- هذا بالضبط ما احاول ان افهمك واقنعك به يا ميلاني !. اجابت كارين فاقدة الصبر .
اردفت ميلاني وكأنها لم تسمع ما قالته شقيقتها :
- وقد اجابني والدي ان الشخص الوحيد الذي لا يمكنه ان يخطيء في التفريق بين التوأمتين هو الشخص الذي يحب إحداهما فإنه يتعرف على حبيبته مهما كان الشبه بينهما صارخاً.منتديات ليلاس
- لا اصدق شيئاً من هذا . يا لوالدي وأفكاره السخيفة ! لقد كنت أكرهه في صغري.
فقاطعتها ميلاني قائلة :
- إنني لا افهم عدم قدرتك على تقدير والدي وكرهك له فقد كان رجلاً جذاباً, ذكياً , وأب رائع . اعتقد انني لن ألتقي ابداً برجل مثله لذلك فلن أتزوج أبداً.
- إنك حقاً حمقاء . هل تنوين قضاء حياتك وحيدة . ان جيزيل لن تمكث معك إلى الابد .
- إنك على حق . اجابت ميلاني .
وساد الصمت عدة لحظات ثم اضافت :
- كنت اتخيل نفسي في دارك في بعض الأحيان فتقدمينني لضيوفك . كانت تتكلم وكأنها تحلم فعبرت عما كانت تتخيله دون ان تشعر بذلك .
وصاحت كارين بصوت عال :
- إن ذلك لا يمكن ان يحصل ابداً , ابداً ! لقد شرحت لك أنك بالنسبة إلى معارفي في لندن في عداد الأموات . انك غير موجودة . انك ميتة يا ميلاني فأرجو ألا تنسي ذلك أبداً.ريحانة
واستعادت انفاسها واضافت :
- لابد ان تتعرفي على مزارع في القرية او أي شخص آخر يتزوجك , إنني على يقين من أن الحياة في المزرعة ستروقك كثيراً . فأنت لم تكوني يوماً طموحة يا ميلاني , وستلاقين كل ما تتمنين في القرية .
شعرت ميلاني بعد سماع كلمات شقيقتها الجارحة برغبة شديدة بالعودة إلى المنزل , واحست بضخامة الخطأ الذي ارتكبته فقد سمحت لكارين ان تلعب بها خدمة لمصالحها الخاصة وأنانيتها العمياء . فلم تكن كارين تشعر بأي عاطفة نحوها بل كانت حتى في طفولتها تستغل محبتها لها من أجل إرضاء رغباتها وها هي اليوم تلجأ وتسأل عنها لأنها احست بحاجتها لها , وكذلك الأمر بالنسبة لجيزيل المربية .

فرغم تفاني هذه المرأة في تربيتها والسهر على راحتها فهي لا تكن لها سوى البغض والكراهية وعدم الإكتراث وتساءلت ما الذي دعاها إلى الموافقة على القيام بهذه الخدعة ؟ ولكن أليس من واجبها ان تساعد شقيقتها في محنتها هذه ! ثم اتسعت عيناها وارتعشت عندما طرأت في رأسها فكرة احتمال موت شقيقتها تحت العملية . فسألتها فجأة :
- لكن يا كارين ماذا لو حصل لك مكروه وأنت تخضعين لتلك العملية ؟
- اوه لا تقلقي , إنني واثقة من مقدرة وبراعة الطبيب شلسون ولو حصل ما تقولين. وسكتت كارين وغرقت في أفكارها .منتديات ليلاس
تطلعت إليها ميلاني بحزن ولم تستطع تصور ان شقيقتها قد تلقي حتفها , ففي الواقع انها تحبها بكل جوراحها ولم تتغير عاطفتها نحوها رغم جحودها ووقاحتها , بل كانت تشعر بوجود رباط خفي يربطها بكارين , رباط لا تقوى الكراهية او الخبث او حتى الفظاظة على حله . وستبقيان مرتبطتين إلى الأبد بذلك الرباط الروحي الذي لن تحله اية قوة في العالم حتى ولو عاشتا متباعدتين .
وبقيت ميلاني شاردة افكار , عاقدة الجبين لفترة طويلة . ونظرت إليها كارين وقالت بلطف:
- لا داعي للتشاؤم يا ميلاني, حاولي التمتع في هذه اللحظات التي نمضيها سوياً كما في السابق .
- لا يمكنك ان تتصوري يا كارين كم اشتقت إليك طوال هذه السنوات الخمس . كنت أتوق لرؤيتك والتحدث إليك . حدثيني عنك . فيمكنني أن اتخيل حياتك عندما ينتهي كل شيء .
ولم تكن كارين بحاجة إلى التشجيع للتحدث عن حياتها فبدأت بالحديث عن زوجها الذي يغدق عليها الأموال والهدايا والمجوهرات كما حدثتها عن المصانع والأراضي التي يمتلكها .
- لديه بعض الأهواء والطباع الصعبة ككل الرجال عندما يكبرون في السن . وهمه الوحيد هو ان يرزق بولد.
وتنهدت بعمق وقالت :
- لو ان وليم يستطيع الإنجاب لأبقيت على الطفل وأوهمته انه طفله هو ولكنت تمتعت أكثر بعلاقتي بكارل!

- اوه ما هذا الهراء الذي تهذين به . لا افهم كيف يطاوعك ضميرك على خداعه بهذا الشكل المريع .
وهزت كارين رأسها واجابت بنوع من التحدي :
- إنني لا استحق ان ادفن شبابي وجمالي مع رجل في سن والدي , فلو لم يكن كارل لكان هناك غيره فإنني لا اقوى على العيش كحياة الناسك.
صعقت ميلاني لصراحة شقيقتها ووقاحتها . فلم تصدق يوماً ان تبلغ كارين من الدناءة والاستهتار حداً يجعلها تحتفظ بزوج وعشيق في نفس الوقت . وترمي بكل المباديء والقيم التي نشأت عليها في كنف والديهما عرض الحائط . وأفاقت من افكارها على صوت كارين ينبئها بأنهما قد وصلتا إلى منزل كارين.منتديات ليلاس

نهاية الفصل

الفصل الثالث

كانت مالكولم هاوس التي تقع في كرويدن دارة فخمة وضخمة , وفور دخولها إلى البهو المرمري الكبير , احست ميلاني برغبة شديدة لرؤية المنزل الكبير بكل قاعاته وغرفه . لكن كارين حثتها على صعود السلم المؤدي إلى غرفتها . وكما توقعت فقد كانت غرفة كارين جميلة , رحبة وأنيقة , تحتوي على سرير كبير زين بستائر من الحرير وخزانة خشبية ضخمة .
وما ان اغلقت كارين الباب حتى قالت لها :
- يمكنك نزع الخمار الآن . إياك أن يراك احد غير ميراي!
- إنه منزل كبير جداً, ولا شك ان قاعات الاستقبال رائعة . قالت ميلاني .

- يمكنني استقبال مئة شخص دفعة واحدة وبكل سهولة في هذا المنزل . قالت كارين بفخر . تعالي وانظري إلى خلوتي الصغيرة .منتديات ليلاس
وفتحت كارين احد الأبواب ودخلتا إلى غرفة متوسطة الطول والعرض ذات أثاث فخم وقد غطت الستائر الحريرية كل جدران الغرفة وتوزعت فيها الأرائك هنا وهناك ووضعت عليها طنافس حريرية متعددة الألوان والأشكال . واسترعى انتباه ميلاني تلك الزهرية من الورد الطبيعي والأزهار الرائعة وتساءلت في نفسها عن المبلغ الطائل الذي صرف من أجل الحصول على هذه الأزهار في فصل الشتاء, في الوقت الذي تعاني هي وجيزيل في مشاكل مادية حادة . ومرة اخرى تذكرت كلمات والدها الذي كان يردد دائماً انه لا يمكن أن ننتظر من الغير أكثر من قدرتهم على العطاء.
كان ذلك ينطبق بشكل صارخ على كارين التي تجاهلت وجود أهلها دفعة واحدة إلى اليوم الذي احتاجت فيه شقيقتها . قالت ميلاني في نفسها : أرجو ألا يكون والدي قد شعر بعدم اكتراث كارين بوجوده . فسيبقى والدي دائماً موجوداً وحياً في مخيلتي . لا شك انه كان يشعر بهذه اللامبالاة وهذا التجاهل الذي كانت تظهره كارين نحوه , لكنه كان ذا قلب كبير وكان يحب كارين حباً يجعله يتغاضى عن كل تصرفاتها ويصفح عنها .
- أرأيت هذه اللوحة الزيتية ؟. قالت لها كارين مشيرة إلى إحدى اللوحات المعلقة على الحائط, لقد اشتراها وليم في آخر رحلة قام بها إلى باريس إنها للرسام رينوار , دفع ثمنها آلاف الجنيهات.منتديات ليلاس
- آه ! إنها رائعة . اجابت ميلاني .
قالت كارين وهي تشير إلى باب إحدى الغرف:
- هذه غرفة وليم , فقد أعاد طلاءها وديكورها بعد زواجنا وقد قمت باختيار الستائر , اما السجاد والثريا فقد اشتريتهما من مدينة البندقية .
- انت حقاً رفيعة الذوق ! قالت لها ميلاني.ريحانة
فرحت كارين بملاحظة شقيقتها فأدارت وجهها نحوها مبتسمة كما كانت تفعل في طفولتها . ومع سماع اقتراب الخطوات من الغرفة قالت :
- إنها ميراي , علينا القيام بأشياء كثيرة الآن .