لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-04-08, 11:51 PM   المشاركة رقم: 46
المعلومات
الكاتب:
dew
اللقب:
قطر الندى



البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32556
المشاركات: 8,341
الجنس أنثى
معدل التقييم: dew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسي
نقاط التقييم: 5602

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dew غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 


سلام يا حلوين ,,,,تسلم إيدك يازارا على هذي الخطوتين وتسلم يد الكاتبةالرائعة ,,,,

بصراحة خطوتين لكن قنبلتين ولا مدافع هاون

حور:: يازينها هالبنت والله حبوبة ,,,تعجبني قوتها اللي تفقدها لما يكون غيث موجود ,,كسرت خاطري لما صارت تهلوس وهي تعبانة ,,,وموقفها لما دخلت المجلس !!!! يالله يالفشيلة ,,

غيـــــــــــــــــــــــث: ؟؟؟؟؟؟؟ أعجبني في هذا الجزء ,,صحيح انه كان يرفع الضغط بتسلطه لكن أعجبني

وتعجبني طريقته في السخرية ,,,بصراحة ماتوقعته ينتقل لبيتهم وسالفة الملكية هاذي شكلها بتنكد عيشتهم وووو؟؟؟؟؟ أحس انه جريء جدا بحركاته مع حور ,,والله أحرجها ,,

أعجبني الحوار اللي يدور بينهم ,,وكلام كل واحد في نفسه ,رائع جدا وأسلوب الكاتبة مذهل ,,,ماتحسين انها في بعض الأحيان ما تضبط الحوار أو طريقة السرد بالعكس أحس انه أحلى وأحلى ,,,

أحمد وهزاع ::: هذا الثنائي أحبهم كثيييير وخصوصا لما ضربوا أخو فاطمة <<ما أدري ايش اسمه

لكن بصراحة أعجبوني يستاهل اللي مايخاف ربه وأعجبني مزحهم مع بعض <<شخصيتين رائعة

شيحة؟؟؟ ماتوقعت شخصيتها كذا ,,يالله ,,,فيه بنات كذا ؟؟؟؟؟؟ الله يسترنا بس !!

روضة :: العاقلة والهادية ,,,يا سلام على العقل ,,بصراحة أحس انها تنفع لسيف لأنهم نفس الشخصية

عوشة ,,,وجع !!! ما أغباها !!! الرجال مايحبك ليه تتلصقين ؟؟؟ <<<<منقهرة


تسلم أناملك على هذي الأجزاء الرائعة ,,,والله اني اقرأها بعد ما أذاكر امتحاناتي من الحماس !!!!

ملاحظة شي يا زارا ,,,كتبت بالعامية !!!!! ههههههههه

تسلم إيدك وتصبحين على خير

 
 

 

عرض البوم صور dew  
قديم 22-04-08, 10:24 PM   المشاركة رقم: 47
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

لاخلا ولا عدم... اووووب اووووب.. يااشيخه استني على غيث ياا مصرقه.. وبعدين شووفي وش ممكن يصييير .. وعفرااا .. آآآآآآآآآه يااعفرا.. قريب بتعرفين وش صاار لهاا ياا لااخلااا..

وربي احلى حظووور وافجع دخله من نصيبتس.. هههههههههه


ندى..ههههههههههه

شكلتس غريب بالعااميه.. بس حلوووووو.

مشكوووره يااقلبي .. وزي ماا اقوول دااائمااا كوني هناا وبتعرفين وش بيصير للبناات .. ولغيثااني.. فديت عوينااته الحلووه..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 22-04-08, 10:33 PM   المشاركة رقم: 48
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة التاسعــــــــــــــــــة

║.. خطوات مترددة .. تتعثر ..!║


صفق باب سيارته الفارهة ثم توجه للمقعد الخلفي يفتح بابه ليلتقط الثياب التي التف حولها كيس نايلون شفاف يقيها من أي اتساخ و هو يقطع بالخطوات المسافة القصيرة ..
ابتهاج غريب بهذه الثياب سرى في داخلها .. سعيد بأنه سيبث السعادة في قلب ذاك الصغير .. لا ينكر حبا يسكنه لذاك الطفل .. كان يذكره بنفسه بشكل ما ..!
وصل لباب المجلس ليفتحه بهدوء .. فكر بأن عليه أن يركب قفلا جديدا للباب .. هناك من الأوراق ما هي من الأهمية التي قد لا تصل لعقول سكان هذا البيت ..!
علّق الثياب بجانب ثيابه .. و وقف و هو يغلق الباب بهدوء .. و يشعل نور المجلس ..
المجلس .. أم مأواه الجديد ..
لو كان أحدا قد أخبره أن سيمضي أشهرا في هذه الحجرة الخانقة الأشبه بالعلبة الكريهة لنعته في وجهه بالمجنون .. لم يعتد ضيق المكان بعد ..
لسنوات كان يرفل بالرفاهية .. ليجد نفسه يغفو كل ليلة في هذا السرير الضيق .. الخشن .. و يجلس على هذا الكرسي المستقيم لساعات حتى يئن ظهره من الألم ..!
سحب نفسا عميقا و هو يتوجه للمكتب الصغير يفتح جهاز حاسوبه المحمول و يديره .. و يده الأخرى تخرج الهاتف من جيبه .. ليضغط أرقام هاتفها بآلية .. يلصق السماعة بأذنه ..و عينه على الشاة التي لا يراها ..
قفزت ابتسامة غريبة على شفتيه حالما تدفق صوتها المبحوح بخفوت عبر الاتف ..
- ألوووه ..
خرج صوته دافئا يحمل من المشاعر ما ألجمها للحظات ..
- حلاااتااا الألوووه من ثمج .. عيديهااا..
صوت أنفاسها المتسارعة تلتقطها أذنيه و هو يتراجع في مقعده الصلب و يريح احدى ذراعيه على صدره الفسيح .. ليهمس بشوق مثقل .. تعمد أن يصلها ..
- شحالج ..
كانت اجابتها مختصرة .. هامسة ..
- بخير ..
- اشتقتيليه ..؟!
لم تجبه .. تنهد بقوة .. يعلم رغم كل شيء أنا ترتعش .. ترتبك .. أمامه ..
اذا هو يأثر فيها ..
اذا لا زال لجامها في يده .. سيعلم كيف سيروض تلك الطفلة ..
- وديه أقولج تعالي بس ماريد أضغط عليج .. بس بغيت منج خدمة ..
- آمر ..
ابتسم بهدوء و هو يميل على المكتب و أصابع يده الحرة تطقطق على لوحة مفاتيج جهازه بسرعة ..
- ما يامر عليج عدوو .. طرشيليه نايف الميلس ..
قالت بهدوء أوضح له انها تمالكت نفسها ..
- ان شا الله ..
- شي فخاطرج ..؟!
الهدوء المعتاد .. قبل صوتها المبحوح ..
- سلامة راسك ..
ابتسم بشيء من السخرية ..
- الله يسلم قلبج ..
.
.
ألهاها عن فكرة الطلاق على الأقل ..
لم ترددها مذ بدأ هذه اللعبة ..!

* * * * * *

يتدفق صوت الموسيقى الهادئ من جهاز التسجيل الضخم في زاوية الغرفة ليملأ سكونها و هي تستلقي على فراشها الوثير .. الإضاءة البيضاء الخافتة تنعكس على الجدران ذات اللون البنفسجي الفاتح .. و هي تحتضن مخدتها الناعمة .. عيناها الجميلتين ترفان بتوتر .. و هي تنظر للهاتف المحمول الملقى على فراشها بشيء من الاضطراب ..
تجلس الآن بإصرار على سريرها و هي تراقبه عن قرب .. شفتاها مضمومتين بشيء من القلق ..
تمد اناملها بتردد .. قبل أن تهوي بيدها عليه بسرعة فتلتقطه ..تهزه بقوة ..
ثم تتوقف عن كل هذا فجأة ..
ما الخطب أيتها الحمقاء ..؟! أيربكك الأمر إلى هذا الحد ..؟!
لم يحدث شيء إلى الآن .. يمكنك التراجع في أي لحظة و نسيان الأمر ..
نسيانه ؟! هه .. كيف لها ذلك ..؟! سيعاودها الأمر كلما وقعت عيناه على ذاك الطيف الهادئ .. المسالم ..
كل ما في الأمر أن هناك هاجس يؤرقها .. تريد أن تعلم لما اختارها حقا .. هناك عوشة .. و شيخة أختها .. و قريباته من أمه ..
ما الذي دفعه لخطبتها ..؟! يهتم لأمرها ربما ..؟! لا تظن .. تعلم جيدا أنه لا ينظر اليهن .. و لا يحادثهن الا فيما ندر ..
الأمر هو قلقها .. قلقة للغاية من أمور شتى ..
لا يمكنها أن تتخيل كيفية العيش معه .. أو قضاء حياتها قربه ..
لا تعرفه .. ليس قريبا منهم .. دوما يجلس بعيدا .. يرونه للحظات قبل أن يترك المكان لهم ..
كل ذلك لأنه يكره الاختلاط ..!
هل كانت راوية محقة يا ترى ..؟! هل أصابت في قولها انها ستجد صعوبة في التأقلم معه ..؟!
ماذ لو فرض عليها هي الأخرى تجنب رؤية أبناء عمها أو الجلوس معهم ..؟!
سيجد ان الاختلاط عذر مقنع .. هناك الكثير مما قد لا يلائمه فيها .. أو لا يعجبه ..
ماذا عن لباسها .. هواياتها .. لا تظن أنه بالتزامه قد يسمح بأمور تجد سهولة في فعلها دون ناهي ..!
أراحت رأسها بين راحتيها .. قليلا من هذه الأفكار ..
كل ما عليها هو أن تتبع احساسها .. ليقودها نحو ما تظنه صواب .. مؤكد ..لن تندم ..
فعلى الأقل سيكون قرارها نابعا من داخلها .. و لن تكون آسفة لتحمل تبعاته ..
تلتقط الهاتف بتردد بين يديها .. لم تبلغ الجرأة بها حدا كي تتصل بأخاها لتبلغه بقرارها أيا كان ..
تفتح صفحة رسالة نصية فارغة .. تضيف اسم أخيها في أعلاها ..
ثم تضع السهم في مربع الرسالة ..
الآن ليس عليها سوى رسم تلك الأحرف البسيطة التي ستحدد مصيرها أيا يكن ..
فكري روضة .. فكري جيدا ..
أهذا ما تريدين .. متأكدة ..
ترتجف أناملها على الأزرار بارتباك .. و هي تكتب الرد له بسرعة رهيبة ..
تشعر بانها تشق لها طريقا ..
تنحت معالم قدر منتظر ..
رمت بالهاتف على السرير بعد أن ضغطت زر الارسال .. لتتبعه و تدفن وجهها في مخدتها الناعمة ..
ضربات قلبها تخفق في هدوء رتيب ..
و هي تسحب نفسا عطرا من الوسادة ..
و تغرس فيها دمعة ..!
.
.
ارتفع رنين الهاتف بقوة يملأ جو الغرفة ..
عرفت أنه غيث ..
و لكنها لن ترد .. ليس الآن على الأقل .. عليها أن تجمع قواها أولا ..!

* * * * *

- عربية أرضاً سماء محتداً .. عمراً وتاريخاً يضيء ويزهر .. عربية يا قدس مهما دبروا .. لك في الخفاء وهيئوا وتنكروا .. عربية ((عمرٌ)) ببابك واقف .. يملي على التاريخ فيك و يأمرُ .. وأبو عبيده والصحابة حوله .. بالله ، بالقرآن فيك تجمهروا ،،، و آآآآآآ ..
و ترفع عيناها للسقف محاولة أن تتذكر قبل أن تنبهها حور و هي تنظر للكتاب ..
- حملوا إليـ ...
قاطعتها و هي تصفق رأسها بحماس ..
- حملوا إليك العدل أرفع راية .. تبقى على مر الزمان وتعمرُ .. عربيه (( الله أكبر)) … تعتلي .. قمم الجبال الشامخات وتنذر .. هم يحملون بأن تضيع معالم .. لك شادها شعب عظيم خير .. هيهات ، والإسلام أنت منارة .. ولواؤه والملتقى والمحشر .. إنا هنا في القدس ، فوق جبالها .. و وهادها ، ابد الزمان نعسكر .. تبقين ما بقى الزمان عزيزةً .. يا قدس ، مهما حاولوا أو دبروا ..
ناولتها حور الكتاب و هي تقول بهدوء ،،
- هنوده حبيبتي راجعيها مرة بعد .. خلاف ارقدي .. بوعيكم قبل الصلاة بساعة عسب تراجعون .. خلاص ..
هزت هند راسها و عينها في الكتاب ..
- أوكيـــه ..
نظرت لأمها التي كانت تنام بسلام و قد تدثرت ببطانية ثقيلة .. لا يخترق هدوء نومها هذا الازعاج حولها .. كانت مزنة قد أنهت مذاكرتها و نامت في غرفة أمها التي أصبحت مكان نومهن هي و هند منذ وفاة أبيها ..
حانت منها التفاتة لفراش أبيها الذي لم يحركه أحد منذ رحيله .. و ابتسامة هادئة متوجعة تناوش شفتيها ..
لم تعد ذكراه تدر الدموع ..أصبحت متمرسة في رسم تلك الابتسامة الرثة ..!
هبت واقفة من مكانها تترك حجرة أمها لترى ما الذي تفعله اخواتها .. فنايف قد نام الآن .. و غدا هو أول يوم في إمتحانات آخر العام الدراسي .. كانت الصالية خالية و أصواتهن تتدفق من الحوش ..
صوت حركة جذبتها لتلتفت للمطبخ و تتقدم نحوه بهدوء .. تدلف المطبخ الضيق لترى المها مندمجة في إعداد الساندويتشات و قد صفت أكوابا و ابريقا على صينية عريضة .. تأملتها بهدوء دون أن تشعر تلك بوجودها .. وجهها الناعم قد بدا مستغرقا في ترتيب الطعام .. و قد عقدت شعرها الطول على قمة رأسها .. لتتدلى غرتها القصيرة على جبينها و خصلات طويلة تحيط بوجهها الجميل ..
تقدمت منها بابتسامة لتلامس كتفها بخفة فتنتفض المها متفاجأة قبل أن تبادلها الابتسام بحلاوة .. لتلتقط حور ملعقة و تقوم بمساعدة المها في عملها بصمت ..
وضعت لفافة الخبز المحشوة الأخيرة في الطبق الكبير .. و هي تبتسم بهدوء ،، لا تعلم لما تعلقت الابتاسمة على شفتيها .. فقط هناك هالة من الهدوء .. تدفع ذهنها للصفاء حين تكون لوحدها مع المها ..
كيف هو الحال لهذه الشابة التي تسكن الصمت منذ سنوات ..؟!
بسمة خفيفة علت شفتي المها لتتبين - غمّازتيها - الجميلتين ..حملت صينية الشاي و الأكواب و التقطت حور صحن الشندويتشات .. ليتوجهن نحو - الحوش - حيث جلسن أخواتهن .. بمجرد أن تجاوزت الباب للخارج حتى هزت رأسها بأسى .. كانت نورة تجلس في الطرف الشرقي الأقصى من الحوش .. و دانة في الطرف الغربي .. و الأولى تحادثها بصوتٍ عالٍ .. فيما كانت عفرا تمشي ذهابا و ايابا تقطع الحوش و هي تضع سبابتيها في أذنيها لكي لا تستمع لأحاديث أختيها و هي تتمتم بخفوت لنفسها .. التفتت نورة للمها و حور دون أن تقطع حديثها ..
- لا حبيبتي .. هاي ما عندها ون تو .. سيده حولت مريوم لجنة خاصة .. حتى علاماتاا في هاك الامتحان انخسفت .. اللجنة الخاصة ما تراعي حد .. تدريـ ....
قاطعتها حور بصوت ساخر ..
- ما شا الله ع المذاكرة .. أي سالفة وصلتي أخت نورة ..؟؟
ابتسمت نورة ابتسامة واسعة لمعت خلفها أسنانها البيضاء ..
- لي في الوحدة الثالثة صفحـ ..
لوحت عفرا بيدها بضيق و هي تقترب من السجادة لتجلس عليها و المها تضع في منتصفها الصحن الذي لازالت تحمله ..
- من يلسن و هن سوالف ما شفت حد منهن بطلت كتابها ..!
اندفعت دانة تقول بسرعة أمام نظرة حور الغاضبة ..
- أصلا نحن مخلصات مذاكرة و مراجعات .. بس نخطف ع الكتاب بعد مرة عسب تتثبت المعلومة ..
تقدمت حور و وضعت الصحن قرب الصينية التي وضعتها المها لتجلس بجانبها فتهب الاثنتين نورة و دانة نحوهن أيضا .. و الأولى تقترب من حور لتطبع قبلة على خدها ثم تفعل الشيء نفسه مع المها بقوة شديد و الأخيرة تضحك بهدوء .. لتضم نورة كفيها لقلبها بحماس و هي تقول بصوتٍ عالٍ ..
- فديييييييييييييتج .. أحببببببببببببج أنااااااااااااا ..
مسحت حور على خدها باشمئزاز ..
- بس هي لي تحبينها ..! ترانيه مسوية السندوتشات وياها ..
وضعت دانة الخبزة التي التقطتها بتمثيل قرف ..
- أقول ريحتاا هب شي .. اللهم لك الحمد و الشكر ع النعمة ..
رفعت حور طرف حاجبها ..
- و الله انكن هب ويه يماله .. حطي السندويشة .. حطيها .. مالت عليكن و ع لي يراعيكن .. لو متن من اليوع كان أخير ليه ..
ضحكت دانة و هي تلكز حور ..
- عنبوووه حور .. غادية كبريت هالايام .. ما تتناغين .. امزح وياج ..
ثم تبادلت مع نورة نظرة خبيثة و الأخيرة تردف بمكر ..
- يمكن تواجد ولي أمرنا في البيت ينرفزها شوي .. و تخاف طباخها ما يلاقي قبول .. - ثم راحت تربت على كتف حور بثقة ساخرة - اذا المثل لي يقول أقصر طريق الى قلب الرجل معدته .. فلا تخافين .. أنا متأكدة انه وائع لشوشته ع قولة المصارية ..
رفعت حاجبها و و هي تصر أسنانها ..
- قسم بالله لو ما تيوزن عنيه .. انكن ما بتشوفن خير .. طفرتنبيه تراكن .. أففف ..
و التقطت سندويشة تقضمها بغيظ و دانة ترتشف كوبها ببراءة ..
- شوه نسوي زين ..وجوده هنيه حدث الموسم .. بعدين انتي لي تخلينا غصب نرمس .. و الا هاي حركات ..
ثم هزت رأسها بعتب مصطنع و هي تكتم ضحكة ..
- عيب عليج .. ندري ريلج ما قلنا شي .. و غاوي و كشيخ ع العين و الراس .. بس يعني أنا ما شوفها حلوة .. كل شوي تتغافلينا و تسيرين الميلس .. عيب حور .. أحين بعدج بنتنا يوم بتعرسين سوي لي تبين .. ما تبينا نربطج و الا نبند عليج الحجرة ..؟ صح .. و الا شرايج نوري ..؟
كانت عفرا تضحك الآن بقوة و المها تبتسم و عيناها على وجه حور المحتقن غيظا و نورة تقول بحكمة ..
- أنا أشهد .. حور .. يقولون الحب أعمى .. و انتي عميا الحين .. ما تشوفين وين مصلحتج .. نحن خواتج و أدرى بمصلحتج .. لازم تحكمين أهوائج .. ما يستوي فديتج .. شوه بيقول الريال عنج .. عاقه عمرها عليّه ..؟! اثقلي شوي ..
تعتصر كوبها و هي تشعر بالضيق يكتنف صدرها بقوة ..
- عنلااااتكن .. زودتنها تراكن و أنا ساكتة .. بتنطبن و الا شوه ..؟!
رفعت نورة حاجبها باستفزاز ..
- تنكرين انج ما سرتي الميلس أول أمس ..؟
صرت على أسنانها بقوة تدافع عن نفسها من أفكارهن ..
- سرت أشوف اذا شي كنادير وصخة تبالها غسيل ،،
شخرت دانة ساخرة ..
- يعني ما شفتي أكياس الدوبي .. انزين و أمس ..؟
احمر وجه حور بشدة .. لا تدري لما تشعر بأنها متهمة هنا ..
- وديت القهوة ..
- أوكيه بنخطفها .. و الخميس لي طاف .. يوم شردنا و تميتي اروحج هناك شوه كنتو تسوون ..؟ تلعبون تيلة ..؟
- أفكارج الخايسة هاي شرا ريحتج ما صار منها شي ..
ثم اردفت بثقة ..
- ريلي و يرمسنيه .. عندج خلاف انتي وياها ..
صفقت نورة بحماس .. و هن تصيح بقوة ..
- وووووووووووووو .. عاااااااااااشت حور بنت حمد ..
ثم تنهدت بدرامية ..
- أخيرا قلتيها .. من امتى و أنا أرقبج ..
عقدت دانة جبينها و هي تزفر ..
- أفاا .. ما توقعتج سهلة كذيه يا حوير ..
شعرت حور بالضياع ..
- شوه السالفة .. حوووه انتي وياها .. قلت شوه ..
راحت نورة تحرك حواجبها بابتسامة عريضة ..
- اعترفتي بغيث .. قلتي ريلي قبل شوي .. دانة قالت انج ما بتسوينها ..
شعرت بحرارة تزحف على خديها و هي تقول بصوت محرج مقاومة رغبة في دفن وجهها بين كفيها ,,
- انزين .. شوه فيـ .. فيها .. هب ريلي ..؟ سخيفات ما تستاهل السالفة .. غيرنها .. و الا و اللـ .....
و قاطعها صوت طنين متقطع صادر عن هاتفها المتحرك الذي كان في جيبها معلنا وصول رسالة نصيّة .. اتسعت عيناها لوهلة قبل أن ترخي جفنيها مبتهلة حال رؤيتها ابتسامة نورة و نظرة دانة الماكرة ..
رباه ليس هو .. ليس الآن على الأقل ...
لكزتها نورة بحماس و هي تدنو برأسها نحو الهاتف الذي أخرجته حور من جيبها ..
- يا ويل حاليه مسجات بعد .. اقريه ..
نظرت لها حور شزرا تخنق خفقات قلبها المجنونة .. لا ينقصها هذا الاحراج ..!
تعبث بأناملها المرتجفة محاولة الوصول للرسالة الجديدة .. و أنظارهن تنصب عليها باهتمام ..
.
.
و في لحظة حقيقية .. حيرها الاحساس بالذنب الذي راح يكتنف صدرها ..
شيء يشبه الخجل من احساسها .. رغبة خفية في دفن تلك اللهفة التي راحت تتفاقم في روحها و هي تدنو من تلك الرسالة ..
كرهت تلك الخيبة التي خالطت راحتها و هي ترى رقم مايد يعلو الرسالة .. و ابتسامة غريبة تسكن شفتيها و هي ترفع عينها لأخواتها بصوتٍ غريب ..
- من مايد ..!
و أشارت للمها التي تطالعها بتساؤل عن أمر الهاتف و هي تدني الشاشة منها لتقرأ الرسالة .. لحظات و تبتسم المها بحنان .. و عيناها تمران على الأحرف المطبوعة في السطح ،،
.
.
( مرحبا غناتيه ،، أدري انيه من زمان ما ييتكم .. أمايا كانت عندكم أمس بس ما رمنا نيي وياها عبيد عنده امتحانات الفاينل الحين .. و أنا ماخذ دوام مسائي في الشركة بعد .. بس عقب الامتحانات ان شا الله بنرتب أمورنا و نحول نييكم .. ما عليكم خوف و ريلج وياكم في البيت .. ردي السلام على خالوه و البنات )
.
.
همست بابتسامة و عينها تدور أكثر من مرة على سبب اطمئنانه ..
- يسلم عليكن مايد ..
- الله يسلمه ..
و دانة تقول بخيبة ..
- يعني هب من غيث ..؟
هزت عفرا رأسها و هي تقلب كتابها .. و ترتشف قليلا من كوبها الذي تصاعد منه البخار ..
- و الله انكن قليلات ادب .. شوه خصكن .. غيث و الا غيره ..
رفعت نورة حاجبها ببرود ..
- محد سالج .. سيري احفظي مقدمة المؤلف يمكن ما خطفتي عليها ..
ردت عفرا دون أن ترفع عينها عن الكتاب ..
- و انتي صادقة .. اخيرليه .. لنه رزة الفيس من طبايع التيس ..
عقدت نورة جبينها ..
- التيس ريلج .. لا تسبين يا الناقة ..
نظرت عفرا لها بحاجب مرفوع مهددة بصمت ..اتسعت عينا حور التي نست أمر الهاتف لوهلة ..
- حوووه انتي وياها .. شوه استوى عليكن .. مـ ....
- آآآآآآآه يااااااااا الخاااااااااااااينة .. يااااااااااااا مسودة الويييييييييه .. و الله انييييييييه كنت شاكة ..
صاحت دانة بذلك بطريقة مبالغ فيها و هي تقذف الهاتف لنورة و عفرا اللواتي نسين أمر الخلاف و هن يلتفن حول هاتف حور .. لتكتم عفرا ضحكتها و قد بدت الصدمة و الاحراج على وجهها جلية .. و نورة تقرأ بصوتٍ عالٍ ..
- سلام لك يصفي فوادك و يرضيك .. رضاك غاية في فوادي أكيده ،، صوت الغلا في خاطري قام يدعيك .. مدري سمعت الصوت و إلا نعيده ..؟! ،، الشاهد الله كم نعزك و نغليك .. رغم المسافة و الظروف الشديدة ..
ثم عقدت جبينها تلتفت لعفرا ..
- أي مسافة ..؟! هم إلا يدار .. اسمعن .. اسمعن ..!! - و راحت تكمل القراءة بصوت خبيث - يعلنيه هب بلا الايدين لي سوت القهوة ..حطيتي شكر و الا اصبوعج في الجاهي ..
انفجرن ضحكا كلهن و ابتسامة المها لا تفارق شفتيها رغم أنها لا تسمع من ذلك شيئا و حور تنتزع الهاتف من بين يدي نورة بقوة .. حين لم يعد يتبين من وجهها شيء ..
- سخيفااااااات ..
- ههههههههههههههههههه أونه اصبوعهاا .. وععع .. بيتسمم الريال .. هههههههه كفج دندن ..
كانت عفرا لا تتوقف عن الضحك ..
- افاا حور.. من ورانا .. هههههههههههههه .. ماشي غير هالمسج ..؟ سمعيناا ..
دست حور الهاتف في جيبها بغل شديد محاولة بجهد كبت خجلها مما يحدث و هي تلتقط كوبها لتشرب منه ..
- حتى أنت يا بروتس .. اذن فليسقط قيصر ..! - ثم أبعدت الكوب فجأة عن فمها و هي تكح بشدة - أححححح .. حرقنيه الله يغربلكن ..
ضحكت دانة ..
- تستاهلين .. هاي يزات اللعب من ورانا .. المرة الياية تخبرينا بكافة التفاصيل .. و بعدين نحن محترات و حالتنا لله .. سون عصير شي بارد يرد الروح .. مسويات جاهي ..؟! عنبوه أنا أشربه منيه .. و يظهر من جلدي منيه .. حرررر ..
عقدت عفرا جبينها ..
- شوه هالتعبير المجازي المقرف ..
لوحت دانة بيدها ..
- كيفي مواطنة ..
شخرت عفرا ساخرة تعود لأوراقها ..
- في ذمتج ..!!!! متى عطوج اليواز ..؟!
- قبل لا يظهر سنامج يا الناقة .. آآآآآآآآآآه ..
صاحت بذلك متألمة حين سددت لها حور ظربة على ظهرها ..
- لا تعايبين ع أختج .. شفيكن الليلة ..؟
تنهدن معا و بدأ البؤس على وجوههن و نورة تقول بصوت يائس ..
- باكر الامتحانات حوووووووووووور ..
- و العثرة ثركن بتتذابحن قبل لا تيي العطلة ..!
- لازم حبيبتي توتر الامتحانات .. بس نحن نرفه عن عمارنا شوي و ننسى التوتر ..
قالت عفرا ساخرة ..
- هيه .. يعني يبندن الكتاب و سوالف و حش ..
- أووونج عااااااااد .. في منوه حشينا ..؟!
- شاروخان ..
شهقت دانة بحماس قبل أن تقول بقرف ..
- حوور .. في ذمتج .. وين هالهندي و الحلا وين ..
نظرت لها نورة بحاجب مرفوع ..
- جب ما يخصج انتي .. المهم انه عايبنيه ..
نقلت حور عيناها بينهن ..
- لا و الله .. حلفن بس ..!
التفتت للمها .. و هي تشير بيدها في حركة دائرة قرب صدغها ..
- مخببببببببببل خواااااااااااااتج ..
و تشير بحركة خاتم في الخنصر و هي تردف مع ابتسامة المها ..
- نورااااة .. تبااا هندييييي .. بوزار مشخط .. و حل تاتا ..
ظربتها نورة على كتفها ..
- شاروخ ما يحط حل تاتا ..
رفعت حور حاجبها مستنكرة ..
- شميتي شعره ..؟
- لا هو خبرنيه ..
- حلفي و الله .. في التيلفون و الا فيس تو فيس ..
رفرفت نورة بأهدابها بطريقة مضحكة ..
- في الرسالة لي طرشها لي ويا بشكارة المقصف .. تشاندي ..
عظت حور شفتها السفلى كي لا تضحك ..
- أهاا .. و شوه قال لج بعد ..؟
ابتسمت نورة بحالمية و هي تغني ..
- قال ،، يا لييييييتك تكووووووون وااااااحد من بني عميي .. و أكووون أناااا لووولي بالحق لمطالب ..
اختفت ابتسامة حور و هي تقول بعتب ..
- نوووروووه .. غير إن الأغاني حرام .. أبويه ماله شهرين و شي متوفي ..!
وضعت نورة يدها على فمها معتذرة ..
- أستغفر الله .. سوري ..!
برهة صمت ثقيلة أعقبت الكلمتين الأخيرة .. قبل أن تقول حور و هي تنفض السكون ..
- المهم .. شاروخان ما بينفعج باكر في الإمتحان ..و لا بيعطيج الشهادة ..
وضعت نورة يدها على خاصرتها ..
- منوه قال ما بينفعنيه ؟؟ .. حواري .. فكري بعقلج شوي الشهادة ما بتدخل وياي القبر .. ما بينفعنيه الا ولد صالح يدعو لي يعني لازم تيوزونيه شاروخ عسب أضمن حسي في الدنيا قبل لا أموت.. أنا قررت خلاص .. مابا الا شاروخ ..
أجابتها دانة مفكرة و عفرا تضحك حين هزت حور رأسها باشمئزاز ..
- بس الهنود عندهم الحرمة لي تعطي الريال المهر .. و نحن على بساط الفقر .. من وين بنييب مهر هالهندي بو وزار مشخط و تاتا ..؟!
- نبيع ذهبنا و حلالنا .. كل شي فدوة لعيونه ..
- أي ذهب .. أي حلال يا حسرة .. كان ما بتبيعين مواعين المطبخ .. و التلفزيون .. و تحطين مزنووه اختج وياها مجانا للي يشتري ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
على عتبة شهدت رحيل روح ذات غفوة .. يجلس مصيخا و الحر لا يضايقه مطلقا و هو يتخلخل فانيلته القطنية و ازاره الابيض ..
عقب السيجارة يذوي بين أنامله .. يتآكل اللهب أطرافها حتى النهاية و خيط من الدخان يتراقص مرتفعا لأعلى ..
يتأمله بهدوء .. و الجدار الذي يفصلهن عنه لا يحجب أصواتهن .. و لا احاديثهن المتحمسة ..
لا يخفي تلك الابتسامة التي ناوشت شفتيه ..
ثرثرتهن التي بلا معنى .. مشاحناتهن .. و تعابير حمقاء يستخدمنها ..
جعلته يشعر بأنهن يكشفن شيئا من خبايا أنفسهن .. أو أنهن يجردن احساسا ما على مسمعه ..
و أنه متطفل .. و أنه متطفل ..!
ألقى بعقب السيجارة يدهسه بقدمه بقوة .. قبل أن يهب واقفا .. و أصواتهن المتحمسة لا زالت تتسلل لأذنه ..
امسك الهاتف الذي كان في يده الأخرى ينوي أن يضيق النطاق عليها حتى في لحظاتها الطبيعية .. سيقتحم حياتها و الوجدان .. كي لا ترجو عالما لا يسكنه ..
و على الزر الأخر توقف الابهام معاندا ..
شيء من الإحترام أبى أن يخدش لحظة الصفاء التي لمسها عبرهن ..
بخبث ما يخطط له ..!


