لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-04-08, 08:46 AM   المشاركة رقم: 56
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 64757
المشاركات: 7,529
الجنس أنثى
معدل التقييم: لا خلا ولا عدم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 34

االدولة
البلدOman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لا خلا ولا عدم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

سلااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام




وسعوووووووووووووووووووووووووا










دررررررررررررررررررررررررررررررررررب






انا جيت احط ردي بعد الخطواااات القنابل الللي حطتهم زويرة هذي المرة ^_^


بجد والله انهم قنابل وصواريخ ارض جو خخخخخ

انا امس كان بديت اكتب الرد.... بس ماقدرت اكلمه الا اليوم ^_*

بس بصراحة وقفتي عند نقطة ااااااااااااااااااااااااه بكتيني من قلب........ اخر شي كنت اتوقعه ان عفرا يصير لها هذا الشي......... وربي افتجعت من قلب........ وجلست ابكي ااااااااااااااااخ يا قلبي......... واللله كنت متوقعه لها مستقبل كبييييييييييير ....... بس الحين انكسر كل شي......... والله مدري وش اقووول...... هي غلطت لما راحت بروحها... وغلطت لما جلست تكلمه وتتحديه..... بس فعلا تحطمت انا بعد الليس صار لها... وربي ما عاد عرفت وش اعبر من ضيقتي..... اللله يعينها على الللي جاي.....


حووور...... مدري ليه بديت اقتنع بكلام وديمه بنت خالتها...... بس بعد معها حق حور... هي بنت وشابة وطول عمرها شايله المسؤولية.... وفجأة يدخل في حياتها رجال ينضح بالرجولة... ويقاسمها المسؤولية.... ويحسسها انها انثى بجد........ وكل انقى تحب انها تحس بانوثتها... وانها مرغوبة من قبل الجننس الاخر.... يعني ماتنلام لو انها بدت تحبه او تقنع نفسها بحبه( بس ما اظن انها تقنع لان غيييث ينحب غصب خخخخخ لو بس يعدل من انانيته وقسوته شوي ههه).....بس بعد ماعجبني اسلوبها الجديد...... تعامله على انه اخوها!!!!! وببرود!!! ليش يعني؟؟ كذا بتعرف اذا كانت تحبه جد والا بس تستغله على قولت وديمة؟؟؟ مدري يمكن تشوفه صح بس انا ماعجبني خخخخخ ابغى اعيش اكشنات بين حوور وغيث خخخ


غيييييييييث....... واللله انك اذا عصبت تخوف خخخخ.....اللله لا يخليني في طريقك خخخخخ... مدري ليش احس راح ينطبق عليه هذا القوول( من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ) ^_^ اقصد من ناحيته هو وحوور... يعني هو الحين يضحك عليها ويتودد لها عشان تنسى سالفة الطلاق والللي فعلا نستها.... واحسه هو بعدين اللي بيحبها بجنووون من غير مايحس بنفسه الا واقئ لشوشته خخخخخخخخخخخخ..... بس والله حلو الاكشنات اللي بينهم ^_^ استمتعت فيهن بجد مع اني رحمت حوور كثير...
وايش سالفة الكوابيس اللي تجيه!!؟؟؟ هل معقولة زوجة ابوه الثانية لها دوور فيه؟؟؟؟ ننتظر ونشوف في الخطوات الجاية ^_^

سيف...
والله انه هيبة هذا الرجال ^_^ قسم بالله جالسة اتخيل الموقف من جد.......... وهو موف سمعنا عنه كثير في هذي الايام.... الله يستر علىينا وعلى بنات المسلمين يارب... بس بجد عجبني موقفه ونصحه... وما استخدم القوة الا كأخر وسيلة للتفاهم .... ومبرووووووك عليه موافقة روضة ^_^

روووضة........ مبرررروك عليش سيف ^_^ .......... ياني حبيتش اليوم اكثر واكثر........ خاصة بعد تعمقش مع بنات عمش......... جد انش طيبة وكريمة اصل....... اللله يوفقش مع سيف يارب.....

دانة ونورة..... خخخخخخخخخخخخ مواقفكم دوم محلية القصة..... بس بجد احس جرأة دانة تميل للوقاحة احيانا ^_* ........ خاصة لما كانت تسولف فيث وتعلمه انه يجيها في المدرسة خخخخخخ ( تذكرت ايام الدراسة خخخ لازم اعمل مشاغبات لين يجي اخوي الكبير ويتعهد خخخخ ولا اتووب .... لدرجة انه خلاص حرم يجيني المدرسة خخخ ) .......... وخايفة من حور اكثر من غيث خخخ المفروض العكس ^_*

شيخة....... ياربي ... جد احيانا بعض الاهل يشوفون المشكلة بس ما يتداركونها... يمكن لانهم ما نظروا لها جد... او انهم ما توقعوها ابد.... بس نفسي اعرف ايش اللي يخلي شيخة تميل كذا؟؟؟؟؟ اكيد في شي حتى ولو في طفولتها خلى عندها هذي الحالة...

عووووشة...... لا بارك اللله فيش من بنت ..... الا تطارد الريال وهو معرس... وبغت تشتغل بس عشان توصل له.... الله لا يوفقش في مبتغاش هذا....... وان شاء الله يصير شي ويعرقلش عن وصوله ^_* يانااااااااس اكرهها هذي البنت ......... فعلا في فئة من البنات بذا التفكير المريض.... اعوذ بالله... اللهم عافينا يارب...

احمد وهزاع........
ياحبنيلهم..... جد معطيين للقصة رونق غير.... حلوو بداية اهتمامهم لبنات عمهم... واللي سووه في سالم الحقييير... ما اظن حد منهم توقع انه ممكن يتجرأ مرة ثانية ويسوي شي اكبر وافجع...... ااااااااااه ياليتكم دريتوا وش صار وقتلتوه هذا واحد حقير مايستاهل يعيش...
اتمنى فعلا يصير شي بين احمد وهزاع وبين بنات حمد لصالحهم ^_*

نايف....... الحمد لله وجود غيث ف البيت... اثر عليه كثير... وحسسه بالامان اللي فقده مع وفاة ابوه... وحلو انه انخرط في عالم الكبار... لانه راح يفيده اكثر.... هو من البداية ابوه غرس فيه الاخلاق الجميلة... والدليل ترحيبه وتقريبه بعيال عمه ع الرغم من انه ماله معرفة سابقه فيهم.... اهم شي ان سالفة انحلت مع وجود غيث ^_^

ميعاد........ ياترى من هي بالضبط...؟؟ هل معقولة عمه غيث مثل ما قال لها حاضر عمتيه؟؟؟ والا اخته من ابوه مثل ما البنات حللوا انه ابوه كان متزوج قبل ام حامد؟؟؟. مدري احس اني قريت البارت بدون تركيز من شفت اسمها اول مرة يظهر في القصة ^_^ فعلا حسيت نفسي ضيعت خخخخ

شيخة......... يؤيؤيؤيؤيؤ غيث متزوج؟؟؟؟ واللله صدمة من جد......كيف يتزوج حور وهو متزوج ؟؟؟ باين انه بالسر.... بس وربي مافهمت ليش؟؟؟
شكلي انا اليوم ماعندي ماعند جدتي خخخخخخخخخ

زويرة ^_^........ انا من بعد سالفة عفرااا بجد حسيت اني مضيعة كل شي.....

عسى الخطوات الجاية.... تكشف لنا كثير من الغمووض اللي صار يغلف القصة ^_^

انتظرش على احر من الجمر يالغلا ...

 
 

 

عرض البوم صور لا خلا ولا عدم  
قديم 24-04-08, 12:48 PM   المشاركة رقم: 57
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

فرااشه.. مرحباا ملااييين. وانا كنت استنى متى تنزلين تكملة التحليل.. والله يافرااشه انتس ماتقصرين وراافعه معنويااتي على الاخر. بس بسسسرررعه خلصي الخطوات اللي هناا.. عشاان نسدح لنا تحاليل هنااك بالمقلط...هههههه..

فرااشه كوني هناا داائما ومااراح تندميين..


لا خلا ولا عدم... شفتي قاايله لتس الاحدااث غييييير متوقعه... والله انتي سويتي زيي.. لما انجنيت من اللي صاار لعفرا.. بس تاكدي انتس بترتاحين من ناحيتها قريب..

لا خلا وهـ بس... الله لاايخليني من هالحضوور اللي كله حمااس ونشااط وحيويه..

بس داانه انا ماا اشوفها وقحه.. اشوف انها شخصيه قووييه. وبعدين تراني ماا ارضى على دندن.. تراها تذكرني بنفسي كثييير.. ههههههههههههههههه.. فلااا حد يقوول فيهاا شي... خخخخخ

الله لااا يخلني من العمااانيه... تسلمين ياا قلبي.

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 24-04-08, 12:52 PM   المشاركة رقم: 58
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة الثانيـــــــــــــــــــة عشـــــــــــــــــــر◄

║خطوات أسمع صوت شيء تهشم تحتها ..!║

- القهوة ما بتخليك ترقد ..
قالها مايد لأبوه بهدوء .. لكن سلطان لم يعبأ به ارتشف فنجانه باستمتاع قبل أن يمده لأم مايد مرة أخرى لتملأه الأخيرة ببساطة .. و هي تتابع حديثها لسلطان الذي استرخى على المتكأ و جلس بجانبه عبيد الذي تعلقت عيناه بجهاز الحاسوب المتنقل .. و ذهنه مشغول بما تقول أمه ،،
- يوم الخميس إن شا الله .. هو ولد غاية بنت محمد ..
ابتسم عبيد بهدوء و هو يقول لأمه بلطف ..
- اماااه فديتج الريال ينسبونه لأبوه هب لأمه ..
عقدت الأم جبينها و هي تنظر له من خلف البرقع بعينٍ ناقدة ..
- بلاها الأم ..؟ ما تبون تنسبون لها ..؟ لو هب بنت عرب ما خذها الريال و ياب عيال .. و ربتهم .. عدها هي لي تربي الرياييل و الا الابو شدراه .. لاهي يراكض يمين و يسار .. و الحريم يتعبل به و بعياله .. يحملن و يربن .. و يربن و يكبرن .. و أحين ما تبون تنسبون الا لبوكم .. شوه سوا ابوكم ..
اعتدل سلطان في جلسته و هو يقول مستنكرا ..
- أنا راعي معدِّية .. شوه سويت ؟؟! ما سويت شي ..! انتي لي اشتغلتي و يبتي .. انتي لي عيشتي عيال و كسيتيهم .. انتي لي دخلتيهم المدارس!!!!!.. اسميه صادق لي قال الحريم ما فيهن يماله .. امررررة انتن لو الواحد يركض ركيض لرضاكن و يراعيكن ليل و نهار .. ما بين في عينكن ..
لوحت أم مايد بيدها منكرة ذلك ..
- يبت ربيتين و حاسبتنا فيهن .. أول الواحد ما يسوي شي الا و حرمته تعاونه .. تحيد يا سلطان يوم عدنا في الغريبة و انت كل شهر مشرّق و مغرّب .. عيالك امنوه لي أكلهم و شرّبهم .. محد لهم الا أنا .. عيل يوم بيقولون مايد و الا عبيد .. شعنه بن سلطان .. لو ع الفلوس و العيشة أخير يغيرون .. المفروض يقال لهم عيال عذيجة ..
ضحك مايد و هو يلتفت لعبيد الذي يتابع النقاش بابتسامة ..
- يا خوك فتحت لهم باب ما بيصخّون ..
ضحك عبيد و هو يعيد عينه للجهاز ..
- تخيّل يزقرونيه في الجامعة عند الشباب .. عبيد عذيجة .. هههههههه .. قسم بالله فضيحة ..
- عبوووود يااا مسود الويه ..
كانت تلك كلمة أمه التي ألجمته و هو يلتفت لها و يشد نفسه ..
- يااااااااااا لبيييييييييييييييييه يا أم عبيد بن عذيجة .. يا شيختهم و تاج روسهم .. امررة باكر بحول الجنسية يغيرون اسميه في لايواز و يخلونه عبيد بن عذيجه ..
لوحت بيدها غاضبة ..
- لا تيلس تقردنيه .. هب عايبنك اسميه .. و فضيحة ..
أشر عبيد لنفسه منكرا ..
- أفاا .. منوه قال ..؟ أنا ..؟ منوه لي ما يعرف و لا عنده ذوق ما يبا يسمي عذيجة .. أسميييه ما يعرف من الزين شي .. عذيجة .. عذيجة يعني لي متفردة بالزين و الوصوف عن العرب يميع ،،
حرّك سلطان فنجان القهوة و هو يترنم قائلا ..
- عذيجة لو تدريـن مابـي مـن العـوق .. ولــو تعلمـيـن ابـحـالـة المستـهـامـي
يوم الخلـي نايـم وخالـي مـن الشـوق .. جـفـنـي عـلـيـه الـنــوم آزم حــرامــي
الدّمـع كالمـرزاب يدفـق مـن الـمـوق .. جـنّـي رضـيــعٍ فـــي بـدايــة فـطـامـي
أو كـالأسـيـر الـلّــي مـقـيّـد مــوثــوق .. او كالغريـج اللـي وسـط مـوج طامـي *
ضحك مايد بقوة ..
- ابويه فديت خشمك .. القصيدة ما تقول عذيجة لو تدرين مابي من العوق .. تقول فيها يا شوق لو تدرين ما بي من العوق ..
عقد أبوه جبينه ..
- شدرّاك ..
- أحيدك لول تقول يا شوق .. كيف غدت عذيجة الحين ..؟ هاي هب قصيدة الحصباة ..؟ هي .. انا متأكد .. حافظنها .. الحين قدام أمايا بتغير القصيدة .. أمااه شفيه يطرب لطاري شوق .. نحن ما نسمي شوق .. طاعي من وين لافي عليها هالشوق .. كاد ربج تكون من هاللبنانيات و الا ........
نهره سلطان و عينه على زوجته التي بدا أنها تنفث لهبا من الغضب ..
- مايد يا الهرم .. لا تخرب بيني و بين أمك يا صبي ..
رفعت عذيجة حاجبها و هي تنتزع فنجان القهوة بقوة من يد زوجها .. و تقول بنقمة ..
- شعنه تسكت الصبي .. خله يقول .. و الا متروع ..
- متروع من شوه يا حرمة .. أنا ما أتروع الا من ربي لي خلقنيه ..
- الله يعلم ..
- هيه الله يعلم .. بعد شوه .. بدسها شوق لو يبتاا .. بروغ المستأجرين و بحطها في الكراج .. و الا شعنه الكراج .. بحطها في حجرة وديمة بنتج .. عمتاا و أولى بها ..
ضربت عذيجة صدرها بحسرة ..
- وااا لعقتيه يا سلطاااان كانك صااادق .. - ثم نظرت له بشراسة - انته شيبة مخرف .. محد منهن تباك لا شوق و لا عوق ..
- عوذ بالله من العوق .. منوه لي قال شيبه .. عدنيه سباب .. و بييبها شوق و بتشوفين ..
ضحك مايد و عبيد و الأخير يقول ..
- أمييييه لا تصدقينه يباج تعصبين ..
لوحت أمه بيدها غاضبة و هي تتذمر بكلمات و أبوهم لا يلقي بالا لها .. يرتشف قهوته باستمتاع ..
هذه الجلسة الهادئة .. التي لا تخلو من مناوشاتٍ عدّة .. لها لذّة مختلفة .. لا يضاهيها شيء مطلقا ..

* * * * *

نظرة أخيرة على المرآة المعلقة لجدار مغسلة الحمام الخاص بالمجلس الذي يسكنه .. رنت على باله صورة مرآة غرفته الضخمة .. ابتسم بسخرية .. حجم جناحه هناك قد يفوق مساحة هذا البيت كلّه .. عدّل - غترته - الحمراء على رأسه و تأكد من استواء - العقال - ثم ألقى نظرة على ساعته ..
الثامنة و النصف ..
عليه الذهاب الآن .. تحرك متجها نحو الباب الخارجي .. بخطواته الواسعة .. و ذهنه يستعيد وجهها المتصلب ..
و صوتها الجاف .. ما الأمر .. أ تتدلل كما تفعل النساء ..؟ هه .. فلتفعل ما تريد .. لا يهمه .. كل ما يبغيه أن تكون اكثر من راضيّة حتى يحصل عليها .. الغريب هو ذاك الضيق الذي يكتنف صدره مذ لمس جفاءها في تلك اللحظات .. شعور بالاستياء جعله راغبا في الدخول و جرّها للخارج كي يسألها سبب هذا البرود الكريه ..
خرج من الباب و هو يضغط على زر فتح الأبواب الأوتاماتيكي من بعيد لتومض أنوار السيارة معلنة الاستجابة .. خطوتين و هو يدنو من سيارته قبل أن يتجمد في مكانه ..
الضجّة المعتادة لهذه الحارة الضيقة ببيوتها المتقاربة .. أبواق السيارات و أصوات حركتها القادمة من الشارع العام القريب .. صرخات الاطفال من شتى الأماكن .. و أنفاس الليل الخريفي الذي راح يدحرج أمامه وريقاتٍ يابسة تساقطت من شجرة عجوز .. انحنت بتعب أمام البيت المجاور ..
كل هذا .. لم يمنع ذاك الصوت من التسلل لأذنه .. أرهف السمع أكثر .. و عيناه تتحركان بسرعة في الشارع أمامه .. شعور بارد سرى على طول ظهره الذي تصلّب في وقفته .. وقشعريره تدفقت في جسده ..
صوت ونين خافت امتزج ببكاء ضعيف كان يصله بوضوح .. استدار حول نفسه ليلقي نظرة إلى الخلف ..
فورا سقطت نظرته على الزقاق الداكن .. و ظلال جسد تكوم فيه .. ضيّق عينيه ..
ماذا ..؟ حيوان ..؟ يستحيل ذلك .. سمكنه أن يميز خطوط ذاك الجسد البشري .. لبرهة أبت قدماه التقدم .. لا يدري لما منعه شعور ما من اكتشاف من يختفي في الزقاق .. نحى تلك الرغبة التافهة جانبا .. و هو يتقدم ببطء نحو مصدر الونين ..
كان الزقاق أمامه ضيّقا للغاية .. يفصل بيتين متجاورين و يصل بين هذه الحارة و الحارة الأخرى .. أضواء البيوت الخافتة تلقي ظلالا من الضوء عليه ..
هاهو يدنو الآن يقترب من فوهة الزقاق .. و عيناه تضيقان في محاولة تبيّن هذا المخلوق المكون .. ما ان أصبحت تفصله بينهم خطوات .. حتى اتسعت عيناه بصدمة .. كانت شابة تجلس بطريقة ملتوية غريبة و هي تضم نفسها بقوة .. تشعث شعرها الطويل حول جسدها الذي راح يرتجف بشدّة .. و صوت أنينها أصبح مسموعا حين اقترب .. اقشعر بدنه لنواحها الغريب .. بدت متوجعة .. أو ممزقة لا يدري ..
شعر بقدماه تتصلب على بعد ألم منها .. كأنها تئن و هي تصرّ على أسنانها ..
فخرج بكائها مفجعا .. الغريب أن الثوب بدا له مألوفا .. و هذا الطول الذي تبين رغم وضعية القعود المخيفة التي اتخذتها في التواء .. يعقد جبينه محاولا تعرفها ..
لكن وجهها كان يختفي تحت ستار شعرها المبعثر الثقيل ..
هناك شكٌّ أخافه .. ماذا لو كانت هذه إحداهن ..! قد أمضى أشهرا هنا .. خالطهن بما يكفي لتعرفهن في أي مكان ..
هل يعقل ..؟ لا .. لا يمكـ ...
حاجبيه معقودين و صوته بدا متشككا و هو يسأل من مكانه الذي وقف فيه ..
- نــــــــورة ..؟
انتفض جسد الشابة بقوة .. و كأنما لم تشعر بدنوه الا للتو .. لترفع رأسها نحوه و تطلق عويلا قبض قلبه بقوة ..
اتسعت عيناه و هو يرى تلك الظلال الداكنة التي انسكبت على وجهها ..
هذا الوجه حتما لإحداهن .. لا يمكن أن تكون أكثر شبها من زوجته ..
وجد يده تنتزع - الغترة - بقوة من على رأسه دون أن يبالي بالعقال الذي سقط أرضا .. يفردها في حركة واحدة ليلقيها على رأسها و وجهها .. لا زال عوزيلها العالي يشق الهواء ..
لحظات فقط و سيجتمع أهالي هذه الحارة ليروا هذا المنظر.. لن ينتظر حتى يحدث هذا .. تأكد من تغطيتها و هو يجثو نحوها ..
- نورة ..؟ نورة .. نشي .. خلينا نحدر البيت ..
لكنها لم تفعل .. كل ما فعلته هو أن تعوي بأعلى صوتها و تتلوي بقوة تحت ناظريه حتى كادت الغترة أن تسقط عنها ..تصيح بكلماتٍ مبعثرة غير مفهومة و هي تهوي بيدها في كل اتجاه و كأنما تريد النيل منه .. تلتقط حفنة من التراب لترميها في وجهه القريب ..
- يااااااا الكلللللللللب .. حيواااااااااااااااااااااان .. لاااااااااااااااااااا ياااااااااا كلللللللللللللللب .. لاااااااااااااااا تلمسنييييييي .. لاااااااا دخيييييييلك .. حرااااااااااااااااام ..
أعمت عيناه التربة .. كما أعمت ذهنه الصرخات .. لم يستطع التفكير بأي سبب قد يدفع ابنة عمه للجلوس بلا غطاء و البكاء بهذا الشكل المفزع في الزقاق .. سمع أصواتا تأتي من - حوش - البيت المجاور .. و علم أنها لحظات فقط قبل أن يتجمهر الناس حولهما .. لم يعد أمامه سوى جرها بقوة .. و لكنها كانت عنيفة .. تلتصق بالأرض رافضة الحراك .. قبل أن يلتقطها و يرفعها بين ذراعيه في حركة سريعة .. ليقطع الزقاق و يدلف باب البيت القريب .. و يغلقه خلفه بركله من قدمه .. سارع يقطع الممر الفاصل بين المجلس و الحوش ..
تتلوى بين ذراعيه بعنف .. قبضتها ترتطم بصدره و وجهه قبل أن يتجاوز الباب ينزلها أرضا ..
هذه الفتاة ليست في وعيها ..!!
أشاح بوجهه عنها .. صرخاتها و عويلها المتتالي تلك الكلمات المبعثرة التي بلا معنى .. لم يفهم شيء ..تقدم نحو باب الصالة ليقف على بعد خطوات قبل أن ليهتف مناديا بقلق ..
- حووووووووور ..
الحقيقة أن قلبه كان يخفق بعنف .. و شعور بالاستياء يجتاحه .. و هو ينتظر ظهورها .. صرخات أختها تأتي من خلفه و هي تجثو على الأرض .. لحظيتن مرت دون ظهورها .. لحظتين أفقدته صبره ليصرخ بغضب ..
- حوووووووووور ..
و على آخر صرخته خرجت مندفعة من الباب .. و هي ترفع غطاءها على شعرها بخوف .. لم تتفوه بكلمة و عيناها تصطدمان بجسده العريض الواقف أمام باب الصالة مباشرة .. قبل أن تسأله عن الخطب كشف صمته عن ذاك الصوت المريع ...
.
.
للبرهة فقط ظنت أنها تتوهم الصوت و عينيها تتسعان بغباء محاولة ربط الصوت مع أي شيء قد يصدر عنه .. هذا قبل أن يتنحى بجسده العريض جانبا .. كاشفا عن تلك الملقاة أرضا على وجهها .. و نحيبها المكتوم لا ينقطع .. تيبست في مكانها لبرهة و هي تتأمل الثوب المعروف لعفرا .. و قد غطت شعرها و وجهها بغترة حمراء .. و بدت أطراف شعرها الطويل تتناثر حولها .. وضعت يدها على فمها .. قبل أن تجري نحوها دون أن تبالي بضخامة غيث الذي دفعته جانبا بفزع .. قبل أن تبلغها .. و هي تصيح ..
- عفرااا .. عفرااا .. بسم الله عليج .. عفرااا .. بلاااااج
قلبها الجزع راح يخفق بجنون .. عفرا تتشبث بها و وتيرة بكاءها تزداد بجنون .. راحت الدموع تملأمقلتها .. و هي تلتفت لغيث صارخة ..
- شفيهاااا ..؟؟؟!!! شوه سويييت بها ..؟؟!
اتسعت عيناه بصدمة .. قبل أن يصر على أسنانه بقوة و هو يكبح غيضه ..
- ما سويت بها شي .. لقيتهاا بلا شيلة تصيح في السكة ..
تدلى فك حور المذهولة .. و غيث يتجاوزها خارجا من الحوش متوجها للمجلس .. ليترك لها مجالا كي تتصرف مع أختها و بكاءها المجنون ..!
في اللحظة التي خرج غيث فيها من الحوش .. انتزعت حور الغترة و أبعدتها عن وجه عفرا .. قبل أن تطلق صرخة قصيرة مذعورة ..
- نووووووورااااااااااااااااه .. داااااااااااااااااااااااانة ..
كان الدم يغطي وجه عفرا .. فمها .. أنفها .. لونه الأحمر القاني اختلط بدموعها الغزيرة و صوت بكاءها المخيف تردد في أذن حور التي كانت تضمها بقوة حين تشبثت بها عفرا و هي تبكي بصوت عالي ..
- الكلللللللب .. الكلللللللللب .. ليييييييييييييييييش .. يا حيوااااااااااااااااااااان ..
خرجت نورة و دانة معا و الخوف جلي على وجوههن .. نورة تضع يدها على صدرها ..
- بسم الله بلاج انتي و ريلج تصارخون ..؟
صاحت بها حور و دموعها تبلل خدها على منظر أختها المفجع ..
- ذلفي هاتي ماي بسرعااااااااااااااااه ..
تقدمت نورة للأمام مأخوذة بما ترى و وجهها يسود بصدمة ..
- عــ .. عفاار..ي ..
صاحت حور بقوة ..
- هااااااااااتي مااااااااااااااااي ..
أخرجتها حور من صدمتها لتستدير راكضة للمطبخ .. دانة المتجمدة و يدها تشد على صدرها بفزع .. قبل أن تتعثر بخطواتها للأمام .. و تمسك بيد عفرا ..
- عفرا .. حبيبي .. عفاري .. شوه بلاهاا حور .. شوه استوى عليها ..
انهمرت دموع حور و صوت بكاء عفرا يخف وتيرته بيأس مرير و الأولى تهمس بخوف ..
- ماا دري .. ماا دري ..! يا ربييي .. عفاري .. بس حبيبتي ..
وضعت دانة يدها على فمها و هي تقول بألم محاولة منع نفسها عن البكاء ..
- حوووور .. في ويهها دم .. يمكن طاحت ..؟
ضمتها حور أكثر و هي تسمعها تئن بشيء ما ..
- مادري .. - ثم صاحت بقوة - نوووووراااااااااه ..
مع صرختها خرجت نورة تحمل كوبا كبيرا به ماء لتدنو به من حور التي تحاول جاهدة تهدئة عفرا .. عفرا التي تدفن وجهها الملطخ بالدماء في صدر حور التي كانت تهزّها بصبرو عبراتها لا تتوقف ..
- بس فديتج .. بس .. عفاري .. تعوذي من ابليس .. بسم الله .. شوه استوا عليج ..؟!
و أبعدتها قليلا تلتقط كوب الماء لتدنيه من شفتها .. لكن عفرالم تشرب الماء .. كانت تنشج بصوت يائس غريب مع ظهور مزنة و هند اللتان وقفن بباب الصالة و نايف الذي اندفع من الداخل نحوهن .. عفرا تخفي وجهها في صدر حور ..و صوت متقطع مفزع يصدر عنها و هي تقول بنوح ..
- أ .. أأنااا .. أصااارخ .. و انتوو ما تسمعووووني .. ليييييييش .. ما سمعتووووني .. آآآآآآآآآآه ..
.
.
كانت تشعر بيدي حور تضمها بشدة الآن .. و ألم رهيب راح يعتصر رأسها .. و روحها .. تريد أن تبكي حتى تموت ..
حتى تفنى .. لقد كُسِرَ كل شيء .. كل شيء ..
اليأس ينتشر في دمها و هي تشعر بأن صوتها يخمد .. و أطرافها ترتخي .. رأسها يسند بثقل على صدر أختها .. و كلماتها الذي يفترض بان تهدئها .. تذبحها ..
كيف لهم أن يتحلّقوا حولها هكذا و قد نحر شرفها للتو .. بعثرت أنوثتها .. كل ما قد يحمله المستقبل من لونٍ وردّي استحال لظلمة أفزعتها .. وبرد ارتعشت له أوصالها .. الآن .. و هي تبكي هنا بلا حيله ..
تسقط أوجاعها دمعا بمرارة و يأس .. بدت أيامها القادمة خاوية .. و بلا معنى ..
كل شيء ذهب أدراج الرياح ..
لا حيلة بيدها سوى أن تبكي نفسها .. و كل أسود قادم في أيامها ..
شعرت بحرقة في جوفها .. أطلقتها بنواح ممزق .. و هي ترتخي ..
إذا ما لم يكن هذا هو الموت ..؟! فكيف بالأمر إذا ..؟!
.
.
.
ليه تضميني لصدرك ..؟
ليه بس لوثتي طهرك ..؟
شلّي ايدك عن كياني ..
ودي لوحدي أعاني ..
بعد هالليلة خلاص ..
ماني من يرفع الراس ..
ماني من به شد ظهرك ..
أنا طفلة ..
انسرق لون البراءة من دمي ..
و عافت الضحكات رسمة مبسمي ..
دمعي ينحدر ألماس ..
أصيح بعالي الأنفاس ..
دنسني حقير الساس ..
.
.
منهو انتي ..؟
روح تسكِّت ونتي بصوت هادي ..
خارج المأساة تسكن ..
شايفة هالوضع عادي ..!


وين كنتي ..؟!
حين داسو على حلمي بالقدم ..
هدموه .. و بعثروه .. و احرقوا كل اللي باقي ..
بلا ندم ..
على حالي ..
يوم أنا بحرقة أنادي ..


ما عرفتي ..؟
انكسر فيني أمل ..
وطّوا راسي في الرمل ..
معاد ينشي الروح مني ..
غير حسرة استبدت في فوادي ..
و عين يسكنها سهادي ..
بعثرت أحلامي غلطة ..
و شتتني .. ضيعتني ..
كل ذرة من شموخي ..
أصبحت تسكن في وادي ..!


ما سمعتي ..؟
بعضهم قالوا علي إني نكرة ..!!
إني وصخة ..
إني ما أسوى حتى نظرة ..!
و سدت الحلق عبرة ..
الكل لي أصبح معادي ..
و أنا تذبحني حسرة ..
وينهم يومي أنادي ..؟
ليه ما فزعوا لي مرّة ..؟
يوم لطخ طيب ذكري بالسوادي ..؟


ما فهمتي ..؟
شلّي ايدك عن كياني ..
ودي لوحدي أعاني ..
ودي أنسى هاللي صار ..
أبا أتخذ هذا القرار ..
و أحققه بكل بعنادي ..
ودي أرحل عن زماني ..
بحمل على ظهري عار ..
و في دمعتي حرقة و نار ..
و إذا فعلي هو أناني ..
ما يهم ..
أبا أنتفض من هالدمار ..
أجمع حطام حلمي
و الأماني ..
و أبني بيت ..
أسكن بوسطه لحالي ..
حتى لو لونه رمادي ..
خلوا حزني يغدي دار ..
موجعي شبك النوافذ .. و الألم أصبح جدار ..
مدمعي شربة شفاهي .. و الجرح لي باب جار ..
خلو مأساتي الوسادة ..
و حلمي الميت مهادي ..
.
.
ليه تضميني لصدرك ..؟
ليه بس لوثتي طهرك ..؟
شلّي ايدك عن كياني ..
ودي لوحدي أعاني ..
بعد هالليلة خلاص ..
ماني من يرفع الراس ..
ماني من به شد ظهرك ..
أنا طفلة ..
انسرق لون البراءة من دمي ..
و عافت الضحكات رسمة مبسمي ..
دمعي ينحدر ألماس ..
أصيح بعالي الأنفاس ..
دنسني حقير الساس ..**

* * * * *

- هالصريخ من بيت بو نايف ..؟
قالتها أمها و هي تتكئ بتعب على مخدتها الثقيلة .. حين رأت جبين ابنتها بنعقد في قلق قبل أن تجيب بتوتر ..
- هيه و الله .. هذا صوت حور .. بلاهن ..؟
همست أمها بتعب ..
- تزاقر على خواتاا .. يمكن بعيدة عنهن ..
لم تجبها فاطمة و جبينها لا يزال معقودا .. قبل أن تنهض من مكانها بسرعة و هي تستأذن أمها ..
- أنا بفر حصا ع دريشة مطبخهم أشوف شوه السالفة ..
لوحت أمها بيدها ..
- سيري وايقي في الميلس اول شوفي خوج راقد هناك.. الهرم من ظهر أمس ما شفناه .. مادري متى بينصلح حاله ..
لوحت فاطمة بيدها يائسة ..
- ما بينصلح حاله هالتعبان .. الله يكفينا شرّه بس و بلاويه ..
ثم تركت غرفة امها متوجهة للمجلس الذي يقع عند الباب الخارجي مباشرة ..
فكرت بانه لا داعي لهذا القلق الذي راح يكتنف صدرها على حور .. بدايةً كانت صيحة رجل مفزعة تنادي باسمها .. ثم صوتها تصيح بأخواتها و كانها تستغيث ..!
رأت نافذة المجلس المظلمة .. لا بد أنه هنا عديم النفع ..!
دفعت الباب بقوة لا مبالية .. و أضاءت الأنوار .. أول شيء ادركته أن جهاز التكييف لا يعمل .. أدارت عينها في المجلس الصغير .. بسرعة .. خالٍ ..
لكن ..
عادت تنظر لذاك الشيء الملقى أرضا .. لتتسع عيناها بشدّة .. دنت منه ببطء .. لتمد يدها و تلتقطه من الأرض ..
كان غطاء الصلاة الخاص بعفرا مرميا هنا .. نظر حولها مجددا .. قبل أن تصطدم عيناها مجددا بقطع مشبك كبير انكسر الى نصفين ..
تقف مكانها و هي تنقل النظر بين الغطاء و المشبك ..
لا شيء .. لا شيء أبدا قد يخطر لها و يفسر وجودها هنا ..! ما الذي قـ ....
التفتت بقوة حين شعرت بحركة عند الباب .. تقبضت يداها على الغطاء بقوة حين رأته يقف أمامها .. و قد بدا الاضطراب على وجهه لبرهة .. لم تستوعب ما الذي يفعله أخاها هنا ..
- سالم ..؟
لم يرد عليها .. ضيّق عيناه على ما تمسك بيدها قبل ان يرفعها لوجهها الحذر و هي تقول ..
- متى ييت ..؟
توترت شفتيه قبل أن يقول بقسوة ..
- تونيه .. شوه تسوين في الميلس ..؟
رفعت حاجبها بهدوء و ترد ..
- أدور عليك ..
أشاح بوجهه عنها و هو يقول ..
- ذلفي سوي قهوة بييني ريال الحين ..
لم تتحرك من مكانها .. هناك وميض في ذهنها راح يدور ببطء .. لا تعرف لما تريد الوقوف هنا حتى توضح أمر ما ..
ما هو ..؟!
لا علم لها ..! فقط .. ماذا يفعل غطاء عفرا و مشبكها المكسور في مجلسهم يا ترى ..؟!
لما هذا التعبير الذي كسا وجه أخيها للمرة الأولى تراه .. شيء يشبه الارتباك ..؟!
- انتي بتتحركين و الا شوه ..؟؟؟؟
ضرخ بها فجأة لتنتفض في مكانها بذعر .. قبل أن تندفع بسرعة .. تتجاوزه لتتوجه خلف البيت مباشرة ..
.
.
وضعت الغطاء و المشبك جانبا .. و التقطت بعض الحجارة لترميها على نافذة مطبخهم ..
مرة ..
مرتين ..
راحت ترمي الحجارة واحدة تلو الأخرى دون فائدة ..
لا أحد يجيب ..
حين يأست تركت الحصى الأخيرة تسقط من يدها التي ارتفعت لتضغط على قلبها بقوة ..
ضيق مقيت اعتصر قلبها و عيناها تتأملان الغطاء مجددا ..
ما الذي حدث يا ترى ..؟!

* * * * *

في اللحظة التي أوقف سيارته في الباحة الأمامية العملاقة للمنزل الكبير بجانب جمع السيارات الغفير .. علم أنهم في انتظاره .. الجميع هنا .. و تأخر هو عن تأخيره المعتاد .. هاتفيه المتحركين لا يكفّان عن الرنين .. و هو جالس بتصلب في مقعده .. قبضته تعتصر المقود المكسود بالجلد الدافئ .. و هو يسحب أنفاسا عميقة متعاقبة ..
منظرها .. بكاءها .. و تلك الكلمات المبعثرة .. تعاد مرارا في ذهنه ..
انكسارها ذاك و بكاءها .. أعاده لما يعيشه حين تغفو الشمس .. و يسدل الليل أجفانه .. حين ينأى كل واحد ممن حوله بعيدا .. ليجد نفسه وحيدا ..
يغالب كل ما يغزو ظلمات ذاته .. و مرقده .. أغمض عينيه بهدوء و هو يعيد رأسه للخلف ..
صور متقطعه .. بلا ألوان .. تغشى ناظريه ..
صيحات مفزعة .. و ضجّة ... و إحساس يألفه .. ذاك الهواء الذي لا يصل لرئتيه ..
راح يعب الهواء بقوة .. و ضيق غريب يكتسح صدره .. لطالما انتشله من سواد تلك الرؤى إختناق ..!
عاد هاتفه يهتز بجنون مرّة أخرى .. ألقى نظرة غير عابئة به .. قبل أن يستوقه الرقم الذي تألق على شاشته ..
هذا هو الشخص الوحيد الذي لن يتجاهله ..
أبدا ..
التقط الهاتف يرد عليه بحركة سريعة ..
- مرحبا ..
صوته القوي الهادئ يتدفق من سماعة لأذنيه .. يسري في عروقه ممتزجا باحساس مريح بالأمان و الطمأنينة رغم كلماته المختصرة ..
- وين انته ..؟
أغمض عينيه و هو يزفر مطولا قبل أن يرد بهدوء ..
- عند الباب ..
صمت ساد لبرهة قبل أن يأتي الصوت أكثر خشونة بقلق ..
- رب ما شر ..
ابتسامة غريبة اعتلت شفتيه .. للحظة شعر بأنه عاد طفلا في كنف ذاك الكبير .. يفزعه .. و يقلق عليه ..
- و لا شر .. الحين حادر ..
أنهى المكالمة دون أي كلمة أخرى .. و دون أي مجال للعودة إلى تخبط الأفكار .. فتح باب سيارته يترجل منها .. ما ان أغلقها .. حتى رفع حاجبه ببرود عندما وقعت عيناه على السيارة التي دلفت البوابة الكبيرة للتو ..
يبدو أنه ليس الوحيد المتاخر هنا ..!
انتظر أن يركنها في مكان قريب قبل أن يترجل راكبها .. و يتوقف أمام الباب لبرهة .. يصفق باب السيارة و يغلقها .. ثم يتوجه نحو غيث يخطوات واسعة ..
- السلام عليكم ..
رد غيث بصوتٍ ثلجي ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. تو الناس ..
سلّم عليه بحرارة قبل أن يقول ..
- من المغرب و أنا هنيه رديت البيت أييب أوراق و أيي .. شحالك ..
تنهد غيث و هو يرخي عضلاته المشدودة .. لا يدري لما تمنى أن يكون حامد متخلفا كعادته .. ليستمتع بتأديبه فيفرغ شيئا من هذه الطاقة السلبية التي راحت تتوزع في أطرافه ..
- الحمد الله .. انته شحالك .. علوم الدوام ..
تقدما يمشيان سويا باتجاه المجالس التي تقع منفصله عن المنزل الرئيسي .. و حامد يلعب بمفاتيح سيارته مجيبا بهدوء ..
- يسرك الحال ،، كل شي طيب .. شهرين و بيردون فهد للادارة التنفيذية ..
عقد غيث جبينه و هو يقول باحتقار عميق ..
- ما يستاهل يرد .. لو منهم خليته مفرور في المخازن الين ما يموت ..
هز حامد كتفيه بلا مبالاة ..
- عميه أحمد ما بيطيع يخليه اهناك .. و لو انه وقف وياك يوم بغا يضيّع الهرم المناقصة ربك ستر .. المهم يوم بيرد .. أرد الدائرة القانونية .. و الا أتم في التنفيذ ..؟؟!
تنهد غيث ..و الضيق ذاك لا يتزحزح ثقله عن صدره ..
- أباك تيي عنديه .. بس فنفس الوقت أبا العين على فهد لا يتدخل شرا المرة لي طافت و يخرب عليّه .. ما عليه .. عقب شهرين .. يصير خير ..
كانا قد بلغا المجالس .. راح حامد يمرر يده على غترته متأكدا من وضعها .. تنهد غيث و هو يتذكر غترته التي تركها على عفرا و ارتدى غيرها ..
قطع ممر قصير يتفرق لمجموعة من الحمامات و يقود طريق آخر منه لأربعة مجالس ضخمة .. اقتربا من أدناها بصمت .. دلفا من باب المجلس الذي فتح على اتساعه لتجتاحهم موجة من الأصوات الرجولية الغليظة و الاحاديث المتفرّقة .. ليسلم غيث بصوتٍ جهوري استدارت له رؤوس الحاضري ن..
- السلام عليكم و الرحمه ..
كان المجلس مكتظا بالرجال .. فالعشاء الذي يعدّه جدّه بمناسبة انتهائهم من مشروع ما لم يتذكره ذهنه المزدحم ما هيته ..
الأصوات الغفيرة التي ردّت السلام و راحت ترحب به زادت من صداعه و عينه تتعلق لثانية بعين جدّه الذي نظر له مباشرة من صدر المجلس بعين ثاقبة و كأنما يريد اختراق غياهب روحه ليستشف الشيء الذي زعزع ثباته و لو قليلا ..
تحرك غيث بهدوء يسلّم على الحضور واحدا تلو الآخر .. فيما تجاوز حامد من رآهم و توجه للذين لم يلتقيهم بعد ..
معضم هؤلاء لا يعرفهم رغم التقاءه بهم في عدّة مناسبات .. يسلم عليهم واحدا تلو الآخر .. وجوه متتالية عدة لم يستوقفه أيٌّ منها .. سوى .......
الصوت الأثير الذي تسلل لأذنه و هو يسلم بعمى على ذاك الرجل ..
- حييّه بو سيف ..
انتصبت عينا غيث عليه و هو يبتسم بدهشة ..
- و به حي .. مرحب ..
و سلّم عليه بحرارة ..
- قلت ما بتيي ..؟؟!!
ردّ نهيان ابتسامته بهدوء ..
- تعشيت ويا الأهل و ترخصت منهم .. يسلمون عليك ..
شد غيث على يده ..
- الله يسلمك و يسلمهم .. سلّمت على بويه سيف ..؟!
هز نهيان رأسه ..
- هو لي قرب بيه .. يتخبر عنهم ..
كلمات مختصرة قبل أن يفلته غيث و يواصل الدوران على الموجودين .. ما أن بلغ فهد الذي توسط بو غيث و سيف .. حتى شد على كفّه و هو يسلم .. شعر بأنه على وشك أن يسحقها .. و نظرة فهد الباردة تخفي حقدا دفينا ..
لا يرتاح له .. و لا يحبه ..
أفلته .. ليسلم على البقية .. و لم تخفى عليه نظرة سيف المستاءة و هو يتأملهما .. لطالما سعى سيف جاهدا للاصلاح بينهما .. لكن يستحيل ذلك .. كيف له أن يدفعهما لتقبل أحدهما الآخر .. أو ايثار السلام ...؟!
احتضنت يد جده كفّه القوية يده و هو يشد عليها .. شعر بوخزة في صدره .. شعر بامتنان عميق و نظرة جده المتفحصة تمسح تعابيره ببطء ،،
قلق عليه ،،
دوما سيعود ذاك الطفل الذي كبر في كفنه .. و الذي زرع في داخله كل مبادئه .. قيمه .. سيعه الحثيث لرزقه ..
الرجل الوحيد الذي ارتشف من راحتيه معاني القوة ..و القسوة و الجفاء ..
هذا الكبير هو الذي ربّاه .. و ضمّه تحت جانحه .. أعاد له الأمان حين ضيّعه في غفلة عن الآخرين ..
بعدها تعلم أن يدرج كل طيف لمشاعرٍ واهية في طيّات نفسه .. خفيّة عن أي يدٍ قد تمد لتقتلعها من جذورها ..
أي لين قد يؤدي لدهسه تحت الأقدام ،، أدرك أن لا أمان له .. عليه أن لا يري الآخرين أنه قابل للكسر ..
.
.
هذه المشاعر المتضاربة ..
دفق من الأحاسيس المضطربة .. الغابرة ..
التي يستيقظ كل صباح فيدثرها في نفسه .. يجد فرجا كي ينفس عنها ..
هذا الضيق الذي يكتنف صدره ..
ما الذي دفع بزخم كل هذا للمقدمة ..؟!
بكاء تلك الشابة ..؟! انكسارها أمام عينيه ..
لوعتها التي لمسها في عويلها .. نبش فزع عايشه ذات عمر ..؟!
هز رأسه لجدّه بابتسامة واثقة .. و هو يغلّف أحاسيس عينيه ببرود ..
ليس عليه أن ينثر كل غباءه هنا .. حين يختلي بنفسه سيجد تفسيرا لكل هذا ..
كل ما في الأمر أنه شعر بحاجة ماسة تحثّه على رؤية جدته ..
يريد أن يرفل لثانية في عطاء تلك الأم ..
يعلم أنه سيجد الاستقرار بعدها في تلك الليلة ..

* * * * *

كان يقف أمامه مباشرة .. يعلم أن أبناء هذا الرجل يهابونه .. يطيعونه .. و لا يمكن لأحدهم أن يخرج عن أمره ..
فعلها أحدهم ذات يوم .. و نفي لمرابع الهجران .. حتى رحل ..
وجهه القوي .. نظراته الثاقبة .. تلك الحيوية التي تتدفق من عينيه لا يتمتع بها من هم يصغرونه جيلا .. رغم ذلك لم يرهبه ذلك .. كلن يهاب جده و يحترمه .. و لكن حين تكون ممسكا بحقٍّ بين يديك .. تريد ايضاحه .. لا شيء أبدا قد يجبرك على التراجع .. لذلك لم يكن ينتظر سوى سؤال جده الصارم و هو يقول ..
- رب ما شر يا بو هناد .. شوه الموضوع لي تبانيه فيه ؟؟
ثم رفع عينه للساعة المعلقة على الجدار .. عقاربها تجاوزت الثانية عشر بعد منتصف الليل .. كان العشاء قد انتهى .. و ذهب المدعوون منذ ما يقارب الساعتين فلم يتبقى سوى أفراد العائلة منهم من مضى لبيته و منهم من دخل لرؤية أم علي و وجد هو فرصة للحديث مع جده جانبا ..
أزاح سيف غترته عن رأسه و هو هو يحك لحيته بيده الأخرى قبل أن يقول بهدوءه المريح ..
- و لا شر يا بويه .. أبا أرمسك في شي .. و أنبهك عليه ..
استرخى الجد و عيناه تتأملان هيئة سيف المسالمة ..
- لي هو ..؟
سحب نفسا عميقا قبل أن ينظر لجده و يقول بصوت وقور ..
- ما تلاحظ يا بويه انك تبد غيث على عيالك و على باقي عيال عيالك ..؟
صمت ساد المكان لأنفاس .. و سيف ينظر لجدّه الذي راح يرد نظرته بقوة لم تزعزع ثبات ذاك .. قبل ان يرفع الجد حاجبه ببرود ..
- غيثر أنا لي مربنه .. عادنه ولديه هب ولد ولديه .. و غيث أكبركم .. و عونيه ..
هز سيف رأسه بثبات دون أن يتراجع ..
- كل هذا على العين و الراس .. لكن اتم مفرق امبينا .. تبد غيث علينا .. و تميزه .. و هالشي ما ايوز بارك الله فيك ..
لم يرف للجد جفن و هو يعقد ذراعيه ..و يقول ببرود ..
- شوه لي ما ايوز ..؟
قال سيف بقوة ..
- ما يوز تفرق بين عيالك ..الرسول عليه الصلاة و السلام نهى عن هالشي .. واحد من صحابة الرسول هو النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول : تصدق علي أبي ببعض ماله . فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفعلت بولدك هذا كلهم ؟ ) قال : لا . قال ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) . فرجع أبي . فرد تلك الصدقة ***..!!
عقد جبينه و هو ينحني للأمام و يمد راحتيه و كأنما يفرد الفكرة أمامه و صوته لا زال هادئا ..
- و انته يا بويه الله يهديك .. تفرق امبينا و معطي غيث الخيط و المخيط ،، التمييز لي انته تسويه و محاباة غيث من بدنا ما تسوي الا البغظ .. الشيطان بيدخل بيننا و نحن نشوفك تخصه عنا ..! الشيطان لي دخل بين يوسف و أخوانه .. و فرق امبينهم .. يوم ربي يقص قصتهم في كتابه العزيز .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،، بسم الله الرحمن الرحيم : ( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عُصبةٌ إن أبانا لفي ضلال مبين )****
تنهد بسماحة ..
- يا بويه بارك الله فيك .. لي تسويه هب زين .. اعدل .. اعدل .. لا تعطي حد و تقصر عن حد .. الشيطان و الحقد بينفرنا من بعض .. الغيرة و الحسد بتدخل بينناا ..
ثم صمت ..
لحظات مرّت ثقيلة .. و تعابير الجد المتجمدة لا تفصح عن شيء .. لا يدري لما راود سيف شعور بانه نطح جدار ..
شرعان ما تأكد من ذلك حين تلفظ جدّه برده البارد ..
- بس هذا لي عندك ..؟!
راحت الخيبة تجرفه بعيدا قبل أن يسمع رأي جده .. على يقين بأن كلماته لم تجد صدى ..
- الدين نصيحة .. بغيت أنصحك .. لا تكون سبب بيناا ..
- لا تعلمني الدين يا ولد ..
زمجر جده بتلك الكلمات و عيناه تلمعان بقسوة .. قبل أن يردف بقوة ..
- تبانيه أعطيك لي اعطيه غيث ..؟ ودّر الشرطة و اشتغل ويا هلك ..
لماذا فسّر نصيحته على أنها مطالبة .. قال سيف بعتب هادئ ..
- يزاك الله خير يا بوي .. لو بغيت شي أدريبك ما تقصر .. و أنا ما أرمس عن عمريه .. انت تدري شوه قصدي ..
رفع الجد حاجبه .. و أذن صمّاء يلقيها لسيف ..
- لااا ما أعرف قصدك .. عندك شي قوله .. لا تيلس تلف و تدور .. غيث لي فيكم كلكم .. ريّال و راص ع عمره .. يستاهل لي ييه يوم انه يسعى لخيرنا .. محد منكم سوى لي يسويه .. انته شارد الشرطة .. و المعثرين حامد و فهد ما منهم خير .. يهّال ما منهم خير .. يوم انكم بتسوون لي يسويه غيث و بتشقون للحلال شراته .. بنبدكم عليه .. لا تيي تعلمنيه و تأمرنيه شوه أسوي و منوه أعطي .. الحلال .. حلالي .. و أعطيه لي ابا .. كان حد منكم عنده غير هالرمسة يقولها ..
- ياا بويـ ...
- سيف ..! عندك غير هالسالفة ..؟
- اسمـ ..
- عندك غيرها ارمس .. ما عندك غيرها توكل على الله .. الساعة طافت الوحدة .. و أنا برقد .. أنا سارح من غبشة باكر ..
هب سيف من مكانه .. و هز رأسه بأسى .. توقع ان يلقى كلامه صدى على الأقل .. لكن .....
لكنه لن ييأس .. سيظلّ خلف جدّه حتى يترك هذه التفرقة التي لم تسبب سوى أحقاد بين أبناءه ..
لذلك دنى منه باحترام لينحني على رأسه و يقبله ..
ثم يقول بهدوء ..
- الله يهديك ..!

* * * * *

لحظات مرّت و هي تناظر شاشة الهاتف أمامها .. اسمه يتألق عليها بغطرسة ..
كحضوره .. رغم تلك الوداعة التي تألفها ..
كالقوة التي تنبثق منه لترغمها على أن تكون دوما ضعيفة أمامه ..
شعرت برغبة قوية في تجاهله .. لكنه واصل الرنين باصرار .. حتى خشيت أن تستيقظ أختها على صوته .. رفعته بسرعة .. و هي ترد .. تلصق السماعة بأذنها .. ليتدفق صوته العميق إليها ..
- شوه راقدة ..؟!
أغمضت عيناها .. رغم كل ذاك الخوف الذي يسكنها في هذه اللحظة .. القلق ..
و الألم على حال هذه الحبيبة التي تستلقي هنا بهدوء ملائكي بعد تلك العاصفة التي أفجعتهم ..!
استطاع بكلمتين فقط أن يلقي بها في دوامة من الاضطراب ..
لا يبدأ بالسلام .. و لا السؤال عن الحال ..
لا تسمع الـ ألو المعتادة من كل الناس ..
هكذا هو .. يقتحم سكونها .. ليضيّعها في مداره ..
حيث يكون محورا .. هو فقط .. و لا أحد آخر ..
لماذا يخترق الناس أحاسيسنا رغما عنا ..؟ لما لا تكون ملكا لنا فقط ما نريد أن نشعر به ..
ما يخصّنا ..
و ننفي من لا نريد إلى تلك الأراضي الباردة التي لا يسكنها سوى المهملون من مشاعرنا المتمردة ..
لكنهم يفعلونها .. ينبشون كل ما هو غير مفهوم .. كل ما نطمسه في أنفسنا خوفا منه ..
عندما لا ندرك معنى له ..
تبا لهم .. كم هم متطفلون ..
- حور ..؟
سحبت نفسا عميقا تحتجزه في صدرها .. قبل أن تجيبه بصوت مختنق ..
- هممم ..؟
صوته أتى خافتا الآن ..
- راقدة ..؟
أنَّى لها ذلك ..؟
أصبحت الأمور تتخبط داخلها الآن .. كل شيء يزدحم في ذهنها .. كل شيء و لا شيء ..
لا تعرف ما الذي عليه أن تفكر فيه أولا .. لا تعرف ما الذي يحدث لها ..
أين هي .. و من هي ..
ما هي هذه الطرقات التي تسلكها ..؟!
إلى أين تقودها ..؟!
البداية .. النهاية .. أصبح كل شيء مختلط عليها ..
تريد لحظة واحدة من السكون فقط ..
لترى أي مطاف قد بلغت قدماها دون وعي ..!
راقدة ..؟!
أين هو النوم .. لم تعرفه الليلة أجفانها ..!
زفرت ذاك النفس الحبيس و قد حمّلته أوزار همّها الذي لا تعرف له سببا محددا ..
- لا ..
- تعالي ..
كان هذا أمرا .. لم يطلب منها .. بل يقودها بكلماته .. بحثت عن برودها .. تتسلح به مجددا ..
تذكري .. نايف .. مايد .. عبيد .. غيث .. كلهم سواسية ..
تخيّلت مايد يقول هذه الكلمة .. هه .. لا .. مايد لا يفعلها بهذا التسلّط ..
كلمة واحدة وجدتها تنفلت من شفتيها بهدوء ..
- انزين ..
و أنهت المكالمة ..!
أسندت رأسها بيدها .. عيناها تتأملان وجه اختها الغارقة في النوم .. جانب وجهها الأيسر تلوّن بلونٍ أزرق خفيف زحف على جانب أنفها أيضا ..
ستصبح هذه الكدمة داكنة بشكل سيء في الصباح ،، هذا غير طرف شفتها المشقوق الذي تورم ..
استعادت سردها الباكية لتلك الحكاية المتخبطة .. لم تفهم من التفاصيل شيئا غير هذيانٍ غريب عن كلبٍ لحق بها في طريق عودتها من بيت أم سالم ..
أجبرها على تغيير طريقها لتعلق في شجرة قد نبتت في الزقاق .. و تقع على وجهها ..
لا تعلم أين ذهب الكلب .. أين غطاء رأسها .. كل ما شعرت به هو قدوم غيث الذي أخافها ..
ثم وصول حور ..
هل لكلب أن يثير كل هذا الفزع في نفسها ..؟ ذاك البكاء المجنون و تلك الصرخات ..
رغم تأكيد نايف على الكلب الذي لابد أن يكون ملكا لخالد الساكن في أقصى الشارع .. و أنه دائم الهرب ..
لا .. لا تعلم .. كلما استعادت منظر أختها و نشيجها الممزق ذاك ..
لقد ظنت لحظتها أنها تلفظ إحساسها الأخير ..!
ربما كانت عفرا أضعف نفسا مما اعتقدت .. بامكان كلب يلاحقها طريدة أن يثير الفزع في نفشها هي ..
هل عضّها ..؟ لا ..
كل ما في الأمر أنه لاحقها بقوة .. و أفزعها ..
شعرت بشفقة هائلة نحو اختها .. لم ترها قط بهذه الصورة الضعيفة ..
بلى ..
حدث ذلك .. حين فقدن والدهن ..
كان تسكب دموعها مرارة على رحيله ..
الحق أن وجعها الليلة بدا مخيفا و كأنما تودعه مرة أخرى ..!
التقطت خصلة من شعرها الناعم .. هذا الشعر الذي أورثته إياهن أمهن جميعا ..
لم يكنّ بالجمال الذي قد يدير رؤوس احد .. لا أحد منهن قد تتميز بملامح أنثوية جميلة كالمها ..
و لكن يعلمن أن الشعر المميز لأمهن أصبح تاجا لكل واحدة ..
مررت راحتها مرتين على شعر عفرا ..
بدت ضعيفة .. و منهكة .. بكت حتى نامت .. رفضت تناول العشاء ..
.
.
قبلة رقيقة لامست بها جبينها بحب ..
لا أريد أن يمسك سوء أختي ..


.
.
.
.
.
.
في اللحظة التي أطلت برأسها من الباب الذي يفصل الحوش بممر المجلس وقعت عيناها عليه .. يجلس بإزاره و الفانلة القطنية البيضاء .. على عتبة المجلس .. هناك .. حيث ابتدت للمواجع حكاية ..
شعر بوجودها .. دون أن يرفع رأسه الذي يتأمل الأرض بهدوء .. فرد يديه التي كان يعقدها أمامه .. و هو يربت إلى جانبه آمرا بهدوء ..
- تعالي ..
تقدمت منه بخطوات بطيئة .. لم يرفع رأسه نحوها .. بدا شاردا رغم وجودها .. جلست حيث أشار لها .. لا يفصل بينهما سوى انشين ..
و عالم ..
الكثير من السكون تخبّط هنا .. و هي تحني رأسها بوقار .. تخنق كل خقة بلا معنى .. و كل احساس يشتتها .. تفصل خفّة فؤادها عن عقلها الذي راح يركّز بقوة ..
يجلس بجانبها .. تشعر بدفء جسده الكبير يصلها في برودة هذا الليل ..
كل منهما منشغل بشيء ما ..
الاعتياد الذي لمسته في جلوسها قربه ..
وجهها المكشوف .. و شعرها المنزلق من تحت غطاءها المتراجع .. حلال لمسة قد يمد أنامله تلك ليحصل عليها ..
كل هذا .. لا شيء ..
هذا الرجل رغم إحسااسها القوي به .. رغم انجاذبها نحوه .. رغم لهفتها لكل ما قد يروي احساسها منه ..
مجرد غريب ..!
لا تعرف عنه شيئا ..
غير ألوان صورة باهتة هزيلة .. رسمتها بأحاديث أخته عنه ..
ماضيه .. حاضره .. من هو .. و بما يفكر ..
ما الذي يشعر به ..
و ما الذي يخالجه حين يلتقيها ..
إستفهامات مجنونة تدور .. و تدور .. و تدور ..
ستصيبها حتما بالجنون ..
أراحت وجهها بين كفيها غير مبالية به .. نست وجوده لبرهة و هي تزفر بحيرة ..
ليتها تعرف عنه أكثر من مجرد اسم .. و عقد يربطهما ..
.
.
كان صوته دافئا .. قريبا للغاية .. و هي تشعر بظل رأسه يقع على وجهها ..
- بلاج ..؟
رفعت عينها نحوه .. كان وجهه دانيا .. ترى حدّة ملامحه خشنة الوسامة .. خطوط فكه القاسية .. و عينه اللامعتين تتأملها عن قرب ..
لحيته المهذبة .. و حاجبيه المعقودين ..
أشاحت بوجهها بعيدا عن مرآه .. همست بصدق فاتر ..
- ما أدري ..!
صمت لبرهة قبل أن يسألها باهتمام ..
- عفرا وين ..؟
- راقدة ..
عقد جبينه باستياء بالغ ..
- شوه استوا بها ..؟ شوه لي وداها السكة بلا وقاه ..؟ ليش كانت تصيح ..؟
موضوع آمن .. رغم حساسيته .. تذكرت غترته التي احتفظت بها لتعيدها لاحقا .. رأى أختها بدون غطاء .. جلبها إلى داخل البيت .. كيف انقادت له عفرا يا ترى ..؟!
- سارت تودي سامان لبنت ييرانا .. و هي رادة لحقها كلب ولد عنتر .. ما تعرفه .. راعي البيت الازرق لي في أول الفريق .. عفدت في غافة في السكة لي ورا سكتنا .. و طاحت و هي تربع .. بس ..
- بس ..؟!
قالها بطريقة غريبة و هو يرفع حاجبه متأملا جانب وجهها الذي راحت تصرفه للأمام .. متجاهلة النظر اليه
.. ما خطبها ..؟! لما بدت له بعيدة ..!
الحكاية التي سردها للتو لم تكن مقنعة حتى و هي تؤكد ذلك بتصلب ..
- هيه ها لي صار ..
كان متشككا ..
- متاكدة ..؟!
أومأت برأسها مجيبة .. صمت لبرهة .. و عيناه لا تفارقانها .. كانت تعقد جبينها بشيء من الضيق .. و عيناها تصيقان بهدوء .. تزم شفتيها .. و هي تحك نقشا في ثوبها بأناملها .. كانت متوترة ..
تخفي اضطرابها بقوة .. و كأنما لا تريد له أن يمس أي فوضى يعيثها في إحساسها .. لا يدري لما يجد متعة كبيرة في تشتيتها ..؟! في استفزاز مشاعرها و بعثرتها .. ؟! يريد أن يرى لمعانها الغائم .. و رعشة أهدابها .. حين يضيّعها في ما لا تعرف ..
شعرها المضموم تحت الغطاء لم يسيطر على غرتها الطويلة التي احتضنت وجهها بنعومة .. مد أصابعه بصمت يلتقطها .. قبل أن يدنيها من وجهها .. ليشمّها ببطء ..
لا يغفل عن اختلاج انفاسها ..!
.
.
خفق قلبها بقوة غريبة .. و هي تشعر بالهواء يتسرب من حولها ..يدها المرتجفة تنتزع غرتها من بين أصابعه لتدسها بسرعة وراء أذنها .. جذبت طرف - الشيلة - من مؤخرة قمة رأسها .. لتدسلها على شعرها كلّه .. لم تكد تفعل حتى التفت أصابعه المحكمة على رسغها تمنعها من ذلك .. تصلب أوصالها .. و هي تشعر بلمسته تحرق جلدها الرقيق .. و يدها تتوقف في الهواء فوق رأسها .. لم تحاول جذب يدها حتى .. انتظرته أن يتركها لكنه لم يفعل .. أنزل كفها الصغيرة ليحتضنها بين يديه الكبيرتين ..
مرت لحظات طويلة تكافح انتزاع يدها من يديه .. و قد هبط عليهن الصمت ثقيلا ..
تشعر بنظراته الثاقبة تخترق عظام وجهها الذي انتكس ببطء .. هذا الهدوء الذي راحت تعدّ فيه أنفاسها و أنفاسه يستفزّها .. هل شعر بشيء غريب ..؟!
حتما ..
سحبت نفسا عميقا لتتنهد بصوتٍ مسموع حين شعرت بانها محتاجة الصدار أي ضجة قد تقطع هذا السكون الكريه .. لما لا ينطق بشيء ما ..؟!
تذكرت بأنه طلب منها المجيء .. لذلك قالت بتوتر .. و يدها تنكمش بين قبضتيه .. فيما يمنعها من جرّها ..
- آحم .. شوه كنت تبا ..؟
لم يبدو أن أفكاره قد توّهته .. فقد أجابها بهدوء دون تردد ..
- أبا أشوف شعندج ..
- ما فهمت ..؟!
قالتها و هي تنظر اليه .. وجه الخالي من أي تعبير حيّرها .. لم ترى حتى انعكاس الدفء الذي اعتادته ..
- الليلة حسيتج هب طبيعية .. و كانج متضايقة و الا زعلانه .. هب حور لي أعرفها .. حتى الحين ..
رفع حاجبه متسائلا ..
- شفيج ..؟
ألجمها سؤاله المباشر .. لتشيح بوجهها بعيدا ..
- ما فينيه شي ..
- حور ..
كان غير مصدقا لما قالت .. جذبت يدها بهدوء .. و أفلتها دون كلمة .. قبل أن تقول بخفوت ..
- اسمع .. أحس انيه مندفعة شوي .. و أبا أخف الدوس .. الين أفهم كل شي ..
عقد جبينه .. كلامها مبهم .. لا تدري لمنا تفوهت بذلك .. لكن عليها حقّا أن تضعه في الصورة .. ألا تستغله ..؟!
ألم تشر وديمة أنها تستخدمه وسيلة لسد الثغرة العاطفية في روحها ..؟!
ضمّت ركبتيها تسند ذقنها عليها .. شعرت بان حجمها ضئيلا مقارنة بجسده الطويل .. ترددت لبرهة قبل أن تبلع ريقها ..
- يعني .. نحن ما تلاقينا الا من ست شهور .. و أحس انه .. انه .. يعني مادري .. بس انا ابا أفهم مشاعريه أبا أعرف بشوه أحس صوبك .. أول مرة .... أحس انـ ...
احمر وجهها و هي تنظر إلى كل شي إلا عينيه ..
- أحس انيه .. مرغوبة .. و انه حد يهتم فينيه .. انته ريّال .. و أكبر منيه .. عارف الدنيا و خابرها زين .. بس أنا .. أنا ..
تنهدت بضعف ..
- أحس انيه ضايعة .. و خايفة ..!
هبطت راحته الكبيرة على رأسها ..
- خايفة منيه ..؟
لم تنكر ..
- خايفة من كل شي ..
رفعت رأسها بغصّة ..
- من انته ..؟! انا ما أعرفك ..!! ما أعرف شي عنك غير اسمك .. لا شخصيتك .. و لا اسلوبك .. احساسك .. شوه لي يضحكك .. و متى تزعل .. ليش خطبتني ..؟! - و توقفت بحيرة هنا - و لا شي .. كيف تبانيه أعيش وياك و أنا أحسك غريب عني .. انت تشتتنيه .. و ما أفهم عمريه .. و لا بشوه أحس صوبك ..
أردفت بتعاسة و هي تنظر له بلوم ..
- غير هذا .. لا تنسى انه اليوم و الا باكر أمايا بتربي .. و بنودر بيت أبوية .. و بننتقل عندكم ..
لم يرد .. فقالت معترفة ..
- ما أنكر انيه يوم فكرت في الموضوع شفته في مصلحتنا .. نكون قريب من هلنا و عينهم و قلوبهم علينا .. بس انته ما تعرف .. أنا ما رمت أخبر غير أمايا و المها عن الموضوع .. مادري شوه أقول لخوانيه ..
تهكمت بوجع ..
- اسمعوا .. يوم بتربي أمايا بنشل قشارنا و بنسير قدا هل أبوية .. عرب ما نعرف منهم حد .. و ما يعرفوناا .. ما نعرف طباعهم .. و لا حياتهم .. ما نعرف غير انهم طردوا ابوناا ..
رفعت عيناها نحوه تسحب نفسا عميقا ..
- ليش طردوا أبوية ..؟!
تصلّب فكّه في صمت .. و هي تعيد السؤال بنبرة متوسلة ..
- أعرف انك تدري ليش .. خبرنيه ..
رد بجمود .. علّها ..
- ما أعرف ..
هزت كتفيها بسخرية ..
- هه .. لو انته ما تعرف .. منوه لي يعرف ..؟! أعماميه ما شفنا حد منهم شبّر بيتنا .. لا قبل موت أبوية .. و لا عقبه ..
برر بهدوء ..
- أمج في العدة .. و ما بغوا يحرجونها و الا يضايقونها الين ما تظهر منها لبيت أبوية سيف ..
عقدت يديها بحزن ..
- أستغرب منهم .. ما يحسون بشي صوب أبويه ..؟! ما زعلوا عليه يوم مات ..؟
عضت شفتها السفلى بقوة .. قبل ان تقول بهمس مخنوق و هي تشير لعتبة الباب التي يجلسان عليها ..
- تعرف انه مات هنيه ..؟! عند هالباب .. ! رقد و لا نش عقبها ..
.
.
نظر أسفله بصدمة .. تأمل الأرض و شعور غريب بالذنب يجتاحه .. و كأنما لهذا المكان قدسية مختلفة ..
دنس حرمة رحيل ذاك الرجل .. حين راح يمارس خداعه على ابنته فوق المكان الذي شهد آخر لحظاته ..!
كلماتها المتقطعة .. المبعثرة ..
للمرة الأولى تكشف عن جانب من روحها .. للمرة الأولى يراها بهذه الجرأة .. تطيح بالكلمات بمرارة ..
تنفث أوجاعها الصامتة ..
علم أنها تريد أن تنبش كل ما في داخله ليرضيها ما ستعرفه ..
تجهله الآن .. و تجهل ما جعله بهذه الصورة ..
فيما يكاد يقلبها هي بين يديه كتابا مفتوحا .. تعابيرها تفضح كل ما يخالجها ..
كان صوته عميقا و هو يسألها بهدوء ..
- يعني البرود و التطنيش بيخليج تفهمينيه ..؟
رفع عينه حين شعر بها تنهض من مكانها .. وقفت أمامه و هي تلملم أطراف روحها التي نشرتها للتو أمامه .. و هي ترفع رأسها في مواجهته ..
ذاك البرود الذي أثاره .. و رغبته في استرضاءها .. منحتها ثقة غريبة ..
أعادتها لجلد كانت تعرفه .. لتقول بقوة ..
- المشكلة انك انته ما فهمتنيه .. تصبح على خير ..
قالتها و راحت تحث الخطى بسرعة نحو باب الحوش و كأنما تخشى أن يوقفها ..
و لكنه لم ينوي ذلك أبدا ..
ثقل غريب هبط على نفسه ..
و هو يراقبها تمضي ..
لم يرد أن يتبعها و لا أن يوقفها ..
.
.
أبت كلماته المرهقة أن تجادل إحساسها ..
لقد ضيّع شيئا من ثباته في زخم إحساس هذه الليلة ..!
.
.
.
.
.
.
- عفرا ..؟!!
انتفضت في مكانها بقوة .. قبل أن ترفع عينيها الحمراوين في اتجاه شقيقتها .. كانت تقف بباب الصالة .. لا زالت ترتدي ملابسها و غطاء الرأس .. و عينيها المستفهمتين تنشدها إجابة على سؤالها الذي سرعان ما ترجم بكلمات .. و هي تدنو منها بحنان ..
- وين سايرة حبيبتي ..؟!
شعرت بعزائمها تنفلت .. و شتات القوى الخائرة التي جاهدت للملمتها تتبعثر مجددا .. و الدموع تندفع في عينيها .. تقاتل كي تبدو قوية بما فيه الكفاية و صوتها المختنق يجيب بخفوت ..
- أبا أسير أتسبح ..
مدت حور يدها تمسح على شعر اختها .. بدت محطمة .. بشكل مفجع .. أوجعتها نظرتها المتألمة ..
كل هذا لمواجهتها كلب ..؟! شيء في تلك الحكاية بدا لها غير منطقي لا تعلم لما ..!!
- حبيبتي تسبحي باكر .. ارقدي الحين انتي تعبانة ..
شدت شفتيها بقوة و هي تشعر بأنها ستنفجر بالبكاء حالا .. أرادت دفع حور بعيدا عنها .. شعرت بعينيها المتخاذلتين تغرقان بالدمع المر .. و هي تهمس بصوت متقطع ..
- ماا .. أنا .. ماا صليـ .. صليت العشاا .. أبا أتسبح .. و أصلي ..
وضعت حور أناملها على شفتيها ..
- انزين أسوي لج حليب و الا عيشة .. انتي ما تعشيتي ..
هزت رأسها رفضا .. و دمعة حارة تتجاوز حدود الهدب لتسقط على وجهها المحمر المحتقن ألما .. و هي تهمس بصوت أبح بفعل البكاء ..
- ماباا عشا .. بصلي بس ..
هزت حور رأسها موافقة و هي تقترب منها .. لفت ذراعيها حول جسد عفرا الطويلة تحتضنها بحنان .. لتبث شعور بالأمان في نفس أختها المهشمة .. راحت العبرات تتدفق تباعا و حور تدنو منها لتطبع قبلة عميقة في صدغها و هي تهمس بقوة ..
- خلاص فديتج .. انا برقبج هنيه ..
.
.
ليت حدود الكون تنتهي هنا ..
في هذا السلام .. و هذا الأمان .. هنا البداية .. النهاية ..
المستقبل .. و الحاضر .. كل شي .. و لا شيء غير ذلك ..
لا ألم .. و روح تحترق ..
لم يبقى سوى رماد سكن جوفها البائس ..
حق في الحياة سلب منها في هذه الليلة
و قد حكم على الأمل .. الحلم .. بإعدام بطيء تحت وطأة كل ما سيقبل عليها ..
.
.
أشاحت عفرا بوجهها .. و هي تقاوم رغبة في دفعها عنها .. لم ترد لأنفاس أختها المحبة .. الطاهرة .. أن تختلط ببقايا لهاث ذاك القذر ..
شعرت بقدميها الثقيلتين تكادا تتهاويان .. و النواح أصبح دانيا .. مجرد لمسة أخرى من أناملها العطوف .. و ستنهار من علوّها ..
لترتطم بالأرض حيث هي كرامتها الآن .. و ستتبعثر شظايا لا تُجمع ،،
جرّت جسدها جرّا دون أن ترد على حور التي وقفت تطالعها بأسى .. لتدلف حمامهم الضيّق و توصد الباب خلفها ..
أمنية وحيدة سكنتها في تلك الثانية التي تلت صوت تكة الباب المغلق ..
أرادت أن تختفي هنا إلى الأبد ..
أن يوصد هذا الباب بينها و بين العالم لا يفتح ..
أن يفقدوها .. يضيّعوها ..
أن لا يجدوها .. و أن ينسوها ..
ستمضي ما تبقى من لوعة تنتظرها هنا ..
أسندت رأسها على باب الحمام الخشبي .. دمع حار راح يغرق وجنتيها ..
يحرقها .. و أنفاسها تلفح الباب حين راح صدرها يعلو و يهبط بتشنج ..
.
.
كيف لثقل الدموع أن يحني رؤوسنا ..
حين نبكي لوعةً على ما مضى .. ما لن يعود ..
حين نعجز عن التظاهر بأننا أقوياء .. و أننا سننسى و نعوَّض ..
حين لا نرى الألم سوى قدرا سيكتب لنا ما تبقى من عمر ..!
.
.
بكامل ثيابها تحت الماء الساخن الذي تدفق من الدش على رأسها ،،
ينفث الماء أنفاسه بخارا .. و كأنما يزفر .. من حرِّ ما تحمل تلك الشابة في قلبها .. تجلس على ركبتيها ..
يديها تعتصران صدر قميص البيجاما .. الماء يسكب على جسدها .. تشعر بسخونتهتخترق ملابسها ..
ترتطم بخدها لتخالط ملوحة الدمع الذي لا يتوقف ..
و شهقاتها المكتومة التي أخذت تنفلت من شفتيها المضمومتين بمرارة .. تهزها ..
رأسها ينحني ..
لم تبالي لما يقال عن البكاء في الحمام .. تريد لدموعها أن تطهّر روحها من فعلة ذاك النجس ..
تشعر بونينها يخرج من غياهب روحها المحترقة .. من بين أشلائها الممزقة ..
صوت عويل منخفض طويل خرج من بين أنفاسها ..
لقد قتلت الليلة ..
لما عليهم أن يراعوها .. فليخرجوا و يشيّعوا روحها ..
ليعلنوا الحداد على كل طهارة زهقت بين يديه ..
صاحت بهم .. و استنجدت .. لم يسمعها أحد ..
أين فاطمة .. أين الجيران .. أين إخوتها ..
أين كانوا حين انتكست أيامها .. أحلامها .. وكل شيء جميل ،،
حين أدار الفرح ظهره معلنا الرحيل ..
عندما قبّلت الطهارة جبينها معتذرة ..و هي تنتهك ..
و مضت للأبد ..
.
.
الماء يغسلها .. يسري ببطء ليبللها .. و يغرقها ..
ليته يصل للروح .. ليغسل اليأس .. و الوجع .. ليغسل شقاءها ..
رفعت رأسها للسناء .. عيناها قد أسدلت أهدابها .. حين راحت دموعها تتدفق من أجفانها المطبقة ..
قطرات تهوي من الأعلى .. ترتطم بوجهها ..و هي تنشج باكية ..
تبكي ..
تجهش بالموت هنا لوحدها ..
لا يعلم بذاك الفراغ الرهيب الذي خلّفه رماد إحساسها ..
لا يعلم أحد بموتها البطيء هنا ..
لا أحد .. لا أحد سواه ..
لذلك راح صوتها ينشج متوسلا و هي تصرخ بقوة ..
كلمتين ارتدت في جوفها لتترنم الأضلع متوسلة بها ..
حين غدت مرارة العبرات تتسلل بهدوء لفمها المفتوح بونين متصل ،،
.
.
- ياااا رب ... يااا رب ..

* * * * *

- آحم .. آآآ .. اسمع غيث .. أبا أقولك ياخي .. تراهن طلبن ولي أمري أمس عسب سالفة ما تستاهل .. يعني الصف كله كان يتطنز على المعلمة .. بس مادري بلاها هاي ما تطيقني ..؟! عسب كذيه اختارتني و حطت السالفة عليه ..
قالتها دانة و هي تفرك يديها بشيء من التوتر لغيث الذي استرخى على أريكة و بجانبه - دلة - قهوة ،، و يده تمسك بفنجان منها ،، كان مرتاحا للغاية .. لباسه الأنيق الفخم .. ثوبه ذو القماش القاسي الذي أظهر عرض منكبيه .. و غترته المناشة .. نظرة متهكمة لا تخفى عليها و هو يجيل بصره في المكان .. للحظة بدا أنه في غير مكانه .. أو أنه مالك المكان و لا يرضيه ما يرى ..!!
رفع حاجبه بسخرية ..
- صدق و الله ..؟
ردت دانة بسرعة و هي تلوح بيدها ..
- هيه و الله .. بس أبا انبهك لشي .. الحين البنية يوم اييبن ولي أمرها .. ايخر لولي و التالي .. يظهر كل سجلّها المدرسي .. من ربيعتاا في الروضة لي نشعت شعرها .. الين كرتون العصير لي فرته امس .. يعني لو ثقّلن في الشكاوي و ظرب الامثال .. لا تصدق .. مرات يبالغن .. و مرات ......
قطعت كلامها حين قال بقسوة ..
- أقسم بالله انكن هب ويه حشمة و لا ويه دراسة .. المفروض يحطولكن تربية خاصة هنيه .. الحمارة لي ما تبا تدرس اشعنه كل يوم داقة بالويه و ياية المدرسة .. قرّن في بيوتكن ..
- انزين ليش تسب ..؟
رفع حاجبه مستنكرا .. تأخذ الأمور ببساطة شديدة ..! أردفت بهدوء و هي تتحرك بحرية في مكتب المدرسة ..
- أنا أحب المدرسة .. و نسبتيه ما تقل عن خمس و ثمانين .. كل سنة يكرمونيه .. و هذا أول استدعاء أييبه .. يعني لا تتحرا انيه راعية سوابق .. لا حشاا ..
ثم قالت بصوت هادئ لم يخلو من نبرة حزن ..
- ابويه الله يرحمه لو اييب استدعاء كان قصبنيه قصاب .. و سواني كباب .. عيل .. شوه تتحرا ... نحن بنات حمد كلنا متفوقات .. ولد عمك يايب في الثمانين .. و عفاري يايبة تسعة و تسعين .. لا تستهين بنا ..
ثم هزت كتفيها بصراحة ..
- و بعدين نحن نحب المندرسة .. لنها المكان الوحيد لي نسير له غير البيت .. أول كنا نسير بيت خالوه .. نظهر وياهم .. عميه سلطان و أبوية يرتبون طلعة و نظهر رباعة .. بس .. الحين .. آممم .. حتى بيت خلوه ما نسير له ..
ثرثرتها تلك بدت مشاكاة بالنسبة إليه ..
شعر بالأسف على حالهم .. لا يمر يوم واحد دون أن تخرجن أخواته من البيت ..
تخيّل أنت يظل مقيّدا في البيت لمدة أسبوع فقط ..!!
رفع عينه لها و هو يقول بجفاء ..
- هيه و تيين المدرسة و تخورينها سوالف و لعب .. و تنسين الدراسة ..
- لاااا .. سلاااامتك .. استريح مستر غيث .. انا كل شي و لا دراستي .. أنا دانة علمي ما تعرفني .. خبرتك ..؟ أنا فعلمي ..
نظر لها بشك فقالت بثقة ..
- و الله فعلمي .. يوم أقولك لا تستهين بنا .. بعدين شوه فيها السوالف و اللعب .. المدرسة مجتمع كااامل .. نفس الجنس و نفس العمر .. أفكار متشابهة و اهتماماتنا نفسها .. يعني بنسوي حزب و بننقلب ع نظام الحكم .. شرايك ..
أعاد ظهره للخلف ببرود ..
- خلي عنج الخرابيط .. ما بتنفعج هذرة البنات .. ما بتنفعج الا الشهادة .. أقسم بالله لو تييبين استدعاء ثاني يا دانة .. و الله ما اييج طيب ..
ارتخت كتوفها بيأس ..
- عنبوه .. انتوه امررررة ما تبون الواحد الا ياكل الكتب أكااال .. لا يمين و لا يسار .. يابوك هلاي عفرا .. أنا ماروم .. بعدين حس فيناا شوية .. أنا قلت غيث سكن عدنا بيعبرنا .. بيظهرناا..و بنشوف العالم ..و انته ما علييييييك الا من عمرك .. حادر .. و ظاهر .. ياخي نحن نعيش حالة كبت .. لااا تلومنيه لو فرغتها في المدرسة .. فديتنيه ع الأقل أظهر .. أشوف الكائنات البشرية .. شوه تقول عن حور و المها و أمايا .. هاي أكثر عن سبع شهور خطفن و هن ما شبّرن البيت .. أقول ولد عمّي .. تيك كير .. يمكن تتخبل حور ختيه قبل لا تاخذها .. أمس تقول انه فزاع خطف عليها و تقهوت هي وياه ..!! تخيّل فزاع ايي بيتنا .. أخخخ خسارة .. راحت عليّه ..
نهرها بصرامة رغم يقينه بكذبها ..
- دانة ..
ضحكت بخفة ..
- لا تخاف .. و لا تغار .. شكلها كانت تتخيل .. تصير مرات الشخص المكبوت يهلوس .. أن درسته في الأحياء .. لا تنسى انيه علمي .. شوف عاد .. وحدة كاتينها .. ما تشوف حد .. ما تعرف حد .. اذا ما تخبّلت أنا بنت مايكل جاكسون .. بس تدري ..!! ما تلاحظ انها تخيّلت فزاع و ما تخيّلتك ..؟
ضحكت و هي تردف بخبث ..
- انا أقول تلاحق على عمرك و اقظي على أوهامها ..
زفر غيث بقوة .. و شعر برأسه يضج .. كانت كلمات دانة تصيبه بالصداع .. تحشره في زاوية لتجبره على النظرإلى الأمور من خلالها .. و هذا ما جعله يشعر بالضيق الشديد ..
استعاد وجه حور المستاء .. برودها .. و جفاءها الذي لم يلمسه سوى البارحة ..
ما سببه يا ترى ..؟!
هل ما تقوله دانة صحيح ..؟ الوقت الذي مر عليها و هي محتجزة داخل البيت .. المسؤوليات التي وقعت على عاتقها منذ وفاة أبيها ..
اقتحامه حياتها .. و تلاعبه بها ..
أغمض عينيه لبرهة .. يستعيد صورة وجهها الصافي ..
و كلمات الأمس تتردد داخله بايقاع كريه ،،
كيف لها أن تقوى حمل كل هذا ..؟؟!
.
.
تعقد ذراعيها و إحساس بالسكينة يهبط في صدرها ..
عيناها تمعنان النظر في جبينه المعقود من خلف الغطاء .. لا يهمها حقا ان ظنّها ثرثارة أو طويلة اللسان ..
تعمدت أن تنغزه بهذه الكلمات ..
جسده الطويل ينضح سلطة ترهب من حوله .. تحكمه في نفسه ..
قوته التي لا تخفى على أحد ..
كل ذلك بدا لها شيئا يفوق قدرات أختها الكبيرة ..
تلك الأم الثانية لهم ..
كلما وقع ناظرها على هذا الرجل خشيت على أختها منه .. لا تدري لما ..؟!
بدا واضحا أن حور بطبيعتها العادية .. و شكلها البسيط .. و رتابة هدوءها لن يلائماه ..
شعرت بالشفقة عليها .. ستحتاج للكثير لترقى إلى مستواهم .. كيف لحور أن تعيش بينهم ..
لما لا تتزوج و تظل معهم كما هم الآن ..
ماذا لو تعرضت للأذية من قبله أو من قبل أحد من أهله ..
ربما لن تستطيع حور صد الألم بقوتها السابقة ..
ما يحيّرها هو تمنعها السابق .. كراهيتها لهم ..
تذكرت ابن عمّها الذي قامت حور بطرده مرارا .. شتمها لهذا الزوج الذي يبدو أنها خضعت لوجوده في حياتها بسرعة قياسية ..
أذهلتها ..!
أيكون راغبا بحور كما هي ..؟ يحبها .. كما هي .. يريدها كما هي ..؟!
تكره أن تتمرد على ذاتها و تنسلخ عنها لمجرد ارضاءه ..!
واثقة بأنه يفوق حور من كل النواحي .. في خبرته .. في مستواه ..
خرجت الكلمات منها دون أن تدرك ..
- كم عمرك ..؟
وضع فنجان القهوة جانبا .. و هو يجيب دون تردد ..
- ثنين و ثلاثين ..
عقدت جبينها باستياء ..
يكبرها بسنوات ..!
- أنا بسير أشوف الشيخة شعنه ما يت الين الحين .. انا علمي .. و تضيع عليه الحصص ..

* * * * *

أطفأت نار الموقد وقد بدأ الشاي بالغليان ممتزجا بالورق و الحليب .. حين تناهى لها صوت الحصي التي تصطدم بنافذة المطبخ ..!
غريب ..!!
خرجت للباحة الخلفية الضيقة .. لتصيح بصوت مرتفع ..
- منوووه ..؟
أتاها صوت فاطمة ترد عليها ..
- حوووور أناااا فااااطمة .. تعالي للفتحة ..
تحركت حور بسرعة نحو الفتحة التي تقع في الجدار المشترك بينهم .. لتجد فاطمة في انتظارها ..
- شوه ما داومتي ..؟؟؟
زمت فاطمة شفتيها ..
- لااا راح عليه الباص .. و ما لقيت سلّوم عسب يودينيه ..
لوحت حور لها ..
- لو دريت كان طرشت الدريول عليج عقب ما ودّا البنات ..
- يا بنت الحلال .. خلينا ناخذ اجازة و لو يوم .. تعالي يا السبالات ..
- محد غيرج .. عدها سبالات هب الا وحدة ..
- انتي و خواتج البارحة كسرت دريشة مطبخكم و محد رد عليّه ..!!!!
- عقب العشا .. مادري شعندكن تصارخن .. صوتج واصل بيتنا ..
استعادت حور تلك الأحداث بضبابية .. صراخ غيث و صراخها .. رعب أخواتها ..
- آآآممم .. ماشي .. البارحة لقينا عفاري ختيه في السكة تصيح ارّوحها ..
اتسعت عينا فاطمة بذعر ..
- متى ..؟
- يوم ودت لج البدلة .. و هي رادة تقول لحقها كلب خلّود بن عنتر .. و عفدت في الغافة لي في السكة ..
بدت تعابير فاطمة غير مفهومة و وجهها يسود ببطء .. تقطع صوته باختناق ..
- و .. شوه .. اسـ .. استوى .. عليها ..؟
هزت حور كتفيها تقول بأسى ..
- ماشي .. ياغير طاحت ع ويها و هي تربع .. و تورم خدّها .. و ثمها انتفخ شوي .. ما سارت الجامعة اليوم ..
كانت فاطمة متيبسة بشكل غريب و عيناها تجحظان بقوة ..
- فاطمة ..؟!
انتفضت فاطمة ..
- هاا ..؟
- حووه .. مساعة أرمسج ..؟ ما سمعتينيه ..
هزت فاطمة رأسها بطريقة حائرة و هي تتلعثم ..
- لااا .. سمعت .. أنا بييكن .. حد عندكم ..
- محد غريب .. تعالي ..
ابتعدت فاطمة عن الفتحة دون كلمة أخرى .. راحت تهرول بتعثّر نحو المجلس ..
فتحت الباب على اتساعه .. ليتدفق نور النهار فيملأالمجلس المظلم راسمها ظلا طويلا لها ..
عيناها تقع على المكان الذي وجدت فيه غطاء رأسها ..
راحت قدماها ترتجفان بقوة .. و هي تغمض عينيها .. لتبعد صورة أخيها المضطربة عن ذهنها ..
ركضت للداخل مجددا تلتقط عطاء رأسها .. تردد .. هل تأخذ غطاء عفرا ..؟!
تركته خلفها .. و هي تحث الخطى للخارج .. قلبها يخفق بعنف ..
و شيء من الغثيان راح يتسرب لحلقها ..
أ يكون ..؟
لا ..!
تسحب أنفاسا عميقة و هي تقف أمام باب بيت بو نايف المفتوح .. قبل أن تدلف بسرعة ..
التقت حور و المها و أمها يجلسن في الحوش و قد وضعت أمامهن القهوة .. و توابعها ..خلعت حذائها ببطء قبل أن تطأ الفراش الذي يجلسن عليه بقدمها .. سلّمت و هي تغتصب ابتسامة مرتبكة ..
- السلام عليكم ..
لا تدري لما شعرت بأن حور و المها .. قد يكتشفن ما يدور في ذهنها ..
لذلك اختصرت الحديث معهن قبل أن تقف لتصيح حور و المها معا باعتراض و الاولى تقول ..
- حووووه .. وين بها ..؟
أشاحت بوجهها تمازحهن .. و الضيق يتعاظم في صدرها ..
- بسير أشوف عفاري عقب ماراثون البارحة .. - ثم صاحت تعترض - و الله ما اتنشين .. بسير لها اروحيه .. بسولف وياها شوي .. و ارد ..
أومأت حور برأسها موافقة .. و فاطمة تتحرك بعجل للداخل ..
.
.
حركت حور فنجان الشاي الذي تصاعد منه البخار ..
شعرت براحة حين طلبت فاطمة رؤية عفرا أولا ..
تعرف فاطمة كيف تجرّدها .. و ليست مستعدة كي تنثر ما في داخلها الآن ..!
شعرت بضربة على ركبتها ..
رفعت عينها لترى المها تمد لها بأحد كتبها .. نظرت لها مستفهمة فأشارت المها للصفحة الأولى منه ..
التقطت حور الكتاب الذي علّق على الصفحة قلم رصاص .. و راحت تقرأ ما كتب .. قبل أن تتنهد ..
كانت الكلمات واضحة للغاية بخط المها الذي يشبه خط طفل لا يزال يتعلّم الكتابة ببطء ..
(( ما الأمر حور ..؟ أراك مهمومة أختي ..))
لم تكتب و لن تكتب الا بالفصحى .. اللغة التي تتمكن منها .. لقراءتها .. أما العامية فلن تستطيع سوى تكسيرها ..
أمسكت حور القلم لتكتب تحت كلمات أختها ..
(( الحياة معقدة عزيزتي ،، أصبحت أدور في حلقة مغلقة و لم أعد أعرف نفسي ..))
مدت الكتاب للمها .. التي مررت عيناها على الكتاب قبل أن تمسك القلم مجددا ..
(( ربما ليست الحياة بذاك التعقيد الذي نراه .. ؟؟ قد تضيق نظرتنا للحياة فقط ..؟! ))
سحبت حور نفسا عميقا قبل ان ترد عليها ..
(( ربما .. اشعر بضيق شديد لا أعرف سببه ..!))
(( قد يكون سببه ما حدث لعفرا .. لا تقلقي .. اختك قوية بما يكفي ))
(( لا أعتقد هذا .. لكن يخالجني شعور بالقلق هذه الأيام .. أشعر بأننا على شفير حفرة ما ..))
ابتسمت المها بادراك .. و هي تكتب بخطها المتعرج ..
(( فهمتكِ حور .. الأمر هو دنو موعد ولادة أمي .. و رحيلنا .. أيوترك الأمر.. أعني أنك لم تخبري إخوتي بالأمر بعد ..؟! ))
راحت حور تخط أشكالا على الكتاب و المها تنتظر الاجابة بصبر .. قبل أن تكتب حور أخيرا ،،
(( تقريبا .. ))
كتبت المها شيئا قبل أن تلقي الكتاب لها ،، فتحت حور الكتاب لتجدها كتبت جملة قاطعة صغيرة ،،
.
.
(( ستفرج حور .. ثقي بذلك ))
.
.
.
.
بلغت باب حجرة البنات و توقفت عندها ..
لم يتملكها التردد حتى هذه اللحظة .. حين رفعت يدها لتدير مقبض الباب .. شعرت بتشنج يسري في أصابعها .. و أفكارها ..
راح الشال الملقي .. و المشبك المكسور يلوحان أمام ناظريها ..
وجه أخيها المضطرب على باب المجلس ..
.
.
رباه .. رباه ..
أرجوك يا الهي .. فلتكن مجرد شكوك فارغة .. شدت بأصابعها تدير المقبض و هي تدخل بهدوء شديد ..
نظرت فورا لفراش عفرا الذي تبين وجدها تحت اللحاف .. جسدها المستلقي مدثّر بثقل البطانية ..
استدارت لتغلق الباب خلفها في اللحظة التي أبعدت عفرا اللحاف عن رأسها لترى القادم .. ما إن وقعت عيناها على فاطمة حتى انقلبت سحنتها و انكمشت تعابيرها ..
راحت تشد على شفتها المتورمة و عيناها تمتلآن بالدموع .. ارتجف قلب فاطمة بفزع لرؤيتها بهذا الشكل ..
كدمة زرقاء جليّة على خدّها و هي تضم طرف البطانية بقوة لصدرها ..
تجمدت قدماها .. لم تستطع الحراك ..
راحت تربط الخيوط بتشويش .. نسيت أن تسلّم .. ان تدنو منها لتداعبها ببعض النكات ..
لتمازحها .. و تضحك معها ..
لم تجد في روحها ذرة من القوة للادعاء بأنها لا تشك بشيء ..
راح السؤال الذي يدور في ذهنها كالدوامة .. و دموع عفرا الصامتة تغرق وجهها ..
ينبلج من بين شفتيها .. بلا استفهام ..
ارتجف صوتها و هي تقول بخفوت .. يفصل بينها و بين عفرا .. خطوات ..
- شيلتج .. أناا لقيتاا .. في ميلسنا .. حتى شباصتج .. كانت مكسورة ..!
ليست الشباصة فقط ..
روح تلك الشابة المنزوية أمامها .. لم يعد منها سوى شظايا ..
أغمضت عيناها بشدّة ..
بتوسل .. برجاء ..
قولي بأنك أنت من ألقاها هناك .. قولي أنك اختبئتِ و نسيتها .. إكذبي عليّ ..
و لكن شهقة وحيدة مزّقت سمعها .. و هي تخترق السكون ..لتفتح فاطمة عيناها بصدمة ..
شعرت بشيء كالنصل يشق أوصالها .. يستعر في جوفها ..
و هي تدنو من عفرا بخطوات ميّتة .. ما إن قابلها وجهها .. تلك الكدمة .. و ذاك الشق في شفتها ..
سقط عليها اليقين .. يذبحها ببطء .. و هي تقول بهمس مختنق ..
- أخوي .. الكلب ..؟!
كان سؤالا .. و إيماءة عفرا المعذبة .. الباكية بصمت ..
هي طعنة .. لا إجابة .. و فاطمة ترفع كفيّها بصدمة لتغطي فمها ..
حين راحت الدموع تراق على وجنتيها بلا توقف ..
و صوتها المكتوم يردد بجنون ..
- ياااا ربييييه .. ياااا ربيييييه .. لييييش .. لييييش ..
راحت عفرا ترتجف كالورقة و هي تبكي .. و تضم رأسها لصدرها .. أصوات بكاءهن يختلط .. عفرا تنشج بصوت ممزق و فاطمة تشعر بالموت يسري في أطرافها حين امتزجت شهقات عفرا بكلماتها الباكية ..
- مسكنيه و أنا ظاهرة .. ظربنيه ع ويهي .. فاااااااااااطمة أخوووج اعتدى علييييه .. وين كنتي .. زاقرت عليج .. صارخت .. محد سمعنيه .. محد رد عليّه و لا فزعليه ..
راحت فاطمة تنشج بقوة ..
- الله يلعنه .. الله يلعنه ..
عفرا تنتفض بين يديها .. هناك من يعلم بما فعل ذاك الحقير غيرها ..
- شوووه أسوي .. شووووه أسوي .. مارمت أخبر حد .. فاااطمة .. أناا خايفة .. خاااااايفة يا فاطمة ..
أبعدتها فاطم عن صدرها .. و هي تواجه وجهها المنكمش .. دون أن يتوقف بكاءها ..
- خلاص .. لا تصيحين ..لا تصيحين ..
و راحت تمسح وجهها بجنون لتوقف دموعها .. دون فائدة ..
- يمكن حور تطب فجأة و تشك في السالفة .. لا تخافين حبيبتي .. لا تخافين .. ان شا الله بنحل السالفة قبل لا حد يدري بها .. عفرا لا تخبرين حد .. مهمن كان .. و لا حد .. خلينيه أشوف الموضوع أول و أفكر بشي ..
و عضت على شفتها بلوعة تمنع نفسها من الانفجار مجددا بالبكاء .. حين راحت عفرا تنشج و هي تهمس ..
- يا ربي ارحمنيه .. ليتني أموووت .. يااا الله .. مادري شوه أسوي ..
ثم أمسكت بيد فاطمة ..
- دخيلج .. دخيلج .. لا تخبرين حور .. و لاحد .. دخيلج فاطمة .. و لا تبطين عليه .. لو حد يدري باللي صار .. مادري شوه بيسوون ..
غطت فاطمة وجهها بكفيّها .. تشعر بأن الأنفاس لا تسع رئتها ..
تخبرهم ..؟ بما ..؟
بفعلة أخيها الشنعاء ..!
سيقتلونه دون شك .. حين عاكسهن في الطريق صدموا سيارته .. و ظربوه حت أدخل المستشفى ..
و الآن ..
حين انتهك حرمة الجيرة ..
حين مزّق أسمى حميمية قد تولد بينهم ..
شعرت بالغثيان يتصاعد لفمها ..
ما فعله أخوها كان أكبر من أي صدمة قد تتلقاها في حياتها ..
شيء أعجزها عن التفكير .. غلطة أحرقت أحاسيسها نحوه ..
.
.
لماذا أخي ..؟
لم يعد هناك فرق بينك و بين البغال ..!
عليك اللعنة ..
لماذا هشّمت ما تبقى من إحترام لك في داخلي ..؟!

* * * * *

كان الليل قد هبط ،،
بثقل أنفاس أولئك الموجوعين ..
.
.
.
.
.
.
التفتت للجالسة إلى جوارها و هي تؤكد ما نبهت إليه قبلا ..
- حمدان تردنيه الساعة عشر لازم أرد البيت ..
ردّت حمدة المشغولة بقيادة السيارة بصوت خشن و هي تلوي شفتها ..
- خلاص قلتيها عشر مرات ... لا تخافين .. تسع و نص بردج بيتنا .. مع انيه ما أظهر من اللمات الا عقب ثنعش .. بس عشان خاطرج بردج بيتنا .. عسب يشلج دريولج من هناك .. غيره قلبوو ..؟
انحنت شيخة لتثني بنطالها ..
- سلامتك .. السيارة كانها يديدة ..؟
هزت حمدة كتفيها ..
- ابوي شارنها ليه السنة لي طافت يوم نجحت الكورس الثاني ..
ضحكت شيخة بخشونة ..
- خيييييبة .. شكله يائس من نجاحك .. مالومه معمر انته هناك ..
ضحكت حمدة بفظاظة ..
- خلينا الشطارة لج ..
ثم راحت تستدير بالسيارة حول البحيرة التي توقفت حولها بعض السيارات ..
- شيخاني .. تبينا نطلع فوق قبل لا نسير الشاليه ..؟
هزّت شيخو رأسها بلا قاطعة ..
- لا .. نسير الشاليه سيدة .. أبا أيلس شوي ويا البنات قبل لا أرد البيت ..
زفرت حمدة بضيق ..
- ع راحتج ..
- بسالك كيف حجزتوا الشاليه .. لي اعرفه انه هب كل من هب و دب يحجز .. و هويات و حشرة ..
هزّت حمدة كتفيها ..
- محمد ولد خاليه هو حاجزنه ..
- و عادي ..
- هيه عيل ..؟ قلتله لمة بنات و ابوية يدري .. بس نباه يحجز الشاليه ..
نظرت شيخة لها بطرف عينها حين بدأن يتجاوزن بعض الأكواخ البيضاء .. إلى الشوارع الضيقة الفاصلة بالداخل ..
كانت تظن أنها في حريّة و بلا رقابة .. ماذا تقول عن هذه الفتاة ..؟!
انها تتخبط بلا هدى .. لا قيود تردعها البتة .. و لا يسأل عنها أحد ..؟!
توقفت السيارة فجأة لتنظر شيخة عبر زجاج النافذة .. كانت حمدة أو حمدان قد أوقفت سيارتها أمام أحد الأكواخ المضاءة ..
ثم أطفأت محرك السيارة قبل أن تقول بصوتها الاجش ..
- وصلنا قلبي .. حولي ..
و فتحت سيارتها لتترجل بقفزة واحدة دون أن تعدل من وضع شيلتها التي انطرحت بسكون على كتفيها العريضين ..
حتى هيئتها لم تبدو لها كهيئة فتاة أبدا ..
تنضح أنفاسها حرارة تخيفها ..!
فتحت شيخة الباب أيضا .. لتنزل .. و نسائم الهواء الباردة تحرك أطراف عباءتها المفتوحة .. فتكشف عن بنطالها الخشن .. تقدمت بهدوء تتبع حمدة التي راحت تترنم بأغنية أجنبية وصوتها الغليظ يتردد في المكان الخالي .. قبل أن تستدير و هي تمشي للوراء و تغلق سيارتها عن بعد .. توقفت أمام الباب تنتظر وصول شيخة التي ما ان بلغتها حتى راحت الاولى تطبّل بقوة و ايقاع غريب على الباب .. و تقول بصوتها الرجولي المفخّم ..
- هوووووووووود ..
لحظات قبل ان يتردد في الممر المؤدي للباب قرعات كعب واضحة .. ثم يفتح الباب على اتساعه لتطلّ منه شابة اتضحت ملامح وجهها الناعم على الضوء القادم من الخارج .. جسدها النحيل يكتسي بكنزة ملوّنة بلا أكمام و تنورة تصل لركبيتيها و كعبٍ عالٍ و قد تناثر شعرها المجعد حول وجهها و هي تصيح بحبور ..
- حموووووووودي ،،
أحنت حمدة رأسها تقبل خد الفتاة التي رفعته لها .. و هي تلف ذراعها حول خصرها بحميمية ..
- أسووووومه يا حبي ..
عقدت شيخة جبينها دون أن تتكلم .. و هي ترى حمدة تلامس خد الفتاة و تقول ..
- ريحتج حلوة ..
ظربت الفتاة كتف حمدة و هي تقول بعتب ..
- ريحتيه دوم حلوة ..
ثم التفتت لشيخة بفضول ..
- أووبس .. منوه ..؟؟
ابتسمت حمدة بفخر غريب ..
- هاي شيخة .. خويتيه ..
عقدت أسماء جبينها بحيرة ..
- كيف يعني خويتك ..؟
- يعني فرند .. خلي الهذرة .. و حدري .. لو حد يخطف بركن عند الباب انتي و هالعصاقيل ..
دلفن معا .. و شيخة تلتزم الصمت .. هذه المرة الأولى التي تحضر فيها اجتماعا مشابها .. تتبع حمدان بهدوء .. ما ان بلغن الصالة .. حتى صرخن جميع الفتيات الحاضرات بحماس شديد ..
و حمدة تصفق بيدها في استرجال ..
- وووووووووووو .. ووووووووووووووووووووو ..
ثم توقفت فجأة عن الصفق و هي تشيح بوجهها و تشتم بلفظة بذيئة بهمس ..
- هاي شوه يابها ..؟!
نظرت بتوعد لأسماء التي دست رأسها بين شيخة و حمدة ..
- مريامي عازمتنها .. شوه أسوي .. ؟ اروغها ..؟
نظرت شيخة للفتاة المعنية بهدوء .. شابة بعمرها تقريبا .. ترتدي فستانا حريريا أحمر منسدلا على جسدها الممتلئ بنعومة .. عينان واسعتان .. و أنف دقيق .. و فم تشدّق بابتسامة غريبة .. و عيناها لا تفارق حمدة .. التفتت شيخة لحمدة التي يبدو على وجهها الاستياء الشديد ..
- حوووه حمدان .. وتس أب ..؟
همست حمدة بحقد ..
- الكلبة أم الأحمر كانت حبيبتي .. و ودرتها ..
- اهاا .. انزين و ليش زعلان ..؟
- ماباا أشوفها .. بس ما علينا منها .. هاي اول مرة تيين شيوختي .. تعالي بعرفج ع البنات ..
ثم ابتسمت بمرح خشن .. للحظات وجدت شيخة نفسها تتنقل من واحدة لأخرى .. جميعهن يرتدين ملابس لا تناسب اجتماعا عادية .. بل حفلا لتوزيع جوائز ..!
شعرت بان أنظارا مسلطة عليها .. حين التفتت لم تكن مخطئة .. صاحبة الاحمر .. تنظر لها بحقد غير طبيعي .. رفعت شيخة حاجبها بتحدٍ بارد .. و هي تلتقي نظرتها الكريهة .. قبل أن تلتقط كوبا من العصير ..
الجميع يتبادل الاحاديث الصاخبة و الضحكات العالية .. راق لها الجو نوعا ما .. و ضحكت كثيرا بدا أن الجميع يعرفون بعضهم جيدا .. و بعد ساعة من وصولهن وصل العشاء .. تناولوه بشهيّة .. و شيخة لا تتوقف عن الضحك .. كانت الأجواء ممتعة .. و الوقت يمر بسرعة .. بدأن يختلطن ببعض .. و ينقسمن لمجموعات قبل ان يدرن جهاز التسجيل و يرقصن للحظات .. وجودت شيخة نفسها تجلس بجوار أسماء .. نفس الفتاة التي استقبلتها الليلة ..
ابتسمت لها الفتاة بلطف و هي تسألها ..
- شوووه عيبتج اللمة ..؟
أومأت شيخة بابتسامة و هي تسترخي في مقعدها ..
- هيه .. وايد .. حبيتكم ..
ضحكت أسماء ..
- حتى نحن حبيناج .. حمودي ما اييب الا ناس كوووول وياه ..
رفعت شيخة حاجبها بشك و هي تتذكر نظرات صاحبة الاحمر التي اختفت من المكان ..
- ما ظنتيه ..
ربتت أسماء على كتفها مطمئنة ..
- قصدج عنودي ..؟ ما عليج منها .. هاي موتها و حمدان .. ما تبا الا هو ..
رفعت شيخة حاجبها ..
- قلعتاا .. و انا شوه يخصنيه ..؟!
- تغاري لنج خويته ..
- قلتيها خويته هب حبيبته .. و بعدين عنودج هاي مـ ..
قطعتعبارتها و الاسم يلمع في ذهنها فجأة .. العنود .. تلك الفتاة التي تكلّمت عنها هدى ذات يوم ..!
أ يعقل ..؟
عقدت جبينها و هي تضع كوب العصير الذي بيدها جانبا .. نظرت لساعتها .. كانت قد تجاوزت التاسعة مساءً دون أن تشعر ..
هبت من مكانها و توجهت للبحث عن حمدة التي لا ترى لها أثرا الآن .. لم تكن في المطبخ .. و لا في حديقة الكوخ ..
فكّرت بالبحث في الغرف التي توقعتها مغلقة ..
لم يكن هذا المكان يحتوي سوى على ثلاثة غرف .. كانت الأولى مظلمة و خالية .. و توجهت للثانية .. و صخب أغانٍ اجنبية و صفقات البنات العالية تصلها من الصالة القريبة .. و هي تدير مقبض باب الغرفة الثانية و تدفعه ..
نعومة لون الحرير الأحمر برقت في عينيها التان اتسعتا بصدمة حين سقطت على المنظر المثال أمامها .. و قدماها تتجمدان على الأرض ..
قبل ان يداهمها شعور قوي بالدوار .. لتتراجع إلى الخلف صافقة الباب خلفها ..
سرعان ما شعرت بالغثيان يتصاعد لفمها لتندفع نحو المطبخ القريب فتفرغ ما في جوفها دفعة واحدة ..
عودة المشهد لذهنها مرات متكررة .. دفعها للتقيء مرارا ..
شعرت بشعر جسدها قد وقف من هول ما رأت .. كانت ترتجف بقوة .. و هي ترش الماء على وجهها ..
الدموع تحرق عينيها .. لم تعد ترى شيئا ..
عليها أن تخرج من هذا المكان ..
حالا .. و فورا ..
- شيخاني .. حبوو ..
تصلب ظهرها حين أتاها الصوت من الخلف .. قبل أن ترش وجهها بالماء البارد للمرة الأخيرة .. و تلتفت لحمدة التي وقفت باضطراب و قد تشعث شعرها ..
نظرت لها شخة باشمئزاز و احتقار شديد .. رؤيتها دفعت الغثيان للتصاعد مجددا في داخلها .. و هي تهمس بتقزز ..
- ردينيه بيتي .. يا قذرة ..

* * * * *

- و شوربة .. كريم كراميل ..كستر .. شوه بعد .. ذكرنيه لو ناسية شي ..!
قالتها حور لنورة التي راحت تدون الطلبات في ورقة .. و قد جلسن هند و مزنة إلى جانبها بفضول .. يتابعن الأسماء التي تتالت في القائمة ..
رفعت دانة رأسها عن كتابها التي كانت مستغرفة في حلّه ..
- حوووور ماشي قشطة ..
- نورة كتبي قشطة ..
ثم التفتت لعفرا التي جلست بجوار أمها التي راحت ترغمها قصرا على التهام العشاء .. و قد بدا عليها نفس ذاك التعبير الكسير .. و الدموع المتجمعة في مقلتها ..
- عفاري فديتج .. ما تبين تسيرين ويانا ..؟
رفضت بصمت و الغصة تمنعها من ابتلاع اللقمة التي تجبرها على التهامها .. و همست بصوت منخفض ..
- نورة و دانة يسدن .. أنا بيلس ويا أمايا .. غيري جو شوي ..
تنهدت حور بيأس ..
- انزين ما تبين شي معيّن ..؟
مسحت عفرا دمعة انزلقت على خدّها و هي تحاول أن تبدو طبيعية أمامهم ..
- كثروا مكسّرات .. نبا نسوي ساقو .. و بقلاوة ..
ابتسمت لها حور بحنان ..
- من عيوني حبيبتي ..
حولّت عفرا نظرها لمزنة التي كانت تنظر لها بحذر و خوف .. شيء من الريبة كانت ترتسم على وجه أختها كل ما وجّهت النظر إليها ..
التفتت حور هي الأخرى لمزنة .. لترى ذاك التعبير الغريب على وجهها ..
- مزووون خيييييييبة .. بلااااج ..
نظرت لها مزنة بذعر قبل ان تقترب منها ..
- حور .. عفرا كلبونية ..؟؟
عقدت حور حاجبيها و هي تغضن أنفها ..
- شووه ..؟ كلبية ..؟
نظرت مزنة لعفربخوف .. قبل أن تهمس ..
- لاااا .. كلبونية ..؟
- كلوبنية ..؟ كيف يعني ..
كانت نورة تقوم بحركات غريبة و العيون ترتكز على مزنة التي تجاهلت نورة و هي تقول بخفوت ..
- عظها الكلب .. و تتحول في الليل كلب وحشي و بتاكلنا ..؟
ضحكت دانة بصوتِ عالٍ .. و عفرا تعقد جبينها و هي تنظر لأختها باهتمام ..
دلف نايف للغرفة ليستلقي على الأرض و يضع رأسه في حجر أمه التي انشغلت هي الأخرى بدس لقمة في فم عفرا المطبق تقريبا ..!
لم يشعر بالعيون المعلقة على مزنة و حور تقول باستنكار ..
- كلب وحشي ..؟!!!!!!!!!
هزت مزنة رأسها و عيناها لا تفارقان وجه عفرا المحتقن .. قالت حور بغضب ..
- منوه لي قال هالرمسة ..؟
نظرت مزنة مباشرة لنورة التي صفقت جبينها لتقول ببراءة ..
- نورة قالت ليه ..
شهقت نورة تنكر بشدة .. و هي تشير لنفسها ..
- أناااااااا ..؟؟!!!! يا الكذوووووب ..!!
قالت مزنة بدفاع ..
- أنا ما أكذب .. انتي أمس قبل لا نرقد قلتيلنا لي ترمس و ما ترقد بتييها عفرا يوم تتحول كلب وحشي لنها كلبونية ..!!
واصلت نورة الانكار بحماس ..
- يا الكذااابة .. انا ما شفتج أمس أصلا ..
- قلتيها .. حووور انشدي هنوده ..
نظرت حور لهند التي هزت رأسها بهدوء و هي تواجه نورة بصراحة ..
- قلتيها ..
قالت نورة بقسوة ..
- اشدراج انتي .. كنتي راقدة ..
ردت هند ببرود ..
- كنت مغمضة و أدعي ..
تنهدت نورة قبل أن تقول لمزنة بغل .. و دانة لا تكف عن الضحك ..
- ما عليه بمسكج ارواحنا .. و أنا لي بستوي كلب وحشي .. ان ما نتفت ريشج .. ماكون نوري بنت حمد ..
ثم التفتت لعفرا بلهجة اعتذار ..
- آحم عفاري .. و الله ما كان قصدي شي .. بس كنت أخوفهن .. صدعنا أمس .. كله يرمسن عن السالفة ..
هزت عفرا رأسها بصمت قبل أن تنتكس أنظارها ..
شعرت نورة بالذنب يجتاحها و نايف يقول ..
- متى بنسير الجمعية نييب سامان رمضان ..؟؟
لم تسمع اجابة حور الجافة و هي تهب من مكانها لتدنو من عفرا .. جثت على ركبتها قربها .. و هي تقول بحب ..
- عفاري .. و الله ما كان قصدي .. كنت أمزح .. لا تزعلين .. فديت خشمج الأحمر ..
هزت عفرا رأسها تغتصب ابتسامة ميتة .. قبل أن تقول نورة بتفكير و هي تمزح ..
- تصدقين لو تنفخين براطمج بوتكس بيطلع شكلج طرررر ..
تدخل نايف مشاكسا ..
- تقص عليج لا تصدقين .. لو تشوفين برطومج ما تقولين غير تاير موتر مبنشر ..
نظرت له نورة بحدة ..
- اشدراك انته في الجمال .. سير يا بوية العب ويا حمود ..
قالت دانة من أقصى المجلس تساند نورة ..
- عفاري ما يبالها شي فديتاا .. حلو من ربيه خلقة .. ما تشوفينها تشابهنيه ..؟! الشعر سيل ليل منحدر ،، و الخشم سلّة سيف .. و البشرة .. آآآمم .. شوه يقولون .. إشطة ..؟؟
ضحكت نورة و هي تغمز لها ..
- إشطااا يااابااا ..
غنت دانة بصوتها الحاد ..
- إيشطاااااا ..
راحت دانة تطبل على حقيبتها المدرسية مصدرة صوتا مكتوما .. و نورة تغني مازحة ..
- أنا ممكن أبيع جتتي .. كوولوو الا نااقاات حتتي .. و اللي يعلي صوووتوووو .. يبآآ ناوي على موووتووو .. إشطااا يا باا ..
- ههههههههههههه .. حلوة ناقات حتتي ..
ابتسمت نورة حين رأت ابتسامة خفيفة تناوش وجه عفرا التعيس ..
- لعيون ناقتنا بس ..

* * * * *
* للشاعرة الإماراتية القديرة الحصباه ..
** لا تضميني / من بوح قلمي ،،
*** الراوي: النعمان بن بشير - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1623
**** سورة يوسف / الآية 8

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 24-04-08, 12:56 PM   المشاركة رقم: 59
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة الثالثـــــــــــــــــــة عشـــــــــــــــــــر◄

║خطوات تتراقص ألما ..!║




مدت فنجان القهوة بابتسامة و هي تقول بفخر ..
- طبخ ايديّه ..
نظر لها أخوها بشك ممازح و هو يلتقط الفنجان ..
- ما ظنتيه وين بتلحقين تسوين هالخرابيط كلها ..!!
رفعت حور حاجبها ..
- انزين انته مدحت المشخول يا الدب ..! و الباقي البنات سونه ويايه ..
نظر مايد لها بابتسامة ..
- انزين سويه كل يوم و طرشيه بيتنا ..
استرخى عبيد و هو يلوح رافضا فنجان القهوة الذي مدته حور له ..
- ما ينعطى ويه ..!
وافقته حور و هي تبتسم بارتياح لهذه الجلسة المريحة .. كانوا قد استحلوا الحوش طوال فترة المغرب .. صلّى الإثنان المغرب في المسجد القريب مع نايف قبل أن يعودوا ليتناولوا الفطور و تعقبها القهوة .. انشغلن البنات في التنظيف و لكن حور لم تمد يد العون بل استغلّت هذه الدعوة البسيطة و تواجد إخوتها هنا بلا دخيل بينهم ..
شيء داخلها سخر من تلك الفكرة ..
من تقصد بالدخيل ..؟
زوجها ربما ..؟!
هه .. تستمتع هذه الأيام كثيرا بلعبة التجاهل و البرود .. شيء يرضي نزعة أنثوية عطشة في داخلها ..
تريد أن يسعى خلفها لاهثا ..
لكن سرعان ما تسرب الاحباط لنفسها .. ليس غيث الذي يجري لاهثا خلف أحد .. تلك الغطرسة التي لا تتنحى عن أنفه المتعالي .. يستحيل أن تنحني أمام تجاهلها هي ..!
عادت لها ذكرى أول يومٍ في الأسبوع حين صادفها عند الباب الخارجي و هي تهم بالتوجه للجمعية لاستيفاء أغراض البيت و ما ينقصه ..
كان قادما من الخارج مستعجلا .. ليصادف نورة و نايف و دانة في الخارج ..
تجاهل توجههم للسيارة الواقفة في الخارج .. حين رآها قادمة من الحوش تحمل غطاء وجهها و حقيبة يدها الصغيرة ..
وقف بهدوء يسند كتفه العريض على جدار البيت و هو يضع يديه بلا مبالاة في جيبي معطفه الشتوي .. رنت فكرة سخيفة في بالها تريد أن تلهيها عن مشاعرها الغامضة التي راحت تتلوى بين أضلعها .. تأملت معطفه مفكرة بان عليها أن تشتري معاطف شتوية لإخوتها بما أن برودة الجو اشتدت الآن ..!
لازال يقف أمامها دون كلمة .. عيناه الثاقبتين تراقبان تقدمها بصمت .. أعليها أن تمر دون النظر إليه ..؟!
فكرت بالمرور بجانبه و تجاهله .. و لكنها وجدت الأمر سخيفا .. سيبدو جليا بانها تتعمد تجنبه .. لذلك توقفت أمامه باضطراب و صوتها يرتعش ..
- السلام عليكم ..
راحت تمرر يدها على الغطاء القطني بشيء من الوتر .. و عيناه تتمهلان عليها صعودا و نزولا .. و هو يرد بصوت بطيء ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
ذاك الضيق من نظرته المتمعنة تضخم في صدرها حين أخرج يده الكبيرة يمدها لها ..
لم تفهم ..! أتصافحه ..؟!
مدت يدها الباردة لتضيع في دفء يده و هو يعتصر كفّها الصغيرة و يشد عليها بقوة .. رفعت عينها نحوه حين سأل بصوت بدا لا مباليا ..
- وين بها ..؟!
- بنسير الجمعية نتقظى للبيت ..
- أي جمعية ..؟
تنهدت بصبر ..
- كارفور ..
- منوه لي بيوديكم ..؟؟
صرت على أسنانها بضيق .. ما هذا ؟ استجواب ..!
- دريولكم ..
رفع حاجبه بتسلط ..
- آآهاا .. و من منوه ترخصتي ..؟
عقدت جبينها دون أن تدرك مغزى سؤاله ..
- من أمايا ..
اشتدت يده على كفّها يعتصرها و هو يسأل بفتور ..
- ليش إن شا الله .. متزوجة أمج انتي ..؟
- شوه ..؟
قال بصوت بارد منخفض و هو يميل برأسه نحوها ..
- مرة ثانية يوم بتسيرين مكان تترخصين منيه .. و أنا أوقلج تسيرين و الا لا .. و الا شايفتنيه يدار قدامج ..
فتحت فمها لتعترض حين ترك يدها بهدوء .. و استدار ليتركها .. تقدمت خلفه بخطوة ..
- لا هب يدار .. بس انته ما كنت موجود .. و أنا .. ما .. أنا .. ..
صرت على أسنانها .. لما عليها أن تبرر له ..؟ و لما هذه اللهجة الجليدية التي يوجهها إليه ..
لكنه توقف أمامها ليلتفت نحوها بهدوء ..
- انتي شوه ..؟!
انفلتت الكلمات منها بصراحة و هي تهز كتفها ..
- ما تعودت اترخص من حد غير أمي و أبوي ..
اشتد فكه و عيناه تلمعان بشيء لم تفهمه قبل أن يقول بصوت قوي ..
- لا .. تعودي عيل .. لنه عقب اليوم ما بتشبرين برا البيت دون ما قولج ..
نظرت له .. لما تشعر بأنه عدوانيٌ بشكل ما ..؟! هل معاملتها هي من أثرت به بهذا الشكل ..؟ أم أن تلك الليلة قد فجّرت موقفا قديما بينهما ..؟!
تكاد تلمح طيفا لقسوة ذاك الرجل الذي كان حين تعرفت عليه للمرة الأولى ..
نظرت له بطرف عينها و هي تقول بصراحة ..
- انزين ليش معصب ..؟
اتسعت عيناه لبرهة .. و قد بدا أنها فاجئته بسؤالها .. قبل ان يحني رأسه ببرود ..
- يمكن أبا أفهم احساسي أنا بعد ..
و دلف المجلس تاركا ايها تتميز غيظا .. تعلم انه يسخر منها ..
كان هذا ردا غير مباشر يفيدها بأن ما يفعله ردا على ما تمارسه نحوه من تجاهل ..
زمت شفتيها بغيظ .. الحقيقة أنها لا تفهم هذا الرجل بتاتا ..
يمكنه أن يرقى بها قمّة الجنون لتجد نفسها فجأة في الحضيض ..
ينثر أحاسيسها .. يبعثرها أرضا بإهمال .. ليعود و يجمعها بتمهل بين راحتيه ..
أحيانا تجد جزءا من ذاتها ينفصل عنها .. ليراقبها و هي تقف قربه .. كيف تتصرف بغباء .. و تنقاد بسهولة ..
تنهدت بهدوء .. ما ينتظرها هي المهمة العسيرة التي ستقوم بها الليلة ..
قررت استغلال اقامة خالتها في هذه الأيام عندهم لتكون بقرب أختها في حالة داهمها المخاض ..
لتصارح إخوتها بقرار انتقالهم ..
هذه الأيام حين أصبحت في منأى عن تلك المشاعر المدمرة .. ذاك البرود الذي تتخذه قناعا و درعا لها ..
راح يبث فيها شيئا من شجاعتها القديمة ..
أخت ترى الأمور أكثر وضوحا ..
هناك الكثير مما هو بحاجة لكفاح .. و مقاتلة ..
تتجاهله في غمرة ضياعها الأخرق ذاك ..
ما الذي دهاها .. أصبحت متقلبة .. متقلبة ..
تدور حول نفسها .. بلا توقف ..!
.
.
- لاااا حالتج مستعصية و الله ..!!
انتفضت حين انتشلها صوت مايد الذي صاح قرب أذنها بقوة ..
- بسم الله روعتنيه ..!!
عقد جبينه و هو يبادل عبيد المبتسم نظرة ساخرة ..
- روعتج ؟؟ مساعة يالس أزاقر عليج و انتي عمج أصمخ .. خيبة .. فشوه تفكرين ..؟!
ابتلعت ريقها باحراج و هي تقول ..
- ماشي معين و الله ..
ضحك عبيد ..
- ماشي معيّن ..؟ أنا قلت هاي تخطط لجريمة .. تبطلين عيونج .. و تصغرينها .. و تمطين بوزج ايمين و يسار ..
التقطت فنجان مايد الخالي ..
- جريمة في منوه ..! محد قابل للقتل هنيه للأسف ..
لوح لها مايد بسرعة ..
- حور لا تصبين ..
- تقهوا يا ريال ..
- بنسري يا بنت الحلال ورانا أشغال و ترتيب .. الحين انتوا صارقين أمنا .. و وديمة ما منها خير .. مادري لشوه يالسة عدنا أونها تعاون .. يا تعابل بنتاا .. و الا ميوده التيلفون و سوالف ويا المعزب ..
ابتسمت حور له ..
- تحملوا .. أنا أقول أميه ناوية عليها هاليومين .. الله يصبركم ..
راح عبيد يرتب غترته و هو يعتدل في جلسته ..
- ع كيفها هو تنوي و الا لا .. الله ينسم كربها .. و يقومها لكم بالسلامة .. عاد أقولكم لو بنية من الحين محيرنها ..
هزت حور رأسها ..
- لا .. لا .. ما تباك بنتنا .. ما يتكبر الا و انته شيبة .. بلا ظروس ترابع وراها و هي عذرا .. هيييييييييه يا عبيد ..
ثم التفتت لعبيد و هي تتذكر شيئا ما ..
- تعالوا ليش ما تيلسون .. باكر السبت .. عطلة ..
أشار عبيد لمايد ..
- لا و الله أخوج مداوم ..
اتسعت عيناها و هي تنظر لمايد ..
- افااا ..!! صدق و الله ..؟!
أومأ مايد برأسه موافقا ..
- ليش زين ..؟!
- كذيه هل الصيانة و التشغيل ما عندهم الا اجازة في الاسبوع .. الا لو انتي بتسويلنا واسطة دامج حرم راعي الشركة ..
عقدت حور جبينها في ضيق و هي تنظر لمايد بنظرة معاتبة .. لا تدري لما شعرت بأنه يقلل من نفسه أو يفصل مستواه عن مستواها ..
- كان سويت واسطة و اشتغلت وياك .. تعال شوه تسوي في الصيانة و انته هب مهندس ..
- أمشي أموري يا بنت الحلال .. عاطينيه وظيفة مدنية .. مراجعات و مادري شوه من خرابيطه .. المهم .. نشي ازقري أماية بنسلم عليها قبل لا نسري ..
ابتسمت حور لهما بحب و هي تقول بنبرة حزينة ..
- هاي أول مرة تطولون عدنا من توفى أبوية الله يرحمه ..
ابتسم عبيد ممازحا ..
- كسرتي خاطريه بيي كل يوم ..
ضحكت و هي تنهض لاستدعاء أمها ..
- حياك الله ..
خرجت بعد لحظات مع عذيجة التي راحت تودع أبناءها بحرارة و توصيهم كأنما ستسافر على مكان ما .. و يستمعون هم بطاعة قبل أن يتبادلون رأسها بالتقبيل و يتركوها وسط دعواتها الخالصة .. تقدمت حور معهم لتوصلهم إلى الباب الخارجي ..و عبيد يقول بكسل ،،
- فديت أمايا .. الله الله فيها حور .. و الله لو نلقى فيها شمخ واحد .. بنردها و بنشل أمكم بدالها ..
ضحكت حور ..
- حلف و الله ..
- عيل .. نعطيكم أميه يديدة بقراطيسها .. و تخربونها ..
هزت حور رأسها و هم يجتازون الباب الفاصل بين الحوش و ممر المجلس ..
- بقراطيسها أونه .. عيوز منتهية برقعها مصدي من العهد الأغبر .. و بقراطيسها ..!!
رفع عبيد حاجبه حين ضربها مايد بخفة ..
- لا تسبين ..
ليقول عبيد بمكر ..
- و الله أخبرها ..
ربتت حور مكان الضربة و هي تضيق عينيها ..
- يا الفتان ..
هز عبيد كتفيه ..
- فتان .. فتان .. المهم أخرب بينكن ..
فتحت فمها لترد قبل أن تتجمد مكانها و عيناها تتعلقان بالذي دخل للتو بخطوات واسعة متوجها مباشرة للمجلس قبل ان يتوقف فجأة حين شعر بوجودهم ليلتفت بهدوء نحوهم ..
زمت حور شفتيها و مايد و عبيد ينظران إليه قبل أن يتقدم نحوهم بصوته العميق ..
- السلام عليكم ..
سلّم على مايد و عبيد بهدوء .. قبل أن يسلّط نظرة ضيقة على حور .. وجهه المشدود و هو يبادلهما السؤال عن الحال اوحى لحور أنه متضايق بشكل ما ..!
- يا الله نترخص ..
قالها مايد بابتسامة صغيرة .. تكاد حور ترى لمعان التوتر في عينيه .. و غيث يرد ببرود ..
- وين ..؟ رامسين ..
- مرة ثانية يا بو علي ،، نحن من المغرب هنيه ..
متأكدة بأنه غاضب الآن .. رغم نعومة لهجته و هو يقول ..
- عيل طافتنيه اليمعة .. ما عليه .. اليايات أكثر ..
أيلمسان التهكم في صوته كما تفعل .. ؟!
كلمات توديعية قصيرة قبل أن تسلّم عليهما حور بحرارة تحت أنفه .. قسوة نظرته تخترق بشرتها .. دون أن تلتفت إليه .. و هي تقول برقة ...
- تحملوا بعماركم .. و سلموا ع عميه سلطان ..
و ضربت مايد بخفة .. و هي تنظر له شزرا ..
- و اتصلوبيه ..
ضحك عبيد و هو يتقدم نحو الباب الخارجي ..
- بنتصل بج دام أميه رهينة عندكم ..
ضمت كتفيها لصدرها و هي تقول ..
- الله يحفظكم ..ما ان اختفى خلف الباب .. حتى تجمدت كفيّها .. لثانيتين شعر برغبة تدفعها للاستدارة فورا و التوجه للداخل .. و لكنه هنا ..!
يقف على بعد خطوتين فقط .. و نظراته الجامدة تلتصق بجانب وجهها المتيبس ..
أنزلت يديها بهدوء و هي تبتلع جرعة هواء ..و تحبسها .. قبل أن تلتفت له بهدوء ..
- مرحبا ..!
اصطدمت عيناها بعيناه لتعلق نظراتها برهة في ضيق حدود ذاك الغموض .. تخبط قلبها الأخرق كعادته .. و صوته البارد يرد تحيتها ..
- من متى و هم هنيه ..؟
تدلى فكها ببلاهة دون أن تفهم ..
- هاا ..؟
صر على أسنانه بنفاذ صبر ..
- من متى و عيال خالتج هنيه ..؟
- عبيد و مايد ..؟ من قبل المغرب بنص ساعة .. ليش ..؟
.
.

سحب نفسا عميقا محاولا بصبر ان يهدئ نفسه و هو يكتم غيظه بقوة .. ماذا .. هل هي غبية .. ام أنها تتعمد التظاهر بعدم الفهم ..؟!
عيناها المتسعتين بدتا صادقتين و هي تسأل ليجيبها بقوة .. و صوته يحتد دون أن يستطيع السيطرة عليه ..
- مرة ثانية ما يشبر البيت ريّال و أنا هب موجود ..
الحقيقة أنه يريد أن يشدها من غرتها التي تدلت على جبينها .. و هي تنظر إليه بذهول ..
- اشوه ..؟ هاييلا هب غرب ..؟! مايد و عبيد خوانيه قبل لا يكونون عيال خالتيه .. و متعودين عليهم اييون البيت متى ما يبون ..
شد قبضته .. كلمة واحدة من هذا النوع فقط .. و سيقتلع عينيها .. تتبجح بهم أمامه كما كانت تفعل منذ لحظات و هي تكلمهم و تضحك معهم ببساطة ..
و تخرج شعرها الغبية ..!
أكثر ما يثير غيظه هو ذاك الشعور المحرق الذي راح يتأجج في صدره ..
أراد خنق إحساس ملتهب غريب .. و رغبة حمقاء .. راودته حين رؤيتها تقف وسطهم .. تحثه على التقدم لدفنهم في مكانهم ..
سحب نفسا عميقا .. متلبسا بروده المعتاد و هو يقول بصوته الآمر ..
- هذا يوم أبوج في البيت و سامح لكن بهالشي .. الحين لا .. يوم حد منهم بيي يتصلبيه و يترخص .. ما يحدرون داخل البيت .. أشوفج ماخذه الامور حيا الله .. فهمتي و الا لا .. اذا حد ناوي ايي .. يتصلبيه قبل ..
ثم انخفض صوته بلهجة خطيرة حين رآها تزم شفتيها و عيناها ترتفعان بعناد ..
- سمعتينيه يا حور .. لا تخلينيه أسوي شي ما يرضينيه و لا يرضيج ..
أخفضت عيناها لعينيه .. و هي تقول بلهجة غريبة ..
- الظاهر انه وايد أشياء ما ترضيك هالايام .. أنا هب مستعدة أروح لخوانيه و أقولهم استأذنوا من ريليه قبل لا تحدرون بيت خالتكم ..!
انشراح غريب انبسط بين في جوفه و هو يسمعها تقول بصوتها المبحوح - ريليه - .. نزعة تملكيه أرضتها بلفظها ذاك .. و هو يقول بصوتٍ قوي ..
- لا تقوليلهم .. انا بتصرف ..
جحظت عيناها ..
- بتروغ خوانيه ..؟؟!!
التوت شفتيه و هو يميل رأسه نحوها ..
- بسوي لي بسويه .. شعندج ..؟
فتحت فاهها بانفعال .. و أطبقته مجددا و أنفاسها تتهدج .. على يقين هو بانها تتأثر من قربه ..
لكن عينيها الحائرتين سرعان ما استقرت على وجهه و كلمتين تنفلت من شفتيه لتهزّ أعماقه ..
- غيث شفيك ..؟
خفق قلبه بشدّة .. و ذاك الشعور المجهول يداهمه مجددا ..!
ما خطبه ..؟!
ما الذي يدفعه لمناكشتها .. أ لأنه لا ستهوي هذه الواجهة الباردة التي تخفي خلفها احساسها به ..؟!
أم أنه مغتاظ لأنها تغلّبت على تأثيره ..
ما الذي يثير حنقه و يجعله لا يريد سوى تصيّد الأخطاء منها ..؟!
يريد أن يغضب منها .. أن يدفعها للانفعال .. لتجاوز تلك الحدود السخيفة التي راحت ترسمها بتجنبه ..؟!
جل ما يريده الىن هو أن يدنو منها أكثر ..
ليصيخ السمع متأملا ..
لأنفاسها التي لن تكذب ..
لصدق ستتهدج به لتبوح همسا ما يخالج قلبها الصغير ..
يريد أن ينصت لتراتيل قلبها العنيد .. ما الذي تحويه حقا في داخلها ..
لما أقلقه أن تكتشف أن مشاعرها مجرد اندفاع احمق خلف الرجل الوحيد الذي عرفته ..؟!
راحت عيناه تجرّدانها و هي تستقر على نافذة روحها ..
تلك العينين الغائمتين اللتان استحلتهما علامة استفهام بحجم احساسه المتخبط الذي لم يعد يكترث لتفسيره ..
قد لا يعجبه ما يجد ..
كل ما يجزم به أنه يريد أن يثق بأنه لن ياتي يوم تصارحه مجددا برغبته في الانفصال ..
ما الذي سيفعله حينها ..؟
سيجبرها ..؟!
حتما سيفعل إن لم يكن له الخيار ..
كان صوته أكثر هدوءا .. لا يفضح تلك العاصفة الهوجاء التي راحت تهدم ركائز ثباته في داخله ..
- و انتي تشوفينها حلوة فحقي هالحركات .. تظهرين و لاكنه ريال وراج تترخصين منه .. و تييبين خوانج فبيت أنا راعيه الحين .. و أنا الريال فيه .. لا عبرتينيه ولا عطيتينيه خبر .. شوه هب ريال قدامج .. و الا هب مازر عينج ..؟
تلذذ بتلك النظرة المتراجعة في عينيها .. هذه الكلمات انتقاها بعناية .. ليس عليه سوى الاستدارة و تركها الآن .. لتحترق ذنبا حتى تعود للاعتذار .. للدنو من روحه ..
سيستدرجها ..
كلمة أخيرة ألقاها قبل أن يرحل ..
- كم رقم عفرا ..؟؟
كان فاهها لا زال مفتوحا بضياع .. ثقته راحت تتماسك مجددا .. و هي تنظر له بعدم فهم .. الحقيقة بانه بارع في بعثرة هذه الطفلة ..!
- رقم عفرا ..؟!
قال ذلك مكررا طلبه .. لتنظر له بذهول ..
- عفرا ختيه ..؟
- هيه .. عندكم عفرا غيرها ..؟!
- لا .. بس .. آآ .. شوه تبابها عفرا ..؟
رفع حاجبه و كأنما يقلل من قيمة سؤالها ..
- أباها بسالفة .. كم رقمها ..؟
قالت بعناد و قد بدت كراهيتها إعطاءه الرقم جليّة ..
- عفرا تعبانة هالايام ..؟
هذا هو المقصد ..
لا تزال - تعبانة - ..
و لا زال الشك متأصلا داخله .. نفس الشك الذي كان متأكدا بأنه يسكن قلب الواقفة أمامه و تتجاهله بقوة ..
- انزين ..؟ شوه بلعب كورة وياها ..؟ ابا أرمسها أنا .. عطينيه الرقم يا الله ..
زمت شفتيها بتلك الطريقة مجددا .. خنق ابتسامة متهكمة و هي تردد الرقم على مسامعه بضيق ..
سجّل الرقم في هاتفه بسرعة .. قبل أن يستدير بصمت و توجه للمجلس تاركا اياها خلفه .. ليدلف إلى ملجأه منذ أشهر و يصفق الباب بخلفه ..
.
.
لم تشعر باللحظات الطويلة التي قضتها و هي تقف مكانها تنظر للباب المغلق .. و هي تعتصر طرف غطائها بقسوة .. حتى أصبح رذاذ السماء يتهافت برقة على وجهها ..
ببرد منعش ..
ماذا يريد من عفرا ..؟!
ثم ماذا يقصد بكلماته الأخيرة ..؟ أيعني أنها تقلل من قيمته .. ؟
شعرت بشيء من الاحباط .. و الذنب .. نفخت بضيق و هي تنظر لباب المجلس ،،
((و انتي تشوفينها حلوة فحقي هالحركات .. تظهرين و لاكنه ريال وراج تترخصين منه .. و تييبين خوانج فبيت أنا راعيه الحين .. و أنا الريال فيه .. لا عبرتينيه ولا عطيتينيه خبر .. شوه هب ريال قدامج .. و الا هب مازر عينج ..؟ ))
ماذا يريد منها ..؟ أن تغير حياتها لمجرد اقتحامه اياها ..؟
قالها بنبرة غريبة جعلتها تشعر بأنها مخطئة ..!
قدماها تثقلان .. و الرذاذ يروي وجهها الصافي بشح .. قبل أن تدير ظهرها لباب المجلس ..
و تخنق رغبة في الذهاب لقرعه ..
تريد أن تواجه عينيه مرة أخرى .. لتعلم إن كان غاضبا ..؟!
.
.
.
.
.
.
- مطر .. مطر ..
قالتها مزنة و هي تصفق بيدها بحماس .. بعد ان اشتد المطر .. و خالتها عذيجة التي انهمكت في تدليك قدمي أختها المتعبة تقول ..
- يا الله يا رب .. زيده ..
قالت دانة بتذمر ..
- الحين ما بنسير المسيد نصلي التراويح و الا شوه ..؟
نظرت نورة لساعتها و هي تقول ..
- عدها نص ساعة قبل صلاة العشا .. يمكن يوقف المطر ..
- و لو ما وقف ..؟!
نظرت نورة لحور التي بدت شاردة تماما و هي تضيق عينيها متأملة أرضيّة الصالة بسجادها المهترئ ..
- بنصلي في البيت .. حووووووووووووور ..!!
التفت لها حور بضيق ..
- نعم .. ما تعرفين تزاقرين بصوت واطي .. صميتي اذنيه ..
رفعت نورة حاجبها تنظر لحور ..
- شدرانيه بج مساعة نرمسج و انتي هب ويانا .. رمستي وديمة عن كنادير العيد ..؟
هزت حور رأسها بضجر ..
- كم مرة تخبرتينيه .. قالت تشرت الرقع و ودت المقاسات الخيّاط .. غيرها ..؟
- سلامتج ..
و ارتفعت عيونهن لباب الغرفة الذي فتح لتطل منه عفرا بوجه شاحب .. و عينان تحتضنهما دوائر داكنة .. لتقول بصوتٍ ضعيف مهزوز حين رأت العيون تتوجه اليها ..
- وين نايف ..؟
نظرت لها حور بألم و هي تجيب بابتسامة حانية ..
- عند حمود يذاكر وياه ..
يؤلمها منظر أختها المتوجع هذا .. لا تعرف سببا للتعاسة التي تكسحوجهها ..
تبكي بسرعة .. و طوال الوقت .. تهمل دراستها بعض الشيء .. كل ما تفعله هو الاستلقاء في فراشها و الاختباء تحت اللحاف ..
سحبت حور نفسا و هي تسألها ،،
- تبين شي حبيبتي ..
تراجعت قليلا خلف باب الغرفة و هي تجيب بهمس ..
- أباه يقول لغيث يشغّل الوايرليس .. عنديه بروجيكت أبا اخلصه قبل الصلاة ..
أخرجت حور هاتفها مشجعة و هي تقول ..
- انا بتصلبه الحين .. سيري خلصي ..
هزت رأسها بانكسار قبل أن تدلف و تغلق الباب دون كلمة ..
تنهدت حور بقوة .. لتسمع تنهيدتها بوضوح .. قبل أن تنقل بصرها بين الموجودين ..
كان الوجوم هو ملامح هذه الوجوه ..
مزنة هي الوحيدة التي لا تزال تراقب قطرات المطر التي ترتطم بزجاج النافذة .. هند و نورة و دانة تعلّقت أعينهن بباب الحجرة .. أمها تعقد جبينها بصمت .. و عذيجة تهز رأسها بأسى و هي تكرر تلك الجملة التي تقولها مذ رأت حالة عفرا الغريبة ..
- البنية هب طبيعية .. حرما ينها فيها عين و الا طار فيها شي ..! بعضهم لي يطيحون يتلبسونهم .. و عفرا ربع وراها كلب اسود .. لازم نودي البنيه لمطوع ..
أدارت دانة عينها فيهم بحذر ..
- أمس الساعة ثنتين الفير سمعتاا تصيح ..!
هزت نورة رأسها موافقة و صوتها يقول بحزن خافت ..
- دوم تصيح .. أمس تخبرتاا كان تبا شي و خرّت دمعتاا .. حتى العيشة ما تاكلها شرا الأوادم .. خالوه يمكن صدق فيها عين ..!! عفاري شاطرة .. و عاقلة .. يمكن حد حسدها ..!!!
لم يرد احد بعد كلماتها .. صمت قبيح ساد في المكان ..
و كلٌّ يغرق في فكرة ..!
قبل ان تسمع حور صوتا مألوفا من بعيد .. شيء يشبه الانذار بجرس .. لتلفت لنورة بسرعة ..
- نورة .. راعي الغاز ..! اربعي وقفيه .. بسرررررعة ..
تمطت نورة و هي تقول بكسل ..
- خلي مزنة تزقره ..
- مزنة صغيرة و تخاف .. بسرعة يا الهبلا .. بيسري ..!
وقفت نورة بملل ..
- افففففف منكن كم اسطوانة ..؟
هبت حور لتخرج المال لصاحب لموزع الغاز ..
-ثنتين ..
خرجت نورة مسرعة و هي ترفع غطاءها تتقي المطر .. و حور تخرج هاتفها .. لتختار اسم غيث .. ثم تتصل به ..
صوت الخط المتقطع يعلن اشتباك الخط .. لحظات مطولة دون رد ..!
عاودت الاتصال مرتين و ثلاث ..
و في الرابعة كانت تصر أسنانها بغيظ ..
يتعمد تجاهل مكالمتها اذا ..!
همست بحقد و هي تفتح صفحة كتابة رسالة نصية قصيرة ..
- الهرم ،،
راحت تصف الكلمات تباعا .. و هي تضغط على أزرار الهاتف بقوة كادت أن تحطمه ..

* * * * *

- خلها على ربك يا ريّال .. أبو لحية شكله ناويها علينا هالمرة .. ما يبانا نسير مكان ..
قالها هزّاع بهمس يائس و عيناه على شقيقه الأكبر الذي يمسك بالمصحف الشريف و بدا غارقا بين آيات الذكر الحكيم ..
كانوا يجلسون بعد إفطار ثالث يوم من الشهر الكريم في بيت بو سيف الذي دلف للداخل .. فيما استلقى حارب على الجلسة الأرضية و عيناه على التلفاز الذي كتم صوته بطلب من سيف .. ربت أحمد على بطنه بشبع و هو يقول ..
- المطوع شالنه هوا .. مستعيل ع رزقه .. يتحرا عمره بيملك أول ما تربي حرمة عميه .. عدهم بيضيفون العرب و بييبونهم بيت يدي .. خلاف بيرتبون أمور الملكة .. ما عليك منه .. انته شاور عميه .. قردنه شوي .. و بيطيع ..
و ابتسم بتفاؤل ..
- إذا غيث ما قال شي .. و وافق .. شوه بيقول سيف ..؟؟
- ياخي سيف يأثر على أبوية وايد .. لو يقول يمين .. قال يمين .. و لو قال يسار قال يسار ..! الحين أنا قلتله أبا أروح ويا الشباب ثاني يوم في العيد لقطر احتشر عليّه .. و خشعنيه .. يقول نحن فاضين و نضيع وقتنا في يمعات الشباب .. كنه الا يبانا نخاوي الحريم ..؟!!
- ما عليك منه .. حاول مع عمي .. و لو ما طاع .. بنشوف غيث ..
عقد هزّاع حاجبه باستياء ..
- الله يعين لو صدق ما بيخلونا نسير ..! السلعاوي بيسابق بداليه ..!
نفخ أحمد صدره ..
- جب لااا .. السلعاوي أحول ما يعرف السكان من القير .. لو ما بتسير أنا بسير و بسابق ..
نظر له هزاع بغل ..
- يا النذل لو ما بسير بتيلس ويايه في البلاد .. و الله ما تشبر .. هيه هاللي قاصر بعد .. أتم اروحيه و انته ترتغد هناك .. اقصرها الرمسة .. بلايه ما شي سباق تسمع ..
- يا خوك .. لو رديت الشور لك ارمس .. انته ما بتدريبيه الا قدنيه هناك اتصلبك .. ألوو .. هزاع .. هنا قطر .. هههههههههه .. و انته ايلس هنيه .. عابل الخيمة .. و زهاب العروس .. و رتب العشا .. و لو تبا تحظر رويض يوم بتتحنى خبرنيه بسويلك واسطة .. هههههههههههههههه ..
لكمة هزاع بقوة ..
- انطب يا الهرم .. و الله لسير .. بتشوف .. و بو لحية مقدور عليه ..
غمز له أحمد ..
- بنشووووف ،، - ثم التفت لحارب - أقول يا الحبيب .. شوه تطالع انته بلا صوت ..؟؟ نش نش .. بنسير نتحوط شوي ..
رفع حارب يده يسأل من بعيد ..
- نتحوط وين ..؟
- بنسير المول ..
- في هالمطر ..؟!
رفع احمد حاجبه ..
- أي مطر ..؟! القطرتين لي صبن الظهر !! .. نش يا الله .. بتخاوينا و الا لا ..
رفض حارب ..
- يا خوك طول الاسبوع حاجزينيه في الكلية .. أبا أشوف الوالدة و أيلس وياها .. بيروح بو سلطان وياك ..
مط أحمد شفتيه .. و هو ينظر لهزاع الذي يقلب ما في هاتفه ..
- مليت منه خوك .. حشى هب ريال لصقة .. أربع و عشرين ساعة على ظهريه .. حتى و أنا راقد يظهرليه في الحلم .. مع انيه أقرا المعوذات .. !!
لكزه هزاع بقوة بكوعه ..
- شوه شيطان شايفنيه يا الثور .. تحمد ربك .. غيرك يموت و هب محصل نظرة منيه ..
- عداااال عاد .. يا الله .. سريناا ..
قالها و هو ينهض .. قبل أن يرفع سيف رأسه لهما منبها و هو يغلق القرآن بلطف ..
- صلاة التراويح يا شباب .. لا تلهيكم الهياته ..
هز أحمد رأسه باحترام ..
- ان شا الله يا فضيلة الشيخ .. دعواتك بس ..
هز سيف رأسه بهدوء ..
- الله يهديك ..
تنهد أحمد من قلبه ..
- آمين ..
تحرك الاثنان يتركان المكان ..
رفع سيف عينه للتلفاز الذي تعلقت به عينا حارب .. و هو يسأل بهدوء ..
- شوه تطالع ..؟
التفت له حارب بسرعة ..
- خلصت ..؟ بظهر الصوت ..
عقد سيف جبينه و صوت التلفاز يصدح في المجلس بصوتٍ عالٍ .. كانت الشاشة تعرض نقاشا حادا لرجل ملتحٍ بثوبٍ قصير مع آخر صورته و هو يشحن سلاخا اوتوماتيكيا .. قبل أن يتقدم من حارب و يكتم صوت التلفاز .. اعترض حارب ..
- بلاك ياخي ..
- شوه عايبنك المسلسل ..؟!
- ظهر الصوت ياخي ..
المسلسلات من هالنوع ثوب مقلوب ..
عقد حارب جبينه ..
- ثوب مقلوب ..؟!!
جلس سيف قربه و هو يفتح نقاشا متعمدا ..
- هيه .. خبرنيه أول .. شرايك في هالمسلسلات ..
رفع حارب عينه بملل ..
- آممم .. مادري و الله .. ما تابعهن وايد .. بس أحسها مسلسلات طيبة .. تعرض قضية و تناقشها .. و الا شرايك ..؟ يعني يا بو هناد الحين العالم ماله شغل و لا شاغل الا الارهاب .. تعرف انه أول شي يعلمونا اياه في الطيران اجراءات الامن في الطايرة اذا انخطفت ..؟! العالم كله متروع من الارهاب ..!
مسح سيف على لحيته بابتسامة ..
- و المسلسلات تعالج هالقضية ..؟!
- يعني تعرضها .. و تشرح أسباب حدوثها .. يمكن تساعد الغير في تجنب التورط في هالخربطان .. هب كل العرب عندهم خلفية دينية تخليهم ايميزون الصح عن الغلط ..!
- و الخلفية الدينية بتكونها لهم المسلسلات هاي ..؟
ضحك حارب بهدوء ..
- بو هناد بلاك ..؟ هاي مسلسلات العرب كلها تشوفها .. هوب شرط انه كل من ايشوفها يتأثر ابها .. و الا شرايك ..؟
- راييه ان هالمسلسلات خبيثة ..
الآن يضج حارب بالضحك ..
- مرة ثوب مقلوب .. و الحين خبيثة .. حاااقد يا ريال ..!
هز سيف رأسه .. بهدوء ..
- و ليش ما أحقد ..؟ عايبتنك مسلسلات من هالنوع .. انته لك راي و أنا لي راي .. و غيري له راي .. كلن يشوف الموضوع من زاوية .. أصحاب هالنوع من المسلسلات خلّوا الارهاب تجارة ..!!!! كل واحد يستلم موضوع الارهاب و يبهرجه و يحوله قصة درامية .. عسب يستوي مسلسل فنان يعرضونه على الناس ..
تنهد و هو يقول ..
- تعال بس بنشدك .. شوه الارهاب ..؟
رفع حارب يديه في وجه أخيه مستسلما ..
- لا اتخبرنيه ..
- ليش ..؟ قول ..؟
قال حارب بحذر ..
- الارهاب أفعال المتطرفين دينيا .. هاييلا المتشددين في الدين يذبحون خلق الله أونهم كفّار ..
رفع سيف يده ..
- بس خلاص .. هاللي ظهرته من المسلسلات .. انا ما يهمنيه لو يبون يعرضون الارهاب و الا لا .. أصلا موضوعه متفرع و الواحد يضيع فيه من أحكام و فتاوى و غيره .. هالمسلسلات لي من هالنوع بس تشويه للاسلام .. انطباع واحد تعطيه كل متابع لها .. كل لحية طويلة و عمامة .. كل ناصح بامر الله .. مجرد متطرف خبيث يسعى لاستدراج العالم عسب يستخدمهم في مهماته الانتحاريه .. يصور اهل الدين مجرد جماعات و عصابات مالها شغل و لا شاغل غير المذابح لحاية في نفس يعقوب و العذر يعقونه على الدين .. هاييلا تديّنوا و من زود حبهم للدين تطرفوا و غدوا ارهابيين ..
فرد يديه بهدوء ..
- وين الغلط ..؟؟ الدين .. الوسيلة لي استعمل بها ..؟ و الا الأشخاص لي ما فهموا مغزاه ..؟!!!!! يمكن فيه ناس كذيه .. و متأكد من هالشي .. بس لحظة .. شوه الغاية من هالنوعية ..؟؟ مهاجمة هالجماعات .. و الا نصحها ..؟!! أنا ماشوفها الا استفزاز .. دفع للعنف ..
قال بقهر ..
- أنا ما يحرنيه و يعل فواديه غير شي واحد .. يوم انك تستخدم دينك تجارة .. تشويهه في لي شرا هالمسلسلات .. ما شفت شي منهن عرض ببساطة ان الدين الحنيف تسامح .. و مودة و احترام للديانات الأخرى .. كل لي اشوفه عرب مطولين اللحى و سفّاحين .. هاييلا ينشرون الفكر الغربي .. ليش صارت سنّة الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام علامة و دأكبر دليل على الارهاب .. تقصير الثوب .. صار ترهيب ..
لوح بيده بغضب و حارب يستمع بهدوء دون مقاطعة ..
- هاييلا بهالمسلسلات الغبية .. يبعدون الناس عن الاسلام .. يخوفونهم من التقرب الى الله .. لن التدين و التشدد تطرف و اجرام .. لو شخص غير مسلم آمن باللي تحويه هالمسلسلات .. شوه الشي لي يمكن يأثر فيه غير ابعاده عن الدين و كرهه أكثر و أكثر ..! أنا ملتزم و لله الحمد .. ما فكرت أنحر بشكارتنا لنها مسيحية .. بس هم ما يحبون يعكسون الا السواد عقب ما يضخمونه ..!
رد حارب بهدوء .. و هو يتثاءب ..
- يا بو هناد .. لا تنكر انهم يعرضون قضية .. و يبون يحلونها ..
- يحلونها كيف ..؟ و هم يصورون للعالم ان الاسلام سبب ..! ان المتطرفين ما انحرفوا الا بسبب معتقدات دينية اسلامية ..؟! و اذا كانوا المتطرفين ياخذون الدين حجة ..؟ ليش نحن ما عدنا سالفة .. ما نروم نعكس صورة اسلامنا الحقيقية ..
لوح حارب بهدوء ..
- سيف يا خوية .. كانك تحمست شوي ..؟
صر سيف عل أسنانه و هو يهب من مكانه لغلق التلفاز ..
- الغيرة على الدين هب عيب .. و هالخرابيط لي ما وراها فايدة خلها عنك .. سير اقرا لك سورة تنفعك ..

* * * * *

* * * * *

قبلتها بحرارة و هي تقربها نحو الأريكة و تقول بشوق ..
- تولهت عليج يا السبالة .. عنبوه صدق ربيعة جامعة .. ما تذكرين حد عقب الكورس ..!!
رفعت راوية حاجبها و هي ضع حقيبة يدها جانبا ..
- انا لي ما أذكر حد ..! و الا عرب من يوم قربت ملكتهم حتى سماعة التيلفون ما يرفعونها ..!
ضحكت روضة بخجل و هي تردف ..
- و الله انشغلت بالخرابيط .. ما عليه .. خبرينيه .. شحالج .. شخبارج .. و شوه مسوية في الجامعة .. هههههههههه ناوية تعمرين و الا خريجة هالكورس ..؟
- بخير فديتج .. كل شي يسرج .. هههههههههههههههه .. لا خلاص مليت .. الجامعة بلاج هب شي .. بتخرج ان شا الله .. انتي شحالج .. ما قدمتي أوراقج في مكان ..؟
- بخير يعلج الخير .. شوه أشتغل ..؟؟!! لا يختي .. مشغولة بسوالف الملكة الحين .. يوم تترب أموريه بشوف شوه أبا بالضبط ..بنت عميه عوشة توظفت ..!
ابتسمت راوية باهتمام ..
- الطويلة الغاوية ..
- ههههههههههههههه هيه هي ..
- وين ؟؟
- في إماراتي للإعلام .. فرعهم لي في العين ..
عقدت راوية جبينها ..
- و عادي عندكم ..؟ أحيده مختلط ..
هزت روضة كتفيها بخفة ..
- و الله ما قد جربنا شي عسب يكون عادي و الا لا .. هاي أول وحدة من بناتنا تتوظف .. بنات خاليه متوظفات في وزارة .. يعني عادي ظنتيه .. و بعدين الشباب أكيد ما دروا بالسالفة و الا شفتي كلن يدلوا بدلوه ..
اومأت راوية برأسها ..
- انا أقول أكيد بعارضون .. لنه شي شباب هناك ..
- و لو ..؟! لو هي بتحشم عمرها ما بييها شي ..
لم تجبها راوية و هي ترتد إلى الوراء بحركة سريعة و تدير رأسها لترد الغطاء الثقيل على وجهها .. و هي تهمس بإحراج ..
- رووووضووووه .. ياا السبااااالة .. قلتي محد في البيت ..!!
التفتت روضة بدهشة للخلف .. قبل أن تذهل بحق.. لم تعرف هل تضحك على الموقف بصوتٍ عالٍ .. ام تنبه صديقتها .. أم ماذا .. كل ما شعرت به هو الضيق الشديد الذي اغتصبت ابتسامة متوترة رغم اكتنافه صدرها و هي تقول بهدوء ..
- راوية .. هاي شيخة ختيه ..
قالتها و هي تلتفت لشيخة التي وصلت نهاية الدرج الكبير .. ترتدي بنطالا خشنا .. و فانلة وسيعة .. شعرها المقصوص الذي يصل لآخر رقبتها احتضن وجهها بفوضوية ..
نظرة غريبة علت ملامحها و هي تقف بجمود و راوية تزيح الغطاء عن وجهها بإحراج ..
هبت راوية واقفة و هي تنتظر شيخة التي تقدمت ببرود لتسلم ..
- السلام عليكم .. حيّا الله راوية ،،
- و عليكم السلام و الرحمه ،، الله يحييج و يبقيج ..
سلّمت عليها بجفاء .. و صوتها الخشن يرد ،،
- شحالج ..
بدت راوية مرتبكة مما فعلت منذ قليل .. شعرت بأنها أحرجت شيخة أو جرحتها بشكل ما ..! رغم أن وجه تلك كان باردا .. جامدا .. لا يفصح عما قد يخالجها ..!
- بخير و سهالة .. شحالج شيخة .. ربج بخير ..
قالت باختصار ..
- الحمد الله .. انا بسير الميلس الداخلي ..
و تركتهن ببساطة .. جلست راوية مرة أخرى و عيناها تتعلقان بروضة في اعتذار ..
- و الله ما كان قصديه .. كانها زعلت ..؟!
لوحت روضة رغم شعورها بالضيق لما حدث للتو و لكنها كرهت أن تضايق ضيفتها لتقول بهدوء ..
- ما عليج منها .. دوم زامة بخشمها .. علومج بعد ..
.
.
.
.
لم يفلح ابهاميها اللذان راحت تضغط بهما على عينيها بقوة في ايقاف تلك الدموع التي راحت تخز جفنيها ..
و هي تطبق شفتيها بقوة .. تحتبس نفسا تريده أن يهدئ تلك الحرقة التي راحت تذيب فؤادها ..
لا زال ذاك الحدث القريب يثير تقززها .. و قرفها .. تلك الصورة لا تزاح عن عينيها .. و أخرى قديمة تقاربها ..
راحت تنبثق من العدم لتعيّرها ..
لا أحد يعلم كم هي فزعة ..
و كم هي خائفة ..
لا يدرون كم هي مرعوبة من تلك الصورة ..
أ سيقبل يوما لتصبح مسخا كما تلك الفتاة ..!!!
.
.
أما من يدٍ تنتشلها من هذه الحيرة ..
لا تريد سوى ذرة من امانٍ ..
لا تكترث إن كان كاذب ..!
انها خائفة ،، و لا تدري مما ..!

* * * * *

تقفان في زاوية الحوش ذو السور العالي الخاص بقسم النساء في المسجد ..
و تضم طرف الشيلة لشفتيها و عينيها المغروقتان بالدموع تفضح الكثير .. أنفاسها ترتجف بلوعة .. و هي تهمس بإحساس قاتل ..
- متى ..؟ متى يا فاطمة .. أنا ما أرقد في الليل .. و الله ما تغفى عينيه ..! بمووووت .. تعرفين شوه يعني بموت .. مادري شوه أسوي ..!
عضت فاطمة شفتيها تخنق عبرتين كادتا تنزلقان على وجنتها ..
عليك اللعنة يا أخي .. لماذا أزهقت روحها ..!
- يوم بيرد .. هو من يوم .. صار اللي صار .. سار الشارقة عند واحد من ربعه .. و ما شفته .. يتصل .. بس الموضوع ما يتحمل حد يقوله في التيلفون .. صبري شوي .. و لا تخافين ..
كانت تكذب ..! تخدع عفرا بألم ..
ماذا تقول لها ..!!
تحدثت إلى ذاك الحثالة المسمى بأخي و أنكر الموضوع رغم ثقته بأنني على يقين بكذبه ..
ترددت صرخات أخيها الثائرة و هو يهاجمها ..
- قوليلها الخايسة الـ ..... تروح تشوف مع منوه فالتة و لا تفر بلاها علينا ..
فيما ترد هي باحتقار ..
- لا تتبلى ع البنية .. هاي أشرف من ويهك .. ليش ..؟؟؟؟ ليش يا سالم .. انا لقيت شيلتاا و شباصتاا في ميلسنا .. حرام عليك ..
ليدفعها هو بقوته ..
- ان شا لله تلقينها هي بكبرها مفرورة عدنا .. هاي وصخة مادري لافة ع منوه و مسودة ويها و ياية تعق خياسها ع العرب .. فالتة ما وراها ريّال شوه بيظهر منها .. قوليلها تسير تحاول ويا ربيعها كان بيستر عليها ..
-بس .. بسس يا كذااااااااااب .. يا حثااااااااااااالة .. الله يلعنك .. تسود ويوهنا و تنكر بعد .. لااازم تصلح غلطتك .. سالم .. لي سويته فيه خراب بيوت .. لو حد يدري بيذبحونها و يذبحونك ..
- قلتيها .. بيذبحونها .. يعني هي الخايسة لي مسودة الويه .. لا تسوينها مظلومة .. و ليش يذبحونيه ..؟ أتحدى واحد منهم بس ايي و يرمسنيه .. و الله لفضحها .. خلي العرب كلها تعرف سواد بنات حمد بن سيف ..
- يا كذااااب .. يا حيواان .. الين متى بتنكر ..!!! خاف ربك .. حتى فرمضان .. انته تقص على نموه ..؟ عليه و الا ع عمرك .. أنا و انته نعرف انك حقير و انته لي غلط ع المسكينة .. لا .. لا .. سالم .. يكفي لي سويته .. لا تزيدها .. استر عليها .. و صلح لي خربته ..
لم تكن الإجابة على كلماتها سوى يده الغليظة تهوي على شعرها لتقتلعه بقوة و هو يصيح بها .. و يده تهزها بلا رحمة ..
- تكذبينيه يا كلبة .. خربنج اللوث .. و الله لو يخبرنيه الطير في السما انج شبرتي بيتهم يا فطوم .. لدفنج عند بابهم .. تسمعين ..
لم تكن صرخاتها و محاولاتها اليائسة للانفلات رادعا حقيقي له ..!
كان كالوحش الهائج .. لم تعلم اذا كان يهاجمها أو يهاجم ما تعلم ..
يهاجم خوفه مما هو قادم .. او تبعات فعلته الشنيعة ..
و هي تراه يتركها و قد أسقطت يدها .. علمت أنه لا يمكنها مساعدة عفرا دونه ..
و نزعة كريهة راحت تستبد بها حينها .. تريد أن يحلَّ الموضوع بهدوء .. دون أن يتعرض أيٌّ منهما للأذى ..
فرغم كل شيء .. هو اخوها .. و تعلم أن في افشاء مثل هذا الخبر دق لناقوس النهاية بالنسبة اليه ..
لن يكفيهم أن يشبروا من دمه ..
.
.
- أنا بخبر حور ..!!
قالتها بصوت مرتعش و هي تضم جسدها بردا .. و دمعة أصبحت لا تفارق وجهها ..لتتصلب أوصال فاطمة بذعر و عيناها تتسعان .. فيما يتهدج صوت عفرا ..
- لازم أخبرها .. هي بتفهم السالفة و بتساعدنا ..
هزت فاطمة رأسها رفضا و هي تقول بشحوب ..
- لا .. لا تخبرينها ..
أصبحت عفرا تبكي بضعفٍ الآن و هي تجيب ..
- أبا حد يعرف من هليه .. ع الأقل يدرون بالمشكلة .. انتي تتحرينهم صدّقوا سالفة الكلب ..؟!! ما شفتي حور و لا خواتيه كيف يطالعنيه .. يدرووون .. يدرون انيه أكذب ..
بدت على شفير الانهيار ..
- أكيد يدرون باللي استواا .. أبا أخبر حور .. انا ما يخصنيه .. كل شي صار غصبن عنيه..
شعرت فاطمة بانها على وشك الانفجار بالبكاء .. ما الذي ستفعله حور في حالة علمها بالأمر ..؟!
تقطع علاقتها بهم .. تتهجم على اخاها ..؟!
تخبر زوجها و أهلها بالأمر ..
إلى أي حد يمكن للأمور أن تسوء يا ترى .. !
أوليس بالإمكان حل هذه المعضلة بهدوء ..؟!
شعرت بأنها دنيئة .. و قذرة ..
بأنها تشارك أخاها فعلته و هي تقول بصوت مهتز ..
- لا .. لا تخبرينها .. دخيلج عفاري .. عطينيه وقت بحل الموضوع .. بقنع سالم يصلح غلطته ..
ضمّت عفرا حاجب الصلاة و السجادة لصدرها ..
- كيف ..!!! كيف بيصلحهاا .. آآآآه يا رب ارحمنيه ..
أمسكت فاطمة يدها ترجوها ..
- صدقينيه بتتعقد السالفة لو حد درابها غيرنا .. هب لازم الكل يعرف انج ... انه .. يعني صار لي صار .. عفرا .. بس وقت دخيلج ..
دفنت عفرا وجهها في السجادة ببؤس .. ما لا تعلمه فاطمة انها لن تجرؤ على البوح بما حدث لحور ..
لا تدري لما ..!
لكنها لا تستطيع .. تشعر بأن شيئا ما انكسر بداخلها .. لا تريد لأختها أن تنكسر أيضا ..
على يقينٍ بانها ترتكب خطأً بالكتمان .. و لكن أنى لها أن تجد في نفسها قوة لتسر لأحد بما حدث ..
الأمر يفوقها كثيرا .. يقتلها ببطء ..
تشعر باللهيب يسري في داخلها مجددا ..
قبل أن ينخمد كل ما في داخلها ..
أحيانا نجد اليأس ينخر أرواحنا ،،
يتآكل الامل فيها .. و يصدأ التفاؤل ..
كل لونٍ يفقد بريقه ..
ليحيل القنوط أيامنا إلى لوحة كريهة مجردة ..
خاوية ..
لا خطوط فيها .. و لا ألوان ..
لا وجوه تحتويها ..
حتى نقاء الخلفية لا انعكاس له ..
سواد يكسوها .. يغشى أبصارنا ..
لنقاد بعمى .. عبيدا لذاك الاحساس المنهزم ..
نقدم على كل ما قد يخالف ذواتنا ..
فنقتلع جذور الحياة بقبضاتنا المقهورة من ذواتنا ..
لنترك هياكلنا مهجورة ..
خاوية ..
عرضة لتهشم بائس ..
تنتظره بفروغ أمل ..
لا شيء قد يزهق الإحساس.. يقتل ببطء كاليأس ..
شيء يجثم على أنفاس الأيام ..
لينشب أظافر الاستسلام فيها ..
فيمتص كل ما تحويه ..
أحلامنا .. آمالنا .. حتى قوانا القديمة ..
كل شيء يصبح أدراج النسيان ..
اليأس ليس سوى مدية تمعن في تقطيع أوصال الأمل ..
أمل .. أمل .. أمل ..
أين هو منها الآن .. تعلم أنها تساق على وجهها الآن خلف ما تحمله الأقدار لها ..
الكثير .. الكثير من الوجع يعتصر قلبها الآن ..
و هي تعلم بأنه لا يدري عن فظاعة ما تشعر به سوى ربّها ..
لذلك رفعت رأسها للسماء الملبدة بالغيوم الرمادية ..
و قطرة تريقها المقلة .. حمّلتها كل ما تقوى على ذرفه و هي تهمس بتوسل بدا كناقوس النهاية ..
- ارحمنيه يا رب .. ارحمنيه ..
و كأنما يُرَدُّ على مشاكاتها .. ارتدت أصداء الإقامة تملأ السمّاء ..
تحثها على التلبية ..
على أن تجثو .. تتوسل ..
أن ترجو ..
ربا ستكون له في السجود أقرب ،،
إلها أدفأ قلبها الأذان بذكره ..
( الله اكبر الله اكبر، اشهد ان لا اله الا الله، اشهد ان محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح. قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله )
.
.
لا زال هناك قبس يضيء فتات ما تبقى من روحها ..
هناك ربٌّ ينظر إليها .. و لما بين يديها ..
ليس عليها سوى التوجه إليه بالدعاء ..
إنه لا يخيب رجاء عبدٍ أبدا ..


* * * * *



يجلسن على عتبة الباب .. يشاركهن نايف الجلوس بعد أن استدعته بنفسها .. عيناها لا تنظر إليهم .. و الفضول حفر على وجوههم جميعا فيما عدا المها التي راحت تراقب شرود أختها الكبرى بهدوء .. و هي تتأمل الحوش المبتل بعد توقف المطر ..
راحت نسائم رطبة تدخل الصالة عبر الباب المفتوح .. لتتغلغل بينهم .. انتفضت حور و هي تضم نفسها أكثر ..
مزنة تتثاءب بملل ..
- حور .. بسرعاااه .. نوداااانة ..
نظرت حور لها و هي تبتلع ريقها بعصبية ..
- لحظة .. ليش مستعيلة ..؟ الساعة عدها تسع و نص ..
رفعت دانة حاجبها و هي تقول بحذر ..
- حور .. البنات يرقدن تسع ..
نظرت لها حور بعدم فهم .. قبل أن تقول بصوت خافت ..
- هيه صح .. أمايا عذيجة وينها ..؟
ردت نورة بسرعة ..
- فحجرة أمايا يالسات اهناك .. حور يا الله عاد .. شوه مستوي .. ليش يمعتينا .. ليكون حصلتي الكنز ..؟ و الا ظهر لبوية ورث مادري من وين ..
رفعت حور حاجبها ..
- لا تستهبلين .. الموضوع جدي ..
سحبت نفسا عميقا حين قال نايف بضجر ..
- انزين ارمسي .. حتى انا نودان ..
نفخت بقوة .. قبل أن تنظر لهم واحدا تلو الىخر و هي تقول ببطء ..
- اسمعونيه زين .. الرمسة لي بقولها لازم اتعرفونها .. و تفهمونها .. مابا حد منكم يقاطعنيه .. لي عنده شي يبا يقوله يرقبنيه الين أخلص رمستيه .. خلاف يخبرنا باللي عنده .. واللـ ..
قال نايف باهتمام ..
- و لي يبا يقول شي مهم و ما يروم يصبر ..؟
نظرت له حور بغل ..
- شوه عايلنك .. بييك الدور و بتهذر لين اتطيح ظروسك ..
- انزين كلتيناا ..
- المهم .. نحن هنيه في البيت اروحنا .. محد عدنا ..
قالت مزنة بسرعة ..
- عدنا غيث ..
تأففت حور ..
- انا شوه قلت ..
مطت مزنة شفتها ..
- آسفة ..
- لا حول و لا قوة الا بالله .. أقول يالسين بروحنا .. عقب عين ابوية .. البيت فاضي .. مابه ريّال .. و لا تقولون غيث .. غيث عنده أهل و يبا يعيش وياهم ..
- شفت بيتج حور ..
تدلى فكها و قد نست تحذيره كي لا يقاطعها .. نظرت له ببلاهة ..
- هاا ..؟ قال نايف بصوت من يعرف شيئا لا تعرفه ..
- شفت بيتج يبنونه الحين فبيت أبويه سيف .. في الحوش .. صغير بس حلوو .. عدهم ما خلصوووه ..
اتسعت عينا دانة و هي تستفهم ..
- حور بتعيشين اهناك ..؟ امنوه بيتم ويانا ..؟!
هزت حور رأسها بصبر حين شعرت بذهنها يتشتت ..
- آحم .. اسمعوا .. هب أنا اروحيه بعيش اهناك .. نحن كلنا يوم تربي امايا بنشل قشارنا و بننتقل البيت العود ..
.
.
.
بعد تلك الكلمتين ..
جثم الصمت على أنفاسهم .. أعينٌ تتسع .. و أخرى يكسوها الجهل ..راح طنين السكون يصمّ أذني حور ..
فعلتها ..
قالتها ببساطة .. و ها هي قد ألجمت كلماتهم ..
لم يعد في جعبة أحدهم ما قد يرد به ..
راحت عيناها تمسح وجوههم .. واحدا تلو الآخر ..
المها أكثر من هادئة .. هل قرأت ما تلفظت به حور للتو ..؟ أم أنها تلتزم الصمت الذي تعايشه دوما ..
نورة و دانة بدتا مشدوهتين و هن ينتظر من حور أن تنفجر ضاحكة لتخبرهن أن الأمر مجرد مزحة ..
نايف مسترخي بشكلٍ غريب .. أ كان يعلم بالأمر ..؟!
هند هادئة كعادتها .. و عفرا ترتعش شفتيها بقوة .. بدت على شفير البكاء .. حين سألت مزنة بعينين متسعتين ..
- البيت العود ..؟! أي بيت ..؟
بلعت حور ريقها بحذر و هي تفكر بأنها اختارت اللفظة التي يستخدمها هو .. - البيت العود - ..!
- بيت يدنا .. أبو أبوية ..
اتسعت دانة و هي تهمس بانبهار ..
- لي سرناه يوم بغت يدتيه تشوفج ..؟
أومأت حور برأسها موافقة .. عادوا للصمت ..
كان هذا غريبا للغاية .. توقعت أي ردة فعل أخرى إلا سكونهم المريب هذا .. فرحة بالمقر الجديد .. اعتراض .. أسئلة ..
لكن هذا الهدوء بدا غير طبيعيا .. حت و نايف يقول بثقة ..
- أنا كنت أدري .. يوم راوانيه غيث البيت قلتله نبا حور اتم عدنا .. قال انه بييبنا كلنا هنيه يوم تربي أميه ..!
ابتلعت حور احساسها بالضيق .. و هي تشعر الىن بخطر علاقة نايف بغيث .. قد يبوح له أحيانا بما تود هي اخفاءه ..
و كانما أرضاها هذا السكون و خشيت انفعالا آخر لا يمكنها مجابهته .. امرت الصغار بحزم ..
- خلاص .. هذا لي بغيت أقوله .. احين الساعة تسع و نص .. مزنة و هنوده سيرن ارقدن فحجرة أمايا .. و لا تأذن أمي عذيجة .. نايف ماشي دوام باكر ..؟ يا الله حبيبي .. عسب تنش ع السحور .. هب تسوي شرات البارحة ... انا وديت سحور غيث الميلس ..!
قالت هند بهدوء ..
- بيتنا هذا شوه بيستويبه ..؟
نظرت لها حور بهدوء ..
- ماشي .. بيتم على حاله .. بس بنبنده ..
- متى بنسير ..؟
- قلت يوم تربي أميه .. بيستوي خير .. الحين سيرن ارقدن ..
نهضن هند و مزنة .. و الأخيرة بدأت تثرثر بحماس عن البيت الكبير الذي لم تره بعد و الذي سيسكنونه ..
نظرت حور مجددا لإخوتها .. قبل ان تسقط عينها على عفرا .. التي راحت يدها تعتصر الشيلة بهدوء .. و دمع صافي يبلل اهدابها المطرقة ..
شيء كالشوك انغرس في روح حور حين رأت احداها تنزلق على جانب وجهها بصمت .. لتمد يدها و تلتقط كف أختها .. و تعتصرها ..
- بلاج عفاري ..؟ زعلانه لنّا بنودر البيت ..
هزت رأسها رفضا و هي تعض شفتيها .. و وجهها يحتقن بألم .. لتسألها نورة برفق اعتادوا استخدامه معها هذه الأيام ..
- شي يعورج ..؟
همس مرتجف تقاطرت معه أوجاعها رذاذا يبلل خديّها ..
- لااا ..
وضعت حور يدها على وجنتها تمسحها مهدئة ..
- بلاج حبيبتي .. خبرينيه .. تبينا انتم هنيه ..
لا تريد ..
تريد الابتعاد .. الهرب عن هذا المكان .. ما يقتلها هو أنها مؤمنة بأن فاطمة عاجزة كما هي .. فقط تماطل اليأس ..
و تستدرج فنة من الرماد تتوهم أنها تفاؤل بان الأمور حتما ستكون بخير ..!
تهدجت أحرف و هي تتلفظ بها .. تشعر بالكلمات مؤلمة حين تتفوه بها .. مثقلة .. تخنقها قبل الخروج ..
- لااا .. ماحب هالمكان ..
تدلى فك دانة بذهول و نورة تضع أصابعها على شفتها .. فيما تضم حور أختها بعمق .. المها تهب من مكانها واقفة على هذا المشهد .. لا تفهم ما يدور كل ما تعرفه هو أن عفرا في نوبة من تلك الأحزان المبهمة .. التي تحيلها حطاما أجوف .. لا بريق للحياة في مقلتيها ..
شيء يثير ذعرها ..!
ما الذي دهاها ..؟ أ حور تلفق عذرا لاخفاء مصاب عنهم ..
شيء استغفلهم ليخطف روح عفرا القوية .. المنطلقة .. فيخلف وراءه كومة من احساسٍ هش ..
و الآن ماذا ..؟! ألا تبدو الأمور متخبطة للجميع كما تراها هي ..؟
أم أن الصمت الذي يتقمصها يجعلها تجلس في الخلف يهدوء .. عينيها تلتقطان ذاك الفتات الذي يتبعثر يمنة و يسرة ..
صغائر الأمور التي لا يراها أحد في غمرة اندفاعهم ..
اقتربت من الجدار البعيد للحوش لتلامسه براحتها .. باردا ..
كان المطر قد غسله ليبدو لونه مختلفا ..
تكاد أن تسمعها .. صوت أنينها يناشدها أن تبقى ..
يسألها أن لا تُهجر .. لأنهم إن تركوها هنا .. ستهمل و ستنسى ..
تلصق جبينها بجدار الطين الرطب ،،
بللته دموع السماء ..
يهجة ، أو وجعا .. لا يهم ..
تستنشقها بلهفة ،،
رائحة الحنين تعبق في أنفها ..
تتغلغل في روحها ..
.
.
رباه ..!
لا أريد أن تبكيني هذه الجدران يوما إن رحلت ..!

* * * * *

في اليوم التالي ،،،
.
.
.
يمشيان معا متوجهين لمقهى الجامعة ،، و أحمد يربت على المعطف البني الذي يرتديه هزّاع ..
- فنان هالكوت و الله ،، حتى لونه عجيب .. أحب البني ..
تظاهر هزّاع بانه مستعد لخلعه ..
- ياك و الله ..
تظاهر أحمد هو الآخر بالرفض المؤدب ..
- لا .. لا .. حلفت .. حلفت ...
- هههههههههههههههه .. لي يسمعك بيقول صدق مسكين .. ما يعرف انك نذل ما ترد شي ..
- ما يرد الكريم الا اللئيم .. و يوم انك هب قد العطية لا تعطي .. يا خي تركي وينه ..؟ ما داوم يوم الخميس و لا شفته أمس في ميلس فلاح ..؟!
- يوم الاربعاء في الليل سافر الرياض يقول عرس ولد عمه و بيحضر .. و امس السبت رد .. مداوم اليوم يرقبنا في الكوفي ..
- و العثرة .. راد من السعودية عيل .. الله يعيناا عليه اليوم ..! تعالي الكوفي ليش ..؟ يعذبنا بالخيالات و نحن صايمين ..!!
قالها و هم يدنون من المقهى قبل ان يستوقفهما مجموعة من الشباب ليسلموا عليهم بسرعة و يتبادلوا بعض الأحاديث الخفيفة الممزوجة بشيء من المزح المحبب ..
- بو سلطان قالوا السلعاوي بيسابق بدالك فقطر ..؟
ضحك هزّاع لمن قال هذه العبارة و هو يجيب بغرور ..
- و منوه لي قال ..؟ عيوز فريقكم .. ؟ أنا بسابق فقطر خذها منيه و غير هذا رمسة حريم ..
و لوح بيده و هو يبتعد مع أحمد الذي قال بابتسامة ..
- يا خوفيه تغدي رمستك رمسة حريم لو ما طاع سيف ..
ضحك هزاع و هو يدفع باب المقهى ليدلف ..
- لا الحين فيها قبايل .. لو ما طاع سيف بشرد ..
فتحا الباب على اتساعه .. بعض الانظار الفضولية تتوجه للداخلين و هزاع و احمد يجيلان بصرهما في المكان .. قبل ان يشير هزاع للشاب الطويل .. حنطي البشرة .. الذي راح يفتل شاربه المرتب بشرود و هو يقول بانتصار ..
- قلتلك مداوم اليوم ..
توجها نحوه .. قبل أن يبلغا الطاولة و يصفقها أحمد بيده في قوة لتصدر صوتا مزعجا فيقفز الشاب بارتياع و هو يضع يده على عقاله و يصيح بعد أن أعاد يده للوراء بطريقة توحي بانه على استعداد لضرب أحدهم ..!
- أخووو صااالح ..!!
ثم وقع نظره على هزاع و أحمد الذان انفجرا بالضحك .. قبل أن يعدل من عقاله بغل و هو يقول لأحمد ..
- داري انه ماحد راعي ذالحركات الا انت يا الدلخ ..
تقدم احمد يسترضيه و قد رأى ان تركي في فزعته قد جذب انظار من في المكان دون أن يتوقف عن موجة الضحك ..
- ههههههههههههههههههههههه .. و انته دومك سرحان ..
و اقترب منه أحمد يبغي السلام و تركي يشيح بوجهه بحقد ..
- ضف وجهك .. منت بوجه سلام ..
أمسك احمد رأسه بقوة ليقبله على رأسه ..
- لا و الله ما يستوي .. لازم سلام يا بو مسفر .. ياي من السفر ..
- زين انك داري اني جاي من السفر .. و عقلي وراي .. جاي تفجعني .. جعلك الماحي .. و انت يا هزيع .. وش عندك فاتح فمك و تضحك كذا .. كنك عنزة شايفة تيس مجبي ..
ضحك أحمد و هزاع يلكم تركي بقوة قبل أن يسلم عليه ..
- عنزة حرمتك ..
اجاب تركي بنبرة متحسرة ..
- عنزة و الا نعجة .. وينهي ..؟
- شوه عايلنك .. لاحق ع الهم ..
- و الله ما الهم الا في ذالوجيه القشرا لي أشوفها كل يوم في الجامعة .. لوني متزوج ذيك المزيونة اللي اتصبح بوجهها السمح .. ماهيب ذالوجيه عافانا الله كن حد معقد عليها ..
ضحك أحمد و هو يقول ..
- لااا .. هاي حالتك يوم ترد من السعودية .. كاره حياتك .. و تسب خلق الله ..
ثم أضاف و عينه تقع على أحدهم ..
- أقول بو سلطان .. عليك بالريال .. سنّعه .. و عدل المود .. انا بسير أشوف واحد وراد ..
و هب واقفا و صوت تركي الخشن يلحقه بضيق ..
- زين المود .. جعل بطنك الدود ..
ثم التفت لهزّاع و هي يزفر ..
- ياخي ينعن أبوها حاله ..
قال هزاع بصرامة ..
- استغفر ربك يا صبي .. ما ايوز اللعن ..و بعدين انته صايم !!
مسح تركي على وجهه بصبر و هو يقول بصوتٍ بائس ..
- أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم .. شسوي .. انا كلما رحت هناك .. أحس بالموت اذاني مفارق ..
ابتسم له هزاع بقوة مواسيا ..
- اصبر ياخوك .. ما بقى الا سنة و نص .. و بتشل الشهادة و ترد لهلك ..
هز تركي رأسه ..
- و أنا وش اللي يصبرني سنة و نص .. أقول يا هزاع .. خذها درس حياة مني و أنا خوك .. اللقافة شينة .. لعاد تزيغ عينك شمال و يمين و ديارك تسدك ..
ضحك هزاع ..
- الله لا يحدنيه ع الشين ..! ان ربك راد ان شا الله انيه هب مفارق لبلاد الا لحاية شديدة .. و الا الدار مالنا غنى عنها ..
- هيييييييه .. هذا الكلام اللي يجيب العلّة .. كنك تحرني يا هزيع .. اقول انا شفت لك السلعاوي و قال انه بيسابق بدالك .. هو صادق ..؟
- لااا خراط ما عليك منه .. ما قلتليه .. بتسير ويانا قطر ثاني يوم في العيد ..
- اسمعوا ذا وش يقول .. أقول انقلع انا شبعان من ذالوجيه الشينة .. ابا أروح .. و اكحل عيني بشوفة هلي .. و الا تريدني أروح معاك و أوقف مع الجمهور .. و انت تهجول .. ما غير أرفع اصبعين و أصيحلك .. حبتين ..
- عيل شوه ..؟ بلاك متنح اليوم ؟؟!
فجأة أرجع تركي رأسه للخلف و هو يضج بالضحك من الكلمة تلك ..
- متنح ..؟!!! أجل جاي هنا غصب .. و مخلي أهلي و ديرتي وراي .. و ما تبيني أتنح .. انا زين مني ماسك عقلي .. ما تدري اني كل ما روحت من هناك .. خليت شي مني وراي .. تكفا و أنا خوك .. الغريب ميت ..
- مالك الا الصبر يا خوي .. الرياييل ما يعيزها صبر .. و بعدين حتيت شنبك و انته تبرمه .. خل الشعرتين الباقيات مكانهن ..
ابتسم تركي بسماحة ..
- هزاع يا خوي .. اسمحلنا .. تعرفني اذا جيت من هناك .. كيف الدود يكون ..
- هههههههه المود .. بالحل .. و لا ترضى على أحمد .. خشعه اشوي قبل ..
- ابشر بسعدك .. استغفر الله .. بطل صيامنا و نحن نسب ..
- بطل صيامك و انته تسب .. أنا و لله الحمد ما سبيت ..
- استمعت للاثم و بتشاركني الذنب ..
- استغفر الله .. اني صائم ..
- أقول من هذا اللي جاي مع احمد ..؟!
التفت هزاع للخلف ليدقق النظر في الشاب الذي قدم مع احمد ..
ذاك الوجه المألوف لم يستغرق منه الكثير ليبحث عنه في الذاكرة .. لذلك قال بسرعة ..
- هذا يطولي بعمرك واحد من عربنا .. تروم تقول نسيبنا .. عمي حمد الله يرحمه مناسبهم ..
- وش اسمه ..؟
همس هزاع مع اقترابهم ..
- عبيد بن سلطان ..
اجتاحهم صوت الاثنين يسلمان ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
هب تركي و هزاع معا يردان السلام و الأخير يقول بحبور ..
- ارررحب ..
سلّم عليه بشيء من الاحترام و أحمد يغمز لهزّاع بشيء لم يفهمه ..!
ما الذي دفعه لاحضار عبيد اليهم ..؟!

* * * * *

- خير ..؟
قالتها ببرود شديد .. و ملامحها تلتوي باشمئزاز .. فيما تحركت الاخرى بتوتر في مكانها ..
- الخير بويهج .. بعدج زعلانه ..؟!
لم تتغير النبرة الجليدية ..
- من شوه ..؟!
حركت حمدة يدها في الهواء ..
- من لي استوا في الشاليه ..!
تغضن أنف شيخة قرفا و هن يقفن في ذاك المنعزل بعد أن طلبت منها حمد الحديث على انفراد لتقول بقوة..
- و لج عين ترمسين يا الوصخة .. اسمعي .. انا يوم خاويتج .. مادريت انج راعية هالحركات .. لكن خياسج بين .. و ظهر ..
ثم عدّلت من وضع حقيبتها و هي تقول بصرامة ..
- اسمعي .. انتي فطريق .. و أنا فطريق .. ما يشرفنيه أعرف وحدة شراتج ..
انتصبت قامة حمدة العريضة في تلك الوقفة الرجولية المتعمدة و هي تقول بغلظة ..
- ايييييييييييييييه انتيي .. ع شوه رافعة خشمج .. تراج الا شراتيه .. لا تيلسين توسين ليه فيها شريف مكة ..
صرت شيخة أسنانها بتقزز ..
- تخسين .. يا اللوث ..
رفعت حمدة حاجباه بخشونه ..
- اشوف ظهر لج لسان ..
- هيه .. شوه بتسوين ..
- ما بسوي شي حبي .. بس بقرصج قرصة صغيرة توعيج .. شرات ما وعت راية ..
رفعت شيخة حاجبها و هي تحرك رأسها جانبا باتسامة مستهزئة ..
- لا و الله ..!! تهددينيه .. خوفتينيه تصدقين عاد ..
ثم استقامت ملامحها في نظرة شرسة ..
- اييييييييييه .. ياماما .. انا شيخة بنت علي بن سيف .. لو تلمسين شعره من شعريه .. أيرج من كشتج هاي في مراكز الشرطة .. و لو هلج هب شوية انا هليه فوق لولي و التالي .. لو شي واحد ايي قداي قسم بالله ما تشوفين خير يا حمدوه .. لا انتي و لا لي يابوج يا الخايسة .. خوزي ..
و دفعتها بخشونة جانبا لتتركها خلفها تنفخ قهرا ..
كانت شيخة تسرع بالابتعاد مديرة لحمدة ظهرها ..
.
.
لم ترى لمعان الحقد العميق في عينيها و هي تهس بجنون ..
- بنشوف يا بنت علي بن سيف .. ان ما ربيتج .. ماكون حمدان ..!

* * * * *

تقطع الردهة الأمامية باستعجال و هي تحاول جاهدة لف الغطاء حول رأسها ،،
تأخرت عليهن .. كان قد اتفقت معهن أن تكون هناك في الثانية ظهرا .. و لكن الوقت المبكر كان مشكلة بالنسبة لأمها التي وجدت احراجا في ذهاب ابنتها الى هناك بسرعة ..
لكنها لم تبالي .. علاقتها بهن أصبحت أكثر متانة من ان تجد مانعا في القدوم في أي وقت ..
مدت يدها لتفتح الباب الأمامي بسرعة متقدمة خطوة للأمام .. قبل أن تشهق بقوة حين تراجع ذاك الرجل بسرعة للخلف تفاديا للاصطدام .. قبل أن يخفض عينيه أرضا ..
خفق قلبها بقوة لمرآه هنا .. و راح الدم يهدر في أذنيها بجنون ..
ها هو أمامها .. لا يفصلها عنه سوى خطوات ..
لم تره منذ مدة طويلة بدت لها كالدهر .. أخفضت بصرها بخجل .. و راح قلبها يتراقص بجنون ..
حين قال بصوته العميق ..
- السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
حرارة لفحت وجنتيها .. و هي تعض شفتها .. و تستعيد اندفاعها قبل قليل ..!
- و عليكم السلام و الرحمه ،، مرحبا الساع ..
زحفت ابتسامة صغير على شفتيه .. و شيء بقوة الاحساس يتلوى بين أضلعه ..!
- المرحب لاهان شحالج روضه ...
- بخير وسهاله يسرك الحال ...شحالك ربك بخير..
-بخير ربي يعافيج ...
ظلت واقفة عند الباب .. فيما ينتظر هو منها أن تتحرك .. حين رأى أنها لا تنوي ذلك سأل بابتسامة بسيطة ..
- شوه ظاهره ؟؟؟
بدت غارقة و هي تقول ..
- هااا ..؟
- آحم سايرة مكان ..؟!
احمر وجهها فورا و هي تدرك موقفها الغبي قبل أنتتنحى حانبا بارتباك ..
- هيه والله بسير بيت عمي حمد ،،
رفع حاجبيه بدهشه و عينه لا تفارق الأرض ..
- بيت عميه حمد ..؟!
- هيه .. عازمينيه ع الفطور .. آآ .. اقرب سيف .. حياك ..
شعور دافء راح يتدفق عبر الوريد .. و هو يسألها ..
- عمتيه داخل ..؟
- هيه ..
هز رأسه بهدوء ..
- خلاص عيل ما باخرج ..
تحركت بهدوء تاركة اياه واقفة في مكانه ..
قبل أن يرفع عينه متأملا المكان الذي بارحته منذ لحظات ..
.
.
لم يدري لما شعر بفرحة صافية تخالجه ..
و هو يستشف من حديثها علاقة ما تربطها ببيت عمه ..

* * * * *

انطلق أزيز جهاز الاتصال الداخلي يخترق المكان .. ليتدفق بعده صوت بطي يقول له باحترام ..
- مايد سلطان موجود طال عمرك .. أخليه يتفضل ..
توقف غيث عن الكتابة السريعة .. ليضغط على الزر و يجيبه بتجهم ..
- هيه ..
ثم يعود للكتابة التي بين يديه ..
ثانيتين قبل ان يسمع صوت انفتاح الباب .. ثم تقدم الخطوات الى مكتبه .. لم يرفع عينه و لم يقف لاستقبال القادم .. انتظره حتى دنا من مكتبه ليأتيه صوت مايد يسلّم باحترام ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
واصل غيث الكتابة دون اكتراث و هو يرد ..
- و عليكم السلام ..
ثم صمت ليغرق قليلا في أوراقه .. متعمدا جعل مايد ينتظر قبل أن يرفع رأسه و يرمي القلم على سطح المكتب .. لتراجع في كرسيه الوثير و عيناه تتأملان مايد .. ببطء ..
صعودا و نزولا .. بدا التوتر على وجه مايد من هذا الاستقبال الجاف و هو يسأل باضطراب ..
- طلبتنيه ..؟
حك غيث لحيته و هو يومئ ببطء قبل أن ينحن للأمام مستندا على المكتب و هو يقول ..
- هيه ..
- خير ان شا الله ..
تصلبت ملامح غيث بجمود .. و هو يقول بصوتٍ جليدي ..
- الخير بويهك.. أبا أنبهك المرة الياية يوم بتحدر البيوت تنبه أهلها ..
بدا على مايد أنه لم يفهم شيئا و غيث يقول بجفاء ..
- بيت حمد بن سيف أنا راعيه الحين .. و أنا ريال البيت .. المرة الياية يوم بتحدر بيتيه تترخص منيه .. انته و الا خوك .. و الا تشوف انها حلوة تحدرون بيتيه و أنا ما أدري ..
اسودت ملامح مايد بشكل مبهم و هو يقول بصدمة ..
- تبانيه أترخصك منك يوم بحدر بيت خالتيه ..
أومأ غيث بهدوء ..
- و يوم بتيلس مع حرمتيه ..
اتسعت عيناه بصدمة أكبر ..
- حور ..؟!
شفته العليا ترتفع بابتسامة ساخرة ..
- كم عنديه حرمة ..؟
- أترخص منك يوم بسلم على ختيه ..؟!
- اختك ع قولتك .. بنت عميه و حرمتيه .. انا أقربلها منك .. و انت أخو رضاعة بس .. الرمسة لي أبا أقولها قظيتها .. توكل على الله شوف شغلك ..
بدا وجه مايد محتقنا ..
على وشك الانفجار .. و غيث يلتقط قلمه مجددا متجاهلا وقوفه عند رأسه ..
شعر بانه على وشك القفز عليه ليحطم وجه المتعجرف هذا ..
.
.
لكن كلماته ألجمت ..
و يديه مقيدتين بحاجة ..!

* * * * *

رفعت روضة يدها في الهواء بشيء من اليأس و العجينة اللزجة تتساقط من بين أصابعها و هي تتذمر بصوتها الرقيق ..
- ما طاعت تستوي ليه .. طاعي كيف تتقطع ..!
نظرت لها نورة الأقرب و هي تكتم ضحكة ..
- انزين انتي ما حركتيها بالقوو ..
أجابت روضة ببؤس ..
- و الله أحس أصابعي اتكسرن .. حراااام .. علمونيه غير الدونات ..
ثم تلفتت حولها في المطبخ الضيق .. حين قسمن الفتيات المهام عليهن و رحن يغرقن في العمل وسط الأحاديث الصاخبة .. نظرت لهند و دانة اللتان وقفن عند الطاولة القريبة لتقول بحماس ..
- خلن دانة تسوي الدوانات .. حتى اسمها قريب منها .. و أنا بلف الفطاير ويا هند ..
نظرت لحور بتوسل .. قبل أن تقول الاخيرة بحزم ..
- لااا .. انتي لي قلت انج تبين تتعلمين الطبخ .. اللف هب طبخ .. تعلمي تعينين قبل .. خلاف لفي و اقلي و الا سوي لي تبينه ..
ارتخت كتفي روضة .. لم تكن تعلم أن المهمة بهذه الصعوبة ..
- انزين صعب .. و الله صعب ..
ثم نظرت لعفرا التي راحت تقلب الشوربة بهدوء ..
- انا بطالع القدور .. و عفرا تسويها ..
رفضت حور ..
- لأ .. الدونات عليج .. انتي تكفلتي بها ..
قالت بانهزامية ..
- خلاص بسير بييب من ستار بكس الحين ..
قالت دانة بانتصار ..
- نحن ما نتعامل ويا اليهود ..
- و العثرة .. يوم انهم دروبج تتعاملين وياهم و الا لا .. شوه بتسوي هالخمس ربيه ..!
قالت نورة بسرعة ..
- بيحطونها على خمس غيرها .. و خمس .. و خمس .. الين تغدي مليون .. و بييبون كلاشنات يذبحون بها المسلمين .. و خمستج وحدة من طلقاتاا ..
- انزين شوه اسويبكن .. انتن هب طايعات . أنا فحياتيه ما قد سلقت بيضة .. تبنيه فجأة أسوي دونات ..!!
قالت حور بهدوء ..
- و الله قلت بساعدج .. و كبرتي راسج و ما طعتي .. دبري عمرج أشوف ..
- خلاص توبة .. تعالي علمينيه .. هنبوه ثركن مذلة يا بنات حمد .. ما ترحمن ..
ضحكت دانة ..
- الحين الدونات مذلة .. عيل مزنوه بشكارتنا تعرف تعين و تسوي خبز رقاق اروحها و ما تخلي التاوه تحرق ايدها .. أفااا .. افااا يا بنت علي ..!! مزنوه .. المقلوعة الفتانة .. قليلة الخير أخير عنج ..
نظرت لها حور بغضب ..
- يعلج تفدينها .. لا تسبين و انتي صايمة ..
- استغفر الله ..
نظرت حور لروضة بصرامة ..
- رويض لا تحاولين .. بتسوينها الدونات .. بتسوينها .. انتي و ويهج عاد .. تراهن أميه عذيجة و أميه وديمة بيفطرن ويانا ..
عادت تنظر روضة للعجينة التي بدت تنتظرها ببؤس ..
- أنا منوه لي نقد عليّه و قاليه أتعلم الطبخ ..؟!!
سألت نورة حور ..
- حور ريلج بيفطر هنيه ..
عقدت حور جبينها تركز في ما بين يديها و احمرار طفيف يزحف على خديها ..
- لا .. شوه هالسؤال الغبي .. دومه يفطر فبيت هله ..
- قلت بعد لو كان بيفطر هنيه .. بنسوي له كروسان محشو بفلفل أخضر .. يفحمه ..
رفعت حور حاجبها و هي تقول بغل ..
- ليش ان شا الله ..؟
- مادريتي شوه سوى البارحة ..
عقدت حور جبينها باستفهام و بدأ الجميع ينصت .. و نورة تقول بحقد ..
- يوم سرت بوقف راعي الغاز .. لقيته بعيد و شوي و بيظهر من الفريق .. و صفرت له ..
شهقت حور و عفرا معا و دانة تقول بذهول ..
- عنلاتج يا السبالة ..!
قالت نورة باحراج ..
- كنت مندسة ورا الباب محد شافنيه ..!
صرت حور أسنانها بضيق ..
- حتى و لو .. ليش تصفرين ..؟!
- آحم .. زين خلاص .. لا تسوين لنا فيها .. تراه ريلج ما قصر .. مادريت انه في الميلس .. و أنا متغشية أرقب الهندي .. الا هو ظاهر يبا يشوف منوه لي يصفر .. روعنيه حور ..!!!! كذيه ظهر فجأة و أنا أتحرى الميلس فاضي ...
عقدت عفرا جبينها و هي تسأل بهدوء ..
- و شوه سويتي ..
احمر وجه نورة و هي تتشاغل بالسلطة بين يديها ..
- ربعت أونيه بشرد .. يوم قربت من الباب اتخرطفت ..! و طحت في المطر .. و ضحك عليه الهرم ..
انفجرن بالضحك .. و ضج المكان بأصواتهن .. و روضة تقول ..
- هههههههههههههههه .. خيييييبة .. كل هاي روعة .. مسويلكن رعب في البيت .. ههههههههههه .. خسارة طافنيه ..
نظرت لها نورة لحقد ..
- طافج ..! أسميج ما تبعدين من خوج .. تم مبطل ثمه و يضحك .. كانه اول مرة يشوف وحدة تتخرطف و تطيح قدامة ..
و قالت تواسي نفسها ..
- كل العرب تطيح ..! بس أخوج نذل .. تم يضحك .. حتى سلمتي ما قال ..!!
.
.
.
كن قد انتهين من صلاة المغرب و وضعن الفطور بعد اللانتهاء من الشوربة .. ليجتمع الجميع حولها و عذيجة تقول بابتسامة ..
- وديمة توها متصلتنبيه .. محترة ليش نحن نفطر ارباعة و هي تفطر اروحها ..
سألتها حوربفضول ..
- عمي سلطان و الشباب وين ..؟
- معزومين ..
ضحكت نورة و هي تفتح وعاء الطعام الذي أمامها ..
- عوينها .. ان وحدو ماروم آكل اروحيه .. لو أموت من اليوع .. تنسد نفسيه ..
نظرت لها دانة شزرا ..
- انتي ..!! حرام عليج .. و الله ينج ما تخلين أخضر و لا يابس اذا انتي يوعانة و ما عليج من حد ..
- شدراج انتي ..
- دوم لاصقة فيج ..
- عسب كذيه ما تنسد نفسيه .. ما عطيتينيه فرصة أعبر عن شعوريه .. و آكل اروحيه ..
- من الخوف عليج .. أخاف تخمين الصحن .. يقولون الحديد الزجاج ضار بالمعدة ..
نهرتهن حور ..
- بس يا بنات ..!!
قبل أن تقول مزنة ..
- حور صبيليه عصير ..
صبت لها حور قبل أن تناولها الكأس و نورة تنظر لها بخبث ..
- يقولون لي يشرب العصير و الا الماي ويا العيشة تنتفخ كرشته الين تنفجر ..
اتعست عينا مزنة بشك .. و حور تنظر لنورة موبخة ..
- تكذب عليج حبيبتي .. اشربي العصير ..
لكن مزنة راحت تنظر للعصير بريبة .. و عذيجة تقول لروضة بحنان ..
- بلاج ما تاكلين يعلنيه هب بلاج ..؟؟!
ابتسمت روضة بخجل ..
- آكل خالوه ..
لكنها لا تريد الأكل ..
تريد التنعم بهذا الاحساس الدافء الذي يغزو قلبها و هي تجلس بينهم على الأرض ..
يحتوونها بينهم و كأنها فردٌ منهم .. هذه المناوشات .. و هذه الأحاديث و الابتسامات ..
جعلتها تشعر بمتعة حقيقية ..
شعرت بانها لا تستطيع ازاحة تلك الابتسامة الغبية التي ارتسمت على وجهها بقوة .. و الجميع مستغرق في تبادل الاحاديث ..
رفعت نورة احدى قطع - الدونات - الهزيلة المحترقة و هي تقول بمزاح تكتم به ضحكة ..
- هاي دونات مسويه ريجيم و مكسوّه بشكولاته الهشّة اللذيذة ..
التقطتها دناة من بين يديها و هي تضحك بخفة ..
- ليش حاسه كذيه ..؟!! رويض مفاهيمج الرياضية غلط ..
احمر وجه روضة و هي تصر على اسنانها ..
- سبالااات .. احين لازم تستعرضن مهاراتي ..؟!
ضحكت حور .. و هي تأخذ قطعة محترقة منها .. لتقتطع منها جزءا و تمضغه بصبر ..
- لا روضة فيه أمل .. ع الأقل ما نسيتي الشكر و الملح ..
أخذت المها واحدة أخرى بابتسامة مشجعة لروضة قبل أن تغمسها قي طبق من لبعسل و تقضمها بصبر .. ثم ترفع ابهامها مستحسنة .. بتقول روضة ببؤس ..
- قصن على هندي .. ادري انها متفحمة و محترقة .. بس يزاتكن .. حد قال لكن تخلنيه أتعلم الدونات .. لو مسويه عيش أبيض كان بدّعت فيه ..
ضحكت عفرا هذه المرة بهدوء ..
- الله يعلم ..
- هيه .. لا تستهينن بيه .. انا عنديه مهارات أخفيها خوفا من العين ..
دققت نورة النظر للقطعة السوداء في بيدها ..
- لا تخافين هاي ظاربة عاكس مضادة للعين ..!!

* * * * *

عيناها تتعلقان بالرجل الذي احتضن كف ابنته باحساس لم تفسره .. إذا كان للحنان أن يمتزج بغطرسة ..فها هو يتألق في عينيه ..
تلك العينين الثاقبتين .. تسكنها نظرته الحادة .. أهدابه الثقيلة راحت تضفي ظلا ناعما يعاكس القسوة التي يسلطها عبر عينيه ..
أنفه المستقيم بدا كمنقار صقر .. و فمه الذي أحاطت به خطوط التجاعيد العميقة لا زال مشدودا بتكبر ..
لو أنها لا تدرك الحقيقة لأقسمت بانه من أنجبه .. من أورثه تلك الملامح المنحوته الاكثر شبابا ..
من خلّف فيه نفس القوة الطاغية .. نفس تلك العجرفة ..
رغم ان هذا العجوز بدا أكثر لينا بعد أن مر به دهر ،، أفتر شيئا من همّته ..
تساءلت في داخلها عن سبب هذا الهدوء الذي تلمسه مؤخرا فيه ..
هذا الرجل كان يزأر كالأسد .. يلقي الأوامر كما لو كان الجميع عبيده .. لا يحني أنفه المتعالي ..
يبث هيبة .. و رهبة في قلب كل من يعرفه ..!
ما الذي يجعله ملتزما هدوءه المتكبر ؟! أ لرحيل ابنه علاقة بالأمر ..؟!
صوت طرقات على الباب الأمامي تنتشلها من أفكارها .. ليقطع الرجل الجالس أمامها حديثه مع ابنته و حاجبه ينعقد بتساؤل صارم ..
قالت بهدوء .. و عينيها من خلف - البرقع - تتجنبان النظر اليه .. نفس النظرة .. شيء يخترق فؤادها لينتفض ولها ..
متى ستراه ..؟!
تحركت بهدوء نحو الباب الأمامي تقطع المسافة بنعومة خطواتها .. قبل أن تنحني لتنظر عبر ثقب العين السحرية .. برهة فقط .. قبل أن ينتصب جسدها بسرعة و هي تضع كفّها على صدرها لتهدئ من نبضات قلبها المجنونة ..
راحت انفاسها تتسارع لتطل عبر الثقب من جديد .. تتأمل وجهه البعيد و قد بدا متململا ..
عضت شفتها السفلية بلهفة و هي تكتم ضحكة فرحة .. للتو كانت تتمنى حضوره ..
و كأنما استجاب الرب لتلك الأمنية الصغيرة ليمنحها شيئا من البهجة ،،
تأكدت من وضع برقعها و الغطاء على رأسها .. و هي تفتح الباب .. شوقها يسبق الأنفاس ..
عيناها تتعلقان على وجهه المطرق .. قبل أن يميل به ليرفعه ببطء ..
- السلام عليكم ،،
صوتها بدا متهدجا .. متعرجا .. لا يقوى ثقل تلك المشاعر التي راحت تنفلت ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا الساع ..
- الله يرحب بج ع فضله ..
تنحت جانبا بابتسامة لم تتضح من خلف برقعها و هي تقول بنعومة ..
- اقرب ،،
تقدم للأمام بجسده العريض ..
- قريب .. ابوية سيف هنيه ..؟؟
علمت أنها اما خمن ذلك من البرقع أو من السيارة المتوقفة في الخارج .. راح قلبها يرتعش بقوة آلمتها و هو يعبر أمامها .. لا يفصلها عنه شيء ..
- آآ .. هيه ..
مر من أمامها لتغلق الباب و تتحرك خلفه عيناها تتعلقان بظهره العريض .. قبل أن يتوقف فجأة في الممر الضيق و يلتفت نحوها لتجد نفسها ترتطم بصدره .. فتتراجع بسرعة مرتبكة حتى كادت تتعثر .. لكن قبضته تلتف على ذراعها باحكام كي تثبتها ..
شعرت بإحراج رهيب حين لم يعد يفصل بينهما سوى القليل .. يده المحكمة تمنعها من الحراك .. و صوته الرجولي العميق يصلها بهدوء ..
- شحالج خولة ..
راحت تجمع أفكارها بجنون و هي تشعر بقلبها على وشك أن يثب من صدرها ..
توقف من أجل هذا فقط ..؟!
ارتعش صوتها .. و نظراتها تضيع في عينيه قبل أن تخفض اهدابها الطويلة بخجل جلي ..
- بخير ربيه يسلمك ،، انته شحالك ..؟
أفلت ذراعها من يده و هو يقول باختصار ..
- الحمدالله ،،
و استدار مجددا ليتوجه نحو المجلس الداخلي الذي تدفق منه ذاك الصوت العميق .. بلغ الباب المفتوح ليطرقه منبها ..
ليلتفت الاثنان له بهدوء .. ابتسامة كبيرة تشق وجه ميعاد و هي تراه مستبشرة .. و نظرة قوية من جده ترتكز عليه و هو يسلّم بهدوء ..
- السلام عليكم ..
رد الاثنان معا و خولة تظهر خلف غيث الذي ترحك ليسلّم على جده باحترام .. التفت لميعاد بابتسامة حانية أخرى قبل أن ينحني ليطبع قبلة على رأسها كما اعتاد .. و هي تمد كفها لتحتضن يده .. قبل أن يجلس في الأريكة المجاورة بهدوء .. و جسده الكبير يسترخي عليها بثقل .. التقطت خولة دلة القهوة و فنجانا لتصب له بعضا منها .. ليتناوله و هو يسألها ..
- نهيان وينه ..؟
أجابته بخفوت و عيناها تنخفضان متجنبة النظر اليه .. لا زال قلبها يتراقص من قربه قبل قليل ..
- مواعد ريّال ..
التفت غيث لجده و هو يقول بهدوء ..
- أمس وين كنت ..؟ ما شفتك فبيت عمي سعيد ..؟ و انته لي قايل ليه انكم بتفطرون اهناك ..
رفض الجد الفنجان الذي مدته خولة و هو يجيب بوقار ..
- فطرنا في العزبة ..
- حد ياكم ..؟!
- لااا .. يا غير سرنالها العصر .. زادتنا بكرة ..
ابتسم غيث لجده بحماس ..
- صدق و الله .. على من ..؟
- ع الغزيّل ،،
حك غيث لحيته متذكرا ،،
- هي من لي ضربتوهن بالمتعب ..؟
أومأ الجد موافقا ليبتسم غيث مجددا ..
- لا بد انها مزيونة .. ابوها الموت ..
بادله الجد ابتسامة فخر و هو يقول بثقة ..
- لا تخبر .. و الغزيّل هب هينه ..
- هيييييييه .. الفحول الباكسانية اتييب فحول طيبة .. يا غير ما تييب مجاهيم .. زين انك ظربتهن بالمتعب ..
أعاد الجد راسه للوراء .. و هو يقول ..
- بن عوفان يقول انه اييب فحول باكستانيه كبار .. و يظرب ابهن المجاهيم .. ثم اتييب مجاهيم كبااار .. مزايين .. و مكحلة .. ما قد شفته .. يا غير سعيد يقول انه صادق ..
انبثق من جانبه صوتٌ ناعم مقاطعا ..
- شحالك غيث ..
ابتسم غيث لها ..
- بخير يعلنيه فداج ..
ضحكت ميعاد بشيء من الخجل ..
- أشوفك ما شا الله .. نسيتنا .. مجاهيم و مادري شوه ..
مد يده يقرص خدها كالطفلة رغم سنواتها الست و عشرون .. و هو يضحك بخفة و يشير لجده الذي راح يراقبها تكلم غيث بابتسامة هادئة ..
- ما عاش من ينساج .. ما تعرفين أبوج يوم حد يرمس عن عزبته ..
ابتسمت بشيء من الخجل لوالدها ..
- بتخبرنيه ..!
التفت لخولة .. ليجدها جالسة في الطرف البعيد من الغرفة .. عينيها الواسعتين ذات اللون البني الفاتح .. سلّطت بنظرة مؤلمة على ميعاد من خلف البرقع الذي بدت جميلة به بشكل مميز ..
لا يدري لما خالجه شعور بأنها وحيدة .. أو منبوذة في جلستهم هذه ..
رفع صوته يقول آمرا ..
- خوله ..
التفتت له بسرعة قبل أن يتدفق صوتها الناعم ..
- لبيه ..
ربت على الاريكة جانبه ..
- لبيتي حايه .. تعالي ..
بدا الارتباك واضحا عليها .. و ميعاد تلتفت لها بنظرة دهشة تحاول جاهدة اخفاءها ..
يعلم أن جده يكبح تجهمه .. و وجهه يتصلب .. فيما هبت خولة من مكانها بنعومة .. لتتقدم نحوه ..
شعرت بان قدميها ستتحولان لهلام قبل أن تبلغه ..
التفت إليها .. و ناداها باسمها .. ينشدها أن تجلس بقربه ..
جلست بهدوء إلى جانبه .. و هو يضع ذراعه على ظهر الأريكة خلفها .. تشعر بدفء جسده يلفحها ..
و رائحة عطره المميزة تخترق انفها ..
.
.
لن يعلم قط كم يعني لها أن تجلس قربه فقط ..!



.
.
.
.
يكتنف الضيق صدره و هو يرى تلك المرأة تجلس بجانب غيث .. رغم يقينه بطبيعة العلاقة بينهما ..
إلا أنه يكره أن يخالجه القلق من أن يجد ذاك تحديا مثيرا له ..!
لا يريد من هذه المرأة أن تقترب منه .. تلك الانوثة الطاغية .. هل ستخترق إرادته ..؟!
أم أن غيث منيع امامها ..
لا يريد أن يتورط حفيده معها .. حين يئين الأوان .. سينفصلان بهدوء ..
و لن يعلم أحد قط بأمر هذا الزواج ..!

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 24-04-08, 12:58 PM   المشاركة رقم: 60
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

خطوتين .ز يمكن فيها اجوبه على بعض تساااؤلااتكم..

قراااءه ممتعه.. بس ابي ردوود امتع..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:00 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية