وذهبت ميلاني لتعد المائدة في غرفة الطعام المتواضعة جداً ذات الأثاث البالي والقديم. ثم تفقدت المطبخ حيث كانت تفوح رائحة اللحم المطبوخ الشهي. وعادت لتلتحق بشقيقتها.
- الغداء اصبح جاهزاً يا كارين فانزعي معطفك وقبعتك.
- آه صحيح لابد ان أرتاح قليلاً من عناء السفر.منتديات ليلاس
واخذت ميلاني تراقب شقيقتها وهي تخلع معطفها وقبعتها ولاحظت ان اوجه الشبه بينهما قد تباينت قليلاً, فطريقة تصفيف شعر كارين وماكيجها زادا من فتنتها وجمالها .
- لا زلنا نتشابه بشكل صارخ يا ميلاني , أليس كذلك؟
اجابت ميلاني:
- لقد ظننت للحظة أنك تغيرت كثيراً . كل ذلك يعود إلى طريقة تصفيف شعرك . إنك تبدين رائعة يا كارين.
- أتظنين حقاً إنني رائعة ؟ فقد توقعت أن تعجبك أناقتي . إن مركزي الإجتماعي يفرض عليّ ان اظهر دائماً بمظهر لائق وألبس أثمن الأثواب!
- مركزك الإجتماعي ؟ .ردت ميلاني بتعجب.
- اجل! لقد تزوجت يا عزيزتي , ألم تصلك اخباري هذه ؟
ردت ميلاني معاتبة :
- من اين لي أن أعلم بكل ذلك؟ فأنت لم تكلفي نفسك عناء الكتابة ولو مرة واحدة .
قهقهت كارين قائلة بسخرية :
- من اين لكم ان تعرفوا حقاً في هذه البقعة النائية عن العالم فقد تتوقف الكرة الأرضية عن الدوران دون ان يعلم أحد بذلك في هذه القرية الصغيرة .
- كان يجدر بك إعلامنا بذلك يا كارين . فبوسعك أن تكتبي إليّ مرة واحدة على الأقل.
لم تجب كارين فقد كانت منهمكة في إعادة ترتيب وتصفيف شعرها امام المرآة. وكانت ترتدي ثوباً من الحرير الأخضر زاد قامتها النحيلة رشاقة وجمالاً.منتديات ليلاس
- اريد ان اتناول شراباً منعشاً بعد هذه الرحلة الطويلة . قالت كارين وهي تتوجه نحو غرفة الطعام .
- هناك زجاجة شراب في المطبخ سأذهب لإحضارها . لِمَ لم تعلميني بقدومك يا كارين؟ لقد اعدت لنا جيزيل لحماً للغداء. لا شك انك تتذكرين اطباقها الشهية !
- لحم , لحم ! ألن تغيروا عاداتكم في هذا المنزل! أنا لا احب ان اتذكر الأيام الماضية يا ميلاني . يخيل إليّ أنني أكلت لحم سنوات متتالية وبكمية تكفيني طوال العمر.

تجاهلت ميلاني جواب اختها الساخر . فنادراً ما كانت كارين تبدي رضاها وارتياحها عن أي تصرف او ترتيب في المنزل .
جلست التوأمتان لتناول طعام الغداء بصمت حتى قطعته كارين اخيراً قائلة :
- إن منزل جدي في لندن رائع يا ميلاني فهو يشبه منزلي قليلاً ولو ان دار جدي أكبر منها بعض الشيء.
- ما اسم زوجك يا كارين ؟ حديثيني قليلاً عنه.
اجابت كارين بثقة وإفتخار :
- إنه السير وليم مالكولم يا صغيرتي , لقد وصلت إلى المركز الذي كنت أحلم به : المنزل , الخدم , الثياب , حياة الترف, الحفلات , الجياد الأصيلة ووو...
كانت تتحدث كطفلة صغيرة تريد إثارة إعجاب ودهشة اختها . ريحانة
- إنني سعيدة لأجلك يا كارين فقد كان والدي يردد دائماً إن من يشعر برغبة شديدة في الحصول على شيء ما , لابد ان يناله مهما حصل.
- ما كان على والدي إلا ان يشعر برغبة شديدة للحصول على مزيد من المال لو كان يعتقد ذلك حقاً , فما كنا عشنا هذه الحياة البائسة والفقيرة , ولما كانت والدتي توفيت بسبب قلة التدفئة في المنزل.
اعترضت ميلاني قائلة بسخط:
- إنك تكذبين يا كارين ! لقد حصلنا على كل ما يلزمنا في صغرنا . كنا نأكل ونلبس بطريقة حسنة وجيدة , فلا تجرحي بوالدينا الآن بعدما اصبحا في عداد الأموات.
- ربما حصلت على كل ما تتمنين , أما أنا فقد كانت لي نظرة اخرى للحياة وطموحات وتطلعات لا تتفق ابداً ونمط الحياة الذي كنت اعيشه مع والدي . إنني أكره الفقر وحياة التقشف ولا أقوى على تحملها .منتديات ليلاس
لم تتحمل ميلاني سماع شقيقتها تتهكم بهذه الطريقة على الحياة التي عاشتها إلى جانب والديها قائلة:
- لقد حصلت الآن على كل ما كنت تحلمين به. فما فائدة الحديث عن الماضي ؟
- اجل لقد حصلت على كل ما تمنيت .

- متى تزوجت؟
- بعد مرور سنتين تقريباً على هربي من المنزل فقد وقع وليم في غرامي من أول نظرة عندما رآني في منزل جدي.
- هل هو وسيم وطويل القامة كما كنت تتخيلين فارس احلامك دائماً؟
وترددت كارين في الإجابة :
- إنه ... إنه يكبرني سناً, لكنني احترمه وأقدره , وقد سبق له ان تزوج , لكن ليس لديه أي وريث.
- هل أنت حامل ؟
- لا , الحمد لله , إنني لا زلت فتية , وأريد أن أنعم بالحياة كما أشاء فأعوض الحياة التي عشتها هنا.
ولم ترغب ميلاني في إثارة الحديث عن الحياة الماضية مرة أخرى فقاطعت شقيقتها قائلة :
- ما كان موقف جدي وجدتي عندما حللت ضيفة عليهما ؟
- كانا في غاية اللطف معي , فقد قلت لهما يومها ان والدتي قد لاقت حتفها فلم أجد من يهتم بي بعدها فعاملاني وكأنني ابنتهما الصغيرة .
- لا شك ان حفلة زواجك كانت رائعة . كم كنت اتمنى أن أكون من بين المدعوين!
- لقد كان ذلك مستحيلاً يا عزيزتي.منتديات ليلاس
- لماذا ؟ هل يخجلك مظهري؟
واردت كارين في قول الحقيقة :
- لقد قلت لجدي وجدتي فور وصولي إلى لندن انني فقدت كل عائلتي , فقد اخبرتهما أنك ووالديّ قد فارقتم الحياة .
- أهذا ما قلته لهما حقاً؟ ولماذا ؟
- كنت أود ان احوز على اهتمامهما بإعتباري وحيدة يتيمة فيصعب عليهما بذلك رفض طلب إيوائي . هل فهمت الآن لماذا قلت لهما أنكم لاقيتم حتفكم ؟
لم تقو ميلاني على الإجابة , فقد اذهلها تصرف أختها فتمالكت اعصابها واجابت بكل هدوء:
- لم أكن اتصور يوماً انك قادرة على فعل ذلك يا كارين ! انك حقاً خبيثة وأنانية ! كيف استطعت اختلاق كل هذه الأكاذيب ؟ فقد تنكرت لوالديك وشقيقتك وهما على قيد الحياة , ان ذلك لم يكن ليرضي والدينا ابداً.ريحانة

واجابت كارين محاولة الدفاع عن نفسها :
- كنت على يقين من انهما لن يعرفا الحقيقة ابداً, فقد صدقني أهل والدتي ولم يحاولوا حتى التأكد من الموضوع . كما كنت متأكدة من أن والدي لن يقوم أبداً بأية محاولة لاقتفاء أثري في ساوثمبتون او حتى لمعرفة اخباري.
- انه لشيء مؤسف حقاً, , فلا أرى الأسباب الحقيقية التي دفعتك لاختلاف مثل هذه الأكاذيب . قالت ميلاني جملتها الأخيرة وهي تهز برأسها كأنها غير مصدقة لما تقوله شقيقتها .
وتذكرت ان كارين قالت لها مرة : ليس من العدل ابداً أن أتقاسم معك كل شيء , فيظننا الناس شخصاً واحداً. اريد أن أكون نفسي ولا أرغب ان تكوني نصفي الآخر ابداً كما لا أرغب في أكون نصفك الآخر . منتديات ليلاس
قالت ذلك يومها تحت تأثير الغضب , فحاولت ميلاني تجاهل كلماتها الجارحة ونسيانها . وها هي تعي اليوم مرة اخرى ان شقيقتها لم تتخل أبداً عن هذه الفكرة التي اظهرت مدى أنانيتها حتى انها اعتبرت كل عائلتها في عداد الأموات خدمة لمصالحها وتحقيق احلامها .
وفضلت ميلاني عدم الإجابة فلا فائدة من محاولة ردع اختها لذا سألتها ببرود:
- قولي يا كارين ما الذي جعلك تعودين إلى هذه القرية مرة اخرى ؟
وصمتت كارين بضع دقائق ظنت معها ميلاني انها تفكر في اختلاق كذبة جديدة لكنها قالت اخيراً بصوت متردد :
- بحاجة إلى مساعدتك يا ميلاني ! إنك شخص الوحيد الذي يستطيع مساعدتي في هذا الموضوع .

نهاية الفصل

الفصل الثاني

دهشت ميلاني باديء الأمر , واستغربت ان تطلب اختها مساعدتها بعد هذه الفترة الطويلة وان توأمتها فكرت بها شخصياً لتساعدها فأجابت قائلة :
- إنني مستعدة لمساعدتك يا كارين , وذلك حسب امكانياتي , اخبريني ما هو الموضوع ؟
وجرعت كارين ما تبقى في كأسها وقالت :
- لقد اتصلت بي جدتي هذا الصباح وطلبت مني المجيء لأمر هام ولأن زوجي مسافر بمهمة حكومية في فيينا وقد توفي احد اللوردات وهو من اقارب زوجي منذ يومين ولسوء الحظ, فعلي ان احضر مراسيم الدفن عوضاً عنه .
وسكتت وهي تنظر في وجه شقيقتها التي كانت تحدق بها وقد رفعت حاجبيها واجابت بسرعة :
- وماذا يعنين من هذا الأمر باستطاعتك الاعتذار عن حضور الدفن ؟
- لا ... لا ليس باستطاعتي . اجابت كارين لاهثة .
- لماذا لا ؟ هل هناك ما تخفينه عني ؟
- آه ! ارجوك يا ميلاني لا تحاولي تعقيد الأمور . وافضل ان ألزم الصمت الآن لكن سوف اخبرك بكل شيء عندما نصل إلى لندن فأنت سوف تذهبين لحضور مراسيم الدفن بصفتك أنا .منتديات ليلاس
- ولماذا لا تخبريني الآن ؟ فلم أكن اخفي سراً في صغري يا كارين .ريحانة
- اوه , كم أنت لجوجة . حسناً أنا احب رجلاً آخر ولا أريد لزوجي ان يعلم بالأمر , وأنا ايضاً حامل.
ردت ميلاني قائلة :
- ولماذا لا تتركين ذلك الرجل طالما أنك كذلك؟
فصرخت ميلاني :
- ماذا ؟
اكملت كارين بإرتباك :
- وليم لا ينجب ولو عرف بأمر الطفل فقد تحصل كارثة .