قالت مارتينا :
- في الواقع لقد تسلمت رسالة هذا الصباح فيها دعوة للبقاء مع اقرباء أمي في تريفينون حتى يحل موعد ذهابي الى كورنوول , مكان رائع ومناسب للرسم , سمعت أمي تكرر دائماً انها انجزت أفضل رسومها هناك.ريحانة
انهت كلامها بحنق وهي تفكر ان جينا كانت متلهفة لسماع هذا الخبر . استقرت نظرات الليدي جينا على مجموعة الصور البادية خلف مارتين , ثم عادت لتحدق في وجهها باستغراب قائلة :
- هل لأمك اقرباء في كورنوول ؟ لم أكن اعرف ذلك .
قاطعتها مارتينا قائلة :
- اقرباء بعيدون جداً , الله وحده يعرف كم عددهم .
ثم بحثت في ذاكرتها عن اسماء لتسند روايتها :
- انه الخال دومنيك الذي بعث الرسالة .
كان هذا الاسم الذي تكرره أمها دائماً : دومنيك من علم إبنة المدينة تسلق الصخور حافية القدمين , تجديف القارب, إصطياد السمك , وهو من قص عليها تلك الأساطير التي تذكرتها مارتينا كقصص ما قبل النوم . قصص عن الأشباح الصغيرة التي تقطن منجم القصدير , والتي تتنبأ ضربات فؤوسها بحدوث الكوارث.
وفجأة قطع صوت الليدي جينا خواطر مارتينا :
- إنها مفاجأة .
ثم اضافت :
- اظن انك تعرفين ما تفعلينه , لكن هل سبق أن التقيت بأحد من هؤلاء الأقارب؟
- لا , لكني احس بأني اعرفهم جيداً , لقد حدثتني أمي كثيراً عنهم .
شعرت مارتينا بالذنب لكل هذا الكذب التي تسرده , وقالت الليدي جينا :
- حسناً, إنه لعطف كبير منهم ان يعرضوا عليك بيتاً آمل ألا تستغلي كرمهم يا مارتينا , أنت لا ترضين أن تكوني عالة على الآخرين طول حياتك , لكن إذا كان الأمر مجرد اسابيع فأظن انه لن يكون ثقيلاً .

- والآن , ماذا بشأن الغداء؟
قالت مارتينا بإصرار وحسم :
- ارجو ألا تقلقي بشأني, اظن اني سأذهب لأحزم امتعتي.ريحانة
- مثلما تشائين .
قالت الليدي جينا هذه الكلمات بدون ان تهتم بإخفاء سرورها من من جريان الأمور بهذا الشكل , إستدرات نحو الباب ثم ترددت وكأنها تذكرت شيئاً ما , وقالت :
- إذا كنت ترغبين في أخذ أي من هذه الرسوم , فلا تترددي في ذلك يا مارتينا , لقد اتفقنا وعمك الليلة الماضية انه من الإنصاف ان تحتفظي ببعض التذكارات من والدتك, نعم انه ليس هناك ما يدعو لفتح جروح قديمة .
قالت مارتينا وهي تبذل اقصى ما لديها من جهد لتبدو هادئة ومبتسمة :
- شكراً لك .منتديات ليلاس
واستدارت جينا خارجة من الغرفة .
إلى هذا الحد وعندما اصبحت مارتينا وحدها بعيداً عن عينا الليدي جينا حتى انهارت باكية , بكت وبكت وهي تشعر بأن شيئاً ما بداخلها قد انكسر او شرخ وها هو أول من احبت وظنت انه كان يبادلها الحب , يأتي لمنزلها او الذي كان منزلها بقتامة الجديدة , احست بأن كل الإذلال والمهانة التي في العالم قد تجمع عليها وهي تقف عاجزة عن رد أي صفعة مما تلقتها , ما أبشع الشعور بالعجز إزاء ما يصيب الإنسان من أذى , ولكنها قررت اخيراً ان تلملم اشلاء كبريائها وترحل بعيداً عن هذا البيت وكل ما يحيويه من مذلة لها .منتديات ليلاس
وحزمت امتعتها ولملمت رسومات أمها في رزمة انيقة وحملت حقيبتها وبدأت رحلتها للمجهول .

نهاية الفصل

3- دموع من الماضي

لم تتحسن حالة مارتينا النفسية حتى حين وصلت إلى بنزاس وظلت كآبتها كما هي. كانت السماء الرمادية ما تزال تمطر, مما زاد من شعورها بالوحدة والضعف , تمنت لو ان قدرتها المالية تسمح لها لكي تستقل سيارة تاكسي إلى تريفينون , لكن ذلك سيكون مجازفة خاصة , وهي لا تعرف كم يبعد المنزل من بنزاس .
للحظات راودتها فكرة العثور على مكان بنزاس لقضاء الليل فيه . ولكن سرعان ما ابعدت تلك الفكرة على رأسها وايقنت ان ما هو مهم الآن هو الوصول إلى تريفينون وإيداع الرسوم هناك.منتديات ليلاس
سارت تحت المطر حاملة حقيبة الظهر على كتفها , بينما الحقيبة الثانية في يدها الأخرى وكان شعرها مبتلاً وقد تهدل حول وجهها المبتل هو الآخر . من مكتبة صغيرة اشترت خريطة للمنطقة . ودخلت إلى مقهى كان من حسن الحظ إنه ما زال مفتوحاً حيث في مقدورها الإحتماء فيه من المطر وتأمل الخريطة بتأني لم تعثر على تريفينون في الخارطة لكنها عثرت على بورت فينور بينما هي تشرب قهوتها وتتناول سندويشناً من الجبن وعثرت على المضيق الأسباني ايضاً. فعرفت الإتجاه الذي يجب ان تسلكه . حين تركت المقهى واجهتها ريح قوية كادت ان تفلت الباب من يدها وتفقدها توزانها للحظة .
سيطرت على نفسها وهي تئن من الألم والضعف . لقد حدثتها أمها كثيراً عن الرياح الجنوبية الغربية العاصفة في هذه المنطقة . لكنها لم تكن تتوقع إن عاصفة كتلك ستصادقها حالما تصل إلى هنا . وما يقلقها هو المصير المجهول الذي ينتظرها , لكنها لم تجد بداً من الإستمرار . فغيرت وضع حقيبة السفر لتريح كتفها , ثم احنت رأسها عكس الريح الشديدة وواصلت سيرها . فكرت في شيء واحد هو . ترى هل احسنت عملاً بمجيئها الى هنا , ام ان ذلك مجرد جنون ارتكبته بدون وعي . وكانت في اعماقها تتوسل إلى الله ان يكون العجوز دومنيك رجلاً طيباً وشفوقاً, وان لا يستجوبها بالكثير من الأسئلة وهي على عتبة داره .

حين اصبحت في موقف البائس اكتشفت انها ليست وحدها كانت هنالك فتاة اخرى تنتظر وقد احتمت بمدخل احد الأبواب من المطر والريح. وهي فتاة قصيرة وممتلئة , ترتدي رداءً طويلاً اسود.ريحانة
وكان وجهها مدوراً , ابتسمت الفتاة لمارتينا , بينما هذه تضع حقيبتها على الأرض وتنزل حقيبة الظهر عن كتفها .قالت الفتاة "انه يوم بائس حقاً "
" نعم , الظلام يحل بسرعة في مثل هذا الوقت من السنة " اجابتها مارتينا وهي تنظر فيما حولها .
"هل تقصدين مكاناً بعيداً؟"
" لست متأكدة في الحقيقة , احاول الوصول إلى بيت يدعى تريفينون"
"تريفينون؟" قالت الفتاة بدهشة ثم اضافت " إنه على مسافة بعيدة , عليكِ ان تنزلي في مكان يدعى تريفينون كروس"وصمتت للحظة ثم قالت وهي تحدق في وجه مارتينا " لا اريد ان اكون فضولية , لكن هل أنت متأكدة من أن ذلك هو المكان الذي تقصدينه؟"
لم تكن مارتينا في الواقع واثقة من أي شيء , لكنها رفعت وجهها بثقة لم تكن تملكها في الحقيقة , وقالت " بالطبع أنا واثقة , إنني ابحث عن السيد تريفينون "
" دومنيك تريفينون, هل تعرفينه ؟"
تلعثمت الفتاة ثم تمتمت " لا اعرف شخصياً , انه في الحقيقة لا يستقبل احداً في مملكته الخاصة "
همست مارتينا لنفسها : إذاً هذا هو السيد الذي عقدت عليه آمالي وقالت "اظن إنكِ تبالغين في حقه "

" بل إنه أسوأ من هذا . متكبر وفظ الخلق, متمسك بمنزله وأراضيه على الشاطئ , وكأنه يدافع عن آخر قلاع كورفوول . إنه يكره السياح ولا يمد العون لأحد ولكن إذا كان يتوقع وصولك فسيكون الأمر على ما يرام."
اشتدت دقات قلب مارتينا وفكرت . إذا كان هو ما عليه العجوز الكريم , فكيف سيكون إستقباله لها ؟
" يبدو انكِ تعرفين الكثير عنه " سألتها مارتينا .منتديات ليلاس
" ليس كثيراً في الواقع , لكني املك صالة لصنع التحف الفخارية مع اخي , واردنا توسيعه ببناء مخزن ملحق به , لكننا فشلنا في الحصول على موافقة البناء, وكان السيد دومنيك تريفينون وراء حجب الموافقة عنا . انه يخشى ان يجلب ذلك المخزن السياح إلى منطقته فهو يعتز بوحدته جداً"
" شكراً على هذا التحذير " قالت مارتينا لنفسها , ونظرت إلى ساعتها , سيصل الباس في أي لحظة , وما يزال هناك متسع من الوقت لتغير رأيها . احقاً هذا هو الرجل الذي تحدثت عنه أمها بكل ذلك الحنين , اما ان الزمن قد غير من طباعه إلى هذا الحد ؟.منتديات ليلاس
" بالمناسبة , أنا بيدي براد شو , كنت اتجول في بعض مخازن الهدايا , احاول بيع بعض منتجاتنا , يبدو انه ليست هناك طلبات كثيرة في الوقت الحاضر"
مارتينا قدمت نفسها ايضاً وهي تومئ برأسها , فقالت بيدي باهتمام وهي تبتسم " لكن مارتينا اسم كورنوولي, يبدو انك من هذه المنطقة "
" لست من هذه المنطقة , لكن أمي قضت معظم صباها هنا , لذا فاختيارها لهذا الإسم لي طبيعي فيما اظن "
" اظن ذلك, او لقد وصل الباص اخيراً"منتديات ليلاس
صعدتا الى الباص , فقالت بيدي " ستنزلين بعدي بمنطقة , ثم تنحرفين يساراً وتستمرين في الشارع نفسه الذي يوصلك إلى المنزل مباشرة "