كاتب الموضوع :
ثم كانت الذكري
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أثناء عودتي من الجامعة في اليوم التالي اتصلت بي بسنت .. كالعادة المترو مزدحم فأخرجت الهاتف من حقيبتي بصعوبة .. لماذا لا تتصل في أوقات مناسبة أبداً.. سألتني: أين أنت: قلت أنهيت محاضراتي و عائدة للمنزل .. قالت في دهشة: ألم تقابلي محمد؟؟؟.. قلت: كلا.. انتظرته و لم يأتي .. علي أي حال كنت أتوقع ذلك فلم أشعر بالصدمة هذه المرة .. قالت: لا تهتمي .. هذا هو ابن خالتي .. حسنا مري علي قبل أن تعودي لمنزلك .. أنا ذاهبة لأجمع بعض الأشياء من منزلي قبل أن أسافر .. قلت : حسنا أنا آتيه .. ذهبت لمنزلها و جمعنا معا أشيائها ثم قالت: سأذهب للاغتسال بسرعة ثم نرحل معا .. ذهبت و بقيت أتلفت حولي لأجد ما أتسلي به حتي تنتهي.. وقعت عيناي علي كوب الشاي الذي شربه قبل رحيلنا أمس .. كنا قد رحلنا بسرعة و نسيناه و كان لا يزال في مكانه الذي وضعه فيه .. أمسكت الكوب بحرص.. كانت أصابعه و شفتيه قد تركا علامات علي الكوب صارت واضحة عندما كساه بعض الغبار الآن .. حاولت أن أضع أصابعي في مكان علامات أصابعه .. و شفتي مكان شفتيه .. آه كم هو رائع ذلك الكوب .. تمنيت لو أستطيع التهام ذلك الزجاج .. أردت أن أحتفظ بذلك الكوب لنفسي و لكن هل تقبل بسنت .. بالتأكيد ستظن أنني مجنونة .. و أنا لن أجرؤ علي سؤالها إياه علي أي حال.. احتضنت الكوب و قربته إلي قلبي بشده .. ولكن رغم حرصي الشديد في حمله أفلت من بين أصابعي لا أدري كيف و سقط علي الأرض ليتهشم لعشرات القطع .. شهقت من الصدمة و وضعت يدي علي فمي .. خرجت بسنت في تلك اللحظة و قالت لي في بساطة: لا تهتمي .. "خد الشر وراح" .. ثم أخذت تجمع معي قطع الزجاج المتناثرة .. لست من النوع الذي يشعر بالتشاؤم و لكن لا أدري لماذا شعرت بانقباض شديد في قلبي و شعرت بأن شيئا سيئا سيحدث .. حاولت إبعاد تلك الأفكار عن خاطري و لكنها لازمتني طوال ذلك اليوم ..ودعت بسنت فقالت و هي ترحل: انتظريني سأعود بعد يومين لنبدأ في الإعداد لحفل الخطبة معا .. قلت : بالتأكيد .. عودي بسرعة.
عادت بسنت بعد يومين كما وعدت و اتصلت بي فخرجنا معا لشراء بعض مستلزمات الحفل.. منذ رأيها و هي شاردة و يبدو عليها الحزن .. سألتها عما بها فلم تفصح .. لم أرغب الضغط عليها .. ستتحدث علي أي حال عندما تكون مستعدة للحديث.. بعد فترة انفجرت قائلة: لا جدوى ..يجب أن أخبرك علي أي حال.. سألتها: ماذا حدث هذه المرة .. قالت: هو محمد مثل كل مرة .. قلت في سخرية: ماذا فعل هذه المرة؟؟ أعلن خطبته؟؟ .. ما الذي جاء بهذه الكلمات التي لم أفكر فيها من قبل علي لساني؟؟.. هل كنت أتنبأ بالمستقبل.. نظرت إلي في دهشة و قالت كيف عرفتي؟؟ .. نظرت إليها في دهشة و قلت: إذا فقد حدث ذلك حقاً؟؟ من؟؟ شخص نعرفه؟؟ .. قالت: لا .. يقولون إنها صديقة لأمه .. أرملة ثرية و أم لطفلين .. نظرت إليها في استنكار و قلت لها: وهل تصدقين هذا؟؟ أنا لا أصدق محمد ليس من هذا النوع .. ربما لو قلت لي أنه يحبها لصدقتك و لكن إلي ماذا تلمحين؟ تريدين القول أنه يريد الزواج منها لأنها ثرية؟؟ يريد الاستيلاء علي أموالها.. أليس ذلك ما ترغبين في قوله؟؟؟ .. انتظرتني حتى انتهيت ثم قالت: و اسمها عائشة مثل اسم والدته تماما .. ألا يذكرك ذلك بشئ؟؟ .. نعم .. بالتأكيد يذكرني .. تلك الدبلة الفضية التي يرتديها و تحمل اسم عائشة .. إذا فما تقوله بسنت صحيحا.. لكني لا أستطيع أن أصدق.. هل هو حقا بهذا السوء؟؟.. هل خدعت فيه طوال تلك السنوات؟؟.. قلت لبسنت: لا اعرف يا بسنت .. و لكنني مازلت لا أستطيع أن أصدق.. بالتأكيد هناك خطأ ما .. قالت في حزن: عندما ذهبت إلي قريتنا وجدت الجميع يتحدثون عن ذلك الموضوع ..الجميع يشعر بالذهول .. لم يعتقدوا أنه من ذلك النوع .. لقد كانوا يحترمونه جميعا.. ولكن لا مجال للخطأ لقد أبلغهم بنفسه.. و يقولون هذا هو المتوقع من ابن سكير ومقامر .. حسنا إنهم علي حق .. من شابه أباه فما ظلم .. نظرت إليها و انسابت الدموع التي كنت أحبسها في عيني.. لم أكن أفكر في هذه اللحظة في خطبته المزعومة تلك .. و لكنني عرفت الآن لماذا كان يستخدم كل الطرق لإبعادي عنه .. إذا كان أقاربه جميعا و منهم بسنت .. أقرب أقاربه إليه يرون أنه ابن سكير و أنه سيشبه أباه بالتأكيد فماذا يقول عنه الآخرون؟؟.. هذه هي نظرة المجتمع التي كان يتحدث عنها و يخاف علي منها .. كم هو مسكين حقا .. يعاني وحده مما لا ذنب له فيه.. عندما رأت بسنت دموعي قالت: لا تحزني يا عزيزتي.. سيبدلك الله خيرا من ذلك الخائن.. خائن؟؟؟ هل أصبح ذلك هو وصفه حقاً؟؟.. قلت لها: و لكنني لست أصدق شيئا من ذلك .. قالت: و لكنني اتصلت بمحمود وقال أن نفس الأخبار وصلته و لو كانت تلك خدعة مثل كل مرة لأخبر محمود بالحقيقة علي الأقل.. هززت رأسي في عنف و كأنني أطرد منه أفكارا شريرة وقلت: لا زلت علي رأيي .. لست أصدق.
ظللت في الأيام التالية أفكر .. و رأسي علي وشك الانفجار.. هل هو حقاً كما يقولون؟؟.. بالتأكيد لا .. إنه أفضل الأشخاص الذي رأيتهم في حياتي و أكثرهم نبلاً.. ربما لو كان شريرا لأستغل مشاعري نحوه و لكنه لم يفعل .. علي العكس تماما .. لقد كان يحاول الابتعاد عني طوال الوقت ليحميني.. هل كان حقا يحميني؟؟ أم أنه لم يحبني من الأساس.. لا .. لا أصدق .. متي تظهر الحقيقة قبل أن أصاب بالجنون.
و ظهرت الحقيقية بعد أيا قليلة .. كنت عند بسنت عندما رن الهاتف .. ظهر علي الشاشة رقم بيت محمد .. تبادلنا النظر باستغراب.. تري لماذا يتصل.. رفعت بسنت السماعة و من اتجاه الحديث عرفت أنه ليس محمد و لكنها أخته .. زادت دهشتي فشرين أخت محمد التوأم لا تطيق بسنت و لم تتصل بها أبدا.. نظرت إلي بسنت في دهشة فضغطت علي زر الميكرفون لأستمع للمحادثة .. سمعت شرين تقول: لم أكن أعرف بذلك الأمر حتي أمس .. لقد كان يجلس بجواري ثم امتلأت عيناه بالدموع فجأة ثم حكي لي عن كل ذلك ..تعرفين أنها المرة الأولي التي أراه فيها يبكي منذ كنا أطفال.. كيف استطاع أن يخفي عني ذلك طوال تلك السنوات .. بصراحة لقد كنت أظن أنه يحبك أنتي طوال الوقت و كنت أشعر بالحزن الشديد عندما أراه حزينا و كنت أظن أنك السبب لذلك لم أكن أحبك و لكن الآن و قد عرفت أن ذلك الحزن كان أخي يجلبه علي نفسه أردت أن أعتذر لك .. وصديقتك تلك بطلة بالتأكيد .. كيف استطاعت أن تحتمل منه كل ذلك .. أري أنها تحبه كثيرا و لكن يا عزيزتي إنها مثل دون كيشوت تحارب طواحين الهواء .. لن يجدي كل ذلك نفعا .. فأخي مادام قد أصر علي شئ فهو سينفذه حتي لو كان فيه موته .. ألفم تري خدعه الخطبة تلك؟؟؟.. كيف استطاع أن يقول شئ كهذا عن نفسه؟؟ هل تعتقدي أنه سيستمتع باحتقار الناس له؟؟.. بالتأكيد يا عزيزتي هو يحبها بشدة حتي أنني بدأت أغار منها .. إنه يخاف عليها بجنون و يخشي أن يصيبها أدني أذي بسببه .. انصحيها يا عزيزتي بأن تتركه فليس أمامها سبيل آخر .. و أنت أيضا يا بسنت.. لقد أفتعل معك تلك المشاجرة لأنه يريد أن يقطع صلته بك .. وجوده بجوارك سيذكره دائما بذكري حتي و إن رحلت هي .. نظرت بسنت إلي ثم سألتها بصوت مختنق: هل سافر؟؟ أم لم يسافر بعد؟؟.. قالت شرين في دهشة: سافر.. من قال أنه سيسافر .. ثم أضافت في حزن: أنه لا يستطيع السفر يا بسنت .. فلقد بدأ أبي يتطاول علي أنا و أمي بالضرب في نوبات سكره و محمد هو الوحيد الذي يستطيع الوقوف أمامه و حمايتنا .. وهذا أيضا من أسباب عدم استطاعته الزواج.. هل تعتقدين أنه من النوع الذي يمكن أن يرحل و يتركنا نتقلب وحدنا في الجحيم .. أكملت بسنت مكالمتها و لكنني لم أستطع أن أستمع للمزيد .. غرقت في أفكاري الخاصة .. أخذت أستعيد كل كلمه سمعتها .. أفقت علي صوت بسنت تسألني : هل اتخذت قرارك ؟ .. قلت: لا زلت أفكر .. قالت: أما أنا فاتخذت قراري .. إذا كان وجودي بجواره يعذبه فلن أريه وجهي مرة أخري .. هذا أقل ما يمكن أن أمنحه إياه لأكفر عن أفكاري السيئة تجاهه.
حان وقت اتخاذ القرار.. القرار النهائي .. أقلب الموضوع علي مختلف وجوهه فأجد نفسي مدفوعة في اتجاه واحد لا بديل له .. أحاول الهروب من ذلك الطريق و لكن كل الطرق الجانبية تؤدي أيضا إليه .. لا سبيل آخر .. يجب أن .. ثقيلة جدا علي .. لا أستطيع حتي نطقها و لكن لا مهرب .. نعم .. يجب أن أتركه .. إن كان هذه المرة نشر إشاعة كاذبة عن استغلاله لامرأة ثرية .. واحتمل احتقار الجميع .. فماذا سيفعل المرة القادمة إذا أصررت علي البقاء؟؟ هل أنتظر حتي يؤذي نفسه أكثر من ذلك بسببي.. فلأرحل .. فلأرحل مادام يريد ذلك .. الرحيل .. ما أقساها من كلمة .. حسنا و لكن ماذا سأفعل في قلبي الذي يكاد يتوقف عن النبض منذ اتخذت ذلك القرار .. ألم .. الحياة كلها بالنسبة لي ألم كبير .. تري كيف كان يشعر قيس بن الملوح عندما أفترق عن ليلي للأبد .. أستطيع أن أشعر به فأنا مثله .. تكاد روحي أن تفارقني منذ قررت فراقه .. أخذت أستعيد شريط ذكرياتنا معا منذ أول لحظة رأيته فيها .. تذكرت ضحكاتي التي أطلقتها و دموعي التي ذرفتها بسببه.. ثم تذكرت شيئا غريبا .. تذكرت أنني حتى الآن لم أقل له أنني أحبه .. نعم حتى هذه اللحظة لم يعرف كم أحبه .. و تملكتني رغبة قوية في أن يعود .. فقط للحظة واحدة .. لحظة أخبره فيها أنني أحبه ثم يرحل من جديد .. و لكن لماذا؟؟ .. كل ذلك بلا فائدة .. لا شئ يهم .. لم يعد ذلك مجديا .. لقد دق جرس القطار إيذانا بالرحيل و لم يعد هناك من يستطيع إيقافه.. هل يفتقدني مثلما أفتقده؟؟ .. هل يبكي علي مثلما أبكي عليه الآن؟؟؟ أسئلة ربما لن أعرف إجابتها أبداً.
*****
و الآن ماذا؟؟ ماذا تنتظرون؟؟ لماذا لم ترحلوا بعد؟؟ .. ألم تدركوا أن القصة قد انتهت؟؟.. تصيحون في دهشة ؟؟ ألم تتوقعوا تلك النهاية؟؟ يا لكم من حمقي.. ألم أقل لكم أنني أحكي عن ذكريات قديمة؟؟.. تلك الأحداث قد انتهت منذ خمس سنوات كاملة .. لا يا سيدتي لم أره بعدها .. لا لم يتزوج .. أحيانا تصلني عنه بالصدفة بعد الأخبار .. علمت أنه أنعزل تقريبا عن الناس.. يعود من عمله ليبقي في منزله حتى اليوم التالي .. حتى أصدقائه لم يعد يراهم.. يبدو أنه مثلي.. يعيش مع ذكرياته .. لا لست أعرف عنه المزيد .. وأنا؟؟ ماذا تريدون أن تعرفوا عني؟؟.. سعيدة؟؟ هل تعتقدون أنني لو كنت سعيدة كنت سأقضي معكم كل ذلك الوقت ألعب دور شهرزاد في ألف ليلة و ليلة؟؟.. لا لم أرتبط من بعده .. أريد أن أرتبط بشخص مثله .. كلما حاولت الارتباط بشخص .. و ظننت أنه هو آخر.. اكتشف أنه ليس هو .. يبدو أن هناك هو واحد فقط .. لا.. لا تحزنوا من أجلي و الآن من فضلكم .. انفضوا التراب عن ثيابكم و أجمعوا أشيائكم و انصرفوا .. ارحلوا مثلما رحل هو عني .. رحل و اخذ معه كل شئ.. و لكنه نسي أن يأخذ شيئا واحدا الشئ الذي يجعلني أسيرته أبد الدهر .. نسي أن يأخذ معه الذكري.
تمت بحمد الله
|