لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-02-19, 08:01 AM   المشاركة رقم: 141
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..

 

أقل من ثانية وينزل الفصل الأخير ❤ ..
شكرا لكم جميعا للمره الاخيرة
وإذا ممكن اطلب منكم طلب أو خدمة ..
أتمنى منكم تكتبون مرئياتكم (هي تنقال عنها مرئيات ؟؟؟) عن الرواية ككل .. السلبيات الإيجابيات الأحداث الشخصيات وما إلى ذلك

وشكراً مقدماً ❤

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،   رد مع اقتباس
قديم 09-02-19, 08:13 AM   المشاركة رقم: 142
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2018
العضوية: 330628
المشاركات: 159
الجنس أنثى
معدل التقييم: وطن نورة ،، عضو على طريق الابداعوطن نورة ،، عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 176

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وطن نورة ،، غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..

 

.
.

إحساسي غريب جدًا.. كإحساس أم العريس تمامًا سعيدة لزواج ابنها وفي نفس الوقت تشعر بالضيق لأنه سيفارقها ويذهب لأخرى..
سعيدة جدًا بدخولي عالمكم وسعيدة أكثر بمعرفتكم وسعيدة جدًا جدًا بكم ومعكم .. أتمنى تكون الحروف المتواضعة لامست ولو شي بسيط داخلكم.. عيشوا بحب وعيشوا الحب مع الأشخاص الصح مع الأهل والزوج والزوجة والأبناء بعيد عن التكلف و وضع الخطوط والقيود.. استمتعوا بالحياة وتخطّوا العقبات فالطريق لن يكون سالك أبداً لابد من العثرات..
وحافظوا على الصلاة والأذكار فهي الحصن الحصين بعد الله ❤..
..

وللمره الأخيرة اترككم مع الفصل الثامن عشر..
قراءة ممتعة يارب ♡
:
:
:


◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇

.
.

# (١٨) الفصل الثامن عشر والأخير ،،

°
°


إِنّ القَلْبَ إِذَا اِنْكَسرْ ؛
وَ دَعا ..
ثُمَّ دَعَا ..
ثُمَّ دَعَا ..
وَ ألَحَّ عَلَى الْجَبَّارِ بِجَبْرِهِ :
تَرَمّمَ ،،
وَ تَعَافَى ..
وَ اِكْتَمَلْ .

*منقول*
.
.

غفى لنصف ساعة ثم استيقظ فجأةً وكأن هناك من أيقظه ليجدها قد دخلت في نومٍ عميق.. مضى الليل ثقيلاً عليه.. يتأمل وجه النائمة بجانبه.. وجهها موجهٌ ناحيته واضعةً كفها تحت خدها.. كانت نظرته لها ترافقها ابتسامه حزينة لا يعرف سببها.. مضى الوقت وهو يتأمل وجهها وكأنه يبحث عن شيءٍ ما.. كم يتمنى لو يُقيظها ليعتذر مجدداً عن كل ما فعله بها قبلاً ليسمع السماح والعفو منها مراراً وتكراراً..
أخذ نفساً عميقاً وأطلقه وهو يشعر بشيءٍ يجثو على صدره.. ذكر الله في سره كثيراً وخرج من غرفتها بهدوء يخشى أن يزعجها بعد أن ألقى نظرةً أخيرةً عليها يغلق الباب بعدها ليحول بينه وبينها..

صعد السلالم للأعلى متجهاً لغرفة أبنائه.. دخلها ليقف بين السريرين ينظر لكل واحدٍ منهم على حده مبتسماً على طريقة نوم سارة الفوضوية.. ثم ينفجر ضاحكاً عندما تكلم سيف في نومه وكأنه يوبخ أحداً..
اقترب من سارة يعدّل جسدها ويرفع نصف غطائها الواقع على الأرض ليغطيها،، يقبل خدها مرةً واثنتين وثلاثة قبل أن يدع جبينه يستريح على نفس وسادتها.. لا يعلم كم مضى عليه قبل أن يلتفت لسيف الذي عاد يتكلم أثناء نومه.. ابتسم يجلس على أقدامه بالقرب من سريره.. ينظر لوجهه عابساً في نومه.. تنهد من أعماق قلبه وهو يتذكر حواره في تلك الليلة عندما ذهب معه ..
.
بدر باهتمام وهو يرى سيف يتفقد أحد الأجهزة : وش تبي تصير لا كبرت يا سيف؟
نظر له الفتى ليقول بهدوء : أمي تبيني أصير دكتور..
ابتسم : و أنت وش تبي؟
سيف بعد تفكير : رائد فضاء..
ضحك باستنكار فلم يتوقع إجابته : رائد فضاء!!
ليهز سيف رأسه يبتسم بخجل قبل أن يعاود التشاغل بالجهاز المعروض أمامه .
.
انخرط بدر ببكاءٍ مرير وهو يشعر بالخوف الشديد ولأول مرةٍ في حياته.. الخوف الذي تشعر من خلاله وكأنها النهاية.. يحاول أن يكتم صوت أنينه من أن يخرج من بين أصابع يده التي غطى بها فمه.. ممسكاً بيده الأخرى كف سيف بكل قوة..

مسح دموعه بطرف قميصه يأخذ أنفاساً مكتومة يحاول السيطرة على نفسه وينهرها على فعلٍ كهذا قبل أن يخرج من المكان بسرعة خوفاً من انهيارٍ آخر،، فبدر القوي لم يعتد أبداً على هذه النسخة الركيكة منه.. كان سيمضي لغرفته قبل أن يلفت انتباهه من يحاول النزول من الدرج صوته يتهدج هاتفاً : يارب.. يارب.. يارب..
عقد حاجبيه لينادي : يبه؟..
استدار وهو في منتصف السلم بلهفه وعندما رآه انهارت ملامحه براحه : بدر.. أنت وين رحت؟
انتظر بدر حتى وصل له بخطى متخبطه لازال صوته متهدجاً : وين كنت؟
بدر باستغراب : كنت تحت..
وضع يده على قلبه : خبصت قلبي يا أبوي رحت غرفتك مالقيتك..
ابتسم : بسم الله على قلبك وين بروح يعني!!.. هد وش فيك مرتاع؟
ابتلع ياسر ريقه بصعوبة ومشى حتى رمى بجسده جالساً على الأريكة يشعر وكأن مايرتديه سيمزق لحمه..
جلس بجواره بدر بقلق : يبه وش جاك بسم الله عليك؟
أخذ نفساً ثقيلاً : يوم ما شفتك نشف دمي خفت صار فيك شي..
ثم بتفحص : وش فيه وجهك ؟ تشكي من شي؟
حاول بدر أن يبتسم ولكنه لم يستطع. زفر بضيق واضعاً يده على صدره يمسده : ضايق صدري يبه.. أول مره تجيني مثل هالضيقة أحس قلبي بينفجر..
ياسر بتأثر وهو يضع كفه فوق كف ابنه : بسم الله عليك أبوي.. ليته فيني ولا فيك..
ابتسم بأسى دون أن يعلق فعلاقته بوالده كانت متباعدة نوعاً ما.. والخلل منه يعترف بذلك لطالما كان صلباً قاسياً من الداخل والخارج وكان والده يحاول أن يُوصِل له الحب والحنان بشتى الطرق حتى وإن لم يجد استجابه..
ترك بدر يده عندما قال له بقلق : لا تنسى بكرة بنروح لمنيف.. أنت وعدتني.
عقد حاجبيه بضيق : نروح له وش نسوي؟ نطيح على رجله نترجاه يسامحنا؟ يبه أنا مستحيل أرضى أذل نفسي لواحد سِفله مثله..
ياسر بهلع : ماعليه هو يبيك تجيه..
بدر بضيق : يبه..
انقلب وجهه وكأنه سيبكي : بدر أنت وعدتني.. عشان خاطري يا أبوي والله قلبي مايقوى يصير فيك شي يكفي اللي شفته بأخوانك.
أنا أدري ذي عقوبة الله فيني،، وأنا أستاهل .. بس والله إني تبت.. تبت وندمت..
بدر بعد صمت طويل وهو يتأمل وجه والده : أنا إلى الآن ماني قادر أصدق إنك سويت جريمة مثل ذي يبه!!.. أنا صحيح إني ماني بالشخص الصالح ولي أغلاطي اللي يمكن ما تغتفر.. بس مهما وصل فيني الطغيان والفساد مستحيل أنهي حياة أسرة كاملة عشان أرضي غيري.. مهما كان المقابل..
ياسر بأسى وحسرة : ليت يرجع فيني الزمن و أغير اللي سويته بيدي. أنا كل ليلة تعدي علي من بعد اللي صار أحس و كأني بقبر. أشوف فواز وكأنه قدامي يوم يضربه حمد إلى إن فقد الوعي..
ثم بسرعة ممسكاً بمعصم بدر وكأنه تذكر شيئاً : أنت شلون دريت؟ ولا تقول لي منيف.. أبي الصدق يا بدر..
بدر بهدوء : جاتني رسالة من رقم فيها اسمه،، وصاحبها يعرف كل شي لأنه كتب لي بالحرف الواحد اسأل أبوك وحمد عن وفاة فواز أحمد العبدالكريم.. والباقي عرفته منكم..
ثم بحذر وهو يرى شحوب وجه والده وكأنه يرى شبحاً أمامه : تعرف مين ممكن يكون صاحبها؟
.

خرج بدر من غرفته عندما ارتفع صوت أذان الفجر ليرى والده لازال يجلس في نفس مكانه بالصالة.. يسند رأسه على كفيه بعجز من الكارثة التي حطت فوق رأسه.. تنهد بضيق وهو يغلق أزرار ثوبه لازال يشعر بغرابة حقيقة أن يكون والده شديد الحنان والطيبة قد أجرم جرماً كهذا!.. ما إن شعر ياسر بوجوده حتى ورفع رأسه ليرى بدر سارحاً يتأمله.. قفز مرعوباً : وين بتروح؟
بدر : أذن الفجر.. بروح أصلي.
ياسر بقلق : تصلي وين؟
ارتفع حاجبيه باستنكار : بالمسجد؟
ياسر بتوهان : طيب طيب.. انتظرني بجي معك.

ما إن انتهت الصلاة حتى خرج من المسجد القريب من منزلهم يمشي بهدوء وتفكير يشعر بيد والده التي تمسك ذراعه كالقيد وكأنه يخشى من أن يفر هارباً منه..
فقال بدر ضاحكاً بهدوء : يبه اترك يدي والله منيب منحاش..
ابتسم ياسر رغماً عنه : لو بيدي حطيتك داخل قفص عشان لا يجيك شي..
بدر : لو ربي كاتب لي شي بيصير لو إني نايم بحضنك.. تعوذ من ابليس واترك يدي الرجَال وش بيقولون؟
شد على ذراعه أكثر ممسكاً بها بكلتا يديه هذه المره : وأنا وش علي يقولون اللي يقولونه..
ضحك : طيب.. على راحتك..

كان ياسر يمشي يتلفت وكأنه يخشى أحداً يشعر بالخطر منذ يوم الأمس. لكن ما إن رأى بدر يتحرر من يديه ليتوقف بالقرب من سيارته حتى واستنفرت جميع حواسه : وين رايح؟
بدر : عندي مشوار ضروري..
ياسر : وش مشواره الحين والشمس مابعد طلعت؟؟ وين بتروح؟
بدر بعبوس : يبه لا تبالغ...
ياسر : أنت ماتعرف وش ممكن يسوي فيك منيف بس لأنه معصب منك.. بجي معك.
بدر بانفعال : الله ياخذ منيف ياشيخ.. تجي معي وين الله يرضى عليك؟ أبوي أنا منيب بزر.. أذكر الله وأدخل البيت بخلص كم شغله وبرجع..
ياسر بقلق : طيب ومنيف؟
بدر : شكلنا موب خالصين من هالسالفة! خلاص إن جيت إن شاءالله تفاهمنا.. مع السلامة.
ياسر بأنفاس مقطوعه وهو يرى بدر يركب سيارته يبتعد بها مسرعاً : انتظرك طيب لا تتأخر..و أنتبه على نفسك..
ثم همس بخوف حقيقي : مع السلامة..
.
.

سمع قرعاً على باب غرفته وظلّ صامتاً لأنه يعلم من صاحب هذه الطَرقات الهادئة.. يشعر أن غضبه تحول لخوفٍ و هلع.. خوف من كل شيء من نفسه وعلى نفسه وعليها.. رغم أنها في الأشهر الأخيرة انقلبت مئة وثمانون درجة وتغيرت تصرفاتها ولم تعد دانة التي يعرف ولكنه عجز عن كرهها أو حتى لفظها من حياته للأبد.. كانت علاقته بها استثنائية بلا مقاييس ولا مسميات.. حب خالص شعر به يروي روحه التي جفت منذ أن رآها أول مره .
أغمض عينيه يزفر أنفاساً ساخنة وهو يسمع قرع الباب مجدداً.. دون أن يأذن لها بالدخول.. لكنها في نهاية المطاف وعندما طالت الإجابة فتحت الباب بحذر تهتف بيأس وهي تراه كالتمثال يجلس على سريره : ممكن أدخل؟
زمّ شفتيه وفتح عينيه ونبرتها المتعبة اتعبته ليجدها لازالت ترتدي فستانها وجهها تورم من البكاء وعلى خدها أثار أصابعه.. شد على قبضة يده التي صفعتها وصرَف بصره عنها بعدم رضا ليجدها بعد ثواني تقع عند أقدامه تمسك يديه تقبل كفيه وتبكي بحرقه..

حاول أن يسحب يديه منها لكنها لم تدع له مجالاً لذلك بل شدت عليه أكثر : لو تبي تذبحني اذبحني.. بس لا تصد بوجهك عني الله يخليك..
ارتفع صدره وانخفض بأنفاسٍ ثائرة لتتابع : سو فيني اللي تبي.. بس سامحني.. حرام عليك ياجدي لا توجعني فيك.. أنا مالي غيرك..
منيف : كلامك شي وفعولك شي ثاني يا دانة.. لو تحسبين كم مره قلتي لي أسفه وسامحني الشهر ذا بس كان عرفتي إن الكلمة ماعاد لها قيمة عندي وعندك.. إن كانت حياة جدتك وعيالها غرتّك وتبين تروحين لهم قولي لي وأنا بوصلك بنفسي بدل هالحركات اللي غيرت قلبي عليك.. أقلها أذكرك بشي زين.. أنا اللي ما يبيني ما أبيه حتى لو كان أنتي، و أنتي قطعة من قلبي..
هزت رأسها بجزع : لا مستحيل.. مو من قلبك هالكلام..
منيف : أنا خلاص برجع استراليا نهاية الأسبوع الجاي.. الديرة ذي من أول مهيب لي و غلطان إني رجعت لها من الأساس ..
دانة بهمس : وأنا؟؟
ثم تابعت بيأسٍ تنتحب تهزه من يديه تتوسل الإجابة وهي ترى نظرته الباردة : وأنا وين أروح؟؟ الله يخليك يا جدي لأ.. سامحني... والله العظيم ماعاد اسألك عن شيء ولا عاد أتدخل باللي مالي فيه.. بس قول إنك ما قصدت كلامك اللي قبل شوي وإنك بتاخذني معك.
حنا مالنا غير بعض،، بجهز اغراضي وبجي معك. طيب؟
سكت قليلاً وهو يرى دموعها التي تغير لونها نتيجة مكياجها الذي لم تمسحه حتى، ليقول بنبرة متعبة فهو لا يقوى رؤيتها هكذا أبداً ..: من وين جاك طاري فواز؟ من وين عرفتيه؟
شحَب وجهها ولاحظ عليها ذلك لتقول : أوعدك أني ماعاد اطريه مره ثانيه . أنا أدري إنك ماغلطت بشي و مستحيل أصدق فيك شي.. جدي انا أعرفك زين ومحد يعرفك كثري أنت مستحيل تضر أحد..
منيف بصرامة وقلق حاول اخفاؤه : جاوبيني..
من اللي قال لك عنه؟؟
ثم تابع عندما رأى سكوتها وترددها : ريحيني يا دانة وجاوبيني خلي الليلة ذي تنتهي ونخلص.. بدر قال لك؟
نفت ذلك بسرعة ليسأل مجدداً بزفرة : أجل مين؟ مين؟؟
أغمضت عينيها بقوة تشعر بأن قلبها سيتمزق،، بين الخوف وبين الحاجة في نيل رضا جدها مجدداً..
كفّة جدها دائماً ترجح.. إن كان مخطئاً أو صائباً.. صالحاً كما عرفته أو فاسداً كما سمعت عنه..
"أنا آسفه خطاب.. سامحني .. بس ما بيدي شي"..
همست بتردد وضعف وندم.. الكثير من الندم.. : ....خطاب.. خطاب قال لي..
.
.

دخل بدر مكتبه والساعة تشير للسابعة والنصف صباحاً.. يخرج هاتفه الذي بدأ بالرنين من جيب ثوبه ليرى متعجباً اسم منيف على الشاشة..
جلس على كرسيه يضع ماكان بيده داخل الدرج قبل أن يرد مبتسماً بتشفّي وكأن منيف أمامه : يا هلا والله وسهلا..
منيف بهدوء : من علمك؟ لأني أدري أبوك هالتعبان يخاف من ظله مهوب قايل لك شي مثل ذا!..
بدر بضحكة : كذا على طول بدون مقدمات! وين صباح الخير يا وجه الخير؟ طيب السلام عليكم على الأقل..
منيف بعد صمت دام لثواني : خطاب؟
عقد بدر حاجبيه ساكتاً لذا تابع منيف بحقد : اسمع يا بدر..
أنا مستعد أسامحك وأعتِبر إن اللي صار كله غلط بسيط جداً و ما كأني دريت عنه.. بس بشرط..
بدر وعقله لازال واقفاً عند اسم خطاب : شرط!
منيف بهدوء : تجيب لي خبر وفاة اللي اسمه خطاب.. بالطريقة اللي تبي.. و أبشر بالعوض وأعتبر إننا بنبدأ صفحة جديدة ونرجع حبايب..
وأنا أوعدك ،، بخليك تعيش في دنيا ثانية.. عيشة ملوك الكل يضرب لك حساب ويدور رضاك لو على نفسه..
بدر بنرفزة تكاد تعميه : وأنت طبعاً تتوقع إني أوافق لأن شخص مثلك ماينقال له لأ و ماعنده أي مشكلة يسوي المستحيل ويجنّد غيره بس عشان يقومون بجرايمه.. أهم شي ماتتوصخ يده..
منيف بنبرة هادئة أوقفت شعر جسده : لا يا بطل.. شخص مثلي ماتتوصخ يده،، أبد.. أنا أدري إن اللي اسمه خطاب هو من قال لك سالفة فواز مثل ما قالها لدانة.. وما أدري كيف درى فيها لكن هذا موضوع ثاني أتفاهم فيه مع أبوك وعمك هالبهايم.. المهم أنت،، وأظنك الحين صرت تعرفني زين أنا لا بغيت أضرك ضريتك من غير لا أحد يدري أو يسأل ،، كيف و ليه ، ومتى!
بدر لا تنسى إن تجارتك الوصخة الحين مفاتيحها كلها بيدي و ببلاغ واحد بس أقدر أنهي حياتك،، وكل اللي تعاملت معهم سواء تعرفهم أو ماتعرفهم بيقلبون عليك ويخفونك ورى الشمس. غير بيتك وزوجتك وبنتك و ولدك.. منيب قايل أبوك لأني أدري إنه ما يهمك..
تقدم بجسده للأمام يفتح أزرار ثوبه العلوية يصرخ بقوة : لا تهددني!
منيف بضحكة : أنا ما أهددك.. أنا قاعد أنصحك ،، ونصيحتي لك تسمع النصيحة.. لا تأمن غدري يا أبو سيف ترى والله إنك مهما وصلت وعلَيت مستحيل تكون قدي.. اسمع الكلام مثل ماسمعه أبوك وعمك قبل ٢٥ سنة،، وهذي نصيحتي الأخيرة لك.. نشوفك على خير ياوحش..

أغمض بدر عينيه بقوة بعد جملة منيف الأخيرة والتي نطقها بفحيحٍ جعل العرَق يتشكل أعلى جبينه..
كان الاتصال قد انتهى منذ ما يقارب الدقيقتين لكن الهاتف لازال مثبتاً بين أذن بدر وكفه.. يشعر بأطرافه وكأنها تصلبت وبالبرودة تضرب شرايين قلبه حتى شعر به يتوقف.. إلا علقه كان في سباقٍ يربط ماسمع من والده فجراً وماعرف من منيف قبل قليل والصورة أصبحت واضحة أمامه تماماً..

تحرك بصعوبة يُنزل هاتفه ويسند جسده على الكرسي خلفه بعد أن دخل سكرتير مكتبه بسرعة بعد أن قرع الباب والذي تلقى اتصالاً من بدر بعد صلاة الفجر يطلب منه أن يأتيه باكراً قبل موعد الدوام الرسمي.. : سم يا أبو سيف.. آمرني!
حاول بدر أن يبتسم لكنه لم يستطع : ماعليه اعذرني يا وليد جايبك من بدري..
وليد بقلق وهو يرى وجه بدر الشاحب وشكله المهمل ولأول مره .. فبدر كان منذ الأزل شديد الأناقة : لا أبد أفا عليك.. بس عساه خير إن شاءالله؟
بدر بعد صمت دام لثواني : أبيك بخدمة..
وليد : أبشر..

تردد بدر كثيراً قبل أن يخرج ماكان في درجه.. ظرف أبيض كبير نوعاً ما ليمده على سطح المكتب لوليد الذي رفعه يشعر بثقله إذ أنه من المؤكد لا يحتوي أوراقاً فقط.. قلبّه بين يديه : وش ذا؟
بدر بهدوء : اسمعني يا وليد،، إن طلع الصبح بكرة بدون لا أتصل عليك.. وصّل هالظرف لواحد اسمه خطاب المهنا .. مهندس بشركة البناؤون العرب.. لكن انتبه،، بدون لا يشوفك أو يعرف أنت جاي من طرف مين.
ابتلع وليد ريقه يهز رأسه بثبات ويشد على الظرف بين يديه : ازهلها..
بدر بابتسامه هادئة : كفو والله قدها وقدود يا وليد.
ثم أردف بتردد : وفيه خدمة ثانية أبيها منك.. لكن هذي تخلصها اليوم .. ضروري!
.

خرج بدر من شركته قرابة الساعة العاشرة والنصف بعد أن وقّع أوراقاً وتابع سير عمل بعض الأمور.. وقبل خروجه مر على وليد : أنا مضطر أطلع الحين بس لا تنسى اللي وصيتك عليه يا وليد.. تراني معتمد عليك..
وليد بقلق : أبشر إن شاءالله..
ابتسم له بود : مشكور يابو عماد.. أشوفك على خير إن شاءالله ..

ما إن ركب بدر سيارته ومشى حتى و ورده اتصال من والده ليجيب ضاحكاً : والله جاي بالطريق..
ياسر : صدق ولا تضحك علي؟
ضحك من أعماق قلبه : لا والله صدق.. أعطيني نص ساعة بالكثير وأكون عندك..
ياسر بحب : أشوف تتأخر عن نص ساعة ياويلك..
ثم أردف بتردد : وش أخبارك؟ للحين تحس بضيق؟
تنهد تنهيدةً عميقة يقول بابتسامه : لا الحمدلله..
ياسر : زين اللهم لك الحمد.. إن وصلت دق علي عشان نروح مثل ما اتفقنا..
ضحك رغماً عنه : إن ماجلدت منيف هاللي مسبب لك رعب قدامك وخليتك تصدق إنه دجاجة ما أكون رجّال..
ليضحك ياسر على صوته الضاحك : والله إن ماعندك ما عند جدتي وأنا أبوك.. تعال بس لا تتأخر..

أغلق من والده يقف عند الإشارة لازال مبتسماً.. يضرب ذقنه بظهر سبابة يده التي يسند كوعها على نافذته.. ينظر للعد التنازلي للإشارة الحمراء بضجرٍ من الانتظار.. لم تكن هناك سوى سيارته وأخرى جانبه..

انتهى العد وفُتحت الإشارة وانطلقت السيارة المجاورة له مبتعده.. وسيارة أخرى.. وأخرى.. وأخرى،، لحقن على الإشارة قبل أن تُغلق مجدداً وسيارته لازالت واقفةً مكانها..
أُغلقت الإشارة وهذه المره كانت سيارته هي الوحيدة التي تقف في انتظارها.. وتحّول اللون الأحمر للأخضر في إشارة للسماح له ولغيره بالإنطلاق لكنه لم يتحرك من مكانه.. أيضاً!

كانت السيارات تعبرة وتتعداه تباعاً مرة تلو مرة وهو يقف مكانه حتى أتى الذي لم يستطع أن يكتم إنفعاله بعد أن علِق بين سيارة بدر الواقف أمامه وغضب الواقفين خلفه.. بدأت أصوات هرنات السيارات ترتفع بسخطٍ واضح عندما انطلقت جميع السيارات عداهم.. بل أن بعضهم فتح النافذه وبدأ يشتم..

ُاُغلقت الإشارة وهو لازال يقف مكانه ففتح بابه غاضباً وتوجه لصاحب السيارة في المقدمة و التي عطلت الجميع بوقوفها دون حركه.. ينوي أن -يشرشحه ويمسح فيه الرصيف-. رفع يده ينوي أن يضرب النافذة فوجد أن صاحب السيارة يضع رأسه على المقود.. استشاط غضباً وبدأ يضرب النافذة بقوة : إذا فيك نوم اقعد عند أمك مو تنزل الشارع وتعطل أشغال العالم.. قم.. أنت ياولد.. قم اصحى أشوف. .

عندما آلمته يده توقف تماماً عاقداً حاجبيه قبل أن يفتح الباب بتوتر بعد أن نزل عدد بسيط من الرجال من سياراتهم بفضول فكما يبدو أن هناك مشكلة على وشك أن تحدث..
مد يده ليرفع النائم من قفاه و ما إن رفعه و ظهر له وجهه الشاحب وعينيه الشاخصتين حتى تركه بسرعة وهلع..

.
.

عادت هلا من عملها تسحب سالم شبه نائم خلفها.. تشعر بالإرهاق بعد يوم عمل طويل و شاق.
ظلت تقف عند أول عتبات السلم تنظر لسالم يصعد درجاته متشبثاً بالدرابزين تهتف بصوتٍ عالي : بدل ملابسك أول لا أشوفك نايم بملابس المدرسة.
ما إن اختفى من أمامها حتى وانطلقت للمطبخ حيث هي متأكدة أن والدتها هناك والتي اتصلت عليها قبل نصف ساعه من انتهاء الدوام تخبرها بأن لديها خبر بمليون ريال ولن تقوله إلا وجهاً لوجه..
دخلت للمطبخ كالإعصار لتجد ضي و والدتها التي سكتت ما إن رأتها : ها يمه وش الخبر؟
سلوى: نعنبو حيّك داخله على يهود! سلمي أول..
هلا بسرعة : السلام. هاتي يمه اللي عندك والله بموت من دقيتي علي أبي أعرف زين ما استأذنت وجيت..
سلوى موجهة حديثها لضي المبتسمة : أنا محد بعيالي ملقوف غير اثنين.. خالد اللي ماجا السابع إلا وهو يحوس في بطني يبي يطلع و هلا اللي حتى مافصخت نقابها وجايتك تركض ..
ارتفع حاجبيها باستنكار بعد أن نزعت غطاء وجهها تحت ضحكة ضي : الله أكبر يمه وأنتي تقولين عيالي!! من كثرنا عاد كلنا ثلاثة..
سلوى بعد أن -كشّت- عليها : ثلاثة بس عن عشر اللهم بارك مطلعين عيني..
ضي : غريب ياعمه انك اكتفيتي بثلاثه بس! مع إن حريم أول يجيبون عيال كثير..
سلوى : وش حريم أول بسم الله علي توني صغيرة..
اشتعل وجه ضي لتهتف بارتباك : والله موب قصدي..
ضحكت : أمزح معك..
ضي والرغبة بالبكاء أصبحت ملحة : والله آسفة..
جلست هلا أمام ضي تفصل بينهم طاولة المطبخ الدائرية تهتف قبل والدتها وتحاول محو ابتسامتها كي لاتحرج ضي أكثر : أنا قاعدة أموت هنا ياجماعة.. يمه إن تأخرتي علي ثانية وحدة ممكن أنجلط.. وش الموضوع؟
سلوى بحماس : أبشرك نجود ولدت وجابت بنت..
اتسعت عينيها بفرحة : بالله علييك؟ ياعمري عليها والله كنت حاسه إن اللي في بطنها بنيّه.. ليه محد قال لي؟ ليه زيد مادق يبشرني أنا عمة بنته الوحيدة المفروض إني أول وحدة أدري..
سلوى : زيد وين وأنتي وين الضعيّف حرمته من أمس الليل وهي تطلق بغت تموت وتعسرت عليها الولادة لكن الله لطف فيها وفي بنتها..
هلا : يا قلبي والله الحمدلله على سلامتها..
ثم اردفت بعد أن سرت رعشة واضحة بجسدها : من أسمع طاري الولادة يوقف شعر جسمي.. لكن من أذكر الإحساس اللي جاني وأنا شايله سالم أنسى كل شي..
سلوى بحب : عقبال ماتبشروني بحملكم أنتي وضي وتملون علي البيت أولاد وبنات..
هلا بلهفه : اللهم آمين..
بينما ضي هتفت بينها وبين نفسها وبكل صدق تخشى من أن تحرجها نبرتها الملهوفة إن خرجت "يارب يا حبيبي.. آمين.. يارب عاجلاً غير آجل"..
.

بعد صلاة المغرب امتلأت غرفة نجود بأهلها و التي وعلى الرغم من التعب الواضح على ملامح وجهها إلا أن ابتسامتها لم تفارق ثغرها.
هلا بحماس بعد أن عادت من الحضانة تشير بكفها : ياويلي يانجود سوسو هذا كبرها نتفه نتفه، الحجم موب معقول..
نجود بابتسامه متعبه : آه بس ماتدرين ذا النتفه وش سوت فيني! ذبحتني..
هلا : والله سرقت قلبي من أول نظرة، حبيبة عمتها تهبل بسم الله عليها..
العنود (أم محمد) بابتسامه : عقبالك يا هلا وتجيبين أخت ولا أخو لسالم،، يا عين جدته بغى ينهبل يوم شاف سلوى..

ابتسمت هلا بود دون أن تعلق.. علاقتها بأهل محمد لم تتغير كثيراً كما أنها لم تبقى كالسابق.. كانت بالمنتصف بحكم القرابة التي تجمعهم والعلاقة جيدة بما يكفي خصوصاً مع والدة محمد والتي إن كانت الدعوة أتت من غيرها لكانت ظنّت بأنها -تدّقها- بالكلام.. لكن لأنها تعلم جيداً أي الأمهات هي العنود وصلها ماقالت بكل صدق..
ضي : سالم وين راح؟ كان معنا قبل شوي!
هلا بهدوء : راح مع عمه راكان..
سكتت ضي قليلاً تتأمل العنود ثم التفتت لهلا تهمس تشير بعينيها على الجالسة قريباً من سرير نجود : هذي أم خطاب؟
هلا بنفس الهمس : لا هذي العنود.. أم محمد ولد عمي،، و أبو سالم..
ارتفع حاجبيها بذهول : يعني خطاب موب أبو سالم؟
هزت رأسها بالنفي دون أن تعلق.. وضي عادت تنظر للعنود التي كانت تضحك مع سلوى باستغراب فهي للتو عرفت أن هلا كانت متزوجة قبلاً وأن ابنها الآن ليس من زوجها الحالي...

كانت الفرحة طاغية على الجميع حتى على صوت خالد الذي طرق الباب ليتحدث من خلفه : الحمدلله على سلامتك يا أم تركي ومبروك ماجبتي الله يجعلها من مواليد السعادة ومن البنات الصالحات الحافظات لكتابه..
نجود بمودة : الله يسلمك وعقبال فرحتنا بضي..
ابتلعت ضي ريقها تنزل بصرها لأصابعها تتشاغل بتحريك خاتمها حتى وصلها صوت خالد ضاحكاً : والله قاعدين نشتغل على الموضوع انتظرونا هه هه يومين ثلاثة يومين، وإن شاءالله نبشركم بسلوى نمبر ثري..
اتسعت عينيها بهلع بعد أن ضحكن الموجودات حتى أن العنود علقّت بصوتٍ ضاحك لم يصل لخالد : الله يقطع سوالفك يا خالد.
سلوى : لا ياقلب أمك خلاص ماعاد نبي أحد يسمي سلوى يكفي ثنتين بالعايلة..
خالد : أفااا وقفت على بنتي يعني؟ شدعوة عليك ياعيني لا تاخذين الأمور بشكل شخصي.. ترى إنتاجي طيب وبيعجبك..
سلوى بضحكة: قلنا لأ..
خالد : بكيفك.. بس بعدين لا جبنا تركي لا تقولين تحب أبوك أكثر مني..
هلا بدلع : سمّي هلا يا خالد أنا أسمح لك..
خالد بنبرة عالية : هاه!! ظلام ما أسمع..
هلا بصوت مرتفع : أقول سميها علي..
خالد بجدية : أقول شخبارك بس طيبه؟.. خلاص بطلنا ناخذ اقتراحات وماعاد نبي بنات مره وحده، بنجيب عيال بس.
العنود بحب : والله يا زين هلا ويا زين اسمها ويابخت من صارت سميّتها..
خالد : بلاك ماتدرين يا عمتي خليني ساكت أحسن..
تلفتت هلا حولها بعدم تصديق لترى أن حتى ضي الجالسة بجانبها تضحك..
هلا بغيض وهي توكزها بكوعها : هين شغلك في البيت..
تبدلت نبرة خالد تماما وهو ينادي : ضي..
ثم أردف يمد الحروف متعمداً : يااااا أم سسسلوى تعالي أبيك شوي.
قفزت ضي من مكانها وكأنها لم تصدق بأنه ناداها كي تهرب من كوع هلا الذي كاد يمزق خاصرتها.
لبست غطاء وجهها قبل أن تفتح الباب وتخرج وآخر ما سمعته كان صوت إحدى بنات عم خالد تقول بنبرة : خالد للحين نفس ماهو ما تغير والله..

زمت شفتيها بعدم رضا وهي تغلق الباب خلفها لترى خالد يتكئ على الجدار أمام الباب يضع يديه في جيوب ثوبه بني اللون دون أن يرتدي شماغه.. وإن كان شكله وهو يرتديه ملفتاً فشكله بدونه ملفتٌ ألف مره..
ما إن رآها حتى وابتسم يدفع جسده للأمام مبتعداً عن الحائط حتى استقر واقفاً أمامها يمسك بمعصمها، يهمس بشغبٍ واضحٍ في عينيه : هلا والله..
أخذت نفساً لتخرج الحروف معه وهي تطلقه : أهلين..
خالد : كيف الحال؟ ماشفتك اليوم!
ضي بابتسامه واضحة في عينيها : متى جيت؟ سلامة الأسفار يا كابتن ..
خالد : ما صار لي ساعة من وصلت يادوب لبست ثوبي وجيت اتعذّر ببنت زيد ولا الصدق أنا جاي عشان أشوفك .
ابتلعت ريقها لتهتف بخجل : كنا شوي وراجعين البيت..
استوت ملامحه بامتعاض : والله إنك موب كفو..
ضحكت وهي تمسك بمعصم يده التي افلتت معصمها : دعابة دعابة ياخي لا تصير جاد..
خالد : لا أصير جاد أجل!!
ثم أردف مبتسماً يرمقها بطرف عينه قبل أن يمشي : أنا رايح أشوف سلوى الزغيرة.. تعالي معي؟
.

كانت هلا تتمدد على سريرها عندما أرسلت صورة سلوى الصغيرة لخطاب والذي اتصل فوراً يهتف بحماس : تشبه زيد..
هلا بضحكة : لا بسم الله عليها.. وش زيد حرام عليك أنت ناوي تعقد البنت من بدري !
خطاب : لا والله الخشم والفم الخالق الناطق أبوها.. الله يحفظها ويبارك فيها .. حلوين البنات.. كلمت زيد أبارك له حسيته فرح فيها أكثر من تركي..
هلا تضحك قائله فوجه زيد اليوم كان مشعاً : زيد يحب البنات أكثر من العيال وكان يبي أول خلفته تكون بنت بس عاد قدر الله وما شاء فعل.. كلهم فيهم الخير والبركة سواء ولد ولا بنت..
خطاب بهدوء : عقبالنا يارب .
أجابته بلهفه : آمين ..
ابتسم وكأنها أمامه مع أنه بعيد عنها تماماً : الله يجيب اليوم اللي أشيل فيه عيالي منك.. والله شفقان على اللحظة ذي، بموت من الشفقة..
.
.

روحٌ تأتي وأخرى تذهب.. هذا هو ديدن الحياة.. روحٌ تحيا وأخرى تموت ولن يحدث إلا ماقدّره الله لك.. أجلك واقعٌ لا محاله حتى وإن فررت منه..
في منزل بدر والذي شهدت جدرانه انهيار أهله الذين نزل عليهم الخبر كالصاعقة.. انهيار حنين وبكاءها غير مصدقة فالبارحة كان معها لا يشكو من شيء.. وانهيار أبنائه الذين استيقظوا من نومهم بفزع على صوت صراخ والدتهم وعويلها ليشاركوها البكاء دون حتى أن يعرفوا السبب.. وانهيار ياسر الذي كان يقف في مجلسه يستقبل المعزيين بنظرة فارغة تماماً وكأنه بلا روح.. فهو شعر بها تخرج منه و تغادره بعد أن وضع بدر في قبره.. يحثو عليه التراب حتى وقع منهاراً في بكاءٍ مرير بين الرجّال الذي لحقوا بالجنازة بعد الصلاة عليها..
يشعر وكأن قلبه سيتوقف في أي لحظة غير قادر على التصديق بأنّ من كان مكفناً قبل ساعات وصلّى عليه صلاة الميت ومن غطاه التراب الآن حتى اختفى تحته.. هو ابنه..

شعر بأن أقدامه تذوب فوقع جالساً على الأريكة خلفه. يرى أفواجاً من المعزيين يدخلون مع الباب.. بعضهم حزين متأثر والبعض أتى فقط ليؤدي واجباً وكأنه مجبر.. ولا أحد يعلم بمقدار الحزن الذي فجّر قلبه..

كان قد شهد وفاة ثلاثة من أبناءه قبلاً.. اثنين في حادث مريع حتى أن المسعفين بالكاد استطاعوا جمع أشلاءهم.. والثالث وقع رأسه أمام عينيه بعد أن قصّه السيف وكأنه شيءٌ لم يكن.. لكن وفاة بدر كانت القشة التي كسرت ظهره.. كمية الألم والحزن التي يشعر بها تكاد تذيب جوفه وهو مؤمن بأن ما حدث له لم يحدث إلا لسبب..
نزل عليه الخبر كالصاعقة التي انهاه رعدها وبرقها.. لم يفق من صدمة الخبر بعد لازال يعيش على أمل أن يدخل عليه بدر الآن عاقداً حاجبيه بضيق لتعثر صفقة من صفقاته أو مبتسماً بثقة وغرور لنجاح مشروع من مشاريعه.. كان هناك أمل رغم أنه قد وضعه بيديه في قبره.. موت بدر سلب منه صحته وطاقته وحياته كامله كان يشعر وكأن قلبه قد شاخ بين جوانحه فجأة و أحدودب ظهره وتثاقلت خطوته وخارت قوته.. لازال لا يصدق أن بدر الذي كان يمسك بذراعه خائفاً عليه فجر اليوم عائداً معه من المسجد قد رحل.. ذهاب بلا عودة.. للأبد!
وقف مجدداً بصعوبة يستقبل تعازي فوجٍ جديد من المعزين.. يشعر بيد حمد تسنده.. حمد الجلمود المتجبّر يقف بجانبه،، يتضح عليه التأثر فمنذ أن أتاه الخبر وهو يشعر وكأنه فقد ضلعاً من أضلعه..

بالكاد يقف لا ينظر لأحدٍ منهم فلا طاقة لديه لأن يرفع بصره من على الأرض ولكن ما إن صافح أحدهم وسمع صوته يهتف بهدوء : عظم الله أجرك..
حتى ورفع بصره بسرعة ليظهر أمام وجهه منيف ينظر له بجمود..
منيف مجدداً : عظم الله أجرك يا ياسر ..
تسارعت أنفاسه بغضبٍ شديد وكأن بركاناً انفجر في جوفه ، ينظر له بنظرة زجاجية مليئة بالحقد ولو كانت النظرة تقتل لكان منيف في عداد الأموات الآن..
شد على يده بقوة ونظرته ازدادت حده وحقد ليبتسم له منيف : يدي..
ياسر بهمس غاضب اختلط بالحزن واليأس : اقسم بالله يامنيف لا أخليك تندم على اليوم اللي قابلتني فيه.. والله!
اتسعت ابتسامة منيف ببرود : طيب اترك يدي.. لا تنكسر!
تركها بقرف.. نار هائلة تستعر في صدره وعينيه الغاضبة تابعت منيف بكل حقد حتى جلس أمامه..
كانت نظرته لمنيف نظرة غل تخفي خلفها الكثير. رغم أن وفاة بدر طبيعية أو -سكته قلبيه- كما قال الطبيب.. لكنه مع ذلك،، وبشكلٍ ما.. يشعر بأن منيف وراء كل المصائب التي حدثت له في حياته..

.

بعد أن سكن المنزل تماماً وأغلقت الأبواب واسدل الليل حالك السواد ستاره.. فرشت حنين سجادتها في غرفتها التي جمعتها به وشهدت كل شيء مرت فيه معه.. لا تعلم كم بقت ساجدة تبكي من أعماق قلبها غير قادرة على أن ترفع رأسها من على الأرض.. حتى الدعاء أبى أن يخرج عندما اختنقت بعبرتها فأصبحت تردد "يارب.. يارب.. يارب.. يارب"..
ياربي والباقي وحدك تعلمه.. ياربي والباقي وحدك تعلمه..

لطالما كانت فكرة الموت مرعبة.. مجرد التفكير بأن شخصاً كان معك وفي لمح البصر غادرته الروح دون أن تشاوره أو تشاورك شيءٌ يصعب استيعابه.. ومهما طال بك الزمن ستبقى روحك متلهفه وعينيك متأهبه تنتظر دخوله عليك في أي لحظة ..

سلّمت من صلاتها لترى والدتها تجلس على السرير تنظر لها بأسى.. فانحنت مجدداً لتضع جبينها أرضاً على كفيها تنتحب.. أنينها يخرج دون سيطرة منها تشعر وكأن نياط قلبها ستنقطع من شدة البكاء وتدافع الشهقات..
رفعتها والدتها التي جلست على الأرض بجانبها تحتضنها بحنو تتمنى لو أن تنزع الحزن الذي دُفنت به ابنتها هكذا فجأة وتأخذه عنها..
ما إن هدأت حنين حتى وابتعدت عن صدر والدتها تمسح دموعها تهتف بصوتٍ أبح : وين سيف وسارة؟
شيخة بعطف : ناموا الله يحفظهم.. سيف صك راسي يسأل عنك قلت له تعبانة ونايمة ، قال بيجيك بكرة الصبح من بدري..
حنين بعبرة : اليوم سأل عني وبكرة بيسأل عن أبوه.. وش أقول ؟ وش أقول لا سألوا عن بدر؟
شيخة : هذا وقتك يا حنين عيالك الحين محتاجين لك أكثر من أول وأبو بدر هالشايب اللي حالته ما تسر عدو ولا صديق محتاجك.. أنا خبرتك قوية ومؤمنة وهذا قضاء الله وحكمته لا تضعفين الحين وفي هالوقت..
هزت رأسها تأخذ نفساً عميقاً علها ترتاح ولكن ما حدث كان العكس فبدأت تسعل حتى عادت تبكي من جديد بيأس وقلة حيلة ..
شيخة بأسى : لا حول ولا قوة إلا بالله ..
حنين بغصة : والله مو بيدي،، أحس جوفي صار فاضي يمه..
شيخة : اذكري الله وادعي له هو الحين مايبي منك إلا الدعاء.. الصياح ماعمره يفيد يابنتي لو الدموع ترجع أحد كان العين ماجفّت..
حنين بحسرة من بين شهقاتها : اااخ يا أمي اااااخ.. يارب مو سخط على حكمك بس عجزت استوعب إن بدر راح خلاص،، أحسه بيدخل علي في أي لحظة.. يمه قلبي يوجعني .. قلبي يوجعننني أحس إني بموت يمه.. والله بموت.. ساعديني.. وش اسوي؟؟ يارب سااعدني. ياااربي ساعدني..

ليلتها لم تنم حنين أبداً. انقضى عليها الليل طويلاً ثقيلاً شعرت فيه بأن قلبها مقبوضٌ بقبضةٍ من حديد.. تندم على مافات و تتمنى لو أن يعود الزمن قليلاً.. قليلاً فقط لتحضى ببعض الوقت معه.. تحتضنه.. تقبله.. تمسح على شعره وهي تتأمل ملامحة التي عشقت كما لم تعشق أنثى من قبل..
آه لو يعود الزمن لكانت أخبرته كم أحبته.. وأنه وعلى الرغم من أفعاله لم تكرهه ابداً.. وأنها وعلى الرغم من زعلها منه كانت تسترق النظر له عندما يكون سارحاً لتروي عطش روحها.. لكانت أصلحت قليلاً من وضعهم قبلاً.. لو كانت تعلم أن الموت سيخطفه منها فجأةً هكذا لكانت محت تقطيبة حاجبيه التي سببتها له في آخر فترة.. ولكانت أصلحت حالهم قبل الفراق.. كلما أغمضت عينيها تتراءى لها ابتسامته و شكل عينيه بالأمس وهي مليئةٌ بالدموع.. كأنه كان يشعر بدنو أجله.. لتفتحها مرعوبةً مجدداً بدموعٍ تنهمر بلا توقف علّ الدموع تغسل قلبها مما أهمّه .
.
.

مساء اليوم التالي كان خطاب يتمدد في صالة شقته منهك القوى بعد أن عاد من جلسة مع الدكتور محسن العطار.. كان يشعر باليأس يغشى قلبه، يطمع في الخلاص، ولا خلاص! يشعر بعضلته بين أضلعه تنبض بضعفٍ وتعب وكأنه يحتاج بأن يبذل مجهوداً كي يعيش.. رفع هاتفه واتصل عليها دون تردد وهو يعلم علم اليقين أنه سيجد في صوتها الراحة التي يبحث عنها وفي كلماتها الأمان الذي ينشده .

تسارعت أنفاسه ما إن رفعت الخط ليقول بلهفه وشوق عارم فهو سيكمل الإسبوع الآن دون أن يراها : الوو..
ثم عقد حاجبيه باستنكار عندما أجابته بصوت محتقن : هلا خطاب..
خطاب بقلق : هلا بك.. وش فيه؟
أخذت نفساً عميقاً : مافيه شي.. وش أخبارك اليوم؟
اعتدل جالساً : شلون مافيه شي هلا وصوتك متغير؟ خير وش صاير ؟ بنت زيد فيها شي؟ أحد صار فيه شي؟
هلا بضيق : والله مافيه شي خطاب بس.. توني قبل شوي راجعه من عزا..
عقد حاجبيه : يالله لطفك.. عزا مين؟
هلا بتأثر : طالب عندنا أبوه توفى أمس..
خطاب : لا إله إلا الله. الله يرحمه ويغفر له.. كبير بالعمر ؟
هلا : لأ ما أظن كبير لأن أكبر عياله سيف اللي يدرس عندنا بثاني.. وأصغر عياله بنت عمرها ٤ سنوات..
خطاب بتأثر فسيف كان بعمره تقريباً عندما خسر أهله : يالله صغار ! الله يجبر كسرهم ويمسح على قلوبهم برحمته فقد الوالدين وجعه ماله علاج.. أنا مجرب وحاس والله حسرة موتهم للحين في قلبي عيّت تروح..
هلا بعبرة : يالله يا خطاب لو تشوف شلون حالة زوجته.. أوجعت قلبي مع إنها صابرة لكن تحسها قاعده معنا شكل بس.. مافيها روح..
ابتلع ريقه بأسى : الله يرحم ميتهم ويعوضه شبابه بالجنة ويصبرهم.. وهي اللي يتولاها برحمته ويعوضها خير بعيالها لا كبروا.. الموت طريق كلنا بنمشي فيه.. هو نهاية كل حي..
هلا : والله أوجعت قلبي.. على كلام أمها إنه مات فجأة.. طلع من البيت متعافي مايشكي ومافيه شي.. يالله كل ما أتخيل كيف نزل عليها الخبر أحس قلبي بيوقف.. فكرة إنك تودع شخص للأبد بدون رجعه مهلكة!
ثم أردفت بعبرة : الله يخليكم لي ولا يفجعني فيكم.. والله إني من غيركم مالي حياة..
خطاب : اللهم آمين ولا يفجعنا فيك يا حبيبة قلبي..
ثم تابع بتودد : ما ودك ترجعين بيتنا وتردين روحي لي؟
هلا تمسح دموعها التي سقطت رغماً عنها : أنا وين وأنت وين؟
ابتسم بأسى وكأنها أمامه : أنا وحيد.. وحزين.. وأنتي لا إحساس و ولا ضمير..
ضحكت ببحة : أنت في أبها!
خطاب بهدوء : خلاص خلصت شغل أبها.. ولا عاد برجع لها أبد.
هلا بشك : صدق عاد؟
خطاب : أقسم بالله، اللي بيني وبينها إنتهى الله يستر عليها ويسامحني إن كنت ظلمتها معي.. هلا أنا تعبان قبلك وتعبت زود من بعدك ارجعي لي والله قمت أهوجس بك. البيت كان فيه حياه يوم كنتي أنتي وسالم فيه كنت أحس إني عايش بس الحين أحس كأني بصندوق.. يضيق صدري لا خلص الدوام و جيت أرجع..
هلا : وش أخبار جلساتك مع الدكتور محسن؟
شعر بأنها تحاول أن تتملص من الموضوع لذا قال بتنهيدة يائسة : للحين أروح له ونشوف وش آخرتها .. بس أحس إني أحسن؟
هلا بعد فترة صمت قصيرة : قلت لي متى راجع من أبها؟
خطاب بتوجس : اا.. بكرة؟ أو الحين إذا تبين؟
ضحكت وهي تشعر بنبضات قلبها ترتفع : أجل لا وصلت بكرة مرني بيت أهلي وبكون جاهزة إن شاءالله..
.
.

خالد : ضيِّي..
التفتت له ووجنتيها توردت من طريقته بنطق اسمها بكل هذا التملك في نبرته : مم؟
خالد : عندي اقتراح ولك حرية الموافقة أو الرفض ..
ضي باهتمام : ايوه؟
خالد بابتسامة : وش رايك تكملين دراستك؟
عقدت حاجبيها ليردف : أنتي سحبتي ملفك نهائي؟
ضي : لأ وقفت قيد بس..
اتسعت ابتسامته : حلو يعني أمورك جاهزة وخالصة. السنة ذي مابقى عليها شي وتنتهي بداية السنة الجديدة إذا الله أعطانا عمر وعافية تروحين تفكين القيد..
هزت رأسها على مضض تتجنب النظر لوجهه ليعقد حاجبيه : وش فيك؟ إذا ماتبين براحتك، موب لازم.. بس أنا أشوف الدراسة بتونسك شوي وتشغل وقتك غير إن الشهادة شي مهم بالوقت ذا ومافيه أحد يقعد من غير شهادة..
نظرت له نظره سريعة ثم صرَفت بصرها بسرعة : مو عن ما أبي بس... خالد أبي أقولك شي يقرقع بقلبي ولاني قادرة أسكت عنه.
ابتسم بحنو يقف من مكانه ويجلس بجانبها لتتبدل ملامحها وكأنها ستبكي : سمِّي.. اسمعك.
أخذت نفساً بتردد ورفعت ناظريها له تتأمل وجهه المبتسم.. سبحان الذي سخر شخصاً كهذا أخرجها من ضلالٍ عاشت به دون أن يبذل مجهوداً لذلك. مجرد دخوله لحياتها بدد كل الظلام وغير نظرتها لترى الحياة من منظورٍ آخر.. تنهدت بتعب : أنا قبل فترة رحت عند شيخ يقرأ علي..
عقد حاجبيه باستنكار لتردف بسرعة : يوم استأذنت منك أروح مع أختي غالية.. تذكر؟ هذاك اليوم رحت مع أبوي لشيخ كان يقرأ علي قبل و.. قرأ علي؟
قالت آخر جملتها لا يعلم هل هي تسأله أم تعطيه معلومة لذا قال باستنكار : طيب؟
ضي بيأس : وش طيب؟ خلاص بس..
خالد : طيب قرأ عليك الشيخ.. وبعدين؟
زمت شفتيها بتردد تنظر له جامد الملامح قبل أن تمسك بأصابعه تحركها تصرف بصرها عنه وتحاول الانشغال بها : أنا جاتني فترة من حياتي.. بعد وفاة أمي الله يرحمها.. كنت أحس إني مو بخير.. وكأن فيه أحد داخلي..

مررت لسانها على شفتيها واسترقت النظر لوجهه الذي لازال جامداً لتتابع بضيق : تعرف الإحساس يوم تحس كأن فيه أحد عند اذنك قاعد يتكلم وأنت مهما حاولت تتجاهل صوته ما تقدر؟.. أنا كنت أحس بالشي ذا،، كنت أحس إن فيه أحد يتحكم بتصرفاتي يشاركني حتى جسمي.. وقلت لأخواتي وقلت لأبوي بس محد صدقني.. إلى إن بدت صحتي تتدهور كنت أحس بخوف فضيع وأعيش بقلق رهيب وأنا موب قادرة أسكّت هالصوت لدرجة إني ساعات أتمنى أموت بس يسكت.. رحت لشيوخ كثير قروا علي الكل يقول أنتي سليمه بس واهمه... الملبوس يبين عليه وأنتي مافيك شي..
ابتلعت ريقها ونظرت له لتجده مقطباً حاجبيه بضيق : خالد أنا منيب ملبوسه..
خالد بعبوس : محد قال انك ملبوسة! ضي أنا رجّال مؤمن ومثل هالشي و إن كان فيك مايخوفني ومافيه أبسط من إنه يتركك، حنا اقوى منهم..
ضي بتعب : أنا مافيني شي.. هي مشكلة نفسية فيني.. وحسيت إني تعافيت الحين..
خالد : أنا من أول قلت لك أدري إن مافيك شي.. أنا ما أدري أنتي ليه قاعده تبررين لي الحين؟
ضي بزفره : خالد ممكن لو سمحت ما تسفّه الموضوع؟.. لأنه عندي كبير ومأثر علي وعلى حياتي معك. خالد أنا ماحسيت إني تحسنت إلا الحين تدري ليش؟ لأني متمسكة بالحياة معك ما أبي تتركني.. أخاف تتركني.
خالد بابتسامة : منيب تاركك دافع فيك دم قلبي يا قلبي .
اعتصرت أصابعه بكل قوة وغيض ليصرخ ضاحكاً متوجعاً يحاول تحريرها : اح اح أصابعي يابنت..
ألقت بيده بعيداً عنها تشعر وكأنها ستبكي : قم عني.. قم اطلع،، وخر عني..
ضحك : مافيه طلعه إلا إذا اتفقنا على موضوع دراستك هاه وش قلتي؟
بكت : سو اللي تبي بس قم ابعد من قدامي.. بتذبحني حرام عليك..
عاد يضحك يحتضنها يتوقع مقاومتها لكنها استجابت له دون جدال وكأنها كانت تنتظر مبادرته.. ليقول بحنان : أنتي ليه تاخذين كل شي بجديه؟ قاعد أمزح معك.. الواحد ما يمزح مع حرمته يعني؟
ضي بإنفعال وهي تشد عليه أكثر : مزح عن مزح يفرق وأنت مزحك ثقيييل بيمرضني.
خالد : تمام.. يجي منك أكثر يانبضي..
.
.

مسحت دموعها التي سقطت بضعف وهي ترى جسده متمدداً على الأريكة يضع ذراعه على جبينه وينظر للسقف.. كانت هناك ظُلمة سوداء تغشاه.. لا تراها ولكن تشعر بها حتى غشتها معه..

أغمض ياسر عينيه وهو يسمع وقع أقدامٍ على الأرض الرخامية.. ثم بثقلٍ يجلس في المساحة الخالية عند اقدامه ..
ظل ساكتاً مغمضاً عينيه يأخذ أنفاسه بثقلٍ واضح من ارتفاع صدره وانخفاضه.. اليوم الثاني من العزاء انتهى ولازال منظر ابنه مكفناً وكأنه قبل دقائق هو الشيء الوحيد في باله.. والشق الذي أحدثه موت بدر في قلبه في اتساع متزايد..
ابتلع ريقه يبتلع معه عبرته التي شعر بها ستخنقه.. يشعر بيدها تربت على ركبته تهمس : عمي...
شدّ على فكّه قبل أن يفتح عينيه ينظر لها من مكانه يبتسم بحزن : سمي يا أمي..
ابتسمت له بحزن أكبر : سألت العاملة قالت ما رضيت تتعشى!
ياسر بغصة : ما أشتهي يمه..
عقدت حاجبيها بعتب : الله يهديك من أمس ما أكلت شي.. ما يصير كذا تبي تدمر صحتك أنت؟
ياسر بضيق : والله ما أشتهي العيشَه ياحنين.. لا جعت باكل..
وقفت وعادت تجلس بعد أن أخذت صينية الطعام الصغيرة التي وضعتها على الطاولة في منتصف المجلس بعد أن دخلت.. : وإن قلت إني بأكلك بيدي؟ تكفى عشان خاطري ولا مالي خاطر عندك؟
اعتدل جالساً وهو يرى ابتسامتها الصغيرة المتثاقله.. كانت تتصنع الثبات أمامه والواضح له أنها كل شيء إلا الثبات.. وجهها يغرق في حزنٍ عميق وشحوب وذبول وهالاتٍ تحت عينيها كأنها لم تنم سنة كاملة..
بادلها الابتسامه بدون نفس فقط كي لا يردها خائبة.. كان يبذل مجهوداً عظيماً وهو يضغط على نفسه لتحريك عضلات وجهه فلم تعد به طاقه..
حنين بهدوء بعد أن رفعت الملعقة المليئة بالرز لفمه : وش أخبارك عمي؟ ما شفتك من أمس..
لم يستطع أن يبلع لقمته وهو يشعر بعبرته تتجمع في حلقه حتى غص بها وبدأ يسعل. ثم بمنديلٍ ترفعه حنين حتى التصق بفمه تهتف بضيق : نزلها..
بصق ماكان في فمه يمسح دموعه التي سقطت بصمت بكم ثوبه.. ثم يفتح فمه مجدداً للملعقة المرتجفه التي رفعتها حنين،، مرةً أخرى .. ما إن ابتلع لقمته حتى وأمسك بمعصمها قبل أن تزيده بأخرى يهمس : بس.
حنين بعتب : ما أكلت شي الله يهديك..
عادت العبرة تخنقة حتى أصبح دفعها مستحيلاً فإنفجر يبكي..
انحنت حنين بقلق تضع الصينية أرضاً قبل أن تقول : خلاص مهوب لازم تاكل اذا ماتبي..
ياسر ببكاء مرير : ما أشتهي.
ابتسمت بحنو تتجمع الدموع في عينيها على شكله يبكي كطفلٍ صغير ليس رجلاً كبيراً بشعرٍ تلوّن بالشيب : خلاص براحتك..
ظلت تتأمله يحاول أن يمسح دموعه لكن دون جدوى حتى بات نحيبه يصدح في المكان .. بكت معه تمسح على ظهره : أذكر الله ياعمي لا تسوي بنفسك كذا..
وضع يديه على رأسه بجزع : ولدي راح.. ولدي راح وأنا السبب..
حنين : تعوذ من ابليس.. بدر...
ثم بغصة تابعت : بدر راح لأن عمره خلص.. أنت مالك ذنب..
هز رأسه ينفي فلا أحد يستطيع أن يفهم.. لا أحد سواه فهذا من جنِي يداه.. أشار بيده على نفسه بحسرة : أنا جبته لعيالي.. أنا اللي سويت بعيالي كذا.. بدر كان حاس إنه بيموت شفته ليلتها يشكي من قلبه.. ولدي كان حاس وأنا تركته يطلع من عندي بدون حتى لا أضمه..
آآخ لو كنت أدري.. آآآخ بس.
حنين بحسرة أكبر : أنا وش أقول أجل يا عمي!
ثم أردفت بصعوبة : بدر الله يرحمه الحين مايبي منك الا الدعاء.. لا ليت بتفيد ولا الدموع بتفيد، ولو كانت الدموع بترجعه كان قعدت طول عمري أبكي.. عمي أنا وعياله محتاجينك.. أنا لحالي ما أقوى أبي من يسندني.. والله لو أعلمك باللي أحس فيه الحين كان.. كان...

لم تستطع أن تكمل كلامها وهي تشعر بشهقاتها تمزق حنجرتها.. الفقد صعب و مر وجراحه لا تبرأ أبداً.. ليلتها بكت حنين عمرها كاملاً تشكي لياسر الذي لم يكن أحسن حالٍ منها .. كان في الليلة الماضية حلم ببدر يركض مبتعداً يلحق بالفتى الصغير الذي هرب بهلع بعد أن صرخ ينادي أصحاب المنزل الذي اَضرم فيه النار بمشاركة حمد. ليستيقظ مرعوباً يتصبب عرقاً في داخله صوت يوبخه ويحمله الخطأ مئة بالمئة..
.
.

أتى الخميس الذي كانت تنتظره بفارغ الصبر.. تشعر بطوفانٍ سيجرفها من مشاعر الشوق واللهفه وهي تنتظر الدقيقة التي سيدخل فيها عليها.. مضى أسبوع كامل دون أن تراه سوى بالصور التي كان يرسلها لها بقروب العائلة بعد أن الحّت عليه ..
" حرام عليك أرسل لي تصبيرة.. اشتقت لك خطاب. " كان هذا ماهمست به بيأس في الهاتف عندما كانت تحادثه قبل ثلاثة أيام..
ليقول ضاحكاً : قايل لك بلاها سالفة السفرة ذي..
هلا بهدوء : كان لازم ، عشان أهلي.. أنت عارف!
غير إني يوم شفت خالد أبو راس طقتني أم الركب زين ماكبيت العشا..
خطاب : طيب أنا بعد مشتاق لك.. أنتي حتى موب راضية تطلعين معي من وراهم!
هلا بدلع : بصراحة عاجبني الوضع وأنا العب دور البنت اللي في فترة الخطوبة.. ما يصير أطلع معك قبل العرس وش بتقول الناس؟
ابتلع ريقه ونبرتها المترفه بالدلال عبثت حتى بصوته فخرج مبحوحاً : بنت!
ضحكت : خلاص طيب برسل لك صورتي.
خطاب بجدية : عشان اذبحك.
هلا بنبرة مشاكسة : شوفها وامسحها ياخي..
خطاب بنرفزة : لا أشوفها ولا تشوفني قلت لأ يعني لأ أخاف تروح لأحد ثاني بالغلط غير إني قايل لك من أول لا تتصورين بالجوال..
ضحكت حتى تعبت : يا أبو عقل متحجر كل الناس تصور..
خطاب : قولي اللي تقولينه و بعدين تعالي وش أسوي بالصورة؟ شايفتني مراهق عندك وبقعد احبحب الشاشة؟
هلا بخبث ضاحكة : تصبّر فيها لين الله يفرجها ياخي.. أنا هنا أحاول اعطيك حلول..
ليلتها وبعد أن انتهت المكالمة الطويلة لم يدع خطاب وضعية في خاطره إلا وتصور بها .. حتى امتلأ هاتفها بهم.. .. واقفاً أو جالساً.. يضع قدماً على الأخرى أو يرفع اصبعيه السبابة والوسطى.. يقرب عدسة الكاميرا من وجهه حتى أصبح لا يظهر منه سوى هدَب عينيه أو يبعدها جداً لدرجة أن هلا استطاعت أن ترى الفوضى العارمة خلف الأريكة التي كان يجلس عليها لترسل له عدد لا نهائي من الوجيه الغاضبة " خطاب وش ذا اللي ورى الكنبة؟"
.

كانت هلا تتأمل الجالس أمامها بعينين تتلامع.. عين فاض منها الحب حتى غطى ملامح وجهها التي تشنجت من شدة الابتسام.. رغم أن سرحانه كان كثيراً.. يتحدث قليلاً ثم يصمت شارد الذهن ولم تخفى عليها فزتّه عندما دخل زيد للمنزل مبتسماً ثم يجلس بجواره لتتبدل الابتسامه، يتهامس معه بشيءٍ لم تسمعه وملامح كلاهما جامدة..
تلفتت حولها تبحث عن خالد فهذا هو وقته ، هو الوحيد الذي سيستطيع أن يلتصق بهم حتى يسمع همسهم .
سلوى : وش عندكم تتساسرون؟
ابتسمت هلا تهتف بصوت مرتفع : اااه الحمدلله ،، ينصر دينك يمه.. أخيرا أحد انتبه غيري أنهم خامرين على بلى..
زيد يرتشف من فنجال قهوته التي بردت مبتسماً : شي بيني وبين خطاب .
ثم مد فنجاله موجهاً حديثه وحركته لها : قومي زيديني قهوة واتركي عنك اللقافة..
عبست تقف تأخذ الفنجال من بين يديه : هذا وأنا عمة عيالك الوحيدة تعاملني كذا!.. الله يسامحك.
زيد بابتسامة أخفاها بطرف الفنجال : هذا من سوء حظهم الضعوف.. بعدين وش الاسطوانة الجديدة ذي توك تكتشفين إنك الوحيدة ولا تو الإحساس يتفعّل عندك؟
سلوى بضحكة : جات سلوى وجابت الإحساس معها..

لم تتفاعل معهم ولا مع ضحكهم عليها وأخذت فنجال خطاب الذي رفعه لها يبتسم بتودد وهو يرى عبوس ملامحها وشفتيها التي امتدت بزعل.. رغم كل ماكان يدور في باله من تفكير وقلق واضطراب ضربه من منذ الأمس إلا أنه لم يستطع أن يتشاغل عنها.. ولا عن النظر لها وتأملها.. كانت ترتدي جلابية منزلية بسيطة جداً لكنها ومع كامل بساطتها كانت زاهيةً فخمةً على تقاطيع جسمها.. أخذ نفساً بعد أن امسك مامدت له دون أن يترك يدها يشير بعينيه للمكان الفارغ بجانبه يحرك شفتيه بدون صوت : اقعدي جنبي..
رغم أن عبوسها زاد و شفتيها امتدت أكثر إلا أنها جلست بجانبه تلتصق به جداً تتصنع الزعل..
دارت الأحاديث وشاركهم خالد الذي عاد من الخارج شماغه مسحوب للخلف يثبته بعقاله إذ أن حتى زيد علق : وش هالنسفة الخايسة تقل سواق سطحة؟
ضحك خالد يبعد شماغه عن رأسه : أراكض ورى حلالي وأنا أخوك ..
ثم وجه حديثه لهلا : اعتذر إني بفقع فقاعتكم وأخرب انسجامكم بس قومي قهويني..
خطاب : قم أنت قام عصبك..
رفع سبابته مهدداً : لو سمحت لا تخرب أختي علي.. هلا قومي.
هلا تميل عليه متعمدة تتصنع الدلع : خطااب أقوم؟
تلفت خالد حوله : وين النعال ؟ ذي اللي بقوم أكوفنها الحين.. قومي أشوف.
كادت أن تقف لكن خطاب سحبها لتعود جالسة ويقف بدلاً منها : خليك جالسة أنا بقهويه.
عضّ خالد جانب يده دلالة على التحسر : يانعنبااا بس..
ضحك متجاهلاً تعليقه ومد له فنجاله ثم اتجه لهلا يمد لها فنجالاً آخر : سمّي قلبي..
اخذته منه بخجل فابتسامته كانت شيئاً لا يوصف : سم الله عدوك..
خالد من خلفه : تؤتؤتؤتؤتؤ.. أتمنى التحلي بالآداب العامة ياشباب.. مو لأن أمي قامت تتمادون.. ترى حنا اخوانها وموجودين..
جلس بجانبها : أقول هلا مشينا البيت.. نادي سالم.
خالد بضحكة : زعل علينا النسيب.. مير مابغى شغلك يخلص الحمدلله..
هلا : تبي الفكّه أشوف!
خالد يغمز ممازحاً : لا والله بس اشتقت لخطاب..

قبل خروجهم هتف زيد بهمس مسموع لخطاب : خلاص مثل ما اتفقنا...
ليلتصق به خالد طيلة الليل يسأله بإلحاح : وش اللي مثل ما اتفقنا؟ وش اتفقتوا عليه؟ وانا ويني من هالاتفاق؟
.
.

مضت ثلاثة أيام منذ أن عادت هلا لأحضان منزلها الذي وعلى الرغم من صغره كان كبيراً واسعاً في عينيها.. كانت سعادة خطاب بها واضحة فكان طيلة الوقت يُجلسها بجانبه ينظر لها مبتسماً وسالم أمامهم يعطيهم ظهره يتشاغل باللعب بجهازه.. كان يتحسس كفها بين يديه كأنه يريد التأكد من أنها أصبحت معه وبجانبه وأن الجليد الذي كان يهدد حياتهم قد ذاب تماماً..

" تو الحين أحس إني حييت " قالها خطاب مبتسماً لها وهو يتمدد بجانبها ينظر لوجهها الذي أغرقه بقبلاته الرقيقة يتأملها وكأن قلبه بين يديها.. و كان يرددها كل ليلة مغرقاً وجهها بقبلاته ليتأكد من أن مايعنيه قد وصلها وشعرت به.. : تدرين وش ودي الحين؟
همس لها وهو يشد على كفها فوق خده ليرى ابتسامتها التي تذوب خجلاً تتسع : وش؟
خطاب بهدوء : ودي كل اللي أنا فيه الحين يعدّي.. وأشوف كيف بتصير حياتنا بعده..
هلا : بيعدي ان شاءالله.. طال الزمن ولا قصر مصيره يعدي..

ليلتها نامت هلا ويدها لازالت في يده التي قربها من صدره .. ينظر لها بأمل وكأن الحياة والمستقبل بين جفنيها.. جافاه النوم حتى لم يبقى الكثير على منتصف الليل.. وقتها اهتز هاتفه الموضوع تحت وسادته.. ليعرف من المتصل دون حتى أن يتأكد منه.. رفع يد هلا يقبل باطن كفها بعمق ويتأمل وجهها بحب ليهمس قبل أن يبتعد بهدوء يبدل ثيابه خارجاً من الغرفة : استودعتك الله يا حبيبة قلبي ..
.
.

فتح باب غرفته ليدخل يجر أقدامه خلفه بتعب بعد عودته للتو من رحلة شاقه.. توقف في خطاه قبل أن يتقدم خطوة واحدة بعد أن أغلق الباب خلفه وينتبه للإنارة الصفراء الخافته التي تغرق بها الغرفة.. استدار برأسه مستنكراً فرأى التي ترتدي قميصاً قصيراً أسود اللون تجلس باستحياء على الكنبة تسترق النظر من بين أهدابها الطويلة وتظن أنه لا يلاحظ ذلك.. ولكن الحقيقة كانت أنه و منذ أن فتح باب غرفته تخترق رئتيه رائحة البخور وشيء آخر أكثر فتنة شبيه بعطر ضي حتى وشعر بأن أنفاسه فرّت منه.. لاحظ كل شيء ابتداءً من تموجات شعرها الناعمة والذي كانت تفرقه من المنتصف.. نصفٌ خلف أذنها والآخر ينسدل بنعومة على جانب وجهها.. و زمها لشفتيها التي تلونت بأحمر شفاه تناغم مع لون بشرتها الذهبي.. واستقامة ظهرها رغم جلوسها.. وانتهاءً برعشة يديها التي كانت تحاول السيطرة عليها بالضغط على أصابعها لكنها كانت واضحة له رغماً عنها. شعر بأن نسيماً بارداً هبّ على روحه وأنعشه.. كان في قلبه شعورٌ خاص لها يشعر به يعبث بأوردته ما إن يراها وكأن لها قوةً خفية عليه.. كان جبروت وجودها معه في نفس المكان دائماً يغلبه حتى بات يتعثر بالكلام معها يخشى من أن تخرج كلمةً تفضحه وتفزعها..

ابتسم وهو يرى تراخي أكتافها بعد أن كانت تشدها بعنفوان وكأنها تعبت من الانتظار : يا سلام يا سلام أنتي هنا وأنا صار لي ساعة تحت أنتظرك؟
ابتلعت ريقها و وقفت تنظر له نظرة سريعة قبل أن تنزل بصرها : أنت جيت؟.
خالد بجمود : لا أبد أكلمك من الصالة اللي تحت حالياً..
رفعت رأسها تضحك من أعماق قلبها تضع يدها على فمها ونظرات خالد الذي شقت الابتسامة خديّه تكاد تخترقها.. أصبحت شيئاً مختلفاً الآن في نبرتها حياة وفي ضحكتها ارتواء ولم تعد تلك النحيلة شديدة الذبول وكأن روحها خرجت من مقلتيها..
رفعت حاجبيها ببراءة لازالت نبرتها ضاحكة : ما انتبهت!..
ضوّق عينيه : كل هالحضور والهيبة اللي تغطي المكان من اجي وتقولين ما انتبهت؟ اوكي مافيه مشكلة،، بأسوي نفسي مصدق.
لكن ... مم...؟
اشتعل جسدها وهي ترى ارتفاع حاجبه بخبث وهو يشير برأسه عليها مستفسراً ماترتدي : وش؟
اقترب منها يضع يديه على عضديها يحركها ويديرها وكأنه يتفحص شيئاً ما : أشوف أشوف.. هذا ما كأنه ذاك القميص ؟؟
عقدت حاجبيها بقلق : وش فيك؟
خالد بشهقه : إلا هو.. والله هو.. اه أحس إني دايخ اسنديني بالله.
أمسكت ذراعيه بخوف : بسم الله عليك وش فيه؟
خالد : ذا القميص الأسود ماغيره اللي ذاك اليوم ؟
ليردف بعد أن عقدت حاجبيها بعدم فهم : يوم تجلديني؟.. آه.. جاتني عقدة منه افصخيه افصخيه بسرعة.

بهت وجهها بعد أن بدأ يحاول تحرير كتفها من الخيط الرفيع الذي يمسكه و على وجهه ابتسامه واسعة لتدرك ماينوي فعله.. صفعت يده بقوة : هيه أنت.. خير؟..
سحب كفه بسرعه يفركه بألم: احح.. والله بديت أصدق أن اللون الاسود له تأثير عليك.. يدك حارة وتوجع يختي..
ضحكت : احتفظ بيدك لنفسك ولا بيجيك شي.. بعدين ايه هو نفسه انا متعمدة لبسته..
قلّب ملامحه : ايه عشان تلاقين عذر تضربيني.
ضي بضيق : خالد وش تضربيني والله الكلمة مو حلوة منك.. وإن كنت ذاك اليوم سويت شي ماجاز لك ترى أنت أدرى بوضعي هذيك الفترة، والله إني كل ما تذكرت ذيك الليلة أتمنى الأرض تنشق وتبلعني..
كانت تقولها بأسى بالغٍ شعر به خالد ليقول بود يحاول التخفيف من تقطيبة حاجبيها : ليلة وحدة ومنسية.. والعمر قدامنا ان شاءالله، والقميص الأسود بيكون حاضر شخصياً في كل ليلة إلى أن تروح العقدة مني ومنك ..
ضحكت وهي تشعر بالدموع تتدافع لسطح عينيها تهتف بصدق : ....خالد أنا أحبك..

كانت حريصة على أن ترى ردة فعله لكن لم يصدر منه شيء سوى أن ابتسامته اتسعت وعينيه التمعت.. بشدة : وبعد؟
ضي بإحراجٍ واضح : وش بعد؟ بس..
خالد : أحبك حاف كذا بدون تطريز؟
عقدت حاجبيها الخجل يكاد يأكل قلبها ليتابع خالد : يعني مثلاً..
ثم اقترب يقبل خدها الأيمن بهدوء يهمس مبتسماً بالقرب من اذنها يرفع يدها لتستوي كفها على قلبه الذي ينبض بسرعة جنونية : وأنا أحبك يا قلبي..
ليقبل خدها يهمس مجدداً : كذا..
ابتعد عنها ببطئ ينظر لوجهها الذي كان تأثير الكلمة واضحًا عليه إذ أن عينيها الساحرتين بدأت تلتمعان بجنون.. تهمس : صدق؟
رفع حاجبيه بجديه : وأنا قد مزحت معك؟
كانت كفها لازالت على صدره.. ضحكت من بين دموعها بدون تصديق وهي تضغط على أضلعه بتهديد .. : تقولها صدق ولا تجاملني؟
خالد بابتسامة جادة ونبرة رقيقة صادقة : لو ماهيب صدق كان ما قلتها.. وقفي تشككين بكل شي يا ضي وتأكدي إني إنسان ما استحي و ما أجامل وأعطي بالوجه.. غير كذا مين اللي يعاشرك وما يحبك؟ جمعتي كل شي الله يبارك لي فيك ويقدرني أسعدك مثل ماشوفتك قدامي تسعدني..
احتضنته بقوة تهمس بعبرة : والله إني أحبك خالد.
شد عليها يضحك : سلامات وش هالنبرة؟
ابتعدت عنه بتساؤل : نبرة وش؟
خالد : إيه سوي نفسك مجنونة!! نبرة وش؟
نبرة رذيلة ياعزيزتي..
قاعد أسمع رذيلة.. رذيلة ياهوووه..
.
.

كان منيف يقف في منتصف أحد المستودعات البعيدة والتي تم بناؤها في الخلاء بعيداً عن أعين الرقابة و من يراها من بعيد يبّثُ فيه الرعب ليظن بأنها مهجورة.. لكن الحقيقة هي أن مابداخله يبلغ قدره ملايين الملايين من الريالات.. عدد لا نهائي من أكياس الخيش البنيّة مدفون بين حبات الرز داخلها عدد لا نهائي من الأسلحة قادرة على تدمير أمة كاملة..
كان يقف يزفر أنفاسه بارتباك فبعد الغد ستكون رحلته خارج البلاد للأبد ولن يعود لهذه الأرض مجدداً.. مهما حصل.. فقد اكتفى منها وممن فيها.. هذه المره سيهرب هروباً لا عودة منه ..
ابتسم بينه وبين نفسه وهو يتذكر دانة التي تنتظره في المنزل والتي سحبت حقيبتها الكبيرة حتى أصبحت في منتصف غرفته تبتسم بتودد : أنا جاهزه عشان أول ما تقول يلا ما نتأخر..
ثم تابعت بتردد : بتاخذني معك صح؟
كان قلبه ينبض بحب وهو يرى نظرة القلق في عينيها وهي تعود له دانة القديمة حتى بعد الذي سمعته عنه من المدعو خطاب وكأنها كانت تعني كل كلمة قالتها عندما اعتذرت له .. ليبتسم بود : إن كنتي تبين تجين معي ماني بقايل لك لأ.. بس تأكدي إنه خروج نهائي يا دانة إن طلعنا من هنا خلاص. مافيه رجعه للأبد ..
دانة بسرعة : مايهم.. أهم شي أكون معك..

تأفف.. فخطاب قصة أخرى لم ينساها وسيتأكد قبل ذهابه أن ينتهي منه.. فمجرد أنه تجرأ ليخبر دانة شيئاً كهذا يعتبر مصيبة.. فكيف بعد الذي عرفه عنه؟ ويلٌ لحمد و ويلٌ لياسر من شرٍ قد اقترب لن يجعل غلطتهم هذه تمر دون أن تضر.

نظر لساعة يده وهو يعد الدقائق ينتظر تاجراً يعرفه جيداً وتعامل معه قبلاً كي يأتي وينهي هذه الصفقة.. فبعد الحريق الذي اندلع في مستودع بدر يوم وفاته والذي أكد له الحارس أنه رأى أربع عماله من جنسية غير عربية بأجساد ضخمه وعضلات مفتوله يتقدمون نحوه ليباغتوه ، أحدهم كتفه والآخرين أشعلوا النار في المكان قبل أن يفروا هاربين لتتحول بضاعة قيمتها تعادل ٥ ملايين ريال لرماد.. كان لابد من أن ينهي بعض الأعمال بنفسه ويجمع ما يستطيع جمعه وينطلق مبتعداً من هذه الأرض للأبد ويبدأ حياة جديدة كما فعل بعد هروبه الأول..
سمع صوت الباب خلفه يُفتح بهدوء والتفت بضجر : طولت يا عيسى..
ثم عقد حاجبيه وهو يرى عيسى يغلق الباب خلفه ويتقدم بهدوء لازال يلتثم بشاله..
لم يكن منيف أحمقاً فهو يعرف عيسى معرفة شخصية وتعامل معه قبلاً وجهاً لوجه.. وعيسى لم يكن أبداً بهذا الطول لذا حاول التحكم بأنفاسه المذعورة فكون أن شخصاً غير سائقه الخاص الذي ينتظره خارجاً وعيسى يأتي لهذا المكان الذي لا يعرفه سواهما مؤشر كارثي بأن حياته تقريباً انتهت.. استدار بهدوء يتقدم بخطاه للأمام قليلاً : طولت يا عويس موعدنا كان قبل ساعة كنت بترك المكان وأمشي..
ثم مد يده لتحت خيشة الرز الكبيرة يلف أصابعه حول مسدس صغير كان قد وضعه فور وصوله : زين جيت ولحقت علي..

استدار بسرعة ينوي رفع السلاح ولكن قبل أن تحط عينيه على شيء، شعر بالركلة التي قسمت جزءه السفلي لنصفين من قوتها.. ثم بقبضة اليد التي نزلت على منتصف رأسه من الأعلى كالمطرقة ليشعر بسببها وكأن شيئاً انفجر بين عظام جمجمته .. ثم بركلة أخرى تحت خصره جعلته يتهاوى أرضاً على ركبته.. الضربات كانت سريعة ومباغته لم تدع له مجالاً لأن يستوعب شيئاً أو أن يتنفس حتى.. كان يحاول أن يفتح عينيه ليرى أمامه ولكن لم يرى سوى ألواناً تتداخل مع بعضها على شكل دوائر.. شعر بمن يُكتفه يسحب السلاح من يده رغم مقاومته الضعيفة.. ثم بقطعة قماش تلتف حول معصميه خلف ظهره بكل قوة. ثم بقوة أكبر تدفعه تجبره قسراً على أن يجلس أرضاً..
كانت أنفاسه تتسارع بشكل ملحوظ حتى سمع صوتاً هادئاً : افتح عيونك يامنيف..
شد على عينيه قبل أن يفتحها يرى هيئة الواقف أمامه دون أن يستطيع التثبيت على ملامحه.. عاد يغمض عينيه ويفتحها مجدداً ويكرر الكرّة حتى ثبتت الرؤيا عنده وأصبح الواقف أمامه والذي لا تفصله عنه سوى بعض الخطوات واضحاً جداً.. عقد حاجبيه بخوف وهو يحاول أن يحرر يديه من عقدة القيد خلفه ولكن لم يستطع.. كانت نظرة الواقف أمامه ويشرف عليه من الأعلى كالموت..

ابتلع منيف ريقه يتصنع الثبات وهو يرى الارتعاش الواضح للسلاح المرفوع في وجهه ليهتف بابتسامه : هذا أنت؟
ثم تابع بنبرة مستفزة : خطاب بن سعد المهنا.. ولد سلمى عيّال الرشيد.. زوجة فواز بن أحمد العبدالكريم.. صح ولا غلطان ؟
خطاب وقلبه يرتعد.. أقدامه بالكاد تحمله يشعر بالهلع يضرب أطرافه لدرجة أنه يخشى على السلاح من أن يقع.. مع ذلك قال بابتسامه لا معنى لها وصوت مرتجف : صحيح.. وصلت.. مع إنك تأخرت شوي..
منيف بضحكة هادئة يهز رأسه بعتب : صح.
خطاب وسند.. أنا كيف نسيت؟ ياليتك جيت مع أخوك هذاك اليوم كان ارتحنا.
خطاب بقهر : كنت تظن إني مت وإن اللي سويته ما بيطلع لأحد...
منيف يضحك ليقاطعه : خطاب بابا اصحى أنا لازلت أشوفك خطاب الصغير اللي من أدخل مجلسهم يركض من بعيد عشان أشيله و أدور فيه..
بس صدمتني بصراحة.. يعني كبرت وصرت رجال ومهندس كبير وتخطط وتتزوج بنتي عشان تلوي ذراعي.. شغل جبار يا ولد سلمى بس ماينفع.. بنتي رجعت لي وبالنهاية اضطريت تواجهني بنفسك..

كان منيف في داخله يذوب خوفاً رغماً عنه ولكن ما إن يرى ارتعاش السلاح بين يدي خطاب حتى يعلم بأن الرجل أمامه رغم نظرة عينيه المرعبة يذوب خوفاً أكثر منه : أنا شفتك أكثر من مره كان بإمكانك تخلص علي وترتاح من هذا كله.. بس ما قدرت تدري ليه؟ لأنك جبان وقررت تختار أسهل طريق وهو دانة بس دانة طلعت ذيبة ودتك البحر ورجعتك عطشان هههه..
خطاب بصعوبة : كنت أقدر اوجعك بدانة و أخليك تذوق اللي ذقته بس ما قدرت،، لأن البنت مالها ذنب بوصاختك..
قوّس شفتيه للأسفل بحزنٍ مصطنع : يا حراام .
خطاب : تدري إني أقدر أذبحك الحين و أرمي جيفتك للكلاب تنهش فيها لين تشبع ومافيه أحد بيدري عنك، هي طلقه وحده وبين عيونك من مسدسك هذا، وتنتهي..
منيف لازال مبتسماً رغم خوفه : تؤ، ما تقدر عليها تدري ليه؟ لأنك جباااان ونظيف أكثر من اللازم.. أنت أول مره تمسك سلاح لدرجة أنه مو قادر يثبت بين يدينك..
تسارعت أنفاس خطاب حتى شعر بأنه سينفث ناراً من أنفه.. كان يشعر بأن منيف بابتسامته المستهزءه ونظرته الشامته الباردة التي ينظر له بها يدك حصونه الواهية وكأنه يعلم بأن انهياره لم يتبقى عليه شيء..
ابتلع ريقه بصعوبة : قل عنّي جبان أو سمنّي باللي تبي.. كل هذا مايهمني.. أنا أبي أعرف شي واحد بس.. ليه؟
رفع حاجبيه : وش اللي ليه؟
خطاب برجفة : ليه حرقت بيت أهلي ذاك اليوم؟ ليه طلبت يذبحونهم ومايبقى منهم أحد؟
منيف : أنا بصراحة مو فاهم عن وش قاعد تتكلم!
اقترب منه خطاب يركله في بطنه بكل قوة يصرخ : أنا شفتك.. ليييه؟
منيف بألم بعد ركلته الموجعة : مو أنا اللي حرقتهم .. تحاسب مع ياسر و حمد.. أنا ماكنت موجود يوم صا..
قاطعه بصراخ وبقهر : لا تكذب.. لاااا تكذب .. أنا كنت واقف وسمعت كل شي.. سمعتك باذني توصيهم.... وشفتك.. شفتك وشفتهم.. تكلم،،
ليه ؟
ليه؟
وعاد يركله بقهر من جديد في وجهه وكم يتمنى لو أن يهشّم جمجمته : تكلم ..
صرخ منيف بغضب يعميه والألم يكاد يقتله : لأن فواز يستاهل .. وتمنيت لو إني أنا اللي حرقته بيدي.. كان المفروض أنا اللي أذبحه بيديني الثنتين مثل ماذبحني..

نزل لمستواه يمسكه بيده من ياقة ثوبه بقوة كادت تخنق منيف ليجره نحوه بغضب ال٢٥ سنة مجتمعه لدرجة أنه أصبح لا يرى أمامه ..: أنت ماذبحت فواز بس.. أنت ذبحت عايلة كاملة .. ذبحت ٤ أشخاص غيره.. وأبوي كان صديقك.. كنت تدخل بيتنا وتسولف وتقعد معنا وكأن المكان مكانك.. ليه؟ ليه غدرت فيه ليييه؟
منيف بحقد وصرخة خطاب بعد كلمته الأخيرة كادت تصم مسمعه : هو اللي غدر فيني النذل.. الله لا يسامحه ..
فضحني ودمر سمعتي بس الغبي مايدري إن لحمي مر.. و وراي بدل الرجّال عشرة ..
لكمه هذه المره في منتصف وجهه بقوة يضع فوهة المسدس على جانب رأسه يضغط عليها بكل غضب : تكلم. انطق .. تكلم يال*..

بصق دماً في وجه خطاب متعمداً.. ابتسم بلؤم ونظرة عينيه المتورمة احتدت بحقد : أمنته على سري.. دقيت عليه أبيه يفزع لي. يساعدني اطلع من مصيبتي. جاني .. ولقى في شقتي بزر ..
انقلبت ملامح خطاب بقرف عندما فهم مقصده.. ليتابع مبتسما يستفزه : إيه صحيح.. نفس اللي جا في بالك.. ماكانت هذي المره الأولى.. وكان في كل مره الموضوع ينتهي بدون لا يصير شي أو أحد يدري عن شي.. لكن المره ذي اللي بين يديني ماتحمل فعلتي فيه ومات..
خطاب بدون تصديق : أنت وش قاعد تقول؟
منيف بقهر وكأن ما حدث يعاد في ذاكرته : قيدني وأنا اللي ظنيته أخوي وناديته يساعدني.. ودق على الشرطة.. و بلغ عني النذل ... انسجنت.. وأنهدم بيتي وماتت أمي من خيبتها فيني .. وأبوي أنكر وجودي في حياته وكأنه ماجابني .. بس قدرت أطلع بعد ما صدر حكم مخفف بحقي وكأني ماسويت شي.. تدري ليه؟ لأن وراي ناس أقوى من فواز الجبان اللي انحاش لأنه موب قادر يواجهني.
الجبان النذل .. يظن أنه لا أبعد هو وعياله منيب قادر أوصل له؟.. لكني وفي ظرف شهر قدرت أطلعه.. وطلبت من ياسر وحمد يحرقونه ويحرقون كل شي يخصه.. وما ندمت إلا على إني مو أنا اللي ذبحته.. ليتني حرقته بيدي كان بردت حرتي وأنا أشوفه يتحول رماد قدامي.. كان ودي أعلمه وانا أشوف النار تاكله إن ولده كان بين يديني هو بعد قبل لا يموت.. سند ،، أخو...
انبترت كلماته عندما وقف خطاب بهلع مما سمع يركله بباطن قدمه في منتصف صدره.. ليسقط على الأرض خلفه بكل قوة..
لم يستوعب كمية الألم التي فتكت بظهره ورأسه حتى شعر بألمٍ أشد وخطاب ينهال عليه بالركلات واللكمات وكلمات لن تشفي غليله مهما صرخ بها..

دخل عليه زيد ومن معه من رجال الشرطة الذين طوقوا المكان بعد أن تأكدوا من دخول خطاب كما اتفقوا معه.. ليتوزع الجميع في أماكن متفرقه كلاً حسب مهمته إلا زيد الذي رأى خطاب في حالة هوجاء يكيل الضربات لجسد منيف الملقى دون حراك ويصرخ ويبكي بأعلى صوته.. مسكه بكل قوة ودفعه بعيداً عنه قبل أن يقتله وخطاب يصرخ ويلتفت حتى بدأ يركل صناديقاً وقعت و وقع كل مافيها ..
زيد بهلع وهو يرى سلاحاً بيده : خطاب اذكر الله ..
خطاب ببكاء مرير وحسرة : زيد سمعته وش قال؟ ذبح أهلي زيد ..
ذبح أهلي سمعته؟ شفت وش سوى بأخوي.. آه يا سند آآآه ..

لم يستطع أن يتحمل منظر خطاب منهاراً هكذا فبكى رغما عنه يحتضنه بكل قوة يسحب السلاح من بين أصابعه بسهولة،، غير مصدق ما سمع من جهاز التسجيل الصغير المثبت تحت قميص خطاب : أذكر الله يا أخوي أذكر الله..
كان خطاب يعيش انهياراً فضيعاً فدفع زيد وبدأ يضرب صدره بقوة كادت تكسر أضلعه لينطق بجزع : سمعت وش قال؟.. سمعته!.. زيد زيد أنا شفته يحرق أهلي قدامي.. شفته شايل أخوي بعيوني.. شفته يضحك وهو شايله..
اااه يارب.. اااااه ياااربي .
تدافعت شهقات زيد وهو يرى ابن خالته هكذا. كالطير المقطوع رأسه.. لم تكن هذه المره الأولى التي يرى فيها خطاب بهذه الحالة.. فقد كان خطاب منهاراً طيلة أيام حياته وكأنه منزوع الحياة، لسبب يجهله .. وسماعه اعترافًا يترجم ذلك كله كان شيئاً يفوق الوصف . تحرك خطاب بسرعة ناحية منيف الذي كان يقف على رأسه أحد رجال الشرطة المتوزعين في المكان.. ليدهس بحذائه كتف الغائب عن الوعي تمامًا ثم يرفع قدمه ليدهس بها وجهه.. بكل قوة!

حاول زيد أن يبعده عنه ولكن قوة خطاب كانت مفرطة وكأنه بركانٌ خامدٌ دهراً وانفجر الآن .. كرر فعلته مجدداً ولكن هذه المره تأكد من أن عظام وجهه تفتت عندما قابل باطن حذائه ملامح وجه منيف الداميه بعد أن بصق عليه ..
دفعه زيد للخلف وحاول تثبيته على الأرض هو ومن حوله من الأمن وخطاب لازال يبكي بجزع : لا حول ولا قوة الا بالله .. خطاب أهدى وخذ نفس.. لا تسوي بنفسك كذا..
كان خطاب كمن يهذي بسبب الحمى حتى أن صوته قد اختفى من شدة البكاء والصراخ فخرج مقطوعاً موجعاً : أنا شفته بعيوني.. شفته بعيوني. شفته بعيوني يا زيد.
مسح زيد خده بكتفه يمحي دموعه التي تأبى أن تتوقف والتفت للضابط الجالس بجانبه : لا هنت يا فالح وصله البيت.. وأنا مع الشباب بنغطي مكانك هنا..

ابتلع زيد عبرته وهو يرى الدورية تشق طريقها في الظلام مبتعده تحمل داخلها خطاب و الضابط فالح الذي أخذ وصف المنزل منه..

حاول أن يتحكم بصوته وتنفسه قبل أن يتصل بهلا اللي ردت بخوف : الو.
زيد بصوت محتقن : الو هلا.. ماعليه صحيتك من النوم..
هلا بخوف خصوصاً وأن مكان خطاب خالي بجانبها : لا عادي .. وش فيه صوتك ؟ صاير شي؟
زيد بعبرة حاول أن يمنع خروجها لكنه لم يستطع : خطاب بيجيك الحين.. افتحي له الباب..
هلا بهلع : خطاب فيه شي؟ وش فيكم زيد؟
مسح دموعه وتنحنح يقوي صوته : بفهمك كل شي بعدين.. المهم انتظري خطاب وافتحي له بيجيبه واحد من العيال.. وانتظري لين أجيك أنا و أفهمك كل شي لا تسألينه ترى اللي مر فيه الليلة ما يعلم به إلا الله .

كانت هلا تبكي بخوف وهي تمتر الصالة ذهاباً وإياباً.. لا تعرف شيئاً مما حصل مع ذلك كانت تشعر وكأن عظامها ستذوب مما تشعر به الآن من رعب.. حاولت الاتصال على خطاب أكثر من مره لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل فهاتفه مغلق.. مضت ما يقارب الساعة والنصف منذ أن تلقت اتصال زيد يخبرها عن خطاب الذي لم يأتي بعد..

ما إن سمعت صوت الجرس حتى وركضت للباب تلتصق به تسأل برجفة : مين؟
كانت الساعة عدت الرابعة فجراً لذا قال بهدوء : أنا جايك من طرف الضابط زيد.. ومعي أخوه..
فتحت الباب تقف خلفه لا يظهر منها شيء لترى اليد التي تمسك بذراع خطاب تمتد به حتى استقر خطاب واقفاً أمامها يعطيها ظهره..
هلا بعجل : خلاص شكراً الله يعطيك العافية..
فالح : انتبهي يا اختي جودّيه زين تراه يهاذي ماهو بوعيه..
سمعت ماقال وأغلقت الباب بسرعة وهي ترى خطاب يترنح بوقفته حتى سقط على ركبتيه.. انحنت أمامه لم تمنع نحيبها من أن يخرج خوفاً وهي ترى وجهه وعينيه المتسعه بذهول : خطاب. . خطاب تسمعني.. خطاب..
رمش أكثر من مره وما إن ثبتّت عينيه صورتها أمامه حتى وانهارت ملامحه يهتف بتشتت : هلا.. هلا..
أمسكت بوجهه بين يديها تهمس : نعم حبيبي..
خرجت منه "آه" خافته موجوعة من أعماق قلبه شعرت بها هلا تمزق أعماق قلبها ..فقالت بحنو رغم رعشة صوتها : سلامتك حبيبي. وش فيك وش تشكي منه؟
كانت النظرة في عينيه قادرة على أن تهد جبلاً من كمية الألم الذي تختزله داخلها .. ربّت على صدره بوجع يهمس بتوهان : قلبي يوجعني..
أحس إني بموت..
بمووت..
ثم انهار ببكاءٍ مرير وهو يشق قميصه من الأعلى يشعر بأنه سيختنق : آآه يمه . . آآآآه..

.
.

كان خالد يصعد الدرج عائداً من صلاة الفجر بكل خمولٍ وكسل يلقي بثقله على الدرابزين وكأنه يتسلقه.. حرفياً..
دخل غرفته ليجد ضي لازالت على سجادتها في المساحة الخالية بين الحائط خلفها والسرير أمامها كي تضمن بأن لا يقطع الداخل للغرفة صلاتها .. لا يظهر منها سوى رأسها تتمتم شيئاً ما إن رأته حتى سكتت وابتسمت له من أعماق قلبها ابتسامة شعللت قلبه الناعس.. مشى بتكاسلٍ ناحيتها حتى تمدد على الأرض يضع رأسه في حضنها ويغطي وجهه بطرف شرشف صلاتها.. ضحكت: تقبل الله حبيبي..
حمد الله في سرّه أن وجهه محجوبٌ عنها وإلا لكانت رأته يبتسم الابتسامه البلهاء إياها والتي اعتلت وجهه بشكلٍ محرج : منا.... و..منك..
ضحكت تبعد مايغطي وجهه : وش فيك؟ قم صحصح النوم ما إنخلق لعيون الذيابه..
خالد بنعس والحروف بالكاد تخرج : أنا في هاللحظة ذي راضي أكون دجاجة بس خلوني أنام..
ابتسمت ضي بحب وهي تراه يغمض عينيه بعد أن ثقلت جفونه.. بدأت تمسح على شعره الذي جففته بنفسها قبل ذهابه خشيةً من أن يلفحه الهواء تتمتم بالاذكار تحصن نفسها وتحصنه وعلى تمتمتها شعر خالد بأن قلبه يرفرف بين جوانحه حتى غفى فعلاً..

عبس وهو يسمع صوت رنين هاتفه الذي تركه موصولاً بالشاحن القريب من رأسه قبل خروجه مع والده للمسجد القريب من منزلهم ثم بصوت ضي تهتف بهدوء : خالد جوالك..
خالد على مضض : ماعليك ماعليك..
ضي بقلق : وش ما علي أقولك جوالك يدق.. قم شف مين.
خالد بضيق : أكيد الاتصالات أو معجبة.. ماعليك ماعليك..
ضي متجاهلة كلمته الثانية : الاتصالات الساعة ٥ ونص الفجر؟
لكنها سكتت عندما ارتخت ملامح خالد وسكت هاتفه.. عاد يرن مجدداً فتأفف دون أن يتحرك من مكانه أو أن يفتح عينيه حتى : يووه وبعدين يعني؟
ابعدت رأسه و وضعته على الأرض فوق السجادة برفق وتشقلبت فوق السرير -حرفياً- حتى وصلت للطرف الثاني ورفعت هاتفه تفصله من السلك الموصول به.. رأت الاسم وعقدت حاجبيها بقلق وعادت لخالد بنفس الطريقة التي ابتعدت فيها عنه لتجده يلتف بالسجادة يغطي جزءه العلوي حتى أصبح كعود السجائر ويبدو غارقاً في النوم..
ضي : خالد خالد..
خالد بتذمر وصوت أقرب للبكاء : هااااه. ما أنام يعني والله بموت..
عقدت حاجبيها : أسفه حبيبي بس هلا تدق عليك..
حاول التحرر من الشرنقة التي صنعها حول نفسه وكان وكأنه يتعارك مع قطعة القماش المسكينة حتى تحرر منها. وما إن نجح حتى وتنفس بقوة يفتح عينيه على اتساعها : قلتي مين؟
مدت الجوال الذي لازال يرن ولكن أصمتته : هلا ..
خطفه من بين أصابعها ليرد جالساً بخوف : الو.. خير هلا؟ الو ..
وش فيك تصيحين؟ بنت وش صاير تكلمي؟
هلا أهدي ماني قادر افهم شي..
ايه؟ ايش؟ بشويش والله مانيب فاهم عليك..
طيب.. طيب طيب الحين جاي بس تكفين وش فيه؟
صاير فيك شي أنتي ؟ طيب طيب جايك الحين..

كانت ضي تقضم أظافرها بتوتر وهي ترى الكلمات تخرج من بين شفتيه كالرصاص.. ما إن أغلق الهاتف حتى قفز واقفاً لتقف معه : وش فيها هلا؟
بدأ يتلفت حول نفسه بقلق : ما أدري أنا رايح لها أشوف الله يستر.
مشى لمنتصف الغرفة يخلع ثوبه بدون وعي ثم ينظر له قبل أن يعاود ارتداءه مجدداً يسأل بتشتت : وين شماغي وعقالي؟
عقدت حاجبيها : وش تبي بشماغك الحين؟
ابتلع ريقه يبحث في جيوبه ثم يرفع كفيه المرتجفان وصوت بكاء هلا شلّ أطرافه : أحس ماني قادر أتحرك..
خلعت شرشف صلاتها ترميه بعيداً عنها وركضت حيث عباءتها المعلقة : دقيقة بجي معك..
ابتلع خالد ريقه مجدداً لا يقوى على الحركة وهو ينظر لها تلف شعرها المبلل بسرعة قبل أن تلف غطاءها فوقه.. كان مرعوباً تصلبت شرايينه يخشى من أن يكون هناك سوء حل بخطاب فهو وعلى الرغم من عدم فهمه لمعظم كلام هلا لكنه متأكد من سماع اسم خطاب بين نحيبها .
ما إن انتهت ضي حتى وخرجت من الغرفة تسحبه خلفها بالقوة ..
.

كانت ضي تجلس على الأريكة التي تنتصف الصالة. يتمدد واضعاً رأسه على فخذها سالم الذي استيقظ مرعوباً على صوت ضرب خالد للباب ثم الأصوات المرتفعة التي تبعت دخوله..
تلفتت ببصرها تنظر للشقة والتي وعلى الرغم من صغرها كانت بالغة الأناقة والترتيب وكأن هلا عمدت أن تجعل بصمتها في كل زاوية..
ابتلعت ريقها بقلق وهي تنظر لشاشة هاتفها تنتظر اتصالاً من خالد أو حتى رسالة يخبرها فيها أن خطاب بخير..
كانت هذه المره الأولى التي ترى فيها خطاب.. والمره الأولى التي ترى فيها هلا مع خطاب.. كان وجهها مخطوفاً وكأنها عاشت ليلة مرعبة بعد أن فتحت الباب تسحب خالد من ذراعيه لخطاب الذي كان واقعاً بالقرب من عتبة باب دورة المياة.. : كان يستفرغ ويوم جا بيطلع طاح ولا عاد قام..
بالكاد استطاع خالد أن يرفعه من على الأرض بسبب الرعشة الواضحة التي كانت تعتري جسده.. يسأل هلا بأنفاس مقطوعة و وجه مخطوف: وش صار؟
وكان هذا آخر ماسمعته منه قبل أن تغلق الباب خلفهم تصرخ بقلق : طمنوني تكفون لا تخلوني على أعصابي .

وصلها صوت الصغير : خالتو ضي.
ابتسمت تمسح على شعره : نعم حبيبي .
سالم بقلق : أمي بتطول؟ خطاب فيه شي؟
ضي : إن شاءالله لأ.. شوي وبيجون كلهم.
ثم عادت تنظر لشاشة هاتفها بيأس..
عاد سالم يقول بعد أن تغيرت نبرة صوته : طيب أنا جوعان..
ضحكت : أفا عليك بس كذا؟ قم معي المطبخ وش مشتهي؟
جلس ينظر لها بشك : تعرفين تطبخين؟
اتسعت ابتسامتها تهز رأسها بحماس : إيه أعرف ، وش مشتهي أنت بس علمني .
سالم : أبي رقائق الذرة.
عقدت حاجبيها: وش رقائق الذرة؟ أنا أعرف أطبخ بس هذا الشي ماقد مر علي..
وقف يسحبها معه حتى أخرج مايقصد من أحد الأدراج..
ضحكت : ااه تقصد كورن فليكس.. من وين جايب رقائق الذرة أنت؟ أشوى بسيطة،، أقعد على ما أجهزه واستعد تذوق ألذ رقائق ذرة في حياتك كلها..
.

وعت ضي -و لم تدرك بأنها نامت- على رنين الجرس.. اعتدلت جالسة بعد أن كانت تتمدد على الأريكة تتذكر أن سالم كان يتمدد بجانبها تتابع معه فيلماً كرتونياً بجهازه اللوحي..
ترفع هاتفها المدفون تحت وسادتها لتصدم أن الساعة أصبحت ١١ صباحاً ولم يردها اتصال من خالد.. تلفتت حولها تبحث عن سالم بقلق ولم يمهلها صوت الجرس فرصة أخرى كي تبحث عنه عندما رن هذه المره بشكلٍ متواصل..
تحركت من مكانها بسرعة تحاول أن ترفع شعرها بمشبكها ولكنه انسل من بين اصابعها المتراخيه لتتركه وتفتح الباب بعد أن تأكدت من هوية الطارق..
دخل خالد بهدوء ونبرة متعبه : السلام..
نظرت خلفه تبحث عن هلا لتجيبه باستغراب : وعليكم السلام..
ارتمى على الأريكة التي كانت تنام عليها يتنهد بإرهاقٍ واضح يراها لازالت تقف عند الباب : قفلي الباب خلاص..
اغلقته واستدارت تمشي باتجاهه حتى وقفت عند رأسه : وين هلا ليه ما جات معك؟
خالد بتعب واضح يدلك جبينه وعينيه شديدة الاحمرار : قعدت عند خطاب..
ضي بقلق : وش فيه ان شاءالله شي بسيط؟
مد يده يمسك بأصابع يدها المتدليه قريباً من رأسه يصمت قليلاً يتشاغل بالنظر لها عن النظر لضي..
عقدت ضي حاجبيها بقلق وهي ترى نظرته السارحه على سبابته التي تتحرك على ظهر أصابعها.. لتهمس : خير خالد؟ خوفتني!
رفع بصره لوجهها ينظر لها بعينين شديدة الالتماع.. في نظرته أسى وتوهان غريب لأول مره.. نزلت على أقدامها تشد على يده الممسكه بيدها تهمس بخوف : خطاب صار فيه شي ؟ هلا وينها؟
خالد بعد صمت: لالا. خطاب بخير وهلا عنده ماطاعت تتركه وتجي..
ضي باستغراب: طيب؟
خالد : الدكتور يقول إنه تعرض لصدمة نفسيه سببت له انهيار حاد..
ضي : يا ساتر..
خالد بضيق : أنا بنهبل واعرف وش اللي صار.. هلا مهيب فاهمة شي وادق على زيد وجواله مقفل.. وخطاب من مهدئ لثاني ومانعين أحد يدخل عليه.. أحس راسي بينفجر يا ضي..
مسحت على شعره بيدها الأخرى تبتسم في وجهه بعطف : سلامة راسك حبيبي.. هد نفسك الحمدلله انه بخير وهذا اهم شي الحين.. إن صحى إن شاءالله بيعلمك يمكن مشاكل بالشغل.. قم معي بسوي لك شي تاكله وخذ بنادول ونام لك كم ساعة وبعدها روح له المستشفى وبتلاقيه صاحي ومافيه إلا العافية..
اتسعت ابتسامتها وهي تراه ينظرها بنظرة ممتنه.. ليقول رغم التعب الذي اتضح بصوته مبتسماً : ودك نحوس بيتهم شوي؟
ضحكت : والله شفت مواعين وقدور بالمطبخ تشهي الواحد يلعب فيها.. قم معي..

.
.

كانت دانة تجلس في صالة منزلها بالدور السفلي.. تشعر بالبرودة وكأن روحها تعيش داخل جسدٍ ميت.. تنظر بعينين مرعوبة للأفراد الذين توزعوا في أركان المنزل يفتشون المكان بعد أن اشهروا في وجهها إذن النيابة العامة بذلك..
.
بكل هلع كانت تحدثهم من السماعة الخارجية عندما رن الجرس : بس البيت مافيه رجال كيف تدخل علي أنت وياه؟
الضابط : يا أختي اتصلي على محرمك أو من ينوب عنه يجي الآن ضروري.. أنا معي إذن من النيابة ولا اقدر اتأخر ..

وقتها شعرت بتوهان وأن الأرض باتت هلامية تحت أقدامها.. اتصلت على جدها المختفي منذ البارحة ولكن لا إجابة.. أعادت الاتصال مره واثنتين وثلاثة ولم تيأس بل واصلت حتى يئست.. اتصلت على عمها فارس ولم يجبها لتتذكر وقتها أنه عريس ومن المؤكد أنه خارج البلاد مع زوجته..
بكت بقل حيله وهي تتصل على والدها ليغلق الخط في وجهها قبل حتى أن تتكلم.. جلست على الأرض تمسح دموعها بيد مرتعشه وإتصلت على الجازي التي ما إن ردت بترحيب حار حتى وسكتت بخوف وهي تسمع صوت نحيبها..

أتت على وجه السرعة برفقة رجل تراه دانة لأول مره لتعرّفه جدتها : هذا عمك منصور .
نظر لها منصور بتفحص : ذي بنت جابر اللي قلتوا عنها؟

والآن تجلس بجانب جدتها التي تشد على اكتافها بقوة.. وحنو.. وعمها منصور يتحرك في المكان كالأسد الجريح يهمس بغضب بالقرب من والدته : الله ياخذه الله ياخذه مفشلنا طول عمره..
الجازي : وش مصيبته المره ذي الله يصيبه؟
منصور بحقد : ما أدري مافيه أحد راضي يجاوبني..

بينما هم يتهامسون يكيلون الشتائم والدعاوي على جدها.. هي كانت تشعر بأنها تهوي في حفرة لا قرار لها..

.
.

اجتمع زيد بأفراد عائلته بعد أن عاد هو ووالده من صلاة العشاء يرافقهم خالد بوجهٍ أسود.. دخل الصالة بعد أن صعدت ضي للأعلى تأخذ سالم معها والذي كان يطرح أسئلة لا نهاية لها دون أن يجيبه أحد حتى بدأ يبكي، ليجد هلا لازالت بعباءتها بعد أن عادت معه من المستشفى تجلس بجوارها والدته بوجهٍ شاحب وملامح خائفه بعد أن عرفت بأن خطاب في المستشفى..

ما إن رأتهم حتى قفزت من مكانها : وش فيه خطاب ليه محدٍ راضي يعلمني؟
تركي بهدوء وعينه على هلا التي لم ترفع بصرها من الأرض حتى بعد دخولهم وكأنها في عالمٍ آخر : السلام عليكم..
" وعليكم السلام" .. قالتها سلوى بسرعة وصوت مرتجف وهي تراه يتعداها ليجلس بجوار ابنته يشدها لصدره يقبل رأسها وهلا تستجيب بميلانها له وخط من الدموع تشكل على خدها بصمت.
عادت تنظر لأبنائها،، خالد لازال واقفاً مكانه و زيد الذي جلس على الكرسي المفرد بعد زفرة خرجت من أعماق قلبه..
انقطعت أنفاسها : خالد وش السالفة؟ خطاب وش فيه؟
تركي : مافيه شي يابنت الحلال اذكري والله وتعالي اقعدي..

انصاعت ليدي خالد التي قادتها حتى جلست ليجلس بجانبها يهتف بحنو : مافيه شي يا أمي تطمني قبل لا أجيكم كنت عنده الدكتور يقول وضعه زين ولا يخوف..
سلوى بإنفعال: شلون وضعه زين وأختك من جت وهي مكتمه تقل في عزا وأنتم وجيهكم تتصفق؟ لا تخبون علي خطاب وش فيه أنا منيب بزر عندكم تسكتوني بكلمتين.. تكلم أنت وهو أشوف.. ولا ودوني له الحين اشوفه واتطمّن عليه بنفسي..
أخذ زيد نفساً عميقاً قبل أن يتقدم بجسده يتحدث بصعوبة : يمه وين نوديك الله يرضى عليك.. خطاب ممنوعة عنه الزيارة .
جن جنونها : وتقولون بخير ومافيه شي؟؟ تكلموا ذبحتوني وش فيه ولدي؟؟

بدأت شفتي زيد تتحرك بثقل يحكي لها ما سمع.. وماحدث وكأنه يعيشه مجدداً..
كان وقع كل كلمه تخرج من بين شفتيه أكبر من سابقتها.. تشعر بها ثقيلة تحط على قلبها واحدة تلو الأخرى حتى حطمته تماماً..

.

نام سالم على صوت ضي تحكي له قصة (الشرطي البطل الذي أوقع بالمجرم) والتي كانت أحداثها وليدة اللحظة فقط لتشغل باله عما يحدث، فالصغير قد أكثر الأسئلة التي لا تعرف إجابتها.

كانت تبتسم وهي تجلس على طرف السرير بجانب جسده النائم تمسح على شعره بحنانٍ مفرط تتأمل ملامحه التي لا تشبه هلا أبداً ولكنها كانت ترى طبائعها في عينيه و أدبه.. حتى دخل خالد يغلق الباب خلفه بهدوء شديد.. التفتت له لتتحول ابتسامتها لعبوس وتوجس بعد أن رأت ملامح وجهه المكفهر.. مشت له حتى أصبحت أمامه : خير؟
لم تشعر سوى بجسده الذي ارتطم بجسدها ويديه التي التفت حولها في عناقٍ قوي، وبه يبكي يحاول السيطرة على صوته . : خطاب..
ارتعبت : بسم الله عليك خالد وش فيه؟ خطاب صار فيه شي؟

لتشعر به، يهز رأسه بالنفي.. ابعدته قليلاً تنظر له يواري وجهه عنها.. مع ذلك لازال يبكي وكأنه سمع مصيبة وكانت هذه المره الأولى التي ترى فيها خالد وعينيه الضاحكه المليئة بالحياة والمرح تتحول لبحيرة من الدموع..
.
.

ليلتها تم القبض على حمد الذي كان في المطار ينوي الفرار بعيداً فهو أذكى من أن يبقى والماضي -فاحت- رائحته بعد خروج الفتى الذي هرب صغيراً للأضواء يهدد راحته. كان قد نظر له الموظف بتوجس يقرأ الاسم المدون في جواز سفره ثم لوجهه ثم يلتفت للموظف بجانبه يشير لشيء ما ليقف مبتعداً ثم لحمد الذي قال بقلق وغضب : فيه مشكلة؟
سكت قبل أن يقول بهدوء : لا أبد.. لكن ياليت تنتظر على جنب ثواني..
حمد بقوة : ليه؟
لم تمضي ثانيه حتى وشعر حمد بالذين يطوقون يديه بكل قوة أحدهم يهمس بالقرب من أذنه : ياليت تتفضل معنا بكل هدوء وبدون شوشرة..
حاول التحرر منهم لكن دون جدوى فصرخ مهدداً وهو يُسحب بإذلال : أنتم ماتعرفون أنا مين ؟ اتركوني يا عيال الكلب والله لا أخليك تندم أنت وياه.. وخر عني أقولك..

على عكس ياسر الذي كان يجلس في ساحة المنزل مع حنين الصمت يلفهم وأعينهم تتابع سيف يدفع ساره على الدراجة الهوائية وصوت ضحك سارة هو الوحيد المسموع.. قُرع الباب بقوة لتهتف حنين بفزع : بسم الله.. عسى خير..
تحرك ياسر كالميت يمشي ببرود وخطى متثاقله .. فتح باب منزله و إنارات سيارة الشرطة خلفه بألوانها المتداخلة الحمراء والزرقاء أنارت الحي كاملاً يهتف بتوجس : خير إن شاءالله؟
بهدوء : ياسر البدر؟
ياسر: وصلت يابوي.. خير ؟
بجمود : معنا إذن بالقبض عليك. ياليت تتفضل معنا..
ابتلع ريقه يهز رأسه يرفع عينيه لخلف الواقف أمامه ليرى مجموعة من الماره والجيران قد تجمعوا.. : أبشر، بس ليش؟
بضجر : تفضل معنا وبتفهم كل شي..
هز رأسه: أبشر.. بس دقايق أعطي بنتي خبر..
استدار ليمسك الضابط ذراعه بقوة.. فقال ياسر بهدوء : بنتي هنا بالحوش..
الضابط بنفاذ صبر : قول اللي تبي وخلصني..
أدار ياسر رأسه لخلف الباب لازال الضابط يتشبث بيده ليرى حنين قريبه منه تنظر بهلع في عينيها دموع محبوسة : وش صاير ياعمي؟
نظر لسيف الممسك بقميص والدته ثم لسارة الواقفة تتخفى خلفها الخوف في أعينهم.. ابتلع ريقه وعاد ينظر لها يبتسم بأسى : رايح أشوف وش الموضوع.. قفلوا الباب عليكم وانتبهوا على أنفسكم.. ماني بمبطي إن شاءالله..


سيف برعب وهو ينظر لشحوب وجه والدته التي جلست أرضاً تضع يدها على رأسها : ماماا وش فيه الشرطي أخذ أبوي ياسر ؟
كانت صامته تنظر للفراغ أمامها لا طاقة لها لأن تبرر أو حتى تتحرك . نشف الدم في عروقها وهي لازالت ترى شكل عمها ياسر والضابط يكبل يديه بالأصفاد.. تعلم علم اليقين من نظرة عينيه وهو يوصيها على نفسها أن خروجه سيكون خروج بلا عودة..

.
.

عاد الصمت يخيم على المكان،، الحزن و الفقد وكأن الأيام أعادت نفسها للحظة التي تلقت فيها سلوى خبر وفاة أختها وعائلتها..
كانت يومياً تذهب لخطاب بعد خروجه من المستشفى إن لم يأتي لها.. ما إن يراها حتى ينهار باكياً في حضنها يعيد مأساةٍ قد عاشتها معه عندما كان بالتاسعة..

كان في أول يومٍ استيقظ فيه من سباته بعد الصدمة وجد خالد يجلس بالقرب من سريره ينظر بعدم تصديق.. يراه ينكب عليه يقبل جبينه صوته يرتعش : الحمدلله على سلامتك.. خوفتنا عليك..
تسارعت أنفاسه بتعب وصعوبة.. ينظر لخالد يحارب دموعه من أن تسقط ولأول مره يراه بهذا المنظر.. ابتسم له بتعب : الله يسلمك.
ثم ابتلع ريقه الجاف بصعوبة : أبي مويه..
خالد بلهفه : أبشر يا بعد روحي.
ساعده يجلس وساعده يشرب من قارورة الماء حتى ارتوى..
انتبه خالد لعيني خطاب التي تتحرك في المكان وكأنه يبحث عن شيء ليقول ضاحكاً يشعر بالبهجة تسيطر حتى على لسانه : بالحمام بالحمام..
نظر له عاقداً حاجبيه : وش؟
خالد : اللي تدور عليها بعيونك.. راحت الحمام عزّك الله الحين بتجي.
على كلمته خرجت هلا من دورة المياه المدمجة بالغرفة تغلق أزرار عباءتها تهتف بتشاغل : خالد لا رحت البيت لا تنسى تجيب معك ملاب...

كان قلب خطاب يكاد يخرجه من مكانه وهو يرى عيني هلا ترتفع ثم تتسع بدهشة بترت كلمتها وهي تراه واعياً أمامها.. ركضت ناحيته ترتمي عليه تحتضنه بكامل قوتها حتى كاد يشعر بأن ضلوعه تداخلت..
ابتسم يغمض عينيه يدفن وجهه في كتفها يحاول أن يخفي الدموع التي تكدست في عينيه ما إن سمع صوت بكائها عن خالد الذي قال بتأثر عجز عن إخفائه : وين الآداب العامة يا شباب أنا لازلت موجود!!

.

كان عتب سلوى رقيقاً عندما قابلته : كيف يصير معك كل ذا ولا تعلمني؟
ليجيبها بتعب يتجنب النظر لوجهها : خفتكم تلوموني..
سلوى بنبرة باكية : كيف نلومك على شي ماكان بيدك؟ خطاب يابوي اللي صار قضاء الله وقدره.. و حتى لو كنت تقدر توقفه بس ربي أمر فيه ماراح تقدر.. أنا بس عتبي عليك إنك عشت كل ذا لحالك وتعذبت لحالك وعتبي على نفسي أكبر لأني كنت أشوفك وادري إن فيك شي بس ماتحركت عشان أساعدك..
ربت على كفها الموضوعة على ركبته قبل أن يرفعها يقبلها بهدوء ودموعها اوجعته : ماكنت لحالي ياخاله.. اللي خلقني مانساني.
ابتسمت هلا بعد أن نظر لها قبل أن يعاود النظر لوالدتها..

زيد : خلاص يمه صار اللي صار والحمدلله على كل حال أهم شي خطاب الحين متعافي وبخير.. مع إني أنا بعد زعلان عليك لأنك ماعلمتني من البداية بكل ذا..
خالد : وأنا بعد زعلان..
خطاب بابتسامه صفراء : ياليييل وش يفكنا الحين من زعل خالد..
ابتسم له زيد : عموماً يابطل بفضل الله ثم فضلك انمسك منيف وكل اللي كانوا معه.. ابن اللذينّ مجرم فاسد من الطراز الأول،، غسيل أموال ومخدرات وتجارة أسلحة وممنوعات شي لا يصدق كان مثل الخلية الله يدمره.. طيحته طيّحت كثير معه إن ماقصّه السيف بيخيس بالسجن لين يموت.. مع أنه حاول ينكر وقال إنه اضطر يقول اللي قاله بالتسجيل لأنك كنت رافع سلاحك بوجهه لكن اللي اسمه ياسر كان مستسلم بشكل غريب واعترف على نفسه وعليه وعلى حمد وبكذا ثبتت أول تهمه.. أنت تدري بعد التسجيل اللي سجلته واعترافه على نفسه وأنه طلع منها بأربع سنوات بس وقضيته اللي انمسك فيها حكمها أكبر وتعتبر جريمة لا تغتفر رجعَت انفتحت قضيته واحالوا ٤ روس كبيرة للتحقيق لأنهم وراه ذاك الوقت وتستروا عليه.. خطاب أنت أنقذت البلد..
ابتسم خطاب بضيق دون أن يعلق يسمع دعوات سلوى بكل حرقه ولم يلحظ أحد من الموجودين وجوم وجهه سوى هلا..

.

إن كانت حالته النفسية قبل لقائه بمنيف سيئة، فحالته الآن بعد لقائه وسماعه تبريراته أصبحت أكثر سوء..
ابتلعت هلا ريقها بصعوبة تجلس على سرير سالم المتمدد بجانبها يسأل بقلق وهو يسمع صوت بكاء خطاب الجالس مع والدتها بالصالة يصلهم بوضوح رغم أن الباب مغلق بينهم .. : أمي خطاب بيموت ؟
مسحت دموعها تشعر بقلبها يتمزق على المنهار بالخارج ولازالت الكلمة من فم الصغير تبعث فيها قشعريرة : عمره طويل إن شاءالله.. سالم لا عاد تجيب طاري الموت مره ثانية..
سالم وقد بدأ يتعبّر : طيب ليه تصيحين؟ وليه هو بس يصيح؟ هو تعبان؟. ماما خطاب لا يموت.. أنا أحبه ما أبيه يموت.
.

عاد خطاب لنقطة البداية.. نفسيته قد تدمرت تماماً بعد الصدمة خصوصاً وأن صوت منيف يخبره بفعلته بشقيقه قبل وفاته هي كل ما يسمع في عقله .
تكررت زياراته للدكتور محسن العطار وفي كل مره يعود فيها منه،، يبكي ليله كاملاً وعمره كاملاً وكأنه خرج من كارثه ليدخل في أخرى.. وفي كل مره يعود فيها كان يجد هلا بانتظاره تستقبله بأيدي مفتوحه تلتف حوله تحتضنه بشده.. تقبل محاجره تهمس له بعذوبه كي ينسى.. ولكنه لا ينسى.. تتمنى لو كان باستطاعتها أخذ حزنه عنه..

بعد رابع زيارة قررت هلا أن تذهب معه.. فبقاؤها في المنزل تنتظر عودته على أعصابها لم يكن خياراً صائباً..
فكانت في هذه الزيارة تجلس بالسيارة الواقفه في مواقف السيارات أمام المستشفى بعد أن رفض خطاب نزولها معه.. على أعصابها تنظر للساعة بين دقيقة وأخرى . حتى عاد خطاب بخطى سريعه يفتح الباب ويركب ثم يغلقه بكل قوة... يضرب المقود بيديه بغضب حتى كاد يخلعه من مكانه.. ليأتي بعد كل هذا انهياره ملقياً رأسه عليه يبكي بقل حيله..

بقاؤها تنتظره في السيارة لم يكن خياراً صائباً أيضاً.. لذا قررت هذه المره أن تنتظره على الكراسي خارج العيادة رغم رفضه وسخطه.
كانت عيناها مثبته على باب الغرفة أمامها، بالكاد ترمش حتى فُتح الباب ففزت واقفه.. كانت النظرة في عينيه ماهي إلا تعب ورجاء بالمساعدة فهو لا يقوى حتى على الوقوف على أقدامه.. تقدمت منه تمسك كفه بقوه لتشعر به يميل بثقله كاملاً يتكئ عليها .. رفعت بصرها فوق كتفه فوجدت الطبيب ينظر له بأسى.
.

نُفذّت الأحكام على المجرمين الثلاثة ومن عاونهم بجرائم أخرى بعد ثبوت التهم عليهم جميعاً.. كان القصاص نهايتهم فمهما تأخرت الحقيقة لابد لها أن تظهر وأن يأخذ العدل مجراه.. هذه هي النهاية الأكيده لكل مجرم..
النهاية التي عاد بعدها خطاب من ساحة القصاص يبكي منهاراً يبحث بعينيه المتورمه من شدة البكاء على هلا التي كانت تنتظره كعادتها.. تتلقفه بين ايديها لتنسيه كل ما أحزنه..

.

" الماضي قد مضى وانتهى بكل أحداثه.. والحياة تنتظرك والمستقبل قدامك لا تِعلق باللي صار وانتهى وتشيله معك .. ابدأ اشتغل على اللي بيصير واصنعه بنفسك.. العمر يمشي والحياة قصيرة يا خطاب، وتذكّر دائماً إن مشيئة الله فوق كل مشيئة ".. كانت هذه آخر نصيحة قدمها الطبيب محسن لخطاب قبل خروجه من العيادة بعد أن انتهى من فترة علاجه يشعر بأنه شخص جديد بقلبٍ جديد ولد للتو.
ردد جملته في باله طوال طريق عودته للمنزل.. قلبه يكاد يخرج من بين أضلعه.. ملهوفٌ للتي تنتظره في المنزل كعادتها دون أي كلل أو ملل.. صعد سلالم العمارة ياخذ كل درجتين في قفزة واحدة.. على ثغره ابتسامه واسعه ورعشة تعتري أطرافه من شدة الترقب..
فتح باب شقته ليدخل يصرخ بسعادة : هلااا..
لم يجد سوى سالم الذي كان يتمدد على الأرض أمام التلفاز يلعب بالبلايستيشن الخاص به.. ما إن رآه حتى القى مابيده ليقفز من مكانه ويركض مسرعاً نحوه.. احتضنه خطاب بكل قوة يرفعه من على الأرض يقبله بحبٍ خالص وهو يشعر بذراعي سالم الصغيرة تلتف حول عنقه..
خطاب : وش أخبار البطل؟
ابتعد سالم بالقدر الذي سمح لخطاب برؤية عينيه تلتمع بحماس : فزت ودخلت ثلاث أهداف..
اتسعت عينا خطاب بذهول : أوف!! ثلاثة مره وحده؟
والله انك قوي ياخي.. صدق ثلاثة ولا تضحك علي؟
همس سالم متحمساً قبل أن يعاود احتضانه ضاحكاً : والله صدق..
أنزله على الأرض يسأله : وين أمك؟
سالم : بالغرفة .
خطاب بهمس : وش تسوي؟
سالم يجاريه بنفس الهمس وكأنه يهمس بمصيبة : ما أدري..

ضحك يقبل رأسه قبل أن يتركه متجهاً حيث غرفته مستغرباً اختفاء هلا خلف بابها.. دخلها يغلق الباب خلفه بهدوء ليجدها تجلس على طرف السرير ما إن رأته حتى وقفت تنظر له بقلق ولهفه : بشّرني؟
اتكأ على الباب بظهره يرى نظرة عينيها التي كانت ولا زالت نافذته للحياة : ليش قاعدة هنا؟
هلا بعبوس : لأني كنت شوي و أجلد سالم.. أنا على أعصابي وهو يصرّخ بكل صوته.. بشّر وش صار ؟
خطاب بهدوء : الولد فاز بثلاث أهداف حرام عليك..
هلا بنفاذ صبر : خطاب لا تلعب بأعصابي يرحم والديك.. وش صار معك؟
ثم برجاء وأنفاس مقطوعه : خلاص؟

هز رأسه بابتسامه واسعة ودموع تجمعت في عينيه وهو يرى انشراح وجهها ليمشي لها بخطى سريعة يلتقيها بمنتصف طريقها قبل أن تصل إليه.. ضحكت بين دموعها تمسح دموعه التي انسابت بهدوء : طيب دام خلاص ليه كل هالدموع؟ المفروض تفرح.
خطاب بابتسامه : وأنا فرحان.. صدق..
اتسعت ابتسامتها تغص بعبرتها : طيب الحمدلله.. الحمدلله حبيبي..
امسك بكفها يقبله بهدوء ويرفع الآخر حيث قلبه ينبض على أعلى سرعة.. ينظر لها بامتنان وحب وسعادة وأمان ودفء وعائلة.. هلا وعلى باقي النساءِ السلام.. : أنا أحبك هلا.. أحبك كثير..
احتضنته تضحك له وكل شعورٍ في كلماته وصلها وشعرت به حتى غشاها : وأنا أحبك..
ثم تابعت بخجل : خطاب أنت أجمل شي حصل لي بحياتي كلها ..

لم يمهله الباب الذي فُتح بقوة أي فرصة للرد عليها.. دخل سالم بسرعة وكأنه في مداهمه : أبوي خطاب أبوي خطاب..
كاد أن يفقد عقله فدفع هلا والتفت له بلهفه وعدم تصديق : سم أبوي. سم حبيبي..
هلا بضحكة : آ يالجاحد على طول سحبت علي؟
خطاب بفرحة طاغية : سمعتيه وش يناديني؟ قال أبوي!
سالم يرفع يد التحكم بحماس طفولي : تعال العب معي فيفا . تكفى..
حمله خطاب يضعه على كتفه بسعادة : أبشر ولا يهمك نعبو من يردّك ياشيخ.. مشينا..

كانت الصورة أمام ناظري هلا زاهية الألوان بجودة عالية جداً.. ترى خطاب يجلس أرضاً بجانب سالم تلتصق ركبته بركبة الصغير الذي تعالت صرخاته بحماس بعد أن أدخل هدفاً ليجاريه خطاب بصرخه متذمره : والله ماكنت أدري إنك قوي كذا!..
ليباغته سالم ويطرحه أرضاً في عراكٍ تعالت بسببه ضحكاتهم..
هذه الصورة التي حَلمت بها هلا طيلة حياتها وكانت تتمناها وهي على يقين بأن الله أكرم من أن يخذل أمنياتها..

" إنك تكون بعلاقة مع شخص ما يخجل إنه يشاركك أدق تفاصيل مشاعره.. يمحي الحدود بينكم ينهار قدامك يضعف قدامك يصيح قدامك يخليك تشاركه تفاصيل أحزانه بدون لا يحط قيود لها أو لنظرتك له ،، هذا بحد ذاته شجاعة. لذلك أنا ما عمري شفت دموع خطاب ضعف أو نقص.. أبداً.. خطاب كان ولازال قوي داخلي ومصدر قوتي وثباتي حتى وإن قال إنه أكثر رجل يبكي في العالم .."
- هلا بنت تركي الشارخ.
.
.
.
.
.

تعطرت وأسبغت في تعطرها ومشت بخطى هادئة لا يُسمع لها صوت لتراه يقف أمام النافذة المطله على الشارع.. لازال يرتدي ثوبه ناصع البياض بعد أن عاد من صلاة العيد ويبدو في تفكيرٍ عميق..
لتهتف بنبرة مشاكسه حادة قليلاً : يا سلام وش فيك تتبوسم وسرحان ؟ من فيه تحت؟..
قالتها لتتقدمه تلتصق بالنافذة وتنظر للشارع الخالي من الماره ..
ضحك ليسحبها يلف يديه حول خاصرتها بتملك : أنتي معي وأطالع غيرك؟ ما يصير!
هزت رأسها تسنده على صدره وتضع يديها على كفيه : أجل وش اللي شاغلك عني؟
خطاب بهدوء وبعد صمت : حلمت بأمي اليوم..
كانت سترفع رأسها لتنظر له ولكن ذقنه حط على أعلى رأسها فاستسلمت : وش حلمت فيه؟
خطاب : حَلمت فيها تقول لي جيب أخو لسلمى..
ضحكت : يا رااجل..
ضحكتها أنعشته وعبثت بقلبه : والله جد.. حَلمت إنها تعطيني سلسال ذهب وتقول أعطيه هلا تلبسه لا ولدت.. قمت مستانس ودورت تفسير الذهب بالنت وطلع الذهب خير كثير وحمل قريب..
هلا ضاحكة : بس كذا؟ غالي والطلب رخيص تبشر خالتي سلمى..

عم الصمت لثواني سرحت فيه هلا هذه المره و بصرها متجهٌ للأفق..
ربت خطاب على بطنها بخفه يهمس : وش مضيق صدرك؟
ابتسمت بضيق : أول مره يمر علي عيد وسالم موب معي..
خطاب : لأبوه حق عليه بعد يا هلا ومن حقه يعيّد معه.. بعدين ما أبعد كثير جدّة قريبة وحذفت حصى.. و راح مع جدانه و أعمامه لا يضيق صدرك.
تنهدت : أدري.. بس فاقدته..
خطاب مقبلاً خدها بهدوء : كلها كم يوم ويرجع يا حبيبة قلبي.. وان شاءالله تمر بسرعة لأني أنا بعد فاقده..

عمّ الصمت المريح بينهما مجدداً حتى رنّ هاتف خطاب يخرجه من جيب ثوبه دون أن يبتعد عن هلا انشاً واحداً يضحك بعد أن رأى اسم المتصل : الطيّب عند ذكره..
فتح الخط ليصلهم صوت سالم يصرخ : أمي.. أبوي خطاب،، كل عام وانتم بخير..

كادت هلا أن تخلع يد خطاب من مكانها وهي تنتزع الهاتف من بين أصابعه.. فقال خطاب موجهاً حديثه لسالم : الله لنا يا أبوي أمك سحبت علي بعد ما سمعت صوتك زين ماشالت أصابعي من مكانها..
ليضحك سالم بعد تعليقه يتداخل صوت ضحكته مع ضحكة سلمى ذات العشرة أشهر تلعب على السرير خلفهم ..

.
.
.

ابتسمت وهي تسترق النظر من الستائر الكبيرة التي تغطي زجاج جدران الطابق الثاني لجامع منيف الوهاج والتي كانت تطل على الطابق الأول المخصص للرجال.. كان جامعاً كبيراً أصرّت دانة على أن تبنيه صدقةً لجدها بعد أن تم تنفيذ الحكم عليه بشهر واحد فقط.. كانت تشعر بأنه يحتاجها بعد أن رحل عن الدنيا مثلما كانت هي تحتاجه طيلة أيام حياتها.. لازالت فكرة أن جدها بطَش بهذا الشكل المرعب في أمة لا إله إلا الله صعبة التصديق.. هي تعرف أي الرجال كان جدها ، هي الوحيدة التي رأت جانباً فيه لم يراه أحد.. جدها هو القدَر الذي ارتبط بها وهي وعلى الرغم من حقيقته التي ظهرت للعالم أجمع.. تحمد الله من كل قلبها على وجوده في حياتها.. هو أجمل أقدارها وأسعدها والذكرى الخالدة التي لن تنساها أبداً..

اتسعت ابتسامتها وهي ترى زوجها نايف يتحدث مع الإمام ويمسك بكلتا يديه ابنها الصغير راكان الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره يرتدي ثوباً و شماغاً ويحاول التحرر من بين يديه..
اتصلت عليه عيناها تراقبهم بشغف تراه يخرج هاتفه يعتذر من الإمام ليبتعد يحمل راكان ويجيبها،، تشعر بقلبها يقفز عندما وصلها صوته الهادئ : هلا حبيبتي ..
دانة بهدوء : اشغلك راكان الله يصلحه ليتك خليته معي..
نايف بزفرة : اشغلني وبس! ولدك ذا طلّع نخل براسي وقررت اعاقبه بيش...
اختفى صوته وضحكت وهي ترى نايف ينحني يلتقط هاتفه الذي صفعه راكان بيده وسقط أرضاً : ...ايه اضحكي اضحكي وش عليك..
كانت في محاولة يائسة لكتم ضحكتها ولم تنفع : قلت لك اتركه عندي أنت عييت..
نايف عاد يحمل ابنه ولكن هذه المره من تلابيبه : بالله الحقيني على السيارة بسرعة قبل لا اسوي فضيحة هنا وأمسطه بالعقال..

ركبت في مقعدها تغلق الباب لتضحك مجدداً وهي ترى نايف يجلس في مكانه خلف المقود في حضنه ابنه يحاول التحرر من حزام الأمان الذي يقيد كلاهما : وش مسوي أنت..
نايف بزفرة : عقاب له ولأشكاله.. أشغلني ما عرفت أصلي داعس على طرف ثوبه برجلي أخاف ينحاش..
ثم مد يده يرفع كفها لفمه يقبلها بابتسامه : كل عام وأنتي بخير يا قلبي.. تقبل الله صيامك وقيامك يارب..
دانة بحب: وأنت بخير حبيبي.. منا ومنك والله يعيده علينا أعوام عديدة يارب..
تكلم راكان بلغته الغير مفهومة يحاول مشاركتهم ليقاطعه نايف : أنت أص..

أخرج نايف هاتفه من جيب ثوبه بصعوبة يبتسم لدانة التي بدأت تضحك مع راكان تقبل يديه..
ما إن رأى اسم المتصل حتى و وضع مكبر الصوت يهتف بتأفف : ترى اشغلتنا ياخوي كل شوي داق.. جايين يابثر..
ابتسمت دانة وهي تسمع ضحكة فارس المرتفعة : لا تخليني آخذ بنتنا وأقول مالك عندنا مرَه.. وبعدين صار لك نص ساعة وأنت تقول جايين وينكم؟
نايف : والله غلطتي أنا إنك صديقي، صرت تمون بزيادة.. جايين خمس دقايق وحنا عندكم افتح الباب..
دانة بابتسامه فهم لازالوا أمام المسجد الذي يبعد عن منزل جدتها قرابة النصف ساعة قالت بقلق : عمي أخاف أضايق أبوي وزوجته لاجيت..
فارس : ماعليك فيه.. أمي قد أعطته خبره إذا مو عاجبه يشيل عياله ويروح..
دانة بضيق : يالله..
فارس : دويّن ترى أبوك حاطك عذر ويبيها من الله ما صدق عشان يترك المكان ويطلع.. إخلصي وتعالي أمي حالفة ما توزع حلاو العيد إلا لاجيتي .
دانة بتردد : طيب كلكم فيه؟
فهم قصدها ليجيبها : كلنا فيه إلا عامر راح الرياض يعيّد مع نسايبه..
نايف : أشغلني صوتك عن السواقة خلاص قفل ياخي..
لتضحك دانة مجدداً فنايف لم يشغل السيارة حتى..
كانت لحظتها تشعر وكأنها تتنفس السعادة مع الهواء..
*
*
*
*

ركب وليد سيارته بعد أن خرج من عزاء بدر.. الصدمة تكاد تشل أطرافه فكما يبدو بدر كان يشعر بدنو أجله لذلك أوصاه كل تلك الوصايا .. تحرك يشعر بعَلقه تقف في منتصف حلقه وهو يتذكر بدر،، و يشعر بحزنٍ عميق لخسارته..
لم ينتظر ثانية واحدة واتجه حيث المستودع البعيد الذي أخبره عنه .. تتبع سيارته باص صغير تابع لشركة بدر فيها أربعة عماله.. وقف بالقرب من المستودع يراهم يتقدمون ينتهون من المهمة التي أوصاه بها بدر قبل وفاته " وفيه خدمة ثانية أبيها منك.. لكن هذي تخلصها اليوم .. خذ سرهاد وثلاثة من اخوياه وروح للعنوان اللي برسله لك.. أبيك تتأكد من أن المستودع اللي بيحرقونه يتساوى بالأرض تماماً وما كأنه كان موجود.. والمستودع لي يعني تطمن محد بيسأل عنه.. اثق فيك يا وليد وصدقني الخدمة ذي بالذات بشيل جميلتها طول عمري "
.

ما إن حل الصباح حتى وسلّم أمن شركة البناؤون العرب ظرف أبيض كُتب عليه (يسلم للمهندس خطاب المهنا.. سري وعاجل)..

عندما وصل الظرف لخطاب قلبه بين يديه عاقداً حاجبيه باستنكار : من مين؟
رفع كتفيه : والله ماعندي أي علم اللي سلمه أعطاني إياه وراح.
ابتسم له بقلق : خلاص مشكور.

ما إن خرج وأغلق الباب خلفه حتى وفتح الظرف المغلق بإحكام ، بقوة مزقته.. أخرج مافيه ليجد مجموعة أوراق وفلاشين. حاول قراءة الأوراق ولم يستطع التركيز فأخذ أحد الفلاشات وفتحها بجهازه المكتبي.. وجد عدد بسيط من مقاطع الفيديو وعدد لا نهائي من الصور ظهرت على شكل مصغرات.. ابتلع ريقه بتوجس وفتح المقطع لتتسع عينيه بذهول وهو يرى منيف يقف مواجهاً لعدسة الكاميرا التي وعلى ما يبدو لا يعلم بوجودها.. يفتح عبوة اسطوانية يتفحص مافيها بضحكة بانت بوضوح.. فتح المقطع الثاني والثالث والأخير وجميع المقاطع كانت تظهر منيف يتفحص ماتحتويه الصناديق بمحتوياتها المختلفة ومالفت انتباهه حقاً هو وقوف رجل لا يظهر منه شيء سوى ظهره في نفس المكان في جميع المقاطع وكأنه كان يعلم بوجود كاميرا تسجّل..

التفت للأوراق يبحث فيها بأيدي مرتعشه وعرقه بدأ ينساب من أعلى جبينه حتى وجد ورقة متوسطة الحجم باللون الأصفر ..

جمع خطاب محتويات الظرف ليضعها في ظرفٍ آخر يخرج من مكتبه بسرعه متصلاً في طريقه على زيد..
.

تجاهل خطاب أسئلة زيد كلها ليقاطعه بهدوء : زيد أبي أنا اللي أوقعه بنفسي..
زيد : مايحتاج توقعه اللي معك يكفي نستدعيه ونطلب إذن تفتيش لبيته..
خطاب بثبات : لا زيد.. أنا أبي أواجهه بنفسي قبل و أسجل اعتراف..
عقد حاجبيه باستنكار : اعتراف وش؟ خطاب وش بينك وبينه أنت؟
عقد خطاب حاجبيه يضع كفه خلف عنقه يحاول النفاذ : وقعّت له أوراق تحت ضغط منه وقاعد يبتزني فيها..
زيد بدهشة : أوراق؟ ما أظن إن لك بالشغل البطّال يا خطاب. غير إن موضوع الابتزاز قضيه ثانية .
خطاب : زيد يرحم أمك لا تكثر أسئلة وساعدني وأنت ساكت.. أنت ماتتخيل كم صار لي أنتظر يوم مثل ذا مع اللي اسمه منيف .. تكفى زيزو طلبتك..
ارتفع حاجبيه باستغراب من نبرة خطاب المليئة بالرجاء : مع إن سالفة الأوراق ذي ما دخلت مزاجي لكن بشوف وش أقدر أسوي بموضوع إنك توقعه على قولتك ..

ما إن ركب خطاب سيارته خارجاً من عند زيد حتى وأخذ نفساً عميقاً بقى محبوساً في صدره.. أخرج الورقة الصفراء متوسطة الحجم التي اخفاها في جيبه ليقرأ المكتوب فيها بخط مميز (خلّص عليه قبل لا يخلص عليك،، واذكرني لا جيت تدعي..)

*
*
*
*

مضت ثمانية عشر سنة . لا تصدق أنها استطاعت أن تجتازها بكل هذا الثبات.. تجلس الآن في المدرج بجانب سارة.. في كندا حيث حفل تخرج سيف بعد حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال.. أنفاسها تسابق الريح بحماسٍ وترقب وهي تسمع الأسماء حتى نطق عميد الجامعة بصعوبة وعربية ركيكة : سيف البدر..
وقفت تصفق بكل قوة لدرجة أنها شعرت بشرارٍ سينطلق من بين كفيّها.. بجانبها سارة تصرخ وتصفر تنادي باسمه بأعلى صوتها..
ابتسمت تغص بضحكتها وعبرتها وهي تراه ينظر باتجاههم يلوح لهم دون أن ينتبه للطريق أمامه حتى كان على وشك أن يتعثر..
يصرخ بأعلى صوته وهو ينزل من على المسرح : امممي.. ساااارة.. سويتهاا سويتهااا..

مسحت حنين دموعها تحتضن سيف بكل قوتها.. يبتعد عنها يقبل رأسها ويدها ثم يعاود احتضانها بقوة : الف مبروك يا سيف ما تتصور وش كثر أنا فخورة فيك. ومتأكدة إن أبوك الله يرحمه لو كان موجود بيكون فخور فيك. فرّحت قلبي الله يفرحك دنيا وآخره..
سارة بصوتٍ محتقن : يا سلام وأنا ويني من الدعاوي الزينة ذي؟
ابتعد سيف عن والدته يحتضن سارة التي وضعت طوقاً من الورد حول عنقه يضرب جانب رأسها بخفه يحاول إخفاء تأثره : لا تحتكين بإنجازي..
ثم التفت بعد أن باغته الصوت من خلفه : وأنا مالي ورد يا سارة؟
اشتعلت سارة حرفياً وهي تلتصق بوالدتها تنظر للذي وقف بجانب سيف بعد أن قبل رأس والدتها التي باركت له..: الف مبروك حبيبي منها للأعلى يارب..
سيف بغيض : لا والله فيه كف على وجهك.. تبي؟
يا إنك وقح يا أخي ..
ضحك يحاول أن يسترق نظرة لسارة : أفا يا سيفي من مزعلك؟ خويّك بالغربة أنا..
سيف : خوى جنبك قل آمين.. محمد أذلف لا ادفنك في مكانك.
محمد بخبث بعد ضحكة عالية أطلقها : راضيين ومقبولة منك.. بس سيف،، أبي أطلع مع أختك اليوم.
سيف بغضب : انقلع..
ضحك : أفا وش فيك علي يالنسيب؟
سيف : كان يوم أسود يوم وافقت إنك تاخذ أختي..
أنا كم مره قلت لك لا تستعمل هالجملة القذرة معي . ياقذر..
محمد يضحك : مشكلتك تتحسس.. مافيها شي أختك زوجتي ياخي.
سيف : مافيه.. وعطنا مقفاك أشوف.. لا تخرب لحظتنا العائلية السعيدة بوجودك يالقبّس..
محمد بامتعاض : أصلاً أنا ما أدري ليش اسألك ..
ثم التفت لحنين المبتسمه : هاه عمه تسمحين لي آخذ سارة اليوم؟
سيف : حتى لو وافقت مافيه، أنا أخوها الكبير و ولي أمرها وأقولك لأ.

ثم مشى مبتعداً يتبعه محمد يتوسل بصوت وصل لهن .
سارة : يمه كلمي سيف يوافق.. حرااااام..
التفتت لها : أقول اعقلي بس و أثقلي بغيتي تسيحين قدامه ..
مدت شفتيها بزعل : هبّل فيه يمه..
حنين بسعادة طاغية حتى على نبرتها التي حاولت بها أن تخرج صارمه ولكن هيهات : سويره أشوف أنتي اللي انهبلتي من شفتيه!
وضعت رأسها على كتف والدتها تتنهد بضحكة وراحة وحب وهي ترى محمد يقبّل رأس سيف ثم أنفه برجاء وسيف يضحك من أعماق قلبه : تلوميني يمه؟

.
.

شعرت بيدين تطوق خصرها وهي في غمرة انشغالها وتفكيرها بابنها سالم المغترب لأجل الدراسة.. مر يومين ولم يتصل عليها كعادته ولم يجب على اتصالاتها عندما حاولت التواصل معه .. لتبتسم تترك مابيدها من فناجيل وتلتفت تواجهه.. لازال جسدها محاطاً بين بيديه : هلا قلبي ..
ابتسم بتوجس : أقول، وش ورى عيالك أشوفهم مجتمعين بالصالة وساكتين؟
ضحكت له تعيد بعضاً من شعره بخصله الرصاصية والذي لازال يحافظ على كثافته خلف أذنه : وش وراهم؟
ضيّق من عينيه : ما أدري ،، بس نظرة فجر روعتني فيها خبث ودهاء مرعب..
ضحكت من قلبها ترجع رأسها للخلف ليتأملها يشعر بقلبه سينفجر من تسارع نبضاته..
استقرت عينيها عليه بعد أن هدأت.. لازالت مبتسمة تجاريه تحليلاته : يمممه.. الله يستر ..
اتسعت ابتسامته بتنهيده وعينيه تغزو وجهها بحب لا يمكن السيطرة عليه.. لازال يحاصرها بين جسده والرف خلفها..
هلا بخدر من نظرته وعذوبة ابتسامته : وين كنت؟
خطاب : رحت أجيب طلبات بنتك من البريد.. حفظوني كل أسبوع رايح لهم استلم كرتون..
رفعت حاجبها : بنتي لحالي؟ أنت قايل لها اطلبي اللي تبين وبنتك ما صدقت خبر ماشاءالله .
لازال مبتسماً يميل عليها بجسده يتأملها : مم..
هلا : ايه مم.. وش فيك؟
خطاب ببساطة : أتأملك؟
ابتسمت ترمش بنواعسها بسرعة وأعلى وجنتيها قد تورد من الخجل..
خطاب بهمس : أحبك هلا..
احتدت أنفاسها من تأثير الكلمة التي لازالت حروفها تعبث بنبضات قلبها بعد هذا العمر ، وكأنها في كل مرةٍ تسمعها تجرّب فيها شعوراً مختلفاً جديداً عليها..: وأنا أحبك.. بس قد قلتها لي الصبح يالئيم.. اعترف وش تبي؟
ضحك : أقولها الصبح وأقولها الحين وأقولها في كل وقت.. أحبك هلا.. أحبك كثيير..
.
.

في يوم الجمعة وكما جرت العادة.. اجتمع الجميع في منزل تركي.. والمقصود هنا بالجميع،، هم الجميع.. حرفياً.. زيد وزوجته وأبنائهم (تركي و سلوى و نجد).. خالد وضي وأبنائهم الخمسة (تركي و مها و فهد و سلطان و بسمة).. وأخيرا خطاب وعائلته الكبيرة (سلمى و -التوأم- فواز و خولة و فجر وسند ثم آخر العنقود والمدلل جداً وحبيب الشعب تركي) و التي مع دخولهم كادت الجدران أن تقع من شدة الإزعاج..

دخل خالد قادمٌ من المجلس الخارجي ليبتسم وهو يرى البنات يتجمعن حول مجلة ليهتف بفخر : ياعيني عليك يا مها والله إنك بطلة وتستاهلين نجمة..
بسمة التي ما إن رأته حتى وقفزت تتعلق به بدلع : وأنا بعد أبي نجمة بابا..
حملها بين يديه يرى في عينيها ضي : أنتي أصلا نجمة مايحتاج..
هلا بضحكة : وش سالفة المجلة ذي من جينا وهي تتوزع علينا؟
سلوى : بلاك ماتدرين يابنتي خالد أمس ما ترك سوبرماركت يبيعها إلا واشتراها منه قش الأرفف قش .
خالد بغمزة لضي التي ابتسمت ابتسامه كادت تشق وجهها : معلوم يا قلبي لأن اللي داخلها ثروة أدبيه لازم تنقرا..
ثم التفت للمتجمعات في زاوية الصالة : اقروا زين وافهموا المكتوب لأني بسألكم عن اللي قريتوه وياويلها اللي ماتجاوب.. وبالله ياسمسم ياقلب خالك أنتي بما إنك الأكبر والأذكى والأجمل ركزي لي على الصفحة الثانية..
ابتسمت سلمى وهي تقرأ بصوت مرتفع ما أشار له خالها في مقابلة ضي في أحد المجلات بعد أن أصبحت مهندسة أشهر من نار على علم صاحبة إنجازات لاحد لها منها مبنى أمانة منطقة الباحة..
( - كتاب تهدينه لنفسك؟
ضي : لا تحزن..
- أكثر كلمة قيلت لك و أثرت فيك؟
ممكن يعتبر البعض هذا الموقف خاص قليلاً لكن أكثر كلمة أثرت بي حقاً كانت كلمة قالها لي زوجي في أحد الصباحات بعد أن أعددت له طبق بيض .. قال لي بابتسامه الله يسعدك..
- من داعمك الأول وسبب وصولك لهذه المرحلة من نجاح وتألق؟
ضي : داعمي الأول بعد الله سبحانه هم أسرتي.. وابنائي وبناتي.. وهذي حقيقة فأنا بدونهم من المستحيل اخطو خطوة واحدة.. أبنائي دائماً معي استشيرهم وأسألهم وآخذهم من دراستهم أحيانًا فقط لأسأل إن كان لون الوسادة يتناسب مع الكنب.. أو التحفه ذات شكل الحصان تتماشى مع مفهوم الغرفة .. وقبلهم جميعاً هناك شريكي في الحياة ورفيق دربي.. خالد زوجي .. كان ولازال هو البطل الخارق و أمير حكايتي الخاص فيني.. وهو من أنقذ الأميرة -إذا سمحتوا لي امتدح نفسي- المحبوسة في أعلى البرج..)

إعتلت أصوات البنات بتأثر ونبره غريبة وحماس : اووووه..
اعتدل خالد في وقوفه بخجل ولأول مره : سلامات وش هالصوت؟؟ صدق ماعاد فيه بنات! اصه أنتي وهي أشوف..
هلا ضاحكة : إشي رومنسية إشي كلام يرقرق الدموع.. شي من الآخر بصراحة..
خالد بتصريفة : أقول نسيت وش له أنا جاي حسبي عليكن من بنِي.. قوموا داخل أشوف خطاب بيدخل يبي يشوف أمي .. انتشار سريع لا اشوف شوشة قدامي ..
اقل من خمس ثواني ثم فضت الصالة من الجميع فيما عدا هلا وبناتها..
تنحنح خطاب بعد أن اتصل عليه خالد يخبره بالقدوم ليدخل وعينه تتحرك على الجميع بسرعة حتى حطت على هلا..
لكن هلا كانت نظرتها للذي يمشي خلفه يفوقه بالطول وعلى وجهه ابتسامه واسعة..
هلا بعدم تصديق : سااالم..

احتضنها يقبل رأسها ولم تتركه ليبتعد عنها بل تشبثت به تجلسه بجانبها قلبها قد وصل له من فرط الشوق: وينك من يومين اتصل ولا ترد وقف قلبي عليك..
سالم : رحت جدة عند أبوي سلمت عليه ثم اعتمرت وجيتكم على طول.. والله كنت بقول لك بس فجر قالت خليها مفاجأة..
هلا وهي تحتضن عضده : ولو إني للحين عتبانه عليك بس الحمدلله على سلامتك يا روح أمك.. اشتقت لك..

الجميع كان يشارك في الأحاديث التي تُدار فيما عدا خوله والتي سألها سالم ما إن لاحظ ذلك : أفا خوخه مو بالمود أبد ماده البوز شبرين؟
فجر بملل : لا تسأل تكفى الحين مهيب ساكته .
خولة بإنفعال : ايه طبعاً حبيبتي يحق لك اسمك فجر موب خولة..
سالم باستغراب : وش السالفة؟
خولة دون أن تعطي أحداً فرصة ليجيب : أبي أغير اسمي وماهم راضيين..
ثم التفتت لوالدها الذي ينظر لها بابتسامه : الله يرضى عليك يا أبوي يا حبيبي أنت لا تزعل مني أدري اسم عمتي الله يرحمها بس هذي مشاعري بكل صدق.
خطاب لازال مبتسماً بهدوء يرفع حاجبه لها بتحدي : أبد يا قلبي خذي راحتك على أساس إني برضا لك تغيرينه! اسم اختي حبيبتي ذا..
خالد بضحكة وهو يرى عبوس وجهها : أنتم ماتدرون أبوكم أيام الشباب وش كان يقول بسمي بناتي إن جاني بنات!
خولة برعب : وش؟ شي أسوأ من خولة ؟
خالد : كان يقول بسمي بناتي سلمى و سلامه و سلامات.. لكن الحمدلله على وجودي منعت الكارثة قبل لا تصير .. احمدي ربك أقل شي خوله حلو تخيلي لو كان اسمك سلامات؟
تعالت الضحكات على وجه خوله التي وضعت يدها على صدرها تهتف بهلع : يمه بسم الله علي..

كان الجميع منشغل بتذمر خوله إلا خطاب الذي كان ينظر لهلا تتحدث مع سالم بانسجامٍ تام وكأن لا أحد في المكان سواهما، تمسح على شعره بين جملةٍ وأخرى على ثغرها ابتسامة واسعه جعلت خطاب يبتسم رغماً عنه.. حتى وصله صوت خالد هامساً : الآداب العامة يابو الشباب.. خليك مني أنا غسلت يدي إنك تحترم وجودي لكن على الأقل راعي إن بناتك فيه.
خطاب بهدوء لازال ينظر لهلا ونبرته تكاد تذوب حباً وهو يراها تضحك تغطي فمها يدها : أنا صرت متأكد إنّ فيه ناس، وفيه هلا..
وضع خالد يده على صدره يضوّق عينيه يتصنع الصدمة : وش قصدك يعني هلا مو من البشر؟ يمه والله كنت حاس..

.
.




# نهاية الفصل الثامن عشر ♡.
سبحان الله وبحمده،، عدد خلقه .. و رضا نفسه،، وزنة عرشه ومداد كلماته ..


تمنياتي لكم بحياة سعيدة جداً وبهجة لا تفارق أيامكم.. بإذن الله مايكون هذا آخر عهدي بكم ونلتقي في يومٍ ما.. اعذروني على القصور أو الأخطاء الغير مقصودة الله يشهد إني ممنونة جدا لمتابعتكم لما كتبت وتشجيعكم ودعمكم ❤.
حللوني وسامحوني والله يغفر لي ولكم .. اذكروني بدعوة ولا تنسوني والله يجمعنا دوم على خير ..
.. نورة :)
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك اللهم وأتوب إليك ❤

 
 

 

عرض البوم صور وطن نورة ،،   رد مع اقتباس
قديم 09-02-19, 12:02 PM   المشاركة رقم: 143
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,135
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

مباااااارك ختام الرواية

وبشكرك كتير وبحييك على التزامك وأحترامك لمتابعييك

بتمنى لك التوفيق

وترجعي تطلي علينا برائعة جديدة


تقبلي مروري و خالص ودي

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 09-02-19, 07:37 PM   المشاركة رقم: 144
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 574
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: > أنت مثل أحزاني ،، قدر .. / بقلمي ..

 

العزيزة وطن نوره
ألف مبروك اكتمال الرواية .. جعلها الله حجة لكِ لا عليكِ .🍃🌸🍃

نهاية مرضية بالنسبة ( لي ) ...☺
ولا نقول إلا أن الحقّ أبلج والباطل لجلج .. وكما تدين تدان .

حقيقة لا أدري أعلق على من؟
بدر ...
نجم الحلقة بلا منافس ..بل هو محرك الأحداث الأخيرة .
شعور الذنب الذي طوّقه ورغبته في التوبة أملى عليه أن ينقذ الوطن بخطته المتقنة من الأيدي العابثة التي تعيث فيها فساداً .
في بداية اعتراف دانه لجدها باسم خطاب حقدت عليها ، ولكن ربّ ضارة نافعة فلولا هذا الاعتراف ما استطاع بدر أن يحذّر خطاب ويكشف له إجرامه بحق الوطن وعبثه . وبالأدلة القاطعة التي تدينه.

زيد ..
المختفي دائماً ..حضر بقوة في النهاية ، 👍🏼
بارك الله في جهود حماة الوطن وأيدهم بنصره ..🍃

خطاب ..
ها هي خيوط الظلام انقشعت وأشرقت أيامك وأزهرت بزوجتك هلا وأبنائك .وما بعد الشدة إلا الفرج ..🍃

دانه ..
بعد الفضيحة ..هل تشوّهت صورة جدها ، أم ما زال أجمل شئ حصل في حياتها ؟ .
الحمدلله أنها عادت إلى أحضان جدتها وأعمامها ، واحتواها زوج ورزقت بأبناء،، 🍃

منيف ، ياسر ، حمد ..
كلّ أخذ جزاءه ،،، وعقاب الدنيا أهون من الآخرة ، والحدود كفارات .

شكراً شكراً شكراً من الكويت إلى المملكة.💗

يعزّ علينا فراقك يا نوره ، و سنشتاق لحضورك الآسر .
أسأل الله العظيم أن يجزيك خير الجزاء، ويسعدك في الدارين كما أسعدتنا
ويفتح عليكِ فتوح العارفين ، ويوفقك في كل خطوة .
ننتظرك بإذن الله بقصة جديدة تجمعنا .😉

 
 

 

عرض البوم صور أبها   رد مع اقتباس
قديم 09-02-19, 07:58 PM   المشاركة رقم: 145
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190192
المشاركات: 574
الجنس أنثى
معدل التقييم: أبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عاليأبها عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 748

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
أبها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وطن نورة ،، المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

رأيي في الرواية والكاتبة من حيثالايجابيات والسلبيات ...
———————
وطن نورة ..🍃

اسم فتيّ في عالم الكتابة النتيّة ، طوعت حروفها بسلاسة وانتقت حروفها بعناية لتكوّن منها أفكاراً مثيرة، مزجت فيها بين الخيال والواقع، ببراعة المتمكّن الحاذق ، فأخرجت لنا ( أنت مثل أحزاني قدر )..
قصة ماتعة جميلة مدّت بها للإبداع جسوراً وأسرت بها ألبابنا .
مع ( وطن نوره ) ارتشفنا الأدب بنكهاتٍ شتّىً ...
وتذوقنا المشاعر ألواناً ..مشاعر المحبين، والأخوّة، والخذلان، والأسى، ولذة الانتقام...والندم .

بين السلبيات والايجابيات ...🤔

لم أجد حقيقةً سلبية واحدة سواء من الناحية اللغوية أو في تسلسل الأحداث تبارك الله، لكن ما أزعجني في بداية الرواية هو العنف الاجرامي لمنيف وكيفية تصفيته لعائلة خطاب ( لا أحب العنف.. لا أقرأه ولا أشاهده ) 😖..
*،توجد نقطة لم أدونها في المنتدى المجاور ( مشكلة اللي ما عنده خاصية التعديل. 😖 )
أرى أنها ثغرة أو سلبية لا أدري صراحة ولكنها ربما تضايق أحدهم ، وهي ذكر أسماء العوائل ، لا يخفيكِ يا غالية أن عوائل الخليج تتشابه ، وربما ذكرت من باب التخمين اسم عائلة ، ويكون فعلاً الاسم موجود ف العوائل ، لذا من باب البعد عن الحزازات أرى عدم ذكر اسم أي عائلة ..

الايجابيات ،،، مااا أكثرها. تبارك الله. 😁

*التمكن اللغوي، لا أذكر أنه مرّ عليّ خطأً إملائياً أو نحوياً،
*التزامك في تنزيل الأجزاء ، وردك على جميع القارئات دليل على رُقيّكِ واحترامك .
*اللفتات الجميلة والدروس والعِبر التي تبثينها بين أسطرك ليتلقفها القارئ النبيه ،،،،،مثلاً

* تصويرك لتماسك عائلة تركي والخالة سلوى التي ضمّت ابن أختها اليتيم إليها وتلقفه الجميع بالأحضان ،، زيد وخالد وهلا.
صورةٌ جميلة أرجو أن تترسّخ في مجتمعاتنا .💗

* مفهوم أن الإنسان قويٌّ بالله ومهما تكالبت عليه الهموم فالنجاة باللجوء إليه سبحانه،، وذلك في محنة ضي.💗

*أحببت لمحاتك أن الإنسان المرح الذي يضفي على أهل بيته روح الدعابة والابتسامة لا يعني بالضرورة أنه إنسان هازل وغير مسؤول، ولا ينقص ذلك من قدره شيئاً، وذلك في شخصية خالد المرحة والذي هو ملح الرواية.💗

*تنبيهك للعلاج النفسي وأنه كالعلاج البدني يحتاجه الإنسان لضرورة ولا يوسَم صاحبه بالجنون .🍃

*إشارتك في نهاية القصة إلى حكمة ربانية كما تدين تدان ،، وأن المخطئ لابد له من يوم يُقتص منه طال الزمان أو قصُر، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة .
درسٌ عظيم لا يجب أن ينساه أحد.

أخيرا كل الشكر والتقدير لكِ عزيزتي نوره .💗🍃

 
 

 

عرض البوم صور أبها   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أنت ، مثل ، أحزاني ، قدر
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:20 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية