لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-01-16, 08:38 AM   المشاركة رقم: 626
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافيـة


مبروك لكل الممتحنين اللي خلصوا امتحاناتهم وللناجحين المثابرين :$ والله يوفق اللي للحين يكافح عسى ربي يسعل عليكم كل عسير ...

تناولوا جزء اليوم اللي الكثير ينتظره بفارغ الصبـر، اكثر سؤال تكرر لي قبل ثلاثة اسابيع كان واحد ، وهو متى يصير كذا وكذا .. واليوم صار * غمزة *


بسم الله نبدأ :
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات ..


(63)




تنطفِئُ الأنـوار في عتمةِ الليلِ ويغيبُ عن ضوئِها القمر، اليومَ نحنُ مبتعدُون عن منتصفِ الشهرِ والقمرُ يتوارى في ضوءٍ خافتٍ لا يُسعفُ ظلامنا.
كل شيءٍ ينقُص أو يغيب، لا الشمسُ دائمةٌ بنورها ولا القمرُ دائمُ البزوغِ والكمـال.
يجلسُ في الصالـة أمام التلفازِ المُنطَفِئ، الأنوارُ تتلاشى بفعلِ يديه التي أزهقتها، عدا من نورٍ قليلٍ تسلل في لحظةِ خوفٍ منه من أن يبتلع الظلام القبسَ في ذاتِه، القبسَ الوحيد الذي يثبت له أنّه يعيشُ حتى هذهِ اللحظـة.
بدأ الشرودُ يغتالهُ أكثر هذهِ الأيـام، يُفكّر في أيامِه القادمـة، كيف ستكُون؟ الآن هو موقنٌ أكثر من أيِّ وقتٍ سابقٍ أنه يريدها فعلًا! أنّه لن يتركها للحيـاة هذهِ المرّة، أنه يحتاجها وهذا الإحتيـاج لطالما إن واتاه شعرَ بغرابته! قتلها من حياتِه لسنينَ وخدعَ ذاته بظنّه ذاك، هي لم تمُت، لازالت في صدرهِ تحتضر، حتى الاحتضـار لا يقترنُ بها! هي تحيا، تحيا بطريقةٍ مُرعبة، بطريقةٍ لا يعلم كيف بدأت وأين ستنتهي، هي تكبُر بسطوتها التي يستنكرُ بأسها، كيف جئتِ؟ كيفَ خُلقتِ فيّ؟ أريد فقط أن أفهم كيفَ للحبِّ أن يجيء بسرعةٍ ودونما بادرةٍ وسبب؟ أن يجيء في صورةِ طفلةٍ كبرَت وبقيَت في صدري طفلة. آذآها كثيرًا! آذاها بصورةٍ لا يعلمُ كيفَ قام بها، كيفَ قرنها بذاتِه ملكًا لهُ أربعة عشرَ سنةٍ وابتعدَ بصمت!
أدارَ حلقةَ الزمنِ قليلًا إلى الوراء، ورآها الآن من جديدٍ تجلُس أمام بابِ الدّار الذي علمَه من أمها! أمها التي لجأ إليها في نهايةِ المطـافِ حتى تُخبره في أيِّ دارٍ هي بعد أن رفضَ والدها أن يخبره! أمها التي أنكرت أنها تعلم لكنّه لم يصدق! فهو يدرك أن لا خافية تخفى عليها حتى وإن لم تكُن تهتم بها، وأخبرته أخيرًا على مضضٍ أنها في مكانِ كذا وكذا، ومن ثمّ ألحقَت بعنوانِ المكـان صدمةً أخرى بأن " عائلةً كفلتها ".
لازال يتذكّر ذلك النهار بحذافِيره، كل حديثٍ دارَ بينهُ وبينها، في أوجِ شعلة الريـاض، في إحدى نهاراتِها المُحرقةِ لروحِه/لقلبه، كان نهارًا مُغبرًا، أجواؤُها ذلك اليومَ يُخبره كم وسّخهُ الترابُ على مدى سنوات، كم لُوّثَ بكلماتٍ قليلةٍ منها، كم أنّه كان طائشًا! طائشًا حينَ تزوجها بتلك الطريقة، لكنّ طيشهُ كان أشد حين اندلعَ في صدرهِ الطيشُ وتركها للزمنِ وكأنها لا تلتحق بِه.
كان عُمري عشرون عامًا! عشرون عامًا يا نجلاء أسفلَ أهدابِك، عشرون عامًا متوسدًا البشاعةَ والطيْش، كنتُ في تلك اللحظـات في عمرٍ كان لابد لي من أن أكُون أكثرَ تعقّلًا فيهِ كرجُل، لكنني لم أكُن كذلك، كنت طائشًا، وعذري لا يمحو ذنبي، لكن سامحي طيشي!

*

أدهم بلهفة : هالمرة ما تكذبين، صح؟ ما تكذبين؟!!
نظرَت إليه رقيّة بسخريةٍ وببرودها المعتاد وهي ترفعُ إحدى حاجبيها : لا تتحمّس كثير! منت محصّلها!
عقدَ حاجبيهِ واكتسى القلقُ ملامحه، اقتربَ منها في حينِ كانت هي تجلسُ على أريكةِ الصـالةِ الحمراء وتحتسي الشاي ببرود، وبنبرةٍ قلقَةٍ لفظ : وش تقصدين؟
رقية بابتسامةٍ بـاردة وهي تضعُ ساقـًا على أخرى : بالأول أبوك يدري إنك جيت لعندي؟
أدهم بانفعال : ما عليك الحين من أبُوي علميني وش قصدك من هالكلام؟
ضحكَت برقةٍ وهي تُنزل ساقها اليُسرى عنِ اليمنى وتضع كأس الشايِ على الطاولة، وبنظراتٍ رقيقة وشفاهها تبتسم : اجلس طيب خلني أضيّفك.
أدهم يشدُّ على قبضتيه يحـاول السيطرةَ على انفعالاتِه، ومن بينِ أسنانه : رقيّة خلينـا من ....
قاطعته بحدةٍ وهي ترفعُ إحدى حاجبيها : عمتي رقيّة! لا تنسى ويكُون أدبك معي صفر بعَد مثل أبوك اللي طردني بأنصاص الليالي ، هه ، عايلة غبية مدري وش هالشين بحظي اللي طيّحني عليكم!!
أدهم بقهرٍ من كلماتها : وش هالشين اللي عندنا وعند بنتك اللي خلانا نرتبط فيك وأنتِ الصادقة.
ابتسمَت بحنقٍ غلّفته بنبرةٍ متهكّمة : أوووه شايل هم بنتي مرة؟!
وقفَت لتنفضَ ثوبها الليموني الذي يلتف حول جسدها الرشيقِ ومن ثمّ اقتربت منهُ لتقف أمامهُ مباشرةً وترفعَ كفّها لتضعها على كتفه، وبابتسامةٍ ساحـرة وصوتها يخفت برقّته : بنتي أنا أعرف وش المناسب لها أو لا ، أنت!! * رمقتهُ باحتقـار * عار عليها عشان تتجرّأ وتحطّها ببالك.
أدهم بحنق : الحين صرتِ تفكرين فيها؟
رقية : مممم تقدِر تقول كذا! مهما كان اللي سوّيته ومهما كنت أنا اللي وصلتها لهالمستوى تراني أم! عادي بكون سيئة بس بحِنّ ، عشان كذا حرِصت إن عائلة كويّسة ماديًا ومن كل النواحي تتكفلها وتعيّشها بشكل لائق.
أردفت بانتصـار : وهذا اللي قصدته بكلامي إنك ماراح تحصّلها.
أجفلَت ملامحه بصدمة، غادرَ البريقُ عينـاه وأظلمَت أحداقـه، كيف ذلك؟ وما معنى الكلام الذي يسمعْ؟ هل يعني أنها ابتعدت؟ أن هنـاك مسافةً غامضةً صُنعت بينهما ولا يعرفها؟ أنّ الدربَ تشعّب ولم يعد يدرك أيَّ تشعبٍ لابد لهُ من عبُوره حتى يصلَ إليها! حتى ينتشلها من جُورِ الدنيـا وطُغيـانها.
ارتعشَ الأكسجين بين شفاههِ قبل أن يزدردَ ريقهُ بصعوبةٍ ويلفظَ بنبرةٍ يتساقطُ عنها الثبـات كأوراقٍ تلفظها الأغصـان : عائلة كفلتها؟ متى وشلون؟!! * بصرخةٍ لم يستطِع قمعها من صوته * أنتِ وأبُوها فالحين بس ترمونها من مكان لمكان؟
رقيّة بحدةٍ وهي تتراجعَ للخلفِ انفعالًا من اعتلاءِ نبرته : أجـل رمية أبوها عاديـة عشان أخليها في هذاك المكان القذر؟!
أدهم بغضبٍ ووجههُ يشتعل حرارةً تكادُ تحرقه : أنتِ منبع القذارة ، أنتِ اللي أرخصتي عمرك ووصلتيها لهالمكان !!أنتِ السبب بكل شيء يا قـذرة.
أختتمَت كلماتهُ تلكَ بكفها التي اصتدمَت بوجنتهِ بقوةٍ وهي تشدُّ على أسنانها بغضب، صفعتهُ بحجمِ الكلماتِ التي قالها، ومن ثمّ صرخَ صوتُها بغضب : تبيها؟ تبي هالطفلة لك؟ تبطي ما تنولها يا واطي ، مو على آخرتها بنتي من بطني تنتمي للشـارع اللي يتلخّص فيك! خذها مني يا ولد أبُوك الحيوان ، بنتي بتكبر بهذيك العيلة وبحرص إنها تتزوّج ولدهم الكبير بعد ، وصلك العلم؟
تراجعَ للخلفِ وعينـاهُ تشتعلانِ بحقد، مسحَت كفّه الخشنة على وجنتهِ وهو يتنفّس بثقلِ كرههِ لها وبثقلِ الحقدِ في صدرِه، ابتسمَ بسخريةٍ متحدّية، والتوَت الكلمـات في فمهِ بوعيدٍ وهو يلفظُ بهمس : تتزوّج ولدهم؟ هههههههههههههههه يا كبر أحلامك! بنتك ارتبط مصيرها فيني وانتهى أي رجّال غيري من حياتها . . بنتك لي! لي وبتفهمين مع الزمَن هالكلام وبتندمين قد شعر راسك على هالكف وكل كلمة قلتيها ضدِي * أردف بسخرية * لو كنتِ فعلًا مهتمّة لأمرها.
ابتسمَت باستخفافٍ وهي تراه يبتعدُ بغضبٍ ويرمي زرّ قميصه العلوي الذي كان يفتحهُ بانفعالٍ فتمزّق، خرجَ ليُطبقَ الباب من خلفهِ بقوّة، اقتربَ من سيّارته ليقفَ أمـام البابِ أخيرًا، اتّكأ عليه وهو يتنفسُ بقوةٍ ويُمرر أنامله بين خصلاتِ شعره اللولبيةَ مغمضًا عينيه بحنق، لافظًا من بينِ أسنانه : حقيرة ، حقيرة ، * رفسَ إطار السيارة ليصرخ * الله ياخذك يـا ***
شدّ على أسنانهِ وهوَ ينظُر للسمـاء التي تتلوّنُ بالغبـار، الهواءُ يبدأُ بالتلوّث بالأتربةِ التي تحمِل معها حصـاةً تكفي لتحطيمِ كل الوعيِ فيه، الجُزيئات الصغيرةُ كافيةً لكسرِه، المخلوقات التي نؤمنُ بضعفها لطالما كانت هي من تكسرنا، كالإنـاث!
تحرّك جسدهُ الصلب ليستديرَ للباب ويفتحه، صعد للسيـارة وأغلق الباب بقوّةٍ ليتحرّك باندفـاعٍ غاضب وهو يطلقُ عليها أشدَّ اللعنـات والشتائم التي وصَلت إلى أحمد ومرّ البعضُ منها إلى نجـلاء دونَ شعورٍ منه.
بقيَ يقُود لدقائـقَ طويلة، بإدراكٍ لم يكُن تامًا، بإدراكٍ لم يجعلهُ يستوعبُ بأنّ الطريقَ الذي كان يقُودُ إليه هو نفسُه طريق دُور الأيتـام الذي أخبرتهُ عنه رقيّـة، الذي قالت بأنّها لم تعُد متواجدةً فيه، وبأنّه لن يراها أبدًا.
توقّف بعد ثلثِ ساعةٍ أو نصفًا، نظَر ببهوتٍ للمكـان الذي توقّفَ فيه، أغمضَ عينيه بقوّةٍ وهو يُخفض رأسه ويضربهُ بالمقودِ بعنف، ما الذي يفعله؟ ما الجنُون الذي تلبّسه! لمَ يهتمُّ بها أصلًا حدَّ أن يتزوجَ بها؟ أن يتزوّج بطفلةٍ لم تتجاوز عامها الثامـنَ بعد!!! .. ابتسمَ ابتسامةً ضيّقةً سُرعـان ما تحوّلت لضحكةٍ قصيرةٍ بُترَت بسخريته، رفعَ رأسهُ والضيقُ يسكُن بين مساماتِ وجهه، نظراتهُ تفتُر وتُحشرُ في زاويـةِ الانهـزام.
أجفلَ فجأة! واتّسعَت عينـاه وهو يرى طفلةً تتحرّك نحوَ الشارعِ خارجةً من بابِ ذاك الميتمِ بتمردِ يديها اللتين تُدافعـان عن ذاتِها ضدَّ الأطفـال اللذينَ يُشاجرونها بتمرّد، نظرَ لوجهها الطفوليِّ بتركيز، ملامحها! ملامح رقيّة! . . ازدردَ ريقهُ دونَ تصديقٍ وهو يدقّقُ في تفاصيلها الناعمـة، عينيها البريئتين، أنفها الصغير الذي احمرَّ بسببِ بُكائِها، شفتيها اللتين ترتعشـان بصراخٍ غاضبٍ ومستوجعٍ على أولئِك الأطفـال اللذين يزعجونها.
هي! هي أم أنّه بات يتوهّم ويصدّق أشيـاء مستحيلة؟ ما الذي جـاء بها هُنا؟ ألم تقُل رقيّة بأنها كُفلت من عائلةٍ مـا؟ فكيفَ جاءت هنا؟ بل كيفَ يصدّق بأنها هي؟!! . . ضحكَ بسخريةٍ من نفسهِ وهو يهزُّ رأسه بالنفي، يالشفقتكَ على نفسك يا أدهم! هل جُننت بسبب طفلةٍ لم تشعُر بها سوى لأيـامٍ قليلة؟ أنت حتى لا تدري ما معنى هذا التعلّق بها!! يا لجنونـِك .. ليست هي! ليسَت هي!!!
أشـاح بنظراتِه عنها وهو يقنعُ نفسه بذلك، لكنّه وجدَ أحداقه تستسلمُ رغمًا عنهُ وتعُود لتأمّلها بعد أن جلسَت أمام البابِ تبكي وقد ذهبَ الأطفـال من حولها .. بل هي! ذاتُ الملامحِ رُسمَت على وجهها، عيناها البريئتـان! هي نفسُها!! نفسُ عينيّ الطفلـة!!!
وجدَ نفسه يفتحُ سيّارتهُ دونَ شعُور، كيف صدّق امها؟ لمَ لا تكُون هي الكـاذبة التي اختلقت تلكَ القصة حتى تُبعدهُ عنها؟ أجل ، بالتأكيد كذبَت تلك الحرباءة فمنذ متى كانت تهتمُّ بها!!!
تحرّكت خطواتهُ دونَ شعورٍ منه بشكلٍ واسعٍ حتى يصِل إليها، وقفَ أمامها مباشرةً وهو ينظُر لوجهها الطفُولي ببهوت! وجهها الذي رفعتهُ للذي ظلّلها عن الشمسِ بعد أن خفتَ الغُبـار وتراجَع، تفغَر فمها الورديَّ الصغيرَ ببراءةٍ وهي تنظُر لهُ بعينين متّسعتـان تُبحرُ فوقَ أمواجِ الدمـوع.
تنفّس بحشرجةٍ وحنـانٍ تجاهها، بالرغمِ من قهرهِ من أمّها، بالرغم من كلِّ شيء، من كلماتِها، من وعيدها له، من احتقـارها له، إلّا أنه ما إن رأى ملامحها الطُفولية حتى تهلّلت نظرتُه بالشوقِ والحنـانِ الدافقِ إليها.
انخفضَ قليلًا نحوَ الأرضِ ليجلسَ القُرفصـاءَ أمامها، وبنبرةٍ حنونة : ليش تبكين؟
همسَت ببهوتٍ وهي تقوّس شفتيها قليلًا : أبغى بابا وماما !!
عقدَ حاجبيه باستنكـارٍ وهو يرفعُ يدهُ ويضعها على رأسه : بابا وماما؟!!
أومأت وهي تقوّس شفتيها أكثر ودموعها تسقُط بكرمٍ حاتميٍّ بكّـاء، تأمّلها بصمت، ولم يُجهد ذاتهُ بالتفكيـر في معنى " بابا وماما "، تأمّل ملامحها الصغيرةَ وتقويسةُ البُكاءِ في فمها، عيُونها الملتمعة بالدموعِ ووجنتيها المترسّب عليهما ملوحتُها.
هل هذهِ هيَ حقًّا؟ بذاتِ نعومةِ شعرها الأسـود، بذاتِ الكثافـةِ التي تُغريهِ ليُبحر بينها .. أخفضَ يدهُ ليداعبَ وجنتها ؛ بذاتِ نعومةِ وجنتها! قطنيّةِ ملامحها!! هيَ! نعم هي، كيفَ لا يعرفها؟ كيفَ لا يُدركها وهو الذي يهتدي إليها بنعومةِ وجنتيها التي لم يلمس مثلها قط!!
انحنَى تلقائيًا ليدفُن شفتيه بين خصلاتِ شعرها ويقبّلها، انحدرَت شفاههُ أكثر ليقبّل وجنتها الناعمـة، لينثرَ رقّتهُ فوقَ بشرتها، على أنفها، وعينيها، وجبينها! بينما كانت هي فاغرةً فمها باستغرابٍ من هذا الرجُل الغريب الذي جاءَ يقبّلها فجأةً وهو الذي لا يعرفها!!
آه يا إلهي! لازالت طفلة، لازالت في منشفتها ومهدها، لازالت بنعومتِها، لازالت السنينُ تقف عند أيامٍ كانت فيها لم تتجاوزِ الشهر! يا الله يا جنُونه! تزوّج طفلـة؟ تزوّجَ طفلــة!!! .. وكأنّه لم يستوعب فداحةَ ما فعلَ إلّا الآن، تزوّج طفلةً يا الله لم تتجاوز ثمانِ سنينَ من العُمر، جنَّ جنونهُ وقيّد معصميها بِه.
عضَّ شفتهُ وهو يجتذبها إلى صدرهِ ويحتضنها بحنانٍ وقبلاتهُ لازالت تنتثرُ على شعرِها، حينها بدأت هي ترتعشُ بعد أن خافت منه ومن التصاقِه الغريبِ بها وهي لا تعرفه ! حاولَت أن تبتعدَ بضعفٍ وهي تبكِي بينما هو يمسحُ على شعرها ويهمسُ بحنان : هششش يا طفلتي! ماني مأذيك فوق الجنُون اللي سوّيته * ابتسمَ وهو يلفُّ خصلات شعرها حول اصبعه * عادي صح؟ ليه أحس إنّي سويت جريمة؟ الرسول تزوّج عائشة وعمرها ٧ سنين، أصغر منّك بسنة ، ما سويت جريمة صح؟!
لم تردَّ عليه وهي تشعُر بالغرابـةِ والخوفِ بين أضلعه، جسدها الصغيرُ تلاشى بينَ أحضـانه والخوفُ ألجمَ صوتَها . . أبعدَها عنهُ قليلًا ليقبّل جبينها بعمقٍ قبلةً أخيـرة، قبلةً ودّعها فيها لبعضِ الوقتِ فقط، لأيّـامٍ وهو يقولها في قرارةِ نفسـه، سيعُودُ إليها، سيعُود إليها بعد أن يجبرَ والدها على تصحيحِ أخطائِه وتيسير أوضاعها بانسيابيّةٍ بعد كلِّ جنُونه.
سيعــود! قالها يومذاك لنفسه، قالها لهـا، ومن ثمَّ رحـل، رحـل ولم يظنَّ لوهلةٍ أنّه سيعُود ليجدها رحلَت هي! لم يظنَّ لوهلةٍ أنّ والدتها كانت صـادقةً في كلِّ ما قـالته.
غابَت عنهُ سنينَ أُخَر، وحينَ وجدها مرّةً أخـرى كانت امرأة! امرأةً احتفظَت بصورتِه في عقلِ الطفلـة كرجُلٍ غريبٍ احتضنها وقبّلها وخافَت منه!!!


،


كان يضعُ الكمّادةَ الباردة على شفتهِ المتورمة، لازالت ملامحهُ متعسّرةَ الليونة وهو يستعيدُ استقبال فمهِ لقدمِ بدر، ومن ثمّ حين بصقَ دماءهُ على وجهه، احتدّت ملامحهُ أكثر وهو يضغطُ الكمادة بقوّةٍ على فمهِ وشتائمُ ولعناتٍ تخرج من بين شفاههِ المتورّمـة، تمنّى لو استطـاع قتلهُ في تلكَ اللحظـات من شدّةِ ما استفزه ما حدث، من هوَ هذا الأحمقُ ليفعل ما فعل؟ من هو ليتطاول عليه؟! من هــو؟؟
شدَّ على أسنانِه بقوّةٍ في حينِ كان سعُود يتحرّك أمامه جيئةً وذهابًا بغضبٍ من فشلِهما والقبضِ على محمّد، يضعُ كفيْه المتشابكَانِ خلفَ ظهرهِ وشفاههُ تهتزُّ بكلماتٍ حانقةٍ وشتائمَ يُلقيها على العالمِ أجمـع وأوّلهم تميم الذي لم يعُد إلا متأخرًا من شدّةِ استهتـارِه حتى أنّه ظنّ بأنه قُبض عليه معه.
استدارَ إليه وعينـاه تشتعلانِ بنيرانٍ غاضبة، في حينِ كان تميم يصدُّ عنه متجاهلًا لكلِّ انفعالاته التي هو متأكدٌ بأنّها قادمـةٌ باتّجاههِ في استقامـة، ولم تكد تمرُّ ثانيتين على أفكـاره تلك حتى اندفعَ صوتُ سعود صارخًا بغضبٍ وحنق : شلوووون يا الحمار وش صـار بالضبط؟ شلون غلطتوا بهالشكل والفرصة كانت قدّامكم ؟ * بعيونٍ متّقدة * سويت شيء يا المسعور؟ أعرفك كلب ما يعرف طريقه من التهوّر شوي وأحلف إنّك السبب!!
ابتسمَ تميم بسخريةٍ وهو يضعُ سبّابته على الجهةِ المتورمة من شفتهِ السُفلى ويُنزل الكمّادة على الطاولة أمامـه، وبسخريةٍ لاذعـة : وش بسوّي يعني؟ .. والا أقولك، الكذب حرام وأنا ما أخافك صراحة يعني مدري ليش مخوّف العالم أنت يا الشايب.
وجهَ نظراته الساخرةَ إليه وهو يضحك ضحكةً خافتـة ليلمحَ لهيبَ أحداقه، وبابتسامة وديعة : شوف هو صراحـة أنا ما قصدت أخلي كل شيء يفشل كل اللي سويته اني قلت له يلحقني وأنا كنت أجهّز السيـارة بس بعدين طلع إنّ بدر مخطط ومسوي إنّه الغبي وطلع وراه ناس انتبهوا لي فما لقيت حل إلا أني أحرك السيارة وأشرد.
سعود الذي اتّسعت عينـاه بغضب، صرخ في وجهه : تركته بروحه يا حيوااان؟!!
تميم بذاتِ ابتسامته الوديعة واللا مبالية : فكّر فيها من الناحية الإيجابية لو إني ظليت معه كانوا مسكوا ولد بنتك بعد! تراني غالي عارف عارف.
نطق جملته الأخيرة بسخريةٍ ليرمقهُ سعود بوعيدٍ إن لم يصمُت، حينها زفَر تميم بضجرٍ وهو يمرر لسانهُ على شفتيه، وبحنق : شف شف وش صار بوجهي حسبي الله بس، ليتك تفزْ وتنقهر على التشويه اللي صـار بملامح زوجتك المرحومة.
سعود بحنق : اسكت اسكت لا بارك الله بملامحك ذي وش بقيت للحريم؟
تميم دونَ مبالاةٍ وضعَ ساقًا على أخرى وفرشَ ذراعيه على ظهرِ المقعدِ من خلفهِ ليهتفَ بتساؤل : لا جد جد جدي العزيز الغالي شلون تعرّفت عليها وتزوجتها خابر بزمانكم مافيه علاقة مباشرة مع الحريم خصوصًا لو كانت أجنبية، وبعدين هي شلون قبلت فيك على جمالها وشينك؟
سعود بحدّة : وش جاب هالطاري الحين شايفني رايق لك؟ وبعدين تراك صاير قليل أدب بزيادة قاعد تتمادى يوم عن يوم!!
تميم بابتسامة : يارب بس ليه الحق يوجع! قلتلك من شوي الكذب حرام ماني مكذّب عليك ...
أمال رأسهُ قليلًا وهو يميلُ فمه معهُ ليعُود لذاتِ الموضوع : الحين جد علّمني شلون تزوّجتها؟ عاد لو إنّكم عيال عم مثل أمي وأبوي كانت بلعَتْ العافية وتزوجتك غصب على شينك، بس أجنبية شحليلها والله! شكلها كانت قنوعة ..
سعود يجلسُ على المقعد الذي أمامه بلا مبالاةٍ ليلتقطَ كوبَ الماء ويشربَ منه، وبنبرةٍ حازمـة : صدق ما بقيت للحريم شيء على سوالفك ذي!
تميم بسخرية : ظالمينا يا الرجـال زود على ما البكاء والضعف محرّم علينا لأنه خُلق للحريم حتى السوالف بعد!
سعود : حلطمتك زايدة بعد.
تميم بتجاهل : يقولون في العلم إن الجينات تكون مقسومة بالتساوي في التزاوج نصها من الرجّال ونصها من المرة بس عندك أنا أشك إنّ فيه لخبطة بيولوجية أو إن العلم غلطان ، شكل حمل جدتي بأمي كان فيه ثلاث أرباع جيناتك وربع بس من جدتِي الجميلة ، أساسًا أمي ما كانت جميلة أبدًا! حتى أبوي، يا الله عائلة الرازن كلها شينة!!!
كتمَ سعود بسمتهُ ليلفظ بسخرية : وين راح كلام الأدبـاء والفلاسفة والناس عمومًا بأن الأم أجمل امرأة بالنسبة للرجُل؟
تميم : وأنا شدخلني فيهم أنا انسان صريح، هذول كذّابين.
أردفَ وهو يرفعُ إحدى حاجبيه ويبتسمُ بعبث : أكبر نعمة بحياتِي إني ما جمعَت جيناتكم فيني والا كنت بكون أقبح رجُل في العالم، شكرًا يارب على نعمة جدّتي.
انفجرَ سعود ضاحكًا بعد أن أصبحَ كبحه لضحكهِ صعبًا، حينها ابتسمَ تميم بسخرية : وثاني أكبر نعمة إنك ضحكت.
سعُود يصمتُ عن الضحكِ وينظُر إليه بجدّية : خلاص قم عطيتك وجه، خلني الحين أفكّر بالمصيبة اللي طاحت على راسي منك ومن الخبل الثاني.
وقفَ تميم دُون مبالاةٍ وهو يدلّك كتفه : صدّقني أمي في السماء زعلانة منّك بعد ما ضيعت مستقبلي بهالطريق السيء وما صنعت مني شخص شريف.
حملَ سعُود الكوب الزجـاجي من الطاولـة ليرفعهُ حتى يرميه به حينها ضحكَ تميم وهو يتّجه للبـاب ويهتفُ ساخرًا : ما تقدر تذبحني وراي منافع لك.


يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 07-01-16, 08:40 AM   المشاركة رقم: 627
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 






،


صباحَ الريـاض، ككل الصباحاتِ يبدأ هادئًا، مُسالمًا، يغسلُ أوجـاع الليلةِ السابقـة أو على الأحرى - يدثّرها - بتناسٍ مؤقت . . أغلقَ باب الشقّة بعد دخوله وفي إحدى كفيْه يحمل كيسَ الفطُور الذي أخذهُ من المطعمِ المجـاوِر، وضعه على الطاولةِ في منتصفِ الصالـة ومن ثمَّ نظر إلى بابِ غرفتها، يشعُر بالقليلِ من الحِيرةِ نحوها، اليوم حين طرقَ باب غرفتها بعد أن نهضَ من نومهِ متأخرًا على غيرِ عادته، كانت وقتها مستيقظة، عاتبها على عدمِ إيقاظها له من أجِل الصلاة التي أقامها في غرفته بعد أن استيقظَت عيناهُ في السادسةِ صباحًا، وكأنّ ضغوطاتِ البارحـةِ وأوجاعِها اتّكأت على أجفانِه وأدخلتهُ في سباتٍ وجعيٍّ لم ينهض منه في أوقاتِه المعتـادة.
كانت هادئة! تتحاشى النظرَ إلى ملامحهِ بربكةٍ واضحة حدّ أنها لم تُجبه سوى بـ : " آسفة، نسيتك! ".
أمـال فمهُ قليلًا باستنكـار، يذكُر أنه البارحـة نام دون شعورٍ أسفل تأثيرِ يديها الباردتين أو ربما أسفلَ أطنانِ قهرِه . . تحرّكت أقدامهُ باتّجاه بابِ غرفتها، وقف أمامهُ مباشرةً ومن ثمّ ارتفعَت يدهُ ليطرق الباب مرةً واحدةً وينتظِرَ صوتها.
بينما كانت هي في الداخِل تمشّط شعرها أمام مرآةِ التسريحة، تنظُر لوجهها بشرُود، ملامحها المُصفّاة من أي مكياج، بشرتها التي تشحُب بسمارِها، تشحُب بعتابها الجافِ لاندفاعِ أناملها لملامحه! لم تستطِع النومَ جيدًا في الليل ونهضَت باكرًا، لم تستطِع مواجهةَ عينيه صباحًا بإحراجها واضطرابِها، وكأنّها كانت تقُوم بجريمةٍ ما حُرّمت عليها وهاهي تنتظرُ الحدَّ المرجو منها، جريمةٌ دفعتها لتغطيةِ أنظارها عنه، لوهنِ أحداقها دونَ استطاعةِ النظرِ لوجهه الذي كان ساحـة جريمتها تلك، أناملها تحترقُ وتتجعّد بحرارةِ بشرتِه وخشونتها، كيف فعلتها والزهرُ حين يُزرع في أرضٍ لا تناسبه لن ينمو؟ علاقتهما عقيمة، عقيمةٌ كما تريدُ هي وتحتاج! كما يطمحُ والدها، علاقتهما تفتقرُ للمزيدِ من الجفـاء حتى تخلعَ هذا الخوفَ من جسدِها، لم تعُد تخافُه، أصبحَت تشعر تجاههُ بشيءٍ آخر كالأمـان! بأنّ ابتسامتها معهُ تكون عفويةً وشخصيتها تنسلخُ من الوهم.
ارتعشَت بخيبةٍ وهي تُخفضُ رأسها، ما الذي تفعله؟ ما الذي تفكّرُ به؟ كم أنا ممتنةٌ لكَ يا سلطان كما أعتبُ عليك، ممتنةٌ لأنّك تعلّمني ابتسامةً تظهرُ في عُمقِ التوتّر، وعاتبةٌ لذلك أيضًا!!
أغمضَت عينيها قليلًا وصورةُ والدها تزورُها، في لحظةٍ مـا، في مكانٍ مـا بين غاباتِه وحنانِه، هيَ الآن ترى أنها شرارةُ لعنةٍ حلّت عليه، نبتةٌ تخضرُّ بسقيا حنانِه، لكنّ تلكَ النبتة تجذب نارٌ إليها بطريقةٍ ما محاولةً تكثيفها في غابتِه، تخدعه! تخُون شكرها لهُ وامتنانها بخداعِها لهُ ووقوفها مع والدها في مكرٍ تجهل كيفَ وصل إليه بعد كلِّ ما رأتهُ منه!
عضّت شفتها وهي تُخفض رأسها أكثر لينسدلَ شعرها حول ملامحها، لا قوّة لها على شيء، شكرًا على القليلِ من التغيير الذي تبثّه فيَّ والذي أُدرك أنه - مؤقت -، أنه سيزول ما إن ينتهي كلَّ هذا وعلاقتنا، شكرًا على كلِّ شيءٍ يا سلطان لكنني سأؤذيكَ رغمًا عني.
انتفضَت حينَ سمعت صوت بابِ غُرفتها يُطرق، تجمّدت ملامحها وحدقتيها بالمرآةِ لتنظُر للبابِ منه، أفرجَت شفتيها قليلًا وهي تدرك أنّ لا أحـد سيكُون خلفهُ سواه، لا أحد سيكُون خلفه سوى من يحاول زهقَ حُزنها وهي بالمقابل تحاولُ إيذاءه . . زفَرت بألمٍ واستياءٍ في ذاتِ اللحظة، ما بالكِ يا غزل أصبحتِ تفكّرين في نطاقٍ خارجَ نفسك؟ لا يهم! يجب ألّا يهمني فهو لن يُجيرني من أذًى وبأسًا سيطُولني إن رفضتُ معاونـة والدي فيما يُريد، إن انقضَت السنةُ وابتعدنا عن بعضنا وعن كل هذا الأمـانِ وحنانِه!!
عضّت شفتها بقهرٍ وهي تنهض، لا يهمني، لا يهمني! أنا فقطْ أحببت اهتمامهُ بي، وهذا في النهاية داخلَ نطاقي، كل شيءٍ يموتُ عند " نفسي "، كل شيءٍ يصغُر ويتضاءلُ أمام مصلحتي يا سلطان حتى الحنانُ الذي لطالما احتجت!
فتحَت البابَ قليلًا ووقفَت مقابلةً لهُ بجزءٍ من جسدها دونَ أن تستطيعَ مواجهتهُ بأكمله. ابتسم باستنكارٍ لهروبها منه، عيناها تنظران للأرضِ ولم تلتقِ بعينيه، البابُ فتحتهُ قليلًا وكأنّها تخشى أن يدخل إليها على سبيلِ المثال!! . . رفعَ حاجبهُ وهو يُعيدُ كفيه للخلف ليشبكَ أناملهُ ببعضها، وبهدوءٍ وبحّةٍ جعلت خلاياها ترتبك : جبت الفطور ، أكيد جوعانة.
بللت شفتيها بتوترٍ وهي تُطلقُ أنفاسًا تكتئبُ برعشةِ جُزيئاتِها، شتت عينيها دونَ أن تنظرَ إليه وكفها تشدُّ على مقبضِ الباب. بهمسٍ متوترٍ لفظَت : لا ماني جوعانة.
شاركَ حاجبه الآخر الأوّل في ارتفاعِه، الآن تأكّد أن هنـاك شيئًا ما يصوّرها بهذا الهروبِ الآن، أمـال فمهُ قليلًا ليتنحنحَ حتى يطردَ بحّة صوتهِ ويخرج نبرتهُ نقيّةً من أي شيء : أكلتي شيء؟
غزل تهزُّ رأسها بالنفي وهي تنظُر لأقدامهِ ولكلِّ شيءٍ حتى تشغل حدقتيها عن الارتفاعِ إليه. أردف : أجل!
غزل بخفوت : مالي نفس.
سلطان : طيب ارفعي عيُونك لي وش داعي هالهرب!
تشنّجت يدها وسكنَت أنفاسها للحظة، بينما تحررت أنامله من عناقها لبعضها ليضعَ كفّه على الجدارِ بجانبِ الباب حتى يسند جسدهُ قليلًا للأمـام، وبتلكَ الصورةِ كان قد اقترب! قليلًا فقط، قليلًا بدرجةٍ كانت كافيةً لجعلِ عطرهِ يغزو خلاياها ويسدَّ مجرى الهواءِ إلى أنفها، فغَرت فمها حتى تتنفّس برويّةٍ وهي ترفعُ رأسها بسرعةٍ إليه وتُعلّق أحداقها بحدقتيه، التوى فمهُ في ابتسامةٍ هادئة وهو يسندُ كتفهُ إلى الجدارِ هذهِ المرة ويهتف بخفوت : ما أذكر إني مسوي لك شيء ! ليش تهربين مني؟
ارتعشَت شفاهها وهي ترمُق ابتسامته تلك باضطراب، شتت عينيها وقلبها ينتفض، حواسها انتفضت والكلماتُ في حنجرتها أيضًا، ما الذي يحدث؟ إلهي ما الذي يحدث لي؟ أنا التي لم يكُن يحدّها شيءٌ عن الرد ببرودٍ وجفاء، - بوقاحةٍ - إن تطلّب الأمر! أنا التي كانت تعتليه بنظرةِ غرورٍ وازدراءٍ لجنسهِ أجمع ولم ينسلخ يومًا عن تلك النظرة فما الذي حدثَ لأصبح متوترةً الآن من - بسمَة -؟! ما الذي حدثَ ليجعله ينسلخُ عن أبنـاء جنسهِ وأقعَ دونَ شعورٍ في بحيرةِ الليونةِ معه؟ مابكِ يا غزل؟ مابك!!! انظري إليه وقولي " ما تهمنِي عشان أهرب منّك "، قولي لهُ بأنّ يدك المحترقةَ والمتشققةَ بملمسِ بشرتكَ لفظَت شعُورها بكَ ونسيَت حتى رغبتها باستكشافِ ملامحك، قولي بأنّكِ جُننتِ وهو السبب.
ابتلعت ريقها بصعوبة، رفعَت رأسها أكثر ببطءٍ إليه لتتحرّك شفاهها وينطلقَ صوتها من بينِ شفتيها محملًا بنبرةٍ حاولت بثّها بالهدوءِ وطردِ ربكتِها : تتوهّم، مو قاعدة أهرب بس نفسيتي خايسة اليوم.
سلطان باهتمامٍ اعتدلَ في وقفتهِ وتصلّب جسدهُ أمامها لا يفصُل بينهما سوى خطوتينِ فقط : من؟!
غزل تمنعُ حدقتيها من التشتت وتثبّت أنظارها في عينيه محاولةً إقناع نفسها بأنّه لا يؤثر بها لتهرب! : يمكن لأني ما نمت زين.
صمت قليلًا وهو يتابعُ نظرتها بصمت، يقرأ تحديًا ما في عينيها، تحديًا غريبًا وكأنّه لنفسها فقط وليس له!! . . مرر لسانه على شفتيه ليتراجع للخلفِ وهو يلفظُ بنبرةٍ لا تقبل الجدَل : أجل تعالي حضّري الفطور وكلي معي وبعدها ارجعي نامي.
صمتت دونَ أن ترد وهي تضعُ كفّها على بطنها الذي يشعر بالجوعِ فعلًا، مطّت شفتيها قليلًا لينصاعَ عقلها هذهِ المرّة وهي تحاول أن تثبت لنفسها أنها تستطيعُ تجاهلهُ تمامًا، فما الداعي لتهرب من الطعامِ لأنه سيُشاركها فقط؟ . . كادت تتحرّك متّبعةً لهُ إلا أنّ خطواتِه توقّفت فجأةً ليستديرَ جسدهُ إليها وتبتسمَ شفاهه، ارتعشَت بقوّةٍ من ابتسامتهِ للمرةِ الثانية! تصلّب جسدها وكفّها على بطنِها، بينما بقيَت عيناها معلّقةً بفمهِ الذي تحرّك بشكرٍ لم تقرأهُ وأصبحَت صمّـاء فجـأةً كما خسرت عيناها الإدراك لحركةِ شفاهه، كان يشكُرها على ما فعلته لهُ البارحـة لينام، شكرها برقّةٍ متناهيـة، برقةٍ لا تليقُ إلا به، برقّةٍ لم تدرك منها شيئًا لضياعها بابتسامتهِ بينما كانت تجهل فعليًا ماقد يحدثُ لربكتها هذهِ لو أنّها أدركت تلك الرقّة!
تحرّك ليبتعد دونَ أن ينتظرَ ردّها على شكره، في حين كانت قدماها تفقدانِ ماهيّتها وتتحوّلانِ لهلامٍ وصراخٌ في رأسها يصتدمُ بجمجمتها ويتكرر صداه، ما الذي يحدث لي؟ ما الذي يــحــدث!!


،


دخَلت الفصل باستعجـالٍ بعد أنْ تأخـرت لعشر دقائق تامـة، وقفَت بعد أن مشَت خطوةً واحدة وهي تنظُر للمعلّمة بإحراجٍ بعد أن نظـرت إليها مستنكرةً تأخرها، وبنبرةٍ متساءلة : توّك مداومـة؟
هزّت رأسها بالإيجاب وهي تبلل شفتيها بلسانها إحراجًا : تأخّرت بزحمة الطريق.
المعلمة : طيب مافيه مشكلة أول مرة تتأخّرين مو من عوايدك عشان كذا ماني قايلة لك شيء.
شكرتها بخفوتٍ ثمّ تحركت باتّجـاه مقعدها، وفي تلك الأثنـاء سقطَت أنظارها على سـارة التي تجلسُ في الخلفِ كما العـادةُ دائمًا وكما تُحب، ابتسمَت تلقائيًا ببراءةٍ حينَ نظرَت إليها وابتسمَت لها ملوحةً بكفّها.
جلسَت بجانبِ صديقتها التي وكزتها بمرفقها وهي تغمز هامسـة : ماني قايلة لك شيء هـاه! اوووه يا غدو يا بختك على هالشعبية بين الأبلات واحنـا لنا الله بس.
ابتسمَت لها وتجاهلت حديثها وهي تُخرج كتابها وكلَّ مستلزمـاتها.
مرّت الحصـة بهرولـةٍ والوقتُ لا يُجيد المرورَ ببطء، كانت تمدُّ ذراعيها بكسلٍ وهي تتثاءب : آآآه محد ينـام زين مع هالمدرسة.
صديقتها : إذا هالكلام يطلع من الطالبـة المجتهدة وش نقول احنـا.
غيداء بمللٍ وهي تُخفضُ يديها : نقُول صبرًا جميلًا والله المستعـان.
وصلَ إليها صوتٌ تعرفهُ جيدًا في تلك اللحظـة : غيداء ..
استدارَت بسرعة وابتسمَت : أهلين.
سارة تقفزُ بخفةٍ لتتربّع فوقَ طاولتها، وبدلال : يا هلا فيك شلونك؟
غيداء : طيبة ولله الحمد.
بدأتا بالحديثِ والضحكِ لدقائقَ حتى جاءت المعلمةُ الأخرى وعـادت سارة إلى مكانِها بينما كانت صديقةُ غيداء تنظُر لهما باستنكـار، وما إن ذهبَت سـارة حتى لفظَت دون تصديق : من وين طلعت الشمس اليوم؟
غيداء التي أدركَت مباشرةً قصدها : سارة؟
صديقتها : أي مو كنتِ تقولين ما تعجبك ومن هالكلام وش صار بالدنيا؟!!!
غيداء بِحبور : بالعكس عسل عسل كنت ظالمتها والله.
لفظَت دون استبعابٍ لهذا التغيير المفاجئ في ليلةٍ وضحاها : آهـآ
ضربتها على كتفها : وشو آهآ قاعدة تسلكين لي؟
فركَت كتفها بألمٍ وهي تكشّر : وش تبيني أقول يعني الله يجمع بينكم على خير ويرزقكم الذريّة الصالحة؟
غيداء تلوى فمها : ماااالت


،



مرّت الأيـامُ تباعًا، يُطوى ظرفُ الزمانِ بسرعَة، ويظلُّ ما فيهِ سيُمحى وإن كانت الممحاةُ واهنة، سيُمحى! هذا ما يُعقَدُ عليه الأمل، ستُشفى الممحاةُ ذات يومٍ وتمحو الأحزانَ بسرعة، وإن لم تمحُها ستفعلُ رغمَ وهنها وتُخفي كل الآلآمِ - تدريجيًا -.
يبتسم للقهوةِ التُركيّةِ أمـامه، كان يجلسُ في إحدى المقاهي ينتظرُ - فيصل - ككل يومٍ ما قبل الغروب، يعقدُ معهُ اتّفاقاتٍ وخُطط، هو الآن في حمايـةِ جهازِ أمنٍ كما يقُول، بالرغمِ من كونِه استنكر في بادئ الأمر كيف تكون الحماية بهذا الشكل؟ دون أن يتبدّل مكانهُ ويصبح في آخرَ مُحاطًا بحمايةٍ أكبـر، لكنّه تجاهل الأمـر وأمله بالله ثمّ بهِ كبير، كبيرٌ حدَّ أنه بدأ يرى نورًا يلوحُ في الأفقِ شاقًّا سوادَ السمـاء، تلكَ السمـاءُ التي تصِلُ بينهُ وبينَ وطنِه، تشاركُ من يُحب، ثلاثتهم! . . يتجاهلُ الثالثَ رغمًا عن حبِّه ويستمدُّ الشوق من الاثنين، أمي وأسيل، جنّتي ودُنياي، في الأولى سنيني التي ذهبت وسنيني التي سأكبرها وفي الأخرى حاضِري ومستقبلي كذلك! لازالتْ السمـاءُ تصِلنِي بكم! لم يعُد الليل فقط ما أحكِي لهُ رواياتِي، حتى النهارُ وسماؤه، الحُزن لا يتركني! لا يتركني عنكم لكنّه يتهاوَى مريضًا تحت لحافِ أملِي ، لمَ أقولها؟ أخبروني لمَ أصِيغُ كلماتي بالجمعِ لا المثنى؟ قلتها! سأنسى الثالث، "و ما قوِيت! " ، لازلتُ أجمعكم في إطار كلماتِي وأصوغكم بالشوق رغمًا عني، رغمًا عن خذلاني، رغمًا عن حزنِي الواهنِ وانتظـاري الذي يكادُ يحرقني.
ايقظه من سباتِ أفكارهِ صوتُ هاتفهِ الذي صرخَ مُناديًا له، رفعهُ من على الطاولة ونظر لاسم المتّصل، ابتسم، والتمعَت عينـاه بمشاعر خاصة لا يملكها سوى من اتّصل به، ردّ عليه ووضعَ الهاتفَ على أذنه، وبابتسامـة : كيفك؟
من الجهةِ الأخرى، لفظَ أدهم بابتسامةٍ وهو يسندُ ظهرهُ على ظهرِ المقعدِ الذي يجلسُ عليه : يا هلا والله بالقاطع وقليل الأدب اللي ما يستحي على صداقته! وينك يا كلب!!
ضحكَ من الجهةِ الأخرى : يخي احترم صداقتنا طيب ولا عاد تسب!
أدهم يبتسمُ بمكر : إنّي رأيتُ كلابًا خرجَت عن أمرِ صاحبها وحان وقتُ جلدها.
تجهّم وجهُ متعب بضيق : ما يجوز جلد الحيوانات.
أدهم بشر : أنت آخر كلب بجلده وبعدها صدّقني بتوب.
متعب : اوووه جالد لك كم كلب من قبل؟
أدهم : هههههههههههههههه معترف إنك كلب؟ شكرًا على الشفافية يا كلبي.
متعب : بآخذها بمعنى " يا قلبي " بالعراقي وراح أتغاضى . . شنو تسوّي هسّة؟
أدهم بمداعبة : كاعد أنتظر واحد، وأنت؟
متعب بابتسامة : كاعد أنتظر مثلك.
عقدَ أدهم حاجبيه باستنكـار : مين ذا؟
عضّ شفته حين انتبهَ لخطئه، كيف نسيَ أنه يُريد تدثير الموضوعِ عن أدهم بعد غضبهِ ذاك اليوم؟ يُريد إخراجهُ من إطـارِ حياتهِ بالمعنى الصحيح حتى يتّزن يومهُ بعيدًا عن كلِّ هذا الاضطراب وهذا الخطر. شتت عينيه وهو يلفظُ بسكُونٍ واهٍ : محد.
أدهم بحدة : نفسه فيصل؟
متعب باستسلام : أي هو ، * أردف باندفاع * اسمع تراه ماهو مثل ما تظن ، أمس عطاني أمل بأني أقدر أرجع السعودية متخيل؟ برجع بعد سنتين!!
صمت أدهم لبعض الوقتِ وهو يعقدُ حاجبيه للنبرةِ المتلهفةِ في صوتِه، لكنّه لا يستطيعُ إحسـان الظنِّ بذاك، لا يشعر بالراحةِ نحوَه، يخافُ أن يثقَ ماجد/متعب بهِ في لحظةِ أملٍ وينتهي بعد ذلك!! .. لفظَ بخفوتٍ ساخر : بيرجّعك كيف؟ بجواز سفر مزوّر وهويّة كاذبة!!
متعب باعتراض : ماهو أنا عايش بهويّة كاذبة أساسًا؟!!
أدهم : لأنّ هالشيء أقصى اللي قدرنا عليه.
متعب : مين قالك أساسًا بيستخدم هالأسلوب؟ هذا جهاز أمن ويتسهّل عندهم كل شيء ماهو أنت وأنا!
أدهم بسخرية : يبطي يكون مثل ما تظن ، صدقني قلبي ماهو مرتاح له!
متعب بسخريةٍ مماثلة : أنت من متى قلبك يرتاح لأحد أصلًا؟
أدهم : شوف شوف بيبدأ الـ ...
متعب يقاطعه بحدّة : سب وبوريك علوم المرجلة يا أبو لسان نسائي.
أدهم بعنادٍ مطّ نبرتهُ باستفزاز : يـــــا ****
متعب بغضبٍ واستفزازٍ التحمَ بهِ سريعًا : الله يلعـ .... أستغفر الله الله ياخذ هالوجه وبس.
أدهم بضحكةٍ ساخـرة : عصّب الرجال عصّـ ...
قاطعَ كلماته سريعًا بأخرى انقشعَت عنها نبرة السخرية وتهلّلت بالترحيب : يا هلا بليث وش أخّرك ياخي؟
وقفَ ليصافحهُ وهو يضعُ الهاتفَ على أذنهِ متناسيًا الآخر باستفزازٍ واضحٍ له، ابتسمَ شاهين في الجهةِ الأخرى ابتسامةً بـاردة وهو يلفظُ بهدوء : زحمة الطريق أخّرتني.
أدهم : ما عليه تفضّل اجلس عجزت وأنا انتظرك * يُوجّه حديثهُ لمتعب * أتّصل فيك بعدين.
متعب الذي وصَل إليه صوتُ شاهين متذبذبًا خلفَ ضبابِ الخفوتِ فلم يتبيّنه : لحظـة يا معفّن . . .
لكنّ أدهم كان قد أغلقَ الخط ولم يستمع إليه، رمى هاتفهُ بضجرٍ على الطـاولة وهو يتمنى لو يكُون عنقه الآن بين يديه فيخنقه. نطقَ بخفوتٍ من بين أسنانه : أنت حرام يكُون عندك جوّال تمارِس أسلوبك الزفت عليه.
تناول كوبَ القهوةِ التركية من أمامه والتي كادت تبردُ وانطفأ دُخانها المتصاعد، انتظر لخمسِ دقائقَ ومن ثمَّ نظَر لساعةِ يدهِ عاقدًا حاجبيه ليتأفأف، ما الذي أخّر فيصل بهذا الشكلِ المُضجِر!
زفَر وهو يضع كوب القهوةِ اللاذعة والتي ازدادَت لذاعتها مع برودتها، فقدَت لذّتها حين انسحبَت عنها الحرارة، تأمّل المارِين على قارعةِ الطريق وابتسامتهُ تتشكّل على قارعةِ الرعشة! قلبهُ ينتفضُ بشكلٍ لا يفقهُه ولم يشعر بهِ قبلًا وكأنّ السعادة التي تشكّلت في أملهِ هذا تجاوزَت كل نطاقِ السعادةِ المُحتملَة.
طفَى من بحرِ نشوتِه بصوتِ فيصل الذي جلسَ أمامه وهو يلقي السلام ويُردف : تأخّرت عليك.
متعب نظَر إليه وهو يسندُ ذقنه على ظهرِ كفّه اليُمنى، وبضجر : وعليكم السلام ، مرة تأخّرت يا رجّال شوي وأنام بمكاني من ملل الانتظار.
ابتسمَ لهُ فيصل بهدوء : المفروض مع أخباري اللي جايتك ما تمل ، ثبتت لنا امكانية رجعتك للسعُودية بأمان كامل.
فغَر فمهُ للحظةٍ وهو ينظُر لهُ بعينين تلتمعان، ماتت الكلماتُ على شفتيه بالرغم من كونِه كان يملك خلفيةً كافية جعلتهُ ينتشي بأملهِ ويرى نفسهُ يحطُّ رحالهُ في أرضِه، يلامسُ ترابَ صحرائِه الحارة بقدمين عاريتين ولتنسلخا! تكفيرًا لكل هذا البُعد عنها، لتنسلخا وينقشعَ كلُّ ألمهِ الذي كان ومازال وما سيزولُ تحت سماءٍ ليست كأيِّ سمـاء.
اتّسعت ابتسامةُ فيصل وهو يرى بوضوحٍ ارتعاشةَ أهدابهِ واضطرابَ تنفّسهِ من حركةِ صدرهِ السريعة، مدَّ يدهُ ليضعها على كفّه اليُسرى الممتدّة فوقَ الطاولة، وبخفوتٍ وهو يشدُّ عليه حتى يمدّه بالثقةِ والأمـل : بترجع يا متعب ، بترجع.
تنفّس بتحشرجٍ وهو يشدُّ قبضتهُ أسفلَ كفِّ فيصل، وبصوتٍ يختنقُ بمشاعر تتضاربُ في صدرهِ فتوهنه : قلتلك لا تناديني متعب.
ضحكَ فيصل وهو يسحب يده : شدعوى ما تحب اسمك والا نسيته؟
متعب يُغمضُ عينيه ويبلل شفتيه بلسانه : كنت بنساه بس ما قويت، أحد ينسى هويته؟
فيصل بابتسامة : أجل؟
متعب يفتحُ عينيه ويبتسم لهُ بفرحةٍ تتراقصُ حوله وفيه : أحس اسمي يتلوّث لا ذكرته بغير أرضي ، خلاص خلني طول عمري في باريس ماجد! متعب أنقى منها وما يهُون عندي ألوّثه بهالمكان.
فيصل يُعيد ظهره للخلف : خلاص يا ماجد ولا يهمك ، ماجد ماجد . . . * بجدية * الحين ما تبي تعرف الخطّة؟
متعب بلهفةٍ يتقدّم للأمام ويسندُ ذراعيه فوقَ الطاولة : أسمعك.
فيصل : أول شيء وقبل لا أعطيك التفاصيل احنا مضطرين نأخّر هالسالفة فترة.
عقدَ حاجبيه باستنكارٍ ليلفظَ بنبرةٍ تحمّلت بالخيبة : نأخّرها؟ ليش طيب ولمتى؟
فيصل بجدية : كذا شهر ، ما أدري كم بالضبط بس ما راح يكون خلال هالأسابيع.
تراجعَ للخلفِ بعنفٍ ليصتدمَ ظهرهُ بظهرِ الكرسي بقوّةٍ أعلنَ بها تحرّك الكرسي احتجاجه، وبنبرةٍ باهتة : شهور؟ ليه طيب ماهو كلّها سفرة تقدر تأمّنها لي بسهولة؟
فيصل : شوف ، نقدر نأمّنها بظروف طبيعية وباسمك بس غيره لا!!
متعب بعقدةِ حاجبين : باسمك؟ ليه هو أنتم ناوين ترجعوني بهوية ثانية بعد؟
فيصل : أيه.
متعب بفتورٍ وقلق وهو يستذكر كلمات أدهم : وش الداعي لكل ذا؟ ما أعتقد يصعب عليكم ترجعوني باسمي وهويتي بسرية وبدون شوشرة ومخاطر؟
فيصل يهزُّ رأسه بالإيجاب : صح بس بدون مخاطر؟ ذي لابد منها لو عطيناها احنا مجـال ، تظن ما يقدر أحد يحصّل اسمك الحقيقي بين المسافرين وتروح بعدها بستين داهية؟
متعب بإصرار : أيضًا ما يصعب عليكم!
فيصل يتنهّد بصبر : اسمعني يا متعب أو ماجد اللي تبيه ، تذكِر اللي قابلته قبل مدة قدام شقتك؟ السكران أو الشبه سكران اللي حاكيتني عنه؟ وش قال لك بالضبط؟
متعب بضيق : ناداني باسمي وعطاني كم كلمة تهديدية!
فيصل : وكيف كانت هيئتك؟
متعب بسخرية : مثل الحين متدثّر بالثياب شوي واختفي.
فيصل : قلتها، شوي وتختفي وقدروا يعرفونك وعرفوا بعد شقّتك اللي كمان ماني متطمّن لها.
متعب باعتراض : الشقّة طلعها من حساباتك تكفيني حماية منكم ، أنا يا دوب قدرت أتأقلم فيها وأتجاوز حالات الرعب اللي كانت تجيني بكل ليلة أنتفض فيها من النوم!
فيصل دون اقتناع : تمام ، تقدر تصبر كم شهر؟
متعب بابتسامةٍ مستوجعة : كم شهر؟!! تدري وش قوّ الضيقة فيني والكره لهالبلد؟
فيصل : هانت يا متعب هانت!


يُتبــع ..

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 07-01-16, 08:58 AM   المشاركة رقم: 628
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 267722
المشاركات: 575
الجنس أنثى
معدل التقييم: كَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عاليكَيــدْ عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 947

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كَيــدْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 




،


الثامنـةُ مساءً، تُحيطُ أجسادهُم طاولـةَ الطعـام، تبتسمُ بفتورٍ وهي تنظُر لطبقها والشوكةُ تلتفُّ حول المعكرونة، في حينِ كان قلبها يرفرفُ براحةٍ عُظمى مهما سكنها الفتُور والنفُور قليلًا، لازال قلبها يقبعُ فيهِ العتـاب، لكنّ هذا العتـاب لم يمنعها من ابتسامةٍ محبّةٍ إليه، من أحاديثَ وإن كانت قصيرةً مريضةً بآلآمها، لكن تكفيها الراحـةُ الآن! تكفيها هذهِ الدائـرةُ العائلية التي افتقدتها أشهرًا، تكفيها ضحكاتهم التي تُشاركهم فيها رغمًا عنها.
نظَرت أرجوان إليها وهي ترفعُ إحدى حاجبيها بلؤمٍ قبل أن تلفظَ بنبرةٍ ماكرة : يوووه يبه العرُوس مسرّحة ماهي ويّانا ، قلت لك ما ينفع تطلع وش له هالفرفرة وفرحتها بكرا؟!
ابتسمَت جيهان رغمًا عنها وهي تضعُ الشوكة بينما صوتُ يوسف انبعث ليردَّ عليها بهدوءٍ باسم : ما تسوى طلعة بدونها.
أرجوان : افا واحنا ناكل تراب عندها يعني؟
يُوسف بابتسامة : كلكم عيوني اللي أعرف دربي منها.
مررت جيهان لسانها على شفتيها وهي تنظُر إليه نظرةَ الابنة العاشقةِ لأبيها، لطالمَا كُلّلَ الأبُ بالمعشوقِ الأول وإن تبعهُ رجلٌ يبقى هو بمكانته العظمى لا أحد ينولها.
همسَت وهي توجّه نظراتها إلى أرجوان بشماتـة : البكر غير.
أرجوان تلوي فمها : عشان كذا مليغة.
جيهان : اهجدي بس * توجّه أنظارها ليوسف لتردف بنبرةٍ مترددة * أقُول يبه.
يوسف : آمري يا عيونه.
جيهان بخجل : تسلملي ، بغيتك تمر على بيت فوّاز قبل نرجع.
أرجوان باستنكار : ليه؟ زواجكم بكرا كل ذا مستعجلة على شوفته؟
رمقتها جيهان بنظرةٍ حادة قبل أن تقلّب حدقتيها وتنظُر لوالدها متجاهلةً لها : فيه كم غرض نسيت أشيلهم وياي وأبيهم ضروري.
يُوسف يومئ برأسه : أبشري.


،


" غــــادة " . . خرجَ من غرفتهِ وهو يرتدي معطفه، جاءتهُ مهرولةً من غرفتها لتقفَ مستندةً على إطـار الباب وتهمسَ بتوتر : سم
بدر دونَ أن ينظُر إليها : بغيتك بموضوع ، وينه حسام؟
غادة بهدوءٍ وهي تنظُر للأرض وتفرك كفيها ببعضهما : في الحمـام
جلسَ على الأريكةِ ليضمَّ كفيه ببعضهما وينظُر لها هذهِ المرة بنظراتٍ ثاقبـة، وبجمود : ملاحظ هالفترة صاير يتجاهلني!
عقدَت حاجبيها بأسى لتعضَّ زاوية شفتها السُفلى وهي تُدرك أنّها السبب، إذ أن حُسام بات يرى بَدر القاسي المتجبّر ويرى أنها الملاك الذي لم يقُم بخطأ! لا يُدرك شيئًا، لا يدرك حب بدر وخوفهُ عليهم وأنّها أخطأت قبل كل شيءٍ وتستحقُّ عتابه الجافَ والقاسي هذا.
هتفَت بتحشرج : بحاكيه وبشوف قصّته.
زفَر بإجهادٍ وهو يُعيد رأسهُ للخلفِ ويسنده، تعلّقت أنظـارهُ بالسقفِ الأبيضِ ليبتسمَ بأسى، هل عليهِ أن يستسلم عند هذهِ النقطة؟ أن يطردهُما من حياتِه مؤقتًا حتى ينتهي كل هذا! وكيف إن كان سيطُول؟ كيف سيقوى على الوحدةِ وهي التي تنخرهُ حتى بوجودهما فكيفَ إن رحلا؟ أنانيٌّ أنـا! أنانيٌّ أريدكما، وأخشى عليكما، وأعاقبكما عندما أدفعكما للخطأ! أُبعدكما عنّي دونَ إرادةٍ مني وأقيّدكُما بي وبقوانينَ لا تُرضي البشر! نحنُ البشر مجبولون على فطرةٍ اسمها - حريّة -، طبيعتنا لا تنسلخُ عن هذا المعنى وحين يصير ذلك بملءِ إرادتنا نصبح لا طبيعيين، فكيف لا نُقاومُ حينَ تأتينا قسرًا؟ وأنـا فعلتها بكما وقيّدتكما بنقيضِ هذا المعنى لأدفعكِ أخيرًا للتمـرُد والخطر الذي أحاول تصفيتهُ عنكما.
نظَر إليها وهو يعتدلُ بجلستهِ ويزدردُ غصّةً كنايتها الاستسلامُ أخيرًا! سيبعدهما، سينتهي من كل هذا وسيقاومُ الوحدة وحيدًا ويصطبر.
ابتسمَ بحزنٍ وهو يعقدُ حاجبيه، وبنبرةٍ تمرضُ بأفكـارِه وتسقط : كل اللي أسويه من خوفِي عليكم! ليه يكافئني بكرهه؟!
هاجمتها الغصّةُ التي حشرَت كلماتها في إطارِ الاختناق، ترغرغت عيُونها بالدمعِ لتبتلع ريقها بصعوبةٍ وترتعشَ شفاهها بكلماتٍ ثقيلة : أنا السبب! غبائي هو اللي تسبب بكل شيء!
تنهّد بعجزٍ وهو يضغطُ بكفيهِ على فخذيه وينظُر للأرض، سكنَ للحظـاتٍ وصوتُ بكائها جاءهُ خافتًا وكأنّها تحاول قمعهُ خلف قناعٍ واهٍ من الصمت، رفعَ رأسهُ بعد ثوانٍ قليلة، وابتسمَ وهو يضعُ كفّه على المكانِ الخاوِي بجانبه ليهتف بخفوت : تعالي.
تحرّكت أقدامها تلقائيًا بسرعةٍ وهي لم تكَد تصدّق أنهُ يبتسم لها بلطفهِ وحنانه، جلست بجانبه ليُحيطَ كتفيها بذراعهِ ويقبّل رأسها، وبحنـان : بخلّصكم من كل شيء، من كل هالمعمعة وهالسجن!
رفعَت أنظارها إليهِ وهي تمسحُ بباطِن كفّها على أرنبةِ أنفها وعينيها لتعقد حاجبيها دونَ فهم : كيف يعني؟
بدر يبتلع غصّته : بعدين نحكي عن هالموضـوع . . . أنا آسف!
نظَرت لعينيه ببهوتٍ وهي تفغرُ فمها، تضاعفَ تكتّلُ الدمعِ في عينيها وابتسامتهُ الحزينة تعانقُ أهدابها بوجعِها لتُثقلها بدمعٍ تضاعفَ وزنهُ بملوحته، في حين صـارت كفّه تمسحُ على شعرها وهو يُتابـعُ بأسف : قاعـد أأذيكم، ولو قِلت غصب عني هالعذر ما يغفر لي! يمكن لو قرنت أعذاري بأنانيتي بصير هِنا مُنصف!
غادة بغصّة ودموعها تتساقط : لا تقُول كذا.
بدر : هذي الحقيقة ، أقدر أبعدكم عن كل شيء بس أنا ما أبي!
غادة : مين قالك أصلًا إننا نبي نبعد؟
بدر يتنهّد : هذا اللي لازم يصير.
صمتت بتوجس والتجعيدةُ بين حاجبيها تتضاعف بقلقٍ واضِحٍ لعينيه اللتين قرأتا الرفضَ لكل شيءٍ متعلقٍ بفكرةِ الابتعـاد، تراجعَت قليلًا لتتحرر كتفيها من ذراعه، وبتوجسٍ وأحداقها ترتعش : وش تقصد؟
اتّسعت ابتسامتهُ لتلتمعَ عينـاه : سامحتك.
غـاد تهزُّ رأسها بالنفي، وبحدة : وش تقصد؟ ودك ترجعنا للسعودية؟
زفَر بوهن، وأغمضَ عينيه للحظتين وهو يمسحُ على وجههِ بكفّه لتستقرَّ تلك الكفُ الساخنةُ بشحناتِ ضعفهِ على فمِه، وباختناق نبرتهِ التي تصتدمُ بيدهِ فترتد : عمي خالد ماراح يقصر معاكم وبينتبه لكم للوقت اللي أرجـع فـ ...
قاطعته ببكاءٍ وهي تشدُّ على كلماتها الحـادة بأسنانها : ما أبي ، ما أبـي بدر الله يخليك! نبي نكُون قريبين منّك.
بدر بأنفاسٍ متهدّجة وهو يضغطُ على فمِه بكفّه : هذا اللي لازم يصير يا غادة ، حسام بعمره الحين لازم يدرس وأنا ما أبيه يدرس هنا وأساسًا ما كنت بخليه حتى لو جلست عشر سنين قدام من خوفي عليه! وأنتِ بعد يا غـادة لازم ترجعين وتعيشين ببيئة أفضل.
غـادة باعتراضٍ وهي تضمُّ كفيها المرتعشتين بالصقيعِ بين فخذيها، وجنتها تتشنّجُ بالدموعِ الكثيفةِ التي تهدرها من مقلتيها والكلماتُ تنشطرُ باتّزانها عند شفتيها : بس احنا ما نبي ... بـدر شـوف إذا كنت خايف أطلع مرة ثانية والله والله والله ما أطلع وهذاني حلفت لك وحسام بجيبه الحين غصب عنه وأخليه يحب راسك ترى والله هو بس زعلان عليك ما يكرهك!
شدَّ على شفتيه وهو يغمضُ عينيه بقوّة، أنزل كفّهُ عن فمهِ ليلفظَ بحدةٍ ويشطر كل اعتراضٍ لديها : خلاص هذا قراري يا غادة لا عاد تناقشيني لأني ماراح أتراجع فيه.
غادة برجاءٍ تشدُّ على كفيها بقوة : تكفـى ..
قاطعها بدر بجمود وهو ينظُر للأمـام بعيدًا عن دمُوعها : باليوم اللي دريت إنّك تطلعين من البيت كل صـباح تقريبًا ، البنت اللي قابلتيها آخر مرة وصدمتي فيها متذكرة شكلها للحين؟
زمّت شفتيها وهي تمسحُ دموعها بعد أن أدركَت أنّه أنهى ذلك الموضوع ببرودهِ الحـالي وتبديله له، شهقَت رغمًا عنها لتعضّ على شفتها السُفلى بقوّةٍ تناقضُ ضعفها، ليأتيها صوتهُ الحـازم من جديد : متذكرة شكلها؟
غادة ببحةٍ متحشرجةٍ وصورتهُ تتضبّب من سحابةِ الدموع التي تُغطي أحداقها : تقريبًا.
بدر : قد شفتيها قبل هذيك المرة.
غادة تبتلعُ ريقها بصعوبة : ما أدري ، يمكن ! يعني ماهي غريبة عليْ ،
نظَر إليها مباشـرةً وهو يعقدُ حاجبيه، إذن فكلام تميم صحيح ولم يكُن مجرّد استفزاز! هتفَ بجديةٍ وهو يُقرّب وجهه منها قليلًا : وين شفتيها قبل؟ بمرّة غرقت فيها وطلّعتها أنا صح؟
عقدَت حاجبيها وضوّقت عينيها قليلًا وكأنّها توصّلت إلى خيطٍ مـا بعد وقوفها يومذاك أمـام ملامحها التي لم تكُن غريبةً عنها، مكثَت لدقائق تنظُر للأسفل وكفّها هذهِ المرة أصبحت على فمها ببحثٍ عميق بين جدرانِ ذاكرتها بينما كان بدر يضعُ كفيهِ على ركبتيه وجسدهُ من الأعلى يستديرِ بأكمله إليها بتركيز، لفظَ بنفاد صبر : هاه متذكرة شيء؟!
غادة بعقدةِ حاجبين وهي تنظُر للأسفل : لحظة لحظة ، أي أي أذكرها ..
رفعَت أحداقها إليهِ وهي تُنزل كفّها عن فمها لتُردف : وأنا أقول وين شايفتها قبل! بس لحظة فيه شيء غلط!
بدر بتركيز : وهو؟
غادة تبلل شفتيها وهي تعكفُ أصابع يدها اليُمنى وتمسحُ بنتوءِ سبابتها زاويةَ عينها بجانبِ أنفها كي تقتلَ دموعها قبل أن تعُود للصعود، وبنبرةٍ بدأت العبرة بالنزوحِ عنها : هذاك اليوم ما كنت أنت اللي مطلّعها احنا بس كنا موجودين وحكيت معهم شوي اللي طلعها أجنبي ، شكل ذاكرتك انضربت * ابتسمَت محاولةً إخفاءَ ألمِها * هذا وأنت رجُل أمن لازم تكون قدراتك أكبر من كذا.
تراجعَ للخلفِ وهو يبتسمُ بسخريةٍ شامتـةٍ من نفسهِ قبلًا ويمسحُ على وجهه، هذهِ المرّة لم يوفّق في مراقبتهِ جيدًا ذلك الأحمق! ، لفظَ بشرودٍ وهو ينظُر للفراغ : ذاكرتي صارت محصورة بوجيه محددة بس!
غادة بابتسامةِ خيبة : وجوه المجرمين بس ! يعني ما أستبعد لما تبعدنا عنك للسعودية تنسانا بعد فترة.
نظَر إليها بجمودٍ والوجعُ يُحيطه بهالةٍ خفيّة، وقفَ لينحني إليها قليلًا ويقبّل جبينها، وبخفوت : واضح ما كنتِ منتظرة مني العفو صح؟
غادة بابتسامةٍ مستوجعة : وش تتوقّع؟
بدر يستقيمُ ليتحرّك باتّجاه الباب : أتوقع منك ما تعارضيني هالمرة بعد وتمشين حسب اللي أبيه.
شدّت على شفتيها بألمٍ وهي تراهُ يخرجُ ويغلق البـاب من خلفه، حتى في ذلك سيوجعها! في قربه وابتعاده.


،


أوقفَ السيـارة أمام الإشـارة التي احمرّت، وجّه نظراتهُ إلى الجالسة بجانبه وهو يبتسم : طيب! وبعدين؟
غزل تنظُر إليه بضيق : وين بتآخذني؟
سلطان بتلاعب : أنتِ وين ودك آخذك؟
غزل تُشتت عينيها بعيدًا عن عينيه، وبخفُوت : ترى ماني غبية يا سلطان! وش قصدك من هالبطاقة البنكية اللي طلعتها لي؟
سلطان ببساطةٍ وهو ينظُر للأمامِ ويبتسم : زوجتي وهذي أقل حقوقك.
غزل تضوّق عينيها بحنق : تبيني أصدق إن هذا سببك الوحيد؟ الحين فهمت ليه يوم عزمتك رفضت! ما كنت تبي شيء بفلوسي اللي أساسًا تنزل لي بحسابي من أبوي صح؟
زفَر بصبر : طيب؟ وأبوك شدخّله فيك وأنتِ زوجتي ممكن أفهم هالنقطة؟
أمـالت فمها وهي تفرقع أصابعها بتوتر، وبابتسامةٍ مرتبكة : نلعب على بعض يا سلطان؟
سلطان بحزمٍ وهو يحرّك السيـارة بعد أن اخضرّت الإشـارة : وش ذي نلعب على بعض؟ أنتِ زوجتي الحين والا لا؟!!
غزل بربكة : أي بس ...
قاطعها بحزمٍ أشد : مافيه بس أنتِ زوجتي الحين والا لا؟!
غزل باستسلام : أيه.
سلطان يبتسم : أجل انتهى الموضوع خلاص.
زفَرت بعنفٍ وهي تسنُد رأسها على النافذةِ الدافئـة وتصمت وهو بالمقابـل لم يقُل شيئًا آخر، ضمّت جسدها بذراعيها وهي تتابعُ الطريقَ بسكُونٍ وأفكـارها تنتشلُ السكُون المعنويَّ منها، تضاربَت الأقـوال في رأسها، المشـاعرُ في صدرها، لم تعُد تعلمُ ما تريدُ بالضبط! لم تعُد تُدرك ماهي مصلحتها، في الأيـام الماضية باتت تتهرّب من والدها دونَ شعورٍ منها وكأنّها لم تعُد تُريد القيـامَ بما يُريد، لم تعُد تريد مساعدته فيما يُريد، في إيذاءِ سلطـان بطريقةٍ أو بأخرى! باتَ صوتُها يميلُ نحوَ " التسليك " لهُ على الوجه الصحيح!
شدّت على أسنانها بقوّة، يا الله ما الذي تفعلهُ بالضبط؟ بقيَ بينهما سبعَة أشهرٍ تقريبًا أو أكثر، لن يكُون حاميًا لها فيما بعدها، فما الجنُون الذي استحلّها فجأةً لتُحاولَ قمعَ كلِّ أذيّةٍ عنهُ وإلحاقها بها؟
مررت طرفَ لسانها على شفتيها المتشنّجتين، أغمضَت عينيها لتُغطي بأهدابها هالةً تكادُ تتكوّنُ حول عينيها في صورةِ تذبذبٍ فوقَ سطحِ ماءِ هذهِ الحيـاة التي لا تُريد إنصافها بثباتٍ واستقامـة.
مرّت الدقائق بصمتهما ولم يقطع هذا الصمت سوى صوتُ أنفاسهما الهادئة، بعكسِ ثورانها داخليًا، بعكسِ الأعاصيـر التي تقتلعُ سكونَ موجها وتصنعُ منها مدًّا لا ينحصر، مدًّا لا ينخفضُ في جزرِ أنـاةْ.
توقّفت السيـارة فجأة، حينئذٍ فتحت عينيها بهدوءٍ لتقطّب جبينها ما إن رأت أنّهم وقفوا أمام فيلا راقيـة، استدارَت إليه باستغرابٍ لتهتف متسائلة : وين احنا؟
سلطان يفتحُ باب السيارة وهو ينطق : بيتك.
نزلَ لتتشكّل مائة علامـة استفهامٍ فوقَ رأسها، ما الذي يقصده بـ - بيتك - ؟ بيتي أنـا؟!! لم تكَد تجمعُ تلك الاستفهامات في إجابـةٍ كافيةٍ لهـا حتى شعرت ببابها يُفتح، استدارَت بسرعةٍ وفزَعٍ لتنظُر لهيئتهِ وهو يقفُ مُمسكًا الباب والابتسامةُ تتشكّلُ فوقَ شفاههِ برقّة : تفضلي يا غزالة لبريّتك.


،


خرجَت من الحمـام وهي تمسحُ وجهها المُحمرَّ بمنشفةٍ صغيرة وتسعُل بإرهاق، كان حينها يقفُ بجانبِ البابِ بعد أن انجذبَت أذناه لصوتِها في الحمام، ابتعدَ عن الجدارِ الذي كان يتّكئُ عليه حينما خرجَت ليلفظَ بسرعة : وش فيك؟
أدارت وجهها الشاحبَ إليه وهي تتنفّسُ بإرهاق، نظَرت إليه بفتورٍ وكفّها اليُسرى تسقطُ بجانبها بينما اليُمنى ارتفعَت لتدلّك كتفها الذي كان يؤلمها بينما آهتها تُبتر في فمها قبل أن تتجاوزه، اقتربَ سيف منها أكثر وهو ينظُر لوجهها ومن ثمّ لكتفِها، وبقلق : تحسين بشيء؟
ديما بإرهاقٍ وهي توجّه نظراتها للأسفـل : عادي كنت أرجّع مافيني شيء.
سيف : وكتفك؟
ديما بإرهاقٍ واضح : زيادة مجهود بس . .
لم تكدْ تُكمل جملتها تلك حتى رفعَت يدها إلى رأسها بسرعة ليرنّح جسدها استعدادًا للسقوط، حينها انتفضَ سيف بسرعةً وهو يُحيطُ بخصرها لتسقطَ على صدره وتصتدمَ أنفاسها المتسارعة ببشرته مخترقةً قماشَ " تيشيرته " الرياضي.
همسَ بقلق : وين عبايتك؟
هزّت رأسها بالنفي فوقَ صدرهِ ووجهها يتعرّق بإجهـاد، وبنبرةٍ خافتةٍ مُرهقَة : لا مافيه داعي للمستشفى ، آخر مرة رحت فيها قالت لي الدكتورة إن هالأعراض طبيعية فمافيه داعي نكبّرها.
لم يقتنِع بكلامها، لكنّه لم يصر عليها وهو يرفعها قليلًا عن الأرضِ ويتّجهَ بها نحوَ السرير، أغمضَت عينيها بوهنٍ وهي تتشبّثُ بكتفيْه، أنزلها بهدوءٍ فوقَ المفرشِ الأبيض، ومن ثمَّ وضع كفهُ على شعرها ليتخلخلَ خصلاتها بأنامله، حينها صدّت بوجهها للناحية الأخرى وهي تتنفّسُ بتعبٍ وتشدُّ على أجفانها بقوّة.
زفَر بصبر، اعتـاد تجاهلها ولو قليلًا، تمرير هذا الجفـاء منها، لم يعُد يفهمها! ألم تكُن تريد ذلك؟ حبّه وملكَ قلبه؟ ماهذا التناقضُ الآن إذن؟ .. لوى فمهُ بغيظٍ وهو يستقيمُ ويضعُ كفيهِ في جيبي بنطالهِ الرياضي، بدأ الدلالُ المُزعج! الصدودُ الذي لا معنى لهُ سوى " اخضع لعينيّ وارضني "! وبعد كل ذلك سننتقلُ لمرحـلةِ التمردِ الذي يكره، هل أخطـأ حين خضعَ مرةً وأفشى مافي قلبه بالتوائِه؟ حسنًا! هو مليءٌ بالعُقَد، لكنّ ذلك لا يعني أنها لن تفعل!
رفعَ إحدى حاجبيه لتجفَّ عيناه من قلقهما ويتراجعَ خطوتيْن وهو يلفظُ بجفـاء : إذا حسيتي إنّك محتاجـة للمستشفى وقتها تعرفين تناديني.
اتّجه نحوَ البـابِ وخرجَ مطبقًا لهُ بقوّةٍ من خلفه، ملَّ منها! من مزاجيتها التي لا يُشابهها فيه أحد، من تناقضها الذي باتَ يُضايقه، من حياتِهما التي لا تريدُ الثبـات بكلِّ الحلُول التي يحاولُ ممارستها.
بينما كانت هيَ قد تجاهلتهُ تمامًا وهي تضعُ ذراعها على عينيها وتتجاهلُ ألمَ كتفِها وبطنها، الآلآمُ لا تُصوّر في الجسدِ فقط، فهي الألمُ الداخليّ فيها لم يجِد مُسكّنه، لم تكفِها مشاعره! لم تكفِها وهي التي ظنّت بأنها ستكُون كذلك، لم تكفِها لتجدَ نفسها تغرقُ في ألمٍ أشدَّ لأنه يؤذيها وهي التي تعني له ولو قليلًا.


،


نزلت من السيـارة وهي تُخبرهم على عجلٍ أنّها لن تتأخّر، هرولت سريعًا لتقفَ أمام الباب وتضرب الجرس وتنتظِر، لم يطُل إنتظـارها إذا فتحت لها الخـادمة الباب لتدخُل وهي تلفظ : Where is fawaz?
الخادمة : I don't know
جيهان وهي تتحرّك باتجـاهِ الدرج : and his mother?
الخادمة : she went out to the Neighbors
لوَت فمها دونَ اهتمـامٍ وهي تصعدُ دون أن تُضيف كلمةً أخرى ويدها تعملُ على نزعِ النقابِ واسقاطِ طرحتها على كتفيها ليظهر شعرها البُني الذي كانت تلفّهُ في شكلِ " كعكة "، اتّجهت للجنـاح الذي احتضنهما أيامًا بفرحٍ أو بالنقيض، لا تُنكر أنّها شعرت بالفرحِ والراحـةِ أكثر، بالانتمـاء إلى صدرهِ الذي نامت بين أضلاعهِ ليالي، هذا الانتمـاءُ الألـذّ، الانتمـاءُ الـذي كـان ينتشلها كثيرًا من الاهتـراء، من الوحلِ الذي كان يلوّثها في صورةِ - حُزن -، من الصدأِ الذي خلقَ صريرًا في صدرِها كلّما مرّها هواءٌ واصتدمَ بأضلعها.
ابتسمَت بنشوةٍ وقلبها تتصاعُد نبضاتـه رغمًا عنها، غدًا ستكُون له، سيبدآنِ من جديد، ستتجاهلُ كلّ ماقد ينغّص عليها حياتها معهُ حتى أمّه، ستتجاهل وتتغاضى عن الماضـي وعنِ خلافاتهما لتلتحمَ بهِ أبدًا وتذُوب أحزانها بينهما، لتُخلقَ من جديدٍ في رحمِ هذهِ العلاقـة.
فتحَت البـاب بهدوءٍ وهي تنوِي الإتجـاه لغرفتها معهُ مباشـرةً لتأخُذ الجوهرةَ الغاليـة على قلبها والتي لا تعلمُ كيفَ نسيتها، مجوهراتٌ أهدتها لها أمّها يومَ ملكتها وهمسَت لها في قُعر أذنها بأنّ هذهِ ستلتمعُ على نحرِها وهي ترتدي الفستـان الأبيض، سألتْ الله ذاكَ اليوم بأن يمدَّ في عمرها حتى تراها وهي ترتديه، لكن لم يحدث! لم يمدّك الله بعمرٍ في الحيـاة، كتب أن تكونِي في البرزخِ وأنـا هنا - دُونك! لكنّني سأرتديكِ غدًا، سأُزيّن نحرِي بكِ وأنتِ الباقيـة في قلبي وكلِّ أشيائي قبل أن تكوني باقيةً في المجوهراتِ التي أهديتها لي.
تحرّكت في الجنـاح الفارغِ لتتّجه نحوَ غرفةِ النومِ وإلى التسريحةِ التي لا تعلمُ لما وضعتها يوم جاءت في أحد أدراجها! بالرغم من كونها لم تُخرج ملابسها من حقيبتها لأنّها تدرك أنّهما بعد أن يتم كل شيءٍ سيعُودان للسفرِ لأجلِ عملِ فوّاز، لربما خافت أن تختنقَ في حقيبتها فاختارت أن تتنفّس هواءً نقيًا ولا يُظلَمُ عليها كظلمةِ القبر!
فتحَت الدرجَ الأول لتتّسع ابتسامتها وهي ترى الصندُوق، أخذتهُ وعادت مسرعةً باتّجـاهِ البـاب، لكنّها توقّفت فجـأةً وهي ترى فواز يجلسُ على الأريكةِ ويتحدّثُ بخفوتٍ في الهاتف، ابتسمَت رغمًا عنها وتورّدت وجنتـاها بخجلٍ وعينـاها تلتمعانِ بحب! تحرّكَت باتّجاههِ وهي تنوِي مفاجأتهُ بوجودها، لكنّها توقّفت فجأةً وهي تعقدُ حاجبيها باستغرابٍ وصوتُه يرتفعُ قليلًا بغيظ : طلاق؟ فـارس الموضوع ماهو لعبـة وأنا أختك ماني شايف عليها شيء عشان أطلّقها وحرام أرخص الطلاق بهالشكل!
سقطَ الصندوقُ من يدها بصدمـة، وتهـاوت معهُ كلُّ أحـلامِ الأنثـى في داخِلها وهو يقفُ بفزعٍ من صوتِ السقُوطِ ويستديرُ إليها، إلى التي تراجعَت للخلفِ بعينينِ متّسعتين، بشفتينِ فاغرتيْنِ تلفظـان زمهريرَ صدمتها وخذلانها الذي زُرع في هذهِ الدقائِق التي تبعثَرت ببعثرتِها ولن تُجمَع! لن تُجمَع بنظرتهِ التي فترَت، بيدهِ التي ارتعشَت قبل أن تغلقَ الهاتفَ وترميهِ على الأرضِ دونَ مبـالاةٍ بِه، لن تُجمَع بأيّ اعتذاراتٍ قد يُلفّقها الآن أو أيّ تبريرٍ لمـا سمعت، لما كـان واضحًا وضوح الشمس لأذنيها!
طلاق! طــلاق! متى تأتي تلكَ الكلمة؟ بعد أن يحلَّ الزواجُ فقط، بعد أن يخونَها بامرأةٍ أخـرى، بعد أن تُشاركها شمسٌ أخرى في سمائِه الزرقـاء، بعد أن يُصبح الاحتـواءُ والانتمـاء لأخرى أيضًا، حين لا تكُون المرأةُ الأولى والأخيـرة! فقط ، حين يخونها، حين يخُونها!!
ارتعشَت كفوفها فوقَ بساطِ الهواء وهي تتدلى جانبًا بانهزام، لم تعُد تملك قوةً تجعلها تتشنّج رافعةً لها في صفعةٍ للهواءِ ولشفتيه اللتين خذلتها، تحوّلت تلقائيًا إلى هُلامٍ وجلدُها قشرةٌ قاسيةٌ رفيعة، ستتحطّم تلكَ القشرةُ في أيّ ثانيـة ، وستسقط! ستسقطُ بعد تلك الكلمات التي شطرَت تكوينها وماهيتها.
بينما كان هو قد تحرّك جانبًا حتى يستدِير من حولِ الأريكةِ ويصلَ إليها، المسـافةُ التي لا تُسمى مسافةً الآن باتت طويلةً معوجّة، الهواءُ الذي بينهما باتَ سرابًا كمـاءٍ يخدعنـا في الصحاري القاحـلة، عينـاها الملتمعتانِ حتى في حُزنها أظلمَت الآن وصوتُه يغادرُ حنجرتهُ في وقتٍ لا يُريد، قُطّعت حبالهُ الصوتية وانحنَت نحوَ زاويـةِ الفتـور/الغيبوبة! لمَ سمعتهُ الآن؟ لمَ جاءت الآن؟ لمَ حُطّمَ كل شيءٍ قبل أن يبدأ؟ لمَ توقّفَ عنـاقهُ لها قبل أن يكتمِل؟ فرحتنا كانت غدًا! انتماؤكِ لي كان غدًا، ختمِي لكِ على البقـاءِ كـان غدًا، والانكسـار اليوم! اليوم الذي يسبقُ الغد وبانكسـارهِ ماتْ! مات يا جيهـان! مات الغدُ حينما جئتني غفلةً وعُدتُ أنا غفلة!
ابتلعَ ريقهُ بصعوبةٍ وهو يتحرّك نحوها بينما هي تتراجعُ والصدمةُ لم تُغادر عينيها المُظلمتين بعد، شفتيها لا تزالان فاغرتان، تبحثُ عن هواءٍ كافٍ حتى تتنفّس ولا تموت الآن بصدمتها، أجفانها تكادُ تتعطّف وتتجعّد بانفراجهمَا وأحداقها تجف! تجفُّ وحتى الدمُوعُ لم تأتِ! لم تأتِ ليطمئنَّ قلبهُ بأنّها تسمع، بأنّها شعرَت، بأنّها الآن أمامه أم أنّه يتوهم!
ارتعشَت شفاههُ ليلفظَ بعد أن وجدَ صوتهُ ولُملمَت حباله الصوتية وهو يتمنى أنها وهم، أنّها ليست أمامه ولم تسمعه : جيـهـــان !!
انتفضَت بقوّةٍ وهي توسّعُ خطوتها وتتراجعَ بقوّةٍ أكبـر، امتلأت عيناها بالدمـوع حينما استوعبَت ما حدَث، ما سمِعت، حينما استوعبَت خيانتهُ كما خانتـهُ الأيـام والوقتُ لتأتِ وتُدرك كلَّ شيءٍ قبل اكتمالِ فرحتهما . . أيّ فرحة؟ لم يكُن سعيدًا، هي فقط من سعدَت به، هي فقط من آمنت بسعادتها معه، وهو ! كـان لامرأةٍ أخـرى، كـان يخدعها ولم تكُن الوحيدةُ التي ملأت قلبهُ وعينـاه.
هزّت رأسها بالنفي وشفاهها ترتعشُ ويتضاءلُ انفراجهما، سقطْت دمعةٌ من عينِها اليُسرى تتبعها دمعـات، وانتفضَ جنينٌ في رحمِ الأحـزان، نمَى هذا الجنينُ وامتصَّ كل شعورٍ إيجابيٍّ فيها، لم يُبقي إلا الألم/الوجَع/الانتهـاء، لم يُبقي إلّا أحـاديثَ تنتهي عندها الحيـاة.
اقتربَ منها أكثر، وصدرُه ارتفعَ بأنفاسهِ وهو يتأكّدُ من دموعها بأنّها ليست وهمًا، بأنّها سمعته! . . اقتربَ منها بخطواتٍ عنيفةٍ كسرَ بها المسافةَ بينهما، أمسكَ بذراعها بقوّةٍ ليشدّها إليها ويحشرها بين أضلاعهِ بشدة، لفّ ذراعيه حولَها لينكسِر صمتُها بنحيبٍ خائبٍ ويرتفعَ صوتها معترضـًا على ما سمُع، على خيانته، على خداعه، على خذلانه! صرخَت دونَ شعورٍ وهي تُحاول الخلاصَ منه إلّا أن ذراعيه كانت تلتف حولها بعنفٍ يكـادُ يحطّم أضلعها : متــزوج !! متـــزوج !!! ياخيبة بكرا فيك ! يا انكـسار حبّي لك يا فوّاز ، يا انكسـاري أنــا !! . . .

.

.

.

انــتــهــى

والسؤال اللي كان يتكرر كثير، متى تكتشف جيهان الحقيقة؟ هذي هي اكتشفت قبل اكتمال الفرحـة :(

"( موعدنـا القـادم راح يكُون الثلاثاء بإذن الواحد الأحـد، إن شاء الله بتصير البارتات طويلة وبعوّضكم عن كل تقصير بـدر مني
+ لي رجعة لبقية التعليقات إن شاء الله ()


ودمتم بخير / كَيــدْ !

 
 

 

عرض البوم صور كَيــدْ  
قديم 07-01-16, 09:44 AM   المشاركة رقم: 629
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 
دعوه لزيارة موضوعي

شريييييرة هنودتي



يعني المسكين لا يطول جيهان ولا جنان ؟!!!



الله يسامحك بس

وبتمنى المور تنصلح بينهم بأقل خسائر



تقبلي مروري وخالص ودي


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»


زعلت وقلبي وجعني

مااابي مااااآآآآبي


بعد مقدمتك قلت ياي اخيرا رح تعرف الين وممكن تتقبل انه ما مسكها بحرام وانها حلاله

او

غزل وسلطان تزول عقباتهم وتصفو حياتهم مع بعض


بس طلع مع هند مش رح تقدر تغمض عينيك



اكيد ابوها رح يوقف بصفها وممكن يلتغي الزواج

 
 

 

عرض البوم صور bluemay  
قديم 08-01-16, 03:51 PM   المشاركة رقم: 630
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 72508
المشاركات: 273
الجنس أنثى
معدل التقييم: فتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 511

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فتاة طيبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : كَيــدْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر

 

احس قلبي برد في جيهان منها واردى إن شاء الله .. ماني شريرة بس تستاهل المتعجرفة هذي اللي ماتشوف ابعد من أنفها أنه يسير لها كذا .

 
 

 

عرض البوم صور فتاة طيبة  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلاس, لغز, أكشن, القدر, الكاتبة كيد, انتقام, يوسف, رواية رومانسية, سلطان, غموض, عانقت, قيود, كيد
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t195238.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 02-10-16 06:32 AM


الساعة الآن 07:00 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية