنا برفقتك على الطائرة ياحبيبتي .لا تنسي, عندما تعودين إلى انكلترا ابحثي عنا في لندن.ألم يعطك زوجي العنوان ؟
-بلى ...شكراً لك.اتمنى لكما إجازة ممتازة .
- ولك ايضاً يا عزيزتي ,واتمنى أن تجدي كل ما يتعلق بأبيك وأختك على مايرام .
راقبت ليديا الزوجين يخرجان عبر الأبواب الزجاجية وهي تحس بإن الإثارة التي واكبتها خلال رحلتها قد تبخرت، فالتعب اخذ يغزوا كيانها أكثر فأكثر. بدلتها الصوفية كانت رائعة للسفر, لكنها الآن بدأت تلتصق و تثقل فوق جسدها . تمنت لو انها ارتدت فستاناً صيفياً كفستان هذه المرأة النحيلة الداخلة من أحد هذه الأبواب .
رفت ليديا بعينيها وهي تعيد النظر إلى تلك العنق الأنيقة, وإلى ذاك الشعر الأحمر القاتم للمرأة التي خلعت نظارتها الشمسية لتوها ,ثم صاحت :
-سالي ...هاي سالي ...أنا هنا !
و بما ان سالي لم تلاحظها, التقطت ليديا حقيبتها ,وحملتها بجهد عبر صف من السياح المنتظرين أن تقلهم الباصات إلى فنادقهم ...
-سالي !
-ليديا ! أخيراً ! ,كيف حالك؟
قربت سالي خدها الاسمر الملوح بالشمس الى ليديا تستقبل قبلاتها الحارة ,ثم تراجعت تنظر اليها منتقدة :
-ليدي ...هذه البذلة مريعة ...وشعرك...ماذا حل بشعرك؟
-قصصته ...حتى يسهل تسريحه...مع هذه التسريحة لا أحتاج إلى أي عناء في تصفيفه .
مدت ليديا بصرها الى الرجل الواقف خلف سالي .كان مديد القامة, يتجاوز طوله المئة و الثمانين سنتيمتراً ,شعره الاملس الكثيف اشقر ذهبي ,تتخلله هنا وهناك مسحة من لون القش الباهت. بشرته تبدو من خلال ذراعيه وساقيه التي يكشف عنها الكمين القصيرين والبنطلون القصير ,سمراء برونزية .هو في حوالي الاثنين والثلاثين من عمره. تظهر على وجهه علامات السأم وهو ينظر إليهما .
-من هو هذا العملاق الأبيض الرائع الذي يقف خلفك ؟
-العملاق ؟! عما تتحدثين؟
-لا شك أنه يبدو إلهاً إغريقياً أبيض أمام سكان هده الجزيرة السود...متحفظاً, سيداً يتمنى في هده اللحظة عدم وجوده في هذا المكان لأنه يبدو سئماً مما تفعله فتاتان من الدنيا الفانية مثلنا .
استدارت سالي بسرعة إلى الرجل.ثم تقدمت منه تبتسم له وتدس يدها في ذراعه اليمنى, وأطراف اظافرها الحمراء تلمع كزمرد أحمر فوق بشرته الذهبية .
-كليف, أريد أن أعرفك إلى شقيقتي الصغرى ليدي, ندعوها دائماً ليدي ...ليدي هذا كليفورد برودي لقد اوصلني هنا لأقابلك .

Rehana 14-01-21 09:55 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
كان لعينيه الخضراوين لون البحر العميق الذي شاهدته على شواطئ الجزيرة . كانتا دعجاوين, أهدابهما كثيفة.
مدت ليديا له يدها .فأطبقت يده الضخمة عليها بشدة, وهو يقول بابتسامة مختصرة باردة لمعت منها أسنانه البيضاء :
-مرحبا ليدي .
اشعرتها نظرته الباردة بأنها منبوذة فحولت بصرها عن عينيه وهي تحس بالتوتر لإضطرارها إلى رفع بصرها فهو أطول منها بكثير ,قالت له:
-لقد كنت تُبحر مؤخراً .
فلمعت الدهشة في نظرته و أرتفع حاجباه :
-كيف عرفت؟!
-يدك خشنة من شد الحبال .
-أنتِ شديدة الملاحظة .
ترك يدها فجأة فكشف بذلك عن كره تجاه ملاحظتها تلك:
-ما عملك؟ . سألها.
احست بالرجفة ...فلم تعد عيناه دافئتين بل اصبحتا باردتين كالثلج الازرق.
-أنا محامية ...
- ها ...فهمت سبب هذه النزعة إلى الفضول .
تلاقت عيونهما في لحظات محفوفة بالأخطار, نظراتها غاضبة و متحدية بينما نظراته قاسية ساخرة لكنه لم يلبث أن التفت إلى سالي بإشارة متعمدة, غطى أصابعها المستقرة على ذراعه بيده و ضغط عليها بلطف و مودة .
-كان يجب أن تنذريني يا حبيبتي أن أختك صائدة جوائز لذا أرى أن علينا أن نحذر عندما ترافقنا .
حبيبتي ! هذا التحبب العفوي الموجه إلى شقيقتها من هذا الغريب المتعجرف الوسيم, جعل دمها يغلي .لكن الأسوأ منها نظرة أختها إليه ,فقد شعرت فعلاً به إلهاً إغريقياً تقف أمامه اختها متعبدة .
كان على ليديا محاولة ايقافهما عن التغازل بالنظرات وتماسك الأيدي في مكان عام كهذا ,فاقترحت عليهما التحرك .استدارت سالي إليها وقد عادت الى الواقع :
-هل هذه كل حقائبك ؟
فلما هزت رأسها إيجاباً تحرك كليف برودي مبتعداً رافعاً اصبعه بتسلط فسارع حمال محلي يرتدي قميصاً لامعاً و قبعة من القش ,فوضع الحقيبة الثقيلة على عربة قام بدفعها .
كانت الشمس خارج المبنى لامعة ،والهواء ساخناً ورطباً .فتشت ليديا في حقيبتها عن نظارتها لتضعها ثم لحقت سالي التي ما تزال ذراعها في ذراع كليف برودي .وما إن وصلوا إلى السيارة اليابانية السوداء حتى اضطرت من شدة الحر إلى خلع سترتها .
وضعت حقيبتها في الصندوق ,أما كليف فنقد الحمال مبلغاً سخياً ظهر أثره على أسارير الرجل الضاحكة .
فتح باب السيارة بعد أن رفع غطائها ...ثم أمسك جزءاً من مقعده مطوياً إلى الأمام ,وأشار إلى ليديا بالدخول إلى المقعد الخلفي ... فقالت :
-ألا يمكن أن أجلس في المقعد الأمامي ؟ لم أزر هذه الجزيرة قبل اليوم ، وأحب أن أرى كل شيء يمر بنا .

Rehana 14-01-21 09:55 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
كان المقعد الأمامي يتسع لثلاثة أشخاص وستكون هذه طريقة مثالية لإبعاد سالي عنه ، فرد عليها بلهجة باردة :
-سترين جيداً في المقعد الخلفي فالسقف مرفوع ...اصعدي .
لم تعجبها طريقته في مخاطبتها . إنه يعاملها كطفلة أو خادمة يمكنه أن يوجه إليها الأوامر ،فاستدارت إلى شقيقتها لتطلب منها الجلوس معها .لكنها رفضت وحثتها على الصعود إلى الخلف.
-لقد تأخرت طائرتك في الوصول ،وكنت وكليف قد انتظرناك ما يزيد عن الساعة .
-آسفة ... ما كان عليكما المجيء. بامكاني استئجار سيارة أجرة .
نظرت إلى كليف مباشرة ... فلمستها أختها بنفاد صبر ودفعتها :
- سبق أن أخبرتك بأنني سألقاك وقد فعلت .
بعد تردد استسلمت ليديا واستقرت في المقعد الخلفي المريح، أما الآخران فاستقرا في مقعديهما.
بدأت السيارة بالخروج من الموقف نحو طريق ضيق تحده شجرات نخيل مغبرة، فلفح الهواء الحار وجهها وشعث شعرها الأسود.
نظرت إلى منكبي كليف برودي العريضين متسائلة عما فيه ليؤثر فيها بطريقة خاطئة .كان ينظر ويتحرك وكأنه يملك الأرض كلها .تجهم وجهها و هي تفكر ...ربما هو يملك الدنيا ...نظرت إلى داخل السيارة الفاخر ،ربما هو أحد الأثرياء الذين قرأت عنهم .
كان يتصرف وكأنه يملك سالي كذلك .تسارعت أفكارها عندما شاهدته يرفع ذراعه البرونزية ويضعها على كتفي سالي ليجذبها إليه .
مرت بهم عدة سيارات تسير إلى الجهة المعاكسة للطريق ،فبدا لها هذا غير منطقي. سألت:
-لماذا يقود الجميع سياراتهم يساراً ؟
فردت سالي :
-لأن الجزيرة كانت من المستعمرات البريطانية .
أجاب كليف:
- لكنها لم تعد مستعمرة. وإذا كان عليهم أن يستمروا في السير إلى اليسار فلمادا لا يستوردون سيارات مقودها إلى اليمين ؟
-بعضهم يفعل هذا لكن معظم السيارات المستوردة يابانية أو أمريكية الصنع وستعتادين على هذا بعد فترة .فاسترخي...ليس هناك خطر.
وكأنه يقول بكلمات أخرى ...أخرسي ! لكنها بدلاً من الارتداد إلى الوراء مالت إلى الأمام , ووضعت ذراعيها فوق مسند المقعد الأمامي كي تتحدث إلى سالي :
-هوراد اشترى سيارة جديدة .لقد نال ترقية حديثاً وهو سيصبح مديراً في الشركة التي يعمل فيها .
أرادت أن تضع حاجزاً بين سالي و كليف بذكر زوج أختها .لكن سالي لم تعلق ،ولم تلتفت إلى شقيقتها بل وضعت رأسها على كتف كليف ،وإحدى يديها على ذراعه .

Rehana 14-01-21 09:57 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
انضم الطريق الفرعي إلى طريق عريض على محاذاته رمال صفراء ممتدة تظللها بضع شجيرات بدت
وكأنها الصنوبر .وخلف الرمال بدت المياه خضراء صافية، تشتد اخضراراً كلما أصبحت أعمق .وعلى بعد ميل من الشاطئ كانت الأمواج تتكسر بشكل قناطر من الزبد أثناء اصطدامها بجرف من الصخر المرجاني .
-لا أكاد أصدق أن الطقس كان مثلجاً عندما غادرت البلاد. قال لي هوارد إن هناك تفسخات بسبب الثلج في منطقة سكنكم .وقد حفر طريقه للخروج من منزلكم .
-إنه ليس منزلي ،إنه منزله .
-حسناً, إنه المنزل الدي تسكنين فيه معه .لذا أقول منزلكما .
ولم ترد سالي ...بل هزت كتفيها .تباطأت السيارة وأخذ الطريق يبتعد عن الشاطئ ، فحل مكان الأشجار والرمال من جهة اليمين جدار أبيض، تدلت منه أزهار حمراء كالاجراس .وعبر البوابات لمحت ليديا جدران الفيلات الفخمة والحدائق المعتنى بها جيداً ،حيث تحافظ مضخات المياه على خضرة الأرض .سقوف حمراء كانت تلمع تحت أشعة الشمس ، في مواجهة السماء الزرقاء الموشحة بغيوم بيضاء كالريش.قالت سالي:
-هذه أميرالد كاي.
جذب كليف ذراعه عن كتفيها ،ثم أدار السيارة إلى ما بين عامودي بوابة، فاندفعت في طريق خاص توقفت بعده أمام منزل ريفي مؤلف من طابقين جدرانه خضراء و نوافذه بيضاء . سألته سالي :
-هل ستدخل لتناول القهوة يا كليف؟ لقد حان وقت الغروب .
-ليس هذا المساء.أنت دون شك تريدين سماع الأخبار العائلية التي تحملها ليديا في جعبتها .
نزل من السيارة ليفتح الصندوق ،فالتفتت سالي إلى ليديا وألقت عليه نظرة حقد:
-لماذا تكلمت عن هوراد أمامه ؟
- ظننتك ترغبين في سماع أخباره فهو زوجك .
-اوه...لا تدعي! .لقد ذكرته عامدة .أما تعلمين أن زواجي انتهى منذ غادرت انكلترا؟
-هل يعلم هوارد بهذا ؟
-اذا لم يكن قد فهم ...فسيفهم عما قريب .
فتحت سالي باب السيارة وخرجت لتتحدث إلى كليف . و إلى أن استطاعت ليديا الخروج من المقعد الخلفي, كانت سالي قد دخلت المنزل ،وكليف قد وضع حقيبتها على الأرض تحت المدخل ذي القناطر المتدلية منه أزهار ملونة تظلل الباب. وعندما استدار عائداً إلى السيارة كاد يصطدم بها ،فوقفا للحظات في مواجهة بعضهما بعضاً في صمت متحد:
-أشكر لك إيصالك سالي لمقابلتي وإعادتك إيانا إلى المنزل .
-كنت تتمنين عدم حضوري .إيه؟ لقد بدا الأمر جلياً على وجهك يا طفلتي .
-وما الذي بدا جلياً ؟

Rehana 14-01-21 09:58 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
-عدم رضاك عني.
-لا أستطيع شيئاً حيال هذا. أعتقد أنك تعتبر نفسك فوق القوانين الأخلاقية التي تتحكم بتصرفات معظم البشر.
-ما قصدك بهذا الكلام ؟
-سالي متزوجة .
فهز كتفيه دليل عدم اكتراثه، مما جعلها تتوق لصفعه:
-و إن يكن ؟
-لماذا لا تتركها وشأنها ؟
-ضاقت عيناه ،فخطا نحوها لينظر إليها من علو مهدداً ، وشفتاه مشدودتان فوق أسنان بيضاء قوية
وصوته يخرج ناعماً لكن مشبع بالشر.
-اسمعي يا صائدة الجوائز ...لقد اكتفيت من أمثالك الذين يدّعون فهم القانون والحقوق ،المعترضين دوماً على طريقة عيشي .لذا أبعدي أنفك عن شؤوني, أو تندمين!.
-أنا لا أهتم بك، بل بأختي .فأنا أحبها.
-هذا لا يعني ان تكوني حارستها.
استدار ببرود ليفتح باب سيارته.
-لكن هذا واجبي . يجب أن أحميها منك ومن جمالها وضعفها ،وسأفعل أي شيء لأمنع أمثالك من تدمير زواجها .
لحقت به و هي تتكلم، مصممة على جعله يعرف أنه لن ينجح مع سالي ما دامت هي الآن في أميرالد كاي . اندس خلف مقود السيارة ،وعيناه تلمعان بنظرة شيطانية خضراء وهو ينظر إليها ليسألها ساخراً:
-إن هذا الإخلاص يذهلني ولكنه لا يؤثر فيّ ،إخلاص في غير محله .قبل أن تحشري أنفك فيما لا يعنيك اطلبي من سالي أن تدعني و شأني .
-سأفعل ...كن واثقاً من هذا .
-سيفاجئك ردها .
التوى فمه بابتسامة شيطانية ضاقت بها عيناه حتى أصبحتا كقطعتي ثلج لامعتين . شغل المحرك فاضطرت إلى التراجع ...
عضت شفتيها متوترة وهي تراقب السيارة الجميلة تستدير لتنطلق عبر الطريق الخاص بكل أناقة ...وما هي إلا لحظات حتى اختفت عن ناظريها خلف منعطف تخبئه الاوراق الخضراء لشجيرات عطرة .
صاحت سالي بها من المدخل مقطبة وشاحبة:
-ليدي... ألن ندخل؟
- بلى ...بالطبع... ألم يحضر والدي بعد؟
-لا... وإلا لخرج إلى هناك بسرعة لمقابلتك. تقول لودي إنه اتصل من الفندق قائلا ًإنه سيتأخر ولن يحضر قبل السادسة.
كافحت ليديا وزن الحقيبة وهي تدخلها إلى المنزل حيث ألقتها بقوة على الأرض. ثم رفعت يدها تمسح العرق عن جبينها. تأملت الغرفة التي دخلتها، كائت عريضة وطويلة، أرضها مغطاة بسجادة خضراء، وجدرانها مدهوئة بلون فضي. فيها عدة مقاعد وثيرة، مغطاة جميعاً بقماش خارجي مزهر وتحت نافذة تصل إلى الحديقة الأمامية طاولة طعام حولها أربعة كراسي، وفي الناحية الأخرى باب زجاجي عريض ينفتح إلى شرفة مسقوفة تتدلى منها عرائش الأزهار والورود ...

Rehana 14-01-21 09:59 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
شهقت ليديا:
- واو... الطقس حار... أين لي أن أستحم وأبدل ثيابي؟
- في الطابق العلوي .
صعدت معها الدرج الذي قادها من غرفة الجلوس مباشرة إلى فسحة صغيرة فيها أربعة أبواب، أشارت سالي إلى أحدها.
- هذا الحمام الوحيد ... فهذا المنزل صغير، ليس فيه سوى ثلاث غرف نوم، تحتل لودي إحداها، لذا ستشاركيني النوم في هذه الغرفة .
دخلتا غرفة نوم سقفها منحدر ونافذتاها إحداهما تطل على مدخل المنزل والأخرى تواجه البحر، وفيها كذلك سريران مغطيان، قربهما خزائن، ومرآة طويلة مثبتة على باب خزانة حائط. قالت ليديا بعد أن عرفت أن لودي هي مدبرة المنزل:
- لكنني ظننتك من تديرين المنزل، فاعتقدت أن هذا سبب بقائك هنا.
-اوه ...أنا أراقبها عنه. لكن لودي تقوم بالعمل .
- وماذا تفعلين طوال اليهار؟
فردت سالي بخفة:
- أمرح. . . أسبح وأتشمس وأحياناً أبحر مع كليف.
- لكنك لم تحبي الإبحار. لم ترافقيني مرة للإبحار .
- الإبحار في يخت كليف الفخم يختلف عن الإبحار في مركب صغير .
- أعتقد هذا... هل يعيش في يخته؟
- عندما يبحر حول الجزر. يجب أن تشاهدي منزل آل برودي إنه لا يصدق. فيه حمام لكل غرفة نوم، ست غرف نوم ... أمه كانت تدعو أصدقاءها وأقاربها للسكن معها خلال أشهر الشتاء هنا. لذلك أسسست نادي شاطئ أميرالدكاي بعد أن اشترت الجزيرة كلها، وبنت الفندق والبيوت للموظفين... وكليف يملك كل هذا الآن. تركتها له في وصيتها عندما ماتت منذ ستة أشهر.
- هل هذا أحد المنازل، وهل يستأجره والدي من السيد برودي؟
- لا... فهذا المنزل جزء من تقديمات الوظيفة التي يشغلها أبي مديراً للنادي... اسمعي ليدي... والدي محظوظ لحصوله على مثل هذه الوظيفة، وعليك أن تكوني حذرة بما تقولينه لكليف أثناء وجودك هنا، فلا فائدة من إغضابه.
- لماذا؟
- لأنه رب عمل والدي منذ أن ماتت أمه ولأنك لا تريدين أن يطرد من عمله يسبب عدم لياقتك مع رئيسه.
- ألأن كليف برودي هو رئيس أبيك، تتصرفين معه بأدب مبالغ فيه وبطريقة حميمة؟ الهذا تندسين به عند كل فرصة سانحة؟.
لمعت عينا سالي وهي تجلس منتصبة:
- أنا لا أندس به!
- إذن ماذا كنت تفعلين؟ لقد لاحظت كل حركاتك .
فاحمر وجه سالي:
- كيف لك أن تكوني حقيرة فتشيرين إلى ما قمت به؟

Rehana 14-01-21 10:00 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- وكيف لك أن تكوني حقيرة فتتقربين من رجل وأنت متزوجة من آخر ؟!أنسيتِ يمينك؟
- طبعاً لم أنس، لكني سأتطلق منه
-أوه... لا! لا يمكن أن تفعلي هذا سال !
هبطت عن حافة السرير دهشة. فقالت سألي:
- ولماذا لا؟ أريد أن أكون حرة لأتزوج من كليف.
- وهل طلب منك الزواج؟
- ليس بعد... لكنه يريدني.
- بالتأكيد يريدك إذا كنت تتحرشين به دائماً بهذا الأسلوب ... بدت عليه نظرة القرصان الذي لا يتوانى مطلقاً عن سرقة زوجة رجل آخر إذا استهوته .
ضحكت سالي، ورفعت خصلات شعرها الأحمر بإثارة فوق كتفيها وهي تعود أدراجها إلى الغرفة لتنظر إلى صورتها في المرآة :
- ليس بحاجة لسرقتي... فأنا أريده بقدر ما يريدني. بالنسبة لي لا تتعدى المسألة أكثر من تغيير شريك الزواج... وهذا يحدث يومياً في هذه الأيام.
فتهدت ليديا:
- أتظنين حقاً أن رجلاً مثله سيعرض الزواج عليك بعد أن يحصل على ما يربد؟ الأفضل لك تركه وشأنه ... إنه خطر.
- هذا سر فتنته... لا تقلقي استطيع العناية بنفسي. سيجد أنني لست سهلة المنال كما أبدو...وحتى ذلك الوقت سيكون راغباً فيّ إلى درجة تدفعه إلى تلبية ما أريده مهما يكن بما فيه الزواج .
- لكن لا يمكن أن يعجبك أكثر من هوارد ... سال... عودي معي اكسري تعويذة السحر التي سببها هذا المكان لك، وستنسين مأ إن تصبحي مع هوارد .
ردت سالي بقوة... وهي تستدير :
- أبداً... فأنا أحب أن أبقى محسورة. وأحب هذا المكان الفخم والراحة التي فيه... أحب الشمس والبحر والليالي الملاح. لن أترك كليف, إنه أفضل إنسان رأيته في حياتي ... إنه ... إنه.. رجل من ذهب، إنه ثري وقد يزداد ثراؤه عندما يموت والده. وهو إلى ذلك يستطيع إعطائي كل ما كنت أريده.الثياب الأنيقة والجواهر والمنازل الفخمة، والخدم... وهو الآن يريدني، وسيمتلكني بحسب شروطي.
- لكنه لا يحبك كما يحبك هوارد.
- هوارد يحبني؟ لا ريب في أنك تمزحين. لماذا لم يأتِ إلى الجزيرة ليراني إذن؟
- أنت تعرفين السبب، كان مشغولاً بعمله .
صاحت سالي يائسة :
- أرأيت؟ العمل... العمل... إنه يعتبر عمله أهم مني.
- هذا لأنه يرغب في أن ينال ترقية كي يكسب المزيد من المال لشراء سيارة جديدة، لتنتقلا إلى منزل أوسع في منطقة فخمة في المدينة. ومع ذلك فهل تعتقدين أن كليف برودي سيكون أفضل منه؟ أتظنين حقاً أنه سيمضي كل أوقاته معك؟ هذا إن تزوجك؟
- كليف ليس بحاجة للعمل.

Rehana 14-01-21 10:01 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- لا عجب إذن في أن يبدو عليه كل هذا الملل وفي أن يسعى إلى لعبة يلهو بها... ألا تفهمين ما أنت بالنسبة له؟ لست أكثر من لعبة جميلة جديدة سيرميها بعيداً حالما يمل منها.
شحب وجه سألي، ولمعت عيناها بعدم الثقة... ثم تقدمت عبر الغرفة تبحث عن حذائها لتنتعله. تمتمت مدافعة عن نفسها:
- لن أهتم بشيء ما دام يعطيني ما أريد.
تناهى إليهما صوت إطارات سيارة تمر فوق حصى الطريق ثم صوت بوق مرتفع، فصاحت سالي متجهة إلى باب الغرفة:
- ها هو أبي... عدما تنتهين انزلي إلى الشرفة ...فهو يحب تناول المرطبات ومراقبة غروب الشمس قبل العشاء.
عندما انضمت ليديا إلى أبيها وأختها، كانت الشمس فوق الأفق تماماً، قرصاً مستديراً من نار قرمزية ...لكنها فجأة انحدرت فلمعت السماء بألوان وردية وبرئقالية ... وتجمعت الظلال القرمزية حول الشرفة . وبين الشجيرات المزهرة، بدأت زيزان الحصاد أنغامها المتكررة كل ليلة.
قال دايفد كندي وهو يعانق ابنته الصغرى :
- ما أروع وجودك بيننا ليدي.
إنه طويل أسود الشعر مثلها تماماً. قبل أن تراه اعتقدت أنها ستجده نحيلاً ومنهكاً، لكنها تراه في خير حال. سأل:
- ماذا تريدين أن تشربي؟
- ما الذي في يدك من شراب؟
- خليط من عصير الفاكهة مع حليب جوز الهند، تصنعه لودي .
- سيعجبني هذا الشراب.
قالت سالي :
- سأحضره لك، أتريد كأساً أخرى، أبي؟
- أرجوك .
تناولت كأسه ثم دخلت المنزل، فسأل دايفد ابنته :
- كم من الوقت ستمكثين معنا يا ليديا؟
- ثلاثة أسابيع، وهي كل ما أعطيت من إجازة هذه السنة.
- جيد ... أخبرتتي سالي أن هوارد أقلك إلى مطار هيثرو هذا الصباح، فهل سيأتي لقضاء العطلة؟
- لست أدري...لم يذكر شيئاً أمامي.
تفرست ليديا بوالدها خلسة، ثم قررت طرق الموضوع مباشرة همست:
-أبي ...بشأن كليف برودي.
- هل قابلت كليف؟
- أجل , لقد أوصل سالي إلى المطار لمقابلتي.
-صحيح ... حسناً... هذا لطف. منه
فردت ليديا ساخرة:
- لن أدعوه لطيفاً.
- همم... وكأنه أغضبك .
نظر إليها بحدة .. فعضت شفتها:
- لقد فعل بكل تأكيد .لقد أغضبته أيضاً فهل يهمك ذلك يا أبي؟ تقول سالي إن من المهم أن لا أهاجمه لأنه رئيسك. فهل يطردك إذا تكلمت معه بقلة أدب؟

Rehana 14-01-21 10:01 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- لست أدري... علي أن أعترف بأنني لا أحب إغضابه، فلدي إحساس بأنه جاء لمراقبة إدارة الفندق، خاصة مراقبتي أنا.
تنهد ثم دعك عينيه بقلق وتايع:
- أترين يا حبيبتي, لقد حصلت على هذه الوظيفة بسبب المعرفة التي كانت بيني وبين أمه منذ سنوات طويلة. يومها ساعدتني على الخروج من مأزق وجدت نفسي فيه بسبب ما جرى مع النقابات في فندق اليغنت. لذا أعتقد أن كليف يرتاب بي. إنه لا يشبه أباه في شيء.
- ومن هو أبوه؟
- إنه الكسندر برودي، رئيس شركة الاتحاد المالي ,هل سمعت بها؟
قطبت ليديا تبحث في ذاكرتها:
-أجل, أليست هي الشركة التي تسيطر على شركة الصناعات الخفيفةفي انكلترا؟
- هذا صحيح... إنها شركة أميركية انكليزية لها مصالح مالية في أنواع عديدة من الأعمال. والكسندر برودي هو القوة الدافعة وراء التأسيس الأصلي. ورث أمبراطوربة الأعمال هذه عن والده، وهي سلسلة من الشركات الضخمة تتعامل مع مختلف الشركات الصناعية في كل أنحاء العالم وهذه الشركات تقدم ما تنتجه من بضائع إلى الشركة الرئيسية. وشركة الصناعات الخفيفة هي إحداها. ووالدة كليف برودي، مارغريت نيومان، كانت الوريثة الوحيدة لماركس نيومان آخر رجل في سلالة عائلة نيومان.
-أعتقد أن الكسندر برودي عندما استولى على الشركة، استولى عليها أيضاً.
- يمكنك قول ذلك، فقد كان زواجه رغم نجاحه زواج مصلحة.
لمعت عينا الوالد بحنان دافىء:
- أعتقد أنك وكليف قد تتصادمان, فلك شخصية قوية وهو غير معتاد على أن تواجهه الفتيات اللاتي عادة يتوددن إليه، أملاً في أن يصبحن يوماً السيدة كليف برودي القادمة .
- السيدة كليف برودي القادمة؟ هل هو مطلق؟
- لا... لقد تزوج صغيراً... زواج مصلحة آخر، استمر أربع سنوات كما أخبرتني أمه انتهى بموت زوجته في حادث، ويبدو أنهما رزقا طفلاً لكنه مات أيضاً. كانت مارغريت تستاء جداً عندما تتحدث عن ذاك الزواج. أعتقد أن هناك سراً غامضاً بشأن موتهما.
فضحكت ليديا بسخرية:
-هاه! أشعر بالأسى تجاه المرأة التي سترضاه زوجاً لها.
فزجرها والدها:
- رويدك يا ليدي ... أعلم أن أخلاقه شرسة. لكن إن لم يعجبك فنصيحتي أن تبتعدي عن طريقه أثناء وجودك في الجزيرة، ولن يكون هذا صعباً عليك.
- ولكنه ليس يعد منطوياً على نفسه كما تقول ... فلقد وجدت سالي طريقها إليه، ولقد ذكرت منذ برهة أنها تفكر في الطلاق من هوارد.

Rehana 14-01-21 10:02 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
فشهق:
- يا إلهي؟ لماذا؟
- حتى تتزوج من كليف . هذا إذا طلبها للزواج.
- لا يمكن أن تكون جادة!
- بل هي كذلك . لذا تراني قلقة عليها.
- ما كنت أعلم أنها تراه كثيراً . فقد كنت مشغولاً كثيراً مؤخراً , لأن إدارة الفندق والنادي ليس بالأمر السهل بوجود هؤلاء العمال... فقد واجهنا في هذا الموسم إضرابين، والليلة بعد العشاء لدي لقاء للمفاوضة.
تنهد:
- حسناً أخبريني كيف تتصرف عندما تكون برفقته؟
- كأولئك الشابات اللواتي تكلمت عنهن. إنها تتودد إليه بطريقة مقرفة .
تجهم وجه ليديا باشمئزاز، وبدا على والداها الحزن:
- هكذا إذن ... إنه السبب في بقائها. كانت منذ ثلاثة أسابيع توشك على السفر وذلك بعد أن استأجرت لودي... ثم وصل كليف، وقدمته إلى سالي، ويبدو أن لقاءاً واحداً كان كافياً كي تغير رأيها. أتعلمين ... ربما وقعا في الحب. وفي هذه الحالة قد لا تستطيعين أنت أو هوارد شيئاً حيال ذلك ..
- ولكنها متزوجة يا أبي... هل تصدق أنه يفكر في الزواج منها؟ فلتفترض أن هوارد طلقها، ثم وجدت أن كليف لن يتزوجها، ألا يمكنك تكهن ما قد يصيبها؟ إنه صلب كالصخرة وقد تحطم نفسها لأجله.
- ماذا أفعل ... إنها راشدة يا ليدي، ولن أعلمها الآن كيف تدير حياتها.
- ليت الشركة التي يعمل هوارد فيها تسمح له بالمجيء.
- قد يحدث هذا على أساس الشفقة وذلك إذا تلقى رسالة مني أو منك تنص على أن زوجته تحتاجه.
- سأكتب له في الغد ...
توقفت عن الكلام عند سماعها صوت الثلج يتحرك في الكؤوس إشارة إلى عودة سالي. تمتمت:
- فلنغير الحديث.
انتقل مسار حديثهما إلى عملها، لكن رنين الهاتف قطع عليهما استغراقهما فيه. أسرعت سالي إلى الهاتف لتجيب ثم لما عادت سألها والدها:
-هل المكالمة لي؟
- لا ... إنها من أليزابيث آدمز تدعوني وليديا لتناول العشاء في فيلتها حتى نتعرف إلى ابنيها الواصلين لتوهما في عطلة ...تقول لودي إن العشاء جاهز .
بعد العشاء وبعد خروج دايفد إلى كاسترين، عاصمة سانتالويس، للتفاوض مع الاتحاد العمالي. استبدلت الشقيقتان ملابسهما بثياب سهرة، وخرجتا عبر الطريق المعبدة الخاصة إلى الفيلا التي تستأجرها عائلة آدمز لقضاء الشتاء. عندما مرتا قرب منزل يقع وسط أشجار النخيل والأناناس أشارت إليه سالي قائلة:

Rehana 14-01-21 10:02 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- هذا منزل كليف برودي الذي حدثتك عنه, يقيم الآن فيه لمدة أسبوعين شقيقة كليف وزوجها ووالدها وتقام في المنزل الليلة حفلة.
بدت سالى آسفة، وكأنها ودت أن تكون مدعوة إلى تلك الحفلة بدلاً من حفلة آل آدمز. ولكن ما إن أصبحتا داخل غرفة جلوس المنزل، وقدمتا إلى الشابين، حتى عاد لها إشراقها.
فراحت تتحدث وتضحك بطريقتها المرحة العادية، ولم يطل بها الوقت حتى أقنعت الشابين بمرافقتها وليديا إلى ناد ليلي في الفندق.
مرت الساعات التالية بسعادة وسرعة، فرقصوا على أنغام الطبول والغيتارات الكهربائية، التي بثتها فرقة محلية. كان الجو مرحاً رقص خلاله الجميع بمرح. وما إن أعلن رئيس الفرقة أن الساعة أصبحت الواحدة صباحاً حتى توقف الرقص. حينها فقط أدركت ليديا أن سالي ليست معهما.
قال فيليب آدامز، أصغر الأخوين:
- ألم تلاحظي؟ وصل رجل أشقر طويل فذهبت معه، قائلة إنها ستراك فيما بعد في منزلكما.
طويل وأشقر، إن دون شك كليف برودي... ومن سواه قادر على انتزاع سالي من الرقص الذي تعشقه؟
ودعت فيليب الذي أوصلها إلى منزل والدها. ثم دخلت المنزل فوجدت سالي صاحية في غرفتهما:
- ماذا حدث لك؟
- لقد جاء كليف يفتش عني. ألم تشاهديه؟ سيسافر إلى كندا في الغد لمتابعة بعض أعماله هناك، وسيغيب حتى يوم الخميس القادم. وعندما يعود سأذهب في رحلة معه على متن يخته.
لم تعلق ليديا بالفعل بل نظرت إلى الغرفة فوجدت أن هناك من أخرج ثيابها من الحقيبة وعلقها في الخزانة ورتبها في الجوارير , لا شك في أن لودي هي من قام بهذا العمل.
خلعت الفستان، وتناولت ثوب النوم، لتدخل الحمام ... ليتها تستطيع إيجاد طريقة ما تدفع هوارد للمجيء إلى الجزيرة قبل الخميس القادم وذلك قبل أن تتمكن سالي من القيام برحلتها مع كليف برودي .
عادت إلى غرفة النوم، وكان كل ما يبدو من سالي شعرها القابع فوق الوسادة. فبدا لليديا أن شقيقتها لا تريد أن تتحدث معها.
رغم محاولاتها الدؤوبة لم تستطع النوم، أما سالي فقد بدت غارقة في فراشها تحلم على الأرجح بكليف, أخذت ليديا تتصور وجهه الأسمر تعلوه نظرة ساخرة غير مبالية، وعيناه الخضراوان الباردتان تنظران إليها على أنها امرأة مزعجة تثير المشاكل ...غلى الدم في عروقها عندما فكرت فيما يعتبرها، فأضطجعت إلى جنبها ثم أغمضت عينيها محاولة إبعاد طيفه، متمتمة:
- لماذا ينظر إليّ ولديه سالي القادر على الحصول عليها ساعة يشاء... نامي يا ليديا كندي... فذلك الشيطان الأخضر العينين يجب ألا يعني لكِ شيئاً.

نهاية الفصل

Rehana 15-01-21 07:09 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
٢ - لن تسامحه أبداً

انساب لوح الانزلاق فوق الأمواج الزرقاء كفراشة تتهادى مختالة بألوانها الصفراء والحمراء. حافظت ليديا الواقفة عليه على توازنها فوقه، محنية الساقين، مرتدة الجسد إلى الخلف حتى كاد يلامس المياه، أما يدها فأمسكت العمود الخشبي المثبت بينه وبين عمود آخر يشكل معه مثلثاً وكانت تدير أيضاً الشراع المثلث يمنة ويسرى لتقود اللوح الصغير نحو الرمال الممتدة أمام النادي البحري ومنازله المنتشرة.
وصلت بلوح الانزلاق إلى المياه الضحلة، وهي مبتلة من رأسها إلى أخمص قدميها من رذاذ المياه، تملأها البهجة من الحركة السريعة والإثارة التي ولدتها المشاركة في هذه الرياضة الرائعة. نزلت عن اللوح وانتزعت الشراع منه ثم دستهما في الرمال .
توقف قربها لوح آخر قرمزي اللون.
- أهنئك ليديا على فوزك بالسباق لقد كنت طبيعية فوق الأمواج. من يرّك قد يعتقد أنك تمارسين هذه الهواية منذ سنوات لا منذ بضعة أيام فقط, أنت لم تقعي مرة واحدة بينما وقعت أنا الذي أقضي وقتي كله في البحر مراراً.
غرز فيليب لوحه وشراعه في الرمل، فهزت ليديا كتفيها ثم أسرعت إلى ارتداء روب خاص بالشاطىء.
- أجد لذة في هذا. يجب أن أشكر لك ولتشارلز إعارتكما إياي لوح الانزلاق .
- أهلا بك. ما رأيك لو نذهب إلى المنزل لشرب شيء بارد؟
ترددت قليلاً، فرغم اعتيادها على صحبته إلا أنها تحس به مهتماً بها أكثر مما ينبغي، وإن لم تلزم الحذر فقد يظنها سهلة المنال. أجابت ببرود:
- لا شكراً لك. اليوم يوم إجازة لودي، وقد وعدت سالي أن أساعدها في تحضير الطعام.
- هذا مؤسف جداً.
سار معها حتى وصلا إلى الطريق الخاصة، ثم قال:
- لن أراك كثيراً الآن، فلقد وصل خالي ويخته ليلة أمس , وقد طلب مني ومن تشارلز أن نبحر معه ...سنقلع بعد ساعة. ما رأيك لو أطلب منه أن ترافقينا. ثمة أماكن عديدة في اليخت، فهو يتسع لستة أشخاص بكل راحة، هل ترغبين؟
- هذا لطف منك يا فيليب، لكني لن أستطيع, كم ستتغيبون؟
- خمسة أو ستة أيام. هل ستكونين هنا عند عودتنا؟
- طبعاً... سأراك فيما بعد!
ارتدت على عقبيها باتجاه منزل والدها . ثم انحنت لتثبت صندلها في قدميها. لقد مرت عشرة أيام على وجودها في هذا المكان وكانت أياماً جيدة سواء من جهة الطقس أو من جهة التسلية. وقد اكتسبت خلالها لوناً برونزياً جميلاً كاللون الذي اكتسبته سالي.

Rehana 15-01-21 07:09 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
طافت هي وشقيقتها كل أنحاء المدينة التي كانت يوماً مستعمرة، كما زارتا الأسواق القديمة منها، أما في الليل فكانت تذهب لترقص على أنغام الطبول في مختلف النوادي الليلية.
وجدت أمامها صبياً صغيراً أسمر اللون يرتدي الثياب المحلية البهية الملونة، يطوف بحيرة حول المنزل. نظر بعينيه البنيتين الواسعتين إليها:
- هل أنت السيدة التي تعيش هنا؟
- أجل أنا أعيش هنا.
- سيدي برودي أرسل هذا.
أعطاها ورقة بيضاء مطوية ...فسألته :
- هل أنت واثق من أنها لي؟
- آه ...أنا واثق ... قال أعطها للسيدة التي تعيش هنا.
أخذت الورقة من يده وقلبتها، تفتش عن اسم قد كتب عليها، فحارت في أمرها ثم أعادت بصرها إلى الولد فإذا به قد رحل. هزت كتفيها وفتحت بوابة الحديقة ... الرسالة دون شك مبعوثة إلى سالي، فهل يعقل أن تكون لها من سيدي برودي؟
عندما أوشكت على فتح الباب الخلفي للمنزل، توقفت. لو كان كليف برودي من ارسل الرسالة فهذا يعني أنه عاد قبل يوم كامل من موعده. نظرت إلى الرسالة ... ماذا تحتوي ؟ هل تجرؤ على فتحها وقراءتها؟
دخلت غرفة الجلوس الباردة لنستريح فوق مقعد، ثم شرعت تفتح الورقة. كانت الورقة فيها كلام موجز لم يضيع كليف وقته في كتابته:
"حبيبتي ... تذكري ما اتفقنا عليه ... كوني عند الرصيف حيث يرسو اليخت الليلة الساعة الثامنة. لا تحضري الكثير من الملابس ... كليف."
طوت ليديا الرسالة من جديد بسرعة... يا إلهي ... هو واثق إلى حد كبير من سالي فهو ما كان ليكتب لها بهذه الجرأة لولا ذلك. سمعت صوت إطارات فوق حصى الطريق ... إنها سالي عادت من السوق
أسرعت إلى الحمام في الطابق العلوي . أغلقت بابه جيداً ثم مالت فوق المغسلة , ماذا ستفعل بالرسالة؟
بدأت كلمات الرسالة تغيب عن بالها عندما راحت فكرة تتبلور في رأسها, ستضع الرسالة في المرحاض ثم تفتح عليها المياه وعندها لن تعرف عنها شقيقتها شيئاً ...
لكن إن لم تذهب ألن يأتي ليسأل عنها هنا؟ سمعت صوت شقيقتها تناديها ... لن تدعها تذهب معه، خاصة أنه من المتوقع ان يصل هوارد غداً تلبية لبرقية والدها.
صاحت سالي ثانية :
- ليدي؟ أين أنت؟
- في الحمام ... لن أتأخر !.
مزقت الرسالة إلى قطع صغيرة، ثم رمتها في المرحاض تحت الماء. ستذهب هي نفسها إلى حيث يرسو اليخت بدلا ًمن سالي لتقول له بأن شقيقتها لن تأتي لأنها تتوقع وصول زوجها غداً صباحاً .

Rehana 15-01-21 07:10 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
أجل... هكذا سيكون الأمر. إن صحت نظرتها في الناس، فهذا يعني أنه لن يتريث لحظة للتفكير، وسينطلق في رحلته وحده، وعندما يعود تكون سالي قد سافرت إلى بلدها مع زوجها.
نظرت إلى الدوامة التي أغرقت قطع الرسالة ثم قصدت غرفة النوم فخلعت ثوب السباحة وارتدت ثوباً من القطن الحريري الملون. وما إن نزلت لتواجه سالي حتى كانت قد أحكمت السيطرة على نفسها وتمكنت من التظاهر بأن لا شيء يشغل بالها عدا السعادة التي شعرت بها بعد ظهر اليوم.
بعد العشاء خرجت لتتحدث همساً إلى والدها عن وصول هوارد في الصباح التالي، فقررا عدم مفاتحة سالي بالموضوع .
تذمرت سالي بعد فترة من جلوسهم.
- لدي صداع رهيب يا ليدي ... أتمانعين إن أويت إلى فراشي؟
بعد أن ذهبت سالي إلى غرفتها تسللت ليديا من البيت قاصدة الميناء ... وهذا أحسن ... سالي في فراشها في مكان آمن.
كل شيء كان هادئاً فوق الرصيف. تحت الضوء الذهبي المنبعث من الأنوار المسلطة على الرصيف قرأت اسم يخت كليف برودي الطير الأبيض ، اليخت اسم على مسمى فهو قابع فوق الماء كطائر بحري ضخم، جناحاه مضمومان عالياً ، يشدان قليلاً على الحبال المتصلة بالجوانب. أحست فجأة بالتوتر لأنها ستلتقي كليف ، فعيناه الباردتان الخضراوان ستبثان فيها الخوف. أما ذلك اللسان اللاذع فحدث عنه ولا حرج.
سارت حتى نهاية السقالة الخشبية التي تربط اليخت باليابسة. أخذت الريح الدافئة المشبعة برائحة البحر تداعب الخصلات الدكناء حول وجهها، وتلصق قماش بلوزتها الحريرية بجسدها النحيل. من الفندق القريب تهادي إلى سمعها صوت موسيقى رقصت اكثر من مرة على أنغامها في الأسبوع الماضي ... ثم سمعت صوتاً من ورائها:
-ظنتك غيرت رأيك وعدلت من المجيء.
قبل أن تتمكن من الالتفات ، أحست بذراعين قاسيتين تطوقانها، فبدأت موجات من المشاعر تسري في كيانها.
- هل أنت خائفة يا حبيبتي ... لا تخافي ... سأعتني بك!
أمسكت ليديا بمعصميه، وبكل ما أوتيت من عزم شدت ذراعيه لتفتحهما من حولها ثم استدارت تواجهه قائلة بجفاء وهي تتراجع:
- أنا لست سالي!
نظر إليها بحدة، ثم قال ساخراً:
- لقد نسيتك ... ألم تستلم سالي رسالتي؟ .
رفعت رأسها إليه، ترد النظرة بنظرة أشد منها.
- إنها ليست قادمة ... إنها ... لقد طلبت مني أن أبلغك أن زوجها سيصل في الغد، لذا لا ترغب في الإبحار معك ...
توقفت عن الكلام لتتراجع مرة أخرى بعد أن تقدم نحوها وتعابير وجهه شريرة:
- سألتك ... هل استلمت رسالتي؟

Rehana 15-01-21 07:10 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
ارتدت إلى الوراء بسرعة أكثر فأكثر، تحاول الكلام لكنها في ارتدادها تراجعت نحو ... الفراغ ... للحظات ... تأرجحت فوق حافة السقالة، وقد طغى الغموض على عقلها. ارادت استعادة توازنها ... ولكن ... فات الأوان. لقد تراجعت إلى الخلف أكثر مما ينبغي ... فوقعت في المياه المشعة بالأنوار محدثة صوتاً مرتفعاً إذ أطبقت المياه على رأسها وتسارعت نحو فمها المفتوح. قاومت بسرعة فاندفعت من جديد إلى سطح الماء.
- ليديا ... سأرمي لك طوق نجاة ... انتبهي! (أتاها صوته من بعيد).
كانت من الغباء بحيث فتحت فمها ثانية لتجيب، فدخل الماء ثانية إلى فمها وعادت لتغرق ...
عندما عادت إلى السطح ثانية، كانت بعيدة عن الرصيف أكثر مما توقعت، ضرب الماء إليها شيئاً ما، لمع لونه الأصفر في ضوء القمر فتعرفت إليه: كان أحد الأطواق البلاستيكية التي كانت معلقة على الحاجز المحيط بسطح اليخت.
أمسكت به فوضعته حول خصرها وهي تعلم أنه سيدعمها لتطفو مهما كانت ترتدي من ملابس ... صاح كليف ثانية:
- ليديا ... هل تسمعينني؟
- أجل ... لقد أمسكت بطوق النجاة .
- جيد ... ثمة حبل مربوط إليه، سأسحبه، فهل أنت مستعدة؟.
بدأت فوراً تندفع فوق الماء من جراء شده الحبل ببطء. شعرت بالأمان لعلمها بدنو الخلاص.
عندما وصلت، ركع كليف فأمسك كتفيها وجرها إلى فوق ثم بدفعة واحدة أصبحت فوق كتفه، ثم سار بها نحو اليخت فقالت ببرود :
- أنزلني ... فأنا قادرة تماماً على السير وحدي.
أحست بالعجز وهي تحت رحمته، لكنه تجاهلها ووازنها على كتفه وهو يخطو بخفة من السقالة إلى اليخت، ثم إلى غرفة الاستقبال الواسعة في الطابق السفلي منه وهناك أنزلها لتقف على قدميها. وقال لها باختصار مشيراً إلى باب ضيق:
-هناك حمام صغير، ستجدين فيه بعض المناشف.
-شكراً لك لكن ...
- سأجد لك ملابس جافة لترتديها.
عاد أدراجه إلى ممر يقود إلى المقصورة الثانية في المركب. كان الماء المتقطر من ملابسها وشعرها يشكل بقعة كبيرة تبلل سجادة بنية تغطي أرض غرفة الاستقبال. وجدت أن من الأفضل لها العمل بنصيحته وذلك بتجفيف نفسها، إذا كيف لها العودة إلى المنزل وهي نصف غارقة بالماء، فتحت باب الحمام الصغير الذي يحتوي مغسلة وحوض ومرحاض ومناشف بنية سمكية تتدلى من المشجب. كانت على وشك إقفال الباب على نفسها عندما وصل كليف يحمل بنطلون جينز وقميصاً زرقاء . قال ببرود ونظرته الباردة تطوف فوقها:
- ستجدين مقاسها كبيراً بعض الشيء، لكنها أفضل مما ترتدين حالياً .أعلم أنك ستبدين فيها كالصبيان لكن ألست امرأة عاملة؟ جففي نفسك على مهل.

Rehana 15-01-21 07:11 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
جعلتها سخريته تعقد يديها فوق صدرها، لكنها عادت فتناولت منه الثياب، ثم أوصدت الباب جيداً وخلعت ملابسها لتجفف نفسها. بعد أن انتهت ارتدت القميص فوجدتها واسعة وعريضة أما الجينز فكان طويلاً وعريضاً، لكن فيه عند الخصر حزام. وضعت القميص تحت البنطلون وربطت الحزام ثم رفعت ساقي الجينز إلى أعلى.
بعد ذلك عصرت ملابسها ثم وضعتها في صرة والتقطت صندلها الجلدي وهو أفضل ما لديها من أحذية ، فإذا الماء المالح قد أتلفه .
هي لم تعتل يوماً متن يخت كهذا، إنه مريح وفخم ولا شك في أن جماله الداخلي هو ما جذب سالي وما حبب إليها الإبحار ,إضافة إلى كل شيء المحرك القوي الذي يهدر الآن في مكان ما خلف المقطورات.
المحرك يعمل! اتجهت ليديا بسرعة نحو السلالم وقد أحست برعب فالمركب يتحرك ... صعدت السلم الضيق باتجاه غرفة القيادة وعلى ضوء الأجهزة الخافت شاهدت وجه كليف برودي وعينيه اللامعتين وهو يدير الدفة ببطء. كانت تتعالى فوق صوت المحرك اصوات المياه التي تحتك بمقدمة اليخت.
نظرت بسرعة حولها، فوجدت أنوار الرصيف تبتعد خلف المركب. فشهقت وهي لا تصدق :
- ماذا تفعل؟
- أخرج إلى البحر ... لم يبق أمامي وقت طويل لأخرج من المياه الضحلة.
أحست ببرودة من الاحباط، أكثر من برودة الريح، فلم يكن أمامها إلا التحديق إليه. كانت نظراته ثابتة على البوصلة، يرفعها حيناً وينظر أمامه إلى المياه المضاءة بنور القمر حيناً آخر متجاهلاً وجودها. صاحت فجأة:
- لكنني لا أريد الخروج إلى البحر ... ليس من حقك الإبحار وأنا على متن مركبك. كان يجب أن تنتظر نزولي إلى الشاطىء. أرجعني إلى الرصيف فوراً!.
أبعد بصره عن البوصلة لحظة لينظر إليها نظرة مشرفة، ولكنه ما قال شيئاً ولا استجاب إلى طلبها، بل أعاد بصره إلى أدواته المثبتة في أعلى المقصورة تحت السقف مباشرة.
اتجه المركب لا يلوي على شيء فوق المياه نحو نقطتين مضيئتين بعيدتين، إحداهما حمراء والأخرى بيضاء, وهما تحددان مدخل البحيرة من جهة البحر. حينها أدركت أن شيئاً مما ستقوله أن يدفعه لتغيير مسيره ليعود إلى الميناء، فأسقطت صرة الثياب والصندل من يدها وتمسكت بالمقود بقوة في محاولة منها لتغير مسار اليخت، لكنه رفعها عنه بقوة ففقدت توازنها ووقعت قرب مقعد المقصورة .
- أيتها الشريرة المجنونة! ألا ترين أننا نسير في قناة ضيقة؟ انعطاف واحد في الاتجاه الخاطىء ونجد أنفسنا محطمين فوق الصخور التي ستمزق أوصال المركب وتقطعه إرباً.
فردت عليه متألمة :
- لقد آذيتني... لقد اعتديت علي !.

Rehana 15-01-21 07:11 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
التفت إليها بسرعة، فشاهدت على ضوء العدادات أمامه بريق أسنانه فبدا وكأنه يضحك:
- حذرتك يوم التقينا في المرة الأولى بأنني سأجعلك تعانين إذا لم تبعدي أنفك عن شؤوني، ألم أحذرك؟ اعتبري أن هذه المعاناة قد بدأت. وإذا كنت لا تريدين أن تتأذي مرة أخرى فابتعدي عن طريقي إلى أن أخرج اليخت من البحيرة، انزلي إلى المقطورة، اقرأي كتاباً أو نامي، افعلي ما يحلو لك ولكن تذكري هذه القاعدة الذهبية : لا تحشري أنفك في عمل القبطان أثناء اجتيازه ممراً ضيقاً في مياه ضحلة.
التفتت إلى الوراء إلى الأنوار المنبعثة من الفندق والنادي والمنازل فإذا هي ليست سوى نجوم بعيدة فالمسافة بعيدة جداً للسباحة فيما لو حاولت الخلاص برمي نفسها من اليخت إلى المياه المظلمة التي لا تعرف إلى أين توصلها.
ظهر ضوء أحمر في الجهة المقابلة للمركب لكنه عاد فاختفى، ولم يلبث أن ازدادت سرعة المحرك وانطلق المركب للخروج من مدخل البحيرة الضحلة نحو البحر، فأخذ يميل من جانب إلى جانب لدى اصطدامه بالأمواج التي تحركها ريح الليل. عادت ليديا فجلست على حافة الأرضية المرتفعة، وقد أصبح من المستحيل الآن مشاهدة أنوار الشاطئ، أما فرصتها في السباحة فقد تلاشت. تمايل الطير الأبيض فوق الأمواج المرتطمة بالمقدمة، قالت ليديا بصوت متهدج:
- إلى أين أنت ... نحن ... ذاهبان ؟.
- ربما إلى المكسيك. ما إن نبتعد عن ميناء أميرالدكاي حتى ترفع الأشرعة ثم ننطلق.
- أنا لن أساعدك في إطلاق الأشرعة.
- لن أحتاجك، فسأفعل هذا بنفسي. كل الحبال متصلة بأجهزة آلية تتصل بمقصورة القيادة، وبإمكاني السيطرة على كل الأشرعة من هنا بما فيها الشراع الرئيسي.
قالت بطريقة مزعجة:
- أي لديك كل ما يمكن للمال أن يشتريه. كم من الوقت سيستغرق وصولنا إلى المكسيك؟
- طوال الليل.
- وبعدها.
- سنسير ببطء، نبحر ونسبح، نغطس لصيد المحار، ونستحم تحت أشعة الشمس.
لعقت ليديا شفتيها الجافتين ثم حدقت إلى المياه التي ينيرها ضوء القمر ... سألت:
-كم سنبقى هكذا؟
- أسبوعاً أو أكثر، فهذا يتوقف على مدى اتفاقنا معاً.
- ولكن لا يمكنك إجباري على البقاء معك طوال هذه المدة فوالدي سيقلق فهو لا يعرف مكان وجودي.
- لكن ألا تعرف سالي؟ لقد قلت إنها أرسلتك لتخبريني عن عدم مجيئها، ستعرف بحسب توقعي انني أخذتك بديلة عنها, وهي ستخبر والدك. ليتك ماهرة في الطهو مثلها.
- ألهذا طلبت منها مرافقتك ... لتطهو لك؟

Rehana 15-01-21 07:12 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
فرد بصوت لطيف :
- أنت تعلمين جيداً أن هذا ليس السبب. لقد طلبت منها لأنها عرضت أن تكون رفيقتي وبإمكانك القول بأنها رمت نفسها عليّ, وأنت لابد تعرفين كل شيء عن سالي وضعفها.
اللهجة اللاذعة أغضبتها ... ولكنه تابع:
- ولهذا تحشرين أنفك في ما لا شأن لك به؟ سأفعل أي شيء يمنع سالي من تدمير زواجها، أليس هذا ما قلته لي؟ أو ما شابه؟ حسناً ... لقد فعلت الشيء الذي ذكرته، والآن ستتحملين النتائج ... أنت لست جميلة مثلها. ولكن لك جاذبيتك الخاصة، وأظنك على عكسها ما زلت طاهرة. لذا ستكون رفقتك مسلية أكثر.
صاحت:
-لا يمكن أن تعني ... لن تكون ظالماً حتى... حتى ...
توقفت عن الكلام فجأة لتصاعد القيء إلى حنجرتها فسارعت إلى وضع يديها فوق فمها ... قال لها بصوت لا تعبير فيه:
- حتام؟ حتى أغويك؟ أهذا ما كنت ستقولينه؟ أجل ... طبعا سأفعل ! إلا إذا كنت راغبة أكثر من شقيقتك في لقائي في منتصف الطريق.
فقالت ليديا ساخرة ولو مترددة قليلاً:
- أوه ... إذن لقد ضللتك سالي أخيراً ...؟
- ماذا تعنين بأنها ضللتني؟
- سالي لا تقاوم اغراء إثارة رجل ثم تهرب منه في آخر لحظة...
ضحكت بسخرية وأكملت:
- كم ضحكنا أنا وهي ساعة وصلت رسالتك لتدعوها للمجيء إليك الليلة فهي تعلم حتى وإن كانت ليست متزوجة بأنك لست من الطراز الذي يعرض الزواج .
فرد عليها بصوت هاديء خطير وهو ينظر إليها بخبث:
- إذن لقد ضحكتما؟ لا أصدق أن سالي شاهدت رسالتي أبداً بل أظنك منعتها عنها ... أيتها اللعينة ...!
ردت بضيق، وقد أحست بقواها تخور:
- أوه ... وما يجعلك تظن هذا؟
- لو استلمت رسالتي وقررت عدم المجيء لأرسلت رسالة مع الولد ... ولما قالت لك. فهي لا ترغب في أن تعرفي عن ... ماذا دهاك؟ هل تشعرين بدوار؟
فصاحت يائسة:
-اجل .
-حسناً ... تقيئي، ولكن في البحر، لا على سطح المركب.
تدلت ليديا من فوق حاجز اليخت، وأخذت تتقيأ متألمة، ليت القارب يتوقف عن الاهتزاز ... ليتها استمعت إلى نصيحة والدها وأبتعدت عن طريق كليف برودي، بل ليتها لم تستلم تلك الرسالة المشؤومة ... يا إلهي، لن تلوم سوى نفسها على حالتها الحالية ... وهذا ما لا يدعو للارتياح.
توقفت عن القيء، فانهارت فوق المقعد، وهي تحس بالمحرك يزداد ضجيجه والمركب يتفاقم اهتزازه، والريح تشتد قوتها. سمعت صوتاً من خلفها فالتفتت لترى الأشرعة وقد بدأت تنتصب كأشباح في عتمة الليل. وأمامها كان كليف يسحب بعض الحبال ليرفع شراعاً آخر، أمام مقصورة القيادة مباشرة.

Rehana 15-01-21 07:12 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
عندما تم رفعه، تقدم كليف من إحدى الرافعات المثبتة إلى جانب غرفة القيادة وسحب حبل آخر، فتوقف الشراع الرئيسي عن الاهتزاز ، وسرعان ما ملأته الريح. فقفز اليخت إلى الأمام وقد امتلأت بقية الأشرعة بالريح. وأطفأ المحرك، فسمعت تنهدات الريح وآهاتها، كصوت وحيد في هدوء الليل يتمازج مع صوت الأمواج ومقدمة اليخت.
عاد كليف إلى مكانه خلف المقود:
- هل أنتِ أفضل حالاً؟
- لا...
- ألم تبحري من قبل؟
- بلى لكن فوق مركب صغير، لا على يخت كهذا، وفي بحركهذا.
- انزلي إلى المقصورة واستلقي فوق مقعد خشبي ... وتذكري أن ترفعي الحاجز إلى جانب المقعد ليلا تقعي، فالريح تشتد، وستزداد قساوتها ... لو كنت أعلم أنك قادمة معي، وأنك غير خبيرة بالإبحار في مياه المحيطات لنصحتك بأخذ أقراص ضد الدوار.
تمسكت بمقابض خاصة موضوعة للتمسك بها عند إبحار اليخت، ثم سارت باتجاه الصالون وانهارت فوق المقاعد حيث وجدت الحاجز ورفعته ... ثم أغمضت عينيها .
ربما غفت قليلاً، لكن سرعان ما أيقظها صوت كليف:
- أهذا ما أنت بحاجة له؟
فرفعت رأسها لتجده يحمل دلواً أحمر وضعه قربها. فانحنت لتعاود القيء فيه، واستلقت ثانية منهوكة القوى، بينما كليف ما يزال واقفاً هناك. فقالت:
-شكراً لك.
استطاعت وهي ترقد هناك سماع اصطدام المياه بالمركب ووقع صرير الصواري وزمجرة الريح، فهمست:
- هل هذا صوت العاصفة؟
- لا ... بل هو صوت انطلاق اليخت بسرعة ثلاثين عقدة بحرية في الساعة.
فتح صندوقاً فوق المقعد تناول منه وسادة وبطانية. فابتسم لها وهو يعطيها الوسادة ، بمرح شرير :
- آسف، فأنا لن أشاركك الوسادة الليلة، ولكن أمامنا ليال كثيرة .
فتأوهت :
-أوه ... اذهب من هنا ... ! اتركني وشأني! أكرهك! فأنت أحقر وأقسى إنسان شاهدته في حياتي.
لم يرد، بل رمي البطانية فوقها ولفها حولها وهي دهشة، ثم أبتعد، فسمعت صوت احتكاك بذلته الواقية من الماء على السطح, فأغمضت عينيها ثانية، واستغرقت في النوم.
انعدام الحركة والصمت المطبق هو الذي أخرجها بالفعل من نومها السريع الذي استغرقت فيه. فتحت عينيها، حدقت في المقصورة ... كانت أشعة الشمس تنفذ إلى الداخل عبر النوافذ.

Rehana 15-01-21 07:13 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
كل شيء هادىء ... لا شيء يتحرك، والأروع أنها ما عادت تشعر بالدوار بل غدت في حالة جيدة، مرتاحة تماماً ومستعدة لتناول فطور كبير.
أنزلت الحاجز وأبعدت البطانية عنها ثم جلست، نظرت إلى مكان الدلو الذي تقيأت فيه فلم تجده، لا بد أن كليف أزاله ... لكن أين كليف؟ أما زال نائماً في مقطورته؟ فإذا ببابها مفتوح وهي فارغة , ارتقت السلم الضيق الذي يقود من مقطورة القبطان إلى سطح المركب، حيث شمس الصباح المشعة تلمع فوق أدوات المركب الفضية، مدفئة الأرض الخشبية .وعلى أحد المقاعد الخشبية الطويلة كان ممدداً يرتدي البدلة الصفراء الواقية من الماء ومن الواضح أنه يغط في النوم.
تقدمت نحو جانب اليخت، ونظرت حولها ... كان اليخت راسياً في خليج صغير، مقدمته باتجاه صف من أشجار جوز الهند، تتصاعد من شاطىء نصف مستدير من الرمال اللامعة.
انهما قرب جزيرة , جزيرة منفردة على ما يبدو لها ... فكل ما حولها كان البحر الممتد إلى ما لا نهاية، هادئاً أزرق، وفارغاً.
أعادت ليديا نظرها إلى الجزيرة من جديد. فلاحظت أن هناك أنواعاً من البيوت مبنية بين الأشجار، ردت نظرتها نحو كليف , وعادت إلى غرفة القيادة لتقترب منه ... كم هو مستغرق في النوم يا ترى ؟هل سيصحو ان تسلقت الحاجز وقفزت إلى الماء لتسبح إلى الشاطئ حتى تطلب ممن يعيش في ذلك المنزل مساعدتها للعودة إلى جزيرة أميرالدكاي؟
انحنت فوقه ... فإذا به ينام بهدوء، دون أن يشخر، ودون ارتجاف في أهدابه الكثيفة الذهبية ... بدا لها سعيداً، هانئ البال وبعيداً عن العالم .
نفخت فوق خده القريب منها، وهذه خدعة كانت تستخدمها مع سالي لتكتشف إذا كانت حقاً نائمة أم تتظاهر بالنوم. ولم يحدث شيء ... فنفخت مرة أخرى بقوة أكثر فظهر خط بين حاجبيه، واهتزت جفونه ... فتراجعت لتراقبه يرفع يده ليمسح وجهه، ثم استدار إلى جانبه متنهداً واستغرق في النوم ثانية .
سارت متسللة بقدمين حافيتين، ونزلت إلى المقصورة ومنها إلى الحمام الصغير حيث كانت ملابسها المبللة معلقة لتجف. خلعت الجينز السميك وارتدت البنطلون الحريري، الجاف تقريباً .
عندما عادت أدراجها إلى سطح المركب شاهدت القارب الصغير المحمول فوق اليخت ... هل يمكنها انزاله إلى الماء والتجديف فيه إلى الشاطئ؟
لا ... لن تتمكن ... خطت إلى السطح الجانبي للمركب ثانية ... فقد يوقظه صوت إنزال المركب، ونظرت إلى المياه ... كانت صافية، وأشعة الشمس التي تخترقها كانت تنعكس بخطوط كقوس قزح فوق الرمال المرجانية القابعة في قعر البحر. وهناك عشب بحري طويل يتحرك بلين من عدة أمكنة فوق الرمال، تطوف حوله مجموعات من السمك الصغير المتعدد الألوان. رفعت نظرها إلى الشاطئ ... كم يبعد ياترى؟ حوالي النصف كيلو متر؟ في مثل هذه المياه الصافية ستتمكن من قطع المسافة بسهولة.

Rehana 15-01-21 07:13 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
من خلفها سمعت حفيف البذلة المضادة للماء ... فأسرعت إلى وضع ساقها فوق السياج، وحافظت على توازنها فوقه ثم رفعت يديها فوق رأسها وقفزت ... فقطعت سطح الماء بكل دقة، وعادت لتطفو على مسافة من المركب. لم تنظر إلى خلفها، بل استخدمت ضربات سباحة السباق متجهة بسرعة نحو الشاطىء.
المياه الباردة المنشطة المنعشة أشعرتها بالغبطة والمرح وأحست بطعم السعادة لأنها حيث هي الآن في تلك اللحظات من الزمن، في مياه مالحة صافية نفية، تحت سماء زرقاء تشع بالشمس، تسبح نحو جزيرة استوائية جميلة ...
وجدت المسافة أبعد مما توقعت، فاستدارت لتطفو على ظهرها تستريح. لكنها كادت تغرق عندما شاهدت القارب الأبيض التابع لليخت يقترب منها، ومقدمته ترتفع فوق سطح المياه. كان شعره يلمع تحت أشعة الشمس، وكان ظهره لها . رأته من غير قميص، عضلات ظهره الملوحة بالشمس تتحرك وكأنها تقفز تحت بشرته .
استدارت ليديا لتعود إلى السباحة، لكن القارب سيلحق بها حتماً. عندما أصبح على مقربة منها، سألها كليف بخشونة وهو يجذف عكس اتجاه القارب ليوقفه:
- إلى أين تظنين نفسك ذاهبة؟
- إلى الجزيرة.
فرد بنعومة :
- حسناً ... سأقابلك فيها.
بدأ التجذيف باتجاه الشاطىء.
ماذا ستفعل الآن؟ إذا أكملت إلى الشاطئ، لن يترك لها فرصة التحدث مع أحد هناك لتطلب المساعدة، فهل تعود إلى اليخت؟ وتطلعت نحوه. كانت صواريه الذهبية تنعكس فوق المياه
الساكنة ، وكأنه طير قابع فوق الماء بعتز بنفسه. بدا لها على مسافة بعيدة منها، لكن بما أنها تحس بالضعف والجوع فربما الأفضل أن تقبل بواقعها وأن تعترف بأن كليف برودي في الوقت الراهن قد أفشل محاولاتها في طلب المساعدة.
كان القارب على مسافة بعيدة فوق الشاطئ, وكليف لا يظهر منه أثراً عندما سارت أخيراً عبر المياه الضحلة ثم فوق الرمال الساخنة. للحظات أحست بدافع متهور يدفعها إلى إعادة القارب إلى الماء والتجذيف به إلى اليخت من دونه. ثم لاحظت أن لا مجاذيف فيه، فيما أنه بحار بارع فهو إما أخذها معه أو خبأها في مكان ما.
خشونة الرمل الأرجواني خدشت قدميها العاريتين أثناء سيرها إلى المنزل. لم تسمع فوق هذه الجزيرة إلا همس البحر المتأوه وهو يغسل أقدام الصخور. بينما كانت تقترب من المنزل ، ادركت خائبة أنه ليس إلا كوخاً مبنياً من جذوع النخل ومغطى بأوراقها.
اندفعت عبر الشجيرات ونبات القصعين المرتفع والكرمة البحرية إلى أن أصبحت قرب باب مفتوح، فنظرت إلى غرفة مفتوحة نحو السماء، لأن جزءاً من السقف كان منهاراً. أما على ارضه فقد تجمعت كتل من أوراق شجر يابسة وغلافات جوز هند القديمة تتوزع في أكوام والأنكى أنها لم تجد فيه من يساعدها فالجزيرة مهجورة .

Rehana 15-01-21 07:14 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- ماذا كانت تتمتعين فوق جزيرة بعيداً عن المدينة؟
جاءها صوت كليف من خلفها فالتفتت لتراه واقفاً بالباب يراقبها، لا يرتدي سوى جينز مقصوص قصير مبتل الجوانب...بدا بشعره الأشقر وبشرته المحروقة بالشمس كأنه ملاح سفينة غارقة، فردت عليه بصدق:
- حسبتني سأجد من يساعدني في هذا المكان.
- وهل أنت بحاجة للمساعدة؟
- أجل ... لأبتعد عنك, فأنا قلقة على أبي ... سيصاب بالذعر لأنه لا يعرف مكاني!
فقال ببرود:
- إنه يعرف مكانك ... فلقد اتصلت ليلة أمس براديو غرفة الملاحة في ميناء أمير الدكاي، وطلبت منهم إيصال رسالة إليه ليعلم أنك معي وأنك لن تعودي قبل بضعة أيام.
- ألا أستطيع الاتصال به بنفسي لأتحدث إليه؟
- ليس من هنا ... فمدى إرساله لا يتجاوز الخمسة والعشرين ميلاً، ونحن الآن أبعد من هذه المسافة بكثير.
أضاف مبتسماً بلهجة سخيفة :
- ستبقين معي بديلة عن سالي .
- وإذا رفضت؟
- إذا رفضت يخسر والدك وظيفته على الأرجح.
صاحب متثائرة:
- وهل... ستطرده ؟
- لن أطرده فقط بل سأتسبب في إحالته إلى القضاء .
فشهقت :
-لكن ... لكن لماذا؟ ... ماذا فعل لك؟
- إدارته للفندق لم تكن كفوءة.
- عدم الكفاءة ليست جريمة.
-إنها جريمة عندما تظهر عدم الكفاءة في الحسابات.
- لست أفهم .
- شخص ما كان يختلس الأموال ... وأنت تعلمين أن سمعة والدك ليست نظيفة في هذا الخصوص. لقد ترك آخر وظيفة له تحت غيوم كثيفة من الشكوك.
فقالت مدافعة عن والدها:
- لكنها مجرد شكوك، إذ لم يثبت أنه اختلس أموالاً من الشركة التي اشترت الفندق.
- لم يثبت ... صحيح. لكن التحقيقات أظهرت أنه الشخص الوحيد الذي لديه دافع للاختلاس ... إذ كان عليه ديون كثيرة .
تنهدت وهزت رأسها:
- اعلم. كان هذا بسبب أمي، مرضت أثناء عيشهما في الحزيرة فدخلت المستشفى مدة طويلة، وكانت تكاليف علاجها باهظة. فحاول والدي كسب المال بالمقامرة، ثم بدأت الشركة التي تملك الكازينو بالضغط عليه ... ثم ...
قاطعها بخشونة:
- اعرف كل هذا ... لقد تملق والدتي لتعينه في هذه الوظيفة المالية، وكانت وسيلته للتملق أنها من بلدته في انكلترا.

Rehana 15-01-21 07:14 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- لا أتوقع من شخص مثلك أن يفهم الوضع، إذ كنت تملك المال دائماً ... لذلك لا تعرف المعاناة التي قد يعانيها إنسان عندما يرى شخصاً عزيزاً على قلبه مريضاً وهو عاجز عن تحمل مصاريف علاجه. كما أنك لا تعرف معنى أن تتلقى التهديد من أناس أقوياء لا تتمكن من مواجهتهم ... كما تهددني أنت الآن.
- أنت محقة تماماً ... فأنا أهددك.
خطا نحوها متابعاً:
- لقد حذرتك من التدخل في شؤوني ... فإما أن تكوني الآن بديلة عن سالي أو سيذهب والدك إلى السجن!
- أتعني هذا حقاً ؟ إذا وافقت أن أكون ... عشيقتك ... فهل ستترك والدي في وظيفته؟
- أعني هذا .
-لا ... اوه لا ... لا استطيع فعل شيء كهذا. لا أستطيع . فأنت لا تعجبني.
امسكت بكرسي مكسور لترميه نحوه ثم ركضت نحو الباب وكأنها تهرب من شيطان يلاحقها. تلطخت ساقيها من أعشاب القصعين وهي تركض عبرها نحو الشاطىء، لكنها لم تستطع أن تضاعف سرعتها فقدميها كانتا تغوصان في الرمال الناعمة الجافة. نظرت إلى الوراء فإذا به يلحقها دون أن يركض. يداه في جيبي سرواله، يمشي بخطوات كسولة وكأن لديه وقت الدنيا كله.
أبطأت من سرعتها ... فما فائدة الركض وليس هناك أي مكان تصل إليه؟ لا مكان لتختبئ فيه في كل الجزيرة، ولا مكان في البحر الواسع، إنها عالقة معه في وضع جرت نفسها فيه بتهورها ومحاولتها حماية سالي ... والآن زاد الطين بلة سبب آخر ألا وهو عدم قدرة والدها على إيفاء ديونه.
حينما وصلت إلى القارب، كان كليف قد لحق بها، حاملاً مجذافين تناولهما من خلف شجرة نخيل ووضعهما في القارب الصغير .
- لماذا هربت هكذا؟ ما ظنتنني سأفعل بك؟ .
التفتت إليه لتواجهه:
- أنت تعلم .
ما زادها انزعاجاً أنه ضحك منها ثم قال والضحكة لا تفارق عينيه:
-لكن المكان والزمان لا يتناسبان .
مد يده ليمسك طرف قميصها المبتل، فحاولت المستحيل للتخلص منه فلم تستطع. أردف بنعومة:
- أعتقد أنك لا تعرفين الكثير عن الحب.
- الحب ؟ لا أظن أن فيما تنوي فعله بي وبسالي شيئاً من الحب ... فأنت لا تحبها ولا تحبني. بل سأتعجب إذا وجدت فيك أية قدرة على حب أي شخص أو شيء عدا نفسك ... أيها الأناني ... والآن اتركني!

Rehana 15-01-21 07:15 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
رفسته، لكنها لم تؤذِ شيئاً غير اصبع قدمها الكبير الذي ارتد فوق ساقه ... فدفعت ركبتها إلى فوق وفي الوقت نفسه مدت أظافرها لتخدشه في وجهه، فشهق من الألم، وتركها، فانطلقت هاربة من جديد ... لكنها لم تبتعد. فقد أمسك بخصرها ورماها على الأرض، فكادت أنفاسها تزهق. ثم جلس قربها على الفور، يمسك بمعصميها ويفتح ذراعيها إلى جانبيها. راح كل منهما يتنفس ويحدق إلى الآخر فقالت بغيظ:
-متوحش!
فرد عليها:
- أيتها القطة المتوحشة !
حاولت أن تفلت.
- اتر كني!.
- ليس قبل أن تدفعي ثمن ما فعلت بي. لا أحب أن يضربني أحد بركبته في معدتي أو يخدش وجهي.
لمعت عيناه حتى أخافتاها ... لكنها قالت بإصرار:
- وأنا لا أحب أن يعاملني أحد وكأنني دمية ... فأنا لست ملكك!
- لم تصبحي بعد ... لكن هذا سيحدث إذا كنت تهتمين حقاً بمصلحة والدك.
سرعان ما أحست بأصابعه فوق عنقها وراحت عيناه الخضراوان تضيقان وهو ينظر إليها.
قال :
-تعليمك التجاوب سيكون مثيراً للاهتمام.
فردت وهي تشهق :
- لن أتجاوب معك.
رفع حاجبيه بسخرية:
- لا ؟ سنرى مع الوقت إلى متى ستقاومين؟ .
وضع يديه السمراوين القويتين حول وجهها بإحكام حتى استحال عليها الحراك ... لمعت عيناه وكأنهما زمردتان في قناع ذهبي، خضراء نيرانه ، ثم افترت شفتاه لتظهرا ابيضاض اسنانه.
حاولت مقاومته ... ثم تذكرت أباها... لأجله سوف تتحمل.
ثم إبتعد عنها بطء وبلا مبالاة... فراقبته عبر جفنين كسولين وهو يقف قائلاً ببرود:
-حان وقت الفطور.
بقيت ليديا مستلقية، إحدى ذراعيها فوق عينيها، تحميهما من اشعة الشمس اللامعة المنصبة عليها، لكنها في الواقع كانت تخفي دموعها .و عناقه إياها رغم إرادتها جعلها تحس بأن كل كيانها قد انتهك ...فتصاعدت كراهيتها له كنار متأججة ...لن تسامحه مطلقاً على ما فعل ... أبدأ .

نهاية الفصل

Rehana 16-01-21 11:40 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
3- مد المشاعر

شق القارب الصغير ببطء المياه الصافية اللامعة بفعل أشعة الشمس وراح المجذافان يقرقعان فوق أوتادهما ... بينما راحت ليديا تراقب فقاقيع الماء وهي تخرج من تحت المجذاف كلما ارتفع فوق الماء، كانت طوال الوقت تحس بوجود كليف قبالتها, يجلس في منتصف القارب يراقبها هو أيضاً أثناء التجذيف.
جاءها صوته لاذعاً كالسوط:
- استرخي في منتصف القارب لئلا تفقدي القارب توازنه .
أحست بالغضب من لهجته الشرسة، فرمقته بنظرة نارية . فلاحظت أن في عينيه المتأملتين وجهها تعبيراً حسابياً يناقض تلك الابتسامة الخفيفة التي لوت أطراف فمه.
احترق خداها بنار الخجل ... فهي ليست ساذجة إلى حد يجعلها لا تفهم ما يريده منها.
اصطدم القارب بلطف بجسم اليخت الذي كانت المياه تحت ظله عميقة وخضراء، يلمع فيها انعكاسه باللون الأبيض والذهبي.
وضع كليف المجذافين داخل القارب، وأمسك بسلم صغير يتدلي من الجانب ، ثم قال آمراً:
- هيا ، ..اصعدي.
تسلقت ليديا السلم، ودخلت عبر فتحة في الحاجز إلى السطح. ودون أن تنظر خلفها توجهت نحو المقصورة الرئيسية, ثم دخلت الحمام، وأغلقت بابه وراءها بالمفتاح. هنا على الأقل ستكون بأمان .
خلعت قميصها، ثم جففت جسدها تماماً. لفت منشفة فوق جسدها وخرجت من الحمام تبحث عن ثيابها التي تركتها ليلة امس ملفوفة في غرفة القيادة.
من المطبخ الصغيرة, تصاعدت روائح اللحم المقلي ورذاذ القلي، فسال لعابها للصوت والرائحة. فلعقت شفتها وهي تحس بالجوع.
فتشت في غرفة القيادة ... فلم تجد ثيابها، تقدمت ببطء إلى المطبخ لتنظر إلى الداخل. كان كليف يقلب قطع اللحم في المقلاة، فسألته:
- أتعرف أين ثيابي التي ارتديتها ليلة أمس؟ .
فاستدار ينظر إليها:
- علقتها على الحاجز لتجف هذا الصباح .
شكرته بأدب هش أرادت منه أن تصنع حاجزاً بينهما.
صعدت إلى السطح لتأخذ ثيابها ... ستكون مؤدبة باردة, تتكلم فقط متى يوجه الكلام إليها وعندما سيجد أنها غير مثيرة أو صلبة ، سيرفض بقاءها معه مسروراً بإعادتها إلى أمير الدكاي.
عادت إلى الحمام فارتدت ثيابها الجافة المثقلة بالملح, التنورة الطويلة ليست مناسبة ليخت، لكنها أفضل من جينز كليف الثقيل ... إنها لا تريد ارتداء أي من ثيابه بعد الآن ولا تريد أن تقترب منه ... إنها تكرهه!

Rehana 16-01-21 11:41 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
بعد ارتدائها ثيابها ... فتحت الخزانة الصغيرة تبحث عن مشط ... كانت رفوف الخزانة ملأى بمختلف أنواع الزينة الضرورية، منها عطر للحلاقة له رائحة المسك، كريم حلاقة, كريم مضاد للالتهاب، ومحلول واق من اشعة الشمس، وهناك إضافة إلى هذا بعض الضروريات النسائية فمن الواضح أنها ليست المرأة الوحيدة التي أبحرت على متن الطير الأبيض.
أعادت المشط إلى مكانه، ثم تناولت أحمر شفاه رأته هناك ... لونه مألوف لها، قرفي فاتح كانت سالي مولعة باستخدامه. عندما كانت تعيده سمعت قرعاً شديداً على الباب أجفلها إلى درجة جعلت يدها ترتجف فتصطدم بزجاجة عطر اصطدمت بأخرى ووقعت الأخرى على شيء آخر ووقع كل شيء خارج الخزانة إلى حوض المغسلة مصدراً صوتاً مرتفعة.
قال كليف :
- الفطور جاهز على الطاولة.
أعادت ليديا كل شيء إلى مكانه ، ثم قفلت خارجة، لكنها ترددت قليلاً بعد أن عنت على بالها فكرة جديدة. ربما عليها أن ترفض الطعام وتعلن الإضراب، أليس هذا ما يفعله السجناء المعترضون على وضعهم، وهم بذلك يبتزون سجانهم ؟ ... بإمكانها البقاء في الحمام مقفلة الباب من الداخل، رافضة الخروج أو الطعام إلى أن يعيدها إلى أبيها.
لكنها لن تستطيع البدء بالإضراب عن الطعام الآن ... فهي جائعة حتى الوهن, ربما فيما بعد إذا فشلت محاولاتها كلها فستقوم بالامتناع عن تناول الطعام، لكنها شعرت بأنها لو فعلت لاقتحم الحمام و أخرجها منه ليطعمها بالقوة.
أدركت ليديا أنه ليس بحاجة لها ولا لسالي كي يطبخ إذا كانت هذه الوجبة مثال لما يستطيع طهوه، رمقته بنظرة دهشة فهي ترى أنه لا يحتاج إلى امرأة إلا لشيء واحد واضح.
رفع نظره فجأة ... فالتقت عيناهما، ولكنه لم يقل شيئاً، بل وقف وتقدم إلى المقصورة الصغيرة عند مقدمة المركب، وعندما عاد كان يحمل شرائط سوداء مطرزة في يده، رماها على المقعد بجانبها.
نظرت بازدراء إلى البيكيني الأسود:
- لمن هذا؟
- لست أدري ... ربما لابنة عمي بيرتا ... لقد تركت الكثير من الأشياء في اليخت بعد أن قضت فيه مع زوجها شهر عسل ... لكن ربما يكون لسالي ... لقد أبحرت معنا عدة مرات.
-معكم؟
- معي ومع سانتيا وجيم .... سانتيا هي شقيقتي وجيم زوجها إذا أردت أن تعرفي. ستجدين ارتداء ثوب السباحة أكثر راحة خلال النهار مما ترتدينه الآن.
- لن أرتديه.
- إذن ... افعلي ما يحلو لك. سأذهب لتنظيف سطح المركب الآن.

Rehana 16-01-21 11:42 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
قال ذلك ثم دخل المطبخ ليضع أطباقه في المغسلة ثم صعد السطح، اعتقدت أنه يتوقع منها تنظيف الطاولة من الصحون ثم غسلها. لكنها لن تفعل هذا ... لن تفعل شيئاً ... لا شيء إطلاقاً ... حسناً قد تقرأ كتاباً .
كان غطاء المقعد الخشبي الطويل الجلدي في غرفة الاستراحة ساخناً إلى درجة لذعتها, لكنها تمددت فوقه، وأرخت ظهرها على الجدار الذي يدعم سقف المقصورة , وتدفقت أشعة الشمس حارة كالذهب المذاب فوق رأسها وكتفيها.
فتحت كتاباً وبدأت تقرأه. لكنها بعد تقليب عدة صفحات وجدت أن القصة غير مثيرة , فوضعته جانباً واستدارت لتنظر إلى السطح الأمامي فرأت ما كان يفعله كليف ... كان يمسح السطح بفرشاة لها مقبض طويل.
استدارت ثانية لتعطي الشمس ظهرها، ثم التقطت كتاباً آخر، قلبت فيه عدة صفحات، ولكنها لم تستطع التركيز فما يزعجها كان التركيز على أن كليف لم يكن بحاجة لإغواء سالي، فهي أكثر من راغبة.
لا بد إذن أنه يعتقدها تشبه أختها، راغبة ومستعدة للخضوع لأي نوايا قد يظهرها. حسناً ... سيجد كم هي صعبة المنال ... سيجد أن ليديا كندي لا تخضع لأي رجل ... مهما كان جذاباً ... نظرت إليه جانبياً وهي تعترف قلقة لنفسها بأنه يمثل لها كل ما كانت تحلم به في الجنس الآخر.
- إذا كنت ستجلسين في الشمس ، ارتدي هذه .
أجفلها صوته القريب منها، فرفعت رأسها فإذا به يحمل قبعة قش واسعة الأطراف. ودون أن ينتظر ردها مد يده، ودسها في رأسها قائلاً:
- هل تحبين القيام ببعض الغطس؟ .
فردت:
- لا ... شكراً.
فرد ببرود:
- ستحبينه ... فما تحت الماء من أشكال المرجان والألوان المختلفة رائع . فثمة أنواع عديدة من السمك قد تودين رؤيتها وتذوقها في المساء إن ساعدتني على اصطيادها.
لما أحست به يجلس قربها، انقلبت فوق الفراش مبتعدة عنه :
- لا أريد الذهاب معك (قالت ببرود) .
- ألأنك ستضطرين لإرتداء البيكيني العائد لامرأة أخرى؟ .
-لا.
- ولماذا العبوس؟
- ولماذا أعبس ؟
- معظم الأطفال يفعلون هذا عندما لا يحصلون على عناية كافية أو عندما لا يستطيعون فعل ما يريدون .
-أنا لست طفلة.
- إذن توقفي عن التصرف كطفلة . استرخي وتمتعي بوقتك، قد نمرح في الغطس معاً.
-لا.
-خائفة؟.
- من الغطس؟
- لا ... مني .

Rehana 16-01-21 11:42 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
رفعت رأسها متوترة من هذا الاتهام، فتمنت لو أنها لم تفعل, فقد كان يتمدد قريباً جداً منها، ساقاه منفرجتان ويداه تحت رأسه ... لمعت عيناه لها من تحت جفنين كسولين، والتوى فمه بابتسامة مغرية.
أحست برغبة في أن ترفع يدها لا لتصفعه، بل لتعانقه ... يا إلهي ... لم تحس بهذه المشاعر تجاه رجل من قبل.
انقلبت مستديرة فابتعدت عنه ثم جلست رافعة ركبتيها تلف ذراعيها حولهما، وتدفن رأسها بينهما، لا تريد أن تراه ، لأنها خائفة من رؤيته ... خائفة من قربه .
- حسنا ... هل ستفعلين ؟(همس لها).
رفعت رأسها لترد عليه بحدة :
-لا ... لن أفعل!.
-إذن لماذا لا تفعلين ما ترغبين في القيام به؟.
- أرغب في القيام به؟
ما زال مستلقياً على ظهره يراقبها بتلك الطريقة الكسولة فتابعت سؤالها :
- وماذا تظن أني أريد؟
- تريدين معانقني .
- هذا غير صحيح.
لكن وجنتيها احترقتا كالجمر عندما أدركت أنه قد لاحظ الطريقة التي رمقته بها، فقالت محاولة السخرية:
- يا لغرورك ! كيف تتصور أنني قد أفكر في هذا ؟
جلس فجأة، فأصبح قربها من جديد، عندها تسارعت دقات قلبها، لكنها أبقت عينيها بعيدتين. أما هو فوضع أصابعه حول معصمها ليدفع يدها عن ركبتها.
- لا تخجلي ... فالحب لا يتم إلا بين شخصين منجذبين إلى بعضهما.
انتزعت يدها من قبضته بعنف :
- لا ! أنا لست منجذبة إليك ... بل أنا أكرهك!
قفزت واقفة، وركضت فوق سطح المركب، ولكنها لم تبتعد ... فقد أصبح خلفها واضعاً يديه على كتفيها، مديراً إياها إليه.
- ماذا بك؟ هل أخافك رجل في فترة ما؟ ألهذا أنت متجمدة المشاعر؟
انتزعت كتفيها منه، ساخرة:
- اوه ... أنت تود أن يكون هذا سبب عدم رغبتي فيك؟ لو اقريت بهذا فستحس بأنك أفضل حالاً، فأنت لم تعتد أن ترفضك النساء . .. إيه ؟ لذا يجب وضع اللوم على المرأة. لا ... لم يفزعني أي رجل من قبل ... لكنني لست كسالي ولا كأي واحدة من النساء اللواتي يتوددن لك، هذا كل شيء. أنا لا أريدك أن تلمسني ابداً ... هل فهمت؟ حتى لو كنت ثرياً ومستقبل أبي تحت رحمتك.
رفعت رأسها إليه، لتجد أن التعبير المرح على وجهه يزيدها غضباً ، فأكملت بحنق :
- لن تبتزني لتدفعني إلى القبول بك!.

Rehana 16-01-21 11:43 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
تركته واتجهت إلى جانب المركب ... قدماها تقفزان بسبب السطح الحار الملتهب، والعرق يرشح من بشرتها. الأفضل لها أن تبتعد عن الشمس التي دون شك ستؤثر في أعصابها، فالساعات التي قضتها تحت أشعة الشمس الاستوائية بدأت تذيب قدرتها على المقاومة حتى أخذت تحس أكثر بالأشياء التي تغضبها، وهذه حالة خطيرة خاصة مع وجود رجل مثل كليف برودي.
كان خلفها تماماً عندما وصلت المقصورة ... نظرت إلى ما حولها فوجدت قطعتي معدن لماع تستخدمان في شد رافعات الحبال معلقتان على الحائط ... انتزعت إحداها عندما أحست بيدي كليف تلتفان حول خصرها، واستدارت نحوه بوحشية:
- إذا حاولت لمسي ثانية، سأضربك بهذه.
فوقف جامداً ... يداه على خصره، يحدق إلى قطعة المعدن، ثم نظر في عينيها مباشرة، فبرقت عيناه بشعاع أخضر وهو يضحك منها . قال ساخراً:
- أرى أنك لا تشبهين سالي في شيء ... فهي لا تفكر مطلقاً في مقاومتي.
مد يده إليها وقال آمراً:
- اعطني هذه ... فقطعة معدن في أيد خاطئة قد تسبب ضرراً كبيراً.
قالت بحنق :
- لا... فأنا أعني ما أقول. إذا اقتربت مني أو حاولت أخذها مني سأضربك ...
- لا أظنك تفعلين . لكنني سأكتشف هذا قريباً لأنني أنوي الاقتراب منك .. أتعلمين يا حبيبتي، لدي رغبة جامحة في معانقتك.
مد يده لينتزع منها القضيب، ثم خطا إلى الأمام. فتجنبت يده برفع ذراعها إلى فوق، لكن قطعة المعدن انزلقت على غير إرادة منها فاصطدمت بطرف رأسه قبل أن تقع من يدها إلى الأرض ... ترنح إلى الوراء ويده على رأسه ثم تفجر الدم الأحمر القاني من بين أصابعه وراح يقطر.
وقفت مرعوبة للحظات متسمرة في مكانها. ثم، وقد رأته يقع اندفعت إلى الأمام لتلف ذراعيها حوله، تمسكه:
- اوه ... أرجوك، لا تفقد الوعي ... أنا آسفة... القضيب انزلق من يدي.
أصبح لون وجهه رمادياً ... فأغمض عينيه بينما تدفق الدم الى خده من جرح بليغ قبيح كان فوق صدغه .
- كليف ... أرجوك قل لي ... ماذا أفعل؟!
قربته منها، فسمعته يتمتم :
- عانقيني لفترة أطول، حتى استجمع قواي ... هل الجرح بليغ ؟ أتستطيعين رؤيته؟.
أجبرت نفسها على النظر عن كثب إلى الجرح الدامي قائلة :
- أظنه بحاجة إلى تقطيب... يجب الحصول على مساعدة ... ربما لو أخبرتني كيف أستخدم الراديو، قد استطيع الاتصال بفريق الإنقاذ الجوي بحري ليحضرون لك طبيباً .
فدفعها عنه:
- لن نتصل بأحد لطلب المساعدة. سأنظر إلى الجرح في مرآة الحمام.

Rehana 16-01-21 11:43 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
تبعته إلى المقصورة وحين وصلت إلى الحمام راقبته وهو يفحص الجرح في المرآة.
- سأعيش دون أن أقطب الجرح أو أن يراني طبيب ، ضمديه لي بمضاد للالتهاب. ستجدين علبة الاسعافات الأولية في الخزانة الوسطى فرق المقعد الجانبي للمقصورة.
خرجت تبحث عن العلبة، وعندما عادت كان كليف قد خرج من الحمام وجلس على أحد المقاعد الخشبية . أسرعت إليه فنفذت تعليماته بحذافيرها فوضعت القطن ومرهماً مضاداً للالتهاب على الجرح بعد أن نظفته . ثم بعد ذلك فتحت علبة أخرى أخرجت منها شاشاً وضعته فوق القطن، ثم ألصقته جيداً. سألها:
- أما زال الجرح ينزف؟ .
- لا .. هل يؤلمك؟
-قليلاً ... لكن رأسي بدأ يؤلمني .
- إذن عليك أن تستلقي وتستريح.. ربما عليك أخذ أقراص من الاسبرين.
أحضرت له كوب ماء فشرب الأقراص، بينما جلست على المقعد الآخر قبالته لتراقبه متوترة أثناء ابتلاعه الأقراص الثلاثة قائلة:
- سيترك الجرح ندبة سيئة عندما يشفى إذا لم يتم تقطيبه.
- سيكون شيئا أذكرك به في السنين القادمة ... تذكار عن وقت مثير خرجت فيه مبحراً مع قطة شرسة برفقتي.
- اشعر بالأسف الفظيع لما جرى ... لكنها غلطتك , لولا إصرارك على تنفيذ ما تريد ... لولا اقترابك مني، لما حصل هذا.
- أعرف هذا... وإذا أردت المضي في لعبة الحقيقة ونتائجها، بإمكانك الرجوع إلى ما قبل هذا ... فلولا تدخلك في شؤوني لما غضبت إلى هذا الحد ليلة أمس، ولما خطفتك. لقد عرفت لحظة رأيتك فيها إلى أي نوع تنتمين أنت , انت متوحشة ... تعتبرين نفسك دائماً على حق، وفضولية تحشرين انفك في شؤون الآخرين، وعدائية تعتقدين نفسك عارفة كل شيء ، وأنت إلى ذلك عنيفة في ابداء آرائك.
فردت محتجة على اتهاماته :
- لست هكذا! لست هكذا! لم أؤذ أحداً من قبل، واكره العنف. اوه ... لست أدري ما أصابني لأفعل هذا. كل ما قصدته أن امنعك من الاقتراب مني، ولم أكن أعتقد أنك ستصر على التقدم.
التوى فمه بابتسامة مريرة:
- بل تعرفين جيداً ما أصابك ... كنت تدافعين عن طهارتك ... وأنت محقة في هذا، لكن في المرة القادمة عندما ترغبين في ضربي فليكن هذا بقبضة يدك ... إن لها التأثير ذاته ، لكنها أقل ضرراً.
-لن يكون هناك مرة قادمة .
- وما يجعلك واثقة إلى هذا الحد؟ لست من الأشخاص الذين يستسلمون بسهولة .
- لكن ... لا يمكن أن ترغب في بقائي معك بعد الذي حصل.

Rehana 16-01-21 11:44 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- اعترف بأنك أعقت خططي قليلاً، لكن لا تظني للحطة واحدة أن أي شيء قد تغير، أنت ما زلت بديلة سالي، وإذا لم تنصاعي فسادمر حياة أبيك.
هبت على قدميها واقفة تعطيه ظهرها.
- إلى أين أنت ذاهبة الآن.
- إلى السطح ... لست مضطرة للبقاء هنا أستمع إلى جنونك .
قال بلهجة آمرة وهو يحاول الوقوف :
- اجلسي.
أخذا يحدقان إلى بعضهما بعضاً في معركة لإظهار الإرادة, فرفعت ليديا رأسها تتحداه، وصاحت:
- لا! لقد عرفت ما تريد لحظة رأيتك. أنت تريد تنفيذ كلامك طوال الوقت، فأنت متصلب، مستبد، ولا شك في أن والديك قد أفسداك بتدليلهما إياك منذ ولادتك.
- لو كنت تعرفين والدي لما قلت هذا ... لقد رباني على الكفاح لأحصل على ما أريد ... ألن تجلسي يا ليديا؟ أم أجبرك على الجلوس؟
- قد أجلس، إذا طلبت مني هذا بشكل مختلف ... فأنا لا أحب الأوامر.
برقت عيناه بشكل خطر لكنه عاد فجلس وما أدهشها أنه قال مبتسماً وقد أصبحت ملامح وجهه رقيقة جميلة:
- حسنا ... عزيزتي ليديا، أرجوك، هل تجلسين؟.
ثم أضاف بأدب ساخر مصطنع:
- لقد آن لنا أن نتحدث عن هذا الوضع الذي زججت نفسك فيه بسبب فضولك.
حدقت إليه بذهول، تعض شفتها، ثم جلست دون تفكير في المقعد المواجه له، عندئذ مد كليف ساقيه فوق مقعده واسند كتفيه إلى الجدار، قائلاً:
- استطيع مقاضاتك ... أتعلمين؟.
فردت متحدية :
- لماذا؟ .
- لأنك تهجمت عليّ وألحقت الضرر بي.
- لكنني لم أضربك، إنها حادثة ، قلت لك هذا، فقد انزلق القضيب من يدي.
- هذه ستكون روايتك أنت ... اما روايتي فستكون مختلفة. سأقول إنك هددتني ونفذت التهديد.
-ولكني سأقول إنني فعلت هذا دفاعاً عن النفس لأنك كنت تحاول اغتصابي .
فرد بحدة يحدق إليها بغضب:
- هذا غير صحيح ... ربما كنت أحاول إغوائك، أما اغتصابك فلا. ثمة فرق كبير.
- ساقول إنك خطفتني محاولاً فرض نواياك عليّ غصباً عني ... أنا واثقة من أنك لا ترغب في أن ينتشر هذا في الصحف ... فسيسيء إلى سمعتك ... لذلك لا أعتقد أنك ستقاضيني مطلقاً.

Rehana 16-01-21 11:44 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
نظر إليها وابتسم:
- لا يمكن إخافتك بسهولة، أعترف لك بهذا , أنت محقة, لن أقاضيك .. اتعلمين؟ أنا أجد صعوبة في تصديق أنك وسالي شقيقتان، فلا شيء مشترك بينكما... على الأقل هي بعيدة جداً عن العفة والطهارة.
احتجت ليديا بحرارة:
-هذا غير صحيح.
- قد تظنين أنك حميتها مني ومن تدمير زواجها، لكنها ستجد غيري في وقت قصير ... فشقيقتك خائنة بطبعها ولا تستأهل المخاطرة التي قمت بها لأجلها.
فصاحت به:
- لا ... إنها ليست هكذا ... ليست هكذا!.
- وأنا أؤكد لك أنها هكذا. منذ أن رأتني للمرة الأولى حاولت أن ترمي بشباكها حولي، حينذاك تأكدت من أنها سهلة المنال.
فهزت ليديا رأسها، وهمست:
- أوه ... لا! .
رد ساخراً:
- اوه ... بلى.
- هي دون شك خافت عندما أخبرتها عن ارتيابك بأبي, فخافت من إغضابك إذا رفضت الإذعان لك ... ألا تفهم ... إنها تعرف ما يصيبها إن شاعت فضيحة كهذه.
أمعن فيها النظر مقطب الجبين ... قائلاً بهدوء:
- لكنني لم أخبرها شيئاً عن والدك... لقد عرضت علي مرافقتي في الليلة التي سبقت سفري ... قلت إنني سأفكر .. والرسالة التي أرسلتها يوم رجرعي كانت الرد على عرضها... إلا إذا ... وهذا أمر ممكن ... إلا إذا كان والدك هو من دفعها إلى هذا ليتمكن من ابتزازي حتي اغمض عيني عنه.
- أبي لا يفعل شيئاً كهذا. لو أنه طلب منها ابتزازك لما وافق على الإبراق لهوارد ... زوجها، ليطلب منه المجيئ بسرعة ليمنعها مما تريد فعله ...
ظهرت الدهشة في صوته:
- وهل فعل هذا .
- أجل.
- أيتها العنيدة. كيف هو زوجها؟ .
- أفضل منك! إنه لطيف، ومتفهم ... يعمل جاهداً ويحبها جداً.
- لا بد أنه يحبها كثيراً ليسامحها على هفواتها .
- لست أدري كيف فضلتك عليه.
- يبدو أنك تودين لو يكون زوجك، لماذا لا تتركينه يطلقها ثم تتزوجينه ؟
- آوه حقاً ... من أين لك هذا الذكاء؟
- إنها خبرتي مع الناس، وهي شيء لا تملكينه. أنت إذن لا تريدين زوج سالي؟
- بالطبع لا ... إنه يعجبني، ولكنني لا أحبه، لن أحيا مع رجل لا أحبه.

Rehana 16-01-21 11:45 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- ما الذي يدفعك إلى الظن بأن للحب علاقة بالزواج.
- كل شيء ... يجب أن تعرف هذا فانت كنت متزوجاً! .
- من أخبرك؟
- والدي ... والدتك هي من اخبرته عن زواجك وعن موت زوجتك وطفلك في حادثة ما.
ساد صمت غريب ... حدق أمامه إلى الفراغ، قاسياً وجهه، شاحبة تقاسيمه، مخيفة نظراته إلى حد جمّد الدم في عروقها.
قال بصوت ملؤه المرارة:
- زواجي كان زواج مصلحة، لا علاقة له بالحب ... كان جحيماً من بدايته إلى نهايته. يا إلهي، أشعر بأنني منهوك القوي ... وكأن أحداً قد ضربني على راسي بآلة ثقيلة.
انفجر ضاحكاً على نكتته، فمدت يدها تلامس ذراعه:
- كليف ألا تظن أنه يجب طلب المساعدة؟
فقال بشراسة:
- لا.
- لكن قد تكون متأذياً أكثر مما تعتقد.
تفرس بوجهها مفكراً للحظات، ثم دفع الطاولة بينهما ليقف:
- سأكون على ما يرام بعد أن أنام. سأنام قليلاً في مقصورتي. الهواء بدأ يهب، تفحصي المراسي من حين لآخر، ثمة اثنين منها لأن الرمال المرجانية لا تصلح كثيراً للرسو. وإذا زادت قوة الريح وخرجت مرساة من الرمال أيقظيني فوراً ... ارجوك .
بعد أن دخل المقصورة الأخرى حملت ما كان امامها على الطاولة من أغراض إلى المطبخ، كانت صحون الفطور ما تزال في المغسلة.
بعد أن انتهت من غسلها صعدت إلى غرفة القيادة لتتفحص الطقس، فرأته قد تبدل فالغيوم تلبدت في السماء مانعة عنها الشمس. أخذت الريح تنفخ، والبحر الذي كان صافياً أصبح رمادياً مزبداً. و الطير الأبيض ترنح بفعل موجات صغيرة كانت تتسارع نحو شاطئ الخليج تشد بالمرساتين الغارقتين في الرمال.
التصقت تنورة ليديا بساقيها وهي تتقدم إلى المقدمة لتنظر إلى الأسفل، فرأت أن المياه رغم اضطراب الطقس ما زالت صافية, وقد خولتها رؤية المرساتين مغروزتين في المياه. بقيت تتأمل تحركات اليخت لتتيقن من أنهما ستبقيان ثابتتين.
فجأة صفقت اكرات رفع الحيال بصوت مرتفع على الصاري المعدني الرئيسي من جراء الريح التي هبت بقوة أكثر، وبدا رذاذ المطر ينهمر على السطح، فاستدارت ليديا مسرعة لتعود إلى غرفة القيادة . رفعت الغطاء فوق مدخل المقصورات السفلية ونزلت متراجعة إلى الخلف لتكمل إحكام الغطاء.
وقفت في الأسفل تفكر فيما عليها أن تفعل حتى تبقى أسفل اليخت جافة أثناء تساقط المطر. شاهدت طاولة الخرائط على الناحية الأخرى للممر باتجاه المقصورة الرئيسية، وتقدمت نحوها لتنظر إلى الخريطة المفتوحة فوقها.
استغرقها بضع دقائق لتتبين كيف تنظر إلى الخريطة: البحر والجزر ... ولكنها بالتدريج بدأت تفهمها ... ووجدت جزيرة سانتا لوسيا ثم أمير الدكاي ...لكن في أي من هذه السلسلة من الجزر يرسو اليخت حالياً ؟ مع أنها شاهدت خطوطاً مرسومة بقلم رصاصي وبضع أرقام تشير إلى خط سيره ليلة أمس، إلا أنه لا يشير الى الجزيرة.

Rehana 16-01-21 11:45 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
عندما رفعت رأسها عن الخريطة، لاحظت جهاز الإرسال فوق رف، وهو عبارة عن علبة سوداء مستطيلة فيها العديد من الساعات والأرقام والمفاتيح، ولها سماعة تشبه سماعة الهاتف, ليتها تجيد استخدامها. لكن ما الفائدة؟ فهي وإن استطاعت الاتصال لن تستطيع إخبار مستلم رسالتها عن مكان إرساء اليخت .
تنهدت، ثم خرجت إلى المقصورة الرئيسية ، كالت الساعة تقريباً السادسة إلا ربعاً، أي أن الشمس ستغرب عما قليل لكن الظلام مع ذلك بدأ يرخى سدوله ... فسعت إلى أن وجدت مفتاح الإضاءة في الحائط الذي أنار لها المقصورة.
افترضت أن عليها تحضير وجبة طعام ... ولكن كيف تطبخ؟ في المطبخ وقفت تنظر بعجز إلى الطباخ، فليس لديها أية فكرة عن كيفية تشغيله، وتخاف إن حاولت أن تسبب حريقاً في اليخت.
أحست بالانتصار على ضعنها عندما وجدت طعاماً معلباً وخبزاً وزبدة ... فأختارت علبة لحم وفتحتها لتصنع السندويشات ، ثم أخذتها إلى الخارج لتأكل بعضاً منها وهي تقرأ كتاباً.
كان الصمت في الداخل يقطعه اصطدام المياه باليخت . وتكتكات الساعة, وصرير حبال المراسي الحديدية، وجدت ليديا نفسها تصغي إلى تلك الأصوات اكثر مما تقرأ. اخدت اعصابها تتوتر بمرور كل دقيقة لإحساسها بمدى وحدتها.
وضعت الكتاب جانباً، وأخذت طبق الطعام والكوب الذي استخدمته إلى المطبخ. بعد أن غسلتهما خرجت إلى غرفة القيادة لتنظر حولها. كانت الظلمة تلف كل شيء حولها، فلم تعتدها إلا بعد لحظات قليلة.
تمكنت بعدها من رؤية خط الجزيرة الساحلي ... كانت الأمطار قد توقفت وبدأت الغيوم تنقشع، والنجوم تلمع في السماء.
عادت بسرعة بعد أن فحصت المرساة إلى مقصورة كليف. وفتحت الباب دون صوت، ثم فتشت عن مفتاح النور، فأضاءته فرأت على نوره كليف ينام على جنبه بثوب السباحة دون غطاء يدثره.
مالت فوقه... فرأت تحت خصلات شعره الأشقر المتدلية فوق جبينه وجهه يبدو شاحباً ... وخطاً رفيعاً من الدم ينساب من الضمادة إلى خده. نظرت فيما حولها حتى وجدت كيس نوم فتحته وضعته فوق الجرح ثم دون وعي منها امتدت يدها ترفع الشعر عن جبينه.
احست بوجهه بارداً ينضح منه المرض ... ضربها الرعب. انحنت من جديد فوقه لتنظر إلى قسمات وجهه الجامدة ... أهو نائم ام فاقد الوعي؟ أم أنه أسوأ من هذا؟ ... ميت؟
عليها أن تجس خفقات قلبه ... تحركت يداها... اصابعها لامست الشعر الأجعد في منتصف صدره، ورأسها انخفض لتضع أذنها على ضلوعه.

Rehana 16-01-21 11:46 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
هل الذي تسمعه خفقات قلبه أم قلبها؟ لم تستطع التمييز ... رفعت رأسها لتنظر إلى وجهه ثانية فإذا بعينيه مفتوحتين تقريباً تنظران إليها. رفعت يديها عن صدره وقد اعتلى وجهها الأحمرار، لكنه طوى أصابعه على يدها وشد يدها إلى صدره ثانية.
- علمت انك ستصلين إلى هنا ... أهلا بك في فراشي ليدي.
- لا ... لا ... ليس هذا سبب وجودي هنا.
تسللت يده إلى ذراعها ثم إلى كتفها، وفي الوقت نفسيه تسللت ذراعه الأخرى تجدبها إليها. قال هامساً:
- لقد لامست جبيني، وخدي، ثم صدري بنعومة ... أفعلي هذا ثانية .
- انا ... أنا ... كنت قلقة عليك ... هذا كل شيء ... كنت جامداً وبارداً، ولم أكن واثقة ما إذا كنت فاقد الوعي أم ميتاً.
- قصة محتملة ... ولكنك أردت أن تكوني معي ... وستبقين معي با حبيبة قلبي ...
-لا !
حاولت التحرك، لكنها وجدت نفسها تقع على ظهرها فجأة, وأحست بذراعه تطوقها وبرأسه يستقر على صدرها وكأنه يضعه فوق وسادة, همس :
- دعيني أنام هكذا ... ستدفئيني، قد تزيلين ألم رأسي إذا دلكته لي، فهذا أقل ما يمكنك فعله بسبب ما فعلته بي .
- آوه ... ولكنني قلت لك إنني آسفة، لم أقصد إيذاءك ... هل أحضر لك المزيد من الأسبرين؟
-لا اريد الأسبرين, ما أريده هو أن تشاركيني الوسادة.
ثقل رأسه، وقسا فمه، بينما توسلاته لمساعدته على إراحة ألمه كانت تثير في داخلها مشاعر لم تكن تعرفها. فذهبت بذلك كل اعتراضاتها أدراج الرياح ... أخذ المد الدافئ من المشاعر الناعمة يدفعها إلى أن تهب المواساة لمن يحتاج إليها.
سمعته تتمتم ثانية:
- انت دافئة، وقوية. كنت أبحث عنك منذ زمن طويل ... زمن طويل جداً ...
ثم رفع رأسه ليقول بدهشة:
- من كان يتكلم؟
- أنت ...
- وماذا قلت؟
- لا شيء مهم ... إن ... إن ما قلته غير مفهوم. أظن أنه من الأفضل أن تعود إلى النوم.
حاولت الابتعاد عنه، ولكن ذراعه اشتدت حول خصرها:
- لا تذهبي ... ابقي معي الليل كله ...
كانت تستطيع الابتعاد بقليل من المقاومة، ولكنها لم تكن ترغب في مقاومته، ليس وهو متألم. أوه ... لماذا لا تعترف بالحقيقة؟ لماذا لا تواجه واقع الحال؟ إنها لا تريد تر كه وحده وهو مريض.
- أرجوك ابقي ليديا ... سأحس بالوحدة إن لم تبقي ... ابقي هنا معي ... نامي فقط ... لا شيء آخر ... نامي فقط.
انزلق رأسه قليلاً ... كانت حركة المركب الصامتة قد هدهدتها وجعلتها ترد بهدوء فتحركت أصابعها على غير إرادة منها برتابة فوق رأسه إلى أن هدأ ونام .عندها فقط حرکت لتجذب كيس النوم فوقهما معا، ثم استغرقت في النوم.

نهاية الفصل

Rehana 17-01-21 06:14 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
4 - الملاك المتسول

استيقظت ليديا فجأة، تشعر بأنها فاقدة الحس بالمكان والزمان، أين هي؟ صوت المياه المتلاطمة قريباً والاهتزاز المتلاعب بتوازن معدتها، وصوت تصادم الحبال على المعدن, ذكرها بأنها على متن يخت الطير الأبيض.
كانت تشعر بإحساس آخر غير مألوف، فخشونة قماش خشن على كتفيها، ووخز كالدبابيس في ذراعها.
فتحت عينيها ... فرأت الشمس تملأ المقصورة بلون زهري لماع، وهبت ريح تدخل من الأبواب المفتوحة عند فتحة السلم... يبدو أن هذا اليوم سيكون عاصفاً.
احسست بشعر يداعب ذقنها من جديد. فهبطت نظراتها قليلاً فإذا بها ترى أن رأس كليف ما يزال على صدرها، وذراعه حول خصرها.
اهتز اليخت بعنف، فاخذت معدتها تتلوى بشكل خطر جعلها تفكر في الوقوف قبل أن تصاب بالدوار ثانية، سحبت ذراعها ببطء من تحت جسد كليف، ثم تسللت من تحت كتفه وذراعه، ونزلت عن المقعد الخشبي الطويل .

Rehana 17-01-21 06:14 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
و اثناء صعودها إلى السطح، رفعت غطاء فتحة السلم. كان الهواء بارداً هب على شعرها فجعله كتلة من التجميدات، وعبث بتنورتها فألصقها بساقيها. أما الغيوم فراحت تتسابق في السماء، بينما البحر ضجت مياهه وازبدت .
ولكن ... اين الجزيرة؟ أدركت فجأة أن لا شيء يبدو أمام مقدمة اليخت التي تعلو وتهبط ... لا خط رمال مرجانية، ولا أعشاب ولا شجر نخيل. استدارت بسرعة فإذا بها ترى أن كل ذلك غدا خلف اليخت. في الواقع كانت مؤخرة اليخت تتأرجح قرب مرتفع رمادي من صخور تشكل أحد رؤوس صخرية تحمي الخليج. لقد غيرت الريح اتجاهها ناقلة معها المركب.
قفزت إلى جانب السطح ثم إلى المقدمة حيث رأت أحد حبال المرساة مرخياً يتدلى من جانب إلى جانب، وسمعت من الأعماق صوت اصطدام المياه في قعر المركب، وكأنما قطعة معدن تجر فوق سطح قاس. إذن لا بد أن مرساه قد اقتُلعت من الرمال وهي الآن في الأعماق تسير على هواها.
تذكرت ما طلب كليف منها القيام به إن غيرت الريح وجهتها او تغير موضع المرساة، فسارعت راكضة نحو المقصورة وهزت كتفه تفتح عينين حدقتا إليها بنعاس.
-ما الخطب؟
- طلبت مني ان اوقظك إذا غيرت الريح مسارها وأنا أرى أن إحدى المرساتين قد افلتت من الرمال.
عبس ثم جر نفسه جراً ليستند إلى كوعه وشرع يحك رأسه باليد الأخرى وهو يتطلع حوله، ثم عاد للنظر إليها:
- كم الساعة؟
- حوالي السابعة ... صباحاً.
-صباحاً؟... ماذا حل بالليل؟ ... إذا كانت الريح قد غيرت اتجاهها فالأفضل أن نبحر من هنا إلى مكان آخر.
تجاوزها ليتوجه إلى غرفة القيادة، فتبعته ... عندما أصبحت على مقربة منه صاح بها:
- تولي الدفة وحافظي على اتجاه اليخت ضد الريح بينما ارفع المراسي، وحالما أشير إليك، شغلي المحرك إلى السرعة الأمامية بدفع هذا المقبض لنخرج من الخليج إلى البحر، فالخطر الوحيد هو خلفنا.
ادارت ليديا الدفة قليلاً فأبقتها في مواجهة الريح مباشرة، لكنها نظرت اكثر من مرة إلى زبد الموج المتصاهد خلفها عند اصطدامه بالصخور. صاح كليف بشيء ثم لوح بيده مشيراً إلى البحر، فضغطت المقيض إلى الأمام، فاندفع اليخت فوراً إلى الأمام، يترنح من جانب إلى جانب فوق الأمواج المتدفقة عكس اتجاهه . ثبتت ليديا نظرها على المياه العميقة أمامها وهي تحس بالرياح تصفر بشدة في أذنيها، تبرد بشدة كتفيها.
عندما خرج اليخت من الخليج شد كليف المرساتين ثم ثبتهما جيداً وعاد إلى غرفة القيادة تقطر ثيابه ماء بسبب ارتطام الموج بمقدمة اليخت ... تقدم منها فتناول الدفة عنها وأدارها إلى أن غير المركب اتجاهه، مبتعداً عن الجزيره.
أعاد إليها الدفة ثانية، ووقف إلى جانبها يراقبها وهي تقود اليخت. استغرقت وقتاً لا بأس به حتى اعتادت يدها على المحافظة على الدفة في الاتجاه الصحيح. واخيراً تمكنت من المحافظة على اتجاه البوصلة فوق الرقم الصحيح الذي أشار إليه كليف.

Rehana 17-01-21 06:15 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
-هذا جيد. (قال لها بإيجاز مشيراً إلى أنها تحسن عملها).
أحست بالفخر والابتهاج لأنها اكتسبت اطراءه، فنظرت إليه بسرعة، وبدا بارداً صافياً كالبحر في يوم لا غيوم فيه. عيناه ضاقتا عندما التقتا عينيها وكتفيه اهتزتا قليلاً قبل أن يستدير نازلاً إلى الأسفل.
عندما عاد كانت الجزيرة قد ابتعدت عن الأنظار في حين قفزت أعشاب خضراء وانخفضت فوق المياه اللامعة بفعل نور الشمس، وبدأت جزر اخرى تظهر ببطء عن بعد، تلمع كالدرة الموضوعة فوق الذهب تجاه السماء الزرقاء.
كان يحمل قطعة من دقيق الحبوب المطبوخ بالحليب في يد وكوباً من القهوة في الأخرى. قال لها:
- هذا كل ما ستحصلين عليه من غذاء اليوم ... خذيه ، وسأتولى الدفة الآن.
كان اليخت يتأرجح بشكل غير مريح، ورذاذ الماء يندفع بفعل الريح لاسعاً كتفيها، تناولت منه الكوب والقطعة ثم اختارت مقعداً جلست عليه وراحت للطم القطعة وتشرب القهوة الساخنة وهي تشعر بعدم الراحة.
-كيف حال الجرح في رأسك؟ (سألته).
- لقد توقف النزف وبدا الجرح يشفى، سارفع الشراع لذلك سأدير رأس المركب إلى الريح ثانية، اقترح عليك ارتداء الجينز الذي كنت ترتدينه مع القميص. إنهما في مقصورتك. خذي معك كوبك قبل أن يقع فينكسر.
نزلت ليديا لتضع الكوب في المغسلة ,في المقصورة كانت أصوات حركة المركب أكثر وضوحاً، وهذا لم يعجبها ,ولكنها بحاجة لتغسل يديها ووجهها وتمشط شعرها. فالتقطت الجينز والقميص ودخلت الحمام ثم اقفلت الباب وراءها.
ما ابعد هذا الصباح عن صباح الأمس! بالأمس لأنها احست بالتجهم وحب التحدي رفضت ارتداء ملابس كليف، أما اليوم تحس بالغبطة لارتداء الثياب ذاتها بدل ثيابها المتجعدة واليابسة من جراء الملح.
بالامس كانت مصممة على رفض القيام بأي شيء قد يطلبه منها ... أنا اليوم فهي على استعداد لإطاعة الأوامر التي يطلقها دون اعتراض، بالأمس كرهته لما فعله بها على الجزيرة ... أما اليوم ... ؟ نظرت إلى السخرية المطلة من انعكاس عينيها في المرآة وإلى فمها العريض المليء الشفتين الذي كان يسخر منها ايضاً ,وكأنما ليدي الطفلة تضحك سراً على المرأه الرومانسية الرقيقة القلب التي اسمها ليديا.
صاحت ليديا عالياً وهي تنظر إلى صورة ليدي الساخرة :
- اوه ... اخرسي .
تم فتحت باب الحمام نحو الغرفة وخرجت. لاحظت أن صوت المحرك قد توقف، وان اليخت يتحرك من جانب إلى جانب، والماء يضج ويتهامس على جانبيه وهو يندفع عبر الأمواج كما لاحظت بضع سترات صفراء مضادة للماء معلقة مقابل باب الحمام ... فتناولت إحداها وارتدتها ثم صعدت إلى غرفة القيادة حيث جلست على أحد المقاعد.

Rehana 17-01-21 06:18 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
لمعت الأشرعة المشعة بنور الشمس أمام الريح، فلقد التقط الطير الأبيض، الريح في اشرعته ثم راح يمخر عباب المياه الزرقاء المتطاير رذاذها بنقاط لاذعة، ثم اصطدمت الأمواج المزبدة ببعضها وكأنها تتسابق للحاق بمؤخرة اليخت. الهواء الساخن ونور الشمس الساطع، والسماء الصافية، والماء المتراقص أشعرتها بالبهجة العامرة وبالسعادة لوجودها هنا، في أحضان البحر في صباح جميل كهذا.
التفتت إلى كليف لتشاركه مشاعرها فنسيت ضرورة أن تبقى بعيدة عنه. كانت يداه على الدفة، ساقاه منفرجتين ليثبت نفسه من تأرجح اليخت، رأسه مرفوع إلى الوراء يراقب انتفاخ الشراع الرئيسي ... كان مستغرقاً تماماً بما يفعله غير مهتم بها مطلقاً.
ثم لم تشعر إلا بشيء واحد حاد، إنها مستاءة لأنه يتجاهلها. اخدت تتساءل بقلق كيف لها أن تلفت انتباهه لكنها لم تلبث إلا أن وبخت نفسها على هذه المشاعر ... ماذا حل بها هذا الصباح؟ هل بدأت تقع في حبه؟
يا إلهي ... لا ! وقفت على قدميها ناسية التحركات المتأرجحة لليخت. ففقدت توازنها، ووقعت على كليف.
صاح بها بغضب :
- ماذا تفعلين بحق الله؟
بذل جهد، ليدير الدفة من جديد. فردت عليه وهي تدفع نفسها بعيداً عنه، إلى حيث كانت، لكنها وقعت من جديد إلى الوراء، فسمعت صوت تحطم واصطدام. فصرخت وهي تنظر إلى ما حولها:
- ماذا جرى!.
- إننا ننحرف.
قفز عبر غرفة القيادة ليحل الحبل الذي يمسك بالشراع الرئيسي، ثم عاد إلى الدفة وادارها بسرعة، فاصطدمت قاعده الشراع الرئيسي بالصاري، فانتفخ الشراع الرئيسي مرة أخرى وقفز المركب إلى الأمام.
قال كليف بلهجة آمرة باردة:
- اذهبي واجذبي قطعة قماش الشراع المساعد فوق الأكرة من الجهة الأخرى.
تقدمت إلى حبل ملتف على أكرة في الجانب الآخر من غرفة القيادة حيث أشار إليها. كان الوصول إلى هناك يشبه صعود ونزول تلة لكنها قبل أن تصل اندفعت بعنف إلى الأمام بسبب تمايل اليخت بقوة، فوقفت من جديد مصطدمة بحافة الغرفة القاسية فرضرضت ركبتاها وضلوعها وذراعها ... ثم سعت حثي وجدت حبل الشراع متراقصاً كالأفعي عند جانب السطح بعد أن انفلت من مكانه ، يتجاذبه الشراع الفارغ من الهواء . فربطته حول الأكرة وجذبته.

Rehana 17-01-21 06:21 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
وقال كليف بعد قليل:
-هذا يكفي ، و عندما يكون المركب مبحرأ والريح قوية ، يصبح غير مستقر، فإذا اضطررت للتحرك تأكدي من إمساك شيء ثابت، عندها لن تقعي ... إن انحراف كهذا الذي تعرضت إليه منذ قليل يكون عادة خطراً.
لم ترد ليديا، بل استمرت تنظر إلى البحر والدموع تنهمر ألماً. ويدث الجزر المتجه اليخت نحوها مثل شطحات فوق لوحة رسمها ولد صغير، لكنها لم تلبث أن غدا لونها أصفر وأخضر ثابتاً ... لا يستطيع الإنسان تمييز أي شيء وسط دموع منهمرة .
سمعله يسألها فجأة وبحدة:
- ما بك؟
-لا شيء.
- هل تبكين من لا شيء عادة؟
-لست أبكي.
- ربما ندمت على مشاركك إياي النوم ليلة أمس.
التفتت إليه فرأته يحدق إليها، ثم قال ساخراً:
-لست تبكين هه ؟ ماذا على وجهك؟ رذاذ ماء ؟.
تجاهلت لذع لسانه وقالت له وهي تمسح خديها بظاهر يدها:
- ظننتك لا تذكر شيئاً عن ليلة أمس.
-لم أذكر عندما استيقظت , ولكن كان لدي شعور بأنك كنت معي طوال الليل , هل هذا صحيح؟ .
- أجل.
- هل هذا يعني أنك ستكونين البديلة عن شقيقتك؟
عاد إلى مراقبة الشراع وهو يتحدث وأثناء انشغاله في عمله أخذت تدرس ملامح وجهه باهتمام جديد غريب. إن كتفيه خلف الدفة تبدوان قويتين رشيقتين، ويديه العريضتين السمراوين تلتويان بعفوية، ومع ذلك فهما مستعدتان للتوتر والعمل بسرعة عند أي طارئ، هناك نشاط قاس ومرن فيه, قوة جسدية فائقة في كل جسده، وقساوة في خطوط وعظام وجهه العريض .. أما السيطرة على النفس فتبدو جلية في استدارة شفتيه المشدودتين واما عيناه البارقتان بإرادة عابثة فتتصارعان مع تلك السيطرة على النفس , إن لهذا الشاب رأساً عنيداً يحكم قلبه، ومع ذلك أحياناً تخونه تلك القدرة العاملة المختبئة التي تشبه تهورها الداخلي النابع مباشرة من القلب، كما حدث ليلة امس عندما خدرها بكلامه.
- لا ... فأنا لم أنم معك بإرادتي.
- إذن لماذا بقيت معي طوال الليل؟.
اشاحت بنظرها عن نظرته الحادة:
- أنا ... آه ... لم تتركني ابتعد، وأنا لم أرغب في مقاومتك وانت ضعيف بشكل واضح، لا تحسبن أن مشاركتي إياك مقعد النوم نفسه يعني انني سأشاركك إياه ثانية .
- إذن عليّ أن أشار كك مقعدك؟ !.
فردت عليه بحده:
- أنت سادي!.
تلاشت السخرية من وجهه وأصبحت عيناه كالبلور لكنهما لم تلبثا أن ارتفعتا إلى الشراع.
- لمدا دعوتني بهذا الاسم ؟

Rehana 17-01-21 06:22 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- لأنك مثل ذلك المركيز الفرنسي الذي يحب تعذيب أية امراة تقع تحت يده ... وانت كما يبدو تتمتع بتعذيبي ...
-كل ما فعلته أني اعطيتك بديلاً عن نومك معي ... لم يكن هناك قساوة أو انحراف في نومنا معاً ليلة أمس ... صحيح؟.
أدركت انها قست عليه عندما اتهمته بالسادية ،فقالت على مضض:
-لا.. لم يكن هناك شيء .
- إذن لماذا أنت متوترة بشأن فكرة النوم في فراش واحد الليلة.
تطلعت ليديا إلى المياه المزبدة ... كان المركب يقترب من الجزر ببطء فتمكنت من رؤية اوراق النخيل تظلل خطاً ضيقاً من الرمال الصفراء ثم اشكال بيوت صغيرة.
ببطء حاولت جمع شتات افكارها لتحولها إلى كلمات:
-إذا نمنا على المقعد نفسه الليلة ...
صمتت فجأة . وارتجف صوتها، واشتدت يداها في قبضتين فوق حجرها، وعضت شفتها ... لن تجرؤ مطلقاً على هذا , فهي لا تثق ... بنفسها.
سمعته يحثها:
- هيا ... أكملي. لا يمكنك البدء بكلام ثم تتركينه دون أن تتميه.
- اتوقع ... أتوقع منك أن تستغل وجودي معك.
صوتها اختنق، ووجهها التهب بالدماء الحارة.
لكن كليف لم يرد... اتجه المركب نحو أقرب جزيرة. فشاهدت ليديا مدخل خليجها يشبه ثغرة بين حرفين صخريين مرتفعين من المرجان يرتطم بهما الموج ثم يعود منحسراً عنهما كالشلالات المتلألئة.
رد عليها اخيراص ببرود :
- لكنني لم استغل وجودك في سريري ليلة امس.
- هذا لأنك كنت غير متمالك قواك بعد الحادثة ... لو شعرت بأنك كنت ستحاول شيئاً لما بقيت قربك.
- صحيح ... ؟ لكنك قلت إنك لم تستطيعي الابتعاد عني لأنني لم ادعك تذهبين ... لقد أحببت وجودك قربي , واريد تكرار الأمر. لكن هناك سؤال واحد اطرحه عليك أولاً. لماذا أنت خائفة مني؟ ألأنك تحفظين نفسك اشاب تحبينه طلب منك الزواج؟
خلال لحظات مجنونة، فكرت في أن تكذب عليه، مدعية وجود رجل في حياتها ينتظرها، التفتت إليه فتطالعتها تلك النظرة الخضراء الباردة الصريحة ... لن تتمكن من الكذب عليه مطلقاً وتنجو بكذبتها. إنه دقيق الملاحظة وخبير بطبائع الناس ... ردت عليه وهي ترفع رأسها:
- فلنفترض اني قلت لك أجل، هناك شخص ينتظرني ؟ فهل قد يؤثر فيك أو في نواياك ؟
أخذ يراقب الأشرعة وهو يفكر في سؤالها، فراقبت هي أيضاً التعابير المتغيرة بسرعة مذهلة في وجهه ... ثم اطلق نحوها نظرة سريعة متفحصة جعلت أعصابها تقفز. بعدها عاد ينظر إلى الأشرعة ثم إلى الجزيرة، بينما افتر فمه عن ابتسامة شريرة غريبة وقال :

Rehana 17-01-21 06:23 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- لا ... لن يكون لهذا أثر ، لكن ليس هناك أحد بانتظارك ... اليس كذلك؟
-لا.
- إذن يبقى سؤالي دون إجابة .
- لقد حاولت القول لك بالأمس.
- قول ماذا؟
- إنني ... لا أستطيع ... أن أقبل ود أحد لا احبه .
-اوه ... تلك القصة عن الحب، ومع ذلك أعتقد ان رأيك لن يستمر في الصمود كثيراً.
-ماذا تعني؟.
- أنت لست منيعة كثيراً ضد ذلك الشعور الذي تسمينه الحب، كما تعتقدين أنت نفسك.
ثم بدل لهجته بأخرى صائحاً بها آمراً:
-حرري ذلك الشراع الصغير من الأكرة. سوف أدير رأس المركب وانزل الأشرعة لأننا سندخل الميناء بقوة المحرك، فقناة المدخل ضيقة جداً.
-وهل سنرسو هنا؟ ماذا تدعى هذه الجزيرة؟
-اسمها اوايلد زكاي وهي ملك لهازلت وايلد رئيس أكبر شركات الاستثمار في انكلترا، ولقد سمح لنخبة من اصدقائه بإقامة منازل لهم وإيواء يخوتهم هنا ... ذلك هو يخته هناك.
بدأت الأشرعة تهبط، فمد يده ليدير المحرك، وسرعان ما تم لف الشراع الرئيسي والخلفي، وانطلق اليخت بسرعة عبر مياه الميناء المقفل باليابسة تقريباً.
ما إن هبطت المرساتين معاً، حتى انزل كليف القارب إلى الماء. والآن بعد ابتعادهما عن مجرى الريح بدت حرارة الشمس قوية، حرارة أشعرت ليديا بأنها مثقلة بالثياب ودفعتها إلى خلع السترة الصفراء الواقية، أسرعت تنزل السلم إلى المقصورة تبحث عن ثوب السباحة الذي قدمه لها في اليوم السابق.
ناسب البيكيني جسمها تماماً، لكنها وبينما كانت تخلع الجينز والقميص نظرت إلى تنورتها وقميصها وراح فكرها يعمل بسرعة دارساً كل الإمكانيات, فلتفرض انها استطاعت الهرب منه، ألن تحتاج ثيابها حينئذ؟ هي بالطبع لن تتجول في بيكيني طوال الوقت، لكن أيمكن لها أن تاخذ الثياب معها دون أن يلاحظها ؟ يجب أن ترتديها فوق البيكيني وتخاطر في أن تسمع منه التعليقات الساخرة.
اخيراً قررت ارتداء التنورة مع القميص فوق البيكني, ثم صعدت إلى غرفة القيادة، وإذا بكليف غير موجود مع أن سترته الجلدية القصيرة كانت هناك ... فتقدمت إلى الجائب واطلت إلى البحر . لقد اختفى القارب، وضعت يدها فوق عينيها تظللهما من اشعة الشمس، فاستطاعت رؤية شكل القارب والمجذافين يرتفعان وينخفضان برتابة، إذن لقد ذهب كليف إلى الشاطىء من دونها.
ذلك الشيطان الشرير المخادع! لا شك في أنه تكهن بأنها ستحاول الهرب منه إذا أخذها معه، وضعت يديها حول فمها وصاحت بصوت مرتفع:
-هاي ... عد إلى هنا أريد الذهاب إلى الشاطيء أيضاً !

Rehana 17-01-21 06:23 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
لكنه لم يعبأ بندائها بل استمر في التجذيف بثبات، وسرعان ما اختفى وراء جسم مركب ضخم كان بيقف بين الطير الأبيض واليابسة.
تباً له ! ضربت بقدمها الأرض. عليها الآن أن تسبح، فهي تشك كثيراً في أن يأخذها إلى الشاطئ لو عاد ... لكن إذا أرادت السباحة حتى الشاطئ عليها قبل ذلك خلع ثيابها.
نظرت إلى اليخوت الأخرى الراسية في الميناء ... ربما تستطيع الحصول على من يقلها حتى اليابسة في قارب أحد اليخوت حولها، الفكرة راقت لها فجلست على المقعد لتراقب الحركة فيها، ولتلوح و تنادي لجلب الانتباه لها.
كل شيء حولها كان هادئاً ساكناً ... يُكوي تحت حرارة الشمس اللاذعة ... أحست فجأة بالعطش، فنزلت لتناول بعض المرطبات. ثم عادت إلى السطح ترشف الشراب وتتابع مراقبة المراكب.
كانت تفكر جدياً في الغطس والسباحة عندما سمعت أصوات مجذافين ... الصوت كان قادماً من الجهة التي جذف إليها كليف فاعتقدته قد عاد. غطت عينيها من جديد ونظرت . أجل ... هناك قارب قادم، لكنه ليس أبيض اللون، بل ازرق وعلى متنه شخصان، تناهى إلى سمعها صوت امرأة وكأنها تغني
- مرحبا يا من هناك، أليس هذا يخت كليف برودي!.
وقفت ليديا وتقدمت إلى السطح الجانبي ... المنادية كانت امرأة نحيلة جداً، جسدها برونزي أدكن من لون خشب الساج, ترتدي بنطلوناً أبيض وقميصاً حريرياً أزرق شاحباً لا اكمام له, مفتوح الياقة. وفي يدها قبعة قش، وعلى عينيها نظارة شمسية كبيرة، وتدخن سيكارة طويلة.
صاح الرجل الذي يرافقها في القارب:
- ليديا !
- فيليب آدامز.
ضحكت المرأة:
- أنتما على معرفة !
فقال فيليب:
-صحيح ... ليديا هذه كلير فيتزجيرالد من فلوريدا .
قالت المرأة :
- أنا أقيم مع عائلة وايلد، كنت ازور خال فيليب على متن يخته فرأيت هذا المركب يدخل الميناء ورأيت أنه مألوف لي. فطلبت من فيليب أن يوصلني إلى هنا، إنه لكليف برودي أليس كذلك؟
- أجل.
- وهل هو هنا؟ .
-لقد نزل إلى الشاطىء.
قال فيليب للمرأة :
- يمكن أن تشاهديه هناك.
التفت إلى ليديا:
- عليّ أن أبدي دهشتي لرؤيتك هنا ليديا. عندما كنا معاً قلت إنك غير قادرة على الإبحار معنا لأنك يجب أن تكون موجودة عند وصول زوج سالي ... فماذا حصل لتغيري رأيك؟

Rehana 17-01-21 06:24 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
ضحكت كلير:
-أنه كليف ... صدقني ، إنها ليست أول فتاة تجد الدعوة لترافق وريث ثروة برودي أمر لا يقاوم .
أحست ليديا بجفاف في فمها ... ماذا يجب أن تقول لفيليب؟ كيف تشرح له سبب وجودها مع كليف وهذه المرأة تصغي لكل ما تقوله وتعلق عليه؟
قالت وهي تنظر إلى فيليب نظرة مقصودة آملة أن يفهم إشارة الاستغاثة المرسلة إليه.
- أريد النزول إلى الشاطئ ... هل لك أن توصلني إليه؟ .
- بالطبع , فعلي إيصال كلير على أي حال ... انزلي السلم واجلسي في المقدمة.
سألت المرأة بعد جلوس ليديا في القارب:
- هل تعرفين كليف منذ زمن ؟
لكن تصرف المرأة لم يكن اعتيادياً، فقد كانت تتكئ على ركبتيها، تنظر إلى ليديا من فوق كتفي فيليب ... ردت ليديا ببرود:
- ليس من وقت طويل.
قال فيليب :
- والد ليديا هو دايفد كندي مدير فندق نادي أميرالدكاي.
- إن هذا مثير للاهتمام, ألم يكن مدير فندق اليغنت؟ لقد ترك عمله في ظروف مريبة، تقول الشائعات إن مارغريت نيومان برودي هي التي كفلته ودفعت ديونه. يبدو أنهما كانا على اتفاق حميم . ويبدو أن كليف قد تمسك بالفرص المتاحة له وهو أيضاً سيدفع ديون دايفد كندي، وفي المقابل ستشاركه ابنة عشيق أمه الفراش، وهذا اتفاق حميم آخر.
ذهلت ليديا وصاحت غاضبة:
- ابي ومارغريت برودي عشيقان ؟ .
تراجعت كلير إلى الخلف لتضع يدها فوق حافة القارب :
-أعترف أن الأمر مشكوك فيه ... ولكن الأمر الآخر واضح. فالجزر هنا مكان مثالي لعلاقات الحب الرومانسي, ويجب أن أتذكر بأن أهنىء كليف عندما أراه على ذوقه. أنتما الاثنان وحدكما فوق يخت يرسو قرب جزيرة مهجورة، لا يزعجكما سوى بضع طيور من البجع المائي ... إنها الجنة لاثنين ... هكذا أسميها.
ظهر غضب ليديا جلياً في اللون الملتهب على خديها وفي لمعان عينيها، فقالت بوضوح وتحدٍ:
- أنا لست على علاقة حب مع السيد برودي، وهو أصلاً لم يدعني إلى الإبحار معه. لقد دعا شقيقتي سالي ... وعندما ذهبت إليه لأقول له إنها لن تذهب معه بسبب عودة زوجها اختطفني، وأجبرني على المجيء معه عوضاً عنها.
بدت الغبطة على كلير لهذه الأنباء وصفقت بيديها:
- اختطفك ... اوه ... هذا رائع! ابن مليونير يجبر فتاة على السفر بحراً معه ... إنها قصة رائعة لكتاب صفحة الشائعات الاجتماعية! لكن ... بإمكانك الاحتجاج قدر الإمكان يا حبيبتي ... فلن يصدق أحد أنك لست آخر عشيقة لكليف، بعد أن يعرفوا أنك أبحرت معه وحدك ... فسمعته أشهر من نار على علم.

Rehana 17-01-21 06:24 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
صاحت ليديا وقد أدركت أنها ارتكبت خطأ بكشفها أمرها امام هذه المرأة:
- انت تعرفينه جيداً إذن؟
- نحن نعرف بعضنا منذ زمن بعيد، منذ سنوات وسنوات ... حتى قبل زواجه، فلقد كانت زوجته أعز صديقة لي. المسكينة ... لقد انتحرت، كما تعلمين، قطعت شرايين معصمها ... وهذا ليس عجيباً لأنني اعرف الطريقة التي كان يعاملها بها.
أحست ليديا بالصدمة ... لكن وصولهم إلى الشاطئ سرها، رفع فيليب المجذافين، وأمسك بحلقة حديدية، تشكل سلماً إلى أعلى جدار حجري، بعد أن صعدت ليديا السلم وربطت الحبل التفتت فشاهدت المرأة تصعد السلم. ثم سمعت صوتاٍ جعلها تذهب لتتحدث إلى شلة كانت تصعد إلى مركب ابيض.
صعد فيليب السلم، فنظرت إليه:
- فيليب! اسمع أنا بحاجة للمساعدة !
-حقاً؟ القصة التي نسجتها لكلير كانت مقنعة.
- كانت الحقيقة. لقد اختطفني كليف. آه ... أنت لن تصدق ما قالته تلك المرأة ... من أنني ... أنني على علاقة معه؟
- ليس من العجيب أن اصدق، فقد كنت أتوقع أن تخططي وشقيقتك لأمر كهذا بينكما. إذا لم تنجح واحدة فستنجح الأخرى بالاحتفاظ به ضمن العائلة، إذا جاز القول.
- أنت ... لن تساعدني إذن؟
- لست أدري لماذا افعل، أو كيف أفعل. أعتقد أنك قادرة على النجاح معه إذا عرفت كيف تلعبين أوراقك ... ابنة دايفد كندي يجب أن تكون بارعة في اللعب.
تملكها اليأس بعد أن أدركت أن لا شيء تقوله سيقنع فيليب . إنها تحتاج إلى المساعدة، فكل الظواهر ضدها ... أحست بالاحباط لوجودها في مثل هذا الموقف ... وأحست بالغثيان .
- يا لك من صديق ممتاز حقاً!
ارتدت على عقبيها، وبدأت تسير فوق حجارة الرصيف الساخنة نحو طريق ضيقة تتجه صعوداً إلى تلة قابعة بين جذور أشجار ملتفة وفرت لها أوراقها الشبيهة بالإبر الظلال الحامية من الشمس.
سطح الطريق كان خشناً، وحصى صغيرة أخذت تلذع قدميها الحافيتين، مذكرة إياها بأنها نسيت حذاءها فوق اليخت . التوى فمها بابتسامة ساخرة ... إنها بتنورتها المجعدة وشعرها المشعث وقدميها الحافيتين تبدو متشردة مهجورة ضائعة .
والآن وقد خذلها فيليب ... أين لها أن تجد العون؟ هل سيصدق أحد فوق هذه الجزيرة أنها تحتاج إلى المساعدة؟ بدأت تشك في هذا، فسيعتقد الناس أنها آخر عشيقة لكليف برودي, وبالتالي سيهزون أكتافهم دون اكتراث بها. إنها تحت سيطرته تماماً.

Rehana 17-01-21 06:24 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
سمعت حركة على الطريق أمامها، ولمعت الشمس فوق شعر أشقر، إنه كليف قادم نحوها، جسده الطويل مكسو بجينز ضيق وقميص قصير الأكمام ازرق اللون خطا إلى داخل ظلال الأشجار الصنوبرية وفي بضع خطوات أصبح أمامها.
- كيف وصلت إلى هنا؟ هل سبحت؟!.
لماذا انقطعت أنفاسها فجأة؟ ولماذا لا تستطيع التوقف عن التحديق إلى وجهه الاسمر الذي يشبه تمثالاً مقدساً؟
- لقد أقلني أحدهم بقاربه.
- من هو ... ؟
- فيليب آدمز، عائلته تستأجر منزلاً قرب الفندق اميرالدكاي، وهو يبحر على متن يخت يرسو في الميناء، وقد دهش عندما علم أنني معك. أما المرأة التي معه فكانت كريهة شريرة ... اسمها كلير فيتزجيرالد وهي تعرفك مثل زمان طويل.
-إلها شقيقة زوجة هازلت وايلد صاحب الجزيرة، أيتها الحمقاء ... لماذا جذبت انتباهها إليك؟.
- لم افعل ... ليس عن قصد, كنت على سطح المركب عندما جذف فيليب قاربه. كانت تزور اصحاب اليخت فلما تعرفت على يختك أرادت أن تعرف ما إذا كنت على متنه.
- وارادت كذلك أن تعرف من معي ... دون شك. تلك الفاسقة اللعينة المتطفلة.
كان كلامه قاسياً ومتوحشاً عندما تكلم ... وما هي إلا لحظات حتي سمعا وقع خطوات التفتت إلى صاحبها فإذا هي كلير برفقة امراء أخرى مستغرقتان في الحديث.
امسك كليف ذراع ليديا ودفعها امامه إلى ما بين الأشجار قائلاً:
- فلتنزل إلى الشاطئ! لست مستعداً لمواجهة كلير.
أخذت أكواز الصنوبر الصغيرة المخروطية الشكل المنتشرة تحت الشجر تنخر كعب قدميها الحافيتين، ثم أحست بهشاشة العشب البحري الجاف تطقطق. بعد قليل أحست بالرمل المرجاني الخشن ناعماً بالمقارنة مع ما لامس قدميها قبله.
سألها كليف وهما يسيران تحت ظل الأشجار القريبة من المياه المتلألئة.
- ماذا قالت لك كلير؟
فتمتمت :
- لقد أشارت إلى أنني آخر عشيقاتك .
-وهذا ما أنكرته بحدة، طبعاً.
- أكيد، فأنا لا يعجبني أن يستنتج الغرباء استنتاجات خاطئة بشأني، لكنها لم تصدق ما قلته لها وقالت إن ما من أحد سيصدق عندما يعرف أننا كنا وحدنا فوق اليخت لبضعة أيام.
رد مع قليل من المرارة في صوته:
- وهي على حق، وستتأكد من أن الجميع سيعرف هذا ... أظنها الآن تخبر شقيقتها بكل شيء ... كان يجب أن أحذرك بالابتعاد عن الأنظار، لكني لم أكن أعلم أنها هنا ... فهي ستسبب لنا المتاعب، ولكن ... شكراً لله لأنها لم تعرف بأنني خطفتك .
توقفت ليديا، فتوقف:
- ما بك؟

Rehana 17-01-21 06:25 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
فقالت على مضض:
- إنها ... إنها تعرف ... لقد أخبرتها.
فصاح بغضب :
- يا إلهي ... أليس لديك عقل؟ لماذا أخبرتها؟
تذكرت كيف بدت كلير مسرورة بالمعلومات:
- لقد ظننت أنها إذا عرفت الحقيقة، فستعلم أننا لسنا على علاقة... اوه ... كيف تضرنا معرفتها الحقيقة؟!.
فرد بصوت مهرير مرة أخرى:
- لن تضرك أنت ربما، لكن هل تعتقدين حقاً أنني سأتمتع بأن تشوه سمعتي أكثر مما هي عليه حالياً؟ أعترف بأن لدي بعض العيوب، وقد لا تصدقين ما سأقول، أنا لا أخطف الفتيات عادة ... ولسوف يكون عند كلير وقت طويل تلهو فيه بهذه القصة .
-بأية طريقة؟ .
- إنها مراسلة صحفية تكتب مقالات أسبوعية في معظم الصحف الأميركية، توفر فيها لجمهور الفضائح الجائع لقراءة الأخبار الغرامية، لمحة عن الحياة الخاصة لنجوم السينما والسياسيين المعروفين والأثرياء .
صاحت ليديا ، والخيبة تطعنها كالسكاكين :
-أتعني مقالات الشائعات؟
رسمت السخرية خطوطها القاسية حول فمه وهو يجيب:
- هذا صحيح ... إنها تكرهني لأسباب عديدة . . لقد قالت لي إن ... زوجتك المتوفاة كانت أعز صديقة لها، وإن معاملتك السيئة جعلتها تقطع شرايين معصمها.
- وصدقتها على ما أعتقد كما يصدقها الآخرون .
اهتز صوته بعنف مكتوم ثم رمقها بنظرة عدائية ... فأجابت:
- أنا ... أنا ... لا أصدر أحكامي إلى أن أعرف الوقائع ... فأنا محامية كما تعلم ... هناك دائماً وجهان لأية مسألة.
استرخت تعابير وجه كليف وهو ينظر إليها هذه المرة بدفء وحنان. قال معترفاً:
- كان يجب أن أعرف فيك هذه الميزة من الانفتاح الفكري . حقيقة الأمر أن كلير تلومني على موت زوجتي، وهي تنتقم مني مستخدمة قدرتها على التلاعب بالكلمات لتدمير سمعتي، كلما اخرج مع امرأة أو أشاهد مع إحداهن, تبني القصص الكبيرة عن العلاقة في مقالاتها.
صمت ليأخذ نفساً حاداً عميقاً، صار بعده مبتعداً عنها، ثم عاد ليميل إليها وفي تصرفاته صدق ملح:
- كنت سادفع أي شيء لأمنع معرفتها بوجودك معي ... وأدفع أكثر لأمنعها من اكتشاف أنني أجبرتك على المجيء معي وأنا آسف يا ليديا ...
أثرت فيها لهجته المتواضعة الغريبة كل الغربة عن شخصيته :
- إنها غلطتي ... ما كان يجب أن أفقد أعصابي تلك الليلة . انظري إلى ما فعلته بي ... ها أنذا أعترف بأنني مخطئ .

Rehana 17-01-21 06:26 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
رفع يديه نحوها و كأنه يقدم نفسه إليها، فقالت جادة :
- لم تكن غلطتك وحدك، فقد شاركتك بها لأنني حمقاء عنيدة. أوه ... ليتني لم أقل شيئاً لتلك المرأة، فأنا أتكلم كثيراً ... لكنني لم أكن أعرف ... أليس هناك أي شيء عنها؟ ألا يمكن أن نبلغها بأننا على علاقة؟
- لن تصدقني ... أترين ... ثمة شيء من الحقيقة فيما تقوله عني ... فهناك بضع نساء ... كن أكثر من صديقات في حياتي ... ثم ... لست واثقاً تماماً من أننا لسنا على علاقة. الآن لم يعد أمامي إلا طريقة واحدة لإضفي صفة الكذب على ما قد تكتبه في مقالها القادم.
رفع يده يمسح خدها بنعومة مداعباً، فقالت ليديا مقطوعة الأنفاس، تسمّرها النظرة الناعمة العاطفية في عينيه:
-وما هي؟
- أن أتزوجك.
الرمال المرجانية الحارة وأغصان الصنوبر الأرزي المشابهة الريش الصنوبر، والمياه المترقرقة الصافية، بدت وكأنها تترنح أمام عينيها كسراب .. وترنحت، فاضطرت للامساك بذراعه.
اشتدت عضلات ذراعه القوية المليئة بالشعر الأشقر تحت قبضة اصابعها، ثم غطت يده تلك الأنامل يضغطها على ذراعه، قائلاً بسخرية:
- تبدين دهشة.
ثم أحني رأسه ليدنو من وجهها، فراحت أنفاسه تداعب وجنتيها، قالت مذهولة:
- أنت لا يمكنك أن تتزوجني.
- بل أريد ... كنت أفكر فيه طوال هذا الصباح . بإمكاننا العودة إلى كاستريس اليوم ولنحضر كل الإجراءات التي لن تكون عسيرة، فوالدك يعيش في الجزيرة التي أملك فيها الكثير. وقد نتمكن من الحصول على ترخيص الزواج قبل نهاية الأسبوع ... ليديا ... هل تتزوجينني؟
انتزعت يدها من تحت يده، وتراجعت خطوة إلى الوراء, تبحث في وجهه عن أي أثر للخداع. فهي تعرف أن بإمكانه أن يكون قاسي القلب ويمكن أن يذهب إلى أبعد مدى عندما يريد تنفيذ رغباته.
قالت له متحدية ببرود:
- ولماذا؟ أتريد حماية سمعتي ... أم سمعتك؟.
التقت عيناه بتحديها بقوة ووضوح:
- الاثنين معاً.
صعب عليها أن تفهم ما وراء رده المقتضب، ومع ذلك كان لديها إحساس بأن له أسباباًَ أخرى أكثر من رغبته في حماية سمعتيهما ... فقالت:
- لكنك لا تكاد تعرفني.
- أعرف ما فيه الكفاية ... أعرف أنك مخلصة صادقة ومستقلة بشكل شرس، لكنني أعرف كذلك أنك دافئة وعاطفية ، ناعمة.
رق صوته وهو يقترب منها ... فجادلته مرتجفة:
- لكن الرجال الأثرياء لا يتزوجون النساء الفقيرات ... والنساء الثريات لا يتزوجن الرجال الفقراء.

Rehana 17-01-21 06:26 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
أحسست بإحساس غريب في ساقيها يرافقه توق قوي يدفعها إلى الإتكاء عليه وإلى لف ذراعيها حول عنقه ... سمعته يقول بمرارة:
- لقد تزوجت من امرأة ثرية من قبل ... بل جرى ابتزازي إلى هذا الزواج.
رفعت بصرها إليه تهمس متلعثمة :
- من ابتزك؟
- أبي وأبوها. كان ذلك جزءأ من اتفاق أجراه ابي ليستولي على شركة أبيها. حصل ذلك منذ عشر سنوات . يومها كنت أصغر من أن أدرك ما قد أتورط فيه، لكني اكتشفت متأخراً جداً انني تزوجت من امرأة مختلة عقلياً، وحدث أن عدت ذات يوم إلى منزلي فوجدتها قد خنقت طفلنا.
امتدت يدا ليديا تمسكه بفزع:
- اوه يا إلهي!
التفت ذراعاها حوله ، ثم أراحت رأسها على كتفه ، فاحست بذراعيه تلتفان بدورهما حولها. أكملت هامسة:
- ماذا حدث بعد ذلك؟ ماذا حدث لزوجتك؟
- أمضت السنوات التالية تدخل وتخرج من مستشفيات الأمراض العصبية إلى أن أزهقت روحها. لقد كان زواجي كارثة ... ولكن قد ألاقي حظاً أفضل معك، مع امرأة أختارها بنفسي.
تذكرت ليديا، وهي أقرب إلى الاستسلام، الفوارق بينهما ، فأجبرت عقلها على أن يتحكم بقلبها، فدفعت نفسها بعيدة عنه وخطت إلى الوراء قائلة بصوت متهدج وهي تهز رأسها :
- ولماذا لا؟
- لأنني أخاف الكارثة.
اشتد فمه بحدة وعناد، واتقدت عيناه بثورة عاطفة ، واقترب منها ثانية:
- هل عليّ أن أهددك مرة أخرى، يا حبيبتي. كما فعلت بالأمس؟ ارفضي الزواج مني ولن أتردد في طرد أبيك ومقاضاته على المال الذي اختلسه ... تزوجيني أنسي شكوكي عن احتياله بل أدفع دينه.
فصاحت به، تنتزع نفسها من بين ذراعيه متراجعة إلى الوراء لتلذعها حرارة الرمال:
-اوه ... ما أكثر ما تعلمته من فنون الابتزاز من ابيك!.. كنت أظن ...
ضغطت بيدها على فمها وقد أوشكت على أن تفضح نفسها، فأسرع يضيق بيديه عليها:
- تظنين ماذا؟.
فتأوهت، ورفعت يديها تغطي عينيها مبعدة منهما الإغراء البادي في وجهه الوسيم:
- كنت أظن أنني بدأت أميل إليك ... اوه ... لست ادري ما أفعل، لست أدري ما أفعل!.

Rehana 17-01-21 06:26 PM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
أخذت تكرر الكلمات هامسة وكأنها تتلو دعاء ، فتمتم بدوره بإغواء:
- قولي إنك ستتزوجيني.
أمسك معصميها وأبعد يديها عن عينيها، ثم وضعهما على دفء صدره ...
بوحشية غريبة ... شدها إليه. وضع يده تحت ذقنها ورفع رأسها إليه , فأحست بقشعريرة تجتاح كل جسدها.
انزلقت يداه إلى خصرها تجذب جسدها إليه، أما يداها فتسللتا إلى عنقه ، تتحسس بأناملها شعره الأشقر . وهما متعانقان راحا يترنحان من فرط النشوة والسعادة التي غمرتهما كمد بحري في ليلة مقمرة. كان ظلهما الممتد فوق الرمال تحت أشعة الشمس مترنحاً أيضاً.
همس كليف وفمه مدفون في شعرها:
- شعرك كخصل شعر الملائكة في لوحة مقدسة. أيمكن أن تكوني ملاكاً حقاً ... ملاكاً جاء يبعدني عن الجحيم؟ ملاكاً متنكراً بجسد امرأة دافئة ، قدماه حافيتان مغبرتان كمتسولة . للمرة الثالثة أسألك: هل تتزوجنني لنعيش في سعادة إلى الأبد؟
تأوهت الموجات الصغيرة عند الشاطئ، وهمست أوراق الصنوبر معاً وهي تتحرك مع النسيم المفاجئ، وتناهت أصوات الناس فوق المراكب عبر الماء، تذكر ليديا بأنها وكليف ليسا وحدهما على الجزيرة.
احتاجت إلى قوتها كلها لتجذب نفسها بعيداً عنه, فوقفت على قدميها وحدها و كل عصب في جسدها ينتفض احتجاجاً على فراقه ، وقالت ببرود:
- لم أقرأ مطلقاً أن المتسولة كانت سعيدة عندما تزوجت الملك ... ردي لا يزال "لا "أريد أن أكون حبيبتك أو زوجتك.
لمع الغضب الشرير في عينيه، فتراجعت بخوف وارتجفت عضلة فوق خده و ورشح العرق من جبينه وهو يكافح ليسيطر علي تهوره العنيف البادي بوضوح في عينيه.
- هل تتوقعين حقاً أن أصدق هذا بعدما استجبت لي بتلك الطريقة منذ لحظات؟ أنت تريدينني برغبة تفوق رغبتي فيك. أنا أريدك لحياتي في سرائها وضرائها، وما أريده أحصل عليه عادة .
- حسناً ... لن تحصل عليّ، ولن تجبرني على الزواج منك.
- أتظنين هذا؟ حسناً يمكنني أن أحاول، سنطير فوراً إلى كاستريس لترتيب الأوضاع.
- نطير؟ وكيف؟
۔ سنطير على طائرة هازلت وايلد صاحب الجزيرة، أما اليخت فسأتر كه في عهدته حتى نعود بعد الزواج لنتابع رحلتنا معاً.
لم يفسح لها مجالاً للموافقة أو عدمها بل أمسك يدها بيده ، وانطلق بها عبر الأشجار عائداً إلى الطريق يجرها وراءه. رغم محاولاتها الدؤوب لانتزاع يدها من يده، فشلت. فلم يعد لديها أي خيار سوى اللحاق به.

نهاية الفصل

Rehana 19-01-21 11:30 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
5- وهرب العصفور !

طائرة هازلت وايلد الحمراء والبيضاء ذات المقاعد الأربع والتي يقودها بنفسه، ارتفعت في الجو كأنها عصفور صغير تعلم لتوه الطيران فوق المياه والرمال المرجانية لجزر تفصل بين جزيرة صاحبها وبين سانتا لوسيا.
تنهدت ليديا وهي تسند رأسها إلى ظهر مقعدها مغمضة العينين ؛ تحس بالإرهاق ... فإرادتها الصلبة ضد إرادة كليف ورفضها الخضوع لمغازلته، كانا قد استنفذا كل قوتها. كم أحست بالغبطة عندما قرر تجاهلها تاركاً هازلت يجلس قربها ... فهي بحاجة للدقائق الأربعين التي تستغرقها الرحلة لتجمع قواها الجسدية والفكرية.
تنهدت ثم فتحت عينيها تنظر عبر النافذة. كانت الطائرة الآن فوق اليابسة ... حيث تبدو من بعيد السيارات كألعاب مسرعة فوق الطرق الممتدة على طول المياه الزرقاء اللامعة، التي يرسو فيها العديد من اليخوت والمراكب. ثم لم تلبث أن اتسعت رقعة المياه لتصبح خليجاً واسعاً ... انعطفت الطائرة، فشاهدت عن بعد قمم المباني والفنادق ترتفع فوق المياه الزرقاء الخضراء الممتدة وراءها .
و قريباً ستحط الطائرة ... وقريباً ستكون في أمير الدكاي حيث سترى أبيها وشقيقتها. تصلبت في مقعدها ... لقد نسيت شقيقتها سالي، نسيت أن سالي هي من أرادها كليف رفيقة له.
أحست بشعور غريب، هو عبارة عن كراهية فجائية تجاه أختها، صدمتها، إنها تغار من سالي لأن كليف نظر إليها مرة واشتهاها. هزت رأسها بقوة تحاول تحريره من مثل هذه الأفكار ، ولكن هذه الأفكار التصقت به.
إذن هذه هي الحقيقة ... أليس كذلك؟ إنها تحبه، وأحبته منذ أن وقع نظرها عليه ... ولكنها لم تقع في حب الساخر زير النساء، بل وقعت في حب الرجل التعيس الطائش، الصعب الانقياد الذي اكتشفته خلف الحطام، والذي تشوقت لأن تجعله سعيداً .
لماذا رفضت عرضه بالزواج؟ ألأنها ظنته يرغب في الزواج منها لأسباب أخرى؟ الأنها أعتقدت أنه قد انجذب إليها مؤقتاً فقط، ويرغب فيها لأنها صعبة المنال وما إن يحصل على ما يريد حتى يفقد اهتمامه بها، فيتجاهلها ويهجرها في النهاية؟ تماسكت يداها في حضنها في حين ضاقت عيناها وضمت شفتاها ... لا لن تسمح له بأن يفعل هذا بها ... لن تسمح لأي رجل بهذا.
حطت الطائرة متقدمة نحو مبنى المطار، فقفز كليف والتفت ليساعدها على النزول ثم دعا هازلت وايلد، وسارا خلف المبنى إلى المدخل الرئيسي حيث كانت سيارات التاكسي متوقفة لإنزال راكب أو إصعاد آخر... وسرعان ما أصبحا في المقعد الخلفي لسيارة انطلقت بهما على طريق المطار ... قال لها كليف:
- أعتقد أنك ترغبين في الذهاب إلى الفندق لرؤية والدك .

Rehana 19-01-21 11:33 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- أجل ... ولكن ليس عليك المجيء معي.
- يجب أن أذهب معك ... إن العادة كما أعرف تقتضي ذهاب العريس إلى والد العروس ليطلبها منه.يراودني إحساس بأن والدك سيسر عندما يعرف ان نواياي تجاهك شريفة بل سيسر أكثر لأنه سيستفيد منها.
- لن تكون لسعادته أي تأثير فيما اشعر به حيال زواجي منك ، فأنا مسؤولة عن نفسي واستطيع تقرير ما أريد ...
- ولكن سمعتك يا حبيبتي ..
- سمعتي هي شأني الخاص، لا شأنك أو شأن أبي كما أنه حالما أعود إلى بلادي حتى ينسى كل شيء فهناك لن يأبه أحد بما حدث هنا.
أحست بشفتيه تلامسان وجنتها، فشهقت غاضبة:
- ابتعد عني ... لا يمكنك معانقني أمام السائق في وضح النهار!
- تعنين خلف السائق.
انزلقت يداه إلى كتفها وجذبها إليه ، فتسمرت نظراتهما للحظات ولم يلبث أن ضمها إليه بقوة رغم بعض السلبية التي أظهرتها في التجاوب معه.
- أحبك. (همس لها في أذنها )
فردت بضعف:
- أنت مجنون.
لكنها لم تدفعه عنها فتابع :
- الرجل المغرم عادة مجنون.
- لا يمكن أن تكون قد وقعت في حبي، الأمر مستحيل، كما أني لا أحبك. أنت تريدني لأنني رفضتك، وأنا واثقة من أنني لو استسلمت لك بالأمس وتركك تغويني لما طلبت مني الزواج .
- قد تكونين على حق، فأنت تشكلين تحدياً لي، وعليّ أن أتغلب على هذا التحدي بطريقة ما.
راحت يداه تداعبان عنقها من الكتفين صعوداً إلى فكها.
-عندما تغضبين تصبحين كالنمرة ، تزأرين وتقفزين، حينها تتملكني الرغبة في اصطيادك .
فقاطعته بصوت هامس غاضب:
- إلى أن أخضع لك، هكذا هو الأمر ... أليس كذلك؟ السيطرة ثم الخضوع ... أنت تسيطر وأنا أخضع ... حسناً ... أنا أرفض هذه اللعبة ... ولن أتزوجك. فعندما أتزوج، هذا إذا تزوجت، فلن أتزوج رجلاً متسلطاً مسيطراً مثلك ... بل سأتزوج رجلاً يعادلني.
- ولكننا متعادلان ... ألم تلاحظي هذا؟ أنت طويلة مثلي، قوية الذراع والإرادة ...
التوى فمه وهو يلمس الضمادة فوق رأسه، وأكمل :
-... ولقد أثبت بطريقة لا ريب فيها أنك ترفضين السيطرة, إضافة إلى كل هذا فأنت مشهورة، لا تعبئين البتة بأي تقاليد وتحيين تنفيذ ما تريدين حسب طريقتك مثلي تماماً ... اوه ... بلى ، نحن متعادلان يا ليديا ، نحن فلقتان لحبة واحدة .

Rehana 19-01-21 11:34 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- لا ... لا! كيف تقول هذا وأنت ثري بينما أنا لا أملك شيئاً ؟ لا أملك سوى ما أكسبه من عملي.
تطلعت إلى خارج السيارة، إذ كان لقربه منها تأثير مضاعف على أعصابها، في هذه اللحظة ودت بشدة لو تحيط وجهه بيديها, تمسح خطوط المرارة البادية بوضوح حول فمه. أردفت بصوت هامس مرتجف:
- إذا ... لو أنني ... إذا تزوجتك، سيقول الجميع انني تزوجتك طمعاً في مالك وهذا ما لن أطيقه. أضف إلى ذلك انني أحب وظيفتي وأريد العودة إلى انكلترا لأتابعها مثبتة قدرتي على النجاح كأي محام آخر ... وإذا ... إذا . . . تزوجتك سأضطر إلى التخلي عن الكثير، ولا أظن أنه يمكنني ذلك.
سمعت حفيف القماش بفعل تلامسه مع مقعد السيارة الجلدي فعلمت بارتياح، مع قليل من الأسى، أنه ابتعد عنها ... ثم سمعته يقول بصوت منخفض:
- إذن أنت لا تهتمين بما قد يصيب والدك إذا استمريت برفض الزواج مني.
أبقت رأسها ملتفت إلى الناحية الأخرى وهو تقول:
- بلى ... أهتم. ولكنني لست مؤمنة بأنه قد ارتكب أي خطأ. و.. وأنا ... أهتم أكثر بما قد يحدث لنا، أنا وانت ... إذا تزوجنا لأسباب خاطئة ...
اهتز صوتها ثانية، حتى توقفت عن الكلام لتسحب نفساً عميقاً، أردفت بعده قائلة:
- كليف، أرجوك، ستكون كارثة أخرى، ليس بالنسبة لك فقط بل لي كذلك .
فرد ببرود:
- لا أصدق أن هذا قد يحدث ... حسناً ... لقد وصلنا إلى طريق مسدودة أخرى. ولكن لا تظني مطلقاً أنني استسلمت، فبعد دقائق سنكتشف إذا كنت محقة بشأن والدك وبعدها سأعاود الضغط ثانية، يا حبيبتي وسأتزوجك قبل نهاية هذا الأسبوع.
ما إن توقف التاكسي خارج مدخل الفندق حتى فتحت ليديا الباب وقفزت خارجه، وبما أنها كانت تعلم أن كليف مضطر للتوقف حتى ينقد السائق أجرته ، استغلت الفرصة فحثت الخطى تجتاز الأبواب المتحركة إلى الفناء المستدير الفاخر ذي السقف العالي والأرض المفروشة بالسجاد السميك ... ومنه رأسا إلى طاولة الاستعلامات حيث كان موظفان محليان أسمران يعتنيان بالزبائن. كان عليها حتى تصل إلى مكتب والدها أن تتجاوزهما. تحرك أحد السواح مبتعداً حتى تقدمت إلى الموظف:
- هل السيد كندي هنا؟.
- طبعاً.
- أريد الدخول لرؤيته ... أنا ... أنا ابنته ليديا.
نظر الموظف إلى ما وراءها قائلاً:
- مساء الخير سيد برودي, أثمة ما تريده مني؟.
صاحت ليديا:
- أنا وصلت قبله إلى هنا! .
أجاب كليف:
- أريد الدخول لرؤية السيد كندي.

Rehana 19-01-21 11:35 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- أجل يا سيدي، بإمكانك الدخول فوراً.
فتح له ليدخل ... فتمتم مشيراً:
- بعدك ليديا.
رفعت راسها عالياً ثم قصدت رأساً باباً كتب عليه كلمة المدير محاولة التظاهر بأن موظف الاستقبال لا ينظر إليها ولا إلى تنورتها المجعدة ولا إلى قدميها الحافيتين. عند الباب التفتت إلى كليف هامسة:
-اود رؤيته وحدي .
- هذا حقك، لكني لن أدعك.
رفع يده ليقرع الباب ... فهسمت بشراسة:
- لا اريدك أن تدخل معي!
- لا يمكنك منعي.
ابتسم لها وكان في ابتسامته دفء وحنان، سبب لها ضيفاً في التنفس :
- ليس معك قضيب حديدي هذه المرة.
في تلك اللحظة أتاها صوت أبيها يقول "أدخل". نظرت إلى كليف نظرة غاضبة ردها لها بابتسامة ثم دفعت ليديا الباب ودخلت إلى غرفة واسعة تملأها أشعة الشمس وتطل على بركة سباحة الفندق .
كان دايفد دون سترته، وقد لف كميه إلى الأعلى، وخفف من رباط ربطة عنقه، يجلس وراء طاولة أنيقة من الخشب يراجع بعض الأوراق، عندما سمع الباب يقفل رفع بصره فوق نظارته، وصاح وهو يقف نازعاً النظارة:
- ليديا! إنها مفاجأة ... لم أكن أعتقد أنك ستعودين بسرعة. تبدين مشعثة قليلاً ...
جالت نظراته في هيئتها وهو يدنو منها فلاحظ وجود كليف، عندها اتسعت عيناه وتغير التعبير فيهما ... فسأل قلقاً:
- ثمة خطأ؟.
فبدأت ليديا بالقول:
- أبي...
لكن صوت كليف العميق علا فوق صوتها:
- يمكنك القول إنني اصطدمت بجدار صخري ... هو عناد ليديا ... أعتقد أنك لم تضربها بما يكفي أثناء طفولتها , هل وصلتك رسالتي بأنني أخذتها معي؟
بدا الذهول على وجه دايفد:
- كانت الرسالة منك؟
- نعم .
فهم دايفد، وعبث بشعره:
- يا الله!
ثم عاد ببطء إلى كرسيه وغرق فيه، ثم نظر إلى ليديا:
- كنت أظنك طوال هذه المدة قد ذهبت مع أبناء آدامز على متن يخت خالهم ... أترين ... أنا لم أستلم الرسالة شخصياً ... بل أحد موظفي الليل ... أظنه لم يفهمها جيداً, إذ كل ما قاله هو أنك ذهبت في رحلة بحرية مع أصدقاء وستعودين بعد بضعة أيام.

Rehana 19-01-21 11:36 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
سألته ليديا بسرعة:
- هل اعتقدت سالي هذا أيضاً ؟.
جلست على حافة الطاولة، فنظر إليها دايفد بحيرة :
- أعتقد هذا ... اعني، لم تسألني أي شيء عندما قلت لها إنك ذهبت, أظنك ستسرين إذا عرفت أن هوارد وصل بعد ظهر الأمس .
فسألته:
- وهل سرت هي برؤيته؟
- هذا ما بدا لي ، لقد كانت في الخارج ولم يبدو عليها أي شي، عندما رأته ، لقد ذهبا ليعيشا في كوخ صيفي على الشاطىء الآخر للجزيرة وحدهما، وأعلن أن من الأفضل لهما أن يكونا معاً ليتحادثا وليتباحثا في شؤونهما ... أظن أنني أريد تفسيراً لما حدث لك ليديا. لقد أخبرت الجميع أنك ذهبت مع أبناء آدمز فاين كنت؟
تقدم كليف نحو الطاولة :
-كانت معي ... لقد دعوت سالي للمجيء معي، ولكنني أخذت ليديا بدلاً منها، حيث أمضينا معاً ليلتين على اليخت, وأظنك تعرف ما سيقوله الناس وما سيظنونه بشأن ذلك ...
فقاطعته ليديا بحدة:
- أبي .... لا تصغ إليه ... لقد أجبرني على الذهاب معه ... والآن ... الآن ... يحاول ابتزازي ...
فزجرها دايفد وهو يفرك شعره ثانية بارتباك :
- ليديا ... انتبهي لما تقولينه ... فهذا اتهام لا يمكن رميه بخفة! لكنني ما زلت لا أفهم شيئاً .
مالت ليديا باهتمام نحو والدها:
- ليلة الأربعاء ذهبت لأقول لكليف إن سالي لن تذهب معه . وكان قد أرسل إليها رسالة وقعت تحت يدي، فلم أسلمها إياها لأني لم أستطع تركها تذهب معه وأنا أعرف أن هوارد قادم ... أتفهم هذا يا أبي؟
- أجل ... أجل... بالطبع أفهمه ... ولكن ...
التفت إلى كليف:
- هل أجبرتها حقاً على الذهاب معك؟ .
فرد كليف وابتسامة شاحبة على فمه:
-لقد وقعت في البحر فأصعدتها إلى المركب لتجفف نفسها، وعليّ أن أعترف أنني كنت مجنوناً من الغضب لأنها حشرت أنفها في خططي، ولكنني في الوقت نفسه أردت اللحاق بالمد، فأقلعت باليخت أثناء وجودها في المقصورة تغير ثيابها . وها أنا الآن أريد الزواج منها وهي ترفض، فما تفعل في هذا الشأن؟
قالت ليديا محتجة:
- أبي ... الأمر ليس هكذا إطلاقاً... فنحن ... نحن ... لم ننم معاً ...
فسارع كليف للقول:
۔ بلى ... لقد فعلنا ... ليلة أمس، بالتأكيد لم تنسي هذا بسرعة يا حبيبتي؟.
- ولكننا لم ... أعني أننا...

Rehana 19-01-21 11:37 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
توقفت عن الكلام وقد احمر وجهها وصاحت:
- أيها الشيطان اللعين!
نظرت إليه بشراسة، ونزلت من الطاولة متوجهة إلى النافذة, حيث وقفت تحدق إلى بركة السباحة، تضم يديها إلى صدرها وتحاول السيطرة على الغضب الذي كان يغلي ويفور في داخلها. سمعت دايفد يقول لها:
- ليدي ... اهدأي ... أنا واثق من أن كليف يفكر في سمعتنا.
- لا ... إنه لا يفكر فيها ... إنه يفكر فقط في سمعته . على كل، لقد قلت له إن سمعتي هي شأني الخاص، لا شأنه. و... ولست أهتم البتة بسمعته.
التفتت لتنظر إليهما ... ثم تحركت إلى جانب والدها واتكأت إلى الطاولة ثانية قائلة:
- ولكن حقيقة الأمر أن سمعتك أنت التي في الميزان.
- سمعتي؟ كيف؟
- كليف يقول ... إذا ... إذا لم أتزوجه يطردك من عملك، ويقاضيك على اختلاسك مالاً من الفندق. أخبرني أهذا صحصح ؟
توقفت عن الكلام وقد رأت وجه والدها يشحب والحزن يستولي عليه. ولكنه لم يرد بل نظر إلى كليف، الذي استوى في وقفته عاقداً ذراعيه حول صدره . كان يشبه بشعره الأشقر ووجهه الأسمر إله الانتقام الإغريقي، وقد قدم ليلقي أحكامه على البشر المساكين.
أخذت ليديا تفكر بسرعة مجنونة، ووجدت نفسها تتساءل بقلق وغيرة كم من النساء انجذبن ووقعن في حبائل جماله الذهبي , فوجدن أنفسهن في النهاية عالقات في حبائل الشيطان .
قال دايفد بصوت أجش:
-أظنك شككت فيَّ. منذ متى وأنت تعلم بالفروقات التي ظهرت في الحسابات؟
- منذ شهرين ... لذا أتيت إلى هنا ... لقد قيل لي إنك قد تكون مسؤولاً عن هذا.
فقالت ليديا تتوسل أبيها :
- أبي قل له إنك لست المسؤول.
فتنهد ونظر إليها نظرة عذاب :
- لا أستطيع، لأنني مسؤول.
فشهقت :
- ولكن لماذا؟ لماذا؟
- عندما جئت للعمل تصدى لي شخص يعرف بالمشاكل التي كنت متورطاً بها في فندق البغنت، فراح يبتزني ... ولم أتمكن من إسكاته إلا بدفع مبلغ شهري له، ثم رفع المبلغ المطلوب، فلم أستطع الإيفاء بطلبه.
نظر إلى كليف واهن العزيمة، فقال كليف وفمه يلتوي بسخرية:
- وهكذا أخذت من مال الفندق على أمل أن لا ينكشف هذا .
- أخشى أن يكون هذا ما حصل .

Rehana 19-01-21 11:38 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
فتأوهت ليديا:
- اوه يا أبي ... كيف فعلت هذا؟
- أوه يا ليديا ... حاولي أن تفهمي... لقد كان المبتز يهددني بالذهاب إلى كليف وإخباره بأنني طردت بسبب الاختلاس ولم أجد طريقة أخرى لمنعه من الإفشاء بسري. ولم أرد المخاطرة بخسران وظيفتي والخروج منها دون كتاب توصية، لذلك دفعت له لأسكته ولكن المبلغ فاق قدرتي على الدفع. كنت أنوي إعادة المبلغ حالما أقدر.
فقال كليف بصوت جاف:
- اوه ... طبعاً. لكنك كنت أحمق عندما سمحت لذلك الشخص بأن يخيفك، كان يجب أن تتركه يخبرني، إذ لم تكن تلك أخبار جديدة لي، فأمي أخبرتني القصة. أنت الآن في ورطة أصعب, أنت عالق بين الشيطان ومياه المحيط الزرقاء العميقة ، بيني وبينه، ولكن هناك طريق للخلاص.
سأل دايفد بلهفة وأمل:
- وكيف؟
- ما إن تصبح ليديا زوجتي حتى تزول كل مشاكلك .
حدق إلى ليديا بعينين مبتسمتين ثم قال بنعومة :
- فقط قولي نعم يا حبيبتي.
- وإذا لم أفعل؟
- سيذهب والدك إلى السجن ... أريد ردك الآن حالاً.
قسا وجهه وعيناه ... وهو يضيف:
-لا أعلم ما عليّ أن أفعل ... فإذا كان ردك لا أخرج من هذا الباب لأقول لموظفي الفندق إن والدك قد أوقف عن العمل ذاكراً السبب أيضا.
حدقت إليه متحدية، فقابل تحديها بنظرة أقسى منها ... ثم أعادت نظرها إلى رأس والدها المنخفض ... هذا والدها ... والدها اللطيف الدافئ القلب الذي أحب أمها إلى درجة يحقر نفسه من أجلها فوقع تحت عبء الديون ليؤمن أفضل علاج لها ... فكيف لها أن تخذله؟ إنها تعرف أنها لن تستطيع العيش مع ضميرها فيما بعد. حتي سعادتها في المستقبل لا تقارن بالثمن الذي سيدفعه لو رفضت الزواج من كليف.
أعادت نظرها إلى كليف ... فإذا به شامخاً يراقبها من تحت حاجبين مقطبين ... فقالت بثبات وخشونة :
- حسن جداً سأتزوجك.
أحسست بإحساس من الخوف والإثارة يتحكم بها وهي ترى الانتصار اللامع في عينيه .
قال دايفد بقلق :
- ليدي ... لست بحاجة لهذا .
فهمست وهي تنهار قرب كرسيه لتلف ذراعيها حوله :
- أرجوك يا أبي ... لا تقل شيئاً ... سوى أن تتمنى لي السعادة.
فتمتم :
- ولكن ... هل أنت واثقة؟
- أجل.

Rehana 19-01-21 11:38 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
فقال كليف وهو يقترب من الطاولة:
- أظنك لن تسمع شيئاً من المبتز بعد أن يعرف أنني وابنتك سنتزوج. سيدرك أنني أعرف كل شيء عنك، ولا فائدة من تهديده بعد الآن. وإذا أزعجك مرة أخرى أعلمني، وسأتعامل معه ... أما ما علينا فعله في النهاية فهو شرح سبب الفروقات في الحساب لمكتب المحاسبة ولوالدي.
احتلت فمه ابتسامة مرحة ... فقاطعه دايفد :
- إنه هنا ... في أميرالدكاي، لقد جاء بعد ظهر أمس.
قال كليف بحدة:
- ولماذا؟
- أعتقدني قادراً على إخباره عن مكان وجودك. لابد أن شقيقتك ذكرت له أنك متعلق بإحدى ابنتي.
تنهد دايفد بصوت مرتفع ثم اكمل وهو ينظر إليه بمرارة:
- وفي الواقع هو يعتقد أن سالي عشيقتك ، وأنني أعرف عن ذلك. ولا بأس أن أعلمك بأنه كان غاضباً جداً بسبب ذلك.
- أستطيع تصور هذا.
التفتت ليديا إليه :
- أكنت تعلم أن والدك آت ؟
- لم أكن أعلم أنه قادم ... ولكنني عرفت أنه وصل, لذا طلبت من هازلت أن يوصلنا بالطائرة.
- ولكن كيف عرفت؟ .
- عن طريق عجائب العلم الحديث ... كنت أستمع هذا الصباح وأنا أحضر الفطور فوق المركب إلى اللاسلكي، فالتقطت رسالة لي ارسلها يخت آخر كان قد التقطها من الجزيرة في الليلة السابقة، وهي رسالة تقول فيها شقيقتي إن عليّ الاتصال بها بأسرع وقت ممكن. لذلك توجهت إلى أواليد كاي، فاتصلت بها وأخبرتني أنه وصل وهو ينفث النار والصخور الذائبة غضباً ويطلب رؤيتي ... أريدك أن تجيئي معي لمقابلته .
فصاحت محتجة تشير إلى مظهرها المشعث:
-لكني لا أستطيع الذهاب بهذا الشكل.
إذا قدمها إلى عائلته على أنها الفتاة التي اختارها زوجة له يكون بذلك قد أطبق الفخ عليها نهائياً ... أحست به يرفع ذقنها بيده ليعانقها غير عابئ بوجود أبيها ... فهمست مرتجفة:
- ارجوك ... أود الذهاب إلى المنزل لأستحم ولابدل ملابسي.
بما أنها ستصبح زوجته عليها أن تعتاد نظرته المتملكة المفترسة هذه وعليها أن ترضى بأن يعانقها متى أراد ... وأن ... لكن صونه قطع عليها أفكارها المجنونة:
-أكره أن أدعك تبتعدين عن ناظري.
فقالت متحدية :
- لماذا؟
- أخشى أن تفكري في إبعادي فتهربين عائدة إلى انكلترا ملاكي ... قبل أن أتمكن من الزواج منك.
رفعت رأسها باستكبار :
- ألا تثق بي؟
فرد عليها بشكل مبهم :
-هل أقول إنني لا أثق بحظي ... سأرافقك إلى المنزل وانتظرك حتى تنتهي من الاستحمام ومن تبديل ملابسك وبعدها نقصد والدي.

Rehana 19-01-21 11:41 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
عضت على شفتها ونظرت باسترحام إلى والدها، فدهشت وقد رأته بشد ربطة عنقه قائلاً:
- فكرة جيدة ... سأوصلكما بنفسي إلى هناك.
بعد نصف ساعة، وهي في مياه المغطس المعطر في حمام منزل والدها، استرخت ليديا لأول مرة منذ أيام، وهذا ما بدا لها ... فمكوثها مع كليف منذ أكثر من ثمان وأربعين ساعة كان عذاباً صرفاً، لكنه ما زال معها. صحيح أنه ليس في الغرفة نفسها لكنه في المنزل ذاته ينتظرها في غرفة الجلوس غير واثق بها.
منذ أن كانت في هذا المغطس يوم الأربعاء وحتى الآن عاشت حياة كاملة ، وقد حدث خلالها الكثير ... يوم الأربعاء كانت قلقة على سالي ... ومصممة على منعها من الذهاب مع كليف. وها هي الآن تتسأل ما عسى أن تقول سالي عندما تكتشف أن أختها الصغرى ستتزوج الرجل الذي كانت تأمل في أن تصبح هي عشيقته.
ماذا دهاها؟ إنها لم تستسلم مرة لأحلام اليقظة العاطفية فلماذا الآن؟ ومع ذلك لم تستطع منع نفسها من التفكير في الابتزاز الذي استعمله لإجبارها على هذا الزواج. أرادت أن تتزوج لأجل الحب وهي واثقة من أنه لا يحبها وأن الزواج كان بعيداً عن أفكاره حتى الأمس كما كان بعيداً عنه يوم دعا سالي للذهاب معه. هناك شيء بارد ومدروس في عرضه المفاجئ بالزواج ... شيء ما غير رأيه.
لو يحبها لما كان في هذه العجالة من أمره! لو يحبها لكان مستعداً للانتظار حتى يخطبها بطريقة حضارية متمدنة ويتركها تعود إلى انكلترا لتعمل في وظيفتها بعض الوقت تثبت فيه لنفسها جدارتها وكفاءتها، وتختبر طعم النجاح لو يحبها لما كانت تشك فيه أو في نواياه!.
ما من زواج سينجح ما دامت الثقة معدومة بين الشريكين. لابد من طريقة ما تستطيع فيها منع التهرب من الالتزام النهائي ... طريقة ما تستطيع فيها منع تشويه سمعة والدها دون أن تصبح السيدة كليف برودي .... الثانية.
انخفضت في المغطس إلى تحت الماء، وتركت رأسها فيه إلى أن ابتل شعرها كله، ثم عادت إلى الجلوس ومدت يدها إلى زجاجة والشامبوه وصبت بعضه على رأسها. بعد أن انتهت من فركه فتحت الحنفية وأقفلت الستائر المحيطة بالحوض لتقف.
تدفق الماء الدافئ على رأسها ينظف الرغوة، ثم أخذ ينزلق فوق بشرتها، ليبعد آخر ما تعلق بها من ملح وعرق.
عندما أحست أنها أصبحت نظيفة ومنتعشة، أقفلت الماء وفتحت الستائر وأمسكت المنشفة التي وضعتها على الكرسي قرب المغطس، فمسحت وجهها فيها وجففت الماء من عينيها ، لفت المنشفة حول جسدها وخرجت من المغطس، لكنها سرعان ما شهقت مذهولة ثم غاضبة وقد شاهدت كليف يقف في الحمام ... فصاحت به:
- ماذا تفعل هنا؟

Rehana 19-01-21 11:41 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
لامت نفسها بشدة لأنها لم توصد الباب وراءها، لكنه رد عليها ببرود:
- لقد سمعت صوت الماء فتنبهت إلى اتساخي أيضاً... لذا فكرت في الانضمام إليك.
حاولت التظاهر بعدم اكتراث لم تكن تحس به، فردت عليه :
- حسناً... لقد تأخرت كثيراً. استحم وحدك.
ركضت إلى غرفة النوم، وصفقت الباب وراءها ... كان قلبها يرعد، أما يداها فكانتا ترتجفان.
أسرعت في ارتداء ثيابها وكلها آذان صاغية إلى تدفق المياه في الحمام، خائفة من اقتحام كليف لخلوتها ثانية.
اغتسل بروية حتى إذا ما انتهى كانت في الطابق السفلي ترتدي ثوباً حريرياً أبيض وأخضر يلتصق بجسدها. كان له ياقة مفتوحة , أما شعرها فبدا كهالة سوداء ناعمة تلف وجهها المزين بشكل لذيذ.
لم يتكلما وهما يسيران معاً عبر الطريق المتعرج نحو فيلا برودي ... كانت الظلال قد طالت امام شمس المغيب ... ومما يصعدان درجات السلم إلى حيث تقبع شجيرات لوزية صفراء، وازهار حمراء نارية ونباتات عطرة عنقودية الأوراق، من موقعهما ذاك تناهى إلى مسامعهما تمتمات الأصوات وقرع الكؤوس.
أوقفت يد كليف ليديا وهو يقول:
- يبدو أن سانتيا تقيم حفلة كوكتيل كعادتها ... وهذا أمر مؤسف ... كنت آمل أن ألتقي بوالدي وحده. وبما أن ما من أحد هنا يعرف قصتنا فلن نذكرها، فوالدي متزمت عجوز ولا يوافق على طرق هذه الأيام المتساهلة، خاصة وهو غير راضي عني. سيحاول الإخلال بتوازنك، فلا تهتمي كثيراً لما يقوله.
كانت الأنوار تتسلل من أبواب الشرفة الواسعة المفتوحة نحو فناء تتجمع فيه جماعات بعضها جالس وبعضها واقف وبعضها يتحدث. تناهى إليهما صوت الموسيقى الناعمة في غسق الليل الإستوائي ... ووقفت أمامهما امرأة طويلة ترتدي بنطلوناً حريرياً ضيقاً وبلوزة تشبه شالاً شرقيأ ربطته إلى خصرها بحزام من الجواهر والحلي ... شعرها الأشقر الناعم كان يلمع كالذهب، وعيناها الخضراوان الواسعتان المائلتان إلى اللون الرمادي كانتا فضوليتان وهما تتجولان فوق ليديا .
- لقد عدت يا كليف إذن، يا إلهي ليتك تعلم أي مأزق ينتظرك.
التفتت إلى ليديا تكمل:
- أنا سانتيا هاملتون ... شقيقة كليف ... هل أعرفك؟.
فرد كليف:
- هذه ليديا كندي.
ارتفع حاجبا سانتيا الدقيقين بدهشة ساخرة:
- حقاً؟ وماذا أصاب الأخرى ... ما كان اسمها؟ سالي؟
فسألها كليف متجاهلاً سؤالها:
- أين الأسد؟
- في مكان ما في الداخل. ربما يتحدث عن شؤون البورصة والأسهم مع شخص ما.
- اسمعي سانتيا ... اعتني بليديا حتى أتحدث إليه.

Rehana 19-01-21 11:42 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
جيم هاملتون زوج سانتيا, رجل نحيل أشقر له شارب ينحني نحو الأسفل. عيناه اللوزينان تلمعان بمرح جعلها تشعر بالراحة , أخذ يتحدث إليها عن التزلج الشراعي فوق الماء بعد أن كان يراقبها كما يبدو خلال الأسابيع التي كانت فيها مع الأخوين آدمز.
ولكن أخيراً جذب اهتمامه شخص آخر، فوجدت نفسها تقف وحدها متوترة قليلاً ، تشعر بوحدة. بحثت فيما حولها عن كليف فلم تره بل رأت رجلاً كهلاً طويل القامة مستقيم الجسد يرتدي ثياباً أنيقة، يقف قرب قنطرة مدخل غرفة جميلة فاخرة الأثاث.
اتجهت إلى إحدى النوافذ المفتوحة مرتبكة من هذه النظرة المقصودة في عينيه الفاتحتين العميقتين تحت حاجبين مائلين إلى الأسفل ... كانت الشمس قد اتخذت مكانها الساطع في الأفق، ترتفع منها أنوار ذهبية وقرمزية عبر غيوم سوداء وحمراء وتحول البحر إلى لون ليلكي شاحب موشح بزبد الموج الأبيض، وغدا لون الرمال على الشاطئ ظلالاً من اللون الرمادي الزهري، ثم لم تلبث أن غطست الشمس فجأة تحت خط الأفق، وبدأت النجوم تلمع في قبة السماء القرمزية الفاتحة، وأصبع البحر لامعاً كالفضة، والرمال غدت كالقصدير اللامع.
- آنسة ليديا كندي؟.
كان الصوت عند كتفها جافاً، التفتت فإذا صاحبه رجل عجوز هو أكبر سناً مما ظنته في البداية، إنه في السبعين بل بتجاوزها عدداً ... ولكن شكل فكه كان مألوفاً وهناك كبرياء في الطريقة التي يرفع بها رأسه المتوج بشعر فضي، قال لها، وعيناه الرماديتان شاحبتان حتى كادتا تفقدان اللون:
- أنا الكسندر برودي ... كان والدي يخبرني عنك.
نظرت ليديا وراءه بحثاً عن كليف ... فلم تجده وتابع الكسندر برودي:
- لقد استُدعي كليف للرد على مخابرة هاتفية ... ففكرت في أن أغتنم الفرصة لأتحدث إليك ... هل لنا أن نتجول قليلاً في الحديقة؟
وضع يده بكل أدب تحت مرفقها يقودها عبر الباب الزجاجي إلى الحديقة العابقة برائحة الأزهار، الضاجة بأصوات زيزان الحصاد، المضاءة بما تبقى من أنوار المغيب. عندما أصبحا بعيداً عن المنزل قال لها :
- أنت من انكلترا كما عرفت. لم أر وزوجتي انكلترا منذ زمن، تزوجنا في كاتدرائية مانشستر منذ خمسة وثلاثين سنة ... هل تعرفينها؟
- أجل ... أعرفها.
- قيل لي إنها بنيت في القرن السابع عشر ... هي عبارة عن بناء قديم جميل، طلبت من كليف مراراً الذهاب إليها ليزورها ويرى أسماء أسلافه المحفورة على جدران وأحجار شواهد القبور ... أخبرني أنه سيتزوجك .
توقفت خطواته البطيئة، وهبطت يده من مرفقها إلى جانبه ... فتوقفت بدورها لتستدير إليه .. فتابع بهدوء:
- أريد أن أعرف كيف تمكنت من إقناعه بمثل هذا الالتزام؟ ماذا فعلت؟ هل أدعيت أنك حامل منه وهددته بمقاضاته؟

Rehana 19-01-21 11:43 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
أحسست بالغضب يتجاوز كل حذر، فرفعت ذقنها شامخة به
وردت بغضب:
- لا ... لم أفعل هذا! في الواقع كان الأمر عكسياً، فهو من هددني ... إنه يبتزني حتى أوافق على الزواج منه...
صمتت بعد أن لاحظت اتقاد عينيه، وقال لها:
- حقاً؟ إن ما تقولينه مثير للاهتمام، فلنتابع السير قليلاً حيث لا يسمعنا أحد . وأخبريني القصة.
- أنا ... آخ ...
قال لها ضاحكاً:
-لا يمكنك التراجع الآن با عزيزتي ... لقد أثرت فضولي, ويجب أن تسامحيني إذا بدوت متطفلاً، ولكن كليف هو وريثي وابني الوحيد، وأنا مهتم جداً بمن سيتزوج ... أتعلمين؟ إذا تزوجك فسأغير وصيتي وأترك حصته لتقسم بين أبناء عمه وابنتي.
فقالت ليديا محتجة:
- ولكنني لا أريد الزواج منه ... وما كنت لأوافق لولا تهديده إياي بتشويه سمعة أبي.
فاستدار نحوها:
- وكيف له ذلك؟
- إنه ... إنه ... حسناً ... لقد اكتشف أن والدي قد اختلس بعض المال ... من حساب المصاريف، وهددني بأن يقيم دعوة ضده ويرسله إلى السجن، إن لم أتزوجه .. وقد تمنيت حتى آخر لحظة أن يمتنع عن تهديده، لأنني كنت موقنة من براءة والدي. ولكنني وجدت بعد ظهر اليوم أن أبي ليس بريئاً, لقد هددني كليف بان يطرد أبي إن رفضت وان يشهر به أمام جميع موظفي الفندق ... لذلك ... أنا ... اضطررت إلى الموافقة فلم أجد طريقة أخرى للخلاص من المأزق.
-هكذا إذن؟ شكراً الإخباري بهذا، وأنا مقدر جداً لك هذه الصراحة يا عزيزتي ... حسناً ... لن يصعب علي إخراجك من الورطة التي زجك فيها ولدي ... متى تعرفت إليه؟
- لقد التقينا منذ أسبوعين ... ولكني لم أشاهده كثيراً إلا في اليومين الأخيرين.
- إذن ... ألم يدهشك طلب الزواج هذا؟
- بلي ... لقد دهشت، ولم أستطع منع نفسي من التفكير في أنه ما فعل هذا إلا لدافع آخر.
- اوه ... هذا صحيح يا عزيزتي، هذا صحيح.
لما صمت للحظات ... تناهت إليهما من المنزل أصوات الموسيقى والضحك ... سمعته يتابع ببطء وهو ينظر إليها:
-ما فعل هذا إلا ليخذلني، لا لسبب آخر ، لعلك لم تحسبيه بحبك. إنه قادر تماماً على إفساد أخلاق فتاة بريئة مثلك بالقول إنه بحبك ليصل إلى ما يريد.
فهمست ليديا بائسة :
- لا ... لا ... لم يخدعني.
- إذن ... علي الاعتراف آنسة كندي أنني أخطأت الظن بك . لقد ظننتك من صائدات الثروة اللواتي يرمين أنفسهن على ولدي عادة ... لكنني مقتنع الآن أنك لست منهن . أعتذر لما قلته لك في بداية حديثنا، أتمانعين في أن تقولي لي لماذا لا تريدين الزواج من كليف؟ ألا يعجبك؟.

Rehana 19-01-21 11:43 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
- أجل .. يعجبني ... ولكنه يعجبني كثيراً أكثر من أن أستطيع الزواج منه ، وهذا أمر يصعب عليّ شرحه، ولكنني أرفض أن أتزوجه لأنه أجبرني عليه إجباراً وهذا يعني أن زواجنا قد يكون صورة قبيحة أخرى لزواجه ذاك فتحل عندئذ كارثة .
سادهما الصمت ثانية ... ثم قال الكسندر أخيراً وهو يتنهد:
- إذا كان هذا هو شعورك، فلا شك عندي في أنك محقة . هل لديك تذكرة عودة إلى انكلترا؟
- أجل .. ولكنني لن أعود قبل السبت القادم.
- همم ... ولكن يجب أن تسافري قبل هذا ... ليتك تسافرين غداً لو استطعت ... أترين ... أنا أعرف من خلال التجربة أن ولدي يتحرك بسرعة عندما يصمم على فعل شيء ما, ويجب أن تسافري قبل حصوله على ترخيص الزواج.
- ولكن ماذا عن والدي؟ ... إذا ... إذا ... حنثت بوعدي لكليف فسوف يطرده ويخبر الجميع أنه مختلس.
- لا تقلقي على هذا ... سأتدبر كل شيء ... فليسافر والدك معك ... إن ترك عمله أعدك بأن يخرج منه نظيف السمعة، محملاً شهادة توصية ممتازة وعندها لن يجد صعوبة في الحصول على وظيفة في مكان آخر. سأزوره هذا المساء ... وفي هذه الأثناء اتركي الحفلة وعودي إلى حيث تسكنين وابدأي بتوضيب حقائبك. سأطلب من سكرتيرتي التي ترافقني في كل أسفاري أن تحجز لك حالا ًإلى انكلترا غداً، وإذا كان هذا غير ممكن فثمة طريقة أخرى أستطيع فيها تأمين سفرك .
- ولكن ألا يجب أن أخبر كيلف؟.
-لا... ساهتم بهذا بنفسي، والآن اذهبي يا عزيزتي . سأخبرك لاحقاً عن موعد السفر... تصبحين على خير .

نهاية الفصل

Rehana 20-01-21 11:35 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
6-الحب الصامت

شمس أيلول الشاحبة تسللت عبر الضباب المتصاعد كالقطن الهش مندفعاً من جهة المضيق نحو الخليج ماراً فوق مانشستر ... ارتفع الضباب ببطء فوق المداخن العالية ,وتعلق فوق أغصان الأشجار، ثم اندفع نحو السقوف اللامعة لمنازل قديمة تقع في الضاحية السكنية ... وفجأة اختفى فظهرت الضاحية لماعة، بأحجار منازلها القرميدية الحمراء، وأغصان الأشجار الخضراء تحت أشعة شمس الخريف.
عند زاوية الشارع الرئيسي، المتقاطع عند المساحة الصغيرة أمام دار بلدية المنطقة، أضيئت أنوار إشارات السير من الحمراء إلى الخضراء، فقفزت إلى الأمام سيارة صغيرة بيضاء كانت في مقدمة صف من سيارات متوقفة ، ثم التفت إلى اليمين لتسير في زقاق ضيق بين مبنيين من حجارة الآجر.
أوقفت ليديا سيارتها الصغيرة في مكان ضيق، ثم جمعت أغراضها لتغادر السيارة، قاصدة بوابة مزدوجة تقع في مؤخرة أحد المبنيين. حثت الخطى في ممر غير مفروش، ثم صعدت بضع درجات وصولاً إلى غرفة واسعة مشعة بأشعة الشمس فيها عدة طاولات.
- صباح الخير ليدي ... مالكولم يريد رؤيتك حالاً.
كانت المتحدثة امرأة قصيرة ممتلئة ذات شعر قصير جداً ووجه حاد التقاسيم وهي مسؤولة العلاقات العامة في مكتب المحاماة الذي تعمل فيه ليديا، كانت مشغولة في طباعة بعض البيانات ... فوضعت ليديا حقيبة أوراقها من يدها على إحدى الطاولات قرب طاولة بيتر مارشال زميلها الشاب
- شكرا لك جودي.
تقدمت إلى الباب المفتوح نصفه في نهاية الغرفة، ومدت رأسها إلى الداخل .
- ادخلي ليديا .
مالكولم غاردنر المدير المساعد لمكتب المحاماة كان متوسط العمر، ووجهه دائم المرح:
- ماذا تعرفين من عائلة نيومان؟.
- أعرف أن جوناثان نيومان هو أول من سكن هذه الضاحية وأول من أسس مصنعاً للأدوات المنزلية في القرن التاسع عشر. وأعرف كذلك أن أفراد أسرته ساهموا كثيراً في تنمية البلدة ,ومنهم رجلان انتخبا لرئاسة البلدية في أوقات مختلفة.
- جيد... جيد ... أتعلمين أن آخر سلالتهم ماركس، توفاه الله السنة الماضية عن عمر يناهز السابعة والثمانين تاركاً ما تبقى من أسهمه في المصانع ومنزل العائلة القديم إلى ابنته مارغريت نيومان برودي، ولكنها ماتت بعده بثلاثة اشهر. وبذلك وريث الأملاك حفيده الوحيد، كليف برودي؟.

Rehana 20-01-21 11:36 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
فجأة أحست ليديا بالإهتمام:
- لا ... لم أكن أعرف هذا.
- حسناً ها أنت تعرفين هذا الآن كما تعرفين أن كليف برودي هذا في البلدة.
- لماذا؟
- جاء ليتولى مسؤولية إدارة المصانع. ثمة إشاعات تقول إن الاتحاد المالي الذي استولى على مصانع نيومان منذ ثلاثين سنة, قرر الإنسحاب وبيع حصته إلى شركة أخرى كما هناك إشاعة أخرى تقول إنه جاء ليبيع منزل العائلة القديم ... تقوم جودي حالياً بطبع كل المعلومات المالية، وأريد منك أن تراجعي الأمور الشخصية، وبإمكانك مراجعة تاريخ العائلة من الصحيفة المحلية , ثم مقابلة هذا الشاب كليف برودي، فهو محط اهتمام الرأي العام اليوم، وأنا أريد أن يتولى المكتب أمور التصفية القانونية هذه .
أحست ليديا بأن رأسها يدور ... هي لم تر كليف منذ تلك الحفلة التي كانت قبل سبعة أشهر، ومن سخرية القدر أن يكلفها مديرها شخصياً .
-ألا يمكن لشخص آخر القيام بهذا؟.
- شخص آخر؟ ... ومن هو ... مثلاً؟ من غيرك يهتم بالقضايا المحلية الخاصة بالأملاك؟ إن منزله لا يبعد كثيراً عن منزلك يا ليدي
۔ اجل... أعلم ... ولكن ... كليف ... السيد برودي قد لا يرغب في اعطائنا التوكيل, فلديه دون شك محام خاص ... قد أجمع المعلومات التي أريدها دون مقابلته .
- لا ... لا يمكن هذا، كما لا يمكن لمحام آخر تولي أمور محلية ، خاصة وأننا المكتب الوحيد الذي يعنى بهكذا أمور. هل عليّ أن أذكرك بمسؤوليائك كمحامية متمرنة في المكتب؟ إن من صميم عملك أن تلاحظي الأمور القانونية التي تجري في البلدة... كليف برودي ليس ابن البلدة، بل أمه كذلك. كان استيلاء الاتحاد المالي على شركة أبيها حدث محلي هام تولى مكتبنا أمره منذ ثلاثين سنة ، وقد أنقذت مساعدتنا الشركة من الإفلاس والعائلات من خسارة وظائف رجالها .
-فلنفترض أنه رفض مقابلتي... فماذا سأفعل؟
- اوه يا حبيبتي ... استخدمي ذكاءك ... أنوثتك ... هيا الآن اذهبي، فليس أمامك إلا وقت وجيز. قيل لي إنه سيسافر الليلة وأريد التوكيل منه قبل أن يسافر.
فتنهدت :
- حسن جداً... هل لديك فكرة أين أجده؟ .
- إنه في فندق الأوزة الذهبية وسيكون هذا الصباح في المصانع، وعند الظهر سيتغدي مع رئيس البلدية ، وبعد الظهر سيذهب ليلقي نظرة على منزل جده القديم، لذا أقترح عليك الاتصال بأرنولد وليندا برادشو فهما كانا يديران الأملاك منذ وفاة ماركس نيومان فقد تتمكن ليندا من تيسير أمر مقابلئك إياه.
رن جرس الهائف، فرفع السماعة وهو يشير إليها بالانصراف، فخرجت ليديا إلى طاولتها وجلست تحدق أمامها اللحظات، فقد عادت إليها فجأة ذكريات المطلة ونهايتها المفاجئة.

Rehana 20-01-21 11:37 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
كان كل شيء قد سار حسبما خططه الكسندر برودي ... مانعاً بطريقة ما كليف من اللحاق بها إلى منزل أبيها، وبطريقة ما تمكن من إقناع والدها بالتخلي عن وظيفته في أمير الدكاي والعودة إلى انكلترا معها.
كان والدها قد أخبرها بعد أن تحدث إلى الكسندر برودي عن شعوره .
- لا أستطيع سوى الشعور بالراحة يا ليدي، لأن فكرة زواجك منه بسبب ما فعلت آلمتني, كان خيراً لك ذاك الحديث الذي أجريته مع برودي العجوز. لدي انطباع بأنه أحس بأن كليف يتصرف بطيش. كيف أحسست بعدها يا عزيزتي؟.
- بالراحة ... هل أخبرك السيد برودي شيئاً عن سفرنا غداً؟.
- أجل ... لقد تم كل شيء. وسنسافر إلى ميامي في طائرته الخاصة، فهو على كل الأحوال عائد في الغد إلى أميركا، حيث سنذهب معه ومن هناك مشافر رأساً إلى انكلترا.
- وماذا عن سالي وهوارد ... و كيف سنخبرهما عن سفرنا؟.
- سأفعل شيئاً حيال ذلك ، فستبقى لودي في المنزل حتى نهاية الأسبوع القادم حيث ستوضيب كل حاجاتي وترسلها إلى انكلترا ... سأترك رسالة معها لهما، أظن أنه من الخير عدم ابلاغ سالي عن أي شيء، لا عن الاختلاس أو عن الابتزاز أو حادثتك مع كليف ... فستخبرينها كل هذا، وأنا لا أريد أن أزعجها وهوارد وهما الآن يتلمسان طريق المصالحة.
- كيف ستفسر قرارك المفاجىء بترك العمل؟ .
- سأقول لها إنني اشتقت إلى وطني، وأنني أريد العيش قربكما.
وضبت حقيبتها حين كان والدها يكتب الرسالة لسالي, كانت قد قررت أن تكتب لكليف رسالة فحاولت مراراً. لكنها في كل مرة كانت تمزق ما تكتبه حتى قررت أن النهاية المفاجئة لعلاقتهما هي الطريقة الفضلى لإنهائها فهما ما تعارفا إلا لفترة وجيزة، فكانت علاقتهما عابرة كما أشار والدها، وسيكون من السهل عليها نسيانه بعد عودتها إلى موطنها، بعيداً عن سحر الشمس وصخور المرجان والبحر الأزرق. بعيداً عن جزر الجنة . وعودتها إلى الواقع في ظل دخان المصانع الأسود والتلال القاحلة في موطنها.
لكن هذا لم يحدث ... فخلال الأشهر الستة التي مرت كانت قلقة البال والضمير، تحس بأنها قد أخلت بوعد قطعته للمرة الأولى في حياتها، وعدها له بالزواج ، ومع أنها كانت تعتبر أن من حقها النكث بوعدها ما دام قد ابتزها لتوافق إلا أن ضميرها بقي يؤنبها لأنها خذلته.
لم يطل الوقت بأبيها حتى وجد وظيفة، هو الآن مستقر وسعيد في إدارة ناد ريفي. أما سالي وهوراد فقد عادا إلى منزلهما خارج لندن ... وسرعان ما وصلت أخبارهما التي تفيد أنهما ينتظران حدثاً سعيداً وعندما شاهدت ليديا أختها في المرات القليلة لم تذكر أمامها مطلقاً كليف برودي ، بل رأت ليديا أن أختها قد أصبحت شخصاً مختلفاً، فما عادت متهورة ، بل هادئة مبتسمة, أجمل مما كانت بدءاً.

Rehana 20-01-21 11:39 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
رنين جرس الهاتف المجنون على الطاولة المجاورة ثم دخول أحد المحامين المتمرنين بسرعة ، أخرج ليديا من أفكارها .
عليها خلال الساعات القليلة القادمة أن تجد وسيلة لمعرفة رأي كليف برودي ببلدها ومنطقتها قبل أن تلتقي به.
لكن لماذا هي تخشى لقاءه؟ أخائفة من أن يحاول الانتقام منها لأنها خذلته؟ .
فتشت في دليل الهاتف، ووجدت رقم منزل أرنولد ولبندا برادشو اللذان كان يديران الأملاك . بعد الاتصال اجابت ليندا فسألتها عن كليف برودي:
- في الواقع سأذهب وأرنولد بعد الظهر لنفتح المنزل للسيد برودي الذي سيزوره ليحدد قيمته.
- هل تمانعان في ذهابي إلى هناك؟، فأنا أقوم بأبحاث عن الممتلكات .
- ساكون مسرورة بوجودك. أتعرفين موقع المنزل؟ .
عندما اعترفت ليديا بجهلها العنوان أردفت ليندا:
- حسنا ... تصلين إلى الكاتدرائية، اقطعي الجسر ثم انعطفي يميناً وعندها سترين المنزل فتعرفينه بسرعة إذ له سور عالي يلفه .. سأراك هناك حوالي الساعة الثانية .
عند الواحدة والنصف تركت ليديا المكتب تقود إلى خارج البلدة مروراً بمصانع نيومان ومن ثم المنطقة السكنية الجديدة الواقعة على طول الطريق المؤدي إلى الجسر عند طرف المنطقة التي كانت فيما مضى قرية صغيرة والتي أصبحت باتصالها المعماري والسكني تعتبر ضاحية من ضواحي مانشستر. كان في منتصف ساحة القرية الصغيرة كاتدرائية تعود للقرن السابع عشر ذات أبراج مربعة وهي الكاتدرائية التي تحدث عنها الكسندر برودي تلك الليلة قائلاً إنه تزوج فيها مارغريت نيومان.
أوقفت ليديا السيارة خارج جدران الكنيسة، وهي تفكر في العودة إليها بعد الانتهاء من زيارة المنزل وعندها ستعرف المزيد من المعلومات عن عائلة نيومان.
أوراق الدردار الصفراء طيرها الهواء عن أغصانها في هذا الظهر الدافئ. سارت عبر الطريق الضيق الذي يقود إلى ما وراء الكنيسة، ثم تبعت الطرف الآخر لنهر صغير يمر قربها ... كان بضعة أطفال صغار يلعبون في حديقة الكنيسة الجانبية التي ظهر أمامها جدار حجري آخر تنمو عليه نباتات اللبلاب ... ومن فوقه استطاعت رؤية سطح قرميد مائل.
كانت بوابات حديدية ضخمة معلقة ما بين عواميد المدخل مفتوحة، ولجتها إلى طريق داخلي قصير تحده شجيرات دكناء الأوراق تؤدي إلى منزل حجري مربع الشكل مبني على الطراز الفيكتوري القديم ذي نوافذ زجاجية، وباب أمامي تعلوه القناطر وفوقه تظهر نافذة نصف مستديرة مقطعة بزجاج ملون على شكل مروحة. كان هناك سيارة صغيرة متوقفة أمام المنزل ، عرفت أنها لليندا برادشو ... رفعت المقبض النحاسي المعلق على الباب وقرعته على قاعدته مرتين، وسرعان ما أطلت امرأة طويلة ترتدي بذلة من التويد الأزرق.
-أنا ليديا كندي. لقد تحدثنا في الصباح عبر الهاتف وقلت لي إن بامكاني رؤية المنزل بعد ظهر اليوم.

Rehana 20-01-21 11:40 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
ارتسمت ابتسامة مرحة على وجه المرأة النحيل، وقالت:
- أنا ليندا برادشو ... تفضلي ... أتوقع وصول السيد برودي بعد قليل. قال إنه سيحضر حالما ينهي غداءه مع رئيس البلدية.
فأجفلت ليديا:
-أوه... إذن لن أزعجك بالدخول.
- لا تقلقي، لن يصل قبل نصف ساعة، وهذا وقت يكفي لأطلعك على المنزل ... فقد أعطيك بعض المعلومات عن العائلة، كنت أعرف مارغريت نيومان عندما كنت فتاة صغيرة، كنا نذهب إلى مدرسة الخيول نفسها ، وأستطيع القول إنني أتشوق لرؤية ابنها.
بعد تردد غير عادي، دخلت ليديا بحذر عبر الباب إلى ردهة معتمة ، مرتفعة السقف، مزينة الأطراف بزينة معمارية ... في نهايتها درج عريض يقود رأساً إلى فسحة تنيرها الشمس عبر نافذة متسخة الزجاج ... قالت ليندا:
- بقي المنزل منذ وفاة ماركس نيومان كما كان عليه قبل موته.
و فتحت المرأة باباً من الخشب الثقيل، فدنت ليديا نحو غرفة جلوس كبيرة لها موقد ضخم محاط بإطار حديدي من الرخام الأبيض:
- لقد تمكنت من إحضار امرأتين لتنظيف المكان بالأمس لئلا بكون متسخاً عندما يصل السيد برودي ... ويبدو أنهما قامتا بعمل جيد فهذه القطع الخشبية استجابت للتلميع دون شك، وكما ترين، هناك قطع ثمينة هنا.
تجولتا من غرفة إلى غرفة ثم صعدتا السلالم إلى الطابق العلوي، سجلت ليديا ملاحظاتها على ورقة، وطرحت عدة أسئلة ... أجابت عليها المرأة:
- إذا كنت أذكر جيداً ... هناك لوحة لمارغريت نيومان في إحدى غرف النوم ... آه ... أجل... ها هي .
دخلتا إلى غرفة نوم في آخر المنزل تطل على السهول الواسعة المتصاعدة نحو التلة .
- إنها جميلة بهذا الشعر الذهبي. (قالت ليندا).
راحتا تتأملان اللوحة التي تمثل امرأة شابة ترتدي ثياب ركوب الخيل معتمرة قبعة مرتفعة فوق شعرها الأشقر. تابعت المرأة:
- كان عمرها ثماني عشرة سنة عندما تزوجت أليكس برودي الذي كان يكبرها بعشرين سنة. كان زواجهما دون شك مدبراً، هو جزء من اتفاق عقده والدها لينقذ نفسه من ورطة مالية ... لا استطيع منع نفسي من التساؤل ما إذا كانت سعيدة .
سمعتا صوتاً ينادي من الطابق السفلى.
- هذا أرنولد أصعدي إلى فوق وألقي نظرة على السقيفات بينما أرى ماذا يريد. وإذا شاهدت شيئاً تريدين الاستفهام عنه فتشي عني , سيسرني أن أزيد ببعض التفاصيل شرحاً.
تركتها نازلة إلى الطابق السفلي. أما لبديا فنظرت نظرة أخيرة إلى وجه مارغريت الجميل ذي العينين اللوزتين وهي تفكر في الشبه غير العادي بين سانتيا وأمها. وبعد قليل صعدت السلالم وصولاً إلى السقيفة.

Rehana 20-01-21 11:41 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
كانت السقيفة مقسمة إلى ثلاث غرف صغيرة، من الواضح أنها كانت غرف للخادمات ... وفي إحدى الزوايا باب فتحته ليديا فوجدت سلماً خشبياً ضيقاً مثبتاً في تجويف داخل الجدار الحجري ... اعتقدت أن السلم هذا يصل مباشرة إلى المطبخ حيث كانت تستخدمه الخادمات بدلا ًمن السلم الرئيسي.
أقفلت الباب وتركت الغرفة نازلة إلى الطابق السفلي ، ولم يكن هناك بعد ما ترغب في رؤيته ... فالمنزل يمقت القلب، وجوه مثيرة للكآبة ، لذا قررت أن تغادره قبل أن يصل كليف برودي، إذ يمكنها تقدير ثمنه لاحقاً، أما مقابلة كليف برودي فهذا ما لا تعرف كيف ستقدر عليه.
ما إن وصلت أعلى السلم الذي سيقودها إلى الأسفل حتى سمعت أصواتاً. نظرت من فوق الدرابزين إلى القاعة، ثم شهقت خوفاً وقد شاهدت لمعان النور فوق شعر ذهبي. كان كليف يقف وسط الردهة يتحدث إلى ليندا، إنه مختلف يرتدي بأناقة بزة عمل، يختلف كل الاختلاف عن ذاك الذي أبحرت معه. إنه غريب تشعر بالخوف من لقائه.
تقدمت ليندا نحو السلم وهي تتابع كلامها بينما هو يتبعها, عندما رفع قدمه فوق الدرجة الأولى ووضع يده على الحاجز العريض، رفع رأسه وكأنه يريد التطلع إلى الأعلى، فتراجعت ليديا إلى الوراء مسرعة، مسرورة لأن الممر مغطى بسجاد حال دون سماع وقع خطواتها، بعد ذلك سارت بسرعة نحو الغرفة التي رأت فيها لوحة مارغريت نيومان، معتقدة بأن لهذه الغرفة ممراً يؤدي إلى درج الخدم، قد تستطيع بواسطته الهرب عبر المطبخ.
اجل ... هناك باب في الزاوية عند الجدار الخارجي الموجود مباشرة تحت الباب في الغرفة التي رأت فيها السقيفة ، انصاع الباب لها بسهولة وأسرعت إلى داخله بسرعة وأقفلته وراءها ... لما احتوتها الظلمة الدامسة مدت يدها، فلامست أصابعها جداراً ثم حركت قدمها إلى الأمام بحذر تتلمس طرف السلم، لكنها لم تجد شيئاً.
مدت يديها أمامها، وتحركت إلى الأمام، فلامست يداها شيئاً ناعماً له فرو، كادت تصرخ منه فزعاً للحظات وقفت مسمرة، تسمع ضربات قلبها تعلو ارتفاع أصوات ... ليندا ... وكليف المقبلين ... راحت تتحسس ببطء وحذر الطريق أمامها ثانية ... هناك رفوف أمامها، وعلى الرفوف عدة قبعات، كما حكمت من ملمسها وشكلها ... إحداها كانت قبعة مستديرة من الفرو... إذن هي في خزانة داخلية، ولا بد أن الباب إلى السلم في الناحية الأخرى من الغرفة ... لماذا لم تفكر جيداً قبل الآن.
كل ما تستطيع فعله الآن هو البقاء في الخزانة حتى يخرج ليندا وكليف إلى الغرفة الأخرى ... فجأة صدمها سخف الموقف، فاضطرت إلى تغطية فمها لئلا يغلبها الضحك. راحت تضحك بصمت حتى اندفعت الدموع من عينيها وأحست بألم من جراء الجهود التي بذلتها للبقاء هادئة .
يا لها من حمقاء ... أتخاف هذا الخوف لأن كليف في المنزل؟ لماذا لم تحافظ على برودة أعصابها وتقابله وتكمل المهمة المعهودة إليها؟ إن عليها مقابلته لأسباب عديدة بل يفترض بها أن تلقاه ... عليها أن تغادر الخزانة الآن وتفتش عن ليندا لتقول لها إنها شاهدت ما فيه الكفاية وعندها ستقدمها المرأة إلى كليف ... على الأقل إنها الآن متفوقة عليه، فهي تعرف أنه هنا, أما هو فلا ... لذا سيصاب هو بالدهشة لا هي ...

Rehana 20-01-21 11:42 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
مدت يدها تبحث من باب الخزانة ، فلم تجد مقبض الباب بل ... لم يكن في الباب مقبض... دفعت الباب، فلما لم يستجب لها، تملكها الخوف وقد أدركت متأخرة أن هذه إحدى الخزائن القديمة الطراز , الموجودة غالباً في مثل هذه البيوت الأثرية، التي لا يمكن فتحها إلا من الخارج. إنها عالقة في داخل غرفة ضيقة مظلمة، والطريقة الوحيدة للخروج هو الصراخ لطلب المساعدة.
توترت وكاد الخوف يسيطر عليها كلياً وأوشكت على الصراخ ... لكنها تنفست عميقاً، وعدت إلى العشرة وبعدما أحست بالهدوء بدأت تقرع الباب وتصرخ طالبة العون.
بعد فترة توقفت، مقطوعة الأنفاس، خائفة وجلة ... يجب أن تحذر الاختناق، فهذا ما قد يحدث إذا استخدمت كل الأوكسجين المختزن في هواء الخزانة . وضعت أذنها على الباب وأصغت، ما من أصوات أو وقع خطوات من الخارج. إنهما خرجا دون شك إلى غرفة أخرى، أو ربما صعدا .
فلنفترض أنهما لم يسمعاها؟ وأن ليندا غادرت المنزل فهذا يعني أنها ستبقى هنا طوال الليل، او قد تبقى لأيام .... أمسك الذعر بخناقها ... قد تموت هنا ببطء ... وقد تختنق . شرعت تركل الباب برعب متمنية أن لا يكون من بنى هذا المنزل القديم، قد حرص على أن يكون كل شيء فيه سميكاً ليدوم إلى الأبد ...
استندت ليديا إلى الباب مقطوعة النفس، تنضح عرقاً, تصغي ثانية ... ما هذا؟ هل هي وقع أقدام؟ وأخذت تضرب الباب يقبضات يديها، تصرخ:
- أخرجوني ! اوه، أرجوكم افتحوا الباب وأخرجوني!
انفتح الباب فجأة، فوقعت إلى الخارج ... ولكنها استعادت توازنها بسرعة ، فالتفتت لترى من فتح لها الباب ... فإذا بكليف يقف ويده ما تزال على المقبض، ينظر إليها بعينين خضراوين باردتين:
-لقد قالت لي السيدة برادشو إن آنسة تدعى كندي من مكتب محاماة البلدة موجودة في مكان ما من المنزل وتأمل في أن تلقاني ... عرفت أنها أنت ... ماذا كنت تفعلين في الخزانة بحق الله؟
مع أن ثيابه كانت مختلفة، إلا أنه لم يكن مختلفاً ... كان يتحدث إليها وكأنهما افترقا بالأمس لا منذ سبعة أشهر. أحست بشعور من الحبور غير المزيف يغمر كيانها لرؤيته فكادت ترمي بنفسها عليه، لتلف ذراعيها حوله، لتظهر مدى سعادتها لأنه قريب منها. ولكن نظرته الباردة وقساوة فمه المطبق منعتاها، مع ذلك اعترفت بصدق:
- كنت اختبئ منك. سمعثك مقبلاً نحو هذه الغرفة ... وظننت أنني أستطيع الخروج عبر سلم الخدم إلى المطبخ، ولكنني إخترت الباب الخاطىء، فحبست في الخزانة.
ارتجفت فجأة كردة فعل لما مر بها، وأكملت همساً:
- لقد ظننت نفسي سأبقى فيها ما تبقى لي من عمر.

Rehana 20-01-21 11:43 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
فرد كليف عليها وهو يقفل باب الخزانة :
- من حسن حظك أنني سمعتك أثناء مروري بالباب في طريقي إلى الطابق الأرضي إذن.
فجأة ذهب عنه بروده، واستدار إليها بوحشية:
- يا إلهي ... أنت لم تتغيري ... ما زلت تقومين بأشياء سخيفة لعينة ... أنت إذن لم ترغبي في رؤيتي ... همم؟. حسناً ... هذا منطقي، نظراً للطريقة التي تخليت بها عني تاركة إياي في مركز حرج ونحن تقريباً في طريقنا إلى الزواج.
فقالت محتجة بتكبر :
-لم أتركك ونحن في طريقنا إلى الزواج .
- لا ,ولكنني أظن أنك فعلت بي هذا ... لقد وعدتني بالزواج مني ...
فقاطعته بشراسة:
-تحت الضغط.
- يبقى الوعد وعداً وقد نكثت به، وهربت مني دون تفسير .
- ولكن يجب أن تكون قد عرفت لماذا هربت، فوالدك قال إنه سيشرح لك.
ظهرت المرارة في نظرته :
- اوه ... صحيح ... والدي! رأيتك آخر مرة معه وعندما سألته عنك قال إنك شكوت من صداع وعدت إلى منزل أبيك تاركة رسالة معه لي تقولين فيها إنك سترينني في اليوم التالي ... ترددت كثيراً في تصديقه لأنني كنت لا أثق بك. ولكن عندما زرتك في اليوم التالي لأقول لك إنني تمكنت من إحضار رخصة الزواج لنتزوج في الأسبوع التالي، وجدتك ووالدك قد غادرتما البلاد .
نظر إليها بسخرية قبل أن يكمل:
- كم دفع لك والدي كي تتراجعي عن وعدك؟
-لا شيء...أوه كيف لك أن تتصور أو تصدق أنه اشتراني! عندما علم بما أشعر حيال ابتزازك إياي كي أتزوجك...
فصاح:
- وهل أخبرته؟ لماذا؟
- أنا ... أنا... لم أستطع منع نفسي. لقد قال إنني سأتزوجك من أجل مالك، وهذا ما جعلني أغضب ... ثم قال إنني ربما اضغط عليك بإدعاء الحمل، فاضطررت ساعتها للقول له بأنني لا أريد الزواج منك وأنك أجبرتني على الموافقة مهدداً اياي بتدمير والدي، عندها عرض علينا المساعدة.
صمتت ليديا لحظة، ثم تنفست بارتجاف وأضافت بصوت منخفض:
-أضف إلى هذا ... أنه قال إنك إنما تريد الزواج مني لأخالفه فحسب .
فصاح كليف ساخطاً :
- لقد حذرتك من أنه سيحاول إخراجك عن طورك ، ألم أفعل ، ولقد نجح ، وصدقته.
فردت تجادله :
-حسناً ... لم يكن الأمر صعباً ... فقد كنت تريد الزواج مني بسرعة جعلتني أعتقد أن لك دافعاً خفياً... مع أنني أعترف أنني لم أفهم ما هو، وما زلت لا أفهمه ... كيف يمكن لزواجك مني احراج أي خطط لوالدك؟.

Rehana 20-01-21 11:45 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
حدق إليها كليف بعينين ضيقتين مفكرنين للحظات ثم قال أخيراً:
- أراد أن يزوجني من فتاة ثرية أخرى ... وكان ذلك جزءاً من اتفاق عملي آخر يدبره. وقد رفضته، فجن جنونه ، ولحق بي إلى أمير الدكاي ليهددني ... وكما تعلمين، حذرتني سانتيا وأعلمتني بوجوده ، وعندها قررت إقناعك بالموافقة على الزواج مني ... لم يكن هناك طريقة أستطيع فيها القبول بخطته للزواج من تلك الفتاة الثرية، كي يتمكن فقط من عقد اتفاق مع أبيها . وكانت مشكلتي قصر الوقت ... كان عليّ استخدام المعلومات المتوفرة لي من الصعوبات التي تمر بوالدك للإيقاع بك لتوافقي قبل أن آخذك لمقابلة الأسد.
فتمتمت ليديا بصوت يرتجف:
- كم أنا مسرورة لأني قبلت مساعدة والدك لي ... فأي امرأة كانت ستناسب عرضك ... حتى سالي.
- هذا غير صحيح ... ما كنت لأعرض الزواج على سالي تحت أي ظرف من الظروف .... فأنت المرأة الوحيدة التي قابلتها وأردت فعلاً الزواج منها.
هز كليف كتفيه، ثم استدار نحو الباب وأكمل:
- ولكن علاقتنا لم تنجح ... ويبدو أنني أخطأت بشأنك فأنت لم تكوني ملاكاً أرسله الله لينقذني من جحيم زواج آخر مدبر على يد والدي كي يسهل أعماله ومصالحه .
بدت عليه المرارة ... فقالت بصوت يشبه النعيق، وقد تصاعدت خيبة الأمل من داخلها وجف حلقها:
- إذن ... هل ... تزوجت من تلك الفتاة؟
استدار بحدة ينظر إليها ... فسادهما الصمت ثانية لحظات تفرسا ببعضهما بعضاً، يحاول كل منهما سبر غور الآخر لمعرقة المشاعر الدفينة عنده. التوى فم كليف بسخرية:
-لا ... لم أتزوجها ... ولن أتزوجها ... هل تصدقين لو قلت لك إن كلير كتبت عنك وعني في مقالة الإشاعات التي كتبتها؟.
- اوه ... وماذا قالت؟ .
- شهرت بي تقريباً ... لكن ليس كل التشهير، فقد لمحت إلى أننا ربما تزوجنا بالفعل وسنسافر لاحقاً. وهذا كان كافياً لوالدة من كان أبي يريد أن يزوجني بها أن تقرر أنني لن أكون مناسباً لابنتها الحلوة الحبيبة، فانهارت الاتفاقية كلها بين والدي ووالدها، ونتيجة لهذا استقال والدي من منصبه كرئيس لشركة الاتحاد المالي. ومنذ ذلك الوقت يعاني الاتحاد صعوبات مالية ، أما العائلة فقد انخفضت ثروتها ولهذا جئت إلى مانشستر لأبيع حصصي وحصص والدي في المصانع ، ولأرى إذا كان بإمكاني تحصيل بعض المال من بيع هذا المنزل.
سألته ليديا وهي تخرج القلم والدفتر لتكتب الملاحظات :
- وهل ستبيع بشكل مؤكد؟.

Rehana 20-01-21 11:46 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
رفع حاجبيه بسخرية شيطانية :
- وهل تنفذين بهذا السؤال مهمة محددة ؟
- اجل , هذا صحيح.
فرد ببرود :
- ليس لدي سبب يدفعني الى الابقاء على المنزل فأنا لن اعيش فيه , اتمنى ان انهي ترتيبات وضعه قيد البيع بعد ظهر اليوم لأنني مسافر.
- وله ستبيع كل الاثاث معه أم ستحتفظ ببعض القطع الأثرية؟
- سابيع كل الأثاث والأثريات .
- بما فيها لوحة أمك؟
- لا , بل سأطلب توضيبها وإرسالها إلى أبي واظنه ينوي تقديمها الى شقيقتي لتحتفظ بها .
- إذن , ستقطع كل روابطك بهذا البلد وهذه المنطقة ؟
- هذا ما يبدو لي . منتديات ليلاس
- هل تشعر بالندم , أعني ألا تحس بأنك تقتلع نفسك من جذورك؟
ولم يرد, فنظرت إليه , كان يحدق فيها بابتسامة ساخرة :
- لقد علمت انني سألتقي بك أثناء وجودي في مانشستر ولكن عليّ الاعتراف بأنني لم أكن أظن ان لقاءنا سيكون لقاء عمل.
اخذت عيناه تتجولان في جسدها , لكن نظرته ما عادت باردة , بل دافئة ومهتمة :
- لقد اصبحت أكثر نحولاً, خداك فقدا نضارة الصبا, ولديك خطوط تحت عينيك ... ماذا جرى لك يا حبيبة قلبي؟
همس مضيفاً وهو يقترب منها:
- هل اشتقت إليّ؟ .
فردت كاذبة :
- بالطبع لا ... ولماذا أشتاق إليك؟ .
- لأنك افتقدت شيئاً .. ولأن ليلة الزفاف تلك والتي وعدنا بها بعضنا لم تحدث.
أضاءت في ذهنها ذكرى المرة الأخيرة التي وقفا فيها قرب بعضهما بعضاً، وأحست بقوة جاذبيته تدغدغ أعصابها، وبرغية تدفعها إلى أن تمد يدها لتلمس وجهه .
- سيد برودي؟.
كان صوت ليندا برادشو قريباً جداً، وكأنما هي تصعد إليهما .. فابتعدت ليديا عن كليف قائلة :
-سيقوم المكتب بكل الاجراءات مستخدماً توكيل والدك ، أما بالنسبة للمنزل فأرجو أن ترسل التوكيل بالبريد .
عندما لم يرد عليها، وضعت دفتر الملاحظات في حقيبتها وأسرعت نحو الممر الخارجي، فقالت لها ليندا لدى وصولها إلى السلم:
- كنت أتساءل أين انت ... هل رأيت السيد برودي؟.
- أجل... لقد رأيته ... إنه في غرفة النوم هناك ... يجب أن أذهب ... فلدي مواعيد أخرى و شكرا لاستقبالك الحار هذا.
- انتظر منك زبيرة أخرى ... إلى اللقاء!

Rehana 20-01-21 11:47 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
اجتازت السلالم وصولاً إلى الباب الخارجي حيث أشعة الشمس الدافئة. إنها تهرب من كليف ثانية ... وهذا ما أدركته . ولكنها لم تكن تجرؤ على البقاء معه دون أن تفضح نفسها ومشاعرها نحوه. كل هذه الأشهر من محاولات النسيان ما كانت إلا هدراً للوقت، فهي لم تنسه أبداً، بل إن فراقه لم يسبب لها سوى عذاب القلب ... لا العكس.
كانت ساعة الكنيسة تعلن الرابعة عندما وصلت ليديا إلى سيارتها. نظرت بأسى إلى جدران البناء القديم المتألق تحت اشعة الشمس ... كان عليها أن تدخل الكنيسة، ولكن لا وقت لديها ... ستعود غداً بعد أن يغادر المنطقة إلى الأبد، فهو سيقطع كل الروابط التي تربطه بهذا المكان.
قادت سيارتها عائدة إلى البلدة وإلى المكتب وهي في حالة من الجمود الحسي، أمضت الساعة التالية تبحث في الملفات عن معلومات تعود لثلاثين سنة خلت، وذلك يوم أنقذ الكسندر برودي ماركس نيومان من الإفلاس، وبعد أن انتهت قادت سيارتها إلى الضاحية السكنية التي تقيم فيها، في مجمع سكني مؤلف من شقق تطل على الحديقة العامة.
ما إن وصلت الباب في شقتها الصغيرة المريحة حتى أحست بالأمان، بعد ذلك وضعت في آلة التسجيل أحد الشرائط المسجلة المفضلة لديها، ورفعت الصوت ثم دخلت لتفتح الماء في المغطس استعداداً للحمام، بعد أن اغتسلت وارتدت بيجامتها المخملية البرونزية اللون كان النور قد غادر المساء ولم يعد يُرى سوى العتمة من نافذة شباك غرفة الجلوس .
بعد أن تناولت وجبة سريعة ، جلست على مقعد مرتفع الظهر أمام المدفأة الكهربائية تفكر في المعلومات التي جمعتها خلال اليوم عن عائلة نيومان.
كانت مستغرقة في أفكارها إلى درجة جعلتها تقفز مذعورة حينما قرع باب شقتها، ظنت للوهلة الأولى أن الطارق جارة تسكن قريبة منها وهي تأتي دائماً لتستعير شيئاً أو لتبادل أطراف الحديث، وضعت أوراقها جانباً وتقدمت إلى الباب تفتحه. لكنها وجدت كليف يقف أمامها، يداه في جيبي معطفه الأبيض.
دهشت ليديا، وأظهرت دهشتها :
- أوه! كيف وجدت عنوان سكني؟
- سهل ... ذهبت إلى المكتب حيث تعملين، ووقعت لرئيسك التوكيل المطلوب، وسألته عن عنوانك، فكان سعيداً بأن يكتبه لي.
-ظننتك قلت إنك مسافر الليلة.
- لقد غيرت رأيي ... ألن تدعيني للدخول؟
-لأي... سبب؟
- لننهي الأعمال العالقة بيننا بالطبع.
خطا إلى الأمام يتجاوزها إلى غرفة الجلوس وبدأ يخلع معطفه ... فقالت هامسة:
- كليف ... أرجوك اذهب.
التفت إليها:
- لماذا؟ هل تتوقعين زيارة أحد ما؟ حبيبك مثلاً؟.
-لا ... لا أتوقع أحداً ... وليس لدي حبيب.

Rehana 20-01-21 11:50 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
سرعان ما توترت أعصابها وغضبت من نفسها بسبب صدقها وصراحتها فبريق عينيه اللتين اتقدتا خير دليل على خطئها في البوح بوضعها.
- اوه , أرجوك ، أذهب من هنا، فأنا لا أريد أن أراك ... لدي ما أريده من معلومات عنك وعن المصنع والمنزل ... وليس بيننا ما نقوله.
فتحرك بسرعة، وانتزع الباب من يدها وأقفله:
- لا أوافقك الرأي ... فلدي أقوال كثيرة .
- اوه ... حسناً ولكن أرجوك كن سريعاً ثم اذهب . فلدي عمل أقوم به.
تقدم منها فانتزع الدفتر الذي تدعي أنها منشغلة به، ورماه على الطاولة، فوقع عنها وتناثرت أوراقه وأدارها لتواجهه بخشونة . فلما رأت لمعان عينيه ، عاد الخوف والإثارة يسريان في جسدها كشحنة كهربائية .
- ما سأقوله سيحتاج الليل بطوله ... لو أردت ..، ولكن سأقول الأهم أولاً.
كانت يداه قاسيتين تؤلمانها وهما تخطفانها ليضمها إلى صدره بدون رحمة، وسرعان ما غرقت في فيض من الأحاسيس ، و ارتجفت شفتاها بتنهيدة حارة، ثم امتدت ذراعاها تطوقان عنقه وذابا معاً بحرارة شوقهما. بدا كاأهما لا يريدان الافتراق بعد ، ولكن كليف أخيراً رفع رأسه ونظر إليها :
- بعد هذا كله سيكون من الصعب عليك إنكار سعادتك برؤيتي.
همست:
- السعادة برؤيتك تغمر عليّ كياني.
فقاطعها:
- لماذا لم تقولي هذا عندما فتحت الباب لي ؟
أبعدها قليلاً عنه لينظر إليها جيداً:
-لماذا قلت لي اذهب .. ولماذا هربت مني اليوم؟
- أنا ... لقد ظننت .. لم أكن واثقة ... اوه، لست أدري ...
انتزعت نفسها من قبضته وجلست فوق الكرسي المرتفع الظهر. وقالت:
- وماذا عنك أنت؟ لم تظهر عليك السعادة لرؤيتي عندما وقعت خارج الخزانة؟
فنظر إليها بسخط، ومرر يده على شعره، وابتعد عنها خطوات، ثم استدار ليجلس قربها .
- عندما وقعت خارج الخزانة كان كل ما تمكنت من التفكير فيه أنك شبح.
صمت ... وهو يهز رأسه ضاحكاً، ثم استند إلى الخلف ليمدد ساقيه أمامه وتمتم :
-لم أقل هذا لأنني اعتقدت أنك لن تصدقيني، ولم أرغب في أن تتهميني بالجنون .

Rehana 20-01-21 11:52 AM

رد: 137 - أسمع همس الجراح - فلورا كيد
 
كان صوتة مريراً ... نظرت إليه فإذا به مغمض العينين, عندها تمكنت من التفرس به عن كثب ... لم تعد عليه تلك السمرة التي اكتسبها من شمس الجزيرة فوجهه شحب، وجسده نحل وبرزت بوضوح الخطوط حول فمه ، بدا لها وكأنه كان يضغط على إرادته بقوة خلال الأشهر الماضية. أما الجانب الأيمن من جبهته فكان عليه أثر جرح طفيف عريض لا يزال أحمر اللون . إنه المكان الذي ضربته عليه بالقضيب الحديدي. عندما رأت هذا الجرح تحطمت مقاومتها وسيطرتها على أعصابها وتدفق مد الحب النابع من صميم قلبها، محطماً كل الموانع والحواجز. فمالت فوقه وتلمست أثر الندية على جبهته باصبعها، ثم همست:
- كنت أعلم بوجوب تقطيب الجرح. لقد ترك أثر ندبة رهيبة.
فتمتم وهو يفتح عينيه ويمسك بيدها:
- هذا لتذكرني بك. ليس لأنني أحتاج للذكرى ... فكل تفكيري كان مشغولاً بك طوال أشهر الصيف، حاولت أن أعرف سبب غضبي عندما اكتشفت سفرك من أميرالدكاي قبل أن نتزوج.
ثم نظر إليها بعينين مفكرتين ضيقتين:
- لقد كرهتك ليديا كندي، كرهتك طوال تلك الأشهر لما فعلته بي ... كرهتك لأني أحببتك وأردتك ... والآن قولي لي إنني مجنون .
فهمست:
- أنا... لن استطيع. لأني احسست بتلك المشاعر ذاتها ... فأنا أحبك .. وأحسبني أحببتك مذ وقعت عيناي عليك في المطار رغم المحاولات الدؤوبة لكبح تلك الأحاسيس ... فأنا لم أعتقد أن شيئاً ما سينتج عن هذه الأحاسيس. وعندما طلبتني للزواج كنت أرغب فيه بشكل يائس، ولكنني كنت خائفة جداً من الالتزام خوفاً ... خوفاً من الخطأ ... ظنت أنني قادرة على نسيانك متى عدت إلى هنا ... ولكن كان ذلك مستحيلاً ... كنت تغزو أحلامي ... تلاحقني ... تجعلني أقول ليتني لم أصغِ لوالدك وليتني لم أصغ لما أملاه على عقلي ... كنت نادمة على سفري وابتعادي عن الجزيرة المكان الذي كنا سنتزوج فيه ... إن ندمي جعلني اتمنى ...
صمتت، فسألها كليف بنعومة:
- تتمنين ماذا؟
رفع يده فوضعها خلف عنقها وجذبها نحوه، في دعوة صريحة للعناق ... فاعترفت بصوت هامس:
- تمنيت لو أننا تزوجنا ...
تمتم :
-بلهاء...عزيزة ... حلوة ... لن تتاح لك ثانية فرصة نسياني.
بدأت أصابعه تداعب شعرها وهو يكمل:
-.لأنني لن أدعك تبتعدين لحظة عن ناظري هذه المرة، لأني سأبقى طوال هذا الليل وكل ليل معك حتي تتزوجيني.
فسألته بخفة :
- وبعد الزواج؟ ماذا بعد؟
- عندما نتزوج ... هل ستسافرين يا حلوتي الفخورة؟ أم تريدين البقاء هنا ومتابعة عملك؟
- وإلى أين سنذهب؟
- إلى الجزر حيث التقيتا ... لنكمل تلك الرحلة البحرية التي بدأناها على متن الطير الأبيض الذي لا يزال ينتظر عودتنا في أميرالدكاي .
فردت ببساطة :
- أجل.. ساجيء معك متى شئت وإلى أي مكان أردته. وعندها يمكنك البقاء معي دائماً طوال الليل وإلى الأبد.

تمت


الساعة الآن 08:33 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية