منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات ألحان (https://www.liilas.com/vb3/f480/)
-   -   حصري 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة ) (https://www.liilas.com/vb3/t208219.html)

Rehana 20-09-21 08:44 PM

107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
https://c.top4top.io/p_2089bbnnl1.jpg

وبعد توقف طويل عن تنزيل رواية هنا راح انزل اليكم
رواية جديدة في هذا القسم باسم ( باب النعيم )

الملخص


سأل إسحق موست ابنته سارة :
- لماذا تتصرفين إذن بهذه الطريقة مع ميكا ستيز ؟
- كيف؟
- لقد طلب منك مصاحبته للعيد الشعبي في بيشي , ولكنك رفضت ويقول : إنك اصبحت سليطة اللسان .
- أتقول هذا ثم تسألني لماذا لا اخرج معه ؟
- إنه شاب طيب للغاية وهو من رعايا كنيستنا ثم هو مالك لمزرعته .
- وهل هذا سبب كاف لأن اخرج معه ؟
- لو كنت متزوجة واما لأسرة كما هو المفروض لما خشينا زيارة الكاهن !
احتجت سارة بقوة :
- ولكني لم افعل شيئاً !

لا احلل نقل رواية الى أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي
دون ذكر اسمي Rehana والمصدر

Rehana 20-09-21 08:46 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
المقدمة

يعيش في أمريكا أقليات ذوات معتقدات دينية وتقاليد تختلف عما يؤمن به غالبية الناس، وهم عادة متزمتون ومتمسكون بالفضيلة والأخلاق لدرجة رهيبة ولا يؤمنون بالتقدم والحضارة واستخدام الابتكارات الحديثة. تدور أحداث هذه الرواية حول إحدى هذه الأقليات التي أطلق عليها الكاتب اسماً مستعاراً وهو الآميش. يقيم طبيب شاب أصيب في حادثة عنف بين عصابات الأحداث في المدينة الكبيرة التي يعمل فيها كبير أطباء الطوارئ في أحد المستشفيات. وينتقل ليقضي فترة النقاهة في الأوبرج الذي تمتلكه شقيقته وزوجها في إحدى المدن الصغيرة والتي يعيش فيها الآميشيون. تشرف على العناية به إحدى النساء الآميش ورغم مظهرها المتزمت الجاف والفقير إلا أن الطبيب يقع في هواها نظراً لما وجده فيها من طهارة وبراءة على عكس نساء المدينة. تدور أحداث مليئة بالصراعات ما بين الحضارتين تتخللها مواقف مرحة مثيرة للضحك والاستغراب.

شخصيات الرواية

- دكتور مات ثورن : كبير اطباء استقبال الطوارئ في مستشفى كبير بمدينة كبيرة .
- سارة تروير : ارملة شابة من نساء اقلية تسمى الآميش وتعمل ممرضة لرعاية مات ثورن .
- انجريد وود : شقيقة مات ثورن الكبرى وصاحبة الأوبرج الذي يقيم فيه مات اثناء النقاهة .
- جون وود : زوج انجريد .
- إسحق موست : والد سارة .
- يعقوب موست : شقيق سارة الصغير .

Rehana 20-09-21 08:47 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
روابط فصول الرواية

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عشر

الفصل الثاني عشر

Rehana 22-09-21 06:00 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل الاول

كانت سارة تروير جالسة بجوار السرير تتأمل بعينين واسعتين الرجل الذي وكل إليها حراسته بمفردها . بينما برز رأس النائم من بين غطاء الفراش ذي اللونين الاسود والبنفسجي . كان في حوالي الثلاثين وان بدا أكبر من عمره . ورغم الضوء العنبري الذي يرسله مصباح الفراش فإن لون بشرته كان حياً وكان جفنه الايسر بلون الشعير متورماً وعدة غرز جراحية عند ذقنه . ورغم جروحه فإن وجهه ظل يتميز بالرجولة والقوة والملاحة بجبهته العريضة ورموشه الكثيفة وذقنه القوي وفمه المرسوم جيداً والذي جذب انتباه سارة كعاشق اخذ يهمهم في نعاسه .
- ميلاني ... ميلاني ... قبليني !
سرت رجفة ملتهبة في جسد سارة من رأسها المغطى بعمامة من الحرير الابيض إلى قدميها المرتديتين حذاء اسود سميكاً . كانت رجفة إثارة كاملة , لأول مرة في حياتها الهادئة والمحمية تعيش مغامرة ...

Rehana 22-09-21 06:00 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- يا إلهي ! لقد نمت ولحقت بالبيت الصغير في البراري.منتديات ليلاس
كانت سارة التي نعست ! استيقظت فزعة على صوت الرجل , لم تكون متوازنة فانزلقت من فوق مقعدها الى الأرض بكل ثقلها عند نهاية السرير , ورغم ان فكرة المسارعة إلى نجدة امرأة فاتنة سرته كثيراً إلا ان مات ثورن لم يتحرك قيد أنملة , لأنه لم يكن قادراً على ذلك لشلله والألم الذي يسري في عضلاته . اكتفى إذن بملاحظة العيني الواسعتين بلون البحر الداكن والأنف البارز في إغراء للجمال النائم عند نهاية السرير .
كانت سارة ترتدي زياً رسمياً للممرضات عفا عليه الدهر بلون ابيض ومغطاة بمريلة سوداء. وطاقية تمريض بيضاء بدت مطبقة وتغطي جزءاً من شعرها الكستنائي الغامق والذي ضمته في ضفيرة واحدة . إن مظهرها هو مظهر طالبة تمريض في مدرسة دينية للشابات الصالحات.
اضاءت البراءة من بين عينيها بلون خليط من الازرق والاخضر , إنها ملاك الرحمة النقي والعذراء . كانت هذه الصورة الخيالية تعجب مات وهي توجه له ابتساماتها الشهيرة . سألها بصوت متقطع من أثر النعاس:
- الا تتجاوزين اختصاصك بعض الشيء ؟ على الاقل فإن دور الحارس الليلي هو تخصص مدرسة نوتر دام للفتيات المؤمنات الصالحات ؟
طرفت بعينيها ثم اخذت عيناها تتركزان عليه . إنه يذكرها بالفأر الذي حاصره قط ضخم في الركن .منتديات ليلاس
همس وهو يعدل من وضعه في حذر ومع ذلك احس بألم يشبه ألم رصاصة في جانبه :
- استرخي يا ذات العينين الجميلتين فلست في حالة يمكن ان تمس سمعتك عند الادارة .
احست سارة بحمرة الخجل والشعور بالذنب تصعد خديها , إنه يعتبرها راهبة ! وهل قلوب الراهبات لا تضطرب امام عينين سوداوين تلمعان كليل تضيء فيه النجوم ؟او لا تقفز من صدورهن عندما يسمعن صوتاً رجولياً.
ورغم انها كانت تنوي ألا تبقى سوى لحظات بالقرب من فراش المريض الجريح إلا انها غرقت في شبه نعاس وخيالها الخصب طار في الفضاء . في حلمها رأت نفسها تعيد مات إلى الحياة من ابواب الموت وتصحبه في إعصار من العاطفة في رحلة حول العالم . ولكن ها هو يظنها راهبة ! لم تفهم سارة ابداً لماذا تصر على ان تحلم دائماً بالحب في حين تعليمها يمنعها من الحب تماماً.
إن حياة إحدى فتيات مجتمع الأميش موهوبة كلية للرب ولأسرتها . واحلامها دائماً ما تقودها إلى لا شيء . ولكنها لم تنجح في خنق تلك الاحلام.
اطلقت زفرة يائسة ونهضت ومسحت التراب من فوق الجيب الذي ترتديه . قالت بوضوح وصوت ناعم وخفيض بانجليزية تشوبها لكنة المانية كانت تسحر مات :
- لست اختاً راهبة .
قال لها وهو يوجه إليها إحدى ابتساماته الساحرة :
- سعيد بأن اسمع ذلك.
اضطرب قلب سارة في صدرها , لقد كان الرجل يهمس ولكن صوته كان عميقاً وحاراً , احاطها بغطاء من الصوف الموهير , احست بأن جلدها يحترق وتراجعت خطوة للخلف في تصميم وهي تعقد ذراعيها على صدرها .ريحانة
قالت مؤكدة :
- أنا من الأميش.

Rehana 22-09-21 06:01 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
ردد مات بلهجة متعجبة :
- اميش؟
لم يستطع ان يتخلص من إحساسه بأنها نقية وسليمة الطوية من قمة رأسها ذي الطاقية البيضاء إلى اخمص قدميها في الحذاء الضخم . إنها بلا زينة ولا حلي وفي زي عشيرتها ويبدو عليها مظهر الغزالة البرئية . إنها تؤثر في قلبه مباشرة وهي في ثوبها الطويل ذي الكمين الطويلين طبق الاصل لنساء القرن الماضي .
تساءل : لماذا توجد هذه الأميشية عند فراشه ؟
بدا عقله يصفو بعض الشيء ولأول مرة بعد إفاقته اخذ يتجول في الحجرة بعينيه . كانت الحجرة مكسوة بورق الحائط الأزرق الداكن بنقوش من الزهور وأثاثها العاري ورائحة الليمون اللذيذة مما جعلها تبدو له مألوفة تماماً. رأى نفسه وهو يغادر المستشفى ليس في جلده كطبيب مسؤول عن خدمة الطوارئ كما كان يفعل ذلك يومياً من عشر سنوات . وإنما في صورة مريض في مقعد متحرك , ولكن متى حدث ذلك؟ همهم فجأة :
- انجريد . إنها انجريد التي نقلتني إلى هنا يا جير ... جيف ... جن .
صححت له سارة :
- جينا .
- سعيد برؤياك يا جينا .منتديات ليلاس
تراخت ركبتا سارة من الخوف . لم يحدث ان أي رجل بما فيهم زوجها ان احدث عندها رد الفعل هكذا , إنها تعرف بوجوده عن طريق ما قرأته ولكنها تصورت رد الفعل هذا يقتصر على الامريكيات , سلحت نفسها ضد سحر مات ثورن , ردت عليه :
- لست ادعى جينا وإنما اسمي سارة تروير جينا اسم البلدة .
تنهد مات وهو يلقي رأسه على الوسادة .
- سارة إنه اسم افضل كثيراً , إنه اسم ساحر .
قالت بمرح كأنها تقرر واقعاً:
- ميلاني ايضاً.
احتار مات وقطب جبينه وهو يكتم ألماً في قفصه الصدري حيث اصابته الرصاصة .
- ميلاني ؟
- لقد كنت تناديها في احلامك , الا تتذكرها ؟ لقد حدثتني انجريد عنك وعن سمعتك الساحرة يا سيد ثورن .
كانت قد نطقت كلمة ساحرة كأنها تعني مجرمة , وتساءل مات : إن كانت فعلاً تقية كما يبدو من مظهرها أم لا ؟ إن هذا يهدد بأن يجعل فترة نقاهته أقل راحة. ظل لا يفارقها بعينيه واتخذ الوضع جالساً وهو يستند على ظهر السرير . عادت إلى ذاكرته حادثة صغيرة عندما رأى سارة تروير . كانت انجريد قد استأجرت فتاة شابة من الأميش للقيام بالأعمال المنزلية وشؤون المطبخ في الأوبرج الذي افتتحته في جنوب مينسوتا . وكان من الواضح انها حذرتها من سمعته كساحر للنساء لا يقاوم . ولما كان في هذه اللحظة في حالة رغبة لسحر الفتاة المسكينة فإنه اطلق زفرة تشبه الزمجرة , قال :
- بمناسبة ذكر انجريد فأرجو ان تخبريها ان تأتي كي تسوي بعض الحسابات مع اختها الصغرى.ريحانة
بأي حق طلبت من المستشفى ان تتكفل به وكأنه مجرم نال إفراجاً تحت المراقبة وقادته إلى هذا المكان المهجور في حين انها تمتلك شقة فاخرة في مينيا بوليس وكتيبة من الصديقات على استعداد لرعايته حتى الشفاء ؟

Rehana 22-09-21 06:02 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
مثلاً هناك كاري إخصائية الأشعة وسوزانا الممرضة اخصائية المعمل اللطيفة الحبوبة تلك , ما اسمها ؟ ميلاني , آه إنه فعلاً ميلاني .
- إنها ليست هنا .
- ارجو المعذرة .
استجمعت سارة شجاعتها . ان تتخيل مغامرة مع رجل فاقد الوعي شيء وان ترى نفسها وجهاً لوجه معه وهو حي يتنفس ويتكلم شيء آخر .
كان غطاء الفراش قد انزلق قليلاً عندما تحرك كاشفاً عن وسطه العاري ويوحي بأن ملابسه الداخلية صغيرة الحجم. . حاولت سارة ان تتمالك اعصابها امام عضلاته البارزة بينما جزء كبير من جسمه مغطى بالشاش والأربطة الضاغطة البيضاء التي تثبت اجزاء جسمه المكسورة . كررت قولها بصوت ضعيف بينما عيناها تتحولان في الغرفة .منتديات ليلاس
- انجريد ليست هنا , لقد تعطلت في الأوبرج لأمر عاجل.
سألها :
- متى تعود ؟
ابتلعت سارة ريقها بصعوبة .
- بعد عدة ايام .
اخذ رأسها يدور . تساءلت : كيف استطاعت ان تقبل البقاء بمفردها في المنزل مع هذا الرجل؟ هل تصورت انه سيكون من الكرم بحيث لا يستيقظ عدة أيام كي يجعلها حرة تتصرف مع هلوستها ؟ على اية حال إنها لم تتخيل أبداً انه سيكون بهذه الجاذبية , سألها :
- وجون ؟
- جون ...
- جون وود زوج انجريد ذلك المخلوق الضخم الذي يدخن الغليون .
سارعت بالقول بينما توهج خداها بالحمرة كالتفاحة :
- طبعاً إنه في كاليفورنيا لإعداد الخرائط الإرشادية .
كانت حارسة المريض الصغيرة عصبية تماماً ويشير رادار مات إلى انجذاب متبادل بينهما والذي من الواضح انها لا تستطيع التصرف حياله .
كانت عيناها الزرقاوان تتجولان في كل اتجاه دون ان تستقرا عليه . كان استعراضه للحياء يسحره بسبب غرابته الفريدة ويثيره في نفس الوقت , سألها في لهجة مرحة :
- هل تعانين عدساتك اللاصقة ؟
ارتكبت سارة خطأ عندما تحولت بنظراتها نحوه . اجتذب نظراتها وظل مسيطراً عليها بقوته المغناطيسية . ردت على سؤاله وهي تتلعثم :
- ولكن لا ...
كانت وهي صغيرة في حاجة إلى نظارات طبية وهو الشيء الوحيد المتوفر في اميش وهي الآن نادمة على عدم استعمال النظارة الطبية حيث كان بإمكانها التظاهر بالانشغال في تنظيفها مما يعطيها عذراً كي تحول نظراتها بعيداً عنه . كانت له عينان سوداوان مليئتان بالمكر والدهاء وباشياء اخرى لا تعرفها . عينان مليئتان بالاغراء الشيطاني , ثم هناك ايضاً خصلات متمردة من شعره البني تسقط في فوضى على جبهته . احست سارة برغبة لا تقاوم في الانجذاب نحو سحره المغناطيسي , تراجعت للخلف خطوة اخرى .ريحانة
- ما المفروض ان تفعليه اثناء غياب انجريد ؟
قالت سارة :
- سأرعي الأوبرج وأرعاك .

Rehana 22-09-21 06:03 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- إن الأمر رائع بالنسبة لي لأننا سنتمتع كثيراً.
هددته مشيرة بأصبعها :
- والمفروض ان تلزم الفراش.
- إنه مكاني المفضل خاصة انني لست بمفردي.
ردت عليه بلمحة من الوقاحة كانت لا تعجب والدها أبداً في حين كان يعتبرها هذا الرجل نوعاً من المزاح.
- ستكون وحيداً هنا .
- كوني رحيمة بالجريح المسكين يا سارة على الاقل لن تتركيني بمفردي هنا في السرير؟
- بل سأفعل بالتأكيد .
- حسنا جداً , إذن لن أشفى بسرعة ولا يمكن ان اتحمل فكرة وجود ممرضة بهذا الجمال ولا استطيع ان أطاردها .منتديات ليلاس
جميلة ! من الأفضل لسارة ان تتجاهل تلك المجاملة , ان تقبل مجاملة من هذا النوع هو ارتكاب معصية وهي ليست في حاجة إلى إضافة واحدة إلى القائمة الطويلة من المعاصي التي ارتكبتها . قررت إذن ان تتجاهلها وتتجاهل هذه الحرارة الناعمة التي سرت داخلها وترد المزحة بمثلها :
- نظراً لحالتك فلن اجد صعوبة في الهروب منك.
اغمض مات عينيه فترة قصيرة من الألم :
- هل أنا في حالة سيئة للغاية كما اشعر ؟
- نعم هذا هو الوضع , انت ستموت .
- يالكرمك !
قالت :
- اعذرني فأن صريحة للغاية وهو ما يسبب لي المتاعب .
دهش مات وهو مسرور .
- حقاً؟
قالت وهي تدير عينيها في محجريهما :
- آه , نعم , إنني أعاني دائماً المشاكل.
اقتربت من سريره وعلى وجهها ابتسامة الموناليزا بينما شعور حلو ودافئ ولا صلة له بالرغبة يغزو مات , إن سارة تروير تسحره ببراءتها دون ان تدري , سألها :
- مشاكل بسبب ماذا؟
ادرات سارة نظرها بعيداً وامتنعت عن الرد وردت في نفسها : إن السبب هو اشياء ترغبها رغماً عنها . اشياء بعيدة عن متناول يدها . صعدت الدماء خديها بسبب شعورها بالذنب . لماذا لا تستطيع الاكتفاء بما لديها وتكتم تطلعاتها الدائمة والغامضة وان تنزعها من قلبها كما تنزع الحشائش الضارة من الحديقة كما كان يأمرها ابوها دائماً ؟ قالت لتحول مسار الحديث :
- سأذهب لإعداد عشائك .ريحانة
امسك مات برسغها :
- اريد دقيقة واحدة من فضلك .
كانت بشرة الشابة ناعمة وحيوية , دائماً ما يتمتع بحاسة لمس قوية وهو الآن يحس ان ضربات قلب سارة تتسارع في جنون تحت اصابعه , استغرب مرة ثانية من نقائها . إنه بجوارها يحس بأنه بلا سلاح على الإطلاق , إنها لم يسبق لها على الإطلاق ان عرفت هذا التشوش وعنفه الذي زرعه في حياتها . إن عصابات المشردين وقيام الحروب بين المروجين واليأس المغروس في الحياة الحضرية ما هي سوى فخاخ منصوبة في عالم يبعد عن عالمها بالآف الأميال وعن ناس يرفضون كل الاشياء التي تنتجها الحضارة مثل السيارات, لأنهم يعتبرونها اشياء مادية , تملكه اليأس والتعب وتساءل : إن كان من الأفضل ان يستقر هنا ويزرع حديقته ؟ ما رأي سارة تروير في هذا ؟

Rehana 22-09-21 06:04 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
إن اصدقاءه في مينيابوليس يعرفون ذلك ويعتبرونه مجنوناً, الدكتور مات ثورن الشهير عالمياً ينقلب إلى فلاح ارستقراطي ؟ إن التهاب المخ الذي اصابه مؤخراً تبين انه أخطر مما كانوا يعتقدون : كم ود لو سأل سارة عن الظلال التي شابت وجهها قبل ان تجيبه , إنه يحب ان يعرف كل شيء عنها وهو عادة لا يبدي أي فضول نحو عالم النساء الداخلي .
ليس لأنه يسخر من ذلك العالم وانما مسألة النظام العملي . إن مهنته لها الأولوية ولا تترك له سوى مكان ضيئل ونشاط وطاقة قليلة لتجربة هذه العلاقات .
إن كان يضع نفسه كساحر للنساء في مكان عال من العزة بالنفس ويعتبر الحب نوعاً من التشتت . وعندما ادرات سارة عينيها المستديرتين نحوه وهما عميقتان كما البحيرة ارجع آلام قلبه الحادة إلى الرغبة واعتبرها دليلاً على عودته إلى الحياة , قال بصوت مخنوق بعض الشيء .منتديات ليلاس
- إنني احتاج إلى بعض المساعدة كي انهض .
ردت سارة وهي تخلص رسغها من يده واخذت تدلكها لتتخلص من ألم قبضته :
- يجب ان تفحص اذنيك , لا يجب ان تخرج من السرير .
- إنك تأخذين الأمور بحرفيتها , إنني لن اخرج كثيراً من سريري .
- إنك لن تخرج منه على الإطلاق .
نظر إليها مات نظرة متسلطة كانت في العادة ترعب ممرضاته وقال :
- أنا طبيب وأعرف ما أفعله .
ردت عليه دون ان يطرف لها رمش:
- والنتيجة رائعة !
- حسناً , لا تساعديني بمفردي.
عبرت ذهنها في هذه اللحظة الفكرة التي نصحوها بها في حالته ولكن هذه القاعدة لا تنطبق عليه , إنه سيخرج من السرير رغم صرامة النظام .
توخى الحيطة البالغة وهو يتحرك ببطء ووضع ساقيه على حافة السرير وانتظر حتى يكف الدوار الذي يحسه في رأسه . وحتى لا يصدم براءة سارة لف نفسه بغطاء الفراش كزي الهنود , ثم اخذ نفساً عميقاً بالقدر الذي تسمح له رئتاه وجانباه المكسوران ثم نهض , مادت الارض تحت قدميه ومد ذراعيه للأمام وكأنه يريد الإمساك بأي شيء , فسقطت الملاءة فوق السرير اما الشيء الذي امسك به فقد صرخ .منتديات ليلاس
اضطربت نظرات سارة بعض الوقت في دهشة وفزع عندما تشابكت ايديهما في محاولة للإمساك بالملاءة سقطت سارة على ظهرها وهي تطلق صرخة حادة بينما تكوم مات فوقها وهو يتاوه ورأسه يعاني آلاماً رهيبة .
احس بسهم ناري يخترق كل ساقه اليسرى بينما الإغماء يغزوه شيئاً فشيئاً ويحيط عقله بالظلمات . كز على أسنانه حتى نجح في ألا يستسلم للإغماء بعد لحظة بدت له وكأنها الدهر بدأ الألم يزداد وبدأ يتحسس الجسم الذي أصبح بالنسبة له وسادة . اكتشف ان الملابس كانت تخفي امرأة ممشوقة القوام رائعة التفاصيل , كانت نحيفة ولكنها مليئة بالأنوثة , زمجر مات وهي تتقلب تحته وهي تتساءل في دوامة من الخوف.
- هل انت بخير؟
اخذت تصارع حتى تتخلص من هذا الوضع وتماسكت بجهد شديد. همس :
- لا , لست بخير وأنا في الفردوس وأنت ؟
قالت في ضيق وهي تحاول ان تمحو أي تفكير في عقلها :
- أنا مسمرة في الأرض بفعل ثقل قدره تسعون كليو جراماً.

Rehana 22-09-21 06:05 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
أي حق لها في ان تزرع أفكاراً في رأسها نحو رجل لا تكاد تعرفه ؟ على اي حال إنه بعيد المنال وعليها ان تحتفظ برغباتها سرية حتى لا تعانيها .
قال بلهجة متهكمة وهو ينهض على كوعه حتى يتأملها بنظرات سوداء:
- انت تعرفين جيداً كيف تمدحين غرور الرجل.
كانت تستعد للرد عليه عندما اندفع كلب الصيد الخاص بـ انجريد بساقيه القصيرتين المقوستين إلى الداخل كالرصاصة ثم وقف لينطبح فوق الباركيه بجوار رأسيهما وهو ينبح بكل قوته .منتديات ليلاس
كشرت سارة بينما مات سد اذنيه بأصبعيه , ألقى الكلب الصغير رأسه للخلف وضاعف من نباحه . صاحت سارة حتى يسمعها مات :
- إنه يعتقد انك تهاجمني .
لما بدأ نباح الكلب يتصاعد فقد تدحرج مات على جانبه بحذر واستطاع ان ينهض وهو يمسك بالمائدة المجاورة للفراش . جلس على المقعد ذي المساند بالقرب من السرير . ونهضت سارة في الحال بدورها حيث رقد الكلب على ساقيه بعد ان أطلق آخر نباح , لم يصدق مات ان كل هذه الضجة تخرج من هذا المخلوق الضئيل ذي الأنف الكبير واللسان المتدلي . انحنت سارة لتربت رأس الحيوان وهي تقول :
- انت حيوان شجاع يا بلوسوم .
قال مات وهو يعبث بأصبعه داخل أذنه :
- اعترف بذلك ايتها الأخت , ليس هناك سوى انجريد التي يمكن ان تقتني كلب حراسة لا يكتفي بعقر الدخلاء فحسب وإنما ايضا يصيبهم بالصمم.
قهقهت سارة ضاحكة ولكنها كتمت ضحكتها وهي ترى جسد مات شبه العاري , سألها بلهجة رقيقة ومتعاطفة ومتفاهمة :
- ماذا حدث لك ؟ لا تقولي وأنت ممرضة إن هذه المرة الأولى التي ترين فيها رجلاً بملابس قليلة ؟
- لا , إن لدي زوجي.ريحانة
لم يكن لصمويل تروير زوج سارة في الحقيقة بنية قوية مثل مات ولم يحدث لها عند لمسه رد الفعل هذا ابداً , احس مات بأنه يتلقى ضربة مطرقة على نافوخه .
- هل أنت متزوجة ؟
- أرملة .
رد عليها بطريقة آلية وإن كان مخلصاً :
- أنا آسف .
إنها امرأة تبدو صغيرة للغاية على الزواج. فإن الترمل يمكن ان يصبح بالنسبة لها ماساة . وعندما ادرك انها تتجنب النظر إليه ظن انها لا تزال تعاني فقد زوجها بينما في الحقيقة هي تعاني الشعور بالذنب , قال :
- لابد انه كان صغيراً في السن .
- كان سيبلغ الخامسة والعشرين من عمره هذا العام مثلي .
بعد سنة من موت سمويل كانت لا تزال تشعر بالندم لأنها لم تحظ بزوج أفضل منه .
- ماذا حدث له ؟
- وقعت له حادثة في المزرعة .منتديات ليلاس
- وهل لديكما أطفال ؟
قالت بلهجة حادة وقد جرحها سؤال مات رغماً عنها وهي تعرف انه لا يعرف مدى ما آلمها عندما احيا جرحاً لا علاج له :
- لا .

Rehana 22-09-21 06:07 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
حركت بلوسوم من مكانه ثم امسكت بالسرير بجهد شديد في حين دهش مات من الطريقة المفاجئة التي تجنبت بها حديثها عن زواجها وترملها , وقال في نفسه : إنها ربما كانت معقدة أكثر مما يبدو عليه مظهرها البريء . قالت له :
- لعل هذا يكون درساً لك , ليست لديك قوة بعد تمكنك من التريض.
اعترف وهو يرتدي الروب دي شامبر الذي ناولته إياه وهي لا تنظر إليه :
- الحق معاك ولكن هناك بعض الأمور للمرء ان يؤجلها مثل رحلة إلى دورة المياه .
- لديك الحوض الطبي المتنقل .
- أفضل ان أموت على ان استعمله , هل ستساعدينني أم علي ان اطلب من بلوسوم اعجوبة الاعاجيب ان يسحبني ؟
استقبل بلوسوم هذا التعليق بالقفز في جنون والجري نحو الدهليز , تنهدت سارة .
- موافقة , سأساعدك ولكن عدني ان تدعني اجعلك تنام بعد ذلك مباشرة .
- اقسم على ذلك قسم الكشافة .
- لا اعرف شيئاً عن الكشافة اما عن قسمك ...
كشر مات تكشيرة تشبة تكشيرة الممثل الكوميدي جروشو ماركس ولكنها تلقتها بوجه بلا تعبير , عادة هذه التكشيرة كانت تثير عاصفة من الضحك , ولكنه لم يعد إليها بعد ذلك , سألها :
- ألا تعرفين الإخوة ماركس ؟
قالت سارة :
- لا , هل هم من هنا أم من مينيا بوليس ؟
اصيب مات باليأس التام من سذاجتها .
- لا تهتمي !
إن هذه الفتاة الأميشية بهجة للقلب وجوهرة حقيقية ورغم الجروح البسيطة التي خدشت بها حبه لذاته تشع ضياء هو حاجة إليه في هذه المرحلة من حياته حيث كل شيء يبدو في عينيه قائماً وقاسياً وبلا أمل .منتديات ليلاس
من يدري ؟ ربما كان عليه ان يشكر انجريد .

نهاية الفصل

Rehana 25-09-21 06:05 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 

الفصل الثاني


- إن انجريد على حق فأنت مريض لا يحتمل !
سقط موسى الحلاقة الذي كان في يده عندما التقت عيناه بعيني سارة في المرآة في الحمام . كان بلوسوم جالساً عند قدميها وهي مستندة على إطار الباب وقد عقدت ذراعيها على صدرها .
كانت لا تزال من الليلة الماضية مرتدية ثوباً ازرق ومريلة سوداء وبنظرة حاسمة تفخر بها أي رئيسة ممرضات لو استطاعت ان تفعل مثلها .
قال :
- انا لا اخاطر بالإرهاق وأنا احلق ذقني .
- في الحقيقة انت تقامر بأكثر من ذلك بكثير , بأن تذبح عنقك , انظر إلى مدى ارتجاف يديك.
كانت على حق , فإن العملية البسيطة في رفع ذراعه بالموسى إلى خديه تتطلب منه جهداً كبيراً . منتديات ليلاس
كانت حالة التعب التي يحس بها تذهله وتحيره وكانت رحلاته اليومية من الصباح إلى المساء تستنفذ كل طاقته وما إن يضع رأسه على الوسادة حتى يستغرق في النوم ولا يفتح عينيه إلا عندما تخترق اشعة الشمس الصباحية نافذته . عندما اقتنع بأن النوم أعاد إليه نشاطه سارع إلى الحمام وهو يستند على عصاه واستند على حافة حوض الوجه بينما قلبه يضطرب بين جنبيه ونفسه قصير ومتسارع ويداه ترتجفان , قال لها :
- هل ستحزنين لو ان ما تتوقعينه حدث ؟
قالت سارة ولمحة مكر في عينيها :
- في الحقيقة أنا أفكر في كل القاذورات والبقع الدموية التي سأضطر لإزالتها .
- يالها من شفقة !
- لن تضطرني للحزن عليك لو اتبعت أوامر طبيبك .
هددها مات عن بعد بالموسى .منتديات ليلاس
- لقد تجاوزت حدودك كممرضة او كبحارة , فالصفات بينكما مشتركة .
كان يمازحها وهو لا يعرف انها تتوق من زمن لأن تصبح ممرضة او مدرسة او رائدة فضاء وهي في سن الخامسة والعشرين كانت قد استقرت على احلامها بصفة دائمة والتي ظلت حية في قلبها والتي لم تتحقق . إنها ستظل طوال حياتها أحد أفراد مجتمع الأميش المتزمت وان أقصى مغامرة لها هي ان تسهر على رعاية الدكتور ثورن في نقاهته .ريحانة
اخذ مات يتأملها في المرآة ورغم محاولاتها ان يظل تعبير وجهها محايداً فإنها لم تنجح في إخفاء الضعف الذي يخترق عينيها الواسعتين الحزينتين , إنه يعاكسها كما يعاكس كل النساء اللائي يقابلهن وهو يلمس داخلها وتراً حساساً وخفياً كما تضاعف فضوله نحوها .

Rehana 25-09-21 06:06 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
قال معترفاً:
- إنني لم اتعود ان أكون موضع الفحص بالسماعة .
كان محتفظاً دائماً بجسد قوي وصحي بسبب الرياضة البدنية ووجد صعوبة في فهم لماذا يرفض جسده بهذه العدونية ان يستجيب له , احس بالإحباط والخوف امام هذا المظهر الجديد وتساءل : ماذا سيفعل مع مرضاه ؟ قال مضيفاً:
- بصفة عامة الأطباء هم أسوأ المرضى فنحن نميل إلى الاعتقاد بأننا رجال خارقون .
ردت عليه :
- إنني لا اجدك في حالة خارقة وانت الآن على هذه الحالة .
- شكراً , إن تشجعيك يرفع حقاً من معنوياتي.
توغلت سارة في حجرة الحمام واخذت منه الموسى .
- استدر يا سيد ثورن وسأحلق لك ذقنك .ريحانة
ناولته عصاه وهي ترد على نظرته المتشككة بابتسامة محبوبة , كان كريم الحلاقة يغطي الجزء الأسفل من فكه وكأنه لحية بيضاء, اما عيناه السوداوان فكانتا ساحرتين بدرجة غريبة, كان مرتدياً تي شيرت رمادياً غامقاً فوق كتفيه العريضتين وشورتاً بحرياً يخرج منه ساقان مفتولتا العضلات , بعد ذلك استقرت عيناها على وجه مات , سألها بصوت ساحر رقيق مما جعلها تحس وكأنه يلاطفها :
- هل رضيت عن جولة نظراتك الفاحصة ؟
ابتلعت ريقها بصعوبة ثم قالت بحدة :
- أفضل لو انك تمددت في فراشك .
بدت عليه الدهشة :
- يا آنسة تروير , إن صراحتك تدهشني !
ادركت سارة ان ملاحظته تنطوي على معنيين فتذكرت في الحال تحذيرات انجريد من ان مات هو ملك الاغواءبالألفاظ .
- إذا كنت فهمت كلماتي خطأ فأنت موهوم.
سعد مات عندما رأى رد فعلها هكذا حياً لم يكن يصدق أبداً ان الآميشين لديهم روح الفكاهة .
إن ابتسامتها الخفيفة التي تشبه ابتسامة الموناليزا والتي تتلاعب على طرفي فمها صاحبت إشارتها بأصبعها إلى حجرته . قال وهو يتوكا على عصاه ويبتعد عن حوض الوجه :
- دعي المريض المسكين يعتقد انه لا يزال مرغوباً من الشابات الجميلات , إنني رجل اريد سبباً للحياة .
وكأنه يظن ان النساء لا يعتبرنه ساحراً جذاباً !
إن سارة لم يسبق لها ان قابلت في حياتها رجلاً أكثر جاذبية منه حتى وهو محطم , تمتمعت برفاهية وهي تتأمله يعبر الحجرة وهو يعرج , واحست بنغزة في صدرها وهي ترى شعره المبعثر تماماً والمنسدل على قفاه وهي علامة على خروجه لتوه من الفراش.
كانت واقفة من ساعات بعد ليلة من النعاس ورغم جهودها لتثبيت أفكارها على موضوع آخر فإنها لم تكف عن التفكير في الرجل النائم في الحجرة المجاورة وفي ابتسامته وهي تعلم ذلك جيداً ولكنها لم تنجح في كبح جماح خيالها . ولكن ما العيب في الإعجاب بصنع الخالق ؟ يجب عليها ان تعترف بأن ذلك يتجاوز مات ثورن ؟

Rehana 25-09-21 06:06 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
عبرت بالها كلمة إغراء ولكنها رفضتها في الحال , وإذا كان الله لم يرد ألا يتشابه الرجال مع النساء فإنه وهبهما اختلافات مثيرة ومهمة حقاً.ريحانة
انقبض قلب سارة امام فكرة رد الفعل الذي سيصدر عن أسرتها لو استسلمت للرغبات المكبوتة وانساقت في مغامرة مع مات . إنهم سيصابون بجرح غائر ! لقد ظلت دائماً تخدعهم بالتطلع إلى أمور بعيدة المنال , ورغبتها في مات تفوق كل الرغبات , إنها ستعزل عن أسرتها وعن عشيرتها ومجتمعها , وفي احسن الظروف ستكون علاقاتها مع والدها مشدودة ومتوترة وهي قد تستطيع الحياة بدونه ولكن الأمر يختلف تماماً مع أمها واختها روث وإخوتها دنيال ولوقا وبيتر ويعقوب , خاصة مع يعقوب الذي ستشتاق إليه كثيراً لأنها تعتبره ابناً لها أكثر من كونه شقيقاً.منتديات ليلاس
بينما كان مات جالساً في سريره وقد اسند ظهره على الوسائد مد ساقيه تحت الأغطية المكرمشة . قالت سارة في نفسها : إن هذا هو جهد ضائع , لماذا سيهتم رجل مثله بفأرة صغيرة في الريف مثلها ؟ والأدهى من ذلك وأمر انها أميشية , سألها بصوت عصبي وهي تضع كوب ماء على المائدة :
- هل أنت واثقة بأنك تعرفين كيف تفعلين ؟
وضعت سارة منشفة حول رقبته واكتفت بالقول :
- لقد حلقت ذقن جدي الأعمى سنوات طويلة .
ترك مات حبال افكاره على الغارب , قال :
- لقد اعتقدت ان رجال الآميش لهم لحى .
جلست سارة على حافة السرير وهي تحبس انفاسها .
- في مجتمعنا الرجال يربون شواربهم .
اجتاحتها رجفة في اصابعها وهي تلمس شفته اثناء الحلاقة اما بالنسبة لمات فإن كل جسده كان يرتعد .
لاحظ مات توالي المشاعر والأحاسيس التي كانت تظهر على وجه سارة . لا شك في ان الانجذاب الذي يحسه نحوها يفزعها , كم يود لو طمانها . إنها جميلة ورقيقة وهي كالنسيم العليل اينما وجدت , وهو نفسه لا يعرف اين يقف لقد غازل كل انواع النساء ولكنه اتخذ قاعدة ألا يمزح مع تلك التي تعرف قواعد اللعبة وسارة تروير لا تعرف حتى إن كان هناك ما يسمى لعبة الحب , ومع ذلك اين هو الضرر؟
أبطأت سارة عند الجزء الذي يعلو شفته العليا ثم لوت رأسه . امسك بأصبعها وجذبه لأسفل ليستقر على شفتيه , واحس بالسعادة وهو يرى ذهول سارة واحمرار خديها . ومع ذلك صدمته نظرة الفزع على وجهها وكان الصاعقة اصابته .منتديات ليلاس
قال لها ونظرة مشاغبة في عينيه :
- عندما كنت صغيراً كنت اخدع في كريم الحلاقة واحسبه كريم شانتيه .
التزمت سارة الصمت واستمرت في الحلاقة وهي تخشى ان تجرحه بيدها المرتجفة او ان تجرحه متعمدة عقاباً له على ما يوحيه من رغبة .
لم تكن غلطة مات إذا كانت الحياة لا ترضيها , لا احد مسؤول عن واقع الحال هذا الذي تعيشه . إن الحاجة إلى المعرفة والخبرات والتحفيزات كلها أمور لم تسع وراءها ومات لم يعمل إلا كمظهر لهذه الرغبات الدفينة .منتديات ليلاس
كان والدها يحكم على اخلاق الامريكيين بالشذوذ والغواية اما هي فلم يكن لديها أدنى رغبة في ان تحدثه عن مات , إنه يعرف القليل عن عمله في ثور نوود وهذا أفضل , لحسن الحظ فإن المال الذي تحضره إلى المزرعة يخفف من سوء ظنه .
- سارة ؟

Rehana 25-09-21 06:07 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
ردت بعد ان انتزعت فجأة من احلامها :
- ارجو المعذرة .
- كيف حدث ان أتيت للعمل إلى هنا ؟ وبقدر علمي ان الأميشين ممنوعون من العمل بمجتمعهم .
- بل نستطيع , في حدود عدم تجاوز تعاليم كنيستنا .ريحانة
قال شارحاً:
- ولكن شعبك يرفضون استخدام الكهرباء والتوصيلات الصحية , وباستخدامك لها هنا الا تخالفين تعليمات الكنيسة ؟
- نحن لا نستخدم هذه التركيبات لأننا نظن انها تمارس تأثيراً مفسداً على الأسرة ولكننا لا نحقد على من يستخدمها .
إنها شخصياً لم تفهم ابداً كيف يمكن ان تفسد أدوات دورة المياه الحديثة الإنسان , ولكنها احتفظت برأيها لنفسها , قالت مهددة :
- اثبت في مكانك يا سيد ثورن وإلا قصرت طول انفك !
بعد ان انتهت سارة من حلاقة ذقن مات سمحت لنفسها ان تسأله السؤال الذي يشغلها . ولكن بدلاً من ان تجلس على مقعد ظلت جالسة بجواره على السرير وهي غير قادرة على الابتعاد عن الإثارة التي تجدها بالقرب منه .
- لقد اخبرتني انجريد انك أصبت في نوع من الهجوم ولكني لم افهم جيداً.
قال في نفسه : إنهما اصبحا اثنين لا يفهمان , إذن إنه لم يستطع ان يفهم أسباب عنف الاحداث المتشردين ولا يعرف كيف يشرح ذلك للشابة التي تنتظر في صبر ان تعرف شيئاً عن العالم الفسيح , قال :
- أنا طبيب رئيس خدمة الإسعاف في مستشفى في المدينة وفي حي مشهور بالسوء الشديد , ونحن نعالج كمية هائلة من الضحايا والمجرمين في العديد من الجرائم , أتعرفين عصابة الاحداث المتشردين ؟
هزت سارة رأسها بشدة وقالت بجدية :
- لقد قرأت مقالاً عن موضوعهم في مجلة نيوزويك .
- حسنا , هذه العصابات زادت في الحي بشكل واضح وعلى الأخص في منطقة مينيا بوليس منذ خمس سنوات , والنتيجة ان النسبة المئوية للجرائم لم تكف عن الارتفاع . وهذه المرة حدثت الجريمة في قاعة الاستقبال الحوادث معي وفي عز عملي لقد تعارك قادة الرذيلة مع تابعيهم بشأن صفقة هيروين .
أشار إلى اللون الأزرق الذي يزين عينه اليسرى .
- لقد تلقيت هنا ضربة من قبضة مسدس .
أشار بعد ذلك إلى عدد من الغرز الطبية على ذقنه .
- وهنا اصطدمت بركن كومودينو وقد حطم لي ثلاثة اضلاع , واخترقت رصاصة فخذي , وتطلب الأمر تدخل فرقة مكافحة الشغب لمقاومة الانفجار والكراهية التي ضربت قاعة الاستقبال الحوداث في تلك الليلة .منتديات ليلاس
اضطر مات لأن يحذف من قصته ان النتيجة هي إزهاق روح زعيم فرقة رذيلة سنه ستة عشر عاماً وجرح طفل بريء من شظايا الزجاج المتناثر والإصابات الاخرى التي اصابات الحاضرين .
لقد عانى ورماً في المخ . كانت رواية الحادثة قد قلبت كيان الشابة رأساً على عقب. والتي كان وجهها يزداد شحوباً كلما اوغل مات في روايته . كان ذكر العنف يقلب كيانها واعمق اعماقها . اما ان يقوم إنسان بفعل هذا بأخيه الإنسان فهو أمر يفوق تصورها . لقد عاشت طوال حياتها بمأمن وان تسمع ان العالم الخارجي والذي كانت تحلم دائماً ان تستكشفه هو مسرح لأحداث رهيبة وهو أمر يفزعها بشدة .
احست انها ساذجة وبلهاء وخشيت على مات .
قالت معلقة بصوت مرتجف :
- كان من الممكن ان تقتل .

Rehana 25-09-21 06:07 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
اعترف ببساطة بينما استقرت يده على يد سارة .
- نعم .
دهش لأنه يحس بالسعادة وهو يطمئنها بينما هو الذي يغير قليلاً المجتمع عن طريق هداية الجرحى قبل ان يرسلهم إلى هذا العالم القاسي. وعليه فإن تلك الحركة البسيطة كانت تجلب له الراحة أكثر من المحاولات المتواضعة لتحسين الأمور . إن هذه الأميشية البسيطة والحلوة تأثرت لمعاناته وود لو قبلها لمجرد انها تقلق عليه , وحتى يكون أميناً فإنه يحب ان يقبلها وحسب . قال بصوت رقيق:
- إنني أكاد أموت جوعاً , وسأتناول إفطاري.ريحانة
خرجت سارة من احلامها .
- انت محتاج لقوة حتى تشفى وساعد لك وجبة دسمة .
حاولت ان تنهض ولكن مات منعها بضغطة من يده على يدها . قفز قلب سارة في صدرها إنها لا تذكر آخر مرة امسك أحد بيدها هكذا .
احست بشعور رائع ببهجة الوجود . انتبهت لنظرة مات القاتمة الذي حاول ان يستشف عواطفها ثم قطب وجهه وسحب يده وقالت بهدوء :
- إن يدك خالية من الندوب والخدوش.منتديات ليلاس
- إنهم يدفعون لي من أجل ان أبقى يدي ناعمتين مثل يدي الطفل.
- إن هذا يبدو غريباً عليّ . إن أغلب الرجال الذي اعرفهم هم فلاحون وهم وزوجاتهم اياديهم خشنة .منتديات ليلاس
- إن أيدي الجراحين لابد ان تكون ناعمة حتى تستطيع ان تفحص الناس .. هيا انظري.
لم تكن مطمئنة واخذت سارة تنظر إليه وهو يرفع يديه ليمسك بوجهها وهمس :
- مسرورة , إنهما رقيقتان وناعمتان .
بدأت يداه تنزلقان فوق شعرها الحريري . اغلقت سارة عينيها وهي غارقة في جو ساحر . كان الزمن قد توقف بالنسبة لسارة وهي غارقة تماماً في إحساسها بهذه اللحظة , كانت تسبح في احلامها ولا تسمع سوى حفيف أوراق الشجر وصوت ضربات قلبها وعبير الخريف الذي اخترق النافذة . ثم سمعا صوت تكسر فرع شجرة وصيحة دهشة .
صاحت وهي تنهض فزعة :
- ماذا يجري ؟
اخترق بلوسوم الحجرة كالسهم وهو ينبح وكأنه كلب سباق في وسط الحلبة .
وصل الكلب إلى النافذة وقد وضعت اصابعها في اذنيها واخذت تفحص الاغصان بعينيها , عند اسفل جذع الشجرة بدأت كومة من الأوراق . ثم وجدت سارة عينيها تلتقيان بعيني شقيقها الصغير.

نهاية الفصل

Rehana 28-09-21 08:28 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل الثالث

- يعقوب .
صاح الصبي الصغير وهو يبتسم ابتسامة اظهرت فجوة بين أسنانه :
- مرحى يا سارة !
اخذت سارة تدعو في سرها وهي تضغط على صدرها ثم قالت :
- هل حدث سوء ؟
اجاب :
- لا اظن ذلك , هناك ثقب في سترتي.
وليثبت كلامه أشار إلى ثقب في القماش عند أعلى كوعه . وكان قميصه الأزرق يعاني ايضاً هذه الثقوب ثم تجهم وجهه وهو يكتشف البقع الدموية التي تزين ذراعه , امرته سارة :
- لا تتحرك , سأصل في الحال.
كان مات قد ترك السرير وهو يبحث باهتمام عن شيء ما . صاحت الشابة :
- ولكن ماذا تفعل ؟
- أنا طبيب وهناك جريح وسأعالجه .منتديات ليلاس
بعد هذه الكلمات فتح باب الدولاب على اتساعه واخذ يبحث داخله ما بين الثياب وهو يقول :
- ولكن اين إذن حقيبتي الطبية ؟ لا تقولي لي إن انجريد اخذتها .
لم تجب سارة , إنها لن تفلح في منعه الآن بعد أن وقف , وعلى اية حال فإن الشكوك الخطيرة ملأت رأسها , إن عليها ان تسرع لنجدة يعقوب فربما كسر جزء ما من جسده او اصيب بجرح داخلي .سارعت وبلوسوم في اعقابها وهبطت الدرج وهي تعاني فزعاً شديداً.
كان مهر الزاسي له فرو كثيف عند رقبته واقفاً امام الباب ومرت سارة امامه وهي تجري وطرفا الجيب والمريلة يتطايران في الهواء , لم يتحرك يعقوب وهو مدفون حتى عنقه وسط الأوراق الميتة وقد بدأ أقل ثقة عما كان من قبل, وامسك بذراعه ملتصقاً بجسده ويحاول في شجاعة ألا يبكي وإن تلألأت دمعتان كبيرتان على خديه وكان فمه يرتجف ويكز بكل قوة على شفته السفلى . سقطت سارة على ركبتيها بجواره وهي تقول بصوت غير ثابت :
- دعني أرى ياحبوبي الطفل .ريحانة
قال يعقوب وهو يحاول الهروب من يدي اخته :
- لست طفلاً , إنه مجرد خدش.
قال مات الذي وقف بجوارهما وهو شاحب يرتجف من هبوطه الدرج اسرع مما تسمح به حالته .
- وما رأيك لو جعلتني اكشف عليك ؟

Rehana 28-09-21 08:33 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
استطاع ان يبتسم في بشاشة ثم انزلق على ركبتيه فوق الوسادة الأوراق الجافة بينما اخذ يعقوب يتطلع إليه بعيني واسعتين .
- من أنت ؟
- اسمي مات وأنا طبيب.
- هل أنت أمريكي ؟
- إذا كنت تقصد انني لست اميشياً فأنت على حق.
كان مات ينظر إلى الصبي الصغير ذي السنوات السبع او أكثر بشعره بلون القمح ووجهه الممتلئ بالنمش إنه فعلاً صبي محبوب خاصة بأنفه البارز للأمام .
ابتسم له يعقوب ابتسامة كانت صورة طبق الأصل من ابتسامة اخته ثم سأل :
- هل لديك بنطلون ؟
صاحت سارة :
- يعقوب , كن مؤدباً !
كانت ضربات قلبها متسارعة امام فكرة ان أخاها الطفل سقط من فوق شجرة . كانت أمها قد سقطت مريضة بعد مولد يعقوب مباشرة واعتنت بأخيها كأنه ابنها . لم يغضب مات من يعقوب واقترب منه :
- إنه شورت السباق الذي يجلب لي الحظ , أتحب ان تعرف لماذا ؟
هز الصبي رأسه الأشقر موافقاً:
- لأنني كنت ارتديه دائماً عندما كنت افوز في سباقات الجامعة .ريحانة
- ما الجامعة ؟
ترك السؤال مات بلا صوت , ثم فكر ان الآميش لا يدرسون دراسات عليا , قال شارحاً :
- إنها نوع من المدارس يذهب إليها الصبي عندما يريد ان يصبح طبيباً.منتديات ليلاس
سأله يعقوب وهو مهتم بالرياضة أكثر من التعليم :
- هل فزت في السباقات ؟
قال مات يجيبه وهو يمسك بذراعه :
- احياناً , دعنا نر ى.. إذن انت تسلقت الشجرة , أنا ايضاً كنت اتسلق الشجرة كالأبطال عندما كنت صبياً , لقد كنت احسن متسلق مع جاراتي الصغيرات , هل تفهم ماذا أعني ؟ فتاة صغيرة .منتديات ليلاس
قال يعقوب :
- سارة ايضاً تتسلق جيداً الاشجار.
قال مات وهو سعيد لأن يرى الحمرة على خديها .
- ستحكين لي عن ذلك أكثر.
انحنت وهي قلقة لتفحص الجرح .
- إنه جرح غائر.
قال مات وهو يدير عينيه مقلداً يعقوب :
- إنه مجرد خدش .. يا للبنات !
قلده يعقوب كالببغاء .
- يا للبنات ! ولكن يا سارة ليس هناك كسر .
قال مات :
- ولكنه فعلاً شج وهو مقزز؟
سأله الصبي الصغير :
- ماذا تعني شجاً ومقززاً ؟
قال مات وهو متجهم كان الحديث لا يفهمه سوى الرجال .
- اي جرح عميق ومثير للأشمئزاز .
كان الصبي الصغير سعيداً وهو ينظر إلى جرحه نظرة جديدة , وقال مكرراً كلام مات وهو يبتسم له :
- شج مقزز !

Rehana 28-09-21 08:34 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- فعلاً مقزز للغاية .
كتم يعقوب ضحكته قال :
- مقزز للغاية .
قال مات :
- سنقوم بتنظيفه جيداً ونضع الميركروكروم .
سأل يعقوب وقد قلت شجاعته :
- هل هو مؤلم ؟
- ليس بالنسبة لبطل مثلك ثم انك لن تحتاج إلى غرز خياطة مثلي.
أشار مات إلى ذقنه فسأله يعقوب :
- هل حدث لك هذا وانت تسقط من فوق الشجرة ؟
- لا , لقد وقع لي حادثة صغيرة اثناء عملي.منتديات ليلاس
ساعدت سارة شقيقها على النهوض ونزعت الأوراق التي التصقت بملابسه ثم اخذت قبعته الفرو ووضعتها على رأسه. ومن ناحيته اضطر مات ان يتكئ بكل ثقله على عصاه حتى يستطيع النهوض واقفاً وسأل الصبي:
- ما رأيك في أن تعد لنا سارة طعام الإفطار , بينما اعالج ذراعك؟
امرته سارة :
- اجري إلى المطبخ وانتظره هناك بعد ان تجلس امام المائدة .
عندما نفذ شقيقها الأمر استدارت نحو مات .
- هل انت بخير ؟
كذب مات :
- نعم ولكن رأسي يدور بسبب مقاطعته لنا .
نظرت إليه نظرة غضب واستدارت ثم ابتعدت وهي تحدث جلبة من احتكاك ملابسها . كان مات مذهولاً وهو يتابعها بنظراته . عادة لا تفر منه النساء . اخذ يحك رأسه بيده وهو ينظر بغيظ إلى بلوسوم الذي كان يدس انفه وسط الأوراق الميتة وكأنه يبحث عن طعام.
كان شبه القبلة التي خطفها من سارة قد شوشت تفكيره تقريباً, ولابد ان ذلك ما حدث لها ايضاً كان متعباً من التفكير في التقلبات النفسية النسائية . فبدأ يتجه إلى البيت وهو غير قادر على الاتزان في مشيته حتى أوشك ان يتعثر في الكلب الممدد أمامه.
سألت سارة أخاها يعقوب بينما مات يفرغ محتويات حقيبته الموجودة في المطبخ .
- لماذا لم تذهب إلى المدرسة ؟
قال يعقوب وهو مشغول في إعداد شواية الخبز .
- إن مدرستنا مصابة بالإنفلونزا.منتديات ليلاس
أشار له مات ان يجلس فوق المائدة وسأله :
- أليس هناك من يحل محلها ؟
اجابت سارة :
- ليس لدينا سوى مدرسة واحدة في المدرسة الآميشية .
قال مات في شبه مزاح :
- وطبعا المدرسة ليست سوى حجرة واحدة ودورة المياه في نهاية الحديقة .
ردت سارة وهي تمد ذقنها للامام في ترفع :
- طبعا .
احس مات بالضيق لتهكمه وود لو اختفى تحت الأرض. ثم وجه انتباهه نحو الصبي واخذ ينظفه بأقصى درجة من الرقة .منتديات ليلاس
اخذت سارة تدور وتلف حولهما وبدا عليها الاستعداد للتدخل عند اول بادرة ألم تصدر عن شقيقها . وفي كل مرة كان يعقوب فيها يمتعض من الألم كانت تتألم وتطلق تأوهاتها , لاحظها مات بطرف عينه وهو موزع ما بين السرور والتعاطف والتوتر .

Rehana 28-09-21 08:34 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
قال اخيراً :
- إنني لن اقطع ذراعه واؤكد لك انني اعرف ما اصنعه , وكان ترتيبي الرابع على دفعتي في كلية الطب بجامعة مينيسوتا .
سألته في تهكم رداً على تهكمه السابق:
- الرابع على كم طالباً؟
- ظريفة جداً ! لماذا لا تجلسين قبل ان يغمى عليك او الأفضل ان تعدي لنا طعام الإفطار الموعود .
بعد أن ألقت سارة نظرة قلقة اخيرة على شقيقها قررت التقهقر وهي تمسح دموعها .
قال مات بلهجة ساخرة :
- إن الثقة التي تظهرينها نحوي تجعلني احس بالارتياح والتحسن , واطمئني وإذا فشلت في مهمتي يمكنك ان تضعي رأسي بين المطرقة والسندان , ولك الحرية في اختيار المطرقة التي تعجبك .ريحانة
اضاف بعد ذلك وهو ينظر في اتجاه يعقوب :
- يا للفتيات, إن المرء يظن انهن لم يرين شيئاً مقززاً من قبل.
قهقه الصبي وهو يحرك قدميه في الهواء من السرور اثناء إعداد سارة لطعام الإفطار . استقر مات ويعقوب امام المائدة في حديث بين الرجال . شرح يعقوب للطبيب معلوماته عن الزراعة وحكى له ان محصول الذرة كان ممتازاً وانه اشترك في الحصاد .
اخذ مات يستمع إليه في جدية وهو يوافقه بهز رأسه , اما سارة التي كانت تراقبهما في حنان احست بالعرفان نحو مات لاهتمامه الصادق بالصبي الصغير خاصة انه مهتم بالمحصول .منتديات ليلاس
عندما وضعت الطعام فوق المائدة لم تستطع ان تمنع نفسها من أن تقول لنفسها : إنه يصلح أباً ممتازاً وطيباً ولم تستطع ان تمنع الوخز اللذيذ الذي احسته في قلبها , سألت شقيقها وهي تناوله كوباً كبيراً من اللبن :
- هل أبوك يعرف أنك هنا؟
قال يعقوب وهو ينظر بلهفة إلى طبق الكعك بالشكولاتة كأنه لم يأكل من الأمس والأيام السابقة .
- نعم , لقد انتهيت من عملي وقال لي ابي ان آتي لمقابلتك .
همهمت سارة وهي لا تستطيع ان تكتم غضبها :
- آه ! نعم .
إن والدها إسحاق لم يرسل شقيقها الأصغر ليبعده عن المزرعة او ليتمتع بصحبتها وإنما ليراقبها بكل براءة , وسيسعد يعقوب بأن ينقل إليه بكل أمانة ما رآه في الأوبرج , ولن تطلب منه سارة ان يخفي أي شيء . على اية حال إنها لا تعمل هنا ما يجلب الخجل.
عندما استقرت نظراتها على مات احست بالذنب وظهرت الحمرة على خديها , لقد تبادلا قبلة وجلست بجواره على السرير وتركته يقبلها في اللحظة التي تسلق فيها يعقوب الشجرة التي أمام النافذة . سألته :
- لماذا تسلقت الشجرة ؟
رفع شقيقها إليها عينيه المستديرتين الواسعتين في براءة وفمه مليء بالكعك :
- لأنه كان هناك .
قال مات وهو يلتهم العجة بالبيض والبطاطس التي اعدتها سارة :
- لا يمكن مقاومتها !
لقد مرت قرون منذ ان تناول إفطاراً حقيقياً حيث لم يكن لديه الوقت سوى لاتهام فطيرة كرواساناو سندوتش في عجلة في المستشفى .

Rehana 28-09-21 08:35 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
جلست سارة على مقعد وبدأت ترتق سترة شقيقها . قالت له بإلحاح وهي مصرة على انتزاع الحقيقة من فمه :
- إلى أي ارتفاع صعدت ؟
رد المسكين يعقوب :
- ليس عالياً. ريحانة
قالت تؤنبه :
- هذا ليس بالضبط المكان الذي تتسلق فيه الاشجار لأنها مسكونة بمخلوقات لا تحب الدخلاء خاصة من احد أفراد قبيلة الآميش والذي يتلصص على ما يحدث خلف النافذة .
قال مات في نفسه : إذن هذا هو سبب الاستجواب . إن سارة تخشى ان يكون شقيقها قد ضبطها , ياله من أمر غريب , إنها بالغة ! وسبق لها الزواج فما اهمية ان يضبطهما احد وهما يتبادلان القبلات ؟
اخذت تحرك الإبرة والخيط في عصبية تفضح ثورتها الداخلية . تساقطات عدة خصلات من شعرها الكستنائي فوق جبهتها وحجبت عنها الرؤية , فكانت تدفعها تحت قبعتها دون ان ترفع عينيها . كانت تمثل لوحة فنية حية , صورة نصفية لامرأة من القرن الماضي بما تحمله حساسية نساء ذلك القرن او القرن الثامن عشر وليس حساسية هذا العصر , إنها صفات تسحر مات بلا حدود, لقد تعود على نساء يعشن في حياة سريعة تميز نهاية القرن العشرين , وعلى استعداد غالباً لاتخاذ المبادرة في المغامرات العاطفية , وتعتبر سارة بجوارهن نقية وبريئة , وعادت رغبته في حمايتها تغزوه مصحوبة ببسمة من الحنان . ولكن اللحظة لم تكن مناسبة للتحرك . كانت مجهودات الصباح قد انهكته والتعب يثقل عليه مما يثير اعصابه ويدير رأسه . وكان جانباه يولمانه والجرح في فخذه يحرقه , ويجب ان يذهب للتمدد وإلا أغمي عليه . نهض في حذر وقال لهما :
- اسمحا لي بالانسحاب , إن كل هذه الاحداث قد انهكتني .
كانت العبارة الاخيرة موجهة إلى سارة مصحوبة بابتسامة ماكرة جعلت وجهها يحمر خجلاً , قال يعقوب:
- هؤلاء الأمريكيون غريبو الأطوار .منتديات ليلاس
قال مات شارحاً:
- في العادة لا اقضي نهاري في الفراش ولكني احس بأنني لست على خير هذه اللحظة .
قال الصبي :
- انت في حاجة دون شك إلى زيت الكافور , إن امي دائماً تعطيني إياه .
امتعض مات :
- اعتقد انني تجاوزت هذه المرحلة .
قال يعقوب معلناً:
- عندما تشفى سأريك كيف اركب السيسي الخاص بي وسأريك ايضاً العجول , أنا الذي املأ لها آنية الطعام واطعمها .
قال له مات وهو يغمز له بعينه :
- مقزز ...
انفجر يعقوب ضاحكاً.منتديات ليلاس
اطلقت سارة زفرة واخذت تستخدم إبرتها . بقية النهار ليس طبقاً لتعليمات الدكتور ثورن وهو ما ازعجه واغضبه كثيراً لأنه لا يجب ان يظل قعيداً عاجزاً كما أن كل شيء كان يثيره .
كانت حجرته مرة مضاءة أكثر من اللازم او مظلمة أكثر من اللازم والضجيج الذي كان يشوب حياة المدينة اصبح مشتاقاً إليه واشتاق ايضاً إلى نشاطه وعمله والقدرة على توجيه جسمه لعمل ما يريده .
كان مقتنعاً ان غفوة قصيرة كافية لإعادة قواه , وتمدد ليصحو بعد ست ساعات وهو وقت تناول ادويته ثم العودة إلى نعاسه , ليست هذه هي الطريقة التي يكسب بها قلب السيدة , وإن كان الوقت لن يمر طويلاً قبل ان تفهم فنون إغرائه .

Rehana 28-09-21 08:36 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
هجرته سارة وتركت ناقوساً صغيراً فوق المائدة ليستخدمه عندما يريد استدعاءها في حالة الضرورة . تكوم مات فوق وسائده ورائحة إعداد طعام العشاء تصل إليه وتخترق أنفه .
إن سارة تصلح فعلا زوجة جيدة . وإن لم يكن يبحث عن رفيقة لحياته , لقد كان دائماً مشغولاً عن الاهتمام بالزواج وقضى السنوات الست الأخيرة في المستشفى معظم الوقت أكثر مما قضاه في بيته .
تساءل صوت داخله بوقاحة : وما الهدف ؟ في الماضي كان يجد عشرات الإجابات عن هذا السؤال , ولكنه من الآن يشعر بالإنهاك والقلق والتشتت , إنه يعشق مهنته لأنه دائماً يسعد بتقديم مساعدته إلى من يحتاجونها .
وجو المستشفى يشتاق إليه ومع ذلك لا يصبو إلى العودة إليه . ولأول مرة في حياته لا يعرف حقيقة ما يريده .منتديات ليلاس
طوى شكوكه ومخاوفه وقرر ان الحاضر فقط ما يهمه , انه يتحرق شوقاً إلى الصحبة . هز الناقوس الصغير ولم ينتظر طويلاً حتى ظهر بلوسوم في الحجرة وهو ينبح نابحه الشهير.منتديات ليلاس
سأل سارة التي احضرت له صينية العشاء:
- لماذا لم تربي انجريد قطة أفضل من هذا ؟
نظرت إليه سارة بعينين واسعتين, ونظر إليه بلوسوم بعينين واسعتين , قلب مات عينيه وتجهم ثم قال :
- كم أكره أن أكون مريضاً, إن فكرة قيام أحد غيري بخدمتي ورعايتي مرضياً لا تعجبني على الإطلاق .
- وماذا عن مغازلتك للممرضات ؟
كانت سارة تعد جرعات الدواء وطرف فمها مرتفع قليلاً بابتسامة طويلة وإن كان وميض الشك يلمع في عينيها المستديرتين .
يالها من نسيج متناقض, بريئة ووقحة وامرأة قبل كل شيء , وإن كانت خجولاً لأقصى درجة , إنها تسحره ذلك السحر الذي يسيطر على مزاجه العكر. احس بأنه يسترخى كثيراً الآن وهي قريبة منه .منتديات ليلاس
نظر إلى اظافر يدها القصيرة بدون طلاء اظافر , واستدارة رقبتها الجميلة وشفتها السفلى التي تعض عليها وهي تحاول نزع سدادة زجاجة دواء , قال :
- هذا لب الموضوع , إن الغزل عمل جاد .
ردت عليه بلهجة لاذعة :
- واعتقد انه ينقصك التمرين .
- إن المرء لا يكف عن التمرين إذا كان يبحث عن الكمال .
حاولت سارة ان تخطو نحو الباب وهو يبتلع اقراص الدواء التي ناولته إياها مع جرعة كبيرة من الماء وقالت له :
- اتمنى لك شهية طيبة , هز الناقوس عندما تريد مني ان استعيد الصينية .
احس مات بألم في معدته لا صلة له بألم جانبيه , قال لها :
- هل ترحلين هكذا بسرعة ؟ ارجو ان تجلسي معي.
ردت عليه بصوت رقيق:
- امامي عمل لابد ان اؤديه .ريحانة
كانت هذه شبه كذبة اضطرارية , فقد كان امامها باقي الغسيل للأواني وبعد اعمال الترتيب ولكن الاهم ان تحمي عفتها وقلبها . امامها بقية اليوم لتفكر في الوضع ولتقنع نفسها بأن مغامرة مع مات ستوردها مورد التهلكة , إنه ليس سوى رجل عابر ينتمي إلى عالم آخر لا تعرفه على الإطلاق , احتج مات :
- ليس من المعقول ان تفعلي أكثر من هذا , كم عدد الأفراد المقيمين في هذه اللحظة ؟
- ولا واحد ولكني انتظر اربعة افراد في عطلة نهاية الاسبوع ولدي امور اعدها .

Rehana 28-09-21 08:36 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- الا يمكن ان تنتظر هذه الأمور خمس دقائق ؟ هيا يا سارة ابقي قليلاً معي وحدثيني عن أسرتك , إن شقيقك الصغير يعجبني , هل لديك آخرون ؟
اطلقت سارة زفرة قبل ان تعدد القائمة ...
- هناك بيتر ودنيال وهما ابنا زوجة أبي الأولى التي توفيت وهي تلد لوقا ورث ويعقوب وهم أصغر مني ولا يزالون يعيشون في البيت , هكذا انت تعرف الآن افراد قبيلة موست .
- حسناً , سأعود لاحقاً لأخذ الصينية .
خرجت بعد ذلك من الحجرة وتركت مات يتلعثم :
- ولكن .. ولكن .. أنا ؟
كانت سارة قد ابتعدت وظل بلوسوم عند عتبة الباب وهو يطلق نباحاً ويتدلى لسانه ثم تركه هو الآخر .منتديات ليلاس
ظل مات مسمراً في مكانه من الدهشة . إن النساء لا يقاومنه أبداً هكذا , لابد ان الجروح التي اصابته نزعت كل جاذبيته .
قطع شريحة من الروزبيف واخذ يمضغها وهو ساهم يفكر . إن سارة تظهر انجذاباً نحوه ورأى ذلك في عينيها واحسه من لمسات يدها . إنها خائفة وما يحتاجه هو ان يقترب منها في حذر . احس مات انه لا يجاري في هذا المضمار .
بعد العشاء عاد إلى نقطة الصفر مرة ثانية والشعلة التي ومضت داخله - عندما اقتربت منه سارة - كانت أكثر اشتعالاً. إن هذه المرأة تعطي لحياته طعماً وهو مشتاق لأن يراها مشتعلة مثله .منتديات ليلاس
بينما الأقراض تبدأ مفعولها عليه بدأت جفونه تنغلق وظل يردد انه سيبدأ العمل في خطته بعد العشاء . سقطت الشوكة من يده وسارع بلوسوم نحو قطعة اللحم التي سقطت معها الأرض . ظل يردد انه سيبدأ غزو سارة بعد العشاء او ربما بعد إغفاءة نوم قصيرة !

نهاية الفصل

Rehana 01-10-21 09:22 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل الرابع

كانت سارة تعمل في أوبرج ثورنوود من شهرين وتقيم في حجرة صغيرة بالدور الثاني مجاورة للحجرة التي كان يحتلها مات ويفصلها عنها حجرة حمام , ولم تكن تترك الأوبرج إلا كل خمسة عشر يوماً عندما تقام الخدمات الدينية لمجتمع الآميش . وكانت تقضي إجازات عطلة نهاية الاسبوع عند والديها اللذين يعيشان في نهاية الطريق على بعد كليو مترين من هنا .منتديات ليلاس
لقد مر عام منذ اشترى جون وانجريد وود الضيعة الكبيرة بالقرب من بلدة جينا وأعادا تجديدها في صبر ومحبة , ووجدت سارة ان النتيجة كانت رائعة وإن كانت أعلى من مستوى الأذواق البسيطة .
كانت الستائر المصنوعة من الدانتيلا تتموج خلف النوافذ . وكانت المقاعد الكبيرة ذات المساند وكذلك الارائك مكسوة بتيل عليه نقوش زهور وباقات ورود والاثاث من الخشب الطبيعي , وباختصار كانت الحجرات مبهجة وتوحي بالترحيب وقد علقت فوق الجدران المغطاة بورق الحائط الفاخر لوحات كانت تصفها انجريد بالبدائية وتضيف لمسة شخصية ومرحة إلى الجدران . كان أوبرج ثور نوود مكوناً من ثلاث حجرات وثلاثة حمامات .

Rehana 01-10-21 09:23 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
كانت الحجرة المفضلة عند سارة هي المكتبة ذات الجدران المسكوة بالرفوف المملوءة بالكتب من الأرضية حتى السقف. ويمكن تصور وجود كل انواع الكتب ودلائل الرحلات التي اعدها جون وود والكتب التاريخية ومجلات الاخبار والطهي والموضة .
كانت سارة تعشق قضاء وقت فراغها في تلك الحجرة المملوءة بالكلمات المكتوبة . كانت دائماً تحب الكتب حتى من قبل ان تتعلم القراءة وتقضي كل وقتها في تأمل صور الكتب والكلمات التي كان مراها يبهجها على عكس معظم الاطفال الذي كان تعلم القراءة يشكل بالنسبة لهم عقاباً . وكانت تندمج في مباهج ذلك العالم الجديد الذي يتفتح امامها .
كانت القراءة وحدها القادرة على انتزاعها من كآبة حياتها في المزرعة وكان وجودها يتحول لحظة دخولها المكتبة وسمح لها صاحبها ان تأخذ معها إلى البيت ما تشاء من كتب .
لم يكن ابوها يوافقها في ذوقها نحو القراءة , وقضت فترة طويلة من طفولتها في اللجوء إلى مخزن الحبوب الخاص بجدتها لتقرأ في سلام . وكان ابوها إسحق يؤكد ان الكتب هي التي ملأت رأسها بالأفكار المجنونة , ويعتبر الكتب المسؤولة عن كل رغباتها غير المعقولة .
كانت سارة تعرف جيداً انها تمتلك خيالاً خصباً فياضاً . ولكن ماذا يفيدها لو قالت ذلك لوالدها ؟ على اية حال كانت سارة تدور حول الكتب وليس حول الناس عندما كانت تحس انها بمفردها سواء كانت مثارة او مضطربة . وهذا المساء ذهبت إذن الى المكتبة عندما انتهت من عملها . خلعت نعليها واستلقت فوق اريكتها المفضلة باحثة عن الراحة بين الكتب المبعثرة حولها ولكن للأسف الراحة لم تأتها .ريحانة
كانت روحها تعود باستمرار إلى الرجل الذي ينام في الدور الثاني . لقد بذلت كل جهدها لتتجنبه اليومين السابقين وهي تسرع إلى حجرته عندما يرن الناقوس وتخرج من حجرته فوق تلبية طلباته . ورغم كل ذلك فإن الرغبة في ان تكون بجوراه وأن تلمسه وتسمعه يتكلم حتى وهو يشكو لم تتركها أبداً.
اغلقت عينيها وعضت شفتها وهي تحتضن المعجم الكبير وهي تأمل ان يتسلل إليها الرد بمعجزة ولكن ذلك لم يحدث على الإطلاق . فقط صورة مات وهو ينظر إليها ويفحصها وكأنها لغز يحاول حله هي الصورة الوحيدة التي تملأ عقلها . لقد كان زوجها المتوفي صديقاً ورجلاً لطيفاً ولكن كزوج وزوجة فإنهما لم يعرفا ابداً العاطفة .
من وقت طويل وسارة تشعر بظما إلى العاطفة في حين ان تعليمها الديني يفرض عليها ان المرأة يجب ان تخدم زوجها والرب وان الحب لرجل لن يصلح إلا للإنجاب . ومع ذلك في اعماق قلبها فإن والدها قد لا يكون مخطئاً , لأن قراءتها علمتها ان الحب خارج مجتمعها لن ينزل إلى مستوى الواجب , لقد وجدت في أرض بين حضارتين . امرأة اميشية تمارس حضارة امريكية , أي انها اصبحت امرأة اميشية امريكية والأمريكيون يعتبرونها اميشية طاهرة ومتزمتة واهلها الآميشيون يعتبرونها متمردة تهز رأسها وهي تتمتم الصلوات بطريقة عابرة او اداء للواجب . إن طريقتها في التعبير عن نفسها وفي ارتداء ملابسها وسلوكياتها كلها اميشية ولكن قلبها ظمأن لشيء آخر . وهذا الشيء الآن هو ان تلمس مات الذي ترغبه أكثر من أي شيء حتى ولو كان ذلك خطيئة .منتديات ليلاس
وقف مات خلف الباب الموارب للمكتبة وظل وقتاً طويلاً مختبئاً في الظل. كان قد استيقظ بالضبط قبل منتصف الليل وهو فريسة جوع الذئاب والحاجة الشديدة للصحبة . فكر في البحث عما يسد به رمقه في المطبخ فارتدى بنطلوناً وهبط السلم في سرية قدر استطاعته حتى لا يوقظ سارة ولا بلوسوم , كان شعاع الضوء الآتي من فرجه الباب قد اثار انتباهه .منتديات ليلاس

Rehana 01-10-21 09:23 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
اخذ يراقب سارة عن بعد ويفحصها وكأنها قطعة فنية ويحاول ان يخترق المعنى السري لتعبير وجهها ووضعها وهي جالسة . كانت ممددة فوق الأريكة الوردية وهي تحتضن كتاباً بين ذراعيها وكأنها طفل يحتضن دباً من الفرو وعيناها منخفضتان من التركيز .
كانت فاتنة بسيطة وساحرة . من اربعة ايام وهو يراقبها كان يتعجب من هذا الخليط من البراءة والنار الخفية ومن تلك العينين البراقتين من الفضول والابتسامة الحلوة , كل شيء فيها يجعله غير جدير بلمسها وإن كان يتحرق شوقاً لأن يفعل ذلك . كم ود لو لمسها وهي في هذا الوضع حتى تزيل طهارتها ما علق بروحه من أثام , إنه ببساطة يرغبها , وهو كرجل تعود تحقيق رغباته فقد استسلم للإغراء , قال وهو يدخل الحجرة :
- إذن نحن نقرأ قليلاً ؟
انقطعت تأملاتها واخذت سارة تنظر اليه بعيني واسعتين مدهوشتين , إنه يراها لا تقاوم ورغم مظهرها المشعث وهو ايضاً في نظرها يصعب مقاومته وهو يرتدي بنطلون الجري بلون رمادي وجوربه الصوفي الذي تهدل على عقبيه وهو يتأمل في تسلية عشرات المؤلفات من كل الأنواع تحيط بها ومبعثرة فوق الأرضية والمقعد وعلى مسند الأريكة , قالت معلقة :
- كان من الواجب ان تكون نائماً !
كان مات معتاداً على هذا النوع من سرعة البديهة ولم يجب عليها وإنما ذهب ليجلس بجوراها على الأريكة . اخذ منها المعجم ونظر إلى الصفحة التي كانت قد توقفت عندها ثم قال :
- انت على حق , إن المرء لن يعرف كثيراً من مدرج الكريات وبالنسبة لي اخشى ان معلوماتي عن هذا المجال غير كافية .ريحانة
اخذت سارة الكتاب من بين يديه واغلقته ثم نظرت إليه في ابتسامة مسرورة :
- اخيراً ابتسامة ! هل يعني هذا انك لم تعودي غاضبة مني ؟
اجابته :
- ولكني لم اغضب منك ابداً , ولماذا اغضب؟
هز مات كتفيه :
- لقد قلت لنفسي إن المرأة تصعقني بنظراتها وترفض تقريباً الحديث معي مدة يومين وتكون خارج نطاق حجرتي عند أول مبرر يطرأ ببالها , لابد انها تحمل ضدي شيئاً , ربما نقص السحر عندي؟
دافعت سارة عن نفسها :
- انت مخطئ .
- آه , إذن انت تعتبرينني ساحراً ؟
احست سارة بعدم الارتياح واخذت تشد ثوبها .ريحانة
- أنا اعتبرك .. لا شيء على الإطلاق , انت شقيق انجريد وضيفنا .
قال وهو يهز رأسه وهو يتطلع للمؤلفات حيث شاهد بينها رواية لمارك توين وكتاباً عن الفراشات وتاريخ قبائل السيو الهندية .
- آه , فهمت ! على اية حال هل تحبين القراءة ؟
ربتت سارة الكتاب الموضوع على ركبتيها وكأنها تربت قطة . ثم قالت معترفة :
- إنني اعشق القراءة والتعليم , أنا أقرأ كل ما يقع في يدي .
اخذ مات يفكر فيما يمكن ان تكون عليه سارة لو اتيحت لها إمكانية الاستفادة من التعليم الحقيقي مثلما يفعل ابناء المدينة .

Rehana 01-10-21 09:23 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
سألها :
- ألم تفكري في الالتحاق بالجامعة ؟
لم تكف سارة عن ان تحلم بذلك ولكن دون أمل طوال فترة مراهقتها .
اكتفت بالاجابة :
- إنه امر مستحيل .
- ألا يشجع الآميشيون شبابهم الموهوبين ؟
احست بالجرح من هذه الفكرة ونظرت اليه في غضب .منتديات ليلاس
- إن مكاني في المزرعة , نحن زارعون ونجارون وزوجات لزراعين وزوجات لنجارين , فما فائدة ان ننفق المال على مدراس راقية ؟
اجاب في شبه همس:
- فعلاً , لا شيء على ما اظن !
لقد بدت امامه كأنها تلقي على مسامعه رد محفوظاً من كتاب عن الفلسفة الآميشية . كان مات مؤمناً بأن أي شخص لديه نهم نحو المعرفة مثلها لا يمكن ان يكون هذا رأيه , ولكنه مرر الموضوع دون تعليق.منتديات ليلاس
تناول قبعتها التي وضعتها على الأريكة واخذ يفحصها , نظرت إليه سارة في رعب كأنه شاهدها شبه عارية , رفعت يدها إلى شعرها في حركة ارتباك ودون ان يشعر مات غطى يدها بيده والتي لمست جمجمتها والتي تراجعت وكأنها تتمنى لو ان الأريكة ابتلعتها . همس :
- إن لك شعراً جميلاً جداً.
كانت الكتل المتشابكة الحريرية قد جمعتها في ضفيرة ثبتتها على رقبتها من الخلف بمشابك شعر كبيرة . اصاب مات الجنون وهو يفكر في هذا الشعر وهو مفرود ومنسدل , سألها :
- لماذا تخفينه ؟
- إنها عادتنا , إن الشعر هو مجد المرأة ولا يجب ان يراه احد سوى زوجها . وإلا دل ذلك على الغرور والكبرياء والخطيئة .ريحانة
- أما أنا فأجد من الخطيئة ان تخفي هذا الشعر او أي شيء جميل .
من زمن بعيد وسارة تتمنى ان ترى شعرها مفروداً ومتطايراً مع الريح واقتنعت بأن هذا الشعور هو المرادف لحرية الروح. ولكن يضايقها ان يشاطرها هذا الرأي رجل غريب والذي يشكل خطراً عليها فاستعارت أحد هذه الردود المحفوظة التي يرددها والدها :
- هذه عادتنا ولا تحتاج للنقاش سواء كنت متفقاً معنا أم لا .
رد مات دون ان يغضب عندما ضربت يده الموضوعة فوق رأسها :
- حسناً , هذا ليس رأياً.
ترك ذراعه تسقط فوق مسند الأريكة وقال :
- ولدي إحساس بأنه ايضاً ليس رأي بطلة تسلق الأشجار .
إن السهولة التي يقرأ بها افكارها جعلتها ترتجف.
- لقد كنت بنتاً صغيرة والآن أنا امرأة .
- لقد لاحظت ذلك رغم كل جهودك لإخفاء ذلك.
نهضت سارة واخذت تذرع الحجرة وتسقط صفاً من الكتب في طريقها .
- هل من الضروري ان تسخر مني دائماً ؟
احتج مات :
- ولكن لا ...
نهض بدوره رغم الدوار الذي يحسه في رأسه .
- أنت تتصور انه يمكنك ان تقبل الخادمة الصغيرة الأميشية وتسخر منها ...
امسكها مات من كتفها .
- انتظري دقيقة .منتديات ليلاس
- ليس لأنني ارتدي ملابس بسيطة واعيش حياة بسيطة معنى ذلك انني بسيطة الروح يا سيد ثورن .ريحانة

Rehana 01-10-21 09:24 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- ولكني لم أقل إنك معقدة , وإنك لم تكوني معقدة , اسمعي يا سارة لم نعد في العصر الفيكتوري ولست رجلاً مما يغازلون الخادمات في الأركان .
- اذن ماذا تريد مني ؟
ندمت سارة في الحال على سؤالها . لو كان يريد شيئاً فإنها لن تستطيع ان تعطيه إياه وتواجه اسرتها . وإذا لم يكن يريد شيئاً فإنها تفضل ألا تفكر فيما سيحدث لها من إحباط , قال :
- لنبدأ بقليل من الصداقة يا سارة .
ماذا تفعل ؟ إن الاقتراح مغر جداً . استأنف :
- أنا آسف لأنك فهمتني خطأ , أنا امازحك , هذا هو كل مافي الأمر . ولم تكن لدي نية جرحك .
احست بالضياع امام رقته , إنها لم تعد تتحمل فكرة ان تجرحه , قالت وهي تنظر إلى حذاء مات الذي لم يحكم رباطه .منتديات ليلاس
- اعذرني , لم يكن من الواجب ان اغضب , إنني مضيفة سيئة .
رد مات وهو يقاوم رغبته الجامحة :
- لا داعي للأسف .
اكتفى بأن رفع ذقنها بأصبعه كي يغوص في اعماق عينيها , خشيت سارة في آن واحد ان يضبط او لا يضبط العاطفة التي تشغلها , خشيت ان يتمادى ولكنه اكتفى بالابتسام في حنان .
- لقد مررت بيوم عصيب وانت متوترة واعرف كيف أعالج ذلك .ريحانة
سألته وذهنها مليء بالصور والخيالات :
- كيف ؟
توجه مات ناحية المجموعة الصوتية الخاصة بجون وود والتي كانت سارة تخشى دائماً ان تلمسها , وبلمسة من إصبعه على احد الأزرار كانت كافية لملء الحجرة بالموسيقى الناعمة حيث سحرها وجمالها انتزعا الرجفة من سارة , لقد تربت في بيت مليء بالموسيقى ولكن الاغاني الأميشية تحض كلها على الفضيلة وحب الواجب وقبول العذاب ودخول الفردوس بعد معاناة طويلة في حين ان الموسيقى الخاصة بالامريكيين تحض على إقامة علاقة بين الناس . بدا لها ان تلك الموسيقى والأغاني تتكلم عن الحب والسعادة وانتصار الحب. والمطرب الذي يشدو للحب كان صوته عميقاً ومؤثراً , قال مات معلقاً :
- إنه بول يونج إنها موسيقى ترفق المشاعر , هيا قومي بعمليات الشهيق والزفير ببطء.
اتبعت سارة تعليماته ولكنها احست بالاختناق عندما وضع يده على كتفها , زجرها مات بعينيه فاسترخت . لقد اربكها تماماً. ودت لو جرت مسرعة إلى حجرتها ولكنه كان يحيرها ويجتدبها.
قال :
- اخشى انني تحولت إلى عاجز فلا مجال إذن للرقص مثل باتريك سوايز .ريحانة
- من باتريك سوايز هذا ؟ احد اصدقائك؟
قهقه مات :
- ليس بالضبط.
في وسط مات الاجتماعي فإن النساء كن على استعداد للتنازل عن أي شيء في سبيل مراقصة باتريك سوايز وسارة لا تعرف من هو . من المحتمل انها لم تشاهد فيلماً سينمائياً وإلا لعرفت نجم الرقص الشهير .
فكر في مدى سعادته لو صحبها إلى السينما لأول مرة . وبالنسبة له سيكون ذلك بمثابة إعادة اكتشاف نفسه في عينيها . إنه خلال براءة سارة سيرى العالم بعينين جديدتين وبالنسبة لرجل رأى الكثير من النواحي السيئة فإن الإغراء لرؤية العالم الجديد كان كبيراً .

Rehana 01-10-21 09:25 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- على اية حال هذا الاسم غير مهم , هيا استرخي .
- انا مسترخية .منتديات ليلاس
- كاذبة !
اخذ يدلك كتفيها ثم قال :
- اغلقي عينيك واسترخي مع نغمات الموسيقى .
اطاعته سارة وسادها إحساس غريب . احبت كأنها تحت الماء تبتعد عن الشاطئ وسط محيط أصم وتحس بحالة من الثقل بينما يدا مات هما اللتان تصلانها بالواقع , همس :
- ها نحن قد وصلنا .
كان صوت الرجل الدافئ والناعم قد حمل سارة فوقة موجة موسيقية . كان بول يونج يغني الآن اغنية جديدة اكثر بطئاً وتاثيراً , دعاء للحب مزق نياط قلبها .ريحانة
تأثر مات بهذا الجو الهادئ المليء بالعواطف واحس بأنه على بعد آلاف الأميال عن المدينة وعن قاعة الاستقبال في المستشفى والضجة والعنف واحس بالسعادة . لم يبق في العالم سواهما . هما الاثنان تلفهما عاطفة رقيقة وهشة . تساءل : إلى اين سيقوده كل هذا ؟ كان يتمنى ان يعرف الإجابة , عندما توقفت الموسيقى ابتعدت سارة عنه خطوة للخلف وغرقت في عينيه اللتين اصبحتا بلا عمق. كان وجهها خالياً من التعبيرات وهي مثبتة عينيها امام عينيه , كل ما ستطاع قوله هو :
- سارة ..!
همست وهي تبتعد عنه كحيوان مفزوع :
- من الأفضل ... ان أقول لك تصبح على خير.
راقبها مات وهي تبتعد دون ان ينطق كلمة وعندما وصلت سارة إلى الظلام الآمن قاومت رغبتها في ان تجري لتتعلق بعنقه .
توجهت ببطء إلى عتبة الدرج حيث امسكت بالدرابزين وكأنه حلقة النجاة , همست في اضطراب :
- يا إلهي ! امنعني من ان أقع في حبك .
ولكنها عندما وصلت إلى حجرتها كانت العاطفة التي لم يعد هناك فائدة من مقاومتها قد خنقتها .

نهاية الفصل

Rehana 03-10-21 05:59 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل الخامس

بعد ليلة اخرى طويلة بلا نوم قررت سارة ان الأفضل ان تظل بعيدة قدر المستطاع عن مات ولو تماسكت حتى رحيله فإن عذابها سيقل.منتديات ليلاس
كانت افكارها تعود بلا انقطاع إلى اللحظات الحلوة التي قضتها معه يستمعان إلى الموسيقى الهادئة وكلمات شخص مجهول يغني معبراً عن كل تطلعاتها الكامنة . ومع ذلك لابد ان تظل عاقلة . ان تقع في حب هذا الرجل فإن ذلك يمثل خطراً شديداً وسعادة من جانب واحد .
هذا الحب لا مستقبل له رغم ان مات رجل طيب , ومن الأفضل ان تشبع شوقها للمغامرة بطريقة اخرى كان تحاول مثلاً ان تستخدم فرن الميكروويف او تشغل جهاز التسجيل الخاص بجون الذي يطرد الشرائط في عناد عندما تدسها فيه .
إن الاجهزة المنزلية لديها تعرض الكثير من المغامرات الاكثر عاطفية , ببساطة مات يجب ان يفهمها .
دست بعض كلمات في ورقة وسط شرائح التوست التي صعدت بها إليه ضمن طعام الإفطار تخبره انها ذاهبة الى المدينة . ولو حالفها الحظ لوجدته لا يزال نائماً واكتفت بوضع الصينية على المائدة والهروب في الحال .منتديات ليلاس
صعدت الدرج وبلوسوم في اعقابها وهي حريصة على الا تسكب عصير البرتقال او تجعل اغطية الآنية تصدر صوتاً بينما تصاعدت رائحة القهوة من الصينية واخترقت انفها .
تجنبت في حرص البلاطة المخلخلة عند عتبة السلم وألصقت الصينية في صدرها ثم حررت إحدى يديها لتفتح الباب والذي لم يحدث ضجة . دفع بلوسوم الباب بمؤخرته ثم قفز داخل الحجرة وهو ينبح ليجلس بعد ذلك تحت قدمي مات ثورن الذي كان واقفاً وسط الحجرة وهو شبه عار . صاحت في رعب:
- يا إلهي !
شلت اصابعها فجأة وافلتت الصينية التي سقطت على الارض وانتشر عصير البرتقال فوق الباركيه وتناثرت الفطائر في كل مكان واخذ بلوسوم يلعب بها وكأنها كرات .
لم يتحرك مات من مكانه وهو يمنع نفسه وهو يرى امرأة بالغة يصبح لونها بنفسجياً من الخجل. هبطت سارة إلى الأرض وعيناها متجهتان لأسفل واخذت تجمع بقايا ومكونات الإفطار من كل مكان .منتديات ليلاس
قالت وهي تتلعثم :
- ارجو , المعذرة . كان عليّ ان أطرق الباب قبل الدخول ولكني ظننت انك لا تزال نائماً, ولم أكن اظن انك ... على هذا الحال ...
أكمل لها مات العبارة وهو يبتسم :
- شبه عار .
- اوه , يا إلهي !

Rehana 03-10-21 06:00 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
اغلقت عينيها حتى تمحو صورته من روحها ولكنها جاءت بنتيجة عكسية وظلت تردد في يأس :
- يا إلهي ... الرحمة !
وجد مات صعوبة في كتم ضحكاته المجنونة .
- هيا يا سارة كفى عما تفعلينه فالأمر ليس بهذه الفظاعة ولا اختلف عن رجل فوق الشاطئ او عند حمام السباحة , هيا ارفعي رأسك.
ألقى مات بالمنشفة على الارض ثم ركع على الارض بجوارها لإزالة الخسائر والبقع وقال لها :
- إن الأمر ليس خطيراً.منتديات ليلاس
- بالنسبة لك نعم ولكن بالنسبة لي فإنه خطير للغاية.
دس المذكرة التي كانت قد كتبتها واصبحت مبتلة بالعصير في يدها فنهضت وهي تشعر بالمهانة وفرت جرياً من الحجرة .
سقط مات على ظهره فوق الباركيه وهو يمسك بجانبيه في ألم شديد . تحولت ضحكاته وقهقهته إلى صراخ هستيري من الألم . ترك بلوسوم قطعة الزلابية التي كان يلعب بها وبدأ يشاركه في الصراخ . اخذ الحصى يصدر صوتاً حاداً تحت قدميها في الممشى المؤدي الى الحظيرة التي سمح لها آل وود بوضع جوادها داخلها . كانت تغلي وتحترق بداخلها .
لماذا كتب عليها ان ترى مات في هذا الوضع في الوقت الذي اتخذت فيه القرار بعدم المقامرة بزيادة صلتها به؟ إنها الآن تصبو إلى الاقتراب منه . إنها رغبة مذنبة ورغم ذلك لم تعد تشعر بالخجل منها وإنما ببساطة تشعر بالإحباط والمهانة .
اعدت اوتيس الجواد البني الذي احتفظت به بعد موت زوجها صمويل إنها ستذهب إلى المدينة , طرف الجواردالضخم بعينيه الواسعتين وكأنه خرج لتوه من النعاس العميق.
كانت تعاني دوامة عاصفة من المشاعر واخذت تلكز الجواد العجوز في قسوة غير عادية . إن نية سارة بسيطة للغاية , ستظل في المدينة . اطول وقت ممكن, ولن تعود إلى الأوبرج إلا في الوقت المتوقع فيه استقبال نزلاء عطلة نهاية الاسبوع . هناك وسط هذا الجمع ربما امكنها ان تنسى ذلك الرجل الرائع مات .منتديات ليلاس
وضعت سارة السرج فوق الجواد وقادته إلى الفناء حيث توجد العربة الخشبية . حزن اوتيس ورغم خبرة سارة الطويلة فقد لاقت صعوبة بالغة في ربطه بالعربة . احست بالعصبية , امامها عشر دقائق وتجد نفسها على الطريق بعيداً عن رغباتها وعن مات ثورن وله ان يفكر فيما يعن له .منتديات ليلاس
قد يعتبرها مخبولة وفلاحة ساذجة ومتخلفة , وهناك قطيع من النساء الراقيات ينتظرونه دون شك في مينيا بوليس, نساء بالتأكيد لن يخجلن من إقامة علاقات عاطفية معه .
- هل يمكنني ان اصحبك؟
تصلبت يدا سارة على اللجام ووجدت صعوبة بالغة في إغلاق عينيها , إنها لا تصدق ما يحدث لم يكن امامها سوى دقيقتين وترحل ... فقط دقيقتين , سألها مات :
- هل هذه الزمجرة تعني نعم بالآميشية ؟
نظرت إليه نظرة باردة وهي تتوقع ان تراه لا يزال شبه عار . ولكن في الحقيقة عندما فتحت عينيها رأته في زي كامل من بنطلون من صوف التويد وقميص أبيض وسويتر من الجلد الأسود يحميه من نسيم اكتوبر البارد , وقد مشط شعره جيداً وإن كان لا يزال مبتلاً في حين امتلأت عيناه بنظرات ماكرة , قالت له:
- كان من الواجب ان تكون الآن في الفراش.

Rehana 03-10-21 06:00 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
تقدم مات منها خطوة :
- من المؤكدة ان هذه الفكرة تضطهدك يا ذات العينين الزرقاوين! وكم كان يسعدني لو انني ناقشتهما معك من لحظات ولكن طالما قد تجشمت عناء ارتداء ملابسي .
زمجرت وهي تثبت السرج فوق الجواد.منتديات ليلاس
- يا للوقاحة !
رد :
- أتعنين التواضع ! ليس هناك ما يدعوني للشعور بالخجل !
اصبح خدا سارة قانيين مرة اخرى عندما تذكرت منظر مات الرائع , قال لها :
- هيا ... لا داعي لكل هذا الخجل فأنت سيدة سبق لك الزواج .
احتجت دون ان تجرؤ على النظر إليه :
- الأمر يختلف .
فكرت ودعت الله ألا يسألها عن هذا الاختلاف كاختلاف الليل والنهار. وفي المرات القليلة التي رأت صمويل شبه عار لم تحس بأي مشاعر عنيفة مثلما حدث عندما رأت مات , لقد كان صمويل مترهلا بينما مات قوي البنية .
امسك بذراعها برقة . وهمس في اذنها كالنسيم العليل :
- اعذريني عندما ضحكت , لقد كان فزعك مثيراً للإعجاب والعجب.
لم تعرف سارة بماذا تجيب وهي تتجاهل تملقه ووجدت من الحكمة اكثر ألا تجيب , سألته :
- هل أنت واثق بصحتك بحيث تتحمل خمسة كليو مترات فوق العربة ذات الجواد؟
فحص مات العربة السوداء والحصان العجوز المربوط فيها , إنه ما كان ليختار هذه الوسيلة من الموصلات ولكن طالما سيجلس بجوار سارة حيث يستطيع ان يتأملها ويستنشق عبير الشامبو المنعش الذي ينبعث من شعرها فإنه سيسعد طبعا بالرحلة . قال بفخر :
- استطيع ان اتحملها , للأسف ان انجريد لم تحضر سيارتي , إنها جاجوار .
- جاجوار ؟
جلس مات بجوارها على الدكة الخشبية .
- إنها جاجوار 16x وهي سيارة غير عادية فرشها من الداخل من الجلد الطبيعي قوة 123 حصاناً.
- مائة وثلاثة وعشرون حصاناً , إن حصاناً واحداً يكفي !
قال مات وهو يخرج حافظة نقوده من جيب السويتر :
- ظريفة جداً ! عندي صورتها , هل تريدين رؤيتها ؟
اخذت سارة موقفاً مذهولاً تماماً.منتديات ليلاس
- أمعك صورة لسيارتك ؟
رد وهو يشعر ببعض الغيظ :
- نعم .
نظرت إليه سارة نظرة طويلة مرحة ثم ضحكت .
سعد الاثنان جداً طوال الطريق وهما في العربة , اختفى ضيق سارة واسترخت حتى إنها بدأت تستمتع بصحبة مات الذي أبدى فضولاً شديداً ووجه إليها كل انواع الأسئلة حول نمط حياة الآميش البسيطة والجادة , اشارت لافتة في الطريق إلى مزارع اصدقائها مثل جون شروك النجار وجاك يودر زوج كاتي الذي يصنع سلالاً رائعة ويبيعها في المركز الشعبي في جينا .منتديات ليلاس
اخذ مات يتنفس الهواء النقي الذي انعشه , ووجود سارة منحه مزيداً من الطاقة . اعجب بالطريقة الحازمة والرقيقة التي تمسك بها اللجام .

Rehana 03-10-21 06:00 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
كانت ترتدي ما يعتقد انه الزي الرسمي للآميش والمكون من بنطلون سترتش اسود سميك وحذاء ضخم اسود وتحت المعطف الاسود المقفول حتى الرقبة ثوب ازرق بحري عليه مريلة سوداء. وبدلاً من قبعتها الصغيرة البيضاء المعتادة ارتدت بونيه اسود كبيراً اخفت حافاته تقريباً جانب وجهها مثل الغطاء الجلدي المنسدل أعلى عيني اوتيس كالمظلة .
لو رأى مات هذا الزي على امرأة اميشية لا يعرفها لوجدها مثيرة للاستغراب والسخرية وعلى سارة كان الزي يضايقه , لقد احس بالغيظ والإحباط لعدم تمكنه من رؤية جمالها كاملاً. حاول في يأس ان يتصورها في بنطلون جينز وسويت شيرت . ثم تداخلت في خياله صورة اخرى وهو يراها في جيب طويل منقوش وبلوزة دانتيل وشعر كثيف ينسدل في موجات ممتدة على ظهرها.منتديات ليلاس
وهو الذي احس بالاختناق من الهدوء في الايام الأولى من إقامته يتمتع به الآن كلية وهو جالس بجوار سارة , عبرا ممراً وسط سهل وعلى احد جانبي الطريق امتدت حقول الحشائش والمراعي وعلى الجانب الآخر صحراء انتشرت فيها الماشية تأكل من الاشجار المتناثرة ولا وجود لعصابات المشردين والاحداث والمتسولين والمخدرين والسكارى في هذا المكان الجميل النقي.
كان النظام والهدوء يسودان في أكبر جزء من مينيا بوليس حيث كان البؤس الحضري غير منتشر كما هو الحال في المدن الكبرى وإن كان عدد السكان في الضواحي يمتد ببطء. وكان معظم سكان مينيا بوليس يعتبرون مدينتهم ممتازة ونظيفة ونشطة على المستويين الثقافي والفني ولا يقلقون من ارتفاع معدل الجريمة والانحدار الخلقي الذي يواجهه مات كل يوم .
كانت مدينة جينا كأنها نشأت حديثاً على غرار نورمان روكويل بشوارعها المحاطة بالأشجار واسقفها الهرمية ومجموعات الحوانيت المبنية من القرميد الأحمر واحواض الكريزانتيم عند نواصي الشوارع.
كانت إحدى السيارات السياحية تنزل راكبيها الغرفة التجارية وبنشاط كان السائحون يوجهون عدسات آلاتهم الفوتو غرافية نحو سارة وحصانها غريب الشكل , ابتسم مات :
- انت مشهورة ؟
ردت عليه بمرارة غير عادية :
- بل الاحرى انني مثيرة للتعجب .
فجأة تمسكت سارة بالا يعتبرها مات من الاشياء الغريبة , قالت له وهي تتوجه بعربتها نحو مربط للخيل:
- لابد ان اذهب إلى مخزن وبائع الاقمشة والبقال .ريحانة
لم يكن مات يتصور ما يراه ... على بعد ثلثمائة كليو متر من مينيا بوليس ها هي بلدة لا يزال بها مربط للخيل كما يشاهد في افلام الغرب ! اما سارة فإنها تعتبر هذا أمراً طبيعياً . وهو يثير انتباهها وفضولها كما يثيره وجود الدخلاء , سألته :
- هل لديك بعض المشتريات تود القيام بها ؟
- سأمر على الطبيب المحلي للكشف على غيار جرحى وفك غرز الخياطة ومناقشته قليلاً.
- اتعشم ألا تكون الرحلة ارهقتك ؟
تحت هذه القبعة الجافة المتزمتة بدت عينا سارة بحجم غير طبيعي , احست بغصة في حلقها عندما داعب مات انفها رد عليها :
- لا أنا بخير واشكرك لقلقك عليّ.ريحانة
- اوه ! اردت فقط ان اسأل إن كانت حالتك تسمح بحمل المشتريات !
ضحكا معاً ثم التقت نظراتهما لتتوقف وظلا في تأملاتهما. إلى ان مرت جماعة من السائحين تثرثر مما اخرجهما من تأملاتهما .

Rehana 03-10-21 06:01 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
اتفقا على الساعة التي سيلتقيان فيها مرة ثانية بعد ان وصفت له مكان عيادة الدكتور كوزويل ثم ذهبت سارة اولاً إلى حانوت الأقمشة حيث اشترت قطعة قماش زرقاء قوية لتصنع قميصين ليعقوب الذي كان يكبر بسرعة البرق . إنها تعشق الخياطة من اجل شقيقها الصغير مما يخفف عنها ندمها على عدم إنجاب اطفال . وكعادتها جعلت عينيها تتجولان في الاقسام المنوعة للحانوت المتخم بالأقمشة وتصورت نفسها في يب مفصل على الموضة من القماش بزهور كبيرة بنفسجية .
مررت إصبعها على ثوب من القماش الحرير الذي تحول في خيالها إلى قميص نوم هفهاف له اشرطة بلون ازرق فاتح . ورغم الإغراء الشديد فإنها لم تشتري سوى عدد الأمتار اللازمة من القماش القوي وخرجت من الحانوت.
واثناء جولتها الشرائية كانت تحاول ألا تلقي بالاً لنظرات الاستغراب التي يلقيها عليها المارة , وكان معظهم من السائحين لأن سكان جينا تعودوا من زمن بعيد على الآميشيين ومع ذلك تضايقت اليوم بصفة خاصة أكثر من باقي الايام , إنها اليوم تحب ان تحس بأنها كبقية البشر , وأي علامات مميزة لها تزعجها وكأنها وضعت بودرة العفريت في قفاها . كم تود لو القت قبعتها وان ترتدي حذاء رياضياً وألا تسجن في يب طويل مثير للحنق وكل ذلك بسبب مات .
اخيراً استسلمت للإغراء في مخزن الأدوية اشترت مجلة عن الزينة وزجاجة عطر صغيرة اسمها سوار دي باري . القت عليها البائعة نظرة دهشة ثم ظنت ان هذه المشتريات من اجل عميلة في الأوبر ولم تعلق . وما إن اصبحت سارة بعيدة عن متناول الصرافة حتى خرجت وفي حقيبة يدها هذه المشتريات , اخرجتهما ودست زجاجة العطر في جيب خفي في حزام وسطها ومجلة الزينة بين صفحات جريدة جينا هيرالد .
سارت وهي تحتضن الأكياس وخفضت رأسها وهي تسير دون ان تشاهد والدها الذي كان يهبط الرصيف متجهاً إلى مخزن الأدوية حيث اصطدمت به فتناثرت المجلات والصحف والاكياس والربطات في كل مكان , صاح إسحاق موست وهو يمسكها من ذراعها حتى لا تسقط.منتديات ليلاس
- سارة !
- أبي .
كانت تشعر بالذنب أكثر من المفاجأة وغضبت من رد فعلها , إنها وهي في الخامسة والعشرين من عمرها تتصرف مع والدها تصرف المراهق الخائف.
هبط الاثنان في وقت واحد نحو الارض لجمع الاشياء وامسك إسحاق بالمجلة قبل ان تقع نظراتها عليها ونظر إلى الصورة المثيرة لإحدى العارضات التي كانت تزين الغلاف . بدت الجدية والقسوة على وجهه النحيف ذي اللحية البيضاء والذي بدأ أطول من العادة . قطب وجهه , حاولت سارة ان تظل هادئة وجمعت الاشياء الاخرى قبل ان تأخذ منه المجلة , قالت :
- إنني اقوم بالشراء للأوبر.منتديات ليلاس
كانت شبه الكذبة هذه تعتبر خطئية ولكنها لم ترد ان يظن ان المجلة تخصها , فقد تجادلا حول هذا الموضوع . اشتم إسحاق الهواء الذي كان لا يزال العطر يفوح فيه , فتصلب في وقفته وسألها باللهجة الأميشية :
- اين هي إذن المرأة التي تدير هذا الأوبر؟ هل هي أعظم من ان تتسوق بنفسها ؟
كانت هذه اللهجة تضايق سارة لأنها تثير نحوهما الانتباه .
- لقد ذهبت انجريد لتسوية بعض الامور.ريحانة

Rehana 03-10-21 06:01 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
كانت سارة تتكلم بعنف وهي عاجزة عن السيطرة على مزاجها العكر . إن انجريد كانت صديقة أكثر منها مديرة او صاحبة عمل . وسوء ظن والدها بها كان يضايقها إلى حد بعيد .
قال إسحاق :
- هل هي امرأة تدير الأمور في كل مكان ؟ واين زوجها ؟ اين هو إذن ؟ هل يقيم في نفس المكان معك اثناء غياب زوجته ؟
- إن جون وود في رحلة إلى كاليفورنيا .
دعت سارة ربها ألا يشك والدها في الحقيقة وهي ان هناك طبيباً شاباً ومليحاً من المدينة يقيم تحت سقف واحد معها دون وجود احد يراقبهما . ثم تذكرت انه ربما يعلم والدها بما يجري عن طريق يعقوب وبوجود مات .
بدأ قلبها يدق ويوشك على الانفجار داخل صدرها سارعت بأن اضافت :
- لقد عهدت إلى انجريد برعاية النزلاء وهناك خمسة اشخاص لقضاء عطلة نهاية الاسبوع .
صاح إسحاق وكان كارثة حدثت .
- نزلاء ... احدهم علم أخاك الصغير كلمة بذيئة .
- كيف ؟
- عاد يعقوب في ذلك اليوم إلى البيت وهو يستخدم تلك المفردات المرعبة ... صدقيني لقد اضطررته لغسل فمه .منتديات ليلاس
غضبت سارة لدرجة الاختناق لأنها تعتبر يعقوب ابنها هي وإسحاق يعاقبه على خطايا وهمية , قالت في ثورة عارمة :
- مقزز ... أليست هذه هي الكلمة المقصودة؟
تحول لون إسحاق إلى البنفسجي فقالت :
- ولكنها كلمة عادية يستخدمها كل الأولاد الأمريكيين .
- وهذا يدعو لئلا يستخدمها , لقد طلقت إحدى بناتي بسبب الأمريكيين ولا احب ان يتبع اين آخر نفس الطريق .
جفلت سارة وكزت على اسنانها لتكتم حزنها , هل يجرؤ على اتهامها بالضلال وهي تصارع يومياً ضد رغبتها في الحرية ولتظل اميشية صالحة ؟ رفعت ذقنها في تحد يعرفه والدها تماماً ولمع وميض التمرد في عينيها , سألها :
- لماذا تتصرفين إذن بهذه الطريقة مع ميكا ستيز .
- كيف ؟
- لقد طلب منك مصاحبته للعيد الشعبي في بيشي ولكنك رفضت . ويقول : إنك اصبحت سليطة اللسان .
- أتقول لي هذا ثم تسألني لماذا لا اخرج معه ؟
- إنه شاب طيب للغاية وهو من رعايا كنيستنا وهو مالك لمزرعته .
- وهل هذا سبب كاف لأن اخرج معه ؟
- لو كنت متزوجة واما لأسرة كما هو الواجب لما خشينا استقبال الكاهن.
احتجت سارة بقوة :
- ولكني لم أفعل خطأ.
نظر إسحاق إلى المجلة نظرة ذات مغزى .منتديات ليلاس
ردت :
- إنني لم ارتكب خطيئة .
تدخل صوت ثالث في حزم شديد:
- ارجو المعذرة , هل هناك مشكلة ؟
استدار إسحاق نحو مات وتحول وجهه من قناع من الصخر , قال بإنجليزية شديدة وواضحة المقاطع قبل ان يتوجه إلى مخزن الأدوية رافعاً رأسه :
- هذا ليس شأنك.

Rehana 03-10-21 06:01 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
تبعته سارة بعينيها وقلبها ممزق ما بين الحب في قلبها والمرارة في نفسها , سألها مات :
- هل هو أحد اصدقائك؟
اجابت والدموع تتلألأ في مآقيها :
- لا , إنه أبي .منتديات ليلاس
اثناء ذهاب سارة إلى البقالة انتظرها مات في العربة ورغم تحسن حالته إلا انه كان بعيداً عن استعادة قواه الكاملة وانشطة هذا الصباح انهكته . كان ظهره مسنداً إلى ظهر الأريكة الخشبي الجاف وهو يراقب الصبية وهم يلعبون في الحديقة العامة وهو يفكر في زيارته إلى الطبيب المحلي فيليب كوزويل . إن ذلك الرجل يعتبر إهانة لمهنة الطب بصفة عامة, وخطراً داهماً على مرضاه . كان في الخمسينات من عمره قصيراً وبديناً أمرد ويدخن كالمدخنة وسأل مات خمس مرات عن الأدوية التي يتعاطاها , سواء كان لا ينصت او ان لديه مشكلة في التركيز الذهني . واثناء انتظار مات في صبر في حجرة الانتظار سمعه مات يهين إحدى مريضاته ثم يقفل السماعة في وجه اخرى متهماً إياها بإضاعة وقته وتساءل : كيف يمكن مع كل هذه الأحوال ان تكون عيادته مكتظة ؟ لابد ان هؤلاء المرضى المساكين لا يجدون طبيباً آخر يتوجهون إليه . خرجت سارة من الحانوت , وصدم من شحوب وجهها . احتار في السبب وحول ما تبادلته مع والدها .منتديات ليلاس
وإن احس بأنه لا حق له في السؤال , ساعدها في ترتيب حوائجها في العربة واتخذا طريق العودة . لم تحاول سارة الثرثرة وإنما ركزت بكل قوتها على قيادة العربة والا تنطلق في النحيب , لقد كانت لأول مرة سعيدة لأنها ترتدي هذه القبعة العريضة التي تخفي عينيها . كانت تحس تماماً برغبة مات ان يسألها ولكنها لا تستطيع ولا تريد ان تعترف له .
كانت العواطف التي تثيرها هي الحب والكراهية والرغبة والشعور بالواجب والخوف وكلها عواطف متضاربة ومتصارعة حتى انها آمنت بأنها لن تستطيع التغلب عليها .
فجأة اخذت يدان قويتان ثابتتان اللجام من يديها وبدأتا القيادة وتوجيه اوتيس نحو الطريق العكسي الذي يؤدي إلى حقل الصويا , لقد كانا وسط الحقول والريف دون ان تكون هناك نفس واحدة على مدى البصر . وقفت العربة في هزة عنيفة . ورفع اوتيس اذنيه مصيخاً السمع ثم خفض رأسه . لم يكن يقطع السكون سوى حفيف العشب مع حركة الريح وصوت نسر عن بعد .منتديات ليلاس
شد مات اللجام وربطه في العارضة ثم امسك بقبعة سارة ونزعها عنها برقة ثم جذبها نحوه وهمس في أذنها :
- هيا , اطلقي العنان لدموعك وطهري نفسك وواجهي احزانك أياً كان نوعها .
لم تحتج سارة إلى إلحاح , لقد انهارت آخر قلاع مقاومتها , ألقت بنفسها على صدر مات وصبت كل الدموع التي في عينيها . كانت تبكي على نفسها على المرأة التي لا تستطيع شيئاً . كانت تبكي لأنها تريد حب أبيها وتكره في نفس الوقت حاجتها اليه . وكانت تنتحب لأنها مغرمة بمات وانها لن تكون سوى ذكرى عابرة بالنسبة له .ريحانة
ضمها مات دون ان يهتم بجنبيه المتالمين . كان عذابها يفوق آلامه وود لو ذهب الآن ليوجه لكمة صاعقة لأبيها , ما الذي قاله لسارة الحلوة الرقيقة والبريئة حتى يجعلها تبكي هكذا ؟
إنه يريد ان يخفف من حزنها ويحميها , بدأ نحيبها يخف , اخرج منديلاً من جيبه ومسح به دموعها وسألها :
- هل أنت الآن أفضل ؟

Rehana 03-10-21 06:02 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
هزت رأسها موافقة وهي تنظر إلى دموعها التي بللت قميص مات قالت له بصوت متردد :
- أنا آسفة .
اسكتها بحركة من إصبعه واجبرها ان تنظر إليه .
- لا تعتذري , لقد كنت في حاجة إلى الدموع ثم إن الدموع لها قيمة علاجية رائعة وافكر جدياً ان اكتب مقالاً حول هذا الموضوع في المجلة الطبية .
قالت له بابتسامة مرتجفة :
- حقاً ؟
- حقاً , واتدرين ماذا ؟
هزت رأسها نفياً:
- اود ان اقبلك.
انقطعت انفاس سارة وهي تتحرق ان يقرن القول بالفعل استسلمت لقبلاته ونسيت كل شيء , عذابها الداخلي وعائلتها المتزمتة والرحيل الذي لا مفر منه لمات , قال لها فجأة وهو يربت شعرها الحريري:
- الله وحده يعلم مدى جمالك.ريحانة
لقد صحبها إلى باب النعيم لأول مرة في حياتها , وتساءلت سارة وهما يستانفان العودة : ما وراء هذا الباب , أهو باب النعيم ؟

نهاية الفصل

Rehana 05-10-21 04:08 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل السادس

ما إن وصلا إلى ثور نوود حتى وجدت سارة عشرات المهام في انتظارها , فبعد ان حلت حصانها من العربة وعالجت خدوشه بالمراهم . افرغت حمولة المشتريات ورتبتها ثم فحصت حالة الغرف واعدت وجبة خفيفة للنزلاء الذين سيصلون .
ظن مات انها تتجنبه مرة اخرى . لا شك انها فزعة مما حدث ولكنه لم يقل شيئاً وهو فزع بدوره . في الحقيقة لقد اهتز حتى اعماقه لم يكن يصدق ابداً انه سيغرم بخادمة صغيرة وبريئة مثل سارة فجأة كل قيمه انقلبت رأساً على عقب.
احس بالارهاق الحقيقي فصعد إلى غرفته كي يتمدد على فراشه . وما إن وضع رأسه على الوسادة حتى استغرق في النوم . اخذ يحلم بغرفة الطوارئ في المستشفى بوجه شاب صغير قام بخياطة جرحه من سكين من حوالي شهرين .
كان زعيم فرقة رذيلة كما يدل على ذلك النجمة الخماسية المرسومة على أعلى ذراعه اليسرى .منتديات ليلاس

Rehana 05-10-21 04:09 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
كان الزعيم ممسكاً بجانبه وهو يتقيا دماً من فمه عندما احضروه إلى المستشفى بينما اخذت فتاة مخدرة بمخدر الكراك الخطير تتطوح في الدهليز وفي الجانب الآخر من الحجرة اخرج احد افراد العصابة المنافسة مسدساً وهو يهدد بكلمات بذيئة وواضح انه احد الاتباع للعصابة المنافسة من طريقة لبسه .
انفجر العنف مرة واحدة في ضجة عالية حيث اختلط الصياح وطلقات الرصاص في إعصار لمناظر وحشية ودموية . وفجأة وجد نفسه في الحلم جالساً بجوار سارة في عربة يجرها حصان غريب الشكل وسط صمت يلف المكان .منتديات ليلاس
فتح مات عينيه واخذ يتأمل السقف مدة طويلة , إن سارة هي رمز الطهر والنقاء والبراءة وهي المثال الملموس لما يجب ان يحافظ عليه من علاقة إنسانية بدلاً من تلك العلاقات التي سرعان ما تتسرب من بين اصابعه كالماء في المدينة . إن علاقات المدينة وهم , اما سارة فهي الحقيقة الحية الساطعة والرقيقة . إنه لا يرغبها كما يرغب الأخريات وتثير عنده مشاعر غير مألوفة ولا معروفة تسبب لديه آلاما في رأسه أكثر من الارتجاج الذي يعانيه .
قطعت ضجة آتية من الدور الارضي حالة السكون لقد وصل العملاء . ذهب مات لينعش نفسه في الحمام ويمشط شعره وارتدي جينز وبلوفر من صالوف الموهير الأسود وبعد ان اصابه اليأس في العثور على حذائه الجلدي ارتدي حذاء رياضياً . وذهب الى الصالون الذي تأتي منه الاصوات .منتديات ليلاس
كانت المجموعة التي تقف وسطها سارة تحاول في حماس ان تخدمها تشبه فرقة استعراضية مكونة من زوجين بدينين في الخمسين من عمرهما وتشكيلة كاريكاتورية من السائحين في ملابس غريبة وقد علقت في اعماق بعضهم آلات التصوير وكأنها عقود زينة ضخمة , وواحدة تشبه ملكات الجمال بشعرها الأحمر المنقوش والتي مضى عصرها , فوق رأسها ونظارة شمسية سوداء ضخمة وغير متزنة فوق طرف انفها تشبه نجمة الإغراء جين مانسفيلد وترتدي تايير كريم من موضة الخمسينات اكملته بفرو ثعلب . صاحت النجمة وهي ترمش برموشها الصناعية من تحت النظارة السوداء :
- يا له من مكان ساحر !
دارت حول نفسها والتوت ومالت على سارة ثم ربتت خدها وقالت :
- وأنت يا عزيزتي ... يا لك من شيء جميل ومحبوب انت اميشية حقيقية ! إن تيم سيسعد , إنه يقوم الآن بركن السيارة في المكان المناسب إنه سيجد انك رائعة !
ظلت سارة محتفظة بتعبير الموناليزا بينما احس مات بأنه يختنق من الغيظ , قالت البدينة :
- هيا يا مارفن التقط لها صورة !
كان مارفن يدخن سيجارة غير مشتعلة وقال بصوت خشن كالصخر .
- اسمعي يا بيجي , لقد التقطت صور الآميش طوال النهار , إنهم جميعا متشابهون وسنعود إلى البيت ولدينا مائتا صورة لشخص واحد.
اتخذ وجه بيجي الذي يشبه البول دوج مظهراً رهيباً قالت :
- كن لطيفاً يا مارفن نحن في الاجازة ويجب ان نتمتع .ريحانة
ذهل مات وهو يرى مارفن يتراجع وينفذ الأمر في الحال فاحضر الكاميرا ذات الحجم الرهيب وابتسم ابتسامة تقدير للموقف ووقف امام سارة , وقفت بيجي بجوارها وكأنها تستعد لأن تأخذ صورة بجوار إحدى شخصيات والت ديزني في مدينة ديزني ثم جاءت ملكة الجمال الغابر لتكمل الصورة وهي تلقي بثعلبها فوق الأريكة بحركة تمثيلية .

Rehana 05-10-21 04:10 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
قفز بلوسوم قفزة واحدة ليمسك بذيل الثعلب ويهرب به إلى المطبخ . اطلقت ملكة الجمال صرخة حادة وسارعت وراءه , لم يفت المنظر على مات الذي اتسعت حدقتاه .
اصطدم الكلب بأعلى عقبيه بينما انحنت الملكة على شكل حدوة الحصان لتلتقط فراءها الطائر ولكزت مات في طريقها في جانبه . فقد توازنه ليسقط على ظهره على باب المطبخ وسقطت بجوراه كتلة من اللحم فوق الارض ظهر اعلاها رأس مارفن مغطى بفراء الثعلب وظهرت ملكة الجمال الباما لعام 1957 التي سقطت على بطن مارفن . ألقى بلوسوم نظرة إلى اللوحة ثم هرب من الباب الخلفي للمطبخ.منتديات ليلاس
سارعت سارة لتساعده على النهوض وقالت :
- أنا آسفة يا سيدة لتساعده باركر ويا سيد مورتون .
نهضت المرأة وهي تترنح فوق كعبي حذائها الحادين وشعرها الأحمر ونظارتها واصابعها مدفونة في فرو الثعلب . قالت بصوت رومانسي :
- من الأفضل ان اذهب لأعيد النظام إلى ملابسي وشكلي لأن تيم يكره ان يراني مشعثة .
اما مارفن فقد حاول من ناحيته ان يجلس .
- سأرفع ضدكم دعوى قضائية , لقد اصبت بضربة قاصمة في عنقي .
قال مات الذي اقترب من سارة :
- من حسن حظك انني هنا .
- لماذا , هل انت محامي ؟
- لا , طبيب سأقوم بفحصك وعلاجك وارجو ألا تكون ممن يخافون من الحقن . إن احسن علاج لآلام الرقبة هو جرعة مكثفة من الكورتيزون طبعا إن العلاج مؤلم للغاية ولكن ...
شحب وجه مارفن ونهرته زوجته :
- كف يا مارفن إنها ليست غلطة الأميشية الصغيرة . هل كان من الواجب ان تقف في طريق ملكة جمال الرمل بالولايات المتحدة الامريكية .
قاطعتهما سارة :
- ما رأيكما في شراب الضيافة ؟
ابتعد الزوجان موتون نحو الصالون وهما يعترضان ويهمهمان , بينما اخذت سارة تحك جبهتها بظهر يدها وهي تكاد تسقط بجوار بوفيه المطبخ , قال مات وهو يبتسم :
- حسناً! كم كان المشهد مثيراً !
- تقصد ان تقول رهيباً.
- فعلاً وإن كان غريباً.
انفجرت سارة في الضحك . إنها كارثة , هذه اول مرة توكل إليها انجريد الأوبرج وخمس دقائق كانت كافية لأن يغضب النزلاء ويرغبون في جرها إلى ساحة العدالة. ورغم صعوبة الموقف إلا انه لم يفتها ما انطوى عليه من فكاهة وظلت هي ومات يضحكان من صميم قلبيهما .ريحانة
قل :
- ما رأيك ان تشاركهم الشراب المنعش؟
- ليست لدي رغبة في ذلك ومع ذلك يجب ان نفعل .
عادا إلى المجموعة الجهنمية والابتسامة على شفاههما سألت سارة :
- هل يمكن ان اطرح عليك سؤالاً ؟
- نعم .
- ماذا تحس الآن ؟
- سأجيبك على هذا السؤال فيما بعد .منتديات ليلاس

Rehana 05-10-21 04:10 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
جرى الحديث بين النزلاء في الصالون ان انجريد وزوجها كانا يشتركان مع نزلاء الفندق في الحديث في شتى المواضيع بعد العشاء خاصة انهما كانا على دراية واسعة من الاطلاع . اما هذه الليلة فقد احست سارة بأنها لا تستطيع مجاراتهم في الحديث خاصة وانها قطعت دراستها وهي في سن الرابعة عشرة كما هي عادة الآميش حتى معلوماتها التي كانت تستقيها من قراءة مجلة نيوزويك الاسبوعية فقد هربت من رأسها خاصة بعد الموقف الذي حدث بين السيد مورتون وملكة الجمال الغابر ساد صمت قطعه مات :
- أنا آسف لما حدث لزوجك يا سيدة باركر لأنه متوعك ولا يستطيع الانضمام إلينا .
منحته إليزابيث باركر نظرة مصحوبة برفرفة من رموشها الصناعية ثم احتست رشفة قهوة وقالت :
- إن السفر لا يناسبه ابداً, إنه بنيته ضعيفة .
- يسعدني ان أقوم بفحصه ...
- لا , لا , ليس الأمر بخطير , إنه في حاجة للراحة .
تبادل مات وسارة نظرة تساؤل , لم ير احد تيم باركر الغامض قال مورتون في تهكم :
- لا يدهشني انه في حاجة إلى راحة مستمرة .
لكزته زوجته في جنبه , حولت إليزابيث باركر الحديث بشرحها المطول عن زيارتها لطبيب العيون وانتهز مارفن مورتون الفرصة ليهاجم الاطباء مما أثار غيظ مات , اما سارة فقد تابعت الحديث وهي عاجزة عن فهم ما يقولون . إن هذه الليلة تحولت إلى كابوس , إنها على اية حال ليست سوى اميشية بسيطة . منتديات ليلاس
شملت الحجرة بنظرة سريعة ورأت مات وهو يحدج مارفن مورتون بنظرة صاعقة رداً على تلمحياته مما جعل سارة تتوقع حدوث كارثة . قالت السيدة مورتون فجأة لتحول الحديث إلى الموضوع الذي تكره سارة الخوض فيه :
- إذن انت يا سارة اميشية ؟
اجابت في أدب:
- نعم .
- ومما يتكون المذهب الآميشي ؟
قبل ان يتاح الوقت لسارة للإجابة تولى مرفن الاجابة :
- انت تعرفينه جيداً يا عروسي , إنها حياة تشبه حياة الهيبز .
تدخل مات الذي لم يعد يطيق ان يقوم شخص بتحقير اقلية ويهين سارة الحلوة البريئة .
- يا سيد مورتون !
قال مارفن مورتون وهو يلوح بسيجارة :
- انا اعرف ما اقول ! لقد قرأت كل شيء عنهم إنهم يتزوجون كالأغنام وكل رجل لديه ثلاث زوجات .
قفز مات واقفاً غير مبال بالآمه.
- هذا يكفي يا مورتون ! انت لست سوى معتوه !
- اسحب ما قلته !
- لقد فات الوقت وانا مصر عليه .منتديات ليلاس
قامت سارة بدورها فجأة تحاول ان تمنع مات الذي كان يسيطر تماماً على الرجل المكوم فوق الاريكة .
- ارجوك يا مات ! توقف !
- انت لست سوى مخبول وجاهل ووغد وإذا تصورت انني سأتركك تهين سارة وتعاملها كإحدى الأعاجيب فسأغرس إصبعي في عينيك .ثم عليك انت والسيدة مورتون الاعتذار لها .
ازرق وجها مارفن وزوجته بينما اخذت سارة تجذب مات في يأس من حزام الجينز , زمجر مورتون الزوج :
- لن اقدم اعتذاراً لأحد .

Rehana 05-10-21 04:11 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- في هذه الحلة انصحك بمغادرة المكان .ريحانة
تأوهت سارة :
- مات !
تدخلت إليزابيث مؤيدة لمات ثونر في صوت متصنع مثل رموشها وحركات عينيها .
- أنا من رأي الدكتور ثورن وانت يا مارفن في منتهى السوقية والسفالة التي لا تحتمل .
- إنني لا أعبأ برأي العروس المنفوخة .منتديات ليلاس
قالت إليزابيث صارخة :
- لن اتحمل هذا !
فتحت حقيبة يدها واخذت تفتش فيها واخرجت منها مسدساً يده من الصدف. ثم نهضت وهي تهتز فوق كعبي حذائها العاليين ووجهت المسدس نحو مارفن :
- ايها الخنزير البدين !
صرخت السيدة مورتون هادرة , سقط سيجار زوجها فوق الاريكة التي اشتعلت النار فيها .
هجم مات على إليزابيث باركر ونزع منها المسدس في اللحظة التي ضغطت فيها على الزناد . طارت قنينة شراب منعش في الهواء وتساقط السائل فوق بيجي مورتون التي ظنت ان الرصاصة اصابتها واطلقت صيحات رعب متواصلة . وتتويجاً للموقف حقق بلوسوم الثائر الرقم القياسي في النباح من بين مجموعة من الكلاب . إن التمثيلية الاستعراضية وصلت إلى ذروتها , همهمت سارة غير مصدقة :
- إنني لا اصدق عيني !
ظلت عيناها تتابعان مؤخرة سيارة مورتون وهي تبتعد كالعاصفة , رد عليها مات :
- لقد تخلصنا منهما , ليذهبا بلا عودة إلى الجحيم .
استدارت سارة نحوه وقالت :
- إنني لا اصدق انك فعلت هذا .
تظاهر بالدهشة وهو يضع يده على قلبه .ريحانة
- أنا ؟ ماذا فعلت ؟
- لقد تعمدت العراك مع النزلاء .
- ولكن ذلك المخلوق اهانك يا سارة !
- ولكني تعودت على التهكم عليّ وكنت سأسوي هذه المسألة .
- لقد سويتها بدلاً منك .
- بالقوة ! ان هذه ليست طريقتي .
- إنها طريقتي ثم إنه لولا ان اخرجت ملكة جمال الرمل مسدسها لهشمت وجهه.
- رائع , استخدام العنف لإنقاذ عدم العنف. لست في حاجة إلى حماية يا سيد ثورن , اعرف انك جئت من عالم عنيف ولكني لست جزءاً منه .
هذا هو إذن الحال ! إن الجبهة التي تفرقهما قد وضحت تماماً. استند مات على الدربزين ثم قال في نفسه : إنها على حق , إنها تحاول ان تدافع عن براءتها, لقد لوث هذه البراءة بعنفه , إن العالم الذي يعيش فيه قد نضح عليه إلى هذه الدرجة , قال في بؤس :
- لقد كنت فقط اريد مساعدتك .
كانت سارة تتخبط في تناقضاتها الخاصة ومشاكلها وشكوكها لدرجة لم تر معها عذاب مات لو انها سعدت لأنه هب لنجدتها كفارس نبيل دون خوف فإنها لن تنسى ابداً ان هذا المسلك النبيل سيكلفها فقد عملها . إن انجريد ستطردها ولن يكون امامها حل سوى العودة إلى المزرعة وسيحاول والدها ان يستعيد سيطرته على حياتها وينتهي بها الأمر إلى الزواج بميكا ستيز وإلى حياة متزمتة لا مغامرة فيها .

Rehana 05-10-21 04:11 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
همهمت :
- سأفقد عملي !
- لا إنها غلطتي وسأشرح الأمر إلى انجريد .منتديات ليلاس
إن تصور رد فعل اخته نزع منها زفرة ثانية قال :
- سأشرح كل شيء لانجريد وستختفي بيديها , هل ستحضرين مراسم دفني؟
ابتسمت له سارة بركن فمها :
- لن اعتبر ذلك أمراً حتمياً.
- وهل سترقصين فوق قبري؟
- أنا لا اعرف الرقص.
- سأعلمك الرقص.
كان قلب سارة يخفق بشدة واسندت رأسها على البلوير والموهير وقلب مات اخذ ينبض حتى اوشك على الانفجار . إنه ليس خيالاً وإنما رجل من لحم ودم وهو الذي دافع عن شرفها ووأساها عندما بكت ومسح دموعها , إنه يجسد كل خيالاتها التي كانت دائماً تستسلم لها . إنها في سبيلها لأن تقع عاشقة له وهو أمر مستحيل لأنها لا تكاد تعرفه وإن بدا انها تعرفه من زمان . همست بصوت لم تتعرف عليه :
- يجب ان نعود .منتديات ليلاس
وافقها مات :
- نعم , لابد ان اتأكد ان الأريكة لا تحترق.
- وأنا اتأكد من ان السيدة باركر بخير.
كان من الواضح ان دليل حبه لها ظاهر جلي , إن ما تثيره لديه من عاطفة هي مختلفة عن اي شيء آخر إنها الحب ... هو دون وان المستشفى والأعزب الدائم وعبد لمهنته يصبح لأول مرة في حياته عاشقاً . إن نظرة واحدة من سارة كافية لأن يتلهف عليها . إنها نسيم نقي طرد كل أدران روحه . شعرت بالنشوة التي لم يسبق لها ان عرفتها وإن كانت قرأت عنها , إنها تحس بظمأ لن يطفئه سوى مات , همس :
- سارة ! أنا اعشقك لدرجة الجنون !
إنها هي ايضا ترغبه في اشياء كثيرة في حياتها وفي قلبها وافكارها ولكن لسوء الحظ فإن مات بعيد , ليس سهل المنال , إنه يريدها الآن ولكن لن ينقلها إلى عالمه البعيد , بعد اسبوع سيرحل , همست :
- يجب ان أعود.ريحانة
سارعت كالجبانة إلى مأمن من قبل ان يكتشف مات مدى حبها . إنه يحب لأول مرة في حياته وموضع حبه تهرب منه دون ان يعرف كيف يتصرف . بعد ان غزا قلوب مئات الممرضات وعشرات الطبيبات يجهل كيف يغزو اميشية حلوة ورقيقة وبسيطة لم تتأثر لا بمهنته ولا بشخصيته ولا ملابسه .
هذا دون شك هو الحب الحقيقي , الحب الذي لا يتحمل اي مظاهر كاذبة .
فرد جسده الفارغ وصعد الدرج , جاء بلوسوم عند قدميه ونظر إليه نظرة دامعة وهو ينبح في حزن .

نهاية الفصل

Rehana 09-10-21 06:42 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 

الفصل السابع


كان الأوبرج صامتاً , ووافقت السيدة باركر على وضع مسدسها في خزينة الفندق وانسحبت لتقص احداث الأمسية على زوجها والذي لم تتمكن الفوضى والضجيج من إخراجه من حجرته .منتديات ليلاس
كانت كل نوافذ الصالون مفتوحة على اتساعها حتى يتبدد الدخان اما الأريكة المكسوة بوبر الجمل والخاصة بانجريد اصبحت مغطاة بطبقة كثيفة من المواد الكيمياوية التي استخدمت في عملية الإطفاء.
اخذت سارة تذرع حجرتها جيئة وذهاباً دون ان تحس بأي رغبة في النوم , إنها تعرف انها ستتقلب طوال الليل في عذاب حول ذلك الرجل بعيد المنال دون ان يغزوها النعاس.
جلست فوق السرير والقت نظرة شاملة على الحجرة كانت الجدران مزينة بإفريز منقوش قرب السقف وكانت الجدران خالية تماماً من اية نقوش او لوحات حسب عادات الآميش . والستائر الدانتيلا هي فقط التي تقلل من خشونة مظهرها. في العادة كانت تعتبر سارة هذا التقشف امراً عادياً ولكن هذا المساء اتخذ رمزاً ذا معنى دليلاً على حياتها الخالية من السعادة الحقيقة . منتديات ليلاس
كانت مدركة ان عليها ان تجد سعادتها في العقيدة ولم تكف عن الصلاة ولكن شيئاً ما ظل ينقصها رغم جهودها تساءلت هل كانت الامور ستختلف لو ان زوجها صمويل وابنها ظلا على قيد الحياة ؟ بكل امانة إن صمويل لم يكن يحقق تطلعاتها . ربما لو رزقت بأطفال لملئوا هذا الفراغ ولكن ابنهما بيتر توفي بنزلة شعبية قبل ان يبلغ عيد ميلاده الأول.
علقت ثوبها المتزمت في الدولاب وارتدت قميص نوم من القطن الابيض ثم بدأت تمشط شعرها وضعت قنينة عطر سوار دي باري قوق التسريحة ثم وضعت لمسة من العطر على عنقها فأعجبتها رائحته بعدها بدأت في تصفح مجلة المرأة والموضة وقد انتفخت روح التمرد عندها واصبحت كالمرجل من الطاقة المضغوطة . ما الضرر في ان تستخدم قلم الحاجبين والرموش ؟ او ملابس داخلية من الحرير؟ كيف يمكن ان تفسد هذه الاشياء وجهها؟ إن مشاكل الحياة المهمة لا يمكن النظر إليها من هذه الزواية . اطلقت زفرة ضيق وإحباط والقت بالمجلة بعيداً عنها فوق السرير ثم اتجهت إلى الحمام .
كان مات ممدداً فوق سريره بكامل ملابسه وهو ينظر إلى السقف حيث كانت ظلال الاغصان تتلاعب وذهنه كله مشغول بسارة لم ترد عليه عندما عبر لها حبه وإن كانت تصرفاتها تدل عن رغبة مكبوتة مشوبة بالخوف .
هو ايضاً يخشى هذا الحب الذي كان يجهله تماماً إن قواعد اللعبة لم تعد كما كانت في الماضي. لقد اصبحت المخاطرة كبيرة للغاية . إنه يرغب ان يعطي شيئاً , لم يسبق له ان اعطاه من قبل, قلبه وهذا القرار افزعه , ثم هل كان من الضروري ان تتوارى سارة وترفض حبه ؟ من الغد سينطلق في عملية غزوها .

Rehana 09-10-21 06:42 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
خلع البلوفر وحل ازرار الجينز ثم قفز نحو الحمام ولديه نية البحث عن كوب ماء ليبتلع اقراص الليل عندما وضع يده فوق كرة الباب اصاخ السمع لحظة من ساعة سمع صوت المياه تنزل من الصنبور , لم ينتظر وإنما ادار الأكرة .منتديات ليلاس
كانت سارة واقفة بالقرب من البانيو وقد جمعت شعرها في ضفيرة افلتت منها بعض الخصلات الطويلة الكستنائية ولفته في منشفة زرقاء. وبدلاً من ان يتصرف كرجل مهذب بأن يعتذر ويتراجع قرر الا يتحرك من مكانه , اخذت سارة تتطلع اليه بعينيها ذاتي اللون البحري الداكن وقد فغرت فمها . لفتهما الدهشة بسحابة غير مرئية وراقبته المرأة جون ان تنطق بحرف . كانت ممزقة بين حرصها الشديد على تعليمات عشيرتها التي كبرت وعاشت لا تخالفها في الظاهر وبين رغبتها الشديدة في الاستسلام لهذا الحب الذي ظلت تحلم به, ولكن هذا الرجل الذي ترغب في حبه بكل كيانها لن يدوم حبه لها . إنه سيرحل ويتركها وحدها لحياة الواجب . ولكن أليس من حقها ان يكون لها ذكرى رائعة تساعدها على تحمل وجودها المحروم وليالي وحدتها ؟ من سيجرح من هذه الذكرى ؟ وهل خطيئة ان تكون محبوبة ؟
عندما خطا للأمام احس بألم شديد في جبينه من تأثير الجرح والكسور . كانت سارة تنظر إليه وهي شبه فاقدة للوعي . افاقت من احلامها عندما رأت مدى الألم على وجهه فأحست بجبينه وساعدته للعودة إلى السرير حيث تمدد عليه . ظل ينظر إليها في هيام وهي تتعجب من مدى جاذبية هذا الشاب من ابناء المدينة والذي عرف كل انواع النساء وهي لا تجيد شيئاً ؟ قال لها :
- إنني عشقك يا سارة واود ان اقدم لك كل متع الحياة .
تلألأت دمعتان على حافة عينيها فمسحهما بأصبعه وسألها بحنان :
- هل أنت بخير يا حبيبتي ؟ هل ضايقتك ؟
كانت الابتسامة الوضاءة التي اضاءت وجه سارة خير دليل على انها بخير وازالت كل مخاوفه لقد استسلما لعاطفتهما وكل منهما لم يشعر في حياته من قبل ما يشعر به الآن .
كانت سارة تردد اسمه في آهات مرة منخفضة ومرة مرتفعة لأول مرة تحس بالرضا والشبع العاطفي . إن هذا الرجل الذي هو قريب منها هو الرجل الذي انتظرته طوال حياتها , إنه الجزء الضائع من وجودها لقد تجاوبت معه ونسيت كل مخاوفها من اهلها او من المستقبل ولم تعد تهتم إلا بالحاضر .ريحانة
اعاد صوت حفيف اوراق الشجر سارة إلى الواقع واخرجها من حالة الغيبوبة العقلية . اصاخت السمع دون ان تتحرك وهي تطرف بعينيها إن العالم لا يزال موجوداً ولم يتغير في مظهره, كيف هذا وهي تغيرت تماماً, وكأنما اعطوها اكسيراً قوياً صبوه في كل خلية من خلايا جسمها .
احست بالدهشة الشديدة لأنها لا تحس بالدهشة لأن مات ليس زوجها ولأنها لم تعرفه إلا من وقت قصير ومع ذلك هل هي عاشقة له .
إن تعاليم تربيتها تدين سلوكها ومع ذلك لا تحس الآن بأنها ترتكب خطيئة . إنها تحبه و لا تندم على هذا الحب لشخص غريب من عشيرتها ومذهبها .
كان مات شديد التاثر من خجلها وبراءتها وعدم خبرتها بالحياة . قال لها :
- إنني لا اذكر آخر مرة كنت احس فيها بمثل هذه السعادة .منتديات ليلاس
لم يكن يكذب وكان قد تخلص من كل الوقاحة والتعب النفسي الذي كان يحس بها في حياة المدينة ولولا انهماكه في العمل ليحقق هدفه من النجاح لسقط في بئر اليأس من تلك الحياة المكبلة بكل ما ينغص عليه حياته ويحرمه من إشباع حبه للطبيعة والبراءة , إنه هنا مع سارة يشعر بأنه رجل سعيد وانه غسل نفسه من ادرانها . انه الآن رجل سعيد وعاشق .ريحانة

Rehana 09-10-21 06:43 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
قال يعاكسها :
- اظن انك سعيدة لأنني ملازم للفراش.
- لا .
- لقد ظننت ان اعترافنا بالحب واستسلامنا لعواطفنا جاء فجأة وبسرعة ولكني اعرف تماماً ما في قلبي يا سارة إنني سقطت صريع هواك!
يقع صريع الحب , اخيراً فهمت معنى هذه العبارة التي طالما قرأتها ولم تعرف معناها الحقيقي لأنها لم تحدث لها . قال لها معترفاً:
- هذه اول مرة اقولها لامرأة في حياتي !
- لماذا ؟
- لأنني عادة كنت اكذب كما انني لم اسمح لأي امرأة ان تقترب مني إلى هذه الدرجة , لقد كنت دائماً اضع مهنتي في المقام الأول ولا يبقى لغيرها سوى القليل.
كانت سارة تتحرق رغبة في ان تسأله عما سيفعله الآن . عضت سارة على لسانها وفضلت الصمت. فكرت انه وجد فسحة من الوقت ليقع في الحب بعدها سيعود إلى المدينة حيث تنتظره مهنته . إنها لا تريد ان تسمعه يقول : إن هذا الوقت الذي يتمتعان فيه معا لن يستمر وان حبهما سيصبح ذكرى , همست له :
- أنا كذلك احبك .
كان الخجل يبدو واضحاً من حمرة وجنتيها قال لها :
- لا تكوني خجولاً إلى هذا الحد يا قلبي وروحي ولا تشعري بالغيرة من النساء اللائي كن في حياتي لأنه لا توجد بينهن من تماثلك في الفتنة والرقة.منتديات ليلاس
ردت عليه :
- ما انت إلا مخادع وقد حذرتني انجريد من ذلك.
- من الأفضل الا نحدث ضجة حتى لا تهبط علينا السيدة باركر وتطلق علينا الرصاص , وقد نوقظ بالمصادفة نصفها الغامض.
اخذا يضحكان في مرح كالصبية الصغار بينما تشابكت نظراتهما الملتهبة , سألها :
- هل رزقت بطفل ؟
- نعم ولكنه مات .
- اوه ! يا سارة ! كم انا آسف , ماذا حدث ؟
- إنه اصيب بالالتهاب الرئوي , هذا ما عرفناه فيما بعد . لقد قال الطبيب: إنه مجرد التسنين ولكن حالته تدهورت .ريحانة
سألها مات وهو يشعر بالغضب يأكله .
- الطبيب ؟ اتقصدين كوزويل ؟
- نعم.
- ان هذا الرجل غير صالح حتى لعلاج القردة , يجب طرده من المهنة إنه ...
- من فضلك , إنه الماضي ولن يستطيع شيء ان يعيد لي بيتر , دعنا لا نتحدث عنه, هذه الليلة لا اريد ان اشعر بالتعاسة , من فضلك يا مات.
كتم مات غضبه من اجلها وقال :
- إنني فقط اريد ان اسعدك , انا احبك .
حبست انفاسها , إنها تشعر الآن انه يملك روحها .
سألته :
- وهل تحب ان اكرر لك انني احبك؟
- نعم .
- إذا انا احبك ... احبك .

نهاية الفصل

Rehana 12-10-21 07:34 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل الثامن

خاب امل مات عندما استيقظ في الصباح ووجد نفسه بمفرده رغم ان هذا هو الوضع الطبيعي . كان يود لو شاهد ضوء الفجر الشاحب على وجه سارة عندما يفتح عينيه . ويراها تبتسم له بدلاً من ذلك وجد نفسه مع وسادة بلا حياة في خواء عاطفي.
تدحرج على جنبه لينظر إلى المنبه , إنها السابعة والنصف. لابد ان سارة قد استيقظت وانهمكت في عملها من وقت مبكر . وعندما تشمم الهواء ملأت انفه رائحة القهوة الطازجة والحلوى . تساءل : كيف ستتصرف معه بعد اعترافهما بتبادل العاطفة والحب؟ هل سترفضه ؟ إنه يأمل الا يحدث ذلك لأنه متأكداً تماماً من انه لن يدعها تفلت من بين يديه ابداً. إنها ملكه .منتديات ليلاس
سأل يعقوب اخته وعيناه تلمعان مكراً:
- ما الشيء الذي ليس له ساقان ولا ذراعان ويفتح الابواب وينزع الاشجار؟
ابتلع جرعة كبيرة من اللبن واوشك ان يفلت الكوب وهو يضعه على المائدة تحت انظار سارة الحانية والتي اخرجت الفطائر من الفرن .
منذ عملها في الأوبرج زاد اشتياقها لشقيقها الصغير. لقد حل مكان ابنها الذي فقدته . اجتاحتها هبة من العطف عندما رأت الرأس الصغير ذا الشعر الملبد والمختفي تحت قبعته العريضة وأعلى شفته شارب ابيض من تأثير اللبن . اقتربت منه من الخلف ووضعت يديها المغطاتين بقفازي مطبخ فوق خديه ولوت رأسه حتى تراه , قالت :
- لست اعرف .
قال بلهجة الانتصار :
- إنها الريح.
طبعت سارة قبلة على رأس الصغير عندما انفتح باب المطبخ ليظهر مات . ورغم المسافة الطويلة التي تفصلهما إلا ان كل جسمها اخذ يرتجف وتسارعت انفاسها . كان في زيه البسيط المكون من بنطلون جينز وسويتر لونه نبيتي يبدو مثالاً للجمال الرجولي , احست انه ملكها ولو فترة قصيرة .ريحانة
دخل مات والابتسامة على شفتيه إلى الغرفة . بينما عادت إلى الفرن . سأل يعقوب :
- ما الشجرة الأكثر خوفاً ؟
كشر الصبي الصغير وجهه وعض على شفتيه دون ان يلحظ التوتر العاطفي الذي سرى بين البالغين واثناء انهماك الصبي في التفكير اضاف مات بصوت منخفض :
- احبك يا سارة !
احمر وجهها. في مجتمعها لا يعبر عن هذه العواطف علناً فادرات عينيها نحو الفرن متظاهرة بعدم السمع .

Rehana 12-10-21 07:35 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
قال يعقوب :
- شجرة الست المستحية .
- لا .
دار مات حول مائدة البلوط الضخمة وسار بخطوات الذئب مقترباً من سارة , نظرت حولها طلباً للعون , قال يعقوب :
- شجرة الارز ؟
- لا.
حاصر مات سارة عند الدولاب الضخم واخذ قلب سارة يدق في جنون وهي تنظر مستنجدة إلى يعقوب الذي ظل يحك رأسه وهو يتأمل فطيرة الزلابية . عاد مات متجهماً وجلس بجوار يعقوب .منتديات ليلاس
- هل لازلت لا تعلم ؟
- نعم .
قال وهو يغمز بعينيه في مكر :
- شجرة الحور الرجراجة .
كشر يعقوب مرة ثانية وضرب جبهته بكفه وهو يقلب كوب اللبن في طريقه , سأله مات :
- أليس لديك مدرسة اليوم ؟
- إنه يوم السبت يا سيد, ولا يذهب احد إلى المدرسة يوم السبت , والأمريكيون كذلك.
- كيف حال جرحك؟
- احسن كثيراً , لقد وضعت عليه أمي لبخة.
عندما وضعت سارة طبق البيض المسلوق فوق المائدة اقترب من اذنها وهمس :
- أنا احبك .
ولكنه لاحظ على وجهها ليس الخجل فحسب وإنما ايضاً الخوف. إنها لا تريد ان يلاحظ يعقوب انجذابهما لبعضهما بعضاً وانها تشعر بالخجل من عاطفتها نحوه , واحس بالإهانة , قال يعقوب :
- ولكن شجرة الحور شكلها رهيب.منتديات ليلاس
عاد انتباه مات إلى يعقوب .
- دائماً مقززة ؟
- أبي لا يريدني ان استخدم هذه الكلمة وقد أنبني.
- أنا آسف ايها العجوز فقد سببت لك المتاعب.
قال يعقوب وهو يلتهم قطعة كبيرة من الزلابية :
- اعرف ذلك .ريحانة
سأله مات :
- وهل نظل صديقين ؟
- طبعاً.
- رائع .
قابلت عينا مات عيني سارة التي جلست امامه .
- وانت يا سارة , هل ستظلين صديقتي ؟
- سارعت بالرد :
- طبعا.
كانت تتمنى ان تمد يدها لتزيل التجعيدة التي علت جبينه والتي تدل على القلق ولكن وجود يعقوب منعها من غلط , يكفي ان يحكي شقيقها انه راهما يتبادلان القبلات حتى تنفجر الفضيحة مدوية وتنزل المصائب على رأسها .
انفتح باب المطبخ على اتساعه ودخلت إليزابيث باركر تسبقها سحابة من العطر الثقيل في مظهر ملكي تحاول ان تمحو اثر مظهرها المشعث بالأمس , قالت :
- هل تأخرت على الإفطار ؟ اتعشم ألا أكون قد جعلتكم تنتظرونني.

Rehana 12-10-21 07:36 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
قفزت سارة وكأنها مركبة فوق زمبلك:
- لا يا سيدة باركر , إنني اقدم الإفطار حتى العاشرة , اجلسي في حجرة الطعام وسيأتي بسرعة .ريحانة
لوحت السيدة إليزابث بيدها المليئة بالخواتم .
- آه كم اعشق ان اتناوله هنا مع الصحبة .
- ألن ينزل السيد باركر لتناول الإفطار ؟
- لا , لا , انا الوحيدة التي تستيقظ مبكرة , واخشى ان تيم سينام حتى منتصف النهار وأراهن اننا لن نراه حتى نهاية النهار .
قال مات وهو يدس انفه في قدح القهوة :
- وأنا ايضاً مستعد للرهان .
اطلقت إليزابيث صيحة دهشة عندما رأت يعقوب :
- اوه ولكن من أرى ؟ اميشياً صغيراً ! يا لك من محبوب !
انتقلت عينا يعقوب بين صدر إليزابيث الضخم البارز وقد جحظتا وبين النظارة وكتلة الشعر الوهاجة التي تتوج هذه الملكة , ثم قال بشجاعة :
- حسناً , ولكن يا لها من تسريحة شعر !
كان مات وسارة قد توقفت انفاسهما انتظاراً لرد يعقوب بعده اطلقا زفرة ارتياح ولحسن الحظ اعتبرت إليزابيث باركر هذه الملحوظة نوعاً من التقريظ ومنحتهم جميعاً ابتسامة لؤلئية :
- شكراً يا عزيزيي , انت رائع !
سألها مات وكأنه يقول كلاماً عابراً:
- هل نمت جيداً يا سيدة باركر ؟
- نوماً عميقاً ولم يكن ليوقظني انفجار قنبلة .منتديات ليلاس
قال مات وقد اسعدته النظرة السوداء التي حدجته بها سارة :
- انا واثق بأن ذلك يسعد سارة , وماذا عن السيد باركر؟
- كالقتيل .
قال مات :
- لقد قضيت الليل في التقلب في فراشي , وانت يا سارة ؟
تظاهرت سارة بأنها لم تسمع سؤاله ورفعت إناء القهوة من فوق المائدة وقالت :
- هل تريد بعض القهوة يا سيد ثورن ؟
- لا , ان القهوة تزيد عصبيتي وتمنعني من النوم .
سألته السيدة باركر :
- أتعاني الأرق يا دكتور ثورن ؟
- انا لا اسميه ارقاً , ما رأيك يا سارة ؟
ردت عليه سارة بنظرة صاعقة قبل ان تلتفت لشقيقها .
- يجب ان تعود الى البيت يا يعقوب لابد ان أمي في حاجة إليك.
- مؤكد لأن اليوم يوم تنظيف المراتب.
رحل الصبي بعد ان ملأ جيبي بنطلونه بالفطائر بعدها قامت سارة يترتيب المطبخ بسرعة تدفعها رغبة شديدة في الابتعاد عن مات. لقد نزع كل اسلحتها بكلمات الحب الذي يهمس بها في صمت .ريحانة
- أتريدين شيئاً آخر يا سيدة باركر؟
ردت بصوت ساهم :
- لا , شكراً.
- إذن سيكون الدكتور ثورن في صحبتك .
خرجت سارة من المطبخ دون حتى ان تلقي نظرة على مات , لابد لها من ان تستنشق الهواء الطلق حتى تستطيع ان تفكر بذهن صاف.ريحانة
كانت في ظلمة الليل الآمنة لم تفكر في المسلك الذي يجب ان تتخذه حيال مات في اليوم التالي . وفي ظلمة الليل الآمنة كان باستطاعتها ان تتصور اي شيء ولكن في ضوء النهار عادت تظهر لها حقيقة واحدة ومؤكدة .

Rehana 12-10-21 07:36 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
إنها ليست سوى اميشية لا تعرف شيئاً عن العلاقات الغرامية ولا عن دخيلة الرجل . بدت خجلة لأنها لم تستطع ان تظهر له مشاعرها في الطبخ وحتى في غياب يعقوب لما استطاعت ان تفعل ذلك.
إن حبهما شيء خاص وحميم جداً ولا تحب ان تظهره امام الآخرين وسيظل سراً حتى بعد رحيل مات وستحتفظ به في قلبها ككنز لا يقدر بمال قال لها :
- يمكنني ان اساعدك .منتديات ليلاس
اوشكت ان تسقط سلة البيض التي في يدها . كان مات واقفاً في مدخل الباب يحجب عنها بجسده الضخم نور الصباح , ردت عليه :
- لا.
- ماذا يجري يا سارة ؟
اسند مات جسده على إطار باب عشة الفراخ التي كانت سارة تنظفها وقد وضع سدسه في وسطه بينما وقف بلوسوم عند قدميه وهو ينظر إلى الدجاج واحدة بعد الاخرى.
كانت سارة تنتقل من قفص إلى آخر تجمع البيض بمهارة وسرعة تدل على خبرة طويلة وتضعه بعناية في السلة المعلقة في ذراعها اليسرى . لم تعرف بماذا تجيبه, لو ردت بأنها تبتعد عنه خوفاً من ان يعرف الباقون ما يجري بينهما فإنه سيشعر بالجرح وإذا اعترفت له انها تحاول ان تنسى كل شيء لأنه سيرحل بالجرح وإذا اعترفت له انها تحاول ان تنسى كل شيء لأنه سيرحل فإنها تخاطر بأن كل شيء بينهما سيتوقف في الحال , وهو ما لا تريده بأي حال من الأحوال إنها ببساطة تود ان ينمحي العالم عندما يصبحان بمفردهما . ودت لو انتقلت إلى حقبة اخرى من الزمن وإلى مكان آخر من العالم يمكنها فيه ان تحبه بلا صعوبات ولا اخطار ولا مخاوف من ان تصاب بخيبة الأمل , صاح مات :
- لا تقولي لي , إنك نسيت ما حدث الليلة الماضية , لقد كان شيئاً جميلاً وفريداً فلا تندمي على مصارحتنا بالحب يا سارة !
كان يسد عليها باب الخروج بجسده البطولي, اجابت :
- إنني لا اندم ابداً على اعترافي لك بحبي.
- إذا ماذا جرى؟ هل نقضي امسية رائعة وفي الصباح تعاملينني وكأنني مصاب بالجرب. ماذا استنتج من هذا ؟
قالت له وهي شاردة :
- إنني اجهل ما تتوقع مني .
اخذ مات يقرأ ما على وجه سارة من صراع داخلي حقيقي .
واجتاحته موجة من الحب والحنان قال :
- اريد هذا ... الحب.
عندما رفع ذقنها لينظر في عينيها رأى الفردوس واختفت كل شكوكه ووساوسه .
انطلق في الجو نباح مزق السكون تبعه صراخ الدجاج كان الكلب الصغير اللعين قد حول العشة الضيقة إلى ساحة قتال وهو يطارد دجاجة حمراء في دوائر وهو يوشك ان يفجر رئتيه . منتديات ليلاس
سارت دجاجتان نحو ظهر سارة تصارعان في جنون بجناحيهما , اندفعت سارة للأمام نحو مات الذي تعثر ليسقط على ظهره فوق التراب .منتديات ليلاس
اخذت سارة تحاول مسك الهواء لاحفظ توازنها وافلتت السلة ثم سقطت على ركبتيها حيث انكسر بعض البيض وليس كله بالتأكيد فوق مات . افلتت إحدى الدجاجتين إلى الفناء كالصاروخ يتبعها بلوسوم , صاح صوت في مرح :
- كم أود ان أسارع بأن اقص هذا على غرفة الإسعاف, كيف وجدت الدكتور مات ثورن وعلى وجهه عجة بيض؟
بصعوبة وألم استطاع مات ان يجلس وهو متجهم بسبب الألم من ناحية والذي كان يمزق جنبيه ومن ناحية اخرى بسبب السائل اللزج الذي التصق بذقنه .

Rehana 12-10-21 07:36 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
مرر يده فوق وجهه وهو يشعر بالتقزز وهو يرى مح البيض الأصفر بين اصابعه , ثم قرر ان يرفع عينيه نحو الحذاء ذي الرقبة المغطى بالتراب والذي يحيط بساقين لا نهاية لهما للشخص ذي الصوت المتهكم الواقف امامه , صاح :
- هل يمكن ان تساعديني على النهوض يا وليا !
اكتفت المدعوة وليا بأن امتعضت امام قبضته الميئة بالقاذروات والتي مدها إليها , صاح :
- ما هذا اللطف ؟ هل قالوا لك مؤخراً إن مسلكك نحو الحلفاء كان خسيساً ؟
- لا بأس مؤخراً , ومع ذلك لم تشكه ابداً.
ابتسمت له ابتسامة وقحة , نهض مات بمفرده دون ان يكف عن الزمجرة ومسح يده في جنبه . ثم أراد مساعدة سارة ولكنها كانت قد نهضت واخذت تنظف ثوبها من التراب ثم القت نظرة على معطف الزائرة .منتديات ليلاس
كانت الزائرة قد دست يديها في جيبي الجينز الخلفيين بينما شعرها الطويل الأحمر يتطاير مع نسيم الصباح , ورغم جسدها الفارع الذي يشبه حسن الصبي الذي يكبر بسرعة فإن وليا كافرون كانت تشع انوثة وهي تنظر إليهما في خبث.
كان وجهها جميلاً بتقاطعيه الرقيقة وإن كانت أكبر من المعتاد وعيناها الرائعتان تشبهان عيني الثعلب بما يشع فيهما من مكر ودهاء ورموشها الطويلة بدرجة ملحوظة وأنفها المستقيم وشفتيها الغليظتين المنفرجتين عن ابتسامة معدية . كانت فاتنة وحيوية وحارة المشاعر.احست سارة بموجة من الغيرة تسري في جسدها .ريحانة
قال مات :
- أقدم لك يا سارة وليا كافرون الممرضة الملعونة وليا أقدم لك سارة تروير.
صاحت وليا في مرح :
- سعدت بلقائك يا سارة وأنا اعتمد على كرمك وفروسيتك في العناية بهذا الدب الضخم الجريح !
امتلأ وجه وليا بالايحاءات واستدارت نحو مات وامسكت يديه بيديها وقالت بصوت رقيق :
- لندع المزاح جانباً , إنني سعيدة لأنني وجدتك واقفاً على قدميك ايها الأبله المغرور !
عندما انحنت لتطبع قبلة على خد الطبيب ارتفعت درجة الغيرة عند سارة إلى الغليان حتى اوشكت ان تختنق . ياله من إعلان حب رائع لمات ثورن ! ومع ذلك سبق ان حذرتها انجريد من شقيقها باعتباره رجلاً يحب النساء وتعلم جيداً انه لن تدوم العلاقة بينهما او تستقر . اعلنت بصوت لاذع وهي تلتقط سلة البيض وتعود للبيت دون ان تلقي نظرة خلفها :
- سأتركك إذن مع زائرتك .
رفعت وليا احد حاجبيها الكثيفين ونظرت إلى مات في سرور .
- اوه ! إنني اشم شيئاً في الجو .
رد مات وهو يحاول ان يكون رقيقاً:
- احتفظي بأفكارك لنفسك يا حلوتي , من فضلك .
تفحصته وليا بضع لحظات ثم قالت :
- حسناً.
مررت إصبعها في بقعة من البيض على ذقنه وقالت :
- هل ستذهب لتتخلص من اثار الجريمة ؟ بعدها اريدك جداً حتى نثرثر سوياً, لقد لمحت ارجوحة في الشرفة لنلتق هناك.
بعد ان اغتسل مات وبدل ملابسه نزل إلى الدور الارضي , كان يأمل ان يقول كلمة لسارة ولكنها مشغولة للغاية في الثرثرة مع إليزابيث باركر ولم تعره اي انتباه .

Rehana 12-10-21 07:37 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
كانت جوليا في انتظاره في الشرفة جالسة فوق الأرجوحة وتحركها بساقها اليسرى والاخرى مثبتة على الارض في وضع انثوي مثير .
كانت ترتدي تي شيرت قديماً بلون كريم تحت سويتر من الجلد الواسع , سألته :
- اذن هذا الهدوء والسكون قد حولاك إلى مجنون .ريحانة
اجابها بإخلاص :
- لا .
امتنعت جوليا عن أي تعليق وعضت على شفتها السفلى وقد بدا عليها التفكير وكأنها وجدت هذه الإجابة ليست على مزاجها . نظر مات إلى الفناء نظرة شاملة . في هذا الصباح الرائع من الصيف في ارض الهنود كانت السماء زرقاء مضيئة والعديد من الطيور تطير في الهواء بينما سلاسل الأرجوحة تحدث صريراً رتيباً, سألته :
- خبرني حقاً , هل أنت بخير يا مات ؟
- أنا افضل وكما ترين فإن وجهي لم يعد يشبه البطيخة زائدة النضج وجنباي في طريقها للألتئام اما ساقاي فلست ادري اتصدقين ان بعض النساء يجدنني في سيري وأنا اعرج اكثر جاذبية ؟
- نعم , ايها الأعرج .
ضربها على خدها برقة , كانت تجري بينهما صداقة صحية وسليمة ومرحة . لقد اقاما علاقة قصيرة بينهما عدة سنوات حولها إلى صداقة حقيقية .
سألها :
- وانت ؟ كيف حالك ؟
تظاهرت جوليا بالدهشة :
- أنا ؟ لم أكن في حياتي في مثل هذه الحالة الجيدة .منتديات ليلاس
لم يصدقها مات على الاطلاق , سألها :
- هل هناك اخبار عنك ؟
كان يتجنب الحديث معها عن بوب والتون الجناح الأيسر الشهير لأنه كان يبدو له غير جدير بجوليا , اخذت تفحص بقعة دهان على الأرجوحة وكأنها تمارس صلاة صامتة وقالت :
- لا , لقد نقل إلى فريق كنساس سيتي , لست ادري لماذا يهتم بفريق هواة كفريق مينيا بوليس؟
القت نظرة مواربة على مات :
- لن انكر انك حذرتني .
- لن اقول شيئاً.
- حسناً. لأنني حضرت إلى هنا للحديث عنك وليس عني .
- كيف الحال في قسم استقبال الطوارئ ؟
- كالعادة , عمل فوق طاقة البشر ونحن نفتقدك كثيراً , متى تنوي العودة ؟
قضى مات وقتاً طويلاً في التفكير قبل ان يجيب , إن فكرة العودة توحي إليه بمشاعر متناقضة . انتهى الأمر به بأن قال :
- لست ادري. منتديات ليلاس
نهضت جوليا لأن الحديث يتطلب وضعاً عدوانياً.
- خبرني يا مات ماذا هناك؟
- إن الأمر لا علاقة له بإصابتي يا جوليا وإنما يتعلق بعجزي عن تغيير الأمور رغم جهودي وحسن نيتي .منتديات ليلاس
- ولكنك غيرتها , إنني لا استطيع ان احصي عدد الأرواح التي انقذتها .
- وأنا فقدت إحصاء هؤلاء الذين يحملون المسدس في ايديهم لسرقة الأدوية المخدرة من دولاب الطورائ او لأنهم تلقوا طعنة في بطونهم او رصاصة في صدورهم .
ة !

Rehana 12-10-21 07:38 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- ليس هؤلاء الذين يجب ان تحصيهم .
- ولم لا ؟
- هيا يا مات ! إن الحركة هي التي تجعلك ناجحاً , ربما تكون مكبوتاً بعض الشيء ولكنك سرعان ما ستعود إلى طبيعتك فور عودتك للعمل , انظر حولك , إنه ... إنه ...
نظرت حولها وكأنها تستطيع بذلك ان تحصل على الكلمة الناقصة من عبارتها ثم هزت كتفيها .منتديات ليلاس
- انه حقاً ذرة .
كانت كيزان الذرة الناضجة تتراقص مع الريح ومرت عربة من عربات الآميش عجلاتها تصر صريراً عالياً. رفع مات عينيه إلى السماء الزرقاء البلورية التي لا تظهر فيها اية ناطحة سحاب, بينما فراشة تحط على زهور الكريزانتيم الصفراء المزروعة على جانبي درجات الشرفة . بينما يمضغ بلوسوم فردة حذاء في نهاية الممر . حركت جوليا الأرجوحة بطرف حذائها وفي نهاية الفناء كانت سارة تقلم الزهور الميتة , سألته جوليا :
- ماذا حدث بينك وبين لورا ويلدر.
- ليس له أي اهمية .
زفرت وقد بدا عليها نفاذ الصبر :
- مات ! واجهني بما تفعله هنا.
- أنا في فترة نقاهة .
- انت تختبئ هنا , لقد نزعت نفسك ليس من المدينة فحسب وإنما من القرن الذي نعيشه , ثم يا مات انت طبيب ممتاز لا تستحق الاختفاء في الطبيعة .
كان عاجزاً على ان يجد رداً مقنعاً وحاول ان يدلك عنقه بينما مررت جوليا اصابعها في كتلة شعرها لتضبط وضعها , قال لها الطبيب مقترحاً:
- ما رأيك في جولة في البلدة ؟
قالت وهي تنهض :
- لا شكراً , لابد ان أعود , لقد وعدت ديبورا ان أحل محلها في ورديتها الليلة .
امسك مات بكمها عندما وضعت قدمها على آخر درج من السلم المؤدي للشرفة .
- لا يمكنك ان تتركيني هكذا دون ان تخبريني بما يجري معك.ريحانة
اجابته وهي تتجنب النظر إليه :
- كل شخص حر في تصرفاته .
بدا واضحاً انه من المستحيل ان يصارح كل منهما بما يخفيه . صحبها حتى سيارتها , وقبل ان تصعد جوليا إلى سيارتها الرياضية قالت له :
- اسمع يا مات , اعرف انك تمر بمرحلة صعبة وارجوك ان تتصرف تصرفاً حسناً , موافق؟
رد عليها وهو ينظر إليها طويلاً:
- وأنت كذلك !
قالت بابتسامة مرهفة :
- نعم .
عندما اختفت السيارة أعاد مات انتباهه إلى سارة التي بدت تعمل بنشاط أكثر من المطلوب قالت في نفسها : إنه يهزأ بها حتى انه يستقبل صديقاته الصغيرات . سخرت من نفسها لأن جوليا كافرون جميلة . كانت ترصد الحذاء الرياضي الذي ظهر في الفناء قال لها :
- إنك تحاولين تلميع الآنية حتى تصبح كالصيني !

Rehana 12-10-21 07:40 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- إن أي عمل لابد من أدائه على أكمل وجه .
عندما اوشكت ان تعطيه ظهرها امسك مات بها من كتفيها . كانت الدموع في عينيها وهي ترفض النظر إليه , قال لها برقة :
- جوليا صديقة قديمة لي ولم يعد هناك بيننا اية علاقة من وقت طويل وقد حضرت لتعرف متى أعود لعملي.منتديات ليلاس
قالت بلهجة حادة :
- هذا ليس من شأني.
قال مؤكداً:
- بل من شأنك , انظري إلي يا سارة من فضلك.
استسلمت سارة . كان يبدو صادقاً ثم إنها كانت تتصرف بحمق وطيش وتفسد القليل من الوقت الذي ستقضيه معه , قال مات بعقوبة :
- هذا افضل ايتها المتزمتة الصغيرة , لقد بدا عليك الاستعداد لنزع شعر جوليا عندما قبلتني .
- إنها غلطتك إذا كنت في حالة سيئة اليوم فلابد ان تشعر بالخجل.
شحن الجو فجأة بالكهرباء بينما امسك مات بوجهها بين يديه وقال :
- اتصدقين انني اظن العكس وانه بفضلي اصبحت تحسين انك حية أكثر واعتقد انه بفضلي ان النار التي تخفينها داخلك ستندلع .
زفرت وكأنها تصلي :
- مات !
نعم إنها حية وبفضل مات ولديها أخيراً الإحساس سواء كان جميلاً أم مؤلماً بأنها حية اخيراً , قال مات :
- لم اصدق أبداً في حياتي انني سأسقط صريع الحب بهذه السرعة.
كان مات في هذه اللحظة يضج شباباً وأراد ان يعاكسها فنزع عنها قبعتها البيضاء ورفعها لأعلى وهو يقول :
- إنك لن تحصلي عليها , لن تحصلي عليها .منتديات ليلاس
- إنك أسوأ من الغلمان الذين يعاكسون الفتيات بشد ضفائرهن .ريحانة
اخذت سارة تقفز عالياً في الهواء دون جدوى واخذا يلعبان وكأنهما صبيان في العاشرة من عمرهما وعيونهما مشتبكة. كم يحس مات بأنه صياد وهو يعيش حياة طبيعية وعادية .
حاولت سارة كل جهدها ان تكسب في صراعها وحدث تشابك وإفلات مع ضجة عالية فوق الأوراق الميتة والأغصان الجافة المتساقطة فوق الأرض , لم يكن الهدف الامساك بالقبعة وإنما إطالة زمن اللعب إلى أقصى مدة .كانا متهمكين في لعبهما حتى إن العالم حولهما توقف عن الحركة .
لم يعيرا انتباهاً للكلب الذي جذبته الضجة والصراع بينهما والذي اخذ ينبح عند اقدامهما ولا العربة الآميشية التي مرت عليهما في ضجة عالية .
احس مات بالتعب قبلها واخذ يلهث ثم القى بنفسه فوق كومة من الأوراق الجافة وتبعته سارة في سعادة وهي تجر خلفها ثوبها .
جلسا وجهاً لوجه وهما يبتسمان ويسبحان مع الملائكة . رفعت سارة خصلة شعر متمردة عن جبينها وعاكسها مات بحك أنفها بورقة شجر جافة .منتديات ليلاس
كانت سارة تحس بأن قلبها سيتوقف من السعادة إنها سعيدة وعاشقة والحياة رائعة , على الأقل في هذه اللحظة !

نهاية الفصل

Rehana 15-10-21 08:52 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل التاسع

قالت سارة وهي تردد بطاقة الائتمان إلى إليزابيث باركر :
- شكراً واتعشم ان تكون إقامتك بيننا قد اعجبتك .
ضبطت السيدة باركر فرو الثعلب بعد ان ألقت طبعاً نظرة قلقة على بلوسوم ثم قالت :
- إنها إقامة رائعة يا عزيزتي , رائعة للغاية ! وانت حيوية , نحن في حاجة فعلاً لبعض الآميش بيننا.
امتنع مات عن التعليق رغماً عنه بينما سارة التي تعودت على هذا النوع من التعليقات غير الضارة تلقتها بوجه لا يبدو عليه اي تعبير .
قال مات وهو يناولها مسدسها المزين بالصدف.
- لا تنسى هذا !
- يا إلهي ! لا , إنني لا يمكن ان اترك صغيري الفريد لقد قدمه لي تيم في أول عيد كريسماس لنا معا.
قال لها مات :
- يا له من رجل لطيف ومهتم .
قالت إليزابيث وهي تنس السلاح في حقيبة يدها .
- أليس كذلك ؟ إنه عزيز علي. ولكن من الأفضل أن ألحق بالسيارة قبل ان تبدأ بإصدار اصوات النقير لأن ذلك يصيبني بالجنون !
دارت على عقبيها واخذت تتقافز نحو باب الخروج وذيل الثعلب يتطاير في الهواء , قال مات :
- تعالى هيا لنرى العزيزين الكبيرين باركر.منتديات ليلاس
امسكت سارة بذراعه :
- لا , ليس من المفروض ان تعرف ذلك.
- أتمزحين ؟ إن هذه المرأة وزوجها الطيب الخفي اصاباني بالجنون طوال عطلة نهاية الاسبوع .منتديات ليلاس
امسكت سارة بيده واتجها ناحية الصالون حتى لا يحسا برغبة في التلصص على الزوجين من النافذة , وقفت سارة في الدهليز وقالت :
- إن الأمر أكثر متعة لو ظل الزوج غامضاً.
- حقاً؟ انت لازلت غامضة بالنسبة لي واجد انه من الممتع أكثر ان اكتشف سرك اليوم بدلاً من أن اظل في تساؤلاتي.
- لو سمعك أبي لغسل لسانك بالصابون !
- وماذا يقول لو علم بعلاقتنا معاً؟
لم تجب سارة . كانت ركبتاها رخوتين امام هذه الفكرة . كان يهمس في اذنها كلمات حب وهي تبتسم في سعادة . صاح احدهم بصوت مرح وباب المدخل ينفتح في ضجة .
- هانا ... عدت !
ابتعدت سارة عن مات بسرعة واسرعت إلى المرآة بينما تظاهر مات بالبراءة لو تأخرت اخته قليلاً لضبطتهما يتبادلان القبلات الحارة !

Rehana 15-10-21 08:53 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
بعد ان وضعت انجريد حقيبة الرحلات الخاصة بها على الأرض توجهت نحو شقيقها وصاحت :
- اوه! ولكنك على قدميك !
احس مات بالحمرة تعلو وجهه ونجح في ان يبدو غير مبال , قال وهو يطبع قبلة على خد اخته :
- نعم , إنني احس افضل كثيراً , كم هو رائع ان أراك يا اختي الصغيرة ! كيف جرى الحال في ستلووتر ؟ لم نكن نتوقع حضورك قبل يومين أو أكثر .
- لقد شفي زوج دوروثي أسرع مما هو متوقع ولم يعودا في حاجة إلي ... إذن هانا هنا .
اخذت انجريد تصفر بينما تطاير شعرها البني المقصوص الاجرسون . كانت امرأة فريدة ذات وجه صريح وعينين سوداوين وقد جمع جسدها الرقيق كل العزم والنشاط الذي في العالم .
كان مات يمزح ويقول : إنها يمكن ان تولد كهرباء من جسدها تكفي لإنارة نصف مدينة مينيا بوليس.منتديات ليلاس
بدأت الآن تفحص شقيقها من رأسه لقدمه بعين خبيرة حادة وعندما انتهت من فحصها ووضعت عينيها على وجه مات وقد علا وجهها تعبير هو خليط من القلق والارتياح . قالت بصوت جاد أكثر من المعتاد.
- رائع ان أراك واقفاً على قدميك , لست تدري كم كنت خائفة من أن افقدك !
ابتسم لها مات ابتسامة اخوية حارة .
- إنك لن تتخلصي مني بهذه الطريقة. قالت سارة التي برزت من الصالون وخداها لا يزالان متوهجين ويداها مشغوليتن بلوي مريلتها .
- صباح الخير يا انجريد.
تحولت انجريد عن شقيقها وتوجهت إلى صديقتها والموظفة عندها لتقبلها وتصيح :
- سارة ! كيف سارت الأمور ؟ ما رأيك ان نذهب للمطبخ لنحتسي الشاي ونثرثر وستقصين علي مغامراتك وماذا حدث من الأمور المثيرة ؟
رد مات وهما في الطريق إلى المطبخ :
- لا شيء على وجه الخصوص , بعض طلقات نارية وحريق صغير وما شابه ذلك.
قالت انجريد بمرح :
- فهمت !
القت سارة نظرة قلقة على مات فهز كتفيه , قصا على انجريد وهم يتناولون الشاي والكعك قصة آل مورتون وإليزابيث باركر واقترح مات ان تطالب بثمن الأريكة , وبذلك تعوض اجر إقامة آل مورتون ولكن انجريد رفضت تماماً لأن التأمين يغطي الخسائر . اما بالنسبة لآل مورتون فإنها لن تقبل نقوداً من الناس الذي أهانوا صديقتها وقص عليها ايضاً مات كل الجرائم التي ارتكبها بلوسوم وانصتت انجريد إليه والابتسامة تعلو شفتيها وكأنها أم لا تصدق ان ابنها العزيز يمكن ان يكون وحشاً كما يصفونه, قال في النهاية :
- والأدهى من ذلك وأمر ان إحدى فردتي الحذاء الخاص بي اختفت وليست هذه هي الحادثة الوحيدة !
قالت انجريد في دهشة :
- حقاً ؟ انني اتساءل : إن كان قد بنى عشاً في مكان ما ؟ ثم إنه ليس كلباً وإنما كلبة وستلد خلال اسبوع .منتديات ليلاس
صاح مات فزعاً :
- لا تقولي إنه سيكون لديك العديد من نوعها .
- بالتأكيد نعم .

Rehana 15-10-21 08:53 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
اخذت انجريد الكلبة على ركبتها واخذت تحدثها وكأنها طفل:
- كم أنت محبوبة ولطيفة يا صغيرتي بلوسوم .
اطلقت الكلبة نباح استحسان وموافقة .
صاح مات :
- الرحمة يا انجريد !
بدلاً من ان ترد عليه اخته حولت انتباهها إلى سارة .
- سارة اعرف انه ليس هنا خدمة اليوم للنزلاء وإذا اردت زيارة عائلتك فلا تترددي وساعتني بهذا الطفل الكبير.
كشر مات وجهه وابتسمت له سارة . كان من الوجب عليها اتباع تعليمات انجريد ولكنها لم تكن ترغب الابتعاد عنه لأنه سيرحل قريباً. بينما عائلتها موجودة ولن ترحل , قالت :
- أفضل البقاء هنا فلدي الكثير لأفعله .ريحانة
نهضت وحذا مات حذوها ثم قال :
- سأصحبك .
أمرته انجريد وبريق كالصلب في نظراتها :
- لا يا مات !
اطاعها مات وذهب ليجلس بجوار النافذة ليراقب سارة في روحاتها وغدواتها في الفناء , قال :لقد تحدثت مع الطبيب المحلي ويصعب علي ان اصدق ان هناك اشخاصاً يضعون حياتهم بين يديه .منتديات ليلاس
قالت انجريد :
- ليس امامهم حرية الاختيار , وأقرب زميل له على بعد خمسين كيلو متراً.
- إنه أمر مخيف.
- فكر يا مات في ان الاطباء الممتازين لن يرغبوا ابداً في الاستقرار في هذا الجحر الضائع ولن يربحوا فيه ولن يحصلوا على مكانة مرموقة ولا ترقية ممكنة وساعات ممتدة من العمل . نادراً ان تجد من هو على استعداد لقبول هذه التضحية.
- والنتيجة ان مدينة مثل جينا يجد سكانها انفسهم ضحايا افاقين مثل كوزويل ممن لا يمكن ان أمن عليهم حتى على بلوسوم !
- ولا أنا , لحسن الحظ ان هنا اطباء بيطريين ممتازين .
هز مات رأسه وهو يشعر بالعار وهو يفكر في هؤلاء التعساء الذين ليست أمامهم فرصة الشفاء بينما الحيوانات لديهم هذه الفرصة .
قالت انجريد في هدوء :
- اعتقد انك تعرف فيما افكر.منتديات ليلاس
كانت اصابعها مشغولة بإبريق الشاي ولكن فكرها كان مركزاً على شقيقها , سألها وهو يشعر بالخوف :
- عن أي شيء ؟
- عن سارة .
- وبعد ؟
- لست عمياء يا مات , إنها تنظر إليك وكأنك ابوها الروحي .
نظر إليها مات نظرة ثابتة وواضحة .
- هذا ليس من شأنك يا انجريد .
مالت فوق المائدة وقالت :
- اتعتقد هذا ؟ إن سارة صديقتي وموظفتي في آن واحد ولا اريد لها ان تتعذب .
- وما الذي يجعلك تعتقدين انني سأعذبها ؟
- لم أقل : إن لديك النية ولكن هذا ما سيحدث . أنا أعرفك يا مات .سرعان ما تفقد رأسك وأنت الآن لا تجد من يصاحبك سوى سارة . إنها فتاة حلوة ورقيقة وفاتنة وذكية.
- ليست فتاة يا انجريد , إنها امرأة ناضجة .
لم يكن يرغب ان يتهم بإفساد فتاة صغيرة , قالت اخته :
- لتعترف بذلك ولكن هي من نوع مختلف عن تلك النساء اللاتي عرفتهن ولا يمكن ان تلعب بها .ريحانة

Rehana 15-10-21 08:53 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
ضحك مات في تهكم :
- حقا, إن رأيك في ممتاز!
- إنني لا انقدك وأعلم أن مهنتك اهم من أي شي . والنساء اللائي تخرج معهن يعرفن ذلك ايضاً. ولكني اخشى ان سارة لن تفهم هذه القاعدة .
سألها بصوت مليء بالمشاعر وهو يعترف لها بأهم سر :
- ألم يخطر ببالك انني لا العب عليها ؟ ربما كنت عاشقاً لها .
حاولت انجريد ان تستشف الصدق فيما يقوله ثم رقت نظراتها ومدت يدها الى شقيقها ولكنه لم يتحرك من مكانه بجوار النافذة , قالت برقة :
- إنكما لم تتعرفا إلا من وقت قصير.
- ما دمت تطرقت لهذا الموضوع لي : ما المدة التي استغرقتها ما بين تعرفك على جون والزواج به ؟
كانت انجريد تفخر دائماً بأنها اتخذت قرارها بعد خروجها من المطعم الذي تناولت فيه العشاء مع جون لأول مرة , قالت معترفة :
- هذه نقطة في صالحك .
قال مات بلهجة قاطعة لأن اخته عبرت عن شكها :
- ربما كنت تعتقدين انني غير قادر على الإحساس بالعواطف العميقة , ربما تظنين انني سأقضي بقية حياتي متزوجاً بمهنتي دون ان ارتبط عاطفياً.
قاطعته انجريد :
- قف عندك ! فقط انصت إلى دقيقتين , ماذا تعرف عن سارة ؟
- إنها أميشية وترتدي ملابس مضحكة وتقود عربة يجرها حصان .
- هل هذا كل شيء؟ لا تحاول ان تبدو ماكراً.
- إنها اميشية ولكن ذلك لا يشكل معضلة فيمكننا تسوية ذلك.ريحانة
- انت واهم , إنها المشكلة . إن الآميش في هذه المنطقة ينتمون إلى النظام القديم ولهم معتقدات صارمة للغاية . وعندما عملت سارة هنا كانت قد مست وتراً حساساً . اتدري ماذا يمكن ان يحدث لها لو انها في مغامرة مع امريكي ؟
- اترك لك حرية ان تخبريني بذلك.
- انها الخطيئة الكبرى وإذا لم تعلن توبتها علانية فإن مجتمعها ينبذها والجميع يرفض الحديث معها , وان يأخذوا شيئاً من يدها ولا الجلوس بجوارها إنه نبذ حقيقي , وستفقد كل شيء, عقيدتها واهلها .
قال بعصبية :
- انت تخترعين كل ذلك.
ردت عليه بصوت هادئ :
- لا على الاطلاق.
- ولكن هذه بربرية .
- هذه عاداتهم ولهم الحق في ان يطبقوها .منتديات ليلاس
اسند جبهته على زجاج النافذة . وكان ضوء الشفق قد بدأ يغزو الأفق والسماء . كانت سارة واقفة بجوار باب المخزن تصب اللبن لمجموعة من القطط , فكر في الحب الذي يشتعل في عينيها عندما تفكر في عائلتها والحنان الشديد الذي تكنه لشقيقها الصغير , هل هي على استعداد للتخلي عن كل هذا ؟ وهل من الجنون ان يطلب منها ذلك؟ ثم هل هذا من حقه ؟ إنه لا يظن ابداً ان العاطفة التي يكنها لها يمكن ان تنطفئ في يوم ما . والتي لم تكن مجرد انجذاب جسدي وإلا لماذا شعر بالتأثر وهو يرى سارة منهمكة في القراءة ؟ ولماذا احس بهذه الرغبة في حمايتها والدفاع عنها ؟ ولماذا ينفطر قلبه عندما تبكي ؟
إنه يحبها , حقيقة يحبها , واكتشافه فجأة للعقبات التي تقف امام هذا الحب قلبت كيانه رأساً على عقب , لماذا لم تحذره سارة من هذا الخطر ؟
اضافت انجريد :
- إنني لا اريد فقط ان تتعذب .

Rehana 15-10-21 08:54 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
قامت لتجلس بالقرب منه واجبرته على النظر إليها والألم الذي رأته في عينيه حطم قلبها .
- اوه يا مات , انت حقاً عاشق لها ! وهل كان من الضروري ان تختار من بين كل النساء اللاتي يحببنك الوحيدة التي لا تستطيع ان تنالها .
كان مات يفكر في نفس الشيء وصعد الغضب الشديد حلقه حتى اوشك ان يختنق ... غضب على الظلم الذي ينطوي عليه الموقف. وغضب نحو سارة التي جعلته يشتعل غراماً دون ان تقول له كلمة . إنه لا يجد سبباً لمسلكها هذا , إنها لا تحبه بالقدر الذي تتظاهر به , لقد لعبت به , هذا هو الرد الوحيد في الوقت الذي ظن فيه انه يحميها , لقد سخرت منه حقاً.
ضرب ضلفة النافذة بقبضته مما جعل الزجاج يهتز ثم ذهب إلى الفناء وهو يعرج دون ان يقول كلمة واحدة لأخته بحثاً عن سارة وجدها خلف مخزن الغلال منهكمة في العمل .
قطع الفرس اوتيس غداءه ورفع رأسه ثم اطلق صهيلاً وكأنه احس بالغضب الذي يعتمل داخل الرجل الذي يقترب .منتديات ليلاس
اتسعت حدقتا سارة ولم يتح لها الوقت للنهوض عندما امسك مات بكتفيها وجهه مشوه من الغضب , واخذ يهزها بشدة وقال :
- لماذا لم تقولي لي شيئاً ؟.
تلعثمت :
- اقول ماذا ؟
جعلها تموت خوفاً ... مات عزيزها وحبيبها يهددها وكل جسمه يرتجف :
- يا إله السموات : لماذا لم تحذريني يا سارة ؟
صارعت بكل جهدها كي تتخلص منه .
- كف يا مات , انت تؤلمني .
- وأنا ؟ ماذا احس؟ لقد علمت لتوي انهم لو ضبطوني معك فستعتبرين منبوذة , لماذا لم تقولي شيئاً؟
نظرت اليه سارة نظرة خاوية وهي فريسة ألم ممض وقلق بالغ والحزن يكسو وجهها.
- وهل كان هذا سيغير من الأمر شيئاً؟
- نعم , لا في الحقيقة , لست أدري.
ماذا كان بإمكانه ان يفعل غير ما فعل ؟ هل كان بإمكانه ان يمنع نفسه من الوقوع في حبها ؟
قالت سارة بصوت هادئ:
- إن هذا لن يغير كوني من عالم غير عالمك .منتديات ليلاس
قال بصوت ساخر :
- فهمت , انت تبحثين عن مغامرة صغيرة وبنظرة واحدة علي قررت انني الفريسة التي لن تقاوم .
-لا !
- هل كلمة خائن محفورة كالوشم على جسمي ؟
كررت سارة النفي وهي في حالة يرثى لها . في الحقيقة كانت تتصور انها مغامرة سريعة ولم تتخيل ان مات يمكن ان يتعذب منها لهذه الدرجة كما تتعذب هي.
- لم أكن انتظر ان أقع صريعة هواك.
قال بمرارة :
- لقد اردت فقط التسلية .منتديات ليلاس
صفعته سارة دون ان تدري , وقالت بصوت مرتجف:
- كيف تجرؤ ؟ كيف يمكن ان تقول لي هذا الكلام ؟
استدارت واخذت تنظر والدموع في عينيها إلى يدها التي صفعته , لأول مرة في حياتها ترفع يدها على أي مخلوق خاصة الرجل الذي تحبه , اخذت ترتجف خجلاً وهربت نحو الظلام النسبي داخل مخزن الحبوب . بعد لحظات اخترق صوت مات العتمة والعذاب اللذين كانا يلفانها .

Rehana 15-10-21 08:54 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- سارة ! سامحيني يا سارة , لم يكن علي ان أقول ذلك.
قالت له والدموع تبلل وجهها :
- لم استجب لك إلا بدافع حبي لك.
كان متأثراً أكثر منها من الحزن الذي سببه لها :
- أعرف ذلك .منتديات ليلاس
كانت بساطتها وبراءتها وسذاجتها وحلاوة اخلاقها هي التي جذبته إليها . إنه في صراع بين رغبته في ان يغيرها وبين ان تظل على ما هي عليه .
قالت له :
- اريد ان اعرف الحب, اين هو إذن الضرر في ذلك؟ لقد كنت اعرف تماماً انك سترحل لا محالة وانني سأظل وحيدة. فهل اخطأت لأنني تعلقت بالسعادة حتى ولو لوقت قصير ؟
كانت تصارع دموعها وأدارها مات لتواجهه إن الحب بالنسبة لها يتخلص في كلمتي الفرح والعذاب , أليس من حقهما في شيء بعد هذا الانتظار الطويل؟ إن سارة مصرة على قصر مدة حبهما ولن يفلح في إقناعها باصطحابه بعيداً لأنه يعرف الرد . إنها لن تهجر عائلتها ولا نمط حياتها . سألها :
- والآن ؟ لا اريد ان تواجهي مشاكل مع مجتمعك بسببي .
احست سارة بأن قلبها ينفطر . هل زرعت الأمل لديه في ان تشاركه حياته ؟ رغم الاحلام فلا هو ولا هي يمكن ان يتغيرا ولا تستطيع ان تلقي بالخزي على أسرتها. على أي حال إنها لن تستطيع ان تعيش في عالم مات القاسي. وما إن يمر حماسه نحو طرافة المغامرة حتى تجني أضرارها وتبعاتها . كانت تفهم من البداية انه ليس لهما سوى اللحظة الحاضرة , قالت وهي تكره فكرة إخفاء حبها :
- لا احد يعلم بما يجري , وما يجري بيننا ليس من شأن احد ولكن اترك ذلك إذا اجبرت على تركه .
همس مات :
- ولا أنا كذلك, أنا احبك حقا يا سارة !
اجابت رغم الحزن الذي كان يغشى قلبها :
- اعرف .ريحانة
نعم إن ما يهمها الآن لحظة الحب التي تعيشها حتى ولو كانت تعرف انها مدللة ومرغوبة وانثى ومحبوبة مثلما تحس الآن , إنه رجل حياتها !
عندما عادا إلى البيت كانت الشمس مختبئة وراء الأفق بلون برتقالي عميق حتى إن كل الحقول من ذرة واعشاب برية كانت غارقة في هذا اللون وهي تتمايل مع الريح , بينما طار سرب من الطيور البرية في عنان السماء . بدأت الشمس تغرب لتفسح الطريق أمام ليلة قاسية .
سارا في بطء متشابكي اليدين حتى يطيلا فترة وجودهما معا . ولأن مات كان لا يزال يعاني إصابته سواء الجسدية او العاطفية . كانا في حالة يأس تام عندما وصلا الأوبرج ومات يعرج . لا احد منهما لديه الجرأة ان يجيب على السؤال الصعب : كم بقي لهما من وقت ثم يفترقان ؟
عندما اقتربا من سلم الشرفة انفتح الباب فجأة وجاء الرد على تساؤلهما في الحال . لقد انتهى كل شيء . إسحق موست جاء ليصحب ابنته لتعود إلى عشيرتها .

نهاية الفصل

Rehana 17-10-21 05:36 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل العاشر

كان الغضب والإدانة اللذان راتهما سارة في نظرات والدها يحرقانها . وكأنها تلقت صفعة على وجهها مباشرة . تركت يد مات والذي بدا عليه الألم والعذاب والشعور بالذنب مما تشعر به . اكتفت بأن رددت كلمة أبي وهي في ذهول .منتديات ليلاس
ضم حاجبيه الكثفين وظهر على جانبي فمه تجاعيد مخيفة من الغضب ووجه إسحق موست الكلام بلهجتهم المحلية ذات الرنين الحاد:
- كيف يمكن ان تجلب على ابنتي هذا العار ؟
استطاعت سارة ان تكتم دموعها , وانفتحت جراح قديمة لم تندمل وألمتها بوحشية , ليس لأن والدها لم يفهمها فحسب , وإنما ايضاً لم يحاول ذلك.
لقد ظل دائماً معارضاً لهذا الظمأ الشديد للمعرفة ولشيء مجهول كان يسكن داخلها , إنه لم يعترف أبداً بالجهود التي تبذلها كي تصبح ابنته على هواه .
سألته :
- هل هو استفسار ام اتهام ؟
بدلاً من ان يجيبها حول إسحق نظره إلى مات باحتقار وسألها :
- هل هذه حسن ضيافة الأمريكين ؟ ان تضعي يدك في يد شخص غريب وعقيدته مختلفة عن عقيدتنا.منتديات ليلاس
اتبعت سارة نفس طريقته بعدم الرد وسألته :
- لماذا اتيت إلى هنا ؟
- هناك مشاكل في البيت ونحن محتاجون لك. اعدي حاجياتك.
سألته وهي تعض على اصابعها :
- اية مشاكل ؟ هل أمي مريضة ؟ ما الخطأ؟
- اشياء كثيرة , لقد زارنا ميكا ستيز كبداية للمشاكل ثم بعده الكاهن .
تجمدت سارة في مكانها وهي مذهولة واحست بالجليد حتى نخاعها . إن الكاهن لا يمكن ان ينتقل إلا بسببها ومهمته هي الاتصال باعضاء العشيرة المشكوك اتهامهم بالخطيئة والمعرضين للنبذ , قالت :
- لقد تحدثت مع الكاهن والكردينال بشأن عملي وقالا ...
قاطعها اسحق :
- إنه لا يخص عملك .منتديات ليلاس
زاد وجه إسحق قتامة وهو يشير إلى مات .
- بسبب هذا الامريكي .
مد مات ذراعيه إلى الامام وكأنه يصد هجوم العجوز .
- اسمع ... لحظة ! أنا لا اتحدث لهجتك ولكني اعرف متى توجه إلي الإهانة.
اخيراً اضطر إسحق للحديث بالانجليزية :
- هل اهينك ؟ اتجرؤ على قول ذلك وانت لوثت سمعة ابنتي امام الله وأمام قبيلتها ؟

Rehana 17-10-21 05:38 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
ومضت عينا مات ببريق قريب من الكراهية إنه يعز سارة من كل قلبه ولن يقبل ابداً ان يلوث هذا الحب بهذا الاتهام الظالم سواء كان من يوجه الاتهام هو والد سارة او غيره .
- إن سارة لم تفعل شيئاً مخجلاً يجلب العار , ابنتك شابة ذكية مليئة بالحيوية ومحبة للناس , وحدث انني احببتها كثيراً.منتديات ليلاس
سألت سارة والدها وهي تحاول بأي ثمن ان تحول الحديث الذي اشعله مات .
- وما رأي ميكا ستيز في كل ذلك ؟
حدجها إسحق بنظرة صاعقة :
- بالأمس وهو عائد بالدريس راك كالمجنونة وأنت فوق النجيل مع ذلك الأمريكي وقد حللت شعرك وتعرضت إلى الجميع , أتنكرين هذا ؟
خلال ثانية واحدة فكرت سارة في اختراع سبب لبراءتها ولكنها عدلت عن ذلك في الحال وهي تحس بعدم قدرتها على الكذب . ليس من حقها ان تخفي حبها لمات بأن ترتكب عملاً حقيراً .كانت الريح تلعب في ذقنه الابيض تحت الاضواء الآتية من الشرفة وتحيطه بهالة لعينة
كرر سؤاله :
- أتنكرين ذلك؟
- هل تريد تفسيراً ؟ هل تمنحني ميزة الشك ؟
- وهل تستحقينها ؟
لم يكن والدها يستمع إليها , إنه رجل قاس حاد ويصعب زحزحته عن رأيه وعنيد لأقصى حد.
كانت خلافاتهما تأتي من انها كانت أكثر منه عناداً وانها كانت دائماً على استعداد لتحدي سلطته , امرها :
- هيا اعدي امتعتك !
بدلاً من ان تتحداه مرة اخرى فكرت في انها وإخوتها بدءاً بيعقوب فكتمت تمردها . في هذه اللحظة كان الألم الذي تسببه لوالدها قد أثر فيه قليلاً وظهر في نظرة القلق التي احستها عنده ثم إذا كانت زيارة بسيطة عدة أيام لعائلتها ربما كانت محادثة مع الكاهن تشكل لتسوية
مشاكلها ومتاعبها فلا يجب ان تهملها .منتديات ليلاس
عندما استعدت لصعود الدرج امسك مات بيدها , قال وهو يلقي نظرة ثائرة على إسحق :
- ثانية واحدة ! دعني أقل لك شيئاً يا سيد ! إن سارة ليست مذنبة . لقد كنت اجهل إن عقيدتكم تمنعها من المرح والتمتع بالحياة , لقد كنت اعاكسها وهذا كل ما في الأمر وهو أمر غير ضار .
رد عليه إسحق الذي كان ينظر إلى يد مات الموضوعة على ذراع سارة نظرة طويلة متعمدة :
- هل أنت واثق بما تقول ؟ اسمع يا سيد امريكي ربما تجهل عاداتنا ولكن سارة تعرفها عن ظهر قلب وكان عليها ان تقاوم الغواية الدنيوية وعليها ان تدفع ثمن خطاياها إذا ما وقعت فيها .
- ولكنها لم ترتكب اية خطئية !
امسك إسحق ابنته من يدها الأخرى :
- لست انت الذي تحكم على ذلك.
انفجر مات :
- وهل تعتقد ان ذلك من حقك ؟ ولكن من تعتبر نفسك ؟ الآمر الناهي؟
تحول وجه إسحق موست إلى اللون الأرجواني وصاح :
- أنا خادم الرب وأطيع أوامره .
حاول ان يجذب سارة نحوه ولكن مات قاومه بشدة وصاح فيه :
- الأفضل انك تطيع أوامرك انت وقوانينك , إن سارة ليست مذنبة لأنها احبت , ربما كان ذلك خطيئة في عينيك ولكن لا أشك في ان الله خلقنا كي نحب.
قال إسحق وكأنه يبصق كلمة مقززة :
- الحب ! إنني اعرف طريقتكم في الحب ايها الأمريكيون , الحب والجسد , لقد لوثت سمعة ابنتي .
غشيت عينا مات سحابة حمراء وتمسك بذراع سارة حتى لا تصفع وجه والدها , قال في صوت باتر من الغضب :
- لم ألوث أحداً في حياتي .منتديات ليلاس

Rehana 17-10-21 05:38 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
فضل إسحق ان يعود إلى لهجته المحلية ويتهم سارة :
- إنه يتحدث عن حبك يا ابنتي ! إن خطاياك أفظع مما كنت أظن .افظع من الفظاعة نفسها .منتديات ليلاس
مرة ثانية فضلت سارة عدم الاجابة رفعت ذقنها مما ضاعف من ثورة والدها . واصل والدها بأبشع الأوصاف . وظلت هي على صمتها وزادت رفع رأسها عالياً وانفجر فيها التمرد الذي حاولت ان تكبته . تغير وجه إسحق من الغضب واخذ يلعن ابنته ثم بسرعة البرق رفع يده وصفعها بكل قوته مما سبب جرح شفتيها ورغم ما شعرت به من ألم رفضت البكاء . نجح مات في ان ينتزعها من بين مخالب والدها ويديرها نحوه كي يفحصها ويفحص ما حدث لوجهها الذي امسك به بين يديه . مسح الدماء المتساقطة من فوق شفتيها بطرف إصبعه , همست :
- لا بأس , من فضلك يا مات , لا تزد الموقف سوءاً.
رد عليها قبل ان يستدير إلى إسحق ويصيح فيه :
- لست أرى أسوأ من ذلك , من أجل السلام من حقك ان تغرب عن وجهي ! لم يحدث ان شخصاً أساء معاملة امرأة أمامي , اغرب عن المكان... في الحال .
أمر إسحق سارة وكأنه يعامل كلباً:
- تعالي!
هبط غضب إسحق وبدا وجهه بلا تعبير خطت سارة نحوه خطوة ولكن مات امسك بها , قالت :
- كل شيء على ما يرام يا مات .منتديات ليلاس
اتسعت عينا مات غير مصدق وقال :
- لا على الإطلاق ! انت بالغة وليس من حقه ان يأتي ويوسعك ضرباً وان يسحبك من شعرك ولا حق له في التدخل في حياتك.
- إنه أبي!
- وذلك لا يعطيه أي حق.
سمع صوت انجريد تناديه وهي تقف متوارية في الشرفة وقد عقدت ذراعيها على صدرها تحتمي من نسيم الليل البارد :
- مات ! دع الأمر فسارة تعرف ما تفعله .
كز مات على اسنانه حتى لا يجادلها , لقد أراد ان يكون الفارس المقنع المستعد دائماً للدفاع عن سارة , وادرك ان والدها بسببه صفعها واصبحت مهددة بالنبذ من عشريتها . مرة ثانية اضرها وهو لا يرغب في ذلك , لقد بدا واضحاً جلياً ان عالميهما مختلفان تماماً ولا يمكن ان يندمجا .
همست سارة متوسلة والدموع في مآقيها .
- من فضلك يا مات .
إنها تطلب منه ان يكف , لو استسلم لقلبه ودافع عنها فسينتهي الأمر بتحطيمها, إنه لا يستطيع ان يجبرها على التغيير وعلى ان تضحي بأسرتها ونمط حياتها وعقيدتها من أجله لأن حبهما بهذه الطريقة لن يكتب له الحياة بالتأكيد , بذل جهداً غير عادي حتى يترك ذراعها ويترك الانتصار لإسحق .منتديات ليلاس
قالت سارة بصوت شبه مسموع وتعبير على وجهها مزق نياط قلبه :
- اعذرني يا مات ! اعذرني وسامحني لأنني جرحتك.
تصاعدت الدموع في عينيها وتأمل مات لآخر مرة وجهها وهو يحاول ان يسجل في ذاكرته كل تفاصيل وجهها للأبد , قال وهو يبتعد ويعرج ولديه إحساس بالشيخوخة والهزيمة .
- لا تندمي أبداً على أنك احببتني .
بعد دقائق كانا قد رحلا هي وإسحق , جلس مات فوق مقعد من الحديد المشغول بجوار الإسطبل وهو يراقب خلفية العربة التي يجرها حصان وهي تبتعد وسط ظلام الليل . ثم رفع عينيه نحو السماء المرصعة بملايين النجوم ووجد نفسه فريسة استغراب وحيرة لم يحسها من سنوات طويلة .منتديات ليلاس

Rehana 17-10-21 05:39 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
إن سارة بدخولها حياته أعادت إليه حاسة تذوق جمال العالم البسيط الذي يحيط به , كيف سيعيش بدونها ؟
خرجت انجريد من العتمة وسترة شقيقها الجلدية في يدها ثم جلست بجواره وقالت له بصوت رقيق :
- إنك ستصاب بالبرد يا دكتور ثورن .
لم يأخذ مات سترته وظل في تأملاته الصامتة فترة طويلة مثيرة للراحة وبجوراه اخته انجريد التي تشعره بالأمان , انتهى بأن قال :
- أتعتقدين انها ستستطيع ان تجعلهم يفهمون ؟
- لست أدري ولكنهم سيسامحونها لو طلب منهم العفو.
- وذلك الأمر الذي ذكرته .
- تقصد النبذ؟ هؤلاء الذين لا يكفرون عن خطاياهم يعاملون معاملة المنبوذين حقاً. ولنأمل الا يصل الأمر إلى هذا الحد ,إنهم طيبون ومستعدون للغفران .
- ليس ابوها كذلك على أية حال .
- إن إسحق رجل قاس ومرير ويلتزم تماماً بالعادات القديمة التزاما حرفياً .
- كنت أود ان اقتله لأنه ضربها .
- أعرف .
أراحت انجريد رأسها على كتف اخيها وامسكت بيديه بين يديها وقالت :
- أنا آسفة يا مات .
- هل هناك ما استطيع ان أفعله لها ؟
- لا تتدخل في هذه الامور واهدم الجسور واستمر في الحياة .
قال لنفسه متسائلاً: اية حياة ؟ ان يكون واقعياً وأن يستأنف عمله وبعد شهور قليلة تصبح إقامته القصيرة في ثور نوود وعلاقته بشابة اميشية ليست سوى ذكرى يقل ألمها شيئاً فشيئاً. إنه يعرف كل ذلك ولا يستطيع ان يقبله .منتديات ليلاس
احس بالبرد والصقيع وهو يراقب الطريق ويسمع صوت حفيف الأوراق ويفكر في سارة في بيتها في آخر الطريق ويسمع صوت حفيف الأوراق ويفكر في سارة في بيتها في آخر الطريق ويردد :
- لن تندم أبداً لأنها احبتني .

نهاية الفصل

Rehana 24-10-21 08:21 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل الحادي عشر

قال إسحق:
- لقد اقترح علينا الكاهن القيام بزيارة لأبناء عمومتنا في أوهايو وهو وقت كاف لك كي تصلي وتفكري وتنقذي روحك .
كان حبها لمات مرضاً يمكنها الشفاء منه بعد الإقامة في بيئة مجدبة وموحشة ! كانت سارة جالسة مع والديها حول المائدة في المطبخ المضاء بمصباح كيروسين , وبقية افراد الأسرة ذهبوا إلى الفراش دون أي شرح لما يحدث , سألت :
- ألن يطلب مني إعترافاً؟
- إن الكاهن لم يعرف ماذا قال له ميكا ستيز ولسبب لا افهمه يود ان يعفيك من الاعتراف . وهو يظن ان هذا الإبعاد سيعيد ترتيب افكارك بالطريقة الصحيحة اما بالنسبة لي فإنني ارفض ان تجلبي العار على عائلتي.منتديات ليلاس
عائلته ؟ وكأنها ليست جزءاً من عائلته . وبدلاً من ان تبين سارة مدى جرحها من هذه الملحوظة فإنها تقبلت نذالة والدها بنظرة احتقار. إنه يسمح لنفسه بمعاملتها على انها خاطئة ومع ذلك يبذل كل جهده حتى لا يعلم بذلك . مادام مقتنعاً هكذا بجريمتها . فلماذا لا يفضحها عند الكردينال؟
ركزت عينيها على امها وهي تعلم ان موست لن تجادل زوجها . كانت تلك المرأة البدينة الشقراء رقيقة وطيبة وقضت كل حياتها مطيعة لزوجها وخاضعة له وكانت دائماً ما تظهر دهشة مقرونة بالخوف نحو روح ابنتها المتمردة قالت لابنتها :
- إنه من أجل مصلحتك يا سارة وهذه إرادة الرب.
إنه إردة الرب! كانت امها قد استخدمت هذا التعبير عندما مات طفل سارة من الالتهاب الرئوي وعندما قتل صمويل في حادثة فهي تعزو كل الاحداث المأساوية إلى القدر , قالت وهي تنهض .منتديات ليلاس
- لا , إنها إرادة إسحق موست .
بدلاً من ان ينفجر ابوها كما توقعت اكتفى بأن قال :
- سأشتري لك تذكرة الأوتوبيس غداً.
كانت سارة قد صعدت السلم بالفعل وقبل ان تدخل حجرتها الصغيرة ألقت نظرة على يعقوب الذي كان نائماً ويتقلب في كل الاتجاهات همست آنا :
- لقد أكل الكثير من التفاح الأخضر وقد اعطيته ملعقة كبيرة من زيت الكافور وسيصبح بخير غداً.ريحانة
ظلت سارة فترة طويلة بجوار فراش شقيقها إنها تكره ان تراه مريضاً وتوقع رحيلها القريب زاد ألمها, قالت لها أمها :
- اذهبي لتنامي وغداً ستشرق الشمس ثانية .
- لن يكون في قلبي أي شمس أبداً يا أمي .
قالت آنا موست بصوت رقيق:
- هل تحبين هذا الامريكي حقاً؟

Rehana 24-10-21 08:21 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- نعم .
اغلقت آنا عينيها وكأنها تبتهل وتصلي ثم ضغطت على يد ابنتها وتمنت لها ليلة سعيدة .
في الصباح لم تتحسن حالة يعقوب , غطته آنا جيداً وصحبته إلى الدكتور كوزويل في بلدة جينا بينما كان إسحق يشتري تذكرة الأتوبيس لسارة , أعلن الطبيب مرسوماً بأن يعقوب اصيب بالإنفلونزا الآسيوية والتي سرعان ما سيشفى منها .
اعدت سارة امتعتها في تمرد واضح ودست مجلة الموضة وقنينة عطر سوار دي باري بين حاجياتها وبدلاً من ان ترحل ودت لو انضمت إلى مات في الأوبرج بيد انه لم يقترح عليها ان تقاسمه حياته وهي تعرف جيداً انها بعد ان اعترفت له بالحب سرعان ما ستنفصل عنه . ثم إن عليها ان تفكر في عائلتها .منتديات ليلاس
قضت فترة ما بعد الظهر في فرط كيران الذرة حتى تورمت يداها . لم يحاول احد من الأسرة حتى شقيقها لوقا الذي يحب معاكستها لم يوجه إليها كلمة وأمها ظلت تردد:
- إنها إرادة الرب.
كانت سارة تفكر في مات في كل لحظة , لم تكن تتصور حتى في أفظع كوابيسها ان تعاني غرامه لهذه الدرجة . كانت تتعذب لدرجة انها ظنت ان الأمر سينتهي بوفاتها .
بعد الانتهاء من غسل اواني العشاء بحثت سارة عن صحبة المخلوق الوحيد الذي يمكن ان يخفف عذابها وهو يعقوب وجدته يتأوه ويضرب قدميه في البطانية التي تغطيه.
جلست سارة على السرير الضيق وانحنت على شقيقها الصغير لتزيح خصلات شعره عن وجهه والذي كان مبللاً وملتصقاً بجبينه كان يغني من الحمى وهو ما كان كافياً لإثارة قلقها الشديد ولكن عندما امسك يعقوب ببطنه بين يديه وهو يتأوه تحول قلقها إلى ذعر شديد قالت له :
- صه واسترح يا محبوبي.
ناداها بصوت ضعيف:
- سارة ! سارة ! إنني مريض جداً.
وضع يديه على بطنه وبدأ يبكي , عضت سارة على شفتها من عجزها عن التصرف , إن يعقوب يبدو عليه المرض أكثر مما قاله الدكتور كوزويل الطبيب الذي وصفه مات بأنه غير جدير حتى بمعالجة القرود , ثم ماذا لو انه اخطأ التشخيص ؟ وماذا لو ان الصغير يعاني مرضاً قاتلاً ؟
هبطت الدرج كل أربع درجات مرة واحدة كالعاصفة تحت انظار كل العائلة المذهولة وفي الدهليز نزعت معطفها واسرعت إلى الخارج .
***
قالت انجريد :
- إنهم سيرسلونها لقضاء بعض الوقت عند ابناء عمومتها في اوهايو .
كانت هي ومات جالسين في المكتبة فوق الاريكة التي سبق ان جلس عليها هو وسارة . كان منتصب القامة ومتجهم الوجه وهو يتصفح الجريدة المحلية لمينيا بوليس . توقف فجأة عند صفحة واخذ ينظر للأعمدة بسرعة دون ان يقرأ شيئاً ثم قلب صفحة اخرى .
كان رد فعله الأول هو رغبته في سؤال اخته متى ترحل سارة ولكنه امتنع عن السؤال , لقد انتهى الأمر ولن يفيده في شيء ان يراها مرة ثانية . إنها لا تحبه بالدرجة التي تجعلها تهجر اسرتها وهو يحبها لدرجة لا يسمح لنفسه ان تفعل ذلك. ريحانة
في الحقيقة قد تكون جوليا على حق . ان ينغمس دون تفكير في هذه المغامرة فإنه بذلك يحاول الانسحاب من العالم ويلجأ إلى الشرنقة الحريرية التي تقدمها له سارة , اعلن لأخته :
- سأعود إلى مينيا بوليس في نهاية الاسبوع .

Rehana 24-10-21 08:22 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
رغم ان انجريد كانت تعلم ان اخاها لم ينته بعد من فترة نقاهته فإنها لم تحاول إغراءه بالبقاء . في الخارج كانت الرياح تعوي والامطار تسقط فوق زجاج النوافذ.
اصاب مات الغضب فجأة فالقى بالصحيفة إلى وسط الحجرة في الوقت الذي بدأت فيه بلوسوم تنبح ولأن احدهم فتح الباب . لم تكن انجريد قد نهضت من مكانها دخلت سارة وكانت قد فقدت قبعتها وشعرها يتطاير في الهواء وهو مبلل وينزل فوق وجهها بينما كان معطفها الثقيل مبللاً من المطر.
صاحت انجريد :
- سارة !
سارعت الفتاة إلى مات وهي لم تر انجريد .
- مات ... إنه يعقوب ... إنه مريض جداً لابد ان تحضر , أتوسل إليك تعال في الحال .
همهم دون ان يفهم :
- أنا قادم .
أصرت سارة وهي تمسكه من ذراعه لتجبره على النهوض .
- الآن حالاً.
كانت اصابعها متجمدة من البرد والتصقت به كالطفل المذعور وهي تنتحب وأسنانها تصطك .ريحانة
- ليس هناك وقت نضيعه , أنا خائفة , يا إلهي ! أنا خائفة جداً ان يموت .
فتح مات ذراعيه واحتضنها بقوة دون ان يهتم بأنها بللته وقميصه بالماء. لم يعد يهمه سوى القلق الذي احسه امام عذاب سارة على حالة شقيقها , همس لها :
- اهدئي ! كل شيء سيكون على مايرام , قصي عليّ ما حدث.
- يعقوب مريض جداً , إنه شديد الألم وسأفقده .
كانت تتلعثم وجسدها كله يرتجف وركبتاها تهددان بالتخلي عن جسدها . كانت تموت قلقاً من فكرة انها انتظرت كل هذا الوقت على رعاية يعقوب وان تفقده كما سبق ان فقدت ابنها , انتحبت :
- اتوسل إليك يا مات , إنه سيموت !
دفعها مات إلى أقصى ذراعيه وقال مؤكداً :
- لن يموت احد , أتسمعينني يا سارة ؟
قامت انجريد بقيادة السيارة لأنها تعرف الطريق جيداً وعندما دخل الثلاثي بيت موست من باب المطبخ دخلت معهم الرياح والأمطار الى الحجرة وهددت الشموع بالإطفاء . صعق إسحق وجرى حافي القدمين وحمالة بنطلونه فوق ساقيه وصرخ :
- سارة ! ماذا يعني كل هذا ؟ كيف تتجرئين بإدخال هؤلاء الناس إلى منزلي ؟
هدرت بصوت صارخ :
- لأن يعقوب يموت !
- انت مجنونة لأن هذا الصبي كشف عليه الدكتور كوزويل .منتديات ليلاس
اعترضه مات :
- ليس أمامنا وقت للجدال يا سيد إسحق, اين يعقوب ؟
صاحت سارة في هستيريا :
- إنه أعلى ... أسرع ... بسرعة !
تجاهل مات وجوه آل موست المدهوشة وصعد السلم بأقصى سرعة تسمح بها إصابته وسارة في اعقابه وعدما وصلا إلى العتبة أشارت إلى الحجرة , ما إن وصل مات إلى فراش الصبي حتى استعاد كفاءته وهدوءه الداخلي ليفحص بدقة ويسأل :
- منذ متى وهو يعاني ؟ ومنذ متى ارتفعت حرارته ؟ اية ادوية تعاطاها ؟
كانت آنا قد انسلت إلى داخل الحجرة والدموع في عينيها وتجيب على أسئلته بصوت خال من التعبير:
- لقد قال الطبيب إنها الإنفلونزا واعطاه اسبرين .منتديات ليلاس
لم يضيع مات وقته في نقد علاج كوزويل وركز على يعقوب وفحص حدقتيه ونبضه ومرر يديه الحاساستين للغاية فوق بطن الصبي الذي كان يتأوه عند أقل حركة .

Rehana 24-10-21 08:22 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
كانت سارة مستمرة في النحيب وسقطت على ركبتيها عند أسفل فراش الصبي , بينما وقف بقية افراد آل موست بعيداً في صمت عدا إسحق الذي كان يفح كالحية :
- لسنا في حاجة إليك , لدينا طبيبنا ودون تدخلك ...
ترك مات فحصه للصبي وتوجه إلى إسحق ووجهه متجمد :
- إن تدخلي سينقذ ابنك إذا استطعنا نقله في الحال إلى المستشفى ... إن الزائدة الدودية على وشك الانفجار.منتديات ليلاس
قتم وجه إسحق لأنه كان يعلم ان مات لا يكذب , سأل :
- وماذا يمكننا ان نفعل ؟
- الصلاة !
لم يكن لديهم تليفون لاستدعاء الإسعاف , لفوا يعقوب في بطانية ووضعوه في المقعد الخلفي لسيارة انجريد ورأسه على ركبة سارة وجلس مات بجوار انجريد , وإسحق وآنا استقرا في المقعد الخلفي من السيارة ستيشن واجون , كان مستشفى جينا عبارة عن مبنى من الطوب الأحمر على شكل حدوة الحصان به ملجأ للعجائز وبعض الأسرة في الجناح المقابل وتقع على حدود المدينة . وقفت سيارة انجريد امام لوحة الطوارئ الحمراء وفتح مات الباب الزجاجي وهو يحمل الطفل الذي يتأوه ويصرخ بين ذراعيه .
كانت سارة تجري بجواره وهي متعلقة بكم سويتر مات الجلدي كانت ممرضة الوردية سيدة في منتصف العمر وقابلتهم في ود , اعلن مات :
- أنا الدكتور مات من المستشفى العام مينيسوتا , إن هذا الصبي على وشك الإصابة بالالتهاب البريتوني وأود ان تعدوه لإجراء عملية اين يمكنني تطهير يدي ؟
أشارت إليه الممرضة :
- آخر البهو , سأستدعي إخصائي التخدير الذي سيصل بأسرع وقت ممكن .
قال مات وهو يبتعد :
- أسرع من ذلك .
اصطدم مات بالدكتور كوزويل الذي خرج من مكتبه وسيجار في فمه ليعرف من أين تأتي تلك الضجة.منتديات ليلاس
- الدكتور ثورن ولكن ماذا جاء بك إلى هنا ؟
- ليس لدي وقت للثرثرة يا كوزويل لدي عملية التهاب بريتوني حاد لابد من إجرائها .
قال كوزويل بصوت كالنباح :
- ولكنك لا يمكن ان تجريها بدلاً مني.
نظر اليه مات نظرة باردة:
- أتعتقد هذا ؟
قال كوزويل بصوت مختنق:
- ولكن هذا مخالف للتعليمات تماماً وأعارضه كلية.
- إنني أفضل ان أفتح كرشك بسكين قبل أن أدعك تقترب من هذا الصبي بمشرط الجراحة يا كوزويل , أتحب ان تجرب ؟
وقف الرجل البدين مذهولاً في مكانه بينما ذهب مات لينقذ حياة يعقوب موست بدا الانتظار امام الجميع بلا نهاية . كان والدا سارة جالسين على الاريكة المنخفضة وقد امسك كل منهما بيد الآخر للاطمئنان , بينما سارة تسير ذهاباً وإياباً تحاول ان تسكت قلقها حتى لا تصرخ من الإحباط . كان شعرها منسدلاً على ظهرها حتى منتصفه في هالة وحشية . انضمت إليها انجريد وامسكتها من وسطها واسندت رأسها على كتفها وقالت بصوت رقيق :
- إن مات طبيب ممتاز وعنيد كالبغل وسينقذ يعقوب .منتديات ليلاس
همهمت سارة :
- أعلم , إنني استطيع ان أتمنه على حياتي .
- هل تفعلين ذلك؟

Rehana 24-10-21 08:23 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
نظرت إليها انجريد نظرة طويلة متسائلة وعرفت سارة انها لا تكلمها عن مواهب شقيقها الطبية . في هذه اللحظة بالذات ظهر مات عند الطرف الآخر من البهو واتجه نحوهما وهو يعرج وبدا وجهه مرهقاً وقد زادت سنه عشر سنوات مما ظهر من تجاعيد حول فمه ومن التركيز الشديد . بعد ان قال بضع كلمات لإسحق وآنا اللذين استعما له بانتباه شديد ثم خفضا رأسيهما يدوعوان في سرهما ثم استدار نحو سارة وقال :
- إنه سينجو منها .
اهتز جسد سارة كله بالنحيب والارتجاف واغلقت عينيها ثم اخذت تبكي ودون تردد استكانت بين ذراعي مات واسندت خدها:
- كل شيء سيكون على مايرام يا حلوتي ! لقد تم إنقاذه .
ظلا على هذا الحال مدة طويلة دون ان يعيرا والديها اي اهتمام . إذا كان لن يستطيع ان يحتفظ بها للأبد فعلى الأقل إنه يحاول طمأنتها .منتديات ليلاس
رفعت سارة وجهها اليه وهي تقول :
- أشكرك لأنك انقذته يا مات , أنا احبك كثيراً.
- اعرف , أنا احبك ايضاً.
مرر اصابعه على شعرها وقال في نفسه : ولكنها لا تحبه مثلما يحبها , إنها لا تحبه بما يكفي .
بعد ذلك بفترة صحبهم ليروا يعقوب الذي كان لا يزال شبه مخدر . عندما بقيت سارة إلى جوار فراش الصبي , انفرد إسحق بمات في الدهليز وقال في انكسار :
- لقد حكمت عليك خطأ يا دكتور ثورن , لقد انقذت حياة ابني واشكرك على ذلك.
قال مات وعيناه مثبتتان على عيني العجوز:
- وسارة ؟
قال الرجل ووجهه مشوب بالحزن وليس الغضب :
- لا تصر على ذلك. إنها تنتمي إلى شعبنا وأنت لا تعرف شيئاً عن عاداتنا وهي لا تعرف شيئاً عن عاداتكم .
- ولكني احبها .منتديات ليلاس
- كيف تحبها بهذه السرعة , إنك بالكاد تعرفها ؟.
ابتسم مات ابتسامة ساخرة وقال :
- إنه امر غريب حقاً ! إنني فكرت تماماً مثلك , إنها عاشت طوال حياتها معك ولكنك لا تعرفها .منتديات ليلاس
- اعرف انها أميشية مثل اسرتها .
لم يجب مات وإنما ألقى نظرة نحو سارة التي كانت تبتسم لشقيقها ابتسامة وضاءة وقال لنفسه : إنه سيمنحها الاطفال والعائلة وكل شيء. ولكنها لم تطلب منه ذلك . ابتعد عنها ببطء .

نهاية الفصل

Rehana 30-10-21 05:51 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
الفصل الثاني عشر

ضحية اعتداء وضحية تعرضت لطلقات نارية ومحاولة انتحار فاشلة وقولون ملتهب وعشرات الحالات من الانفلونزا الآسيوية وراكب دراجة بخارية نسي ان يضع الخوذة واصطدم بشاحنة, إنه يوم عمل مثل بقية الأيام.
انهار مات فوق الاريكة البرتقالية في حجرة استراحة الاطباء وهو يعاني إرهاقاً لم يكن يرجع في الحقيقة إلى عمله اليومي المعتاد وإنما نابع من اعماق نفسه . لقد عاد إلى عمله منذ اربعة ايام وهو وقت مبكر على شفائه وفقاً لرأي كبير اطباء المستشفى وإن كان رحب بعودته انهمك في روتين العمل ومع ذلك احس مات بالفراغ العاطفي. ومسلك الغزل الذي اظهرته الممرضات لم يؤثر فيه لأول مرة في حياته وكان دائماً ما يخشى العودة إلى شقته الحالية في المساء. كان يعمل بطريقة آلية وإن كانت بكفاءة وفاعلية ومع ذلك كان دائماً شارداً ومشتتاً.منتديات ليلاس
كانت المدينة التي تعجبه سابقاً قد فقدت بريقها في عينيه , لقد اشتاق لحفيف اوراق الاشجار وهدوء ليالي الريف , وسارة بالذات كان يفتقدها بشدة. كان قلب مات ينقبض عندما يتذكر لحظة ركوبه الباص راحلاً إلى اوهايو , وبعد الرحيل عاد إلى عمله في عالمه .
اكتشف انه لم يعد يرغب الحياة في هذا العالم , لقد عاد لعمله لأنه مغرم بمساعدة الآخرين وعلاجهم ولكنه لا يريد ان يفعل هذا في هذا الوسط وهذه الأحوال.
كانت جوليا جالسة على مقعد برتقالي في مواجهته وقد اسندت ساقها فوق المائدة المنخفضة والمغطاة بالمجلات القديمة واقداح القهوة الكرتون الغارغة وكانت هالة شعرها المتوهجة قد لمتها في ضفيرة على كتفها وقالت له :
- هل ستستريح أم استدعي عمال المشرحة ؟
نهض مات ومرر اصابعه في شعره المنسدل على جبهته وقال :
- اتريدين الحقيقة ؟
- دائماً.
- لم يعد لي رغبة في العمل هنا.
- اعرف .
- ليس لأنني لم أعد اهتم وإنما طفح بي الكيل .منتديات ليلاس
- اعرف .
تجهم وجه مات :
- ماذا حدث؟ ألن تحاضريني عن ضرورة وجودي هنا في المستشفى؟
- لا , ليست هذه الجهة الوحيدة في العالم التي تحتاج لخدماتك الطبية , اتحب الحقيقة ؟
- افضل ذلك .
مالت جوليا إلى الأمام وذراعاها الطويلتان مسترخيتان على ساقيها المتباعدتين , قالت :
- لقد أصررت على عودتك لأنني اشتقت لك اكثر من أي شيء ولكني رأيتك تعيساً لدرجة رهيبة , اعتقد انه من الافضل ان تعود إلى حقول الذرة مرة اخرى لأنها الفردوس بالنسبة لك.

Rehana 30-10-21 05:52 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
تجهم وجه مات :
- ليس الفردوس وإنما مينيسوتا .
- لا تحول مجرى الحديث يا مات وإنما احاول ان اقول لك مايجب عليك ان تفعله .
- ارجو المعذرة .
- عد إلى هناك وتزوج واصبح سعيداً!
كانت تردد تلك العبارات وكأنها تنشد اغنية . قال مات وهو يبتسم في حزن :
- إنها خطة جديرة بالاهتمام .منتديات ليلاس
إنها خطة يفكر فيها منذ عودته . إنه سيشد الرحال إلى جينا وسيطرد ذلك الأفاق كوزويل وسيتزوج سارة ويجعلها تنجب اطفالاً كثيرين وسيعيشان سعيدين إلى آخر العمر . فقط إن سارة ليست هناك في انتظاره وهو يشك في ذلك , قال بصوت مشوب بالإنفعال :
- ولكن الأمر ليس بهذه البساطة.
- يفوز باللذات كل مغامر ...
***
كانت سارة جالسة على سريرها تتأمل حقيبة سفرها , لقد تأجل سفرها إلى أوهايو بسبب مرض يعقوب ولكن شقيقها الاصغر الشيطان عاد إلى حالته الطبيعية وإلى مكره المعتاد . وعليها ان تستقل الباص غداً. إنها مع ذلك لن تذهب إلى نهاية الرحلة .
ظلت ممزقة ليلاً ونهاراً وفي صراع مع تناقضاتها . كانت تكره فكرة ان تترك اسرتها ويعقوب بصفة خاصة . ولكن يعقوب ليس ابنها ولا يمكن ان تظل حبيسة لمجرد انها متعلقة به .
إن هذا غير صحي بالنسبة له ولها ثم من ناحية اخرى فإنه من الرياء ألا تترك عقيدة الآميش لمجرد الشعور بالواجب والأدهى من ذلك يكون السبب الجبن .
كانت طوال حياتها تحلم بشيء مختلف وتعرف انها ليست اميشية وإنما تتظاهر بذلك. ودائماً ما كانت تخشى رغم احلامها ان تترك مقر عشيرتها الصغيرة . وهل تثق بمات كما اخبرتها انجريد عندما طلبت منها ان تترك اهلها وتذهب إليه ؟
لقد كانت الإجابة نعم والسؤال الآخر : هل يحبها مات لدرجة ان يدخلها عالمه الخاص ويحيمها من أسوأ اخطاره ؟ وهل يحبها بما يكفي ان يقبل ما تقدمه له ؟ ورغم خوفها من ان تكتشف انه نسيها بالفعل فيجب عليها ان تتأكد بنفسها .ريحانة
انفتح باب حجرتها لتجد أمها تحمل بطانية ضخمة بنفسجية في اسود فوق ذراعها , وسألتها :
- انت مستعدة يا سارة ؟
نظرت سارة إلى امها نظرة تضرع محاولة ان تفهم :
- لن اذهب إلى أوهايو يا أمي !
همهمت آنا موست والدموع في عينيها :
- اعرف , لقد كنت دائماً اعرف ان لن تستمري معنا , إن روحك تنتمي إلى عالم آخر وقلبك ينتمي إلى طبيبك .
- ألا تكرهينني؟ , إنني احبه لدرجة الخطئية .
- إنني لا أكرهك يا ابنتي , وهو أمر مكتوب دائماً وهي إرادة الرب.
همست سارة من بين دموعها قبل ان تنهض لتحضنها :
- اوه يا أمي.
قالت آنا :
- لقد حضرت لك هذه .
مررت سارة يدها على النسيج اليدوي الناعم وضمن تقاليد الآميش ان تقدم الأم لابنتها بطانية صوفية من صنع يدها عندما تتزوج . كانت سارة لا تزال تمتلك تلك التي قدمتها لها أمها عند زواجها بصمويل , همست :
- كم هي جميلة !

Rehana 30-10-21 05:52 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
قالت آنا :
- إنها من اجل حياتك الجديدة , كوني سعيدة يا سارة واعلمي انك ستظلين ابنتي وداخل قلبي .
***
ابطأ مات من سرعة سيارته الجاجواز عند مدخل جينا وظل في صبر وراء العربة الآميشية المربوطة في جواد اسود . بدأت السيارة التي خلفه نقيرها في ضجة فاخرج ذراعه ليشير للسائق ان يهدأ.الا يعلم هذا الإنسان غير الصبور انه في ركن من العالم يأخذ فيه كل شيء وقته ؟
استدرات العربة عند ناصية ولكن الباص كان يعترض الطريق الرئيسي , وبسبب السيارات القادمة من الطريق المعاكس لم يعد هناك منفذ للمرور . انتهز مات الفرصة ليعيد دراسة خطته . سيذهب اولاً لمقابلة انجريد التي تعرف دون شك اسماء اقارب سارة في أوهايو ثم يقابل سارة ويبذل قصارى جهده لإقناعها انها لا تنتمي بأي حال إلى عالمها وإنما لعالمه هو .منتديات ليلاس
اخذ يمسح بعينيه مجموعات السائحين الذين ينزلون من الباص ويتوجهون نحو حانوت الهدايا ومجموعة صغيرة اخرى من الاشخاص لا شك انهم في انتظار صعود الباص آخر وهم واقفون تحت حماية جدار من الطوب الأحمر واثارت انتابهه .
كانت المجموعة مكونة من زوجين عجوزين وجندي صغير حليق الرأس ومن سارة اميشية داخل معطف اسود . شدد مات قبضته على عجلة القيادة وبدأ قلبه يدق في جنون . إنها سارة ! كيف حدث هذا ؟ إنها موجودة في اوهايو .
كانت سارة بعيدة جداً ومختفية تحت قبعتها الضخمة مما تعذر معه التعرف على ملامحها ولكن شيئاً ما أكد له انها هي ... القطعة التي تنقص قلبه .
لما لم يكن لديه اية وسيلة لركن السيارة ولا للتقدم او التراجع ترك بكل بساطة سيارته الثمينة خلف الباص واخذ ينادي :
- سارة ! سارة ! لا ترحلي وانتظري.
احست سارة وكأن صاعقة انقضت عليها في اللحظة التي كان فيها الباص سيقلها إلى مينيا بوليس إلى مات . هاهو نفسه يظهر بمعجزة على الجانب الآخر من الطريق , لقد عاد من أجلها .ريحانة
صاحت سارة وهي تخلع قبعتها الثقيلة اخذت تلوح بها في كل اتجاه ووجهها مضيء من الفرح.
- مات !
عبر الطريق وكأنه في سباق دولي ودون ان يسمع نقير الشاحنة الضخمة الآتية من الاتجاه المعاكس والذي افلت منه بمقدار شعرة . لقد تبقى امامها عدة دقائق قبل رحيل الباص وسيحاول فيها ان يقنعها ان تتزوجه .
على اية حال لقد سقطت صريعة حبه في الحال . وإذا لم يتمكن من إقناعها قبل رحيل الباص فإنه سيصعد معها داخله ويتضرع إليها حتى يصلا إلى اوهايو , وسينتهي بها الأمر ان تقيل على الأقل حتى تحظى بالهدوء وتتخلص من إلحاحه , وبخته :
- مات ايها الحيوان الضخم , لقد اوشكت الشاحنة ان تصرعك.
كان مقطوع الانفاس والرياح ترفع شعره البني عالياً . كان مليحاً وقوياً ورجولياً أكثر مما قبل , وقف امامها وقد دس يديه في حزام الجينز , قال لها بابتسامة طفولية :
- انا طبيب واستطيع ان اشفي نفسي .
- ستحكي عن ذلك كثيراً.
- في الحقيقة كنت افكر ان باسطاعتي معالجة جروحي إلى ان اكتشفت انني لا استطيع ان اصلح قلبي المكسور , لقد اتيت إلى هنا لأقابل شخصاً عزيزاً وخاصاً إلى قلبي وساعدني من قبل على الشفاء .
لمست سارة جرح ذقنه بأصابعها وكلها حب .
- بدونك يا مات لا املك شيئاً.ريحانة
- إذن لماذا انت راحلة ؟

Rehana 30-10-21 05:52 PM

رد: 107 - باب النعيم ( من روايات الحان المكتوبة )
 
- إنني لم اكن راحلة وإنما كنت مسافرة لأقابلك يا مات , أنا احبك واريد ان اشاركك عالمك.
انفتحت الأبواب الآلية للباص الضخم في صوت كالفحيح ورفع مات عينيه إلى اللوحة الموجودة خلف الزجاج الأمامي حيث قرأ مينيا بولس .
احس بارتياح يجتاحه واطلق صيحة فرح عارمة جعلت كل المارة يلتفتون نحوه . كانت كل القوة التي هربت منه قد عادت إليه مرة ثانية فجأة .منتديات ليلاس
ظل يطلق صيحات الفرح وهو يحمل سارة ويلقيها في الهواء وكأنها طفلة ثم وضعها على الارض بحركة رزينة وخلع مشابك شعرها الفاخر الذي كان ينسدل حتى وسطها .
قال لها السائق :
- قولا لي ! هل ستصعدان أم لا ؟
قال مات وهو يشير بيده :
- ارحل بدوننا .
كان مشغولاً بالمرأة المحبوبة التي سيعزها طوال حياتها والتي ستضيء حياته وستنجب له اطفالاً سعداء , كرر كلامه للسائق :
- ارحل لأننا في وطننا .

تمت


الساعة الآن 01:16 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية