الفصل الحادى عشر

نهاية البيت الكبير



كانت كلير تقول وهى تجلس فوق الاريكة منهوكة القوى. تعبة بعد عاصفة الدموع:
- هذا صحيح.لا استطيع ان اكتم الحقيقة فترة اطول.كان على ان اخبر احدا.لم اعترف لأى شخص بهذه الحقيقةولا حتى الى لوكان.لكنه يعرف الحقيقة ولقد اعطاها الحب الذى كان يجب ان اسبغه عليها.كما تعتقد انه والدها.رأيت ان اخبرك بهذه الحقيقة حتى لا تظلميه او تعتقدى انه رجل غير مسؤول ولا قلب له لوكان لا يتورط فى حب فتاة ويغرر بها ولا يأبه بعد ذلك لنتائج عمله...
قالت كارا بحزن:
-تبلغ رو الثمانى سنوات من عمرهاورضيت ان يلوم الناس شقيقك كذبا كل تلك السنوات؟
اجابتها كلير شبه محطمة:
-نعم رو تشبهه كثيرا منذ ولادتها.لها لون عينيه الخضراوين وشعره الاحمر وابتسامته ونظرته العابثة.لذلك انطلت الخدعة على الجميع كنت واثقة ان لوكان لن يفشى سرى...
واكملت كلير حديثها وعيناها تفيضان بالدموع:
-ومع مرور الزمن لم يأبه لوكان لكلام الناس وهم يتهامسون بأنها ابنته كان يحبها بجنون وهى تعبده وهذا الحب بينهما كان يزيد من حسد برايد
سألتها كارا بحماس: - ألم يشك برايد ابدا بالحقيقة؟
- لا كان برايد يؤمن ان لوكان والدها.منذ كان لوكان فتى فى سن الطيش,كان جذابا لا تقاوم الفتيات سحره.كان يلهو معهن ولكنه لم يحطم قلب أى منهن.
تساءلت كارا فى نفسها...ألم يحطم لها قلبها وجسمها؟ألم يعاملها بخشونة فى بيت الشاطئ دون رحمة او حنان؟
-انك تنظرين الىّ بعينيك الواسعتين ولا تصدقين.وجهك كله تعابير واحاسيس.انت من اجمل الناس الذين عرفتهم.عيناك كلهما حياة تعكسان بصراحة ما فى قلبك.
عرفت كارا انها ترى كلير على حقيقتها...امرأة مشحونة بالعواطف تخفيها تحت قناع وهمى وبرودة مصطنعة.
-كلنا نلبس اقنعة نخفى تحتها حقيقتنا.نخفى العواطف التى نخجل منه

سألتها كارا:
-ولماذا نخجل من الحب؟ألم تحبى الرجل...والد رو؟
مزقت التعابير الحزينة وجه كلير وأمسكت بكارا كأنها تريد أن تنشب أظافرها فى لحمها وقالت:
-سوف لن احب اى رجل اخر فى حياتى كما احببت والد رو.كان جميلا وخلابا.كان رساما تشكيليا التقيته فى باريس حين كنت ادرس الفن والنحت كنا نلتقى سوية فى المقهى.نتحدث ونتجادل ونأكل الدجاج المشوى.كنت احذره ولكننى لم استطع ان ابتعد عنه.كانت تجذبنى اليه قوة سحرية لا قبل لى على كسر طوقها.فى يوم من الايام اخبرنى ان صديقه يملك كوخا للصيد فى الغابة خارج باريس وطلب منى ان اصحبه لنمضى فيه اسبوعا سوية

توقفت كلير عن اتمام قصتها واخذت نفسا عميقا:
-كنت فى الثامنة عشرة من عمرى مغرمة به حتى الجنون.لم ارى اى خطأ فى حبه.كان فنانا موهوبا يحاول ان يصنع مستقبله كما كنت انا فنانة اصنع نفسى.لم انتظر منه ان يتزوجنى..ذهبنا الى كوخ الاحلام.كنا منعزلين عن العالم.لا رفيق لنا الا الغزلان والظباء مشينا فى الغابة وتمتعنا بالطبيعة..تحادثنا وقضينا الساعات الهنيئة..وفى يوم,حضرت الى الكوخ امرأة فى الاربعين من عمرها راكبة حصانهافى وجهها مسحة جمال زائل تتصرف بكبرياء علية القوم.كنت وحدى فى الكوخ حيث ذهب ليون يسبح قرب النبع.
هذا الكوخ ملكى. القصر ذو الابراج الذى ترينه بين الاشجارهناك ملكى.كل هذه الغابة ملكى.حبيبك للاسبوع السابق هو ملكى..ليون زوجى
قالت المرأة ذلك ولكزت فرسها وذهبت من حيث اتت ذهبت الى قصرها ذى الابراج وسط الغابة..واصبح اليوم اغبر بالنسبةلى وقفت مدهوشة وخائفة انتظر عودة ليون.لم اكن اعلم ان ليون رجل متزوج..اردت ان اجعله يحبنى بقدر ما احبه حتى لا يرضى ان يتخلى عنى ابدا
حين عاد من السباحة اخبرته اننى قابلت زوجته.ضحك,وهز كتفيه هو لا يهتم.اخذ سيكارة واشعلهاكان متزوجا وكل ما قالته المرأة..زوجته كان صحيحا.
زوجته غنية لن يفترق عنها ولن ترضى هى ان تطلقه.كانا متفاهمين.كانت تريد زوجا شابا جميلا وكان يريد زوجة غنية تسمح له ان يتصرف على هواه ويشبع نزواته ويحقق فنه.كان يعشق الفتاة الشابة فترة حتى يملها فينتقل الى غيرها.

روعتنى الحقيقة.ركضت فى الغابة ابكى بوحشية ومرارة كانت كرامتى قد اهينت.وهبت نفسى لرجل مخادع ومداهن.رجل لا اعنى له اى شئ سوى تحقيق نزوة طائشة ومتعة عابرة.لم اكن اكثر من كسب جديد فى حياته
shell
عدت الى باريس كنت اعيش مع كابريس فى شقة صغيرة كانت كابريس تعمل عارضة للأزياء وكلما مر لوكان فى باريس فى رحلة عمل كان يصحبها الى الرقص والعشاء.وقد تعرفت فى تلك الفترة الى نلز.كنت سأنسى ليون مع الزمن لولم يترك فى أحشائى ذكرى ابدية لا استطيع الهروب منها.
تركت باريس الى هايتى وتظاهرت اننى ذاهبة لأتعلم النحت هناك. وبدلا من هايتى ذهبت الى جزيرة ترينداد وعشت متخفية هناك لحين وضعت رو لا احد يعرف اننى من آل سافدج.عشت مع احدى الكاريبيات. كانت تشترى لى حاجياتى اليومية وكنت لا اغادر المنزل الا ليلا.كانت فقيرة تعمل فى الخياطة.اعطيتها ما يكفى من المال لتفتح محلا للخياطة مقابل ان تذهب فى مركب لشحن الموز الى جزيرة دى لوك.ومن هناك تذهب بطريق البرالى خليج التنين وتضع الطفلة على باب البيت الكبير...

هدأت كلير بعد ان اتمت اعترافها وقالت:
-كنت اعرف ان برايد سيتبناهاعندما ينظر اليها.سيعرف انها من آل سافدج..
قالت كارا بوضوح: -وسيتهم لوكان بأنه والدها
-نعم هذا صحيح.لن يلوم احد برايد لأنه كسيح ومقعد.كان الجميع يعلمون اننى فى هايتى حيث ادرس.حين عادت مرتا من مهمتها عدت بالطائرة الى باريس.كنت اثق بمرتاوقد طلبت منها ان تترك مع الطفلة ورقة باسمها ...رو
عندما عدت اخيرا الى خليج التنين كانت رو قد بلغت الخامسة من عمرها.كنت اخاف ان انظر اليها حتى لا ارى ليون فى وجهها. كلها سافدج ولكن الغزلان والظباء فى داخلها من تأثير اسبوع قضيته فى الجنة
اسبوع انتهى منذ زمن بعد ان حررنى من وهم كبير..وهم الحب.بقيت لسنين طويلة لا احتمل لمسة رجل.فى المدة الاخيرة فقط...

جلست تائهة تنظر الى وجه كارا:
-كيف لى ان اثق برجل مرة ثانية؟
سألتها كارا:
-منذ متى تعرفين نلز اريكسون؟
اجابت كلير:
- قبل ان اضع رو...
-ان كنت تقصدين نلز, فلا اظنه يريدك لأسبوع واحد فقط
-اخرجت الرجال من حياتى العاطفية وكرست وقتى كله للعمل
-حيث الحجارة الباردة.الحياة بدون حب لا تحتمل.انت لست انعزالية يا كلير.والانسان يحتاج للحب كحاجته للغذاء.
-الحب فيه امتلاك وعبودية.وسعادة المرأة يصنعها او يشوهها الرجل الذى تحبه
-رجل يونانى قال..ان ثمن السعادة يدفعه الانسان من الألم.ليس من السهل ان تكونى امرأة ياكلير.المرأة مجنونة ورمانسية.عاطفية وحساسة.نحن لا نريد ان نعيش لنأكل ونشرب فقط.
-اعلم ان المرأة الوحيدة تشبه الكنيسة المهجورةكلها صدى للاحلام
نلز لطيف ولكننى لا اشعر معه بالحب الجنونى الذى عشته فى رفقة ليون
-كنت فتاة صغيرة حينئذ.كثيرات من النساء يفضلن الحب الهادئ
-انت منهن يا كارا.انت تفضلين الحب الهادئ بالطبع.انشغلت عنك بشؤونى وشجونى ولم افكر بمشكلتك يا عزيزتى.حب لوكان لك لن يكون هادئا ابدا كان عليك ان تعرفى ذلك منذ التقيته.
-طبعا انا لا انتظر من لوكان ان يتغير.الجميع هنا يقولون انه عابث.وانا اعتقد انه شيطان رجيم.

-انه سافدج نحن متوحشون.نعيش كما نريد ولا يحسب لشرورنا اى حساب لوكان لا يمكنه ان يصبح ملاكا...
-انا لا اريد ملاكا ولكننى اريد رجلا اثق به.

خيل اليها انها تسمع وقع حوافر من جديد.شعرت بأن الخطر يحدق بها من كل جانب


قالت كلير:
-انت متعبة يا كارا.اشكرك على اهتمامك برو.ربما تعتقدين اننى ام غير طبيعية...ربما تظنين ان على ان اخبر رو بالحقيقة.ولكننى لا استطيع.الحديث الذى دار هذه الليلة سيبقى سرا بيننا.هل تفهمين؟
-لا.لاافهم
-رو تعتقد ان لوكان والدها.هى تحبه بجنون ولا يمكنها ان تحبنى مثله.من القساوة ان احرمها منه انا ارغب فى الرحيل من خليج التنين قريبا
سأذهب مع تلز الى الدانمارك.سنبنى حياتنا هناك من جديد.
-رو ابنتك.كيف تفكرين بأن تتركيها هنا؟
-لا يمكننى ان اصحب ابنة ليون معى فى حياتى الجديدة مع نلز.كذلك لا يمكننى ان احطم قلبها وابعدها عن لوكان.رو تثق به كثيرا ولو كنت انت لا تثقين به.
الثقة كلمة مرادفة للحب.كانت كارا واثقة بأنها غدا او بعد غد ستبقى وحدها مع لوكان...سيبقى لها وحدها.ولن يكون عليها ان تهرب آلاف الأميال بعيدا عن البيت الكبير فى خليج التنين...

بعد مرور خمسة وعشرين عاما على زواج احد العمال فى المزرعة قرر الزوجان ان يحتفلا باليوبيل الفضى لزواجهما السعيد.جميع العمال والخدم اخذوا اذنا من برايد ليحضروا الاحتفال.
ستكون الحفلة اهم حدث فى خليج التنين منذ زمن بعيد.هناك فرقة لعزف الموسيقى وطاولات محملة بأقراص الحلوى..ورقص وغناء.
Shell منتديات روايتى
كانت رو متحمسة تتكلم مع كارا عن الحفلة وطلبت اليها ان تأخذها لترى العروس التى تحتفل بزواجها الفصى.كانت كلير تدخل الجناح وسمعت ما قالته رو.
- انا اعرف ليلى وجو.اننى متأكدة انهما لن يمانعا فى ان اصطحب رو معى لتشاهد الرقص. هل تذهبين يا رو برفقتى؟
ركضت رو وعانقت كليرمن خصرها موافقة.وكانت فرحة كلير اكبر من ان توصف بهذا العناق العفوى.
لم تذهب كارا الى الحفلة لانها رغبت ان تترك رو وكلير وحدهما.كانت تتمنى لو تستطيع كلير ان تخبر الطفلة الحقيقة..انها ام وابنتها

كان يوم الجمعة بعد الظهر هو موعد الحفلة.خرج الخدم بأبهى زينتهم من البيت الكبير وذهبت كلير بسيارتها ومعها نلز ورو.كان لوكان فى حقول القصب وقد خرج منذ الصباح الباكر ولن يعود قبل الرابعة بعد الظهر.
وقفت كارا فى القاعة قبل ان تدخل مكتب برايد.اخذت خطوتين ثم توقفت مترددة.ونظرت الى السقف حيث وقعت الثريا فخفق قلبها لأن الشقف كان يتشقق من جديد.. دقت الساعة الثالثة ورأت كارا نفسها فى المرآة... نحيلة وقلقة وشكلها غريب.اقتربت من المرآة...لقد تشققت مثل السقف.احست بالبرودة تنتشر فى اطرافها.كانت المرآة المكسورة دليل شؤم.وسمعت الفرس يصهل فى الاسطبل وراء المنزل.وركضت ودخلت مكتب برايد. وفتحت الباب وهى تنادى: - برايد؟
لا جواب.الغرفة فارغة الا من الاثريات النادرة والزيتيات الجميلة.
حدقت حولها ثم مشت الى النافذة ونظرت الى الخارج.كان برايد يترجل عن الفرس الذهبى ذى الرأس الأسود وتمسكت بالستارة فزعة بينما مشى برايد من باب جانبى الى داخل المنزل.تسمرت كارا فى مكانها.كانت تعرف انها وحدها مع الرجل الذى يريد ان يؤذيها دون رحمة...
Shell
كانت ما تزال فى المكتب حين دخل برايد فى ثياب الركوب.نظر اليها فأخذت تحدق فيه وقد اتسعت مقلتاها.تمتمت بخوف: -برايد؟
-نعم يا عزيزتى.برايد الكسيح الذى يمشى من جديد ويركب الفرس من جديد.ربما لا اكون بأناقة وجاذبية شقيقى,وانا لم اكن ابدا اتمتع بلياقته وسحره ولا احسن معاملة العمال مثله.
بدأت كارا ترتجف كأن الأرض تهتز من تحتها.وامسكت بالمكتبة كى لا تقع ارضا. سألته بصوت يرتجف: -منذ متى وانت تمشى وتركب؟
-منذ سنة تقريبا.لقد انقلب الكرسى المتحرك بى وبدلا من ان اجد نفسى ضعيفا لاصقا بالأرض اكتشفت اننى استطيع ان احرك رجلى.كان نلز يعمل لى مساجا وقد ساعدنى فى استعادة استعمال النصف الثانى من جسمى.وكما ترين عدت المنافس القوى بل سيد خليج التنين.