منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات ألحان (https://www.liilas.com/vb3/f480/)
-   -   104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة ) (https://www.liilas.com/vb3/t206398.html)

Rehana 11-11-18 05:58 PM

104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
http://www.sehha.com/world/uploads/1...5_31_21286.gif

اقدم لكم رواية ( العطشان )

الملخص


قال ريمي :
- ما رأيك في صوت لاهث وهي حبيسة ذراعيه ؟.
-والأطفال ؟
- سنحضر معنا الأطفال .
تعمدت دانيال في هذه اللحظة ان تدوس قدمه . عبس وجه ريمي وانحنى امامها .
- أراك متخشبة يا عزيزتي , لماذا لا تسترخين يا ملاكي . نحن في نيواورليانز بلدة الحياة البهيجة , وفيها الناس لا يكفون عن الرقص ببراعة .
قالت له مهددة :
- هل تود الاحتفاظ بسلامة قدميك؟
لمعت عينا ريمي في مكر وهو يراقصها ويضع خده على خدها ورد عليها :
- نعم عندما احتاجهما للمشي , ولكن لو اصبتني إصابة بالغة فساضطر الى قضاء وقتي نائماً في السرير.


لا احل الى احداً نقل جهدي وتعبي الى اي منتدى او موقع من مواقع التواصل الاجتماعي دون ذكر اسمي Rehana والمصدر

Rehana 11-11-18 06:03 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
المقدمة

يقرر الزوجان تشارلز وسووزانا بوفييه القيام برحلة مدة شهر وهي رحلة عسل ثانية احتفالاً بمرور اثني عشر عاما على الزواج . وهو امر نادر لم يحدث من قبل في عائلة بوفييه ان يستمر الزواج بين افرادها كل هذه المدة , حيث حلت بهذه الأسرة لعنة من عدة قرون عندما خطف شيخ قبيلة بوفييه في اسكتلندا زوجة شيخ قبيلة منافسة مما دعاه إلى عمل سحر ادى إلى عدم دوام الزواج في هذه العائلة اكثر من خمس سنوات .منتديات ليلاس
عهدت الزوجة بأبنائها الخمسة إلى اختها غير الشقيقة التي اقتربت من سنها الأربعين وتعيش حياة الوحدة متجولة في كل انحاء العالم كفنانة تصوير فوتواغرفي.
ومجموعة الأبناء عبارة عن خمسة وبينهم طفلة رضيعة , وهم مجموعة من الشياطين الذين لم تتحملهم اية مربية او جليسة اطفال في كل ولاية لويزيانا بسبب ما يرتكبونه من فظائع .
ولما كانت الخالة دانيال لا خبرة لها بتربية الاطفال فما بالها مع العصبة من السفاحين الصغار.
بعد يومين من عدم النوم وصلت الى حد الانفجار . حاولت الاتصال بجميع وكالات التخديم بالولاية لتحصل على مربية لكن دون جدوى , إلى ان اتصلت بإحدى الوكلات باسمها وهو دانيال هاميلتون التي وافقت على إرسال مربية دون ان تعرف ان الأولاد هم ابناء بوفييه .
تفاجأ الخالة بشاب يحضر للعمل كمربية وهو امر اثار اعتراضها الشديد, ولكن امام الموقف الفظيع الذي تواجهه قبلت ان تستأجره.
بعد مغامرات ومواقف يائسة ومسلية وغريبة تنكشف حقائق مذهلة , ستعرفها ايها القارئ العزيز.
إذا تابعت القراءة حتى النهاية .

Rehana 11-11-18 06:04 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
شخصيات الرواية

- دانيال هاميلتون : امرأة غير متزوجة اوشكت ان تبلغ سن الأربعين وتعمل مصورة فوتوغرافية.
- ريمي دوسيه : شاب كان يعمل جيولوجيا ونظرا لانتهاء عمله وعدم العثور على عمل آخر اضطر للعمل كمربية للأطفال.
- تشارلز بوفييه: احد اثرياء ولاية لويزيانا من اصل اسكتلندي.
- سوزانا بوفييه : زوجة تشارلز واخت غير شقيقة لدانيال هاميلتون .
- بلتر ماك دويل: كبير الخدم في قصر بوفييه.
- جيرمي وجولي وتانيا واميرواز وكاميل : اولاد بوفييه .

Rehana 12-11-18 07:58 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
فصول الرواية

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر والاخير

Rehana 12-11-18 08:05 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الاول

- بصق جيرمي في طبق الحلوى يا خالة دانيال .
كتمت دانيال امتعاضة اشمئزاز خوفا من ان يسجل جيرمي البالغ من العمر تسع سنوات . ذلك عقله الشيطاني . كانت مرهقة للغاية حتى انها لا تستطيع التفكير , فأسندت ظهرها على الجدار في صالة الطعام . قالت لتانيا :
- ما عليك إلا ان تبصقي في حلواه .
ماذا تعرف عن الاطفال ؟ لا شيء. إنها تعرف عن قبائل كينيا او رهبان التبت أكثر مما تعرفه عن الاطفال . كانت لا تزال فتاة صغيرة لا تعرف شيئا عن الاطفال : لأنها تربت وسط افراد بالغين.
اعلنت تانيا بأعلى صوتها والتي تبلغ من العمر احد عشر عاماً :
- لقد فعلت ومع ذلك أكلها .منتديات ليلاس

Rehana 12-11-18 08:07 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
زفرت دانيال في تبرم في حين دق جرس الباب, بذلت جهداً خارقاً حتى تبتعد عن ملجئها وهي تتجنب ان تطأ بقدميها جيشا من الجند يواجه دبابة من البلاستيك . صاحت جولي بوفييه .
- انتبهي . انت وسط منطقة المعارك.
كانت الشيطانة الصغيرة ذات الاعوام السبعة جاثمة خلف مقعد ذي مساند مستعدة لإطلاق سهم في الهواء . تصورت دانيال انها عادت الى حرب الانفصال , ولكن هذه المرة كان الجنوب هو المنتصر , لأن هذه الحرب كانت بين الفتية والبالغين للحصول على السلطة وتمثل صورة لبوسطون وقد احتلها خماسي من المحاربين القدماء. لقد هزمت العدو بسبب كثرة العدد وكبر السن .
كان احتياطي نشاطهم قد اذهلها بينما نشاطها نفد. كانت تدور في فراغ . والذي زاد الطين بلة ان بتلر الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه ان يساعدها في اول يوم من مهمتها. وكان سعيد الحظ ذلك الذي لم يعد يثيره الوضع وظل في ملجئه باستمرار .منتديات ليلاس
كان بتلر ماك دويل الذي لا يقهر والذي ظل رئيس خدم منزل والدها منذ اربعين سنة وتحمل الحياة مدة خمس سنوات مع زوجات لورانس هاميلتون وفي تعليم ستة اولاد قد ترك الخدمة بضربة قاضية عندما اصطدم بالزلاجات وسقط عاجزاً على الارض.
كانت تحقد عليه لأنه هو الذي اقنعها بأن تحضر إلى نيو اورليانز عندما قال لها :
- سأحضر معك يا جميلتي , وسأمد لك يد المساعدة , ويمكنك الاعتماد علي.
في الحقيقة كانت تلك هي النقاط التي اخذتها في الاعتبار عندما سقط فوق الارضية اللامعة وسط ضجة بسبب العظام المكسورة .
رن جرس الباب مرة ثانية واخذت دانيال تتضرع .
- يا إلهي ! ارجو ان تكون هذه هي المربية ! هل يتطلب الأمر ازمة جنونية حتى تقبل حراسة ابناء سوزانا.
كانت سوزانا قد استثقلت الفوضى والتعب لتقفز على ذلك كله منذ لحظة هبوطها من الطائرة التي نقلتها من مكان إقامتها في التبت إلى نيواورليانز .
- سأقدر لك تماما يا دانيال صنيعك في ان ترعي الاولاد اثناء رحيلي انا وتشارلز في رحلة الإجازات . إنهم في حاجة لأن يخضعوا لسلطة احد افراد الأسرة .منتديات ليلاس
همهمت دانيال في نفسها وهي تتجه نحو باب الدخول:
- صدقت يا سوزانا . إنهم في حاجة إلى معلم فرقة عسكرية .كانت كتلة من الفراء الاسود على شكل كلب ممزقة في بداية النهار ومنثورة في الدهليز . كان الرأس بين القدمين الأماميتين . ولابد ان تلك الكتلة الحيوانية كانت تتساءل : هل كان من الحكمة ان تنتقل إلى بيت بوفييه ؟! ورغم إنكار الأطفال فإن دانيال شكت ان يكون الحيوان المسكين جزءاً من العائلة . والدليل ان كل فرد يناديه باسم وان سوزانا لم تحدثها عن وجود كلب اصلا.
لم تكن هذه هي المعلومة الوحيدة التي لم تذكرها سوزانا لأختها وسط رغبتها في الإسراع للرحيل إلى جزر الكاريبي مع زوجها.ريحانة
اما المعلومة الثانية فقد رتبت الأمر بحيث لا يذكر اسم العائلة بوفييه عند طلب مربية لأن معظم مربيات نيواورليانز كن يرتعدن خوفا عند ذكر اسم عائلة بوفييه .
وبعد قضاء يومين مع خمسة ابناء اقتنعت دانيال بأن ماري بوينز بطلة والت ديزني سترفض هي الاخرى تحمل المسؤولية .

Rehana 12-11-18 08:07 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

تعثرت في الكلب , واضطرت للتوقف لتلتقط انفاسها لقد انتظرت لإجراء عشرين مكالمة حتى استطاعت ان تجد وكالة تخديم تقبل إرسال مربية إليها, ويجب بصفة خاصة ألا تفزع هذه المربية لأنها دون معونتها ستضطر لشراء سلاح ناري للدفاع عن نفسها.
لم تخدعها مرآة الدهليز وهي تقدم لها صورة جميلة عن وجهها فتأوهت دانيال امام رؤية صورتها التي صدمتها بعد ان قضت شهرين في غابات الأمازون . بدا وكأنها قضت عمرها البالغ تسعة وثلاثين عاما مرتين , وشعرها الأشقر كان ينزل على كتفيها متناثراً. بينما دوائر بنفسجية ظهرت حول عينيها نتيجة سهر ليلتين متواصلتين لرعاية الطفلة .ريحانة
كانت تقاطيعها حادة , وكأنها من صنع مثَال . كانت قد ورثت تقاطيعها الكلاسيكية عن امها انجريد عارضة الأزياء المشهورة على مستوى العالم كله. ولكن فمها وظلال تجاعيد القلق التي ظهرت على وجهها كان من الممكن ان تثير خوف انجريد لو رأتها؟.
كانت اثار العجينة التي تبادلها جيرمي ظاهرة على الـ تيشيرت الذي كانت ترتديه , وبقعتان كبيرتان من الطعام تزينان الشورت الكاكي الخاص بالرحلات الذي كانت ترتديه ايضا, اما صندلها فقد فقد لونه البرتقالي البراق وهي تحاول ان تجعل الطفل يبتلع العصيدة , همست في نفسها :
- إن هذه المرأة ستهرب عدوا عندما تراني .
اكتشفت كتلة حمراء من صلصلة وسط شعرها . اطلقت زفرة وفتحت الباب الثقيل المصنوع من خشب البلوط , عندما رأت الشخص الواقف على عتبة الباب توقفت عن التنفس. لم يكن يشبه ماري بوينز على الإطلاق.


نهاية الفصل

Rehana 13-11-18 07:08 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الثاني

يا له من وجه . رغم ان دانيال كفت عن رسم لوحات الوجوه والتقاط الصور الفوتوغرافية لها كأنها التقطت الكاميرا لتأخذ صورة في خيالها.
عينان سوداوان لامعتان متسعتان وسط وجه قوي جداً, وانف معقوف وفك مربع , كان هذا الوجه مركزا عليها . رفعت ابتسامة الغريب شاربه لأعلى وبدت بعض التجعيدات الخفيفة نتيجة الدهشة حول فمه.
كانت دانيال لا تقاوم ابداً أي فك جميل, احست بدبيب النمل يسري في جسدها , علاوة على ذلك فقد ظهرت غمازة على الخد الأيسر لهذا النمط الرجالي الفاخر, بينما لمعت اسنانه السليمة البيضاء وسط لون بشرته البرونزي. لم يكن ينقصه إلا امرأة تخدمه كعبدة لاكتمال الصورة .

Rehana 13-11-18 07:10 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
ورغم ان جسده لا يناسب وجهه إلا ان بنيته كانت تصلح لملاكم من الوزن الثقيل, كانت كتفاه مربعتين , ووسطه قوياً والزر الأعلى من قميصه مفتوحاً , وكأنه لم يتمكن من غلق الياقة حول رقبته الضخمة .منتديات ليلاس
قالت دانيال :
- هيا بنا ننقذ انفسنا سويا.
قال الغريب في دهشة وقد اتسعت عيناه:
- ارجو المعذرة ؟
قالت بصوت متعب بينما سمعت خلفها صوت ضجة عالية اعادتها إلى الواقع :
- لا بأس.
هناك خمسة اسباب تمنعها من تحقيق خيالها . خمسة صغار بينهم فتاة . كان اصغر منها على الاقل بعشر سنوات وكان لديها شعور انها أكبر منه بمائة سنة وفي هذه الظروف : كيف يمكنها ان تهرب معه؟ قد يتطلب الأمر منه ان يدفعها على كرسي متحرك. قالت :
- لا استطيع ان ارحل , لأنني انتظر المربية .
سارعت دانيال بتصحيح معلوماته .
- الآنسة هاميلتون .. دانيال هاميلتون .
قال بلغة إنجليزية كسول وبلهجة الرجال الجامعيين في ولاية لويزيانا :
- لقد سعدت بلقائك يا آنسة دانيال هاميلتون .
كان ينطق اسمها وكانه يعرفها معرفة حميمة كان صوته قويا وناعما في آن واحد يشبه الحرير الخام , وعيناه تلمعان مثل العقيق المصقول.منتديات ليلاس
تساءلت دانيال : عما إذا كان قد كون من قبل نظرية عن مدى تأثير الصوت على النساء كوسيلة لاجتذابهن ؟
كانت كل كلمة ومقطع من كلامه تداعب حواسها وتدل على خبرته العميقة , لقد مرت قرون منذ ان أثر رجل عليها بصوته . مدت يدها خلال مربعات الحديد المركب على الباب للأمان دون ان تغادر عيناها وجهه.
اعلن وهو يلف اصابعه حول اصابع دانيال :
- انا ريمي دوسيه المربية الجديدة التي طلبتها .
نظرت إليه دانيال مذهولة . قالت وهي تضحك في هيستيريا :
- لابد انني أرى سرابا , هل قلت إنك المربية ؟
- بالضبط.
- هذا صحيح؟
قال بصوت منخفض وخفي :
- طبعا.منتديات ليلاس
هزت دانيال رأسها وكأنها تخرج من حالة لا وعي . ثم استندت بكل ثقلها على الباب بينما تدافعت سلسلة من الأفكار تخترق روحها وبدأت ركبتاها ترتجفان وتخونانها . لو قبل الوظيفة فإنه سيظل في البيت ليل نهار على حساب سوزانا وستراه في كل لحظة, ولكن ذلك لن يكفي , اخذت تضرب جبهتها بكفها.
تساءلت : هل هي دانيال انجمار هاميلتون التي خرجت مع امراء والتي عاشت في الغابات وصحراء نيويورك ؟ هي المشهورة في كل انحاء العالم بسلوكها الفاضل والمحسوب في كل الظروف؟ سألها ريمي وهو يرفع حاجبيه :
- ألم تطلبي مربية يا عزيزتي ؟
- بلى , لقد اتصلت كي يرسلوا لي واحدة ولكنك لا تتفق مع المواصفات التي طلبتها يا سيد..

Rehana 13-11-18 07:11 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
أكمل الاسم ووميض الغضب يظهر في عينيه :
- دوسيه
إن هذه الوظيفة لا تتفق ايضا مع ما كان يتمناه . إنه خبير جيولوجي ولكن ولاية لويزيانا تقدم فرصا نادرة للعمل بالنسبة للجولوجين منذ ازمة الصناعات البترولية من سنوات . على اثر إقامة المشروع الذي عين فيه منذ سنة ثم وجد نفسه امام خيارين : إما ان يزاول خبراته في نيوهيربريد او يغير مهنته . وبعد ان حاول تجربة الحل الاول وفشل هاهو يجرب الحل الثاني.منتديات ليلاس
قال بلهجة هجومية :
- ماذا هناك يا عزيزتي ؟ أتظنين ان الرجل لا يستطيع ان يؤدي دور المربية بمهارة؟
- اوه ... لا .. إنني ...
وضع يديه في وسطه في عزم وقال بإصرار :
- انت تظنين ان الرجل لا يصل لمهنة المربية بسبب انه رجل ؟
- إيه .. في الحقيقة إنني لم افكر كثيراً في هذا الموضوع .
قال وهو يمرر اصبعه من خلال فتحات الباب:
- أليس هذا رأيك ؟ لأنني لا اتمتع بالتقاطيع الأنثوية ؟
نظرت دانيال إلى جسمه القوي الفارع وعضلاته التي برزت تحت قميصه :
- صدقني يا سيد دوسيه إنني سعيدة لأنك لا تتمتع بالتقاطيع الأنثوية .
- لا يوجد قانون يمنع الرجل من ان يعمل مربية, الرجل يستطيع ان يؤدي هذا العمل تماما مثل المرأة.
قالت بعد ان قررت ألا تدخل في جدل حول الموضوع :
- لا اشك في هذا.
في الحقيقة كانت فكرة ان يقدم هذا النمط الذي يتمتع برجولة طاغية لكسب لقمة عيشه عن طريق رعاية الاطفال , إنما هي فكرة وجدت ترحيبا في قلبها .
قال ريمي وهو يبتسم ابتسامة لا تقاوم وقد اختفى غضبه بسرعة كسحب الصيف:
- إذن هل ستدعينني ادخل؟ نعم أم لا ؟ إن الحرارة زادت هنا.
قالت دانيال في نفسها : إنها تحس بالحرارة أكثر منه ولكنها احتفظت بهذه الفكرة لنفسها لأنه كان من الواضح ان ريمي دوسيه لم يكن في حاجة إلى تشجيع حتى يغازلها .ريحانة
بعد ان فتحت باب الأمان ابتعدت كي تسمح له بالدخول وهي تتساءل : إلى أي حجرة يمكنها ان تصحبه لتناقشه ؟ ولكن المتمردين من آل بوفييه لم يتركوا ركنا في البيت الفسيح الذي يحتاج إلى طاقة نووية لهدمه إلا وتواجدوا به. ظلت إذن في الحجرة السوداء , ولكن نظرا لجاذبية هذا الرجل المغناطسية وجدت ان الفكرة ليست سليمة .
تجول ريمي بنظراته في الردهة الفاخرة حيث كانت مكسوة بأوراق الحائط بلون العاج الحريري ونجفة من الكريستال وسلما حلزونيا يصلح لقصر. ورغم ان السيدة الواقفة امامه توشك ان تموت من التعب إلا انها كانت واقفة بشعرها الأشقر الكثيف العالي فوق رأسها وقد ارتدت في قدميها صندلا ذا لون برتقالي لامع , قالت له :
- هيا بنا إلى الصالون في الدور الارضي , حيث لا يوجد طعام على الجدران.
صحب ريمي ربة العمل المتوقعة وهو يلقي عليها نظرة إعجاب وتقدير . كانت أقل منه حجماً حيث كان طولها مائة وثمانين سنتيمترا وبنيتها ملائكية حلوة كجسم عارضة الأزياء .
كانت ممشوقة القوام وإن كانت نحيفة . لقد كانت جميلة حقا خاصة تقاسيم جسدها وساقيها اللتين يمكن ان تطاردا احلام الرجال .

Rehana 13-11-18 07:14 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
دخلا سويا في الدهليز المقبب والذي يقود إلى الصالون عندما انطلق صوت موسيقى الروك راعدا.
خرج جيرمي من داخل دولاب وظهر بالضبط امام دانيال , وقد غطى وجهه بجورب حريمي نايلون . صرخت دانيال وألقت بنفسها على الجدار وهي تصطدم في طريقها بفازة من الصين مليئة بالورود الطازجة فتقلبها من فوق مائدة ثلاثية الأرجل طراز لويس الخامس عشر . ظهرت جولي وهي تجري في الصالون ثم ألقت بنفسها على ساقي ريمي المذهول حيث اتخذته ساترا تطلق منه شلالا من عصير فواكه ارجواني اللون على شقيقها من مسدس ماء.منتديات ليلاس
اختفى المتامران وراء باب المدخل قبل ان يتاح الوقت لدانيال لنطق اسميهما. جُنت وقالت في نفسها إن ريمي دوسيه دون شك سوف يرد لها مريلة العمل قبل ان يلبسها . كان يبدو عليه الذهول وإن ظل مسيطراً على نفسه.
اصابها الخوف. إما ان الرجل شجاع جدا, او لا عقل لديه ليدخل لدى آل بوفييه ويستسلم لقدره ليواجه هذا القطيع المشاكس صرخت :
- تانيا اخفضي الاستريو وإلا فلن تعيشي حتى تفهمي معنى الاغنية اريدك يا حبيبي.
رفعت تانيا عينيها إلى السماء قبل ان تنفذ الامر ثم حدجت خالتها بنظرة مفهومة والقت بشعرها الاحمر خلف ظهرها وردت :
- إنني افهم المعنى من زمان .
ابتسمت ابتسامة مورابة عن ريمي وألقت إحدى حكم اختها :
- هؤلاء الأطفال نضجوا حقا قبل الأوان !
سألت تانيا وهي تتأمل ريمي في وقاحة :
- ولكن من هذا الميكانيكي ؟
رد الرجل الذي وجد صعوبة في ان يظل جاداً:
- لقد حدث إنني مربيتكم الجديدة.منتديات ليلاس
صاحت الفتاة الصغيرة :
- إنه حقا زمن العجائب وسنرى اكثر من ذلك!
غطى على هذه الكلمات عواء طفل آت من الدور العلوي , احست دانيال ان الدموع تنزل من عينيها لقد كانت منهكة ومقهورة علاوة على ان الاطفال يرعبونها , ولكن لماذا اذن قبلت ان تؤدي خدمة لسوزانا؟
عضت على شفتها ومرت من امام ريمي خافضة رأسها وهي تخفي وجهها خلف ستارة من شعرها الكثيف ثم وضعت يدها على الدرابزين الذي كان مليئا بآثار الأيدي الملوثة وصعدت الدرجات كل اثنتين مرة واحدة يتبعها ريمي , سألها :
- كم إجمالي عددهم ؟
- خمسة .منتديات ليلاس
تجهم ريمي , يبدو انه غير مسلح لمواجهة خمسة اطفال ولكن في هذه الضاحية الأرستقراطية لا يهم إن كانت الأم طيبة أم لا. يكفيها ان تستطيع الاتصال هاتفياً كي تعين شخصا يقوم بتربية اولادها بدلا عنها.
حاول ان يخفي عواطفه لأنه كان يظن دائماً انه لا يجب إنجاب اطفال إلا عندما يعرف الوالدان كيف يحبانهم ويعتنيان بهم . سألها :
- إن الأمر ليس سهلا كي تربي خمسة ابناء بمفردك ؟
- كيف بمفردي ؟
- هل انت مطلقة ؟
- أنا؟ إنني لم اتزوج ابدا.
اطلق ريمي صفيراً من بين شفتيه .
- حسناً يا عزيزتي .. يا لها من مغامرة !

Rehana 13-11-18 07:15 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

دارت دانيال حول نفسها فوق عتبة حجرة الرضاعة , بدت عيناها كقمرين فضيين , صاحت :
- لا تقل , إنهم اولادي , لا شك أنك تمزح؟
رغم إحراجه فإن ريمي احس بالارتياح.
- هؤلاء ليسوا اطفالك ؟
- يا إلهي ! هؤلاء الصغار الاعزاء هم ابناء اختي سوزانا بوفييه . إنها غائبة في عطلة مع زوجها تشارلز وإن كان لدي إحساس انها هجرت البيت , هل تعرف اغنياء يذهبون إلى الكاريبي في عز الصيف ؟اكتفى ريمي بهز كتفيه . إنه لا يعرف كثيراً عن الاغنياء.ريحانة
توجهت دانيال وهي ممتعضة نحو المهد الذي تلمع فيه الصغيرة كاميل وهي تخنق نفسها بذراعها . قالت له :
- لو حدث وعادت فسوف اقسم بالله بأن اقيم عليها دعوى !
استمرت كاميل في الصراخ والنشيج , تساءلت : ماذا يمكن ان يكون قد اصابها؟
انحدرت دمعتان على خدي دانيال التي كانت بلا حول ولا قوة, وقالت لنفسها : إنها لا تصلح لأن تكون امرأة.
رفع ريمي الطفلة واخذ يهمس في أذنها كلاما غير مفهوم . كانت تلك الكتلة السمينة التي تزن ثمانية كليو جرامات , ذات العينين الزرقاوين الواسعتين المستديرتين وزغب احمر يعلو رأسها , هي في الحقيقة شيء محبوب . اخذ فيلا من القماش من ركن المهد واعطاه لكاميل فأخذت في الحال تمضغ خرطومه وسرعان ما تحولت صرخات الطفلة إلى مناغاة تقطعها شهقات . دهشت دانيال وكأنها شاهدت لعبة من ساحر!
- كيف استطعت ان تفعل ذلك؟
لم يعلق ريمي كيف لا تستطيع امرأة ان تعتني بطفلة رضيعة على وشك ان تظهر اسنانها؟ نسي انها ستكون ربة العمل فاستسلم لاندهاشه لقد تعود على إعطاء الأوامر لا تلقيها.
قال :
- كيف لا تستطيعين ان تعطيها شيئاً تمضغه كي تتخلص من آلام بزوغ اسنانها ؟ إنك حقا جليسة اطفال ساذجة!
ردت عليه دانيال بينما الدموع تصعد مآقيها في شعور من الضجر والتوتر:
- ولكني لست جليسة اطفال! كل ما هناك انه فرض علي ان امارس سلطتي عليهم كأحد افراد الأسرة , ولست خبيرة ان اعرف ان الاطفال يأتون إلى الدنيا ومعهم اسنانهم ولهذا استأجرتك.
ادارت له ظهرها واخذت تبكي تماما كما كان يتخيل النساء الراقيات ومن يبكين بصوت مكبوت وتهتز اكتافهن اهتزازت خفيفة .ريحانة
كان ريمي مشوشا. إن إسكات رضيعة ليس بمشكلة ولكت إسكات امرأة ؟! إنه لا يستطيع حتى ان يحضر لها فيلا من القماش ليضعه في فمها لتسكت.
أراح كاميل في مهدها واقترب من دانيال غير واثق بما سيفعله . إن المربيات لسن معتادات على اخذ سيداتهن بين اذرعهن للتسرية عنهن ومع ذلك كان الإغراء شديدا . قال متضرعاً بصوت منخفض وهو يديرها من كتفيها برقة :
- لا تبكي يا عزيزتي , لم يكن من الواجب ان احدثك بهذه اللهجة .
وضعت رأسها على كتفه وتصلبت وهي تصارع دموعها بينما هو يدلك شعرها المتمرد . قالت متلعثمة :
- أنا .. أنا فعلت ما في وسعي .. إنها .. إنها ليست غلطتي .. إذا كنت لا اعرف شيئا ..

Rehana 13-11-18 07:16 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
اخذ ريمي يواسيها :
- اعرف طبعا .
- أنا .. متعبة ومتوترة .
- صه!
- و .. وتوجد بقايا طعام في شعري.
كانت المعلومة الأخيرة بمثابة محبس انفتح . كانت دانيال التي لم تبك امام اي شخص اصلا , قد وجدت نفسها تنطلق في البكاء . إنها لم تنم دقيقة من يومين والراحة التي تقدمها كتف قوية وإن كانت لدقائق إلا انها لا بأس بها ولن ترفضها.منتديات ليلاس
فتحت عينا ريمي عندما رآها تتخلى عن كبريائها واعتزازها بنفسها فهمس :
- هيا .. هيا انا هنا وابكي كما يحلو لك.
يا لهذا الشيء الصغير المسكين ! لماذا قبلت هذه المهمة وهي تقريبا لا تعرف أي شيء على ما يبدو عن الأطفال ورعايتهم إن الشياطين الصغار يحسون بذلك ويستغلونه بطريقة مخجلة . يا للمسكينة دانيال!
عندما نطق اسمها بصوت خفيض وحلو وجذاب اعجبها ذلك واعجبه كذلك. إنه من الاسماء التي يجب ان ينطقها وهو يعبر عن الحب . ويجب ايضا ان تستند عليه. قالت وهي تتلعثم :
- إنهم لا يطيعونني ابداً .
قال وهو يربت على شعرها :
- اعرف.منتديات ليلاس
- ليس هذا لأنني لا احب الاطفال , لقد كنت طفلة انا ايضاً.
- نعم .. نعم .
ولكنها لم تعد طفلة, إنها امرأة والاكثر من ذلك انها جذابة وفاتنة بدرجة لعينة.
- كل شيء سيسير سيرا حسنا يا عزيزتي , وسترين ذلك ما دمت الآن هنا.
تنبهت كل حواس ريمي الدفاعية عندما اكتشف انها تحتاج اليه , كرر كلامه وهو يرفع ذقنها باصبعه:
- كل شيء سيكون على مايرام .
تطلعت إليه دانيال وكأنه آخر رجل حي على وجه الارض, وان القدر كلفه بأن يحافظ على الجنس البشري . رغم البقع والأكل على شعرها وملابسها فإنها فاتنة وجميلة حقا.
مسح ريمي دمعة من على خد دانيال بأصبعه ثم مسح اخرى من فوق خدها الآخر. احست دانيال انها تتفتت ونسيت الشياطين الصغار وعدم كفاءتها التامة وسبحت وسط سحابة ذهبية ورأت النجوم تلمع واحست بكرة حارة تتكون في معدتها . ولكنه رفع رأسه وابتعد عنها قاطعا تلك اللحظات الرائعة والحالمة.منتديات ليلاس
صرخت دانيال فرفعت يدها إلى فمها وقالت :
- انت صغير جدا على تقبل العواطف من امرأة .
- وأنا ايضا تركت لبس الشورت من وقت طويل .
- آه .. نعم .. أراهن انك لا تعرف فرقة البلاترز الموسيقية ؟
اعترف :
- لا .. أتعرفين إخوان بلفا .
- لا .
- حسنا , لقد تساوينا .
سألته في تحد:
- هل أنت متأكد ؟ كم سنك؟
- إحدى وثلاثون سنة , وأنت ؟

Rehana 13-11-18 07:16 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

- لدي .. هذا ليس من شأنك !
- خمس وثلاثون .. ست وثلاثون ؟
لم تستطع ان تعرف إن كان عليها ان تحس بالسرور ام الضيق ورأت من الأفضل تغيير الموضوع .
- آسفة لأنني اضعت وقتك يا سيد دوسيه ولكن بأمانة لا اظن ان المربيات يعاملن النساء بهذه الطريقة.
- إذا كنت تحبين ان تريني كيف يفعلن ذلك فإنني مستعد .. هيا .ريحانة
كان يبتسم ابتسامة ابتسامة ساحرة ومهلكة . انسحبت دانيال إلى ماوراء كرسي هزاز بينما خطا هو للأمام .
- اقدر حماسك يا سيد دوسيه ولكن ...
صحح لها :
- ريمي من فضلك.
اقترب ريمي ونظرة شيطانية في عينيه السوداوين منها , واعتقدت هي ان قلبها سيتوقف او يخرج من صدرها . اقترب من صدرها . اقترب منها حتى إنها استطاعت ان ترى اثار نمو لحيته . كيف يمكنها ان تستأجر مربية تستطيع ان تعاملها كامرأة وكأنه رئيس عصابة , ثم إن عليه ان يحلق ذقنه مرتين في اليوم ؟ ولكنه موجود امامها بالفعل, ضخم , برونزي البشرة وشعره ذو خصلات مجنونة وسوداء تنسل على جبهته . وعينه أكثر عين كسول رأتها في حياتها .
ذكرها هذا الموقف الغريب بالعديد من نساء عائلة هاميلتون . لقد كن يعشن حياة عشق فاسدة وانها قررت منذ زمن ان تبتعد عن الرجال منذ فشل آخر علاقة لها . ثم إن هذا الرجل جاء من اجل وظيفة خادم وليس من عادتها ان تغازل موظفي البيت.منتديات ليلاس
ومع ذلك في الوقت الحالي هو الذي يغازلها , سرت الرعدة في جسدها . قالت متلعثمة:
- قل لي ! هل هذه عادتك كي تحصل على الوظيفة ؟
ارتفع طرف شاربه لأعلى وظهرت الغمازة في خده الأيسر ورد عليها بصوت ممطوط :
- يجب ان تري كيف اعمل لأحصل على علاوة !
احست دانيال بأن معدتها تسقط في قدميها . تعجب ريمي لماذا لم تستدعي رجال الشرطة خاصة وانه يتصرف تصرفات الحانات. ولكن هذه التصرفات كانت رغما عنه. قرر ان السبب هو الكيمياء وتفاعلاتها بين الرجل والمرأة , وهو يعرف ذلك باعتباره من رجال العلم ويعرف القوى التي لا تقاوم في الطبيعة وهي الغرائز ويعرف علم الاحياء من إنسان وحيوان وطيور ويعرف غرائز تلك السيدات الحسناوات الراقيات ذوات العيون الواسعة اللامعة .
سألها :
- كم عدد من تقدمن إلى الوظيفة؟
- اوه , بعضهن.
- واحدة .. اثنتان؟
- اوه , ممكن .
- أترين يا عزيزتي ان عليك الاحتفاظ بي لأنه لا يوجد تحت يدك سواي .
اثناء عودتهما إلى المهد لإلقاء نظرة على الطفلة تذكرت دانيال فعلا انه لم يبق امامها وكالة تخديم لم تتصل بها , لم يبق امامها سوى اللجوء إلى خدمات ساحر هندي او مدرب تماسيح .
اختفت كل آثار التوتر العاطفي باعجوبة وتساءلت : هل كانت تحلم؟! إنها وقد اقتربت من سنها الأربعين فمن الطبيعي ان تحلم وتتخيل الرجال الأقوياء .

Rehana 13-11-18 07:19 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
سألها ريمي وهو يحمل الصغيرة كامبل تحت ذراعه وكأنها كرة البيسبول:
- منذ متى رحل والدهم ؟
ردت دانيال وهي ساهمة :
- منذ ثلاثة اسابيع, هل أنت واثق بأن هذه هي الطريقة الصحيحة لحمل الطفلة الرضيعة؟.
- واثق ومتأكد. هذا اول درس علموه لنا في مدرسة إعداد المربيات . كان يكذب دون ان يبدو عليه ذلك.منتديات ليلاس
- آه , حسنا.
اخذت كامبل تقهقه من السعادة وكأنها تظهر رضاها . مدت ذراعيها الصغيرتين على طريقة السوبرمان الترانزستور وارسلت قطرات من ريقها في كل مكان .منتديات ليلاس
- إنهما يريدان القيام برحلة شهر عسل ثاني للاحتفال بحدث يعتبر الأول من نوعه خلال سبعة اجيال من عائلة هاميلتون , لقد استمر زواج سوزانا اكثر من خمس سنوات . هل فهمت؟ نحن ملعونات.
- ملعونات ؟ كما يحدث في السحر الاسود ؟
- لا .. لا .. وإنما كما يحدث في لعنة الاسكتلنديين وهذا يرجع إلى عام 1516 , التاريخ الذي لعن فيه شيخ قبيلة منافسة رامزي هاميلتون الذي سرق منه زوجته , ومن تاريخها كان آل هاميلتون يفسدون زيجاتهم , ولذلك فإن زواجا يدوم اثني عشر عاما بين سوزانا وتشارلز يعتبر مفخرة ومعجزة . أليس كذلك ؟ ومادام الأمر كذلك فإنني اعتبر شهر عسل يستمر ثلاثة اسابيع مدة طويلة , ويمكنني اخيرا ان اقول :
- كم من طرق مختلفة يمكن إيجادها ...
اخذت تتلعثم فتدخل ريمي بصوته العذب:
- وبعد يا دانيال ! لا تقولي إن شهر عسل مدة ثلاثة اسابيع لا يعجبك؟
قالت متهكمة :
- لا , ولكن اين تريد ان تقضيه ؟
خفض ريمي من صوته درجة ليصبح كالحرير:
- سأصحبك إلى السماء يا ملاكي.ريحانة
استطاعت دانيال اخيرا ان ترد :
- إنهم لن يسمحوا لك ابد بالدخول.
- ربما, ولكنها الرحلة التي تستحق العناء , أليس كذلك؟
إن هذا الرجل لا علاج له , إن مستقبله في يديها والرضيعة في يديه ومع ذلك يستمر في مغازلتها دون خجل , ولكنه يعجبها كثيراً ولا تستطيع ان تشعر معه بالضيق على الاطلاق , قال وهو يناولها كاميل :
- خذيها.
اصابها رعب مجنون فأمسكت دانيال بالرضيعة وكأنها حقيبة بقالة مليئة بالمشتريات , قال لها :
- انتبهي , إنها مبللة .
ولكنه تأخر في إنذاره , امسكت دانيال الطفلة على طول ذراعيها والقت نظرة قلقة على البقعة العريضة الرطبة التي زينت صدر قميصها .
اخذت تغمغم في غيظ :
- انتظري كما يحلو لك يا سوزانا ولكني سأنتقم منك عند عودتك مهما طال غيابك !
قال ريمي بعد ان استعاد الطفلة ووضعها على مائدة تغيير الحفاظات .منتديات ليلاس

Rehana 13-11-18 07:20 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

- لدي شعور ان هذا العمل لا يعجبك على الإطلاق.
- إنني احب الاطفال كثيراً ما داموا لا يتقيئون عليّ وليس لهم شعر كالزغب , اطفال سوزانا هؤلاء يخرجون عن الطائفة التي احبها .
قال ريمي وهو يغير الحفاض للطفلة :
- إنهم بالتأكيد ليسوا بالشناعة التي تصفينها .
- هل شاهدت فيلم اللعنة ؟ حسنا , قد أكون مبالغة ولا اعرف شيئا كثيرا عن الاطفال , فقد انفصل والداي وانا في سن الثانية وتربيت فوق ارصفة العالم. ولن تجد من يماثلني في قدرتي على تهدئة عارضة ازياء مخبولة او مصور في ازمة نفسية , ولكن الاطفال...
اختفى صوتها ولاحظ ريمي ان عينيها الرماديتين غشيهما حزن . اخذت اصابعها تشد في عصبية اطراف غطاء من الحرير موضوع فوق مقعد هزاز. لابد ان حكايتها اكثر تعقيدا عما صرحت به. قال ريمي في دهشة لأنه عاش محاطا بأبناء وبنات إخوته واقاربه:
- إذن هذه هي المرة الاولى التي ترعين فيها اولاد اختك؟
ردت دانيال معترفة وهي تشعر بوخز الضمير :
- نعم , إنني اقوم برحلات باستمرار من اجل عملي وقد عدت لتوي من رحلة عمل في التبت.
أراح ريمي كامبل في مهدها وناولها الفيل:
- في التبت ؟ هل لك اسرة هناك؟
- لا بالتأكيد !
اعتقدت انه لاحظ لمحة من عدم الرضا في عيني الشابة السوداوين ووجها الحديث إلى الوجهة التي لا تستطيع ان تنحرف عنها , سألته :
- منذ متى وانت تعمل مربية ؟
- اوه , ليس من مدة طويلة .منتديات ليلاس
اخذ ريمي وقتا طويلا عن المألوف لغسل يديه.
قالت :
- اعتقد ان علي ان اطلب منك سيرتك الذاتية وخطابات التوصية .
- اخشى انني نسيت إحضار سيرتي الذاتية ولكن صدقيني إن لدي العديد من الخبرات, وقد احضرت معي اوراقا من وكالة التخديم.
جفف يديه بمنشفة صغيرة وردية, ثم اخرج استمارة من ورقتين من جيب بنطلونه الخلفي وناولها لها. قالت بصوت حاد مخنوق مصحوب بابتسامة ضيق:منتديات ليلاس
- لن نحتاج إليها.
كانت تحاول جاهدة ان تسترد تفكيرها السليم , لم يكن من اللائق ان تستأجر مربية تؤثر عليها هذا التأثير الرهيب , قالت :
- لا ينطبق عليك حقا الشروط التي احتاجها.
قال لها مؤكدا بصوت ممطوط:
- بل تنطبق, وهذه هي المشكلة , ربما تنطبق علي الشروط أكثر من اللازم .
بدا العرق ينضح من باطن كفي دانيال :
- لست ادري إلى ماذا تلمح ؟
تراجع للخلف قليلا بهدف ان يخفف من التوتر الذي ساد بينهما. إنه في حاجة إلى هذا العمل والنقود التي سيحصل عليها منه , علاوة على ذلك هناك هذه السيدة الراقية ذات العينين الفضيتين والشعر الذي يلمع كالقمر في الشتاء . ثم اكثر من ذلك فإن هذه الوظيفة هي المجال المغناطيسي الذي يدور حول دانيال هاميلتون ويرغب في ان يستكشفه وعندما يستقر فلا مانع بعد ذلك من ان يعتني بخمسة اطفال صغار. ولكن يجب اولا ان يحصل على الوظيفة وهو محتاج إليها حاليا بشدة . لا يهم المصير الذي تحاول دانيال ان تلقيه فيه بسبب الانجذاب الذي تحسه نحوه.ريحانة
اطلق زفرة طويلة ومرر يده على شعره ثم اتخذ مظهراً رزينا وقال مؤكداً:
- اسمعيني ! انت في حاجة إلى مربية وأنا في حاجة إلى عمل واعرف كيف اتصرف مع الاطفال واعدك بأن احسن سلوكي.
- اجد صعوبة في تصديقك باعتبار ما رأيته منك.
- لم اكذب عليك عندما ادعيت انك تجذبينني ولكني اكرر عليك انني احتاج الوظيفة وانت تحتاجين مربية , من سيتصل بك؟
- إنه رامبو الذي عليه الدور.
برزت كرنبة ترتدي بيجامة مكرمشة ووضعت على وجهها قناع وجه رونالدريجان يعلوه شعر برتقالي , وظهرت على عتبة حجرة الرضاعة. وتحت ذراعها كلب اسود في ابيض من الفراء وقالت :
- الخالة دانيال ؟
- ماذا يا اميرواز هناك؟
- إن جيرمي يقوم بتعليق جولي من قدميها على نافذة حجرة المخزن.


نهاية الفصل

Rehana 14-11-18 06:14 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الثالث

وقف ريمي امام باب وكالة سافوي كي يسترد سيطرته على نفسه. كانت الوكالة تقع في مبنى ضيق من الطوب الاحمر انشيئ في الايام الاخيرة من الاحتلال الفرنسي لنيو اورليانز , كانت ابوابه مطلية باللاكيه الاسود, وشرفاته من الحديد المشغول الرقيق في الطابقين الثاني والثالث . وكانت الشرفة التي تشبه جميع الشرفات على طول الشارع توحي بأن المكان عبارة عن فندق من نوع معين. واللافتة النحاسية اللامعة هي الدليل الوحيد على ان بالمبنى مؤسسة ناجحة.
ضبط ريمي رباط عنقه وحاول ان يرتب خصلات شعره المتمردة. إن اطفال بوفييه حقا شياطين ووحوش . ولكنه لن يعترف بذلك امام اخواته.منتديات ليلاس
رسم ابتسامة على شفتيه ودخل البيت في خطوات واثقة وكأنه عائد لتوه من نزهة عادية .

Rehana 14-11-18 06:16 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
كان داخل المبنى رقيقا مثل الشرفة , وكانت على نافذة حجرة الاستقبال العالية ستائر من القطيفة ذات اللون البني الفاتح ونفس القماش كان يكسو أرائك مريحة مرصوصة حول مائدة منخفضة مغطاة بالمجلات لاستقبال الزبائن.منتديات ليلاس
وهذه الاناقة الواضحة لم يكن يعيبها سوى مجموعة اللعب متعددة الألوان وبعض المقاعد الصغيرة المصنوعة من البلاستيك والمخصصة لأطفال الزبائن وتشغل ركنا من الغرفة.
كانت اريك اخت ريمي الصغرى جالسة خلف مكتب الاستقبال وسماعة الهاتف معلقة بين أذنها وكتفها . كانت تسمع الرسائل وفي نفس الوقت تقلب في مجلدات ضخمة قانونية مبعثرة امامها وتسجل ملحوظات في كراسة امامها . رفعت عينيها واستقبلت ريمي بابتسامة الذي فتح ذراعيه ليستقبلها.
وعندما وصعت اريك السماعة جلس ريمي على ركن المكتب ومد لها يده وراحتها نحو السقف.
- هيا ضعي الرهان يا اختي الصغيرة .
- لماذا؟
- لماذا ؟ لأنك مدينة لي بعشرين دولارا.
- إنني اجهل عن أي شيء تتحدث ؟ ثم إن جيزيل ليست مسرورة على الإطلاق, هل جننت حتى تظل في المكتب إلى الساعة الرابعة .
- اوه , ولكني لم استطع ان أكون هنا, وفي نفس الوقت اثبت لك انني مربية ممتازة.
اخرج العقد المكرمش من جيبه وناوله لـ اريك :
- انا الآن رسميا المربية لأطفال بوفييه وهذا هو العقد محررا وموقعا بالتاريخ.
فردت اريك الورق وهي ممعتضة:
- ولكن تلك البقع اسفل العقد مثيرة للاشمئزاز .
همهم ريمي :منتديات ليلاس
- إنها لا شيء .. بعض الدماء لا اكثر.
- دماء؟ اعتني انها دماءك , انت مربية ؟ كم سنرى من عجائب ؟
انفتح الباب فجأة وراء ظهره ودخلت جيزيل الاخت التوءم لريمي كالإعصار البشري ورغم اناقة ثوبها الذي ترتديه بدت كأنها قطة متحفزة للقتال , تراجع ريمي و اريك للخلف بحركة غريزية بينما اطلقت جيزيل دفعة السباب متعدد الألوان في لهجة موسيقية شعبية باللغة الاسكتلندية , ثم عادت للحديث بالانجليزية .منتديات ليلاس
- ماذا حدث لكما انتما الاثنان ؟ هل تحاولان تحطيم سمعتنا ؟ انت تغطين على ريمي بينما يتسكع هو في المدينة متنكرا في صورة مربية. ماذا يعرف عن الأطفال ؟ إنني اسألك؟
لم تهدأ على الاطلاق امام النظرة الجريح لأخيها وصاحت وهي توجه اصبعا مطليا باللون الاحمر اللامع نحو ريمي :
- وانت , هل فقدت عقلك ؟ إنك فقط لم تكن مربية وإنما أنت في حاجة إلى مربية تربيك.
قال دون ان يهتز :
- لقد حصلت على الوظيفة .
قالت جيزيل تواصل الحديث دون ان تعيره أي انتباه :
- لقد مثلت دور احدى مربياتي بينما هن افضل مربيات في كل نيو اورليانز واحسنهن تعليما , ماذا قلت؟
بدت ابتسامة الرضا التام تضيئ صفحة وجه ريمي واستعاد العقد المكرمش من اريك ثم اخذ يلوح به امام عيني جيزيل التي اخذته باطراف اصابعها وهي مشمئزة وقالت معلقة :
- هل سقطت اسفل سيارة ؟

Rehana 14-11-18 06:17 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

- هذه هي الحادثة الوحيدة التي لم اتعرض لها من بين مئات الحوادث.
لقد اضطر ريمي للتسلق إلى سقف المخزن كي ينزع جولي من بين يدي جيرمي ثم إن اميرواز حاولت إطعام العقد لتلك الكتلة المفترض انها كلب وقد سارعت بدفنه في الحديقة . واضطر ريمي لاستعادته بعد ان حفر اسفل شجرة شائكة مما ادى إلى نزف دمه الغالي على العقد .
همهم ريمي :
- على اية حال فإن الصفحة الاخيرة هي المهمة.
قالت جيزيل:
- ليست هذه هي المشكلة , ولكنك لم تتلق تدريبا وليست لديك خبرة .
صاح ريمي :
- كيف تجرئين على هذا القول. إنني اتولى العناية بالأطفال دون انقطاع ويكفي اطفال أليس و إميلي إن لدي خبرة واسعة وعريقة .
- اوافق ولكن ..
اتسعت عينا جيزيل عندما قرأت سطور العقد.
- خبرني انني لست احلم , إنه يخص آل بوفييه !
تدخلت اريك:
- لقد قدمت السيدة نفسها في الهاتف تحت اسم هاميلتون .
- اراهنك انك لو رجعت إلى كل وكالات التخديم لن تجدي مربية دموية واحدة تستطيع العمل لدى بوفييه . لقد بدأت القائمة إذن تحت اسم هاميلتون .ريحانة
حاول ريمي ان يشرح وهو على استعداد للدفاع عن دانيال :
- لم يكن هذا مكرا منهم , على اية حال من سترسلينها بدلا مني ؟
- لا احد , ولن ارسل حتى الشيطان شخصيا .
قالت اريك في سخرية :
- في هذه الحالة فإن ريمي هو الخيار الوحيد الممكن.
قرص ريمي اخته في خدها بينما سألت جيزيل وكأن اخاها سيشترك في مهمة انتحارية .
هز كتفيه بلا اكتراث بينما صورة دانيال تطوف امام مخيلته ونظرة الذهول الشوب بالوقاحة في عينيها عندما اكتشفت مدى انجذاب كل منهما نحو الآخر ونظرة الحزن على وجهها عندما اعترفت انها تجهل كل شيء عن تربية الأطفال . وإذا كان سيقبل هذه الوظيفة فالمؤكد ان ذلك سيكون لأنه يريد ان يكون بالقرب من دانيال هامليتون طبعا هذا هو السبب .ريحانة
- انا اعرف تربية الأطفال ثم أنا في حاجة للنقود.
فكرت جيزيل في ان الوظيفة المعروضة على توءمها لا تناسب مستوى اخلاقه ولا كرامته بالإضافة إلي ما يعانيه من البطالة .
قالت بعد ان عضت شفتها :
- ولو فرضنا ان السيدة لن تجد شخصا آخر وانك تعرف حقا التعامل مع الأطفال فإنني موافقة والوظيفة لك.
اكتفى ريمي بشكر توءمه بابتسامة وإن كان في الحقيقة يريد ان يطير فرحا ويأخذها بين ذراعيه .
سألته :
- ومن تكون دانيال هاميلتون هذه؟ ولماذا لم توقع السيدة بوفييه بنفسها ؟
- لأنها في رحلة شهر عسل ثاني , ودانيال اخت غير شقيقة .
لمعت ومضة مكر في عيني اريك السوداوين وهي توجه القلم الرصاص نحو اخيها:

Rehana 14-11-18 06:18 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
- دانيال ؟ صفها لي , هل هي جميلة ؟
غمز لها ريمي بعينه , ولكنه لم يمنع الاحمرار من ان يصعد إلى خديه وكأنه مراهق ضبط وهو يحلم سرا بمعشوقته.
عقدت جيزيل ذراعيها على صدرها واخذت تطرق الموكيت بكعب حذائها الوردي ونظرت إلى اخيها التوءم نظرة ثاقبة . ثم قالت :
- ها نحن وصلنا إلى لب المشكلة ! انت تريد هذه الوظيفة من اجل امرأة جميلة .
قال ريمي بوجه عابس :
- إنها محتاجة للمساعدة.
- لا يا اخي الصغير انت الذي تحتاج إلى مساعدة لأنك تحشر نفسك في وضع دقيق مع إحدى العميلات .
اخذ شارب ريمي يتحرك ذات اليمين وذات الشمال كذيل قطة ضبطت في حالة تلبس , وظل تائها وهو يتأمل اصابعه . قالت جيزيل :
- اقسم لي قسما لا رجعة فيه انك لن تلوث سمعتي.منتديات ليلاس
حك ريمي فكره بيده اليمنى , كأن شيطانه الصغير يهمس له ان هذا القسم اللعين لن يتيح له أي فرصة للعمل بحرية . قال مؤكداً:
- اعدك بذلك.
انفجرت اريك في الضحك:
- ايها الماكر , كأن الثعلب يمكن ان يبتعد عن الدجاج .
نكش ريمي شعر اخته اريك القصير , إنها قاربت من الحادية والعشرين . وتحب دائما ان تعاكسه وكأنها لا تزال في الثالثة عشرة من عمرها , اطلقت جيزيل زفرة طويلة وقالت :
- إن من يراكما انتما الاثنين لا يظن ان واحدة ستصبح محامية , والثاني سيصبح عالما ضليعا .
قال ريمي وهو يبتسم ابتسامة صبيانية :
- الثنائي العبقري؟
صاحت جيزيل مستسلمة :
- ماذا يمكنني ان افعل بك ؟
صاح وهو يمسك بها من وسطها ويجرها :
- ان ترقصي!
***
زمجر بتلر دويل موبخا:
- اوه , يا لظهري المسكين.
كا الوجه المتألم عابسا عبوسا رهيبا. ضاقت عيناه وهو يتأكد ان دانيال لا تشكوه . ولكنها اكتفت بأن تذرع الحجرة ذهابا و إيابا , وتجعد جبينها بشدة من القلق . قال :
- انا آسف يا ابنتي العزيزة لأنني لم استطع ان أساعدك . ولكنني متأكد من انك ستخرجين من المشكلة كالشعرة من العجين .منتديات ليلاس
قالت بصوت باتر:
- انت تقول ...
ناولته كوبا من الماء النقي وقرصين ابتلعهما في امتعاض قبل ان يقول مكملا كلامها:
- إنني حزين جداً لأنني تركتك وسط المهمة .
قالت مؤكدة :
- إنها ليست غلطتك.
جلست على حافة السرير الذي يرقد فيه الرجل الذي عرفته منذ طفولتها . كان بتلر مثل والدها ووالد كل متشردي عائلة هاميلتون بما فيهم لورانس هاميلتون نفسه . كان قاسيا ولكنه محبوب وهو موجود دائما عندما يحتاج احدهم إلى المساعدة او إلى ركلة في مؤخرته كان يحبهم وكأنهم اولاده .

Rehana 14-11-18 06:19 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
والآن وسنه ستون عاما لا زال شعره احمر وممشطا جيداً ومفروقا في النصف وملتصقا بجمجمته بكريم التثبيت المشكوك في فاعليته . إنه الرجل الذي كان يعني دائما بركبتي الفتاة اللتين تتعرضان دائما للجروح عندما تدخن السجائر خفية عن والدها فوق إحدى الأشجار.
كان مرتفع الجبهة عريض الذقن بارزة للأمام وأنفه بارز . كان يمتلك التقاطيع الاسكتلندية التي ورثها عن والده وكذلك لثغته عند نطق حرف الراء رغم انهما عاشا اكثر من نصف حياتهما في الولايات المتحدة .ريحانة
قال مصرا وقد ظهرت على وجهه تقطيبة الألم :
- ومع ذلك فإنه يضايقني ولكنه كما قلت لك: إنني متأكد من أنك ستخرجين من المأزق لو نسيت مخاوفك .
- لقد استأجرت مربية.
لم تستطع دانيال إلا ان تقاطعه لأنها لا يمكن ان تتحمل بعد الذي فعلته , ان تسمعه يقول لها : انسي الماضي.
كانت تلك الذكريات لا تزال حية وطازجة , والحزن عميق في قلبها. اتسعت عينا بتلر الزرقاوان واختفت كل اثار المعاناة والألم من كلامه .
- ماذا فعلت ؟
- لقد فعلت ما يمكن ان تفعله اية فتاة غنية في مكاني في مواجهة المحنة, لقد استأجرت شخصا لمساعدتي ويبدو عليه الكفاءة الشديدة رغم انه ليس تقليديا.منتديات ليلاس
- من هو ؟
- ريمي دوسيه وسينتقل إلى هنا الليلة وانا واثقة بأنه لن يخرج من هنا سالما , ولا تقلق على شيء .
نهضت واصلحت الملاءة ذات الإطار الأصفر:
- يجب ان اعود لاعتني بالرضيعة , هل تحتاج شيئا؟
قال بصوت خفيض:
- لا .
شملت دانيال الحجرة بنظرة دائرية ووجدت بجوار السرير الكبير الخشبي مائدة عليها غطاء من الرخام وكومودينو منقوش وفي الجهة المقابلة دولاب كبير لامع حيث وضع في وسطه جهاز تلفاز ومجموعة شرائط تسجيل كاملة . باختصار كل ما يحقق الراحة والرفاهية والأهم ان كل ذلك بعيد عن متناول ايدي اطفال بوفييه . كم ودت من صميم قلبها ان تتبادل المكان مع بتلر .
قالت وهي تتجه الى الباب:
- استرح جيدا؟
همهم :
- وانت كذلك يا حلوتي .
لو لم تكن دانيال مشغولة بافكارها الخاصة للاحظت الشعور بالذنب الذي يشوب صوت بتلر ولكنها كانت من التعب بمكان حتى تنتبه إلى ذلك . خرجت من الحجرة ودخلت سلم الخدم. عليها ان تظل ممسكة بالأمور لحين وصول ريمي وبعدها ستعمل على ان تبتعد اكبر مسافة ممكنة عنه وعن هؤلاء الصغار حتى عودة سوزانا التي ستتولى بعد ذلك العناية بهم .منتديات ليلاس
كتم بتلر انفاسه وهو يسمع صوت خطوات دانيال تبتعد .. يا للصغيرة المسكينة ! ان الارهاق باد عليها لدرجة مخيفة , إنه واثق بأنها سترتفع فوق الاحداث ولكن الخطوط البنفسجية حول عينيها وفوق جبينها تقول له العكس . ثم إنها استأجرت مربية ! إن الامور لا تسير ابدا حسب ما خطط .
ألقى بالأغطية جانبا وجلس على حافة السرير ثم وضع في زجاجة الاقراص القرصين اللذين تظاهر بابتلاعهما امام عيني دانيال . مط ذراعيه إلى أعلى ثم مال بعد ذلك للأمام إلى ان لمست اصابعه قدميه . وعندما انتهى من تمريناته الرياضية القصيرة مد يده إلى الشوفينيرة وطلب رقما بالهاتف , قال بصوت منخفض :
- آلو ! إنه أنا .؟.. لدينا مشكلة صغيرة .


نهاية الفصل

Rehana 17-11-18 06:41 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الرابع

قال اميرواز في حذر:
- ما هذا يا خالة دانيال ؟
- مفاجأة بالمكرونة .
- وما المفاجأة ؟
كان جيرمي الذي يبحث داخل المكرونة بالشوكة قد اصدر زمجرة بعدم الرضا .
- حسنا سأصاب بالدهشة إذا لم نسقط مرضى من الأكل.
انقبض قلب دانيال , لقد اكتشف الاطفال بسرعة انها لا تعرف الطهي ولم يكن الخبر جديداً عليها ولكن بعد ان بذلت جهداً لإعداد وجبة بيديها املا في ان ينتهي الأمر بأن يعتبروها كأمهم اصيبت بجرح في كرامتها من رد فعلهم .ريحانة
قالت دانيال في نفسها وهي تبتلع مرارة الهزيمة : إن عليها ان تعترف بأنه ليست المكرونة هي التي ستجعلهم يحبونها ولكنها ليست قادرة على ربط العلاقات العاطفية . وهذا كل مافي الامر, من تحاول ان تخدع ؟

Rehana 17-11-18 06:43 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
كانت مدركة منذ وقت طويل انها لم تخلق للحياة العائلية , ولماذا إذن تخنقها هذه الفكرة فجأة. لقد كانت حياتها على ما هي عليه تعجبها . كانت حرة تفعل ما تريد وقتما تريد . وإذا تملكتها الرغبة في تصوير أرض المعركة فما عليها إلا ان تمسك بآلة التصوير وتحجز تذكرة بالطائرة . وعندما تقضي الليل في حجرة التحميض المظلمة لإظهار الافلام لا يشكو احد من انها تهمله.
كانت مغامراتها في الحب لا تستمر طويلا وكانت متفرغة تماما لفنها . إنها ستظل قبل كل شيء فنانة لنزوات فنها . ولن تعرف بالتأكيد ان تطهو سوى مكرونة معجنة.
بعد أقل من اسبوع قضته مع اطفال بوفييه غرقت في التوتر والتشتت المستمرين ولم تعد تتحمل اكثر من ذلك. اين إذن باب الهروب الذي يسمح لها بالفرار من ملجأ المجانين هذا ؟ سألت جولي وهي تتأمل الكتلة التي يتصاعد منها البخار في طبقها:
- هل حقا سنأكل هذا ؟ إنه مثير للاشمئزاز.
وبختها دانيال بعينيها ولكن كتفيها هبطتا من الإحباط عندما رأت الكتلة المتماسكة كالعجين .. لهم حق .. إنه مثير للأشمزاز . قال جيرمي مزحا وهو يقلب محتويات طبق تانيا :
- إن هذا يشبه المخ المهري , إنه مخ حيوان الأبسوم .منتديات ليلاس
اطلقت تانيا صرخة رهيبة وهي تقول :
- امنعيه يا خالة دانيال , إنني ساتقيأ.
استفز رد فعل تانيا شقيقها فضاعف من تحديه :
- بل مخ تمساح زاحف.
صرخت تانيا :
- ساتقيأ.منتديات ليلاس
تدخلت دانيال :
- كف يا جيرمي وإلا منعتك من العشاء .
قال جيرمي وهو يدير عينيه:
- ها .. ها ! هل هذا تهديد؟
قالت دانيال :
- اسمعوا يا اطفال , هذه الوجبة مفيدة لكم لأنها غنية بالبروتينات.
همهم جيرمي:
- الصراصير ايضا غنية بالبروتينات ولذلك نأكلها .
- ربما سيحدث هذا!
كان صوت دانيال مهددا بدرجة كافية حتى يمكن ان يصدقوا كلامها . انحنت الرؤوس الحمر الأربعة فوق الاطباق امامهم ولم يعد يسمع سوى صوت الملاعق.
حاولت دانيال من جانبها ان تطعم شيئا عن وجبات الرضع فاختارت ثلاث علب مختلفة معتمدة على الانسجام بين ألوانها . وبدا ان اختيارها اعجب كاميل التي ابتعلت ملعقة وثانية بنهم شديد ثم تقيأت الثالثة على خالتها . كانت دانيال لا تخاف من القيء فلقد تقيأت عليها حية من من نوع الكوبرا في إفريقيا. ومع ذلك لم تتوقف عن التقاط صورة لها . وقد طافت هذه الصورة كل انحاء العالم فوق مجلة الجمعية الجغرافية ومع ذلك فإن حيات سوزانا الملاعين غطوها بإهانات أكثر الما من القيء . لقد حان الوقت إذن لحضور ريمي كي ينقذها .

Rehana 17-11-18 06:43 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

هل ينقذها بأن يهمس في اذنها بكلمات تجعل رأسها يدور ؟ ولكن كل هذا خارج الموضوع . من الآن عليها ان تسلك سلوكا عاقلا ولا داعي للتصورات المخبولة عن الرجولة والعضلات المفتولة.
رأت بقعة من حبات البسلة المضغوطة على الجدار تزينه وهي تحاول تنظيف وجهها الارجواني بيدها الخالية . على اية حال فإن كل ذلك لن يسبب لها ضررا ان تحلم فقط . في سنها المتقدمة هذه لم يعد من حقها ان تحلم وتتخيل الرجال الشباب الاصغر منها . وإذا اضطرت لإختبار موضوع احلامها فلن تجد افضل من ريمي دوسيه ابدا . ولكن لتحذر فاللمس ممنوع.
وسط احلامها ناداها صوت رجل موسيقي من على عتبة المطبخ .منتديات ليلاس
- مساء الخير يا دانيال , اين انت ؟
احست دانيال بدبيب النمل يملأ معدتها عند رؤيتها لريمي في جينز غير مكوي وقميص ذي لون اسود . تساءلت دانيال لماذا يسألها عن مكانها وليس عن كيف حالها ؟ إنه يعرف تمام اين هي , جالسة امامه ومغطاة بخليط متعددالألوان والاصناف وتقوم بإعطاء وجبة للرضيعة .
لم يكن المنظر عاطفيا على الإطلاق , ولكنه على اية حال خارج عن المألوف لتقل لنفسها مهما كان ما سيقال فإن ريمي سيكون المربية من نوع ماري بوينز لكن بلحية , قالت بلهجة متقطعة:
- مساء الخير يا سيد دوسيه , قولوا يا اطفال مساء الخير للسيد دوسيه.ريحانة
لما لم تسمع ردا سوى همهمة مقرونة بصوت احتساء شراب الخوخ من كاميل نظرت حولها لقد هجر الاطفال السفينة بينما هي تحلم برجولة ومزايا ريمي ولم تحس بفرارهم . إنها حقا ام رائعة . قال ريمي وهو يضع على الأرض حقيبته الرياضية من النايلون البني :
- إنهم جميعا ملتصقون بالتلفاز.
كان جانبا شاربه ساقطين فوق طرفي فمه واظهر اشمئزازه عندما رأى بقايا الطعام في الاطباق , قالت له في تحد:
- لا تخجل وقلها , لأنني استطيع ان اتحملها لأن ذلك مكتوب على وجهك , انا لست طاهية.
- انت لست طاهية.
بحركة حريصة التقط شوكة من احد الاطباق وكأنه ينتظر ان تهجم عليه المكرونة , وسألها :
- ما هذا ؟
- إنه مفاجأة بالمكرونة.
- وهل أكلوها .
- لا.
- إن هذا لا يدهشني.
لم يدهش ريمي وإن احس ببعض الخيبة لأنه اينما ذهب فإن النساء يعرفن الطهي وكذلك تربية الاطفال. ومع ذلك فإن دانيال لم تتاقلم لا على هذه ولا على تلك من فنون النساء.
ومع ذلك اثارت دقة تقاطيها شبه الكاملة اهتمامه. كان ذقنها متحديا, وكذلك عيناها الرماديتان اللامعتان . ثم ماذا تفعل وهي ملطخة من رأسها لقدميها بطعام الاطفال ومتورطة مع الرضيعة حتى يمكنها ان تحتفظ بوقارها وكرامتها ؟
قالت لها وهي ترفع سبابة يدها اليمنى:
- أترى هذا الاصبع؟ إنه اصبع الطهي.
- اصبح الطهي؟
- نعم , إن هذا الاصبع يستطيع ان يجمع رقم اي مطعم في اي مكان من العالم, أي شيء آخر احتاج اليه ؟ إني اسألك.
احضر ريمي منشفة من فوق انفها , طرقت بعينيها حتى اصابعه خلال قطعة القماش كانت تحرقها , هذه بداية سيئة ! خفضت عينيها لتحضر الخسائر . منتديات ليلاس

Rehana 17-11-18 06:44 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
كانت رسوم مرحة باللون خضراء وحمراء ولون الخوخ تزين التي شيرت وذراعيها , وكذلك بقع حمراء ثلاثية الابعاد.
قال :
- ليس شكلك حقا مقبولا يا عزيزتي وافضل ما يمكن ان تفعليه هو ان تذهبي الى الحديقة وترشي نفسك بالماء من الخرطوم.
- لا , شكراً إنني افضل ان اخذ دشا.
قال بصوت ناعم كالمخمل :
- وانا كذلك , هل تريدين مساعدة؟
عمل ذهنها بصورة محمومة في تصور اقتراحه ولكنها صاحت :
- لا استطيع التصرف بمفردي.
سألها :منتديات ليلاس
- هل أنت متأكدة؟ , انا ماهر جدا.
- هل نسيت انك وعدتني ان تحسن سلوكك؟
- حسنا لن استمر اكثر من ذلك.منتديات ليلاس
اختارت كاميل هذه اللحظة بالذات كي تصرخ صرخة مرحة وان ترسل قبعتها المليئة بالعصيدة في وجه ريمي . اعجبت الطفلة بمغامرتها فبدأت تلقي قنابلها في كل اتجاه . ابتسم ريمي وقد برزت اسنانه :
- يبدو انني سأضطر إلى اخذ دش ايضا.
قالت دانيال مؤكدة :
- هذا الموضوع خارج المناقشة .
استطاعت اخيراً ان تتمالك نفسها كي تنهض واشارت اليه : اين يضع متعلقاته . وخرجت من الحجرة ورأسها مرتفع وهي تكرر في نفسها ممنوع اللمس . وكأنها تريد لحنا ساحراً . مطت كاميل جسمها ومدت يدها نحو ريمي كي يخرجها من مقعدها واصابعها ملوثة بالعصيدة وفوطة صدرها ملوثة بكل الالوان بينما خصلة شعرها القصير الاحمر ارتفعت على رأسها على شكل موضة رؤوس البانكس بفضل عصير الخوخ الذي تحول إلى كريم تثبيت الشعر وبدا عليها كأنها في الفردوس.
قال لها ريمي بلغة الاطفال :
- انت ايضا سعيدة مثل جدي صغير وسط بركة من الطين , أليس كذلك ؟ تعالي يا ساحرتي الشريرة , انت السيدة الوحيدة التي استطيع ان احميها .
عندما خرجت دانيال من حجرتها منتعشة بعد ان اخذت دشا وارتدت سروال قطن وبلوزة بنفسجية, كان ريمي قد انتهى من حمام كاميل ووضعها وسط غطاء مزين بكنجارد ابيض محاط بقطيع من الأرانب الصفراء . اما باقي الاطفال فكانوا ملتصقين بالتفاز وهم مسحورون بآخر اكتشافات ماجايفر . قالت دانيال وهي تراقبهم من الردهة :
- إنهم حقا هادئون .
كانت قد استردت سيطرتها على نفسها بعد الحمام وإنها قادرة على الاستمرار على هذه الحالة بعد ان بعدت عن تأثير ريمي . وبعد ان قاست المسافة بينهما . قالت وهي تبتسم في مكر:
- بدون خبرة استطيع ان اقول : إن هذه اسرة عادية .
قال ريمي وقد نسي مغامرته فوق السقف :
- هيا , إن هذا المنزل يشبه البيوت التي تؤوي اطفالا.
وضع ريمي كاميل في مهدها وناولها كرة مطاط , اخذت في الحال تمضغها بينما اكتفت دانيال بهز كتفيها وهي تشير بيدها إلى خلف البيت :
- لو كان لديك دقيقة فإنني سأقدم لك بتلر , إنه وقت تناول ادويته وإذا حالفنا الحظ فإنه سيشاركنا فيها .منتديات ليلاس
فكر ريمي ان الأمر يتعلق بمزحة وتبعها دون ان يمنع نفسه من الإعجاب بمشيتها وهي تتبختر :
- من هذا بتلر؟ انك لم تذكري لي كلمة عنه بعد ظهر اليوم , ولكن مع كل تلك الدموع والمعارك نسيت ان اسألك عنه .

Rehana 17-11-18 06:45 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
استدارت دانيال فجأة ورشقته بنظرة حادة مشوبة بالبرود كي تجعله يفهم انها لا تحب تلمحياته عن عدم كفاءتها.
قالت بلهجة قاطعة:
- بتلر هو كبير الخدم عندنا.
- يا إلهي ! لقد ظننت ان هذه الشخصيات تنتمي إلى عصر ما قبل التاريخ.
- ارجو ان توفر على نفسك سخريتك يا سيد دوسه . إن بتلر هو جزء من اسرتنا منذ اكثر من اربعين عاما وهو ما لا يمكن ان يقال عنك. في الحقيقة خبري عند من عملت مربية ؟
- إيه !
كان ريمي على وشك ان يختنق من إجابته عندما وصل صوت مرتعش من خلف الباب الذي وقفا امامه وكان بمثابة المنقذ له :
- دانيال؟ هل هذا أنت يا حلوتي؟
توغلت دانيال في الحجرة وسارعت إلى رأس سرير بتلر:
- إن صوتك متعب , هل ساءت حالتك؟
استند بتلر على الوسائد بعد ان اعتدل وهو يتألم ويبدو الامتعاض على وجهه.
- إنني مريض جدا ولكن ذلك سيمر , إن قلقي هو عليك أنت.ريحانة
- لقد قلت لك من قبل ألا تقلق , كل شيء منتظم واود ان اقدم لك مربيتنا الجديدة.
قالت وهي تبتعد كي تحضر ادوية بتلر :
- هذا هو ريمي دوسيه , اقدم لك يا ريمي بتلر ماك دويل الوصي بفيلا هاميلتون من نصف قرن وهو حارسها .
تشابكت نظرات الرجلين . رفع ريمي حاجبيه امام قبضة الرجل العجوز القوية والتي تبعها بعد ذلك ببعض الأنين ثم سقط منهوك القوى على الوسائد وقال :
- ارجو ان تعذرني يا سيد دوسيه لأنني لا استطيع الوقوف ولكن كما ترى إنني عاجز.
- وسط ارتباكي الشديد اضطر بتلر للعناية بالأطفال ولم اكن هنا إلا من اجل المعرض الفني.
قال ريمي مطمئنا وهو يبتسم ابتسامة خادعة:
- اطمئن يا سيد بتلر , سأعتني بهم تماما وبالآنسة دانيال ايضا .
نطق العبارة الاخيرة بصوت منخفض ورغم انه قالها دون ان يبدو على وجهه اي تعبير إلا ان دانيال احست بالخجل واحست بأن مجال عيني بتلر يخترقها تماما مثلما كان يحدث وقت مراهقتها وهي تقضي الصيف عند ابيها . بنظرة واحدة استطاع بتلر ان يخمن انها تتبادل الغزل مع جارهما الصغير جيمس شريدان . لم يتغير شيء وهي على استعداد ان تقسم انها لمحت في عيني العجوز انه فهم كل شيء .منتديات ليلاس
قالت :
- إن السيد ريمي دوسيه اتى من احسن وكالة في البلدة .
قال بتلر وعيناه لا تفارقانها :
- حقا ؟
اعطته القرصين ولكنها في ارتباكها لم تلحظ انه احاطهما براحة يده . سأل بتلر :
- ومنذ متى وانت تعمل مربية يا سيد دوسيه؟
تنحنح ريمي ليسلك حلقه ومد كوب الماء إلى كبير الخدم . التقت عيناه السوداوان بعيني بتلر , وظل يتحملهما فترة طويلة دون ان يرمش .
قال ريمي بلهجة مليئة بالتلميحات الخفية :
- من الأفضل ان تبتلع دواءك المخصص للجياد وسيكون من المحزن ان تختنق إذا لم تستخدم الماء.

Rehana 17-11-18 06:45 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
زاد وجه بتلر تعاسة واخذ يسعل ثم ابتلع جرعة من الماء وهو يحاول ان يبتسم .منتديات ليلاس
- كم اشعر بالارتياح لأن احدا سيعاون دانيال في العناية بالاطفال.
بدأ طرفا شارب ريمي يتراقصان وقال :
- أنا من رأيك.
سألت دانيال وهي مندهشة لأنه افرغ طبقه.
- كيف حال الغداء؟
- ممتاز يا جميلتي , وبمناسبة الوجبات فإنني اعتقد انني ساتماثل للشفاء غدا كي استعيد مكاني في المطبخ .ريحانة
- هذا الموضوع خارج المناقشة.
تدخل ريمي :
- استطيع ان اعتني به يا سيد بتلر فأنا ايضا طاه ماهر.
وجه بتلر نظرة محملة بالاتهام إلى دانيال :
- هل صحيح انك لست طاهية ماهرة ؟
- حسنا , حسنا فهمت , كل العالم يعرف انني لست موهوبة لا في المطبخ ولا في تغيير الفراش.
ادهش ريمي المرارة التي سادت صوت المرأة , واخذت عيناه تنتقلان ذهابا وإيابا بينهما وبين بتلر , وضبط التوتر الذي كانا يحاولان إخفاءه .
قالت دانيال بجفاء:
- سنتركك لتستريح .
إنها لا تحب الطريقة التي ينظر بها ريمي إليها ولا تحب ان تسمع ما سيقوله لها بتلر . حاولت ان تخفف من وطاة التوتر فاضافت :
- ثم لدينا رغبة في الا نبقى سويا في مكان واحد لأن جيرمي قادر على ان يثبت الباب بالمسامير كي يمنعنا من الخروج!
عند عودتها إلى المطبخ سألها جيرمي وهو متضايق :
- الا يضايقكما ان اقوم بالطهي بدلا منكما ؟
صاحت :
- بلى, بالتأكيد , هيا اطبخ , هيا ادخل واطبخ إذا كان هذا يسعدك وهو لا يهمني على الاطلاق بل سيريحني .ريحانة
قال ريمي الذي كان يعد الرضاعة دون ان يتركها :
- يبدو عليك الضيق , هذا كل ما هناك.
شيء ما يزيد عصبية السيدة وهو على استعداد ان يراهن بأن الأمر يخص مشكلة جادة من مفاجأة المكرونة , احس بكل انواع التيارات التحتية واحس بحاجته ان يقدم المساعدة والراحة لدانيال وكان يحس بالتوتر الشديد لأن التجربة علمته ان هذا النوع من النساء لا يطلب المساعدة.
هدأت دانيال قليلا ورأته يقوم بعمله بإعجاب كانت حركاته الواثقة وكأنها تدل على انه كان يعد الرضاعات طوال حياته . ولحسن الحظ انه لم يشاهدها وهي تعتني بكاميل.
قالت :منتديات ليلاس
- هل يبدو علي الضيق؟
عادت إليها كل ذكريات عدم كفاءتها وكونت كرة ضخمة وصلبة في قلبها . والهدوء الذي بذلت جهداً خارقا كي تحصل عليه هجرها , واحست انها أكثر اضطرابا عما سبق:
- اعلم شيئا , إنني لست طاهية فظيعة فحسب وجليسة اطفال لا شيء وإنما ايضا سافلة سفالة الكلب.
كانت تتحدث بصوت قوي محاولة ان تخفي عواطفها , ألقت برأسها للخلف بافتخار وحدجت ريمي بنظرة احتقار وهي تتجنب ان تلتقي بعينيه .منتديات ليلاس
اكملت :
- يجب ان تتعود على هذا لأننا نحن النساء الثريات هكذا.
بعد هذه الكلمات خرجت كالسهم من المطبخ ولم تترك وراءها سوى حريق كلماتها مصحوبا بعطر سان لوران.
قطب ريمي ثم صفر من بين شفتيه :
- إنني اتساءل حقا , لماذا تتصرف الآنسة كالتمساح؟!


نهاية الفصل

Rehana 17-11-18 06:55 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الخامس

ترسخ في ذهن دانيال ان ريمي يعتبرها ساذجة ومخبولة. خرجت إلى الشرفة حافية القدمين التي تطل على نجيل ضيعة بوفييه.
كانت إقامتها الطويلة في التبت عملا مجنونا وإن ساعدها على الشفاء , وان تضع الامور في نصابها , وان تتصالح مع نفسها ومستقبلها وذكريات احداث لندن.
عاشت هناك في كوخ بسيط على سهل شانج تانج ولا يصحبها سوى ثوب اهل التبت الطويل وماعز . كانت طوال النهار تلتقط مئات الصور للمناطق القاحلة بينما كرست الليالي للتأمل. وعند عودتها اعتقدت انها وجدت السلام ولكنها لم تعد تمتلك من وقتها سوى الدليل على ان الامر يتعلق بالتوازن الحذر والهش.منتديات ليلاس
غزتها عاصفة من اليأس فضغطت خدها على الخشب الناعم لإحدى الشرفات البيضاء . كانت رائحة الورود تطوف حولها وسط الجو الثقيل مما جعلها تشعر بالضيق.

Rehana 17-11-18 06:56 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
كانت الشمس قد غربت ولكن العتمة لم تكن قد انتشرت في الضاحية الهادئة . في هذه اللحظة كان الحي الفرنسي من المدينة والمسمى بالمربع القديم يبدأ في الحركة والحيوية.
مرت عربة تجرها الجياد محملة بالسائحين في الشارع ولوى الركاب اعناقهم ليتطلعوا إلى عظمة المباني القديمة ويمطروها بالصور الفوتوغرافية ممانزع من دانيال ابتسامة منهكة.
خرج ريمي إلى الشرفة وكاميل في منتهى الراحة وهي داخل المهد الذي صنعه من ذراعيه . رأته دانيال بركن عينها وهو يستقر على الأرجوحة وبدأ يعطي الرضاعة للطفلة . قال لها مشجعا:
- لماذا لا تجلسين يا عزيزتي؟
ورغم صوت التحذير المنخفض الذي كان ينبهها ألا تفعل شيئا إلا انها لم تنتظر ان يكرر الدعوة.
عبرت الشرفة ولديها شعور انها تغرق في رمال متحركة . على اية حال هي امرأة ناضجة وتتمتع بسن الحكمة. كم تكره هذا الوصف؟ اكتفت بأن جلست بجوار هذا الرجل الذي سيعيش في نفس المنزل الذي تقيم فيه خلال اسبوعين وما عليها إلا ان تثرثر معه في أدب.
قالت بعد ان استقرت في ركن الارجوحة ووضعت ذراعيها حول ركبتيها المنثنيتين :
- ارجو ان تعذرني لما حدث من قليل , إنني احس بصداع في هذه اللحظة.
سألها ريمي ووجهه بدون تعبير : لماذا ؟
كان إغراء الاعتراف له بالأسباب العديدة لعصبيتها قويا ولكنها قاومته :
- إنني لم اتعود على الوجود بين كل هذا العدد من الناس . لم يكن المكان الذي اعيش فيه في التبت يشبه على الإطلاق ميدان التايمز .منتديات ليلاس
بدا الاهتمام على ريمي:
- وماذا فعلت هناك كل هذه المدة ؟
فكرت في نفسها ان تقول : كنت اتعذب وافكر واتأمل وأكفر عن ذنوبي واحاول ان اشفى , ولكنها ابعدت نظراتها عنه حتى لا يستنبط ما تفكر فيه . واجابت :منتديات ليلاس
- كنت التقط صورا . انا مصورة .
- من اجل مجلة ؟
- احيانا . بصفة عامة انا اعرض صوري في معارض وانشر البومات . والصور التي التقطتها في التبت ستنتشر في كتاب عنوانه صورة للتبت.
بدا لها ريمي متأثرا وإن كانت متشككا بعض الشيء , غير من وضعه واراح كاميل في وضع اكثر راحة في تجويف ذراعيه . ثم سألها :
- هل تقومين برحلات كثيرة مثل هذه؟
- في كل انحاء العالم.
- وهذا لا يزعجك ؟
- ولماذا ؟ لقد تربيت في البراري وامي كانت عارضة ازياء من الدرجة الاولى وكانت الرغبة ان تبقى في بلدك وان تبحثي عن جذورك وتكوني اسرة ؟
- وطني هو حيث اثبت الكاميرا واوجهها.
- والراحة؟
ردت عليه ببرود :
- هذا ليس من شأنك يا سيد دوسيه.
احس ريمي بأن الامر يتطلب فقط ان يمهلها ولكنها ليست من السيدات اللاتي يعاملن خدمهن باحتقار. لقد عزم ريمي ان يكتشف كل الاسرار المخفية في عينيها الرماديتين .

Rehana 17-11-18 06:57 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
سألها وهو يقترب منها قليلا :
- هل تحبين كل هذه الرحلات؟
كان هذا السؤال لا يخفي اي فخاخ مما جعل دانيال ترتخي بعض الشيء.
- إنني اعشق الرحلات لاكتشاف العالم, العادات والناس والغذاء, إن هذا يسحرني.ريحانة
نظر ريمي إلى الطفلة , إنه لا يشارك دانيال ولعها بالرحلات وكان يفضل لو ان اختلافهما يقع في مجال أكثر تحديداً. احست دانيال بوخز في قلبها وهي ترى كاميل بين ذراعي ريمي الآمنتين . اغلقت عينيها واحست بأنها قد استرخت تماما وانها في امان مع ذلك الرجل الذي بجانبها والذي يهتم بالطفلة بطريقة طبيعية وكأنه تعود على إعطاء زجاجة الحليب للرضع طوال حياته. سألته كي تخرج عن افكارها العاطفية حوله :
- هل تقطن هنا دائما ؟
- نعم عائلتي تسكن بابو منذ حوالي قرنين.
قالت له بلهجة لاذعة دون ان تضحك :
- ولكن لا يبدو عليك انك تجاوزت سن المائة والثلاثين.
سألها بينما لمعت عيناه :
- اتقصدين بهذا السؤال انني ساظل دائما اصغر منك ؟
احمر خدا دانيال وقرر ريمي الا يزيد من إحراجها أكثر من ذلك .
قال :
- لقد تركت ولاية لويزيانا مرة. ارسلتني شركة البترول التي كنت اعمل بها إلى اسكتلندا او بالضبط الى هيربريد الجديدة.
كانت دانيال قد قضت شهرا من الصيف في هيربريد الجديدة حيث احبت جمالها وخشونة طبيعتها وصوت تكسير الرياح فوق سطح البحر وكرم ضيافة اهلها من سكان الجزيرة , ولم يشاركها ريمي رأيها على ما يبدو.
قال :
- لقد اضطررت للعودة لأنني لا استطيع الحياة إلا حيث تعيش اسرتي.
هزت دانيال كتفيها فسألها :
- كم من الإخوة والأخوات لك؟
- خمسة ولكننا لسنا اخوة إلا من الأب عدا توني وسكوت فهما توءمان . ونحن متفرقون في جميع الجهات ولكننا على اية حال اسرة .منتديات ليلاس
- يا إلهي ! هل كان لوالدك خمس زوجات ؟
قالت دانيال مؤكدة :
- إنها لعنة هاميلتون . إن النساء يقعن صريعات حب لورانس من اول نظرة . ولكنهن لا يتحملن استمرار الزواج به. والغريب رغم ذلك انهن ظللن صديقات له بعد الزواج ولم يكن من النادر ان بعضهن كن يقعن عنده.
- وهل تؤمنين بتلك اللعنة ؟
لم تستطع دانيال ان تنكر ان المغامرات لا تدوم طويلا وحسب مزاجها فهي ترجع السبب إلى صعوبة اخلاقها او إلى اللعنة الشهيرة . وحاليا لم يكن لديها الرغبة في الرد.
القت نظرة جانبية نحو النافذة ومن موقعها , كان من المستحيل ان ترى الأولاد ولكن ترى الأنوار وتسمع الضجة من التلفاز.ريحانة
سألته في مرح :
- ماذا فعلت مع القطيع الوحشي؟ هذه اول مرة يكونون فيها عقلاء منذ كانوا في بطن امهم!!
- لقد قصصت عليهم انني تلقيت تدريبي على اعمال المربيات في السجن.

Rehana 17-11-18 06:59 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
احست دانيال بالخوف لحظة, لماذا لم تصر على ان تطلع على اوراق اعتماده؟ ربما قاتل مجنونا؟
وماذا لو انها انتزعت الطفل من بين ذراعيه وهربت بها إلى حجرتها واغلقتها بالمفتاح والمزلاج ؟ لا .
إنها تفضل مصاحبة قاطع طرق هارب على ان تظل في بيت واحد مع الملعون جيرمي بوفييه .
قال ريمي :
- استرخي يا عزيزتي ! انا بالضبط على ما أبدو عليه.
إن هذا الخبر لا يطمئن . إنه يبدو رجوليا لدرجة رهيبة ولا تقاوم , وصورته تطابق احلامها حول الرجل الذي تحبه, ولكنه اصغر منها بكثير بحيث لا ينتميان إلى نفس المجموعة السكانية الواحدة.
استطاعت ان توجه اليه شبه ابتسامة :
- رائع!
- وانا اجدك أكثر روعة يا دانيال .
احست بالحرارة تغزوها ووجدت انه ليس من الحكمة ان يجلس ريمي على طرف الارجوحة معها , وعندما حاول الاقتراب منها نظرت إليه نظرة سوداء فتوقف في الحال.
قال بصوت رقيق وكأنه احد الاطفال :
- يجب ألا تلوميني , لأنني حاولت ...
قالت له بحدة :
- هل انت من نوع الكازانوافا من اهل بابو ! لابد ان تخجل من نفسك خاصة والطفلة بين ذراعيك !
لم يبد الضيق على ريمي وألقى نظرة حنان على الطفلة :
- يالها من عروس محبوبة !
- نعم .منتديات ليلاس
اعترفت دانيال وهي تنظر إلى ابنة اختها الصغيرة لم يكن احد يتوقع ان هذه الكلمة الصغيرة الطرية يمكن ان تصبح احد وحوش بوفييه . كانت دانيال صريعة هوى الطفلة من اول نظرة رأتها فيها وعندما مدت يدها لتداعب حزمة شعرها الاحمر احست بوخز في قلبها . قالت :
- احيانا اعتقد انها تحبني .ريحانة
كان الجنون والهوس الذي يشوب صوتها قد رقق من مشاعر ريمي نحوها . إن المرأة المسيطرة والتي تشعر بالعزة قادرة ايضا على ان تكون باردة كيوم من الشتاء في هيربريد الجديدة .
لقد حلت محل مخلوقة شاردة الذهن غير واثقة بنفسها وحزينة .
همس :
- طبعا .. انها تحبك.. اتريدين اخذها ؟
قالت دانيال ممتعضة :
- لا احس بلهفة لأن افعل ذلك.
- لا تقولي هذا , يكفيك بعض التمرين لا اكثر.
اقترب مرة اخرى قليلا حتى إن ذراعه بدأت تلمسها . وضع ريمي الطفلة بين ذراعي الشابة وقال :
- خذي واسترخي , هذا كل ما هناك.
ادت النظرة الحانية التي ألقاها عليها إلى العكس , حيث زاد توترها فضغطت بقوة على الطفلة النائمة حتى إن كاميل اصدرت تأوهات منخفضة وتجهمت وهي نائمة .ريحانة
كرر عليها ريمي وهو يبتسم :
- استرخي ولا تضغطي عليها , إنها ليست كالأوكورديون .استرخي يا عزيزتي فإنها لن تتكسر.
انتهز هذه المرة الفرصة ليضع ذراعه خلف كتفي دانيال التي كانت في حاجة للمساعدة حقا.
كانت الرغبة الطبيعية في حمايتها قد اجتاحته عندما رأى عدم مهارتها المؤثرة . إنه يحس نحوها الآن بحنان حلو ومر في آن واحد .
همس وهو يداعب جبهتها :
- حسنا , إنك سرعان ما ستنجحين .

Rehana 17-11-18 07:00 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
ابتلعت دانيال كلماته كما تبتلع قطعة الإسفنج ماء المطر ولم تعد تحس بسنها التي تقترب من الاربعين ولا يخيفها ذلك. ولا بأن ريمي اصغر منها بكثير. إنه فقط لطيف ومليح جداً. رفعت رأسها بهدف ان تقطع تأثير السحر الذي لفها ولكن الكلمات ظلت محشورة في حلقها وهي ترى النظرة الصادقة والعاطفية التي استقرت عليها . لِمَ لم يؤثر فيها أي رجل مثله في حياتها وهو ما زاد فزعها خاصة عندما اعترفت بأن بعض الاحلام لا تتحقق.منتديات ليلاس
قالت بصوت مشحون بالعاطفة :
- اعتقد انه من الأفضل ان تضع كاميل في مهدها.
ابتعد ريمي عنها وهو يود لو استطاع ان يقول لها , إنها ساحرة وفاتنة وإنه مغرم بها .
قطعت ضجة كالرعد في الردهة احلامه. مد رقبته وهو مقتنع انها صادرة عن احد الاطفال, ولكن الظل الذي التصق خلف الباب كان طويلا.
قال متسائلا بعد ان حك أذنه :
- إنه بتلر , أي نوع من الرجال هذا المخلوق؟
كررت دانيال في صوت ساهم :
- بتلر ؟
- نعم إنه لم ...
قطعت كلمات ريمي بانفجار صدر من داخل البيت . قفز واقفا على قدميه وسارع نحو الباب . نهضت دانيال فتلقت ضربة من الأرجوحة في ركبتها اوشكت ان تفقدها توازنها . كان رد فعلها سريعا حيث احتضنت كاميل بقوة بين ذراعيها . ففزعت الطفلة واستيقظت ثم بدأت تصرخ بكل قوتها .
خرج الدخان من عقب باب المطبخ . وفتح الباب على سحابة خانقة وعاصفة وخرج من وسطها الصغير اميرواز وقد نكش شعره .
ظلت الطفلة تصرخ وهي بين ذراعي دانيال التي سارعت نحو الشيطان الصغير.
- اميرواز! اميرواز! ماذا حدث ؟
- لقد اطلقت جولي مفاجأة , المعكرونة بصاروخ , إنه عمل مسل للغاية.
استعدت دانيال لمواجهة أسوأ الامتحانات فدخلت المطبخ. كان ريمي واقفا وهو ممسك بمطفاة الحريق بالقرب من المائدة التي غطتها طبقة كثيفة من الرغوة الكيمائية وكانت كل الغرفة بجدرانها ودواليبها واراضيها وسقفها مغطى باللون الأبيض بينما انتشرت قطع المكرونة على شكل ديدان بيضاء .
كان الانفجار بالطبع راجعا إلى جولي التي بدت وكأنها خرجت لتوها من فيلم رعب. ووجهها مغطى بطبقة من المكرونة الصمغية يتخللها بعض قطع من عيش الغراب. كان الواضح من مظهرها ان كرامتها جرحت.منتديات ليلاس
اما بالنسبة لكاميل فقد كفت عن الصراخ واخذت تتأمل المشهد في استغراب وكأنها تتفرج على واجهة عرض تعرض هدايا الكريسماس .
وضع ريمي المطفأة ارضا قبل ان يتجه إلى مرتكبة الجريمة وصاح:
- يا إلهي ! يا لها من حظيرة حيوانات!
صاح جيرمي وهو ينزلق فوق مشمع الارضية اللزج من طبقة مادة الإطفاء الكيمائية وكأنه فوق الحلبة تزحلق على الجليد :
- يا لها من عبقرية !
اختارت تانيا هذه اللحظة بالذات لتظهر بوجهها المرعوب عند الباب وان تصيح هادرة بصوت حاد :
- إنه شيء مثير للأشمزاز , إنني سأتقيأ.
بينما ريمي الثائر يوخز جولي بالمكنسة ظهر المدعو بتلر وانفاسه متقطعة وهو يلهث وشعره كانه خارج من معركة وخداه ارجوانيان امام باب المطبخ .

Rehana 17-11-18 07:01 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
اقسم ريمي في نفسه انه لابد انه هبط الدرج كل اربع درجات مرة واحدة ولكنه امتنع عن أي تعليق واكتفى بأن هز كتفيه ورفع حاجبيه عندما رأى بقعا سوداء على سروال بيجامته . صاح بتلر:
- يا إله السماوات والرحمات , ماذا حدث إذن هنا .منتديات ليلاس
ربط حزام الروب دي شامبر الذي يرتديه وجرب عبور المطبخ ثم تذكر فجأة ان يمسك ظهره بيده. قال ريمي يطمئنه:
- لا شيء , مجرد انفجار صغير , يمكنك ان تعود لتنام.
فغرت دانيال فمها دهشة وعلى وجهها تعبير الرعب, وقالت لريمي :
- ماذا تقول ؟ انفجار بسيط؟ هذا ليس بمنزل وإنما معسكر لتدريب الإرهابيين .
وقف ريمي وقد وضع يديه في وسطه يسيطر على جولي البدينة وهو يقول :
- لقد اوقعت نفسك في المحظور يا عزيزتي , لقد اخبرتك ان تصعدي لتنامي منذ ساعة .
قالت تتحداه :منتديات ليلاس
- إنك لن تستطيع ان تجبرني على طاعتك.
قال ريمي بحدة :
- أتريدين ان تراهني؟
ركلته جولي في قصبة ساقه قبل ان يمسك بها. كتم كلمات السباب التي كان سيطلقها وامسكها من وسطها وجعلها تدور حول نفسها ثم رفعها فوق كتفه وكأنها جوال بطاطس. حاولت ان تركله بقدميها ولكنها منعها من الحركة بأن امسك بكعبها بيد وضبها على مؤخرتها بالأخرى.
قال بحدة وهو ينظر نظرات سوداء من الغضب وهو يمر من امام دانيال :
- سنصعد إلى أعلى حتى نناقش آخر تعليمات المتفجرات .
راقبه الجميع يخرج وهم صامتون وعيناه توشكان ان تخرجا من محجريهما وخداه شاحبان ملطخان بالبقع . بدا جيرمي مذهولا . بينما بدا بتلر ساهما يفكر وكاميل اخذت تغرد وكأنها تقول له : إلى اللقاء عندما اغلق الباب.
قالت دانيال بصوت مشوب بالإعجاب :
- اعتقد ان جولي وجدت سيدها.
همس جيرمي :
- أتعتقدين انه سيقتلها ؟ اتظنيني انه سيقطعها إلى قطع صغيرة ويقدمها غذاء للتماسيح؟
قالت خالته مؤكدة:
- طبعا لا , إن السيد دوسيه مربية نموذجية .ريحانة
استقبل بتلر هذه الفكرة وهو يضحك ضحكة مكتومة حدت من حماس دانيال . إنها تريد من جولي ان تتعقل ولكن دون شك لا تريد ان تتعذب . ألقت نظرة على الباب وكأنه اصبح فجأة باب الجحيم .
ارهفت السمع ولكن الصمت ساد كل البيت . ثم ماذا تعرف هي عن ريمي دوسيه ؟
اخذت بانوراما المنظر تتكون في مخيلتها وهي تسير على اطراف اصابعها في هدوء فوق سجادة المكرونة المفروشة على ارضية المطبخ. وقالت لهم بصوت رزين:
- سأذهب لأضع كاميل في مهدها .. إلى اللقاء.
بعد ان وسدت الطفلة مهدها توجهت ايضا على اطراف اصابعها نحو اشعة النور التي افلتت من حجرة جولي . كانت الكلمات التي ينطقها اشعة النور التي افلتت من حجرة جولي . كانت الكلمات التي ينطقها ريمي بصوت هادئ كلمات حادة ومحددة وتزداد وضوحا كلما اقتربت . التصقت بالجدار والقت نظرة من خلال فتحة الباب الموارب .

Rehana 17-11-18 07:02 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
- كان من الممكن ان تصابي بجروح, وكان من الممكن ان تجرحي اخاك واخوانك واخواتك . ماذا سيكون شعورك لو ان رأس اميرواز انفجر؟
قالت جولي بصوت هادئ كمواء القطة:
- لا اعرف.
كانت الفتاة نظيفة كالعملة الجديدة وشعرها الأحمر ممشطا خلف اذنيها وهي جالسة على حافة السرير وقد امسكت رأسها المحني لأسفل بين يدها وهي مرتدية قميص النوم بينما وقف ريمي ويداه في وسطه وبدت عليه الجدية .
اضافت الطفلة :
- كنت سأحس بالألم .
قال ريمي دون ان يرفع صوته :
- مجرد كلام! إنه اخوك الصغير وهو يحبك, تذكري ذلك في المرة القادمة عندما تنوين ارتكاب عمل طائش.منتديات ليلاس
قالت جولي والدموع في عينيها :
- نعم يا سيد دوسيه.
- وخالتك دانيال! هل فكرت فيما يمكن ان تشعر به وهي ترى انك فجرت الطعام الذي تعبت في إعداده ؟
احتجت الفتاة :
- ولكنه كان يثير اشمئزازي.
- لا يهم, ولا يهم إذا كان طعمه مثل طعم عصيدة الكلاب , لقد جرحت شعورها ولابد ان تخجلي.
عضت دانيال على شفتيها وامتلأت عيناها بالدموع تعاطفا مع جولي وعطفا على نفسها وحنانا نحو ريمي : يا له من رجل لطيف!
رغم شهقات جولي فقد بدأت دموعها تفيض , جلس ريمي بالقرب منها وضمها إليه . لفت ذراعيها الصغيرتين حول عنقه الضخم واخذت تبكي من كل قلبها مدة دقيقتين . اخذ ريمي يهدهدها ويهمس في اذنها . اخيراً همس لها شيئا جعلها تنفجر ضاحكة وتبتعد عنه .منتديات ليلاس
قرص انفها وغمز لها بعينه.
- هذه ساعة نومك . تصبحين على خير يا كرنبتي العزيزة!
سألته جولي:
- ما معنى هذا؟
- الفتاة الصغيرة.
- حسنا.منتديات ليلاس
اتجه ريمي نحو الباب وهو يضحك ولم يتح الوقت لدانيال التراجع إلى الظل. تلاقت اعينهما جزءا من الثانية . كانت تعلن افكارها الجامحة وحاولت الهروب ولكنه امسكها في خطوتين .
قال في صوت حلو وهو يحصرها بينه وبين الجدار:
- إذن يا رئيستي ! هل تتجسسين علي!؟
تقلص حلق دانيال . كان واضعا يده على الجدار ووجهه يقترب منها في خطورة . قالت:
- لقد بدا عليك الغضب الجامح.
- صدقيني يا عزيزتي . إنني كنت فعلا غاضبا ولكني هدأت بنفس السرعة التي اشتعل بها غضبي .
اخذت دانيال تفتش في عقلها عن طريقة لتغيير الحديث :
- هل رأيت المطبخ ؟ كيف سننظفه ؟
- اذا كنت فهمت جيدا , أليس لديك خادمة منزلية؟
- لا, لقد هربت يوم رحيل سوزانا وتشارلز في الإجازة.لقد فضلت وظيفة مرشدة في بيروت.
- لا تقلقي سأهتم بذلك غدا.
قالت له وهي تبتسم ابتسامة عرفان واعتذار :
- شكراً , لا شك انك عندما قبلت الوظيفة لم تتوقع الأولاد والمطبخ وإدارة المنزل , إنه كثير عليك.
بدأت عينا ريمي تعودان إلى مظهرهما الغامض.ريحانة
همس في أذنها وهو يحصرها بجانب الجدار :
- أكثر من اللازم .. نعم أكثر من اللازم .
حاولت دانيال المقاومة ولكنها خسرت المعركة لقد فات الوقت كي ترفض ريمي مهما قال لها صوت العقل . كم هو رائع ان تكون مرغوبة وهي في هذه السن!
قال لها :
- لقد تبعتني لأنك تخشين ان اضر خبيرتنا الصغيرة في المفرقعات, أليس كذلك؟ في رأيي الشخصي انت تحبين هؤلاء الشياطين الصغار أكثر مما تعترفين به. وأراهن انك تحبينهم أكثر من نفسك.
قالت له وهي متضايقة :
- من الأفضل ان تعض لسانك قبل ان تتكلم.
تراجع ريمي نحو الدرج وهو يبتسم لها ابتسامة شيطانية :
- افضل الا عض شيئا.
هددته:
- انك تستحق ان اطردك , لا يمكن إصلاحك.
رد قبل ان يتجهم وجهه ويختفي في الدرج:
-ولكني اجيد اشياء كثيرة لا تستطيعين الاستغناء عنها.


نهاية الفصل

Rehana 18-11-18 06:11 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل السادس

استيقظت دانيال وقفزت من مكانها . كان قميص نومها مبللابالعرق وكانت تجد صعوبة في التنفس , جلست في مكانها في السرير وحاولت ان تسترد سيطرتها على نفسها.
كانت الغرفة تسبح في ضوء فضي صادر من القمر الذي كان بدرا حيث تسللت اشعته من بين فتحات الستائر الواسعة بينما ساد الهدوء والصمت.ريحانة
استغرقت دقيقة كاملة حتى افاقت من كابوسها وتفهم اين هي. كانت تظن انها لا زالت في الشقة التي استأجرتها في لندن حيث كانت تواجه الاتهامات الفظيعة من المرأة التي كانت تعتبرها أعز صديقاتها .
مر أكثر من عام , ولكن تلك الليلة المثلجة مع كلمات صديقتها الباترة كانت تعاودها باستمرار. كانت لا تزال تشم رائحة المادة الرغوية الكيميائية التي تسبح في جو غرفة التحميض السوداء, وتكاد تحس بذلك الجو من التركيز المجنون الذي كان يلفها وهي تعمل ويمنعها عن اية متعة خارجية .

Rehana 18-11-18 06:11 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
ثم ذلك السكون الرهيب الذي اخترقها كسهم في تلك الليلة واستقر في قلبها .
قفزت من فوق سريرها قفزة واحدة كالمجنونة ودون ان تعني بارتداء الروب دي شامير او خفيها اندفعت خلال الدهليز بدافع الخوف . لم تسمع أي ضجة وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل والجميع نيام بمن فيهم جيرمي المشكوك فيه , لأنه من الممكن ان يتآمر كالشيطان وهو يحلم.منتديات ليلاس
اخذ قلب دانيال يدق بشدة في صدرها وجرت حتى باب حجرة الطفلة حيث وقفت امامه ثانية وهي ترتجف من الخوف ثم ادارت المفتاح ودخلت الحجرة .
كانت غرفة الطفلة تقع في نفس ناحية حجرتها وقد اضاءها نور القمر ايضا في جزء منها بينما لمعت الاثاثات في الظل.منتديات ليلاس
كانت كاميل ممددة على بطنها في مهدها وخدها مستندا على الغطاء. وعيناها مغلقتين بينما شكل فمها الصغير دائرة صغيرة.
نزلت دانيال على ركبتيها وامسكت بحافة المهد وكأنها تمسك قضبان زنزانة السجن. استعادت انفاسها وركزت بكل قوتها على ظهر الطفلة الذي كان يرتفع ويخفض على وتيرة منتظمة مع انفاسها.
بعد دقيقة اطمأنت ثم اطلقت زفرة ارتياح عميقة, ثم جلست على مقعد هزاز ذي مساند بالقرب من المهد ولكن الرعشات تملكتها وحولت جسدها إلى امواج من الحركة مما اضطرها لأن تضع قدميها تحت ساقيها وتجلس القرفصاء حتى تستطيع السيطرة على نفسها.
حمداً لله .. فإن كاميل بخير وكل شيء بخير ولا شيء خطير حدث اثناء اللحظات التي استغرقتها في النوم. إنها ليست موجودة في كنز نجتون والطفلة ليست طفلة آن فيلدنج . بدأ ثقل يزحف شيئا فشيئا على اعضائها بينما توقفت الرعشات . ظلت ساكنة تتأمل ابنة اختها.
راقبها ريمي من على عتبة الحجرة وقد اسند كتفه على إطار الباب . كان الضوء الذي يسقط على وجه دانيال يكشف شكلا من المعاناة لم يسبق ان عرف لها مثيلا . إنها تحس بأنها بلا سند ويائسة.
همس بصوت حنون :
- دانيال!
استطاعت ان تخرج من قلب الجحيم الذي كانت فيه وان تلقي نظرة على الباب حيث يقف ريمي وكأن ظهوره كان سحرا خرج من ضوء القمر.ريحانة
كان مرتديا قميصه الابيض شبه المفتوح كي يظهر قوة صدره وعضلاته المفتولة وكأن نحاتا نحتها من الصخر. كان يشع رجولة طبيعية ومتكبرة وكان حافي القدمين مرتديا الجينز الضيق الذي ابرز عضلات ساقيه ووسطه النحيف.
كرر اسمها عندما ادارت نظرها:
- دانيال , ماذا تفعلين هنا؟
همست : إنني احرس الطفلة.
قال ريمي الذي جاء وركع على ركبتيه بجوارها :
- إنها نائمة .
- اوه ...
- ويجب ان تنامي أنت ايضا .
- وأنت! ماذا تفعل هنا؟
رد دون ان ينظر إليها :
- هذا عملي!
مهما اختلقت من اعذار فإن من الواضح ان شعرها في فوضى ووجهها شاحب متجهم وقد ظهرت عليها بعض التجاعيد من التوتر العصبي حول فمها وخط كبير يدل على القلق بين حاجبيها , ومع ذلك فإن أيا من هذه العلامات لم تمح جمالها .

Rehana 18-11-18 06:12 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
ود ريمي لو لمسها وجذبها من الأرض . هناك شيء ما غير مضبوط ولا يجب ان يساعدها قبل ان يعرف ما هو الخطأ.
نهض ومد لها يده . ولكنها اكتفت بأن القت عليه نظرة ساهمة قبل ان تعود لاهتمامها بالطفلة . قالت :
- سأبقى هنا ويمكنك ان تعود لتنام.
قال وهو يقلد لهجتها ونبرة صوتها :
- شكراً, ولكن سأبقى هنا ايضا .
أومأ برأسه إلى الاريكة التي تقع تحت النافذة وقال :
- تعالي اجلسي بجواري , تعالي قصي على ريمي , ماذا تفعلين هنا وسط الليل بدلا من ان تنامي كما تنام كل سيدة منزل مميزة تحترم نفسها.منتديات ليلاس
كانت دانيال التي لا تريد ان تكشف بأي ثمن عن اسباب وجودها في حجرة كاميل ولكنها خشيت ان تثير فضوله إذا ما سكتت , لذا نهضت رغما عنها ثم جلست على المقعد ذي المساند بدلا من الأريكة وهي منتصبة على جانبه وعيناها لا تبتعدان عن المهد.
جلس ريمي على مسند المقعد وقدمه مثبتة على الأرض وساقه اليسرى مثنية تحته.
احست دانيال بأن نظراته ثقيلة عليها .
قالت معترفة :
- لقد حلمت بكابوس!
لم تكن هذه كل الحقيقة , سألها :
- بشأن كاميل ؟
- لقد احسست انني سأتحسن لو جئت وجلست بجوار سريرها .
ساد الصمت بينهما عدة دقائق . واستمرت دانيال في مراقبة الطفلة وهي تتساءل : ماذا يظن بها ريمي ؟ هل سيتقبل تفسيرها ام سيحفر اعمق؟
تخبطت بين رغبتها في ان تعترف له بالحقيقة والرغبة في السكوت! يبدو عليه مظهر التفاهم وحسن الإدراك . ولكن هل سيقدر على فهم ماحدث في تلك الليلة في لندن ؟ من يمكن ان يسامحها وهي غير قادرة على ان تسامح نفسها ؟
إن الخلاص الوقتي الذي ستحصل عليه إذا ما اعترفت له لن يرفع عنها الثقل الذي يحط على ضميرها.منتديات ليلاس
اخذ ريمي يراقبها في تفكير , هذه المرأة لغز, إنها غنية , ولكن ليست لديها الاهواء والنزوات التي تصاحب الثروة والجاه. إنها مستقلة ولكنها وحيدة وحزينة وهو يحس بذلك جيدا . إنها واثقة بنفسها ولكنها مرعوبة من الأشياء البسيطة مثل المطبخ والاطفال .
ومن يسمعها يعتقد انها تفضل ان تعاني الذهاب إلى طبيب الأسنان بدلا من ان ترعى ابناء اختها . ومع ذلك تسهر على نوم كاميل وكأنها ملاكها الحارس.
سألها اخيراً:
- لماذا لم يكن لك طفل؟
فزعت دانيال , عادة ما ترد على هذا السؤال المحرج بالقول: إنه ليس من شأنك , ولكن في هذا الظرف فمن المنطق ان يسأل هذا السؤال.
- إنني من النساء التقليديات اللاتي يؤمن بأن الزواج يأتي اولا ثم الاطفال.
- إذن لماذا لم تتزوجي؟
- الرجال الذين طلبوا يدي لم يكونوا من الاخيار وإنما من الاشرار لكن لم يطلب يدي ابدا رجلا طيبا .
قال ريمي في ملل :
- ومن يكون هذا الطيب ؟ هل له اسم؟
احست دانيال بالتسلية وادارت انتباهها مرة ثانية نحو الطفلة ثم ذهبت لتستقر في راحة فوق الأريكة.

Rehana 18-11-18 06:13 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
قالت :
- لا , هل نسيت انني من عائلة هامليتون . اي رجل طيب سرعان ما يغير رأيه عندما يكتشف حقيقة عائلتي .
- لا تقولي لي : إنك تؤمنين بهذه اللعنة !
- لا , هذا شيء آخر , انا من النوع الذي تصعب الحياة معه . ولابد انني ورثت والدي في هذا المجال , لقد تعودت ان افشل مع الرجال . واتصور ان ذلك يرجع إلى انني فنانة , نادرا ان اجد رجلا يمكن ان يعيش في ظل نزواتي .ريحانة
مال ريمي للأمام ووميض خاو في عينيه السوداوين , ورفع خصلة من شعر دانيال من فوق جبهتها وثبتها وراء اذنها ثم اجبرها على ان ترفع عينيها اليه .
قال بصوت دافئ وممطوط ومليء بالتلميحات:
- ربما لم تقابلي الرجل الذي يستطيع ان ينثر نزواتك في الهواء.
احست دانيال برجفة رهيبة تسري في جسدها وتستقر في معدتها وتحرق صدرها. ولكنها استطاعت ان تحدجه بنظرة قاسية وترد عليه:
- من يقترب من النار تلسعه !
رد ريمي :
- لقد قلت لي بمافيه الكفاية وهذا التحدي لا يعجبني .منتديات ليلاس
- لسوء الحظ لم تبلغ السن المطلوبة .
عبس وجه ريمي :
- إن مشكلة السن هذه تضايقك حقا , أليس كذلك؟ ألا يقترب عيد ميلادك ؟
- سني اربعة يمينها صفر إذا كنت تريد ان تعرف , ها قد قلت لك ويمكنك من الآن فصاعدا ان تكرر محاولتك وتتصرف كا لأهبل عندما تحاول ان تغازل امرأة في السن تصلح ان تكون ..
- سيدتي!
خرجت الكلمة من فم ريمي رقيقة كالنسيم الحارق الملفوف بالقطيفة الناعمة .
قال مكملا :
- هكذا إذن الامر يا عزيزتي , أنت أكبر مني ببضع سنوات فما المشكلة ؟ إن ما بيننا لا صلة له بالعمر.
ردت عليه بجفاء بينما رأسها يدور :
- انت تقول ذلك, لأنك لم تر الجانب الآخر من شخصيتي.
قال باسما:منتديات ليلاس
- حقيقة لا أرى سببا لقلقك , لم تبلغي بعد السن التي تسمح بانضمامك إلى نادي العجائز.
لم يكن مخطئا . إن ما يضايقها في الحقيقة هو وصولها إلى هذا الرقم من السن دون ان تنجز شيئا ذا قيمة . هل حققت نجاحا شخصيا؟ إن الفن من أجل الفن هو الذي يهمها وليس المجد والشهرة . ثراؤها ؟ لقد ولدت وفي فمها ملعقة من الذهب.منتديات ليلاس
تساءلت وهي تتأمل كاميل , إن كانت ستقدر من الآن فصاعدا . إن النجاح في الحياة لا يقاس بعدد الاطفال . إنها لم تنجب ولن تنجب ابدا . عندها فنها ولكن لن يبكي عليها إذا ماتت.
همس ريمي :
- انت جميلة !
ردت بلهجة باترة لتضع الجمل في مكانها :
- وانت المربية .
لسوء الحظ هذا الاسكتلندي الوقح لا يعرف الإهانة , واستمر يعاكسها , ياللمعان الذي في نظراته المتمردة , سألته :
- وانت كيف حدث ان جماعة من صغار آل دوسيه لم تتبعك؟

Rehana 18-11-18 06:14 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
اخذ ريمي يفكر. في اعماقه كان يريد ان يكون أسرة ولا يزال متمسكا بذلك. ورغم انه مستمتع بحياته كأعزب فإنه يشعر بأنه مشدود إلى الاستقرار والعاطفة والراحة التي يمكن ان يوفرها الزواج, لو قرر الزواج فلن يكون امامه سوى مشكلة الاختيار فحسب , فهناك جمهور من الفتيات الصغيرات الحسناوات في انتظار إشارة من اصبعه خاصة ماري بروسارد والتي منذ وقت طويل افهمته انها في انتظار طلبه لتقفز بين ذراعيه . وماري فتاة ساحرة من اصل اسكتلندي , ولديها كل ما يجعلها تصلح زوجة مثالية .
كلهن صالحات للزواج إلا ان هناك سببا واحداً يمنعه وهو انه لا يحبهن. إنهن يشعرنه بالسرور ولكن الأمر لا يتجاوز ذلك وهو عاطفي جدا بحيث لا يكتفي بذلك.
- هل تأملين ان تعالجي نفسك من هذا الموقف؟
لم يتلق الرد الذي يتوقعه وإنما تلقى نظرة جوفاء. قالت بعد ذلك وهي تتحول عنه.
- أنا آخر شخص يمكن ان توجه إليه هذا السؤال.ريحانة
لا اللعنة الشهيرة ولا قرب احتفالها بعيد ميلادها الأربعين يمكن ان يفسرا مسلكها . لابد قطعا ان يكتشف لماذا هي تتخبط وسط الظلام؟
قالت :
- اولا , لقد رأيت عرضا لمهارتي مع الاطفال ولن اغامر بأن ارشح نفسي الأم المثالية لهذا العام.
رفض ريمي ان يصدقها . ربما لا يريد ان يقتنع انها لا تصلح أما. وربما لأنه تأثر من الحزن الذي في صوتها . أيا كانت دوافعه فإنه يصدق غريزته مهما كانت مقاومتها .
قالت له :
- ارجوك يا سيد دوسيه.
- صه! فإنك ستوقظين الطفلة .
- ولكن ماذا يمكن ان تجنيه من ذلك؟
- لا شيء, فقط دعي الأمور تجري في مجراها الطبيعي , واعتمدي على العم ريمي وبوحي له بأفكارك السوداء التي تطارد عينيك الجميلتين .
كانت دانيال تظن نفسها ممثلة بارعة تستطيع ان تخفي قلقها وحزنها, ولكنه مارس عليها سحره الذي لا يقاوم فجردها من كل اسلحة المقاومة .
اخذ جسدها يسترخي شيئا فشيئا , بدأت تحس انها افضل بالقرب منه , من ذلك الرجل القوي مفتول العضلات والذي يشع رجولة . كانت متعبة لدرجة لا تستطيع معها المقاومة فاسندت رأسها على كتفه واحست بالأمان وزفرت زفرة ارتياح .منتديات ليلاس
اخذ يغني اغنية شعبية اسكتلندية. كان صوته حلوا رخيما ومريحا كالنسيم العليل , اغلقت دانيال عينيها في نشوة وسالته بصوت نعسان:
- ماذا تقول كلمات اغنيتك؟
كانت تظن انها كلمات حب ولكنه قال:
- إنها تقول لا يجب ان تعمل كثيراً وإنما تطير !!
- يا له من لحن غريب!
قال مكملا معنى بقية الأغنية:
- اسأليني كم احبك يا جميلتي .
كان يضع يده على قلبه دليلا على سرعة ضرباته. وتساءل إن كانت دانيال تراه او تحس به ؟ ولكنها نامت بين ذراعيه.منتديات ليلاس
إن هذه السيدة من الطبقة الراقية لم تخلق ابداً من اجله. إنها تتسكع في العالم كله وقلبها يرفض ان يشبع وتحس عطشا شديدا ان تكتشف اشياء لا تفهمها . إنها واثقة بنفسها كطفلة جميلة كالملاك.
اطلق ريمي زفرة طويلة , إنها لم تخلق له ولكنه يحس بالروعة معها. ومعاملتها في الظاهر تدل على انه لا يرغبها.
اضاءت ابتسامة ساخرة وجهه وهو يضع قبلة على شعر دانيال.


نهاية الفصل

Rehana 20-11-18 07:24 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل السابع

ايقظ ثقل كبير دانيال من النوم السرير العتيق المصنوع من خشب البلوط على أرجله الأربع . ظنت ان زلزلا حدث أدى إلى سقوط سقف الحجرة عليها فلم تتحرك من مكانها قيد انملة فضلا عن تعودها الاستيقاظ في وقت متأخر من النهار فقررت ان تعود إلى النوم إلى ان تأتي فرقة الإنقاذ لإخراجها من بين الأنقاض.منتديات ليلاس
ولكن السرير عاد مرة اخرى الى الاهتزاز والثقل الذي كان يسحق ساقيها ثم انتقل إلى رأسها ورأت لسانا ضخما يلعق خدها , وسمعت :
- انهضي يا خالة دانيال.منتديات ليلاس
من بين جفونها شبه المغلقة رأت أميرواز واقفا بالقرب من سريرها مرتديا بيجامة مكرمشة وقد وضع على أنفه قناعا لوحش قبيح بينما امسك بكلبه المصنوع من القماش تحت ذراعه:
- هل تحبين ان يقتلك شو الصغير مرة اخرى؟
ادارت دانيال رأسها لتجد نفسها وجها لوجه مع كلب المراعي الضخم جاثما على الوسادة على الجانب الآخر واخذ دون إلحاح من احد يلعق وجهها . صاحت وهي تخفي وجهها تحت الوسادة :
- اللعنة! إنه ليس كلبك يا اميرواز!
- بل هو كلبي يا خالة دانيال.
- ولكن لا , إن كلبك لونه اسود واتذكر ذلك تماما.
انفجر الولد الصغير ضاحكا وكأنما نطقت بكلام ساذج ثم امسك بيدها ليساعدها على النهوض , اخذت دانيال تدور حول الحجرة وهي لا تذكر كيف عادت إلى حجرتها . بعد تلك الأغنية الشعبية الاسكتلندية التي غناها ريمي لم تعد تذكر شيئا ربما حملها إلى سريرها وهي نائمة .
كانت مجرد هذه الفكرة كافية لأن تجعلها تذوب خجلا , إن هذا الرجل جذاب جدا وصغير في السن جدا.
ظلت ساكنة في مكانها تائهة في افكارها ولم يضع اميرواز وقته حيث اختار بنفسه الحذاء من دولاب ملابس امه وبعض القطع المناسبة وقدمها إلى دانيال التي ارتدتها فوق قميص النوم دون ان تلقي عليها نظرة. كانت قد استغرقت في حالة مريبة من الغبطة والسعادة وعندما انتهت من ارتداء ملابسها امسك ابن اختها بيدها وسحبها نحو الدهليز ومنه إلى المطبخ . كانت تتبعه كالعمياء وبدون تردد كالببغاء.قهوة .. قهوة .كان ريمي في المطبخ وكاميل معلقة تحت ذراعه اليسرى ورضعات في اليد اليمنى وفي نفس الوقت كان يراقب نضج البيض المسلوق. أدار رأسه عندما فتح الباب على اميرواز تتبعه خالته. اوشك ان يختنق من منظر دانيال.منتديات ليلاس
كانت ترتدي قميص نوم شفاف من الحرير الأسود غير مقفول بإحكام اظهر أكبر جزء من ساقيها الملفوفتين العاريتين وكان مظهرها يوحي بأنها خرجت لتوها من معركة غير متكافئة.

Rehana 20-11-18 07:25 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
كانت شبه فاقدة الوعي وهي تعبر الحجرة وهي لا زالت تردد:
- القهوة .. القهوة !
فوضع ريمي الرضاعة على المائدة وناولها الإناء الذي كانت تريده. احاطت الشابة الكوب الفخار بكلتا يديها ورفعته إلى فمها وكأنه يحتوي على أكسير الحياة . احرق السائل القوي حلقها بينما وصل الكافيين في الحال إلى مخها واحيا كل خلاياه. فتحت عينيها على اتساعهما واخذت تتأمل القهوة في الكوب والتي كانت أشد سوادا من غراب البين.
قالت من بين انفاسها :
- إنها قوية بعض الشيء .
- هل افادتك؟
وضع ريمي الطفلة على الأرض محشورة ما بين الجدار والمائدة . قال بإلحاح:
- إنها قهوة حقيقية , هل اعجبتك ؟
- لنقل إن .. إن يدك كانت كريمة .ريحانة
قال ملحا:
- إنها لم تنفع كي تسرك.
تلقى فقط همهمة إجابة على كلامه. واصل الحديث بصوت كالقطيفة :
- يا لهذا الجسم الرائع يا عزيزتي , حاولي ان تقولي شيئا .
خفضت دانيال رأسها وفتحت فمها فجأة على آخره وصاحت :
- إنني احلم !
رد ريمي بدوره :
- وانا كذلك إذن!
تدخل اميرواز :
- ألا ترى ان الخالة دانيال جميلة ؟ أنا الذي اخترت لها ملابسها.
ابتسم ريمي له ابتسامة ماكرة :
- انت رجل بالنسبة لي يا ولدي رائع.
ابتهج اميرواز وقال :
- هل تظن ذلك حقا ؟
صاح ريمي :
- وكيف لا , إنه اكثر من رائع وفخم !!
ابتعدت دانيال عن ريمي في حرص . كان مرتديا جينزا ضيقا يظهر كل تقاسيم جسده وهو ملتصق بساقيه , تساءلت كيف يبدو جذابا في هذا الوقت من الصباح ؟
سألها :
- هل يضايقك لو رفعت هذه اللعبة حتى لا يتعثر فيها احد ؟
بدأت تنفذ طلبه ولكنها رأت ان ملابسها ستنحسر عن جسمها فقالت :
- انت ماكر يا سيد دوسيه !
قال وهو يوجه إلها ابتسامة ساحرة :
- ارجو ألا تغضبي مني لأنني حاولت ...
لا إنها لا تستطيع بل بالعكس , إنها غاضبة من نفسها لأنها ترغب في المحاولة . كيف ستتمكن من تحمل الحياة خلال الاسبوعين والنصف القادمين؟
بينما كانت ترتدي ثوبا من طراز برمودا بلون ازرق سماوي وقميصا ابيض برقبة عالية تساءلت عن : أي نوع من الاشياء يمكن ان تستعملها لتشتت انتباه ريمي بعيدا عنها ؟ التقطت الوشاح وهي ساهمة وكان من الحرير متعدد الألوان ووضعت خدها على القماش الناعم لحظات ثم استخدمته لربط شعرها على شكل ذيل حصان.ريحانة
ستدفع سوزانا ثمن كل ما حدث لها ! ولكن يمكن لانتقامها ان ينتظر . يجب ان تعمل .. تعمل ! إنه الحل الأمثل . إن آلة التصوير المعلقة حول رأسها يمكن ان تصلح كوسيلة للدفاع ضد الإغراء الذي يمثله شباب صغار مليئون بالرجولة مثل ريمي , وتمنعهم من الاقتراب منها والشباب الذي هم اصغر منها والذين يغنون لها اغاني الغرام بصوتهم المخملي المر مما يجعلها تفقد عقلها ويتصرفون معها كالقراصنة.

Rehana 20-11-18 07:26 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
كانت ساقاها غير متماسكتين وهي تجري حتى حجرة التحميض الفوتوغرافية حيث كان تشارلز بوفييه يظهر نفسه صوره واوشكت ان تركع على ركبتيها فوق الارضية في الحجرة التي تعشقها والتي وضعت فيها كل ادواتها .
إنه عملها المحبب إلى قلبها , إنها ستعد تقريرا صحفيا مصورا عن نيو اورليانز , عن الأحياء , عن العمارة في نيو اورليانز , لا بل عن شيء أكثر تحديدا , عن ابواب نيو اورليانز وعن المربع القديم وعن مقاطعة جاردن وشارع يوريون وعن شارع ماجازين وغير ذلك.
اطلقت زفرة ارتياح والقت الحقيبة التي تحتوي على اجهزتها الفوتوغرافية فوق كتفها وعادت إلى المطبخ .منتديات ليلاس
كان ريمي جالسا في هدوء امام المائدة وامامه قدح آخر من قهوته القاتلة وهو يقرأ الصحيفة . لم يجد أي ولد على مرمى البصر ولم يقطع السكون سوى لحن من اكورديون مذاع من الراديو الموضوع على المنضدة . اخذ يفحص الزي الجديد لدانيال بدقة وقد عقد حاجبيه في تقطيبة واضحة .
سألته : اين الأولاد ؟
- خرجوا للسباحة عدا الطفلة فهي نائمة.
تأوهت دانيال في صمت, لقد خرج كل الأولاد , لقد تركوا أرض المعركة وتركوها وحيدة مع ذلك الاسكتلندي , إن اولاد اختها الشياطين تركوها تسقط في اللحظة التي هي في حاجة إليهم . شملت الحجرة بنظرة متأنية محاولة تجنب عيني ريمي .
- كيف استطعت القيام بتنظيف اثار الحريق بهذه السرعة ؟
كانت في حالتها السابقة لم تلحظ قبل الآن انه لم تعد هناك اية آثار للكارثة التي ارتكبتها جولي ولم تعد ترى اي قطعة ولو صغيرة من المكرونة معلقة في أي مكان.
قال لها : منتديات ليلاس
-لقد قلت للأطفال إنني لن اسمح لهم بالذهاب للسباحة مع اصدقائهم ما لم يساعدوني .
- إنه ابتزاز إذن, لماذا لم أفكر في هذا من قبل؟
صبت لنفسها بعض القهوة وخففتها بالماء ثم انزلقت جالسة فوق مقعد على الطرف الآخر من المائدة واخذ يفحصها بعينيه:
- إنهم ليسوا مختلفين كثيرا عن باقي الاطفال . إنهم فقط في حاجة إلى النظام .
قالت دانيال وهي تحاول ان تبدو في صورة الرئيس الذي يهنئ موظفه:
- أنت تعرف تماما كيف تتعامل معهم, كيف استطعت ان تختار هذه المهنة؟
لم يحس ريمي بالارتياح وهو يحول نظره. إنها لن تسعد لو علمت انه حصل على هذه الوظيفة كنوع من التحدي ولكن من ناحية اخرى لم تكن لديه رغبة في ان يكذب عليها. مرة اخرة اسرع ملاك الحارس لإنقاذه وهو يقول له في أذنه:
- لست مضطراً لأن تكذب عليّ وإنما يكفي ان تقول لي الحقيقة.ريحانة
قال :
- في الحقيقة , إن اطفال دوسيه ينتشرون هناك في منطقة بايو. إنني اعتني بابناء وبنات إخوتي منذ سنوات حتى اصبحت اعمال الحضارة موضة في العائلة .إن اختي لديها وكالة لجليسات الاطفال مشهورة جدا في نيو اورليانز ثم إنني اعتبر هذا العمل نوعا من المتعة والتسلية والتدريب ايضا على معاملة ابنائي ورعايتهم في المستقبل . ألا تفكرين في ذلك ايضا؟

Rehana 20-11-18 07:27 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
تململت دانيال فوق مقعدها وقالت :
- أنا ؟ وماذا افعل بالأطفال؟
اجاب ببساطة :
- إنك ستحبينهم.
تجنبت نظراته العميقة والتقطت كسرة خبز من فوق المائدة واخذت تلعب بها , تساءلت : تحبهم؟ هل تجهل ان الحب لا يكفي ؟ قررت دانيال ان تلجأ إلى المزاح حتى لا تسقط في الحزن عندما تفكر في هذا الموضوع .منتديات ليلاس
سألته : كيف يمكنني ان احصل على اطفال ؟ يلزمني شقة واسعة , ودعك من الحديث عن رجل طبعا.
اضاءت عينا ريمي وقال :
- هل تبحثين عن متطوع؟ هيا ارتدي ملابسك الاخرى وعودي إلى شخصيتك الحقيقية وبعدها نستطيع ان نناقش الموضوع.
ردت بلهجة لاذعة:
- لا اعتقد ان تلك الشخصية تصلح للمناقشة.
رد عليها بابتسامة العالم ببواطن الأمور:
- لا , بالعكس أنا متأكد انها ستدفعك للعمل.
حاولت دانيال ان تحول الموضوع لناحية أقل حساسية وخطورة فرسمت ابتسامة محترفة:
- إنني اقضي وقتي في الترحال وعملي غير متوافق مع الحياة العائلية المستقرة.
- لدي شعور خاص بأن هذه الحياة التي تعيشينها لا تقود إلا إلى الوحدة.
ادهشتها دقة ملاحظته واذهلتها . لم تكن دانيال تتوقع ان تعيش في وحدة ولا تتمنى ذلك. لقد كان لها اصدقاء وزملاء في كل انحاء العالم ولكنها انتهت من الحياة مدة عام طبقا لملاحظة ريمي حياة في وحدة كاملة في التبت, وحدة تجاوزت العزلة الجغرافية , إنها تشعر بالعصبية من نظرته الثاقبة ولكنها لن تظهر له ذلك .
قالت مؤكدة :
- انا اعشق حياتي ولا اتحمل ان اظل محصورة في ركن مدة طويلة , إنني احب السفر والترحال لدرجة العبادة وان أرى العالم وأقابل الناس.منتديات ليلاس
- افترض إذن انك ستغادرين نيو اورليانز عندما تعود السيدة بوفييه.
قالت وهي تنهض:
- طبعا , لا شيء يربطني هنا.
قبل ان تدرك ماذا حدث لها وجدت نفسها بين ذراعي ريمي غارقة في سحر صدره الحنون وقد علت وجهه البرونزي ابتسامة باتساع فمه, كابتسامة قرصان سرق كل مقاومتها , قال بعد ان تعثرت واوشكت ان تقع لولا ان سندها:
- هأنا امسك بك! واسندك يا عزيزتي .. هل كنت تريدين ان ترقصي ؟
تلعثمت :
- انت مجنون.
ولكنها احست بأنها تذوب وإرادتها تتعبثر حاولت ان تضربه وتدفعه بكفيها في صدره ولكنها ازدادت التصاقا به.
قالت اخيراً:
- لولا انني كنت في حاجة ماسة لخدماتك لراجعت اوراقك , لقد كنت في حالة يأس .
- في حالة يأس؟ تحتاجينني , إن هذا يسعدني دون شك.

Rehana 20-11-18 07:29 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

- لقد كسرت جانبي , هل هذا يعجبك ؟ إذا لم تتركني سألكمك .
ردا عليها انتصب ريمي واقفا فجأة واخذ يراقصها على انغام الروك السريعة فجأة حتى انها اصطدمت بشدة بجسده الصخري.
سألها :
- هل ستكلمينني لأنني اعطيك درسا في الرقص؟
- درس في الرقص ؟ يا لوقاحتك!
اضطربت دقات قلب دانيال بين الارتفاع والانخفاض في صدرها بينما هو كذلك حاول ان يسترد انفاسه, لقد كان من السهل عليها ان تقسم وهي بعيدة عنه ألا تقترب منه ابدا ولكن تنفيذ القرار عمليا يتطلب جهدا فوق طاقة البشر.منتديات ليلاس
اخذ الراديو يذيع الآن لحنا هادئا من نوع السلو وبدأ جسم ريمي ينبع هذا اللحن الراقص بطريقة آلية حيث كان الرقص طبيعيا بالنسبة له كالمشي.
قال مقترحا :
- ما رأيك ان نرقص الليلة في الخارج؟
سألته بصوت لاهث وهي حبيسة ذراعيه :
- والاطفال؟
- سنحضر جليسة اطفال.
تعمدت دانيال في هذه اللحظة ان تدوس قدمه, لذا عبس وجه ريمي وانحنى امامها:
- أراك متخشبة يا عزيزتي , لماذا لا تسترخين يا ملاكي. نحن في نيو اورليانز بلد الحياة البهيجة وفيها الناس لا يكادون يكفون عن الرقص ببراعة .
قالت له مهددة :
- هل تود الاحتفاظ بسلامة قدميك ؟
لمعت عينا ريمي في مكر وهو يراقصها ويضع خده .
رد عليها :
- نعم عندما احتاجهما للمشي ولكن لو اصبتني إصابة بالغة فسأضطر إلى قضاء وقتي في السرير.
كزت على اسنانها وقالت له :
- وعندها سنحس بأنك وحيد للغاية.
قالت دانيال في نفسها : يا لغرابة الانجذاب بين الرجل والمرأة ! لقد نسيت كل المشاكل التي تعانيها حول سنها وافكارها حول الرزانة والحرص, ونسيت انها لم تحظ لفرص كبيرة مع الرجال بل إنها قررت التخلي عن تلك العلاقة .ريحانة
اخذت ترتجف وهي تطلق زفرة هزيمة عندما قال لها :
- اوه يا دانيال دعيني احبك!
في هذه اللحظة صاح صوت من فتحة الباب:
- صباح الخير للجميع.
تلعثم ريمي وهو يدفع دانيال بعيدا عنه:
- بتلر ! ماذا تفعل هنا؟
قال بتلر :منتديات ليلاس
- لقد وجدت انه من المفيد ان أتمشى قليلا.
قال ريمي :
- هذا هو الأمر , لابد انك تحتاج إلى نزهة طويلة في الخارج, ارجو ان تستدعينا عندما تصل إلى قلعة بانون روج ونأتي لإحضارك.
لم يهتم بتلر بهذا التعليق العدواني وإنما بدت عليه نظرة رضا عن النفس.
قالت دانيال التي اقتربت من مائدة المطبخ لتصب قدح قهوة لرئيس الخدم:
- لقد ذهب الاطفال للسباحة وكان من الواجب عليك ان تستغل هذا الهدوء لتستريح .
قال بتلر متصنعا الدهشة وبصوت لاذع:
- هل ذهب الاطفال للسباحة بدون مربيتهم؟
رد ريمي بنفس اللهجة:
- لقد بقيت المربية لرعاية الطفلة.ريحانة
همهم بتلر:
- فهمت ! وترعاها مع سيدة البيت!
احست دانيال بأنها مشتتة . كيف سمحت لنفسها ان تنساق إلى هذا الموقف المخجل ؟ لابد انها فقدت عقلها عندما سمحت لنفسها ان تنجذب نحو ذلك الاسكتلندي الذي ليس سوى خادم عندها. لابد ان هذا علامات الشيخوخة او انها هذه الاعراض التي تسبق مرض فقدان الذاكرة التدريجي المعروف باسم الزهايمر . إنها لا تجد تفسيرا آخر لضعفها . لم يكن من المنطقي او المعقول ان تقع عاشقة لشاب صغير مثل ريمي دوسيه الذي يحلم بتكوين اسرة وان يقضي بقية حياته في مربع مساحته مائة كليو متر مربع فقط.
وقعت عيناها على الحقيبة التي تحوي آلاتها الفوتوغرافية فأمسكت بها كأنها تمسك بحلقة النجاة. وعندما اتجهت إلى الباب والحقيبة تتطوح على كتفها كف الرجلان على يتفحص كل منهما الآخر بنظراته وتحولا معا برأسيهما نحوها .
قال ريمي :
- يا جميلتي .
قال بتلر :
- اين ستذهبين ؟
قالت لهما في تحد وهي متسلحة بالشجاعة امام نظرات الخيبة والأسف التي وجهاها إليها.
- إلى العمل! لابد ان أكسب لقمة العيش واحصل على المكانة التي استحقها .


نهاية الفصل

Rehana 20-11-18 07:48 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الثامن

استطاعت دانيال ان تتجنب الاطفال وريمي ايضا طوال النهار . بعد ان غادرت المنزل تجولت في المدينة ولديها العزم الأكيد ان تنسى شكوكها ومتاعبها . ومع ذلك احست بالذنب لأنها تركت اولاد اختها وإن كانت تعلم انهم بين أيد امينة. والأسوأ من ذلك انها بدأت تحس شيئا فشيئا بالحماقات والصرخات التي اشتاقت إليها.منتديات ليلاس
قضت الجزء الأكبر من النهار في تصوير الأبواب والمحلات وحوانيت العاديات والآثار في شارع ماجازين , وحاولت ان تقنع نفسها في سخرية كلما خطرت صورة ريمي على بالها انها تكاد تنضم إلى الأنتيكات المعروضة في واجهات العرض باعتبارها شيئا عتيقا.
كان العدد الكبير من البيوت المبنية بالطوب الأحمر والقرميد يرجع تاريخها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر , وكانت ابوابها قطعا فنية حقيقة لا تستخدم فقط في الدخول إلى شركات او حوانيت وإنما كانت تزين واجهات فسحات ودهاليز عاصرات الإمبراطوريتين الإسبانية والفرنسية والقراصنة والحسان والجنود والمهاجرين الذين لم يحملوا معهم سوى خرج يحوي كل متعلقاتهم .كانت الأبواب تفتح على الاحلام.

Rehana 20-11-18 07:49 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
في هذا اليوم من الاسبوع كانت الحوانيت مفتوحة والحرارة الشديدة لا تشجع الناس على الخروج وهو ما يناسب دانيال تماما.منتديات ليلاس
لمعت بعض القطرات العرق على صدرها ونزلت إلى ظهرها ولكن بعد اللحظات الرهيبة التي عاشتها في المطبخ فإنها لم تحس بالحرارة شبه الاستوائية .منتديات ليلاس
ادركت بسرعة ان تركيزها الذي اشتهرت به تبخر في الهواء . لم تكف صورة ريمي عن اعتراض تفكيرها ومنعتها من ان تأخذ الصور التي تريدها.
جلست امام مائدة في شرفة مقهى في المربع القديم من المدينة وافطرت بزجاجة مياه معدنية وساندوتش جمبري . وجدت صعوبة في ابتلاعه . كانت إثارتها الداخلية التي لا صلة لها بالإثارة التي تحس بها عندما تدفعها نزواتها إلى الذهاب لأطراف الأرض ولكن الاثارة الأولى كانت تخيفها .
كانت تحس با ضطراب كالإعصار كالذي دفعها للهرب من لندن. إنها تكره ذلك الشيطان الداخلي ولكنها احست بأنها غير قادرة على مقاومة مطالبه. لولا اختها غير الشقيقة لكانت الآن في حالة طيبة بعيدا في مكان سري لا يعتمد فيه احد عليها ولا يعثر احد عليها.
في اليوم التالي والايام التالية له كانت انشطتها مرهقة , ولكنها سمحت لها ان تبقى بعيدا عن بيت بوفييه او بالأحرى عمن يشغلونها.
كانت تنهض في الفجر وتهرب بالآتها الفوتوغرافية ولا تعود إلا ساعة نوم الاطفال, وهي اللحظات التي يكون فيها ريمي مشغولا للغاية. وبعد ان تتمنى نوما سيعدا للجميع تغلق على نفسها غرفتها السوداء حيث تعمل في إظهار الصور إلى منتصف الليل.
بعد ذلك تتسلل إلى غرفة كاميل وتراقبها وهي نائمة فترة طويلة, وبعد ذلك تنام عدة ساعات قلقة ثم تستأنف نظام حياتها الروتيني ولكن هذا النشاط الزائد زاد تعاستها .
احست وهي مشدودة الأعصاب بأنها مذنبة ولديها شعور بأن سكينا يقطع صدرها . إن فكرة انه لم يبق امامها سوى اسبوعين لتتماسك قبل ان تهرب إلى أبعد مكان ممكن, وان تنام شهرا كاملا بلا انقطاع , هي التي ساعدتها على عدم الانهيار.
قالت في نفسها : وربما شهرين ستنامهما وهي تجر قدميها نحو حجرة التصوير المظلمة لليلة الثالثة على التوالي.ريحانة
صرخ اميرواز عندما مر على الحجرة:
- يا خالة ..
جرى كي يلحق بها عند عتبة الحجرة وهو مرتد بيجامته المكرمشة وقد ارتدى قناعا على وجهه وتحت إبطه كلبه المصنوع من القطيفة , ويتبعه ايضا كلب حقيقي من نوع كلاب الصيد ذي لون ابيض ولون كستنائي.
سألها :
- اين كنت طوال النهار يا خالة دانيال؟
- كنت اعمل يا اميرواز , هذا الكلب ليس كلبك , اين ذهب ذلك البدين ذو الفرو الطويل؟
تظاهر اميرواز بأنه لم يسمع شيئا .
- انت طوال الوقت تعملين, انت تفسدين كل شيء, لقد ذهب بتلر كي يجلس فوق النجيل , ورشته جولي بمسدسها المائي واغرقته بالماء. وقد اضحك ذلك السيد ريمي كثيرا , ولكن لم يره احد سواي يا خالة . وهذا سري أنا, كما وضع ريمي حذاء في كرسي التواليت فأفسده وفاض الماء في كل مكان , وهناك ايضا تانيا التي تقيأت .
كانت دانيال مرهقة للغاية حتى تأخذ الأمر بجدية , مررت يدها في شعر الشيطان الصغير :
- يبدو عليك انك تمتعت كثيراً يا عزيزي.
- لقد اشتقت لك يا خالة دانيال وكنت اود ان تكوني موجودة .
احست دانيال بغصة شديدة في حلقها . إن اميرواز يشتاق إلى دانيال ! همهمت :
- وأنا اشتقت لك كذلك.

Rehana 20-11-18 07:49 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
- إذن لماذا يجب ان تعملي؟ لماذا لا تبقين معي؟
- هذه المسألة يصعب شرحها يا اميرواز ولكن .ريحانة
قطع كلامها صوت خطوات مسرعة في الدهليز . استدارت لترى جولي وجيرمي يندفعان نحوها كأنهما يهربان من خطر مجهول .
قال جيرمي :
- مرحبا! هل يمكن ان ندخل حجرة التصوير معك؟
هزت دانيال رأسها علامة للنفي وإن كانت في نفسها سعيدة . إن الأطفال يودون ان يقضوا وقتا معها , ربما كانت لها قيمة على عكس ما تعتقد.
- لا , لأنكما تعلمان جيدا ان الدخول ممنوع للأطفال حيث توجد مواد وادوات خطرة هناك قد تضركما.
توسل إليها جيرمي بعينيه بينما ألقت جولي نظرة عصبية خلفها وقالت :
- من فضلك يا خالة دانيال إنه امر عبقري.
احست دانيال بأنها تضعف ولكنها لم تستلم ورغم رغبتها في ان يحبها الاطفال إلا ان عليها ان تراعي اولا قواعد السلامة.
إن رجلا في سنة التاسعة ومعه اخته الصغرى لا مكان لهما في حجرة مليئة بالمواد الكيميائية . قالت :
- هذا مستحيل يا اطفال.
كانا سيتوسلان إليها من جديد عندما تردد خطوات على الدرج . شحب وجها جولي وجيريمي المغطيان بالنمش . نبح كلب الصيد وانفجر اميرواز في الضحك. ظهر ريمي على عتبة الباب وكأنه إله الانتقام الاسكتلندي . كان ضخما وغامضا وساهما وألقى نظرة على جيرمي وجولي . صاح بصوت كالنباح :
- انتما الاثنان! إلى المطبخ . وبأسرع ما يمكن , ولا تحاولا إثارتي أكثر مما أنا عليه وإلا اتصلت بأخي لاكي حيث يحملكما ويستخدمكما طعاما للتماسيح.منتديات ليلاس
خفض الطفلان رأسيهما ثم اختفيا جريا, بينما احست دانيال بالإحباط , على اية حال لقد حاولا استغلالها كي بختبئا في الغرفة المظلمة.
سألته : ماذا فعلا ايضا؟
وضع ريمي يديه في وسطه:
- هل تقول لوحة بوفييه الذي حارب في معركة نيواورليانز إلى جانب اندرو لك شيئا؟
- تلك المعلقة في مكتب تشارلز؟
- إنها بعينها , لقد قرر الثنائي الديناميكي ان الصورة ستكون أفضل لو أضيف إلى بوفييه شاربا.
زفرت دانيال في ذهول : اوه ! لا !
- اوه , نعم , بواسطة قلم فلوماستر غير قابل للإزالة. إنهما سيعاقبان على الجرم الذي ارتكباه عن طريق تنظيف أرضية المطبخ بفرشاة اسنان .
قال اميرواز الذي كان يتحرق شوقا لأن يضيف الزيت للنار!
- لقد غضب السيد بتلر حقا.
قال ريمي : لقد حانت ساعة نومك أيها الاب الصغير .
جذب اميرواز يد خالته كي تقبله ثم عاد في رزانة إلى حجرته والكلب الغامض في اعقابه.
ما إن اختفى حتى ادركت دانيال في ألم شديد انها بمفردها مع ريمي لأول مرة منذ ذلك المشهد الرهيب العاصف في المطبخ.منتديات ليلاس
قالت وعيناها منخفضتان :منتديات ليلاس
- حسنا , عندي عمل. وأنا مسرورة لأنني اجد انك نجحت في مهمتك جيدا.
قال لها وهو سعيد لأن وجهها احمر خجلا:
- اعرف كيف اتصرف , هل يمكنني ان ادخل معك الغرفة المظلمة ؟ أنا ولد كبير وعاقل.

Rehana 20-11-18 07:50 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
ردت بحدة :
- لا , لست واثقة ولا احب ان أكون مشتتة اثناء العمل.
تحولت عنه ودست المفتاح في القفل , ولكنه لم يتحرك واحست به وراء ظهرها وهو ساكن. قالت له وهي تنسل إلى داخل الغرفة المظلمة :
- تصبح على خير!
حاولت ان تغلق الباب وراءها ولكن قدما كبيرة حافية منعتها. وقال بابتسامة طفل بريء:
- اريد ان أرى ماذا كنت تفعلين في النهار وانت تتجنبينني ؟
دخل بالقوة إلى الغرفة الضيقة التي كانت تستخدم مخزنا للملابس , ورغم عدم موافقة دانيال التي لجأت إلى آخر الغرفة فإنه اخذ يفحص الزجاجات وعلب ورق التصوير والمكبر وكل الأدوات الفنية التي تستخدمها.منتديات ليلاس
في الأيام السابقة وجد العديد من كتبها في المكتبة الخاصة بأل بوفييه ودرسها بدقة . لقد كانت دانيال تفيض بالموهبة حقا . لقد كانت لديها موهبة خارقة لاقتناص اساس كل إنسان واعماقه وهي تصوره . وكانت لقطاتها تعبر عن احاسيسهم البسيطة والمعقدة من فرح وحزن وخوف بمنتهى الوضوح . لقد كانت صورها ناطقة حتى لتبدو كأنها ابعاد ثلاثة مجسمة.
اثرت فيه بعض الصور لدرجة اوشك فيها على البكاء. لقد كانت اعمال فنانة حقيقية وامرأة ذات حساسية غير عادية .
كانت تعرض في صورها نفسها مما جعل ريمي يزداد عشقا لها حتى إنه غفر لها ان تركته مع تلك الفرقة من الشياطين الصغار.
قالت له :
- عندما تنتهي من تفتشيك قد استطيع العمل.
وردا على ذلك , توجه ريمي نحوها وهو مصمم على ألا تفلت منه هذه الفرصة الجديدة. بدا بأن فكر بأن انجذابه إليها كبير لدرجة ان الأمر سينتهي بها إلى ان تكف عن الهروب منه ولكنه ادرك الآن ان عليه المبادرة .
امسك مجموعة من الصور المكبرة بالأبيض والاسود من فوق الرف الذي كان بجواره , وسألها :
- هل هذه آخر صورك؟
- نعم , يمكنك ان تشاهدها.
كانت حوالي مائة صورة تمثل جميعا ابوابا وواجهات عرض مغلقة بزوايا خيالية. اخذ ريمي يفحصها واحدة تلو الاخرى وهو متجهم. انتهى بأن سأل:
- لماذا لا يوجد اشخاص في هذه الصور؟
- لأنني لا ارغب في تصوير الناس.
- ولكن هذا ما كنت تفعلينه عادة سواء في الهند و يورا يورا وباريس.
تلقت دانيال ملاحظته بأن هزت كتفيها فقالت بإلحاح:
- إنني اجد ان الصور ينقصها الناس.
قالت في تلعثم وهي تدرك تماما انه على حق:
- يوجد ناقد خفي داخل كل منا .
مرات عديدة كانت توشك ان تضغط زر الالتقاط في لحظة خروج عميل من حانوت تبدو عليه السعادة , او بائعة متعبة تخرج لاستنشاق بعض الهواء , او امرأة عجوز تخرج من بيتها لتضع سلطانية بها لبن من أجل القطط الضالة , ولكن في كل مرة كانت تنتظر الأبواب حتى تغلق.منتديات ليلاس
قال ريمي:
- سأصحب الأولاد إلى حديقة الحيوان غدا واعتقد انك التقطت ما يكفي من صور الأبواب حتى الآن فتعالي صاحبينا.
نظرت إليه نظرة متهكمة وقالت له وهي تضحك:
- يوم في حديقة الحيوان مع عائلة بوفييه ؟ يا لها من فكرة خيالية , لابد ان الأمر سيكون محيرا.
قال لها في تحد:
- من أي شيء تخافية ؟ من أن تتمتعي؟

Rehana 20-11-18 07:52 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
لقد كان هذا بالضبط ما تخشاه ولكنها لن تعترف بذلك ابدا. إن أي اعتراف له بأسرارها سيربطها به اكثر ويضاعف من عذابها إذا هجرها . قالت متسائلة كي تحول الحديث لموضوع آخر:
- كيف حال بتلر اليوم ؟ هل ظهره بخير؟
رد ريمي بلهجة متهكمة:
- إنه حقا مثير للضجر.
- ولكنه يؤدي كل عمل مطلوب منه اداؤاه .
- إذا كنت تقصدين بذلك كيف يشكو ويبقى راقدا فإنه سيد متخصص في ذلك.
- إنه يزعجك لأنه قاطع...
عضت دانيال على شفتها ولفت نفسها , لأنها اعادت الموضوع إلى الضوء .ريحانة
قال ريمي بصوت ممطوط منزعج:
- نعم هذه الكلمة المضبوطة ولازلت منزعجا وربما يمكنك الآن ان تسري عني ما دمنا بمفردنا.
قالت : طبعا مستحيل.
سألها ريمي : ولم لا , إننا بالغان وعاقلان.
- بعض الناس أكثر عقلا ورزانة عن البعض الآخر.
شد ضفيرتها التي على شكل ذيل الحصان وقال لها :
- كفى عن الشعور بأن فكرة السن تسيطر عليك وتضطهدك. أنا لا اعيرها أدنى انتباه , ولابد ان يكون الأمر كذلك بالنسبة لك.
- آسفة لأن اعارضك , ولكني أرى انه لن يحدث أي شيء بيننا.
- المشكلة معك يا عزيزتي انك تفكرين أكثر من اللازم.
ضغطت على زر كهربائي فتحول الضوء الأبيض في الغرفة إلى ضوء احمر . وهو ضوء الأمان عند إظهار الصور الفوتوغرافية .منتديات ليلاس
تساءلت في نفسها : إن هذه اول مرة تعمل فيها داخل الغرفة ومعها رجل, واحست بإحساس غريب, هو شعور بأن عليها ان تستسلم لعواطفها. ولكن القدر لم يمهلها ايضا هذه المرة حيث اختار احدهم هذه اللحظة بالذات ليطرق الباب.
صاح ريمي في غضب عارم بعد ان اطلق دفعة من السباب الشعبي الاسكتلندي بينما استردت دانيال سيطرتها على نفسها, قال:
- لابد ان يكون الأمر عاجلا وإلا ...
فتحت دانيال الباب واتسعت عيناها عند رؤيتها للشخص الواقف خلف تانيا التي كانت هي نفسها مذهولة.
قالت الصغيرة :
- إن كاهنتك الروحية وصلت يا سيد ريمي.
كررت دانيال غير مصدقة :
- كاهنة روحية ؟!
قدمت المجهولة قدميها وهي تبعد ذراعيها عن بعضهما وتهز مجموعة لعب تصدر اصواتا في يدها.
قالت تقدم نفسها :منتديات ليلاس
- الآنسة أريك.
كانت ترتدي قطفانا على الطراز المغربي بألوان صارخة وحوالي عشرين دورا من العقود من اللؤلؤ حول رقبتها ذات ألوان متعددة . وكانت اصابعها التي تنتهي بأظافر صناعية طويلة مغطاة بالخواتم وكانت زينتها مبالغا فيها فشفتاها بلون الدم والعينان سوداوان والرموش بلون الفحم صناعية ايضا, والجميع يتوجه باروكة شعر اسود مجعد فوق رأسها. منتديات ليلاس
لم تبد الدهشة على ريمي إطلاقا , واكتفى بأن نظر إليها في غيظ وقال لها بحدة :
- لقد وقعت علينا في وقت سيء حقا !
لمعت عينا الآنسة أريك وساد دانيال شعور بأن هذه الشابة تعرف بالضبط ماذا قطعت عليهما .
قالت دانيال للصغيرة :
- هيا خبريني , ماذا يجري بالضبط ؟ ولا تلقي القبعة على جيرمي.

Rehana 20-11-18 07:53 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
تدخل ريمي معلقا:
- لكنك بدأت تحبين هؤلاء الاطفال !
ردت دانيال بحدة :
- لا تحاول تغيير الموضوع بأن تهينني , اعرف ان جيريمي يستحق أكثر مما تفعله فيه هذه الحية الرقطاء ولكن...
قاطعها وهو يقودها خارج الحجرة المظلمة من كوعها:
- لا تقلقي يا عزيزتي , إن هذه الآنسة جاءت لتشفي بتلر.
رفعت دانيال حاجبيها دهشة :
- ولكن هذا لن يعجبه !
همهم ريمي من بين اسنانه :
- إنني اعتمد عليها تماما.
لقد فاض به الكيل من ذلك العجوز الذي يتطفل عليه وينقد مسلكه والأدهى من ذلك وأمر انه يتعمد مقاطعتهما وهما في المطبخ وبسببه اختفت دانيال ثلاثة ايام.منتديات ليلاس
ذهب الجميع في طابور إلى شقة بتلر والأولاد يقتلهم الفضول ويسارعون خطواتهم ليلحقوا بهم . دخل ريمي دون ان يطرق الباب . كان بتلر واقفا وسط الحجرة ففزع وتظاهر بالاستناد على عصا الجولف التي كان من الواضح انه يرقص بها رقصة السويح وعاد إلى سريره وهو يعرج .
قال له ريمي وهو يبتسم في مكر:
- هذه ساعة العلاج ايها العجوز!!
صاحت دانيال :
- ماذا تفعل وانت واقف يا بتلر, إن ظهرك لن يشفى ابدا إذا لم ترتح.
تلعثم الثعلب العجوز:
- لقد كنت اقوم بضبط التلفاز .
- ولماذا لا تستعمل الريموت كنترول ؟
- إنني لا اعرف كيف استعلمه حيث إن فيه الكثير من الأزرار.
نظرت اليه دانيال نظرة شك. إن بيت والدها كان يحتوي على اجهزة كهربائية أكثر من الأجهزة التي يستخدمها جيمس بوند في مغامراته ويستطيع بتلر ان يستخدمها ببراعة .ربما بدأ يتأثر بالشيخوخة, عند هذه الفكرة احست بقلبها يرتجف.
ادخل ريمي الكاهنة إلى حجرة بتلر واغلق الباب امام خمسة ازواج من العيون الجاحظة المتوترة.
- يمكنك ان تلقي بكل اقراصك وادويتك يا سيد بتلر , لقد عثرت على ما تحتاجه , معالجة لا تفشل ابدا. وستعيد إليك صحتك وحيويتك في لمح البصر . اقدم لك الآنسة أريك.
دفع الكاهنة نحو السرير وفي مرورها ألقت اريك نظرة مورابة على اخيها وهي تصفر من بين اسنانها بطريقة لم يسمعها سواه:
- ستسحقك جيزيل لو اكتشفت هذا.
- إذن حاولي ان ترتبي الأمر بحيث لا تعرف عن ذلك شيئا يا اختي الصغيرة.
ثبت بتلر عينيه على المخلوقة المذهلة وانتقع وجهه بينما سارعت نحوه وهي تصنع دوائر في الهواء بيديها وتصدر تعويذات بلهجة اهل الكاريبي . رفع عصا الجولف وهددها وهو يصيح :
- إنك لن تضعي يدك الكافرة عليّ ايتها الساحرة.منتديات ليلاس
ازدادت دانيال شكا فيما يجري وراقبت المعالجة وهي تقوم برقصة الهنود الحمر حول السرير على انغام اغنية ديكسي مشهورة اسمها ايكو . ايكو!
ثم لاحظت ان البودرة السحرية الداكنة التي تلقي بها الساحرة في الهواء لها رائحة البن المطحون, عند قدم السرير كان ذو الشارب المفتول ريمي يصارع نفسه حتى لا ينفجر ضاحكا . صرخ بتلر وجهه تلون بلون قرمزي .
- اخرجي من هنا ايتها الساحرة اللعينة , لا اريد سحرك الاسود هنا في البيت!
نظر إلى دانيال في استرحام ثم سقط على وسائده وبدأ يتأوه ويشير بأصبع الاتهام إلى ريمي :
- كل هذا بسبب غلطتك!

Rehana 20-11-18 07:53 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
نظرت دانيال إلى ريمي نظرة سوداء قطعت اعتراضاته , وقالت بحدة:
- حسنا يا سادة , لقد انتهى المشهد.
امسكت الكاهنة المزعومة من احد عقودها اللؤلؤية وقادتها إلى الباب حيث اخرجتها من الحجرة . تحت انظار عائلة بوفييه التي اتسعت عن آخرها.منتديات ليلاس
وهي تقول لها :
- ابعثي لي بفاتورة الحساب عن العلاج باسم السيد دوسيه وإذا امتنع عن الدفع فلا تتأخري ان تصفي عروسا من الورق على صورته وان تثقبيها بالدبابيس حتى ينتقم سحرك منه.
ما إن اغلقت الباب وراء الساحرة حتى استدارت دانيال نحو ريمي وألقت عليه نظرة غاضبة :
- لابد ان تشعر بالعار لأنك قمت بهذه الخدعة.
قال ريمي الذي كان يود ان يكشف غريمه :
- أنا؟
ولكنه لم يستطع ان يخفي مكره الاسكتلندي . إنه لم يستطع ان يقول لدانيال إن كبير خدمها العجوز يعتبرها ساذجة وإنه ود لو انه كشف لها عن خداعه .
قالت له :منتديات ليلاس
- اعتقد ان عليك ان تقدم بعض الأعذار للسيد بتلر يا سيد دوسيه واترك لك هذه المهمة .
دخل ريمي حجرة كبير الخدم وهو يشير إلى الرجل بأصبعه:
- انت غشاش يا عزيزي !
رد عليه بتلر بنفس الطريقة وهو مستعد لاستخدام عصا الجولف :
- وأنت كذلك ايها الشاب .
- انت لا تعاني ألما بظهرك وأنت أصح مني.
- وانت لست مربية تماما كما انت لست نجما في الرقص .
نظر إليه ريمي في حيرة :
- نتيجة المباراة التعادل , والآن ماذا نفعل؟
فجأة اصبح بتلر رزينا جدا وربط حزام ثوبه ليتمالك نفسه أكثر . قال بصوت مفعم بالإثارة :
- لن اقبل ان تضر صغيرتي دانيال!
- وهذا ليس في نيتي , يكفيها ما سببته لنفسها من ضرر. أتوافقني ؟
قال بتلر مؤكدا :
- نعم , لقد اضرت بنفسها بما يكفي .منتديات ليلاس
كان الرجل يتألم ألما لا دخل له بما يدعيه من ألم في ظهره . قرب ريمي مقعدا من السرير وجلس على مهل . ثم وجه نظرة طويلة إلى بتلر :
- لماذا لا تقص على كل شيء؟
رد عليه بتلر في الهاتف بعد رحيل ريمي :
- إنه أنا , لا تغلق , كل شيء يسير حسب الخطة بسرعة الصاروخ , لقد مررنا ببعض العثرات خلال اليومين شيء تم ترتيبه وأنا مقتنع الآن تمام الا قتناع .


نهاية الفصل

Rehana 21-11-18 07:08 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل التاسع

اطفأت دانيال نور الغرفة المظلمة وخرجت إلى الردهة . منذ المشهد المخبول الذي قدمته الآنسة أريك لم تر ريمي ولا بتلر , وتساءلت : هل نظم الرجلان علاقاتهما . إن بتلر لن يترك فرصة لمهاجمة ريمي الذي يرد له الصاع صاعين. لابد ان كل هذا يرجع إلى الغيرة ولم تمنع نفسها من الابتسام امام هذه الفكرة .ريحانة
لما كان باب حجرة الرضاعة مفتوحا فإنها دخلت هناك بطريقة آلية. كان ريمي لا يزال مرتديا نفس القميص الأبيض المفتوح إلى منتصفه وهو يتأرجح فوق المقعد الهزاز بينما خصلات شعره تلمع في العتمة . كان يغني اغنية للطفلة التي كانت تنام في هدوء بين ذراعي ريمي . كان عليها ان تدور نصف دورة وتهرب , ولكنها ظلت مشلولة في مكانها وقد تأثرت حتى اعماقها من سحر المنظر, وهي ترى ذلك الرجل الذي يمتلئ رجولة يهدهد كاميل بحنان وحب لا نهاية لهما.
كان صوته منخفضا وعميقا وكأنه همس الريح, رفع عينيه نحوها وفات الوقت للتراجع, قالت وهي مترددة ان تخطو خطوة نحوه:
- إنه شيء ساحر وممتع.
كان ر يمي يفكر في حديثه مع بتلر وتساءل : إن كان قد اعترف له بأنه يعرف كل شيء دون ان ينطق بكلمة , ولا شك ان التحالف الذي عقده مع الرجل العجوز هو دليل على انه يعرف كل شيء . قرر ان يتبع حاسته . قالت دانيال :
- سأذهب لأنام ولكني اردت ان ألقي نظرة على كاميل وأرى انها بخير.
بدا انها مترددة في الخروج من الحجرة وامتلأ قلب ريمي بالعطف عليها . إنها لن تعترف ابدا, ولكنها تخشى ان تترك الطفلة . لقد احس من أول ليلة وفي كل مرة يجدها جالسة في المقعد ذي المساند نفسه وسط الليل وهي تسهر على الطفلة الصغيرة ابنة اختها .
لقد اكتفى بمراقبتها وهو مختفي في الظل. إنه يعرف من الآن مدى محنتها . نهض بتمهل ووضع الطفلة في مهدها بين حيواناتها الصغيرة المصنوعة من القطيفة ثم استدار نحو دانيال التي نقلت نظرها من الطفلة إليه.
قالت بصوت يعوزه الحزم:
- اعتقد انني سأستريح بعض الوقت هنا. إنني في حاجة للاسترخاء.ريحانة
منعها ريمي من الجلوس على المقعد الهزاز وهو يمسك بها من كتفها برقة , وقال :
- إنها بخير يا دانيال إنها تنام نوما عميقا .
قالت ونظرتها العميقة نحو الطفلة تكذب قولها :
- اعرف ذلك جيدا.
تعذب ريمي من أجلها ورفع ذقنها المدفون وسط شعرها الرمادي وهمس :
- إنها ليست غلطتك يا عزيزتي .
قالت في نفسها : إنه يعرف إن ريمي على علم بما حدث في لندن , وعن طفل آن فيلدنج , إنه بتلر لم يكتفيا بوضع نهاية للحرب بينهما فحسب وإنما احست بأنها تعرضت للخيانة من بتلر .

Rehana 21-11-18 07:10 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
قال ريمي :
- إنها ليست غلطتك يا دانيال .
ابتعدت عنه ورفضت الراحة التي تحسها بقربه لأنها حكمت عليه بأنه غير جدير بثقتها , وقالت له :
- الأحرى ان تقول هذا للمرأة التي مات طفلها بينما كان من المفروض ان أراقبها .
- إن ذلك لم يكن سيغير من الأمر لو كنت بجوار سريرها.
ردت بصوت مليء بالمرارة :
- ولكني لم أكن هناك. لقد كنت في حجرتي المظلمة مشغولة بالشيء الوحيد الذي اعرفه واحب ان اعمله . لقد كنت اعمل بدلا من رعاية الطفل, طفل صديقتي كما وعدتها . لقد كنت منهمكة جدا لدرجة اني نسيت انه ينام بجانبي , وعندما عادت آن كان الطفل قد مات.
قال ريمي طبقا لما شرحه له بتلر:
- كان موتا مفاجئا من الرضعة .
كان ريمي قد قرأ كثيرا من المقالات تربية الأطفال وعلاجهم عند اخته جيزيل فعرف من مدة طويلة معلومات عن هذا الموضوع مما جعله لا يتهم دانيال بالإهمال .منتديات ليلاس
- لم يكن بوسعك ان تفعلي شيئا يا دانيال , لم يكن باستطاعة احد ان يمنع الموت.
همست بصوت مخنوق من تانيب الضمير:
- كان من الواجب ان أكون موجودة هناك.
كانت على استعداد لأن تضحي بأي شيء في سبيل إعادة تلك الليلة للحياة. إنها على استعداد للتنازل عن موهبتها لو كان ذلك ممكنا. سالت الدموع غزيرة على طول خديها وهي تكرر للمرة المليون انه لا يوجد أي شيء او تضحية او حزن او أسف يمكن ان يعيد طفل آن للحياة مرة ثانية .
رفعت قبضتها إلى فمها واخذت تعض اناملها وهي تفكر في الحياة التي ذهبت بمفردها في تلك الليلة دون كلمة مألوفة او مداعبة او ان تودعه.
كان الألم يمزق قلبها وكأن سنة كاملة لم تمر وانه لا شيء على الإطلاق يمكن ان يخفف عنها.
اجتاحتها نوبة من النحيب هزتها ولم يعد لديها أي قوة للمقاومة . اسندت رأسها على كتفه المريحة المطمئنة وتراخت . اخذت تستعد في ذهنها الكلمات التي وجهتها لها آن واتهمتها بأنها وحش أناني , ومدمنة عمل وامرأة غير قادرة على رعاية الأطفال وغير جديرة بأن يكون لها اطفال .
عادت الدموع تتساقط لأنها كانت تعرف أن آن على حق . قال لها :
- لا تبكي يا حبيبتي , لا تبكي , انت تحطمين قلبي.
قالت له بين شهقاتها :
- انت تعرف الآن لماذا لا استطيع ان افعل شيئا هنا ولم يكن من الواجب على سوزانا ان تطلب مني الحضور.ريحانة
عارضها ريمي قائلا :
- بالعكس , وأنا اعرف بالضبط لماذا فعلت ذلك.
كان مدركا للعاطفة التي تربط بين الأختين غير الشقيقتين . وأن دانيال كي تقدم خدمة لأختها قبلت ان تتحمل هذا العذاب العاطفي.
- ولقد طلبت أنت منها ذلك لأنها تثق بك.
- انت مخدوع , لقد كنت دون شك الشخص الوحيد في العالم التي لا تعرف سمعة قطيعها من الوحوش الصغيرة والوحيدة التي قبلت ان ترعاهم.
زادت نبرة الحزن في صوتها. إن القسوة التي عاملت بها نفسها ونقص ثقتها بنفسها , لم تكن علامة تدل على أنها أنانية ولا انها شخصية لا يتعمد عليها.منتديات ليلاس
- كم من الوقت ستستمرين في معاقبة نفسك على شيء لم تكوني مسؤولة عنه؟ لست سوى امرأة يا دانيال ولست ممن يستطيعون تغيير القدر المكتوب. إن موت ذلك الطفل هو حدث مأساوي ولكنك لم تسببيه . إن هذه الأمور تحدث ولا نستطيع إلا ان نبكي ثم نعود إلى استئناف الحياة.
- وكيف تريد من آن ان تستمر في الحياة؟ لقد فقدت طفلها.

Rehana 21-11-18 07:12 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
- ونحن ايضا لا نستطيع تصور آلامها , ولكن الحياة يجب ان تستمر وإلا فلن نضيع حياة واحدة , وإنما اثنتان , لا تضيعي حياتك يا دانيال , إن هذا لن يبعث الطفل ثانية ولا تدعي الشعور بالذنب يبعدك عن اسرتك وفنك وعني أنا نفسي.
لقد لجأت إلى التبت حتى لا تفرض أنانيتها على الآخرين ومع ذلك لم يغيرها هذا من الأمر شيئا . وهاهو ريمي قد استطاع ان يستشف داخلها وكأنها واضحة كالنهار. منذ متى كان الرجال ثاقبي النظر ولديهم القدرة على الإدراك الحسي؟
قالت :
- انت تفهم كل شيء .
- أنا صديقك يا دانيال واحاول ان أساعدك بالقدر المستطاع عديني ألا تلتقطي صور الأبواب المغلقة وابدئي الحياة من جديد.منتديات ليلاس
قالت وهي تجاهد ألا تسقط دموعها :
- وأين تعلمت كل هذه الحكمة ؟ من مدرسة المربيات؟
عض ريمي على شفته , لم يحن الوقت كي يكشف لها عن تأمره. وقال :
- اعتقد ان هذا موروث في العائلة.
همست بصوت مخنوق:
- شكرا على اية حال.
حفض ريمي رأسه وحك أنفه. كان يحاول ان يحقق فكرته , ان عليها ان تعود إلى الحياة مرة اخرى وأنها في حاجة إلى الترفيه , وان تختلط بأشخاص جدد , وعليه ان يشير إليهم حتى تخطو الخطوة الأولى.
فقالت له :
- لا يجب ان ننساق وراء عواطفنا.
- ولم لا ؟ إننا بالغان ولدينا كل مانريده وكوني صادقة مع نفسك , واعترفي بانجذابك إلي.
كان مجرد النظر إليه يعيدها إلى الحياة ويوقظ مشاعر داخلها نامت منذ وقت طويل , قالت له :
- هناك الآف الأسباب تمنعنا.ريحانة
دعت في نفسها ألا يطلب منها تعدد تلك الأسباب. لكع وميض شيطاني في عيني ريمي وبدا كأنه قط حاصر عصفور كناريا قال :
- حاولي ان تحسبيها كلها , والنتيجة ستكون صفرا. اعترفي يا عزيزتي بهذا الانجذاب الذي بيننا فلم تنكرينه ؟
- من الواجب ان أنهي خدمتك حالا.
اخذت الصور التي تتخيلها دانيال تدير رأسها , إنه على حق , ومن الأفضل ان تنتهز الفرصة وتقضي وقتا ممتعا مع ذلك الرجل الذي ينضح رجولة ووسامة قبل ان ان يصيبها الكبر في يوم ما.
همس صوت صغير في أذنها يحذرها من انها تخاطر بالوقوع في حبه, ولكنها استبعدت هذا الاحتمال . إنها من عائلة هاميلتون ومغامراتها لا تدوم كثيرا. إنهما سينجذبان لبعضهما وقتا ثم يفترقان بذكريات جميلة عن تلك المغامرة التي حدثت في الصيف.
احس ريمي بأنها اللحظة المناسبة التي استقر فيها رأيها. رفع عينيه إليها وهما تلمعان تحت ضوء القمر . لقد اراد ان يمحو الظلال القاتمة التي طبعها التوتر على عينيها . لقد أراد ان يريها كم هي مرغوبة وان عليها ان تنسى الوحدة التي في قلبها المثقل.
امسك بيدها وقادها إلى الشرفة بعد أن ألقي نظرة اطمئنان على الطفلة . وقفا وقلباهما يدقان بشدة وهما محاطان بجو اثيري وروحاهما تهيمان في عالم ليس كالعالم الذي يعيشان فيه . لم يسبق لدانيال ان رأت رجلا في ملاحمه ووسامته وقوته البدنية , كانت تنظر إليه بعين الفنانة .
وهو ينظر إليها تحت ضوء القمر, رأى كم هي جميلة , ممشوقة القوام, تقاطيعها مثل ملكات الجمال واحس في هذه اللحظة كم هو يحبها ولكن أتعرف هي كم يحبها !!
- انت لا تعرفين كم أنت جميلة, وإنني اتحرق شوقا لأن اعترف لك بحبي واثبت ذلك. ولا تعرفين كم من الليالي سهرت وأنا اتخيلك ؟
عاد الصوت الصفير بداخلها يهمس لها فقالت له:
- إنني أغرق.
- وأنا كذلك.
قالت له وقد غزاها الشك مرة اخرى:
- هل ستبقى معي؟
ركز ريمي عينيه في اعماق عينيها الفضيتين حيث لم يعد بمقدورها ان تخفي عنه شيئا . امسك بذقنها ورفعه لأعلى وقال لها بلهجة متوحشة:
- حاولي ان تبعديني يا حبيبتي !
همست في صوت حالم :
- أفضل ان احتفظ بك, وأنت ؟
- اوه, طبعا, يا حبيبتي.ريحانة


نهاية الفصل

SHELL 23-11-18 07:32 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
رواية تحفة تسلم ايدك

http://www.7lwthom.com/up/do.php?img=6870

Rehana 24-11-18 09:37 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل العاشر

ارتدت دانيال ثوبها الكاكي واخذت تراقب تحميل السيارة الميني باس وهي تشعر ببعض الخوف بعد ان تصارع الاطفال للحصول على أفضل اماكن استقروا داخلها. لم تستطع ان ترى من تانيا إلا ظلا في ركن السيارة.
اخفت شجرة مانوليا ضخمة جزءا منها ومن قبعتها ذات الحافة العريضة. كانت تبدو غامضة لدرجة تشكك في نياتها الأمنية فقررت دانيال ان تراقبها عن قرب قبل الرحيل.
اما اميرواز فقد وضع عصابة على إحدى عينيه وبدا كالقرصان وجلس في الركن المقابل لأخته.
احتل جيرمي وجولي الأريكة الخلفية وجيرمي يحاول في هذه اللحظة ان يمرر اخته من النافذة , رأسها اولا ثم بقية جسدها .ريحانة
امرته دانيال التي خرجت من المنزل وكاميل تحت إحدى ذراعيها تحمل مهدا على شكل حقيبة , صاحت :
- جيرمي ! اسحب اختك للداخل وتصرف برزانة .

Rehana 24-11-18 09:38 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
كان المنظر عبارة عن لوحة غير متناسقة , قالت :
- إنني قلقة قليلا . هل انت واثق بأننا نستطيع ان نقوم بالرحلة ؟
بدت نظرة ريمي حارقة أكثر من شمس الصيف.
- طبعا ! يمكننا ان نلغي هذه الرحلة الصغيرة ونحبس انفسنا في البيت!
- ليس هذا ما قصدته.منتديات ليلاس
حاولت ان تفرد الشريط الاصفر المكرمش الذي وضعته في شعر كاميل الأحمر التي اطلقت بعض الاصوات المجهولة وتقيأت فوق ثوب دانيال . كان مزاج دانيال رائقا فلن تتأثر ببعض اللعاب من فم الصغيرة كاميل واكتفت بأن اخذت فوطة من الحقيبة ومسحت اللعاب .
ظهر شبح بتلر المنحني على الباب وقال بصوت متماوت مصحوبا بخلفيته المعتادة من تكشيرات الآلام :
- أنا آسف لأنني لم استطع ان اصحبكم .منتديات ليلاس
قالت دانيال وهي تنظر في شك إلى بنطلون الجولف الذي حل محل الروب دي شامبر.
- ونحن كذلك إنني اتساءل : إن كانت نزهة بسيطة لن تضرك ؟
قال ريمي منفجرا :
- طبعا لن تضره , إنها راحة واسترخاء.
قال بتلر وهو يتمنى لهم عودة حميدة :
- هذا صحيح , على كل ارجو ان تقضي يوما جميلا .
ثبتا الطفلة في مقعدها الصغير في السيارة ثم جلس ريمي امام عجلة القيادة بعد ان توسلت إليه تانيا اولا ان يزيل بقعة لا تتجاوز سنتميترا باللون الأحمر خلف مقعدها . انتظر اميرواز حتى دخلوا الطريق السريع ليعلن انه يرغب في قضاء حاجته واضطروا للوقوف مرة ثانية عندما تعارك جيرمي وجولي في مباراة لمن يبصق أبعد مسافة. واخيرا وصلوا على اية حال إلى حديقة الحيوان.
في هذا اليوم في عز الصيف في حرارة أكثر من استوائية كانت اشعة الشمس تخترق بصعوبة الغمام وبخار الرطوبة الثقيل والذي تعودت عليه دانيال . قبل ان يصلوا إلى حديقة الحيوان , كانت ملابسها قد تجعدت مثل ملابس باقي اعضاء الرحلة عدا ريمي فقد كان مرتديا قميصا من نوع برمودا يصل إلى ركبتيه وهو مفتوح حتى منتصف صدره مظهرا بشرته البرونزية , وكان يبدو نضرا وجذابا...
تلاقت انظاره مع انظار دانيال ووجه لها ابتسامة ودودا جعلتها تحس بالدفء وردت ابتسامته بابتسامة مراهقة تعاني مشاعر الحب الأولية.
كان مشهد قد جعلها تحس بأنها مليئة بالحياة الجديدة ومستعدة لمقابلة كل التحديات بما فيها اصطحاب ابناء اختها إلى حديقة الحيوان. لقد أكد لها ريمي مقدرتها على إقامة علاقات متينة مع الأطفال, وقررت ان تسترخي والا تجعل من القليل كثيرا كما نصحها وهو الخبير في كل شيء. تنزهوا في طرقات الحديقة معا حسب أوامر ريمي .منتديات ليلاس
كانت تانيا على بعد مترين في المقدمة حتى لا تشعر بالعار إذا ما اعتبرت ضمن الصغار , بينما اخذ ريمي يدفع عربة الطفلة وامسكت دانيال اميرواز في يدها . أصر ريمي على ان تلتقط دانيال صورا للجميع . ولأول مرة منذ سنة رفعت دانيال الخطر الذي فرضته على تصوير الناس.
بدأت التصوير على مهل ثم تحولت إلى غول وهي تلتقط الصور بسرعة البندقية الآلية وكأنها اصيبت بالجنون , وفي منتصف النهار كانت قد استخدمت خمسة افلام كاملة.
في الوقت الذي كانوا فيه يعجبون بمشاهدة طيور الفلامنجو الوردية والنمور والأسود , انطلقت هي على سجيتها لترى الأشياء حسب خيالها الفني. وتظاهرت بأن ريمي والأطفال وهي يشكلون أسرة , طبعا هذا كان من باب الفضول لا غير حيث إنها لا تنوي على الإطلاق ان تتزوج وان ترزق بأطفال , كم هذا الخيال ممتع!

Rehana 24-11-18 09:40 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
لم يمر النهار دون حوادث صغيرة , حاول جيرمي اللعب مع الثعابين , ودخلت جولي في جبلاية مخصصة للقرود من فتحة في السور, وحاول اميرواز ان يفلت منهم حتى يذهب إلى بحيرة التماسيح.
***
سألها ريمي عندما استقرا فوق الأرجوحة بعد العشاء :
- هل حقا ذهبت إلى كل الأماكن التي رويتها للأطفال هذا المساء؟
كان جميع الأطفال قد أكلوا واستحموا ووضعوا في الفراش مع حيواناتهم المصنوعة من القطيفة والتي اشترتها لهم دانيال من حديقة الحيوان .
كان بتلر قد انضم إليهم على العشاء وقد لوحته الشمس وكأنه قضى كل نهاره يمارس الرياضة في الهواء الطلق وبعد العشاء انسحب لحجرته.
كان الصمت سائدا لا يقطعه سوى صوت الحشرات القادم من شجرة في بيت مجاور يسوده السكون, كان الجو لا يزال رطبا ولزجا وعبا بعطر الورد والمانوليا, قالت دانيال وهي تتثاءب كي ترد على سؤاله:
- نعم لقد طفت بالعالم.
كانت تتكلم بكل بساطة وكأن كل الناس يفعلون مثلها وهذا ما جعل ريمي يهتز ألن تبدأ في تقليل رحلاتها ؟ إن صدى الحديث السابق لا يزال يقلقها , لقد قالت له إنها تعشق الطواف بالعالم واكتشاف اماكن وأناس غير معروفين.منتديات ليلاس
سرت فيها رجفة باردة رغم الحرارة الخانقة.
قال في نفسه : آه لو استطاع ان يبقيها بسهولة . إن الأسورة الذهبية التي تلتف حول معصميها كانت تلمع وكأنها شعر ملاك. وود لو استخدمها في ربطة قلبه بقلبها . إنه يحبها دون ان يستطيع ان يحدد اللحظة التي بدأ فيها هذا الحب , هل عندما أثارت مشاعره وهي تبكي؟ أم عندما لاحظها وهي تراقب الطفلة وهي نائمة؟ أم عندما انصتت وهي شاردة إلى اميرواز وهو يقص عليها ان كلبه القطيفة لا يستطيع ان ينام؟ والحقيقة المؤكدة الوحيدة هي انه اثناء نزهتهما في حديقة الحيوان عرف انها تحبه. ولكن هذه الحقيقة أفزعته .
لقد ظل طوال حياته ينتظر ان يقع في حب فتاة من لويزيانا من نفس مستواه وتشاركه قناعاته ولكن حبه لهذه المرأة التي تشبه المجندات في الجيش الأمريكي ذات الساقين الطويلتين والعطشى دائما للمغامرات , هذا الحب يخيفه.
ماذا سيفعل ؟ وكيف سيكون رد فعل دانيال التي تعتبر الصلات العاطفية شيئا يستحق السخرية لو كلمها في ذلك ؟ سألها :
- ماذا ستكون وجهتك القادمة؟
ترددت دانيال . إنها لا ترغب في ترك نيو اورليانز بسرعة لأنه في اليومين الاخيرين تغير كل شيء , وضعها وعواطفها وهي نفسها . قالت :
- لست أدري!
قالت في نفسها : لو طلب مني لمكثت هنا , ولكن ما هذه الحماقة . إن كليهما يعلم ان هذه المتعة العاطفية بينهما لن تستمر . كيف تتوقع مستقبلا لها مع صديقها الصغير ؟ سألها ريمي :
- هل ذهبت إلى روافد النهر الأسود؟
تساءل ماذا سيخسر لو صحبها إلى روافد النهر الأسود ؟ وقد تجد منزلا ينسيها الأماكن الغريبة غير المألوفة والتي تسعى وراءها.ريحانة
اجابت وهي ترفع نحوه عينيها الفضيتين :
- لا, هل تصحبني إليها؟
- نعم .
تضخم الأمل داخله ودفع مخاوفه . ود لو تفهم ان حبه لها عميق حتى دون كلام .
سألها :
- هل قضيت نهارا طيباً?
اعترفت :منتديات ليلاس
- رائع .. شكرا .
ليست في حاجة لأن تحدد السبب. لقد ساعدها في الخروج اخيرا من عزلتها التي فرضتها على نفسها وكان يكفي ريمي ان ينظر إليها طوال النهار في صمت وهي تصور الأطفال وهم في سبيلهم لاستكشاف حديقة الحيوان.منتديات ليلاس
احس بالسعادة . همس في أذنها:
- انت جميلة يا دانيال وحيوية ودؤوب ولا يجب ان يحرم العالم منك .
- أترى أن الغرور والأنانية هما أنا ..
- ولكن لا ...
صمتا ولم يعد هناك داع لأي تفسير. إن دانيال ستحتفظ في قلبها بمكان خاص لريمي ذلك الرجل الذي شفاها من جرح كان من الممكن ان يحطم حياتها . إنها لم تنس احداث لندن ولن تنساها ابدا ولكنها لن تمرضها كالسرطان الذي يأكل الجسم يوماً بعد يوم .
اطلقت زفرة :
- اعتقد ان علينا ان نرتاح استعداداً للمؤامرات الشيطانية التي يدبرها جيرمي للغير.
- هل ستنامين ؟
- وأنت؟
نظر إليها نظرة عميقة قبل ان يقول :
- اعتقد انني سأخذ دشا قبل أن أنام.
- وهل أنت في حاجة لمساعدة يا عزيزي.


نهاية الفصل

Rehana 24-11-18 09:45 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الحادي عشر

قال جيرمي بين ملعقتين من الطعام:
- سألف العالم كله مثلك يا خالة دانيال وسأبحث عن الحيوانات الغريبة في كل مكان واصطادها مثل بطل حلقات المملكة البرية في التلفاز.
أضاء وجه دانيال من السعادة , لقد نجحت اخيرا في ان تقرب منها ابناء اختها عن طريق الحكايات والمغامرات التي قامت بها.ريحانة
كانت شارب ابيض من اللبن يزين شفته العليا.
قالت جولي :
- اوه , نعم وسأتبعه إلى كل مكان وسألتقط صورا وسنذهب إلى امريكا وإلى بورنيو وسيطلق علينا رجال اسمها كما يحدث في إنديانا جونز .
أعلن اميرواز وخداه احمران من الإثارة :
- وأنا سأكون عامل نظافة .
انطلق الجميع في الضحك وعندما زاد جيرمي عن حدهما اوقفهما قائلا :
- دعوه في حاله , لا ضرر في ان يكون عامل نظافة.
تبادل كل من جيرمي وجولي نظرة اتفاق على خطة معينة وتركا المكان قبل ان يغضبا مربيتهما واخوهما الصغير في اعقابهما. وعندما اغلق الباب خلفهما عاد انتباه دانيال إلى ريمي الذي كان يتأمل قدح قهوته في غضب قال :
- لقد علمت عامل نظافة في الصيف اثناء دراستي ولم أر عجائب الدنيا مثلك وتقريبا لم اغادر نيواورليانز.
نهض من فوق مقعده في ضجة كي يذهب ليعني بكاميل ورفعت دانيال حاجبيها تعجبا . إن تفسير مزاج يكمن في هذا إذن.منتديات ليلاس
من يومين منذ نزهتهما في حديقة الحيوان كان غريب الأطوار لم يكف جيرمي وجولي عن ان يطلبا منها باستمرار ان تقص عليهما عن رحلاتها وكانت تنفذ رغبتهما في حماس ولكنها لم تفكر ان ريمي كان يخرج عن شعوره وهو ما كان يحدث كثيرا . استطاع اخيرا ان يهدأ وإن بدا شارد في معظم الليالي وكأنما يريد ان يقنعها بشيء لا يجيد التعبير عنه, لقد احست معه بمشاعر لم تقرأها في كتب, وكم كان غريبا ان تحصل على ماكانت تعتبره مستحيلا وهو الحب , تحسست جبهتها بكفها لتتأكد من أنها لا تعاني الحمى , لا يمكن ان يكون ما تحسه هو الحب , لا يمكن ان تكون وقعت في حبه .منتديات ليلاس
ألقت نظرة في اتجاه ريمي الذي حاول ان ينزع حبوب الطعام الملتصقة بشعر كاميل فأحست بأن قلبها يقفز قفزة قاتلة في صدرها . وعندما استدار ريمي وكاميل تحت ذراعه كالكرة فاجأ دانيال وعلى وجهها تعبير الإرهاق . سألها :
- ألا تسير الأمور جيدا؟
- بلى .. بلى.
- اعذريني يا أرنبتي الصغيرة على غضبي ولكني كنت اخشى ان تحتقريني لأنني علمت عامل نظافة .
لم يكن تفسيره صادقاً إلا في جزء . إن ما يضايق ريمي حقا هو مزاج دانيال نحو الرحلات . إنه لم يغادر لويزيانا إلا مرة واحدة ولكن حنينه للوطن اجبره على ترك وظيفته ليعود.
إنه لا يتحمل لا فكرة الرحيل ولا فكرة ان يدع دانيال ترحل بدونه وبالتالي إذا لم يصل إلى إقناعها بالبقاء فإنه خسر المعركة قبل ان تبدأ.منتديات ليلاس
قالت :
- إنني اعتبرك تستحق ميدالية . كناس في نيو اورليانز في عز الصيف! اتدري ليس لأنني امتلك بعض المال فإنني لا اعتبر نفسي متحذلقة .
- متحذلقة؟ إلى هذه الدرجة ؟ أتقولينها لي الليلة؟
تأملت دانيال ريمي وقد وسد كاميل على فخذه وهو يلاعبها , قالت تسأله :
- أتظن حقا انه يحب تنظيف الطفل في حوض الصحون ؟
- بالتأكيد وهو عملي أكثر من البانيو .
- لقد حصلت فعلا على شيء من جيرمي قبل زيارتنا لحديقة الحيوان فإنه لم يكف عن الحديث عن الفضاء .
- لقد بدأت فعلا تحبين هذا الصبي , أليس كذلك؟
- اطمئن فإن ذلك لن يستمر .
تمنى ريمي في نفسه ان يستمر جيرمي في هذا التغيير في السلوك , بل إنه يقسم على ذلك .
ركب الجميع الميني باص لزيارة روافد نيواورليانز وعندما بدأت المدينة تختفي خلفهم توغلوا في منطقة مستنقعات تمر وسط سهل تناثرت فوقه مصانع للمنتجات الكيميائية حيث كانت مداخنها ترتفع نحو السماء كعلامات التعجب .
ثم عبروا مزراع الأرز وقصب السكر ثم صعدوا طريقا سريعا يمتد كليو مترات. بدا وكأنه راية ترفرف أعلى صارية فوق مساحات ممتدة إلى ما لا نهاية من العشب المتماوج .
لاحظوا بين مجموعات اشجار البلوط والسرو بعض ممرات الروافد التي حفرت وسط الأرض وكأنها بقع من الحبر.

Rehana 24-11-18 09:46 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
سجلت دانيال كل شيء كعادتها عندما تكتشف مكانا جديدا وكأن ريمي يراقبها من طرف عينه وهو يكتم انفاسه حتى لا يكون رد فعله سلبيا.منتديات ليلاس
إنه على استعداد للتنازل عن كل شيء في سبيل ان تحب وطنها الأم وان تتلقى حكمه بعاطفة جامحة.منتديات ليلاس
فجأة استدارت نحوه وابتسمت له ابتسامة وضاءة وقالت بصوت حلو :
- إن كل شيء جميل يا ريمي .
كانت كل محابس عواطفه قد انفتحت واجتاحه شعور بالارتياح والخلاص.
كانت مدينة لاك تقع فوق متاهة صغيرة وكان شارعها الرئيس تحتله الحوانيت العادية مثل بقالة وخردوات حيث زينت واجهات عرضها بإعلان قديم عن البسكويت وجزارة تعلوها لافتة تقول هنا نتحدث الفرنسية .
كانت لاك مهلهلة وفقيرة مثل بقية المدن الصغيرة في العالم, ووقعت دانيال في حبها من اول نظرة, كانت تتحرق رغبة في الإمساك بآلتها الفوتوغرافية كي تصور إعلان المطعم الذي يقول هنا سجق وشراب والعجائز الثلاثة الذين يحاولون استعادة الماضي وهم جالسون فوق اريكة خشبية , وشابة تخرج من صالون إيفيت للحلاقة وقد علت رأسها تسريحة دائمة جديدة.
دخلوا بعد ذلك في شارع مواز للرافد الأسود وهو عبارة عن شريط من الماء الموحل أسود كما يحمل اسمه . وكان آخر بيت في الشارع يقع على بعد مائة متر تقريبا من النهر وهو ملك والدي ريمي كان عبارة عن ضيعة جميلة من الطوب الأحمر له شرفة حول كل الواجهة تظللها شجرة بلوط ضخمة ويتدلى منها زهور إسبانية .
خرجت نويل دوسيه إلى شرفة وهي تمسح يديها في مريلتها واستقبلتهم جميعا بالقبلات والتحيات, وكأنهم جزء من عائلتها. كانت قصيرة ومستديرة كالكرة وعيناها حيويتان سوداوان ويفوح منها رائحة الخبز الطازج المغري. سألها ريمي بعد ان قبلها وتبادل معها بعض الكلمات الاسكتلندية :
- اين أبي؟
- لقد خرج ليبحث عن بعض قطع الغيار لسفينته من عند لويس سيعود إلى هنا للعشاء . إن هذا الرجل لم أره مرة يتأخر عن الطعام.منتديات ليلاس
احتضنها ريمي بقوة بين ذراعيه مما جعلها تنفجر ضاحكة وكأنها فتاة في العشرين من عمرها . راقبتهما دانيال وهي سعيدة وقلقة في آن واحد.
لقد بدا عليه الشباب بشدة . قال الصبي الكبير الذي له عيناه سوداوان واخذ يعاكس أمه ويسألها :
- ماذا اعددت لنا على العشاء يا أمي ؟ هل اعددت اطباقي المفضلة ؟
اجابت السيدة العجوز قبل ان تهمس في أذنه ما جعل وجهه يحمر : أنا اعددت لك مفاجأة .
قال ريمي لدانيال اثناء تعارف امه على الاولاد وبتلر:
- إنها تسأل عما إذا كنت عروسي المستقبلية !
ظلت دانيال صامتة من الدهشة واحست بالخجل , صارت حدقتا ريمي في سواد الحبر وهمس :
- لقد احمر وجهك يا ملاكي.
زمجرت :
- ولكن لا , إنها الحرارة الخانقة , او ربما من علامات سن اليأس .
تلقى ريمي ملاحظتها بضحكة فقالت :
- إننا سنغضب والديك يا ريمي.
كان البيت يبدو مريحا ولكنه ليس من الاتساع بحيث يضمهم جميعا, وخشيت دانيال من الخسائر التي يمكن ان يحدثها الأطفال . قالت وهي تشير إلى الرافد:
- يمكننا ان نقيم في الفندق هناك, إنها مثل المركب .ريحانة
- أتقصدين السفينة يا عزيزتي ؟ نعم هي سفينة .
ذهبا لاستكشاف مقر إقامتهم المنتظر تاركين لنويل متعة تقديم الفطائر من صنعها , عصير الليمون وولبتلر مهمة رعاية الطفلة , لوح لهم الاخير بيده وهو يبتسم ابتسامة ماكرة .

Rehana 24-11-18 09:47 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
همست دانيال :
- لقد غير رأيه فيك.
سارا في الطريق الضيق المغطى بالمحار والودع والذي يؤدي إلى الرافد وابتسم ريمي في داخله على التحالف الذي عقده مع العجوز الاستكلندي:
- اوه! يكفيه ان يعرفني على حقيقتي . إن من يعرفني يحبني .
كان فندق دوسيه كما سماه ريمي عبارة عن سفينة كبيرة تحولت إلى بيت عائم وفي الأصل كانت ملك اجداده الأولين, واستخدمت بعد ذلك باستمرار كملجأ للضيوف عندما يفيض البيت بقاطنيه , بني فوق السطح مبنى من الخشب مسقوف بجذوع اشجار الأرز ولم تكن الفتحات المخصصة للنوافذ مغطاة بالزجاج وإنما بالستائر , وتطل على شرفة تسمح بمرور النسيم وتمنع مرور الناموس. وكان المبنى مكونا من حجرتين على مستويين وكل منهما تحتل المساحة المتاحة وكان جسد السفينة مغطى كله بالنجيل الاخضر وبراميل كبيرة لحفظ السوائل مقطوعة إلى جزءين استخدمت كأصص للزهور مثل البتونيا والجيرانيوم بألوانها المبهرة . وفي ركن يوجد قفص للعصافير معلق على جذع شجرة ويظن المرء انه في ملعب جولف مصغر وهو يتميز بالخصوصية والترحيب صاحت دانيال :
- إن الأطفال سيعشقون هذا .
قادها إلى مقدمة السفينة وهو يقول :
- اعرف انك حزينة يا أرنبتي الصغيرة ولا تمتعضي ويمكنك ان تعيشي يومين بدوني.
نظرت إليه دانيال نظرة سوداء .
- طبعا , لقد عشت اربعين سنة وتسعة ايام بدونك وسأتحمل ليلتين اخرتين دون عناء .
- ولكنك لم تقولي هذا مؤخرا.
- هذا غير صحيح على اية حال فإن كلام المرأة وقت العاطفة لا يمكن ان يؤخذ قرينه ضدها.
قال لها :
- لقد رتبت ان نخرج بمفردنا غدا في جولة .منتديات ليلاس
- والاطفال .
- إنه يوم عطلة المربية وقد وافق والداي ان يرعيانهم من اجلي.
نظرت إليه في شك :
- هذا إذا كانا سيعيشان وحتى لو عاشا فإن الجحيم سيكون ارحم من الحياة مع تلك العائلة الجهنمية .
كانت في هذه اللحظات قد نسيت كل مخاوفها السابقة ووجدت انه من الطبيعي ان تقع في حبه بجنون . نظرت دانيال نظرة قلق على بيت دوسيه من بعيد وقد برز وسط الأحراش سألته:
- هل أنت واثق بأن كل شيء على مايرام, إنني اشعر بأنني حزينة .منتديات ليلاس
صاح ريمي :منتديات ليلاس
- كفي عن القلق الذي تخلقينه لنفسك. إن والدي يحبان ان يحاطا بالأولاد وسيعتني والدي بجيرمي وجولي وامي بالطفلة وبتلر بالأثنين الباقيين . استفيدي من نزهتنا يا عزيزتي . لماذا لا تعجبك فكرة الحياة وسط المستنقعات ؟
حبس ريمي انفاسه. وكيف يأمل ان امرأة راقية مثل دانيال تقبل الحياة وسط الأحراش فوق سطح سفينة خرجت من الخدمة لقدمها؟
احتجت دانيال:
- لا على الاطلاق , إن هذه المستنقعات لا تسبب لي أي خوف على الإطلاق . لقد احضرت تسعة افلام جديدة ولم اتوصل إلى تصوير تمساح واحد في حجم مخيف . واعتبرك مسؤولا عن هذا!
محت ابتسامة ريمي القتامة التي سادت وجهها كما تضيء اشعة الشمس وهي تخرج من الضباب والسحاب واحست دانيال بأن قلبها يقفز من صدرها , ردت على ابتسامته بمثلها ثم ابتعد عن لاك وعن السفينة اي البيت , وصعدا الرافد الأسود كي يتوغلا في عالم بري من المستنقعات واشجار السرو.
وعندما توغلا كثيرا في هذه المناطق ابطل ريمي محرك القارب وساد السكون الذي تتخلله اصوات الطبيعة من صياح نسر حاد وفرفة اجنحة طائر البلاشون وصوت تحرك الماء من حيوان قريب من الشاطئ او صوت تمساح رهيب عن بعد.
صاحت دانيال وقد بلغت إثارتها حد لا يوصف.
- هذا شيء رائع ومثير للإعجاب , إنه يشبه الأمازون ونهر النيل , إنه شيء خرافي!
احمرت وجنتاها من الإثارة تحت اشعة الشمس وسرعة إثارتها . وانتقلت العدوى إلى ريمي . اخذ يجذف ببراعة لأنه قد عاش فوق الماء طوال حياته.
جلست بجواره على نفس اللوح الخشبي في منتصف القارب وعندما رفعت عينيها نحوه هب نسيم فأطار شعرها المشوب بالشيب وسقطت خصلة منه فوق فكها. كان باقي الشعر مربوطا خلف رقبتها على شكل ذيل الحصان غير ان إحدى الخصلات افلتت لذا رفعها ريمي بأصابعه إلى الخلف . تاهت دانيال في عينيه ولم تحس بأنها توقفت عن التنفس إلا عندما النتفخت رئتاها وبدأتا تؤلمانها.
قالت :
- ماذا يحدث لو وقعنا داخل فك تمساح جائع ؟
- لماذا لا تثقين بي يا ملاكي؟
سحقت دانيال ناموسة عملاقة فوق صدرها :
- يبدو ان الحشرات ستلتهمني وانا حية. إنها من الضخامة بحيث تجاوز حجم حاملات الطائرات .
- انتظري حتى تري الثعابين!
اخرج علبة كوكا كولا من الثلاجة الصغيرة التي احضرها معه . قالت :
- إنني لا اظن انني رأيت أجمل من هذه المناظر البدائية . كم هو رائع ما نراه ونحسه !!
اخذ قلب ريمي يرقص بين جانبيه .منتديات ليلاس
- نعم إنه رائع !!


نهاية الفصل

Rehana 26-11-18 11:27 AM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الثاني عشر

كان مقهى ومطعم رينارد على شاطئ الرافد وليس بعيدا عن المنزل , وكان واقعا على حافة الغابة وهو عبارة عن مبنى فسيح من الخشب مقام على اعمدة. كانت سيارات الزبائن تملأ ساحة الانتظار.
ترددت دانيال لحظة الدخول واحست بأنها بلهاء . كانت قد ارتدت ملابس للخروج من بلوزة من الحرير الأرجواني , وجيب مناسب من الهند بلون التركواز وفوشيا . كانت كلما اضافت عنصرا جديدا إلى زينتها كان حماسها للخروج يبرد. وفي اللحظة التي لبست الحلق الذهبي في أذنيها فضلت لو انزلقت تحت السرير واختفت تحته.منتديات ليلاس
إن هذه الصفحة من حياتها على وشك ان تقلب , لقد بلغت الأربعين من عمرها . كانت الشمس قد حولت وجهها إلى اللون الوردي واظهرت التجاعيد القليلة والتي من المفروض ان تختفي حسب الإعلان عن الكريم المعجزة الذي استخدمته دون نتيجة .
كانت عينها الفنية الدقيقة قد فحصت كل جزء من جسدها وتأكدت من أن بشائر علامات الشيخوخة بدأت تزحف. لم تعد تشك في انها اصبحت امرأة عجوزا في سن الاربعين تستعد للخروج بارتداء ملابس الخروج مع شاب خرج لتوه من سن المراهقة.

Rehana 26-11-18 11:28 AM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
قال ريمي بصوته العفوي:
- هيا يا دانيال هذه اول مرة سأقدم لك فيها وجبة جيدة! وبهذا تغيرين من أكل الأطفال .
وجهت له نظرة تائهة وقد حولت رأسها جانبا . اراد ان يتأكد من انها مقتنعة . قالت :
- حسنا , موافقة !
اطلق ريمي زفرة ارتياح وامسك بذراعها وجعلها تصعد الدرجات المؤدية للمطعم وعندما انغلق الباب وراءهما عرفت في الحال ان حاستها لم تخدعها , احست بأن شعر رأسها يقف وريمي يقودها إلى صف طويل من الموائد مرصوصة عند الجدار الداخلي .
صاح اميرواز الذي ظهر فجأة كالشيطان وصافحها :
- عيد ميلاد سعيد يا خالة دانيال!
اخذ جيرمي وتانيا وجولي وعدد لا يحصى من الاطفال لم يسبق لها ان رأتهم في حياتها اخذوا يصفرون بكل ما في رائتهم من قوة مما استرعى انتباه كل الحضور.
كان بتلر ووالدا ريمي ونصف دستة من البالغين لا تعرفهم جالسين امام المائدة على استعداد للاحتفال بعيد ميلادها الذي فضلت ان تنساه .ريحانة
سألت دانيال ريمي بصوت بارد كالثلج حتى لا تنفجر غضبا :
- هل اخبرت الجميع ان اليوم عيد ميلادي؟
حدجها ريمي بصوت بارد كالثلج حتى لا تنفجر غضبا :
- لم أقل لهم محددا أي عيد ميلاد!
وجهت دانيال ابتسامة مصطنعة للمدعوين , وأشارت إليهم بما معناه انهما سيأتيان حالا ثم استدارت نحو ريمي وقالت :
- خسارة ان تموت صغيرا!
- هيا يا أرنبتي الصغيرة! إنهم يريدون فقط ان يمرحوا معك وهم سعداء لأنك هنا اليوم .اما بالنسبة لي فلا داعي للحديث عن ذلك . فإن عدد شمعات التورتة لا يهني .
اوشكت دانيال ان تفقد الوعي .
- لا تقل لي إن هناك تورة وشموعا.
- لا , إن رجل المطافئ المسؤول لم يسمح بذلك.
انتزع هذا التعليق الساخر ما يشبه الابتسامة منها إن هؤلاء الناس جميعهم لطيفيون , لأنه حضر ويبدو ان الاطفال يسبحون مع الملائكة من السعادة .
انقبض حلقها عندما تذكرت عيد ميلادها السابق الذي قضته في التبت بصحبة جدي وراء الباك الذي يشبه الخيمة.
سألها اميرواز الذي امسك بيدها ليقودها نحو مكان الشرف :
- كم عمرك يا خالة دانيال؟
كذبت عليه :
- تسعة وثلاثون عاما .
انتقلت بعد ذلك إلى عملية التقديم . كانت هناك اليشيا الأخت الكبرى لريمي وزوجها وابناؤها الثلاثة. واخته الصغرى اريك التي كانت تشبه بدرجة مدهشة الكاهنة الروحية التي حضرت لعلاج بتلر ! , والعم جان والعمة فانشون وهما زوجان في الستينيات من عمرهما .منتديات ليلاس
هناك ايضا جيزيل الأخت التوءم لريمي وزوجها وابناها التوءمان . ولم يلب الدعوة الاخ الاصغر اندريه والأخ الأكبر اتيان المرعوف اكثر باسم لاكي.منتديات ليلاس
بسرعة انهمك الجميع في احاديث حيوية ورأت دانيال ان آل دوسيه ينتهزون اي فرصة ليجتمعوا ويتمتعوا وهم يفعلون ذلك دون تكلف , وبعد بضع دقائق لم يعد احد يتحدث عن عيد ميلادها.
اجتاحها كل انواع الانفعالات والأحاسيس وراقبت دانيال اخوات ريمي كانت اصغرهن ليس لديها اطفال وقد التصقت في الحال بكاميل وتبنت العناية بها وقد اظهرت الطفلة سعادتها بذلك. اما بالنسبة لريمي فقد خفف من حدة هروبهما وسط المستنقعات.

Rehana 26-11-18 11:30 AM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

فجأة جاء جيرمي ليشدها من ذراعها وهو يقول :
- لن تخمني يا خالة دانيال ابدا ما رأيناه اليوم أنا وجولي!
سألته بصوت شارد:
- ماذا؟
- لقد ذهبنا إلى الغابة وجعلنا بابا دوسيه نرى كل انواع الحيوانات.
- حيوانات يا جيرمي ؟
- حيوانات و...
- هذا رائع يا عزيزي ولكن يجب ان تعود إلى مقعدك فإنهم سيقدمون الطعام.
- نعم , ولكنني اود ان اوضح لك.ريحانة
- فيما بعد .. موافق؟
عاد الصبي الصغير إلى مقعده وهو يزفر في ضيق. كانت رائحة الطعام رائعة , وكان آل دوسيه يعرفون كل الساقيات والخدم باسمائهم الموجدة ويسألونهم عن احوالهم بلهجتهم الحلوة . كان الطبق الرئيسي المملوء حتى حافته تتصاعد منه الأبخرة التي سحرت دانيال بالفواكه البحرية . كان ريمي قد علمها كيف تستطعم الحيوانات القشرية من نوع الجندوفلي والجمبري الصغير , وعلمها كيف تقشر لتخرج اللحم الأبيض اللذيذ.
قال لها وهو يغمز لها بعينه:
- وإذا كنت استكلندية حقا فإنك ستمصين الرأس.
- اللعنة!
- كيف يمكنني ان احولك إلى العادات الاسكتلندية؟
- لن استطيع ان أصل إلى هذا الحد. لقد أكلت كميات رهيبة من اشياء غريبة في عدد لا يحصى من الأماكن ولكن هناك حدودا لكل شيء.
عندما ذكرته بحياتها الجوالة شعر بعدم الارتياح خاصة في اللحظة التي كان سيطلب فيها ان تبقى معه للأبد.منتديات ليلاس
كانت معدته تحرقه وقلبه يدق بشدة عندما سأل زوج أليس دانيال ان تقص لهم عن رحلاتها. لم يستطع ان يعبس , ومالت جيزيل عليه وهمست في أذنه بكل تفاهم الأخت التوءم:
- هل أنت عاشق لها ؟
همهم : نعم !
- في هذه الحالة فإنني اسامحك لاستغلالك اسم وكالتي.
قال وهو يشعر بالمهانة :
- ولكني سأثبت لك انني مربية ممتازة ومقدسة . تصوري انني استطعت ان احرس ذلك المكان.
ابتسمت له جيزيل ثم ألقت نظرة على دانيال:
- انها ساحرة , انها تحبك ايضا , أليس كذلك؟
- لنتعشم ذلك ..
طبعت جيزيل ابتسامة على خد توءمها وعيناها السوداوان الواسعتان ممتلئتان بالحنان. مرت ثانية واحدة اجتاحهما معا شعور بعدم الاطمئنان ثم قالت له مؤكدة :
- مسكينة دانيال , إنها لا تتحمل مواجهة سحرك, إنها ستصبح من آل دوسيه دون ان تشعر وأنا متأكدة من ذلك.
همس :
- اتعشم ان يكون ما تقولينه حقيقة.
ومع ذلك امتلأ قلبها بالخوف عندما وجهت انتباهها إلى دانيال التي كانت تقص واحدة من رحلاتها إلى زائير , كانت تشتعل عاطفة وهي تذكر تلك الأماكن البعيدة .
كيف يمكن ان تأمل ان تترك دانيال كل هذا وتلقي بمرساتها إلى جوار الروافد؟
قامت الساقيات الظريفات برفع المائدة وجلس الموسيقيون فوق المسرح عند الطرف الآخر من القاعة .

Rehana 26-11-18 11:54 AM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
اخذت الحمى تسري في كل المدعوين الذين اخذوا يدقون الأرض باقدامهم ويصفرون لحن لنذهب إلى لافاييت . فرغت نصف الموائد من شاغليها الذين تفرقوا فوق الحلبة . بدأت دانيال تحب الألحان المرحة للأغاني الفرنسية القديمة والتي كان يلحنها من كل قلبه عازف الأكورديون . بينما باقي الرباعي يعزفون على آلاتهم بحماس شديد.منتديات ليلاس
كان من المستحيل ألا تتابع النغم ووجدت دانيال نفسها وقد جرفها الجو المرح في هذا المكان غير المألوف , لقد وقعت في حب لويزيانا وسكانها وثقافتها وموسيقاها ومناظرها الطبيعية . ولأول مرة في حياتها بدأت تنمي حلمها في ان تستقر في مكان ما وهو ما يخيفها .
حلت رقصة شعبية قديمة محل رقصة الفالس الهادئة . نهض ريمي ومد لها يده :
- هيا نرقص يا أرنبتي الصغيرة.
لقد رقصت دانيال مع امراء وصعاليك , ولكن ذكرياتهم تتلاشى عندما ترقص بين ذراعي ريمي , كان لا يترك ابدا عينيها بعينيه السوداوين وجعلها تدور حول الحلبة برشاقة وليونة ولا يستطيع أي معلم رقص ان يعلمها مثله .
كانت مذهولة واحست بأن قلبها ينبض بعدم انتظام. إن رقصة الفالس اصبحت موضة قديمة ورتيبة , ولكنها معه كانت تستطيع ان ترقص اسرع الألحان حتى ولو كان لامبادا .
فجأة عادت لها مخاوفها . إن المنطق يقول : إن من الواجب على ريمي ان يطارد بسحره فتاة متقاربة معه في السن مثل تلك السمراء التي ترقص في ركن مع بنات إخواتها الصغيرات , تلك الحسناء التي انسدل شعرها على شكل ضفيرة طويلة لامعة ولينة ولا زال خداها محتفظين باستدارة الطفولة .منتديات ليلاس
إن الفتاتين الصغيرتين اللتين تهتم هي بهما يبدو عليهما انهما عاشقتان لتلك السمراء كما هي عاشقة لهما.ريحانة
وعندما توقفت الموسيقى اخذتهما بين ذراعيها بعيني دانيال التي قرأت فيهما وميض العداوة .
قال ريمي وهو يسحبها إلى الطرف الآخر من الحلبة .
- دانيال!
كان سيتحدث معها هناك وفور, تعارفهما من وقت قليل لا اهمية له وهو واثق بعواطفه :
- مرحبا يا ريمي !
اغلق عينيه ربع ثانية وكان ألماً شديداً وحاداً اخترق عقله . إنها ماري بروسار التي تحبه والتي سماها ماري التي تريد ان تتزوج اختارت أسوأ لحظة كي تفسد امسيته , طلبت منه في لهجة تحدي:
- ألا تمنحني رقصة؟
كان ريمي سيلزمها مكانها الصحيح عندما ابتعدت دانيال عنه فجأة وقالت له بابتسامة مواربة :
- هيا يا ريمي على اية حال فإن التهاب مفاصلي يؤلمني.
انتهزت ماري الفرصة كي تتعلق بوحشية بيده وتجبره على ان يتبعها وسط الجمهور الراقص وكأنها قاطرة بخارية تسحب باخرة فوق نهر المسيسبي . لم تتح له سوى ثانية واحدة كي يلقي نظرة شبه ساحرة وشبه لاذعة على دانيال قبل ان تختفي عن انظاره.
كانت دانيال تتابع الزوج الراقص من حافة الحلبة بعينيها ورغم العذاب الذي يمثله ذلك فإن الفتاة الشابة ذات الشعر الأسود تناسب تماما ريمي . إنها صغيرة وتتمتع بالأنوثة وكانت تتظاهر بأنها عروس بفستانها الأبيض الصيفي وهي ترفع نحوه عينيها المليئتين بالإعجاب والتصميم .
قال جيرمي وهو يجرها من طرف الجيب:
- يا خالة دانيال , هل تحبين ان تأتي لتري الآن؟ إنه فريد لا مثيل له! وأراهن انك لم تشاهدي مثله ابدا حتى في إفريقيا .
سألته دون ان تنظر إليه :
- عن أي شيء تتحدث يا جيرمي ؟
- هل ستأتين الآن ؟

Rehana 26-11-18 11:55 AM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

- اين ؟
- لتري سرنا.
- إن الظلام سائد في الخارج يا جيرمي وسأحضر لرؤيته غدا. لماذا لم تطلب من جولي ان ترقص معك.منتديات ليلاس
نظر إليها جيرمي في غيظ وابتعد وهو يزمجر. تنهدت دانيال , لقد نالت فشلا جديدا ولكن حاليا لا تسخر من ذلك .
قالت جيزيل التي حلت مكان جيرمي بلهجة عدم رضا :
- هذه المدعوة ماري بروسار , لقد ظلت من وقت طويل تغازله وتطارده بأقصى ما تستطيع ساقاها محاولة ان تحصره في ركن.
سألتها دانيال بصوت تصنعت ان يكون غير مبال :
- هل يعرفان بعضهما بعضا منذ وقت طويل؟
- منذ الأبد. لقد ذهبا إلى نفس المدرسة , لكن ليس في نفس الفصل.
نظرت جيزيل إلى دانيال نظرة متفهمة:
- لقد اعتقدنا انها فهمت ولكن لا , إنها لا تزال تظن ان من الممكن التوسل إلى ريمي , هناك حقا اشخاص يحتاجون إلى ان نواجههم بالأمور بوضوح وقوة وان ندخل ذلك في رؤوسهم ولو عن طريق المطرقة .منتديات ليلاس
قالت دانيال:
- اجل, ارجو المعذرة يا جيزيل . إنني اعتقد انني سأخرج لاستنشاق بعض الهواء.
سارعت نحو باب الخروج دون ان تنتظر رد جيزيل حتى إنها اوشكت ان تتعثر فوق درجات المدخل , طار صندلها إلى الأرض في ساحة الانتظار وابتعدت نحو الرافد وصندلها يصدر صوتا نتيجة كسره للودع وهي تدوسه في طريقها.
كانت نظراتها شاردة نحو الماء الأسود واطلقت آهة ألم . لم تعد سوى كتلة من الحيرة والارتباك وكل ذلك بسبب غلطة سوزانا . لولا اختها غير الشقيقة لكانت في هذه الساعة تقوم بتصوير جيش من الهنود الحمر او نمور في البنغال . ولم تكن لتقع عاشقة لرجل اصغر منها .
- دانيال! هل انت بخير ؟ ماذا بك؟
كان صوت ريمي المنخفض والدافئ يغطيها بغطاء من صوف الفانيلا في ليلة باردة . ارادت لو تدفن نفسها هناك بعيدا عن العالم .
لما ظلت صامتة فقد اقترب منها ريمي وقال :
- لا تغضبي مني لأنني راقصت ماري , لقد هجمت عليّ كالثور الهائج , من الصعب التخلص من تلك المخلوقة.ريحانة
اجابت:
- لست غاضبة , انت المربية التي تعمل عندي ولست عبدا لي ويمكنك ان ترقص مع من تحب .
ادارها ريمي نحوه وراقصها رقصة محمومة على لحن اسكتلندي قديم اخذ يغنيه , قالت له بلهجة جافة :
- عن أي شيء تتحدث هذه الاغنية ؟
- اسأليني كم احبك يا فتاتي الجميلة .
- كان عليك ان تغنيها لماري.
- ليست ماري من أحبها وإنما أنت .
احست دانيال بأن قلبها يتوقف عن النبض. كانت تحس بعد الاتزان ورفعت عينيها إليه لقد نطق بالكلمات التي تمنت ان تسمعها من زمان, ماذا عليها ان تفعل الآن ؟ ان تكون انانية وتقبل ما يقدمه لها أم تثبت انها نبيلة وترفض الحب من ريمي من اجل مصلحته؟
لقد كان مليحا ورقيقا للغاية. ومعه ستعيش الاشياء وتحسها والتي لم تقرأ عنها في الكتب إلا في مغامرات كازانوفا , هل تريد حقا ان تتخلى عنه؟ لقد قيل لها ذلك وتكرر عليها كثيرا . لا , إنها ذات طبيعة أنانية , فلماذا يتغير ذلك الآن ؟ لماذا لا تترك كل حذر وتدع الأمور تسير على هواها ؟ لماذا لا تقول لـ ريمي إنها تحبه ؟
- ريمي .. أنا ..
- خالة دانيال! خالة دانيال .

Rehana 26-11-18 12:08 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
من فوق كتف ريمي رأت دانيال جولي تندفع نحوها بكل ما تسمح به ساقاها الصغيرتان.
- اسرعي يا خالة دانيال لقد اصاب جيرمي نفسه إصابة خطيرة .
كان اللون الكاكي لجدران اقرب مستشفى لمدينة لاك كافيا لأن يصيب بالمرض أي شخص كان يدخله . وكانت مقاعد صالة الانتظار من البلاستك الاخضر والأرض مغطاة بالمشمع الرمادي الشاحب وكان يئن تحت الأقدام.منتديات ليلاس
لم تستطع دانيال ان تظل جالسة. وكادت تموت قلقا وقد لفت ذراعيها على صدرها بشدة وكأنها تخشى ان يتفتت جسدها, اخذت تذرع الحجرة ذهابا وإيابا.
بعد ان حاول ريمي ان يسري عنها دون جدوى قرر ان يجلس في ركن من الصالة وسيجارة غير مشتعلة بين شفتيه . وكانت فرقة آل دوسيه بكامل هيئتها قد تبعت سيارة الإسعاف عدا جيزيل وزوجها اللذين انشغلا في وضع الاطفال في الفراش.
اخذت دانيال تكرر ان ذلك كله بسبب خطئها . لو اعطت فقط اهتماما لجيرمي عندما حاول ان يقودها لترى سره الغامض ! لو فقط استمعت إليه وهو يحكي عما اكتشفه اثناء رحلتهم مع بابا دوسيه . لوكانت فقط غير مستغرقة في مشاكلها وفي الرثاء لحالها وعلى الأربعين عاما من عمرها! والآن جيرمي قد يتعرض للخطر الذي يمنعه من الاحتفال بعيد ميلاده العاشر . لقد وجوده في الغابة الكثيفة فاقدا للوعي وجرح غائر في جبهته وعضة ثعبان في ظهر يده الصغيرة.
لقد هرب هو وجولي من حلبة الرقص وهما مصممان على إحضار اكتشافهما إلى الخالة دانيال مادامت هي لا تريد ان تذهب معهما لتراه . وحسب اقوال جولي اخذا معهما كشاف بطارية من الميني باص بحثا عن العش . ولسوء الحظ كانت حية رقطاء قد اختارت غذاءها من البيض الموجود في العش فعضت جيرمي في اللحظة التي كان يلمس فيها العش.
اصيب الطفلان بالرعب وهربا وهما يجريان ولكن جيرمي كان السم قد بدأ يسري في جسده فتطوح وتعثر في فخ وجرح في رأسه وهو يسقط في كل مرة كانت دانيال تغلق عينيها . كانت ترى الصورة المرعبة لابن اختها ذلك الطوربيد البشري وتلك الحماقات , هاهو ممدد وفاقد الوعي ودماؤه فوق التراب بسبب غلطتها . إنها لن تستطيع ابدا ان تنظر إلى سوزانا وجها لوجه. بدا وكأن افكارها كانت كافية لأن تظهر اختها.ريحانة
فتح الباب ودخلت سوزانا مندفعة في اعقابها. شلت دانيال في مكانها ولم يسعفها رد الفعل سوى ان قالت في نفسها : إنهما لم يرحلا إلى الكاريبي.
لم تلوح الشمس والبحر بشرتهما على الإطلاق وكانا يرتديان ملابس المدينة بينما تطوح شعر تشارلز فلم تضع أي مساحيق تجميل.
اندفعت اختها نحوها وشعرها يتطاير في الهواء وعيناها الردمايتان مليئتان بالقلق.
- كيف حاله يا دانيال؟ هل تعرفين شيئا؟.
- سوزانا , تشارلز , كيف وصلتما بهذه السرعة؟
لمع وميض الذنب في عيني سوزانا التي تبادلت النظرات مع بتلر . ولكن الشرح تأجل لما بعد.
انفتحت ابواب غرفة الطوارئ وطلب الطبيب من والدي جيرمي اصطحابه . تبعه الثلاثة تاركين الباقين في الاستقبال . اقتربت دانيال من بتلر ولديها شعور بأنها تتعرض لمؤامرة .
- ماذا يجري بالضبط بتلر ؟ إن سوزانا وتشارلز لا يمكن ان يكونا قد عادا من جزيرة بعيدة في الكاريبي , لقد مر بالضبط عشر دقائق على اتصالك بالهاتف.
اصبغ خدا العجوز الاسكتلندي بنفس لون شعره الاحمر وهو يتململ في عدم ارتياح في مقعده .
- حسنا يا جميلتي , الحقيقة انهما لم يرحلا بعيدا عن ...
- اين كانا بالضبط ؟

Rehana 26-11-18 12:10 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
- اوه , في خان جراند بل بمدينة لاك من الأمس وقبل ذلك في فندق نوتشارتران.
كان ينظر إلى قدميه وهو يتكلم , قالت له بهدوء :
- إذن هما لم يرحلا؟
قرر بتلر اخيرا ان يرفع عينيه والشفقة التي رأتها في عينيه اقلقت دانيال .
- لا يا حلوتي , لقد كانت اختك قلقة جدا عليك , لقد كنت تختبئين في اعماق اعماق التبت ولم تسمع عنك كلمة من سنة . وكان لابد من إعادتك بين الاحياء . فكرت سوزانا ان تجعلك تعتنين بالصغار كي تثبتي لنفسك انك تستطيعين ان تقومي بالرعاية المطلوبة .منتديات ليلاس
قالت وهي تشعر بالمهانة الشديدة :
- من اجل ان اثبت لنفسي ؟ لقد هزئتما بي كل الاستهزاء , شكرا جزيلا , انظر ماذا كانت النتيجة.
اشارت بيدها الى حجرة الطوارئ , قال بتلر:
- من البداية لم أكف عن تكرار انني سأكون آخر شخص يطلب من دانيال رعاية الاطفال وكان عندي حق.
تدخل ريمي :منتديات ليلاس
- هذه ليست غلطتك.
سألته وهي تنظر إليه نظرة عذاب :
- هل تعتقد ذلك حقا ؟
- لقد قلنا له ألا يذهب بمفرده إلى الغابة .
- لم يكن ليذهب إلى هناك لولا أننا اصطحبناه إلى هناك يا عزيزتي.
قالت وعيناها ممتلئتان بالدموع :
- أنت لا تفهم الأمر.
حاول ريمي ان يلف ذراعه حولها ولكنها دفعته. إنها مسؤولة وعليها ان تتحمل وحدها الحزن. لقد كانت على حق عندما رحلت بعد حادثة لندن. إنها لم تخلق للقيام بدور الأم ولا بدور المربية. في لندن ابعدها عملها عن واجبها وهنا استسلمت لحياتها العاطفية . ثم إن سوزانا جذبتها بالخداع إلى نيواورليانز ولأول مرة في حياتها شاهدت وجود حياة لا يمكن ان تكون لها مثلها ابدا. إن القدر لا ينقصه المزاح ولا القسوة.
وكل هذه العواطف والأحاسيس والمشاعر لم يبق لها سوى ان تدفنها والجذور الهشة التي غرستها عليها الآن ان تنزعها .منتديات ليلاس
ودفاعا عن نفسها ستبرهن على نبلها , ستترك الابناء لوالديهم وبتلر لمؤمراته وريمي للشابة الصغيرة ماري وستعود إلى النشاط الوحيد الذي تلمع فيه. همس ريمي الذي كانت صورته الجميلة والضخمة وهيئته الشبابية تنعكس على المرأة خلفه.
- لا تفعلي ذلك في نفسك.
اختنق صدر دانيال عند فكرة انها ستفقده لماذا لم يتركوها لحياة التجوال والوحدة؟ لقد كان سهلا للغاية عدم الاهتمام بشيء لم يعرفه . والآن هي تعرف ما الحب وستعاني دائما ذكرى ما فقدته.
حضرت ممرضة لتشرح لهم ان جيرمي يجب ان يظل تحت الملاحظة مدة يوم او اثنين , ولكنه تعدى مرحلة الخطر . ارتفعت الهمهمات وصيحات الارتياح في الجو. وضع ريمي يديه على كتفي دانيال واخذ يدلك عضلاتها المتصلبة ثم همس:
- أرأيت . إنه سيخرج منها سالما.
همست دانيال :
- ولكن ليس بفضلي.
دون كلمة حررت نفسها منه واتجهت نحو باب الخروج للمستشفى . أراد ريمي ان يتبعها لكن بتلر منعه:
- دعها ايها الشاب وامنحها لحظات لتفكر.منتديات ليلاس
كانت هذه اللحظات كافية لدانيال ان تجد نفسها وسط ليل لويزيانا الحار وان توقف التاكسي الوحيد المتاح , وان تطلب من السائق ان يعيدها إلى نيواورليانز تاركة وراءها مدينة لاك وريمي وقلبها.


نهاية الفصل

Rehana 27-11-18 04:01 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
الفصل الثالث عشر

فتحت دانيال ضلفتي بابا الشرفة حيث اندفعت هبة من الهواء الخانق مختلطة بروائح العرق الإنساني وشواء اللحم والمداخن ووصلت إلى حلقها.
ضاقت انفاسها وعطست ثم تراجعت بسرعة إلى داخل حجرتها حيث القت بنفسها منهارة فوق الاريكة.
ربما كانت مخطئة لأنها اختار مدغشقر . في البداية هربت إلى نيويورك ولكن ضجيج حي مانهاتن كان فظيعا وبعد ان كانت تتمتع برائحة الورود وزهور المانيو احست بالتقزز من نتانة اقذار الشوارع المكومة فوق الأرصفة . وفي خطواتها التالية في باريس كان مجرد ان تسمع الجميع يتحدثون الفرنسية يقلب كيانها , وكان قلبها يتوقف في كل مرة ترى فيها شابا اسمر له شارب, بعدها رحلت إلى سويسرا ثم إيطاليا واليونان واخيرا إلى بانكوك حيث جلجلة الاجراس وسط الليل تصم اذنيها, وتختلط بصوت صفارات البواخر وتشبه نفس صفارات البواخر التي تصعد نهر المسيسبي لذلك ولم يفتح اختيارها لبانكوك وكان اختيارها التالي هو مدغشقر لسبب بسيط انها لم تعد تتحمل رحلات الطيران أكثر من ذلك . وعندما استقر رأيها اتصلت بوكيلها لتخبره بأنها ستقوم بعمل ريبورتاج حول قردة الليمور ولكن منذ اسبوع وهي في تناناريف لم تستطع ان تتخذ قرارا للوصول إلى مكانها .
لم تعد كاميراتها ماركة نيكون تعجبها منذ اخذت بها الصور من شهرين في الاحراش مع ريمي , لم يعد لديها طاقة إلا كي تبكي او تتقيأ.
لأول مرة في حياتها لم يعد فنها يقدم لها الراحة والتسلية واحست انها مهجورة تماما ولأول مرة ايضا احست بالحنين للوطن وفكرت في لويزيانا بجنون وخاصة شوقها للناس.ريحانة
بعد رحيلها السريع كانت قد اتصلت بسوزانا لتعتذر لها , ومن ناحيتها اعتذرت لها عن انها خدعتها ولكن دانيال لم تحمل لها ضغينة لأن اختها غير الشقيقة تصرفت بنية حسنة. وانبت نفسها فقط لأنها لم تكن تستحق ثقتها بها ورفضت بحزم ان تعود إلى نيواورليانز كما طلبت منها سوزانا , الأفضل للجميع ان تظل بعيدا .
بدا وكان ريمي قلدها هو الآخر حيث اختفى من ناحيته, اما بالنسبة لبتلر فإن ظهره شفي بمعجزة وظل بجوار سوزانا ليساعدها في رعاية الاطفال.
الاطفال ! حتى هؤلاء الوحوش الصغيرة اشتاقت لهم بشدة . احست بأنها محرومة حقا مما تحبه فاحضرت صندوق صورها الذي تصحبه معها إلى كل مكان تذهب إليه لاحتوائه على ذكريات عزيزة عن إقامتها في نيواورليانز .
اميرواز وقناعه لوجه رونالد ريجان فوق رأسه ونظرته البريئة رغم الكلب مجهول الأصل الذي يجري دائما في اعقابه , جيرمي وجولي وعيونهما البراقة وهي تحاول التسلل داخل جبلاية القرود في حديقة الحيوانات وتانيا التي هي فتاة صغيرة أكثر منها شابة وهي ترى صورتها في المرآة كفتاة لعوب . وكاميل وخصلة شعرها الوحيدة فوق رأسها مرتفعة لأعلى وذقنها الملوث بعصير الكريز وريمي يبتسم لها وريمي يشير لجيرمي بأصبعه إلى حدأة .وريمي نائم في المقعد الهزاز وكاميل بين ذراعيه , ريمي ..

Rehana 27-11-18 04:08 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 

انزلقت دمعة على خدها وسقطت فوق قميصها . لم تحس ابدا انها مشتاقة لشخص مثلما تشتاق إليه. ولكن ليكن ما يكون , فهي عجوز بالنسبة له ولكن قلبها لم يشف بعد من منطق الحب الغريب . إنه سيظل أكبر حب في حياتها .ريحانة
وفي نوبة من الحنق والإحباط ضربت قبضتها سطح المائدة واسقطت بعض الدموع الإضافية غضبا من نفسها . لماذا كانت غير قادرة ان تتصرف على سجيتها وتستغل في أنانية ما قدمه لها ريمي . لا شك انه الحب الذي منعها ان تفرض عليه صحبة فنانة عجوز يسيطر عليها عملها باضطهاد. عملها فقط دون أي عمل منزلي. لهذه الأسباب مجتمعة وجدت نفسها في مغشقر بمفردها.
نعم إنها وحيدة للغاية ... لا , ليست وحيدة تماما ففي داخلها مخلوق صامت ولكنه يذكرها بوجوده بتلك النوبات من القيء .
دهشت عندما اعلن لها طبيب إيطالي انها حامل وان الحمل لن يتأكد إلا بعد مائة يوم. إنها تحمل طفل ريمي . إنها معجزة وواقع , تضاعفت دموعها إنها آخر امرأة في العالم تستحق اطفالا والحقائق المأساوية اثبتت ذلك. ومع ذلك تعويضا لها عن عدم وجود ريمي ستحتفظ بجزء منه وستكون .. لأنها قررت ان تكون بنتا لها عينا ريمي وشعره الأسود ولها غمازة في خدها الأيسر . تلك الفتاة الصغيرة ستذكرها دائما بالحب الذي شفي روحها وأضاء حياتها.منتديات ليلاس
ولكن هل من حقها ألا تخبر ريمي الذي عبر في مناسبات كثيرة عن رغبته في ان يصبح ابا ؟ لقد سقطت اخلاق دانيال سقطة رهيبة .
اخذت تقرقش بسكويتا مملحا وفجأة تخيلت صورتها وهي منتفخة البطن على وشك الوضع. لابد ان تخبر ريمي بالتأكيد ولكنها تفضل الموت على ان تعهد بابنتها إلى ماري بروسار او أي شابة يختارها ريمي زوجة له.
ولكن هل طريقة حياتها تسمح لها بأن يكون لديها طفل؟ إنها ستغيرها , من وقت طويل على اية حال لم تعد الأماكن غير المألوفة تسرها, إنها ستستقر ولكن هل مهنتها ستتيح لها وظائف اخرى؟ ستعمل اقل وستستاجر مربية دائمة مثل كل النساء الغنيات اللاتي يحتجن دائما لمن يساعدهن , إنها ستكون أما ولكن ستتلقي مساعدة.منتديات ليلاس
خلال بعض الأيام بعد هروبها تخيلت ان ريمي سيلاحقها ولكنها كانت مخدوعة , لا شك انه استعاد عقله هو يشعر بالخلاص لأنه استطاع ان يفلت منها بلا خسائر . واثناء تسللهما إلى الأحراش والمستنقعات اعترف لها انه يعمل اساسا مهندسا جيولوجيا , ربما عثر على العمل المناسب له.
اخذت دانيال حقيبتها وخرجت من غرفتها , لم يعد يفيدها ان تظل وسط افكارها في الفندق , على اية حال تستطيع ان تفكر ايضا وهي تتنزه ربما يكون ريمي خرج من حياتها ولكن العالم مستمر في الدوران . كان هناك سوق مقام عند نهاية الشارع وستذهب لتتنزه فيه وتشتري شيئا لتأكله لأن معدتها بدأت تصرخ وانفتحت شهيتها . ثم ستعود إلى الفندق وتحجز مكانا في اول رحلة طيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية . سواء كان قلبها محطما أم لا فإن عليها ان تستمر في الحياة من أجل اثنين.
لم يعر ريمي أي انتباه إلى المناظر المحيطة به , كل مكان يهمه هو المرور الكثيف في تناناريف والذي آخر سيارته الأجرة, لقد تبع دانيال حتى مدغشقر ويخشى ان يفقدها أي ثانية وتضيع منه مرة ثانية إذا لم يلحق بها في الحال.
إنه لا يزال غاضبا لأنه لم يلحق بها في تلك الليلة المشهودة في لاك لأنه كان سيوفر على نفسه الحزن والقلق لو انه طلب يدها للزواج. وبدلا ان يفعل ذلك تركها تفلت من بين اصابعه .

Rehana 27-11-18 04:10 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
ولكن بعد ان يقنع نفسه بأن ذلك للصالح العام , لأنها تعشق الرحلات وهو يكره ان تتحرك بعيدا عنه إلا انه اكتشف انه لا يستطيع ان يعيش بدونها حتى ولو اضطر للانتقال إلى القطب الشمالي.
توقفت سيارة الأجرة مرة ثانية واخرج السائق سيجارة دون عجلة من أمره . سبه ريمي في سره .
اخرج رأسه من النافذة ليحدد من المسؤول عن هذا التعطيل , عندما وقعت عيناه فجأة على شعر أشقر يتخلله بعض الشعيرات البيضاء على بعد خمسين مترا منه كأن ذيل الحصان يسير قد صاحبه إلى نهاية الشارع وهو يتأرجح يمينا ويسارا. ما إن وقعت عينا ريمي على الساقين الطويلتين والكاميرا المعلقة في رقبة صاحبة ذيل الحصان حتى كان فوق الرصيف وألقى رزمة من الأوراق المالية للسائق المذهول , صاح :
- انتظري يا دانيال !
ابطأت دانيال خطواتها وهي تعتقد انها ضحية هلوسة ولكن الصوت المنخفض المليء بالرجولة اعادها للواقع . حجب الزحام عنهما الرؤية . همست دانيال وكأنها تخشى ان تجعله يختفي لو نطقت اسمه بصوت أعلى.
- ريمي !
وقف على بعد مترين منها وقد بدا عليه التوه والإرهاق . كانت عيناه بلون الدم وذقنه يغطي خديه اللذين دخلا أكثر مما تتذكر داخل وجهه. كان يرتدي جينزا وحذاء رياضيا وقميصا ورديا مكرمشا تماما بعد ان قضي ليلة في الطائرة , ومع ذلك بدا لها في منتهى الروعة بدرجة لم تره بها من قبل. قال بعد ان وضع حقيبة السفر على الأرض:
- لست ادري إن كنت اقبلك أم أركلك من اجل الحزن والأسى الذي سببته لي يا حبيبتي .
حلت دانيال المشكلة بأن ركعت على ركبتيها وقلبها يكاد ان يقفز من شفتيها , سارع ريمي وساعدها على الوقوف :
- دانيال يا حبيبتي ! هل كل شيء على مايرام؟
تلعثمت :
- ماذا تفعل هنا؟
- لقد امسكت بك وهو شيء مرغوب .
- أعني كيف عرفت انني هنا؟.
- لقد عثر بتلر على مكانك بفضل وكيلك . يا إلهي! كم أنت تنتقلين بسرعة شديدة يا حبيبتي ! يلزمني وقت حتى أتعود على سرعة وتيرتك.
- ماذا تريد ان تقول ؟
همس : ان أقول أنني احبك , ولقد تضايقت لدرجة الجحيم وانا مزروع في الفندق . ثم استلزم الأمر مني وقتا حتى أتعود على فكرة ترك لويزيانا وأسرتي . ولكن كلما فكرت في ذلك زاد يقيني انك أنت أسرتي.
سكت لحظة ليستجمع كل شجاعته .منتديات ليلاس
- اريد ان اتزوجك يا دانيال , اريد ان أحبك كل حياتي.
رغم الدوار الذي احسته دانيال في رأسها استطاعت ان تحتفظ بتوازنها . ياله من حلم جميل ! ان تتزوج ريمي وتعيش سعيدة معه بقية ايام حياتها , ولكنه ليس حلما . قالت في حزن :
- لا يا ريمي لا اسمح لك بأن تفعل هذا.
كرر في لهجة عدم تصديق:
- تسمحين لي , لقد تبعتك حول العالم كله واستدنت نقودا كي احجز رحلة إلى القمر وتقولين لي إنك لا تستطيعين ان تسمحي لي بالزواج بك؟

Rehana 27-11-18 04:11 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
هزت دانيال رأسها نفيا :
- انت لا تستطيع الزواج بي يا ريمي , انا عجوز وملعونة ويمكنك ان تعثر على من هي أفضل مني كثيرا. تزوج ماري بروسار وأنا واثقة بأنها فتاة لطيفة.
قال وهو يقترب منها أكثر :
- إنني لا اريد فتاة وإنما امرأة , إنني لا اعير تلك اللعنة الخرافية اي انتباه . إنه أنت التي اريدها يا ملاكي وأنا مستعد للذهاب إلى آخر العالم كي احصل عليك , ما رأيك في هذا ؟
رفعت دانيال عينيها وشحب وجهها وقالت :
- اعتقد انني سأتقيأ.
اخذت قدما دانيال تطرقان مربعات ارضية الحمام. بدأت تحس بأفكارها انها اكثر وضوحا بعد ان غسلت اسنانها بالفرشاة ونشطت وجنتيها .ريحانة
قالت :
- في الحقيقة لا يريد احد ان يعيش معي يا ريمي أنا انانية رهيبة غير قادرة على التخلص من عاداتي ثم إن جسمي بدأ يترهل. هل ستتحمل ذلك؟
ابتسم لها ريمي وظهرت غمازته ونهض من فوق السرير الذي كان شبه مستلق عليه :
- لأنني احبك ولأنك تحبينني ولكني لا أرى أي ترهل في جسدك إنه الوهم. اشرحي لي ذلك؟
- لست ادري, ولست افهم لماذا لا تزال تريدني بعد كل ماحدث؟!
- لست مسؤولة يا دانيال لا على ما حدث لجيرمي ولا لطفل صديقتك . لو كنت ذهبت مع جيرمي لكان من المحتمل ان تصابي أنت بدلا منه وفي هذه الحالة ستكونين أنت المسؤولة , أليس كذلك؟
- نعم ولكن ....
- أنت لا علاج لك . كل الناس يرتكبون اخطاء.
همست بصوت مليء بالدموع:
- لن استطيع ان اصبح واحدة منكم, هذا كل ما في الامر .ريحانة
إنها تحبه وترغب ألا تنفصل عنه, ولكن الرغبة شيء ومصلحته شيء آخر . احس ريمي ايضا ان عينيه مبتلتان . إن الخوف من ان يكتشف انها لا تريده وانها ليست في حاجة إليه لم يغادره ابدا ولكن اثناء اخذها حماما للإنعاش وجد صورا تعد دليلا دامغا على عكس ما تدعيه . لقد كانت دانيال تستتر خلف فنها وتعبر عن وحدتها عن طريق باب مغلق, وتعبر عن عاطفتها الجياشة عن طريق صورة طفل.
قال بإلحاح:منتديات ليلاس
- لن أكون سعيدا إلا معك, لماذا لا تفهمين ذلك يا ملاكي؟ لقد اشتقت إليك لدرجة اعتقدت انني سأموت , لا يهمني إن كنت اعيش في مانهاتن او في اعماق الاحراش والبراري . ان بيتنا هناك حيث يوجد قلبانا وبالقرب منك.
سالت دمعتان على خدي دانيال بينما اخذ فمها يرتجف .
- اوه يا ريمي , إنني مستعدة لأن اعيش اينما تكون لو تأكدت ان الأمر سينجح ولكن لابد ان أفكر في وضعي.
- قولي لوضعك ان يذهب إلى غير ردعة لأنني لا اهتم به.
- ولكنك صغير جدا.
قاطعها ريمي بإشارة من يده:
- سنقوم بتسوية هذه المشكلة , هل لديك قل حبر ؟
تحيرت دانيال ونظرت إليه وهو يأخذ من فوق الطاولة ثم يخر ج ورقة مطوية من جيبه وزجاجة مزيل للحظ. سألته:
- ما هذا ؟
- إنها شهادة ميلادك ويمكنك ان تشكري بتلر .
- شهادة ...؟ ولكنك لا تستطيع ان تفعل ذلك!
كان الوقت قد فات حيث وضع ريمي طبقة بيضاء فوق سنة الميلاد وهو يقول :
- استرخي يا عزيزتي ودعيني انتهي .
انفجرت دانيال ضاحكة في سعادة هسترية بينما عدل التاريخ إلى ما قبل سنة ميلادها الحقيقية ببضع سنوات :
- هذا هو الوضع الآن يا عزيزتي , إننا نقترب من سن واحدة .ريحانة
اخذت دانيال الشهادة من بين يديه :
- هذا امر لا يصدق , إنني احس بأنني صغيرة في السن.
امسك بها ريمي ورقص معها رقصة مجنونة على موسيقى اصدرها من فمه , وقال لها :
- هل لديك رغبة في الزواج؟
نظرت إليه دانيال نظرة مشدوهة وعاشقة , لماذا يلح ؟ إنه شديد التصميم وجذاب وماكر وأكثر عقلا من سنه. إنها ستكون ساذجة لو تخلت عن كل ذلك .
قالت وهي تتبع خطواته في الرقص :
- نعم !
- اتدرين , انني في حاجة إلى اخذ حمام طويل.
- هل تريد مساعدة يا حبيبي ؟
- نعم .
كان بريق السعادة يلمع في عيونهما .




النهاية

سيريناد 05-02-19 10:06 PM

رد: 104 - العطشان ( من روايات ألحان المكتوبة )
 
شكرا غاليتى على جهودك الرائعة بالمنتدى وخاصة الروايات


الساعة الآن 01:29 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية