تحركت اصابع كارا بمهارة وهى تعزف على البيانو وملأت الموسيقى الجميلة القاعة.لم تشعر بشئ حين اقترب لوكان وجلس فى الظل قربها
كانت تشعر بعينيه ترقبانها.بماذا كان يفكر؟كانت تضرب الاوتار بحنان واحساس.ما الذى يضمره لها؟ماتت العاطفة وحل مكانها الحزن.احبت مرتين وكلاهما خانا ثقتها بهما.انها ثقة عمياء وبريئة ضربت اصابعها بقوة وتوقفت مع نهاية المقطوعة.صرخت كلير وهى تبدى اعجابها:
- يا عزيزتى لم اكن اعرف انك تجيدين العزف على البيانو ايضا!

قالت كارا وهى ترتجف من تأثير الموسيقى الطاغى:
-كنت دائما مغرمة بالموسيقى.حين اعزف اعزف باحساسى وعواطفى كان استاذ موسيقى لا يعجبه اسلوبى.لا بد ان برايد لاحظ اننى اخذت حريتى فى العد والتوزيع.
قال برايد يغازلها:
- تستطيعين ان تأخذى الحرية التى ترغبينها ياكارا.
قامت كارا من البيانو فى مكان قريب من برايد تاركة لوكان يجلس فى الظل بعيدا عنها وقالت: - كم انت لطيف يا برايد.شكرا

هدأ الحديث بعد الموسيقى القوية واخذ الجميع يصغون الى صوت الموج وهو يتلاطم فوق الصخور بضربات منتظمة

سألت كلير لوكان:
- متى تنتظر وصول خبير المبانى ليفحص الاساسات؟هل تعتقد ان البيت الكبير بدأ ينهار فعلا؟
- من الأسلم ان نقوم بفحص الاساسات.سيحضر الخبير خلال الايام المقبلة
واخذ لوكان نفسا من سيكاره
- صوت البحر عال فى هذه الأيام. هل لاحظتم ذلك؟
-كل واحد منا هنا على صلة روحية بالبحر.نحن آل سافدج نعيش على هذه الشواطئ لأن البحر حمل سفينو جدودنا الى هنا.وكارا ولدت فى البحرالأيونى.ونلز يجرى فى عروقه دم من بحر الفايكنغ.نستمع لصوت البحر كأنه يناجينا.
قال نلز مبتسما:
- لديك مخيلة الفنان الايرلندى الاصيل.البحر كالحب...يكون لطيفا هادئا او قاسيا هائجا

صرخت كلير بعصبية:
-الحب وما شأنه هنا؟احب ان اذهب بعيدا واعيش فى كوخ مصنوع من القش فى ايرلندا ولكن خليج التنين يمسك بكلتا يديه من يولد هنا
سألها نلز:
-ألن تذهبى بعيدا عن خليج التنين حين تتزوجين؟

كان نلز يحاول ان يثير غضب كلير ويحرك عاطفتها الباردة.وقفت كلير طويلة انيقة بشعرها الاحمر النحاسى. انها تنكر على نفسها الحق فى محبة اى رجل

قالت: - نلز , لا تنظر الى هكذا.انك تحطمنى.

قال نلز بهدوء:
- انت كأميرة الثلج يا كلير ولن تذوبى بسهولة.هل تعلمين ان هناك براكين تحت الثلج فى اقصى الشمال؟عندما يثور البركان تذيب النار الثلج وتحوله الى ماء ينساب كأنه فيض من الدمع.

-لن ابكى ابدا يانلز,انا اترك الدموع للنساء اللواتى بقعن فى حب الرجل

وانحنت له انحناءة كلها سخرية

- مساء الخير ايها الامير الجميل

خرجت كلير واغالقت الباب خلفها.وبعد تردد قلق خرج نلز الى الشرفة واخذ يتأمل الاشجار الغارقة فى ضوء القمر

قال برايد:
- انت مظلومة ياكارا هل تجديننا قبيلة قاهرة غريبة الاطوار؟اننا نجرح بعضنا البعض,أليس كذلك؟نحن كغالبية الايرلنديين.

قالت كارا باستكانة:
-اننى احاول ان افهمكم.انا يونانية ونحن شعب عاطفى.ولكننا لا نحارب العاطفة
وبدت نحيلة ضائعة.لقد علقت مثل نلز فى التيارات المتصارعة من الاحاسيس التى تغمر آل سافدج.نظرت حولها تفتش عن صخرة تحتمى بها...كان لوكان وبرايد يلعبان الشطرنج.

قالت كارا:
-سأترككما تلعبان الشطرنج.صاحب الفارس الأسود فى خطر؟
قال برايد:
-الظاهر ان لوكان يهدد فارسى الاسود ويمنعه من الوصول الى الملكة.
هل تحاول ان تخفينى من الوجود كليا يا لوكان؟

ارتعدت كارا لأن المعنى المبطن لجملته كان واضحا.التوأمان الشقيقان يتنافسان فى حلبة صراع هى خليج التنين.

وركضت كارا خارجة...فسبقها لوكان وفتح لها الباب.

وصلت الى جناح الزمرد تتفقد رو التى كانت نائمة وقربها جنجر عروستها المفضلة.رغبت كارا ان تمسك بها وترميها من النافذة لتتخلص من سحرها الاسود.

انحنت فوق رو وقبلت شعرها الاحمر.ثم فتحت النافذة ووقفت قرب الستارة تتذكر الليلة الماضية والفرس وراكبه.ان حب السيطرة يجعل الانسان لا يميز بين الخطأوالصواب..ورفعت نظرها الى السماء.كان القمر قد فقد استدارته التامة.اغلقت الستائر واطفأت نور القنديل ثم اقفلت باب الغرفة بناء على احساس داخلى غريب.

دخلت كارا فراشها وتذكرت رسالة بول التى وصلتها بعد الظهر.سألها شقيقها ان تسامحه لتصرفه حيال زواجها...واعترف لها انه كان رجعيا ولم يلاحظ انها قد اصبحت امرأة لها عقل وقلب خاص بها.كأن يأمل ان تجد الحب الصحيح مع شاب يونانى ولكنه سيكون سعيدا اذا كان لوكان سافدج قد منحها السعادة...حاولت كارا عبثا أن لا تبكى.كانت الوسادة تحت رأسها كالصخرة.

وتضمنت الرسالة ومضة حب من دومينى والصبى الصغير دومينيك الذى يسأل دائما...متى ستعود عمتى كارا الى اليونان؟كم سيسعدها لو تجتمع رو بدومينيك.تذكرت دعوة بول لها ولزوجها لزيارة انديلوس فى اقرب فرصة. وعدها بأنه سيحتفل بزواجها على الطريقة اليونانية...الخراف المحشيةبالأرز والاعشاب والتوابل...العسل واقراص الحلوى الكبيرة كالدواليب.الشراب والموسيقى فى كل مكان.

وفى ختام الرسالة سألها بول ما اذا كانت حقا سعيدة.وهل يعاملها لوكان سافدج معاملة حسنة؟قال ان قلبها الكبير لا يستطيع ان يملأه الا رجل كبير.
تنهدت.ملاحظة واحدة سترسلها الى بول بأنها غير سعيدة وخائفة.ستجعله يحضر على متن اول طائرة الى جزيرة دى لوك ويرحل بها بعيدا عن خليج التنين الى حيث الامان والاستقرار فى بيته...على جزيرة انديلوس

كانت سارحة بأفكارها عندما احست مسكة الباب تدار .قالت كلير بصوت منخفض: - اعرف يا كارا انك صاحية.هل استطيع ان ادخل واتكلم معك؟رأيت النور من تحت الباب

ترددت كارا .لقد احتملت اكثر مما يمكنها من مزاج آل سافدج فى ليلة واحدة.ولكنها تركت فراشها وفتحت لها الباب

قالت كلير:
- اعرف ان الوقت متأخر ولكن يجب ان اتكلم مع احد

- ادخلى

شعرت كارا بأهمية الحديث.واغلقت الباب خلفها.كانت كلير ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها وقد بدت بدون مساحيق صفراء شاحبة كأن الأشباح تطاردها.

قالت كارا: - سأشعل المدفأة الكهربائية
ثم جلست على الأريكة تستمع اليها.
-كنت سأجن وحدى فى غرفتى وانا استمع الى صوت البحر.انه يلطم بانتظام كأنه ملعون او مجنون
- لماذا تبقين هنا يا كلير؟انك غير سعيدة وقلت البارحة ان عملك لا يسير سيرا حسنا.
قالت كلير بعصبية:
- لماذا يبقى اى منا هنا؟لماذا تبقين انت يا كارا؟انك تقفلين غرفتك فى وجه لوكان على ما اعتقد.
اخذت كارا نفسا عميقا وهى تفتش عن سبب تبرر به موقفها.
- كنت افكر منذ ايام انك تبدين غير سعيدة هنا.كنت آمل ان يستقر لوكان ويكون زوجا صالحا لك.انت كالنبع العميق الجارى . هادئ فى سطحه وفى اعماقه تيارات متضارعة.ان لوكان يحتاج الى عاطفة ملتهبة.
وضعت كارا يديها على خديها .وتذكرت عناق لوكان لها.هل يحتاج لوكان الى الحب فقط؟ام يرغب بأشياء أخرى لا تملكها هى؟
قالت كارا بصوت هادئ:
-جربت ان اجعله يهتم بى.ولكننى لم افلح.هناك حواجز عديدة تقف بيننا
قالت كلير: - هل هى كابريس؟
فهزت كارا رأسها ايجابا:
- لقد اخبرنى لوكان برحلته الى باريس ونيته فى ان يطلبها للزواج.ولسبب من الأسباب لم يفعل,ثم التقينا فى فورت فرناند...
سألتها كلير: - هل وقعت فى حبه؟
قالت كارا:
- ما هو الحب؟لقد هربت من اليونان لأن الجميع هناك كانوا يعرفون اننى احب شابا اسمه نيكوس.كنت صغيرة جدا.لم افرق بين الحب والصداقة.واكتشف الآن اننى ونيكوس كنا صديقين حميمين فقط.
-نعم انت صغيرة.
أرادت كارا ان تغير الموضوع لتعرف أسباب زيارتها لها فى الليل
سألتها:
- ما الذى حصل؟ هل ترغبين فى جرح نلز؟
قالت كلير وهى تنظر الى الغرفة التى تنام بها رو:
- هل هى نائمة؟
- ربما.
أومأت كارا برأسها
فسألتها كلير:
- هل أستطيع ان انظر اليها بسرعة ؟ انا لست عاطفية ولكن لدى رغبة ملحة فى ان اراها وهى نائمة.
قالت كارا وهى تفتح لها الباب:
- على مهلك
دخلت كلير ومشت بتأن نحو السرير.ووقفت تتأمل الصغيرة ثم رفعت يديها الى فمها لتخفى صوت بكائها.ركضت خارجة من الغرفة وجثت على ركبتيها قرب الأريكة واخفت وجهها بالوسائد. كانت لا تزال تبكى حين وصلت اليها كارا بعد ان اغلقت الباب.
قالت كلير وهى تجهش بالبكاء:
- انها ابنتى. رو هى ابنتى

انتهى الفصل العاشر