* * * * *

ما ان انبثق الفجر الوليد و انتشر النور في الأرض .. و توجهن أخواتها للمدرسة لقضاء الامتحان الثالث عليهن .. حتى انطلقت هي الأخرى لمشاركة المها كي ينهين أعمال المنزل .. بدا أن حمل زاد عليهن مع انشغال الفتيات بالامتحانات .. أخرجت حور ملابس نايف من آلة التجفيف تضعها في السلة كي تنشرها على الحبل قبل أن تملأ الغسالة بالماء و الصابون لتضع ثيابا أخرى تحتاج للتنظيف ..
حملت السلة بخفة و توجهت للباحة الخلفية الضيقة لتنفض الملابس الرطبة و تعلقها على الحبل .. تأملتها بهدوء ساخر .. مؤكد لن يحتاجها نايف بعد الملابس التي أحضرها له غيث ..!
واصلت تعليق الملابس على حبل الغسيل .. حتى انتهت .. التقطت السلة و هي تهم بالعودة للداخل .. و لكنها توقفت للحظة .. و عينها تقع على الجدار المشترك بينهم و بين جيرانهم ..
و فجأة و هي تقف في مكانها .. عينها على الجدار .. شعرت بخواء غريب يجتاحها ..
كم من الوقت مر مذ رأت صديقتها تلك ..؟! منذ قدوم ذاك الغريب لم تطأ قدماها عتبات المنزل ..!
ما يقارب الشهر أو أكثر ..
لما كان عليها الابتعاد حين شعرت حور بانها تحتاجها حقا ..؟ هناك أحاسيس قد بعثرت في زوايا الروح تحتاج إلى تلك الصديقة كي تجمعها بين راحتيها ..
هناك أراضٍ مجهولة تطأها هي بقدماها .. تضللها تلك الأماكن .. أين الدليل ..؟!
أريدك صديقتي .. أحتاج صدقكِ .. ليس عليكِ أن تتركيني أضيّع نفسي في فوضى الشعور هذه ..
.
.
تضع السلة جانبا على الأرض .. تنحني ..
أناملها تلتقط تلك الحصي الصغيرة .. تحتنضنها راحة يدها بشوق ..
كم من الحنين مر عليها و لم تلقي بهذه الحصي .. لتلبيها صاحبة القلب الكبير ..؟!
ترجع يدها خلف رأسها لتقذف بالحصي الصغيرة .. عيناها تتابع اندفاعها بلهفة ..
تتطاير في الهواء .. سترشق مسامعها حتما ..
هل ستجيبها ..؟!
هل ستجيبها ..؟!
هل ستجيبها ..؟!
هل ستجيبها ..؟!
ضمت قبضتها و هي ترخي جفنيها بانتصات .. تصيخ السمع متأملة ..
لا تخذليني .. لا تفعليها فاطمة ..
تعالي ..
أرغب أن تري خرابة أضحت تعشش داخلي .. من سيجلي حيرتي غيركِ ..؟!
لحظات من الصمت و بدأ اليأس يدب في قلبها .. لن ترد ..؟!
.
.
- امنوووووووووه ..؟!
فتحت حور عينيها على اتساعها لتهتف بصوت أثقله الوله ..
- أناااا حوووووووور ..
لحظة سكون .. قبل ان يندفع صوت فاطمة ..
- حووووووووور ؟؟؟؟؟!!!!
صاحت حور بحماس ..
- هيه تعالي للفتحة ..
و دون أن تنتظر ردا على صيحتها راحت تجري بسرعة نحو الفتحة الواقعة خلف المطبخ .. تلك الفجوة .. لطالما تدفقت عبرها من الكلمات ما شد من عزمها .. لحظات و يظهر وجه فاطمة من خلف الفجوة الضيقة .. وجهها كان يشع بفرحة خالصة ودت حور لو تحشر رأسها في تلك الفرجة الضيقة لتقبل خدها بقوة .. كم اشتاقت لها ..!
قالت لها بعتب ..
- هب نحن لي ظاربين خوج .. هاييلا عيال عميه المفاليع .. لا تحطين السبة علينا ..
بدت الدهشة على وجه فاطمة .. قبل أن تسأل بحذر ..
- الحين انتن هب زعلانات عليه ..؟!
لم تفهم حور ..
- زعلانات ..؟!
- لن خوية .. تعرفين .. و الله أنا ما كنت أدري بس ....
قاطعتها حور بصدمة ..
- جب .. عنلاااااااتج يا السبالة .. الحين كل هالفترة مقاطعتنا و تتحرينا زعلانات .. أقول قلبي ويهج .. و البسي شيلتج و تعالي البيت الحين .. يلاااا ..
ضحكت فاطمة بفرحة و هي تهز رأسها .. تتأمل وجه حور للحظات ..قبل أن تلتفت فتناديها حور مجددا ..
- فطوم ..
التفتت فاطمة نحوها مجددا .. لتمد حور يدها فتقرص خدها بقوة و هي تقول بحب ..
- اشتقنالج ..
همست فاطمة و هي تضع يدها على خدها ..
- و أنا أكثر ..
.
.
و كانت حور متأكد من أن دمعة تألقت في عيني صديقتها قبل أن تشيح بوجهها ..!
.
.
صديقي من أصارحه فيبقى...
ودود القلب عف في اللسان
صديقي من يرى الإيمان بحرا...
عزيز النفس مشبوب الجنان
فلا الأهواء تجرأ تشتريه...
ولا الإعجاب يسبي ذا الجنان
ولا النزوات تنسج بردتيه...
ولا الأحقاد تسكن في الكيان
حيا ..مخلصا..عفا..جريئا...
سليل الهدي يا بقرب الحنان *
.
.
.
.
.
.
.
.
- وين المها ..؟!
قالتها و هي تضم كوب الشاي الكبير بين راحتيها .. حين جلست مع حور في - حوش - البيت بعد دقائق .. لتجيبها حور بهدوء ..
- عند أمايا ..
ارتشفت حور بعضا من الشاي و رفعت رأسها حين أبدت فاطمة ملاحظة ..
- محلوة حور ..؟!
احمر وجه حور ..
- أنا ..؟
- هيه انتي ..
- آآ .. هيه .. مادري ..
ضحكت فاطمة ..
- شوه هيه مادري .. بخطبج أنا ..؟ بلاج قفطتي ..
احمر وجه حور .. لا تدري لما .. و هي تهمس لفاطمة ..
- جب ..!
- هههههههههههههههه .. قولي و الله .. شعندج منفخة .. و ويهج محمر .. عنبوه لو واحد من الشباب بقول ما عليه .. بس فطوم البطة أنا صديقة الطفولة .. ليكون شاكة فجنسي ..؟
ابتسمت حور لها ..
- لا و الله .. بس كذيه أستحي يوم حد يمدحنيه ..
- أوووف من متى ..؟ ما حيدج ادلينه درب المستحى ..؟ شوه هالتطورات ..
سحبت نفسا عميقا .. تملأ به رئتيها .. ينتشر عبق الصباح داخلها ..
بماذا أبوح لكِ صديقتي ..؟! أ أخبركِ حقا أن هناك احساسا حفر في جوف الروح .. حين وُجد هنا من راح يمتدحني .. يدنو مني .. يشتتني ..
حتى أحال كرهي لحيرة ..
تضيّعني ..
- آآممم .. حور ..؟!
قالتها فاطمة بتردد ..
- لبيه ..
- البنتلي السودا لي كل ليلة واقفة عند باب بيتكم مالت منوه ..؟! مايد ..؟
ها أنتِ تكشفين ستر تلك الخبايا ..
ببطء ..!
أخفضت حور بصرها بهدوء ..
- مايد ..! من وين له يا حسرة عسب اييب هالموتر ..
- مالت منوه عيل ..؟!
ابتلعت حور تنهيدة عميقة و هي تقول بهدوء تعلم أنه سيصدمها ..
- مالت ريلي ..
أجفلت فاطمة بدهشة كبيرة ..
- ريلج ..؟؟؟؟ .. ولد عمج تطرين ..؟؟؟؟؟ شسمه ... هذا .. هيه .. غيث .. و الا ..؟!
أومأت حور برأسها ..
- هيه غيث ..
صمت تلى كلمتها المهزومة تلك .. قبل أن تقول فاطمة و هي تشد على يدها ..
- شوه يسوي هنيه كل ليلة ..؟
- يرقد عندنا ..
تدلى فك فاطمة بصدمة ..
- يرقد وين ..؟
- في الميلس .. سكن عدنا الحين ..
همست فاطمة بصدمة متسائلة عمّا حدث في غيابها ..
- شوه صار ..؟!
راحت حور تسرد ببطء كل ما حدث بالتفصيل طوال فترة انقطاع فاطمة عنهم .. جميع تلك التفاصيل الدقيقة .. راحت تنثر في حضن صديقتها كل شيء .. احساسها ذاك الذي لا تعرف له اسما يتكسر قلبها على حدود مده و جزره .. و صورة رجل ظهر في حياتهم ليلعب دور المنقذ في غير حينه .. و لحظات أصبحت تدرك فيها انها لا تعرف نفسها .. لا تعرف ما يخالجها .. كل ما شتتها .. كل ما مزقها .. أفكارها .. تلك الظنون .. أسرارها ..
تفاصيل نبضاتها الدقيقة .. و دموع أوشكت على الانفلات و لكنها امعنت في أسرها ..
يرتعد صوتها بالاحساس مرة .. و يتهدج بالمرارة مرة أخرى ..
- مادري شوه أقولج .. أحس انيه .. أحس انيه ما أعرفه .. أصلا أنا ما أعرفه .. هذا غريب .. بس شوه أقولج .. مرات ..
سحبت نفسا عميقا تحتبسه في صدرها .. تمد يديها بعجز للأمام .. كيف تسرد الشعور .. كيف ترسم بالكلمات ملامحا .. لحيرتها ... لإحساسها .. لكل ما يخالجها ..
- مرات .. كيف أقولج .. يعني .. أحس انه ريال و طيب .. و كل شي ..
سألتها فاطمة بهدوء ..
- كيف يعني كل شي ..؟!
ردت بإحباط ..
- مادري .. أتعود منه قسوته أول ما شفته فحياتيه .. و أوامره .. صراخه .. حسيته حقير و نذل .. و يبا يتحكم فينا .. بس أفكر .. الحين يالس ويانا مودر العز لي شفناه هنك .. يشغل عمره بنا مع انه مشغول .. فطوم اتعرفين كيف غدى نايف أذية يوم توفى أبوي ة.. يوم يظاربنا و يبا يظهر ع كيفه .. من يا هو البيت .. تغير نايف رد لولي .. يوم يكون موجود في البيت ييلس وياه .. يصلون الفير رباعة في المسيد .. و يسمع الرمسة .. و ما يرقد الا و هو خاطف عليه و كل سوالفة .. عنه .. هو سوى هو قال .. هو راح .. و هو عنده .. تدرين انه شله وياه مرتين يوم يسير يتغدا وياهم كل خميس .. بس أنا قلتله الخميس لي طاف لا يشله لن عنده مذاكرة و الامتحانات بتبدأ و يوم تخلص برايه ..
- ليش هو .. ليش ما تقولين غيث ؟؟
ألقت فاطمة سؤالها بهدوء ..
لكن كان له دويا غريبا و كأنما انتزعت شيئا من روح حور .. ها هي صديقتها التي لطالما عرفتها تمعن في نبش كل احساس مجهول .. أرخت حور أهدابها .. تبلع عبرة سدت حلقها دون سبب و هي تجيب ..
- مادري .. بس صعب اسمه عليه ..
- تخافين انج تهدمين الحواجز لي بينكم ..؟
- يمكن ..؟
- تحبينه حور ..؟
فتحت حور عينيها بسرعة ..
- لا .. شوه أحبه .. ما يمدينيه ..!!!
ابتسمت فاطمة بحكمة ..
- يعني ما تكرهينه ..
عقدت حور جبينها ..
- ما فهمت ..
قالت فاطمة ببساطة ..
- أول ما حيدج ادانينه .. ما تيبين حتى طاريه .. عقب ما يا و غصبج على سالفة السامان لي تردينه و الفلوس ما خليتي رمسة ما قلتيها .. و الحين .. ؟ أقولج تحبينه تقولين ما يمديني ..! كانج تقولين يبالي وقت بس و أحبه ..
نفت حور الأمر فورا ..
- لا .. هب هذا لي ..
قاطعتها فاطمة بهدوء ..
- حووووووور .. اسمعيني .. اسمعيني .. ليش تحسين انج في موقف دفاع .. ؟! ليش ترفضين الريال .. بسألج سؤال .. الحين الغلط لي تشوفينه في هالريال ..؟!
- بعد ما فهمت ..؟!
- الريال من يوم ما شفتيه و هو ما يبا الا يساعدكم و خايف عليكم .. العون و مده لكم .. و سكن و ياكم هنيه .. يمكن العيب الوحيد انه هو لي خبرج انكم بتنتقلون البيت العود .. فكري .. اذا خوفة و حرصه عليكم .. اندفاعه و عصبيته من عنادج عيب .. يعني ظركم في شي ..؟!
لحظات طويلة و كلمة بكاء تأبى أن تعبر حدود الشفاه المطبقة .. قبل ان تنفلت منها رغما عنها ..
- لا ..
- من يوم سكن عندكم .. غلط على حد منكم .. ؟
- لا ..
- ريال مودر بيته و أهله .. عسب يداريكم و يعابلكم .. البيت و سادنكم فيه .. مشاويركم حاط لها موتر .. خواتج مرتاحات في الروحه و الييه .. ريال و في البيت عندكم .. كيف اسلوبه وياج ..؟!
احمر وجه حور فورا بعد هذا السؤال ..
- يعني .. زين ويايه ..
رفعت فاطمة حاجبها بابتسامة ..
- زين بس ..؟!
- افففف .. لا تيلسين تنغزين فطوم ليتني ما خبرتج ..!
- ما بنغزج .. بس انتي خذتي سالفة ابوج دافع لردود أفعالج .. الحين قبل ثلاثين سنة أو أكثر سالفة استوت و انطر ابوج بسبتاا .. ريلج لي طرده ..؟
- لا بس هم أهله ..
- و أهلج و أهل أبوج بعد .. و ابوج لي انتي كارهتنهم ابسبته .. هو لي ميوزنج اياه .. ليش تحطين ذنب الريال من ذنب هله .. اوكيه بتقولين نفس الطينة .. حور الحين هو ريلج .. ما ترومين تغيرين شي من هالوضع .. ليش ما تطبين كل هالخرابيط من راسج و تعيشين حياتج .. من الرمسة لي تقولينها أحسه الريال .. شارنج .. و انج عايبتنه .. ودري الماضي .. ركزي ع الحاضر ع اليوم لي انتي فيه .. على باكر .. و شوه ياي وياه .. لا تخلين غلطة غيرج تأثر على حياتج حور ..!
عضت حور شفتها السفلى بقوة .. كانت كلمات فاطمة تنخرها بقوة .. تزعزع أسس تلك الركائز التي أسندت خوفها من مشاعرها عليها طويلا ..
.
.
أين ستقودها الخطوات في النهاية على أي حال ..؟!

* * * * *
كانت السيارة الفارهة تتقدم ببطء شديد .. في الشوراع المزدحمة .. و استغرب حقا من تواجد الناس هنا في أيام مثل هذه ..
التفت بسرعة لصديقه الذي استرخى في المقعد و كاد يغفو ..
- حوووه بو سعود ... لا ترقد يا خي .. و الا برقد وراك ..!
تثائب عبدالعزيز بكسل و هو يتمطى كالهرة الكبيرة و يقول ..
- بو هناد .. كراسي موترك عجيبة كنها شباري ..! أنود كل ما يلست فيها ..!
ابتسم سيف بمجاملة .. الحقيقة أنه يفضل استبدال هذه السيارة الفارهة باخرى بسيطة لا تتجاوز عُشر سعرها .. يكره التباهي .. يكره هذا البذخ .. و لكنها قد أتته عطيّة من أبيه .. قال بصوت حازم و هو يراقب جموع الناس المتفرقة في هذا المكان ..
- باكر هب امتحانات آخر السنة ..؟ شوه يسوون هاليهال و هلهم هنيه ..؟
- شوه حاسدنهم يا ريال .. خلهم يمكن يتأهبون نفسيا لامتحان باكر ..
و ضحك بخفة و كانما أعجبته الكلمة .. ثم أردف ..
- بس بتلقاها فرصة للعب الليلة .. أهم شي ما نضيّع الغنايم ..
و ابتسم بحماس .. و سيف يواصل الامعان بالنظر حوله و هو يقود الشيارة ببطء .. تلك المعالم الجميلة التي تمر على جانبيه كانت تشرح صدره .. - الأخضر الندي الذي زحف على صدور الجبال .. تلك الأعشاب اليانعة تنبثق من بين الصخور لتعطي ظلا رائعا داكنا في هذه الليلة .. الأضواء المسلطة على عمالقة الصخور الجاثمة على انفاس الأرض ،، و ينابيع الماء المتدفقة و الأفلاج المتعددة .. ضحكات الأطفال و ألعابهم .. أحواض سباحة عملاقة متعددة تحيط بها جدران متينة للخصوصية .. و حديقة ترفيهية صغيرة تقبع أمامه مباشرة .. و تلك الاكواخ المصغرة للسكن فيها .. بحيرة فسيحة .. توقفت أمام رصيفها عدة قوارب صغيرة ..
.
.
بقدرة الله العظيم ،، و رحمته ..
قد أمعنت كف ذاك الكبير بنحت الجمال قبل رحيله ..
فليرحمه الرب .. كان منبعا للخير ..
و لا زال الخير منبعا لأبناءه ،،
.
.
قال بصوت هادئ يشق الهواء البارد في السيارة ،،
- الله يرحمك يا زايد ..
تمتم عبد العزيز بذلك أيضا قبل أن يرتفع رنين هاتف سيف فيلتقط السماعة ليضعها في أذنه و عينه تنظر للأمام مباشرة و هو يرد ..
- حييه بو سلطان ..
تدفق صوت أخيه يقول بسرعة ..
- مسويلنا فيها مطوع و انته من تحت لتحت .. مطول اللحية و مقصر الثوب .. و انته ترتغد في مبزرة .. اعترف مواعد منوه ..؟
هزت سيف رأسه و هو يقول بقوة ..
- ما برد عليك لنك ما تستاهل .. شدراك انيه في مبزرة ..
- شفت موتر خطف من شوي ..
- انته هنيه ..
- هيه ..
- شوه عندك ..؟
- شوه عنديه بعد .. لي عند الخلق .. ياي أتمشى ويا الشباب .. تعال صوبنا يا ريال .. الربع كلهم هنيه .. و اليلسة وناسة .. حد عندك ..؟
- عبدالعزيز ..
- أهاا يا حييه .. بو حميد معزر انك تيينا ..
- لا يا ريال .. أنا هب فاضي .. يايين في مهمة .. نحن في وقت الدوام الحين ..
- يا ريال ..!!
- هيه و الله .. مرة ثانية ..
كان عبدالعزيز يلوح بيده معترضا .. و تجاهله سيف و هو يوصي أخاه ..
- لا تبطي هنيه .. رد البيت قبل 12 ..
أجابه هزاع باحباط ..
- ان شا الله أمايا ..
- يا صبي ..
- خلاص آسفين .. يا الله يا خي .. شغلتنااا .. أقولك يوّد أحمدوه يباك ..
ثانية و يأتيه صوت ابن عمّه المتحمس ..
- علومك بو هناد ..
ابتسم سيف بهدوء ..
- علوم الخير ..
- بغيت أخبرك يا ريال كانك أحين في وقت الدوام تعال شوف واحد من الربع مركب عاكس .. صادروا موتره ..
ضحك سيف و هو يسأل ..
- و انته ليش تفتن ..؟
- نذالة .. و أحافظ على نظام البلاد ..
- نظام البلاد ..؟ أقول بنصادر موترك أول .. و الا تحرانيه مادري انك مزود ..
- و الله انك سوالف بو هناد .. كم رقمك ..؟ أقول توكل على الله و لا تيلس تروعنا .. انتو تحريات و هاي شغلة المرور ..
- و لا يهمك أحين أتصل بالربع هناك ..
- عنبوه يا سيف .. محد يمزح وياك ..
ابتسم سيف من نبرة الاحباط التي لمسها في صوت أحمد ..
- القانون ما فيه مزح .. و النظام ع اليميع ..
- انزين أذيتنا .. تقول ما صدقت حد يفتح لك مجال محاضرة .. أقول بو هناد . و الله ان صوتك حلو .. بس بشوفك باكر في العزيمة .. فداعة الله ..
قال سيف بسماحة ..
- الله يحفظك ..
أعاد السماعة لجانب الهاتف و هو يجيب نظرة عبدالعزيز المتسائلة ..
- هزاع خوية و أحمد ولد عميه هنيه و شافوا موتريه .. ما طحت ع شي ..؟!
- لا طلعنا فوق .. بنشيك ع القمة .. تعرف بعضهم يروحون هناك خلاف يخطفون ع الفندق ..
و غمز بعينه لسيف و هو يقول عبارته الأخيرة .. ليقول ذاك باستياء ..
- أستغفر الله .. يا خي ترفع عن هاي الظنون ..
رفع عبدالعزيز حاجبه و هو يقول ..
- الحين يوم واحد يواعد وحدة من هاللوث .. و ييلس وياها اروحهم .. شوه يبابها .. ؟ شوه يسوي وياها ..؟ يلعبون تيلة ..؟!
- يسوون لي يسوونه ،، هب شرط ان كل وحدة ظهرت ويا واحد زانية .. اتق الله يا أخي ..
- و هب شرط انك وحدة تظهر ويا واحد عفيفة .. هاي باعت هلها .. هب صعبة تبيع عمرها بعد ..
لم يجبه سيف بل التزم الصمت حتى وصلا قمة جبل حفيت .. ليدوران ببطء في الساحة الواسعة و عيناهما تستقطبان كل سيارة منزوية .. قبل أن يقول عبد العزيز بسرعة ..
- سيف .. البي ام لي في الزاوية ورا المطعم ..
التفت سيف الى حيث أشار عبد العزيز قبل أن يقترب منها و يوقف سيارته على مسافة قريبة .. و أحنى سيف رأسه و زجاج السيارة ذو التظليل الخفيف يكشف عن رأسين متقاربين في الداخل ..
- أهل يمكن ..؟!
- بنشوف ..
مرت دقائق طوال و هما يراقبان السيارة المتوقفة .. دون أدنى اشارة قد تدفعهما للتدخل .. لحظات قبل أن يفتح باب السائق على وسعه .. ليكشف عن رجل مال إلى الخارج ليقذف كيس قاذورات و اتضح من خلفه شكل المرأة الجالسة بجانبه بلا غطاء شعر .. ليقول عبدالعزيز فور التفات سيف للجهة الأخرى ..
- أهل ..؟
أطفأ سيف محرك السيارة و هو ينظر للمرآة و يعدل من وضع - الغترة - ..
- بنشوف ..
- أنا ورا ظهرك هنيه ..
- ترتوب .. و فتح باب سيارته لينزل منها في اللحظة التي زحزح فيها عبدالعزيز جسده الثقيل ليحتل كرسي السائق المجاور ..
تقدم سيف بخطوات واثقة .. و هو يندفع لشي اعتاد فعله مئات المرات .. هامته الطويله تقطع المسافة القريبة بين السيارتين بثقة .. حتى وصل للسيارة التي بدا من خلف الزجاج الداكن طيف رأس الرجل يلتفت إليه .. مد أنامله ليقرع زجاج النافذة و لكن الرجل سيبقه لينزلها و هو يتساءل ببرود حين التفت المرأة بوجهها للجهة الأخرى فلا يراه سيف ..
- نعم يا الشيخ ..
قالها الرجل و هو يتأمل اللحية الوقور و الوجه السمح لذاك الشاب الذي يقف قرب نافذته بابتسامة بسيطة يقول بهدوء ..
- السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
قال الرجل ببرود ..
- و عليكم .. خير ..؟
هز سيف رأسه آسفا و هو يقول بنبرة عميقة ..
- رد السلام زين يزاك الله خير .. الله سبحانه و تعالى يقول : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا } ** ..
عقد الرجل جبينه ينظر لسيف بشك ..
- انته صاحي ..؟
- شرايك ..؟
- راز بويهك تعلمنيه السلام .. ؟!! انقلع زين ..
لا تزال الابتسامة الهادئة على شفتي سيف ..
- مشكور و الله يسامحك ..
- شكلك واحد فاضي و ما عندك سالفة و ياي تسويلنا فيها طيب .. بتذلف و الا شوه ..؟
- فالك طيب خوية .. بس لو تعطينيه الليسن أول .. و بطاقة شخصية للأهل لي وياك ..
تدلى فك الرجل في ذهول قبل أن يتلعثم ..
- ليسن ..؟! حق شوه ..؟
- ليسنك و أي بطاقة اثبات هوية للأهل لي وياك ..
- و امنوه انته عسب أعطيك اياها ..
نظر له سيف بهدوء ..
- أولا اتفضل انزل من السيارة ..
فتح الرجل بابه بغيض و هو ينفض ثوبه من رماد سيجرته و يرميها أرضا و يقول بعصبية و يدفع كتف سيف بيده في قوة ..
- انته بتفارق و الا أشل ويهك ابوكس يسنعك ..
في حركة سريعة امسك سيف بيده ليلويها بقوة خلف ظهره و هو يدفعه لمقدمة السيارة و يسأله ببرود ..
- الليسن وين ..؟
الرجل يحاول الانفلات من بين يدي سيف المحكمتين و لكنه كان يقبضه في حركة متمرسة منتظرا اجابة على سؤاله و جسده المديد لا يتحرك .. فيقول الرجل بضيق مع انفتاح باب السيارة و خروج المرأة منها ..
- منوه انته ..؟؟؟
- التحريات ..
شهقت المرأة بفزع و هي تقول شيء ما بخوف و الرجل يصيح باستنكار .. و عينه على السيارة التي فارقها سيف للتو و نزل منها عبدالعزيز الآن متوجها نحوهم ..
- تحريات بجاكوار XF .. هندي تقص عليه ..
تقدم منه عبدالعزيز بهدوء ليلتقط البطاقة و يرميها تحت أنف الرجل و هو يأمره ببرود ..
- الليسن .. و الهوية للي وياك ..؟
قبل أن يقدم الرجل على أي حركة صاحت المرأة بصوت منهار و بدا أنها على شفير البكاء ..
- ما يخصنيه فيه .. هالحيوان ماخذنيه بالغصب ..
و بكت و هي تقول لعبدالعزيز الذي لم يبدو على وجهه أدنى تأثر ..
- أنا ما أعرفه .. و هو شلنيه غصبن عنيه ..
لوح عبدالعزيز بيده في ملل .. لم يكن الدعاء غبيا و فارغا فقط .. بل بدا أحمقا للغاية و دون معنى .. و وجد أنه قد مر عليهم حالات ادعاء و صدمة بعد القبض كانت أقوى من هذه ..
صاح الرجل بصوت مخنوق تحت وطأة قبضة سيف ..
- ما تعرفيني يا كلبة الشوارع ..!!!! أنا ماخذنج غصب يا الحثالة ؟!!.. انتي سبيل يا الخايسة لكل من هب و دب ..
صاحت به في انهيار و دموعها تغسل وجهها المذعور ..
- جب يا النذل .. يا الخسيـ .. ..
تجاهل عبدالعزيز صياحها و انفعالها و هو يقاطعها باشمئزاز ..
- الهوية لو سمحتي ..
كان صوتها متقطعا و غطاء رأسها قد سقط عنها .. و الهواء المعتدل يتلاعب بشعرها .. و هي ترتجف ..
- مـ .. ما .. ما عندي هــ .. هوية ..
رفع عبدالعزيز حاجبه بشك و سيف يركز على الرجل متجاهلا المرأة التي لا يبغي التعامل معها اطلاقا ..
- ما عندج هوية ؟؟ هب مشكلة في المركز نظهرلج هوية ..
و رفع الجهاز اللاسلكي الذي في يده يطلق الأموامر طالبا سيارة شرطة لاصطحابهما و سيف ينتزع رخصة القيادة و مفاتيح السيارة من الرجل ليضعها في المظروف و يمسك دفترا يدون فيه بعض الأشياء .. تجاهلت المرأة عبدالعزيز و صوت بكائها يرتفع و هي تتقدم من سيف ..
- دخيلك خوية .. دخيلك .. أنا ما يخصنيه .. انته تخاف ربك .. استر عليه الله يستر على أهلك .. استر عليه .. و الله أنا بنت عرب و ناس معروفين .. الله يخلييييييييك .. و الله لو يدروون هليه يذبحونييييييه .. و الله بنفضح ..
و اقتربت من سيف الذي انكمش أنفه باشمئزاز من رائحة عطرها .. و هي تبكي قربه ..
- الله يخلييييييييييك .. كلله و لا المركز .. حراااام عليك و الله وراي خوات و أهل .. استر عليه الله يستر عليك ..
لم يرفع عينيه اتجاهها أبدا و هو يتراجع خطوة عنها .. و صوته المحتقر يقول بهدوء ..
- ليش انتي تعرفين الله ..؟!
بهتت للحظة قبل أن تنفجر في جنون و تنطلق نحو الرجل لتضربه بيدها ..
- يااااااا حيوااااان كله منك .. شوف وين وصلناااااا الحين ..
أمسك الرجل بصدر عبائتها المتهدلة يدفعها بعيدا .. و هو يصيح بغيظ ..
- خووووووووزي يا اللوووووووث ..
أطلقت المرأة صرخة قصيرة و انفتحت مقدمة عبائتها كاشقة عن نحرها و القميص الضيق الذي شد على صدرها ..
- ياااااااااا حيواااااااااااااان .. ياااااااااااا حقييييييييييييير .. اللــــــــه يلعنك .. اللـــــــــــه ياخذك ..ياااااا القذرررر .. اللـ .........
و بترت عبارتها و قد بدا الرعب عليها حين صرخ سيف في وجهها فجأة ..
- جاااااااااااب ..
فتحت فاهها قبل أن يلتقط - غترته - التي كانت تلتف على رأسه فيقذفها نحوها بقوة لتصطدم بصدر المرأة التي تلقتها بخوف بين يديها و هو يصيح بها في غلظة ..
- تستري ياا حرمة ..
ضمت الغترة بين يديها بقوة و هي تحاول بذعر اعادة الغطاء على رأسها .. الغريب أن ذاك الرجل لم يلتفت نحوها و لو لبرهة .. كيف علم بأن زمام الحشمة قد انفلت ..!
يده تعتصر الدفتر الصغير .. و هو يشعر بأنه ينفث لهبا لا أنفاسا و هو يحتقرها بقوة ..
- بنت عرب و ناس ..؟ بنت عرب و ناس ..؟ وين العرب و الناس لي انتي بنتهم ..! وين هلج عنج و انتي تحدرين و تظهرين ويا كل الياي و الغادي ..؟! تبينا نستر عليج و انتي الستر ما تدورينه ..!! خفتي من رمسة العرب .. من هلج .. !! ما خفتي من ربج .. ؟؟!! اتقي الله .. اتقي الله .. ما تخافين ربج ياخذ روحج و انتي ترتكبين الاثم ..؟؟ شوه بيسون هلج لي انتي خايفة منهم ..؟ يذبحونج ..
هز رأسه بأسى ..
- آخرتاا بتموتين .. ما خفتي من لي عقب الموت ..؟ جهنم لي بتكونين خالدة فيها أبدا ..
عبدالعزيز يكتف ذراعيه و عينه لا تفارق وجه الرجل الذي تململ في وقفته و المرأة الباكية .. يبدو أن كلمات سيف لا تجد صدى عندهما .. و يبدو أن سيف أدرك ذلك بشكل ما .. إذ قال بأسف ..
- إمرأة .. أعزج الاسلام .. و رفع شانج .. ترخصين بعمرج .. و تسعين للرذيلة .. ليش ؟؟ ما لقيت الا هالدرب .. شوه لي قاصر عليج .. و الله منعم عليج بالصحة و العافية .. اتقي الله .. غيرج أبوابهم مفتوحة للغلط و ما انقادوا له .. اتقي الله ،،
ثم أردف بصوت مقهور و قد بدت لمعة غريبة في عينيه كاد عبدالعزيز يجزم أنها أثر دموع حبيسة .. و صوته يرتفع ..
- اتقـــــــــــــــي اللــــــــــــــه ..
.
.
اتقي الله ..
اتقي الله ..
اتقي الله ..
.
.
يا غافلة ..
يا ساهية ،،
أ تلهثين وراء بريق دنيا زائلة .. وراء اشباع شهواتكِ ..
خلف ارضاء رغباتك ..
أ تسعين لدنيئة و قد رفّعك الإسلام عنها ..
أتكسرين شموخ دينٍ فيكِ .. لا زال يرسم حدود عزتكِ بسترك ..
أ تتقاذفكِ ملذات هنا و هناك .. فتلهيك ..
أ تنغمسين حتى النخاع في الرذيلة ..
أ تصلين لحدود نكران النفس فتضحين مجرد لقمة سائغة لفظتها أفواه الذئاب الجشعة ..
لفظتها .. متقززة .. كارهة .. شبعة ..
لفظتها ملوثة .. مغرقة بالقذارة ..
أي فاه قد يدنو منكِ بعدها ..؟!
أ تعلمين .. ؟ أم لا تعلمين ..؟!
أم أنكِ تنسين ذلك يا ترى ..؟!
.
.
لا زال رب يعتلي عرش السماء .. هو الصبور ..
يراك .. و يشهدكِ و تشهد قسمات ذنبكِ عليك ..
يتوعدكِ حشرا مع زمرة الخائبين ..
لتجرين على وجهكِ يوم الدين ..
مصركِ حيث تلقين ..
الحُطمــــة
الحُطمــــــــة
الحُطمـــــــــــــة ،،
نار الله الموقدة ..!
.
.
رباه أجرني و أجر أهلي و أجر من يقرأ أحرفي و من يلقى لها صدى ..
رحمتك يا ربي .. رحمتك ..!
.
.
كان يلهث بشيء من العصبية و هو يضم الدفتر و رخصة القيادة و يأمر عبدالعزيز ..
- هويتها ..
بكت مجددا و هي تسبق عبدالعزيز في الرد ..
- ما عندي هوية .. ما عندي .. دخيلكم خلونيه أسير البيت .. استروا عليه .. و الله ما أعيدها .. و الله ..
تجاهل الاثنان توسلاتها و قد بدا الضيق على صاحبها و يتحرك في مكانه بتوتر .. حين ظهرت مقدمة سيارة الشرطة عند أعلى الشارع القادم من الأسفل ليلتقط عبدالعزيز الجهاز اللاسلكي و يهتف بهم ..
- بي أم سودا .. يمين ورا المطعم ..
لحظات و تتقدم سيارة الشرطة بثقة .. حتى تصل إليهما فتتوقف بهدوء .. ليفتح بابيها و ينزل منها رجلين بملابس الشرطة الرسمية .. يتقدم الأول من عبدالعزيز فيسلم عليه ..
- السلام عليكم ..
ليرد الاثنان و الأول يسلم على سيف ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
تقدم الثاني ليسلم عليهما ثم يلتقط الدفتر من يد سيف .. و رخصة القيادة ..
- بو سعود شحالك ..
- بخير الله يعافيك .. و شحالك يا خوي .. ربك بخير ..
- بخير يعلك الخير .. بو هناد .. جيف الحال ..
- الحال طيب يا خميس .. و من صوبك ..
- كل شي يسرك ..
و انتزع الورقة من دفتر سيف و سيف يتبادل الأخبار مع الشرطي الآخر الذي سأله ..
- الحاله ..؟
أجاب سيف بهدوء ..
- خلوة ..
- و البطايق ..
- الليسن ويا خميس .. و الأخت ما عندها اثبات هوية ..
اقترب الرجل من سيف يسأله بخفوت ..
- متأكد خلوة ..؟!
أجابه سيف بهمس مستاء ..
- هدت علينا و تقول ماخذها غصب .. و اكيد ما بتخلي هلك ظاهرين قدام الشطرة و ييرونك التحريات دون ما تقول شي .. حتى ما أنكر .. !!!
هز الرجل رأسه دون أن يجيب قبل أن يتقدم ليقتاد الرجل و المرأة للجلوس في المقعد الخلفي من سيارة الشرطة .. و نحيب المرأة يرتفع .. اقترب سيف ليمد للرجل مفاتيح سيارته .. و هو يقول له بهدوء ..
- حبس .. و يمكن تظهر بغرامة .. بس وين بتروح من رب العالمين ..؟! فكر اذا يستاهلن انك تضيع دنياك و آخرتك عشانهن ..؟!
رفع الرجل حاجبه ببرود ..
- خلصت ..؟
ظل وجه سيف الجامد يراقب الرجل بسكون للحظات طويلة قبل أن يهمس ..
- فكر اذا فضلة الغير و النتنه .. اذا الشي المستعمل يغنيك عن الحلال ..؟!
لكن أي انعكاس لاحساس بسيط لم يلح بريقه في تلك العينين الجافتين و صاحبها يشيح بوجهه متجاهلا ..
معاندا ..
مصرا على ذاك المصير الأسود الذي لا زال في انتظاره ..
بعد عبارات التوديع المختصرة انطلقت سيارة الشرطة دون ضوضاء كما أتت تجنبا للفت الأنظار ..ظل سيف واقفا للحظات ينظر في أعقابها بصمت و هو يضع يديه في جيبه ..
عبدالعزيز يقف خلفه هو الآخر بهدوء انتقل له من صديقه .. دوما هذا الانفجار يحدث ..
دوما يستغل سيف لحظات مسروقة ليقذف ببضع كلمات أغلبها لا يلقى صدى في مسامعهم المتحجرة ..
تقدم منه بهدوء يمد له غترته التي ألقتها المرأة أرضا قبل رحيلها و هو يقول ..
- يا الله يا خوي .. باقي نص ساعة ع الزام خلنا ناخذ لنا لفة ..
التفت سيف بطرف عينه ليرى غترته الممدودة .. انكمشت ملامحه بقرف و هو يلتقطها بيده متجاهلا رائحة العطر النسائي الذي التصق فيها .. فيلفها بيده بقوة ..
يقترب من السياج الحديدي الذي يلتف حول قمة الجبل .. يحتضنهم خوفا من الهاوية التي لاحت في الأسفل ..
أضواء المدينة المترامية الأطراف في الأسفل .. نقاط من النور تنتشر هناك في خطوط منظمة ..
هواء الليل بدا أكثر برودا على القمة من حر الأرض و هي تحرك شعره القصير و هو يرمي الغترة بكل قوته للأسفل .. فتنفرد في الهواء .. لتنزل ببطء .. تهوي .. تهوي ..
يراها تتعلق بصخرة الآن .. شيء ما يخيفه كل ما رأى مثل هذه المناظر ..
كلما وقعت عيناه او يداه على مثل ما وجد هذه الليلة .. هاجس مرعب يجتاحه ..
هل تغلغل شيء من خبث الدنيا لبناتهم ..؟! هل هناك لطخة تلوث نقائهم في غفلة ..؟!
أغمض عيناه بقوة يبعد تلك الفكرة السوداء .. و هو يهمس ..
.
.
.
- يا الله استر على بناتنا ..!

* * * * *

صوت موسيقى الروك الأجنبية الصاخبة يتردد بقوة بين الجدران و تتجاهل النبض المتألم الذي يغزو أذنيها .. و هي تنظر لجسدها في المرآة برضا .. ببنطالها الواسع منخفض الخصر و قميصها الفضفاض .. و ذاك الاكسسوار الجلدي التي تعلقت به بعض الأحجار في عنقها و شبيه به قيد معصمها بغلظة ..
بدت تهز خصرها بقوة على أنغام الموسيقى و ايقاع طبلها .. كانت تتحرك بجنون .. عيناها المغمضتين لا تفتحهما و هي تقوم بتلك الرقصة الغريبة التي راحت تستفز على ذرة في جسدها للارتجاج ..
دقائق طويلة قبل أن تلقي بنفسها على فراشها بقوة ليئن هو الآخر تحت ثقلها .. و يختلط صوت اهتزازه بتصادم الأحجار في معصمها و العنق ..
عيناها المغمضتين لا تفتحهما .. و الموسيقى المتواصلة تتوقف عند نهايتها .. ليسود الغرفة الصمت المطبق ..
لحظات و يرتفع رنين هاتفها بصوت يشق الهدوء .. الرنين الذي لم يكن بهذا العلو حين تجاهلته عدة مرات و هي ترقص ..
انقلبت على بطنها و هي تمد يدها لطاولة السرير و تلتقطه بملل ..جبينها ينعقد بقوة ..
الرقم الغريب نفسه ..! ضغطت زر الرد بقوة و هي تجيب بصوتها الخشن ..
- نعم ..؟
الصوت الرجولي الناعم المألوف يتدفق عبر الهاتف لأذنها .. كان عليها أن تتوقع ذلك ..!
- هلا حبي ،،
عادت تقول بشيء من القوة ..
- نعم ..؟
الضحكة الخشنة المجلجلة زادتها ضيقا و الصوت يخفت و هو يدنو من الهمس ..
- الله ينعم بحالج .. ريلاكس .. ما تحسين انج ماخذة الأمور بعصبية ..
تأففت بصوت مسموع و هي تقول بصبر ..
- حمدة .. من وين يبتي رقميه ..؟
كان الصوت أقرب للفحيح الآن و أنفاس تلك تصلها عبر الهاتف ..
- حمدان يا الشيخة .. حمدان يا قلبي .. هب صعبة .. و الا ناسية أنا ولد منوه ..؟ أنا أروم أييب عنوان بيتج و شوه تسوين فحجرتج الحين ..
شخرت شيخة ساخرة ..
- حلفي والله !
- عندج شك ..؟
- هه .. هيه .. مليون شك .. ناسية انيه بنت علي بن سيف .. حبيبتي .. نحن هب أقل عنج .. لا تيلسين تتعنترين عليه .. سيري العبي ع المخبل لي يالسة تعيشينهن على حسابج ..
تأوهت تلك بنشوة ..
- آآآآه .. عيديها .. مرة وحدة عيديها ..
عقدت شيخة جبينها ..
- أعيد شوه ..؟
همست حمدة بصوتها الأجش ..
- حبيبتـــــي ،،
مطت شيخة شفتيها بضيق .. و تلك تتابع بنبرة متلهفة ..
- و المخبل لي هب عايبينج نفرهن ورا الشمس .. كم شواخ عدنا ..
- حمدووو .....
قاطعتها منبهة ..
- حمدان ..
تنهدت شيخة بملل ..
- كله واحد .. أحين ليش متصلة .. شوه تبين ..؟
- أباج ..
- شوه تبين ؟؟؟؟؟!!!
- أباج .. و انتي تعرفين شوه أقصد .. من زمان عايبتنيه .. بحركاتج .. بغرورج .. و مكابرتج .. تعرفين أنا كنت أروم أفر هالعنزة لي يسمونها راية من دربيه .. بس شفتج متعلقة ابها .. و ما بغيت أكسر بخاطرج .. الحين يوم فضى الجو .. ما عنديه نية انيه أودرج .. بس انتي مادري بلاج انقلب حالج مرة وحدة .. حبووو .. انتي هب اول و لا آخر وحدة تحب و يخونونها .. الخيانة هب مشكلة .. المشكلة كيف تربين الكلبة لي تخونج ..
عقدت شيخة جبينها مستفهمة ..
- شوه قصدج ..؟؟
- قصدي هالحقيرة لي خانتج .. راية العنز .. أنا بربيها لج .. و أخليها تحترق من الندم ع لي سوته فيج ..
رفعت شيخة و قد راق لها الأمر نوعا ما ..
- و كيف نا وية تربينها ان شا الله ..؟!
- بطرقي الخاصة .. بس على شرط ..
- شرط شوه ..
كان صوتها خبيثا و هي تعرض عليها الأمر ..
- تعطينيه فرصة .. أنا ما أطلب منج شي الحين .. بس أبا اخاويج .. ابا أتعرف عليج و نغدي ربع .. صعبة ..؟
ارتفعت شفة شيخة العليا بشيء من الكبر ..
- متأكدة هذا لي تبينه .. ربع ..؟
- هيه يا بعدهن .. أي شي يريحج يريحنيه .. ودي انيه أتقرب منج .. شرايج ..؟
-تاملت شيخة اظافرها ببرود ..
- حاليا ما عنديه خلاف .. بس عطينيه وقت بعد ..
- بعطيج العمر كله .. غناتي .. بس عطفي علينا شوي .. على فكرة .. الخميس الياي مسوين حفـلـ .....
قاطعتها شيخة دون تفكير ..
- الخميس الياي أنا مشغولة ما روم أسير مكان ،،
تنهدت حمدة بخيبة و صوتها الخشن يقول بغلظة ..
- هب مشكلة حبووو .. بيي الخميس لي انتي هب مشغولة فيه ،،

* * * * *

نظرة واحدة لعقارب الساعة التي كانت ساكنة على الثالثة فجرا أكدت أنه لا زال أمامها ساعة كي توقظ إخوتها ليتابعوا مذاكرتهم قبل انطلاقهم للمدرسة .. سحبت نفسا عميقا و هي تعيد النظر لنافذة المطبخ ..
اعتادت هي و المها وعفرا في صغرهن على الارتقاء لسطح المنزل عبر ركوبها ثم التشبث بحافة مكيف المطبخ .. ليتعلق ببروز ناتئ في سور السطح القصير .. لكنها لم تجرب ذلك منذ سنوات .. أصبحت هذه خبرة نايف ومزنة الآن .. ابتسامة شقية ناوشت شفتيها و هي تلبي نداء خفي للارتقاء مجددا..
الجميع رقود الآن .. لن يشعر بها أحد .. ! لفت غطاء شعرها حول رأسها و تلثمت به جيدا .. فتحت النافذة ليتدفق هواء ليل الصيف دافئا ..استنشقته عبر اللثام الذي كان يحجب أنفاسها .. تمسكت بحافة النافذة لترفع رجلها و هي تخرج منها .. كانت ضيقا أكثر مما كانت عليه قبلا ..! حشرت نفسها فيها .. وتمسكت بالمكيف الذي كان أقرب .. و هي تبحث عن ذاك البروز القديم .. ابتسمت بفرح حالما لامسته بأناملها ..
خشونة الجدار وسطحه الجاف .. أمسكته جيدا و هي ترفع نفسها للأعلى ..وضعت قدما على السطح ثم الأخرى .. استوت واقفة و هي تكتم ضحكة .. و عينها تقع على الأرض تحتها .. لو أنها انزلقت أو سقطت ..
تخيلت فقط ما الذي كان ليحدث .. سيصدم الجميع حتما بذلك .. أولهم هو ..
هو ..
هــــو ..
.
.
انفلتت منها تنهيدة عميقة و ابتسامتها تلك تذوي .. وأناملها تنزع حجابها .. تحرر شعرها ببطء وهي تقف وسط السطح المظلم .. خيوط الضوء الضئيلة لم تتعالى لتصل إلى هنا لا زال تواضعها يجبرها على التزام الأرض ..
عيناها تجولان في السطح الفارغ .. ما زال هو نفسه .. أعشاش الطيور القديمة في تلك الزاوية البعيدة تتبينها بصعوبة وسط الظلام .. تلك التعرجات للسطح ..
تقترب من حافة السطح لتسند ذراعيها عليه .. تشعر بشعرها ينسل على ظهرها بهدوء .. متحررا ..
تتغلغل غرتها بأصابعها .. لتريحها على خدها .. نفس عميق تملأ به رئتها .. و دفء الهواء يتسلل للداخل ..
كانت عيناها تجوبان الطرقات أسطح المنزل المجاورة .. و ما تحتضنه أسوارها المنخفضة .. هذا بيت جارهم أبو سالم .. و هذا بيت امام المسجد عبدالسلام .. هذا هو بيت أم العنود ..
العنود .. جارتهم الصديقة .. فتاة ألفوها منذ عمر .. حتى أتى نصيبها لتشد الرحال إلى بيت زوجها .. ها هو المسجد .. و تلك البقالة ..
انقبض قلبها في حزن غريب .. و اسرار وجع أرادت أن تبوح به لهذه الصور بدمعة ..
كم هي حبيبة .. كم هي حبيبة ..
هذه الأرض .. هذه المساكن .. ببساطتها ..
و بساطة سكانها .. و أحلامهم . ضحكاتهم .. ودهم .. و تقاربهم ..
كيف سيقدرون على ترك البقعة التي احتضنت أرواحهم لأعوام ..؟!
كيف ستجد في نفسها القوة ..؟! كيف ..؟
هنا رسمت أحلام بألوانها الوردية .. هنا توجعوا .. و ضحكوا ..
هنا ضاقت بهم حدود الكون .. و هنا انطلقت بهم الحياة فلم يعودوا يسابقوا اندفاعها ..
هنا أمنيات تدفن في التربة .. هنا ذكريات وزعت على تلك الزوايا الغابرة ..
.
.
و هنا خطوات غفت على عتبات الرحيل ..!
.
.
هنا لها جزء من الروح حتما ستتركه خلف بين هذه الأزقة .. و هذه النوافذ .. و أحجار الطيب ..
تعب بعشق هذا الهواء الدافئ .. تنتزع منه أنفاسا طاهرة ..
شهقة مكتومة فزعة اختنقت في تلك الراحة الكبيرة التي أطبقت على فمها و أنفها تكتم أنفاسها و صوتها .. حين التفت قبضة قوية على ذراعها الهشة .. تحاول يجنون الانفلات .. و صوتٌ هامس يصل لذهنها المذعور ..
- أوصصصصص .. أنااا غيث لا تخفين ..
لحظات مقامة أخرى قبل أن تسترخي حين أدارها نحوه .. لتتبين وجه على الأضواء البعيدة في الظلام .. عينيه الواسعتين التي لا ترى إلا لمعتها .. ظل أنفه الطويل المستقيم .. و شعره الكث بدا لها فوضويا .. انتزعت راحته من فمها بقوة و هي ترتجف ..
- روعتنييييه .. صاحي تيي من ورايه .. كان عفدت من فوق .. و الا وقف فواديه من الخوف ..!!!
لم يجبها .. يتأمل بعينيه .. خيالها .. و حدود صورتها .. التي ترسمها أضواء الشارع البعيدة ..
لا تعلم أنه قضى لحظات طويلة يدرس تفاصيلها في غفلتها ..!
كان شعرها الطويل ينسدل على طول ظهرها .. متناثرا الآن حول كتفيها .. قاوم رغبة غريبة في دفن وجهه في شعرها و هو يمد ظاهر يده يلامس خدها .. و يقول بخفوت ..
- لو عفدتي .. عفدت وراج ..
ارتعدت و هي تشيح بوجهها .. تقدم من سور السطح يريح ذراعيه مستنشقا الهواء .. و عيناه تتأمل المنظر أمامه .. وقفت هي قريبا من الحافة تراقب المنظر .. وصلها صوته يقول بضيق ..
- لي يطلع السطح يروم يشوف كل البيوت .. !!
لم تجبه .. و لم ترد عليه .. التفت نحوها .. انكمش قلبه من مرأى لمعة الدمع في مقلتيها ..
اقترب منها ليجذبها من ذراعيها نحو الحافة .. بدا وجهها أكثر وضوحا ..
.
.
يرى في عينيها ذاك الحطام ..
تلك الأطلال المهجورة .. بمنازلها المهدمة ..
بأسقفها التي تمددت أرضا .. طريحة النسيان ..
بنوافذ تناثر زجاجها سويا و الإحساس ..
تلك الطرقات الخالية ..
لا آثار تطبع على جبينها الحالك .. الموشح أسىً و سكونا مظلم ..
لا أنوار تنعكس في مآقي أكواخها الخاوية ..
بدت مشتتة .. أم خائفة لا يعلم ..
و لكن هناك رجاء صامت نطقت به عيناها ..
قبل أن تشيح بوجهها ..
.
.
شعر بإدراك غريب .. مسه بقوة ..!
قد تكون متوجعة ،،
ممزقة .. و لا يجرؤ على خدش تماسكها الخادع ..!
سيتركها الآن ..
واثق بأنها ستبوح له ذات ضحكة ،،
عن سر دمعتها التي تشبثت بأطراف الهدب المطرِق ..!
.
.
نامت عيونك
وصحى الليل مظنونك أغاني
قصّت جناح الثواني ..
غيبتك
وصارت الساعة أماني

وآهـ ..آهـ
أنا حروفي في غيابك
لا هي حكي ولا هي قصيد
أكتب الظلما وأعيد
وإنت يالفجر البعيد .. نامت عيونك
.
.
لحظات من الصمت .. كان يتأمل فيا أسقف البيوت البعيدة .. متجاهلا وجودها لسبب لا يعرفه ..
لملمت هي فيها تلك المشاعر الخرقاء التي تمزقها .. و هي تتأمل الفانيلة القطنية و الإزار اللذان يرتديهما ..
يبدو واضحا من صوته الأجش ان نهض من نومه .. كيف شعر بوجودها هنا يا ترى ..؟!
سألته ذلك بصوته المرتعش ..
- كيف عرفت انيه هنيه ..؟!
مد يده .. أمسك بيدها .. جذبها بتملك يدنيها منه .. ليحتضن كتفيها .. وجهها للأمام حيث ينظر .. متأملا الأفق .. أنفاس تحرك شعرها .. و يستنشق هو رائحة حلوة من شعرها .. قال بهدوء ..
- وعتنيه خطواتج ..
اتسعت عيناها فجأة ..
- سمعتنيه أمشي ..؟!
- هيه .. هب متعود ع الازعاج .. هب كل ليلة يعفدون ع السطح فوق حجرتيه ..!
لا تدري لما شعرت أنه يبتسم .. و دون أن تشعر ابتسمت بهدوء هي الأخرى ..
.
.
يا ساحر البسمه .. أساهرك نجمه
وابسمعك كلمه .. كلمه و لو كلمه
قم نادني .. يالله عسى تحتاجني
وإن مر ليلي ما سألت
وإن زاد ظلمك ما عدلت
.
.
كلمات فاطمة تدوي بشكل مجنون في رأسها ..!
كان ساكنا للغاية .. يسند ذقنه على قمة رأسها .. يداه مشبوكتين .. و ذراعيه تلتفان حولها ..
للحظات شعرت بأنهما هنا ..
دون الماضي .. دون المستقبل ..
هنا لهذه اللحظة فقط ..
أرخت أهدابها و أمنية غريبة انبثقت من العدم تراودها و هي تتول لو أن هذه اللحظة تطول ..
و تطول ..
حتى تجد معنى أو مسمى .. او تفسيرا .. لهذا الشعور ..!
سحبت نفسا .. عميقا .. و هي تشعر بأنه تدين له بكلمة ما ..
- مشكور غيث ...
كان صوتها يرن باسمه غريبا على مسامعه و هو يتسائل بهمس ..
- على شوه ..؟
أخفضت رأسها و هي تقول ممتنة ..
- على كل شي سويته لنايف .. و على ...
صمتت لبرهة و ينتظرها هو أن تتم عبارتها .. كان صوتها هامسا ..
يكاد لا يسمع ..
- و لأنك هنيه ..
أغمضت عينيها بقوة .. و هي تشعر به يطبع قبلة عميق على قمة رأسها ..
.
.
إسهر معي ليلة
حاول تحس بلوعتي ليلة
عد النجوم وش كثرها.. ياللي بقلبي كثرها
نام .. القمر فـ وسادتك نام
ليتك تغير عادتك
خل القمر ليله.. يسهر معي ليله ***

* * * * *

كان صوتها الناعم مهزوزا و متهدجا و هي تعتصر هاتفها ذو اللون الزهري الأنيق بأصابعها مطلية الأظافر ..
- خالوووه ،، يقولون بيسكنونهم في البيت العود ..!
شخرت خالتنها بصوت ساخر مؤكدة ..
- ما يرومون فديتج .. عميه سيف ما بيطيع .. رايغ ولده من ثلاثين سنة تبينه اييب عياله الحين ..
شعرت بدفء دمعتها تحتضن وجنتها و هي تعارضها ..
- لااا .. خالوه يدي سيف هو لي طالبنهم و يباهم ينتقلون البيت العود .. يباهم ..يباهم ..
بدا الذهول جليا في صوت خالتها و هي تشهق ..
- عمي سيف لي طلبهم ..! كيف ..؟؟؟ و متى هالرمسة ..؟؟
أسندت جبينها براحة يدها و هي تبكي ..
- مادري .. مادري .. يدوه خبرتنيه ..
صمت مطبق لدقائق طويلة لا يقطعه سوى تنهدات عوشة و خالتها تنصت بغيظ ..
- و انتي ليش تصيحين ..؟؟
اختنقت شهقاتها بشكل مفاجئ .. قبل ان يتهدج صوتها مجددا بنبرة متألمة ..
- خالووووه .. بتيي الحقيرة .. بتيي ويه الفقر ..
كان صوت خالتها باردا للغاية .. لا أثر للتعاطف فيه .. جمد أوصالها ..
- قصدج بتيي حرمته ..
بكت عوشة بقوة و كأنا خدشت تلك الحقيقةاحساسها ..
- هي الحيوانة .. بتسكن وياه في نفس البيت .. خالوه ماباها تيي .. مادري .. مادري شوه أسوي ..
تدفقت قسوة خالتها و هي تقول ..
- شوه بتسوين بعد انسيه .. هالغيث ما يستاهل ظفرج .. - ثم تنهدت و هي تقول بنبرة ذات مغزى - ألف واحد وده بثارج .. انسيه ..
هزت رأسها رافضة الموضوع بشدة ..
- ماروم خالوه .. و الله أحبه .. حتى لو ما يعطينيه ويه .. حتى لو ما يشوفنيه و لا يشلنيه من قاع .. حتى لو ما يعبرنيه .. لو يدوس عليه أحبه ..
و قاومت رغبة في قذف الهاتف على الجدار المجاور ..
- و هاي الخايسة المفلسة انا أعرف كيف بخوزها من طريقي ..

* * * * *

هي المرة الثانية .. التي تقودها النفس لهذا الشارع المغبر .. لهذه البيوت المتعبة .. بجدرانها الطينية .. بأبوابها الحديدية الذي زال طلائها .. بنواقذها الضيقة ..
بيوت بدا بيت عمها في عينها أكثرها تماسكا بجدرانه البيضاء التي تلطخت جذورها بالأتربه البنية .. فتحت باب السيارة تخرج من رفاهيتها لهذا العالم البسيط في الخارج .. عاصفة الأصوات لفتها حالما كشف فتح الباب فرجة للخارج .. أصوا السيارات البعيدة و أبواقها القادمة من الشارع العام .. ضحكات أطفال يلعبون بدراجة هوائية أمام البيت المقابل .. و صرخات حماسية لؤلئك المراهقين الذي يلهثون خلف الكرة .. عيناها تدوران في المكان و الاحساس غريب بالألفة و الحميمية يكسو هذه البقعة من الأرض .. ابتلعت ابتسامة لا تدري لها سببا أرادت الظهور على شفتيها .. حين قررت القدوم للمرة الثانية إلى هنا تأكدت من أن الإمتحانات قد انتهت .. و أن الاجازة الصيفية قد بدأت .. كانت الارتباك يتملكها و هي قادمة .. هذه المرة الأولى التي تراهن فيها بعد العزاء .. ثلاثة أشهر و نيف مضت على ذاك اللقاء .. كيف سيكون استقبالهن لها يا ترى ..؟!
تمنت بعمق أن لا يكون أخاها متواجدا .. ها هو الشهر يقارب آخر مرة رأته فيها حين كلمها عن أمر الخطبة .. تشعر بأنها لن تقوى على رؤيته بعد تلك الرسالة التي أرسلتها و رفضها الرد على مكالمته تلك الليلة ..
لا تخفى عليها عصبيته و كرهه لمثل هذا الفعل و التجاهل .. و لكنها لم تجد في نفسها الشجاعة لمقابلته .. رغم أنه زارهم في البيت مرتين الا أنها تعلثت بأسباب واهية كي تخرج حين قدومه ..
هل يمكن أن تراه هنا يا ترى ..؟!
دفعت قدماها للتقدم من الباب المفتوح على مصراعيه .. و فكرت بأنهم لا يتركون أبوابهم مرحبة هكذا .. بل أنهم يوصدونها .. دلفت بهدوء للداخل .. و تقدمت تقطع الممر الذي سبق لها زيارته .. قبل أن تبلغ الباب الذي يوصل ممر المجلس بالحوش .. خرج فتى يركض بسرعة ليصطدم بها .. فتتمسك بالجدار قبل أن تقع أرضا و يتراجع هو إلى الخلف بصدمة .. استقامت بهدوء في وقفتها و هي تتأمل ذاك الفتى الذي يقف على أعتاب المراهقة و عينيه الواسعتين اللتان كستهما الآن نظرات الحذر بدل الصدمة و عيناه تجولان على تلك الشابة الغريبة .. بوجهه الجميل و غطاء رأسها المحكم المزين الأطرف .. و ذاك النقش الدقيق الملون في عبائتها .. بدت أنيقة للغاية و جميلة .. مظهرها المختلف لم يتلائم قط مع بيتهم المتقشف ..
من هذه الغريبة ..؟! و ماذا تفعل في بيتنا ..؟!
صوتها الناعم تدفق لمسامعه و هي تبتسم بلطف ..
- السلام عليكم ..
عيناها الواسعتين ..! رآها في مكان ما .. بدت مألوفة للغاية .. جعل صوته غليظا و هو يجيبها برزانة ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا الساع ..
اتسعت ابتسامتها و هي تسأله ..
- آممم .. انته نايف ..؟!
عيناه تضيقان لبرهة قبل أن يقول ..
- هيه .. منوه انتي ..؟!
- أنا روضة .. روضة بنت عمك علي ..
ذهنه الصغير .. يحلل الأمر قبل أن تنفرج شفتيه بابتسامة كبيرة ..
- أخت غيث و حامد و أحمد ..
ارتفع حاجبيها باعجاب و هي تقول ..
- هيه أختهم أنا ..
تنحى جانبا عن مدخل الحوش و هو يشير بيده نحو الداخل ..
- سمحيليه و الله ما عرفتج .. حياج يا بنت العم .. قربي ..
أخفت دهشتها من كلمات الفتى و هي تبتسم له ..
- بالحل فديتك .. قريبة .. حد داخل ..
- محد غريب .. بس البنات ..
ترددت لبرهة قبل أن تندفع لتسأله ..
- غيث خوية هنيه ..؟!
عقد حاجبيه في حيرة و هو يشير للمجلس ...
- هاي حجرة غيث .. بس هو ما يي الا فالليل .. يظهر الصبح و يرد عقب العشا ..
لا تدري لما انتابها الاحراج و هي تهز رأسها بهدوء ..
- مشكور حبيبي .. يا الله أنا بحدر الحين ..
أخفض نايف رأسه بخجل و هو يجيب ..
- حياج الله .. أنا بسير ألعب ويا الشباب ..
ضحكت بخفة حين سمعت كلمة - الشباب - ..
- الله يحفظك ..
ابتسم لها نايف ابتسامة كبيرة ظهر من خلفها صف أسنانه البيضاء .. قبل أن يجري للخارج و عيناها تتبعه بود .. لماذا يبدون سكان هذا البيت بهذه البساطة حتى في تعاملهم ..؟!
بدا الوترت يتصاعد بخفة في روحها مجددا و هي تجتاز الباب للحوش .. لم يكن عليها أن تدلف للداخل حتى تجد الاستقبال ..
أمام ناظريها مباشرة في اللحظة التي وطأت في الحوش .. التفتت لها الرؤوس جميعها .. في تلك الثانية عيناها المضطربتين تستوعب هذه الوجوه القريبة منها في الحوش الضيق ..
الطفلتين اللتان انبطحتا على طنيهما و هما تقلبان في دفتر ملون كبير .. لم تتبين معالمه من هنا .. و احدى الفتيات تستلقي على ركبة أمها التي كانت تشرب الشاي و تراها هي للمرة الأولى بلا برقع .. و ثلاثة فتيات اجتمعت رؤسهن حول شي ما في يد اللتي جلست في الوسط .. ليرتفع رأس اثنتين منهن نحوها حين دخلت .. و تتأخر الثالثة في ذلك حت انتبهت لانشغالهن عنها بشيء ما .. لترفع رأسها هي الأخرى .. كان صوتها مرتجفا و هي تسلم بخفوت ..
- السلام عليكم ..
نهضن جميعهن و نهضت أمهن فور شعورها بدخول أحد ... حتى الطفلتين وقفتا ينظرن نحوها بفضول و الجميع يرد سلامها ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
تقدمت خطوتين لتصل إلى - الزولية - القديمة فتخلع حذائها الثمين قبل أن تخطو نحو أم نايف لتسلم عليها ..
كانت المرأة تبدو صغيرة السن ..! ملامح وجهها الجميلة رسمت عليها الأيام خطوطا واضحة .. تحكي كم من الشقاء قد مر عليها لتتجاوز سنوات عمرها الحقيقية .. تسائلت في داخلها لما تبدو صغيرة و ضئيلة رغم أن ابنتها الكبرى تقارب الرابعة و العشرين من العمر .. بروز بطنها .. أكد الخبر الذي وصلهم بأنها تنتظر مولودا من ذاك الراحل .. كانت أم نايف تبتسم بحبور مرحبة .. هل تذكرتها يا ترى ..؟! أقبلت روضة و سلمت عليها بشيء من القوة و الدفء .. لا تدري لم شعرت بأنها تطمس كل السنوات و الحواجز حين تصل لحدود حنانها ..!
انتقلت لتسلم على الفتاة التي كانت تستلقي على ركبة أمها .. ابتسم لها بحرارة .. و الارتباك يبدو جليا على روضة ..
- مرحب الساع .. حيا الله من يا ..
تعرفتها روضة فورا .. و تذكرتها .. هذه بالتأكيد دانة .. التفتت نحو الفتاة الجميلة الانطبعت ملامح مصغرة عن امها على وجهها تبتسم بود .. و عيناها الواسعتين دافئتين .. دنت منها لتقوم المها بحركة مرحبة و تحتضن ابنة عمها بترحيب .. شعرت معه روضة أن دموعها تهددها .. رفعت بعدها عينها إلى حور .. ملامح وجهها الصافي .. تلك التي أثارت دهشتها للمرأة الأولى .. حقا لا تجد شيئا يقارب وسامة أخاها الخشنة .. تلك الصلابة في عينيه لا تقارب أبدا ذاك الحنان و البساطة على وجهها .. هذه أكثر من كان يربكها لقاؤها .. شعرت بأنها ستلمس الصد مرة اخرى .. و لكن ابتسامة خجولة علت شفتي حور و هي تقترب منها و تسلم عليه بحرارة .. تنفست الصعداء ثم سلمت على عفرا التي كانت تنظر لها باهتمام .. ملامحها تقارب ملامح أخواتها .. و شبه عام يربطهم باستثناء المها التي بدت أكثر شبها بأمها .. كان صوت حور هادئا .. مبحوحا .. و هي تشير لها بالجلوس قرب الوسادة الثقيلة التي وضعت للاتكاء ..
- مرحبا و الله حيا الله من يا .. قربي ..
احراج طفيف شعرت به و هي تجلس بكامل أناقتها وسط بساطتهن .. رغم محاولاتها الحثيثة لارتداء أبسط ما لديها .. الا أنها شعرت بأنها مبهرجة جدا ..
- لمرحب باقي . قريبة يعلنيه فداج ..
و جلست بهدوء حيث أشارت حور .. و جلسن جميعا معا .. هبت المها نحو الصحن الكبير الذي وضع في وسط الجلسة .. فيه حافظات قهوة و شاي .. و أكواب و فناجين .. و صحنا كبيرا من البسكويت المالح و ضعته أمامها .. و أدنت منها وعاء التمر .. بعد أن صبت لها فنجانا من القهوة .. التقطت منها الفنجان و هي تلتفت لزوجة عمها التي حركت يدها في حركة سؤال و صوتها ينطلق بلهجة مكسرة ..
- اشحااا .. اتي بخيي ..
علمت روضة فورا أنها تسألها عن حالها .. لذلك أراحت يدها على صدرها بابتسامة و هي تجيبها بصوت تحاول أن ترفعه قدر الإمكان ..
- الحمـــــــد اللـــــــــــه .. - ثم قامت بنفس حركة السؤال التي أدتها أم نايف للتو - شحااااااالج عمووووه ..؟!
هزت أم نايف رأسها بابتسامة ..
- ابخيي .. أعافييج .. حااا الله ...
شيء في هذه الصورة أراح روضة بصورة ما .. كان لقاءهم بلا وجع كتلك المرة ..!
- الله يحييج ..
التفتت لها حور بهدوء ..
- شحالج روضة .. ربج بخير ..
ابتسمت روضة لها .. نطقها لإسمها بهذه السهولة جعلها تشعر بالألفة كأنها تعرفهن منذ وقتٍ طويل ..!
- بخير يعلج الخير .. شحالج انتي ..
- يسرج الحال .. هلج شحالهم ..
- فنعمة .. ما يشكون باس ..
راحت تتبادل الأخبار مع كل واحدة منهن حتى الصغيرتين .. المها اعتمدت معها اسلوب أمها في الحركات .. لا تدري لما ترى هذه الفتاة مميزة ..!
لحظات صمت طويلة محرجة لم تدري ما تقول خلالها .. كادت أن تندفع لتسأل حور عما اذا كانت تدرس أم لا حين ارتفع صوت فتاة تصيح بلهجة غريبة و هي قادمة من الداخل ..
- و عندااااااك اتنييييييين كوباااااااية شاي لسيييييد المعلمييييييين الفتوة حسنييين..
و توقفت في منتصف الجلسة أمام الصينية قبل أن تضع الصحن الذي ارتفع عليه كأسين من العصير و عيناها تتجمد على وجه تلك المتفاجأة قبل أن تغمز باحراج ..
- أخخ فشلة .. ايي نعيد اللقطة ..؟!
ثم عادت خطوتين بسرعة للوراء لتختفي في الصالة و الصحن لا يزال بيدها .. لتخرج مرة أخرى بخطوات بطيئة و ابتسامة حلوة و هي تقول بهدوء ..
- السلام عليكم ..
ابتسم الجميع و روضة تضحك بخفة ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
- مرحب مرحب .. أقول النور طاغي اليوم ..
هبت روضة واقفة تسلم عليها ..
- منورة بهلها .. نورة صح ..؟!
- صحين .. هاف أ سيت ..
- ثانكس ..
و جلست و هي لا تزال تبتسم .. و دانة تقول بأسف ..
- السموحة منج بنت العم .. لا تخافين .. هاي حالات هياج تيي نورة أحيانا ..
ضحكت روضة ..
- لا عادي نتعودة ..
عقدت نورة جبينها ..
- ايييييه انتي وياها .. حالات هياج و متعودة أونه .. لو يسمعكن شاروخ بيتحرا السالفة صدق ..!
هزت حور رأسها بضحكة و عفرا تقول ببؤس ..
- يا ها المشروخ لي ما خليتيه فحاله ..
رفعت نورة حاجبها ..
- مشروخ أونه .. هاتي واحد شراته و ارمسي .. دانوه بالله عليج .. هذاك مشروخ ..؟
هزت دانة رأسها تؤكد ..
- لا و الله .. هذاك صاروخ ..
- خشمج .. يعلنيه هب بلاج .. شحالج بنت عمي ..
ضحكت روضة على التغيير المفاجئ ..
- يسرج الحال نورة شحالج ..
- الحمد الله .. عاد لو أدري انج يايه .. كان قلت كوبايتين شاي لسيد المعلمين روضانين ..
شخرت دانة ساخرة ..
- بايخة ..
و ضحكت روضة بهدوء ..
- لا زين عيل مادريتي بي .. بس توقعت ما تحيدونيه ..
صفقت دانة بيدها متحسرة ..
- ليش ..؟ من كثر الغراشيب لي نشوفهن ..؟
ابتسمت روضة بخجل ..
- الزود فيكن .. بس تعرفين 3 أشهر .. و ظروف أول زيارة .. يعني .. ما ..
ثم مدت يدها بحرج .. لتجيبها حور مطمئنة ..
- لا نحيدج .. و أول ما شفناج عرفناج .. تدرسين ..؟
- هيه و الله آخر كورس ليه و بتخرج ..
ابتسمت حور مشجعة ..
- يا حييج و الله .. بس ما بدت اجازتكم ..؟
- لا بعدنا اسبوعين خلاف امتحاناتنا ..
- الله يعينكم ..
- انتي تدرسين حور ..؟
هزت حور رأسها بهدوء ..
- لا انا وقفت عقب الثانوية ..
كادت تسألها عن السبب .. و لكن خشيت أن يعتبر اندفاعها شيئا الفضول .. استمرت الجلسة خفيفة التزمت المها طوالها الصمت و لم تنبس بحرف كذلك مزنة الصغيرة التي كانت تندس خلف أمها .. أما هند فكانت تناوش أحاديثهن من حين لآخر .. شعرت لاوضة بصفاء غريب .. و راحة كبيرة .. راحت تنتقل من حديث لآخر بسرعة كبيرة .. تضحك حتى على ما لا يضحك .. شيء من الفرحة انفجر داخلها من هذا الاستقبال المريح منهم ..كانت نورة و دانة أشبه بحلف .. كانتا هذه الفتاتين أكثر من أعجباها .. عفويتهما و المرحهما أدخلاها جوهم و اعتادته بسرعة .. كان الجميع يعاملها ببساطة شديدة تحدثت و ضحكت و نست نفسها حتى بدت الشمس تميل للغروب .. و دانة تستفسر ..
- الحين عدنا أربعة أعمام ..؟!
هزت روضة رأسها .. و دانة تقول بحيرة ..
- و كيف نحفظهم هاييل ..
- ههههههه شوه درس تحفظينهم .. ما يبالهم .. ابوية علي .. و عمي سعيد .. و عمي أحمد و عمي مطر ..
قالت نورة باحباط ..
- وايدين ..
عقدت روضة جبينها و هي تقول ..
- الحين هاييلا وايدين .. بعدينيه ما قلت منوه عيالهم ..
ضحكت عفرا ..
- لا تخبرينهن .. بيي باكر و انتي تعيدين و هن يحفظن ..
سألت حور بفضول ..
- لا صدق .. منوه عيالهم ..
قالت روضة ..
- عيال أبوية آممم .. غيث طبعا ..
و رمت نظرة ماكرة نحو حور التي تأوهت ساخطة ..
- علمووووها ..!
ضحكت روضة تتابع ..
- بعدين حامد خوية ..
كتمن البنات ضحكاتهن حين تذكرن الرجل الذي اعتادت حور على طرده ..
- و أنا و بعدين أحمد خوية هذا في الجامعة أصغر منيه بسنتين .. يعني 22 سنة تقريبا و تيي عقبيه ختيه شيخة ..
اتسعت عينا عفرا باهتمام ..
- عندج أخت ..؟!
هزت روضة رأسها بالايجاب ..
- هيه أصغر عنيه 21 سنة .. عميه سعيد عنده ثلاث عيال .. سيف العود يشتغل في الشرطة تحريات و مرات يينا بالإدريس و ع سيارة الدورية .. و هزاع تبيعه ويا أحمد خويه .. هاييل مرة ويا بعض ما يتفارقون ..
تبادلن الفتيات نظرة ذات مغزى .. و روضة تتابع ..
- و حارب الصغير ثانوية عامة .. وياج عفاري .. شدي حيلج تراه دحيح كتب ..!
نفخت عفرا صدرها بثقة ..
- لا تخافين عليه ..
هزت دانة رأسها بسرعة ..
- هيه و الله .. هاي اذا ما طلعت الاولى ع الدولة بحلق شعريه ع الزيرووو ..
ضحكت روضة بخفة و حور تتساءل متأملة ..
- و عميه .. آممم أحمد و مطر ..؟؟
أجابتها روضة ..
- عميه أحمد عنده ولد واحد فهد .. هذا كبر سيف تقريبا .. و عميه مطر ما عنده غير بنية وحدة اسمها عوشة .. و أمها متوفية الله يرحمها .. كانت بنت عم أبوية و أبوكن .. ماتت من 13 سنة تقريبا ..
سألتها دانة بفضول ..
- تحيدين يوم ماتت ؟؟
- هيه .. شوي .. بس أذكر هاييك الفترة ..
اتسعت عينا نورة باهتمام ..
- و منوه رباها عقب ما توفت أمها ..؟
- خالتهاا .. عم أبوية ما ياب غير بنتين فاطمة و موزة .. موزة توفت .. و عوشة سارت عند خالتهاا فاطمة ..
سألتها حور باندهاش ..
- ما عرس عميه ..؟!
بدت كلمة عمي غريبة على لسانها و هي تخرج بتلقائية هكذا ..! هزت روضة رأسها نفيا ..
- لا .. و يوم تقوله يدوه يعرس .. يقول هب فاضي لخرابيط الحريم ..
ثم ألقت نظرة على ساعتها و رفعت عينها للسماء قبل أن تعدل من وضع حجابها و هي تعتذر بابتسامة لا تفارق شفتيها ..
- يا الله بنات .. لازم ارد البيت قبل المغرب ..
قالت دانة مازحة ..
- لااا دخيلج عيشي ويانا للأبد ..
ضحكت روضة تقول ..
- انزين عقب ما تربي أمج ان شا الله ..
أجابتها عفرا ..
- شوه الفرق .. ليكون تبينا نيوزج البمبينوو اليديد ..؟!
- شوه أسويبه عقب .. أربيه ..؟! قصدي يوم بتنتقلون البيت العود ..
- أي بيت عود ..؟!
قالتها نورة بحيرة و وجه حور يتصلب .. نقلت روضة عينيها بين وجوههن .. لترى عدم الفهم ارتسم على ملامحهن باستثناء المها التي لم يبدو أنها سمعتها .. و حور التي أخفضت رأسها دون أن تنبس ببنت شفة .. أدركت لحظتها أن لا علم عند احداهن بهذا الامر .. حور ربما تعرف ..؟! من أخبرها غيث ..؟!
شيء واحد أدركته .. هو أنها تفضل أن لا يعرفن بالأمر عن طريقها .. لا تعلم لما رأت الأمر بهذا السوء .. لذلك قالت بسرعة و هي تنهض ..
- يا الله أنا أترخص الحين ..وقفن جميعا معها و هي تنتعل حذائها و عفرا تحذرها ..
- لا تقطعين ..
- أقرب فرصة ان شا الله عندكم ..
قالت نورة بمزح ..
- هيه عقب 3 شهور ان شا الله ..
قالت روضة بثقة ..
- لا أقل أول أخيل منكن و ما اعرفكن .. الحين فصفصتكن تفصفيص ..
- شوه حب شايفتنا الأخت ..
- ههههه .. يا الله سمحوليه ..
و راحت تسلم عليهن مودعة الواحدة تلو الأخرى .. حتى وصلت لحور التي ابتسمت لها قائلة ..
- بوصلج ..
حملت روضة حقيبتها و لوحت لهن مودعة و هن يصيحن بعبارات مختلفة و حور تمشي معها بهدوء .. كانت ترتدي ثوبا قطنيا زهري اللون بنقش بسيط على أكمامه و صدره .. و غطاء رأس كبير بنفس اللون .. وجهها البيضاوي الصافي بدا حلوا للغاية و حمرة خفيفة تعتريه من حر الصيف .. و هن يتقدمن .. شعرت روضة بأنها تدين لها باعتذار بشكل ما .. لذلك توقفت في الممر حالما اجتازت مدخل الحوش و توقفت حور تنظر لها متسائلة .. تأملت روضة الباب الموصدة لحجرة ما خلف حور و هي تبحث عن كلمات لتترجم احساسها قبل أن تقول ببساطة ..
- أنا آسفة ..
نظرت لها حور بجمود لبرهة .. صمت .. ثم ..
- لا عادي .. مصيرهن بيدرن .. بس ...
بدت نظرة متألمة على وجهها ..
- أنا هب قوية عسب أقولهن .. ما أدري ليش خايفة ..؟!
و لا أدري لما أبوح لك بمكنون صدري و أنتي لوقت قريب لم تكوني سوى غريبة ..؟!!!!
بدت الحيرة على وجه روضة قبل أن تقول لها ..
- ليش ..؟
هزت حور كتفيها بعدم دراية قبل أن تبتسم ابتسامة صغيرة ..
- يمكن جبانة .. بس احساس غبي .. آمممم .. مادري ..!
ابتسمت روضة لها ..
- ما عليه بتييج لحظة مجنونة تسوين فيها الغير المتوقع - و غمزت بعينها - اسأليني ....
ثم اختفت ابتسامتها و اتسعت عيناها قليلا و وجهها الجميل يحمر .. دون أن تنتبه حور لذلك و هي تضحك بخفة ..
- لا ما أعتمد على لحظات مجنونة .. تو بي أو نات تو بي ..
شعرت بتلك الذراع من المجهول تلتف على كتفها لتضمها بشيء من القوة .. و تصلبت أوصالها حين لفحت أنفاس دافئة صدغها و صوته الرجولي يهمس قرب أذنيها ..
- فديتاا القوية يا ناس ..
ارتجفت بشدة و هي تنتزع نفسها بعيدا .. متأكدة بأنه لم يكن في المجلس ..! شعرت بالحرارة تزحف فورا لخديها و هو يبتسم لشقيقته منذ تلك الليلة التي قبض عليها متلبسة بالغباء و مسللة للسطح لم تصادفه.. لمعت عيناه بصفاء غريب .. و هي تراه يدنو من روضة التي احمرت وجنتاها و هو يقول ..
- مرحباااااااااا بالعرووووس ..
لف ذراعيه حولها و هي تدفن وجهها المحمر في صدره .. و تهمس بخجل ..
- غيييييييييث ..!
لا تدري ما هو ذاك الاحساس الغبي الذي نغز قلبها من هذه المودة الجلية لأخته .. أتمنت أن تكون هي من يحضى بهذا الحب ..؟! صدمتها هذه الفكرة فنفضتها فورا ..
أبعد روضة قليلا و نظرته الصارمة تعلو وجهه الأسمر و يعاتبها قائلا ..
- لو ييتكم باكر و لا شفتج .. كان طلعت لج الين فوق و يريتج من كشتج ..
و سحب خصلة من شعرها بقوة ..
- آآآآي .. - ثم همست دون أن ترفع عينيها - آسفة ..
أشار بتحذير ..
- آخر مرة ..؟
هزت رأسا تكتم ضحكة محرَجة ..
- آخر مرة .. احم .. لا تفشلنا قدام حرمتك عاد ..
التفت غيث لحور و كأنما نسي أمرها للحظة .. كرهت حور الضيق الذي تسلل لها لبرهة و هي تتجنب النظر نحوه .. رفع حاجبه بشيء من الخبث و هو يمد يده ليلتقط كفها و يجرها الى جانبه دون أن تجرؤ على الانفلات أمام أخته ..
شعرت بقلبها يحتقن بقوة .. و قرعاته تتسارع حتى خيشت أن يسمعوه .. دفء جسده الكبير و يده الملتفة حول قبضتها المضمومة المتعرقة .. و صوته الرجولي العميق يتخلل مسامها قبل المسامع ..
تكره شعورها بأنه الآخر بدأ يزحف داخل روحها بشكل ما ..!

* * * * *
* أنشودة صديقي / لمشاري العرادة ..
**سورة النساء آية : 86 ..
***نامت عيونك / للمبدع البدر ..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 22-04-08, 11:26 PM   المشاركة رقم: 49
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة العاشــــــــــــــــــرة


║.. خطوات بطيئة ،، حتما ستصل ..!║

اتسعت عينيه و هو يجيل بصره فيمن حوله .. المجلس الداخلي الفسيح .. ذو السقف المرتفع .. و الثريات العملاقة التي تدلت منه ،، الجدران المطلية باللون الذهبي الدافي ،، و خطوط مربعات وهمية داكنة يخيل إليه أن الجدار بُطِّن بها و هي تعكس ضوء الثريات الساطع الأصفر ليشعر بأنها تشع نورا ..! يرتد عن الأرض الرخامية التي مدت عليها سجّادات عجمية ضخمة ..
كان المجلس قد يساوي مساحة بيتهم و بيت أبو سالم معا ..! و قد قسم لقسمين حيث وزع في النصف الأيمن من الباب الأرائك الوثيرة الضخمة .. تمتد على جدارين و نصف بشكل رائع .. وزعت أمامها طاولات صغيرة زجاجية و توسطتها واحدة عملاقة .. و يتوقف امتداد الأرائك في منتصف الجدار المقابل للباب .. لتمتد جلسة أرضية على باقي المكان و تتوسطها طاولة أرضية عريضة وضعت عليها أصناف الأطعمة في الحافظات و أوعية التمر الزجاجية و حافظات متعددة للقهوة و الشاي .. لم يدري لما كانت بهذا العدد الهائل و هم قليلون ..!،، بدا و كأنهما مجلسين منفصلين .. و كان يتطلع مبهور الأنفاس هو يجلس في منتصف الجلسة إلى جانب غيث الذي كان منخرطا في حديث خافت مع جده .. فيما انشغل من حوله بالتحدث في أمور شتى .. كانت هذه المرة الثالثة التي يحضر فيها إلى هنا .. و الأولى بعد انقضاء امتحاناته .. تحرك في مكانه بهدوء .. و هو يحاول كبح ابتسامته المنتشية .. و هو يمرر راحته على قماش ثوبه القوي .. كان أحد ثيابه الجديدة التي أحضرها له غيث .. و قام بإحضار عمامات جديدة له أيضا .. و اشترى له حذاء جميلا .. شعر أنه يهيئته الجديدة لا يقل مستوى عن أبناء عمه .. يلبس مثل ثيابهم .. بل ربما يلقى حفاوة أكبر لجلوسه بجانب غيث و جده ..
حانت منه التفاته بطرف عينه لوجه الجد المتصلب الصارم ..
لا ينكر ذاك الفزع الذي ينتابه أحيانا .. يهاب هذا الرجل بشدة .. لم يبدو أنه يكبر أبناءه الأربعة كثيرا .. كان لا يزال قويا و لم تخضعه السنوات ..
لا يتحدث أحدا إن فعل .. ينصت الجميع له بطاعة .. ذاك التكبر المرتسم بحدة على ملامحه يخيفه .. مذ بدأ في القدوم إلى هنا .. لم يبادله كلمة واحدة قط سوى السؤال عم الحال .. كان يفعل مثلما يفعل غيث تماما حين يسلم عليه ..
يقبل أنفه و لحيته ثم ينحني ليقبل كتفه .. رغم أن الجميع يكتفي بتقبيل أنفه .. و لكنه أخذ غيث دليلا له .. سيفعل كل شيء يفعله هو ..
كان شعور بالتوجس يخلق داخله من هذا الرجل الأسمر الذي خط التجاعيد خرائط عمر في وجهه .. بدا متصلبا .. قاسيا .. و لا يدري لما خلف هذا الانطباع فيه ..!
أمنية واحدة احتلت قلبه الصغير .. هو أن تكون جدته التي لم يلتقيها حتى الآن و وعده غيث برؤيتها أكثر لينا منه ..
حين يتحدث بصوته الأجش و تلك الطريقة الصارمة المتسلطة يذكره بغيث .. يشعر أحيانا بأن هذا هو أباه و ليس العم علي ..!
رأى أحمد و هزاع يضحكان بحماس في الزاوية مع عمهما مطر و أبو غيث .. و فهد يجلس مع أباه و سيف .. فيما راح العم بو سيف يكلم أبنه حارب قربه و الأخير يهز رأسه بإمعان ..
حامد الوحيد الذي جلس لوحده يقلب شيئا ما في هاتفه المحمول .. شعر بأنه وحيد هنا و بدأ الملل يتسرب لنفسه شيئا فشيئا .. التفت مرة أخرى لغيث .. لا يزال غارقا حتى أذنيه في تهامس جاد مع جده متصلب الوجه ..!
راح يشغل نفسه مجددا بالنظر حوله .. و الثواني تمر ببطء .. ألم يتناولوا الغداء ..؟! إذا ما الذي يفعلونه هنا .. يرغب حقا في العودة إلى البيت .. هناك حتى الملل مألوف .. و لا جدران ضخمة .. او أسقف عالية تميل عليه مع مرور الوقت .. زفر ببطء .. قبل أن يلتفت له غيث بحاجب معقود و وجه الأسمر يستفسر ،،
- بلاك ..؟
أخفض نايف بصره محرجا .. ليجيب غيث على السؤال بهدوء ..
- مليت ..؟
هز نايف وجهه المحمر ببطء .. قبل أن تنم ابتسامة خفيفة عن شفتيه و هو يميل عليه بجسده الضخم و يهمس له ،،
- خلنا نيلس شوي .. خلاف بنسلم على أمايا و بنرد ..
أومأ نايف بطاعة مرة أخرى .. ليعود غيث مرة أخرى للحديث مع جده ،، راح يدير رأسه بضجر مرة أخرى ،، و كالعادة يبهره المكان ،، لم يحلم قط بالتواجد في مكان كهذا ..!!
لحظات قبل أن يشعر بغيث و هو يردد كلمات التوديع لجده الذي كان ينظر له باهتمام و يتحدث بصوت منخفض لا يصل إلا لغيث الذي كان دانيا منه .. قبل أن ينحني غيث لتقبيل أنفه و لحيته و كتفه و يهب واقفا و هو يقول بصوته الرجولي العميق ..
- العرب .. أنا كل يومين أمرهم .. بس انشغلت شويه .. باكر لو ربك راد بخطف عليهم .. أما المناقصة الريال اعتمد الرمسة ،، و بتنطرح هالأسبوع .. ازهلها .. أنا بخلصها ..
ثم نمت عن شفتيه ابتسامة ملتوية و هو يقول بقسوة ،،
- لو ما يبتاا .. ماكون غيث بن سيف ..
عقد نايف حاجبيه بعدم فهم .. أ و ليس غيث بن علي ..؟! لماذا ينسب نفسه للجد مباشرة ..؟!
نظر له غيث بقوة .. فهب من مكانه بسرعة ليتقدم من جده ،،
.
.
نفس النظرة الجامدة التي تنظر للأمام و لا تلتفت إليه ..
نفس الوجه المتصلب .. و القسوة التي تحد وجهه فلا يلين ..
نفس البرود الذي يقشعر جسد نايف الصغير له كلما انحنى ليسلم عليه مقبلا أو مدبرا ..
لا يعلم لما يلمس دفئا في عيني هذا الرجل حين تتوجه نظراته لحفيده الأكبر بينما تتيبس ملامحه و يتجنب النظر له أو إعطاءه أدنى اهتمام ..!
اعتدل واقفا بجانب غيث الذي قال بصوت مرتفع ،،
- يا الله أنا اترخص .. - ثم التفت لسيف بنبرة آمرة - سيف تعال ويايه بغيتك ..
و تحرك نحو الباب يتبعه نايف و سيف يهب من مكانه وسط كلمات التوديع المتفرقة ..
ما إن تجاوزا الباب ارتفع صوت غيث مناديا بقوة ..
- أمينــــــــــة ..
خرج سيف في تلك اللحظة خلف قبل أن تخرج خادمة من مكان ما و سيف يشيح بوجهه عنها و هي تدن من غيث مستفسرة ..
- Yes ser ؟؟!
وضع يده على كتف نايف و هو يقول ..
- وين أمايا ..؟!
- in her room ،،
نظر لنايف مشجعا .. و هو يقول ..
- ودي نايف قداها .. - ثم ركز نظرته في عيني نايف الذي ارتبك على الفور - بتسير تسلم عليها .. و أنا بظهر خاري شوي أشوف العمّال و أرمس سيف .. أول ما أطرش أمينة عليك اظهر ..
فتح نايف فاهه معترضا .. لا يريد الذهاب إليها لوحده ..!
و لكن غيث شد قبضته على كتف نايف و هو يقول بنبرة صارمة ..
- لا تخاف .. سير ويا أمينة و سلم على أمايا نورة و ايلس وياها الين أزقرك .. يا الله ..
و استدار إلى حيث يقف سيف ليقول آمرا ..
- بو هناد اظهر ويايه أبا شوف العمال شوه مسوين ..
راقب نايف الرجلين بهامتهما العريضة يتوجهان خارجا .. و عيونه معلقة بأطولهما .. لما عليه أن يدفع به إليها لوحده ..
كانت الخادمة تقف بصبر بجانبه قبل أن تقول بابتسامة ..
- نروه أند ماما نوراا ..؟؟!
كشر في وجهها و هو يهز رأسه لتسبقه إلى الردهة بخطوات بدت أقرب لمشية عارضة من أن تكون خادمة .. حاول جاهدة تجاهل كل ما يرى و هو يعتصر ذهنه محاولا بجهد أن يتذكر ما الذي قالنه أخواته عن العجوز حين أتين للمرة الأولى و التقين بها هنا ..؟!
و لكن محال ..
مذ بدأ يرتاد هذا المكان مع غيث لم يتجاوز عتبة المجلس الداخلي الذي يقع يمين الباب قط .. كل ما كان يراه هو نظرات مسروقة من الردهة الفسيحة التي ترامت على وسعها قطع أثاث أنيقة فخمة .. بجدرانها التي زيّنت بعناية و ثرياتها التي تدلت من السقف العالي .. و الدرج الكبير الذي توسطها .. بدا منظر الردهة و هو يقطعها خلف أمينة أشبه بصورة من مجلة ما لعينيه اللتان لم تعتادا مثل هذا الترف ..
راح يتبعها و عيناه المذهولتين تلتهم المشهد بأكمله .. لا يريد أن يفوته أدنى تفصيل صغير ..!
الكثير من الفخاريات وزعت في عدة زوايا .. بعضها ألقيت و قد انزلق من داخلها بعض التربة في حركة جميلة للغاية على أرضية المكان الرخامية ..
تلك القطع المميز من الزجاج و الخزف توزعت على الصالة الواسعة في كل مكان ..
يستدير حول الدرج الواسع نحو ثلاثة أبواب متباعدة بدت في الداخل .. تقدمت الخادمة من أقربها .. لتفتحه بخفة دون أن تطرقه .. تباطأت خطواته و هو يقترب منه بارتباك .. و الخادمة تدلف إلى الداخل دون أن تلقي نظرة أخرى عليه ..
وقف عند الباب ليطل برأسه للداخل .. فتتسع عيناه حالما يستوعب تلك الغرفة الوسيعة أمامه التي اصطفت في أقصى طرفها الأيمن أرائك وثيرة ..في نصف دائرة .. و في أقصى طرفها الأيسر جلسة أرضية داكنة اللون التفت على جانبي شاشة تلفاز مسطحة علّقت على الجدار ..
أمامه مباشرة باب آخر موصد تقف بجانبه الخادمة و هي تنظر له بابتسامة لطيفة ..
- تفدل ..
اقترب منها بحذر و عيناه الواسعتين تضيقان بتوتر .. رفعت أمينة أناملها لتقرع الباب بخفة ..
.
.
خفقات قلبه تتعاقب بسرعة .. يداه الصغيرتين تعرقان ،،
.
.
أمينة لا تنتظر ردا فقط تفتح الباب بهدوء
أنفاس فقط ،،
ثم تدفق دفء ذاك الصوت المهتز .. ليخترق مسامع نايف المضطرب ،،
- قرب ،،
تصلبت قدماه و أمينة تدلف و تتنحى جانبا منتظرة منه الدخول .. شعر بأنه عاجز عن دفع قدميه ،،
لا تطيعه الخطوات .. فترسم أثرا لطريق يقوده إليها ..
يخشاها .. و يخشى قسوة .. و تصلبا قد يكتسحه حال مواجهته لمثل برود ذاك الجد ..
أغمض عينيه .. و هو يبتلع ريقه بخوف .. أمينة لا تزال تنظر له باستفهام .. و هو ينظر للجدار الذي قابله عبر الباب .. و لتلك النافذة العملاقة بستائرها الثقيلة التي أزيحت جانبا ،، ليتسلل شيء من تسلّط شمس الظهيرة ..
يزحزح قدميه متقدما للداخل .. تمنى لو أن غيث لم يتركه لوحده هنا .. ماذا لو واجهة شيء لا يتوقعه في هذا المكان ..
تجاوز الباب ببطء و هو يخضع بصره أرضا حين راح يتأمل الجدران ذات اللون الهادئ و الغرفة التي فرشت بسجّاد كامل .. ذاك السرير الضخم الذي توسط الجدار المقابل ..
يقف بجانب أمينه و عيناه لا تفارقان مقدمتي حذائه .. شيء من الخجل امتزج بخوفه .. يشعر بلهفة تشده لتفحص قصر العجائب هذا ..!
كان الصمت يسود المكان .. و تذكر الصوت الذي سمعه منذ قليل ..
فرفع رأسه يبحث عن مصدره .. أمامه مباشرة في الزاوية البعيدة بجانب جهاز التسجيل الضخم .. تجلس أرضا .. و قد اتكأت على مخدة ثقيلة .. بيدها مسبحة سوداء ميزها من مكانه ..
.
.
وجهها المغضن ذاك ..!
لا شك أن الأيام نحتت حكايات لا تنتهي في كل خط حفر بعناية على مر السنين ..
هنا قصة للحزن تسكن تلك العينين اللتان تعلقتا بوجهه في نظرة غريب ،،
سؤال ،، أم توسل ..؟!
أمل .. ألم ..
نزف يتألق في عينها البعيدة .. يوشك على الانهمار ،،
حتما سيسري ..
سيروي ..
سيشبع أرضا لم تطأها قدمي من كانت حقا ترجو لقاءه ..
من هذه المرأة يا ترى .. أي قلب تحتويه أضلعها ..
أهي ،، هي ..؟!
أم أنها ..
ماذا .. لما هذا التخبط .. لما يشعر بالتشتت ..؟
لما يشعر أن أباه يقف خلفه الآن ..
لما يريد أن يبكي حال هذه العجوز التي راحت دموعها ترتعش ..
شوقا .. أم حزنا .. في مآقيها العتيقة ..
عباراتها التي تسكن عينها .. يراها رمادية بشكل ما ..
قدماه تتقدمان رغما عنه ..
لا يتكلم .. و لا تنطق هي ..
سيمد يده الآن .. و سيتحسس صورة قديمة .. تلوح أمامه ،،
إطارها وجع أصبح جزءا من هذه المرأة ..
تفاصيلها الصغيرة .. الغابرة .. تلك الوجوه التي تحتلها ..
شيء مما مضى لازال مدفونا في أعماقها ،،
هذه المرأة ..! من هي ..؟! من هي يا ترى ..؟!
أ حنان قديم .. سقته ذاك الكبير الذي رحل عنهم يوما ..؟
أ شوق لحب يألفه في أبٍ لم يعد كذلك ..
لم يعد أب .. أصبح ،، الراحل ..
أ و ليس هو اليتيم .. بلا أب ..؟!
أهي روح تاقت للقاء من يتوقون هم للقائه الآن ..
من هي هذه العجوز ..؟
هي أمه .. متأكد من ذلك ..
و لكن من هي ..؟
أ لها أن تمد ذراعيها الهزيلتين .. أن تحوي يتمه .. أتعلم من هو ..؟
أتعرف حكاية مخدة يسقيها بعبرة كل ليلة ..
يدفن فيها حرقة أنفاسه .. يخفي فيها كل فراغ .. يردم وسطها ثغرة راحت تتعاظم بعد رحيل سنده ..
لتلتهم طفولته .. فرحته ..
و حلـــــم ..؟!
أ تعلم من هو .. ؟
قدميه ترتعش و مسافة بينهما تتقلص .. ستلتقي الطرقات هنا إذن ..!
أصبح أمامها الآن .. يراها تلك العينين الغائرتين الواسعتين .. المثقلتين دمعا كلما أوشك على الجفاف ..بلّها ..
يرى ذاك الرجل .. بشح حنان كان يخالط حزمه ..
يكاد يشعر بيده الكبيرة ترتاح على ظهره .. و تشد كتفه ..
رائحة تلك - الغترة - القديمة .. المشبعة بجهده .. التي احتضنت جبينا لا يعرق إلا لهم .. يعبق حوله ..
لا يرى هذه الجدران المزخرفة الآن ..
حوله سور بيتهم الأبيض .. بطلائه الذي تشقق أسفله .. بخربشات عليه .. عبثت بها طفلة .. و هي تخط أمنيات ساذجة بالفحم الذي كان يدفئهم به شتاءً ..
كتفيه العريضين .. و ذراعه القوية ..
يرى العينين العميقتين .. و سر الشوق اليائس .. الممزق يسكن نفس العينين ..
أتسكن روحه جسد هذه المرأة ..؟!
.
.
أخبريني سيدتي ..
دعيني أريح رأسي الصغير .. و أحلامي الطفولية .. و ضحكة لم أعد أريد إطلاقها .. و عبرة .. في حجرك ..
دعيني أزيح عن كاهلي كل ذاك الحمل الذي يثقل إحساسي ..
و أستلقي .. أفترش حنانك .. لأغفو ..
و أخبريني ..
احكي لي عن سر ذاك الألم .. ذاك الوجع الذي اشتركتِ به معه ..
مع ذاك الحبيب الذي لم يشأ الانتظار ..
فضل رحيلا على البقاء بلا وعد تخبئه له الأيام ..
فضل هجران طرقات طالت به .. و لا نهاية تلوح في الأفق ..
قصّي علي سيدتي ..
أريد سماعها تلك الأسطورة التي لم يعرف أبطالها سوى شوقا ذبح شعورهم ..
سوى فراقا لم يجبرهم عليه إلا سرا ..
لا أفهم كنهه ..
كيف تسربت .. انزلقت ..
كيف ذوى حنانكِ فلم يعد في جعبتكِ ما قد تمنحينه ذاك الابن ..
كيف طوعتِ إحساسك لهجرانه ..
أ و تعلمين سيدتي أن شوقه غفا على تلك العتبة ..؟
أ و تدركين أنه مات جائعا .. طمئا ..
لتلك العذوبة التي رحتي تريقينها الآن ..
.
.
أ و تعلمين سيدتي ..
أنني يتيمٌ الآن ..؟! بلا أب ..!
بلا كبير ..!
.
.
تلك الحرارة التي بلّت خديه بلا شعور و هو يجثو أمام هذه العجوز التي راحت تبكي بصمت ..
صمت لم يعرفه هو و شهقاته تنفلت من شفتيه .. و جسده الصغير يهتز بقوة ..
ركبتيه على الأرض و يده تلتقي بيدها الضئيلة التي راحت تعتصر يده بقوة ..
قبل أن تجره لحجرها .. فيدفن رأسه فيه ..
يدفن وجعا في زاوية من أراضي الطمأنينة هذه ..
هنا شيء لأبيه أعاد لحظات فقده له من جديد ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
يرفع ثوبه قليلا ليظهر إزاره الأبيض من تحته .. و هو يخطو خطوة واسعة و يرتفع على إحدى الحجارة المربعة الضخمة التي صفت جانبا .. جسده العريض ينتصب واقفا و عينيه الحادتين تتأملان سير العمل من خلف ناظرته السوداء التي انعكست عليها أشعة الشمس .. متابعته للبناء يتطلب منه ساعة على الأقل من جدوله اليومي .. و لم يكن هذا بالشيء الهين نظرا لانشغاله ..
دون أن يلتفت تابع النظر بعينيه في المساحة الواسعة التي حفرت لوضع أسس البناء .. يقع البناء على الجانب الأيمن من واجهة البيت الكبير و هذا يناسبه تماما .. سيحرص على أن يكون التصميم كما خطط له تماما ..
ناوشت شفتيه ابتسامة باردة .. يعلم أن سيف الذي وقف قرب الحجرة التي يعلوها هو مرتقبا الذي سيقوله .. نزل عن الحجر و هو يتوجه نحو المهندس و نزعه لئيمة تراوده .. سيحدثه قليلا .. لن يضير سيف أن يجلس تحت أشعة الشمس قليلا قبل أن يمنحه ما يريد ،،
.
.
يقف هو في مكانه و هو يرفع يده على عينه كي تتاح له مراقبة غيث الذي قفز من على حزمة حجارة البناء و صاح بصوته الصارم ينادي المهندس القائم على البناء .. يرقب ظهره العريض و كتفيه المشدودتين و هو يقطع المكان بسهولة متفاديا قطع الحجارة و أكوام التربة .. و قطع الحديد المتناثرة في المكان ،، يمشي بسهولة بينها .. كان يقف بجانب المهندس الآن يتبين سيف وجهه المتصلب بهدوء .. لا يرى عيناه اللتان أخفتاها نظارته السوداء ،، و نبرته المتسلطة تصله من هناك ..
تململ سيف في مكانه و هو يعقد كفيه خلف ظهره .. و يزفر ببطء ..
إلى ما يسعى غيث ..؟! إتلاف أعصابه ..؟ لا حاجة إلى ذلك .. فهذا ما يفعله من شهرين ..!
رأى غيث يشد على كتف المهندس الذي انصرف عائدا إلى عمله و غيث يتقدم بخطوات واسعة .. حتى وصل إليه ..
وجهه الأسمر بدا باردا و ملامحه غير مقروءة .. أنفه المستقيم المتكبر كان مرتفعا قليلا و هو ينظر له من خلف زجاج نظراته الغائم ،،
- علومك بو هناد ..
أخفض سيف يده ببطء ،، ملامح وجهه الهادئ لم تكشف مدى توتره .. و هو يرد ببساطة ،،
- علوم الخير .. ما به علم ..
أمال غيث رأسه و هو يسأله ،،
- تعرف في شوه برمسك ..
أخفض سيف رأسه و أومأ بالإيجاب .. متأكد بأن غيث سيوصل إليه رفض أخته بكلمات مهذبة و مواسية ..
- سالفة الخطوبة ..؟
- هيه نعم ..
سحب سيف نفسا عميقا و هو يرفع رأسه للسماء ،، أشعة شمس الصيف تلفح وجهه دون أن يبالي ،،
- أهاا .. يعني .. - و صمت لبرهة قبل أن يقول - خير إن شا الله ،،
يكبح غيث ابتسامة متمردة و هو يتأمل لهفة دفينة تطفح على وجه سيف بين الفينة و الأخرى قبل أن يماطل قائلا ..
- بينيه و بينك يا بو هناد بغيت أرد عليك في نفس اليوم لي رمستنيه فيه .. لنيه كنت مقرر شوريه أهم من شور البنيه .. خلاف مرت بنا الظروف لي أنته أدرى بها .. و ما يتنيه الفرصة أخبرك رايي ..
مد يده و انتزع نظارته .. عينيه كانتا تضيقان هو يسلط نظره على وجه سيف المرتقب .. و هو يقول بهدوء أخفى إضطرابه ،،
- ما عليه يا ريال .. المهم الحين .. شوه قلتو ،،
رفع غيث حاجبه بنظرة غريبة ،، و صوته العميق بدا غامضا ..
- أنا أقولك اتوكل على الله و رمس بوية ،،
عقد سيف حاجبيه بشك ..
- أخطب ..؟
ابتسامة ملتوية نمت عن شفتي غيث و هو يبدأ بالتحرك ..
- على راحتك ..
خطوات واسعة يقطعها قبل أن يأتيه صوت سيف الحازم ..
- غيث ..
توقف غيث و ظهره لسيف .. الشمس تسقط على عرض منكبيه ..
سيف يسحب نفسا عميقا قبل أن يسأله بهدوء ..
- روضة شوه قالت ..؟
التفت له غيث نصف التفاته و هو يضيق عينيه ..
- يهمك ..؟
أومأ برأسه و هو يقول بثقة ..
- لو هي ما تباني أنا بكنسل السالفة ..
تأمل غيث سيف للحظات صامتة .. وجهه الهادئ .. لحيته الوقور .. و عينيه الصادقتين ..
شيء من الطمأنينة تدفق في عروقه و هو يرى موقف سيف .. لم يكن يتوقع منه أقل من ذلك ..!
ارتدى نظارته الشمسية بهدوء و هو يقول له قبل أن يستدير و يمضي ..
- موافقة ..

* * * * *

- ما يمديكن تتولهن عليه ..
قالتها بضحكة و هي تتجاهل نظرة أختها الجانبية و تنصت لصوت حور المبحوح الذي حملته أسلاك الهاتف ..
- لي يسمعج يقول البارحة عدنا ما كنه خطف اسبوع .. نحن العرب لي نتعود عليهم نشوف الثواني مديّة بلاهم .. بعدين فطوم انقهرت يوم درت انج ييتي هنيه و لا شافتج ..
- فطوم منوه ..؟
- بنت ييرانا .. تحيدينهاا .. لي كانت عدنا في العزا ..
- هيه .. هيه اذكرتها ..
قالت حور بنبرة كئيبة ..
- بعدين حسي ابنا شويه .. نحن محبوسات في و كل وحدة مالها إلا شيفة الثانية .. تصدقين انيه عايشة مع خواتيه عشرين سنة و مادريت انهن مخبل الا الحين ..!!
- هههههههههههه .. انزين و شوه تبين ابهن خواتج انتي و ريلج موجود .. - ثم قالت بخبث - استغلي الفرصة و تعرفي عليه و خليه يتعرف عليج و تتفاهمون مثل ما يقولون ..
ردت حور بحنق ..
- أقول انطبي .. أنا أقول نورة و دانة ييلسن بالساعات ايرمسنج في التيلفون .. خربنج أشوف ..!!
كانت حور تلاحظ نظرات أمها التي تركزت على وجهها بفضول و هي تقول ..
- لا و الله .. بس ما قد شفت غيث رومنسي و الا حنون الا فبيتكم .. تأثيرج باور عليه ما شا الله .. أول ما نشوف الابتسامة الا في السنة مرة .. و الحين يبتسم ليه و يلوي عليه .. وينج من زمان عنا تنهين عصر الرعب لي كنا نعيشه ..
كان صوت حور منحرجا و هي تقول ..
- اتبالغين و الا عصر الرعب ترانيه عشته وياكم أول أيامه هنيه .. أول ما عرفته مسويلنا رعب ..
- و الحين ..؟
صمتت حور لبرهة قبل أن تجيب ..
- الحين ما عندج سالفة أونج بتسحبينيه في الرمسة .. بتيين باكر و الا شوه فطوم بتيي ..؟!
ابتسمت روضة بحنان ..
- و الله وديه يا حور لكن لامتحانات ملعوزتنيه .. هيه ع طاري الامتحانات .. أريد رقم جلوس عفرا .. لنه حارب بيظهر نتيجته قبل العرب بيومين .. و نباه يظهر نتيجتها وياه ..
- دقيقة بس بوديلها التيلفون ..
.
.
.
كانت عيناها تضيقان على أختها التي جلست بنعومة بجانب أمها التي راحت تتأملها هي الأخرى بإهتمام .. تضع ساقا على ساق و هي تملس تنورتها بشرود و تتحدث في الهاتف و ابتسامة متألقة تحتل شفتيها .. بدت سعيدة بهذه المحادثة .. شعرت بشيء من الغيرة يقبض صدرها .. لماذا تجد روضة التسلية مع الغريبات فيما تفتقر إلى ذلك معها ..
كادت تركل الطاولة التي أمامها بقوة مع أفكارها .. ما الذي يهمها في ذلك .. لا تحتاج إلى الحديث معها و لا إلى صحبتها .. فلتستغرق في علاقتها بؤلئك الغريبات حتى تتعفن .. قلما يهمها هذا الشأن ..!
لحظات و تنهي روضة المكالمة بابتسامة .. لتسألها أمها فورا ..
- روضة .. حرمة عمج كم لها حامل ..؟
رفعت روضة عينها مفكرة ..
- آممم .. مادري يا اميه .. تقريبا آخر الرابع .. أول الخامس .. أحيد حور قالتليه ان ابوها توفى و هي لها شهرين حامل ..
أومأت أمها برأسها ..
- هيييه .. الله يعيننا و يعينهم ..
راحت روضة تعبث يهاتفها ..
- آمين ..
استدارت الرؤوس نحو حامد الذي كان ينزل درجات السلم العملاق بسرعة و هو يلف - الغترة - و يتساءل ..
- أمييه حطيتوو الفوالة و القهوة في الميلس ..
ابتسمت أمه بحب ..
- كل شي زاهب فديتك .. امنوه لي ياينك ..؟
- واحد من الربع ياي من السفر .. يا الله فديتج ..
و قبل رأسها ليتوجه نحو الباب الخارجي .. توقف أمامه حين فتح على اتساعه ليدلف أحمد ..
- مرحبا ..
- حيّه بو شهاب .. من وين ..؟!
- من الجامعة ..
رفع حامد حاجبه ..
- الساعة 8 فالليل جامعة ..؟!
تحرك أحمد بتعب للداخل ..
- يا خوك عدنا فاينل .. ما يبون يرحمونا ..
رمى حقيبة جهاز حاسوبه النقال على الأريكة قبل أن يقبل رأس أمه و يسترخي بجانبها ..
- وين ساير ..؟
قال حامد بصوت مرتفع و هو يفتح الباب الخارجي ..
- عنديه شباب في الميلس .. بتيي ..؟!
لوح أحمد بيده ..
- لا بعد عنديه امتحان باكر .. بيي هزاع عسب نذاكر رباعة ..
- برايك عيل ،،
و خرج حامد ليلتفت أحمد نحو أمه بحب ..
- شحالج يا أم حامد ..
أمسكت أمه بكفّه بحنان ..
- بخير يعلنيه هب بلاك .. شوه مسوي في الامتحان ..
تمطط احمد بكسل و اخشوشن صوته أكثر ..
- طييييييب ان شا الله .. أم صروال علومج ..
نظرت له شيخة باحتقار و لم تجبه .. فضحك أحمد و هو يقول ..
- طاع ويهها مصدقة عمرها .. ههههههههه ،، أقول الصروال يطلب الرحمه .. سيري غيريه ..
التفتت شيخة لأمها بعتب .. و لكنها لم تعرها اهتماما لازالت غاضبة منها بعد قصها لشعرها .. و قالت بصوت متحدي ..
- ما يخصك فينيه .. صراويليه و أنا حرّه ..
رفع أحمد حاجبه قبل أن يلتقط علبة المحارم الخشبية و يقذفها بقوة نحوها .. و هو يقول بقوة ،،
- ما يخصنيه ..!! الا يخصنيه يا بنت ابوج .. و اير كشتج هاي و أحلقها ع الزيرو بعد .. انتي ما تخيلين يوم تحاوطين في البيت بهالصراويل .. و الا الكنادير ما تعرف ينبج الا و غيث موجود ..؟!
كانت شيخة قد التقطت علبة المحارم بحركة سريعة .. و وضعتها جانبا و هي تقول ..
- ابوية و يشوفنيه .. شوه حارنك ..
هب واقفا و لكنها كانت أسرع منه اذ قفزت من مكانها و راحت تجري نحو السلم .. قبل أن يعود فيجلس بحنق ..
- و الله ما بيخربها الا دلعكم .. ادلعون البنية .. و ملبسينها هالصراويل و مخلينها ع راحتها .. لو يشوفها حخد من الشباب بيقول طباخنا .. منوه سمح لها أصلا تقص كشتاا ..؟!
شخرت روضة باستهزاء ..
- ليش شاورتنا عسب نسمح لها و الا لا ..؟!
ضيق عينيه بقوة و هو يقول ..
- شوه ..؟!
تداركت أم حامد الأمر و هي تقول بسرعة ..
- البنت شعرها يتساقط و قالتليه تبا تقصه و رخصتاا .. يا غير الصالون ما عرفوا يقصونه و قصرووه ..
التفت لها أحمد بشك ..
- قصروووه ..؟! هااا ..؟ - رفع سبابته في وجهيهن - أقص ذراعيه لو ما كانت هي لي طالبتنه كذيه مسودة الويه .. البنت هاي أنا أشك في جنسها .. ليش ما تتسنع و تغدي شرات روضة .. حرمة .. في لبسها و في رمستاا.. بنتج يبالها كسر راس .. أنا مول هب عايبتنيه .. لكن ما علـ ..
و قاطعه رنين هاتفه ليرد بسرعة و الضيق لا زال يكتنفه ..
- هااا هزاع .. عند الباب ..؟! اقرب يا ريال ،،
و أغلق الهاتف و هو يقول لروضة التي لم تكن تضع شيئا على رأسها ..
- هذا هزاع .. حدري ..
وقفت و توجهت نحو المطبخ بسرعة .. و تقدم أحمد للباب .. فيما انشغلت أمهم بشاشة التلفاز التي راحت تعرض في تلك اللحظة - علوم الدار - ،،
.
.
.
العجيب أن المشكلة عرضت هنا .. و نبشت أبعادها ..
و لم يكترث أحدهم البتة لذلك ..
كان بإمكانهم تدارك الأمر مبكرا ..
و لكنهم التهوا ،، وجدوا أن هناك ما هو أهم منها ..!

* * * * *

صباح لا يزال في بدايته .. ولم تتجرأ لفحات الصيف الحارقة في التمادي بعد ..
السماء بلونها الأزرق الهادئ .. لطختها السحب بالبياض في أطراف متراميه منها ..
يسحب نفسا أخيرا من سيجارته و جسده المديد يستند على مقدمة سيارته التي توقفت داخل أسوار ذاك البيت ..وأمام بابه مباشرة ،، وعينيه الحادتين تتأملانه بهدوء .. قبل أن يرمي عقب السيجارة الأخير أرضا ويدهسه بحذائه الثمين ..
أ يخيل إليه ..؟! أم أنه أصبح يدخن بكثرة هذه الأيام ..؟!
لا شك في ذلك ،، يشعر بأن وقته إزدحم بالمزيد من المسؤوليات ،،
هناك الكثير لينجزه في يومه ،، يوزع وقته بين الشركة و جدّه و جدته ،، و بيت عمّه ..
وزوجة تتطلب منه وقتا ثمينا سيكون أكثر فائدة إذا صرفه في غير تملقها ..
لا بأس .. يشعر بأنه قطع شوطا لا بأس به في علاقته بها ..
ارتفعت شفته بابتسامة ساخرة مفكرا .. أصبحت تتصرف كزوجة ..!!
خجلها و تجاوبها معه .. هه .. لم يصعب عليه التغرير بها..!
جميل جدا .. هذا عبء وانقضى ..
رغم ذلك لا زال يشعر بضغط هائل.. لا يجد الوقت للراحة حتى ..
أصبح يهمل واجبات مهمة للغاية ..! نظر للباب الموصد ..
أولها هذه..!
اعتدل واقفا يبتعد عن سيارته وهو يصلح من وضع – الغترة – يقطع الطريق الداخلية من حديقة المنزل الداخلية إلى الباب ..
ألقى نظرة عجلى على ساعته الثمينة ..كانت عقاربها تستريح على السابعة إلا ربعا صباحا .. متأكد بأن أصحاب هذا البيت مستيقظين الآن ..
قرع الباب بهدوء عدّة مرات .. ثم انتظر قليلا .. صوت خطوات تأتيه من الممر الداخلي قبل أن تهمد للحظات عند عتبته .. عرف وقتها أنهم يتأكدون من هوية الطارق .. تراجع خطوة واحدة عن الباب الذي فتح على اتساعه.. لتظهر من خلفه إمرأة في أوائل الثلاثينات .. طويلة القامة وحادة الملامح .. بعينيها الواسعتين ذات لونٍ بني فاتح وبشرة حنطيه صافية .. غطاء شعرها الذي تدلت من مقدمته غرّة ناعمة بلون القهوة .. ابتسامتها الجميلة كشفت صفا من الأسنان المصفوفة وصاحبتها تقول بصوت ناعم ..
- مرحبــــا الســــــاع .. حيا الله بو سيف ..
وجهه الأسمر الصلب لم يتأثر برؤية هذا الجمال و هو يرد بهدوء ..
- لمرحب باقي ،، الله يحييج .. شحالج خولة ..
أخفضت أهدابها أمام رجولته الطاغية .. تخنق خفقاتها التي شعرت بأنها ستصل لمسامعه ..
- بخير ربي يسلمك.. شحالك انته ..
لم يكن ينظر اليها .. كانت عيناه تتجاوزانها بلهفة إلى ما ورائها .. إشتاق لتلك القابعة هناك ..!
- الحمد الله ..
تنحت جانبا عن الباب وهي تشير له بالدخول..
- اقرب ..
تقدم للداخل يتجاوزها ..
- قريب .. نهيان هنيه ..؟
صوتها يأتيه من الخلف و هو يتقدم بخطوات واثقة نحو الغرفة التي يعرفها جيدا ..
- لا يطولي بعمرك.. ظاهر من غبشة يقول عنده أشغال في بوظبي بيقظيها ..
توقف أمام الباب الموارب ينظر إليه قبل أن يلتفت إليها ..
- ميعاد ..؟!
دنت منه و هي تقول بنبرة حب لم تستطع كبحها ..
- واعية .. تونيه كنت أريقها ..

أخفض بصره و هو يومئ لها بهدوء .. قبل أن يطرق الباب بخفة .. ويدفعه .. كشفت الفرجة عن غرفة فسيحة نوافذها الثلاث فتحت على اتساعها ونور الشمس ينعكس على سجّاد الغرفة الوردي ،،
رقت نظرته و اعتلت شفتيه ابتسامة حنون وعينه تقع على تلك الشابة التي استرخت في كرسي خشبي قرب النافذة .. شعرها البني ربط خلف عنقها في عقدة .. لينسدل برقة على ظهرها .. لم يتحرك من مكانه و هو يتأمل جلستها الصامتة .. و أشعة الشمس التي انعكس على وجهها الحنطي .. عينيها المفتوحتين اللتان كانتا تنظران للأمام مباشرة بلا هدف ..
بدت بملامحها الرائعة أقرب شبها لخولة .. لم يلتقي أمها يوما .. و لكن يعلم أنها لا تشبه أباها باستثناء تلك العينين الدعجاوين ..
وجهها الذي كان مشدوها للأمام تحرك بانتباه .. تحرك قليلا نحوها ببطء ..لتلتفت نحوه ..
حالما رأته ارتسمت على ثغرها بسمه رائعة .. و عينيها تتألقان بفرح ..
- غيث ..!!!!
انحنى يطبع قبلة رقيقة على رأسها و هو يهمس ..
- شحالها الغالية ..
مدت يديها لتمسك بيديه وهو يجلس في الكرسي الذي كانت تحتله خولة قبل قدومه ..
- بخير يوم شفتك .. انته وينك ..؟؟ تولهت عليك ..!
انحنى يقبل كفها بحب ..
- مشغول فديتج ..
و التفت للصينية التي احتوت قطعا من - المحلى - و ابريق الشاي و كوب صغير ..
- شوه ما تبين تتريقين ..؟!
.
.
تستند هي على إطار الباب الخشبي و عيناها الملهوفتين تلتهم ملامحه بشغف ..
كم اشتاقت إليه .. لم يعد يزورهم كما كان يفعل في السابق ..
رغم تلك الحدود الجازمة بينهما .. و تلك القوانين الصارمة ..
إلا أنها كانت ترضى بالفتات الذي يلقيه عليها .. رؤيته هنا .. و إن لم يكن يأتِ من أجلها كانت تغنيها عن كل شيء ..
.
.
خطأ..
تبخل .. وأنا كلي عطا..
خطأ ..
ضاعت على الدرب الخطى ..
خطأ ابتدينا ..
وان نهيناها .. خطا !!
تزرع طريقي .. بالألم..
يا خوفي .. لا توطاه القدم ..
تجرح ظلايل.. فيتك ..
وتدمي ..أماني جيتك ..
لو فرحت.. بجيتك !!
.
.
الآن لم يعد يرتاد بيتهم كما كان قبلا كان يكتفي بذاك .. لا بد أن أمورا أهم انتزعته من روتين زياراته تلك ..!
شعرت بغصة و هي تتذكر ما قد تكون ماهية تلك الأمور .. أيكون شيئا غير بيت عمّه ؟؟
تأملت جسده العريض الذي مال و هو يطعم ميعاد .. تمنت لو أنها هي من تعاني من شلل الأطفال ذاك ..
تمنت لو أنها من تحتل مكانة مميزة في قلبه لترى هذا الحنان موجها لها ..
لترتشف الحب من بين راحتيه .. تمنت لو أنها ترتدي لباسا أفضل من ثوب البيت البسيط هذا ..
تململت في مكانها حين استغرق في حديث باسم مع ميعاد .. لتسأل بهدوء ..
- بو غيث ما بتتريق ..؟!
أتاها الرد باردا لا مباليا ..
- تريقت فبيت عمي ..
انقبضت يداها بوجع .. و شعرت بألم يغزو صدرها ..
لم يلتفت حتى إليها ..!
رأت عيني ميعاد تتعلقان بها في رجاء صامت .. لكنها لم تبالي بها .. و استدارت لتترك المكان ..
.
.
- يعني لازم ترمس عنهم قدامها .. و بهالبرود ..؟!
قالتها ميعاد بضيق حين انسحبت خولة بألم .. التقط غيث قطعة من - المحلى و غمس طرفها في صحن صغير فيه بعض العسل و هو يقول ..
- هي لي سألت ..
- كان قلتلها انك تريقت و بس ..
رفع غيث رأسه بجمود و هو يرفع حاجبا ..
- إن شا الله عمتيه .. غيره ..؟!
نظرت له بصمت لبرهة قبل أن تتنهد بضعف و هي تسأل ..
- حرام عليك غيث .. راعيها شوي .. الكلمة الطيبة صدقة .. و انت امرة هب شالنها من قاع ..!! هذا و هي حرمتك ..!
اشتد فكه بقسوة و صوته البارد يتردد في الحجرة ..
- لا تخبصين العلوم .. انتي تعرفين أنا ليش خذتهاا .. و شوه كانت شروطيه من البداية .. و تعرفين بعد انيه مالك على حور و عقب ما تخلص عدة أمها بعرس .. و عقب ما نرتب نحن أورج بطلقها ..
لمعت عينا ميعاد بشيء من الحزن حين ذكر ذلك .. لكنه تجاهل الأمر ..
- ماريد شي يتعقد عليه .. لا تحاولين انج تلينين راسيه ..
لم تنتبه لما تفوه به و قد توقف تفكيرها عند عبارة و هي تسأله بشيء من الهدوء الحزين ..
- ما قلتليه .. شحالهم ..
تأمل عينيها الجملتين اللتان كستهما غشاوة الألم اللامعة .. كعيني ذاك كانت ..
هذه نفس نظرة الوجع التي تباغته أحيانا ..!!
سحب نفسا عميقا و هو يجيب بصبر ..
- يسرج حالهم ما عليهم شر ..
- اتشوفها ؟؟
- حور ..؟!
- هيه ..
أومأ برأسه و هو يمد يده بقطعة من الخبز ..
- هيه أشوفها ..
كان يدني اللقمة من فمها منتظرا أن تفتح فاهها و لكنها تجاهلت الأمر .. و تسأله بهدوء ..
- متأكد انك تباها ..
ابتسم لها فتجعدت زوايا عيناه و لانت ملامحه و هو يجيبها ..
- عندج شك ..؟
نظرت له بتشكك ..
- قلت يمكن حد ضغط عليك ..!
لم تتزحزح ابتسامته و هو يدرك من تعني بكلامها ..
- ظنتج حد يروم يضغط عليّه ..؟!
نظرت له متمعنة قبل أن تبداله الابتسامة ..
- لا .. و هي ..؟!
- ضغطوا عليها قصدج ..؟!
هزت كتفيها ..
- ليش لا .. غريب و ما قد شافته فحياتها .. أكبر منها بتسع سنين .. و مقاطعينهم .. ليش وافقت ..؟!
لا زال هذا السؤال يحيره أيضا .. رغم هذا يعلم أنها الآن أكثر من راضية ..! لذلك قال بهدوء ..
- يمكن تحبنيه ..؟
بدت ابتسامتها ساخرة ..
- تحبك و هي ما تعرفك ..
- الحين .. فيه احتمال ..
- آممم .. يمكن .. بس ..
ناولها كوب الشاي ..
- بس ..؟؟؟!!
قالت تلك بنبرة ضعيفة ..
- خولة بعد تحبك ..
سحب غيث نفسا عميقا فتداركت هي بسرعة ..
- غيث و الله ما أضغط عليك .. بس شوه .. هاي ختيه و تكسر خاطريه .. كل ما أشوف فرحتاا يوم تيينا .. أحسنيه السبب مادري ليش .. يمكن لنك خذتها عشاني .. و هي تأملت خير ..
أرجع كتفاه العريضين للخلف و هوم يقول بصرامة ..
- هب ذنبيه .. أنا ما قصرت عليها .. و تعرف انه مستعد أطلقها في أي لحظة تبا .. و السالفة سالفة وقت .. و كل واحد يروح فطريقه .. هب من مصلحتاا تعلق عمرها فينيه ..
أسدلت ميعاد أهدابها بحسرة ..
- ما عليه باكر لي يا الوقت بتتحمل .. لكن الحين و هي حرمتك .. لا تكسر بخاطرها ..
و اعتصرت يدها ..
- عشاني غيث .. دخيلك .. و الله يعورنيه فواديه عليها ..
التقط كفها الرقيقة و انحى يقبلها بهدوء .. قبل أن يرفع رأسه و تصطدم عيناه بذاك الكرسي المتحرك الموجود في زاوية الغرفة .. التقت عيناه بعينيها المتوسلتين .. فانفرجت شفتاه عن ابتسامة محبة و هو يقول ..
- عشانج بس .. يا الله حبيبتي .. أنا بسرح الحين ..؟؟
و هب واقفا لترفع هي عينها له بخيبة ..
- رامسين .. ما يلست ..!
- مستعيل فديتج .. الساعة ثمان الحين .. عنديه مناقصة ابا الحق عليها .. شي فخاطرج ..؟!
همست بحب ..
- سلامتك .. بس .. آآآآآ .. سلم ..
رفع حاجبه ..
- على ..؟!
اعتصرت كفاها ذراعي المقعد و هي تسدد النظر لصدره متجنبة عينيه الثاقبتين ..
- عليه ..
أومأ برأسه مودعا ..
- يبلغ .. فادعة الله ..
ضمت أناملها لشفتيها و هي تلوح بيدها الأخرى ..
- الله يحفظك ..
تجاوز الباب للممر الموصل للباب الخارجي .. تقدم خطوات منه فقط قبل أن يستوقفه الصوت القريب الصادر من المطبخ .. صوت احتكاك الأوعية ..
تأكد من انها هناك ..بخطوات صامتة عاد ليدنو من المطبخ الواقع في آخر البيت ..
البيت الذي لم يكن ملائما في نظره كي يسكنوه .. و لكن رفض نهيان كان قاطعا أمام أي مساعدة قد يحاولون تقديمها .. لذلك اكتفى ببيتهم هذا و ارتياح ميعاد فيه .. على الرغم من حجمه المتوسط .. إلا أنه كان أفضل حالا من بيت عمه حمد .. تلك الخرابة التي لا يعلم كيف استطاعوا العيش فيها لسنوات ..!!
كان باب المطبخ مفتوحا .. و هي تقف أمام المغسلة تجلي الأوعية بشيء من العصبية .. أشعة الشمس تندفع من خلال النافذة الكبيرة التي توسطت الجدار أمامها .. لتسقط على شعرها البني الداكن .. ليلمع بلون عسلي دافئ .. عادت لذهنه صورة طفلة خرقاء تسللت للسطح لتفلت زمام شعرها ..
استعاد تلك الصورة الناعمة .. لشعرها الطويل الذي انسدل على طول ظهرها .. و نسائم ليل الصيف الدافئة تتغلغله ..
تذكر رغبة مجنونة اجتاحته تدفعه لدفن وجهه في شعرها .. و استنشاق رائحة الورد تلك ..
نفض تلك الأفكار من رأسه و عينه ترتكز على تلك الواقفة أمامه .. دون أن تشعر بوجوده .. كانت حركاتها رغم عصبيتها ناعمة ..رفع حاجبه حين ألقت أحد الأوعية بقوة في المغسلة .. قبل أن تستند لها بيديها و تخفض رأسها بشيء من الإنكسار ..
يكاد يجزم بما يدور في خلدها ..!
لذلك اقترب منها بخطوات هادئة .. شعرت بأن أحدا ما يقف خلفها .. متأكدة بأن ميعاد لن تستطيع إلقاء هذا الظل عليها ..!
إذا هو ..
و كأنما تريد التيقن من الأمر استدارت نحوه .. وجدت انه لا يبعد عنها سوى .. خطوتين ..
و أنفاس ،،
ارتعش فؤادها و عينيها تتأملان تفاصيل وجهه القوي .. حدود فكيه القاسية .. و النعومة الغامضة التي تضفيها أهدابه الطويلة .. تلك الأهداب التي تختفي حالما يضيق عيناه ..
لا يهمها شكل عينيه حقا .. كل ما ترجو هو شيء من نظرات الحب و الحنان التي يغدقها على غيرها .. تريد كسر الجليد الذي يجمد مشاعره ..
تريد أن تشعله .. أن تستفز إحساسه .. تريد أن تصل لأعماقه ..
أن تزرع وردة في زاوية من تلك الأراضي المجهولة .. لما لا يحبها ..؟!
لما لا يحبنا كل من نحب .. لما علينا أن نتوجع حين لا نجد صدى لتلك الطهارة التي تسكننا ..
حين نجد أن ما نمنح ليس مرغوبا .. ليس سوى مضايقة فظة بالنسبة للآخرين ..!
و على هذه الفكرة .. شعرت بالألم يكتسح روحها مجددا ..
ما لا يعلمه هو انها ستموت بلا شك .. عندما يحين الأوان لهجرها ..!
.
.
بعد الظما.. وبعد الهجير ..
تخفي حنانك .. بالضمير ..
لو ما جنت ..
عينك علي بنظرةٍٍ .. لو ما جنت
ولو ما رضيت .. تحدني ..
روح الشقاوي .. ما عنت ..
واستهونت درب الهوى ..
ولو ما غدى جرحي دوا ..
ليته غدا..
عودتني منك الحنان .. عودتني
وطال النوى وجار الزمان .. صبرتني ..
وإثر الهوى .. مثلك غريب ..
ماله .. على نفسه حبيب .. *
.
.
.
ارتعشت دمعة صافية في مقلتها .. عينه تتأمل وسع عينها المغرقة بالدمع .. أهدابها الجميلة المبتلة ..
و وجهها الدقيق الملامح .. بدا محمرا و كأنها على وشك البكاء ..
كانت هذه إمرأة حقيقية .. أنثى في كل ما فيها .. في حبها .. و في حزنها .. تخلو من الطيش الذي قد يراه في حور .. في كبريائها .. و لهفتها ..
هذه تتمتع بنضج لم تعرفه تلك الأخرى ..
رغم هذا كله لا يملك لها سوى الإعجاب .. و الشفقة ..
ما الذي قد يهديه لإمرأة أغرقت نفسها في حبه حين لم يكن يعنيه حتى وجودها ..؟!
انزلقت دمعتها على خدها فمد يده قبل أن تمسحه ليحتضن جانب وجهها براحته الكبيرة .. و يمسح بابهامه دمعتها و هو يسأل بعمق ..
- ليش تصيحين ..؟!
هزت رأسها بعجز .. عاجزة عن النطق .. و أشاحت بوجهها عنه .. ليس عليه أن يعذبها بقربه في وقت لا ينوي فيه إلا على تركها ..!
لم يكن يريد أن يمنحها أمملا .. أو يقتطع من نفسه شيئا لها .. فقط قال بهدوء ..
- انتي تعرفين حدودج .. و تعرفين طبيعة العلاقة بينا .. لا تتوقعين انه ويا الوقت بيتغير شي ..
عضت شفتيها حين أدارت وجهها بعيدا فلم يعد يرى إلا جانب راسها ..
استدار نحو الباب و توجه للخارج تاركا اياها تكابد أوجاعها ..
.
.
.
سحبت نفسا عميقا تبتلع عبراتها الغبية .. ألم يعد لها من الكرامة شيء ..؟!
ليس عليها أن تبكي كلما وجدت نفسها على أرض الواقع حقا ..
هذا الرجل ليس لها .. و إن لم تعترف قلبها بذلك ..
عليها أن تخفي جرحها .. و تتحلى بشيء الكبرياء ..
و لكن كيف يمكنها أن تفعل ذلك ..؟! كيف لها أن تدفن إحساسها في جوف النسيان ..
لا يمكن .. لا يمكن ..!
و انفلتت عبرة أخرى تبعتها ثانية ،،
.
.
لا عطر .. لا أوراق تناثرت ..
و لا غبار ..
لا ذكرى ستتذوق وجعها الحلو ..
لا صور سوداء // بيضاء ستعيدها لما مضى من الدهر ..
لا ضحكات تتردد في جوفها .. عتيقة ..
لا إحساس منسي يخالجها ..
لا تعرف من هذه الأماكن الملونة شيء ..
لا تعرف ..
غير شعور حتما ذوى ..
في وضح ذاك النهار ..!
.
.
.
.
.
.
.


لم تمر دقيقتين على وصوله للشركة حتى تعالت طرقات باب على مكتبه .. ترك القلم الذي بيده و هو يعيد ظهره للوراء في مقعده الكبير ..
- تفضل ..
انفتح باب مكتبه على وسعه و دلف بطي و هو يحمل ملفا بين يديه ..
- السلام عليكم ..
عقد كفيه باسترخاء و هو يرد ..
- و عليكم السلام ..
تقدم بطي من مكتبه .. و استدار حوله و هو يقول بنبرة حذرة ..
- طال عمرك الريال طرش أسماء الشركات لي داخله المناقصة ..
ابتسامة واثقة احتلت شفتيه .. لا يهم ان كانت هناك تجاوزات .. اذا كان الأمر في مصلحته ..
رغم هذا ضيق عينيه على وجه بطي .. و هو يسأل ..
- وينها ..؟!
توترت يدا الرجل على الملف بين يديه ..
هاي .. بس طال عمرك فيه .. آآ
عقد جبينه بسرعة ..
- فيه شوه ..
مد بطي الملف بسرعة لغيث و هو يقول بحذر ..
- لو تشيك ع الاسماء الشركات الداخلة .. أول ..
رفع غيث حاجبه و هو ينتزع الملف من يده .. فردهى على المكتب .. لم يكن يحتوي إلا على صفحتين .. جدول و قائمة أسماء .. راح يتفحص الأسماء واحدا تلو الآخر ..
عيناه الثاقبتين تلتهم القائمة .. أسماء توقعها .. و أسماء تنافسه .. و أسماء أدهشه وجودها ..
ثم توقف ..
تجمدت نظرته على ذاك الاسم ..
انكمشت الورقة البيضاء بين يديه .. و هو يشد عليها ..
غالبت صدمته بركان الغضب الذي راح يتصاعد داخله بجنون ..
كانوا على اتفاق أنه هو من سيدخل المناقصة دونهم ..
لن يستطيع احدا نقض الأمر ..
لن يستطيع ..
سوى .......
اعتصر الورقة بين يديه قبل أن يلقيها أرضا و هو يهب من مكانه واقفا ..
بدا مخيفا للغاية و الحقد يلمع في عينيه ..
سيسحق تلك الحشرة التافهة ..
المغفل .. كيف تجرأ على ارتكاب شيء كهذا ..!
و دون أن ينتظر للحظة واحدة ..
التقط هاتفه المتحرك و هو يتوجه للباب خارجا .. كل ما يفكر فيه حاليا هو قتل ذاك الأحمق الذي سيتسبب في خسارته لهذه الصفقة الثمينة ..!

* * * * *

زفرت بضيق شديد و هي تسند ذقنها لركبتيها اللتان الضمتهما لصدرها و تقول ببؤس ..
- يعني أكيد .. أكيد بتظهر نشب الثانوية العامة هالاسبوع .. و شهايدنا بيسلمونهن .. و أسبوع و بتقول عفاري تبا تسوي فحوصات الجامعة .. و بتنشغل بالامتحانات .. يااااااااااااااا اللــــــــــــــــه .. حرام .. و الله حرام ..!!!
كن يجلسن تحت أشعة شمس الضحى الدافئة متوازيات .. السبع جميعهن و قد أسندن ظهورهن للجدار .. تلتفت لها حور و تنحني للأمام لتتجاوز رأس عفرا و تقول بحزم ..
- نوري .. حمدي ربج .. و الله اننا في نعمة غيرج هب لاقي البيت لي ييلس فيه ..
أيدت دانة نورة باحباط ..
- ما نبا البيت نحن بنعطيهم .. يختي نبا نظهر .. نبا نغير جو .. من سنة تقريبا ما ظهرنا الا شايرين قدا قوم خالوه .. الحين بيخطفن فوق الست شهور ما سرنا حتى بيتهم .. اففففف .. و الله أحسنيه مخنوقة .. الحين بتخطف الاجازة و بتبدا المدارس .. بتتعذرون بنورة و الثنوية و مادري شوه ..
نظرت حور لقدميها الممدودتين بشرود .. لا يعلمن حقا أن هناك مفاجأة قريبة قادمة في الطريق .. ماذا سيقلن اذا تركن البيت ..؟!
- انزين شوه أسويبكن ..؟ في ايديه شي و قلت لا ..؟!بعدين لا تنسن ان أمايا في العدة وين نسير ..؟!
اقترحت هند بهدوء ..
- رمسي غيث خليه يظهرنا ..
اتسعت عينا حور ..
- حلفي والله .. خلاص فالكن طيب ..- ثم أردفت بسخرية - تبن تسيرن القرية العالمية .. و الا وايلد وادي ..
ضحكت نورة ..
- أووه تطورت العزبة .. تعرفين وايلد وادي حور ..؟ لا .. فيج أمل ..
- أعرفها قبل لا تييبج أمج .. بعدين لو صدق طفرانات و ما عندكن شغلة زهبن عماركن باكر بنغسل زولية حجرة أمايا و زولية الصالة ..
صاحن جميعهن معا ..
- لاااااااااااااااااااااااااااااااا
عقدت حور جبينها ..
- الله يغربلكن طريت أذنيه .. هب ع كيفكن ..عنبوه قدهن مغبرات يبالهن غسيل ..
قالت عفرا بخيبة ..
- الحين نقولج طفرانات و تقولين غسلن زولية .. حرام حور .. نبا نستمتع في الاجازة ..
ردت حور بصرامة ..
- و عقب الاجازة مدارس و امايا بتربي و انتن مداومات نبا ننظف قبل لا تربي .. باكر يعني باكر ..
ساد صمت محبط عليهن قبل أن تتذمر مزنة بصوت عالي ..
- حوووووور .. متى بينشف ......؟؟؟؟
و أشارت لشعرها الذي وضع عليه طبقة كثيفة من الحناء .. قالت حور بهدوء ..
- اصبري شوي .. بينشف الحين ..
التفتت نورة لمزنة تغيظها ..
- لا ما بينشف إلا باكر .. نحن كلنا حطيناه قبلج انتي آخر وحدة يعني ما بينشف إلا بعدييييييين .. يوم يسيح على ويهج .. و يغدي لونج أحمر من الحنا .. و تظهرين عند عنوده و حنون و شيفتج مرقعة .. و تبين تلعبين وياهن و هن يقولن وععع .. هاي ويها أحمر .. هاي هب بشرية .. مزنة كائن فضائي متحول ..
بدا الذعر على وجه مزنة و نظرت لحور الشاردة باستنجاد و لكن تلك لم تنتبه للأمر و دانة تتابع بخبث ..
- هيه .. و انتي تصيحين .. و تبين تلعبين وياهن و تربعين وراهن و هن يشردن منج .. يصارخن .. - و راحت تصرخ بتمثيل - واااااااااااااااا .. ساااااااعدوووونييييييييه .. مزنووووووووه المريخية ..
هزت نورة رأسها بعدم رضى ..
- شوه مزنوه المريخية ..؟! هب حلوو .. بيقولن .. - و راحت تصرخ بتمثيل هي الأخرى - واااااااااااااااااااااااا .. إي تي .. إييي تييي .. يلحق بنا .. النجدة .. النجدة ..
ضحكت دانة و هي تتخيل الأمر ..
- ماظنتيه عنودة المقلوعه تقول النجدة .. هاي ما تعرف الالف من الياء تبينها ترمس بالفصحى ..
مزنة تهز حور و هي تكاد تبكي ..
- حووووووور أباااا أغسل شعريي ..
التفتت لها حور ..
- ليش
مدت شفتاها للأمام بتذمر..
- بسرعة بيسيح على ويهي و بيقولون مزنة تاريخية ..
ضحكت نورة و دانة ..
- مريخية يا غبية ..
نظرت لها مزنة بضيق ..
- انتي غبية ..
رفعت نورة حاجبها ..
- بنش و بفعصج الحين يا الفص ..
- انتي فص ..
مدت نورة يدها بنية قرصها فاختبئت مزنة فورا خلف هند التي نبهت حور ..
- حووووووور ..
حور تضرب يد نورة الممدودة ..
- حوووووه .. رب ما شر ..؟ تخبلتي تظربين البنية .. ؟؟
مسحت نورة على ذراعها بضيق ..
- تستاهل الملسونة .. تعلمت ترادنا الحين .. و انتي تدافعين ..
- لا و الله تسبينها و تروعينها و تبينها تحبج ع راسـ .....
بترت عبارتها حين ارتفع رنين هاتفها عاليا ..قالت بحزم و هي تخرج هاتفها من جيبها ..
- لي تظرب مزوون يا وليها منيه .. - ثم نظرت لشاشة الهاتف - هاي روضة ..
اجتمعن كلهن حول حور التي حولت المكالمة للسماعة الخارجية حتى المها التي كانت تكفيها اشارات مختصرة من الحديث ..
- مرحبــــــــا مليـــــــــار ،،
تدفق صوت روضة الناعم بحبور .. و ارتسمت الابتسامات المتفرقة على الأوجه ..
- لمرحب بااقي ،، شحالها بنت حمد ..
- بخير يعلج الخير .. ترانيه حاطيتنج سبيكر ..
- منوه عندج ..؟!
ابتسمت حور ..
- المخبل كلهن لو اتشوفينهن كيف ملتمات ع التيلفون بياكلنه ..
ضحكت روضة بخفّة ..
- بنات شحالكن ..
ردن معا ..
- بخير شحالج رويض ..
- ترتوب .. شوه تسون ..؟؟؟
ردت دانة بصوتٍ عالٍ ..
- محنيات كشيشنا و يالسات في الحوش نتشرق ..
صاحت روضة بحماس ..
- لاااااا .. ليتنيه عندكن ..
صاحت عفرا ..
- تعالي انزين ..
تساءلت روضة .
- منوه عفرا ..؟
- هيه ..
ضحكت روضة مرة أخرى ..
- أنا متصلة عشانج ..
- الله يرفع شانج .. ليش ..؟
- آمممم .. حارب ظهر النتايج ..
شهقن جميعا معا .. و اتسعت عينا عفرا ..
- ظهرهاااااااااا ..!!!!! كيف ...؟!؟!؟!
- واسطة .. المهم نسبتج عنديه الحين .. تبين تعرفينها و الا لا ..؟!
قالت حور بلهفة ..
- هيه هيه .. نبا نعرفها ..
شرحت روضة بهدوء ..
- أنا بغيت أأجل السالفة الين ما أييكم باكر .. لكن حارب لين باكر بينشر السالفة .. و قلت يمكن حد من الشباب و الا الشياب يتصل يبارك و انتن ما تدرن شوه السالفة ..
عقدت حور جبينها ..
- أي شباب و أي شياب ..؟!
- أبوية و عمامي .. و عيالهم ..
جف حلق حور و أطرافها تتشنج ..
- لااااااا .. بيتصلوووون ؟؟؟؟!!!
بدت الدهشة في صوت روضة جليّة .. و تعبير من الحماس على وجوه أخواتها ..
- هيه أكيد .. شوه ما تبينهم يتصلون .. عادي ما بعطيهم رقمج ..
رفعت عينها لعفرا .. و شعرت بشيء من الخجل .. أنانية ..؟! ربما ..!
- لا رويض .. آآآ .. عادي .. عـ .. عطـيهم ..
صفقت روضة و هي تصيح بحماس ..
- انزين كم تتوقعون عفرا يابت ..؟؟!!
قالت نورة ضاحكة ..
- هاي ناقة من بنات ظبيان .. كان ماخذت المركز لول على الهين .. ما كون بنت أبوي ..
قالت دانة بسرعة ..
- روضة .. دخيل أمج لو ما كانت يايبة المركز لول اكذبي و قولي انها يابته .. قدها مسألة شرف و انكار نسب ..
ضحكت روضة بدلال و هي تجيب ..
- فاضيات و الله .. المهم .. تعرفن كم يابت ..
صاحت عفرا بخوف ..
- روووووضوووووه .. ياااااا الله عاااااااااااد ..
- ههههههههه .. انزين .. كم .. كم .. كم .. أقول و الا ما اقول ..
صاحت عفرا باحباط ..
- رووضاااااااااه ..
ضحكت دانة ..
- تعيبينيه بنت عميه .. شوي و تنجلط .. سوي خير و خبريها يقولون فصيلتها في طريقها للانقراض ..
ضحكت روضة و عفرا تتميز غيضا .. قبل أن تقول بمرح ..
- لااا .. كله و لا تنقرض .. نسبتج يختيه .. 98.6% ..
صرخن جميعا بصوت واحد .. تفجرت الفرحة بينهن حتى المها التي لم تسمع بالأمر .. راحت تهز حور بلهفة و حور تحاول وسط فرحتها شرح الأمر ..
انتزعت عفرا الهاتف من يد حور ..
- حلفييييييييي .. قوووووووولي و الله ..
ضحكت حور و ضجيجهن و الصراخ يصلها بقوة ..
- و الله .. لا اتروعين ماشي غلط .. حارب توه اليوم امظهرنها واحد من رباعته مرمس خوه في الوزارة و عاطنه النتايج ..
صاحت عفرا ليصل صوتها لروضة وسط التعليقات و الضحكات المبتهجة ..
- هووو كم ياب ..؟!
- حارب ..؟! ياب 86.3% .. طريتييييه ...
ضحكت عفرا بسعادة حقيقة ..
- أعيبج أنا ..
تساءلت روضة ضاحكة ..
- خيييييبة شعندهن ..
ضحكت عفرا مجددا و هي ترى حور و المها و هند و مزنة انشغلن بالتصفيق و نورة و دانة وقفن يرقصن بفرح .. و هن يترنمن بصوت واحد تشاركهن حور ..
- يحتفلن ما تسمعين التغريد .. ههههه
- هههههههه .. يا الله عفاري .. ألف .. ألف مبروك ان شا الله عقبال ما تتخرجين من الجامعة ..
صمتت عفرا للحظات قبل أن تهمس بصدق..
- الله يبارك فيج .. و يوفقج في امتحاناتج و تتخرجين و نفرح بج .. مشكورة رواضي ..
- العفو حبيبتي ما سوينا شي ..
قبلأن تتفوه بشيء .. تألقت الشاشة مرة أخرى .. لتعقد عفرا جبينها ..
- أوكيه روضة غناتيه عدنا خط ..
ضحكت روضة و هي تقول ..
- هذا حارب .. تونيه مطرشتله الرقم مسج .. ما عنده وقت الريال شكله مقهور .. يا الله أخليج الحين .. سلمي ع البنات و باكر بييكم ان شا الله ..
- يبلغ .. حياج الله الغالية .. و ثانكس أقين ..
- يو ويلكم .. فداعة الله ..
- الله يحفظج .. مرحب ..
ارتفع رنين الهاتف فور انهاء عفرا للمكالمة .. و علمت أنه على وشك قطع الخط .. لذلك صاحت بصوتٍ عالٍ ..
- بنااااااااااااات بااااااااس برد ع الريال ..
قفزت حور نحوها ..
- أي ريال .. غيث ..؟!
تحلقن جميعهن حول عفرا التي قالت باختصار قبل أن ترد ..
- لا حارب ولد عمنا .. ألوووه ..
أشارت لها دانة بحماس و هي تهمس ..
- سبيكر .. سبيكر ..
حولت عفرا المكالمة على السماعة الخارجية و صوت رجولي يتدفق ..
- ألوو السلام عليكم و الرحمه ،،
- و عليكم السلام و رحمة الله ..
- جيف الحال ..
- بخير الله يسلمك .. وشحالك شوه صحتك .. ربك بخير ..
- بخير يعلج الخير .. عفرا ..؟!
- هيه .. حارب ..؟!
ضحك الرجل بخفة قبل أن يقول ..
- لا هزاع أخوه .. علومج يا بنت العم ..
صرت عفرا على أسنانها باحراج ..
- علوم الخير .. و من صوبك ..
- طيبة و الله .. مبروك .. يا بنت حمد .. رفعتي الراس و الله ..
رفعت حور حاجبها و هي تلوي شفتها مستهزئة .. و عفرا ترد بهدوء ..
- الله يبارك فيك ..
- هذا أحمد بن علي بيباركلج ..
عقدت عفرا جبينها و نورة و دانة يصفقن بحماس .. صوت مختلف هذه المرة .. غلظة لا تفارق آدم تسللت عبر خطوط الهاتف و الرجل يقول بسرعة ..
- مرحبا ..
- السلام عليكم ..
- و عليكم السلام و رحمة الله .. شحالج يا بنت العم ..
- بخير الله يسلمك .. شحالك ..
- يسرج الحال .. مبروك .. مبروك .. هاي النسب و بس .. و الا حارب مسود الويه فشلنا .. آآآآآه .. ههههههههه .. هذا حارب بيبارك لج ..
صوت اكثر رصانة قال فجأة ..
- السلام عليكم ..
رفعت عفرا عينيها للسماء .. و ضحكت نورة بخفة ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
- مبروك يا بنت العم .. غلبيتينا ما شا الله ..!
.
.
.
كانت الفرحة تنبثق من مآقيهن المشعة .. صافية ،، صادقة ..
مختلفة للغاية .. ضحكات حرّة .. و سعادة مريحة ..
و خفقات قلوبهن الدافئة .. الحيّة .. المفعمة بالحب .. تخالط صفقات أيديهن ..
بهجتهن الكبيرة بهذه النتيجة ..
لها مذاق خاص بين هذه الجدران الحبيبة .. يصفقن معا .. و نورة و دانة يعدن للرقص ..
و الجدران ..
تترنم بتلك الأغنية معهن .. فرحة ..
رغم طلائها الحائل ..
- نجحنا و الله وفقنا .. و آخر صبرنا نلنا .. فرحنا من قبل لكن أكيد الفرحة هذي غير .. زرعنا خير و بالآخر حصدنا خير ..
كانت نورة تتمايل بسعادة و كأنما هي من تلقت النتيجة هذه .. و حور تصفق بحماس مع اقتراب نورة منها بحركات مضحكة .. أضحكت مزنة التي نهضت هي الأخرى تشاركها نفس الحركات ..
- تواعدنا مع الأحلام .. نسابق لجلها الأيام و عاندنا التعب فينا .. و نلنا الحب و التقدير .. زرعنا خير و بالآخر .. حصدنا خير ..
.
.
حقــا
حصدنا خير ،،

* * * * *

صوت توقف الإطارات المجنون أمام الدرج العملاق النصف دائري المؤدي إلى المدخل الزجاجي الضخم لمقر الشركة الرئيسي .. لم يتفوه رجلي الأمن بكلمة واحدة و هو يترك سيارته في منتصف الشارع .. مكان غير قانوني و لا مصرح به البتة .. فتح بابه و خرج بهامته الطويلة ليصفق الباب بقوة ..
التفت من هم قريبون منه بعض العاملين المنشرين عند واجهة المبنى ..
خطواته الواسعة تقطع المسافة بقوة .. ينفث أنفاسه غضبا .. يشعر بالغيظ الشديد يضطرم بصدره .. حالما اقتحم المبنى المألوف التفتت له الرؤوس في الردهة الواسعة تجاهل عبارات الترحيب و نظرات التوجس من ذاك الجنون الذي راح يلوح في عينيه و هو يتجاوز الكثيرين متجها نحو السلم و متجاهلا مجموعة المصاعد الكهربائية ..
راح يرقى السلم درجات .. درجات .. دفعة واحدة .. حتى وصل إلى الطابق الرابع .. ليدفع باب السلم و يتوجه نحو المكان الذي يعرفه جيدا .. ألم يقضي سنوات من عمره يدير هذا القسم ..؟!
سار في الممر الطويل لا يرى أمامه سوى المنحنى الذي في نهايته ..
لا يشعر بتلك الرؤوس التي استدارت له .. و لا أولئك الذين وقفوا له احتراما .. و لا الموظفين الذي وقفوا في أماكنهم و دنوا يلقون عليه التحية فلم يرد عليهم ،،
بمجرد أن بلغ نهاية الممر .. و عبر المنحنى وقف السكرتير الخاص بمكتب ذاك المغفل تجاهله و هو يندفع نحو الباب للمكتب الرئيسي و يقتحمه بقوة .. بمجرد أن فتح الباب على اتساعه وقعت عيناه عليه و هو يسترخي في مقعده ممسكة بسماعة الهاتف .. التفت له .. قبل أن تتسع عيناه بنظرة صدمة ..
- غيـــث ..!!!
لم يتفوه بكلمة بعد هذه .. في لحظة كان غيث أمامه مباشرة يمسك به من تلابيبه .. و يفعه بقسوة عن الكرسي .. و قد سقطت - الغترة و العقال - من قوة جذب غيث له .. قبل أن يدفعه بقوة نحو الجدار .. ألصقه بقوة و هو يكاد يرفعه عن الأرض و يصر بأسنانه و يهمس بحقد ..
- شووووه سويت يا حيووواااان ،،
علم فهد أنه لا سبيل للإنكار.. بدا غيث ثائرا .. مجنونا و على وشك أن يرتكب جريمة .. أصاب في اختيار هذا الهدف .. فغيث كان ينتظر مطولا كي يثبت نفسه بقوة .. و لم يكن أمامه أفضل من هذه الفرصة .. يعلم كيف عمل جاهدا كي يصل للشروط التي طرحها في المناقصة .. كل ما في الأمر أنه لم يتوقع أن يكتشف غيث الأمر قبل أن تفوز المجموعة بالمناقصة .. لكن يبدو أن خبث غيث يصل لأماكن عدة ..
حاول دفعه صدره الصلب الذي لم يتزحزح .. و غيث يضغط بيده الممسكة بثوبه عند رقبته حتى كاد يحنقه .. همس باحتقان..
- شوه سويت .. دخلت الشركة في المناقصة لو خسرت نحن ناخذها ..
جذبه غيث بقوة قبل أن يعود فيدفعه نحو الجدار بجنون .. تأوه فهد متألما .. و هو يشعر بأن عموده الفقري قد تحطم .. و صاح غيث و عبناه المحمرتين غضبا تكادان تخرجان من محجريه ..
- يا كلب تدخل شركتين من مجموعة وحدة في منافسة .. تبا تطيح اسمنا في السوق ..
كان فهد يحاول مستميتا أن يبعده .. و لكن غيث لم يبالي به و هو يهمس بحقد ..
- و الله لربيك يا النذل .. بعلمك كيف ما تتدخل في شغليه مرة ثانية ..
و مع نهاية كلماته كور قبضته الضخمة و وجه لوجهه لكمة كادت تطيح به لو لم يزل يمسك بتلاليبه .. ارتد جسد فهد و هو يصرخ بألم .. و دلف المكتب ثلاثة أو أربع موظفين وقفوا يتفرجون عاجزين عن التدخل و قد بدا لهم غيث كالوحش الكاسر في ثورة غضبه ،،
كان يرى الدم يتفجر من فم فهد و أنفه .. و لكن هذا لم يشفِ غليله .. لا زال البركان في داخله يلتهب .. و هو يرى هذا المغفل يفسد فرصة عليه كهذه ،، شيء بذل لأجله الكثير ..
كيف تجرأ ..؟! كيف استطاع التخيل أن بإمكانه أن يتحداه .. سيسعى لسحقه .. سينفيه من منصبه هذا ..
لكمة أخرى على وجهه و هو يفلت لتطرحه صريعا تحت قدميه عند المكتب ..
مع بعض الشهقات المتعجبة .. قبل أن يعدل من وضع - غترته - ثم ينحني و هو يقول بهمس حقود ..
- هاي بس عسب تعرف مرة ثانية تلعب على قدك .. الشركة بتسحب أوراقها من المناقصة .. و السمعة بتتعوض ..لكن انت يا الحثالة بترد العلاقات و الا المخازن ..
ثم وجّه ركله أخيرة لخاصرة فهد الذي صاح متألما قبل أن يتوجه نحو الباب .. و الموظفين يتنحون جانبا بذعر .. سامحين له بالخروج ..
كان يلهث من فرط الضيق الذي يشعر به .. و هو يتوجه للطابق الأعلى حيث تقع مكاتب والده و أعمامه الثلاثة .. من هناك يمكنهم إدارة المجموعة بشكل تام ..
كيف وقعوا في خطأ مثل هذا و سلّموا منصبه القديم لهذا الطفل ..؟!
لقد ارتكب خطأ لا يغتفر .. ليس في صالحهم أن تدخهل شركتين من شركاتهم في منافسة على مناقصة واحدة .. حتما سيشك أن هناك تلاعب ما و سيتم استبعادهم ..
عليه تدارك الأمر بسرعة ..
.
.
.
.
كان وجهه ملتصقا بالأرض و هو يشعر بالدوار .. تلك اللزوجة الدافئة التي ملأت فمه و وجهه و ذاك الألم في جانبه ..
عينه تفتح ببطء على اللون الأحمر الذي صبغ الأرض تحت أنفه .. و سكرتيره يسارع لرفعه قبل أن يصرخ به بصوت مكتوم ..
- لا تلمسنييييييييييييييييه .. اظهروووووووووووو يا الحيواااااااااااناااااااااااااااات .. براااااااااااااااااااااا ..
انتفض السكرتير و من معه قبل أن يتركوه على حاله ملقيا .. و هو يتساند براحتيه ليرفع نفسه عن الأرض ..
قام بضربه .. و أمام موظفيه .. أطاح به أرضا و مسح بأنفه الأرض ..
كان يرى الدنيا أمامه في تلك اللحظة بلون الدم الذي راح يتأمله و غطى صدره .. مسح بظاهر كفّه أنفه محاولا ايقاف النزيف الذي تدفق بقوة .. بلا فائدة ..
شعر بأنه على وشك ارتكاب جريمة .. أراد أن يمزق ذاك السافل إلى قطع ،،
شعر بطعم الدموع في حلقه .. رجل .. هو رجل .. و يبكي قهرا ..
خيط رفيع من الرحمة انقطع في داخله .. و هو يتوعد غيث بقوة ..
سيعرف كيف يسقيه هذه الدموع ..
كيف يجبره على تجرع الإهانة .. كيف يريه حجمه ..
و أنه لا يزيد عن البشرية شيئا لمجرد أن جده يفضله على الجميع ..
.
.
.
هناك بذرة أحقاد دفنت في طيات روحه لوقت طويل ،،
نجح غيث في سقيها بالدم .. و الكره ..
سيمعن في تمزيق روحه .. سيقتلع قلبه بقوة ..
سيرى كيف بإمكانه أن يقتله حيا دون أن يموت ..

* * * * *

في اليوم التالي ،،
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
التقطت حبة حمراء من طبق الكرز الطازج الذي كان أمامها و هدى تلف شوكتها بالمعكرونة في تلذذ واضح و تقول ..
- آآه .. أقولج .. عذاااااااااب من الخاطر .. عيونها تقولين فنيال .. هالكبر .. و عدها متكحلة .. قططططعة يا شويخ .. جسم .. و صوت .. شوه تقولين .. عيبتنيه و الله بخاويها ..
مضغت شيخة الكرزة بهدوء و هي تقول ..
- سيري خاويها حد قابضنج ..؟!
نظرت لها هدى بعتب ..
- ما بغيت أنشغل عنج ..
تجاهلت شيخة عبارتها حين ارتفع صوت الهاتف معلنا وصول رسالة ،، فتحتها بهدوء ،، متأكدة من المرسل .. هي ،، أو بالأحرى هو دون شك ..
فتحتها و هدى تواصل ثرثرتها دون توقف ،،
( و الله انا اعشقك ياشيخه الزين
....................................ومهما ابكتب فيك ادري شويه
دنياي لاشفتك تزهـــر بساتين
.................................وان غاب طيفك ذقت طعم المنيه
اذوب انا يابنت من نظره العين
...................................وتذبح قليبي شفاهك النرجسيه
و الله انا وافــــــي وابيك توفين
.................................ابيك انا ويــــــــاي صبح ومسيه )
ارتفعت شفتها العليا بسخرية .. دون أن تجيب .. الكثير من هذه الرسائل تصلها في اليومين الفائتين و تتجاهل الرد عليها .. مثلما تتجاهل المكالمات المتكرر .. وضعت هاتفها جانبا و هي تسأل هدى التي كانت تتحدث في شيء لم تتبين كنهه ..
- انزين ما قلتيليه .. شسمها ..
قالت هدى بحالمية ..
- العنود .. آآآآآآآه .. أنا أشهد من سماها ما خاب .. اسم على مسمى .. لو شفتي الصدر و الا الخصر .. باربي هب بنية .. فديت الوردي عليها .. شيخاني أباج تضبطين لي اياها ..
تراجعت شيخة في مقعدها ..
- أخاف تحبنيه و تودرج .. و الا يمكن هب راعية بنات ..
ضحكت هدى بفم ممتلئ ..
- لا .. لا تخافين .. هاي أم الحركات و خبرة بعد .. كانت خوية حمدان من قبل ..
اتسعت عينا شيخة باهتمام ..
- ليدي ..؟!!
هزت هدى رأسها بسرعة ..
- هيه و الين الحين يقولون تبا حمدان بس حمدان هب معبرنها ..
ضحكت شيخة بسخرية .. و هناك من لا - يعبر - حمدة .. أو حمدان ..!
- و ليش أضبط لج اياها .. ما شا الله شغلتج هاي ..
رفعت هدى حاجبها ..
- أفاا نسيتي راية .. و أنا لي مضبطنج وياها .. منوه ياب راسها لج غيري ..
لوحت شيخة بيدها كارهه .. و هي تلتقط حبة كرز أخرى ..
- الله يلعنج و يلعنها .. أنا شوه خلانيه أطيح على هالخايسة الخاينة ..
صفقت هدى بيدها ..
- عيّدي حبيبتي .. مادريتي شوه استوا بها ..؟!
عقدت شيفة جبينها في تساؤل و هي تمضغ حبة الكرز و تلتقط كوب الماء لترتشف منه و هدى تتابع ..
- انضربت في الحمامات لي قدا المسرح ضرب الكلاب .. و وسموها بحديد حامي في ريلها اليمين ..! لو تشوفين شيفتاا كيف مرقعة و وارمة .. يقولون انها ما شافت لي ضربنها .. و لا عرفوهن ..!
غصت شيخة بجرعة الماء .. و كتمت كحتها بعينين محمرتين ..
.
.
اللعنة ..
فعلتها تلك المجنونة ..!

* * * * *

ركضت نورة تلتقط خرطوم المياه بحماس شديد و وجهها المحمر يلمع و هي تقول بصوتٍ عالٍ ..
- أنا برش الماي ..
وضعت حور يديها على خاصرتها و هي تتأمل المنظر أمامها .. السجادة القديمة فرشت في الحوش بنية غسلها .. أخواتها الست حتى مزنة وقفن حولها متفرقات و لم يبدو النشاط على أحد سوى المها و نورة .. كن قد رفعن ثيابهن للأعلى و ربطنها عن الخصر بأغطية الشعر ..و قد تبينت سراويلهن و التنانير الحريرية الداخلية ..
قال دانة بضيق و هي تهف على وجهها من الحر ..
- أففففففف.. انزين كان وعيتينا الصبح و غسلناها .. الحين في القايلة بنتفحم عدنا ما خلصنا ..
لكن حور أصرت بعناد ..
- لا نبا نخلص قبل العصر .. و الحر ما عليج منه الماي بيرطب الجو .. نايف وين ..؟!
أجابتها مزنة بحماس ..
- عند حمود أنا شفته يوم راح .. حتى قلتله غيث قال ما يظهر من البيت الا العصر .. بس ما طاع ..
تذكرت حور وجه نايف الباكي حين دخل مساء الأمس لغرفته دون أن يعيرهم اهتماما .. و حين استدرجته في الحديث .. عرفت أنه قد ذهب لغيث كعادته للمجلس ليجده هناك ينقب في أوراقه .. و زجره حين أراد أن يخبره بنتيجة عفرا ،،
ما جعلها تشعر بالإشمئزاز من نفسها هو تفكيرها بما قد ضايقه ليحتد على نايف بدلا من أن تشعر بالانزعاج لتوبيخه لأخيها دون سبب ..
تنهدت و هي تبعد هذه الأفكار المتخبطة عن ذهنها .. لن تزيدها إلا تشتتا و حيرة ..!
أشارت لنورة تقول ..
- نورة عطي هند ترش الماي ع الزولية و انتي شلي المخمة البرش .. ما بتروم هنوده عليها ..
اعترضت نورة ..
- لاااااا حور .. أبا أرش ،،
- عطيها يختي و خلصينا .. سلختنا الشمس .. يا الله .. الهمة يا بنات ..
راحت هند ترش السجادة بالماء جيدا .. حتى ابتلت كلها .. أمرت حور عفرا ..
- عفاري رشي الصابون ..
تذمرت عفرا بسخرية ..
- و الله ما عندكن سالفة .. أنا علمي .. 98 .. أرش الصابون .. ما قول الا الحاية بنت حرام ..
قالت دانة ساخرة ..
- شوه تتحرينا بنخليج شيخة في البيت و نحن نخدمج .. تحركي يا الله شوفي شغلج ..
نظرت لها عفرا بحقد ..
- دانووه صخي عنيه .. ترانيه ما نسيت سالفة عميه علي ..
ضحكت دانة و نورة من قلبيهما و دانة تقول ..
- انتي حمدي ربج يوم انيه رديت عليه و قلتله أنا عفرا .. ع الاقل بيقول صوتاا غاوي .. بيوزها واحد من عياليه .. لو سامع صوتج شوه بيقول .. بنت و الا خشبة اييرونها في الشارع .. وااااااككك .. وااااااااككك .. حلوة نورة صح .. ؟! أعيدها .. بنت و الا خشبـ ...
صاحت حور ..
- داانوووه بس انتي و هالضحكة .. شوه بطة واك واك .. حركي الصابون بالمخمة بسرعة ..
تسندت دانة على عصا المكنسة الطويلة ذات الشعر البلاستيكي القاسي ..
- ماروم أنا عنديه ديسك ..
قالت نورة بسرعة ..
- ديسك و الا فلوبي .. بوووووووووه ..
أغمضت حور عينها بغيض .. تعرف هذه الحالة التي تصيبهن جيدا .. و هذه الصيحة الغريبة .. لا تريد حقا أن يبدأن ..
- و الله لو ما تصطلبين انتي وياها و تغسلن بضمير .. انيه أسنعكن ..
قالت دانة و هي تضك ..
- أسنعكن و الا أعفسكن .. بووووووووه ..
- دااااااااااااااااااانة ..
ردت نورة تضحك ..
- دانة و الا نورة .. بووووووووووووه ..
- تبينيه أييج انتي وياها ..
- تيين و الا تروحين بوووووووووووه ..
صرت حور أسنانها بغيظ ..
- سخيفات ..
- سخيفات و الا عسولات .. بووووووووه ..
- عفاري يوديها هالحمارة ..
قالت نورة ..
- حمارة و الا بقرة بوووووووووه ..
حور تصيح لعفرا التي انطلقت لتمسك دانة ..
- يوديها يوديها ..
و راحت تركض خلف نورة لتمسكها .. و المها و مزنة و هند يقفن متفرجات .. قبل أن تنطلق نورة نحو هند و تنتزع منها خرطوم المياه الذي كان يضخ الماء بقوة .. لتوجهه نحو حور .. فيبللها و هي ترفع يدها لحماية وجهها و عينيها ..
- نووووووورووووووووووووووه .. و الله لذبحج اليوووووووم .. يااااااااااا السبااااااااااااااااااالة .. هند يوديهاااااااااااااااا ..
لكن هند ما ان اقتربت حتى حولت نورة الماء عليها .. لتبللها هي الأخرى .. ثم وجهته مرة أخرى نحو حور التي تراجعت خطوة للخلف قبل أن تعدو نحوها بقوة رغم المياه التي راحت تنهال عليها لتغرقها .. و نورة تضحك بهستيرية .. قبل أن تقبض حور على ذراعها لتصارعن على انتزاع الخرطوم .. الذي راحت مياهه تتطاير في كل صوب و الفتيات الأخريات يهربن من البلل قدر الإمكان قبل أن تنتزعه حور بقوة و توجهه نحو نورة بجنون .. تلك التي راحت تولول هاربة من سطوة الماء الساخن بفعل حرارة الشمس ..
سمعن صوت انغلاق باب بقوة فهمدت الأصوات .. لتركض دانة و تنظر من شق الباب للممر المؤدي للمجلس ،، و هي تهمس ..
- حووووووور غيث .. غيث .. يالس عند باب الميلس ..
ضكت حور الخرطوم لصدرها دون وعي و لم تشعر الا بالمياه التي تدفقت رأسا لأنفها فراحت تسعل بقوة .. قبل أن تقول بعينين حمراوين ..
- الله يغربلج ..
ضحكت دانة و هي تقول بشر ..
- حوووووور رشيه بالماي .. النذل أمس مزعل نايف .. يا الله ..
اتسعت عينا حور بجنون ..
- صاحية انتي .. و الله ما سويها .. تخيلي بس .. بيدفنيه عند الباب ..
هزت نورة رأسها بأسى ..
- خلاص دندن .. انسيها هاي هب اختنا .. سوالها غسيل مخ ولد علي .. البارحة هزب نايف الين بكّاه لو غير غيث كان لعنتي خيره .. انتي ما تعرفين ان الهزبات لي تيي المراهقين تأثر على شخصياتهم و يطلعون منحرفين يوم يكبرون .. مسكين نايف ..!!
نظرت لها حور شزرا ..
- حلفي و الله .. انتي بالذات لا ترمسين ..
تساءلت مزنة بجبين معقود ..
- حور بترشين غيث ..؟!
أجابت عنها دانة بسرعة ..
- لا حور تحبه ما بترشه ..
وجه حور الماء نحو دانة بقوة و كأنما تريد اعادة هذه الكلمة ..قبل أن تتجنب دانة الماء بسرعة ..
- أونج ما تحبينه .. ليش ما ترشينه عيل .. رشيه .. سب نايف و انتي ساكته .. أفاا ضعفت شخصيتج قدام ريلج يا بنت حمد ..
تنهدت حور و هي ترى هذا الاستفزاز .. تعلم أنهن لا يعنين ما يقلن فقط يردن بعض المتعة برشه بالماء ..
لما لا تفعلها حقا ..؟!
قالت بتفكير ..
- من وين برشه دون ما يشوفنيه ..؟
صفقت دانة و نورة باهتمام و عفرا تهز رأسها ترفض التدخل أو حتى منعها ..
- حور اندسي ورا الباب .. ما بيشوفج .. تعالي ..
اقتربت حور من الباب بشيء من الخوف .. كان الماء لا زال ينطلق بقوة من الخرطوم و يزيدها بللا ..
نظرت عبر شق الباب و هي تبعد الخرطوم قليلا ..
كان يجلس على عتبات مدخل المجلس و قد وضع سماعة الهاتف في أذنه و بدا مستغرقا في الحديث مع أحد ما .. كان يرتدي إزارا أبيض و فانلة قطنية بيضاء اللون .. عادت تنظر لوجه نورة و دانة المشجعين ..
نظرت له مرة أخيرة قبل أن تغمض عينيها بخوف و توجه فوهة الخرطوم القوية نحو مكان جلوسه القريب .. لم تره حين ابتل .. أو سقط الماء و لكن صرخة رجولي مزلزلة انطلقت في المكان .. في تلك اللحظة دفعتها لترك الخرطوم بذعر ..
- ايييييييييييييييييييييه ..
وضعت نورة كفيها على فمها و هربت دانة بسرعة ..
- يميييييه ..
رحن يجرين كلهن للداخل و أولهن حور .. ما ان دخلن و هن يلهثن .. قالت دانة بابتسامة ..
- خسارة ما شفنا شكله يوم انمزر ماي .. ههههههههههههههههه .. ههههههههههههههههه .. خطيرة حور .. أنا أشهد انج ختيه ..
انتفضت حور و قفزت من مكانها برعب حين بدت صرخة قريبة من باب الصالة لنفس الصوت الغليظ يصيح في غضب ..
- حووووووووووووووووووووور ،،
راحت حور تلطم خديها برعب شديد ..
- يا ويليه .. يا ويليه .. شوه أسوي ..
اجتمعن كلهن عند النافذة ينظرن لظل غيث الذي كان يقف عند باب الحوش مباشرة .. و عفرا تقول ..
- محد قال لج تسمعين شويرات شنقل و منقل .. يا الله اظهري قبل لا يحدر الريال و يسحبج من كشتج ..
عاد يصيح مجددا و هي ترتعش باسمها .. قالت نورة بشفق و الاحساس بالذنب يعلو وجهها ..
- اظهري حور و قوليله بالغلط .. لا اتخلينه يعصب ..
نظرت لهن حور مستنجدة .. قبل أن تتجاوز الباب بخطى مرتجفة .. ما إن خرجت من الصالة حتى وقع ناظرها عليه و هو يكتف ذراعيه على صدره و يسند كتفه على حفاة الباب الموصل لممر المجلس ..
كانت ترى حاجبيه المعقودين و شعره الثائر المبتل .. و نظرة الغيظ المرسومة على وجهه ..
.
.
رباه ..!
يبدو غاضبا ..
ابتلعت ريقها و هي تخفض رأسها حين دنت منه .. انتظرت أن يقول شيئا و لكنه لم يفعل .. لم ترد أن ترفع عينها فتواجه غضبه مجددا لذلك قالت بسرعة رهيبة دون أن تتوقف ..
- السلام عليكم .. آآ شحالك .. نحن آسفين .. بالغلط .. بس .. يعني .. نحن يبنا الزولية و فرشناها هنيه نبا نغسلها .. لن .. تعرف الحين عفاري طلعت نتيجتهاا .. و يتنشغل بخرابيط الجامعة .. المدارس قريب ما بقى شي .. و بغينا نغسل قبل .. لاااا ... أمايا يمكن تربي في المدارس .. و قلنا بنغسلها رباعة .. هذا .. شسمه .. أنا عادي كنت بغسلها اروحيه .. بس أميه و المها ما بيطيعن .. أميه دوم ترحمنيه ما تحبنيه أضك على عمريه .. بس .. يعني .. مادري .. لو .. تدري الواحد يوم يروم يدبر أموره ما يحب العرب يراعونه .. أما الين الحين تتحراان يهال .. ما تحب تعبل علينا .. هاي نورة .. كنا نتظارب على فوز الماي و رشيناك بالغلط .. يعني لو ما ياك الماي .. ما ..
.
.
فضفضت لي عن سواليف امها اللي كدرتها ..
والحزن مثل الحسن لا مر لازم ينوقف له ..
جت تفلسف طفله مكياجها من فلسفتها ..
كملت عشرين عام ولا تزال اليوم طفله ..
.
.
توقفت عن الكلام فجأة ..
يا للهول .. ما هذا الغباء .. ما كل هذه الثرثرة ..!!!!!!!
ما هذه الحماقات التي راحت تتفوه بها لمجرد خوفها منه ..
أين حور .. العاقلة .. المتزنة .. المسيطرة .. ملا تجد نفسها طفلة بلا عقل أمامه ..؟!
ما هذه النسخة المزعزعة .. المتوترة .. العصبية منها ..!!!
أرادت أن تغطي وجهها بيدها في إحراج و هي تشعر بأنه لم يفهم كلمه واحدة مما قالت للتو .. لم تجرؤ حتى على رفع بصرها إليه ما الذي يضنها الآن ..
خرقاء ..!!
همست بضعف ..
- آسفــــــــــة ..
.
.
.
.
ذاك الخافق المجنون الذي راح يضرب بعنف و هو يتأملها من قمة رأسها لأخمص القدمين ،،
ثوبها الذي ربطته عند الخصر بغطاء رأسها .. و تنورتها الداخلية الحريرية ،، كانا يقطران ماءا ..
وجهها الصافي تورد من الحر .. من الخجل .. لا يعلم ..
و شعرها الطويل تشعث أو خمد بسكون تحت سطوة الماء ..
كانت مبتلة حتى العظم .. رقبتها العارية تلمع تحت أشعة الشمس ..
و هي تتفوه بسيل الكلمات الذي لم يفهم منه شيئا .. شعور غريب بالمتعة و هو يراها رسم على شفته ايتسامه كافح جاهدا ليخنقها على حدود الشفاه ..
أراد أن يمد راحته الكبيرة ليحتضن وجهها العذب ..
و رغبة مجنونة تدفعه لاستنشاق رائحة البلل فيها .. بدت مرعوبة بشكل ما .. و هي ترتجف أمامه ..
لماذا كان على القدر أن يرمي بهذه الفتاة في طريقه ..!
لا زال خافقه يتراقص لمرآها بعجب .. شعور مجهول يكتسحه .. و هو يتمنى لو أنها استمرت بتلك الثرثرة اللذيذة للأبد ..مد يده ليجتذبها من ذراعها فتتجاوز الباب لداخل الممر .. أدناها منيه فراحت ترتعش بقوة .. بدت مضطربة للغاية .. و لم يفلح هذه المرة في منع بسمته الحنون و هو يمد أصابعه الطويلة لذقنها و يرفع رأسها ..
أجبر عيناها اللامعتين على النظر إليه .. بدت نظرتها خجلة ..و هي تكسرها للأرض .. يده الأخرى تفلت ذراعها و هو يلتقط خصلة سوداء إلتصقت بوجهها .. و يسألها بعمق ..
- ليش خايفة ..
صوتها المرتجف أثر فيه و هي تنكر بعناد و توجاه نظرته المتحدية ..
- أنا هب خايفة .. ما كنت متعمدة ..
رفع حاجبه و هو ينظر لها ..
- يعني انتي لي رشيتينيه ..؟!
أخفضت بصرها مجددا بخجل و هي تقول ..
- هيه ..
.
.
ضمنتها الغاليه دمعه وداع وعطر حفله
قل اراضيها وجيت وجات والدنيا ملتها
والغزل دار ولقا المشتاق مشتاق يعزفله
كل ما زودت وردي السواليف خجلتها
وكل ما زاد الحيا قلت الحلو وش ينكسفله
.
.
قرص خدها المتورد برضا و هو يقول مفكرا ..
- أهاا .. و بشوه أعاقبج .. ؟!
عقدت جبينها ..
- و ليش تعاقبنيه .. أنا ما كنت متعمدة ..
نظر لها بشك ..
- متأكدة ..؟!
أشاحت ببصرها و هي تكذب ..
- هيه ..
و سحبت نفسها ببساطة .. و هي تتجه للباب بسرعة ..
- آسفة ..
و اختفت خلفه فورا ..!!
لم يأذن لها بالذهاب بعد .. لما كان عليها أن تترك المكان .. كان ليجد شيئا من المتعة بعد ..
نظر ليده التي كانت تلامس خصلتها منذ برهة ..
الكاذبة .. يعلم أنها فعلت ذلك عمدا ..
و ابتسم بسخرية من نشوة سكنت جوفه في قربها ..
تضرب و تهرب .. تجيد الانفلات ..
.
.

قالت امي تفتكرني طفله وتظلم بختها
صح ماني بطفله صح ماني بطفله ؟! **

* * * * *
* خطــــأ / للبدر ،،
*
* صح ماني بطفلة / للشاعر ناصر القحطاني ،،

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 22-04-08, 11:34 PM   المشاركة رقم: 50
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة الحاديـــــــــــــــــــة عشـــــــــــــــــــر
║ خطوات تختنق ..! ║بعد مرور أربعة أشهر ،،
.
.
.
.
.
.
.
لم يثر عجبها شيء أكثر من ردة فعل أمها على الأمر ،، بدا و كأنما توقعت هذه الخطوة منذ أمد و تؤيدها أيضا ..!
نظرة متسامحة اعتادتها منها .. و إيماءة رضا مستسلمة .. ولّدت شيئا من قهر اندثر في زاوية من الروح ،،
المها عقدت ذراعيها و نظرة عناد غريبة لاحت في عينيها الواسعتين و هي تزم شفتيها ..
و كأنها تقبل الأمر على مضض ..!
أخواتها و أخوها ..؟! هذا ما يقلقها حقا .. لا تعلم لما ..!
شعور بالتوجس يربكها كلما أوشكت على مصارحتهم بالموضوع .. حتى طال بها الكتمان .. و دنا الوقت الذي سيضطرون فيه للعزم على الرحيل عن هنا ..
لهذا هي تمسك الهاتف الآن .. أصابعها تلامس أزراره الملساء برتابة ..
و تضعه على أذنها منصتة لذاك الصفير المتقطع .. قبل أن يتدفق صوتها الدافئ و هي تقول بعتب ..
- ساعة و أنا أطالع الإسم و هب مصدقة .. معقولة حور تتصل فينيه و تذكرنيه ..؟؟!
سحبت حور نفسا عميقا و حبسته بين أضلعها .. تريد أن تزفره محملا بكل حيرة تسكنها ..
و دون أن تسلّم .. دون أن تتلفظ بتلك المقدمات الطويلة ..
دون كل شيء قد يفسد صرخة تكابد للخروج .. همست و هي تعتصر الهاتف ..
- وديمة .. محتايتنج ..
كان عليها أن تلجأ لعقل حكيم متزن ليفكر عنها ..
تريد أن تسأل أحدا بصراحة ..
ما الذي حقا يجري هنا ..؟!!!

* * * * *


التوسل يسكن ملامح وجهها الجميل بعناية تأكدت من أن نظرة الإنكسار في عينيها ستخضع والدها حتما لرغبتها .. لذلك قالت مجددا بصوتها الناعم الحزين ..
- أبويه فديتك .. و الله ضايق صدريه .. من سنتين تخرجت .. و يالسة في البيت .. لا شغله و لا مشغله .. انته تظهر الشركة من الصبح .. و أنا أيلس بروحيه هنيه ..
كان أباها مشغول بالأوراق التي تناثرت أمامه .. رد بهدوء ..
- ليش تيلسين بروحج .. سيري بيت أمج نورة .. و الا عند بنات علي .. و الا حتى سيّري على خالتج ..
زفرت بضيق شديد ..
- بنات عمي علي يدرسن .. و روضة الحين مشغولة بتزهب لملكتاا .. - ثم أردفت بحقد - ما بقى شي على حرمة عمي حمد .. برتبي و بتظهر من العدة .. و بيسوون الملكة .. انا مادري ليش يدوه حالفة عليهم ما يسوون الملكة الا عقب ما تظهر الحرمة من العدة .. أساسا .. الحزن بالقلب .. و اذا كانت في العدة و الا لا .. ما بيغير من الموضوع ان حضورها و العدم واحد ..
صمتت لبرهة و هي تلمس نبرة القسوة التي رفع والدها حاجبه باستنكار .. قبل أن تقول بوهن مصطنع ..
- باابااتي .. و الله هب قصديه .. بس لا تلومنيه .. شهر على هالحال و بتخبل .. مليت .. من الهياته بين هالبيوت .. ابا أسوي شي مفيد .. أبا أشتغل ..
قال أباها بلا مبالاة ..
- اشتغلي ..
كبحت ابتسامة انتصار و هي ترى أنها تدنو من هدفها ..
- انزين شغلونيه في الشركة عندكم ..
رفع مطر رأسه برفض صارم ..
- الشركة لا .. وين تبينا نشغلج و انتي خريجة اعلام ..؟!
أرخت كتفيها ببؤس كاذب ..
- في العلاقات العامة ..
هز رأسه نفيا و هو يقول بإصرار ..
- لا .. الشركة لا .. هاي هب الا شركة .. مجموعة شركات .. الموظفين فيها مؤهلاتهم عالية و خبراتهم عدنا من سنوات ..
رفعت أنفها بغرور ..
- و أنا مؤهلاتيه بعد توب .. خريجة جامعية .. تخصص إعلام ..
- الشركة لا ..
- لييييييييييييييش ..؟!!!!!!!!!!!
- دون ليش .. لا .. و سدي السالفة ..
تنهدت بيأس كاذب قبل ان تقول بحذر ..
- انزين حطونيه في الشركة اليديدة عند غيث ..
رفع مطر يده عن الأوراق و هو يتنهد ..
- نقول تيس و تقول حلبوه .. نحن ما نبا بناتنا في الشركة ..
بدا الأمر عسيرا ..! لذلك قالت باعتراض ..
- و عادي أشتغل في مكان ثاني ..؟! أهم شي المراجعين و الموظفين ما يشوفونيه ..!!!!
أومأ بهدوء .. لتصيح به يائسة ..
- باااااابي .. و الله مليييييييت من هالعيشة حرام عليكم .. ابا أظهر .. أبا أتحرك شوفلييييييييه حل ..
قال بحزم رقيق ..
- عووووشة ..
أخفضت أهدابها بحرج .. و هي تقول باعتذار ناعم ..
- سوري بابي .. و الله من لي فينيه ..
نظرة الحزم لم تفارقه و هو يقول ..
- حتى و لو صوتج ما ترفعينه ..
مطت شفتيها بدلال و هي تقول ..
- إن شا الله ..
تنهد و هو يعيد بصره للأوراق و يركز فيها قائلا ..
- تبين تتوظفين من باكر بنييب لج وظيفة في أحسن جريدة في البلاد ..؟! هب انتي تخصص إعلام ..؟ خلاص .. بنشوف شي يناسبج ..
استرخت في مقعدها و هي تكتم صرخة قهر .. جل ما كانت تسعى اليه هو أن تكون معه في مكان ما .. تعلم أن والدها سيرفض أن تعمل معهم في الشركة .. و لكن عند غيث ..؟!
أوفف .. لا بأس بالعمل أيا يكن .. و لكن ألم يكن من الأفضل لها أن تكون بقربه ..؟!
.
.
ستجد طريقة أخرى لتراه .. لا يهم ..

* * * * *

يضحك هزّاع بفظاظة و أحمد يتابع بلا مبالاة بنظراتها الحاقدة ..
- و الريّال ينشدنيه .. أخوك لي واقف عند الباب ..؟ الحق عليه طاح من على الدري المتحرك ..
مسح هزّاع وجهه و هو يواصل الضحك المتقطع و عينه على شيخة التي راحت تطالعهما بكراهيه ..
- هههههههههههههه .. عنبوه ما شاف أذنيها مخرمة ..؟
رفع أحمد حاجبيه مفكرا ..
- أي مخرمة .. ما ظنتيه تصدق !.. أقول شيخووه ظهري أذنج نشوف لو مخرمة و إلا لا ..
ضحك هزاع و شيخة تقول بقسوة ..
- تافه ..
واصل هزّاع الضحك .. و أحمد يقول بصوت أنثوي مصطنع و يتمايل ..
- و الله .. لا تخبرين حد .. - ثم قال بصوته الآمر - يا الله نشي شوفي القهوة .. و حطي الفوالة .. بدال اليلسة هنيه ..
أشاحت بوجهها متجاهلة ..
- هب بشكارة أبوك .. صالتنا و أنا حرة ..
- كأنها قالت صالتنا .. ؟ و أنا من ..؟ راعي دكانكم .. شيخووووووه .. ذلفي شوفي البشكارة ..
هبت واقفة لتتوجه نحو المطبخ .. مديرة ظهرها له .. و لضحكات هزّاع .. لم تقف خوفا منه ..
و لا طاعة لأوامره ..
للحظة شعرت بأنها متوجعة من تلك الحكاية السخيفة التي راح يلقيها نكتة ليضحك بها هزّاع .. و ضيق غريب يكتنف صدرها .. شعرت بأنها تريد الانزواء بعيدا كي لا تسمع تلك الضحكات ..
أسندت ظهرها على جدار الممر المؤدي إلى مطبخ البيت و غرف الخادمات .. و أسدلت جفنيها الثقيلين بألم .. و هي تطرد صورة أعادتها لتلك الحقبة الكريهة ..
تلك الفترة المقرفة .. لطالما أثارت اشمئزازها كلما عادت إليها .. ضغطت بيدها الثقيلة على صدرها توقف شعورا بالغثيان و هي تنفض الصور القبيحة من ذهنها ..
ابتعدت عن الجدار و هي تفتح عينيها على وسعها و تقطع الممر لنهايته بخطواتٍ سريعة ..
دلفت المطبخ و هي تبتلع كل إحساس غبي .. و غصة حمقاء لا تعرف لها سببا ..
كانت الخادمة تقف قرب المغسلة .. توقفت لبرهة هي عند الباب و عينها تقع على جسدها الذي راح يهتز مع كل حركة تقوم بها و هي تفرك الأوعية لتنظفها ..
تتأمل خطوط جسدها الناحل .. و حركاتها المرنة .. فبل ان تدلف الخادمة الأخرى من الباب خلفها لتقول بشرود دون أن تنتزع عينيها عن الأولى ..
- سميحه .. شلّي فوالة و قهوة و ودي الصالة .. هناك أحمد يا الله ..
التفتت الخادمة الاولى نحو شيخة لترى نظرتها تتركز عليها بغرابة .. غسلت يدها بسرعة و تحركت لتساعد سميحة في ترتيب القهوة و توابعها .. و هي تتجاهل نظرة شيخة المتمعنة ..!
.
.
.
.
.
دفعت باب الصالة بتعب و هي تدلف الردهة .. ليستدير رأسيهما نحوها .. محملة بأكياس كبيرة .. و تقطع الصالة دون أن تنتبه لهما .. لتنادي بصوتها الرفيع ..
- كااااامي .. كااااامي ..
- شوي شوي على أحبالج الصوتيه يا العروس ..!
التفتت بذهول لهما .. لتواجه هزّاع مباشرة و هو يسترخي أمامها بابتسامة عريضة فيحمر وجهها فورا و هي تعتذر ..
- هزّاع ..! سمحليه و الله ما انتبهت لك ..
وقف هزاع احتراما حين اقتربت .. و هو يقول مازحا ..
- منوه كامي ..؟! هاتوها بناكلها ..
ابتسمت روضة و هي ترى الخادمة القصيرة و قد أقبلت مهرولة ..
- هاي كامي .. تبا تاكلها ..؟!
عقد هزاع جبينه قبل ان يهز رأسه بسرعة ..
- غيرت رايي ..!!
ضحكت روضة و هي تناول الخادمة جميع الأكياس الثقيلة لتتقدم و تجلس بجانب أحمد و تقول ..
- حيا الله هزاع .. من زمان عنك .. وينك يا القاطع ..
حك هزاع لحيته الحليقة و هو يقول ..
- مشاغل يا أم سعيد .. و الا نحن ما نستغني .. يا غير قلت أخطف على عربيه كلهم يوم رمضان عقب اسبوع..
احمر وجه روضة حين ناداها بإسم أبيه .. و قالت تلهيه عن الموضوع ...
- ما شا الله تتفقد أحوال الرعية يعني ..؟!
- شيء من هذا القبيل .. الا شوه الاستعدادات للملكة ..
أخفضت وجهها و أحمد لا زال مشغولا بهاتفه ..
- آحم .. ما شي و الله .. يعني تو .. الناس .. شوي نرتب ..
رفع هزّاع حاجبه بمكر ..
- خيييييبه .. كل هالاكياس .. و شوي ..!! عنبوووه يا روضة أنا قلت ما خلت شي في السوق ..!! انتي و ريلج عليكم حركات .. هذاك يرتب القسم في البيت .. يتحرا السالفة عرس هب الا ملكة .. لو تدري حرمة عميه حمد مسكينة ان مصيركم بايدها كان ربت من زمان .. تخيّلوا ما اتربي الا عقب شهرين ..؟!
رفع أحمد رأسه عن الهاتف و هو يقول باستنكار ..
- شوه ناقة ..؟! الحرمة قدها موصل .. و غيث يقول انها فشهرها .. يعني أكيد .. أكيد ملكة روضة و سيف عقب العيد ..
هزت روضة رأسها توافق أخيها بشيء من الخجل ..
- هيه حتى البنات يقولن يمكن تربي فرمضان ..
التفت احمد لها ..
- من البنات ..؟ بناتاا ..؟
- هيه ..
تبادل هو و هزاع نظر اهتمام قبل أن يقول الأخير بابتسامة ..
- كم عددهن ..؟
- آممم .. سبع ..
اتسعت عينا الاثنان معا و أحمد يقول مذهولا ..
- أووووففف .. سبع ...!!!!! كم عمارهن ..
- قول ما شا الله أول ..
- ما شا الله ..
- حور هاي حرمة غيث .. عمرها 23 أو 24 .. تقريبا .. مادري بالضبط ..!
عقد هزاع جبينه معترضا ..
- صغيرة و الله .. أخوج شيبه ..!!
نظرت له روضة ..
- ما عليك عايبنها ..
ضحك أحمد يرد عنه ..
- و أنا أقول مسنتر هناك عشان منوه .. المهم غيرها ..
- آممم .. غيرها المها .. عشرين سنة يمكن .. عفرا كبر حارب .. و نورة أصغر منها بسنة .. و أصغر من نورة بسنة دانة .. خلاف هند 14 سنة يمكن .. و آآآ .. نايف طبعا .. و بعدين مزنوووه .. هاي 11 الحين .. بس ...
ابتسم أحمد بفضول ..
- حلوات ..؟!
رفعت روضة حاجبها باستنكار ..
- أحمد ..!!!!
نظر لهزاع و هو يهز كتفيه ..
- أعوذ بالله شعندج .. أتخبر بس ..
رد عنها هزّاع بحنق ..
- بنات عمّك يا الهرم هب من الشارع ..
لوح أحمد بسخط لهما ..
- الله و الجمال لي بتوصفونه .. آخرتاا بيّن هنيه و بنشوفهن .. صعبة يعني ..
ابتسمت روضة بثقة ..
- لا استريح حتى لو ين ما بتشوفهن ..
- شوه شفّافات ..؟؟
- هه هه هه .. بايخة .. لا يتغشن ..
فتح هزاع عينيه بقوة ..
- يتغشن من منوه ..؟!
استرخت روضة في مقعدها تجيبه ..
- من العرب كلهم .. من عيال خالتهن لي أقرب منكم و رابين وياهم .. من غيث لي هو ريل ختهن و يالس وياهن في البيت .. حتى من الدريول ..!!
صمتا لبرهة قبل أن يقول أحمد بشيء من الضيق ...
- و انتن ليش ما تتغشن مسودات الويوه .. مشرعات الشيفة للياي و الغادي .. امفف عليكن .. ما تعرفن الغشوة الا في السوق .. يا حيّهن كانهن بيّن بنات حمد و بيغيرنكن ..
أقبلت الخادمتين يحملن القهوة و توابعها و يصفنها على الطاولة العريضة في منتصف الجلسة و هبت روضة نحوها تصب القهوة و تناول كل منهما فنجانا و هي ترد ..
- و ليش نتغيّر .. ليش هن لي ما بيتغيّرن ..؟؟ و بعدين نحن نتحجب عندكم .. و الشعر ما يظهر ..
ارتشف هزّاع القهوة قبل أن يقول بسخرية غاضبة ..
- و كشّة عوشة ..؟
نظرت له بعتب ..
- عوشة ما تظهر شعرها الا عندكم .. لنكم أصغر منها .. و بعدين تعد كل عيال عمومتاا خوانها ..
فتح أحمد أحد أوعية الطعام و هو يجيب ببساطة ..
- بس نحن هب خوانها .. و ما ايوز تظهر كشتاا ..- و التقط قطعة من الكروسان ليقضمها و يقول - نتروع نحن من هالمناظر .. ماااامييي ..!
نهرته روضة بضيق ..
- أحمد .. بس خلاص .. ما يخصك في البنية .. ابوها و راضي ..
دحرج هزاع فنجانه الفارغ على الطاولة أمامه و عينه تتأمل دورانه بإمعان قبل أن يقول بنبرة غريبة ..
- ما بيضيعها إلا دلع أبوها ..

* * * * *

تلك الطفلة بملابسها الثقيلة ومعطفها ذو ياقة من الفرو احتضنت رقبتها .. تخطو بصعوبة خلف الكرة التي تدحرجت على الأرض و أعينهن تتبعها .. و كأنما يجدن في مراقبتها نوع من الهرب .. هرب مما ..؟!
لا يعلمن .. لكلٍّ منهن سبب تؤجل فيه السرد أو الاستماع .. قبل أن تدير أكبرهن عينيها لملامح الثانية الجميلة و تبتسم لوجهها الشارد بحب ..
- و المها ليش يايبتنها ..؟ تبينها تسمع لي عندج ..؟
التفتت الأخرى للمها .. قبل أن تقول بهدوء ..
- المها الحين أحسن عن قبل .. تعرفين انها من زمان تحاول تقرا الشفايف .. الحين ترد زين عليها .. وتطلع صوت ..
لم تختف ابتسامتها و هي تقول ..
- و الله ..
هزت حور رأسها و هي تعاود النظر للطفلة ..
- جربي ..
مدت وديمة أناملها تلامس كتف المها برقة التي التفتت لها بسرعة .. قبل أن تتحدث وديمة و هي تقابلها بلا صوت ..
لتمد المها يدها بسرعة لعنقها و عيناها تتركزان على شفتي وديمة باهتمام .. ثم تتحسس رقبتها بعناية و هي تقول بلكنتها المتقطعه ..
- أخباا .. طيبااه .. اهمد .. لله ..
ضحكت حور من نظرة وديمة المستحسنة و هي تقول ..
- انزين ليش رمستي بدون صوت ..؟ هي كذيه و الا كذيه ما بتسمع .. أهم شي حركة الشفايف ..
وضعت وديمة يدها على خدها و هي تجيبها ..
- المها ذكيّة .. و مثقفة .. أحسها نابغة و أحسن عنّا لو غيرها خذ الاعاقة عذر و ما تحرك خطوة .. بس هاي هي .. تتعلم اروحها و تقرا .. ما شا الله عليها .. لازم تدخل مدرسة ..دخليها مدرسة العين لتأهيل ذوي الاحتياجات .. أحسهم بيطورون قدراتاا في الفهم ..و الله ليتخبلون لو يدرون انها تقرا الشفايف ..
نظرت حور للمها بابتسامة و هي تقول ..
- تعرفين أصلا قراءة الشفايف بلا كلمات منتشرة عند بعض الصم .. بس هالحالة تكون نادرة باللي ولدو بهالاعاقة .. لي صابهم الصمم بعد سنوات من حياتهم يساعدهم تذكر الكلمات على هالشي ..هي قرت الفكرة في كتاب و كانت معتمدة على الحركات و الصريخ .. و من يومها و أنا أحاول و دانة و نورة بعد ما قصرن ..عفاري ما طاعت تقول أونه أحس انيه ألعب عليها ..
ضحكت وديمة بخفة ..
- حليلها عفاري ..
- المشكلة هالثتنين المخبل لعوزنا بهالحركة .. ما اتشوفينهن يوم يتعلمن أونه عسب انشفر امبيناا ..! مرات و اللـ .....
قطعت عبارتها حين أمسكت وديمة بيدها .. التفتت لها بتساؤل .. لتصطدم عيناها بتلك النظر الغريبة و أختها بالرضاعة تسألها بهدوء زعزعها ..
- حور بلاج ..؟! شوه السالفة .. هب معقولة نيلس الصبح كله نرمس عن هالخرابيط ..؟ أنا من ييت قلت بخليها اروحها ترمس .. بس الظاهر انج تبين لي ينشدج ..!
عادت حور تنظر لمريم و هي تركض مجددا بتعثر خلف الكرة .. بدا صوتها ضائعا .. وفراغ تضخم في رئتها و هي تقول بضعف ..
- مادري يا وديمة .. أحسنيه ضايعة .. أبا أرمس حد .. ابا حد يفهمنيه .. و يعلمنيه .. أبا مشورة شخص أكبر منيه ..
تنهدت ببؤس ..
- و الله انيه معاد أعرف عمريه .. كيف أشرح لج ..؟ أستنكر حركاتيه و تصرفاتيه .., حتى احساسيه .. أخالف عمريه و لي أحس به .. و الحين أنا مضغوطة .. ورايه لي أهم منيه عسب أفكر فيه .. خوانيه .. أنا مسؤولة عنهم .. لازم أفكر فيهم ..
لم تفهم وديمة شيئا مما قالت حور .. رغم ذلك أنصتت لتلك الكلمات الحائرة التي تتفوه بها بشيء من الاستسلام .. نظرة لوجهها الصافي و عينيها الضائعتين أعلمتها بأن تلك الشابة اتّبعت خطواتٍ ليست لها .. لتجد نفسها فجأة في منأى عن ذاتها .. لا تعرف للعودة سبيلا ..!
- مادري لو أميه عذيجة خبرتج ..؟ عميه سلطان و مايد و عبيد كلهم يدرون .. عقب ما تربي أمايا نحن بننتقل للبيت العود .. بنسير لبيت – صمتت لحظة قبل أن تقول بثقل – لبيت يدي ..
هزت وديمة رأسها بتفهم ..
- هيه قالت ليه أمي ..
ابتسمت حور بشيء من السخرية و هي تقول ..
- شفتي كيف ..؟ كلهم يدرون الا خوانيه ..! ما حد منهم يدري غير المها .. ما يدرون انه عقب أقل من شهر بنودر هالبيت .. و الفريق .. و ييرانا و بنسير لهذاك البيت .. بنيلس ويا عرب ما نعرفهم ..! مادري كيف بنعيش وياهم ..بيتحكمون فينا و الا كيف ..ما أعرف طبع هاليد .. ما قد شفته فحياتي كلها ..
استنكرت وديمة الأمر و هي تقول ..
- ليش ما خبرتيهم ..؟
نظرت لها حور بضعف ..
- مادري ..؟! أبا أأجل الموضوع قدر الامكان .. أحسهم بيتحمسون للروحة .. مابا آخر أيامنا هنيه نقظيها في الحشرة شوه بنسوي ومنوه بنشوف .. و كيف بتكون حياتنا .. المشكلة ان الوقت ضاق .. و لازم يعرفون ..
نظرت وديمة لحور للحظات صامتة .. قبل أنتقول بشك ..
- بس هالشي لي تبين ترمسين عنه ..؟
نظرت لها حور .. قبل أن تخفض رأسها .. تشعر بعيني المها و وديمة معلقة بها .. و هي تقول بخفوت ..
- لا ..
سحبت نفسا عميقا ترتب أفكارها للحظة قبل أن تزفر بقوة ..
- غيث ..
- ريلج ..؟!
- هيه ..هالشي لي مقعد عليه الأمور .. تعرفين انيه ما وافقت عليه الا غصب .. و انيه ما كنت أباه .. كنت أكرهه و أكره طاريه .. ما أرمس عنه مول .. ما أبا أفكر فيه .. أتخيل انيه حره و باكر بيي نصيبي و بوافق .. و أتزوج .. و أعيش شرا بنات هالعالم.. بعدين ..
أمسكت جبينها بعدم فهم ..
- بعدين توفى أبوية .. وعرفته و عرفت شينه .. و كرهته أكثر وكرهت أهله .. بغيت أنفصل عنه .. بس عقب ما خوانه ظربوا سلوم .. و يا هو ييلس ويالنا في البيت .. شوه أقولج .. ما أعرف شوه يانيه .. حسيت انيه أباه ييلس .. مع انيه أكرهه .. أباه يتم ويانا .. أبا عدنا ريال في البيت .. بس يا وديمة هالريال كان غير .. يعني .. مادري ..
- بعدج تكرهينه ..؟
- مادري ..! يعني .. شوفي .. هي مشاعري تغيرت .. بس لي يضايقنيه .. يوم أشوفه و الا ارمسه .. يوم يتصل بي و الا يلمسنيه .. وديمة ..انتي عودة .. و تزوجتي .. مادري اذا تحسين باللي أقوله .. أحس انيه أرد ياهل قدّامه .. أستخف .. و أضعف .. غصبن عنيه .. قوتيه .. و شخصيتيه كلها تروح .. بس ايينيه احساس انيه لازم أكون خايفة و ضعيفة .. محتايه أحس انه هو هنيه عسب يحمينيه .. و يكون موجود عشانيه .. تدرين حتى حركاتيه .. مادري كيف تظهر ..؟!!!!
شعرت وديمة بكلمات حور مفككة .. و أنها تتكلم بلا ترتيب .. و هي تتابع ..
- يربكنيه .. ماعرف أرمس عداله و لا أتحرك .. أحس بعمريه غبية .. مادري وديمة ..
نظرت لها باستغاثة و هي تقول أخيرا ..
- أحس انيه حبيته ..!
حالما تفوهت حور بتلك الكلمة .. ابتسمت وديمة بتسامح و هي تعتصر يدها .. و تقول بهدوء ..
- و ليش خايفة ..؟! ما تبين تحبينه ..
احمر وجه حور فورا .. و هي تبرر ..
- لا هو ريلي .. يعني .. بس قولي ليه وديمة .. أنا حبيته ..؟!
نظرت لها وديمة بامعان مطولا قبل أن تقول ..
- انتي أدرى ..!
أراحت حور رأسها بضياع و هي تقول بنبرة كسيرة ..
- أنا ما أدري .. ابا حد يفهم الموضوع و يشرح ليه ..
- انزين بتسمعينيه..؟
استنجدت حور بها ..
- هيه ..
كانت كرة مريم قد تدحرجت حتى قدم أمها التي قذفت الكرة نحو ابنتها بابتسامة و هي تقول بنبرة عميقة ..
- كم عمرج ..؟ 23 .. 24 .. ؟؟ من عرفتي من الرياييل غير أبوج و خوانيه لي هم خوانج .. و أبوية و نايف ..؟ و لا حد .. طول عمرج المسؤولة ..على خوانج و أمج .. تتحملينهم .. حتى لو المها موجودة .. احيانا الأعباء النفسية تغدي أخس عن الجسدية .. فجأة السند لي وياج و لي كان يساعدج في معابلتهم .. يغيب .. تفقدين أبوج .. أهم ركيزة فحياتج .. و الريال الوحيد لي يعني لج مفهوم الأمان .. حور .. أبوج يوم توفى كبر الفراغ لي انتي تحسين به .. انحرمتي حتى من انج تحلمين بشريك حياتج .. لنج غصبن عنج انحطيتي في قالب أبوج لي صنعه .. أبوج كان يباج تتزوجينه .. و انتي انقدتي ببساطة .. عندج فراغ كان موجود في حياتج .. يالسة في البيت .. لا شغله و لامشغله .. غير انج تعابلين خوانج كل يوم .. نفس الروتين .. نفس الحركة الرتيبة.. أكيد حسيتي بالملل ..
أنكرت حور بصدق ..
- لا و الله ..
ابتسمت وديمة وهي تومئ برأسها ..
- حتى لو ما حسيتي .. عقلج الباطن يرفض هالشي لي انتي عايشة فيه .. يمكن لج رغبات و حاجات تتجاهلينها .. فراغ .. فراغ .. فراغ .. أستغرب انج ما انفجرتي .. و مثل ما قلت .. أبوج توفى الله يرحمه .. و لقيتي عمرج مسؤولة من البيت .. و أخوانج .. و يكبر الفراغ .. و تدوسين على نفسج .. و تدفنين روحج .. و فجأة ..
نظرت لها و هي تردف بواقعية ..
- يظهر غيث فحياتج ..! خبرينيه شوه تحسينه وياج ..
أخفضت رأسها بخجل .. عند ذكره فقط ..
حين تقفز صورته لذهنها .. تلك الابتسامة الملتوية .. و عينيها اللامعتين .. ثقل المشاعر في صوته يهزها ..
حين تناوش شفتيها ابتسامة حالمة .. و تصارع الأنفاس بعضها .. و تختلج نبضاتها ..
حين يدغدغها ذاك الشعور الغريب .. و فكرة واحدة على بالها .. أن هناك من يهتم لأمرها ..
الشوق .. و دفء الحنين .. رعشة تعتريها .. حين يتدفق صوته .. أو تراه ..
احتباس أنفاسها كلما اقترب منها ..
كانت تلك هي مشاعرها لوحداه .. ماذا عن مشاعره ..؟! أتكفي اللهفة ..؟ الولــه ..؟ أيغنيها زخم المشاعر في عينيه الدافئتين عن أي اعتراف قد يرسم خطوطا عريضة لصدق إحساسه ..؟!
تلمست في جيبها تبحث عن هاتفها لتخرجه و تناوله وديمة التي راحت تقلب ما يحوي بصمت للحظات .. قبل أن ترفع عينها لحور التي همست أخيرا ،،
- غير .. وايد غير .. ماا .. ما قد حد عاملنيه انيه ..
تنهدت ..
- وديمة .. يتصلبيه .. و يسولف ليه .. و مسجات .. حنون .. و طيب .. و ....
غطت وجهها بكفيها في حرج ..
- يعني .. و آآآ .. يمدحنيه .. و رمسة ..
- يغازلج ..؟
صاحت حور بحرج ..
- وديماااااااااااااااااااااه ..
ضحكت وديمة بخفة ..
- هذا لي أطريه .. فهمتينيه .. غيث سد كل فراغ كان فروحج .. انتي تبين .. و تبين .. و هو كان مستعد يعطي .. !
سحبت نفسا عميقا .. قبل أن تقول برفق و هي ترى الضياع يتعاظم على وجهها ..
- حور .. حور .. حور .. حبيبتي انتي .. اسمعينيه .. و افهمينيه .. احيانا نحن نربع ورا رغبات الناس لي نحبهم .. نعابلهن و ننشغل ابهم حتى عن عمارنا .. لكن كل ما يخلى الواحد ويا عمره يلقى انه نسي شي مهم .. هو ذاته ..! انزين .. الله خلقنا نحن الحريم عاطفيّات .. نحن الخوات و البنات .. و الأمهات .. معطاءات و كل وحدة عندها الحنان و المشاعر .. يوم ما تلقى المجال اللي بيشبع عطاءها .. و يبادلها بالمثل .. تحس بنقص في ذاتها .. فراغ عاطفي .. فجوة في نفس أي وحدة تبا تبذل إحساسها و ما تلقى حد يستاهل ..! بعضهن تربع للحرام .. للغلط .. يدورن أي وسيلة يشبعن فيها هالحاجة .. بس ليش الله عطانا الحلال و الحرام .. ليش رزقنا عقول تميّز الصح و الغلط .. اذا كل واحد قام يربع ورا أهواءه و رغباته .. بنغدي شرا البهايم .. حواري .. فراغ عاطفي .. كان ياكلج من داخل .. و غيث ظهر في حياتج و انتي صدق محتايه لحد .. لريال .. لشخص يكسر الروتين .. و يحسسج انج مرغوبة .. يعني حتى لو راعي الدكان هاييك الايام عطف عليج شوي .. كان قلتي حبيته ..!
اتسعت عينا حور بصدمة .. شيء من الفراغ اتسعت به حدقة عينها السوداء و هي تقول مازحة بوهن ..
- هب لهالدرجة ..!!
هزت وديمة رأسها ..
- لهالدرجة و أكثر .. الحين بالله عليج .. فكري شوي في الرمسة لي قلتها .. لا تستعيلين .. ظنتج صدق تحبينه .. و الا عندج شك واحد ان هذا حب ..؟ خبرينيه ..؟
ضغطت حور على جانبي رأسها .. و هي تقول بتعب أوجع قلب أختها .. و أثر بالمها الصامتة ..
- ما أدري .. و الله ما أدري .. وديمة أنا ضايعة .. دلّينيه ..
كان صوت وديمة الآن قويا و هي تضع عينها في عين حور ..
- هذا ريلج الحين .. هب عيب انج تهتمين فيه أو تحبينه .. أو تتعلقين به .. بس ..حواري .. لا تخلطين الأمور و فجأة تكتشفين انج غلطتي .. ميّزي إحساسج .. فرّقي بين الاندفاع عسب تسدين الفراغ و بين الحب .. انتي ما تعرفين الحب .. محد أصلا يعرف الحب .. بقولج شي ..
- كيف محد يعرف الحب ..؟
قطعت حديثها و ضحكت بحلاوة من نظرة حور المتعلقة بها و هي تحاول استدراك ما تقول ..
- بسم الله .. بيظهرن عيونج ..!! شوفي أنا أقول محد يعرف الحب .. لنه كل انسان أصلا عنده مفهوم خاص به .. يعني الحب .. فيه عرب تعتمد على الأشكال و الحركات و ع الرغبات و تسمي غرايزها الحب .. هالشي غلط ..! غلط .. فنظرنا و مفهومنا .. بس هو ايتم الحب عندهم .. رغم انه عقب كذا سنة .. يوم يملون الشكل .. أو رغباتهم .. بيروح الحب .. و فيه عرب تشوف الحب حاجاتها الروحيّة الناقصة .. لي يمكن أي حد يسدّها .. يندفعون ورا أي شخص أيّا كان بس عسب يعوضون هالشي .. وأنا قلت لج قبل شوي .. هالشي لي انتي تتحرينه حب .. أنا أقول إن الحب شي سامي يا حور .. يوم بتحبين شخص .. بتبدينه على عمرج .. لازم تكون فيه موازنه .. احترام .. تفاهم .. لازم يكون فيه عقلانيه .. و سلام .. في نفس الوقت يكون هو نفسه مشاعرنا المينونة .. و لهفتنا .. و اندفاعنا .. آمممم .. يقولون الحب أعمى ..! أنا أقول العرب عميان .. و كل واحد ما يعرف وين الحب ..
زفرت حور بضياع ..
- وديمة و الله .. أقولج و الله .. ما فهمت كلمة وحدة من لي تقولين ..!!!!!!
- ههههههههه أعرف ان رمستيه خبصة بس ركزي ويايه شوي .. لي أنا متأكدة منه انج تستغلين غيث الحين ..!
اتسعت عينا حور بصدمة و هي تصيح مشيرة لنفسها ..
- أنااااااااا .....!!!!!!
أومأت وديمة مجيبة ..
- هيه انتي .. تستغلين وجوده في حياتج و قربه منج عسب تشبعين حايتج للاهتمام .. و للحب .. و للعاطفة ..
رفضت حور ذلك ..
- لا وديمة .. و الله لا .. انا أحس ..
قاطعتها تلك ..
- لحظة حور .. أنا ما اتهمج .. هالشي من داخلج و انتي ما تحسين به .. حلو انج تتقربين من ريلج .. و تتعرفين عليه و تحبينه .. بس لا تخلطين الأمور .. الانجذاب .. الاعجاب .. الحاية .. شي .. و الحب شي ثاني ..
ثم ابتسمتها ..
- انتي خايفة .. و مستعيلة .. و مرتبكة .. و ضايعة .. تبين تحبينه .. و فنفس الوقت ما تبين .. لا تدفعين مشاعرج .. لا تغصبين .. و لا تضغطين على عمرج .. بالهداوة حور .. كل شي بيي تدريجيا .. خلي الايام تبين لج بالهون كل شي ..
نظرت لها حور بضعف ..
- انزين شوه أسوي .. ينقلب شعوري .. و ردات فعلي عنده ..!! أضيع و الله ما أعرف حتى بشوه أرمس .. أحسنيه في دوامة كل شي ايينيه بسرعة ..
- عامليه مثل نايف ..
قالتها وديمة ببساطة ..
- نايف ..؟
- هيه .. تخيليه نايف .. كل كلمة يقولها .. حاولي تاخذينها كأنها من نايف من مايد .. من أي حد .. و ردي عليه ببساطة .. افصلي عقلج عن فوادج .. حبي بفكرج قبل عقلج .. بس عسب تفهمين انتي وين واقفة .. و لوين سايره .. حور ما أباج تندمين .. فكري في كل شي .. و رتبي أولوياتج .. و أي شي فخاطرج بس سويليه تيلفون .. تلقينيه عندج ..
هزت حور رأسها بامتنان ..
الحقيقة أن كلمات وديمة لم تزدها إلا حيرة ..
تشعر بأنها غارقة في بحر .. لا تعرف الاتجاهات .. و لا السباحة ..
تتخبط .. تتخبط .. تتخبط ..
يجرفها التيار إلى المجهول ..
تبا ..
كل ما تريده هو أن تفهم نفسا ..
هل تطلب الكثير ..؟!

* * * * *

شيء قاسٍ لامس ركبتها بشيء من القوة من أسفل الطاولة لتنظر إليه بضيق .. قبل أن تنفرج شفتيها عن ابتسامه ماكرة و هي تلتقط الشيكولاته المغلفة التي مدّتها نوف من تحت الطاولة و هي تنظر للمعلمة بتركيز بريء .. همست نوف بعقلانية ..
- عسب يرتفع الجلوكوز و ترومين تركزين ..
ضحكت دانة بخفة و هي تدس قطعة منها في فمها بسرعة و تمضغها ببطء ..لا تزال أعينهن مشدوهة للمعلمة التي راحت تعرض شرح القصيدة مطولا بلا توقف ..التفتت نحو إحدى زميلاتها في الفصل و هي تمضغ قطعة أخرى و تلتقط ممحاتها فترميها نحوها بقوة حين استدارت المعلمة للسبورة .. و هي تهمس منادية لتلك التي راحت تتلفت بضيق ..
- بست .. big ben .. هنيه ..
نظرت لها الفتاة متساءلة .. فراحت دانة تشير للمعصمها بحركة سؤال .. فتنظر تلك لساعتها ثم ترفع رأسها مفكرة قبل أن تقول بهمس ..
- 17 دقيقة ..
تنهدت دانة باحباط و هي تلتفت لنوف بهمس ..
- أففف .. عدها 17 .. الله يصبرنا ..
- ياااااااا بت يا داااااانيااااااا ..
انتفضت دانة و هي تنظر للمعلمة التي نهرتا ..
- دانة معلمة ..
- انتي مش حتبطلي كلام و الا ايه ..؟ كونّا نئول ايه ؟؟
هبت دانة واقفة و نوف تضع رأسها على الطاولة و تهمس لها ..
- عن أبو تمااام .. أبو تماام .. القصيدة من البائية ..
قالت دانة بثقة ..
- كنا نتكلم عن ابو تمام و البائية ..
- و حياة أمك ..؟ طب أومي ألقي الست الأبيات الأولى .. بإلقاااااء .. سمعاااني ..؟ عاوزة القاااء ..
نظرت دانة لوجوه الفتيات بابتسامة خبيثة ..
- ان شا الله معلمة ..
ثم رفعت الكتاب و هي تعدل من وقفتها .. قبل أن تستهل بصوت عالٍ فيه نبرة درامية مصطنعة تثير الغيظ ..
- السيف أصدق أنباءً من الكتب .. في حدّه الحد بين الجد واللعب ،،
ما إن أنهت البيت حتى تعالت أصوات الفتيات في كلمة موحدة ..
- لعب ،،
تابعت دانة و هي تلوح بيدها في حركات تمثيلية .. و المعلمة تعقد ذراعيها متأملة هذه المهزلة ..
- بيض الصفائح لا سود الصحائف في .. متونهن جلاء الشك والريب
- ريب ..
- والعلم في شهب الأرماح لامعةً .. بين الخميسين لا في السبعة الشهب
- شهب ..
- بااااااااااااس .. خلص .. ايه الهزار البايخ ده .. ايه الفوضى ..
توقفت دانة و ابتدأن الفتيات في الإثناء عليها ..
- صح لسانج .. صح لسانج ..
حكت دانة أنفها و هي تقول ..
- صح البدن .. معلمة .. لازم يردون ورايه يوم ألقي .. عدنا عيب لو محد يرد ورا الشاعر و هو متعني يقصد .. عاداتنا و تقاليدنا ..
- بت يا دانيا ..
- دانة معلمة ..
- أي زفت كولو واحد ..
- معلمة لا تغلطين ..
- لا و الله .. ما تيجي يا حببتي توأفي مكاني و تعلميني الصح و الغلط .. انا الهزار دا مش عقبني خااالص فاهمين يعني ايه .. دي أول مرة فحياتي أخش فصل لعلمي زي كدا .. ايه الأرف و الهباب داا .. عاوزين تهزروو ..؟ نبآ حلوين و نديكم خمس دآيء بداية كول حصة .. هزّروا و هيصو زي منتو عاوزين .. بس الدرس .. درس .. و بعدين ايه المنازر دي .. آنا مش عجباني حكاية أكل البيت .. لازم نتفاهم مع الادارة .. انتو طالبات علم .. جيّات كل يوم المدرسة تعملوا ايه ..؟؟
- نوقف طابور ..
- لا و اللهِ ..؟؟ ما قتشي فبالي تسدئي .. ايه الدماغ دي ..!!!! أنا بتكلم جد .. عاوزين شويّة همّة .. سامعين .. أولوا وراية .. شوية همّة
رددن البنات معا ..
- شوية همّة ..
تنهدت المعلمة ..
- برافوو .. نرجع للدرس ..
رددن وراءها ..
- برافوو .. نرجع للدرس ..
- بس خلاص ..
عدن يقلن معا ..
- بس خلاص ..
جالت المعلمة بنظرها في الفصل ..
- محنا أولنا نبطل الهزار ..
- محنا أولنا نبطل الهزار ..
صاحت المعلمة بشيء من الغضب ..
- تانيا تانوي يا زززززفت ..
صحن وراءها بحماس مضاعف فضج الفصل بأصواتهن ..
- تانيا تانوي يا زززززفت ..
وجهها المحمر ينذر بالشر و هي تلتقط كتبها .. و أوراقها و تقول بصوت غاضب ..
- يومكم إسود يا تنيا تانوي .. و الله حربيكم ..
- يومكم إسود يا تنيا تانوي .. و الله حربيكم ..
تترك الفصل و تصفق الباب بقوة .. و دانة تضع يدها على رأسها .. حين ضحكت نوف و هي تقول ممازحة ..
- نهارك منيل يا بت يا دانيا .. دي مش حتعديها على خير ..
- جب لااا .. يميييه .. شكلها بتسرح الادارة و بتشرشحنيه .. و اللييييييل .. خوفيه يطلبون ولي أمري ...!!!
نهضن من أماكنهن نحو الباب ليخرجن من الفصل و نوف تقول ببساطة ..
- يا بنت الحلال .. هاتي حور ما بتقول شي ..
- انتي صاحية .. و الله تسلخ جلدي .. بتكفخنيه و تسوينيه كباب .. ما ترحم حور في الدراسة .. كل شي عندها و لا الالتزام .. شكليه بييب طرزان لو نادوا ولي أمري ..
- طرزان من ..؟
- ولي أمري اليديد .. ريل حور أختي .. آور كازن ..
- أوووونه ..؟ حور معرسة ..
- من سنة و نص مالك عليها .. وين عايشة انتي ..
- فبيتنا ما خبرتينيه يا السبالة ..كنت أفكر أخطبها ..
نظرت لها دانة بشك ..
- مادريت ان عندج ميول منحرفة ..
- سبالة وحدة .. قصديه لخوية ..
- انزين ما استوا شي .. ياها نصيبها .. و عدنيه عندج ..
ثم ابتسمت ابتسامة كبيرة مازحة ..
- ما أنفع ..
ضحكت نوف بقوة ..
- انقلعي زين .. شوه تبين به .. كبر أبوج ..
صفقت دانة بيدها بحسرة ..
- هاتييييييه .. لو كبر يدي .. - ثم رفرفت بأهدابها بخجل مصطنع - أبا أعيش الحنان ..
- هههههههههههههههه .. حنان قالت .. كان ما بيصبحج بشوته و يمسيج بطراق ..!! هاييلا ما يعرفون الحنان .. و لا الرومنسية ..
- و انتي صادقة .. بييلس يصفعج و يلعن خيرج .. اونه كنت أمزح وياج .. الله يستر .. نوووووووووووفاااااه .. هاااااي الوكيلة ايمان .. يا ويليه .. اباا أشرد ..
و استدارت بنية الهرب قبل ان يوقفها الصوت الصارم الحاد ..
- دانة حمد ..
ارتد الصوت عبر جدران الممر .. و وصل لدانة التي قالت ببؤس كم يساق لمصقلة ..
- I'm dead duck ..!!!

* * * * *

- عنبوه .. ربيعات نحن من امتى ..؟ دوم متوالفات .. بلاج غادية فار دوم شاردة ..
ردت على ثرثرتها التي لا تنقطع و راحت تصلها عبر الهاتف .. ببرود محتقر ..
- محد غيرج الفار .. انا هب فاضية لسخافتج .. اتصلي خلاف ..
ثم أغلقت الهاتف باشمئزاز ترفع عينها لمن تجلس أمامها ..
- أفففف .. لوعتبيه .. غثثثثثة ..
مالت تلك للامام و هي تقول بصوتها الغليظ .. و الشر يلمع في عينيها ..
- أداويها حبي ..؟
أفزعت شيخة لمعة الدناءة في عيني حمدة و هي تتخيل هدى تلقى نفس مصير راية ..
هه .. راية ؟؟!! ما الذي جرى لها يا ترى .. لم ترى بعد تلك الحادثة في الجامعة قط ..!
- لا ما يحتاي .. هالاشكال أباها للحاية .. تخلص أموريه ..
- و ليش تخلينها للحاية و أنا موجود .. لي تبينه أنا حاضر له ..
زفرت شيخة بهدوء .. تشعر بهذه الطريقة تستعجلها ..
- حمدان بليز .. ما حب هالاسلوب ..
- ع راحتج يا القلب .. و لا تزعلين .. ما قلتي ليه .. بتيين ويانا باكر ..؟
حكت شيخة الأرض بحذائها الرياضي الثقيل ..
- مبزرة ..؟
- هيه مستأجرين شاليه هناك .. بنسوي بارتي ع قدنا .. بتيين حبووو ..؟
تنهدت شيخة و هي تحك طرف فكها .. وجه حمدة أو حمدان كما أصبحت تناديها و تعاملها من شهرين ينبئها بأنها ستجتاز حدودا حمراء قد وضعتها لتفصل علاقتها مع هذا .. و تعلمها أن كل ما في الامر هو الصداقة .. لا مكان للحب هنا . ليست مستعدة لتكرار تجربة راية ..
كأنما قرأت حمدة أفكارها .. أرخت صوتها الخشن تستعطفها ..
- شيخاني .. من شوه خايفة ..؟ كل لي بنسويه .. بنتعشى هناك .. سوالف .. و ضحك .. نستانس شويه .. و نرقص .. خلاف كل وحدة ترد بيتها .. هب مطلوب منج شي .. شيخااااني .. لا تعقدينهاا .. دوم تردينيه .. يا الله عاد ..
نظرت شيخة لها بتردد .. تحارب رغباتها بعضها البعض .. نعم .. لا .. نعم .. لا ..
ما الذي قد يحدث هناك..؟ لما هذا الخوف .. كم هي سخيفة ..!
- آآآممم .. أوكيه .. تم .. بس ما نطول ..
أشار حمدان أو حمد .. أيا منهما .. إلى أنفه و الصوت يعود لحشرجته الرجوليه ..
- على خشمي ..
.
.
على المحك هي الآن ..
متيقنة ..
ستؤول عاجلا إلى السقوط ،،

* * * * *

تلك الأغنية التي يترنم بها النسيم ،،
تتراقص على أنغامها وريقات .. باهتة .. جافة ..
بإيقاع متوجع ..على مسرح الغروب ..
حيث نحرت الشمس ضحية غزو الليل ..
لتنزف متوجعة ..
ذاويـــــــــة ..
على حدود السماء ..
و رغم صخب الأغنية التي ترنم بها النسيم ..
و تراقصت عليها وريقات يابسة ..
إلا أن ملحمة الغروب تكتسحنا صمتا ..
لذلك تفجر الشجن فينا .. تشدنا ..
نتلذذ بذاك النزف و نحن نشهد رحيل النور ..
لتبدأ الظلمات التي سندس فيها تفاصيل أوجاعنا الخفيّة ..
.
.
.
.
.
- نهيان .. باكر ميعاد عندها موعد الساعة 2 الظهر ..
قالتها خولة تذكره و هم الثلاثة مجتمعين على طاولة العشاء .. قبل ان تقتطع ميعاد خبزة و تغمسها في الاناء أمامها و هي تقول بهدوء ..
- لا غيث يقول بيمرنيه باكر .. لا تتعبل نهيان ..
عيناه تعلقت بوجه الكبيرة منهن حين ذُكِرَ اسمه .. رعشة يدها .. و لمعة اللهفة في عينيها اوجعه .. لا يريد لشقيقته مثل هذا الألم الذي تعايشه الآن .. ابتسامة رقيقة ارتسمت على شفته و هو يناظر أخته الصغرى .. رغم أنها تجاوزت السادسة و العشرين من عمرها . إلا أنها لا تزال تلك الطفلة الصغيرة التي ألقيت في عهدته و هو مراهق .. قال بهدوء ..
- أنا ما أتعبل .. مابا أسمع هالرمسة مرة ثانية ..
ابتسمت له ميعاد بحلاوة قبل ان تلتفت لخولة و ابتسامتها تختفي ..
- خولة ما فيه داعي تسيرين وياي باكر .. غيث بيسد ..
لعنت نفسها مائة مرة و هي ترى عيني أختها المتسعة بذهول .. و قد تحجرت دمعة فيها فور تفوهها بتلك الكلمات .. عضت ميعاد شفتها السفلى بقوة .. لم تكن تريد أن تأمرها .. او أن يخرج صوتها بهذه النبرة الصارمة .. استدركت تقول ..
- خولة .. يـ ..
قاطعتها خولة .. و هي تضع الخبزة التي بيدها جانبا بصوتٍ مبحوح ..
- على راحتج حبيبي .. الحمد الله .. شبعت ..
تم تركت الطاولة متوجهه لليمين حيث تقع غرفتها ..
أخفضت ميعاد رأسها باحراج .. شعرت بانها قامت بجرح أختها بشكل ما .. لم تتعمد قولها بهذه النبرة .. و لكنها تشعر بان عليها أن تحميها من نفسها .. لا تريد أن تتعذب أختها بالانغماس في حب غيث أكثر .. سيحطم قلبها .. تعلم ذلك جيدا .. فرغم كل ذاك الحنان المتدفق الذي يغدق به عليها .. الا أنها متأكدة بأنه لا يحمل في روحه ما قد يمنحه لها ..
قالت بصوتٍ معتذر لنهيان الذي لم يشأ أن يشعرها بالذنب فلم يتكلم ..
- ما كان قصديه انيه ارمسها كذيه .. بس من خـ ...
قاطعها نهيان مهدئا ..
- لا تستهمين حبيبتي .. تعرفينها هي حساسه شوي .. و بعدين كل ما مر الوقت تخاف من طلاقها .. هي لي وافقت و اختارت هالشي مقتنعة محد جبرها ..
قالت ميعاد بصوت حزين ..
- حتى و لو .. ما حب خولة تزعل منيه .. هاي أمي هب ختيه ..
حرّكت كرسيّها ذو العجلات مبتعدة عن الطاولة ..
- بسير أشوفها ..
دفعت كرسيها نحو حجرة خولة دون أن تنتظر اجابة منه.. طرقت الباب بخفة تنتظر اجابة فلم يصلها الرد .. ثم دفعت الباب بهدوء للداخل ..
وجدت خولة تسجد على سجّادتها مصلّية و هي توليها ظهرها .. تقدمت بالكرسي إلى الداخل .. ثم حركت الباب ليرتد قليلا ..
ظلت ساكنة في مكانها حتى أنهت خولة صلاتها فطوت سجادتها و استدارت لميعاد بابتسامة عذبة ..
- شوه هالزيارة الشيوخية ..
شعرت ميعاد بغصّة تخنقها .. و هي ترد ابتسامة أختها بأخرى متألمة .. ثم مدت يدها للأمام تدعوها للإمساك بها ..
- زيارة للي يستاهلون بس ..
اقتربت خولة و جرّت كرسي طاولة الزينة خاصتها لتجلس قرب ميعاد و هي تحتضن كفّها الممدودة بحب ..
- فديتج و الله ..
شعرت ميعاد بدمعة تتمرد على مقلتها لتلمع بوضوح في أفق عينها و هي تقول بصوت مرتجف ..
- خولة .. أنا آسفة .. ما كان قصدي أرمس كذيه ..
عقدت خولة جبينها منكرة جرحا الجلّي ..
- على شوه حبيبتي ..
قالت ميعاد بصوت كسير ..
- أكرهج يوم تمثلين انج قوية ..
ارتجفت شفتي خولة بسرعة .. ثم سحبت نفسا عميقا تمنع آهه من الانفلات حين اعتصر الألم قلبها بقوة .. شعرت بدمعتها الخائنة تفضحها و هي تنحدر على وجنتها بحرارة ..
لتخفض رأسها بانكسار .. و ميعاد تقول بحرقة ..
- ليتني ما انولدت عسب لا تعرفين غيث و لا تحبينه و لا تاخذينه .. ليتني مت يوم يابتني أمي عسب لا تتعذبين بسبتيه ..
أشارت لها خولة و صوتها المبحوح يتحشرج في وجع مستنكر ..
- ميعاااااااااد ..!
أغرقت عيناها الواسعتين بالدموع ..
وجهها المستدير بملامحه الجميلة .. و أنوثته المفعمة غلّف بالحزن المفجع .. و هي تضع كفها على قلبها ..
- هذا نصيبيه .. انتي ما يخصج .. الله كاتب ليه كل هذا .. و أنا ما اعترضت .. الحمد الله انيه عرفته .. و انيه خذته .. ع الأقل يكون ليه لحظات مسروقة أيلس وياه بلا حاجز .. و أحس انه حلالي .. و أنا حلاله .. و الله .. و الله اللي خلقنيه انيه ما ندمت يوم واحد على انيه حبيته .. حياتي كلها فاضية .. مالها طعم .. الا من عرفته .. عرفت أحب .. و أشتاق .. عرفت أزعل .. و عرفت أبكي .. و عرفت كيف اموت مليون مرّة لنيه أدري ان كل يوم يخطف .. يقربنيه من فراقه .. لا تتلومين .. و لا تحطين السبة على عمرج .. انا لي بغيت .. و أنا لي خذيت ..
ثم تهدج صوتها بكبرياء مهشّمة و هي ترفع رأسها بابتسامة مريرة ..
- أحبه .. و هب نادمة .. ليته يحس فينيه بس ..
.
.
أسند ظهره على جدار الممر بألم ..
تمنى لو أن ذاك لم يخبر غيث عن ميعاد قط ..
تمنى لو أنه لم يتجاوز عتبات هذا البيت ..
و تمنى لو أنه لم يلتقيهم .. و لم يخترق قلب خولة الكبير ..
لم يرد يوما أن ينصت لهذا الألم في صوتها ..
كان الأمر أشبه بنصل يمزّق نياط قلبه بوحشيّة ..
كيف له أن يكابر آلام أقرب الناس إليه ..
أختيه ..؟!

* * * * *

- يااا الثوووووووور .. فررر كشرتك خااااري .. عدنيه غسلت موتريه أمس ..
لم يبالي هزّاع بصرخة أحمد المنفعله .. و ألقى بكوب القهوة الورقي الفارغ عن قدميه و أحمد يوقف السيارة في الموقف الأرض للمركز التجاري اللذان يقصدانه ..
- فكناا يا ريال .. يوم تيي البيت خل شيخة تشلها الكشرة ..
رفع أحمد رأسه ..
- شمعنى شيخة ..؟
ضحك هزّاع و هو يرد بسخرية ..
- لن أذنيها هب مخرمة ..
اتسعت عينا أحمد ..
- حوووه يا سبال .. ما يخصك في ختيه .. انا أسبها عادي .. بس انته بييك بكس يخشع ظروسك ..
ثم قال بنبرة متفاخرة ..
- بعدين البنية أذنيها نخرمة .. بس أنا كنت أمزح ،،
راح هزّاع يعدل من وضع الغترة في المرآة العلوية التي أمامه ..
- صدق و الله ..؟ اسمع الحين انته انزل .. و أنا أول ما اشوفه ياك .. برقبه شوي .. خلاف بتدخل ..
ابتسم أحمد ..
- تصدق يوم قال أباك في موضوع و لا تخبر هزاع بغيت أموت من الضحك .. حسيته ياهل ..
قال هزاع بحقد ..
- لا هب ياهل .. هذا حيّة .. من تحت لتحت .. أكيد يبا منك شي ..
- عسب كذيه أنا أقول خل التيلفون مفتوح امبينا يوم يرمس و يقول شوه عنده .. تعال تدخل و الا بتصرف وياه بروحي ..
- شورك ..؟
- هيه ..
- خلاص غايته .. حوِّل ..
ترجلا من السيارة ليتوجّها نحو مقهى معيّن في الطابق الأول من مركز التسوق الكبير .. اتخذ أحمد طاولة واضحة ليجلس عليها .. فيما قبع هزاع في زاوية المقهى مديرا ظهره للمدخل .. لحظات مطولة قبل أن يهمس أحمد في السماعة المثبتة في أذنه ..
- هاذوه توه حادر الكوفي ..
ثم لوح للرجل الذي دلف المقهى للتو ..
- شوماااخر ،،
التفت مصبح نحو أحمد .. ليتقدم منه بابتسامة صفراء .. لم يكلف أحمد نفسه عناء الوقوف ليسلّم عليه .. فقط أشار للمقعد المقابل ..
- حييه بو شهاب ..
رد أحمد ببرود و هو يسترخي في مقعده ..
- يحييه ..
- شحالك ..
فرك أحمد لحيته الحليقة .. و هو يرد ..
- بخير .. علومك ..
- طيبة .. حي شوفك ..
- يحييك .. - ثم تثاءب بطريقة فظة - اقول مصبح اختصر .. انا ريال ورايه دوام باكر ..
ابتسم مصبح بطريقة لم ترحه ..
- كانها نغزة ..
- لا نغزة و لا شياته .. و الا ساحبنيه أنصاف الليالي تسولف ليه ..
نظر مصبح لساعته التي لم تتجوز الثامنة بعد ..
- أنصاف الليالي و العرب ما قد صلوا العشا ..؟
- لي هو .. انا أشرب حليب و أرقد بدري .. عندك خلاف ..؟
- لا ..
- خلصنا ..
تنهد مصبح .. قبل ان يقول بصراحة ..
- انا ما بلف و أدور عليك .. بس أنا شفت استعراضك في الصيف في تل الساد .. و الصراحة ريّال مثلك ذهب .. و يوم انك في تيم كنجز و لا تسابق .. حاطينك احتياطي .. و ولد عمك هو لي عليكم .. انا قلت أرمسك .. نباك تحول ما تهاب .. بنخليك أساسي في التيم تتبادل ويا بو غديّر .. شوه قلت ..؟
ابتسم أحمد بهدوء حين سُحب الكرسي المجاور لمصبح و جلس عليه هزّاع و هو يسأل أحمد ..
- ها بو شهاب شرايك ..
كاد أحمد يحك لحيته و هو يقول بصوت ثقيل مثير للغيض ..
- رايي انه حمار .. دار عليك و ما رام لك .. و يدور عليّه ..
ضحك هزّاع و وجه مصبح يحتقن من صدمة وجود هزّاع و تلك الاهانة التي ألقاها أحمد للتو ..
- خيبة .. حمار ..! شوه بيفهمه الحين ..؟!
- احترم نفسك ..
قالها مصبح بوجهٍ منفعل .. توقف هزّاع عن الضحك ..
- ان شا الله أميه ..

ثم عاد ليضحك مرة أخرى هو و أحمد معا .. قبل أن يلتفت لمصبح بقسوة ..
- اعرف انيه لا أنا و لا أحمد ندانيك .. و لا نداني تيمك الخايس .. لو مرّة ثانية تقرب صوب حد منّا .. بنخليك تحرم طاري السباق .. تسمع ..
لم يجبه مصبح .. فقط أمعن النظر لوجهه بحقد جلي ثم دفع الطاولة و تركهم دون كلمة .. ضحك أحمد ..
- حرام و الله شكله زعل ..
لوح هزّاع بيده ..
- ياكل تبن .. شوه تشرب ..
- موكا .. يبالنا نتحوط عقبها .. نكحل العين بشوفة هالغراشيب ..
و أشار بابتسامة للفتاة الجالسة على الطاولة القريبة منهما ..
ليضحك هزّاع ..
- وين سيف عنك يعطيك محاضرة معتبرة .. رمضان عقب يومين يا الهرم .. غض النظر ..

* * * * *

دلف البيت بتعب و هو يخلع غترته .. ليجد أمه تجلس وحيدة في الصالة .. اقترب منها بحب .. ليسلم بصوته المرهق ..
- السلاااام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
لمعت عينا أمه و هو ينحني ليقبل رأسها بحنان ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا فديتك .. مرحبا .. ايلس يا الحبيب ..
ألقى بجسده المنهك على الأريكة .. و وجهه السموح بلحيته الوقورة ينبض بالرحمة ..
- الله يرحبج على فضله .. شعنه يالسة اروحج يا الغالية ..
مدت يديها بحسرة ..
- و منوه تباه ييلس ويايه .. ابوك هب فاضي .. و حارب حاجزينه في الكليّة .. أنا مادري شوه يبا خوك بالطيران .. لو درس ويا خوانه في الجامعة هب أبرك .. و هزّاع الهرم ما يعرف الا الهياته .. و انت الله يخليك من الصبح لليل في دوامك ..
التقط كفها ليطبع قبله عميقة و هو يقول باعتذار ..
- مقصرين فديتج .. مقصرين .. سامحينا ..
- بالحل .. يا الحبيب .. الله يحفظك و يوفقك .. الله يخليك .. يعل ربيه يعوضك بالولد الصالح .. الله لا يهينك ..
ثم ابتسمت له بحب ..
- باكر بتيي روضة و بتملى عليّه البيت و بتيلس وياي ..
أخفض رأسه بخجل ..
بدا هذا الحلم قريبا .. يتخلل أصابعه ..
أ يتحقق يا ترى ..؟!
إلهي تمم فرحتي بخير بركتك يا كريم ،،

* * * * *

- آآآآآه متى بتخرج من الثنوية .. و اييبوليه بوكس فيه بدلااااااات .. و عباياااااات .. و جواااااتي .. و شنااااااط .. و موباااايل .. و أفتك من الذل لعفاري ..
قالتها نورة بصوت عالٍ و صوتها يصدح في الصالة ليصل لعفرا التي أطلت برأسها من غرفتهن ..
-أنا أذلج ..؟ متى ذليتج ..؟ كل ما قلتي أبا البس شي .. عطيتج ..
التفتت نورة لدانة ..
- كأنها سوت عمرها طيبة ..! - ثم التفتت لعفرا - انزين خلينيه ألبس عباتج لي فيها تطريز ذهبي ..
لوت عفرا شفتيها باشمئزاز ..
- مع ان التطاريز في العبي هب عايبتنيه .. بس لا .. صدق ما عندج ذوق ..! حد يلبس ذهبي مع كحلي في المدرسة ..!
قالتها و هي تقلب أزرار الهاتف .. و دانة تقول بتحدي ..
- انزين نورة كذيه طبعها عنقاشي .. عطيها العباة ..
رفعت عفرا عينها ببرود ..
- ماابااا ..
- مالت ..
- ع ويهج ..
نظرت نورة لدانة ..
- كنها خقت بنت الجامعة ..؟!
رفعت دانة حاجبها ..
- شكلها و الله .. أقول رفيق .. هزا تلفون في كيمراا ..؟
خرجت حور من غرفة امها هي و المها للصالة .. و عفرا ترد ..
- كيمرتين هب وحدة ..
جلست حور و المها و الأولى تقول ..
- عفرا عندج خدمة المرئي ..
- هيه ربيعتيه ظبطتليه اياها ..
- عنديه كيمرتين انا بعد .. بس ما استوت ليه ..
مدت عفرا الهاتف لهن ..
- بنات شوفن .. هذا مبنى العين مول لي في الجامعة ..
التففن حول الهاتف ينظرن .. و نورة تقول باعجاب ..
- حلووو تصويره ..
- 5 ميجا بكسل .. أقولكن .. تيمعن .. تيمعن ..
و هبت واقفة تلتقط مخدة ثقيلة عالية ..
- يلسن قريب من بعض .. صورة للذكرى ..
سألت دانة بحماس و حور تشرح للمها ماذا سيفعلن ..
- بتصورينا ..
- لا بضبطها وضع مؤقت اتوماتيكي .. يالله ..
عقدت نورة جبينها ..
- حوووه شوه يضمن لنا انج ما بتفضحيناا في البلوتوث ..؟
تجاهلتها عفرا ..
- قالو لج نورة ..
- لا أخت نورة عسب كذيه ينخاف منج .. عرق النذالة دساس فيكن يا بنات حمد..
ثبتت عفرا الهاتف و هي تقول ..
- يا الله مستعدات ..
لقت دانة شفتاها في حركة سريعة و نورة تمسح على غرتها .. قبل أن تضغط عفرا على زر التصوير ثم تقفز إلى جوارهن بابتسامة .. ثانيتين فقط قبل أن يسطع الفلاش بقوة ..
صفقت المها بحماس و عفرا تقفز مجددا لتلتقط الهاتف و تنظر للصورة و قد تحلقن حولها .. تذمرت نورة ..
- يوم قدنيه ببتسم .. طالعي عيوني كيف ..
ضحكت دانة ..
- فديتنيه .. طالعة حلوة .. و مهاوي .. عسل يا ناس ..
عقدت حور جبينها ..
- ليش ثميه مبطل شكليه أهبل ..؟؟!!
ضحكت نورة بأريحية ..
- من يومج هبلة .. شكلج يوعانه ..
نظرت لها حور بحقد و عفرا تدس هاتفها في جيبها ..
- جب محد أهبل غيرج .. انتي و عيونج الوارمة .. تقولين حد نافخنها بكس ..
صفقت دانة ضاحكة ..
- عاشت حور تعرف تسب ..
ردت المعنية و هي تنظر شزرا
- غصبن عنج .. يا الله .. يا الله .. آنسة دندن .. و آنسة نورة .. لي عليها الكوي تخلص الكوي قبل العشا .. و لي عندها الخم .. تبدا فيه الحين .. نص ساعة و العشا زاهب ..
رفعت دانة أنفها في الهواء ..
- لو سمحتي الشيخة .. لا تقولين دندن .. من اليوم ورايح تعلمي تقولين .. دانة علمي ..
ضحكت نورة بسخرية ..
- دانة علمي ..؟!
- قوم أدبي ما يرمسون .. - ثم لمعت أسنانها من خلف ابتسامتها الكبيرة و هي تقول بفخر - طلاب العلمي نوابغ .. يساهمون في الرفع من شأن العلم و الدولة .. و بعدين للعلم أنا حالة خاصة .. لو ما تدرن .. ترانيه السبب في زيادة عدد طلاب علمي في هالسنة ..
عقدت حور ذراعيها باستهزاء ..
- ليش ان شا الله ..؟؟؟؟؟؟!!!!!
هزت دانة كتفيها ..
- الشلة يوم درت انيه بدخل علمي كلهم دخلوا علمي ..
قالت حور بعدم تصديق ..
- على هندي حبيبتي ..
قالت دانة بصدق ..
- و الله سجلن علمي عسب نتم رباعة ترى نوف داخلة ويايه ..
اتسعت عينا حور بدهشة ..
- سجلن علمي بس عسب ايتمن وياكن ..؟؟!! صدق ما عندهن سالفة .. العرب تفكر بالمستقبل و التخصصات .. و انتن في ربيعاتكن و سوالفهن .. نفرض انكن تضاربتن .. ؟
ضحكت نورة ببساطة ..
- ثالث تحول أدبي .. الحياة ايزي حور ..
- لا ليزي و لا بابي سناك .. اسمعي انتي وياها .. ليكون حد منكن حادرة القسم لي ما تباه بس عسب ربيعااتاا ..
نفخت دانة صدرها ..
- أنا بنتك يا حمد .. أخت حور .. هب نحن لي نحول عشان حد .. العرب تحول عشاننا .. بعدين لا تغيرين السالفة .. قلتي نورة - و عادت تبتسم بفرح - و دانة علمي .. عفاري شوه تسوي ..؟
أجابتها عفرا و هي تقف على قدميها بهدوء ..
- انا خلصت الغسيل العصر يا كسلانه .. و الحين بسير لفطوم .. بوديلها البدلة الصفرا و الشيلة لي تباها قبل العشا و برد بسرعة .. اوكيه ..؟
و نظرت لحور مستفهمة .. فقالت الأخيرة ..
- خبري أمايا أول ..
دون سابق انذار قفزت دانة لعفرا ..
- بسير ويااااج ..
نهرتها حور ..
- ما يحتاي .. تدله الدرب .. سيري شوفي شغلج .. يوم بتتعشين بتقولين عسر هضم و ما أدري شوه .. خلصينا .. المخمة قدها في الحوش ترقبج ..
مطت دانة شفتها في ضيق ..
- عنلاتهاا .. صدق انها لصقة هالمخمة .. دوم أروغها ..
ضحكت نورة ..
- وفيّة حليلها .. تحبج ..
- حبتج القرادة انتي وياها .. ما لقيتي الا المخمة تحبنيه ..
مسكت حور جانبي رأسها بوهن ..
- أفففف .. دااااااانااااااااه .. دخيل أهلج .. ارحميناا .. تايم أوت .. وقفي هذرة .. خمي الحوش .. و تعالي سولفي الين باكر ..
عقدت دانة جبينها ..
- كأنها تروغ دانة علمي ..
أيدتها نورة ..
- هيه و الله .. عفدي عليها دانة علمي ..
هزت دانة رأسها رفضا ..
- لا .. لا .. دانة علمي تحترم لي أكبر عنها .. و تعلن الانسحاب حين يصبحون الكبار غير قادرين سوى على تحطيم قلوب الآخرين ..
ثم رفعت أنفها بطريقة تمثيلية مبالغ بها ..
- أواااه يا قليبي .. كم ستتحمل من هذه العيشة البغضاء ..
بحثت حور عن شيء حولها لتقذفه على دانة ..
- تحمدي ربج يا السبالة .. شوه عيشة بغضاء .. الحمد الله نحن في نعمة ..
- نعمة و الا زاخر هه هه هه .. يستاهل الحمد .. يا الله .. عطيتكن ويه .. وضيعتن وقتي .. انا أشوف ان خم الحوش فيه فائدة تأملية روحانية كبيرة ..
حكت نورة شعرها ساخرة ..
- فائدة روحانية تأملية .. من وين يبتيها ..؟!
ابتسمت دانة ..
- مدري يختي طلعت وياي كذيه .. بس لا تستغربين بتشوفين أكثر من دانة علمي ..
- خيبة .. شوه بيسكتها هالخقاقة ..؟!
هتفت دانة بعفرا التي خرجت تلف شال الصلاة الكبير عليها و هي تمسك بيدها الأخرى كيسا كبيرا ..
- عفاري أوصلج ..؟؟
رفضت عفرا بحزم ..
- لا شكرا ..
أمرأت حور عفرا ..
- لا تتأخرين ..
- إن شا الله ..
خرجت عفرا متجهة لبيت جيرانهم .. تحسست دانة جيبها تتأكد من وجود الورقة .. قبل أن تنهض من مكانها ..
- حلفت .. حلفت .. و لا وحدة تنش .. بظهر أروحيه ..
لوّحت نورة بيدها ..
- فارقي .. - ثم نهضت هي الأخرى - أنا بخلص الكوي .. ما فيّه عليه عقب العشا ..
توجهت دانة لأقصى الحوش و هي تلتقط المكنسة .. و تكنس ابتداءا من الطرف الأقصى .. عيناها لا تفارقان باب الصالة .. و هي ترى المها و حور ينهضن متوجهات للمطبخ .. تنتظر لدقيقتين حتى تتأكد من خلو الطريق .. شعرت بنبضات قلبها تتسارع بجنون .. قبل أن تترك المكنسة مسندة على جدار البيت .. و تركض نحو الباب الفاصل بين الحوش و الممر المؤدي للمجلس .. أ هو هنا يا ترى ..؟ تمنت من قلبها أن يكون كذلك .. لن تجد فرصة أفضل من هذه .. بعد دقائق سيؤذن لصلاة العشاء .. عندها سيخرج هو للمسجد و سيبحثن إخوتها عنها لصلاة الجماعة .. وضعت يدها على صدرها تخنق خافقها المرتاع .. تجاوزت الباب و هي تضع الغطاء جيدا على وجهها .. اقتربت من باب المجلس .. فردتي الحذاء الكبير موجودتين .. من حسن حظّها .. في العادة لا يكون متواجدا هنا في هذا الوقت .. لكنها تأكدت من وجوده بعد صلاة المغرب من نايف ..
يدها المرتجفة تقرع الباب بتوتر .. صمت .. قبل أن يداهمها صوته الرجولي العميق من الداخل ..
- اقــرب ،،
انتفضت .. و هي تهمس ..
- يمااااه .. شوه أسوي ..؟!
قرعت الباب مرة أخرى ..
لا إجابة ..!
مدت يدها لتقرعه بقوة أكبر .. قبل أن يفتح باب المجلس بقوة لتجده واقفا بطوله الفارع أمامها .. علامات التعجب ترتسم في عينيه .. و هو يقول بهدوء ..
- مرحبا ..
ارتجفت و هي تفرك يديها .. و تقول باضطراب ..
- السلام عليكم .. شحالك غيث ..؟؟
- و عليكم السلام .. بخير و سهالة .. شحالج .. من ..؟ نورة ..؟
أربعة أشهر و لم يميّزهن بعد .. لا بأس كثيرون يخلطون بينها و بين شقيقتها الأقرب ..
- الحمد الله ..لا أنا دانة ..
استند بكتفه على حافة الباب .. كان يشرف عليها بشكل مخيف ..
- هلا دانة ..
مسحت كفيّها المتعرقتين رغم الجو اللطيف و هي تسحب نفسا عميقا ..
- آآآ .. آحم .. اسمع غيث .. أنت الحين وليّنا صح ..؟
رفع حاجبه ..
- وليّكم ..؟!
حركت يديها بسرعة ..
- وليّ أمرنا يعني ..
التوت شفتيه بابتسامة غريبة ..
- هيه ..
دست يدها الصغيرة في جيبها تتناول الورقة ..
- انزين دامك ولينا .. استلم ..
و مدت الورقة له بجرأة أكبر .. نظر للورقة المطوية بعناية لبرهة قبل أن ينقل عينيه لوجهها المخفي خلف الغطاء ..
- شوه هاي ..؟
- ورقة ..
- أشوفها ورقة .. شوه فيها ..
- قنبلة هيروشيما .. شوه فيها بعد .. رمسة مكتوبة ..
ابتسم ببرود .. تبدو هذه الفتاة شجاعة .. أكثر جرأة من شقيقتها الكبرى .. تناول الورقة من الطرف الممدود .. و فردها ببساطة .. ثم راح يمرر عينيه عليها و هو يقرأها .. لحظات و حاجبه يرتفع بسخرية و هو يومئ برأسه قائلا بإدراك ..
- استدعاء ولي أمر .. !
رفعت دانة رأسها ..
- هيه .. يبونك تيي ..
- قالو لج يبونيه ..
- قالو ولي أمري .. الحين انته ولي أمري .. لا اطولها و هي قصيرة .. انا علمي ورايه دراسة .. اسمع .. باكر ع الساعة تسع تكون في الادارة و الا ما بيخلونيه أدخل الصف .. و ياليت تتكتم ع الموضوع .. يعني حور ما فيه داعي انها تعرف .. انت ما تعرفها .. بتدفنيه عند باب الادارة ..
يستمع لها و هي تلقي الأوامر دون أن تذوي ابتسامته الساخرة .. قطعا .. لم يلتقي مثل هذه الفتاة ..!
- لا و الله أخت دانة .. حلفي بس .. مسودة الويه و طالبين ولي أمرج و تتأمرين ..
فجأة انقلبت سحنته و هو يقول بصوت أفزعها ..
- اسمعي يا بنت .. أقسم بالله لو مرة ثانية تييبين ورقة شرات هاي البيت ما تلومين الا عمرج .. مدخلينكن المدارس تتعلمن هب تسودن ويوهنا ..
وضعت يدها على صدرها برعب ..
- بسم الله شياك ..!!
توعدها ببرود أثقل عليها .. فتمنت لو أنها تحملت صراخ حور على صرامة هذا الرجل ..
- سمعتينيه يا دانة .. لو حور بتدفنج عند الادارة .. انا بلعن خيرج في البيت .. و مدرسة انسي .. يوم انكن متبطرات و المدارس ما تبنها .. شوه حادنكن ع العبالة .. قرن في بيوتكن و انفعن أهلكن أخيرلكن ..
اتسعت عينا دانة و هي تهمس ..
- خيبه .. انا شوه حادنيه ع الشدة .. لو عاطيتنها حور هب أخيرليه .. ناوي يكفخنيه طرزان ..!!
رفع حاجبه و هو يلقي الورقة عليها ..
- شعندج تتحرطمين ..
زمت شفتيها بضيق ..
- سلامتك ولي أمري ..
- أي مدرسة انتي ..؟
- مدرسة ****** ،،
لوح بيدها باحتقار ..
- عرفتها ..
و لماذا هذه النبرة .. ؟؟! وقفت لثانية دون أن ترد عليه قبل أن تدس الورقة في جيبها أخيرا و تحذّره ..
- انزين لا تبطي .. 9 بالضبط تكون هناك ..
ثم ألقت نظرة أخيرة قبل أن تقول بأمر و هي تستدير و تتوجه نحو الحوش ..
- و لو سمحت .. تعال كاشخ لا تفشلنيه .. أنا معروفة في المدرسة ..
ما إن أنهت كلماتها حتى اختفت خلف الباب ..
ظلت عينيه معلقتين بالباب الذي اختفت منه للتو مطولا .. قبل أن ينفجر بالضحك بقوة ..
لم يستطع منع نفسه من نوبة الضحك التي اجتاحته .. كان يخنق رغبة غريبة في الضحك مذ ناولته الورقة .. و ارتدادها الخائف حين صرخ عليها ..
مسح وجهه بكفّه و هو يسيطر على ضحكاته .. قبل أن يعود فيهتز بهدوء و الابتسامة لا تفارق شفتيه ..
- دوم الضحكة ..
تجمد لبرهة مكانه قبل أن يرفع يده عن وجهه .. عرف صاحبة الصوت قبل أن يطالعه وجهها الصافي .. كانت تنظر له بهدوء شديد .. ابتسامته تلك انقلبت فورا بعناية لابتسامة حب يتقنها .. و هو يترك عتبت الباب نحوها هامسا ..
- وياج ..
اقترب من حور التي لم تبارح مكانها في منتصف الممر .. وجهها الجامد لا يفصح عن شيء .. هل علمت بان أختها قد تلقت إستدعاءً ..؟!
دنا منها بهدوء .. فلم يعد يفصل بينهما شيء و هو يحني رأسها و يسلم عليه .. بدت ثابتة .. و هي تسلم عليه بنفس الهدوء .. عينيه الدافئتين تنطق شوقا عرف كيف يرسمه لها .. و هو يلتقط كفّها الصغيرة في راحته الواسعة ..
- شحالج ..
.
.
( تخيليه نايف )
( تخيليه نايف )
( تخيليه نايف )
( تخيليه نايف )
كان صوتها يخترق ذهنها و هي تحاول تنفيذ هذه المهمة العسيرة .. مظهره و هو يضحك كاد يقتلها و قلبها يتوقف للحظات ..
بدا مختلفا .. أصغر سنا .. بلا تلك العقد في جبينه .. منطلقا ..!
كيف للمسة كهذه أن تحرق جلدها ..؟ كيف لكلمة لها أن تلقى ملايين المرات على مسامعها أن تزلزل كيانها فلا تغدو لها إجابة سوى اختلاج أنفاسها الخجلى ..؟
مئات المرات تبتلع ريقها .. لتجلي صوتها الذي يبدو أنها أضاعته ..
تخنق أنفاسها الملهوفة .. لا تريد أن يدرك شيئا من غباءها ..
قرعات قلبها المجنونة تكاد تهشم أضلعها .. حسنا حور .. ابقي هادئة .. ليس سوى ( نايف ) يمسك بيدك الآن .. يسألكِ عن حالك ،،
استعيدي رباطة جأشكِ .. ليس الأمر بالمستحيل ..
أطلقت نفسا قصيرا و هي تسدد نظرها لجبينه كي لا يبدو انها تخشى النظر إليه .. تحاول أن تشتت ذهنها بتخيّل صورة أحد إخوتها و صوتها الهادئ يجيبه ..
- بخير ربي يسلمك .. شحالك ..
نظرة خاطفة مختلفة برقت في عينيه آزرت شيئا من البرود داخلها و صوته يضطرب لبرهة قبل أن تغلفه الحرارة مجددا ليدير اصبعه في كفّها بنعومة عينه لا تفارق نظرتها الجامدة .. و كتفيها المتصلبين ..
- فنعمة يوم شفتج .. وين انتي .. من اسبوع عنج ..
أحنى رأسه لأذنها شعرت بأنفاسه الساخنة تلفح وجنتها حرارة .. و راح قلبها يضج بقوة .. و قدميها ترتجفان .. حين همس بصوت أجش ..
- اشتقتلج ..
سحبت نفسا عميقا .. مقاومة رغبة عارمة في إغماض عينيها و التراجع بعيدا عن متناول التشتت الذي يتركها في دوامته .. وجهه ظل موجها للأمام .. و أهدابها ترفض الخضوع للانطباق .. و هي تطبق فكّها بقوة قائلة بشيء من البرود لم تكن تريده أن يبدو جليّا هكذا ..كي لا يثير فضوله ..
- اشتاقت لك العافية ..
ثم رفعت بصرها إليه .. عينيها اللتان تتركزان على وجهه لم تكن تمعن النظر فيه .. و هي تقول بعمليّة ..
- بتتعشى هنيه ؟؟
.
.
شيء ما لم يرق له هنا .. ألا تبدو زوجته باردة هذا المساء ..
لماذا هذا الجمود .. ؟ رغم كل هذا نحر ابتسامة ساخرة على شفير الشفاه .. موقن بأنه سيذيب هذه الجليد في ثوانٍ ..
مد أصابعه الطويلة يلامس خدها الناعم .. و صوته المثقل بالشوق يداعب أذنها ..
- حوري .. بلاج ..؟
كانت دهشته حقيقية و هي تعقد جبينها بضيق .. و كأنما لا تطيق لمسته و هي تجيب باختصار ..
- سلامتك .. ما رديت .. بتتعشى هنيه ..؟
عقد جبينه هو الآخر و هو يقول بجديّة ..
- حور .. شفيج ..؟
رفعت عينها ببرود و هي تواجه .. و تعيد ما قالت ..
- قلت لك سلامتك .. بتتعشى هنيه و الا لا .. رد بسرعة .. بسير أعابل العشا ..
ما الخطب ..؟ ما الذي دهاها ..؟
رفع حاجبه ببرود ..
- لهالدرجة يهمج العشا ..؟
واجهته بنفس النبرة ..
- هيه .. هب انتو لي بتاكلونه ..
كاد يمد يده ليشد شعرها .. هل يخيّل اليه .. ام أنها تتعمد نبرو التحدي المبطنة .. استفزّه وجهها الهادئ .. كم رغب في إشعالها لهبا .. ليعلمها فقط كيف لها أن تواجه حرارة ما يغدق عليها من احساس ..
مد كفّه الكبيرة يمسك بجانب وجهها و هو يقول باختصار ..
- عليكم بالعافية .. انا بتعشى عند ابويه سيف ..هزت كتفها و هي تقول ببساطو ..
- برايك ..
ثم استدارت لتترك المكان وسط ذهوله .. قبل أن يتفوه بكلمة أخرى ..!
أ هذه حور ..؟ لا بالطبع .. ليست هي ..
هذه نسخة آلية .. لم يواجهها حتى في لحظات عدائها السابقة ..!
ضيّق عينيه بتفكير .. ما الذي تهدف اليه بهذا الاسلوب الجاف ..؟!
أ يعقل أن تكـ ...
لا .. بالطبع كلاّ .. أنّا لها أن تعلم ..
تلك الطفلة السخيفة .. لا بد أنها تعمد للعبة جديدة .. سيضطر لكبح جماحها مجددا ..!
.
.
كانت تقف بجانب الباب و هي تغمض عينيها بشدّة تحاول السيطرة على أنفاسها التي أطلقتها .. ما الذي دهاها لتعامله بهذا الجمود المريب ..؟ ليست هذه طريقتها مع أخوانها .. و لكن ..
كيف .. كيف لها أن تعامل هذا الرجل .. كأخوانها ..
يستحيل ذلك ..
انه .. مختلف ..
كل ما أدركته ان قلبها لم يهدأ حتى بعد ايضاحات وديمة .. لا زالت حفقاتها المجنونة تتردد في صدرها بصوت عالٍ حتى تكاد تصمّ اذنيها ..
- لملت ذكرى لقاء الأمس بالهدب و رحت أحضرها في الخافق التعب
أيدي تلوح من غيب و تغمرني بالدفء و الضوء بالأقمار بالشهب
ما للعصافبر تدنو ثم تسألني أهملت شعرك راحت عقدة القصب
رفوفها بريق في تلفتها تثير بي نحوها بعضا من العتب
حيرى أنا يا أنا و العين شاردة أبكي و أضحك في سري بلا سبب
كان هذا صوت دانة التي أسندت كوعها لرأس المكنسة في الزاوية و عيناها تتأملان حور .. صوتها النشاز يردد الأغنية باستمتاع و ابتسامة خبيثة لا تفارق شفتيها .. قبل أن تقول حور بغل .. و هي تزيح يدها عن صدرها ..
- لي يسمعج تغنين لفيروز .. بيقول عانس .. طافت الاربعين ..
لم تبالي بها دانة و هي تكمل دندنتها .. و تبدأ في الكنس برتابة .. صوتها يصل لحور التي تحرك تهرب من عينيها الثاقبتين ..
- أهواه من قال إني ما ابتسمت له دنا فعانقني شوق إلى الهرب
نسيت من يده أن أسترد يدي طال السلام و طالت رفت الهدب
حيرى أنا يا أنا أنهد متعبة خلف الستائر في إعياء مرتقب
أهوى الهوى يا هلا إن كان زائرنا يا عطر خيم على الشباك و انسكب
.
.
زفرت حور بضيق و هي تشعر بخفة في صدرها و طنين يتردد في أنها ..
سيلزمها الكثير لتفصل وهمها عن إحساس حقيقي قد يخالجها ..
الكثير من الوقت ..
الكثير من التفكير ..
و الكثير من الأنفاس التي قد تخنقها ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
شكرتها فاطمة بحرارة ..
- ما قصرتي عفاري عبلت عليج .. لو قلتي ليه كان تلاقينا في السكـة ..
ابتسمت عفرا لها كن يقفن عن باب الصالة الداخلي .. بعد أن رفضت الدخول لعجلتها و هي ترد ..
- لا عبلتي و لا شي .. يا الله أنا أبطيت .. تبين شي ..
- سلامتج حبيبتي .. ردي السلام على البنات ..
استدارت عفرا حين رأتها تتحرك معها ..
- و الله ما تظهرين ... بسير اروحيه ..
- ع راحتج .. تصبحين ع خير ..
- و انتي من هله ..
استدارت عفرا و وضعت الغطاء على وجهها و هي تعبر الممر المؤدي إلى المجلس و الباب الخارجي .. كان تصميم بيتهم يقارب بيت أم سالم .. و لكن مساحة بيت بو نايف أكبر .. فهؤلاء لا يملكون حوشا .. مجرد فسحة ضيقة عند الجدار الذي يصل بينهما .. ما ان وصلت الممر حتى اصطدمت بذاك الجسد الطويل الذي كان يسده .. أرادت التراجع قبل أن ينتبه لها الرجل .. لكن سرعان ما التفت لها و هو يقول بصوته الثقيل ..
- هلا و الله ..
تعرفته عفرا فورا .. سالم الحقير ..!! ذاك الذي كان ينتهك حرمة جيرتهم لوقت طويل قبل أن يضع أبناء عمّها حدا لفجوره ..
توقفت في مكانها حين رأت أن لا فائدة من التراجع .. سيعود خلفها .. أوليس بيتهم ..؟
قالت بصوت بارد ..
- لو سمحت شوي أبا أخطف ..
رفع رأسه و هو يقول بنبرة مستهزئة ..
- انزين خطفي .. حد قابظنج ..
قالت بارتباك .. و هي تشعر بخطواته تتقدم نحوها ..
- خوز شوي .. ما تشوف انك ساد المكان ..
استند على الجدار مفسحا فرجة صغيرة للعبور .. عرفت عفرا أنه يمكن أن تتجاوزه دون الاصطدام به .. تحركت فورا لتعبر .. ما ان اقتربت منه حتى مد يده ليلمس ذراعها بوقاحه .. كان يعلم أنها احدى بنات حمد الذي اعتاد على مطاردتهن .. لا يمكن أن ينسى أجسادهن الذي اعتاد مراقبتها ..
و لا يمكن أن ينسى فعلة أقرباءهن الأوغاد .. شعر بالتشفي و هو يسمعها تشهق بقوة و تلتصق بالجدار قبل أن تقول بصوت مختنق ..
- شل ايدك يا حيوان ..
ابتسم دون أن يبالي بكلمتها .. و اقترب منها مانعا اياها من العبور مجددا ..
- ليش تسبين ..؟ قبل شوي كان خليتج تروحين بيتكم .. الحين .. لازم تعتذرين ..
رفعت رأسها و هي تقول باحتقار عميق ..
- تخسي أعتذر لك يا الكلب .. ها لي قاصر بعد .. خوز أخير لك .. و الا و الله أخبر أمك ..
شخر بسخرية أثارت اشمئزازها .. و هو يقول ..
- خوفتيني حبيبتي ..
دنا منها و هو يقول بخفوت ..
- ها لي رمتي عليه ..؟ ما شوفج مستقوية يوم عيال عمج هب هنيه يا الــ....
و تفوه بكلمة بذيئة جعلتها تشهق بصدمة قبل أن تقول بقسوة ..
- محد غيرك يا الحثالة .. و عيال عميه يسوونك و بيربونك .. و بيعلمونك مستواك ..
كان يشعر بالغيظ من ذكرها للأمر فقط .. شيء من الحقد عاد يتفجر داخله ..
قالت باحتقار ..
- خوز من طريقي يا الوصخ .. لو ما لحَّسوك عيال عميه القاع باكر ما كون بنت أبـ ..
قبل أن تتم عبارتها أطبقت يده الكبيرة على فمها تكتم أنفاسها و يده الأخرى تمسك بخصرها و هو يقترب من باب المجلس الذي لم يكن يبعد سوى خطوات ..راحت تنفلت منه و تجذب نفسها بقوة و هو يدفعها .. قدماها تتشبث بالأرض تأبى التقدم و هو يجذبها بوحشيّة .. كان كالمجنون و أنفاسها تتحشرج مكتومة .. حين فتح باب المجلس ذو النور المطفأ .. و ألقاها في الداخل قبل أن يوصده .. يقف بينها و بين الباب .. و قد سقط غطاء وجهها و هي تستعيد أنفاسها بجنون قبل أن تجري نحو الباب بقوة لتدفعه عن طريقها تنشد الخروج .. لم يكن الظلام يساعدها و هو يمسكها بقوة ليطرحها أرضا مجددا فلا تتوقف صرخاتها .. ثم تهب واقفة لتندفع نحو الباب مجددا فيمسكها من طرف ثوبها و يضمها بذراعيه بقوة محاولا كتم صوتها ..
تركل .. و تخدش .. و تلكم باستماتة .. و هي تصيح به ..
- ظهرنيييييييييييييييه يا الكللللللللللب .. وخرررررررر .. ظهرنييييييييييييييييييه ..
كانت تريد أن يصل صراخها لأحد ما .. لابد أن يساعد ضيق هذه البيوت على سماع الصوت .. و لكن الحقير ألجمها بلكمة على فكها طرحتها أرضا مجددا شعرت بلزوجة دافئة تتدفق من شفتاها و أنفها .. لم تبالي نهضت بجنون و الدموع تغشى بصرها ترا خياله في الظلام يدنو منها ..
عليها الهرب ..
عليها أن تجد سبيلا لذلك .. دفعته مجددا .. و كاد يسقط قبل ان يجذبها من شعرها .. و يلقيها أرضا ثم يلقي بثقل جسده عليها .. راحت تدفعه بيدها تحرك جسدها .. تحاول التزحزح .. عقلها يعمل بجنون .. و هي تخدش وجهه و تعظّه تحاول توجيه الضربات لظهره الثقيل .. و لوجهه ..
أنفاسه تلفح وجهها لتثير الغثيان في نفسها .. و هو يشتم بقسوة ..
- بس يا حيوااااانه ..
كل محاولاتها باءت بالفشل .. و هي تحاول منعه مما ينوي .. علمت أن لا طاقة لها أمامه قوته الرجولية و جسده الضخم الذي راح يضغط عليها .. لذلك بكت بقوة و هي تتوسله ..
- أرجوووووك .. لاااااااا .. الله يخلييييييييييك .. و الله آسفة .. و الله آسفة .. دخيييييييييييييييييلك .. أحب ريووووووولك لاااااااااااااااا ..
كانت تنشج و هي تتحرك فيما يحاول هو تثبيتها بقوة .. شهقاتها .. المتقطعة لم تؤثر فيه ..
- الله يخليييييك .. حرااااااااام عليييييييك .. لااااااااا .. ودرنيه .. يا ويييييييييلك من الله .. أحب ايدك .. لااااااااااااااا ..
بكت بشدة و راحت تصيح الآن تستنجد بصراخ .. حين أدركت أن توسلاتها لن توقفه ..
- ماااااااااااااااااااااااارييييييييييييييييييييد .. ودرنيييييييييييييييييه يا الكللللللللللللللللللللللللللب .. لاااااااااااااااا .. الله يلعنك لااااااااااا ..
وضع يده الثقيلة على فمها يخنق كلماتها .. شهقاتها .. صيحاتها ..
راح يخنق كل شيء جميل ..
يمزق كل ما في حياتها بفعلته الشنعاء و عينيها الواسعتين لا تتوقف عن البكاء ..
يهتك كل حلم .. كل أمل ..
يحرق كل ذرّة براءة في روحها ..
تلك التفاصيل الصغيرة التي تسكننا في مراهقتنا .. خيالاتنا التافهة .. اللذيذة .. التي تراودنا ..
داس عليها بقدمه القذرة بلا مبالاة ..
كل شيء .. كل شيء .. أحرقه .. و لم تطفئه دموعها .. و لم توقفه ضرباتها اليائسة ..
أنى لإنسان أن يفقد تفاصيل عمرٍ في برهة ..؟!
ماضٍ .. و حاضر ..
و كل ما هو آتٍ .. لم يعد سوى سواد لطّخ حياتها .. و هي تُنتَهك هنا بلا حيلة .. تحت وطأة هذا الدنيء ..
صرخاتها تخنق .. و أحلامها توأد ..
علمت في تلك اللحظات و هي تكابد ذاك اليأس الذي راح ينخر عظامها .. و الوهن الذي دب فيها ..
أن حياتها توقفت هنا ..
و أنه لا طرقات قد تخطوها بعد هذه ..
لا طرقات ..
سوى ما نشر فيها شوكٌ سيدمي أثرها .. و قلبها ..
و روح لم يتبقى منها سوى حطام .. !

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 09:03 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية