لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روائع من عبق الرومانسية > رومانسيات عربية
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

رومانسيات عربية رومانسيات عربية


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-10-18, 09:11 PM   المشاركة رقم: 26
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

[SIZE="7"]الفصل الحادي والعشرين

ساد صمت مشحون بالتوتر والارتباك والقلق بين المتواجدين بينما تتحرك رقية ببرود وتعالي رغم نظراتها المقطبة المتنقلة بينهم بتعجب وعدم فهم وهي تقترب من مدحت ... لتفاجئها تلك السيدة البسيطة الهيئة ..والتي لم تعرف من هي... وهي تقترب منها لتضمها و تهنئها وتبدي سعادتها بلقائها .. وحضورها لعقد القران حتى لو متأخرا ... ليطغى التعجب وعدم الفهم عليها لدرجة جعلتها تتلكأ في إزاحة يدي تلك المرأة بعيدا عنها ... لتفاجئ بسمية زوجة أخيها الراحل وهي تشد تلك المرأة المجهولة غريبة الأطوار برقة وتقول:
"يكفي زينب دعي فرصة لي وللآخرين لتحية رقية وتهنئتها بسلامة مدحت ... لتضيف بغموض وباقي الأخبار السعيدة"
لتضمها هي الأخرى مهنئة وتسحبها بالقرب من فراش ابنها وهي تقول:
" تعالي لتهنئة مدحت لابد انك سعيدة بإفاقته وترغبين برؤيته وهو مستيقظ " لتشعر بالسعادة رغم حيرتها مما يحدث حولها ولا تفهمه لكنها ما أن تلاقت نظراتها مع نظرات ابنها اللامعة المتسعة حتى نسيت للحظات ما يدور حولها بينما تشعر بالراحة والغبطة لعودة ابنها لعالم الأحياء لتميل عليه مقبلة ومهنئة ..فلم تنتبه لتلك النظرة التي تبادلها مع خالد وإشارته له بعينيه ..والتي جعلت خالد يقول للمتواجدين ببشاشة مصطنعة :
" لنترك لعمتي الحجرة قليلا حتى تستطيع أن تعبر عن فرحتها بمدحت وتجالسه " ليلتقط أكرم حالة القلق والنظرات المتبادلة بينهما فيقول مساندا :
"تفضلوا معي سأقوم باستضافتكم بمكتبي وتقديم ضيافة لائقة تتناسب مع الأحداث السعيدة " لتقاطعه سارة وهي تقول بمرح:
" بل بمكتبي أنا و أنا من سأقوم بعزومة الجميع على حسابي وسأحضر حلوى ومرطبات ...فنحن لن نحتفل كل يوم بثلاث مناسبات دفعة واحدة ..إفاقة .....وعقد قران ... و خطبة "
لتقترب من أكرم وهي ترمق مدحت المتوتر بطرف عينها بتحدي:
"كما أنني أرغب بالحديث مع أكرم الذي يبدو انه هو أيضا سينضم للتهنئة و الاحتفال "
لتخرج سارة وأكرم و هما يتجادلون حول من سيقوم بإحضار الحلوى ..وأي مكتب سيجلسون به ... يتبعهم أحمد و ريهام والسيدة سمية المتمسكة بيد السيدة زينب محاولة إشغالها بالحديث عن ملاحظة التوتر بالحجرة وملاحظة حالة حماة ابنها الجديدة ...بينما تقابلا مع الحاج محمد أمام الباب فاصطحبوه معهم ...
لتتحرك همس خطوتين لتقف بجوار زوجها .. لينظر لها خالد بحدة ويقول باقتضاب آمر :
"لو سمحت همس ..الحقي بهم ..فبيننا حديث عائلي خاص"
تجاهل خالد النظرة المتألمة والجريحة بعينيها وهي تظنه يقصيها عن عائلته ..ورغم حزنه لألمها ..إلا أنه حافظ على جمود ملامحه وهو يراها تخرج بخطوات متسارعة ..ليعيد وجهه لسامح الذي وقف مكتفا يديه وملامحه ولغة جسده المتشنج تشي بالعناد ..بينما يتبادل معه نظرات تقول بوضوح لا تحاول لن أتحرك من مكاني ...ليزفر بعمق محاولا التفكير بكلمات تقنع هذا الغبي العنيد بتركهم قليلا ...فهو يعرف أن عمته ما أن تعرف بما حدث ستثور بقوة ..وقد تقول كلمات مهينة وجارحة بشدة ...قد تحدث شرخا يصعب إزالته ..خاصة مع شخص بطبيعة سامح التي تجمع بين الكبرياء والحساسية المفرطة ... ليأتيه الإنقاذ من خلال مدحت الذي قال بهدوء:
" لو سمحت سامح ...هلا اصطحبت ماهي معك قليلا ..فأنا احتاج للحديث مع أمي وخالد بأمر خاص وسري"
رأي بوضوح تردد وارتباك سامح الذي فك تشابك يديه وهو يقول ببعض العناد بينما ينقل نظراته بين مدحت الهادئ وماهي المرتبكة و والدتهم الحائرة
"أظن من الأفضل أن أبقى ...بما أن الأمر يخصني مع..."
ليقاطعه مدحت بسرعة:
"الأمر يخصني أنا مع أمي ...و يخص أمرا لا يعني أحد سوانا أنا وأمي و ابن خالي خالد ..حتى أختي لا يعنيها أو يخصها الأمر ولن تبقى ..فأرجوك اصطحبها و اخرجوا"
ليراقب خالد تبادل النظرات بينهما بينما يتجاهل كلاهما تساؤلات عمته عن ما يحدث ولما يصطحب هذا الشاب ابنتها معه ...وكيف يطلب منه مدحت هذا ..ويبدو أن سامح تذكر أخيرا ما اخبروه به عن موضوع عدم معرفة ماهي بأمر الدين ...فقد لانت ملامحه و نظر لماهي بحنان وهو يطلب منها الخروج معه ..ليتحرك هو بسرعة قاطعا الطريق على عمته التي يبدو أنها كانت تنوي الوقوف أمامهما مانعة إياهما من الذهاب وهي تتساءل بحدة عما يحدث ..ليدير رأسه لسامح و ماهي غامزا وهو يشير بعينه ناحية الباب بينما يقول لعمته:
"ستفهمين كل شيء حالا عمتي ...لكن و نحن وحدنا ...ليخفض صوته و يقرب رأسه من أذنها بينما يقول :
"لا أظنك ترغبين بمعرفة ماهي بشان ما سنتحدث عنه "
ليرفع صوته قليلا مع سماعه صوت إغلاق الباب وهو يقول :
"هلا جلست عمتي فبيننا حديث طويل ........

---------------

كانوا جميعا جالسين بمكتب سارة التي أصرت على أن يجتمعوا به .. وقد جعلت احد العمال يحضر المزيد من المقاعد لتكفي الجميع ...كانت السيدة سمية تجالس والدي أكرم وتحاول إيضاح وضع ماهي العائلي وطلاق والديها.. مما جعل والدتها حادة وصعبة الطباع لحد كبير ....في محاولة لتهيئتهم لبعض ما تتوقعه من وقاحة شقيقة زوجها ..دون أن تحاول إهانتها أو جرح الجالسين أمامها ناسبة الأمر لطباع رقية بشكل عام ...
بينما ريهام التي أصر زوجها أحمد على الذهاب بنفسه لإحضار الحلوى والمرطبات كتحية وتهنئة منه بمناسبة عقد القران .. تجلس على أريكة جانبية مجاورة لهمس تتحدثان بصوت خافت تحاول به ريهام معرفة سبب حالة همس الحزينة وعينيها اللامعة بالدموع ...لتسر لها همس ببعض الحقائق حول غضب خالد منها نتيجة خطأها بحقه و قولها كلمات مهينة له ..دون أن تعطيها تفاصيل ..و قد احترمت ريهام محاولتها إخفاء بعض الأمور ولم تحاول التطفل والضغط عليها لمعرفة التفاصيل ..فهي الأدرى بضرورة الحفاظ على أسرار الحياة الزوجية وعدم إفشاء أسرار الزوجين حتى لأقرب الأصدقاء ...لتكتفي بتأنيبها على تسرعها وإعطائها بعض النصائح حول ضرورة الاعتذار مرارا ومحاولة مراضاته بكل الطرق طالما أنها المخطأة واحتمال غضبه منها بصبر ...
أما أكرم وسارة فجلسا على مقعدين مقابلين للمكتب ..وكلاهما ما زالا بحالة تعجب من أخبار بعضهما ...فسارة ما زالت غير مصدقة لما أخبرها به أكرم عندما همست له بحجرة مدحت بتهنئة وتمني بأن تكون العقبى له ليفاجئها بقوله انه سبق أخيه ...فتناظره بذهول وتسأله من ومتى ...ولولا مقاطعة مدحت النزقة لهم لأجابها لتبتسم بينما تتذكر نظراته الحانقة التي تشي بغيرته وهي تخبر أكرم بتهنئتها وأنهما سيتحدثان لاحقا متجاهلة الحانق المستلقي ينظر لها بغيظ دفعه للجهر بخطبتهما أمام الجميع .. ..ليقاطع نظرتها الهائمة صوت أكرم المتأمل لها ببسمة وهو يقول :
"هل افهم من ذلك ..أن مدحت هو سبب طلبك الانفصال "
لتنظر له بارتباك وذنب بينما تقول بقلق:
"أكرم ...أنا أبدا... طوال خطبتنا.... لم "
ليرفع يده أمام وجهها مقاطعا وهو يقول ببسمة هادئة:
"سارة ..اهدئي ..أنا أبدا لم ولن اشكك بك ..أنا أعرفك وأعرف أخلاقك جيدا ...فقط أرغب بالاطمئنان عليك ..فكما أخبرتك سابقا ...أنت ستكونين دوما غالية عندي ..ودوما سأكون لك بمثابة الأخ"
لتنظر له بامتنان وهي تقول بزفرة راحة:
"شكرا أكرم ...أنا بالفعل أحتاج لك ..و بشدة ..لذا سأخبرك كل شيء من البداية "
-------------------

يجلسان متقابلين على طاولة جانبية صغيرة بمقهى المشفى ..بعدما رفضت ماهي الخروج لأي مكان قبل أن تطمئن على رد فعل والدتها ..و حتى لا يتركوا ضيوفهم المتجمعين من أجلهم بمكتب سارة ...أخذت تهرب من نظراته المحدقة بتنكيس رأسها ..بينما ترفع يدها بارتباك لتزيح شعرها خلف أذنها ..وكلما رفعت عينيها وجدته يحدق بملامحها بطريقة دفعت الدماء لوجهها لتقول بخجل:
"سامح ...كف عن التحديق بي بتلك الطريقة ..إنك تربكني و تحرجني "
ليضحك بسعادة بينما يمد يده ليمسك بكفها لتحاول سحبه من تحت يده بلا فائدة ..فقد تشبث بها وهو يقول :
"لا تحاولي ..فقد أخذت يدك لي و لن اتركها..لقد أصبحت ملكي ... ليس يدك فقط بل كلك ملك لي ...آآآه لو تعلمين كم حلمت بتلك اللحظة ... لكني دوما ما رأيتك نجمة عالية ..أصعب من أن أصل إليها أو تطالها يداي .. أتريدين الآن بعد أن ملكتها بتوفيق الهي ...أن أتركها ..انسي حبيبتي "
لترفع نظراتها العاشقة إليه لتغرق عينيها بظلمة حدقتيه اللامعة بعشق يطل واضحا ليأسرها قلبا و روحا ..ليزداد احتقان وجهها بقوة وهو يرفع يدها الناعمة لشفتيه ليقبل ظاهرها بعمق أرجف دواخل كلاهما وجعلها تنظر حولها بارتباك وخجل لتلاحظ نظرات بعض الجالسين حولهم ما بين مستنكر وهائم و حاسد ..لتحاول سحب يدها وهي تقول بحرج:
"أرجوك سامح ..الناس حولنا تنظر إلينا ..أنت تحرجني "
ليقرر أن يرحم خجلها الذي أسعده ..خاصة بعد أن لاحظ هو أيضا النظرات المحدقة بهما ..ليكف عن تقبيل يدها دون أن يتركها ..بل ظل ممسكا بها ..لتحاول هي الهرب من تلك الهالة التي تكاد تفقدها شعورها بالزمان والمكان لتقول بمحاولة لإيجاد حوار يبعدها عن نظراته:
"أتظن أن أكرم تضايق من موضوع خطبة مدحت لسارة ...لقد فاجئني الأمر أيضا ..أتعرف رغم أننا كنا جميعا زملاء بالجامعة رغم اختلاف سنوات الدراسة والتخصصات لكن أبدا لم الحظ أي مشاعر تربط بينهما ..لقد فوجئت اليوم انه كان يربطهم مشاعر حب بالسابق ..لكن على ما يبدو حدث ما فرقهم"
لينظر لها سامح بغموض وهو يقول :
" لا تقلقي ...أكرم نفسه ارتبط بهند جارتنا ...كلاهما لم يكن مقدرا للآخر ..وأكرم لابد سعيد من أجلها ...دعك منهما ..ولنركز على أنفسنا نحن...ماهي لابد أن تعرفي ظروفي ..أنا لا أستطيع توفير نفس المستوى الذي تعيشين به ..وفي نفس الوقت لن استطيع أن أتقبل أن تنفق زوجتي مال لا أوفره أنا لها "
لتقاطعه ماهي بتسرع:
"وماذا عن مال توفره هي بنفسها"..لتسارع بالإكمال وهي ترى نظراته الجامعة بين الامتعاض والتساؤل :
"أنت تعلم أني أعمل بمجموعة خالد ...وراتبي جيد ...وأنا وأنت سنتزوج ..ولا أظن أن هناك أي مشكلة أو غضاضة أن يتشارك الزوجان نفقات المعيشة معا ..معظم الناس في كافة الأوساط يفعلون .....السنا شركاء ..ويجب أن نبني حياتنا سويا "
ليقاطعها سامح بهدوء وهو يقول :
" ماهي ...دخلك من عملك سيكون لك ...أنت حرة..تفعلين به ما تشائين ...لكن كل ما يخص المنزل ونفقاته سيكون مسئوليتي أنا ..حتى نفقاتك وكل ما تريديه قدر استطاعتي ..أنا مسئول عن توفيره لك ...أنا الرجل ..والقوامة لي وهي تعني أني الملزم بالنفقة عليك ...وأنت ستكوني شريكتي ..زوجتي ...وحبيبتي ...ستتحملين ظروفي الصعبة ...ستعيشين معي بشقة صغيرة ستكون مستأجرة وبمنطقة شعبية لأنها كل ما سأستطيع توفيره بالفترة الحالية ...سأرسلك لأمي لتعطيك دورة مكثفة بأعمال المنزل ..لأني لن استطيع أن احضر لك طباخ ولا خادمة ولا تحمل نفقات أكل المطاعم .. وسأتحمل راضيا كل ما تطهينه لي مهما كان محترقا أو غريبا ...وستتحملين أنت أن تأكلي طعامك المطهو بيديك..والمكون غالبا من الأطعمة الشعبية ..ستفطرين بفول وطعمية بدلا من الباتيه والنقانق وسلطة الفواكه وغيرها مما اعتدت عليه وسيكون غدائك وعشائك منوع يوم لحم أو دجاج أو سمك ويوم باذنجان وأرز وخضروات دون شيء من اللحوم معها فميزانيتي لن تسمح بها يوميا ... ..ستنسين الأكل بالمطاعم الكبرى فغالبا لن تدخليها إلا مرتين بالعام ..حيث أعدك أن ادعوك بأحدها يوم عيد ميلادك ..وعيد زواجنا ..وليعني الله على تحمل التكلفة ..لن استطيع أن أشترى لك الملابس المصممة أو الأحذية والحقائب ذات الماركات العالمية ...لن استطيع أن أهديك العطور الباريسية الأصلية ...لكني أعدك أن أحاول دائما أن أمنحك ما استطيعه حسب ظروفي ..وأن أعمل بكل طاقتي لأنجح وأكون جديرا بك ..وأحقق لك ما تريديه ..و"
لتقاطعه بعيون غائمة بالدموع وهي تقول بصوت متهدج:
"وأنا لا أريد منك إلا حبك ..أريدك أن تعدني أن تكون بجواري دائما ..أن لا تتركني يوما مهما حدث ..أن لا تخونني أبدا ...ولا تبتعد عني ..لا أريد إلا أن أشعر معك بالأمان ..بالدفئ ..لا يهمني أن أسكن معك قصرا أو حجرة على سطح منزلكم بالحارة ..طالما ستكون معي فيها ...صدقني سامح ..بيتنا بكل ترفه لم يجعلني يوما سعيدة ...لم يمنحني المال راحة القلب ..المال لا يشتري السعادة ..قد يشتري الملابس والعطور و الطعام الفاخر ..لكنه لا يشتري أهم ما أريد ...لا يشتري الحب ..لا يشتري أسرة كأسرتك ..محبة مترابطة ..لا يشتري أما كأمك بحنانها ودفئها وقربها منكم ..لا يمنح أبا كأبيك يضمكم تحت جناحه ..يمنحكم السند والنصح "
بدأت الدموع تسيل دون رادع من عينيها لتعتصر كف ذاك العاشق أمامها كفها بحب ومؤازرة .بينما يمسح بيده الأخرى الدموع من عينيها وهو يقول بعشق :
"ما عاش من ينزل لآلئ تلك العينين الساحرتين " لتنظر له بهيام بينما تقول بمزاح وهي تحاول الخروج من تلك الحالة :
"عيناي التي تشبه حبات الفول تنزل لآلئ "
لتنطلق ضحكاته وهو يقول بمرح :
"يا الهي ..لن تنسيها أنت وهاذان الأحمقان بالأعلى ...لعلمك ...عيناك بالفعل تشبه حبات الفول وسأثبت لك عندما أُريك فول عم عبده "
لتلتمع عينيها بسعادة وهي تقول :
"حقا سامح ستصحبني معك لنفطر لدي عم عبده "
ليتسمر سامح للحظات وهو ينظر لها بذهول قائلا:
"آخذك معي؟!! لتقفي بجوار عربة عم عبده ...هل جننت ؟!!..وقتها سيكون يوم عالمي بالحارة ..وقد يسجل عم عبده يوما تاريخيا في التزاحم حوله ..وبالتأكيد سينتهي الأمر بي محطما عربة الرجل المسكين فوق رأس كل شباب الحارة الذين سيتجمهرون بحجة الأكل من عنده بينما يأكلوك بعيونهم ...لا حبيبتي تريدين إفطارا مميزا من شطائر الفول سأحضرها لك ..بل وسأحضر لك أيضا شطائر الديناميت التي تجعلك تنسين الأكل لمدة يومين دون أن تجوعي ..ما رأيك أن أمر علي مكتبك غدا صباحا بالشركة وأحضرها معي ..بجميع الأحوال سأكون هناك غدا لأتفق مع خالد حول خطة العمل بالمشروع وما سنقوم به لاحقا"
لتهز رأسها بموافقة بينما تسأله عن ماهية شطائر الديناميت ...ليرتفع رنين هاتف سامح ليجد أكرم يدعوهم للصعود لمكتب سارة و مشاركتهم الحلوى و الاحتفال ..فيخبره أنهم بطريقهم إليهم ..ويسحب يدها ليقفا معا ويتحركا باتجاه المخرج و هو يخبرها عن مكونات تلك الشطائر المتنوعة ...
------------------

أخذت تدور بالحجرة وهي تصرخ وتسب وتتهمهم بالجنون ومحاولة تدميرها وابنتها .. بينما يتبادل كلا من خالد ومدحت النظرات باتفاق غير منطوق على تركها تفرغ شحنة غضبها لفترة...لكنها كانت تبدو بحالة هسترية تزداد سوءا كل لحظة دون أن تخفت ..مما دفع مدحت للصراخ بها طالبا منها القبول بالأمر ومحذرا إياها من محاولة القيام بأي رد فعل تجاه شقيقته وزوجها.. مما دفع خالد للتدخل خاصة مع ملامح مدحت التي أقلقته ..وقد بدا واضحا أنه بدأ يشعر بالإنهاك والإجهاد فملامحه بدأت تشحب بقوة...ليقول لعمته بهدوء خادع لم يمحو نبرة الحدة والأمر بصوته:
"الأمر انتهى عمتي..ماهي تزوجت سامح بالفعل ..وكل ما تقولينه لن يغير من الأمر شيئا ..وكلامك حول جعلك إياه يطلقها لن يحدث ..فهما متحابان "
لتصرخ بوجهه بجنون :
"أي حب هذا ..ومن هذا الوضيع الذي تريدني أن أقبل به زوجا لابنتي ..أتريد أن تهني ..تذلني ...ماذا أقول للناس ..ابنتي تزوجت من حقير ..نكرة ...طامع بها " ليقاطعها شخرة ساخرة من مدحت وهو يقول بصوت متألم:
"طامع بماذا أماه؟!! ..وهل لدينا شيئا يطمع به هو أو غيره ..أنسيت سيدة رقيه أنك جعلتنا نخسر كل ما نملك ..إننا لم نعد نملك حتى سقفا يؤوينا ..ولعلمك سامح يعلم هذا ...يعلم أننا لم نعد نملك شيئا ..أي أنه ليس طامعا بشيء"
ليشحب وجهها بقوة وهي تنظر لأبنها متجاهلة حالته المرهقة بينما تقول بصوت مهتز:
"هل أخبرت ماهي بأمر الدين ..هل أذللت أمك وأخبرت هذا النكرة بوضعنا "
ليرد عليها ساخرا:
"ومن تسبب بهذا الوضع أماه ..أنا لم أذلك ولم أخبر ماهي بشيء ..بل حاولت الحفاظ على شقيقتي ..التي كنت تنوين إلقائها بالجحيم لتنقذي نفسك"
لترد بغضب وجنون وهي تشيح بيديها بوجهه:
"أي جحيم يا أحمق ...لقد كنت سأزوجها رجلا من أغنى وأقوى الرجال بالبلد .. ..رجلا يملك سلطة ونفوذا..كانت ستعيش معه كملكة متوجة "
ليرد عليها خالد بتهكم:
"بل كجارية لا تملك أي حقوق..مجرد زينة يكمل بها وضعه الاجتماعي ويرفع من شأن أصله الحقير"
لترد بهستريا:
"أصله حقير ..وأصل أسرة زوجتك وشقيقها الذي زوجته ابنتي هو الكريم...على الأقل عاصم يملك المال والنفوذ ..لا اصدق أنك تريد أن تنتقم مني بتلك الطريقة "
ليرد عليها خالد ببرود لم يخفي اشتعال الغضب بعينيه:
"نعم عمتي أصل أسرة زوجتي كريم ....رغم فقرهم ..لكنهم أناس أتشرف بنسبهم فهم يتمتعون بالأخلاق والشرف الأمر الذي لا يملكه هذا ألعاصم الذي تريدين إلقاء ابنتك له ...ألم تفكري أنه يوما ما عندما يسقط رموز الدولة التي تساعد عاصم ويحتمون خلفه ليكون واجهتهم ويدهم الباطشة ..وصدقيني سيسقطون يوما مهما قرب أو بعد هذا اليوم ..سيكون عاصم أول الساقطين معهم ...بل يمكن أن يجعلوه كبش الفداء ويضحون به لدى أول عثرة ..كما فعلوا مع غيره ..كيف سيكون وضع ابنتك ..بل كيف سيكون وضعك أنت عندما يفقد ماله أو يسجن وهو الغالب ... فالباطل يسقط دوما مهما طال الأمد....كيف ستواجهي وقتها مجتمعك المخملي ...صدقيني عندها ستكونين خسرتي كل شيء و أولهم ابنتك التي لن تسامحك يوما ... بالإضافة لواجهتك الاجتماعية "
لتناظره عمته بغضب وترد بأنفاس متهدجة غيظا:
"أهذه هي الخزعبلات التي أقنعت بها الأحمق الراقد خلفي ليساعدك على إضاعتي أنا و ابنتي ..دون أن يفكر بما سيحدث لي نتيجة تهوركم و محاولتك الانتقام مني "
لتلتفت لابنها المستلقي بملامح باتت أكثر شحوبا وهي تقول بسخرية حزينة:
"وأنا من ظننتك أصبحت أكثر ذكاء وحنكة وأنت تخبرني بخطبتك للفتاة الشقراء زميلتك القديمة بالكلية كما أخبرتني ..و ابنة صاحب هذا المشفى ..قلت لنفسي ..أنك أصبحت ذكيا وتجيد الاختيار ..فتاة جميلة غنية ابنة طبيب مشهور ..لتصدمني بعدها بفعلتكم الحقيرة ..لكني لن اقبل أو أصمت ..لن أنتظر لتتسببوا بسجني ..ولا أظن أن والد فتاتك سيقبل بزواجك منها و أمك بالسجن و سمعتك مدمرة و لا تملك حتى ما تدفعه لقاء إقامتك هنا ..بل و سيفتضح أمر إفلاسك و كونك لا تملك حتى منزلا...لا... أنا سأجبر هذا الحقير على تطليقها فورا ...أو سأجعل عاصم يفعلها بعد أن اخبره أنكم فعلتموها بدون علمي و أجبرتم ماهي على الأمر ..نعم... سأقنعه بأن يستخدم نفوذه لتطليقها و.."
ليقاطعا خالد ببرود وهو يقول :
"يكفي عمتي ...مدحت متعب ...لننه الأمر باللغة التي تفهمينها .. أولا سامح خط أحمر ... سأحميه بحياتي ..ولن يطلق ماهي ..وأي محاولة للمساس به تعني حربا مباشرة معي لن أتهاون بها ...ثانيا عاصم لن يلمسك بشرط أن تبتعدي تماما عن ماهي و سامح ...ديونك سأقوم أنا بتسديدها ..و سأنقل الدين لي مباشرة ..بمعنى أنك ستكوني مدينة لي ..دين لن أطالبك به إلا في حالة واحدة هي محاولتك التفريق بين سامح و ماهي بأي طريقة ..موضوع الفيلا سأجد لها حلا ..فانا أبحث عن زوجك السابق و سأجعله يكتب عقدا باسمك بتاريخ قديم حتى لو اضطررت لدفع ثمن الفيلا له ... و سيكون أمامك إن طالب الحقير عاصم بالفيلا و رفض بيعها لي أن تنتقلي للإقامة معي بقصرنا أنت و مدحت حتى يتزوج ..أو أوفر لك شقة صغيرة في أي مكان ترغبيه مع خادمة ...والآن ما رأيك ...هل توافقين على عرضي ..أم لا ..و أعلمي أنك لو رفضت ستخسرين كل شيء ..فماهي بجميع الأحوال ستظل زوجة لسامح ..وعاصم لن يرحمك ...فكري جيدا ولديك حتى المساء لتبلغيني قرارك "
ظلت عمته تنظر له للحظات طويلة بحاجبين مقطبين وملامح مغلقة بينما تتعالى أنفاسها ..لكنه كان واثقا أنها تفكر بخياراتها ..وأنها سترضخ بالنهاية ..فليس أمامها خيار آخر
لترفع رأسها بتكبر وتتركهم متجهة للباب وهى تقول بجمود .."
سأخبرك بقراري مساءا"
لتغلق باب الحجرة خلفها دون أن تلتفت للخلف "
ليأتيه صوت مدحت المتعب ساخرا:
"يا إلهي ..إنها لم تنتبه حتى على شعوري بالألم "...ليضيف بحزن وتساؤل
" خالد ..أنا أعرف أنك تعاني بعض المشكلات الحالية بعملك ..و لديك عجز بالسيولة ..كيف ستوفر كل هذه الأموال لتسديد ديون أمي و دفع ثمن الفيلا ..حتى لو استثنينا الفيلا و وافق أبي على منحها لأمي دون مقابل ...فمبلغ الدين كبير ...الحقير تعمد إغراقنا بقوة ليضمن رضوخنا "
ليتنهد خالد بعمق وهو يخلل شعر بيده و يقول بغموض:
"لا تشغل بالك مدحت ....سأتصرف ..أنا لن اترك عمتي تسجن أو تهان... فمهما حدث ...تظل العائلة بالمقام الأول قبل كل شيء"
ليرد عليه مدحت بحزن وانكسار:
"آسف خالد ..آسف على كل شيء .....ما مضى... وما يحدث حاليا ...لكني أعدك ..إن قدر لي ربي الحياة ...سأعيد لك كل قرش ستدفعه و لو قضيت عمري كله لسداد دينك" لينظر له خالد بهدوء و يقول بعطف:
"لا تشغل بالك إلا بالشفاء" ... ليغمزه محاولا التخفيف عنه وهو يقول:
"أتحب أن أتركك لترتاح أم تفضل أن تخبرني أولا بموضوع سارة أيها الدون جوان الذي لا يوقفه حتى رصاصة بالظهر و فراش بالمشفى"
ليبتسم مدحت بينما يغمض عينه بإنهاك وهو يقول ...سأخبرك بكل شيء ..لكن فيما بعد فانا بحاجة لبعض النوم و الراحة الآن "
فيحيه خالد بهدوء بينما يتجه للخارج ليخرج هاتفه ..وهو يفكر بأنه يجب أن يحتاط للقادم و يتجهز له
-------------------

بعد أن هدئت قليلا أخذت تسأل ريهام عن أحوالها وأخبار حماتها معها ... لتجيبها الأخرى ببعض المراوغة التي لم تفت همس تلك المرة وهي تلاحظ هروب عيني ريهام منها ..فلم تشأ أن تلح عليها لتكتفي بالربت على يديها وهي تقول بمحبة :
"عزيزتي ..أنا لن ألح عليك بقول شيء لا تريدي أن تخبريني به ...لكن بأي وقت تحتاجيني به ..فقط هاتفيني"
لتنظر لها ريهام بمحبة وهي تقول:
"صدقيني همس أنا و احمد بخير ...بل لم نكن أسعد أو أقرب لبعضنا يوما من الوقت الحالي ... الأمر لا يتعلق بي ...لو كان شيئا يخصني لم أكن لأخفيه عنك ..فأنت أقرب لي حتى من إخوتي ...لكنه شيء يخص أسرة زوجي..و لا يحق لي إفشائه "
لتربت همس على كفها بمحبة و تقدير ..قبل أن يقاطعهم دخول احمد الحامل لعلب الحلوى و المرطبات ..لكن تجهم ملامحه لم يفت عليهم ..لتقف ريهام مقتربة منه بينما يسأله أكرم الذي وقف ليأخذ من يده بعض العلب ..إن كان هناك شيء حدث ..ليجيبه أحمد بسرعة وهو يضع باقي العلب على المكتب:
" لا أكرم ..فقط مشكلة بالعمل وهاتفوني الآن قبل دخولي مباشرة ...لذا اعتذر ..هنيئا لكم و مبارك لسامح ..ابلغه تحياتي و أسفي لاضطراري للذهاب" ...ليدير وجهه لريهام قائلا :
"عزيزتي بإمكانك البقاء... و سأرسل لك سائق أمي بالسيارة ليعيدك للمنزل وقتما تشائين " ...لتهز رأسها رافضة وهي تقول بإصرار بينما تنظر لعينيه الحزينتين:
"بل سآتي معك " ليهز رأسه موافقا و يتجه لخارج الحجرة ... فتحيي ريهام المتواجدين وتقول لهمس قبل أن تلحق به للخارج .."ابلغي سامح أنني سأدعوه هو و ماهي عندي قريبا "
وما أن أصبحا خارج الحجرة حتى سألت زوجها بينما يتجهان للمصعد عن ما حدث ليجبها بصوت حمل مزيجا من القهر و الألم:
"أبي سيعقد قرانه بعد قليل على تلك المرأة ..أخبرني التحري المكلف بمراقبتهما بذلك " لتقطب حاجبيها بذهول وهي تقول:
"يا إلهي ..ألم تخبرني صباحا انك استطعت أخيرا أن تتوصل لمعلومات عنها ستجعلها تختفي من حياة أبيك للأبد ..و انك هاتفتها و طلبت لقائها اليوم مساءا ..وقد وافقت بعد أن هددتها إن حاولت التهرب أو إخبار أبيك أن تندم"
ليقول من بين أسنانه بينما ينغلق باب المصعد و الذي كان خاليا لحسن الحظ :
"الحقيرة يبدو أنها استشعرت أني عرفت شيء عن علاقتها بأبي ..أو عنها هي ..فقررت أن تسبقني بخطوة و تقلب الطاولة علي بزواجها بأبي بسرعة"
لكني لن اتركها تهنأ بخداعها أبي ...لقد طلبت من التحري أن يقابلني أمام باب منزلها الذي سيعقد به القران ...و يحضر معه نسخة من الملف الذي سبق و أرسله لي ..ادعي فقط أن نصل بسرعة قبل أن يتم العقد"
لتدمدم بالدعاء بينما تلحق بزوجها للسيارة ..التي أدارها و قادها بأقصى سرعة يمكن له السير بها ..
---------------------- -

أخذت تنظر لسامح بمحبة رغم شعورها بالحزن وهي تراه يمازح ماهي و يصر على إطعامها قطعة الجاتوه بيده وهي تبعد وجهها بعيدا برفض وخجل ..بينما يقول لها بمشاغبة ..كلي حبيبتي ..انه جاتوه الشيكولاته ..اعرف أن كل الفتيات يعشقنه ...همس كانت تتسبب بإفلاسي من كثرة ما تطلب مني شراء الشيكولاته.... لها لتسمع والدتها تنهره وتطلب منه الكف عن مضايقة ماهي ..بينما حماتها تضحك وهي تخبر أمها أن تدعهم ولا شان لها بهم ..وأبيها يبتسم بهدوء وهو يحرك حبات مسبحته ..لتلتقي نظراته بعينيها فيقوم ليقترب منها و يجاورها جالسا بالمكان الذي كانت تشغله ريهام قبلا ..ليلف ذراعه حولها ويضمها لصدره وهو يهمس بإذنها:
"ما زال زوجك يخاصمك ..أليس كذلك؟ " لتهز رأسها بحزن ودون كلام...فيربت أبيها على كتفها بيده بينما ينحني مقبلا رأسها وهي تلقي رأسها بحضنه ليقول لها بخفوت:
"تحملي صغيرتي ..أخطأت بحقه خطأ كبيرا ..ورجل كخالد بعنفوانه و كبريائه سيأخذ وقتا حتى ينسى ويرضى ..لكن لا تيأسي ..أو تتوقفي عن محاولة مراضاته"
..لتزفر بعمق وتقول بصوت ملئه الحزن:"
تعبت أبي ...إنه يتجاهلني ..هل رأيت كيف دخل منذ قليل معتذرا بضرورة عودته للعمل دون أن ينظر ناحيتي ... أو يوجه لي أي كلمة ...فقط أخبر والدته أن السائق سيعيدنا عندما نريد ...وخرج دون نظرة واحدة كما لو كنت هواء أو غير مرئية " ليشد أبيها أذنها برقة وهو يقول بنصح:
"خطأك وتحمليه ...الزوجة العاقلة ....وركزي على العاقلة همس لعل وعسى يوما تصبحين واحدة" ..لتنظر له همس بحنق عاتب بينما يضحك لها بمحبه ويشد انفها وهو يكمل.."الزوجة العاقلة حبيبتي تتحمل زوجها بكل حالاته... وتتحمل أضعافا عندما تكون هي سبب غضبه وحزنه و تظل تحاول إرضائه مهما طال أمد غضبه ...صدقيني الرجل بداخله يكون راضيا و سعيدا بمحاولاتها ...قد يقيده كبريائه بعض الوقت ..لكنه بالنهاية سيلين و يغفر..فقط لا تيأسي بسرعة "
لتهز رأسها بصمت ..وتنظر لهاتفها وتقرر إرسال المزيد من الأغاني له ...فهي غير قادرة على محادثته مباشرة خشية أن يجرحها بالتجاهل أو بكلمة موجعة
لترسل له أولا أغنية
روحي وخداني تخدني معاك
و عايزاني ادوب في هواك واقولك امرك اؤمرني منايا رضاك
معاك انت الحياه تتعاش
ومن غيرك دي متسواش
وطول عمري انا و قلبي بنستناك
دي الحقيقة حبي ليك له ميت طريقة عمري ما هسيبك دقيقه لو لفين وياك.... مكنتش عارفه عايشه لمين
و بيا الدنيا رايحه لفين
وجودك جنبي عوضني بأحلى سنين لقيت فيك إلي انا عايزاه
واكتر من الي بتمناه
وحاسه بجد انا وانت بنبني حياه دي الحقيقة حبي ليك ليه ميت طريقة عمرى ما هسيبك دقيقه لو لفين وياك
لتلحقها بأغنية أخرى فقد قضت طول اليومين السابقين تبحث عن أغاني تناسب حالتها و تسترضيه بها
أنا انكتبلى عمرى و أنت بين ايديا
و حجات كتير كانت بعيده زمان عليه لإتها فيك
و انا بين ايديك كل الى ضاع لإيته تانى
و هربت ليك من كل حاجه مخوفانى
و جريت عليك عليك ايامى جنبك عيشتها
و حياتى بيك كملتها
انا كنت قبلك واحدة ناسيه نفسها
ادام عنيك انا صعب الائى كلام اقوله
وده كل حلم زمان انا كان نفسى اطوله انا شوفته فيك
ازاى اعيش الدنيا لو ماتكنش فيها كلمة حبيبى مش هنادى لحد بيها غير بس ليك
لتختم فقرة الإرسال بأغنية أحبتها و أعجبتها كلماتها بشدة عندما استمعت لها أمس بالصدفة أثناء بحثها :
بحبك واصلة متصدقة
.. بأقولها كل يوم أعلى ميبقاش قلبك إسود بقى
.. حرام بقى كل دي زعلة لو ما أسألش ما تسألش ..
أما أنا مابأستحملش أحبك كدة وما أبطلش ..
وأدي حياتي مقدما لو ما أسألش ماتسألش ..
إهدا عليا ما تتقلش في ايه بقى ماتمثلش ..
ماخلاص بقى صافي يالبن بأصالحك وأبتدي ليه كدة ..
دة واجب ولا دي بدعة تزعلني وبسيب كل دة ..
وأقول خليني انا الجدعة لوما أسألش ماتسألش ..
أما أنا ما بأستحملش هأحبك كدة وما أبطلش ..
وأدي حياتي مقدما لو ما أسألش ماتسألش ..
إهدا عليا ما تتقلش في إيه بقي ما تمثلش ..
ما خلاص بقى صافي يا لبن
-------------------

قضى الطريق للمجموعة يستمع للأغاني التي ترسلها له حبيبته المجنونة...كم يسعده محاولاتها لمصالحته ..إنها النسمة الرقيقة التي رغم ما بينهما حاليا تمنحه قبس من سعادة يحتاجها وسط كم المشاكل التي يعاني منها ... ليضحك بقوة على الأغنية الأخيرة ...حقا لقد أجادت الاختيار فالأغنية تشبهها ...حبيبته التي أوجعه بعده عنها ..لكنه يجب أن يشعرها بخطئها حتى لا تكرره
-----------------

تركهم بمكتب سارة واتجه لمكتبه ليجد بعض الخصوصية بينما يجري اتصالا بمن أصبح خيالها وصورتها رفيقة صحوة ومنامه..من اشتاقها بقوة كما لو كانت مرت أشهر على رؤيته لها وليس فقط يوم وليلة...لكنهم يشعرهم سنوات ..يكاد يشعر الساعة التي لا يراها بها يوما كاملا وأكثر ...كيف ومتى تعلق بها لتلك الدرجة ...لا يدري؟!! ...ما يشعره فقط ..انه صار أسيرا لها يتنفس عشقها مع الهواء ...ليزفر بضيق عندما لم يجد ردا على اتصالاته المتعددة فقرر إرسال رسالة يهددها إن لم تجيب على الهاتف فسيركب سيارته متجها إليها ..وسيقتحم حجرتها ولن تستطيع التخلص منه ...ليعيد الاتصال بعدها فتجيب هذه المرة بصوت خافت ظهر به مزيج من الخجل والتعب أذاب قلبه ليسألها بحنو:
"لماذا لم تحضري عقد قران سامح مع همس و حماتها ...لقد طلبت منها هاتفيا إخبارك و إحضارك معها لتبلغني أنها حاولت هي و حماتها معك كثيرا ...لكنك من رفض الحضور و أصر على البقاء بالمنزل ...رغم إبلاغهم إياك برغبتي بحضورك ...فهل لي أن اعرف السبب؟!! "
ليأتيه صوتها خافتا مترددا وهي تقول:
"لم استطع ...تعرف أن سامح غالي عندي ..وكنت بالتأكيد سأحب مشاركته يوما كهذا ...لكن المسالة صعبة و قد تسبب الحرج لكلانا لو رأتني سارة ...لن استطيع مواجهتها ...و لن يكون الأمر لائقا "
ليرد عليها بخفة:
"أولا حبيتي غير مسموح لك أن تقولي على أي رجل آخر سواي انه غال لديك حتى لو كان أخي ...ثانيا الأمر لا يوجد به أي إحراج فأنت زوجتي ..ولعلمك سارة علمت بعقد قراننا وقد سعدت جدا لنا ...وهي الأخرى سيعقد قرانها قريبا على شقيق ماهي خطيبة سامح أخي ..أي لم يكن هناك سبب أو إحراج يمنعك عن الحضور ...بل كانت ستكتمل سعادتي برؤيتك ..أنت لا تعرفين كم اشتقت لك – ليخفض صوته أكثر ويضيف بصوت مثقل بعواطفه ..فقد اشتقت لتذوق الشهد ثانية من بين شفتيك ..إنني ظمئان ولا ارتواء لي إلا من ثغرك يا جارة القلب "
لتقول بارتباك ونبرة كلل الارتعاش حروفها :
"أكرم كف عن هذا الكلام ...يا الهي لقد صرت وقحا ...ولم اعد أعرفك ...لن أجيب على الهاتف ثانية إن ظللت تقول تلك الكلمات لي ..أنت تربكني وتخجلني ...أرجوك أنا احتاج لفترة لأستوعب ما يحدث ...أشعر أن العالم قد جن و أنا معه ...لا أكاد أفهم أو استوعب شيئا ...فجأة حاول حقير انتهاكي و شوهت سمعتي ..وتزوجت منك ..وانفصلت أنت عن خطيبتك التي كنت أظنها تحبك ...لتخبرني أنها سترتبط بآخر و سعيدة بارتباطنا ...أنا لا أفهم شيئا ...يكاد رأسي يعجز عن الاستيعاب "
ليرد بحزم مازح:
"افهمي أمرا واحدا حبيبتي ..وانسي ما دونه فلا يهم غيره ...أنت صرت خطيبتي ...بل زوجتي ...و حبيبتي ..و نبع الارتواء و..."
لتقاطعه بحنق :
"كفى أكرم ...سأعود للمذاكرة ...ولا تتصل ثانية ...ألم تقل لي أن أحاول تعويض الفترة السابقة ..فكف عن إشغالي وتعطيلي"
ليهتف مناديا إياها قبل أن تغلق :
"هند ..ليكمل عندما وصله هسيس أنفاسها رغم الصمت..ألا تريدين مساعدة ..بإمكاني الحضور لمساعدتك بالاستذكار ...سأعوض عليك الفترة الماضية ..ولا تقلقي ..لن أطلب أجرا ...فقط قبلة واحدة لقاء مراجعة كل مادة ...أرأيت كم أنا أستاذ متهاون " لترد بسخرية خجولة:
بل أستاذ وقح و متحرش بتلميذته أيضا ..و شكرا لا أريد مساعدتك وداعا"
لتغلق الخط فيخفض الهاتف و ترتسم على فمه ابتسامة سعيدة ...سعيد هو لمجرد سماعه صوتها و يمني نفسه بلقاء قريب .. ليعد نفسه انه خلاله لن تستطيع حرمانه من الارتواء من شهدها كما يريد
------------------
كانت ترتب الملفات أمامها عندما وجدت رئيسها يدلف سائلا إياها عن الاتصالات التي وردته وهو بالخارج وطالبا منها إحضار بيان بها ... والاتصال بمدير فريقه الأمني ليحضر له على الفور ..
وما أن استدعت رئيس الأمن وجهزت بيان الاتصالات واهم المراسلات حتى فوجئت بياسر يدلف للمكتب فبادرته قائلة بسرعة ظنا انه قادم ليذهبا للمنزل ...فموعد انتهاء الدوام حل:
"ياسر ...أنا مشغولة و لن أغادر الآن السيد خالد عاد فورا و يبدو أنني سأتأخر اليوم ..بإمكانك أنت الذهاب و سأعود أنا بسيارة أجرة بعد انتهائي"
...لينظر لها ياسر بضيق وهو يقول ...لقد حضرت لأخبرك أني سأتأخر بالعمل اليوم ...و كنت سأمنحك مفاتيح السيارة لتعودي بها ..لكن ما دمت ستتأخرين أنت أيضا فهاتفيني عندما تنتهين"
...ليتجه للخارج تاركا إياها تنظر خلفه بتعجب من حالته الغريبة... وصوته الرسمي ...فياسر لا يبدو بحالته الطبيعية ..و تتساءل بداخلها بحيرة عن ما به ..لتنتفض على صوت الجرس الداخلي ..و تهرول بسرعة لحجرة رئيسها وهي تلعن غبائها و ياسر معا
---------------
أخذ يحرك كرسيه بهدوء يمنة ويسرى وهو يسألها ..متى أتصل مدير مكتب عاصم بك تحديدا ...لتنظر بالملف اللوحي بتدقيق وهي تجيبه :
منذ ساعتين بالضبط سيدي ..وقد طلب تحديد موعد عاجل مع سيادتك بأقرب وقت ..لينظر لها وهو يأمرها:
"اتصلي بهم حالا و ابلغيهم أني بانتظار السيد عاصم بعد ساعة من الآن أو ساعتين بحد أقصى ..و استعجلي لي مدير الفريق الأمني " لتهز رأسها وهى تتجه للخارج لتنفيذ أوامره فيقاطعها قائلا:
"أتصلي بمكتب عاصم من هنا "
لتتجه للهاتف وتجري الاتصال مبلغة مدير مكتب عاصم بطلب خالد بك ...ليأتيها الرد بعد دقيقة بكون السيد عاصم سيحضر لمكتب السيد خالد خلال ساعة و نصف ..فتبلغ رئيسها الذي هز رأسه مشيرا لها بالخروج ليوقفها أمام الباب قائلا :
"تقى ما إن يحضر السيد عاصم و تحضري له القهوة بإمكانك المغادرة ولا داعي لتنتظري مغادرته ...فالوقت سيكون متأخرا ...و ابلغي أحد سائقي المجموعة بالبقاء حتى تنتهين لإيصالك ...فلن يكون آمنا أن تقفي بمفردك لإيقاف سيارة أجرة بهذا الوقت المتأخر "
لتهز رأسها نافية وهي تشكره بامتنان قائلة:
"شكرا خالد بك ..لكن لا داعي ...ياسر ابن خالتي اخبرني أن لديه أعمال متأخرة وسيبقى حتى ينهيها و سيوصلني معه "
ليهز خالد رأسه وهو يقول :
حسنا ..لكن لو لم يوصلك فلا تعودي بمفردك ..و ابلغي سلامي للسيد أشرف ..وأبلغيه تهنئتي لخروجه من المشفى ...وأخبريه أني سأحضر لزيارته قريبا "
لتهز رأسها بينما تفتح الباب لتجد السيد حاتم مدير الأمن ..فتشير له بالدخول مباشرة بينما تغلق الباب خلفها
لم يكد يدلف للمكتب حتى عاجله خالد بسؤاله عن ما توصل له وهو يشير له بالجلوس على المقعد ألمقابل .. ليمد حاتم يده بملف لخالد وهو يقول:
بداخل هذا الملف كل ما استطعت التوصل إليه عن عاصم مهران ..منذ كان مجرد محاسب يعمل بشركات الراجي ...قبل أن تفلس ..ليختفي فترة و يظهر بعدها ليشتري أملاكهم و يؤسس شركته الخاصة ...هناك علامات استفهام كثيرة ..و أمور غامضة لم استطع التوصل إليها ...لكن ما استطعت جمعه يكفي مؤقتا للتعامل معه و لي ذراعه لحد ما ...خاصة بموضوع زوجته الأولى ...و زيجاته السرية المتعددة لاحقا ...ليقطب خالد بينما يفتح الملف و يبدأ القراءة ...لتتسع عينيه ذهولا من هول ما يقرأ ...بينما يضغط على نواجذه وهو يسب بداخله هذا الحقير الذي كانت عمته تريد تزويج ماهي له ...ليرفع عينيه بعد دقائق للجالس أمامه وهو يقول بصوت حازم :
"أريدك أن ترسل نسخة من التقرير على بريدي الالكتروني ..و أيضا أريدك أن تستمر بتحرياتك أكثر ..أريد كل ما خفي عنه ...بالإضافة لأمر الحماية الذي كلفتك به منذ ساعتين عبر الهاتف فيما يخص المهندس سامح ...لن أؤكد عليك ثانية ...أريده محميا طوال الأربع والعشرين ساعة ...دون أن يشعر ...استخدم أفضل رجالك ..وكن حريصا فهو شاب ذكي و يمكن أن يكشفهم بسهولة ...لذا لابد أن يكونوا بمنتهى الحرص "
ليومئ حاتم وهو يقول مؤكدا :
"لا تقلق سيد خالد ...لقد حرصت على وضع فريقين من أفضل و امهر رجالي لمراقبته ..وشددت أن الأمر للحماية و ليس لتتبع أو نقل أخباره كما أكدت سيادتك...لكن لابد أن أنوه أن الأمر لن يكون سهلا داخل حيه السكني ...فسكنه داخل حارة شعبية يجعل أي رقابة عليه سهلة الكشف ...لذا أفضل أن تكون المتابعة بمجرد خروجه من الحارة ....طالما المسألة للحماية ...فلن يستهدفه شخص داخل حيه بل غالبا من يريد استهدافه سينتظر ليقتنصه خارجا "
ليحرك خالد قلمه بين يديه مفكرا قبل أن يهز رأسه موافقا وهو يقول:
"حسنا سيد حاتم ...لكن ليكن معلوما لديك ...أي مساس به ولو أصابه خدش واحد ...ستكون المسئول أمامي ...ولن أتهاون في الأمر...هل هناك أي معلومات بخصوص رد السفارة ومعارفك بالخارج حول موضع السيد عز الدين "
ليهز حاتم رأسه نفيا ..بينما يضيف:
"لم أصل لشيء عنه حتى الآن ...لكن ربما يكون هناك بعض الأخبار بعد عدة ساعات أو غدا ...فصديق لي هناك أخبرني بأنه يعرف صديق مقرب له وسيحاول التقصي منه عنه بأسرع وقت"
ليهز خالد رأسه بقنوط وهو يقول:
" شكرا ... بإمكانك الذهاب الآن ..وسأنتظر منك المزيد من المعلومات قريبا "
وما أن أغلق حاتم الباب خلفه حتى أجرى خالد اتصال ..رغم ثقله على نفسه لكنه هام للتأكد من توفير مزيد من الحماية لسامح.. و خاصة من مخاطر سوء استغلال عاصم لسلطة و نفوذ من ورائه ...ليقول ببرود مهذب ما أن سمع صوت الآخر يحييه:
"مساء الخير معاليك .. أرجو أن لا أكون أزعجتك ...لكن أريد خدمة ...أو بالأحرى استكمالا لنفس الخدمة السابقة ...ليستمع قليلا قبل أن يجيب ..نعم سيادتك ..عاصم بالفعل ابتعد عن أعمالي ...لكنه ما زال يحوم حولي بطريقة أخرى ...فهو يصر على الارتباط بابنة خالتي رغم أنها مخطوبة ...بل و معقود قرانها على شقيق زوجتي وكبير مهندسي مشروعنا السكني ...بالواقع سامح بعيدا عن صلة القرابة ..هو مهندس عبقري ..وهو الوحيد القادر على إنقاذ المشروع ..و انجازه بأسرع وقت ممكن رغم العقبات والتعطيل السابق ... وأي محاولة لإيذائه ...ستحدث لي مشكلة على الصعيدين المهني و الشخصي ..و أخشى أن يحاول عاصم التعرض له للانتقام مني بصورة مزدوجة تؤذي العمل ..و تؤذيني شخصيا"
ليستمع لمحدثة بينما يدق بقلمه برتابة على المكتب أمامه ..حتى ابتسم بهدوء وهو يقول :
"شكرا لسيادتك..و طبعا الأولوية للعمل ..حسنا معاليك سأهتم بالحرص على التركيز عليه ..الجميع يعمل ليل نهار لتعويض التأخير السابق ...شكرا ....إلى اللقاء "
لينهي المحادثة و يندمج بقراءة الملف الخاص بعاصم حتى وصله اتصال على الهاتف الداخلي ..ليعلم أن عاصم قد حضر فيجيب على تقى وهو يقول بهدوء يخفي حالة الاستنفار بداخله:
"دعيه يدخل واطلبي لنا القهوة و بإمكانك الانصراف"
ليرى الباب يفتح من قبل تقى وعاصم يدلف بثقة ..لا ينكر خالد أناقة و وسامة وذكاء الماثل أمامه ..و الذي أكد له أن الشكل الحسن و الملابس الغالية ..يسهل أن تخفي خلفها نفوس قبيحة و أرواح رخيصة وعقول منحطة ...خاصة إذا امتلكت ذكاء الثعالب مع أخلاق الضباع
ليقف بكبرياء وهو يسلم على عاصم ببرود داعيا إياه للجلوس ..بينما يقول ببرود مصطنع :
"مرحبا سيد عاصم ...ترى ما السبب الذي طلبت لقائي لأجله"
ليرفع عاصم رأسه بتحدي ماكر وهو يضع ساقا فوق الأخرى بينما يقول بخبث:
"لتعرف أني مهتم جدا بالإبقاء على صلة القرابة القادمة بيننا ...فقد حرصت على أن أدعوك بنفسي على حفل خطبتي وعقد قراني على ابنة عمتك ...لقد اتفقت مع السيدة رقية اليوم صباحا على كافة التفاصيل ... لكني طلبت منها أن تترك لي أمر إخبارك بنفسي "
ليبتسم خالد بسخرية وهو ينظر له قائلا بسخرية :
"حقا؟!! ...حددتم كل شيء رغم كون أخيها بغيبوبة ..و الوضع لا يسمح بأي مناسبات سعيدة حاليا؟!!"
ليرد عاصم بسماجة وهو يبتسم بسخرية مماثلة :
"مدحت المسكين يمكن أن يفيق بأي وقت ..و يمكن أن لا يفيق أبدا ...وعلى كل حال ..أنا سأحرص كما اتفقت مع عمتك على توفير أفضل رعاية صحية له ...لكن بالطبع بعد أن أكون واحدا من الأسرة ...و أيضا لأكون بجوار ماهينار في الفترة القادمة بصورة رسمية ...حرصا مني على سمعتها و سمعة العائلة ..أم أن لديك رأي آخر سيد خالد"
ليرد خالد بمكر وهو ينظر لعينيه بقوة ...
"في الواقع لدي سيد عاصم ...لكن قبل أن أخبرك برأيي ..أريد أن اختصر الكثير من الوقت و أطلب منك النظر لهذا الملف...ليدفع له به فيأخذه الآخر بتوجس ويفتحه بهدوء سرعان ما تحول لاشتعال وهو يتصفحه بسرعة و أنفاس متهدجة لينتفض صارخا كمن لدغته أفعى وهو يهتف ..بغضب:
"يبدو انك تتعجل موتك سيد خالد ...
------------------------

[/SIZE]

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 07-10-18, 09:15 PM   المشاركة رقم: 27
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الثاني والعشرين

أوقف السيارة أمام العنوان الذي منحه له التحري الذي رآه واقفا بانتظاره ليومئ له برأسه مشيرا له بالانتظار قبل أن يلتفت لريهام قائلا:
عزيزتي أريدك أن تنتظريني هنا بالسيارة ..فأيا كان ما سيحدث بالأعلى فلا أحب أن أحرج أبي أمام كنته ..لتومئ بإيجاب وهي تمسك يده قائلة بمساندة :
"بالطبع عزيزي ..الأمر قد يشعره بالإحراج ...و لو قدرك الله واستطعت أن تأتي به معك ..فسأدعي أني لا أعرف شيئا أمامه ..وانك أخبرتني بأنك تمر عليه لزيارة صديق له مريض ...اذهب بسرعة ...وسأدعو لك بالتوفيق ...فقط كن هادئا واستخدم العقل والحيلة ...فحية مثلها لا يصلح معها الطرق المباشرة ...بل الالتفاف حولها "
لينظر لها بامتنان ويضغط على يدها الممسكة بيده قبل أن يفتح بابه متجها للواقف بانتظاره فيأخذ منه الملف ويطلب منه البقاء قريبا من سيارته حتى لا يضايق زوجته أحد حتى يهبط من الأعلى .....

ما أن دلف من باب الشقة المفتوح ..حتى قابلته الزغاريد والزينات ...ليجيل نظره بالمكان ملاحظا المدعوين القلائل ومعظمهم من السيدات ...ثم يرى أبيه الجالس على أريكة بمنتصف حجرة الاستقبال يجاور المأذون الذي يفتح أوراقه ويطلب منه إعطائه بطاقته بينما تجلس تلك الأفعى على الناحية الثانية ..فيجلي حنجرته ويتقدم بسرعة ليقف أمام أبيه ساحبا البطاقة من يده قبل أن يتناولها الآخر ...ليرفع الجميع رأسهم متفاجئين بينما ينتفض أبيه واقفا وهو يهتف باسمه بوجه شاحب..فينظر له بابتسامة حزينة وهو يقول بصوت يجمع بين السخرية والحزن:
"مرحبا أبي ..عفوا على مقاطعة الزواج الميمون ...لكن أحتاج للتحدث معك قليلا ..وعلى انفراد قبل أن يتم العقد ..لينظر بسخرية لتلك التي وقفت بتحفز ..تنظر له بتحدي وشماتة ..فيمر بعينيه عليها باستهانة ناظرا لثوبها الأبيض القصير الملتصق بجسدها بحملات رفيعة وفتحة صدر متسعة لا تترك للخيال شيئا ..ليرفع حاجبا واحدا ويبتسم بجانب فمه وهو يقول بسخرية : عفوا سيدة سوسو ..أليس هذا اسم الدلال الذي يناديك به أبي ... لن أؤخره كثيرا فقط كلمتين قبل العقد ...و....يعود"
قالها ممطوطة ..بشكل متعمد ليلاحظ شحوب وجهها الذي حاولت مداراته وهي تنظر لأبيه وتقترب منه قائلة بغنج بينما تلمس ذراعه ممررة أصابعها فوقها:
"عزيزي ...هذا لا يصح ..المأذون متعجل ...والناس تنظر لنا ...سيكون موقفا محرجا ...الحديث مع ابنك يمكن تأجيله لبعد توقيع العقد ...لن يرضيك إحراجي أمام الناس"
لاحظ اضطراب نظرات أبيه بينهما فسارع بالقول:
"لا تقلقي ..الأمر لن يستغرق خمس دقائق ..أما عن الشيخ "
فاستدار بسرعة قائلا له:
"عفوا مولانا سأؤخر العريس فقط لدقائق لأمر هام ..وسأعوض عليك التأخير بمضاعفة المبلغ المتفق عليه معك "
ليهز الرجل رأسه بموافقة وهو يقول :
"حسنا إن كان الأمر عاجلا فسأنتظر قليلا "
لينظر لسهام بسخرية قائلا :
"هل يمكن أن تدلينا سيدة سوسو على مكان نتحدث فيه بمفردنا ..أم تحبين أن نتحدث هنا أمام الناس "
لتزدرد ريقها وترد بغيظ:
"تعاليا معي "
لتتجه لحجرة جانبية صغير يبدو أنها تجمع بين كونها حجرة نوم ومعيشة ففيها أريكة وتلفزيون بالإضافة لسرير ودولاب ملابس صغيرين..وما أن أغلقت الباب خلف ثلاثتهم حتى استدارت قائلة لأحمد بتحدي :
"أيا كان ما ستقوله لأبيك ..بإمكانك قوله أمامي ..فزيزو لا يخفي شيئا عني ...لتقترب من أبيه الناظر له بإحراج ..وتقول بتدلل ..أليس كذلك حبيبي"
ليرفع أحمد حاجبه ويسارع بالرد ساخرا:
"زيزو ؟؟؟..رائع جدا ...وهل يا ترى ..أنت أيضا لا تخفين شيئا على زيزو ..مثلما لا يخفي هو شيئا عليك "
ليقاطعه أبيه بصوت خشن يحاول به مداراة حرجه من معرفة ابنه بأمر زواجه الذي أمل أن يكون خفيا ..رغم كونه زواجا رسميا :
"أحمد ..لا اعرف من أو كيف عرفت بشان زواجي ...لكني لا ارتكب حراما أو خطأ ..هو حقي ...لم أشأ أن تعرفوا مراعاة مني لمشاعرك ومشاعر أمك ...لكن بما أنك عرفت ...فأعلم أني مصر على زواجي بسهام ولن أتراجع عنه ..أنا لم أقف بوجهك عندما قررت الزواج بريهام رغم اختلاف المستوى ورفض أمك...وأنت تزوجت بمن تسعدك ...ومن حقي أنا أيضا أن أبحث عن سعادتي وراحتي ...و"
ليقاطعه احمد قائلا بابتسامة مريرة:
"حقك أبي !!..أكيد حقك أن تتزوج.. من تشاء ..وقتما تشاء ...بغض النظر عن كون الأمر قد يقتل أمي المريضة بالقلب ..لكنه حقك ... وبرغم أن من تتزوجها اصغر مني عمرا ...لكنه حقك ...لكن ما ليس من حقك أن تدخل امرأة مشكوك في أخلاقها وسمعتها لحياتنا "
ليقاطعه أبيه صارخا بينما تضع سهام يدها على فمها شاهقة مدعية الصدمة والجرح :
"إياك أن تتعدى حدودك يا أحمد ...لن اسمح لك بإهانة من ستصير زوجتي بعد دقائق ..ولن أقف لأسمع كلام فارغ ..ناتج عن غضبك ... ومن الأفضل أن تغادر الآن ..ولا تدفعني لطردك فلن اسمح لك بالتجاوز بحقها"
ليرد أحمد بحدة :
"أتطردني لأجلها أبي ..حسنا سأخرج لكن بعد أن تقرأ أولا هذا الملف.. ولن اخرج حتى تقرأه"
لتتقدم سهام محاولة سحب الملف من يده وهي تقول بشراسة:
"ما هذا ..لابد أنها تلفيقات مزورة قام بها ابنك ليسئ لسمعتي ويبعدني عنك"
ليلتفت لها أحمد بحدة وهو يسحب الملف من يدها ويناوله لأبيه بينما يقف أمامها وهو يقول :
"حقا ...سأزور أربع عقود زواج سابقة ..اثنين رسمي ومثلهم عرفي ..وإن كنت هذا المزور البارع ...هل سأزور أيضا أصحابهم ...فأزواجك السابقين موجودين ...و واحد منهم يرغب وبشدة برد جمائلك عليه ..خاصة عندما تزوجته على اتفاق أن يكون زواجا سريا ...لتقومي بعدها بإبلاغ زوجته و ومحاولة هدم أسرته...وعندما خيرته زوجته الأولى بينكما ... كان من الطبيعي أن يختار بيته وأم أولاده ..فأنت عنده لا تزيدي عن نزوة مؤقتة...لكنه لم يتخيل أن نزوته المؤقتة قامت بتصويره معها بحجرة نومهما ..وبأوضاع خاصة ..مهددة إياه ...بإرسال الفيديو لأبنائه وأهل زوجته ...وخاصة مع معرفتك لنفوذ وقوة أهل الزوجة ...لتبتزي منه مبلغا طائلا قبل الطلاق مقابل الفيديو ...وهناك أيضا زوجك الأخير ...في الواقع الرجل يتمنى أن يخدمك بقوة ..خاصة بعد أن خسر زوجته وأبنائه تماما بسببك ...فعلى عكس الزوجة الأخرى ...فتلك رفضت أن تعود إليه ما أن عرفت بزواجه منك ...بل هي من أبلغت أبنائه..الذين قاطعوه بسببك ...ولكنك لم تكتفي بذلك ...بل بمجرد معرفتك أن أبنائه سيقومون بالحجر عليه وخاصة انه قد تعدى السبعين ...بينما أنت وقتها لم تكوني قد وصلت للثلاثين ..حاولت التحايل عليه ودسست له أوراق تنازل باسمك عن فيلا يملكها بالإضافة لإيصال أمانة بمبلغ كبير ...لكن لسوء حظك لم تضعي باعتبارك أن أبنائه لن يتركوك"
كان يلاحظ تعالي أنفاسها وتلون وجهها والتماع عينيها حقدا وهو يكمل بتشفي :
"أظنهم استضافوك لديهم لفترة ...كانت كافية لتعيدي كل ما استوليت عليه ... ترى ما الذي فعلوه معك لتوقعي على تنازل عن كل ما أخذته من أبيهم؟!! ..حتى الشقة التي كتبها باسمك بأول الزواج وكل ما منحك من مجوهرات ...لابد أنهم أحسنوا الضيافة بقوة حتى جعلوك تخرجين صفر اليدين ...لكنك للأسف لم ترتدعي ..واعدت الكرة ثانية ..أو لنقل خامسة مع أبي"
ليلتفت لأبيه الذي جلس على الأريكة يطالع الأوراق بين يديه بوجه شاحب ليرفع وجهه لها بذهول قائلا:
"لقد أخبرتني أنك مطلقة من شاب أجبرك عليه اهلك..وكان يسئ معاملتك "
لتقترب منه وهي تقول بمسكنة ودموع كاذبة :
"حبيبي ..لا تصدق ما يقوله ...أنا "
ليقاطعها بحشرجة :
"هل سبق لك الزواج لأربع مرات منهم مرتين عرفي ..أريد إجابة واضحة وإياك والكذب فسوف أتصل بهم وأتأكد بنفسي "
لتزدرد لعابها وتمد يدها تمسد ساقيه وهي جاثية على ركبتيها أمامه بينما تقول بارتباك :
"الأمر ليس كذلك أنا "
ليهتف بحدة : أريد إجابة محددة
"لتنكس رأسها وتدمع عيناها ..بينما تقول بصوت متهدج:
"نعم لكن ليس كما يقول ابنك لقد.."
ليدفع يدها ويقف ملقيا أوراق الملف بوجهها ويهتف بحدة وهو يتجه للباب:
"هيا أحمد ...لقد انتهى الأمر ...ليتوقف أمام الباب يحل رابطة عنقه بينما يقول بصوت مرير :
" لا تحضري للشركة ...وسأرسل لك ملفك وكل مستحقاتك المالية وفوقها مبلغ تعويض مناسب ...فقد أضعتِ وقتا طويلا معي ويجب أن لا يمر الأمر بدون تعويض ...رغم أني أظن الهدايا التي نلتها مني طوال الفترة الماضية تتخطي ما تستحقيه بمراحل ...لكن سأعتبر المبلغ مكافأة نهاية خدمة .."
ليرميها احمد بنظرة محتقرة قبل أن يلحق بأبيه ليتوقف للحظات أمام المأذون ويخرج من جيبه مبلغا يناوله للرجل متجاهلا همهمات الحضور بينما يقول:
"هذا بدل وقتك الضائع...عفوا يا شيخ ...لكن لن يكون هناك زفاف"
ويخرج بسرعة لاحقا بأبيه الواقف بشرود أمام درجات السلم ..فيضع يده على كتفه مناديا بخفوت:
"أبي ..هل أنت بخير"
لينظر له أبيه قائلا بسخرية مريرة:
"بخير ..بالطبع بخير كما يجب أن يكون أي رجل .. أكتشف أنه مجرد أحمق تم التلاعب به من قبل صائدة ثروات جعلته يظن انه ما زال شابا ..فجعلته يطارد حلما أبلها تصور فيه نفسه كرجل لا مثيل له أسر قلب شابه بشعره الأبيض ...ليجد انه ليس أكثر من عجوز أحمق مصاب بمراهقة متأخرة ...ولولا ابنه لكان وقع ضحية محتالة "
لينظر لوجه ابنه بملامح منكسرة قبل أن يقول بألم وهو ينكس رأسه:
" سامحني بني ...كنت سأضيع نفسي ..وأضيعكم معي ... من يدري ...لو لم تأتي وتكشفها ربما كانت فعلت معي كزوجها الأخير وسلبتنا كل ما نملك...ليضيف بمرارة ساخرة ...فلابد أنها أصبحت أكثر خبرة بمرور الزمن ... أشعر أني غير قادر على النظر بعينيك بني دون أن أشعر بالخزي"
ليرد أحمد بحمية وصوت حان:
" ما عاش من يخزيك وينكس رأسك أبي ...كل إنسان معرض للخداع والخطأ ..والحمد لله الذي أنجاك منها ...وأنا دوما سأكون ابنك وسندك.. وطوع أمرك..هيا لنعد للبيت أبي "
ليهبطا بعض الدرجات قبل أن يقول أبيه بتردد:
"هل ...هل ..أمك ..أقصد"
ليرد أحمد بفهم:
"أظنها تشك أبي ....لكنها لا تعرف شيئا ...أو هذا ما ارجوه ..حتى لو سمعت شيئا ...فأنت قادر على أن تمحو أي شك بعقلها ...ليضيف بينما يكملون نزولهم ...ما رأيك أن تأخذها وتسافرا لفترة ...تستجما وترتاحا ...وتكون فرصة لإزالة أي شك من عقلها ..وما أن اقتربا من مدخل العمارة حتى توقف أحمد قائلا بحرج:
"أبي ...إن ريهام معي بالسيارة بالخارج "
ليتوقف أبيه ناظرا له بذهول غاضب:
"ليسارع أحمد بالقول كاذبا:
"لا تقلق أبي ...هي لا تعرف شيئا ...تظن فقط أني قادم لأقلك من زيارة صديق مريض لك هنا ... عفوا أبي ...عندما اتصل بي الرجل الذي كلفته بمتابعة تلك المرأة بعد شكي بها ..واخبرني بأمر الزواج ...لم يكن هناك وقت لأعيدها للمنزل ..وهي كانت معي ...خفت أن أتأخر فيتم الزواج"
لينكس أبيه رأسه للحظات قبل أن يزفر أنفاسه بعمق ويستكمل سيره مغمغما :
"حسنا احمد هيا لنعود "
شعر أحمد بأن أبيه لم يصدقه ...لكن ابتسامة ريهام الجميلة التي وجهتها لأبيه ما أن ترجلت من السيارة عندما رأتهم ...وسؤالها بشكل طبيعي عن صحة صديقه جعله يزفر براحة وينظر لها بعشق وامتنان.. خاصة مع استرخاء ملامح والده الذي رد عليها براحة بكونه بخير... ليشير أحمد بعينه للتحري بأن يذهب ويأخذ مكانه خلف المقود ..ويقول لأبيه بسعادة قبل أن ينطلق :
"دع سيارتك هنا أبي وسأرسل من يأتي بها لاحقا ..."
--------------------------------------

أنتفض خالد واقفا وهو يقول بتحذير بارد:
"لا تنس نفسك ..وإياك أن تهددني ... أنا خالد الراوي يا هذا "
ليضيف بهدوء وهو يعود للجلوس :
"الأفضل أن تجلس لنكمل حديثنا بهدوء وعقل ... وبلا جعجعة وتهديدات فارغة ...فإن كنت أنت محمي ..فأنا كذلك وأكثر ... لكن الفرق أن معي ما يمكن أن أدمرك به ...وصدقني ما في يدك ليس فقط كل ما املك ضدك ...فما زال لدي الكثير ...لكنك تعرف بالطبع ...أن رجل الأعمال الذكي لا يكشف كل أوراقه دفعة واحدة "
ليرد عاصم بحدة وهو ما زال واقفا:
"إياك أن تظن أن بإمكانك تهديدي أنت لا تعرف من أنا ...وما يمكن أن أفعله إن شعرت بالتهديد ...أو اقترب من نطاق نفوذي مخلوق مهما كان"
ليضحك خالد ساخر وهو يقول:
"بل أعرف جيدا ...ما يمكن أن يحدث لمن يقترب منك ....ممكن مثلا أن يصاب بحادث قضاء وقدر ..كما حدث لمهاب الابن الوحيد لمحسن الراجي و الذي اكتشف علاقتك بأخته وكاد أن يفضحك عند أبيه ..لتسارع أنت بالقضاء عليه ...لينهار أبيه وتستغل أنت الفرصة ..وتجعله يفوضك للإدارة ..لتسرق مشاريعه وتحولها للشركة التي أنشأتها من الباطن ..وتتسبب بإفلاسه ..وبعدها تتخلى عن ابنته التي انتحرت بعد تخليك عنها ...ليلحق بها أبيها بذبحة صدرية ..وتشترى أنت أملاكهم من الورثة بأبخس الأثمان ...أو ربما تدس مواد مخدرة في سيارتي ..كما حدث مع منصور حفظي الذي لفقت له تهمة الاتجار بالمخدرات بعد أن كشف تلاعبك مع موظف البورصة ...بل وأيضا تلاعبك في سجلاتك الضريبية "
لينظر له عاصم بحدة ويعود للجلوس واضعا ساقا فوق الأخرى وهو يقول بتكبر:
" لا أدري ما الذي تتحدث عنه ... ليميل ناحيته وهو يقول بخبث.."
أتظن كلامك هذا يمكن إثباته" ...ليعود للإضجاع للخلف على كرسيه وهو يكمل بتحدي:
" أظنك لست بالغباء الذي يجعلك تتصور أن شيئا مما تقوله يمكن إثباته ...لم تكن لتراني جالسا أمامك الآن ..أليس كذلك خالد بك"
ليرد خالد بسخرية:
"بالتأكيد ..عاصم بك ...ما قلته يصعب إثباته" ليضيق عينيه ويشبك يديه وهو يميل على مكتبه مضيفا:
"لكن صور عقود الزواج العرفي المتعددة ...وصورة عقد الزواج الرسمي لزوجتك الأولى ...تلك المسكينة الملقاة بمصحة للعلاج النفسي ..بالإضافة ...لتقارير عن حالتها النفسية ... مزودا بتواريخ دخولها هناك بعد قيامها بتقديم بلاغ ضدك تتهمك به بالاستيلاء على أموالها ...والتعدي عليها بالضرب ... وصورة عقد الطلاق الذي تم بعد إدخالها للمشفى مباشرة ...طبعا الزواج والطلاق قد لا يشكل إدانات قانونية ...لكنه سيهز مركزك الاجتماعي وصورتك التي تحاول رسمها بقوة ..أما نشر البلاغات القديمة ضدك ..وخاصة تلك التي تتهمك بالتلاعب ..والتهرب الضريبي ...رغم عدم إثباتها سيزيد من هذا الاهتزاز ..لكن إن أضيف إليها صورا من عقود التعاقدات الحكومية مزود بها الأرقام الخاصة بالعطائات المقدمة من المستثمرين ...والمقدمة منك ..ومقارنة فروق الأسعار ..ورغم ذلك تم إرساء العطاءات عليك ..وأيضا بعض أوراق من تقارير حساباتك الأصلية والأخرى المقدمة للضرائب " ليستدرك وهو يمعن النظر بالمتحفز أمامه :
" طبعا الحسابات القديمة ..فانا اعرف أن الحسابات الحالية تم تضبطيها بمعرفة محترفين ...لكن الماضي لا يموت بالتقادم ..ونشر أشياء كهذه بالميديا وشبكات التواصل ...كيف تظن انه سيؤثر على صورتك العامة ..حتى لو لم يدينك قانونيا ..وكيف سيكون رد فعل من تحتمي بهم ..خاصة وأنت تعي أنه يهمهم بقاء صورتك نظيفة ..وإذا أثير حولك الشكوك ...سيلقون بك بسهولة ..وتصبح كرتا محروقا ..يسهل التضحية به واستبداله ...تلك شروط اللعبة وأنت خير من يعلمها "
ليرد عليه عاصم بتحذير:
"لا تكن غبيا خالد ...لو حاولت أن تؤذيني ...ستكون كمن يحفر قبره ...تعرف أن من ورائي سيحمونني ..ولن يتركوك ..حماية لمصالحهم على الأقل ...مهما ظننت نفسك محميا ...فلست بالغباء الذي يجعلك تعتقد أنك قادر على الفوز ..وخاصة عندما تكون الخسارة لمن خلفي بالمليارات ...فهل تظنهم سيدعونك"
ليعود خالد بظهره لكرسيه ويمسك قلمه يديره بين يديه وهو يقول بهدوء خادع:
"حسنا ...إذا بإمكاننا أن نجرب ..ونرى من منا سيربح ..ومن سيخسر ...وصدقني ...أنا لم أتعود الخسارة ..وفي جعبتي الكثير ...أو... بإمكاننا التوصل لاتفاق..."
ليقاطع رد عاصم صوت رنين هاتفه الخاص .. هاتف من الواضح أنه مختلف عن الموضوع أمامه ..فالآخر يضعه بالجيب الداخلي لسترته ليبتسم خالد بداخله ساخرا وهو يفكر أنه لابد أن هذا الهاتف برقم خاص للكبار ...بدليل ارتباك عاصم ما أن رأي الرقم الذي يهاتفه ..ليقول له بسخرية :
"الأفضل أن تجيب ...فمثله لا يقبل التجاهل"
لينظر له..عاصم بغضب بينما يرفع الهاتف لأذنه بعد أن قبل المكالمة وهو يقول بخفوت:
"مساء الخير معاليك" ليراقب خالد ملامحه التي تزداد شحوبا وغضبا ..فيسترخي براحة وهو يتأكد أنها رسالة التحذير التي أمل أن تصل إليه بوجوده ..فيبتسم بسخرية بينما تتشابك نظراته مع نظرات المتحفز أمامه بغضب لاهث وهو يحاول مقاطعة محدثه الذي يبدو انه لم يدع له فرصة ...ليخفض هاتفه بعد انتهاء المحادثة أحادية الطرف.. بملامح حانقة مغلقة بينما يخفض رأسه للحظات قبل أن يرفعه ويقول بغضب مكظوم :
"أجدت اللعب خالد بك ..لكن لا تفرح كثيرا ..فيوم لك ..ويوم عليك ..وأنا لا أترك ثأري "
ليرد خالد ببرود:
"اسمع عاصم ..لا داعي للتهديدات الفارغة ..ولننهي الأمر بما يرضي الطرفين ...وينسى كلا منا وجود الآخر .. أنا على استعداد لأن أنسى كل ما سبق ... الأوراق التي تدينك.. وما اكتشفته عنك .. وهو كثير صدقني ..ما بيدك جزء منه فقط....سأحتفظ به بخزانة البنك لن يطلع عليها أو يراها مخلوق إلا إن أصابني مكروه ..أيضا سأتناسى محاولتك تدمير مشروعي ..وكل ما فعلته معي ..وأنت في المقابل ..تنسى موضوع زواجك من ابنة عمتي ...و تقطع علاقتك بعمتي تماما...ابحث عن غيرها ...لن يصعب عليك إيجاد فتاة من أسرة راقية ...لا تهتم بماضيك ...مقابل ما ستمنحه لها من مميزات وضعك الحالي"
ليطرق عاصم قليلا قبل أن يرفع رأسه قائلا:
"وماذا بالنسبة لأموالي ..ديون عمتك ..أم من المفترض أن أتنازل عنها واخسر كل شيء"
ليرد عليه خالد بحزم:
"رغم أنها ديون تمت بالتحايل والتلاعب ...لكني سأقوم بدفعها لك ...لكني سأدفع أصول المبلغ الذي دفعته أنت فعليا ...لا تلك الفوائد التي جعلتها توقع عليها ..غدا سيكون محامي لديك ... تسلمه كل ما لديك ويسلمك شيكا بالمبلغ ..أيضا ستسلمه العقد الخاص بالفيلا الخاصة بعمتي ..وعفوا هذا بالذات لن ادفع فيه أي مبلغ ...فانا وأنت نعلم انك لم تشترها فعليا ...بل كان مجرد ضمانة لتجبر عمتي على الرضوخ لك ..وعدم المطالبة بالديون حتى تتزوج ماهي كما أخبرتها ..أليس كذلك....أظن هكذا سيد عاصم لن تخسر شيئا "
ليقف عاصم وهو يقول بغضب مرير:
"بل خسرت الكثير سيد خالد ...ولا أقصد المال ...فصدقني ...لقد أردت حقا نسبكم ..وشراكتك..أردت ابنة عمتك زوجة لأني واثق من أخلاقها...فرغم أني أريد زوجة من الطبقة العليا ...لكني أردتها أيضا محل ثقة ..تصلح لتكون أما لأطفالي ...وأردت شراكتك لأني اعرف انك رجل شريف ..لم تكن لتطعني بظهري يوما....لكني اعرف القضية الخاسرة ..لن أقول وداعا سيد خالد ..فبالتأكيد سنلتقي ثانيا "
ليتجه للخارج .. برأس مرفوع ..وملامح مغلقة ..ليزفر خالد بعمق ما أن أغلق الباب خلفه.. ويضع رأسه فوق يديه المتشابكين أمام ذقنه .. داعيا بداخله أن يكون الموضوع قد انتهى تماما ..فهو ليس بالغبي ليأمن تماما شر ثعلب ماكر كعاصم ...سيظل حذرا منه ...لكنه يشعر ببعض الراحة ..وبداخله شعور قوي بأن عاصم لن يتعرض لهم ثانية على الأقل فيما يخص موضوع عمته وماهي ...لقد استطاع حاليا النجاة بأقل الخسائر ...ليعود برأسه للخلف مغمضا عينيه وهو يفكر في مشكلة السيولة ..وكيف يمكن أن يوفر المبالغ التي يحتاجها ...فبعد أن يدفع لعاصم مبلغ الدين لن يتبقى لديه سيولة تغطي تكلفة المرحلة الأولى للعمل بالمشروع ..خاصة أن أعمال الإزالة لما تم بنائه مع ما أحاطها من تعتيم متعمد منه قد استنفذت منه مبالغ طائلة ...لقد باع شقته بلندن .. لصديقه ومنافسه يوسف السعيد الذي سبق أن أبدى رغبته بشرائها عندما علم بموقعها منه ذات مرة ..حيث أن موقعها ممتاز ويصعب الحصول على واحدة بنفس الموقع ..وقد حول له المبلغ أمس ..مما جعله قادرا على دفع الديون ..لكن الباقي لن يكفي لتغطية ما يحتاجه لاحقا .. ليقف بتعب ويحمل سترته متجها للخارج ..فهو بحاجة للنوم ...وغدا يوم جديد
--------------------------------------------

طرق الباب بهدوء قبل أن يدلف لداخل الحجرة ليجد الراقد بالداخل يفتح عينين ناعستين وينظر له بتشوش فيقول باعتذار:
"عفوا مدحت ...لم اعرف أنك نائم ... كنت أريد التحدث معك بأمر هام ...لكن بإمكانه الانتظار...سأعود بوقت آخر وأتركك تكمل نومك"
لينظر له مدحت بتعجب ..ويقول بجفاف:
"لا داعي ...لقد استيقظت الآن.. ليرفع رأسه ناحية الساعة المعلقة على الجدار ..ويضيف ...لقد نمت ما يزيد عن الساعتين ...وان نمت أكثر فلن استطيع النوم ليلا"
ليجر أكرم كرسيا ويضعه بجوار الفراش وهو يقول باسما :
"إننا بالفعل ليلا ..تقصد أنك لن تستطيع إكمال نومك حتى الصباح وستصاب بالأرق بعد بعض الوقت ...لكن لا تقلق ...أدويتك ستجعلك تنام ..موعدها بعد قليل وبعد أخذها ستجد نفسك تنام بعمق ..لذا فضلت أن أحدثك وأنت ما زلت بكامل تركيزك"
لينظر له مدحت بصمت للحظات قبل أن يقول بامتعاض لم يستطع مداراته:
"لا أظن أن بيننا شيئا مشتركا لنتحدث بشأنه"
لينظر أكرم لهذا الغاضب المستلقي أمامه بمرح ...يفهم مشاعر غيرته منه ..ويقدرها ...فلو كان مكانه لكان مثله وأكثر .. لكنه يحتاج لتوضيح الأمور وإزالة أي سوء فهم ..وأيضا يحتاج للتأكد من مشاعره لسارة ....فهي رغم كل شيء ..ابنة أستاذه ...وحقا يحمل لها مشاعر مودة قوية ..ليقول بابتسامة هادئة بعد لحظات الصمت:
"بل بيننا الكثير ...ففضلا عن صلة النسب التي أصبحت تربط بيننا من جانبين ...شقيقتك وأخي... وشقيقتي وابن خالك...فهناك أيضا صلة نسب أخرى يبدو انك راغب بأن تربط بيننا "
لينظر له مدحت بعدم فهم ..وهو يسأله بتعجب .."أي صلة نسب تلك ؟!!"
ليقول أكرم بغموض:
"ألست راغبا بالزواج من سارة؟!!"
لتحتد ملامح مدحت ويقول بتحفز:
"وما شانك أنت وسارة؟! ...وكيف يكون زواجي منها صلة نسب بيننا؟!"
لينحني أكرم مقربا وجهه من مدحت وناظرا بعينيه وهو يقول بجدية وحزم:
"لأن سارة بمثابة أخت لي ..وأبيها كان وسيظل دوما..أبا ثانيا لي ...أنا أتفهم صعوبة فهمك وتقبلك لذلك ...خاصة مع الرابط السابق بيني وبينها" ...ليكمل متجاهلا امتعاض ملامحه نتيجة إشارته لارتباطه السابق بسارة...ليكمل بمهادنة محاولا النفاذ لعقل هذا الغيور :
"صدقني مدحت ..ارتباطي بها كان خطأ اكتشفناه معا ...فرغم معزتي لها إلا أنني اكتشفت أن مشاعري ناحيتها لا تتعدى مشاعر الأخ لأخته أما قلبي ...فتسكنه أخرى ..وسأظل دوما شاكرا لك ظهورك بحياتها بهذا التوقيت ...الذي جعلها تقرر إنهاء ارتباطنا مجنبة إيانا معا مغبة الاستمرار بارتباط فاشل ...ومتيحة الفرصة لكل منا للبدء بصورة صحيحة مع شريك قلبه ...لكن هذا الانفصال لا يعني أن علاقتي بها ستنتهي"
..ليكمل متجاهلا ملامح الغضب على وجه مدحت:
"عليك أن تعي أن علاقتي بالدكتور خليل وسارة س............."
ليقاطعه مدحت بصوت غاضب غيور:
"كف عن ترديد اسمها "
ليرفع أكرم حاجبه بمرح ..قبل أن يضحك بهدوء وهو يقول:
"وهل أتحدث عنها بالإشارة ..أم أقول الآنسة اكس ...مدحت ...اسمعني جيدا وافهم ما أقول ...سارة - قالها مشددا على الاسم- ..هي كهمس شقيقتي ..لا أكثر ...وقد أخبرتني بقصتكما معا ... وطلبت مني التدخل لدى الدكتور خليل لإقناعه بالموافقة على زواجكما قبل إجرائك لجراحتك بعد غدا ...ورغم صعوبة الأمر ...لكني متفهم لأسبابها ...لكني أحتاج لأقتنع بأنك تحبها بالفعل .. وانك ستصونها وترعاها قبل أن أتدخل لأجلكما لدى أبيها"
...ليعود للخلف على كرسيه وهو يضيف بمزاح لهذا المتجهم أمامه:
"بالنسبة لحبك لها ..فأظنني تأكدت منه ...فهذه ملامح عاشق غيور ...بقي أن تقنعني بجديتك واستحقاقك لها"
ليرد عليه مدحت باستنكار عابس:
"ولماذا أقنعك أنت ..أنت لا تقرب لها ...وقصة الأخوة هذه لا تقنعني بالمناسبة ...وأيضا كونها لجأت إليك ..وتحدثت معك ..وهذا التقارب بينكما ..أمر لا يعجبني "
ليظل أكرم ينظر له للحظات متابعا ملامحه المتشنجة قبل أن يقول بلباقة:
"كعاشق ...أتفهم جيدا غيرتك ...فانا أيضا أغار على حبيبتي بشدة ...حتى من أقرب الناس ...لكني لست غبي ..لأخسر فرصتي معها ..وأعادي من يمكن أن يساعدني بالوصول إليها"
..ليكمل بسرعة مقاطعا الاحتجاج الذي استشعره من الراقد أمامه:
"مدحت ...للمرة الأخيرة ...دكتور خليل وسارة أسرتي الثانية ..أنا بمثابة الابن الذي لم ينجبه دكتور خليل ...وقد وعدت أن أكون دوما أخا لسارة ...وهو وعد سأفي به مهما حدث ... ليربع يديه وهو يكمل ...
"والآن ...أريدك أن تقنعني أنك تستحق أن اقنع أستاذي وأبي الروحي انك تستحق أن يزوجك أختي سارة "
ليظل كلا منهما ينظر للآخر بصمت وتحدي ...قبل أن يزفر مدحت بضيق ويدير وجهه وهو يقول بامتعاض:
" يبدو انه سيكون علي القبول بوجودك الثقيل بحياتي ...على كل لا أدري ما الذي تريد مني إن أخبرك إياه ...إن كانت سارة أخبرتك عني ...فلابد أنك تعرف أني عاطل عن العمل ...ولو بمقاييس الاستحقاق الموضوعية ..ربما لا استحقها ...وتستحق من هو أفضل مني ...لكن لو بمقياس الحب ...فلن يحبها آخر مثلي ...ولو قدر الله لي الحياة ..فسأعيش عمري محاولا إسعادها"
...ليدير وجهه لأكرم مضيفا بخفوت متألم:
"أيضا أنا أناني ...أناني لدرجة تجعلني غير قادر على تركها والابتعاد عنها حتى لو لم استطع العودة لما كنت عليه ...أعلم أن هناك احتمالية كبيرة لبقائي مقعدا ..كما ولابد انك أنت أيضا تعرف ... و رغم أني فكرت بل وحاولت أن أبعدها عني ...لكني تراجعت ..أنا أضعف من أن أحتمل ابتعادها مرة أخرى ...سأموت لو تركتني ...أو اقترنت بغيري ...هي حبيبتي ...حبها يسري بدمي ...سنوات من الابتعاد لم تجعلني أنساها "
لتغيم عيناه بعاطفة قوية وهو يضيف بتهدج:
"كان يكفي نظرة ...فقط نظرة لعيناها الذهبية لينتفض قلبي من ثباته ...ليتمرد على حالة التجميد ألقصري التي أجبرته عليها لسنوات ...لأجد أني أفضل الموت على أن تصاب بخدش ...لكني أيضا أفضل عذابها معي وبقربي حتى لو ظللت مقعدا على أن تكون لغيري أو تبتعد عني"
لينظر أكرم له بتمعن ..قبل أن يقول ببسمة متفهمة :
" أحسنت مدحت ...صدقني ...فكرة التضحية في الحب فكرة غبية ..وحمقاء ...لتكن أناني كما تريد ...طالما ستحيا عمرك محاولا إسعاد حبيبتك بكل ما تقدر عليه ...وصدقني ...حتى لو بقيت مقعدا...وهو ما أتمنى أن لا يحدث ...سيمكنك أن تمنحها السعادة الكافية بحبك وحنانك واحتوائك ...وكم من رجال لديهم إعاقات مختلفة ..استطاعوا إسعاد زوجاتهم أفضل بكثير من أصحاء لا يقدرون نعمة ما يملكون "
ليقف غامزا بعينه له وهو يقول بمرح :
"استعد غدا مساءا لعقد قرانك أيها النسيب ...فلن أكون أكرم محفوظ إن لم أقنع أباها ...وليكن بعلمك ...حتى لو غضبت وامتعضت وقلبت وجهك ...سأكون شاهد الزواج من قبلها ...فضع هذا باعتبارك حتى لا تفاجئ أو تحاول الاعتراض"
لينظر له مدحت بتمعن وملامح بدئت تفقد حدتها رويدا ...قبل أن يوقف خروجه بتساؤل حائر :
"لكن ...هل ينفع أن تتزوجني غدا" ... ليمتعض وجهه ويضيف من بين أسنانه "لقد انفصلتما من فترة قصيرة ...وعلى حسب علمي أظن أنها يجب أن تنتظر فترة ثلاث أشهر عدة طالما كان بينكما عقد قران "
لتنطلق ضحكة خافتة من أكرم الذي رد هازئا وهو يتابع ملامح مدحت المتشنجة:
"يا الهي ... ألا تتعلمون شيئا مطلقا في مدارسكم الدولية ...أيها الجاهل لأبسط أساسيات دينه ...العدة للمطلقة بعد إتمام الزواج والدخول وليس قبله ...سارة ليس لها عدة"
ليضف بمزح يبدو أني سأضطر أن اجلس معك جلسة ثانية قبل زواجك وأعطيك بعد الدروس والقواعد الأساسية"
ليتجاهل ملامح مدحت الحانقة ويفتح الباب ليخرج ...ليعتذر بهدوء من الممرضة التي كاد أن يرتطم بها أثناء خروجه ...تاركا إياها تعطي هذا المتذمر دوائه
-------------------------

دخلت الغرفة تنظر بغضب للجالس على فراشه ممسكا كتابا بيديه متجاهلا إياها لتتخصر وهي تقول بحدة:
"تجلس بهدوء ولا كأنك فعلت شيئا ...بينما ابنك من لحظة مجيئه وهو يتجنبني ...واعتزل بالشقة الثانية ...حتى عندما أرسلت تقى لتناديه للعشاء رفض ...لابد أنه يشعر بالإحراج بعد كلامك الوقح الذي أحرجته وأحرجتني به ...أنا أيضا أشعر أني غير قادرة على رفع عيني بوجهه ...هل تخبرني كيف ستصلح ما فعلته"
...ظل متجاهلا إياها للحظات لتشعر بالضيق والغبن فتجلس على الفراش وتبدأ بالبكاء ..متجاهلة ذاك الذي ألقى الكتاب من يده ما أن سمع صوت بكائها واقترب منها قائلا بلهفة :
"تقى حبيبتي .. اهدئي ...أمعقول أن تبكي لسبب تافه كبضع كلمات عادية وبديهية قلتها لياسر ..أو لأن الأحمق رفض العشاء ...وما فيها كلماتي ...وهل هو لا يعرف كيف جاء للدنيا ...هل استنسخناه مثلا ...أو صنعناه بالمختبر ...كفي عن البكاء والحماقة والنظر لي بلوم بعينيك الرائعتين اللتان توجعان قلبي هاتين"
لتقول له بعتب :
" سلامة قلبك من الوجع ...لكن حتى لو كانت أمورا بديهية ...فلا تقال للأبناء ...لقد أحرجت كلانا ...حقا لا أعرف كيف سأنظر لعينيه ...ولابد انه أيضا غير قادر على مواجهتنا ...الم يكن يكفي تلك الحمقاء الغاضبة الصامتة ...لتزيد التوتر بالمنزل بكلامك لياسر الذي يبدو أنه قرر أن يعتزلنا ...أشرف ..أريد ابني أن يأتي ويأكل معنا ويتحدث معي كما كان دون حرج ...كما أفسدت الأمر أصلحه ..ولا اعرف كيف... تصرف"
لتقوم بنزق وتخرج من الحجرة تاركة إياه يزفر بضيق
------------

أخذ يناظر السقف بشرود ...وهو يفكر بأنه كان يجب أن يشتري شيئا ليؤكل قبل عودته ...ليقطب بغيظ وهو يفكر أنه لو فعلها لأثار ريبة وتساؤل تلك الحمقاء التي ترافقه بالعودة ...ليتقلب على الأريكة المتواجدة بركن حجرته بضيق وهو يحدث نفسه بغيظ :
"لابد أنها تتمتع الآن بطعام أمي ...بينما أجلس هنا أتضور جوعا"
ليخرجه من شروده طرقات على باب الشقة ...ليقف بسرعة متجها إليه وهو يمني نفسه بأنهم ربما أرسلوا له بعض الطعام ..ليفتح الباب فيفاجأ بأبيه واقفا أمامه فيشعر بالارتباك وهو يقول بحرج ...بينما يهرب بعينيه من مواجهة عيني أبيه:
"مرحبا أبي تفضل ...لماذا أرهقت نفسك بالحضور إلي " ليتخطاه أبيه ويدلف للداخل وهو يتطلع للشقة بتمعن بينما يقول :
"ماذا افعل ...إذا كان ابني يتصرف كما لو عاد طفلا ...يغضب ... ويعتزلنا بحجرته ...ويرفض القدوم إلينا"
ليرد ياسر بارتباك:
"لماذا تقول هذا يا أبي؟ ...ماذا فعلت لتتهمني باعتزالكم ....فقط لمجرد أني لم أرد أن أتناول العشاء لأني لست جائعا ...لا يعني أني .."
ليقاطعه أبيه وهو ينظر له بحدة:
"لماذا لا تنظر لوجهي وأنت تحدثني وتهرب بعيناك مني أيها الأبله ..أتظن انك عندما تتهرب من الطعام رغم ثقتي أنك جائع سيجعلك هذا تتلافى مواجهتي وأمك ...ومنذ متى لا تمر علينا بمجرد عودتك من عملك ...وتدخل شقتك مباشرة ...ألا تعرف كيف أحزنت أمك وأحرجتها بتصرفاتك الطفولية يا أحمق "
ليقطب ياسر ويرفع عيناه لأبيه قائلا بنزق :
"أبي كف عن سبى ...لقد أصبحت لا تكف عن اهانتي طوال الوقت "
ليرد أبيه بحدة :
"سأكف عندما تنضج وتتصرف بما يتناسب مع سنك ..الآن ستتحرك أمامي وستأتي لتناول العشاء معنا ..وتتحدث مع أمك بشكل عادي ...لن تهرب بعيناك منها...ستشاكسها وتتدلل عليها كعادتك السمجة ...لن تتصرف كمراهق محرج أفهمت يا غبي ...يكفيها الحمقاء الأخرى ابنة خالتك"
ليقطب ياسر ويستغل الفرصة ليسأل أباه عما يحيره :
"حسنا أبي لحظة لأرتدي خفي وآتي معك ..وبالمناسبة ..ما بها تقى ...ليست طبيعية ودائمة الشرود والصمت على غير العادة"
ليزفر أبيه بعمق وهو يجيل نظره مرة ثانية بالشقة ويقول شاردا:
"والداها سيحضران قريبا ...ويبدو أن هناك مشكلة ما بينها وبين أبيها تجعلها غير راغبة بمقابلته ...لدرجة أن أمك عندما أخبرتها أننا سنستضيفهم هنا بشقتك وتبقى هي معهم ...بينما تعود أنت للبقاء معنا رفضت وكانت ترغب بالعودة لشقة جدكم حتى تنتهي زيارتهم ...وبالمناسبة ...سنحتاج لشراء بعض المفروشات لشقتك ...أمك ستحضر أثاثها المخزن ببيت جدك ...أريدك أن تصاحبها بيوم عطلتك وتتفق مع سيارة وبعض الحمالين وبعدها سنرى الناقص لنشتريه ...وعندما تقرر الزواج نبيع ما لا تحتاجونه ونشترى لك أثاثا جديدا"
...ليهز رأسه وهو يدعي البحث عن خفه بأركان المكان مطيلا الحديث رغم رؤيته للخف بجوار الباب خلف ظهر أبيه ...ليقول بتساؤل :
"أين ذهب هذا الخف ...لكن يا أبي ..غريب أمر رفض تقي لرؤية أبيها ...ترى ما هو هذا الخلاف القوي الذي يصل لدرجة رغبتها بعدم التواجد معه بنفس المكان" ليزفر أشرف بضيق وتململ بإرهاق وهو يقول بحدة:
"ياسر إن لم تجد الخف فتعالى حافيا وخذ واحدا من عندي ...لابد أن العشاء برد وأمك تتساءل أين اختفينا ...ولا تتدخل بموضوع تقى وأبيها أو تشعرها بمعرفتك بشيء ..أنه أمر يخصها وأسرتها ...فلا تقحم نفسك به"
..ليستدير خارجا فيرى الخف ورائه فيقول بضيق:
"ها هو خفك أسرع "...ليسبقه وهو يدمدم بحنق ..بينما يلحق به ياسر باسما بسعادة ...فقد عرف سر حالة تقى ...وليس هناك أي عريس ...وأيضا سيتناول عشائه مع أمه ...واعدا نفسه أنه سيتعامل معها بصورة طبيعية متناسيا موقف الظهيرة ولن يفعل ما يذكرها به
---------------------------------------

تقف خلف شباك حجرة الاستقبال المطل على باب الفيلا بانتظار عودة ماهي وهذا الحقير الذي ارتبطت به ...لقد قارب الوقت منتصف الليل وهما لم يعودا بعد ...لقد خرجت معه مكتفية بإرسال رسالة تخبرها بها أنها ستتعشى معه ويسهران معا ...لتغلق هاتفها بعدها ...كما لو كانت تتعمد أن لا تعطيها فرصة الرفض أو الاعتراض ...لكنها لن تكون رقية الراوي إن لم توقف هذا الحقير عند حده ..وتعلمه حدوده منذ البداية ...قد يكون خالد ومدحت استطاعا لي ذراعها ..وجعلها تستسلم لهذا الوضع المهين لكن هذا لا يعني أن تتنازل بسهولة ...لتزم حاجبيها بضيق وهي تقول لنفسها بحنق مغتاظ :
"ابنتي أنا تتزوج من ابن موظف تافه بالسكة الحديد ...ماذا سأقول للناس ..كيف سأواجه صديقاتي .. وأقاربي ...وعضوات النادي ...ماذا سأقول لهم عندما يسألوني عن أسرة خطيب ابنتي ..ومهنة أبيه ...أخبرهم انه من عائلة معدمة ..وأبيه موظف نكرة!! "
لتتسع عيناها ذهولا وتذم فمها غضبا وهي ترى تلك الدراجة النارية التي دلفت للفيلا وتوقفت أمام مدخل بوابتها الداخلية ..لتقف مراقبة بحنق ابنتها التي تخلع الخوذة ولولا ملابسها لم تكن لتعرفها قبلها ...وتنظر بضيق لتلك السعادة التي تنطلق من ملامحها لتظل تراقب المشهد الدائر أمامها لدقائق ...قبل أن تنتفض غاضبة وتتوجه لتفتح الباب لتنهي تلك الوقاحة...
----------------

كان ينظر لها بسعادة وهي تخلع خوذتها ...تبدو مشعة أكثر من القمر الذي ينير السماء فوقهما ..لتبادله النظرات وهي تقول له بسعادة:
"شكرا سامح ...لقد قضيت معك أجمل ليلة بحياتي ...لم استمتع أبدا بمقدار ما استمتعت بتلك الساعات الماضية ...ولو أني قلقة عليك ...فقد أجهدت ساقك وما زالت لم تبرأ بعد "
لينظر لها بعشق وهو يقترب منها رافعا كفيه ليعيد شعرها للخلف وهو يقول:
"لا تقلقي ...أنا لم أشعر بأي تعب ...وأنا أيضا قضيت معك أجمل ساعات مرت بعمري ...واعدك أن أحاول إسعادك دوما"
ليغمزها بشقاوة وهو يسألها :
"هل ما زال فمك ملتهبا من شرب حمص الشام الحريف " لتمتعض ملامحها وهى تتذكر بينما تقول بنفور:
" لا تذكرني سامح ...كان يجب أن تنبهني أنه حار بتلك الدرجة ...لقد شعرت أنني سأحترق والحرارة تشتعل بجوفي "
لتتعالى ضحكاته وهو يتذكر وجهها الذي احتقن وانفها الذي سال ما أن شربت جرعة من كوبها ..لتنتفض وهي تحرك كفيها أمام فمها كمروحة في محاولة لتبريد الحرارة بداخل فمها ...ليناولها طبقا من المهلبية اشتراه بسرعة من نفس العربة التي اشترى منها أكواب حمص الشام (الحلبسة) لكنه يعترف أن حرارته كانت تفوق الحد ...لكنه استمتع بشكلها المحمر وعيونها الدامعة .....إنها فتاة ممتعة ...بل هي فتاته الممتعة والرائعة...اقترب منها أكثر وهو ينظر بعينيها مستعيدا ساعاتهما الماضية ....لقد تنزها على كورنيش النيل لساعتين دون أن يشعرا يمشيان قليلا متشابكي الأيدي ..ويجلسان قليلا على مصطبة دون أن يترك يديها ... ...يتحدثان عن كل شيء .. طفولتهما ...دراستهما ... عملهما ...ليستأجر بعدها مركبا صغير ويقضيا بين أحضان النيل ما يزيد عن الساعة ..يلف ذراعيه حولها وتلقي رأسها على صدره ...وبعدها سألها عن المكان الذي ترغب بتناول العشاء به لتختار مطعما شهيرا للبيتزا ... ورغم انه لم يكن اختياره الأول لكنه استجاب لرغبتها ...لقد مرت الساعات بسرعة حتى فوجئ بان الليل قارب على الانتصاف ..ليضطر لإعادتها .....ولو كان يستطيع لأبقاها معه ...ليجد نفسه يميل إليها دون قدرة على ردع نفسه بينما يقول بصوت أثقلته العواطف بينما كفيه يتخللان خصلات شعرها :
"بإمكاني أن أكمل تبريد وترطيب شفتيك ...فهما ما زالا محتقنتين"
ليزدرد لعابه بصعوبة وعينيه متعلقتين بتلك الشفتين الشهيتين الحمراوتين كحبتي كرز ليميل برأسه ناحيتهما مستغلا حالتها العاطفية الذاهلة ..وما أن كاد يقتنصها حتى انتفض كلاهما مبتعدا عن الأخر على صوت فتح باب الفيلا بعنف خلفهما لينظر بضيق لحماته العتيدة وهي تنظر لهما بغضب من أعلى درجات المدخل .. مكتفة يديها قبل أن تصيح بحدة موجهة حديثها لماهي المحرجة بجواره ومتجاهلة إياه:
"الوقت تأخر .. ادخلي فورا ...ويكفي بقاءك خارجا حتى الآن "
ليرفع حاجبه بشر وهو يقول متفكها بسخرية:
"مساء الخير حماتي ...عفوا لأنني أخرت ماهي حتى الآن ...لكن لم يكن يجب عليك أن تتعبي نفسك بالسهر وانتظارها ... ولا داعي لقلقك طالما هي معي ...فأنا أصبحت زوجها ..أي أنها بأمان تام معي"
لترفع حاجبها وتنظر له من أعلى لأسفل بتعالي قبل أن تقول بتكبر :
"ما حماتي هذه ...لا تدعوني بها ثانية ..إن كان هناك ضرورة لتدعوني بشيء فقل رقية هانم ..والأفضل أن لا تقول شيئا مطلقا"
تجاهل ماهي الواقفة بارتباك تحاول بلا طائل تحذير أمها من التمادي بنظراتها وإشارتها التي تظنها خفية عنه :
ليقول لرقية باستهزاء ساخر :
"أتريدين ..أن يدعوك زوج ابنتك بلفظ هانم ...يبدو أن لديك خلط بين وضع زوج الابنة والسائق العامل لديك ..فالأول لن يناديك برقية هانم عكس الثاني ...لكن لو كان لفظ حماتي يضايقك أو يشعرك مثلا انك كبيرة بالسن ...فمن الممكن أن استبدله بلقب الحاجة رقية مثلا ...ترى هل حججت؟!! أو حتى قمت بعمرة حتى تستحقي أن أناديك به ؟!"
....ليسمع الشهقة الذاهلة من كلاهما ..بينما يضيف متجاهلا ملامح رقية المشتعلة غضبا وماهي الممتلئة قلقا:
"يبدو من ملامحك انك لم تفعلي أيهما ...غريب سيدة بعمرك يجب أن تبدأ العمل لآخرتها ...على كل لا يهم بإمكاني أن أناديك خالتي"
لتصرخ به غاضبة :
"ما خالتي هذه ...ما تلك الألفاظ السوقية ...ألا تعرف أين أنت ومع من تتعامل..و لما سأتعجب من شخص تربى بالحواري والأزقة ..وطبيعي أن لا يعرف شيئا عن الإتيكيت والذوق "
ليأتيه صوت ماهي التي صعدت السلم بسرعة ووقفت أمام أمها ممسكة بيدها وهي تقول بصوت مختنق :" يكفي أمي أرجوك ....أنا لن اسمح أو أقبل أن تهيني زوجي ....ادخلي الآن وسألحق بك "
لتدفع أمها يدها بغضب وهي تقول لها بحدة :
"ليس زوجك بعد ...بل خطيبك ...خطبة لم أوافق عليها ..أو أرضى بها ...بل فرضت علي قهرا "
فيرد عليها سامح محاولا التزام الهدوء بصعوبة:
"هل هذا هو ما يغضبك ؟...أني لم أطلبها منك؟! ...لا بأس خالتي ...بإمكاني تفهم..."
لتقاطعه رقية صارخة :
"لا تقل لي خالتي ...لست خالتك ...ولا حماتك "
ليرفع حاجبه قائلا بخبث:
"يا الهي ...لما لم تقولي هذا منذ البداية ...ترغبين أن أناديك أمي كماهي زوجتي ...لا باس لا داعي لغضبك سأناديك..."
لتقاطعه للمرة الثانية وهي تصرخ قائلة:
"لا تنطقها ...إياك ...لا تناديني بأي لقب مطلقا "
لينظر لها بتهكم وهو يقول:
"حسنا ...إن لم تريدي أي لقب مما مضي ..وأنا بالتأكيد لن ادعوك هانم ...فلست عاملا عندك ...فالحل الوحيد أن ادعوك أم ماهي... أم تفضلين أم مدحت؟!! "
ليرى ماهي تقترب ممسكة يدها مانعة إياها من النزول إليه ..وهي تزمجر وترغي وتزبد بكلمات غير مفهومة من شدة غضبها بينما يناظرها ببرود ..لتلتفت للداخل وهي تقول بصراخ من خلف ظهرها :
"أغلقي الباب والحقي بي ...قبل أن ارتكب جريمة بهذا السمج "
لتعود ماهي للهبوط بسرعة لتقف أمامه ممسكة بكف يده اليمنى بين كفيها وهي تقول بترجي وقلق:
"أرجوك سامح ...لا تغضب من أمي ..وتجاهل أيا مما تقوله ...هي فقط غاضبة لأنني تزوجت دون علمها و رضاها ...أو حتى وجودها ...ستحتاج فترة حتى تتأقلم وترضى ...لذا أرجوك ..تحملها قليلا ...ولا تعطي بالا لكلامها "
ليزفر بعمق و يمد كفه اليسرى ليحتوي كفيها الممسكين بيده اليمنى ..وهو يقول :
"لا تقلقي ماهي ...لدينا مثل يقول " لأجل الورد ينسقي العليق"
لتقطب ماهي قائلة بضيق عاتب:
"سامح ...أرجوك ..لا تقل على أمي عليق ...أو تنعتها بأي صفة مسيئة ...مهما حدث تظل أمي ...ولن اقبل أن يهنها خطيبي مهما حدث "
ليزفر سامح بعمق تاركا كفها ليرفع يده ممررا إياها على وجهه وشعره وهو يقول باعتذار قانط :
"عفوا حبيبتي ...لم اقصد ..حسنا اصعدي الآن ...فالجو بارد والوقت تأخر ...وسأراك غدا بالمجموعة كما اتفقنا ...لا تتناولي إفطارك ...فسنتناوله معا قبل ذهابي للقاء خالد للاتفاق على خطة العمل الجديدة بالمشروع"
و ما أن همت بالاستدارة و الصعود حتى أمسك بكفها لتستدير ثانية إليه بتعجب لتجده يميل عليها قائلا:
" فقط سأقول لك تصبحين على خير بشكل عملي يا زوجتي العزيزة "
وما أن كاد يمس شفتيها التي يكاد يجن شوقا لها ...حتى أتاهما صوت رقية الصارخ من الداخل بنداء ماهي
ليدفعها سامح باتجاه درجات السلم قائلا بحنق :
"اذهبي ..اذهبي اصعدي لأمك ...هي قُبلة منحوسة ...و يبدو أن لا نصيب لي بها ...هناك من نظر لي بها مقدما ..لابد أنه الأحمق أكرم ..أو أخيك السمج ...أو خالد ..أو ربما أحمد ...أيا يكن فقد نبر لي بقبلتي فلن أنالها الليلة "
لتنظر له قائلة بغنج خجول :
"سامح ..كف عن الحديث عن القُبل ...أنت تخجلني " لترتفع على أطراف أصابعها مقبلة خده بسرعة ...قبل أن تسرع صاعدة السلم تاركة إياه مندهشا ..وقبل أن يدرك كانت قد أغلقت الباب خلفها ...ليظل مسمرا مكانه للحظات بينما يتلمس خده مكان قبلتها بشوق ...ليقول بعدها بنزق :
"ما هذه الحماقة...هل تزوجت اليوم ليكون كل ما أناله قبلة على الخد؟ .. أتظنني خالتها ؟!!"
... ليتجه لدراجته بحنق وهو يلعن بداخله أمها ..ويتوعدها بأنه سينال قبلته قريبا ...بل و قريبا جدا رغما عن أنف حماته رقية !!!
------------------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 07-10-18, 09:16 PM   المشاركة رقم: 28
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الثالث والعشرين

أغلقت باب حجرة هند خلفها وهي تتنهد بعمق.. فالفتاة توجع قلبها بقوة ...المسكينة تكاد لا تخرج من حجرتها ...حتى وجبات الطعام ترفض مشاركتهم بها ...بل لا تكاد تتناول من الوجبات التي يرسلونها لها إلا النذر اليسير ...ورغم كل محاولاتها هي وهمس لجذبها للاندماج معهم ...إلا أنها لم تجدي نفعا ولم تجعلها تسترخي ... لتسير بالرواق متجهة للدرج وهي تفكر بأن الفتاة لديها كبرياء قوي ..وعزة نفس ربما تفوق الحد ... هي معجبة بها بشدة ...لكنها أيضا مشفقة عليها ...فوضعها صعب ...وما حدث لها ليس بهين ...لكن يجب أن يكون هناك حل ...لا يمكن أن تظل بحالتها تلك .. تتحجج بمذاكرتها وتنعزل بحجرتها دوما ...وترفض حتى النزول للحديقة والاستذكار بها ...تخرج لأداء الاختبارات وتعود للحجرة ...ولا تخرج إلا إن جاءها زائر .. كأخيها الذي جاءها مرة ..لكنه لم يبق طويلا وتشك أنها هي من طلبت منه سرعة إنهاء الزيارة حرجا منهم ..وكذلك أكرم ووالديه ..تقابلهم لدقائق وتعتذر منهم بحجة الانشغال بالمذاكرة ..وأحيانا تعتذر عن النزول كما فعلت مع أكرم بالأمس ...ربما كان يجب أن تستجيب لتلميحات أكرم بالسماح له بالصعود لحجرتها ...لتبتسم بداخلها وهي تحدث نفسها أنها تشك تماما بأنه يرغب بالمراجعة لها ..أو مساعدتها بالاستذكار كما يدعي ...فنظرة الشوق بعينيه وهو ينظر لأعلى باتجاه الدرج جعلتها تتجاهل تلميحاته ...
لتتوقف للحظات على أول الدرج وهي تنظر لظهر ابنها المغادر لعمله متجاهلا زوجته الواقفة خلفه بعيون دامعة ونظرة طفلة مذنبة .. لتزفر بضيق مفكرة أن الأمر زاد عن حده ..ورغم أنها لا تحب التدخل بينهما ...لكن يبدو أن أوان التدخل قد حان ...فخالد عنيد بكبرياء فائض عن الحد ...وهمس حمقاء متهورة ..وبقاء الوضع على حالة لن يؤدي إلا لمزيد من الجفاء..لتهبط الدرج منادية بحزم:
"همس ..الحقي بي لغرفة المعيشة ..أرغب بالتحدث معك"

----------- -----------
تنشج باكية بين ذراعي حماتها بعد أن انتهت من قص كل ما حدث مع خالد بالفترة السابقة عليها ... لتربت رقية على شعرها بحنو وهي تقول :
"لن أزيد عليك بالعتاب واللوم همس ..فأظنك نلت ما يكفيك ..سواء من والدك ..أو من خالد ..وأتمنى أن تكونِ تعلمت درسك ...وتحاولي تحكيم عقلك مستقبلا قبل أن تندفعي بإطلاق العنان للسانك ...صغيرتي ...بعض الكلمات تجرح بقوة ...تفوق أقوى الطعنات ...قد نكتسب القلوب بكلمة أو نخسرهم بكلمة ...الكلمة سلاح قوي ...فكوني حذرة بما تقولين ..عموما ..دعينا مما فات ...ولنفكر بكيف سنجعل ابني العنيد ينهي حالة الخصام معك"
لترفع همس وجهها عن صدر حماتها وهي تقول بنشيج حزين...بينما تمسح دموعها بكف يدها كطفلة مما دفع حماتها لتبتسم بحنان وهي تنظر لها:
"كيف أمي ...لقد حاولت كل شيء ...ولا فائدة ..أنه عنيد جدا ...وخصامه صعب ...لم أتخيل يوما أن يتحمل بعدي لكل هذا الوقت ..أو يقسو علي لتلك الدرجة ..عشرة أيام تقريبا وهو يعتزلني تماما ...لا يحدثني إلا للضرورة... أو أمام الناس ...وما زال رافضا عودتي لعملي ...وأنا ..أنا تعبت ...واشتقت إليه ..واشتقت للعمل معه ..و..و " ليتقطع صوتها بمزيد من البكاء والنشيج ..فتضمها سمية وتربت على خدها وهي تمسح دمعاتها قائلة:
حسنا صغيرتي ..اهدئي ولا تشغلي بالك ...سأجعله يأتيك ركضا ..ويبادر هو بإنهاء الخصام ...بل ومراضتك أيضا ...بشرط أن تعديني أن لا تكرري إغضابه ثانية "
لترفع رأسها بسرعة ناظرة لحماتها وهي تقول بلهفة ..."أعدك أمي ... لكن كيف ..أنا من يدك تلك ليدك الأخرى ...سأنفذ كل ما تشيرين على به "
لتبتسم حماتها بمكر وهي تقول بشقاوة :
إذا اسمعي ما سنفعله ...وركزي جيدا بدورك ...فاليوم ..وما أن ينتصف النهار...سنتصل به ...ونجعله يهرع عائدا لهنا "
لتتسع عيني همس بإعجاب وهي تستمع لخطة حماتها
--------------------------

"مدحت ..كف عن دلالك...أنت لا تكاد تتركني أتابع عملي ..وما أن اذهب لحجرة مكتبي حتى أجدك ترسل طالبا لي ...لا يمكنني أن أظل ملازمة لك طوال الأربع والعشرين ساعة ..لقد بدأ أبي يتذمر ويغضب مني ..كما أصبحت مثار سخرية وتندر العاملين بالمشفى ..أنني أرى غمزات وابتسامات الممرضات كلما مررت بجوارهم "
ليرد بنزق طفولي:
"ولما ؟!! أنت زوجتي ...ومن حقي أن تبقي بجواري ..وخاصة وأنا مريض مقعد ..ملازم للفراش ..وعملك لم أمنعك عنه ...بإمكانك مباشرته من هنا ..احضري جهازك وملفاتك وأعملي عليهم بجواري"
لترفع حاجبها وتتخصر بوقفتها بجوار فراشه وهي ترد عليه بسخرية:
"حقا ؟!! وهل تدع لي الفرصة ..إنك تتحول لطفل صغير لا يرغب بانشغال أمه عنه كلما حاولت التركيز بعملي بجوارك ..فلا تكف عن النداء لي والحديث معي ..أو طلباتك العجيبة طوال الوقت ..لتخشن صوتها مقلدة له - سارة عدلي الوسادة خلف ظهري ...سارة ارفعي الفراش قليلا ...لا اخفضيه ..ناوليني الماء ..أريد عصير ..لا يعجبني طعم هذا أريد غيره ...امسكي يدي فانا أشعر بالضيق والوحدة ...العبي بشعري حتى أنام..وكل هذا ما أن ابدأ بالعمل"
لينظر لها مدعيا الحزن وهو يقول بعتاب ماكر:
"هل أصبحت متعبا وبدأت تملين مني بتلك السرعة ..لم يمضي على زواجنا أسبوع ..وأصبحت طلباتي حملا عليك"
ليغمض عينيه مدعيا الألم ويدير وجهه للناحية الأخرى وهو يضيف:
"حسنا ..لن أطلب منك شيء ثانية ..اذهبي لمتابعة عملك ..ولا تحضري أو تهتمي بزوجك المريض"
لتجثو بجوار فراشه مادة يديها مديرة وجهه إليها وهي تقول بنفي لائم:
"تعرف جيدا أن كلامك غير صحيح ..ورغم ثقتي أنك لا تقصد ما قلته ...بل هي طريقتك بالتدلل وإشعاري بالذنب ...لكني سأرد عليك بما تعرفه جيدا ...وجودي بجوارك هو جل ما أتمناه ..هو حلم عمري الذي تحقق بعد طول انتظار وفقدان للأمل ..أنت لست نصفي الثاني يا مدحت ...بل أنت كلي ..أنا وأنت امتزجت أرواحنا حتى باتت خليطا لا يمكن فصله"
لتمتلئ عيناها بالدمع وهي تضيف بينما تنظر بعينه اللامعة بعشق صريح لا يمكن إغفاله :
"عندما دخلت حجرة العمليات بعد أن عقدنا قراننا ...كنت أشعر بالدقائق تمر كأنها ساعات والساعات كأنها أيام ..وكلما طال الوقت بك داخلا دون خروج من يطمئني ..كنت أشعر بانسحاب الروح مني ببطء ..حتى أصبح التنفس صعبا ..أقسم أني شعرت أنك لو أصابك مكروه ولم تعد لي سألحقك بلحظتها ..لم أكن أشعر بأحد حولي ..أراهم جميعا كأطياف تمر بجواري ..أرى أفواههم تتحرك دون أن اسمع ما يقولون ...كما لو كنت انفصلت عن كل ما حولي ..كنت انتظرك لتعود لي أو ارحل أنا معك ..لا خيار آخر ...أنا منك ..وأنت مني .. فكيف يمكن أن يرحل جزء من كل ..فهل يمكن بعد هذا أن أمل من نفسي ..أنت روحي يا مدحت التي تبقيني حية" لتضيف ببسمة مازحة رغم الدموع المترقرقة بعينيها:
"لكن هذا لا يمنع أن أغضب من روحي أحيانا عندما تزيد دلالها"
ليرد عليها بعشق وهو يضغط على يديها بين كفيه:
"يحق لروحك أن تتدلل ..أن ترفض تبتعدي عن مدارها ..لقد التحمت بك بعد طوال تيه ...فلا تستطيع احتمال بعدك عنها وانشغالك بغيرها ..مهما كان ...أعرف أني أتعبك بشدة التصاقي بك ...لكن سامحيني حبيبتي ...رغما عني ...أقسم أني أشعر أحيانا أني أتوهم أنك صرت لي ..وإن أغمضت عيني ..أو ابتعدت عني ..سأجد أن ما حدث أحد أحلامي المستحيلة ...لذا أريدك دوما بجواري ..أمام عيني ..أتنفس عبق عطرك ..أسمع هسيس أنفاسك .. أفتح عيني وأغمضها على صورتك لأصدق أنك صرت لي زوجتي ..آآآه ما أعذبها من كلمة"
ليرفع يدها مقبلا ويمرر شفتيه على باطن كفها حتى شعر بارتعاش يدها بين كفيه
ليرفع عينيه ناظرا لها وهو يقول بصوت مثقل بالعاطفة:
"متى يمكنني أن أتحرك بحرية ..لأضمك بين ذراعي بقوة .. وأرفعك حتى تتساوى رأسانا بينما انظر بعينيك وأنا أقبلك ..أشعر بنبض قلبك ملاصقا لقلبي ..أحملك لعالمي لأشمك باسمي لتكوني لي جسدا كما أنت لي قلبا وروحا ...لن أستريح أو اهدأ ..حتى تكوني لي بكل طريقة ...مكتوب اسمي على كل خلية بجسدك "
لتقاطعه بخجل و وجه محتقن وهي تقول بصوت مرتعش:
"مدحت ..كف عن هذا الكلام ..إنك تخجلني ...وتوقف عن التعجل ..الحمد لله ...لقد استجاب لدعائنا لك ... العملية ونجحت نجاحا باهرا أذهل حتى الأطباء الذين أجروها ...واعتبروها انجازا لهم ...لقد استطاعوا استخراج الرصاصة دون إي مضاعفات ..ودون أن يتأثر النخاع الشوكي ...المسألة ستحتاج فقط بعض الوقت وستبدأ بعدها جلسات التأهيل والعلاج الطبيعي .. وقليل من الصبر وتعود للسير والحركة كما تريد ...ربما فقط تعاني من عرج بسيط ..لكنك ستكون قادرا على ممارسة حياتك كما تشاء ..ودون عوائق ... أنك تستجيب للعلاج بصورة رائعة حسب كلام أبي ...لقد أخبرني أن الكشف والأشعة التي أجروها لك أمس أظهرت استجابة ممتازة تفوق ما تخيلوا انه يمكن أن يحدث خلال أسبوع واحد من إجراءك لجراحتك ...أنك تسير للشفاء بسرعة بفضل الله "
ليضغط يدها بقوة بيده اليمنى بينما يسحب رأسها إليه باليسرى ليقبل جبينها بعمق قبل أن يقول من فوق جبينها:
"الحمد لله الذي جعلك لي سببا للشفاء ...صدقيني أنا مؤمن أن رغبتي القوية بالشفاء لأجلك هي من جعلتني أقاوم المرض ..حفظك الله لي ..يا كل نفسي"
وما أن كاد يجذب رأسها ناحيته محاولا لثم شفتيها متجاهلا محاولتها الإفلات والتمنع حتى أضطر لتركها عند سماعه صوت طرقة متعجلة ... صحبها فتح الباب بسرعة أجفلت كلاهما ..لتتسع عينيه ذهولا وغضبا هو ينظر لمن دخل مقتربا من فراشه

.....................

أغلق هاتفه متنهدا بضيق ...لقد استطاع توفير بعض السيولة من خلال عمليات بيع محدودة لبعض ممتلكاته الغير هامة والتي لا تقع تحت دائرة الضوء ..حتى لا ينتبه لها المنافسين ..وأيضا عن طريق تحصيل بعض المتأخرات التي جعل الوحدة الحسابية تنشط في المطالبة بها ...لكن كل ذلك لن يكفي إلا لتغطية المرحلة الأولى بالكاد ...يعترف أن وجود سامح ككبير مهندسي المشروع جعله يستريح من ناحية المتابعة الميدانية ...فالزيارة التي قام بها أثلجت صدره ..الشاب رائع ..وذكي ..وقوي الشخصية ..ويسيطر على العمال ببراعة ..والمجموعة التي ضمها سواء من المهندسين من زملائه أو العمال شديدة الكفاءة ... لقد أجاد اختيار معاونيه ..كما انه يعمل بجد ..حتى أنه يكاد لا يغادر المشروع ...رغم طلبه منه أن لا يجهد نفسه خاصة مع جروحه التي لم تلتئم تماما ..لكنه عنيد ولا يستجيب إلا لصوت عقله ...ليبتسم ساخرا وهو يفكر كم يشبه أخته ...لقد تعب من خصامها ...وحقا يرغب أن يسامحها ...نظرات عينيها تشقي قلبه ..لكن تظل كلماتها توجعه وتقف حائلا بينهما ...ليزفر بضيق معيدا رأسه لما أمامه من أوراق ...حتى انتبه رافعا رأسه على صوت سكرتيرته وهي تناوله الملف الذي طلبه من إدارة شئون العاملين وتخبره بانتظار المهندس سامح بالخارج راغبا بالدخول حسب الموعد ..فيشير لها بالسماح له ..بينما يستريح بجسده للخلف مهيئا نفسه للسجال المتوقع مع شبيه أخته....
دلف لحجرة مكتب خالد بينما يقول بنزق:
"سيدي المدير ...هلا كففت عن استدعائي لمكتبك الفخم كل يوم وآخر ...إن أردتني احضر لي بالمشروع ...لا أحب ترك العمال وحدهم كل فترة ..إنهم يستغلون غيابي ويتكاسلون عن العمل "
ليرفع خالد حاجبه وهو يقول ساخرا:
"وكأنك لم تظل لأيام تحضر للمجموعة يوميا بالصباح الباكر لتتناول الإفطار بمكتب موظفة العلاقات العامة بالمجموعة كما لو كان مكتبها مطعم سيادتك الصباحي ...وأيضا ما دور الثلاث مهندسين الذين جعلتني أعينهم دون حتى أن يكونوا من أصحاب الخبرات الطويلة أو التقديرات العالية ...ولم يخضعوا للاختبارات المعتادة للعاملين لدينا ...ألا يستطيعون السيطرة عليهم والإنابة عنك قليلا"
ليميل سامح ناحيته قائلا بجدية:
"لعلمك هؤلاء الشباب الذين تسخر منهم يفوقوا مهندسيك السابقين ذوي الخبرات ..والشهادات المعتمدة من الخارج ..والتقديرات العالية بمراحل ...في العمل الميداني ...الكفاءة لا تكون بالتقديرات الجامعية ...بل بالقدرة على المثابرة والاحتمال لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة ..والتعامل بحزم من العمال ..والذكاء وسرعة البديهة والتصرف ..وهم يملكون ذلك وأكثر ..أما الخبرة ..فاخبرني كيف سيكتسبوها إن كان أمثالك من أصحاب الشركات يركزون على التقديرات الجامعية والاختبارات المكتبية .. بالإضافة للغالبية التي تهتم بالوساطات أكثر من الكفاءة العملية ...ليميل للخلف قائلا بزهو مفتعل:
"وبالطبع لن يستطيعوا أن ينوبوا عني فغيابي مؤثر " ليضيف ضاحكا كما أن كل واحد منهم مكلف بجانب من المشروع بمنطقة معينة ...لذا لن يستطيعوا المتابعة لكافة المواقع ..لا تنسى أن المشروع كبير والمساحة متسعة ..بالكاد نغطيها جميعا" ليضيف بمزاح :
"أما الإفطار الصباحي ...فلا داعي لأذكرك بشخص سمج ...ظل طوال اليومين اليتيمين الذين حضرتهما لهنا يشاركنا إياه ...بل وكان يظل جالسا معنا ينظر بساعته حتى اضطر للمغادرة دون حتى أن استطيع تحية خطيبتي كما يجب "
ليرفع خالد جانب فمه باستهزاء :
"تحية كتلك التي رأيتك تحاول تحيتها بها عند دخولي لمكتبها وأنت معها ..أليس كذلك ؟!!...تخيل لو كان غيري من دخل وأنت تحاول تقبليها دون مراعاة لوجودكما بالمكتب ..ولا حتى مراعاة لكونها لا زالت خطيبتك ..حتى لو كان قرانكما معقودا ...وتتعجب من بقائي معكما ...عفوا سامح بعد ما رأيته ..لم أكن لأسمح ببقائكما معا بمفردكما ..وبالتأكيد ليس بالمجموعة ...لقد أثبت أنك غير محمود الجانب"
لينظر له سامح بضيق ويغمغم بنزق:
"أعرف أنها قبلة منحوسة لن أنالها حتى يشيب شعري "
ليضيف بغيظ :
"هلا أخبرتني بسبب استدعائك لي ..لا أظن السبب مناقشة قبلتي التي لم احصل عليها بعد من زوجتي"
مشددا على كلمة زوجتي...ليبتسم خالد بسخرية وهو يدفع بمجموعة من الأوراق إليه قائلا:
" لا يا بشمهندس ...ليس لهذا السبب ...بل لإنهاء إجراءات تعيينك و أوراقك التي لم تكتمل حتى الآن رغم عملك معي من فترة ...فالشئون القانونية و وحدة الحسابات بالمجموعة تطالبني باستكمال أوراقك أيها السيد ...فهلا تفضلت بقراءة عقدك و توقيعه لننتهي من الأمر وتعود لعملك"
ليأخذ سامح الأوراق و يبدأ بقراءة بنود العقد بينما تتسع عيناه ذهولا ...لينتفض واقفا وهو يقول بحدة:
"ما هذا خالد ...هل قررت أن " ليقاطعه خالد بحزم قائلا:
"احذر سامح من كلماتك وفكر بها قبل أن تقولها ...و نصيحة مني ...وقبل أن ترفع صوتك بكلمات جوفاء عن الإحسان أو التمنن أو أيا كانت الأفكار الحمقاء التي تدور برأسك المشابه لرأس أختك ...أنصحك بقراءة هذا العقد ...ليناوله ملفا مشابها لما بين يديه لكنه يحمل اسم المهندس السابق للمشروع...ليضيف بتأكيد بعد أن أخذه سامح وبدأ بتصفحه :
"لو نظرت للمبلغ المكتوب بالعقد ستجده نفس المبلغ المتفق عليه معك تماما ...لم أزد عنه قرشا واحدا ...رغم انك تستحق أكثر منه ...لأن الحقير كان يعمل تحت ظل ظروف عمل طبيعية مريحة ..و أوقات تسليم منتظمة ..و ميزانية كبيرة ..لكنك تعمل تحت ظروف عمل ضاغطة ...و أوقات مضغوطة ...و ميزانية محدودة ..أي أنك ستبذل أضعاف ما كان سيبذله هو من جهد و وقت ...ورغم ذلك ساويتك به ... فإن كان هناك شخص هنا يستغل الآخر ...فليس أنت بكل تأكيد ...لكني لن استطيع زيادة قيمة عقدك عن ذلك ...بالإضافة لأنني وضعت شروطا مقيدة لك و تكاد تكون مجحفة بحقك ... فأنت مقيد معي بعقد احتكار مجهوداتك لصالح مجموعتي لخمس سنوات قادمة ..لن يحق لك خلالهم أن تفتح حتى مكتبا هندسيا لنفسك ..أو تعمل لغيري ...أنا رجل أعمال سامح ...لن أجاملك مطلقا ...بل سأحصل منك على أقصى استفادة مقابل كل قرش أدفعه لك ..بغض النظر عن أي صلة تجمع بيننا ...لكني بالمقابل ...سأمنحك بعض الامتيازات المستحقة ...انظر للورقة الأخيرة بالملف الذي بيدك"
ليقلب سامح الأوراق لينظر بالورقة التي أشار إليها خالد فتتسع عيناه ويرتفع حاجباه حتى كادا أن يصلا لمنابت شعره ...قبل أن يقطب بقوة و ينظر لخالد بغضب وهو يطلق أنفاسه من أنفه كتنين غاضب :
لينظر له خالد بهدوء وهو يقول ردا على النظرة الغاضبة بعينيه:
"عقد الشقة بيدك أيضا ليس منة مني ..أو تفضل ..أو محاولة لمنحك ما لا تستحق"
ليرد سامح بسخرية مريرة وصوت غاضب:
"وليس أيضا محاولة لضمان مستقبل ابنة عمتك ...تلك التي تعلم يقينا أني لن استطيع أن أمنحها شقة مماثلة بمكان كهذا حتى بعد سنوات ...وطبعا لن تقبل أنت وعمتك أن تعيش معي بشقة بسيطة بحي شعبي ...فقررت أن تمنحنا شقة بمشروع الأحلام ...شقة بمكان مخصص للنخبة .. آسف خالد ...قد أقبل بالمبلغ المسجل بعقد العمل رغم أني لم أكن احلم بالحصول على نصفه حتى ..طالما أن هذا هو ما تمنحه لكبير مهندسيك ..وسأكون حريصا على منحك عملا يوازيه ..لكن بالتأكيد ليس أكثر"
لينظر له خالد للحظات قبل أن يقول ببرود :
"هل انتهيت ؟..إن كنت انتهيت فأرجو أن تنظر للورقتين السابقتين لعقد الشقة ..وتفضل بالجلوس بهدوء ...وكف عن الهتاف ...فلسنا بمظاهرة"
لينظر له سامح بضيق ..لكن النظرة الحازمة و الملامح الحادة لخالد جعلته يرضخ و يجلس لينظر للأوراق بين يديه و يقراها لدقائق قبل أن يرفع عينيه لخالد بحيرة وملامح فقدت حدتها لكنه ظل صامتا ليزفر خالد بحنق وهو يقول من بين أسنانه :
"أعانني الله ... كما ترى سيد سامح ..الأوراق بين يديك توضح انك ستدفع لي ثمن الشقة كاملا ..حيث سيتم خصم نصف قيمة عقدك على مدى الخمس سنوات القادمة ..ولن تتسلم كل شهر إلا مبلغ يوازي نصف مرتبك المتفق عليه ..أيضا كامل مكافأتك المستحقة بعد تسليم المشروع ستحول لحساب الشقة ..بالإضافة لأن شقتك تعد واحدة من الوحدات ذات المساحات الصغيرة مقارنة بباقي الوحدات الأخرى ..كما ستكون بالدور الأرضي من العقار الخاص ..و تعرف أن هذا العقار لن تخضع شققه للبيع ...بل هو العقار الذي أحتفظ به فارغا لاحتياجاتي الخاصة ..آه و نسيت أن أضيف أيضا ...بالتأكيد هناك محباة لك ..فأنت شقيق زوجتي ...وخال أبنائي ...وخطيب إبنة عمتي ...وكبير مهندسي مشروعي ...لكن هذه المحاباة لم تتخطى منحك فترة سماح أكبر قليلا من غيرك للسداد ...دون فوائد ...ولا أظن هذا شيئا غريبا أو مستهجنا ....بل كنت سأفعلها محاباة لأي موظف مهم و كبير بشركتي ..حتى دون أن يكون له باقي ما لك من صلات بي ...و للعلم ..ماهينار و عمتي لا تعلمان شيئا عن الأمر ...و لم أتحدث معهما مطلقا فيما يخصك ...و رغم ذلك إن كنت غير راغب فلن أجبرك ...بإمكانك ببساطة تقطيع العقد ..الأمر ليس إجبارا "
ليطرق سامح للحظات ناظرا للأرض قبل أن يرفع رأسه قائلا بخجل و امتنان :
"لا اعرف ماذا أقول لك خالد ...ما فعلته معي يفوق أكبر أحلامي ...أنت تختصر لي سنوات طويلة من المعاناة ..و أشعر باني لا استحق كل ذلك ...لكني لن ارفض ..و أعدك أن أكون عند حسن ظنك ...سأعمل على أن استحق كل ما منحته لي "
ليرفع خالد حاجبا واحد و هو يقول بتأكيد:
"أثق بذلك سامح ...بل و سأتأكد بنفسي من قيامك به ..فبالنهاية ..كما قلت لك سابقا ..أنا رجل أعمال ..لا أمنح شيئا إلا و أنا واثق أنني سأحصل على مقابل يفوقه ..و الآن هيا لعملك ..آه و لا تتعب نفسك بالمرور على قسم العلاقات العامة ...فهي ليست موجودة ...لديها غداء عمل مع الوفد الايطالي للاتفاق على الحملة الدعائية لمشروع مشترك بيننا "
ليقطب سامح حاجبه و يقف مستأذنا بملامح مغلقة غامضة ...
و ما أن أغلق الباب خلفه حتى رن هاتف خالد بنغمة مخصصة لوالدته ليجيبها بتحية هادئة ...قبل أن ينتفض واقفا بسرعة كادت تسقط كرسيه من خلفه و هو يقول بقلق .."ماذا .....متى ...و ماذا قال الطبيب ..........حسنا أنا بالطريق إليكم "
ليتحرك مسرعا للخارج ساحبا جاكت بدلته ليخرج بسرعة مارا من أمام تقى و هو يقول بصوت منفعل :
"الغي مواعيدي لباقي اليوم"

ما أن اختفي مديرها من أمام عينيها حتى قطبت وهي تدمدم بحنق :
"يا الهي ..هذا الرجل سيصيبني بالجنون ... لقد جعلني أنظم جدول مواعيد مكتظ طوال اليوم ..غير الاجتماع مع رؤساء الأقسام بعد ساعة ..والآن المفترض أن الغي كل شيء فجأة ...وما كادت تنتهي من الدمدمة حتى سمعت صوتا يقول بمزاح و لكنة أجنبية واضحة :
"ترى ما الذي يغضب الآنسة لدرجة أن تحدث نفسها ...لا تقولي أن مديرك هو من أوصلك لتلك الدرجة ...و لو أني لا أستبعدها على خالد "
لترفع وجها غاضبا لهذا المتطفل .. لتتسع عيناها ذهولا وهي تحدق بأحد أوسم الرجال الذين قابلتهم بحياتها لدرجة جعلتها تفتح فمها ببلاهة وهي تحدق به بعدم تصديق ...فهي ترى أمامها مثالا حيا للجمال الذكوري كما يقول الكتاب ...طول فارع ..جسد رياضي متناسق ..عينين لم ترى بزرقتهما تحفهما أهداب كثيفة سوداء تحسده عليها كل النساء ..شعر اسود ناعم مصفف للخلف بقصة عصرية متوسطة الطول و رغم ذلك تمردت بعد الخصلات ساقطة على جبينه ..ملابس تبدو مصممة خصصيا له ..و تكاد تجزم أنها تحمل توقيع مصمم شهير ...فلم ترى مثيلا لتلك البذلة السوداء التي تجمع في تصميمها بين الكلاسيكية و العصرية بتمازج فريد ...ليخرجها من تفحصها الذاهل صوته الباسم وهو يقول بمزاح:
"هل أنهيت جولة الفحص ..إذا كنت أنهيتها فأرجو أن أكون نلت القبول الكافي لأجلس بينما تخبرين رئيسك بأن آسر الراوي حضر حسب موعدهما"
لتخفض عينيها بحرج .. و وجه محتقن من كلماته و هي تسب نفسها لتحديقها الأحمق به ..بينما تقول بصوت مرتبك :
"عفوا سيد آسر ...السيد خالد خرج توا لأمر طارئ ...ولم يتاح لي الوقت للاتصال و إلغاء موعدك "
ليرفع آسر حاجبه و هو يقول بخفوت متعجب:
"غريب !!..ليس من عادة خالد تجاهل مواعيده ..خاصة و قد أكد علي موعد حضوري بنفسه!!!
لتهز كتفيها بمعنى لا اعرف و هي تهرب بعينيها بعيدا ..فيضيف بابتسامة:
" ..حسنا ..لا عليك ...لكن لدي سؤال " ليصمت للحظات دفعتها لترفع له عينين متسائلتين ..ليبتسم بشقاوة أظهرت أسنانه التي تكاد تضيء من شدة اللمعان لدرجة ذكرتها بإعلانات معجون الأسنان قبل أن يضيف بغمزة عابثة :
"لماذا لا تنظرين لي و أنت تحدثيني ..ولماذا أحمر وجهك بشدة هكذا ؟!..ليس كأني أعترض ...فهو جعلك تبدين.. أكثر جمالا! "
لتحتد ملامحها بينما يزداد وجهها احتقانا ..و ما أن همت بنهره بحدة ...فمهما كان إعجابها بوسامته الشبيهة بأبطال الروايات ..إلا أنها لا تقبل أي تجاوز بالحديث معها و لو كان من أبولو العصر الحديث حتى فوجئت بصوت غاضب يقول بعنف من أمام الباب :
"آنسة تقى ...التي تزداد جمالا كلما أحمر وجهها ...ليست متفرغة للعبث والغزل أيها السيد كائنا من كنت " ليكمل بينما يقترب منهما ويقف أمام مكتبها ناظرا للآخر بغضب بينما يضيف بتوعد حاد :
"لذا أرجو أن تتفضل إن كنت أنهيت أيا ما كان يجعلك تقف أمام مكتبها محدقا بها ...قبل أن اضطر للتعامل معك بما يليق بتجاوزك لحدودك "
لينظر آسر ناحيته ببسمة ساخرة ..بينما يعتدل مواجها له بتحدي دفعها لتقف بقلق وهى تنظر لكلاهما تباعا بينما تسمع هذا الآسر يقول بنبرة تجمع بين التحدي و السخرية :
"و ما الذي ستفعله لتعلمني عدم تجاوز الحد أيها السيد ؟ ... لينظر له هازئا وهو يضيف أتضربني مثلا ؟!! ليكمل ببسمة خففت من ملامحه المتحدية بينما يضيف بمرح أذهل الأثنين الواقفين بتحفز أمامه من سرعة تبدله:
"على كل حال ..الأمر لا يستحق نزقك وغضبك أيها الشاب ...فلم أتجاوز حدي مع الآنسة ..فالأمر لا يعدو مجاملة مستحقة لآنسة جميلة ...فالاحمرار خجلا عملة نادرة من حيث أتيت ...لذا يثير إعجابي وتعجبي بشدة ...ودون أي نوايا سيئة ...لذا استرخي قليلا ...فلم أتقصد تخطي نطاقك أو مغازلة فتاتك ..ليلتفت مغادرا وهو يقول بمرح:
"أبلغي خالد أني لن أمرر له إهمال موعدي أيتها الحمراء الجميلة "
ليلتفت ياسر ما أن اختفى آسر من مجال بصره ناظرا لها بهياج غاضب وصوت صارخ:
"كيف تسمحين له بمخاطبتك بهذا التبجح ومغازلتك بتلك الوقاحة ...طبعا لما لا يفعلها وأنت تنظرين له ببلاهة كمن لم ترى رجلا بحياتها ...هل تظنين نفسك بلا حاكم أو رابط ..أم تظنين أن.."
لتقاطع صراخه بصراخ أعلى وهي ترد عليه بهياج:
"كيف تجرؤ ...بل كيف تسمح لنفسك بمخاطبتي بهذا الشكل ...ما شانك أنت ...هيا اخرج ولا تحضر لمكتبي مطلقا ما لم يطلبك الرئيس ..أخرج أيها الغبي الأحمق قبل أن أشق رأسك بهذه "
لترفع ثقالة ورقية من أمامها ملوحة بها بوجهه"
ليقترب منها ممسكا يدها بقوة ونازعا الثقالة من يدها بعنف خدش يدها لتصرخ متألمة وتدمع عيناها وهي تقول بغضب محاولة مقاومة الدموع الملتمعة بعينيها :
"أيها المتوحش ..اخرج قبل أن استدعي لك الأمن "
ليميل برأسه ناحيتها ليقول بهسيس غاضب من بين أسنانه :
"تستدعي الأمن لي أنا؟!! بينما هذا الحقير الذي وقف يغازلك بوقاحة ..كنت تنظرين له بوجه محمر وعيون معجبة ..مستمتعة بغزله دون حياء ...طبعا رجل وسيم ...يبدو الثراء عليه بوضوح ...ولكنة أجنبية واضحة ...لابد سيشكل فرصة وأمل لفتاة غبية مثلك تظن أن بإمكانها لفت نظر رجل مثله ...رغم أن أمثاله أبدا لا يهتمون بمثلك إلا كتسلية مؤقتة"
لتفقد القدرة على منع دموعها أكثر فتنحدر على وجنتيها وهي تقول بغضب عاتب :
"أنا لن أرد عليك ... يكفيني أني عرفت كيف تنظر لي يا ابن خالتي ...كفتاة تافهة منحلة ...بلا أخلاق ...قليلة التربية ...تستمتع بكلمات الغزل من الرجال دون حياء"
ليتسمر لحظات أمام دموعها قبل أن يقول بندم زادته تلك القطرات المتلألئة على وجنتيها بقوة أربكت دواخله :
"لم اقصد ذلك ...تقى ..كفي عن البكاء ...أنا أسف ...لم أعني ما فهمته ...لقد فقدت أعصابي عندما سمعته يغازلك وأنت تنظرين له بانبهار ..شعرت بالنيران تشتعل بداخلي وكدت اهجم عليه لأمزق وجهه ..ولا ادري حتى الآن كيف أمسكت نفسي عن فعلها"
لتصمت للحظات بينما اشتبكت عيناها الملتمعتان باللوم والدموع بعينيه الحائرتان بارتباك ..قبل أن تخفض رأسها بينما تهمس بتساؤل:
"لماذا؟!"
ليرد باستفهام:
"لماذا ماذا؟!"
لترفع عينيها معيدة سؤالها بإصرار:
"لماذا انفعلت بهذا الشكل؟ ...لماذا غضبت؟ ...لماذا رغبت بضربه؟ ...لماذا هاجمتني بتلك الطريقة؟ ...لماذا ياسر ؟..لماذا؟!!"
ليظل صامتا للحظات يفكر بأسئلتها دون أن يستطع التوصل لإجابة شافية تقنعها وتقنعه أيضا..ليرد بتردد:
"أنت ابنة خالتي..طبيعي أن اهتم بك ..أخاف عليك .. أرفض أن يتجاوز أي مخلوق حدوده معك "
ليهز كتفه مضيفا " أظن صلة قرابتنا تعطيني حقا عليك ..أنت من عائلتي" ليتهرب من عيناها ويقول بارتباك وهو يتراجع ناحية الباب :
"سأعود لعملي ..هاتفيني ما أن تنتهي من عملك لنغادر سويا"
ليغادر بسرعة وعقل حائر بتلك المشاعر الغريبة التي تعتمل بداخله ولا يرغب بأن يضع لها مسمى ... بل يهرب من تحليلها عمدا ..مغفلا وسط ارتباك عقله بما يحدث داخله السبب الذي جعله يذهب لمكتبها من البداية ..ويتوه داخل لجة أفكاره ناسيا كلام أبيه الذي هاتفه مبلغا إياه بوصول عائلة تقى وضرورة تنبهيها حتى لا تفاجأ بهم عند حضورها ....
........................
دلف للمنزل بسرعة يرتقى الدرج بقفزات واسعة متجها لغرفة نومه فيدلف لها بسرعة دون أن يطرق الباب ...لينظر بلهفة للمستلقية على الفراش ...بينما تجاورها أمه ..تمسح على شعرها بحنو ليقترب منها وهو يمسحها بنظراته الممتلئة قلقا ويتساءل وسط لهاث أنفاسه المرتعبة وقلبه النابض بخوف منذ هاتفته أمه مخبرة إياه أن همس مرضت و فقدت وعيها وأنها اصطحبتها للطبيب الذي وجد ضغطها مرتفعا بقوة تشكل خطر عليها وعلى الجنين ...وأمر بالتزامها الراحة التامة والبعد عن الانفعالات ...التف حول الفراش ليجلس على الناحية المقابلة لأمه مجاورا همس التي نظرت له بعتاب شق قلبه حزنا عليها وغضبا من نفسه التي أوصلتها لتلك الدرجة ...كيف هانت عليه .. كيف أمكنه أن يجافيها كل هذا الوقت ..دون مراعاة لوضعها الصحي وحملها ...يا إلهي ..أهانت عليه همس قلبه ليقسو عليها كل هذه القسوة ...حتى لو أخطأت بحقه بكلمات حمقاء بلحظة انفعال ...لكنها اعتذرت ..حاولت مصالحته ...يعرف أنها مندفعة ..طائشة ...لسانها يفلت كثيرا في لحظات الانفعال بكلمات لا تعنيها ...كما أنها حامل ..والهرمونات تزيد من تهور لسانها ...و رغم ذلك ظل على تعنته حتى مرضت من قهرها منه ...يا الله ...ما أقساه ...كيف كان سيغفر لنفسه لو أصابها أو أصاب طفلهما مكروه .. ليمسك يدها بين كفيه رافعا إياها لشفتيه ليقبلها بحنان دافق ...ويميل بعدها لجبينها مقبلا إياه بنفس الحنان والتبجيل ..ليرفع رأسه قائلا بعاطفة فياضة بالخوف والعشق والحب:
"كيف حالك همستي؟...سلامتك حبيبتي ..كيف تشعرين الآن؟"
لتهبط دموعها دون رد بينما تترك لعيناها العنان للومه دون كلمات..
لتتنحنح أمه وهي تقف قائلة:
"لا تقلق خالد ...لقد أصبحت بخير ...المهم أن لا تتعرض لأي انفعال أو ضغوط لينتظم الضغط ...سأترككم الآن وأعود لغرفتي ..ليقف خالد أيضا لاحقا بأمه على باب الحجرة ليسألها بخفوت إن كان الطبيب قد أخبرها شيئا آخر أو رأى أنها تحتاج للذهاب للبقاء بالمشفى مثلا...لتطمئنه أمه أن الأمور استقرت ..والضغط تحسن بعد أخذها للعلاج ...وتؤكد عليه فقط انه أيا كان ما يحزنها ويغضبها فعليه أن يتلافاه ويحاول إرضائها ومراعاة كونها حامل ولا تحتمل المزيد من الضغوط والحزن..لتربت بخفة على وجهه قبل أن تستدير مغادرة
ما أن أغلق الباب خلف والدته حتى توقف للحظات ينظر للباب المغلق و يزفر بعمق قبل أن يلتفت لتلك التي يصله صوت نهنهاتها تمزق قلبه... حتى فقد القدرة على الاحتمال فأسرع متقدما من الفراش ليجلس بجوارها يمد يده تحت كتفيها ليرفعها برقة و يلف ذراعه حولها ضاما رأسها لقلبه دون كلمات ...فترتمي عل صدره تتشبث بأصابعها في قماش قميصه حتى جعدته ...بينما ازدادت انتفاضة جسدها مع شهيقها ودموعها التي تسيل بغزارة حتى ابتل قميصه ليمد يده الأخرى فيرفع وجهها إليه ليقول لها بحنان وعينيه تأثر عينيها الدامعتين:
"يبدو أن لا فائدة ..لن يقف هذا الفيضان إلا بطريقة واحدة ..ولابد أن أستخدمها قبل أن نغرق"
...لتنظر له بتساؤل من بين دموعها ..ليخفض رأسه مبتلعا تساؤلها المتقطع بكلمة ماذا؟!" لتتحول الحروف إلي همهمات باسمه يبتلعها داخل صدره الذي جف اشتياقا إليها ...ليميل بها إلي الخلف برقة محاولا أن يكون حريصا عليها ولا يضغط على بطنها ...وهو يرتشف رحيقها الذي اشتاقه بجنون ..طوال أيام الخصام التي طالت حتى أشقت قلبه النابض بحبها ...ليحاول بعد لحظات لجم مشاعره التي تكاد تفلت عن عقال سيطرته ...فيجب أن يراعي حملها وحالتها التي أوصى عليها الطبيب حسب كلام أمه ..وما أن حاول سحب جسده المشتعل من بين يديها حتى تشبثت به بجنون ورفض وهي تزوم معيدة سحب رأسه إليها مبادرة هي بتقبيله بشوق ...ليحاول مهادنتها وهو يبتعد بشفتيه ليقبل عنقها ويربت على كتفها بحنو وهو يقول من بين لهاثه ..اهدئي حبيبتي الانفعال ليس جيدا عليك ..أنسيت تحذيرات الطبيب ...لتصرخ بجنون ما أن وجدته يعتدل جالسا ...بينما ترتفع بجزعها لتصبح مقابلة له وتبدأ بفك أزرار قميصه بلهاث ثائر ..بينما تقول بشوق .."أنا بخير ..لا شيء بي ...الطبيب قصد حالتي النفسية ...وحالتي ستتحسن عند وصالك ..اشتقت لك خالد ..اشتقت لك حبيبي ..ألم تشتاق لي؟!!"
ليفقد كل قدراته على ضبط النفس ليعيد بطحها على الفراش ويتمدد بجوارها بينما ينتزع قميصه بعنف وهو يقول بلهاث مشتاق :
"بل أشتقت يا قلب خالد ..اشتقت يا قصيرتي ..اشتقت بجنووون" .... لتتوقف الكلمات ..وتستعر بدلا منها التنهدات والهمسات المشتعلة بشوق بعد أيام من الفراق ..ليذوب جليد التباعد وسط نيران العشق التي ألهبت الفراش والحجرة بأكملها
----------------------------

تنظر من نافذة حجرتها المطلة على الحديقة تحدق بخيوط الشمس الغاربة التي تلون العشب أمامها بلون الشفق الأحمر ..مضفية جمالا أثيريا على أحواض الزرع المنسقة بفن ... لكنها تائهة عن كل هذا الجمال أمامها بينما تفكر بأكرم .. تتساءل هل سيمل منها قريبا ...تعرف أنها بدئت تثير غضبه النادر بتهربها الدائم من لقائه ... ..لكنه لن يفهم أنها لا تهرب منه فقط ...بل تهرب حتى من نفسها ...هي تهرب من شعورها بالضعف ..بالغبن ...بالارتباك ...بالظلم ...تهرب من حيرتها ...تحاول وضع حجاب على أفكارها حتى تريح نفسها التائهة لفترة ..علها تقدر بعدها على العودة لمواجهة الجميع ..وأولهم هو ...تهرب لكتبها ...لمذاكرتها ...تجبر عقلها على التركيز بما تقرأ ...وكلما تاهت منها الحروف ...وشرد عقلها لما كان وما سيكون ..كلما تذكرت ما ترغب بنسيانه ..أغمضت عينيها وتنفست بعمق مرات عديدة ..لتفتحها معيدة ما تقرأه بصوت عالي لمرات ومرات مجبرة نفسها على التفكير فقط بما تقرأ كلمة بكلمة ..وحرفا بحرف ..كما لو كانت تتعلم الأبجدية من جديد المشكلة أن الأبجدية الانجليزية للمصطلحات الطبية تتبدل أمام عينها كل عدة دقائق لتتحول لأبجدية عربية بحروف عامية تتشكل لكلمات تكاد تصم إذنها بصرخات تتهمها بالعهر ...تصمها بكل الخطايا ... لتغمض عينها علها تهرب منها وتصم إذنها بيدها عل الأصوات تصمت ...لكنها لا تصمت ...فهي تنطلق من داخل عقلها ...لا تستطيع أن تهرب منها ...حتى بالنوم ..فهي تكاد لا تنام ليلا أو نهارا إلا لماما ...فكلما استسلمت لإجهاد الجسد وسحبها سلطان النوم لعالمه ..تجد نفسها غارقة في أتون مشتعل من الحمم تكاد تحرق عقلها من الكوابيس التي تعانيها ..فليلة ترى سعيد يعيد انتهاكها وبجواره نبيلة تضحك بانتشاء وتشفي...وتارة ترى أم محمود تنظر لها وهي عارية ..بينما تحمل سوطا من نار تهددها به وهي تسبها وتنعتها بالخاطئة.....ومرة ترى أهل حارتها ملتفين حولها يحملون حجارة يرمونها بها ...وهي تهرب باكية بجسد دامي دون أن تجد مكان تختبئ به منهم .....وتارة ترى أبيها ينظر لها بحزن وغضب ولوم مديرا ظهره لها بعد أن يرفض اقترابها منه ...ليال تلو ليال تهاجمها الكوابيس دون توقف ..حتى أصبحت تخاف النوم بعد أن كانت تهرب إليه...لتخرج من شرودها على صوت رنين الهاتف ...لتنظر له بكفها بتردد ...فرغم أنها كانت متوقعة مهاتفته..إلا أنها تشعر بالارتباك والحيرة ..والتردد في الرد عليه ...خاصة مع تهربها منه اليوم بالكلية عندما رأته يقف قرب باب لجنة الاختبار التي كانت تمتحن بها ...لتستغل حديثه مع أحد زملائه ...وتتسحب هاربة منه قبل أن يراها ..ولابد انه علم أنها رأته ...فمكان وقوفه أمام الباب يجعل عدم رؤية من يخرج من اللجنة له مستحيلا ...ولا تعرف ما ستقوله له بعد هربها ذاك ...لذا تمنت ألا يحدثها الليلة ..رغم أنها كانت بداخلها تعرف أنها سيحدثها ...فهو يفعلها كل ليلة بنفس الموعد ...ورغم طريقتها الباردة معها إلا أنه لم يتوقف ...يتصل ..يتحدث ....يحكى لها تفاصيل يومه ...يسألها عن تفاصيل يومها ..ولا يهتم بردودها المقتضبة ...يغازلها بوقاحة حتى يشعل وجهها بحمرة الخجل ويزيد نبض قلبها بكلماته الممتلئة عشقا تكاد لا تصدق أن يبدر من أكرم الهادئ المهذب...لينهى المحادثة بتأكيد حبه لها وقبلة يرسلها عبر الأثير تجعل عينيها تدمع رغما عنها .. انتبهت على توقف الرنين للحظات ليعود مرة أخرى ليصدح من جديد ...فترفع هاتفها بتردد لتحرك إصبعها على شاشته قبل أن تضعه على أذنها مجيبة بخفوت :
"مرحبا أكرم" ليقابلها الصمت للحظات قبل أن يأتيها صوته هادئا ...بل هادئا جدا لدرجة أقلقتها وهو يقول:
"مرحبا هند ...كيف حالك ...وكيف أبليت باختبار اليوم"
لترد بارتباك :
"بخير ...الحمد لله ...أظنني أجبت جيدا لحد معقول "
ليرد برسمية:
"حسنا الحمد لله ...هل تحتاجين لشيء"
لتجيب بحيرة وتردد:
"لا ... شكرا ...هل أنت ..اعني ...لا ...لا شيء "
ليصمت لحظات أخرى قبل أن يقول بتهذيب بارد:
"حسنا ..انتبهي لنفسك ..واهتمي بدراستك ..استودعك الله "
ليغلق الخط دون أن ينتظر حتى ردا منها ...لتظل ناظرة للهاتف بتيه للحظات طويلة..بينما عقلها يدور بتساؤلات حائرة وهي تحدث نفسها بقلق:
"أتراه غاضب من فعلتي اليوم؟ ..أم مل مني؟ ..أم اكتفى ؟.. هل سيبتعد عني؟! " لتنتفض بارتعاش داخلي ..وتشعر ببرودة تسري بجسدها من الداخل للخارج ...فتتجه لفراشها تندس تحت الغطاء متكورة على نفسها كجنين برحم أمه ..تحتضن جسدها الذي يزداد نحولا يوما بعد يوم ... دون أن تستطيع أن توقف دموعها أو خوفها أو رعشة جسدها المتزايدة..
.............................
أغلق الهاتف بضيق ألم به ...لم يستطع أن يحدثها أكثر ..خاف أن يفقد زمام أعصابه فيصرخ بها غاضبا ...لقد طال أمد رثائها لنفسها ..وانزوائها وحدها بعيدا عنه ...رغم كل محاولته معها ...يعي صعوبة ما حدث معها ...لكنه يحاول بقوة أن يعوضها ..أن يقترب منها ...يبثها حبه ودعمه ...لكنها تمعن في الرفض والتهرب ...تزداد عنتا وعنادا وابتعادا ...لقد لمحها وهي تهرول مبتعدة بعد أن استدار من حديث ودي مع زميل قديم ...وحاول اللحاق بها ومنادتها لكنها كانت قد ابتعدت وتاهت منه وسط زحام الطلبة المحدقين به بتعجب لهرولته وسطهم ...لقد شعر بالضيق والإحراج ...ورغم ذلك لم يتوقف وخرج باحثا عنها خارج أسوار الجامعة وحتى محطة الحافلات دون جدوى ...ليعود خائب الرجاء ...رغم أنه ذهب خصيصا يومها ليراها رغم انه لم يكن له عمل بالكلية بهذا اليوم .. و في اليوم السابق ذهب لزيارتها بمنزل شقيقته لتعتذر عن النزول إليه بحجة الإرهاق من المذاكرة والرغبة بالنوم مبكرا للاستعداد للاختبار...لقد كاد يذل نفسه وهو يلمح للسيدة سُمية برغبته بالصعود إليها بحجرتها ...ولا يعلم إن كانت السيدة لم تفهم تلميحه أم تعمدت تجاهله لعدم موافقتها ...وللأسف ...همس أيضا كانت خلدت للنوم مبكرا وخالد كان بالخارج ولم يكن قد عاد...ما أشعره بحرج بالغ لذهابه إليهم بوقت متأخر ودون اتصال مسبق .. ليعتذر مغادرا دون أن يراها ..
شعر بالاختناق من البقاء داخل حجرته فخرج للصالة ليجلس بجوار أبيه الممسك بمسبحته يسبح بها بهدوء ...لينظر لوجهه مبتسما ..ويربت على كتفه بحنو قائلا:
"هون عليك بني..واصبر عليها "
لينظر له أكرم بتعجب ؟؟كيف عرف ما يضايقه...ليبتسم أبيه بمكر وهو يقول:
"الأمر لا يحتاج لذكاء ...واضح أنك غضبت من هند ...هاتفك بيدك تقبض عليه بشدة ...ولم تطل حديثك معها ككل ليلة ...وملامحك متجهمة ...بني ..ما حدث لها ليس بهين ...بقائها ببيت أناس غرباء عنها لابد يؤلمها بشدة ويجعلها تشعر بالوحدة والضعف والقهر ..مهما أحسنوا معاملتها ..ستظل تشعر بأنهم يشفقون عليها ...أصعب ما يمكن أن يواجه فتاة كهند شعورها باليتم والعجز ..وقلة الحيلة ..شعورها أنها شريدة بلا مأوى "
لينتفض أكرم واقفا وهو يقول بحمية:
"وأنا أبي ..أين أنا.؟...ألم أصبح زوجها ..سندها؟ ..أنا على استعداد لإتمام الزواج واستئجار شقة لها من الغد ..وقد أخبرتها بذلك لكنها رفضت ..كما عرضت عليها أن تأتي هنا ...لتقيم معك ومع أمي ...ورغم أني أخبرتها أني وسامح سنترك الشقة حتى تكون براحتها ..لكنها رفضت أيضا مؤجلة الأمر لبعد إنهاء اختباراتها كما قالت ..ماذا أفعل أكثر لتشعر بأن لها مكانا وسندا ..وليست يتيمة شريدة بلا عائل أو سند كما تقول ؟!"
لينظر له أبيه بهدوء وهو يرد عليه:
"لأن كل ما تعرضه ليس منطقيا ووقته خاطئ وهي تعي ذلك ...ففكرة الزواج بهذا الوقت مع حالتها النفسية واختباراتها وقرب سفرك غير منطقي ..وأي شقة تلك التي ستستأجرها لشهر أو شهرين وبعدها ماذا؟؟هل ستتركها تقيم بها وحدها وتسافر ..أم ستجعلها تتركها لتعود للإقامة معنا ..فما الهدف من تأجيرها من الأساس؟! ..حتى حضورها للإقامة معنا ...رغم انه الحل المنطقي الوحيد ...وهو ما سيحدث بالنهاية بكل الأحوال خاصة بعد سفرك ...لكن توقيته حاليا ولم يمر وقت طويل على ما حدث ...وما زالت الحارة تتشدق بما حدث ..والموضوع لم يهدأ ...وهى في وقت تحتاج للراحة والتركيز يعد خطا كبيرا ...أكرم ..دع لها بعض الوقت ...صدقني هند علاجها الوقت والكثير من الحب والاحتواء والتحمل ...وستعود بعدها لنفسها و لك ...لن أقول أنها ستنسى يوما ..فما حدث لها يستحيل نسيانه لكنها ستتقبله بخيره وشره وتتعلم التعايش معه ....فقط تحملها وامنحها ما تحتاجه من وقت"
لينظر له أكرم بضيق وهو يرد بأسف:
"الوقت هو ما لا املكه حاليا أبي ...أنا سأسافر خلال أربعين يوما بحد أقصى ..أريد أن أكون معها لأطول وقت قبل سفري ..أريد أن نتفق على ما سنفعله مستقبلا ...لكنها لا تمنحني فرصة "
ليقاطع حديثهم صوت فتح باب الشقة ودخول أمه بوجه مكفهر وهي تقول بغضب:
"حقا الذين اختشوا ماتوا...الحقير له العين للعودة لهنا بعد فعلته الدنيئة"
لينظرا لها بتساؤل فترد بضيق جعل أكرم ينتفض واقفا ويحاول التوجه للباب بغيظ ما أن سمعها تقول أن الحقير سعيد قابلها خارجا من شقة نبيلة ..لكن كف أبيه منعت تقدمه وهو ينهره بحزم قائلا:
"توقف أكرم ...لا نريد المزيد من المشاكل التي تثير اللغط أكثر حول هند ...دع الأمر يمر "
ليقطب أبيه أكثر وهو ينظر لزوجته متسائلا:
"هل رأيت حسين بالشارع وأنت عائدة "
لتهز رأسها نافية وهي تجيبه:
"لا ..أتمنى أن لا يقابله ...غالبا يكون بدروسه بمثل هذا الوقت "
ليزفر محمد بضيق وهو يقول بحزن وقلة حيلة:
"الفتى لم يعد يذهب لمعظم دروسه ..أصبح نزقا عنيفا ..ولا يكف عن التشاجر وافتعال المشكلات مع رفاقه بالشارع والمدرسة ...ولم تعد تجدي معه النصائح ..لقد كلمته عدة مرات وكذا سامح وأكرم بلا فائدة ...ليس لديه هم سوى الانتقام من خاله ظنا بأنه سيعيد حق أخته بتلك الطريقة ...وابتعاد هند ..ونأيها عن التواصل معه يؤجج غضبه وشعوره بالذنب لفعلة أمه وخاله أكثر ..وحقا أخشى من نتائج تلك المواجهة التي يمكن أن تحدث يوما بقوة ...فالفتى طائش غاضب ..وسعيد حقير أرعن ..فليستر الله مما يمكن أن يحدث "
لم يكد يتم كلماته حتى سمعوا أصوات شجار وصراخ تتعالى
ليتجهوا بقلق للشرفة خاصة مع سماعهم صوت حسين المنطلق بالشتائم ..ليفاجئوا بالفتي يشهر مدية بوجه خاله فيسرع كلا من أكرم وأبيه للنزول محاولين اللحاق بالفتى ...
----------------
قبل ذلك بنصف ساعة تعالى الطرق على باب شقة الراحل عبد السلام لتفتح نبيلة فتفاجئ بسعيد أمامها ...لتنظر للخارج بقلق بينما تقول له بغضب :
"ماذا تريد ...ولما جئت ..ألم أحذرك من المجئ ..ألا يكفى ما تسببت فيه بأفكارك العفنة ...لو رآك حسين هنا فلن تكون العواقب جيدة ..فقد أقسم أن يقتلك إن شاهدك"
ليزيحها من أمامه بيده ويدخل مغلقا الباب بقدمه وهو يقول بسخرية :
"من حسين هذا الذي تهدديني به ..وتظنين أني سأصنع له حساب ..إنه غر مراهق لم يخط شاربه بوجهه بعد ..كما أني أعرف أنه لا يتواجد بهذا الوقت فاهدئي ..ليس لأني أهتم به ...بل فقط لا أريد وجع رأس ...ولو أنك كنت تجيبي على هاتفك كلما حاولت محادثتك لما حضرت...لكنك تتعمدين تجاهلي وعدم الرد علي" لتقول له بنزق:
"ولما أرد عليك ..أنا لا أطيق رؤيتك أو سماع صوتك ...بسببك أبنائي لا يطيقوني ..والفتاة التي كانت تعاوني بمعاشها رحلت دون أن أكسب شيئا سوى القهر ..لقد خسرت أنا و ربحت هي الزواج ممن كانت تتمناه وكان أبعد لها من نجوم السماء...فما بقي أيضا ليجعلني أرد عليك أو انظر بوجهك"
ليرد بغضب عنيف وهو يقول بحدة:
"وهل سنستسلم ونكتفي بينما تنال هي كل شيء ..هل سنخرج خاسرين وهي الرابحة" ..
لتنظر له بضيق وهي تضرب كف فوق الأخرى وتضعهما فوق بطنها قائلة بسخرية:
"وما بيدنا أن نفعل يا عبقري زمانك ..أي أفكار سوداء ما زلت تحمل بجعبتك لتبليني بها ..لترفع يدها مشيحة بها بوجهه قائلة بحسم
"..اسمع سعيد ..الأمر انتهى ..ولا أريد المزيد من أيا كان ما تفكر به ..ولن أشترك معك بأي خطط تنتويها ..فابتعد عني بخيرك وشرك ...ولا تأتي لهنا ثانية ...لا أريد المزيد من المشاكل مع حسين أو عائلة محفوظ ...فهند أصبحت تخصهم الآن...ابتعد عني ولا تعد لهنا ثانية "
ليقترب منها قائلا بمهادنة:
"أنا لا أريد منك شيئا ..أو سأشركك بأي شيء ..لا أريد سوى العنوان الذي تقيم به ابنة زوجك ..ولا شان لك بما سيحدث ...لقد حاولت معرفته عن طريق مراقبة كلية الطب ...لكن الحرس أمام الجامعة كادوا يمسكون بي عندما لاحظوا وقوفي لفترة قريبا من أسوارها ...ولم أستطع رؤيتها أو معرفة أوقات تواجدها.. واقتناصها عند الجامعة صعب ..فالمكان مزدحم ومكتظ ...لذا فالأسهل هو اختطافها من أيا كان المكان الذي تقيم به"
لتنظر له نبيلة ذاهلة وهي تقول باستنكار:
"أجننت سعيد ..تريد اختطافها ...هل فقدت عقلك تماما ... الفتاة تزوجت وانتهى الأمر "...ليحاول مقاطعتها فتنهره صارخة ..اخرج سعيد ولا تريني وجهك ..ولا تحاول فأنا لا اعرف عنوانها ...أتظنهم سيخبرونني به بعد ما حدث ...وحتى لو اعرفه فلن أخبرك به ...أخرج من أمامي أحسن لك قبل أن أضربك بيد المقشة على رأسك القذر أخرج "
لينظر لها بغيظ وتحدي وهو يقول قبل أن يخرج صافقا الباب خلفه:
"سأعرفه نبيلة ...سأعرفه وأنال منها واحرق قلبها وقلبه ...لن أكون سعيد لو تركتهما يهنئان معا بينما احترق أنا ذلا وغيرة ...فلم أتمنى فتاة غيرها منذ كانت مراهقة منعها عني أبيها وطردني مهانا ..لأمني نفسي بالحصول عليها بعد موته ...ليأتي هذا الأكرم ويأخذها من بين يدي ...لكني سأستعيدها رغما عن الجميع"
لتضرب كفا بكف وهي تحرك فمها يمينا وشمالا بعد خروجه لتقول لنفسها بغل.." الرجال سيقطعون أنفسهم على تلك العجفاء ذات الساقين الشبيهتين بسيقان الماعز ...فماذا لو كانت جميلة أو غنية ..عجبي على هذا الزمن"
... لتعود للمطبخ لتكمل صنع طعام العشاء قبل عودة أبنائها من دروسهم وما هي إلا دقائق حتى انقبض قلبها وهي تسمع صوت صراخ ابنها حسين باسم أخيها لتخرج مهرولة لتهبط للشارع وهي تدعو أن لا يكون ابنها قابل خاله ...ولم تكن تعرف أن سعيد ما أن خرج من عندها وكاد يصطدم بأم أكرم لينظر لها بوقاحة ..ويهبط بعدها لمدخل البيت ليظل لدقائق واقفا يدخن سيجارة ملغمة ويفكر بطريقة يصل بها لمكان هند ...فقد حاول تتبع أكرم بلا فائدة ...فهو لا يمتلك سيارة مثله ...وحتى دراجته البخارية أضطر لبيعها منذ فترة قريبة لشراء ما يلزمه من مخدرات لم يعد يستغني عنها ...ومعظم من يعرفهم يرفضون إعارته دراجاتهم خوفا أن يبيعها أو يدمرها ...وما أن تحرك خارجا حتى وجد حسين أمامه
اشتعلت عين الفتى كرها وحقدا ما أن شاهد من حاول الاعتداء على أخته وتسبب بفضحهم وإذلالهم أمام الجميع خارجا أمامه من باب بيتهم ...ليجن غضبا ويخرج مطواة كان يخفيها بجيبه الخلفي هاجما عليه محاولا طعنه وهو يكيل له السباب ...لكن سعيد المعتاد على حروب الشوارع استطاع مراوغة الفتى ولي ذراعه وضربه بركبته مجبرا إياه على إسقاط المدية ..وثانيا ذراعه حتى كاد يكسرها وهو يضربه بقدمه مبادلا إياه السباب ..ليتجمهر الناس محاولين فك الاشتباك بينهما وسحب كل منهما من بين يدي الآخر ...ليجن جنون حسين عندما يسمعه يهين إياه قائلا أنه مجرد غر أحمق ضعيف وبلا أهمية كأبيه ..وناعتا أخته هند بلفظ قذر ...ليتملص بعنف من يد مقيديه ويميل بسرعة للأرض مختطفا مديته وهاجما على خاله الذي انتبه له باللحظة الأخيرة ليحاول الإمساك بيده وثنيها ليختل توازن كليهما بسرعة لم تتح للمراقبين أن يحاولوا التدخل بينما يسقطان أرضا لتنطلق صرخة تشق عباب السماء بينما تسيل الدماء بغزارة مشكلة بركة تحت الجسدين المتعانقين أرضا .. ليتسمر الجميع بما فيهم نبيلة للحظات قبل أن يتحرك الشيخ مرسي الذي حضر لحظتها بسرعة ساحبا جسد سعيد من فوق حسين ليجد الجميع أن المدية قد اخترقت جسده حتى مقبضها تاركة جسده يلفظ أنفاسه الأخيرة وسط صرخات أمه وذهول أكرم و أبيه
-------------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 07-10-18, 09:18 PM   المشاركة رقم: 29
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الرابع والعشرين
تقدم بلهفة وخوف وعينيه تمر على ابنه المستلقي أمامه ...لا يكاد يصدق انه كاد يخسره فجأة وهو بعيد عنه منذ سنوات ..ما أن عاد من رحلة النقاهة التي أمره طبيبه بها بعد أن أصيب بنوبة قلبية مفاجأة منذ أكثر من شهر بعدة أيام ..ليسافر لصديقه وابن عمه عامر باسبانيا ويقيم لديه لشهر كامل ما أن خرج من المشفى ..مقررا ترك مسؤولياته وحتى هواتفه خلفه ...ليعود بعدها مقررا أن الوقت قد حان للعودة للوطن ..أن يعود لأبنائه طالبا الصفح ...والقرب...حتى لو عنى ذلك مواجهتهم بأخطاء ماضيه ...حتى لو قضى الباقي من عمره يطلب سماحهم وغفرانهم ...يكفي هروبا ..لا يريد أن يموت وحيدا مغربا ...لا يكفي أن يتتبع أخبارهم عبر أقاربه وأصدقائه ...لا يكفي صورهم التي ترسلها له السيدة سُمية بين وقت وآخر ليتمزق قلبه شوقا وفقدا ولهفة ..لكن يبدو أن القدر لم يمنحه حتى حق المبادرة ..فما أن رجع لدبي حيث مقر إقامته طوال السنوات الماضية ليحاول إنهاء عمله و جمع حاجياته ..ليفاجأ بهاتفه مليء بالرسائل وليجد أن هناك عددا من الخطابات من خالد الراوي ...ومن عدد من أصدقائه ...تخبره بأن مدحت ..ابنه الوحيد كاد يفقد حياته بحادث إطلاق نار !!! ....كاد يفقده دون حتى أن يراه ..دون أن يطلب منه أن يسامحه لأنه هرب من الضغوط ..هرب من المواجهات ..تركه وأخته خلفه مفضلا الهرب على الاحتمال ..على الصبر ....لتتلألأ الدموع بعينيه ويحاول منعها بصعوبة من الهطول وهو يقول بصوت متهدج بينما يقترب من فراش ابنه الذي يموت شوقا لضمه ..رغبة تكاد تقلص صدره ألما من قوتها ..ليقبض يديه بقوة مانعا نفسه من الاقتراب ..خاصة مع رؤيته لملامح ابنه التي تحولت من الاندهاش وعدم التصديق للرفض والبرود :
"بني ..كيف حالك ...لم أعرف بالأمر إلا أمس ..آ "
ليقاطعه صوت مدحت ببرود جعله يتراجع خطوة وهو يسمعه يقول برسمية ونفور:
"أنا بخير سيد عز الدين ...لم يكن هناك داعي لتتعب نفسك بالزيارة بعد ما يزيد عن ستة عشر عاما ..ألا ترى أنك تأخرت بهذه الزيارة قليلا؟! ...عموما شكرا على تعبك ومجهودك ..بإمكانك العودة حيث كنت والاطمئنان"
لينكس عز رأسه بألم ..مفكرا بأنه لا يستطيع لومه ...حقا لا يستطيع ...لكنه يحتاج للاقتراب ...يحتاج لأن يمنحاه فرصة ..ليس للسماح فهو يعرف أن الأمر صعب بل فقط القبول ..أن يتركاه يقترب ..ولو لحد بسيط لا يخرجاه من نطاق حياتهما ولو أبقياه على حدود تلك الحياة ...سيكتفي بالتواجد المحدود بها ...لكن أتراه يملك الحق بالمطالبة بهذا التواجد ...ولو كان محدودا .. ليرفع رأسه ينظر لوجه ابنه الجامد وهو يقول بصوت مختنق ألما وندما:
" لا بأس بني ...سأذهب الآن ...أردت فقط الاطمئنان عليك ..لكني باق بمصر ...لن أعاود السفر .. بل سأحاول جاهدا رأب الصدع بيننا ...ولن أكف عن التواجد حولكما أنت وأختك حتى أنال غفرانكما يوما"
ليطلق مدحت من حنجرته صوتا ساخرا بينما تمتلئ عينيه رفضا وغضبا وهو يقول بصوت حاد ونبرات غلفها الخذلان بمرارته:
"لا تنتظر ما لن يحدث سيد عز ....عد من حيث أتيت ..أكمل السفر والبعد ..واكتفي بإراحة ضميرك بإرسال المال لحساب أمي بحجة الإنفاق علينا كما لو كنا ما زلنا تحت الوصاية .. أو ربما تظننا كذلك بالفعل ...فستة أو سبعة عشر عاما ..ليست بالفترة الهينة ..ربما ظننت نمونا وقف من وقتها وستعود لتجدنا كما تركتنا"
كان مدحت ينهت بشدة لدرجة أخافت كلا من سارة المشدوهة بما يحدث وعز الذي اقترب بتردد لنصف خطوة لم يكملها مع نظرة الرفض والتحذير بعيني ابنه والتي قطعت أي محاولة منه للحديث ...ليدير وجهه لتلك الفتاة الشقراء الجميلة التي تجاور مدحت ممسكة بيده بين كفيها بمساندة ..ليتنحنح بحرج وهو يقول :
"عفوا بنيتي ..لم أتعرف بك .. أنا عز الدين المنشاوي ..والد مدحت كما لابد و استنتجتي من الحوار"
..لينظر لها بتساؤل وهو يمني نفسه أن تكون تلك الفتاة مفتاح الوصول لأبنه ..خاصة مع تلك النظرات والطريقة المتملكة التي تلتف يديهم بها معا دلالة على قوة الرابط بينهما...ليراها تقف بهدوء وتحاول سحب يدها من كف ولده بلا فائدة فتكتفي بالنظر إليه دون مد يديها بينما تقول بتحية ودودة متجاهلة هسيس الرفض الغاضب الذي يصله من ابنه:
" مرحبا عماه ...حمد لله على السلامة ..كنت أتمنى أن أراك بوقت أبكر وظرف أفضل ..لكن كل شيء بموعد ..أنا سارة ..خطيبة مدحت و.."
ليقاطعها صوت مدحت النزق بينما يشد كفها معيدا إياها للجلوس بجواره وهو يقول:
"بل زوجتي ...لقد عقدنا قراننا . والآن ..إن كنت أنهيت جلسة التعارف والاطمئنان ..أرجو أن تخرج ..فقد حان موعد نومي ...آه ..ولا تتعب نفسك بالعودة فكما ترى ..أنا بخير ..ولا احتاج مزيدا من الزيارات من معارفي القدامى"
ليدير له وجهه رافضا النظر له ومتجاهلا النظرات اللائمة التي لمحها بعيني خطيبته أو زوجته كما يقول....و التي عادت بعينيها له بنظرة تجمع بين اللوم والشفقة والتعاطف .. ورغم أنه ليس واثقا إن كان هذا التعاطف موجها له أو لأبنه ..وهو يرجح الأخير .....لكنه لا يملك إلا محاولة التمسك بالأمل أن يكتسبها كحليف لتساعده بمحاولة رأب الصدع وتقليل الفجوة بينه وبين ابنه ...ليتجه للخارج بحزن ورأس منكس ..تدور بداخله الأفكار القلقة حول كيف ستستقبله صغيرته بعد هذا الوقت ..وبداخله تتصاعد وتيرة الخوف مترافقة مع سرعة نبضاته التي جعلته يدلك صدره بألم ..وهو يتساءل بسخرية مريرة ..إن كان هذا رد فعل مدحت ..الذي كان أقل ارتباطا به ...فكيف الحال مع أميرته الصغيرة ...ليفقد القدرة على التحكم بتماسكه أكثر وتنفلت تلك الدمعة العصية من عينه اليسرى ليمسحها بسرعة ..وهو يبتهل بداخله ..أن يجعل الله قلب ابنته أكثر تسامحا ..واقل رفضا له .. رغم شكه بإمكانية ذلك ...لكن لا يوجد أمامه إلا التمسك بالأمل...
----------------------------------

لم تصدق نبيلة عينيها وهي ترى ابنها مدرجا بدمائه وقد غرزت المدية بجانبه..لتفقد عقلها بينما تراه يغمض عينيه اللتين التقتا بعينيها للحظة بنظرة مليئة لوما واتهاما قبل أن يغمضهما تماما ... تسمرت للحظات بذهول بينما تصلها بضبابية همهمات الناس التي تحوقل.. لتسمع صوت احدهم يقول أن ابنها مات ....مااات ...بكرها مااات ..فلذة كبدها ماااات ؟!!! لا ..لا تصدق ..لا تدري كيف عاد لعقلها لحظتها كلمات هند وهي تنظر لها داعية عليها ..حتى أنها كانت تكاد تسمعها تردد كلمة حسبي الله ونعم الوكيل بينما عينيها مسمرة على الدماء المنتشرة حول ابنها الذي غطى جسده عنها شخصا ما يميل عليه ..لم تنتبه أن أكرم هو من يحاوط ابنها بحالتها المشوشة ...فكل ما تسمعه هي كلمات حسبي الله ونعم الوكيل بصوت هند ..وأصوات تتداخل معها تقول أن حسين مات ...الفتى قتله خاله.. لتبدأ بهز رأسها نفيا وهى تولول دون أن تنتبه لما تقول وسط هياج مشاعرها:
"ابني ماات ...حسيييين ...يا فلذة كبدي ...خالك قتلك يا صغيري...لا ...بل أنا من قتلتك ...أنا ... أنا من لم أرعى أمانة أبيك ..أنا من اتفقت مع أخي و تأمرت معه على سلب شرف أختك لأجبرها على الزواج منه لأكسرها و أضيع مستقبلها فلا تصبح طبيبة و تتعالى علي .....أنا قتلتك يا ولدي بغيرتي و حقدي على هند ...لتموت بدعوتها علي و حسبنتها في وجهي ... ودعائها أن ينتقم الله مني ..لأني من وضع المخدر الذي أعطاه لي سعيد في قهوتها ..لأني من اتفقت مع سعيد على انتهاكها ..لأني كنت سأبيعها له كجارية ليذلها تحت قدميه لولا مجيء أكرم و إنقاذه لها "
كانت تهذي وتولول بصوت عال وهي تلطم خديها بينما كلامها جعل الجميع صامتا بذهول يستمع لما تقوله ...لتتعالى الشهقات المصدومة من النساء اللاتي كانت بعضهن يلتففن حولها بمساندة قبل أن يتراجعن صدمة مع كلماتها وهن يضربن صدورهن من هول ما يسمعونه بينما تضيف هي بجنون وهي مستمرة بلطم وجهها وشد شعرها الذي سقط حجابها من فوقه دون أن تعي لشيء حولها :
" أنا من قتلتك ..أنا و الحقير خالك ...خالك الذي...الذي ...لا...لا ... ليس أنا ..ليس أنا ...بل خالك ..نعم هو ..هو ...نعم ليس أنا بل سعيد "
..لتتلفت حولها بهياج هستيري لتلمحه راكعا مقيدا على الأرض بين يدي بعض شباب الحي .....لتقترب منه بسرعة بينما تلتقط نفس المدية التي طعن بها ابنها ..والتي كادت تتعثر بها - حيث ألقاها أكرم بعد نزعها من حسين- ...لتقترب من سعيد بغضب ثائر وسرعة لم تمكن أحدا من الانتباه لنواياها و إيقافها لتغرز المدية التي ما زالت تقطر بدماء ابنها بصدر أخيها وهي تصرخ بجنون ..أنت السبب ..لابد أن تموت ...لتخرجها من صدره محاولة إعادة طعنه ..إلا أن المتواجدين حولها كانوا قد أفاقوا من هول و صدمة ما يحدث وقاموا بإبعادها بسرعة قبل أن تعاود طعنه بينما هي تتلوى بين يديهم وهي تسبه دون أن ترى أو تشعر بأحد وهي تصرخ :
"..اتركوني اقتله ...هو السبب ...هو من أحضر لي المخدرات وأقنعني أن أضعها بقهوة هند ليغتصبها و يجبرها على الزواج منه ...هو من جعل ابني يكرهني و يحتقرني ...هو من قتل ابني ..هو السبب ...لابد أن يموت"
لتتعالى وقتها صوت عربة إسعاف توقفت عند باب الحي بينما يهبط المسعفين بمحفة ..لتنتبه لحظتها من هياجها على لطمة من يد الحاج محمد الذي وقف أمامها ناظرا لها بمزيج من الشفقة واللوم ..وهو يقول :
"كفى ..اهدئي ... حسين لم يمت ...حسين لم يمت"
كانت تنهت بسرعة بينما عينيها تنظر بذهول وعدم تصديق للحاج محمد الذي أكد لها :
"أقسم بالله أنه ما زال على قيد الحياة .. فلتكفي عن جنونك هذا ..ولتدعي الله أن ينجيه "
لتنتقل عينها لحظتها لأبنها فتجدهم يحملونه متجهين به بسرعة ناحية السيارة المتوقفة بأول الشارع يرافقه أكرم ..بينما هناك آخرين يحملون سعيد لاحقين بنفس العربة
لتفقد لحظتها كل قدرتها على الوقوف بينما تتخاذل ساقيها أسفلها ..لتتراخى بين يدي من يمسكون بها وتسقط على الأرض جالسة تبكي بمرارة وندم

---------------------
أخذ يدور بالصالون بغضب وثورة بينما يقول لها بحنق:
"ماهي لو سمحت ...أنا أخذت ساعتين راحة من العمل لأكون معك وحدنا وليس لنجلس مع والدتك ..لتنظر لي بدونية وتتعامل معي كما لو كنت ابن الخادمة أو السائق الذي سرق ابنتها وغرر بها!! ...لماذا لا نخرج معا قليلا لنجلس وحدنا ونخطط لمستقبلنا "
لتحاول ماهي تهدئته بمهادنة بينما تنقل عينيها بينه وبين الباب خوفا من عودة أمها ..و سماعها تذمرات سامح ...لقد تركتهم منذ لحظات على مضض عندما أخبرتها الخادمة أن هاتفها يدق بحجرتها دون توقف منذ فترة .. وهي تتوقع أن ترجع للجلوس معهما بمجرد إنهاء مكالمتها..فمن الواضح أن أمها لا ترغب بتركه ينفرد بها ...لتقول له بمراضاة:
"سامح ...أرجوك ...أمي دعتك للعشاء للتعرف عليك أكثر ..ولم يكن لائقا أن ترفض الدعوة ..بينما نحاول أن نقرب المسافات بينكما "
لينظر لها بعيون مشتعلة غيظا وقهرا وهو يقول :
"أي مسافات تلك التي نقللها ها !!..أمك ترغب بتوسعتها لا تقريبها ...وصدقيني ..إن أردت أن يكون هناك بيني وبينها أي سلام مستقبلا ...فابعدي كلا منا عن طريق الآخر ..كلما قل لقائنا معا ..كان أفضل للجميع حتى استطيع المحافظة على علاقة مقبولة معها دون أن افقد أعصابي ...فالصبر ليس من شيمي وأنت تعرفين"
ليمرر يديه بشعره بعصبية بينما يضيف بنزق ..
"وكله كوم ..وهذا العشاء التعذيبي الذي حُسب علي وجبة كوم آخر ..أصناف طعام غريبة ..وأسمائها أصعب من الأسماء العلمية لتركيبات الأدوية ..لا أدري ما الممتع في هذا الطعام المقرف الذي أغلبه لا أعرف إن كان حلو أو حادق ...أقسم بالله احترت بمكوناته ..والأسوأ أيضا أن حتى الشيء الوحيد الذي أعرفه وحاولت أكله وهو الجمبري و الكابوريا ..تريدني أمك أن آكلهم بالشوكة والسكين !!..رغم أنهم مطهيين بقشورهم ...بالله عليك كيف أنزع قشرتهم بالشوكة؟!!! ...وعندما تعمدت أن أتصنع عدم سماع اعتراضاتها أجدها تنادي على الخادمة وتطلب منها رفع طبق المأكولات البحرية من أمامي ..أي ذوق هذا؟!! ..وأي عشاء؟!! أنه تعذيب ..وأنت تلوميني لأني تركت السفرة و رفضت إكمال الطعام ..أي طعام الذي تتحدثين عنه ؟!! هذا الطبق الغريب الذي به شيء يشبه السمك النيئ واسمه... اسمه ...لينظر لها بتساؤل لترد ببسمة لم تستطع منعها :
"بيسي كريدو وهو بالفعل مصنوع من أنواع معينة من السمك النيئ ..انه طبق شهير جدا بايطاليا "
ليضرب سامح كفا بكف ...بينما يقول بتعجب ساخر :
"ومالنا وايطاليا نحن نعيش بمصر ...ماله الأكل المصري ؟!!...وأنا من كنت أسخر من همس لعشقها للفسيخ واتهمها بأكل اسماك نيئة ...يبدو أن العدوى منتشرة في العالم أجمع"
لتقطب ماهي بذهول وهي تقول ...فسيخ ؟!! أتقارن الكريدو بالفسيخ ؟!"
ليرد سامح ساخرا :
"على الأقل الفسيخ سمك صريح ..لكن هذا الشيء الهلامي غير محدد الهوية لا يصل حتى لمستواه ....وأيضا الطبق الآخر الذي ينتهي اسمه بشيء يشبه البيوت أو الببيون لا أدري ..لتأتيه دمدماتها باسمه فيردده صارخا نعم هو هذا- فيش أن بابيوت - ..ما هذا بالله عليك ها ..ما هذا؟ !! لماذا هذا التعقيد ..الأمر كله مجرد سمكة موضوعة على قطعة ورق وحولها بعض قطع الطماطم والخس ..ما هذا الاسم العجيب .. وكل دقيقة أمك تقول ..ليرقق صوته وهو يقلد أمها بغيظ :
"هذه الأنواع لا تطهى إلا من قبل خبراء الطهي العالمين والطاهي عندي واحدا منهم.. لكني لا أظنك تعرف هذه الأنواع أو أكلتها قبلا ...لابد أن تتعلم كيف تأكلها حتى لا تحرج نفسك طالما دخلت لوسطنا ... ليضيف بدون صوت (حل وسطك) ليكمل تقليديها قائلا :
"لابد من إضافة الشامبو على الأكل!! "
.. ليعود لصوته وهو يضيف بحنق بالغ أي شامبو هذا ؟ها ..هل سأكل أم أستحم" ..لتصحح له على استحياء وهى تحاول عدم إثارته أكثر..
"ليس شامبو ..شامبنيون أى صوص الفطر"
..ليرد صارخا بصوت أعلى ...لا يهمني شامبو شوال لا يعنيني ..و ليكن بعلمك ...إياك بعد أن نتزوج أن تصنعي لي طعاما كهذا ..هل فهمتي ...أريد أكل حقيقي كطعام أمي ..أحب صواني الدجاج بالبطاطس و ليس البيكاتا بالشامبو التي كانت أمك تخبرني أنها وجبتك المفضلة ..ليقاطع تصحيحها للاسم وهو يضيف ..أريد أن آكل طعاما مصريا أصيلا ..كالملوخية والبامية واللحم المطهي دون إضافاتكم العجيبة و... "
لتقاطعه بينما تقترب واضعة يدها على صدره الذي ينهت من تسارع أنفاسه غيظا:
"سامح حبيبي ..أنت تعرف أني لا أعرف الطهي ..لكني أعدك أن أجعل والدتك تعلمني بعض الأكلات التي تحبها وأحاول طهيها لك ...لكن عليك أن تصبر معي قليلا ..أرجوك لا تغضب .... وتحمل أمي قليلا ..لأجلي حبيبي "
ما أن لمسته بيدها ..حتى هدأ حنقه ليتبخر تماما وهي تناديه حبيبي ..ثم يفقد أعصابه وهو ينظر لشفتيها وهي تتحدث سارحا بلونهما الوردي ورقتهما ..ليشعر بجفاف ريقه ..ويزدرد لعابه بصعوبة بينما يرفع عينيه ناحية الباب المفتوح والمطل على الرواق الخارجي ..ليلف خصرها بيده ويجذبها فجأة لدرجة جعلتها تشهق من المفاجأة بينما يسحبها لزاوية الحجرة حتى لا يكونا ظاهرين للقادم من الباب بينما يقترب منها وقد قرر الحصول على قبلته التي طال شوقه لها ولن يمنعه عنها الآن أي مخلوق... ليجدها تبتعد بوجهها وتحاول التفلت منه بحرج ووجهها زادته حمرة الخجل بهاء لتجعله شهيا حتى كاد يقضم خديها التي يقسم أنها ستكون بديلا له عن عشائه المزري ويحلي بعدها بالشفتين ...متجاهلا همهمات الرفض المائع منها وهي تقول:
"سامح أرجوك ...توقف ...هل جننت.. قد يرانا أحد"
ضمها إليه أكثر وهو يعانقها بقوة ويقبل عنقها بهوس وفقدان سيطرة وهو يقول بعناد:
"فليرنا العالم أجمع ..و أولهم أمك ...لم أعد أبالي ...أنت زوجتي ...زوجتي ...زوجتي"
كان يرددها بينما شفتاه تتنقلان ما بين عنقها ووجنتها وفكها محاولا اقتناص شفتيها التي تهرب بها منه بتمنع دفعه ليتمسك برأسها بين كفيه مثبتا إياها ومقتنصا شفتيها بقبلة اشتاقها بجنون جعله يرتشف رحيقها بهوس كاد يفقده صوابه ..كان جسده يختض كجسدها الملاصق له ... حيث فقد كلاهما الإحساس بالزمان والمكان ..فقط إحساسه بطعم قبلتها الشهية ... بجلدها الناعم كالحرير تحت يديه المتجولتان بين حنايا كتفيها وذراعيها وظهرها برحلة بحث واستكشاف تنتزع الاستجابة الخجولة منها
لم تعد تدري ما يحدث لها ..هي فاقدة للسيطرة ..فاقدة للقدرة على إيقاف مده الجارف .. فاقدة حتى لمفردات اللغة و حروفها .. كلها تاهت منها ولم تعد تذكر من الأبجدية إلا حروف اسمه التي تخرج متقطعة لاهثة ..س..ا...م..ح ..لم تدري كيف أصبحت مستلقية على الأريكة لتستفيق ما أن شعرت بيديه تتسلل بين طيات ثوبها ..لتدفعه فجأة بقوة جعلته يسقط بجوار الأريكة ..لتعتدل واقفة بلهاث ثائر وهي تحاول ترتيب ثوبها بسرعة متهربة من النظر له بينما تقول بتقطع خجول :
"يا الهي ...سامح .. ماذا لو عادت أمي ..أو دخلت الخادمة ...هذا خطأ ..لم يكن يجب أن نتمادى هكذا"
انتفض واقفا وهو يدير ظهره لها ..وما زال يلهث بعنف ووجه محتقن .. بينما يسب بداخله بقوة وهو يحاول ترتيب ثيابه لاعنا أمها والخادمة والعالم أجمع ...ليمرر يديه على وجهه متسائلا بداخله بقنوط حائر حول كيف سيصبر لعام كامل حتى يستطيع أن يجمع ما يكفي لفرش الشقة.... فالمشروع الذي يعمل عليه ومنح شقة به ...سيسلم ويفتتح بعد عشرة أشهر تقريبا ...ليزفر بإحباط وهو يفكر أن الأمر سيكون تعذيبا قاتلا لعواطفه ..لتزداد مشاعره إحباطا وصوت أمها يصله من أمام باب الحجرة بتكبر وهي تعتذر بترفع لتلك المكالمة التي طالت ..ليقرر أنه قد اكتفى ولن يتحمل كلمة أكثر من رقية خاصة مع مشاعره الثائرة حاليا ليستأذن متجاوزا إياهما للخارج ...دون اهتمام بقواعد الذوق ...و يخرج من بوابة الفيلا بسرعة مغادرا قبل أن ينفجر ...وما أن كاد يغلق الباب الخارجي خلفه حتى رن هاتفه برقم أبيه!! ....
------------------------

يربت أبيه الجالس بجواره على كتفه بمساندة بينما يضع هو رأسه بين كفيه بحزن في رواق هذا المشفى الحكومي ..الذي نقل إليه حسين ..فقد كان الأقرب لحيهم ..ليرفع رأسه بإنهاك مستندا بظهره للمقعد الغير مريح الجالس عليه بجوار حجرة العناية المركزة ..ليأتيه صوت أبيه المطمئن مهدئا:
"لا تقلق بني ...سينجو بإذن الله ...ربك الذي سبب كل تلك الأسباب ..من تواجدك بالمنزل لحظة طعنه ...لصديقك المسعف الذي هاتفته لتجده عائدا بعربة الإسعاف بمنطقة قريبة منا ليحضر لنا بسرعة ..لينقل لهنا خلال دقائق ..ويكون كبير الجراحين متواجدا بمرور رغم تأخر الوقت ..كل تلك الأسباب تجعل لدي يقين أن الله سينجيه"
لينظر له أكرم بعنين حمراوين إجهادا وحزنا وهو يقول بألم:
"إصابته سيئة أبي ...لقد اضطروا لاستئصال كليته اليمنى كاملة .. كما أنه نزف كثيرا جدا ..حالته حرجة جدا ...واحتمالية نجاته ليست مؤكدة ...فلتدعو أبي أن تمر الاثنين وسبعين ساعة القادمة بخير .. لأني و بصدق لا أظن أن هند ستتحمل فقدانا جديدا ...بل ستنهار تماما"
ليرفع كلاهما رأسه على صوت الشيخ مرسي المقترب منهما مسلما و سائلا:
"كيف الحال؟ ...هل من أخبار جديدة ؟!!"
ليخبره الحاج محمد بما أخبرهم به الطبيب منذ قليل ..ليعتدل أكرم بانتباه وهو يسمع رد الشيخ مرسي عن سؤال أبيه عن ما حدث لنبيلة وسعيد:
"سعيد هنا بنفس المشفى بالطابق الثاني ...لكن عليه حراسة من الشرطة لمنعه من الهرب والتحفظ عليه ..خاصة أن إصابته بسيطة وسيخرج بعد يومين على الأكثر حسب كلام الطبيب وطبعا سينقل للحجز للتحقيق معه بحادث إصابة حسين ... عائلته ونبيلة منقسمين لجزأين ... بعضهم هنا وبعضهم بمخفر الشرطة لدى نبيلة التي تم إلقاء القبض عليها ..لقد طلبت من الأستاذ مصطفى .. أن يظل معها ويحضر معها التحقيق... فرغم كل شيء .. هي زوجة عبد السلام رحمه الله وأم أبنائه"
ليهز محمد رأسه مؤمنا على كلام الشيخ .. ليجدا بعد قليل المعلم شعبان وبعض أهل الحي حضروا للاطمئنان ..ليشكرهم أكرم ويطلب منهم جميعا العودة حيث أن الزيارة ممنوعة وستظل كذلك لثلاثة أيام على الأقل واعدا إياهم بطمأنة الجميع ما أن تتوافر أخبار جديدة ...ليلتفت لأبيه وهو يهمس له بالعودة معهم ليستريح قليلا بينما يبقى هو ..لكن أباه هز رأسه رافضا وهو يجيبه بغموض:
"لا ...لابد أن أبقى ...أظن أن الوضع قد يحتاجني بعد قليل"
لينظر له أكرم بتوجس وما أن غادر الجميع حتى سأل أبيه بقلق:
"أبي ..ماذا تعني بأن الوضع سيحتاجك"
ليزدرد لعابه وهو يقول بتوجس:
"هل هاتفت هند ..أرجوك أبي ..لا تخبرني أنك أخبرتها بما حدث " لتأتيه نظرة أبيه بالتأكيد الذي يرفضه... ليزفر بضيق وهو يقول باستنكار :
"لما أبي؟ ...كنت سأخبرها أنا بنفسي ...لكن ليس الآن بل بعد أن تستقر حالة حسين ...كنت سأجد طريقة لنقل الخبر لها بهدوء "
لينتفض واقفا بقلق وهو ينظر لساعته ويقول بارتعاب:
"يا الهي ..الوقت تعدى منتصف الليل ..ولابد أنها ستكون بطريقها لهنا...وربما تأتي وحدها بهذا الوقت "
ليلتفت لأبيه لائما بينما يناظره أبيه بهدوء ساخر ...ليدير رأسه بينما يخرج هاتفه محاولا الاتصال بها وهو يغمغم :
"أرجو أن تجيب على هاتفها و.."
ليوقف أبيه محاولته وهو يسحب الهاتف من بين يديه مغلقا إياه قبل إتمام الاتصال.. بينما يقول مهدئا:
"أجلس أكرم...أبيك ليس أحمق ليخبرها ما حدث عبر الهاتف ويصدمها لتحضر لهنا بهذا الوقت ...ليتجاهل نظرة الحيرة بعيني أكرم بينما يضيف :
"وفى نفس الوقت ...يجب أن تحضر ..لا يحق لنا أن نخفي عنها إصابة أخيها ...لكني احتطت للأمر ...لقد هاتفت سامح وأخبرته بما حدث عندما كنت أنت ببنك الدم للتبرع وإحضار الأكياس التي احتاجها حسين ... وطلبت منه أن يذهب إليها لإحضارها... و يخبرها فقط أن حسين أصيب بكسر وهو يلعب بالكرة مع أصدقائه بالحي ..وأنه يطلب رؤيتها ...وسيأتي معها بعد قليل "
لم يكد ينهي حديثه حتى سمعا صوت خطوات متسارعة وصوت نداء هند الملهوف لهما بصوت مختنق بالدموع:
"عماه ..أكرم ...ما به حسين ؟...ماذا حدث؟..الأمر ليس كسرا؟ ...أليس كذلك؟!! "
ليرفع كلاهما عينيه لسامح بلوم ليرد بسرعة وهو يرفع يديه أمامه نافيا:
"أقسم لم أخبرها إلا بما اخبرني به أبي ...لكنها لم تصدقني ...ظلت طوال الطريق بسيارة الأُجرة تبكي وتقول ..انه يستحيل أن احضر للإتيان بها لمجرد كسر..وبما أني أنا نفسي لم أعرف تفاصيل حالة حسين فقد التزمت الصمت"
كان الحاج محمد قد ضمها لصدره مهدئا أثناء حديث سامح بينما يربت على شعرها المشعث والذي تجمعه برباط مطاطي مرتخي ..ويبدو من ملابسها أنها أصرت على القدوم فورا دون أن تهتم بما ترتديه ...فقد كانت ثيابها عبارة عن جينز قديم أزرق حائل اللون ...وبلوزة خفيفة بلون وردي باهت تكاد تصل لفوق الركبة بقليل لا تقل قدما عن البنطال وترتديها بالمنزل عادة..
شعر أكرم بضيق وهو يراها تدفن وجهها بصدر أبيه منتحبة بينما يخبرها أبيه بما حدث باختصار ..مطمئنا إياها بالوقت نفسه على نجاة أخيها ..ومحاولا بثها بعض المساندة وهو يخبرها أنها إرادة الله سبحانه وتعالي لينصرها ويظهر حقيقة براءتها على رؤوس الأشهاد ...و ينال الظالمين عاقبة أفعالهم ..ليجدها تنتفض صارخة وهي تقول بصوت مختنق متقطع:
"لا أريد ...لا أريد عماه ...لا أريد براءتي إن كان مقابلها فقدان أخي ...لا أريد أن ينالوا جزائهم إن كان هذا يعني أن يؤذى أحد إخوتي أو يطاله سوء ...هم عندي أهم من أي شيء ...لماذا عماه ...لماذا فعلها حسين ...لماذا تشاجر معه ..لم أرد هذا ...لم أرد أن يرد لي حقي كما أخبرتني عن سبب شجاره مع هذا الحقير ..حقي وكلته لربي .. لتبدأ في النشيج والارتعاد بقوة وهي تقول بوجع:
"آآآآه يا أخي ...يا قطعة من أبي ...لما ..لما ..لما اعد أحتمل أقسم بالله لم أعد أحتمل "
ليسبق أكرم أباه ويقترب منها محتضنا إياها بين ذراعيه كاتما صرخاتها في صدره ...يشاركها قلبه البكاء ..يكاد يتمنى لو يجد طريقة يدخلها بها بين أضلعه ...يخفيها عن العالم ..يحميها من أي حزن أو ألم ..ويتشربه هو منها ...ظل محتضنا إياها للحظات متجاهلا وجود أبيه وأخيه اللذان أعطياهما ظهريهما وهما يتحدثان معا بخفوت ..ليشدد ذراعيه حولها أكثر دون أن يهتم للمكان الذي هم فيه ...وخاصة مع هدوء المشفى بهذا الوقت من الليل..و الذي جاوز الواحدة بعد منتصف الليل ..لتبتعد هند بعد دقائق ..وبعد أن سكبت دموعها على صدره واستكان ارتعاد جسدها بين ذراعيه..ابتعدت بعدها بحرج بينما تتقبل من يديه منديلا ورقيا أخرجه من جيب بنطاله ..لتمسح به عينيها وانفها لتنظر له بعدها بحرج عندما وعت للوضع الذي كانت فيه ...لتتسع عينيها ذعرا وهي تلاحظ ثيابه..لتقول له باختناق ..وهي تمد يدها ملامسة قميصه الأبيض الملطخ بالدماء:
"أهذا دم أخي ...يا الهي ...لترفع عيناها سائلة إياه بتضرع:
"أكرم أرجوك ...أخبرني بحالة أخي دون كذب " ليتقطع صوتها و تعود الدموع تملأ عينيها و هي تضيف بوجع..أخبرني هل سينجو...أرجوك أخبرني أن سينجو !!"
ليأخذ بيدها و يذهب للجهة المقابلة لأخيه و أبيه و يجلسها على المقاعد المقابلة لحجرة للرعاية و هو يقول لها بتأكيد تمناه أكثر من ثقته به :
"سينجو يا هند... بإذن الله سينجو حبيبتي ..و كل شيء سيكون على ما يرام ..فقط اهدئي وادعي له "
لتطرق قليلا دون أن تسحب كفها الساكنة بين يديه .. قبل أن ترفع عينيها بلهفة وقلق وهي تتساءل :
"يا الهي ..إخوتي ..أبيك قال أن نبيلة قُبض عليها بعد طعن هذا الحقير فماذا حدث لأخوتي؟!! ..أين هم؟!"
ليرفع يده مشيرا لها بالهدوء وهو يقول ببسمة مطمئنة:
"لا تقلقي صغيرتي ..إخوتك بخير ...هم مع أمي ...لقد اتصلت بنا منذ فترة لتطمئن وأخبرتنا أن حسن ومعاذ معها لا تقلقي عليهما ...أمي سترعاهما جيدا"
لتهز رأسها بقبول بينما ترتكن برأسها بتعب على ظهر الكرسي مغمضة عينيها ...بينما يناظرها أكرم بحب مشفق على صغيرته التي تتحمل الكثير واعدا نفسه أنه سيكون جوارها دوما ليساعدها و يساندها و يحاول أن يعوضها كل ما لاقته ..
--------------------------
كان كلاهما صامتا غارقا في أفكاره بينما يقود ياسر السيارة ...رأسه تكاد تنفجر من شدة التفكير ...وسؤالها الذي طرحته عليه يدور من لحظتها بلا انقطاع في تلافيف عقله ..لماذا؟... ما سبب لهفته عليها ...رغبته أن يراها دوما رغم شجارهما الدائم؟! ...بل انه يسعى أحيانا لهذا الشجار ...لماذا شعر بالضيق من حالتها المتباعدة بالأيام السابقة؟! ...لماذا اشتعلت النيران بداخله حتى كاد يهجم على هذا المتحذلق الذي كان يتغزل بحمرة وجهها؟ .. هل لأنها فقط ابنة خالته كما ادعى أمامها؟!!! ..ليزفر بعمق وهو يفكر ساهما ..أن الأمر أكبر من مسألة القرابة ..هناك مشاعر تعتمل بداخله لتقى يرفض أن يضع لها مسمى ...لكنها تقلقه فهي تحتله بعنفوان وقوة دون قدرة على وقفها ...ليس واثقا أنها حب ..هو لم يحب قبلا ..ولا يعرف كيف تكون تلك المشاعر ..أصدقائه غالبا ما يربطوها بنواحي حسية ..لكنه لم يشعر ناحية تقى بتلك الطريقة الفجة ..بل لم ينظر لها قبلا كأنثى!! ..لكنه يشعرها رغم كل شيء تخصه ...لا يحق لأحد أن يتغزل بها ..أن يعجب بجمالها !! لتضربه فجأة فكرة رؤيته لها كفتاة جميلة ...ليتخشب جسده للحظات كادت أن تتسبب بحادث لهما أثناء قيادته فقد داس على الفرامل بقوة وبصورة مفاجأة دون أن يشعر و لولا زمور السيارات حوله وسبة قوية جاءته من قائد السيارة التي كانت تسير خلفه هي من أفاقته من حالته ليسب نفسه بينما يسمعها تقول بصوت حمل مزيجا من المفاجأة والضيق :
"ماذا حدث؟!! ..ياسر انتبه ..كدت تتسبب بشج رأسي التي ارتطمت بالزجاج بتوقفك المفاجئ...لماذا توقفت أساسا؟! ..لا يوجد إشارة مرور هنا ؟!
ليتجاهل الرد عليها وحتى النظر إليها فيبدو أنها كانت سارحة مثله ولم تنتبه لم سبق توقفه... ليعاود القيادة محاولا التركيز عليها ومنع نفسه من التفكير فيها بلا جدوى حتى وصلا أمام العمارة التي يقطنون بها لتسارع هي بالخروج دون أن تنظر خلفها ...وما هي إلا خطوتين إبتعدتهما باتجاه المدخل حتى تذكر فجأة مهاتفة أبيه وتنبيهه بان يخبر تقى بمجيء أسرتها حتى لا تفاجئ بهم ليهبط مسرعا من السيارة دون أن يهتم بركنها جيدا.. ويلقي المفاتيح للبواب طالبا منه وهو يخطو مهرولا باتجاه المصعد أن يركنها ويحضر له المفاتيح بالأعلى ...لكنه للأسف وصل متأخرا وباب المصعد يغلق عليها متجاهلة إياه رغم ندائه وإشارته لها بإيقافه ..ليزفر حانقا وهو يسب نفسه بينما يمرر يديه بشعره بضيق مفكرا بغضب والده منه ..ليتجه للسلم محاولا أن يلحق بها قبل دخولها للشقة ...
تعمدت تجاهل ندائه لها والصعود وحدها بالمصعد تحتاج تلك اللحظات من الوحدة لتفكر أكثر في سبب ما تشعر به !...لقد ظلت طوال الطريق معه بالسيارة تفكر في السبب الذي جعلها تسأله عن أسباب غضبه من كلمات زائر خالد بك ..تتساءل عن سبب ضيقها من إجاباته ...لماذا تمنت إجابة مختلفة؟ ..وأي إجابة تلك التي أرادته أن يقولها ...ماذا يحدث لها وبداخلها ..لتغمض عينيها وهي تدمدم بقلق وارتعاب داخلي :
"يا إلهي ...ليس هو ..أرجوك يا رب ..لا تجعلني أقع بتلك البئر ..الحب ليس لي ...لن أحب رجلا يدمرني ...يحطم أحلامي ويقهر قلبي ..لا رجل يستحق ..لا يوجد من يستحق أن أسلمه مشاعري ليدوسها ..فكلهم خائنون"
كانت قد خرجت من باب المصعد واتجهت لباب الشقة لتضغط الجرس متجاهلة المفتاح الذي منحته لها خالتها ...فلا يصح أن تفتح على خالتها وزوجها الباب بلا مقدمات حتى لو كانت تقيم معهما حاليا ..
ما أن فتح الباب حتى تسمرت مذهولة أمام تلك الفتاة السمراء بعيونها البنية التي تشبه عيني أبيها والتي فتحت لها الباب ..ليتداخل صوتها المنادي باسمها بحبور مع صوت ياسر القلق واللاهث من صعوده السريع على السلم ..لتجد نفسها مغمورة بعناق أختها رؤى ذات الثمانية عشرة عاما والتي جرتها للداخل وهي تهتف بمرح وحبور سائلة إياها عن رأيها بمفاجأتهم لها يتبعها عناق التوأمين مالك وعبد الوهاب اللذين ذهلت وهي تراهما قد جاوزاها طولا حتى أنهما رفعاها بين يديهما وهم يمازحاها بأن الصدمة والفرحة بوجودهما قد أفقدتها لسانها السليط ..لم تستطع تمالك نفسها بعد لحظات المفاجأة وهي تبكي بقوة بينما تعيد احتضانهم واحد تلو الآخر ..يا الله كم اشتاقتهم ...كم افتقدت رائحتهم ..صخبهم ...رغم أنها تحادثهم دوما عبر وسائل التواصل المختلفة ..لكنها لم تتخيل أنهم تغيروا بهذا الشكل ..متى كبر طفلاها الصغيرين بهذا الشكل إنهم فقط بالخامسة عشرة ..فكيف أصبحا بهذا الطول والعرض ...ورؤى ..كيف تغيرت لتلك الدرجة ...لقد أصبحت شابة ناضجة ..لا تلك الصغيرة على أعتاب المراهقة التي تركتها وهي بالثانية عشرة من عمرها ..... لينتفض قلبها شوقا بينما تسمع صوت أمها يناديها بتلهف لتلتفت خلفها فتجدها فاتحة ذراعيها لتجري إليها مرتمية بأحضانها ممرغة وجهها بصدرها بينما تتشممها بلهفة متشربة تلك الرائحة التي افتقدتها طوال تلك السنوات مفتقدة هذا الحنان الدافق الذي لا يعوضه شيء حتى حب وحنان خالتها لها.. لا يشابه ولا يعوض افتقادها لحنان وحضن أمها ..كانت الدموع تسيل من عينيها المسبلتين بحضن أمها بينما تميل برأسها على كتفها هامسة بمدى شوقها إليها وهي تفتح عينيها ببطء لتتجمد تماما وهي ترى تلك العينان الناظرتان لها بشوق ...عينان تنتميان لرجل كان لها الدنيا وما فيها ...قبل أن ينحر قلبها بسيف خيانته...ليتمرد قلبها شوقا إليه ...بينما ينهره عقلها رفضا له ليتشنج جسدها بتصلب استشعرته والدتها التي التفتت خلفها لتنظر لزوجها وهي تقول بنبرة تجمع بين حشرجة عواطفها الثائرة وحزما لا يقبل الرفض:
"آه لابد أن أبيك غاضب لأنني استحوذ عليك ولا أمنحه فرصة السلام عليك ...تعالى مسعد ..أقترب واحتضن صغيرتنا التي كبرت وصارت شابة جميلة" ...لتدفعها رغم تصلبها ناحية أبيها الواقف ناظرا لها بعيون مشتاقة لائمة حزينة ..لتشعر بيده تسحبها لصدره وهو يضمها إليه بقوة ..ورغم أنها لم ترفع يدها لتبادله العناق ..لكن كل حواسها تمردت عليها شوقا وتوقا إليه ..لتجد نفسها تغمض عينيها مختزنة بداخلها رائحته تاركة جلدها يستشعر قبلته على جبينها بقلب نابض ... بينما تطبق يديها بقوة مانعة إياهما من الالتفاف حوله ... كيف يمكن أن تشتاق إليه لتلك الدرجة ...تتوق لحضنه لهذا الحد ...تفتقده كما لو كانت لم تعرف عنه شيئا ...لم ترى بعينيها خيانته وغدره ...لتعود لذاكرتها صورته المترنحة وجارتهم سعاد بين يديه ..لتتصلب أكثر وتبتعد خطوة للخلف بنفور يبدو انه استشعره ..لأنه اسقط يده من حولها ...ليتراجع للخلف بينما يقول بهمس وصلها خافتا لدرجة أنها شكت بأنه تحدث فعلا : "آه يا صغيرتي ..كيف استطعتِ؟!"
لتتحرك معهم بآلية لتجلس على الأريكة الكبيرة محاطة بشقيقيها وتجاورهم رؤى وهم لا يكفون عن الهذر والحديث دون أن تنتبه لهم بينما تتساءل بداخلها بوجه مقطب :
"كيف استطعت أنا؟!! ..أم أنت يا أبي ...من منا أخطأ؟!! ...كيف تكون أنت من دمرني ...وتنظر لي بتلك الطريقة اللائمة ..كما لو كنت أنا من أجرمت بحقك لا أنت؟!"
لتنتبه لحظتها للحديث الدائر حولها ..لتقطب وهي تسمع إصرار خالتها وقسم زوج خالتها على بقاء أسرتها معهم بشقة ياسر وإلغاء حجز الفندق ...لتكون مفاجأتها الكبرى قول والدتها بحسم بعد تبادل نظرات غامضة مع أبيها أنهم موافقين وسيقيمون معهم لفترة بشقة ياسر ...لتلتفت لها أمها مكملة وهي تقول بلهجة آمرة "جهزي أغراضك تقى لتنتقلي معنا للشقة المقابلة ...بما أن ياسر سيعود للإقامة مع والديه هنا طوال فترة إقامتنا"
...لتنظر لأمها بارتباك وهي تقول بتهرب :
"لكن كيف سنقيم بها جميعا أمي ..لا يوجد بها سوى غرفة واحدة مجهزة أليس من الأفضل أن تبقوا بالفند..."
لتقاطعها خالتها وهي تقول بحماس:
"بل كلها مجهزة ..لقد أحضرنا اليوم صباحا غرفتي من شقة جدك ..كما اشترينا عبر الانترنت حجرة معيشة رائعة مزودة بأريكتين من تلك الأرائك الحديثة التي تتحول لأسرة عند النوم ...وهناك تلفزيون وثلاجة وكافة مستلزمات المعيشة ...وقد قضينا اليوم أنا والعمال وزوجة البواب بتجهيز وفرش وتنظيف الشقة ... أردنا أن تكون جاهزة لاستقبالهم منذ عرفنا بموعد عودتهم .. وقد جمعت حاجات ياسر كلها من هناك"
...لتكمل وهي تتجاهل نظرة تقى اللائمة لها لعدم إخبارها قبلا بكل ذلك ..
"أردناها مفاجأة "
لتقول بدمدمة نزقة وقد اسقط بيدها :
"ويا لها من مفاجأة "
لتتحرك باتجاه حجرتها أو ما كانت حجرتها حتى صباح اليوم ..ليوقفها صوت أمها وهي تقول بأمر :
" تقى أجمعي كل حاجياتك ..ولا تتركي شيئا ...لأنك لن تعودي لهنا ثانية "
ليسود صمت متوتر على الجميع بينما تلتفت تقى لأمها بوجل وهي تسألها بتخوف:
"لن أعود؟!!" لترد أمها بصوت بات:
"نعم ...فنحن سنقيم هنا مؤقتا حتى نشتري شقة ...فقد قررنا العودة الدائمة والاستقرار بمصر ...شقة جديك بعيدة وليست جيدة فمساحتها ضيقة والمنطقة التي بها لم تعد مناسبة ..لذا سنبحث عن شقة قريبا من هنا ...من ناحية تكون قريبة من شقة خالتك كشقتنا التي كنا نستأجرها سابقا ...ومن ناحية أخرى المنطقة هنا جيدة وهادئة وقريبة من مكان عملك "
دارات تقي بنظراتها بين الحاضرين فبينما لاحظت وجوم ياسر وهدوء والده وفرحة والدته الجلية ..وسعادة إخوتها ..رأت نظرة الترقب القلق بملامح أبيها ..لتعود لأمها فتجد ملامحها مغلقة لكن صارمة فتسألها بتردد بينما تزدرد لعابها بصعوبة :
"لكن ...ماذا عن مدارس إخوتي ..وعمل ..آآ ..أعني ..وظيفته ..لتعود لازدراد لعابها الذي جف بينما تجد صعوبة بلفظ كلمة أبي التي يكاد لسانها يتحرق شوقا لنطقها بينما يأبى عقلها تركه ..لتنهي أمها الموقف وهي تقول بينما تتجه إليها:
"أختك ستدخل الجامعة هذا العام لقد أنهت اختباراتها توا ...وكذلك إخوتك انهوا المرحلة الإعدادية ...بمجرد ظهور النتائج سيعود أبيك لإنهاء أوراقهم وتصفية كل أعمالنا وما لنا هناك وشحن كل شيء متبقي لهنا ..وحتى هذا الوقت نكون قد وجدنا الشقة المناسبة "
...لتسحب يدها باتجاه حجرات النوم وهي تقول :
"تعالي لأساعدك بجمع حاجياتك ...فقد تعبنا جميعا ..وآن أوان أن نستريح "
لا تدري لما شعرت لحظتها أن أمها لا تعني الذهاب للشقة المقابلة ...بل تعني أمرا آخرا يرعبها مجرد التفكير فيه..

-------------------
كانت تشعر بالأرق وعدم الرغبة بالنوم رغم تأخر الوقت ..مما دفعها للنزول والجلوس بالحديقة لبعض الوقت ..رغم برودة الجو بهذا الوقت من الليل ..إلا أنها شعرت بحاجة ماسة لاستنشاق هذا الهواء ..لعله يبرد تلك العواصف بداخلها ...تلك التي أشعلها حبيبها وزوجها سامح ...لتغمض عينيها ببسمة سعيدة وهي ترجع رأسها على ظهر كرسيها مستمتعة بالنسمات الباردة و الجو الهادئ والإضاءة الخافتة متذوقة كلمة زوجي بينما تتمتها بعشق وسعادة متمنية لو كان ما زال موجودا ليشاركها تلك الجلسة ...ليزداد احمرار وجنتيها وهي تتذكر ما حدث بينهما قبل خروجه العاصف ...فلفت يديها حول جسدها محتضنة إياه وهي تفكر في تلك المشاعر التي أثارها بداخلها ...تلك النغزات الحسية بالتوق التي اجتاحتها للمرة الأولى ..لكنها رغم ذلك ..ورغم مشاعرها الجارفة ناحيته يجب أن تكون أكثر حرصا معه ..وأكثر حزما حتى لا يتجاوزا الخطوط الحمراء قبل أوانها ...فسامح رغم كونه زوجها إلا أنها تعي أن العقد قبل الزفاف وإن منح للخطيبين حرية أكثر في التعامل والتلامس يجب أن لا يكون ذريعة لتخطي الحدود وتفعيل زواج لم يُشهر أمام الناس ...لقد رأت إحدى صديقاتها تقع بهذا الخطأ وتُفعل زواجها قبل حفل الزفاف لتحدث خلافات بين الأسرتين ويصروا على فصم العقد ويأخذ الشاب جانب أسرته لتكون فضيحة مدوية عند إعلان صديقتها أنها حامل ..فضيحة نالتها هي وأسرتها بأكثر مما نالت خطيبها رغم كونه شريكا لها بالأمر ..لكنها طبيعة المجتمع التي تحمل الفتاة دوما تبعات الخطأ ..
شعرت برغبة بالسير قليلا حول الحديقة عل النوم يداعبها ..فالجميع قد نام عداها ..وأولهم أمها ...لتفكر بضيق وهي تتحرك حول الحديقة بأمها وتصرفاتها التي تقلقها ناحية سامح ..فهي لم تكد تسعد بمعرفتها بقبول أمها لأمر خطبتها وعقد قرانها بسامح رغم استغرابها لهذا القبول ..وشعورها اليقيني بأن هناك سرا ما بين أمها وأخيها وخالد استطاعوا من خلاله الضغط عليها ...لكنها وللغرابة لا تشعر بفضول لمعرفة هذا السر ..أو ربما تشعر بخوف أن تعرف شيئا ما يؤلمها ..وهي حقا لا ترغب بمزيد من الألم يكفيها ما عانته سابقا ...لتعود بفكرها لأمها ...فهي رغم قبولها الظاهري إلا أن طريقتها بمعاملة سامح تقلقها ...فهي تتعمد اهانته والتقليل منه ..وأكثر ما يخيفها هو لحظة انفجار تكاد أمها توصل سامح إليها بأسلوبها هذا ...فهي الأدرى بطبيعة سامح النزقة واعتداده القوي بنفسه وأسرته ...ولو استمرت أمها على نفس النهج ..فسيكون الصدام حتميا ..وستوضع هي بالمنتصف ..وقد تجبر على الاختيار بينهما ...وهو ما لن تقدر عليه ...لتتوقف للحظات وهي ترتكن بكتفها للبوابة المغلقة بينما تبتهل بداخلها أن لا تصل الأمور لهذا الحد ...لتدير رأسها ناظرة للشارع بالخارج من بين فراغات الحديد المشغول على شكل تشابكات تتيح الرؤية خارج البوابة لتتسمر بوجل وهي تلمح تلك السيارة المتوقفة أمام الباب من الخارج على بعد بضع خطوات بينما يقف بجوارها هذا الرجل ذي الملامح المألوفة لها ..لتزداد وتيرة تنفسها بينما تدقق النظر إليه وتراه وهو يعتدل من وقفته المرتكنة لجسم السيارة بينما تلاحظ نظرته المتمعنة بها والتي استشعرتها رغم الظلام المحيط بالمكان ..لتتأكد منها وهو يقترب لدائرة الضوء أمام البوابة مباشرة حيث المصباحين المعلقين بجانبي البوابة يتيحان رؤية واضحة جعلتها تتراجع خطوتين للخلف بذهول بينما عيناها ظلت متعلقة بتلك العينان اللتان تشبها عينيها هي ..عينان لم ترهما منذ سنوات طويلة ..تحديدا منذ ستة عشر عاما وعشرة أشهر وثلاث أسابيع ..ما زالت تحسب الأيام منذ هجرها يوما بيوم ..وساعة بساعة لتنطلق صرخة ألم مكتوم من حنجرتها وهي تهز رأسها يمينا ويسارا كطير مذبوح بينما تسمع صوته يناديها بنفس نبرته القديمة :
"كيف حالك أميرتي "
كانت تنهت كما لو كانت بسباق للجري بينما تتسارع دقات قلبها وهي تنظر له تضم نفسها بيديها بقوة وهي تتراجع للخلف متمتمة :
"ماذا تريد ؟!..لماذا عدت ..اذهب ...عد من حيث أتيت ...لا أريدك ...لا أريد رؤيتك ..اذهب ...لا تعد "
ليأتيها صوته النادم يناديها بتوسل :
"صغيرتي ..أرجوك ...انتظري قليلا ...لن أقول لك سامحيني ...فقط قفي للحظات لأنظر إليك ..لأملأ عيني برؤياك "
لتصرخ بصوت جريح وعيون دامعة بينما تلتفت هاربة :
"لا ...لا أريد رؤيتك ..لماذا عدت ...لا تستحق أن تراني !! ..لا تستحق!! اذهب من هنا ..اذهب"
لتتركه خلفها واقفا متشبثا بأصابعه بحديد البوابة من الخارج ...بينما عيناه تدمع وهو يتابع هرولتها المتعثرة ..ويصله صوت صرختها الرافضة ..لينكس رأسه مغمضا عينيه الممتلئة دمعا يأبى أن يتحرر وهو يفكر نادما بأنه يستحق ... آه لو تعرف كم ذبحته نظرتها الجريحة اللائمة ...طفلته أميرته ...تلك التي تركها خلفه هاربا ...أترى كان الأمر يستحق هذا العذاب الذي يعانيه الآن؟ ..كيف استطاع أن يفعلها؟ ..كيف هانت عليه ؟ ..إن كان هو غير قادر على مسامحة نفسه ...فكيف يتوقع أن يسامحانه هما .. لتتحرر دمعة من عينه وتسيل على وجنته وهو يفكر أن صغيرته قد عُقد قرانها ...أميرته اقترنت برجل دون أن يكون هو وكيلها ..دون أن يقف كولي لها ...طعنه ألمت بصدره عندما أخبرته السيدة سمية بالأمر عندما هاتفها مخبرا إياها بعودته ..وطالبا منها مساندته في محاولة إعادة الوصل مع أبنائه ...لقد وعدته بالمساعدة ...رغم نبرة اللوم والتقريع بصوتها ..لكنها وعدته بالتدخل لصالح أن تجعلهم يقبلون التحدث معه ...وعليه هو فقط إقناعهما بأسبابه ومبرراته إن وجدت .. ليغمض عينيه ويميل برأسه مسندا إياه على البوابة بينما يحدث نفسه بقنوط :
"كيف سأقنعكما؟! ..أي مبرر بالدنيا يمكن أن أقدمه لكما لتسامحاني ...كيف أخبركما أن والدكما لم يكن أكثر من وغد ضعيف جبان ...خائن!!!"
---------------------

يدور بحجرته التي كان من فترة قريبة غاضبا لتركها ...حسنا ليست حجرته تماما فربما المكان هو نفسه لكن الأثاث بل والروح والرائحة مختلفة ...ليجد نفسه يتمدد بكامل ملابسه على الفراش ...لتضربه رائحتها المحببة فيجد نفسه يستدير برأسه غامرا أنفه بالوسادة التي تحمل عبقها ليستنشقه بعمق ... لينتبه لما يفعله فيعتدل سريعا كما لو كانت لدغته حشرة سامة وهو يمسح وجهه بيديه ويهتف لنفسه بخفوت حاد :
"ماذا أفعل ...اللعنة ...ماذا جري لي..ماذا فعلت بي تلك الوقحة الصغيرة...لماذا شعرت بالرفض والنفور لفكرة مغادرتها بيتنا ..لقد كدت اهتف بالرفض وأنا اسمع خالتي تخبرها بان تجمع كل حاجيتها لأنها ستغادرنا ولن تعود للعيش معنا ثانية...لابد أنني جننت .. ليفكر بداخله ..ألم يكن هذا ما تتمناه ...ألم تهتف وتعلن وتتشاجر مرارا رفضا لوجودها المستحوذ على حياتك وحياة أمك ...فلماذا لا تسعد بمغادرتها ...لماذا هذا الغضب والرفض للفكرة ... ليمرر يديه بشعره وهو يغمض عينيه باستسلام معترفا لنفسه بما لم يعد قادرا على نكرانه ..أنه يحبها !!!!! نعم ...لا يدري كيف ..أو متى ...أو لما ....تلك الوقحة التي اقتحمت حياته بلا إنذار ...لكنه رغم ذلك لا يطيق فكرة بعدها عنه ...لن يحتمل مجرد التفكير باختفائها من أمامه ولو كان لمجرد السكن ببيت آخر ..حتى لو كان سيراها بالعمل ...فلن يكفيه ...يريدها معه دائما ... يريد أن يهددها صباحا بتركها تذهب بالمواصلات أن تأخرت كالعادة ..دون أن ينفذ تهديداته أبدا بل فقط يستمتع بنزقها وشجارها معه وهي ترد تهديده بأنه لو فعلها ستشكوه لأبيه...يحب أن يستمتع باحمرار وجهها غضبا وهو يغيظها حول كمية الطعام التي تلتهمها عند الغداء بينما ترد بنزق وفم ممتلئ أنها جائعة وان رئيسها لا يدع لها حتى الوقت الكافي لتذهب لاستراحة الغداء أو تشرب شيئا أثناء العمل بعكسه هو ...يحب تلك الغمازة الصغير والتي لا تتوسط خدها كمعظم من يمتلكون غمازات ..بل هي بجانب ذقنها الأيمن تظهر عندما تكتم ضحكها أو غضبها وتضغط على نواجذها فيجد عينيه تتعلق تلقائيا بها كما لو كانت تسرق نظراته رغما عنه ..وكم يحب إغاظتها ليرى تلك الغمازة ..ارتمى بجزعه على الفراش بينما ظلت ساقيه على الأرض يعيد دفن وجهه بالوسادة وهو يتأوه هامسا بداخلها :
"آه ...يبدو أنك أوقعتني بحبائلك رغما عن انفي يا ابنة الخالة ...ولن أكون ياسر أشرف إن تركتك تهنئين بقلبك الخالي دون أن أقيده لي كما قيدت قلبي لك ..فالعين بالعين ..والقلب بالقلب ...وقد أصبح إبقائك لي دائما هدفي القادم ..حتى لو قضينا باقي عمرنا نتشاجر معا ونعاند بعضنا ..فمجرد وجودك معي حتى ولو ظللنا بحالة حرب ..هو حياه .. وما أجملها من حياة بطعم المشاغبة يا سَمية أمي "
لينقلب على ظهره معتدلا ويرفع ساقه متمددا وهو يناظر السقف مفكرا ..كيف يأسر تقى الصغيرة ..فلا تغادر بيتهم أبدا؟!!
------------------------
كان يعبث بشعرها وهو نصف مستلقي بالفراش ... بينما تنام على صدره وهو يتحدث بهاتفه باسما ..يشعر بالراحة والاكتفاء كقط متخم تناول وجبة مشبعة .. أعاد اعتذاره لآسر لاضطراره المغادرة بسبب تعب زوجته ...و مؤكدا عليه أنه سيتناول عشائه معهم غدا و لن يقبل بالرفض... وأن أمه ستغضب منه إن لم يحضر فهي مشتاقة إليه ....كما انه يريد التحدث معه بعدها بحرية بموضوع هام يخص عمل مشترك بينهما ...ليضحك بخفوت وهو يرد على مزحة قريبه حول كون العشاء رشوة مقنعة لاستغلاله بعدها في أغراض مهنية دون أن يجرؤ على الرفض بعد تناول طعام زوجة عمه اللذيذ.. ليغلق خالد بعدها الهاتف بعد أن اتفق معه على الموعد ...ليتلفت بعدها لتلك الناظرة لوجهه بشغف وحشرية كعادتها عندما تلتقط أذنها سيرة العمل ...ليتجاهل نظراتها الفضولية بمكر وهو ينزلق بالفراش ضاما إياها لصدره لتسأله بفضول عن من كان يتحدث معه فيجيبها موضحا:
"إنه آسر الراوي ..والده ابن عم والدي "
لتنظر له بفضول سائلة باستفسار:
"حقا!! ...غريب لم أره سابقا ..أو تحدثني عنه ..ظننتني قابلت كل أقربائك"
ليرد عليها موضحا بينما يده تمسد شعرها بحنان :
"آسر نصف أمريكي ...والدته أمريكية تزوجها عمي بعد أن هاجر واستقر هناك ..كان خبيرا بالكيمياء الحيوية ... وقد نجح وعين هناك بواحدة من أهم واكبر مراكز الهندسة الوراثية ...وزوجته كانت أيضا زميلته بالعمل ... وفي الواقع كانت العلاقة بيننا محدودة لحد ما ...فعمي زيد والد آسر لم يكن ينزل مصر إلا قليلا ..ونحن أيضا لا نزور أمريكا كثيرا ...فلا أعمال لنا هناك ...معظم أعمالنا تتركز أكثر بايطاليا ...لكني في فترة ما بعد الجامعة أقمت بأمريكا لفترة عدة أشهر درست بها بعض برامج إدارة الأعمال..ووقتها ازدادت معرفتي بآسر وتوطدت أكثر خاصة وأننا بنفس العمر تقريبا أنا أكبره بعام واحد ...وقد جاء بعدها بفترة وأقام معي هنا بمنزلنا لعدة أشهر كان راغبا وقتها بالتعرف على بلاده عن قرب ...لكن العلاقات بيننا عادت للتباعد مع انشغال كلا منا بحياته وأعماله دون أن تنقطع تماما ..فدوما حافظنا على استمرار التواصل ولو بشكل متباعد ...آسر حاليا يشغل منصبا هاما ...حيث انه أحد المسئولين والمساهمين بواحدة من اكبر سلاسل الفنادق العالمية ...هو من يدرس الأسواق الخارجية ويضع خطط التوسعات للأفرع الجديدة للسلسلة وقد فكرت أن أحاول إقناعه بأن ينشئ فرعا لفنادقه لدينا بالمشروع ...لو أقتنع ووافق فستكون ضربة موفقة من عدة نواحي ...فمن ناحية ستوفر لنا سيولة كبيرة نتيجة المبلغ الذي سنحصل عليه من التخصيص ...ففي جميع الأحوال كان هناك بالمخطط الأصلي مساحة كبيرة مخصصة لإنشاء فندق كبير لكن بدلا من مجرد فندق عادي مهما كان جيدا ..سيكون فندقا عالميا له اسم عملاق وأيضا وجود هذا الفندق سيرفع من قيمة المشروع و قيمة الوحدات السكنية به ويجعل الإقبال عليه يتزايد خاصة من المستثمرين ورجال الأعمال "
لتلتمع عيناها إعجابا وهي تعتدل هاتفة ...فكرة رائعة ...أحسنت خالد " ليبتسم لها بمحبة بينما بقول باعتراف:
في الواقع الفكرة ليست لي ...لقد كانت فكرة مدحت ...هو من اقترحها علي من يومين عندما كنت بزيارته وهاتفني آسر ليخبرني أنه قادم بزيارة عمل لمصر لاختيار موقع جديد لفنادقه وسيبقى لفترة ويرغب بلقائي .. وما أن أنهيت المكالمة حتى وجدت مدحت الذي استمع للحوار يقترحها علي ...ليقول ببسمة ساخرة ..يبدو أن الحادث قد أعاد برمجة عقل ابن عمتي ليعمل بكامل كفاءته وذكاءه "
ليلتفت مغلقا الإضاءة الجانبية لتغرق الغرفة بجو حميمي بينما لم يعد يضئها إلا أضواء حمراء صغيرة موزعة بسقف الحجرة تنشر ضوءا خافتا و تعطي الحجرة أجواء حالمة ..ليشعر بحركة أصابعها على صدره وهي تحركها بإغواء لتزداد ابتسامته اتساعا دون أن تراها بينما يسمعها تقول بصوت متردد يحمل رنة دلال :" حبيبي ؟!" ليرد بمكر:
"نعم هموس " لتتردد لثواني بينما ينتظر هو طلبها الذي يتوقعه:
" ما رأيك بأن أعود للعمل معك بدءا من الغد ...الم تفتقدني معك بالعمل ؟!"
ليرد علبها بتلاعب مقصود:
"أممم بالواقع ...لا عزيزتي ...فضغط العمل كبير حاليا لم يترك لي وقتا للشعور بافتقادك ..كما أنك لم تعودي تعملين معي بعد الآن ..لقد أصبحت ربة منزل ..مهمتها الاهتمام بزوجها وطفلها الذي أوشك على القدوم"
لتنتفض جالسة بينما تربع يديها و تزم شفتيها بغضب كطفلة ..ليظل ناظرا لها بابتسامة ساخرة للحظات قبل أن يسمعها تقول بنزق غاضب :
"هكذا خالد ...لم تفتقدني !! حسنا كما تشاء ...لتصمت للحظات أخرى وهو ينظر لها منتظرا ومتوقعا القادم وكالعادة لم تخيب صغيرته ظنه وهي تلتفت إليه بانفعال وتضربه على صدره وهي تهتف :
"خالد أنا ارغب بالعودة للعمل ..أنا لا أطيق البقاء بالمنزل ...أرجوك أعدني للعمل ..أنا آسفة ..لن أكرر ما ضايقك مني ...لكني أريد العودة لعملي " ليتهدج صوتها مع آخر كلمة لتجهش بالبكاء فيعتدل بسرعة منهيا تلاعبه بها وهو يضمها بحب ضاربا رأسها برأسه برقة بينما يقول لها بحنان :
"أيتها الحمقاء الغبية ...العمل بدون وجودك فقد روحه وبهجته .. مكانك سيظل دوما محفوظا لك وبانتظارك لا أحد يعوضه أبدا ...لكن ..لتستريحي قليلا ..فأنت حامل وبحاجة لمزيد من الراحة و..."
لترتمي عليه تنشر قبلات فرحة على صدره وترفع وجهها لتغرق وجهه بالمزيد بينما تقاطعه هاتفة بسعادة :
" أنا بخير ...بل بأفضل حال ..وسأكون أفضل وأفضل عندما أعود للعمل معك ...أرجوك حبيبي ...أرجوك خالد ...أرجووووووك"
لينظر لها بعشق وهو يمسك كتفيها بين كفيه ويميل بها للفراش قائلا بشغف :
"حسنا أيتها المشاغبة المتلاعبة ...من غد ستعودين للذهاب معي للعمل ...لكن سنعيد توزيع المهام وتخفيف أعبائك بما يتناسب وحالتك" ...ليقاطع هتافها الرافض بقبلة متلهفة ..أعادتهم لعالمهما الخاص الذي غادراه منذ أقل من ساعة ..عالم لا يشاركهما به أحد ..حيث لا وجود لأي شيء سوى عشقهما وشغفهما المتبادل ..حيث تمتزج الأرواح قبل الأجساد ..و ينهلان من بحر حبها بلا اكتفاء ..

-------------------------
أصر أكرم أن يعود والده وسامح للمنزل ويبقى هو وهند بالمشفى خاصة مع إصرار الأخيرة على عدم الذهاب رغم منع الزيارة ...لتؤيد هند طلبه و تصر على الحاج محمد أن يعود ليطمئنها على إخوتها ويكن بجوارهم مع الخالة زينب ... وبينما يتجه سامح ووالده للخارج نادى أكرم على أخيه مقتربا منه ليقول له بخفوت :
"سامح أخلع الجاكت الذي ترتديه وأعطني إياه:
ليرفع سامح حاجبه بسخرية وهو يقول برفض:
"ماذا ؟ لماذا؟!! أتريد أن تلوث لي جاكتي الجديد بارتدائه فوق ثيابك الممتلئة بالدماء ...ثم أتريد أن تدفئ أنت وأبرد أنا ...أنسى الأمر ..لن أعطيك إياه ... المشفى دافئ بالداخل ...بينما أنا سأعود بهذا الوقت المتأخر والجو بارد بالخارج ...وغدا صباحا قبل ذهابي لعملي سامر عليك واحضر لك ملابس نظيفة إن شئت ...ليزم أكرم فمه ويقول من بين أسنان مطبقة غيظا :
"سامح كف عن سماجتك ..فليس هذا وقتها ..لا أريد الجاكت لي ...بل لهند ..فبلوزتها خفيفة وغير مناسبة ...ألا يكفي أني سأتحمل مضطرا أن ترتدي زوجتي ملابس تخصك ...لا تزد الأمر لأن لي رغبة كبيرة بلكمك الآن كلما فكرت أنها سترتديه مكانك "
ليزداد ارتفاع حاجب سامح حتى كاد أن يلتصق بشعره بينما يضرب كفا بالآخر وهو يقول بتعجب:
"وما دام الأمر يضايقك هكذا فلم تجبر نفسك أيها المسكين؟!! ...الجو دافئ هنا ...وغدا احضر لها شيئا من عند أمي أو من ملابس همس المتبقية بالمنزل ..ودع جاكتي المسكين وشأنه فلم اهنأ به بعد أنها المرة الأولى التي أرتديه ..أردت التأنق لزيارة حماتي أخذها... أقصد حفظها الله "
بعكس أبيهما ...لم ينتبه أكرم لزلة اللسان المقصودة من سامح بينما يقترب منه ساحبا الجاكت بحدة ونازعا إياه من عليه ...ليرتديه هو بسرعة ..بينما ينظر له سامح متعجبا وهو يعيد ضرب كفه بالآخر سائلا:
"ألم تقول أنه لهند ...لماذا ارتديته أنت "
ليرد عليه أكرم قائلا ...حتى يأخذ دفئ جسدي أنا لا أنت قبل أن البسها إياه " ليهز رأسه محييا أبيه ويستدير عائدا لهند تاركا سامحا على ذهوله بينما يصله صوت ضحكة أبيه
ليستدير سامح لأبيه قائلا:
"ابنك جن أبي ...يا خسارة جاكتي الجديد ...هي ليلة سوداء من أولها بدئت بعشاء من مشتقات الطحالب ايطالية الصنع وانتهت بخسارتي ملابسي الجديدة "
لينظر له والده بجانب عينه وهو يجاوره في طريقهما لإيقاف سيارة أجرة تعيدهما للمنزل بينما يسأله عن عشاء الليلة وكيف أصبحت علاقته بحماته :
ليزفر سامح بضيق وهو يشتكي لأبيه من تلك السيدة المتكبرة وطريقتها المتعالية بالتعامل معه ..وكيف أمسك نفسه بالقوة من الرد عليها وإيقافها عند حدها لأجل خاطر ماهي ...لينهي حديثه بضيق وهو يهتف متوعدا:
"لكني لن احتمل طريقتها هذه لأكثر من ذلك ..إن استمرت على أسلوبها هذا فأقسم أن أقطع صلتي بها بعد إتمام الزواج ...بل سأمنع ماهي من رؤيتها إن استمرت بتلك التجاوزات بحقي "
ليطرق والده قليلا بينما يقفا متجاورين على الرصيف الأمامي للمشفى بانتظار مرور إحدى سيارات الأجرة النادرة التواجد بهذا الوقت من الليل ..ليرفع بعدها رأسه ناظرا لسامح بلوم وهو يقول بخيبة أمل:
"يا خسارة تربيتي بك ..أهكذا أنشأتك .. أن تكون قاطع رحم ..أتريد أن تجبر زوجتك على ارتكاب ذنب هو من الكبائر ..ألا تعرف أن الرحمن أمرنا بصلة الرحم التي هي من أسمه سبحانه ..ونهانا عن قطعها ...وليست أي رحم ...بل الأم ..من وصانا عليها الله ورسوله ...ليحمر وجه سامح خجلا وهو يقول مبررا بتلجلج :
"لكن أبي ..أنا لا أريد ..ليس متعمدا ...إنها السبب ...فهي..."
ليقاطعه أبوه بغضب وحدة:
"صه ...لا يوجد سبب بالكون يكون مقبولا لما تريد فعله ...أتقبل أن يخير خالد أختك همس بيننا وبينه ..أتقبل أن يمنعها عنا لأي سبب "
ليرد بدفاع:
"أبي خالد لا حجة له ولا يمكن أن يفعلها ...فنحن نعامله كواحد منا بينما تلك السيدة تعاملني كما لو كنت ابن البطة السوداء"
ليشيح أبيه بيده رفضا وهو يقول :
"لا يوجد سبب أو مبرر أيا كان لما تقول ...مهما فعلت تظل أم زوجتك ...راعي أنها سيدة كبيرة كأمك ...راعي أنها من وسط مختلف وكانت تتمنى لابنتها من هو أفضل حسب معاييرها حتى لو كانت خطأ ... فهي تفعلها بدافع الحب لأبنتها .. وتمني الأفضل لها...وراعي أيضا أنها يوما ما بإذن الله ستكون جدة لأبنائك..ويجب أن تحتملها وتحترمها " ليرفع يده لكتف سامح مربتا عليها وهو ينصحه :
"بني لو وضعت زوجتك بهكذا اختيار بينك وبين أمها فستكون خاسرا بالحالتين ...فإن هي فضلتك على أمها فستعيش حزينة مكسورة وينعكس الأمر على حياتكما سلبا...وإن رفضت خسرتها وخسرت قلبك معها بعنادك ... لا تضع أمها بينكما ..وحاول أن تتجاوز وتتجاهل ما تقول تلك السيدة مهما كان ...عاملها بالحسنى واحتملها لأجل خاطر ابنتها ...ويوما ما ستكسب قلبها بالمودة والمعاملة الحسنة ... الكلمة الطيبة بني تلين اقسي القلوب مهما طال الزمن "
لينتبه لحظتها لعربة أجرة مقتربة فيشير لها ويركب بينما يجاوره سامح الذي قال لأبيه بنبرة مسترضية :
"حسنا أبي سأحاول الاحتمال ...واعدك أن لا أضع ماهي أبدا بيني وبين وأمها ..ليضيف بهمس غير مسموع بينما تنطلق السيارة.. ولو أني واثق أن رقية لن تلين أبدا ..فكل كلمات العالم الطيبة لن تؤثر ببنت سلطح باشا تلك "
---------------------
بعد ذهاب والده وسامح عاد ليجلس بجوارها على الكراسي الضيقة والغير مريحة بطرقة هذا المشفى الحكومي ..ولولا مهنته لم يكن ليسمح لهما بالبقاء بها بهذا الوقت خاصة مع منع الزيارة عن حسين ...وما أن مرت فترة كافية لتتشرب الجاكت دفئ جسده حتى خلعه عنه ولفه حولها وهو يقول برجاء:
"ارتديه هند ..الجو بارد عليك ...وملابسك خفيفة"
لتنظر له بحرج ..وهي تقول بتردد:
"لكن أنت ستبرد ..لقد رايتك تأخذه من سامح ...لابد انك تشعر بالبرد "
ليهز رأسه نفيا ويخبرها أنه أخذه لأجلها ويوضح سبب ارتدائه له ...لتحمر خجلا بينما تنظر له بضعف ...ليقترب منها مقبلا جبينها بعد أن تأكد من خلو المكان حوله ويلف الجاكت حولها دافعا إياها لإدخال يدها بأكمامه بينما يقول لها بخفوت :
"لن نتحدث بشيء الليلة ...وغدا يوم آخر ...سنتحدث كثيرا بعد أن نطمئن علي حسين بإذن الله ..بعد أن ارتدته لفها بذراعه ليقربها منه لتستند برأسها على كتفه بينما يقول بمهادنة ..حاولي أن تنالي غفوة لبعض الوقت"
كانت مرهقة جسديا ومستنفذة عاطفيا لدرجة منعتها من المجادلة أو الابتعاد ...فهي بحاجة لهذا التواصل ...بحاجة لدفئه لتحتمل مرور الساعات القادمة فاستكانت برأسها مائلة على كتفه لتغرق بغفوة وهي جالسة على كرسيها الغير مريح ..وما أن شعر أكرم بثقل أنفاسها دلالة على نومها ...حتى مال قليلا ناحيتها بينما يشد كتفها بيده وأسند رأسه على رأسها المستند عليه ليغرق بغفوة هو الآخر بينما يشعر بنسيم أنفاسها الدافئ يضرب عنقه ليشيع بداخله إحساس بالراحة والدفء جعل البسمة ترتسم على شفتيه رغم التعب ....

---------------------------------

انتهت من ترتيب ملابسها بالحجرة التي كانت لياسر حيث ستشاركها مع رؤى التي غرقت بالنوم على الفراش فور ولوجهم للحجرة من شدة الإرهاق بعد عناء السفر ...بينما أخذ والداها حجرة خالتها ... وشقيقاها تشاركا الحجرة ذات الأرائك التي تتحول لأسرة وقد أحباها كثيرا ...ما أن دلفت للفراش حتى تذكرت أن الغد هو يوم الجمعة ولن تحتاج للذهاب للعمل ورغم أن الأمر جيد فهي تشعر بأنها مستنزفة لدرجة لن تمكنها من القيام بأي عمل ...إلا أنها بالوقت نفسه تشعر أن بقائها بالمنزل لن يكون خيارا صائبا ...فهي وان استطاعت تجاهل أبيها طوال الساعات الماضية لتواجدهم مع أسرة خالتها ...فهي لن تستطيع تجاهله وهم معا هنا ...لتزفر بضيق بينما تفاجأ بأمها تدخل عليها الحجرة بوجه متجهم بينما تقول بخفوت حازم وهي ترمق رؤى لتتأكد من نومها:
"بدئا من غد ...ستتعاملين مع أبيك بالاحترام اللائق ..لن تتجاهليه كما فعلت اليوم ...وإياك يا تقى أن تقللي من احترامه ثانية ...لن اسمح لك بإهانته ..وان كنت تغاضيت عن تباعدك وأسلوبك المتجاهل له طوال السنوات السابقة ...فقد انتهى الأمر ..وآن أوان أن تعودي لعقلك ..وتحسني معاملتك أبيك بما يستحق وبما يجب على كل فتاة تجاه أبيها "
لتنتفض تقى واقفة لتقترب من أمها بينما تقول بغضب وحدة ...أنا لم أفعل له شيئا ولم أكن أنا من أهانته ...أنت لا تعرفين شيئا ..أنا"
لتقاطعها أمها بصوت حاد غاضب رغم انخفاضه:
" بل أنت أيتها الغبية الحمقاء من لا تعرفين شيئا ..ولن اسمح لك بأي كلمة مسيئة لأبيك"
لتزداد حدة غضب تقى فتقول بتهور :
"أنت لا تعرفي ماذا فعل من ورائك ومع من ...هذا الذي تدافعين عنه قد خا..."
لتقطع الكلمة قبل أن تكملها وهي تضع يدها على فمها بذعر بينما تنظر لأمها بوجل لتجدها تناظراها بسخرية مريرة وهي تقول:
"ماذا ؟!!أكملي ...خانني.. أليس هذا ما كنت ترغبين بقوله ..انك رأيته يخونني مع سعاد جارتنا هناك يوم كنت أبيت مع شقيقيك بالمشفى عندما أجريا عملية استئصال اللوزتين "
لتنظر لها تقى ذاهلة وهي تردد بعدم تصديق :
"يا الهي ..أنت تعرفين؟! ...كنت تعرفين وبقيت معه ..كيف؟!! ومنذ متى ..ولماذا؟"
لتنظر لها أمها بهزأ بينما تقول بتنهيدة تحمل مزيجا من غضب وسخرية مرة:
"ألم أخبرك أنك حمقاء غبية لا تعرف شيئا !!...لتعطيها ظهرها متجهة للباب بينما تضيف بخفوت:
"لا تحكمي دوما على ظواهر الأشياء ...كثيرا مما تراه عيوننا لا يحمل الحقيقة التي نظن أنفسنا عرفناها يقينا ...بل يكون بعض ما رأيناه أبعد ما يكون عن الحقيقة واليقين ...لا تشغلي بالك الليلة بشيء ...جميعنا بحاجة للراحة ..لتنامي الآن وسنتحدث فيما بعد ...لكن ليس بوجود إخوتك ...فإياك أن تشعريهم بشيء"
لتغلق الباب خلفها تاركة ورائها فتاة تتخبط بحيرة وذهول و قد فارقتها رغبة النوم تماما...
----------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 07-10-18, 09:20 PM   المشاركة رقم: 30
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الخامس والعشرين

سمعت أصوات الآذان تصدح معلنة قدوم فجر يوم جديد لتتقلب في سريرها بضيق ناظرة ببعض الحسد لشقيقتها النائمة بعمق بينما قضت هي ليلة أرقة لم تستطع أن تنال بها أي قسط من النوم وهي تفكر بكلمات أمها ...يكاد عقلها ينفجر ألما من شدة التفكير والحيرة ..وما أن سمعت حركة بالخارج حتى خرجت متلهفة تتمنى أن تكون أمها هي من استيقظت حتى تسألها ..تحتاج للفهم ..تحتاج لمعرفة ما تعنيه ..كيف يمكن أن يكون ما رأته بعينيها خطأ ؟!!..كيف تعرف أمها بالأمر؟!! ..أيكون أبيها أخبرها وغير بالقصة وأقنعها بحجة ما؟ ..خوفا من أن تخبرها هي!! ...وإن كان الأمر كذلك لما لم تخبرها أو تسألها ؟!!...
ما أن فتحت الباب بنزق بعد أن تعبت من شدة التفكير والحيرة حتى تسمرت وهي ترى أبيها خارجا من الحمام ينزل أكمامه المرفوعة ويرتل بعد الأذكار بصوت خافت ..ما أن رآها حتى صمت ناظرا لها بعيون ممتلئة بمزيج من المشاعر التي أربكتها ... رأت بعينيه لهفة شوق كما رأت حزنا ..ألما وشيئا آخر لم تستطع تفسيره ..ليأتيها صوته منخفضا يقول بهدوء مترقب:
"صباح الخير صغيرتي ...ما أيقظك باكرا هكذا "
ازدردت لعابها باختناق دون رد ...لم تستطع أن تجيب عليه ..لم تستطع حتى أن تظل ناظرة لوجهه .. يتنازعها رغبة في الارتماء بحضنه ورغبة لا تقل عنها في الصراخ عليه في اتهامه بخيانتها في سؤاله عن السبب ..ليأتيها صوته مشبعا بخيبة الأمل وهو يقول :
"لا بأس... سأنزل للحاق بصلاة الفجر ...واحضر عند عودتي خبزا ساخنا وبعض الأشياء للإفطار ...أترغبين بشيء ما احضره لك؟!! لم ترد عليه ليستطرد هو متجاهلا صمتها
"أعرف حبك لأقراص الطعمية الساخنة ..سأحضر لك منها وأنا قادم"
ليتحرك بسرعة باتجاه الباب بعد أن وضع محفظته بجيب جلبابه الأبيض الخاص بالصلاة ويغلق الباب خلفه بهدوء بينما تلاحقه عيناها المليئتان بدموع سمحت لها بالهطول مع صوت إغلاق الباب خلفه ..لتنتفض على صوت أمها وهي تقول بصوت خافت حازم:
"تقى الحقي بي بهدوء للغرفة ..سنتحدث قبل أن يستيقظ إخوتك .. وليسامحني الله لأني لن أوقظهم للصلاة بموعدها"
لتتجه للحجرة التي تتشاركها مع أبيها وما أن لحقت بها تقى حتى التفتت لها أمها قائلة بأمر:
" أغلقي الباب وتعالي لتجلسي بجواري على الفراش فلا أريد لصوتنا أن يعلوا أو يسمع احد إخوتك شيئا مما سنقول إن استيقظوا "
أغلقت تقى الباب واقتربت بوجل ...وداخلها ينتفض بخوف وهي تشعر أن القادم سيكون مهول ..وأنها على وشك كشف أمور لا تدري إن كانت راغبة بمعرفتها حقا ...أم لا!!!
ازدردت لعابها بصعوبة وهي تجلس بجوار أمها الناظرة لها بوجه مغلق وملامح تجمع بين الغضب والإشفاق ..قبل أن تفاجئها بسؤال أربكها :
"تقى هل يمكن أن تنسي ما رأيته قبل أن تنقلبي على أبيك وتخبريني رأيك فيه قبل هذا الموقف الذي رأيته به ؟؟ صفي لي أباك مسعد كما كنت ترينه قبلها "
لتنظر لها تقى بحيرة وارتباك وهي تقول بتردد خاصة مع ملامح العزم والتصميم بوجه أمها على سماع الإجابة:
"كان الأب الأفضل "... لتصمت قليلا عائدة بذاكرتها للخلف ...وهي تضيف ...في الحقيقة هو كان في طفولتي وقبل حادثة وفاة جداي وأعمامي ..الأكثر مرحا وحنانا ...كان دائم الضحك واللعب معنا ...دوما يجالسنا يستمع لنا ...بيوم الإجازة يحقق لنا ما نريد من نزهات للملاهي والمطاعم المفضلة لنا ...خاصة أنا... لم يكن يرفض لي طلبا .. أما بعد حادثة سقوط منزل العائلة ..انزوى عنا ..وقتها أنت أخبرتني انه حزين لفقدان عائلته ...ورغم صغري لكني تفهمت الأمر وأنا أتخيل أن أفقدكم جميعا ...وكنت أحاول التقرب منه ..كان يضمني وينظر لي بعيون دامعة ويقبل رأسي دون كلمات لكنه كان دوما حزينا صامتا ..ظل كذلك عدة أشهر ...بعدها عاد للحديث معنا ...لكنه لم يعد تماما كما كان ..كان يستمع لنا ...يحنو علينا ...يحاول أن ينفذ لنا ما نريده ...لكنه أصبح أكثر تباعدا ...لم يعد يضحك ...حتى أثناء جلوسه معنا ..كنت اشعر به شاردا كما لو كان جسده معنا و روحه بمكان آخر ..وبعد فترة أصبح جلوسه معنا محدودا جدا .. معظم الوقت الذي يكونه بالبيت يقضيه بحجرة مكتبه وحده ...يغلق عليه ويمنع أيا كان من الدخول أو حتى الطرق عليه .... لتقطب بغضب وهي تقول :
"وقتها ادعى أن الأمر بسبب عمله وزيادة مسؤولياته واحتياجه للتركيز ..وأنت أكدت على الأمر وأمرتنا بالابتعاد تماما عن حجرة المكتب وعدم الاقتراب منها طوال وجود أبي بها مغلقا بابه عليه"
...لتنظر لأمها باتهام وهي تضيف:
"لم أتخيل أن العمل الهام هو شربه للخمر ..وهو ما يبدو انك كنت تعرفينه لذا أبعدتنا عنه حتى لا نكتشف الأمر "
ظلت مها تنظر لتقى للحظات ..تتفهم نظرة اللوم بعينيها ...كيف لا وهي نفسها تلوم نفسها ...تلوم تخاذلها عن مساندة زوجها ..اكتفائها بالصمت والابتعاد ملتهية بأبنائهم وعملها وهي تراه يدمر نفسه ..تشاهد حالته وتباعده يوما بعد يوم وتكتفي ببعض الاعتراضات الجوفاء.. أو ادعاء الغضب و الخصام على أمل أن يعود لحالته ..كانت تمني نفسها بأن الوقت سيخفف ألم الفقد والحزن لديه ...وسيعود لنفسه ولهم بعد انقضاء فترة من الزمن ...أوليس الحزن يبدأ كبيرا ويصغر مع الوقت ...لم تعرف أن بداخله نيران ذنب تأكل دواخله ببطء ..تمنعه النسيان ..وتحرمه الراحة ..وتقتات على روحه حتى كادت تقضي عليه وعليهم ..لتغمض عينيها للحظات قبل أن تفتحهما ...فقد انتهى عصر السلبية وترك الأمور على علاتها لتحل نفسها ...فقد تعلمت أن لا شيء يحل نفسه بنفسه دون محاولة منا ... دون مواجهة ..دون حسم ...دون علاج لأصل المشكلة لتقول لابنتها بحزم:
"اسمعي سنبدأ من البداية حتى تفهمي ...أباك كان شديد التعلق بأبويه وأخوته ...تعلقا كان يسبب لنا مشكلات أحيانا لتفضيله لهم دوما ...كان يرسل لهم نصف ما يكسبه من عمله رغم اعتراضي ..كان يقدم طلباتهم على كل شيء معتبرا أن هذا حقهم عليه ...ورغم انه لم يكن الأكبر الملزم بهم ..ولا حتى الأصغر المدلل ..بل كان الأوسط ..لكنه دوما كان الأقرب لهم ...بالإجازة التي سبقت حادثة سقوط بيتهم ..طلب منه أبيه أن يرسل لهم مبلغا كبيرا لبناء دور إضافي لأخيه الأصغر ليتزوج به ...ورغم أن أبيك اعترض بأن البيت قديم جدا وأنهم بالفعل أضافوا له دورين لأخيه الأكبر وابن عمه ولن يحتمل البناء المزيد ...وأن بإمكانه أن يرسل له مبلغا يدفعه كمقدم لشقة بمكان آخر ..فحالة البيت لن تتحمل ...لكن جدك غضب منه وثار عليه متهما إياه بمحاولة التنصل من مساعدة أخيه ..متخذا زواجنا بشقة خارج بيت العائلة وهو ما كان شرطا لي للموافقة وإتمام زواجنا كوسيلة ضغط عليه بأنه يكفي أنه هجرهم واتبع كلام زوجته التي هي أنا وابتعد عنهم وغير ذلك من الكلمات التي تهدف لإشعاره بالذنب "
كانت عيناها غائمتان بذكريات الماضي لتنظر لوجه تقى الصامتة بإنصات لحديثها لتضيف بحزن :
"لم يكتفي جدك بجعله يعده بإرسال المال ...بل طلب منه قبل أن يسافر أن يذهب للمسئول عن تراخيص البناء بالحي وجعله يمنحهم ترخيص إضافة الدور الجديد ..ولما اخبره أبيك باستحالة الأمر خاصة أن القانون لن يسمح مع قدم البناء وعدد الطوابق المضافة مؤخرا بالمخالفة للتصريح الخاص بعدد الأدوار بالشارع الضيق ..أصر جدك أن يقوم أبيك بالتصرف فإن لم يعطه الترخيص فعلى الأقل ...يدفع له حلوانا يجعله يغض الطرف عن قيامهم بالبناء ولا يعرقل الأمور لهم "
لتنظر لها وهى تبتسم بألم ساخر وهي توضح:
"وطبعا الحلوان هو اسم لطيف ومقنع للرشوة ...حتى يغض الطرف عن المخالفات ...ورغم كره أبيك للأمر ورفضه ..إلا أنه كالعادة رضخ لضغوطهم وذهب للرجل وأعطاه مبلغا من المال ليغض الطرف عن الأمر ...ولم يخبرني وقتها شيئا ..فهو كان يعرف مدى رفضي لما يحدث ...كنت أراهم يستغلونه ..وهو يرى أن هذا حقهم عليه ولم نتفق أبدا حول الأمر "
لتصمت للحظات بينما تغيم عينيها بالدموع قبل أن تكمل بصوت متهدج:
"وعندما جاءنا الاتصال المشؤم الذي يخبرنا بسقوط المنزل فجرا على سكانه وموت الجميع دون أن ينجوا أحدا ... أصيب أبيك بحالة من الذهول والصدمة ...في البداية أخذ يصرخ رافضا التصديق ...وبعدها أخذ يكسر كل شيء ...ثم قام بالخروج للشارع جريا كالمجنون ..واضطررت للطرق على بيت جيراننا المصريين الذين كانوا قد سكنوا جوارنا من فترة قريبة ...الأستاذ مجاهد وزوجته سعاد ..وحقا كانوا نعم العون ...خرج ورائه الأستاذ مجاهد ...لحق به وأعاده وساعده بحجز تذكرة السفر للعودة ...رفض وقتها أبيك أن اصحبه وأنا للأسف أخطأت ولم أصر على مصاحبته ...تركته لغبائي وحده يواجه موقفا يفوق قدرات البشر ...يواجه ألم أن يدفن عائلته بأكملها ..والداه ...شقيقاه وزوجتيهما ..أبناء شقيقه الأكبر .. عمه وزوجته وأبنائه الصغار وابنيه المتزوجين وزوجتيهما وأبنائهما ...عائلته كاملة ..كل من له في الدنيا دفنهم بيديه ...طبعا كان هناك تحقيق واتُهم فيه مسؤلي الحي بالإهمال لتكون النتيجة مجرد اقصاءات عن المناصب مع بعض الجزاءات الإدارية والأحكام المخففة ... وخاصة أن والدك لم يقم بأي إجراءات تصعيديه ... كان شعوره بالذنب يقتله ...يشعره أنه السبب لا أحد آخر ..هو من قتلهم بالرضوخ لهم ...قتلهم برشوة دفعها لمسئول مرتشي فلعنه الله واقتص منه ..هذا ما كان يتآكله من الداخل ..وأنا للأسف لم أفهم ..أو لم أحاول أن أفهم ...اكتفيت بعد عودته ببعض الكلمات الجوفاء ..ببعض المحاولات العقيمة لإخراجه من حالته ..دون أن أحاول جديا الاقتراب والتخفيف والفهم والمساندة .. لتزداد الحالة سوءا بدل أن تقل ويزداد هو ابتعادا ...حتى مرت سنوات ونحن نعيش بحالة من الجمود ..لأفكر وقتها أن عودتنا لمصر بإجازة قد تكون هي الحل الذي يخرجنا من تلك الحالة ...هو كان رافضا العودة ويرى أنه لم يعد لديه ما يعود لأجله ...وأنا أصررت عليها ظننت مواجهته لما حدث وزيارته لقبورهم قد تخرجه من تلك الحالة من التيه كما لو كان ميتا حيا يتنفس يأكل يعمل ينام ..لكن بلا روح .. وظللنا شهورا حتى أقنعته أو قد تقولين أجبرته بعد أن هددته أن آخذكم واتركه إن لم يوافق وأنني اشتقت لأهلي ...لم اعرف أني ادفعه دفعا لهاوية مواجهة لم يكن مستعدا لها ..دون أن أتأكد أن جرحه وان لم يبرأ فعلى الأقل هو نظيف وليس مغلقا على قيح جعله يتسمم ويسمم دواخله ...كانت العودة أمرا فوق احتماله ..رفض الذهاب للمقابر لزيارة عائلته ...رفض الاقتراب من حيهم لينهي إجراءات تخص الأرض التي كانت يوما بيتهم العائلي وتركت للإهمال ...حتى حولها السكان لما يشبه مقالب القمامة ...ورغم أن الكثيرون حاولوا التواصل معه ليتصرف بشأنها إما بالبيع أو عمل سور حولها يمنع إلقاء الناس للقاذورات فيها ...لكنه لم يرد على أي منهم ....حتى أضررت أنا أن أطلب من زوج خالتك التصرف دون أن اخبره... خوفا من أن يضع أي كان يده عليها ظنا أن أباك لن يعود أو يهتم بها ...وقام مشكورا بالفعل بالذهاب وإزالة ما فيها من ركام وعمل سور مرتفع حولها وكتابة يافطة باسم أبيك أن الأرض ملكه وليست للبيع ووضع رقم تليفونه هو للطوارئ "
لتزفر بعمق بينما تنظر لتقي المقطبة بتركيز وهي تكمل بأسف:
" أثناء زيارتنا لمصر وعندما وجدت وجودنا بالعاصمة يجعل حالة أبيك أسوء اقترحت أن نكمل الإجازة بأحد المدن الساحلية ..أتذكرين"
لتهز تقى رأسها مجيبة:
"نعم قضينا أسبوعا رائعا هناك بذلك الفندق الفخم ..صحيح أن أبي بأول الأيام كان متباعدا ...لكنه بدا في الأيام الأخيرة يشاركنا قليلا وكنا سعداء جدا "
لتنظر أمها لها بسخرية ذاتية وهي تقول:
"نعم ..وأنا سعدت أيضا دون أن أكلف نفسي أن أفهم السبب ..دون أن ابحث عن سر اختفائه ليلا ...وخاصة بعد أن وجدته ينام فجرا على الشاطئ فظننته يحاول النسيان والتأقلم ..أو هذا ما أقنعت نفسي به لأريح نفسي ..متجاهلة حالته الغريبة ...هذره العجيب ..ترنحه أحيانا ...تلك الرائحة المنبعثة من فمه ... لا أدري إن كنت تعمدت التغابي والتعامي حتى اسعد نفسي بعودة زوجي لي ولأبنائي خاصة أنه عاد ل " لتزفر بضيق وخجل وهي تنظر بجانب عينها لابنتها قبل أن تقول بحسم وهي تخبر نفسها بان تقى لم تعد صغيرة :
"خاصة أنه عاد لإقامة علاقة زوجية معي بعد طول تجاهل" ...لتتجاهل احمرار تقى وخفضها لرأسها بينما تكمل ...
"عدنا بعد انتهاء الإجازة لحياتنا وأنا أظن أو أمني نفسي أن الأمور قد انصلحت ...لم أعرف أنها قد ساءت ..وأن زوجي قد تعلم في بار هذا الفندق الفخم ...الطريق لشرب المسكرات ...قد تعلم أن يحاول النسيان من خلال زجاجة وكأس ..وطبعا التغابي لم يصلح لفترة أطول فاكتشفت الأمر أو بمعنى اصح أُجبرت على مواجهة اكتشافه رغما عن انفي ...فالزجاجات الملقاة بمكتبه ...نومه ليلا هناك وإغلاقه الباب عليه وسماعي صوت ضحكاته العجيبة بعد نوم الجميع رغم انه يكون وحيدا ..والعديد من الأشياء الأخرى أجبرتني على التوقف عن التجاهل والتغابي ومواجهة الأمر ...في البداية حاولت نصحه وهو يعدني بالتوقف ليعود بعد يوم أو يومين ..لأستخدم أسلوب الغضب والتهديدات التي يعلم كلانا أنها فارغة ولن أنفذها كالتهديد بهجره أو تركه والعودة لمصر...ليستمر الحال على ما هو عليه لسنوات ..أنا أكتفي بالتذمر مرة ...والغضب والتهديدات مرة ...والتجاهل مراااات " ..لتضيف بسخرية وهي تنظر لابنتها ببسمة حزينة:
"أتعرفين ...المشكلة الأكبر لم تكن بأبيك ...كانت بي أنا في سلبيتي ...حتى في وقت المواجهات والغضب ومحاولاتي نهره وإيقافه عن أفعاله ...كنت افعلها كنوع من الضرورة خوفا من انكشاف الأمر أمامكم وأمام الناس ...لا خوفا على أبيكم نفسه .. ولا حتى كمساندة زوجة لزوجها في مصاب ألم به ...كنت أتعمد إشغالكم دوما ما بين المدرسة الدولية التي ألحقتكم بها فكنتم لا تعودون منها إلا بعد العصر لتقوموا بحل واجباتكم وتناول الطعام وبعدها مباشرة على تلك الأنشطة المختلفة التي ألحقتكم بها ما بين رياضية لأخوتك ..ودورات متعددة لك سواء بعلوم الحاسبات أو اللغات وغيرها ...كنت أفعل كل شيء لأضمن انشغالكم وعودتكم كل يوم مرهقين فتناموا دون أن تشعروا بشيء حتى بالإجازات كنت أجعلكم تشتركون بالرحلات وأنشطة النادي ...وأي وكل شيء يشغلكم فلا تنتبهوا لما يحدث لأبيكم..كان كل همي أن تظلوا غافلين ...خوفا عليكم لا عليه ..أو هذا ما كنت أظنه أنا ... ...أتعرفين متى تغيرت مشاعري ..أو بمعنى أدق اكتشفت حقيقتها وأنني أحب أباك ولا أقدر أو أحتمل فقده ...عندما كدت أفقده فعلا "
..لتضحك بسخرية مريرة وهي تضيف:
"يبدو أننا عائلة لا تشعر بقيمة ما تملك إلا عندما نفقده... لا أدري إن كان هذا ناتجا عن غباء متأصل بجيناتنا أنا وخالتك ...أم نتيجة معاملة أبي القاسية لنا بصغرنا والتي جعلتنا أنانيين لا نفكر إلا بأنفسنا "
لتنظر لعلامات التعجب والاستفهام على ملامح تقى فتربت على يديها وهى تقول:
"لا تستعجلي سأخبرك كل شيء"
...لتنظر لخيوط النهار التي بدئت تشق بضوئها الظلمة من خلف ستائر النافذة لتسأل تقى بشرود ..
" هل ما زلت مثلى تتفقي معي بأيام الإجازة الشهرية ..إن لم تكوني فقومي لتلحقي بصلاة الفجر قبل خروج وقتها "
لتهز تقى رأسها بحرج وهي ترد عليها:
"بل ما زلنا نتفق معا على ما يبدو فانا بإجازة حاليا"
لتبتسم مها وتربت على يدها بينما تعود عيناها للشرود وهي تقول:
"حسنا ...لأكمل لك قبل استيقاظ إخوتك ...عندما بدء الأمر يتزايد عن حده ...حتى أن أبيك أصبح لا يستطيع أن تمر ليلة دون أن يشرب ...وبدء عمله يتأثر فأصبح يخطأ ويتأخر .. حتى كادوا ينهون عقده لولا تدخل رئيسه الذي كان صديقا له ...وقتها طلب منه أن يأخذ إجازة مطولة ..وكان رصيد إجازاته يسمح فهو لم يأخذ إجازات حتى بفترات الصيف للعودة لبلاده لسنوات كالبقية فيما عدا تلك الإجازة الوحيدة قبلها بأعوام ...في نفس التوقيت كان أخواك يمرضان كثيرا بسبب احتقان اللوزتين ..وذات ليلة ارتفعت حرارة أخيك عبد الرحمن بشدة وأخذ يعاني من اختناق وعدم قدرة على التنفس وقتها هرعت لأبيك لنذهب به للمشفى ..لكنه كالعادة كان غارقا بسكره ولم استطع جعله ينتبه أو يفيق ...فأخذت مفاتيح السيارة وخرجت متجهة للمشفى وأخذت معي مالك ..وتركتك نائمة أنت وشقيقتك دون أن أخبركما بشيء ... وهناك تم وضع أخيك بغرفة الرعاية المركزة ووضعه على جهاز التنفس فحالته كانت حرجة ...ويبدو أن أبيك عندما أفاق بالصباح ولم يجد أحدا تذكر أو قلق أو لا أدري "
لتقاطعها تقى ساهمة وهي تقول :
"أذكر هذا اليوم ...كان اليوم السابق لتلك الليلة التي رأيته فيها ..كنت قد استيقظت باكرا ...وأخذت ابحث عنك فلم أجدك أنت أو اخوي ... وعندما سألت رؤى وجدتها مثلي لنجد أبي نائما بحجرة مكتبه على الأرض في البداية لم انتبه للزجاجة التي بجواره ...وعندما ناديناه ليستيقظ ونسأله عنك وخاصة وانه كان يوم جمعة ولم يكن هناك عمل لك وجدناه يستيقظ بحالة غريبة ..وقتها ظننته ترنح النوم ولم انتبه.. لكني لاحظت تلك النظرة الغريبة بعينيه وهو يتطلع لنا قبل أن يقفز بثقل ويخفي الزجاجة التي كانت بجواره ... لم أفهم سبب ما يفعله وكل ما ركزت فيه السؤال عنك ...لأجده ينظر لنا بحيرة وعدم فهم ليثور بعدها غضبا وهو يصرخ بكيف تخرجين دون إذنه ويأخذ هاتفه ليتصل بك ...لا أدري ما أخبرته به لكني رأيته يسقط جالسا على الأرض بوجه شاحب أثار رعبي و رؤى وهو يقول بخوف وتلعثم أنه سيحضر لك فورا ...ليخبرنا أن عبد الوهاب تعب قليلا وانكِ ذهبت به للمشفى ...وقتها ذهلت وأنا أسأله - كيف حدث هذا دون أن تعرف يا أبي أو تكون معها كيف خرجت وحدها وأنت موجود هنا -... لينظر لي نظرة غريبة لم افهمها لكنها أقلقتني بقوة ...ليتجاهلني ويذهب لحجرته ليرتدي ملابسه بسرعة ويخرج ...لا أدري لماذا تذكرت تلك الزجاجة بعد خروجه فاقتربت من سلة المهملات وأخرجتها دون أن تنتبه رؤى وأخذت انظر لها بشك وقلق ..لكن صوت رؤى الخائف جعلني أعدها دون تدقيق ...بينما انشغلنا بقلقنا على أخي ومحاولة مهاتفتك والاطمئنان عليه منك كل فترة"
لتهز مها رأسها وهي تكمل ما حدث وقتها:
"بعد أن أغلقت معكم الهاتف وطمأنتكم على أخيكم رغم أن الطبيب وقتها لم يخبرني شيئا مطمئنا ..بالعكس كان مالك أيضا قد ارتفعت حرارته وتم حجزه هو أيضا لكن بحجرة عادية وبقيت معه بها بانتظار أي خبر عن عبد الوهاب ..وجدت بعد دقائق أبيكم أمامي ..لأشتعل غضبا وجنونا ما أن رأيته وافجر فيه كل مشاعر الخوف والخذلان والقلق واتهمه بأنه سكير فاشل ..يل تماديت لأتهمه بأنه السبب بكون عبد الوهاب بين الحياة والموت ..لأنه أهمله ولم يحضره معي بسرعة للعلاج وتركني وحدي حتى تفاقمت الحالة ...أخبرته أن ابنه سيموت بسببه ....يا إلهي لقد كنت بحالة جنون ...قلت أشياء كثيرة أخجل حتى من ذكرها أو إعادتها على أسماعك ..أشياء كانت نتيجتها أن أبيك شحب بقوة ليجلس ساهما دون أن يرد علي حتى جاء الطبيب بعد فترة ليخبرنا أن الحالة بدئت تستقر لكن يجب أن يخضعوا لجراحة استئصال اللوزتين بمجرد تعافيهم ..ظل معي بعدها طوال اليوم بالمشفى دون أن يتحدث معي بحرف واحد ..فقط قام بإحضار الطعام ..تسديد الفاتورة ...الاهتمام بتوفير حجرة جيدة ..غير ذلك من تفاصيل دون أن يتحدث معي ..وأنا أيضا كنت غاضبة لدرجة أني لم أهتم ..تركته دون أن أحاول أن أحدثه ثانية ..ليلتها مساءا طلبت منه العودة ليبيت معكما حتى لا نترككما وحدكما ...لأضيف له بسخرية ولؤم ..
"وبإمكانك أن تشرب جيدا حتى تثمل ...لكن تأكد من إغلاق الحجرة جيدا حتى لا تراك ابنتاك ... ولا تنسى عندما تفيق أن ترسم على وجهك ملامح الصلاح وتأتي للمشفى لتكون موجودا أثناء عملية ولداك فربما يموتان دون حضورك أم تريد فقط أن تحضر لدفنهما فأنت أصبحت تخصص دفن ...وليكن بعلمك بمجرد أن ينتهي الأمر وأخرج من المشفى سأتركك وآخذ أبنائي معي ...فأنت لا تستحق أن نبقى معك ...بل لم تعد موجودا بحياتنا منذ زمن طويل وأصبح وجودك كعدمه ...بل ربما عدمه أفضل "
لتغمض عينيها بألم بينما تسيل دموعها وهي تقول بحزن ولوم ذاتي:
"لا أدري كيف طاوعني قلبي ولساني لأقول له مثل هذا الكلام ..وقتها نظر لي نظرة لن أنساها ما حييت ...نظرة أرجفت قلبي... مزيج من الحزن والاستسلام ..والوداع .. ظلت تلك النظرة تؤرقني طويلا ...حتى انتصف الليل ...لأجد نفسي اتصل به بحجة إحضار بعض الملابس لي وللأولاد ...ظل الهاتف يرن عدة مرات دون رد حتى شعرت بمزيج من الحنق والقلق ..لم أرغب أن اتصل على هاتف المنزل أو هاتفك أنت وظللت اتصل على هاتفه هو وبداخلي هاجس مرعب يخبرني أن هناك شيء سيئ حدث أو سيحدث ..لأجده يرد علي بصوت غريب ..علمت من أول لحظة أنه ثمل وقبل أن انفجر غاضبة وجدته يبكي وهو يقول لي بصوت ثقيل متقطع.. أنني على حق وانه لا يصلح كأب ولا يصلح إلا كدافن موتى أنه شؤم ويؤذى من يحب ..وأن عدم وجوده أفضل ولذا فهو سينهي حياته بنفسه ..أخذ يطلب مني أن أسامحه وأن أجعلكم تسامحوه ...أخذت اصرخ فيه برعب أن لا يفعل شيئا أخبره أني لن أسامحه لو فعلها ...سقطت على الأرض مرتعبة وأنا أسمعه يهذي حول ضرورة أن يختفي من حياتنا ...وقتها لم أعرف ماذا أفعل أخذت أصرخ فيه ناهرة إياه أن يفعلها لأجده يغلق الخط ..كدت أجن وأنا أجري خارجة من المشفى لأقف أمام بابها لا أعرف ماذا أفعل فهو قد أخذ السيارة عندما تركني .. ولم أجد سيارة أجرة ..اتصلت بهاتف سعاد جارتي لأصرخ بها بهستريا طالبة منها أن تجعل زوجها يدخل شقتنا ويدرك زوجي ... كانت كلا منا تضع مفتاحا لشقتها للطوارئ لدى الأخرى... لتخبرني أنه مسافر ليومين في عمل ..فأرجوها أن تدخل هي لشقتي أخبرتها أن زوجي منهار ويهددني بقتل نفسه ... فتخبرني أنها سترتدي ملابسها وتذهب فأصرخ بها أن لا وقت ..لترتبك وهي معي على الهاتف وتقول لي حسنا على الأقل سأرتدي روب فوق ملابسي ..كانت معي على الهاتف طوال الوقت طلبت منها أن تدخل بهدوء حتى لا توقظكم .. أخذت تحاول فتح حجرة المكتب لتخبرني أنها موصدة وأن زوجي لا يرد أو يفتح الباب ..لأرتعب أكثر وأخبرها عن مكان المفتاح الاحتياطي للمكتب والذي كنت أحفظه بأحد جوارير المطبخ ..كنت استمع لما يحدث على الهاتف وهي تحضر المفتاح وتدخل المكتب لأسمع صرختها ويبدو أن الهاتف سقط من يديها لأن الصوت تباعد لكنه لحسن الحظ لم يغلق ...سمعتها تتشاجر مع أبيك وهي تطلب منه ترك فتاحة الخطابات التي كان يحاول قطع شرايين يديه بها ...سمعت صوتا يدل على محاولته منعها من أخذها منه وهو يقول لها أن تدعه وأنه لا يريد أن يعيش ...كان هناك أصوات مكتومة عدة تبعها بعد دقائق صوت ارتطام ما لأجدها بعدها تخبرني أنها أخذت منه الفتاحة بعد مشاجرة حتى أنه كاد يضربها وانه يبدو سكرانا وقد سقط مغشيا عليه بعد أن دفعته بعيدا عنها خاصة بعد تشبثه بملابسها حتى كاد يمزقها في محاولة لأخذ الفتاحة منها .. شكرتها وطلبت منها البقاء بجواره حتى احضر خوفا من أن يستفيق ويعيد الكرة ...وبالفعل وجدت بعد عدة دقائق سيارة أجرة تمر فركبتها رغم تأخر الوقت وخطورة ركوبي وحدي لكني لم أكن بحالة تسمح لي بالتفكير ...وما أن وصلت للمنزل حتى دخلت بهدوء خوفا أن تستيقظا أنت أو أختك لأجد سعاد بحالة غاضبة ويد مجروحة تلفها ببضع مناديل ورقية وتمسك الفتاحة لتناولها لي بغضب وهي تقول لي أنها وضعت بموقف سيئ جدا بسببي وبسبب زوجي ..وأن زوجها لو علم بالأمر ودخولها لدى رجل سكران بعد منتصف الليل مهما كان السبب لن يقبل أو يمرر الأمر ..لأعتذر منها وأشكرها وأعدها أن الأمر لن يتكرر وأن أحدا لن يعرف به ...وأرجوها أن لا تخبر أحد بالأمر هي أيضا ...لتنظر لي بضيق وهي تقول ...
"لم أتخيل أن يكون زوجك شارب خمر ..كنت أظنه رجلا محترما ...لكن يبدو أن المظاهر خادعة ...نصيحة إما أن تجعليه يهجر تلك المعصية أو تهجريه أنت" ..لتعود لشقتها بعدها ..وأقوم أنا بعمل قهوة ثقيلة مركزة أضعها على المكتب وأقوم بعدها بسحب أبيك حتى حمام مكتبه وأسكب فوق رأسه الماء حتى بدأ يفيق ...لأجبره بعدها على شرب القهوة ...ورغم أنه لم يستفيق تماما إلا أني أجبرته على تغير ملابسه وأخذته معي للمشفى فلم يكن بإمكاني ترك إخوتك أكثر ولم أكن لأطمئن على تركه وحيدا ...لأنني ولسخرية الأمر اكتشفت في تلك الساعة التي ظننت بها أنني على وشك فقده أنني أحبه ...وأنه ليس مجرد زوج مناسب تقدم لي لأوافق رغبة بالتخلص من تسلط أبي وترك البيت الذي يخنقني ...بل هو كل أهلي ..هو زوجي ..حبيبي ...والد أطفالي ...اكتشفت أني لا أستطيع الحياة بدونه .. لأقسم وقتها وأنا ابتهل لله مرتعبة خوفا من فقده ...أن ينجيه وأنني لن أتركه لشياطينه وجنونه ..بل سأجعله يتعالج من إدمان الخمر ومن هواجس الماضي ... وعدت نفسي أني سأكون له كما كان ينبغي منذ البداية أما وأختا وزوجة وعائلة تحتويه بدل من التي فقدها ...لن ادفعه للنسيان لكن للتقبل والتعايش مع قضاء الله .. لكن ما لم أعمل له حسابا هو أن تري أنت جزءا من الموقف فتأوليه حسب ظنك وتزيدي فوق همومي وجروح أبيك جرحا آخر غائرا لا يطيب ولا يبرأ "
كانت تقى تستمع لما تقوله أمها ذاهلة وهي تعيد ربط الأحداث بعقلها ..تتذكر أنها استيقظت على أصوات الضجة وبعض الأصوات المكتومة التي أثارت ريبتها ...تتذكر رؤيتها للسيدة سعاد وأبيها يلف يديه حولها في موقف ظنته نوعا من العبث العاطفي لكنها وهي تعيده بعقلها بعد كلام أمها تجد أنه بالفعل كان يحاول أخذ شيء من يديها بينما تحاول هي الهرب ليشد هو روبها الذي انفتح لحظتها مظهرا ثوب نومها العاري لتهرب هي لحظتها باكية وتغلق على نفسها باب حجرتها دون أن يلحظاها لتتجه بعدها للحمام وتبقى فيه لما يزيد على الساعة تكتم بكائها وتفتح على رأسها مرش الماء وتجلس تحته ترتعد حزنا وألما وبردا ..لتقوم بعدها بخلع ملابسها واخذ حمام دافئ في محاولة للهرب والنسيان وتخرج بعدها ترتدي ملابسها وتحاول التنصت لما يحدث خارجا ...وعندما لم تسمع شيئا خرجت بعد فترة لتجد المكان خاليا من الجميع ...لتعود بعدها لحجرتها تبكي صدمتها بأبيها ...وبعدها ساءت علاقتها به خاصة بعد أن رأته ليلتها وهو يشرب الخمر بمكتبه ليلا ...لتحدث المواجهة بينهما بعدها بعدة أيام ...تلك المواجهة التي انتهت بصفعه لها وقطيعتهم لسنوات ...لترفع رأسها لأمها بتوجس وهي تسألها باستنكار:
"إذا كانت هذه هي الحقيقة ...فلماذا لم ينكر ...لماذا تركني اتهمه بالفسوق والخيانة ...لماذا لم يخبرني الحقيقة وتركني أتعذب كل تلك السنوات بنيران الغضب والحزن والقهر وأنا أرى التمثال الذي رسمته له يتحطم أمام عيني ..لماذا؟"
لتنتفض على صوته من خلفها وهو يقول بحزن مقهور:
"لأنه تحطم بالفعل"
------------------------
عاد من صلاة الفجر التي صاحب فيها مسعد وياسر وهو يشعر بالسعادة والانتعاش ...أنها المرة الأولى التي يخرج بها لصلاة الفجر من شهور ...يشعر بأنه أفضل كثيرا ...ويشعر بأن صحته تحسنت ..كما تحسنت علاقته بتقى ..وإن كانت ما زالت تتمنع عليه ...ليبتسم بخبث وهو يفكر أنه ليس تمنع الرفض ...لكنه تمنع الخوف على صحته ..وقد آن أوان أن يثبت لها عمليا أنه أصبح بخير ... ياسر لم يعد معه مخبرا إياه أنه سيذهب للنادي ليمارس رياضة الجري لبعض الوقت ويتناول إفطاره هناك لأنه بحاجة للتفكير بأمر ما...وهو يكاد يراهن على هذا الأمر فالولد سر أبيه ...فقد لاحظ تعبيرات وجه ياسر بالأمس أثناء طلب مها من تقى جمع حاجياتها وإخبارها أنها لن تعود للعيش معهم ثانية ...لقد رأى أبنه وهو يكاد ينتفض من كرسيه ليجلس على حافته متحفزا ...لقد خاف للحظة أن يقوم بأحد تصرفاته الغبية أمام عائلة خالته ...ليكتم ضحكاته على غباء ابنه وهو يفتح حجرة النوم بهدوء فيجد تقى جالسة بالفراش تقرأ القرآن وما زالت مرتدية ثوب صلاتها ...كانت تبدو محاطة بهالة نورانية وروحانية ..لدرجة جعلت خفقات قلبه تتزايد ليقسم أنه يحبها في كل مرة يراها من جديد ..كما لو كان يقع بحبها كل مرة لأول مرة بنفس القوة التي وقع فيها وهي ما زالت مراهقة بالسابعة عشرة من عمرها ..ليغلق الباب خلفه فتنتبه له وترفع رأسها لتصدق وتغلق مصحفها بابتسامة جميلة ..وضعته بجوارها ورفعت يدها لتحل ربطة ثوب الصلاة من حولها ليقترب بسرعة هامسا :
"لا اتركيه وتعالي لتصلي معي "
لتنظر له بتعجب وهي تسأله:
"لقد صليت الفجر !!..وأنت ألم تصله بالمسجد؟!! ...لقد أصررت على النزول وأخبرتني أنك أصبحت أفضل... ولولا أن الطبيب أخبرنا بأهمية أن تبدأ بممارسة بعض النشاطات البسيطة دون إجهاد وبعض الحركة الخفيفة لم أكن لأتركك تذهب"
لينظر لها وهو يتحرك ناحية سجاجيد الصلاة الموضوعة بجانب كرسي طاولة الزينة ليفردها ويقف على احدها وينظر لها قائلا:
سأنوي صلاة ركعتين تأخر موعدهما كثيرا ركعتين سنة يبدأ بهما المتزوجين حياتهم ...قد لا نكون ببداية الحياة الزوجية بمعناها المتعارف ...لكننا ببداية فصل جديد منها ...فلنجعله مباركا بفضل الله ونبدأه بالصلاة ...ولو أني لست واثقا من مدى صوابها خاصة واني أعرف أن أي صلاة بعد الفجر وقبل الضحى مكروهة ولا علم لي بحكم سنة ركعتي الزواج بهذا الوقت لكني سأفعلها تحسبا ...وأسأل فيما بعد أحد الشيوخ وإن لم تكن صحيحة أعدناها ثانية ولو متأخرة فالله غفور رحيم ..ومطلع على النوايا "
نظرة له بتوجس وهي تستوعب المعنى وراء كلماته ..لكنه لم يمنحها فرصة الاعتراض وهو يرفع يديه مكبرا بعد أن نظر لها لتلحق به...وما أن بدأ حتى شعر بها تقف خلفه ليصليا معا وهو يؤمها وما أن انتهيا حتى استدار إليها واضعا كفه على رأسها ذاكرا الدعاء الذي كان يجب أن يبدأ به حياتهما ...ليتذكر أن لهفته ليلتها جعلته يهمل طقوس السنة ...وربما كان ذلك احد الأسباب التي جعلت البركة تهرب من بداية حياتهما ..ما أن انتهى حتى رفع رأسها ناظر بعينيها اللامعتين ..ليمد يديه ليحل طرحتها ويعتدل وإياها واقفين ويرفع عنها ثوب صلاتها مزيحا إياه ليظهر لعينيه ثوب نومها الأرجواني القاتم ..الذي جعل نبضاته تتسارع من شدة فتنتها ...فرغم كونه غير شفاف ..وطويلا يغطي كاحلها ..لكنه يرسم تفاصيل جسدها كجلد ثاني حتى الركبة ليتسع من أسفل ..كما انه بحمالات رفيعة تظهر كتفيها ونحرها بالكامل بينما ينسدل شعرها مغطيا ظهرها بعد أن سحب الرابطة التي كانت تجمعه ...ليميل مقبلا كتفها برقة في البداية لتتسارع وتيرة قبلاته وتصبح أكثر نهما ويرتشف النبض الضارب بعنقها بقوة جعلتها ترتبك وتقول بتلعثم:
"أشرف ..أنتظر ...ياسر ...لابد انه بالخارج ..أنت ..م ت ع ب "
ليرد عليها بثقل وهو يسحبها معه لفراشهما :
"ياسر ذهب للنادي ولن يعود قبل ساعتين أو أكثر ...ونحن وحدنا ...وأنا بخير تماما ...وقد تعبت من الصبر ..مرضت من الانتظار ...أسقمني التوق ...فهل ستتركيني أموت شوقا إليك"
لترفع يدها بسرعة لفمه بينما يشرف عليها وهي مستلقية على ظهرها :
"لا تأتي بسيرة الموت ..حفظك الله لي ..ولا أراني فيك مكروها أبدا ...أشرف ..أنا أحبك ..وأخاف عليك "
ليزداد تهدج أنفاسه وهو يغطيها باحتواء بينما يهمس بجوار أذنها التي يلثمها :
"أعيديها... كرريها على مسامعي مرارا حتى تروي بها شرايين قلبي التي أتعبها الجفاف وأسقمها طول الصبر والانتظار ..أخبريني أنك تحبيني ..تعشقيني ...كم تمنيت واشتقت لهذه الكلمة منك وانتظرتها سنوات طوال "
ولم تخيب رجائه ظلت تكررها مرات ومرات ..ويرتشف هو حروفها من شفتيها دون كلل أو ملل ..بينما يغوصان معا ببحر حب عميق هادر حينا ورائق ناعم حينا ...بحر لم يلج إليه أحدهما لسنوات طوال ..فكانا يعوضان الشوق إليه بالغوص فيه دون اكتفاء...ليعيدا وصلا لم يكن كأي وصل سبق بينهما يوما قبل الفراق ..فالوصل هذه المرة كان مختلفا كاختلاف الضوء عن عتمة الليل .. اختلاف صنعه فارق الإحساس بينهما في الحاضر عن الماضي ...فلم تكن هي تؤدي واجبا مفروضا ...بل كانت تقيم طقوس عشق وتعيد رسم دروب قلبها واكتشاف خريطة جسدها من جديد تحت لمسات يديه التي تشعرها بأنوثة لم تستشعرها سابقا نتيجة الجدار التي غلفت به مشاعرها ...بينما كان هو يعيش لأول مرة شعور المشاركة بالحب والعاطفة... شعور الأخذ والعطاء الذي لم يعرفه سابقا ..ليشعر وتشعر ...ليأخذ ويعطي ليمنح ويُمنح فيشعر بزلزال مشاعر لم يعشه يوما يضرب كل جنبات قلبه وجسده فيجعله يزداد عشقا وتوقا ...لهفة وعطاء ..يزداد رغبة للارتواء دون اكتفاء ...لتظل العاصفة بينهما ما بين مد وجزر لوقت طويل حتى أنهكهم الإبحار لترسو سفينة الشوق على شاطئ العشق ترتاح من عناء السفر بينما يرفض العاشقان أن يبتعدا عن أحضان بعضها ليظلا متعانقان وعيناهما متشابكان بحوار دون حروف... وكلمات دون صوت حتى غلبهم سلطان النوم ليستسلموا له متدثرين بدفء ذراعي بعضهما براحة ورضا وهناء ..
---------------
"إذا كانت هذه هي الحقيقة ...فلماذا لم ينكر ...لماذا تركني اتهمه بالفسوق والخيانة ...لماذا لم يخبرني الحقيقة وتركني أتعذب كل تلك السنوات بنيران الغضب والحزن والقهر وأنا أشاهد التمثال الذي رسمته له يتحطم أمام عيني ..لماذا؟"
لتنتفض على صوته من خلفها وهو يقول بحزن مقهور:
"لأنه تحطم بالفعل"
لترفع عينين حزينين دامعتين لأبيها الوقف بباب الحجرة يحمل بين يديه عدة أكياس لتقم أمها تأخذهم من يديه وهي تهمس له بصوت وصلها واضحا :
"تحدث معها ..افتح قلبك وأخبرها بكل شيء ...آن للجروح أن تعرى لتنظف من قيحها حتى تشفى"
لتخرج تاركة إياهما معا وتغلق الباب خلفها وهي تقول :
"سأجهز الطعام "
اقترب بتردد ناحيتها ليقف أمامها للحظات بينما تهرب بعينيها منه دون أن تقدر على منع دموعها التي تسيل على خدها ..ليتجه ناحية مقعد طاولة الزينة ويجلس عليه بإرهاق ..إرهاق نفسي أكثر منه جسدي بينما بقول بصوت مكسور:
"عندما واجهتني باتهاماتك و بأنك رأيتني بوضع مخل مع جارتنا لم أستطع لحظتها أن أنكر ..لأنني بكل بساطة لم أكن واثقا من ما حدث فعلا ..لقد ارتعبت أن أكون فعلتها فأنا بكل بساطة لم أذكر ما حدث "
...ليبتسم بسخرية مريرة وهي يكمل :
"كان لدي خيالات مبهمة وغير واضحة عن تلك الليلة ..اذكر فيها وجود سعاد فعلا دون أن أتذكر تفاصيل ما حدث ..أول ما اذكره بتشوش هي رأسي تحت وابل المياه وسباب أمك... أما ما قبل ذلك ضبابي برأسي ...لذا عندما قلتي لي ما قلت ..أصابني الفزع ...أن أكون وصلت بانحداري للدرك الأخير من الانحطاط ... لأحاول التماسك دون فائدة لأنهار بعد سفركِ نازفا دمائي التي يبدو أنها غلت حتى فارت وفارقت عروقي نافرة مني كما نفرتي مني أنت "
ليرفع رأسه لوجهها المذهول عندما سمع صوت شهقتها الفزعة ليقول بسخرية :
" نعم صغيرتي ...لم أحتمل ابتعادك عني وأنت كارهة محتقرة لي ...فانهرت بعد سفرك مباشرة ونقلت للمشفى وأنا أنزف من أنفي وفمي ..ارتفع ضغطي بشدة لدرجة فجرت أوعيتي الدموية ... لكنهم أنقذوني وسيطروا على الأمر ووضعت تحت الملاحظة لمدة يومين ..وأيضا اكتشفوا وقتها أن الكبد عندي مصاب بالتهاب نتيجة شرب الكحوليات ..وان الأمر قد يدخل مرحلة خطرة إن لم أتوقف فورا ....
وحذرني الأطباء من الاستمرار بشرب الخمر ...أتعرفين وقتها قررت أن أتعالج من إدمانه وأتوقف فعلا ...ليس لكلام الأطباء ..ولا خوفا من الموت بحد ذاته..فالموت كان لفترة طويلة مطلبا أسعى إليه ...لكن خوفا من أن أموت وصورتي مشوهة بعقلك وقلبك ..فتلعنيني بدلا من أن تدعي لي بالرحمة ...خوفا من ألقى الله عاصي مرتكبا للكبائر دون توبة فألقى في جهنم فلا أقابل أهلي ولا أجاورهم بل أخلد في النار..لكن في الوقت ذاته لم أكن قادرا على تحمل فكرة أنني ارتكبت خطيئة الزنا ورغم أن شرب الخمر كبيرة كالزنا لكنها كبيرة ارتكبتها بحق نفسي لكن الزنا كبيرة تنال من أهلي وترد لهم يوما ....شعرت بالارتعاب ..أن أكون خنت ثقة رجل اعتبرني صديقه .. أن أكون فعلت ما سيرد لي يوما بواحدة منكن ...كدت أجن لأنهار بهستريا جنونية بين يدي أمك وأنا اخبرها بما قلته لي ...لتخبرني هي بما حدث ليلتها ... لأشعر بقليل من الراحة ...لكن فقط القليل ...لأنني وإن كنت بريئا من تهمة الزنا ...فما زلت مدانا بجريمة السكر وشرب الخمر ...ما زلت ناقصا لا يستحق نيل شرف أن يكون الأب والقدوة والمثل لأبنائه ...لم أستطع أن أطلب منك الغفران ..أو حتى أن أدافع عن نفسي ...لقد استغرقني الأمر شهورا طويلة من العلاج النفسي والعلاج من الإدمان حتى بدأت تقبل ما حدث لي ..وبدأت العودة للقليل من مسعد الذي كنته يوما ...لا أقول هو تماما فهناك شيء بداخلي كسر ولن يعود ...كما اعرف أن بداخلك شيئا كسر ناحيتي لن يعود يوما كما كان مهما حاولنا ... لكن كان لا بد من المحاولة ...على الأقل لأجل إخوتك ...حتى لا يكسروا مثلك ...حتى لا يفقدوا السند والقدوة ويتحولوا للكره والمرارة والرفض ....أتظنين أني لم أعرف انك كنت نافرة من كل الرجال ...لقد كنت أقف خلف هاتف أمك وهي تحدثك عبر وسائل الاتصال لأسمع صوتك دون أن أجعلك تريني ...رغم شوقي وتوقي لك ...لكن رفضك الدائم لرؤيتي أو حتى الحديث عني كان عقابي على ما اقترفته وما أقساه من عقاب لكني استحققته ...حتى بعد أن تعالجت ...شعرت أني لا زلت مستحقا للعقاب منك ...ولا استحق الغفران ...كلما سمعت صوتك الغاضب أو نفورك كلما حدثتك أمك عن العودة أو عن متقدم يطلب يدك أخبرتها عنه خالتك لأسمع النفور والكره والرفض بصوتك ..أشعر بألمي يتزايد "
ليزدرد لعابه بينما ينظر لعينيها الدامعتين يرى انقباض يديها وتشنجها حول مفرش السرير ..تصلب جسدها بينما تستمع إليه ...تنفسها الخشن بينما تحاول منع نشيجها دون فائدة ..ليزداد ألمه وتدمع عيناه وينكس رأسه وهو يمنع نفسه قسرا من الذهاب إليها وذرعها بأحضانه ...ليكمل بمرارة :
"عاما يجر عام ..وفى كل عام أمني نفسي بأنك ستبدئين بالغفران ...ستقبلين بالعودة ولو لأيام بدافع الشوق لأمك وإخوتك ..وعندها سأحاول أن أخبرك ...سأطلب سماحك ...سأعيد مد جسور الثقة بيننا ...لكنك لم تعودي ..لم تغفري ...لم تقبلي حتى العودة لأجل أمك وإخوتك" لينظر لعينيها الدامعتين وهو يضيف "أتعرفين ما الذي جعلني أفيق مما كنت فيه ...من حالة الرثاء والندم والذنب على ما فات... وعلى أهلي الذين ضاعوا للأبد "..لتنظر له بتساؤل
فيجيب :
"أنت وأخيك عبد الوهاب قبلك ...عندما أخبرتني أمك أن عبد الوهاب سيموت نتيجة إهمالي لعلاجه ...شعرت حينها بأني سأفقد البقية الباقية لي من أهلي ..تلك البقية التي كنت نسيتها في خضم حزني وانغماسي بالماضي ..لكن حادثة عبد الوهاب جعلتني انهار رافضا الحياة ...بينما ما حدث معك كان صفعة الإفاقة ...لأحارب شياطين نفسي ...لأذكر أن قضاء الله لا راد له ..وأن الرضا به واجب ..والاعتراض عليه ذنب لا يغتفر ذنب سيضيع مني باقي نعمه التي لم انتبه لها وأنا أظن نفسي خسرت كل شيء مع خسارة عائلتي ..لأنسي أن هناك عائلة أخرى هي امتداد لي ولهم يجب أن أرعاها حتى لا تضيع مني هي الأخرى ..وأنه بدلا من الاعتراض على قضاء الله يجب أن أدعوه أن يحفظ لي ما بقي لي ...وأن استغفره على ما سلف ...أن أتوب عن ذنوبي ...تقى أنا لا أقول لك أني لم أكن مخطأ ..بل أخطأت ...لكن ليس أبدا بالخيانة ..فانا لم أمس يوما امرأة غير أمك ...لكني خنت ربي بفعال شتى ..كالرشوة والخمر وكلاهما كبائر استغفر كل يوم بسببها ...عسى أن يقبل الله توبتي ..كما أستغفره لتفريطي بحقكم فقد خنت أمانته برعايتكم حتى كاد أخوك يضيع وأنت هربت من بين أحضاني وحمايتي ...لكني عدت يا صغيرتي ...عدت بعد أن تعبت من هجرك لي ..عدت بعد أن تحررت من كل ما مضي وكان يجعلني غير لائق بصفة الأب الذي تستحقين ...فهل أجد بقلبك مكانا لي ما زال محفوظا...مكانا يحمل بعض من حبك لي فيما مضى ..و يمكنك أن تغفري خطأ أبيك بحقكم وحق نفسه قبلكم ...ليتكسر صوته حزنا وألما وأملا وهو يكمل ...هل تعودين صغيرتي التي تحتمي بأحضاني وتلوذ بصدري ..وتطيع أمري ..هل ......."
لتقوم وترتمي بين أحضانه شاهقة ببكاء مرتفع ليضمها بقوة وهي تنزل على ركبتيها أمامها ليقف ويرفعها بين يديه يضمها بقوة وتضمه بشوق ..
لم تستطع الانتظار أكثر ..لم تحتمل نظرة الانكسار بعينيه ..نبرة الحزن بصوته ...لم تحتمل أن يتذلل لها وهو من كان دوما شامخا بعينها حتى حدث ما حدث ...لكنها رغم كل ادعائتها لم تكرهه ...لم تكن تهرب من لقائه نفورا وكرها بقدر ما كان ألما وغضبا منه لكسره صورته بعينيها ..وخوفا من سماح تعطيه له دون أن يستحق ...لكن الآن وبعد أن عرفت الحقيقة ...ورغم أنه أخطأ ...لكنها تراه يستحق منها السماح ..وهي أيضا تحتاج أن يسامحها ..فهي أخطأت ..أخطأت بالبعد دون أن تفهم ودون أن تسأل ...لم تفكر أن تواجهه ليعود عن طريق الخطأ ...نعم ليس الآباء فقط من عليهم أن يساندوا أبنائهم ليعودوا عن الخطأ بل الأبناء أيضا لكنها لم تفعلها ..فضلت الهرب والغضب..لتقول بصوت متحشرج:
" سامحني أبي"
...ليقبل رأسها بقوة و يقول بصوت خنقته غصة البكاء:
"بل سامحيني أنت صغيرتي"
..ليأتيهم صوت أمها من أمام الباب تقول بحشرجة بكاء:
"يكفي ...لن نتحدث بما مضى ...أمامنا العمر القادم لنعيشه كما ينبغي ..دون عتاب أو حزن ...هيا لقد جهزت الإفطار وقد برد أيضا واستيقظ القردين من لحظات ...اذهبي لتغسلي وجهك وتوقظي أختك لنتجمع معا على مائدة الإفطار ...فقد آن أوان أن نجتمع أخيرا "....
----------------
بعد أسبوع
تنظر له بغضب ينما ينظر لها بابتسامة مغيظة لتقف متخصرة أمامه داخل حجرة مكتبه بالمشفى التخصصي وهي تهتف بنزق:
"أكرم كف عن أسلوبك هذا معي ...أنت تفرض رأيك علي قصرا وهذا لا يعجبني ...كيف تجرؤ على نقل أخي لهذه المشفى رغم رفضي... لتقوم بنقله مستغلا ذهابي للاختبار ....نفس الاختبار الذي كنت راغبة بتأجيله ورفضت أنت و أصررت على ذهابي إليه بل وقضيت الأيام التي جالستني بهم بالمشفى الحكومي تراجع معي المادة قصرا كما لو كنت تلميذا غبيا بحضرة أستاذ متعصب ...لأعود من الامتحان لأفاجأ بأنك نقلته لهنا ...تعرف أن ظروفنا لا تسمح بتحمل نفقات هذه المستشفى ...أم تشعر بسعادة عندما تمن علينا بأفضالك وأنت تدفع لنا نفقات علاج أخي كما لو كنا حالة إحسان تشفق عليها...فضلا عن شعوري بالحرج من مقابلة سارة ...فلماذا تصر على وضعي بهذا الموقف المهين ... "
كانت الابتسامة تختفي من فمه لتتحول ملامح التسلية على وجهه لغضب وحنق بينما تتحدث ليفقد صبره مع آخر كلماتها فيصرخ بها دون أن يهتم بارتفاع صوته على غير عادته لدرجة جعلتها تجفل متراجعة بخوف من ملامحه المحتقنة بثورة :
"هل أنت حمقاء ...هل تعين لكلماتك الغبية التي تلقينيها بوجهي ...هل تقصدينها حقا .. لأنه إن كنت تقصدينها فهذا يعني أن هناك مشكلة كبرى في فهمك لطبيعة علاقتنا ..فأنا لست غريبا يحسن إليك ...بل أنا زوجك ..زوجك ..أتفهمين ما يعنيه ذلك ؟!! ...يعني أني مسئول عنك ..وعن كل ما يخصك بما فيهم إخوتك ...يعني أن ما أفعله معك لا يندرج تحت بند الشفقة ...أو المنة أو.. الإحسان كما يصور لك عقلك الغبي ...بل حقك علي .. صحيح أن حالة حسين تحسنت ..لكنه ما زال بحاجة لرعاية مكثفة ودقيقة حتى يتجاوز الوضع وتستقر حالته تماما وهو ما لن يحصل عليه هناك ...أنا هنا لي حق بإضافة حالات على حسابي ومنحهم خصما كبيرا ودفع الباقي من اجري الخاص ..وهو أمر طبيعي أن أفعله لشقيق زوجتي الأصغر ولجاري وابن صديق أبي...أما سارة فموضوعها انتهى تماما ودون أي حساسيات لا من جهتها ولا من جهة أبيها ...بل إن كلاهما يشعران بالذنب ناحيتي و بأنهما مدينان لي فلم يعرفا بأمر زواجنا إلا بعد انتهاء ما بيني وبين سارة ...وهي نفسها قد عقد قرانها على شاب تحبه ...فالأمر برمته صار وساوس بعقلك أنت ..أو ربما مجرد حجة ...فأنا حقا لم أعد أفهم شيئا ؟!!"
ليصمت للحظة بينما ينهت بغضب بينما ليضيف بعدها بنفس الثورة والاحتقان:
"لن أظل بهذه الحالة من الدوران حولك دون فهم ..أريد أن اعرف الآن وفورا ..مشاعرك نحوي ...هل أنت كارهة لي ...هل كان زواجنا بالنسبة لك موقف اضطراري قضت به الظروف ..و ترغبين بالتخلص منه بعد ظهور الحقيقة ...هل كانت كلماتك عن حبك لي مجرد هلاوس تحت تأثير المخدر ترجمتها أنا خطأ نتيجة توقي لها"
..ليصرخ هاتفا بحدة جعلتها تنتفض فزعا
"أجيبيني فورا ...هل تحبينني أم أني توهمت الأمر "
لتصمت ناظرة له بعيون امتلأت دمعا ..ليتساقط على وجنتيها وهي تجيبه بتقطع:
"كيف تسأل ...كيف تظن أني لا أحبك ...لقد أحببتك عمري بأكمله ...حتى وأنت لا تراني ...ولا تشعر بي ...وأنت تعاملني كشقيقة أو حتى حالة إحسان وشفقة ...أحببتك دوما ..لدرجة تمنيت سعادتك حتى بعيدا عني ..فقط تكون سعيدا حتى لو تحطم قلبي حزنا وقهرا ...لكني لا أستطيع أن أنسى كيف تزوجتني ....لا أستطيع أن أقنع نفسي بأنك تحبني حقا ..ولا تشفق علي وعلى ظروفي ..التي تسوء كل يوم أكثر ..أنا ...أنا .." ليزداد انهمار الدمع بعينيها ويهتز جسدها النحيل من شدة النشيج والبكاء ..ليقترب منها ضاما إياها لصدره مقبلا رأسها وهو يربت عليها مهدئا بينما يقول بمهادنة واعتذار:
" هشششش آسف حبيبتي ..اهدئي قليلا ...أنا آسف ... أنا فقط قد تعبت من كثرة تباعدك عني ...وتهربك مني ...الوقت يعاندني ...لم يبقى على سفري سوى عشرون يوما ..وأشعر أني لم أرسو معك على بر ..أعرف أن الوقت معنا دوما سيئ ويعاندنا ...لكني أحتاجك بقربي ..أحتاج أن أطمئن لمكانتي بقلبك ...لوضعي معك قبل سفري ..أحتاج لبعض من ترياق حبك ليكون زادي في السفر ..ونيسا لي في ليال الوحدة والغربة "
ليزيد من ضمها لصدره ...يستنشق عبير جسدها بجوع وهو يقبل رأسها ليبعدها قليلا ويضم وجهها بين كفيه وينظر لعينيها الدامعتين بينما يقول بعاطفة فاضت من حروفه :
"أنا أحبك هند ...ازرعيها بعقلك وقلبك ...تأكدي منها كل لحظة حتى ببعدي ..أنت مني ..جزء من روحي ..أنت وكل من يخصك مسئوليتي ...ليس فقط لكونك زوجتي ...بل لكونك حبيبتي ..أتفهمين؟!! "
لتنظر له بعشق بينما تستمر دموعها بالهطول وتهز رأسها المأسور بين كفيه إيجابا دون قدرة على الكلام ...ليميل برأسه مقبلا عينيها الدامعتين لتغلقهما بينما يهبط بشفتيه بعد أن حرر وجهها من كفيه ليغوص أحدهما بشعرها المشعث بينما يلتف الآخر حول خصرها مقربا إياها لجسده بينما يجول بشفتيه على وجنتيها يرتشف الدمعات.. ليهبط بعدها مرتشفا شفتيها التي طال شوقه لها ..ليغيب كلاهما عن العالم للحظات ينهلان فيها من رحيق العشق ..ويتشاركان الأنفاس ..حتى شعر أكرم أنه غير قادر على الصمود أكثر ..وأنه لو لم يبتعد بسرعة فلن يتركها إلا وقد أصبحت زوجته بكل ما للكلمة من معنى ...لكنه لم يكن ليفعلها بها ...فحبيبته تستحق ما هو أكثر ...تستحق أن يحفظها ويحافظ عليها حتى تأتيه بثوبها الأبيض بحفل زفاف تستحقه بكل طهارتها ونقائها ..ليجبر نفسها على نزع شفتيه بعيدا عن رحيقها المسكر ليرفعهما لجبينها مقبلا قبل أن يسند جبينه لرأسها ليتنفس بعمق وهو يبعدها عنها سنتيمترات بسيطة دون أن يفلتها تماما حتى بدئت أنفاس كلاهما تهدأ ..وما أن شعر بها تحاول الابتعاد حتى تركها.... لتبتعد عنه قليلا بارتباك بينما تحاول تعديل هيئتها التي تشي بما حدث بينهما بوضوح ...ليشير لها برأسه باتجاه الحمام قائلا بصوت ما زالت نبراته مثقلة بالعاطفة الحارة التي تشاركها :
"بإمكانك تعديل نفسك وغسل وجهك بالحمام لتنتعشي قليلا "
لتهز رأسها وتسارع ناحية الحمام هاربة من عينيه ... ليلتف هو حول مكتبه يلقي بثقله فوق كرسيه وهو يحدث نفسه بقنوط :
"يا الهي ...كيف سأحتمل بعدي عنها ..أنني أشعر بجسدي يئن ألما وحاجة لها ..وقلبي يكاد يذوب توقا وشوقا وهي ما زالت بجواري ....فكيف عندما أسافر ...ليغمض عينيه ملقيا برأسه للخلف بضيق ..ليفتحها على تزامن خروجها من الحمام مرافقا لطرقة على باب حجرة مكتبه صاحبها دخول أبيه بوجه متجهم ..ليقول لهما :
"جيد أنكما هنا معا ...لقد كنت توا عند الأستاذ مصطفى المحامي وقد أخبرني بتطورات قضية نبيلة وسعيد ..وحضرت لأخبركما بها ..وأيضا لتساعداني على تلقين حسين ما سيقوله أمام المحققين فهم سيأتون بعد قليل لأخذ أقواله بعد أن استقرت حالته "
ليتبادل كلا من أكرم وهند النظرات القلقة بينما ينظران للحاج محمد منتظران ما سيخبرهما به
------------------

"ماهي كفي عن المراوغة وأخبريني بشكل مباشر عن ما يحدث معك ...لقد تركت عملي رغم الظروف الضاغطة وعدم امتلاكي للوقت لأحضر إليك وأفهم ما بك ...وإياك أن تخبريني بتلك الكلمات التافهة التي ترددينها على مسامعي كلما هاتفتك عن كونك مرهقة أو مصابة بالبرد ..إلى غير ذلك من ادعاءات لم تعد تقنعني ...هناك ما يحدث لك وأنا مصر على معرفته "
كان يتحدث بغضب وقلق بينما يناظرها بتصميم على الفهم ...لقد كانت غبية لظنها أنها قادرة على خداعه ...كيف يمكنها وصوتها يخذلها كلما حادثها ليخرج مختنقا ..تكاد نبراته تصرخ طالبة منه القدوم ..لتمنع نفسها قصرا ...تحارب بين رغبتين ...رغبة بإخباره بما يختلج بداخلها ...بالاحتماء برحابة صدره وأمان ذراعيه ..من اضطرابها وتشتتها منذ عودة أبيها للظهور بحياتها ...وبين كرهها لأن يعرف أن أبيها هجرها منذ سنوات ...أبيها الذي يضغط بقوة على مشاعرها وهو يظهر أمامها بكل مكان ..وأيضا زوجة خالها التي تصر عليها كل يوم وآخر بأن تراه .. ضاغطة بكل قوتها عليها لتمنحه فرصة الحديث معها... لكنها لا تستطيع ...لا تستطيع منحه تلك الفرصة .... الأمر فوق طاقتها ..وأيضا لا تستطيع إخبار سامح بجرحها القديم ..لا تريد أن تعري آخر حصون روحها أمامه ...ليس هذا الجزء من ماضيها ...فهي هربت منه دوما ...لكنها أمام تصميمه تشعر بالاضطراب ..لا تعرف ماذا بإمكانها أن تخبره لتمتص غضبه ..لتحاول التملص من الموقف بالمهادنة والمماطلة وهي تقول له:
"سامح ..أنت تكبر الأمور ..كما أن لا المكان ولا الزمان يصلح لعقد تلك المحادثة نحن بالشركة ...وهذا وقت العمل ..ولا يصح أن نستغله لمحادثات خاصة"
ليرفع حاجبه بشر بينما يقول متهكما :
"يا لك من موظفة مخلصة ...عموما لا تقلقي ...لقد كنت لدى خالد منذ قليل لأطلعه على آخر تطورات العمل بالموقع وأعطيه تقريرا بما قمنا به وما سنحتاجه للفترة القادمة ...خاصة مع توسعات الفندق الجديد الذي أضاف قريبكم آسر مخططاته لنا ليزيد من أعبائنا المثقلة أصلا ...ورغم ذلك قد وافق مشكورا على منحي وإياك إذنا لساعتين معا ...فإما أن نتحدث هنا ..أو تتفضلي معي لنذهب لأي مكان تريديه لنتحدث فيه دون مقاطعة وأعيدك بعدها لعملك ...فأنا لن أتركك دون أن أفهم ما يحدث ...فقد بدأت الوساوس تلعب بعقلي .. ولدي هاجس خبيث يخبرني أنك ربما ندمت على ارتباطنا "
لتقاطعه هاتفة بنفي سريع:
"كلا بالطبع ..ما هذا الذي تقوله ..أنا لا يمكن أبدا أن أندم على ارتباطنا "
ليرد عليها بحدة :
"إذا ماذا يحدث ؟!! أريد أن أفهم؟!!" لتنظر له بعيون حائرة.. متألمة.. مضطربة ونظرات غائمة أقلقته ليقترب منها محاولا ضمها لصدرها ليقاطعه ما أن أمسك بيديها وقبل أن يضمها صوت طرقات على بابها رافقها دخول هذا الرجل الوسيم رغم كبر سنه الذي جاوز الخمسين ببضع سنوات ..والذي يبدو شكله لسامح مألوفا بصورة مبهمة ..ليشعر بانتفاضة يديها بين كفيه واضطراب وجهها وشحوبه بينما تقول بخفوت وصله مرتعشا رغم انخفاضه :
"يا الهي ...لماذا جاء؟!! "
ليسمع الرجل الذي يتطلع لهما بنظرات غريبة أربكته يقول بصوت رزين بينما عيناه معلقة بماهي ما جعله يرفع حاجبه بغضب وتساؤل :
" كيف حالك حبيبتي ..ألن تعرفيني ؟!!"
----------------



 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أقنعة, المصرية, الأقنعة, الذكريات, الثاني, الجسم, بقلم, رغيدا, رواية, سلسلة
facebook




جديد مواضيع قسم رومانسيات عربية
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:19 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية