لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روائع من عبق الرومانسية > رومانسيات عربية
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

رومانسيات عربية رومانسيات عربية


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-09-18, 01:54 AM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل السادس عشر
----------------------------
خرجت من باب المشفى لتقف للحظات ساهمة على الرصيف ..كانت ضائعة بأفكارها ومشاعرها المشوشة فلم تنتبه للرصيف المقابل الذي تقف به سيارتين تعرفهما جيدا إحداهما خالية.. لخالد والأخرى لأخيها مدحت المنشغل ببوح مخزي لأفعال والدته ..وخطتها مع عاصم والتي ستكون ضحيتها هي تلك القابعة على الرصيف المقابل والتي لم ينتبها لوقوفها لفترة حتى استوقفت بالنهاية سيارة أجرة أخذتها بعيدا عنهما وهما منشغلان بحديث محتدم ..
صدح صوت خالد صارخا بمدحت وهو يضرب بيده على باب السيارة بجانبه:
"هل جنت أمك؟ وأنت كيف توافقها على هذا الجنون ؟؟كيف تقبلا أمرا مهينا كهذا .. تبيعا شقيقتك وفاء للديون ..وبدون علمها ..تلقوا بها لحقير يكبرها عمرا بذمة خربة ومال مشبوه ..لماذا؟ ولأجل ماذا ؟ المال ؟!! كانت والدتك تملك منه الكثير ..ما يكفيها طوال عمرها ويفيض ؟؟لكن كالعادة الطمع أعماها ..فسقطت ببراثن أفعى متلاعب ..لف خيوطه حولها ؟؟!!ليصمت للحظات قبل أن يسأل بتوجس:
"كم قيمة ما تدين به أمك لهذا الرجل "
أخبره مدحت المتكئ برأسه على ظهر مقعده مغمض العينين بالرقم الذي جعل عينيه تتسعان ذهولا ليقوم بضرب جوانب السيارة بغضب في محاولة لإفراغ شحنة غضبه العاتية ..دون أن يحرك مدحت ساكنا ..فكأنما مجرد إخباره لخالد بكل ما حدث قد استنفذه ..أو ربما أراحه ..ليبدو بهذا الهدوء المريب ...
لينظر له خالد بأنفاس متسارعة ويقول من بين أسنانه بصوت يحمل غضبا وغيظا واضحا:
"الحقير ..ورطها بمبالغ طائلة ..بوقت لن أكون قادرا فيه على سدادها بوضعي الحالي ..والذي بت اشك شكا يكاد يصل لليقين أن له يدا به .. لكن أقسم بربي لن ادعه يهين عائلتي بهذا الشكل وفي نفس يتردد"
ليترك مدحت الصامت كما هو... و يخرج صافقا باب السيارة بعنف غاضب ..ليتجه لسيارته متحركا بها بسرعة جعلت محركها يزأر تاركا المكان ..دون أن يمر على من بالمشفى ..فورائه لقاءات لا تحتمل التأجيل ...
--------------------

ظل ينظر للهاتف بذهول بعد انقطاع الخط ..بينما يمسك بسلسلة مفاتيحها بيده ..تلك التي فوجئ بوجودها على مكتبها عند دخوله ليستنتج أنها لابد قد نسيتها ورائها فقرر مهاتفتها ليخبرها بما فعله من تغيير للمواعيد وأيضا بإيجاده سلسلة مفاتيحها ..فيبدو أنها اكتفت بإغلاق باب العيادة ورائها ولم تنتبه لفقدها لها ..كان ينوي إخبارها أنه سيمر على شقتهم لإعطائها إياها وهو يأخذ والده ليعيده للمشفى ..لكن الخط كان مشوشا وهاتفه انتهى شحنه وعندما وضعه بشاحن يتركه بالعيادة وأعاد الاتصال بمجرد فتحه بعد دقائق ..كانت تبدو له غريبة وتقول كلمات غير مترابطة كما لو كانت تهذي ..لتتسع عينيه بذهول وهو يحاول مرارا وتكرارا إعادة الاتصال بينما يسترجع قولها أنها ترى سعيد يدخل شقتها بينما لا يوجد أحد من أسرتها هناك ..كانت أنفاسه تتسارع ويشعر بانقباض غريب بصدره ..وهو لا يلقى استجابة على اتصالاته ..ليقبض على سلسلة المفاتيح الخاصة بها ويخرج بسرعة ليجري بالشارع متجاهلا سيارته فلا وقت لإدارتها والمراوغة المعتادة لمحاولة المرور بها بشارعهم الضيق ...ومتجاهلا أيضا النظرات التي طالعت جريه بتعجب .. بينما يحاول مهاتفة والده على هاتفه وهاتف المنزل فلا يجد ردا ..ليزداد قلبه انقباضا وجريه سرعة حتى بدأت أنفاسه بالتلاشي وهو يصعد السلم حتى وقف أمام باب شقة هند ...ليسمع بالداخل صوت تكسير وصرخات ممتزج بضحكات ليميز صوتا مكتوما لرجل يكاد يجزم أنه لسعيد ليبدأ بالدق على الباب والجرس معا بحدة ..ليسمع بعدها همهمات مكتومة ثم صمت تام مريب جعله يزداد جنونا وهو يعيد الضرب على الجرس والباب ..لترتفع دقات قلبه مع صوت صرخة مكتومة تكاد لا تلحظ قُطعت ببداياتها ليخرجه من حيرته شعورا بالألم لينظر ليده فيجد سلسلة مفاتيحها التي تركت أثرا بباطن يده من شدة ضغطه عليها ..ليقوم دون تردد بتجربة المفتاح الذي شك بكونه لشقتهم فالآخران يخصان العيادة وهو يعرفهما ..لذا جرب الثالث دون تردد أو اهتمام بكونه يقتحم حرمة المنزل أمامه لينفتح الباب أمامه على مشهد يقسم أنه لن ينساه طوال حياته ..
--------------

رغم شعورها بالتيه والرغبة بالرقص والغناء ..لكن يبدو أن جزءا من عقلها ما زال يعمل بصورة صحيحة ..جعلتها ترفض محاولاته لخلع ملابسها وتحاول الابتعاد عنه ليمسك بها ويصلها صوته من بين غمامات عقلها المشوش وهو يقول بغيظ "يبدو أن البودرة لم تعمل بكفاءة كاملة بعد رغم كونها من الصنف الممتاز سريع المفعول ..أو... انك لم تأخذي جرعة كافية منها ..على كل غير مهم "
..ليبتعد عنها قليلا ليشغل كاميرا هاتفه ..ويضعها على أحد الرفوف المرتفعة قليلا لدولاب صغير يحفظوا بداخله الأطباق وأكواب التقديم الخاصة بالضيوف ..وهو يقول بصوت هامس:
"هنا أنسب مكان حتى يصور الصالة بالكامل... أفضل من حجرة النوم رغم إغراء أخذك بالفراش لكن لن أجد مكانا مناسبا أضع عليه الهاتف لأصور ما سيحدث بيننا يا جميلتي ...كما أن تصويرك بصالة المنزل التي يعرف شكلها كل أهل الشارع سيجعل إنكارك لما حدث أو ادعاء انه لم يحدث مستحيل .. ومنضدة الطعام ستكون تجربة جيدة لك بمرتك الأولى"
..ليصلها ضحكته السمجة من بين تلافيف عقلها المشوش الذي تحاول بفشل التشبث ببعض وعيه .. تكاد تكون شبه فاقدة للإدراك الكامل بما يحدث ويقال تحتضن نفسها بيديها وتهتز يمينا ويسارا بلا قدرة على التحكم الجيد بأطرافها التي تشعر بها كمطاط أو هلام ذائب ..لتراه يقترب منها ثانية بعد تأكده من عمل الكاميرا وهو يجذبها إليه ثانية ويحاول حشرها بين جسده وحرف المنضدة محاولا بطحها لتستلقي فوقها وهو يحاول فك تشابك يديها المحتضنة لجزعها لخلع ملابسها بينما يقول لها:
"لابد أن يكون المسحوق قد أنجز المهمة الآن "
..لكنها رغم حالتها و تشوشها ظلت رافضة فك يديها ..
" لتسمعه يقول مدمدما بصوت خفيض بجوار أذنها:
"لا أريد استعمال العنف ..لابد أن يبدو الأمر بالتراضي"
..ليميل محاولا تقبيلها فتحيد بوجهها ليسقط فمه الكريه على وجنتيها فيعضها تاركا أثر أسنانه عليها ..وينزل لعنقها مقبلا وملتهما بقوة تاركا أثار واضحة عليه وعلى جيدها وهو يميل بها على سطح المنضدة ..كانت تشعر بالضعف والرفض دون قدرة فعلية على المقاومة ..لكنها رغم ذلك ظلت تحاول ..لتخرج صوتا صارخا ..لكنه خرج منها مزيجا عجيبا من الصراخ والضحك ..بينما تجرى دموعها الرافضة دون حول منها ..وهو يرفع منامتها من الأسفل لتنطلق من حنجرتها صرخة ضعيفة رافضة وتحاول دفعه بضعف وهي تحرك ساقيها باهتزاز أدى لإسقاط أحد المقاعد بدوي جعل عقلها يحاول المقاومة أكثر... ليثبت هو يديها لأعلى بيد ويحاول فك حزام بنطاله بالأخرى.. بينما يقبل عنقها وهي تحرك رأسها بهمهمات رافضة ضعيفة ..لينتفض على صوت ضربات عنيفة لباب الشقة مصاحبة لرنين الجرس ..ليترك يديها ويبتعد قليلا يناظر الباب بقلق لتحاول هي مقاومة ضعفها وتشوشها والاعتدال.. ليخذلها جسدها.. .. فتصرخ صرخة ضعيفة كتمها هو بيده بسرعة وهو يعيد تثبيتها على الطاولة مانعا حركتها لتحاول تحريك يدها التي اصطدمت بأحد كتبها وأسقطته ..ليثبتها هو تماما مانعا حركتها وصوتها بيده وجسده المستلقي فوقها ..ليفاجئ بالباب يفتح كاشفا عن أكرم الناظر لهما بذهول وفم متدلي وعينين مشتعلتين ..

------
ما أن فتح الباب حتى وجد هند منبطحة بظهرها نصف نائمة على المنضدة وقدميها مدليين للأرض بينما يجثم سعيد فوقها كاتما فمها بيديه ومقيدا يديها بالأخرى ..ليجن جنونه و يهجم عليه جاذبا إياه بعيدا عنها ومنهالا عليه ضربا وسبا ..بقوة وعنف وغضب لم يشعر بهم يوما بحياته ..شعور بالاشتعال جعله راغبا بل وقادرا على القتل وهو يرى هند تنتهك ..إحساس برغبة بدائية بتمزيق هذا الحقير الذي تجرأ ومس ما يخصه ..نعم بتلك اللحظة تأكد أن هند تخصه هو ..فتاته هو ....عرضه هو ..وقد تجرأ عليه كلب حقير محاولا انتهاكه ...ليزداد عنفا وجنونا وهو يكيل له لكمات يجيد الحقير تفاديها ببراعة فتى شارع اعتاد القتال وإن لم يستطع ردها نتيجة سرعة وقوة وانفعال أكرم الذي يحركه قوة غضب هائلة ..ورغم جنون غضبه.. لم ينسى عقله التأكد من حالة ملابس الحقير ليتأكد انه لم يقم بعد بتنفيذ مآربه الحقير ..ورغم راحة هذا الشعور بكونه لم يتمكن بعد من إنهاء فعلته العفنة ..إلا أن هذا لم يقلل من غضبه ..خاصة بعد أن التقطت عينيه تلك العلامات على وجه ورقبة هند ..علامات تشي بكون هذا الحيوان استطاع أن يلمس فتاته هو ..أن يضع فمه الحقير على جسدها ...ليستشيط عقله وداخله يتساءل من بين أتون الغضب ورغم الشجار الدائر بينه وبين الوغد الذي يتلقى ضرباته على جسده بينما يتلوى حاميا وجهه بيده فلا يستطيع أن تطاله لكماته ....كيف سمحت له؟!! ..كيف لم تصرخ جامعة أهل الحي جميعا ..ليوقف جنون عنفه صوت صرختها المصاحب لسقوطها وضرب رأسها بحافة الطاولة ..ليستغل سعيد التفات أكرم ناحية هند التي سقطت أرضا وهي تضحك بهستيرية وتناديه ...ليدفعه بسرعة ويهرب خارجا ..ليحاول أكرم اللحاق به فتوقفه يد هند التي تشبثت بساقه وهي تناديه باهتزاز وتقطع :
"أكرم حبيبي ..أنت هنا ..لن تتركني وتتزوج ..أو تسافر " ليميل عليها بينما يمر بعينيه فوقها بغضب متصاعد وأنفاس متسارعة ..هو واثق أن الحقير لم ينهي الأمر معها ..لكن تلك العلامات عليها تثير جنون غضبه ..ليلفت نظره حالتها المشوشة وضحكاتها الغير طبيعية المصاحبة لدموعها المنهمرة واهتزاز بؤبؤ عينيها ..ليرفعها من الأرض موقفا إياها أمامه وهو يسندها على صدره ويثبتها بلف يده اليسرى حول خصرها.. بينما يرفع رأسها باليمنى ...ليفتح جفنيها بإصبعيه السبابة والإبهام فاحصا عينيها ..وهو يسألها بصوت لاهث غاضب مختنق :
"ماذا تناولت ..هل أعطاك شيئا ما ..نوع من مخدر أو شيء كهذا ..ماذا فعل بك ؟!!"
بينما كانت هي لاهية عن ما يفعل لا ترد عليه ..تنظر إليه بعدم تركيز وابتسامة بلهاء.... مرتمية بحضنه تدندن باسمه كما لو كان مقطع من أغنية ..لترفع يدها المهتزة ملامسة وجهه بتيه وهي تقول بوله وصوت مهتز :
"أحبك أكرم"
ليتسمر أكرم للحظات ناظرا إليها بشعور مرتبك وقلب نابض بضربات عنيفة تطرق صدره... وما أن هم بالكلام حتى أنتفض على صوت شهقات قادمة من أمام باب الشقة المفتوح .. ليجد سعيد يقول بخبث مستنكر وبأعلى صوت ممكن:
"ما الذي يحدث هنا ..تعالوا يا أهل البيت و الحي .. وانظروا ..الطبيب المحترم يستغل فراغ الشقة ويقيم علاقة مشينة مع جارته هند"
..ليتسمر أكرم ذاهلا وهو يستمع لكلمات الحقير سعيد الواقف أمام الباب ناظرا له بتشفي ومكر ..وبجواره تقف السيدة أم محمود جارتهم بالطابق الأرضي ..وأكثر نساء الحي ثرثرة ونشرا للإشاعات والفضائح.. تنظر له باستنكار وتضرب صدرها بيدها وتولول وهي تقول: " يال الفضيحة ..أنت ؟!!..أنت يا دكتور تفعل ذلك!! ..أنت يا ابن الأصول ..تكون بتلك الأخلاق" ..وتشير لهند التي ما زال ممسكا بها بجواره ..فهو يعلم أنه لو تركها ستسقط أرضا بحالتها تلك: " وأنت!!! أنت يا ابنة عبد السلام الرجل الطيب تكوني بتلك الأخلاق المنحلة "
ليبدأ الناس بالتجمع والتجمهر أمام باب الشقة على الصوت المرتفع لأم محمود وسعيد ...ويسقط بيد أكرم ..فوضعه وهند مرتمية بصدره بحالتها المشعثة والآثار الواضحة بجيدها لا تترك لدى الناظر شكا بكون أمر لا أخلاقي كان يحدث بينهما ..ووجودها بأحضانه متشبثة به يثبت عليهما الاتهام ....
حالة من الارتباك والتشوش أصابته جعلته فاقدا للقدرة على الرد والتصرف بينما تصله الهمهمات المستنكرة للأعداد التي بدأت بالتزايد أمام باب الشقة من الجيران ودخل بعضهم إليها.. بينما أم محمود تخبر القادمين أنها صعدت مع سعيد الذي طرق بابها طالبا منها أن تصعد معه للإحضار بعض الأشياء التي تريدها أخته نبيلة التي ستبيت لديهم من الشقة وهو لا يريد أن يطرق الباب على هند وهي بمفردها ..وما أن صعدت معه حتى وجدت الباب مفتوح وهند بأحضان الدكتور أكرم بوضع مشين"
ليقاطعها أكرم قائلا بارتباك في محاولة لإعطاء تبرير لهذا الموقف السيئ دون أن يقول الحقيقة حتى لا يسئ لوضع هند أكثر ..أو يضعها تحت شبهات تطالها ..خاصة مع فعلة الحقير بإحضار أم محمود قبل صعوده ..والتي ستنفى عنه الاتهام ليقع كلاهما بدائرة الشك بدلا منه ..ليحاول إيجاد تبرير بينما ما تزال هند متشبثة به:
"الأمر ليس هكذا... هند مريضة وكنت قادما ...لإعطائها المفاتيح التي نسيتها بالعيادة فوجدتها تفتح وهي على وشك فقدان الوعي فأسندتها فقط حتى لا تسقط وأدخلتها للمنزل"
ليقاطعه صوت سعيد مليئا بالخبث وهو يقول باعتراض ماكر:
"وهل نحن أطفال لنصدق تلك الكذبة المفضوحة ...هل يصح أن تدخل لديها وهي وحدها ..وأيضا هل تستلزم إفاقتها احتضانها ..أي نوع من الطب هذا!!وهل هو نفس النوع الذي تسبب بتشعث ملابسها وتلك العلامات على وجهها وعنقها ..أتريد أن تضحك علي المتواجدين بتلك الكلمات الكاذبة التي لا يصدقها عقل طفل لتداري علاقتك المشينة بتلك ال***** "
لتنفلت أعصاب أكرم ويصرخ به متجاهلا الأصوات المؤيدة لهذا الحقير:
"أخرس أيها الكلب الأجرب ..أنا وهند أشرف منك ومن أمثالك ..إياك أن تجرؤ على المساس بها أو إلقاء النعوت التي تليق بأمثالك ومن تعرف عليها "
كان راغبا بالهجوم عليه وضربه لكنه غير قادر على ترك تلك المتشبثة به بتيه وعدم توازن ليقاطع تبادلهم للنعوت.. والسباب.. والشجار.. صوت أبيه الذي اخترق جموع الواقفين ليدلف لداخل الشقة ناظرا للمشهد أمامه باستنكار غاضب:
قائلا بحدة: "ما الذي يحدث هنا ؟!!!"

كانت عيناه ذاهلتان وهو يرى هند بحالتها الغريبة وهي واضعة رأسها على صدر ابنه أكرم الذي يلفها بذراعه ..بينما الفتاة لا تبدو بحالة طبيعية وهناك علامات تشي بحدوث أمر سيئ على وجهها وعنقها ..لكنه أبدا لم يشك لا بها ولا بابنه ..رغم تلك الهمسات المسيئة التي سمعها من حوله ..ومن هذا المراهق محمود ابن جيرانهم بالطابق الأرضي الذي طرق بابه منذ لحظات مخبرا إياه بأن أمه والجيران قد أمسكوا بابنه أكرم وهند بوضع مشين ويحاولون الفتك بهم ...كان قبلها قد قرر أخذ حمام دافئ بعد تجهيزه لما طلبته زوجته وما يحتاجانه قبل عودة أكرم إليه ليعودا معا للمشفى ...و قضى وقتا طويلا تحت الماء الدافئ ليزيل عنه تعب الليلة السابقة التي قضاها ساهرا مرتجف القلب على ابنه سامح ..ليخرج لأداء صلاة العشاء وركعتي شكر لله الذي أنجى ولده مما جعله لا يعبأ بالأصوات المتعالية خارج باب الشقة ليتزامن إنهائه للصلاة مع طرقات محمود ...
كانت أصوات المتواجدين تتداخل وكلا منهم يحاول شرح الأمر له حسب ما يظنونه ..ليصرخ بالجميع طالبا الصمت وهو يلتفت لأم محمود الذي وصله صوتها أعلى من الباقين وهي تقول أنها من أمسكت بهم معا متلبسين بوضع مشين ...لينظر لها سائلا بعد أن لاحظ نظرة ابنه المرتبكة المستنجدة به بضعف أذاب قلب أبيه:
"أم محمود ..أنت تقولين أنك شاهدت أكرم بوضع مشين مع هند وهو يحتضنها ..كيف شاهدتهم والباب مغلق؟!! "
لتهتف نافية وهي تقول:
"كلا الباب كان مفتوحا على مصرعيه"
ليضحك الحاج محمد ساخرا وهو يقول:
"أتقولين يا أم محمود بأن أكرم وهند كانا يقومان بعلاقة مشينة معا والباب مفتوح على اتساعه !! ليراهما الجميع !!!..هل هذا كلام منطقي أو يعقل !!"
لتبدأ الأصوات تتعالى حوله مؤيدة بينما ترتبك أم محمود دون أن تجد إجابة ...ليعلو صوت سعيد وهو يصرخ ممسكا بهاتفه متحدثا به بعد أن كان قد تراجع قليلا للخارج ..متصلا بأخته من هاتفه الذي استطاع أخذه دون أن يشعر أحد به مستغلا الارتباك الحادث ... فالهاتف هو السبب الأساسي الذي دفعه لعدم المغادرة خوفا أن يقع بيد أحد ما ويرى الفيديو المصور والذي يكشف الحقيقة ..... ليخبر نبيلة بصوت خافت بما حدث وبما أخبره لأم محمود عن سبب وجوده تحت المنزل لتؤيد كلامه فيما بعد.. ليضيف بعدها بصوت مرتفع ليسمع من حوله وهو يعود للتقدم للداخل:
"تعالي يا نبيلة ..تعالي يا شقيقتي وأحضري ابنك حسين وإخوته ليروا فضيحة ابنة زوجك ...أختهم التي وضعت رؤوسكم بالوحل مع الطبيب جاركم الذي تعمل عنده .. تعالي قبل أن يخدع أبيه الناس ليداري على فضيحة ابنه ..بينما الحقيقة واضحة كالشمس وأمام الجميع ..فالمصونة هند ما زالت بأحضانه ووجهها يحكي الحقيقة التي يحاول أبيه مداراتها وجسدها يحمل أثار فمه وأسنانه "
ليقاطع كلماته الفاحشة صوتا حازما ناهرا جعل الكل يصمت باحترام بينما يوسعوا الطريق للشيخ مرسي إمام المسجد ..والرجل الأكثر احتراما وتقديرا بالمنطقة بأكملها .. والذي يقطن بالمبنى المجاور ...لينظر للجميع وهو يقول بغضب:
"هل أصبحت أعراض الناس مباحة لتلوكوها دون بينة " ليرد سعيد ساخرا:
"أي بينة أكثر مما رأيناه ونراه بأعيننا يا شيخ ..لقد رأيتهم بنفسي مع أم محمود وهما بين أحضان بعضهما وبوضع مشين وأنا شاهد على ذلك"
ليرد عليه الشيخ مرسي ساخرا:
"وهل أنت شاهد يعتد بشهادته يا سعيد ..الشاهد يجب أن يكون مؤتمنا ومحل ثقة ومن العدول"
لينتفض سعيد غاضبا ومتناسيا هاتفه الذي ظل مفتوحا:" ماذا تعني يا شيخ ..أتريد أن تشكك بشهادتي لتداري على فضيحة أبناء أصدقائك ..فالكل يعلم أنك صديق لوالد هذا الأكرم كما كنت لوالد تلك ال*****.. وأيضا تربطك بها قرابة بعيدة من ناحية أمها الراحلة ..لهذا ستكذب وتدافع عنهما"
لتتعالى الأصوات المستنكرة من المتواجدين ..الذين بدئوا يسبون سعيد لتطاوله على شيخهم الذي يجلونه ..ليقاطع الشيخ مرسي أصوات الجميع بينما يجيل عينيه بوجوههم قبل أن يشير برأسه مناديا بهدوء:
"محمود ..تعالى يا فتى أريدك أن تنادي زوجتي ..بسرعة ..وبعدها تذهب لمناداة المعلم شعبان من قهوته ..والحاج عامر من بقالته ..والأستاذ مصطفى المحامي من مكتبه ..واخبرهم أن الشيخ مرسي يريدهم الآن فورا بمنزل المرحوم عبد السلام بلا تأخير"
لينطلق الفتى بسرعة ملبيا لطلبه ...بينما ينظر هو للمتواجدين متجاهلا سعيد وهو يقول ..أتثقون بي وبتلك الأسماء التي طلبت حضورها ..ليهز المتواجدين رؤوسهم وهم يطلقون أصوات التأييد وكلمات الاحترام لمن طلبهم ..فهم أفضل رجال الحي وكبرائه ..ليقول لهم بصوت حاسم:
"أنا وهم سنعرف ما حدث هنا بالتفصيل ونبلغكم به ..لن نقبل بخطأ أو نداري على خطيئة ..لذا أرجوا أن يذهب الكل لمنزله حالا ..ونحن كفيلين بحل الأمر"
ليهتف سعيد رافضا ومستنكرا ..وهو يقول بإصرار.. أنه لن يذهب ..حتى تأتي شقيقته ..ويعرف ما سيحدث فالأمر يمس شرف أخته وأبنائها..
كانت السيدة اعتماد زوجة الشيخ قد حضرت مهرولة ليميل زوجها على أذنها طالبا منها أخذ هند معها لمنزلهم ..وتغير ملابسها ومحاولة إفاقتها فالفتاة تبدو بحال أشبه بفاقد الوعي بعيون مفتوحة ..وأن لا تسمح لأي من النسوة بمصاحبتها أو الحديث مع الفتاة.... لتهز رأسها موافقة وهي تتقدم محاولة سحب هند التي ظلت لفترة متشبثة بأكرم كما لو كانت ترفض تركه وهي تهمهم بكلمات غير واضحة للمتواجدين بينما سمعتها هي وأكرم ...كانت تناديه بتيه.. وتستجديه بضعف.. وتخبره بصوت خافت مرتعش أنها تحبه لتقف ..اعتماد أمامهما تداريها بجسدها بينما تفك تشابك أصابعها من فوق قميص أكرم.. ...تداريها عن الأعين المراقبة لهم لتأخذها بأحضانها هي ساحبة إياها بينما تسندها لتسير معها ببطء متجاهلة كل المتواجدين ...ورافضة عروض بعض السيدات بمساعدتها والذهاب معها ..
بينما كان أكرم يتابعها بعينيه ...أصابعه التي كانت ملتفة حولها متشنجة بينما يضمها لجانبه ليمنعها من إعادة جذبها إليه ...يقاوم بشدة رغبته بعدم تركها وان يظل محتضنا إياها قرب صدره ..عيناه متعلقة بها بشدة حتى اختفت عن ناظريه .. لينتبه بعدها لعيني أبيه والشيخ مرسي المتابعة له بتحديق متفحص ..
---------------------
يدمدم بمزيج من الشتائم وهو يدفع قطع الأثاث بعنف ...يكاد يشتعل غيظا وهو ينظر لحقيبة ملابسه الملقاة على الفراش ..بينما يقف متخصرا وهو يحدث نفسه ..لابد أنها لعنة وحلت فوق رأسي ..لابد أن أمي كانت تدعو علي لتجاهلي لها طوال تلك الأعوام فابتلاني ربي بها لتخليص ذنوبي ...ليرفع يده ممرا إياها بشعره بنزق وهو يتذكر مهاتفة والده له أثناء إيصاله لها لمنزل جديه الراحلين .. ليخبره ما أن علم أنها ما زالت معه وقد اقتربا من منزلها ..أن يجعلها تصعد لتجميع ملابسها وأشيائها وينتظرها ليعود بها لمنزلهم!!! ..لأن سيارة الأثاث ستحضره بعد ما يقارب الساعتين ..والده الذي رتب كل شيء من داخل حجرته ومن فوق فراشه بالمستشفى ليضعه أمام الأمر الواقع ...فأخبره أنه هاتف بواب عمارتهم وسيكون هناك مجموعة من الرجال بانتظاره ما أن يصل ليساعدوه على فك و نقل أثاث حجرته للشقة المجاورة ...ليحاول المماطلة بادعاء صعوبة النقل والشقة غير جاهزة أو منظفة ..وانه الأفضل وضع الأثاث الجديد مؤقتا بالشقة المجاورة حتى يرتب أموره ...لينهره والده معنفا ..بأنه لا يصح ترك الوضع معلقا وترك ابنة خالته وحدها أكثر من ذلك ..ومخبرا إياه أن والدته بالفعل قد سبقتهم على البيت وقامت بمعاونة زوجة البواب ( حارس العقار) بتنظيف الشقة المجاورة خاصة الحجرة التي سينقل إليها غرفته ...
حتى والدته عندما حاول استمالتها واللعب على عواطفها كما كان يفعل بصغره ومراهقته... حيث أخذ يحدثها عن شوقه لها وحاجته لدلالها .. ووجوده قريبا منها لتعويض السنوات الفائتة ..وكاد يظن انه نجح خاصة مع الدموع التي ملئت عينيها ..وهي تضم وجهه بين كفيها متلمسة إياه بحب وشوق لتضمه لها و تربت على ظهره لتصدمه وهي تقول : "أنها لن تبعد عنه وستعوضه كل ما فات... فهو سيقضي اليوم معهم ...ويأكل كل وجباته معهم ...وهي ستهتم به وهو بالشقة المجاورة ..والتي لن يذهب إليها إلا عند النوم ..ولو أراد إن تذهب معه لتبقى معه حتى ينام فستفعلها "
...ليعض على أسنانه بغيظ ..فقد شعر انه لم يبقى إلا أن تخبره أنها ستحكي له قصة قبل النوم وتضع له جهاز الاستماع الخاص بالأطفال !!!
لتكمل بمهادنة له "أنه لا يصح ترك ابنة خالته وحدها بعيدا عنهم ..وخاصة أنها يمكن أن تتعرض للتحرشات والملاحقات السمجة أو ما هو أسوء ..كونها فتاة جميلة ..وتعيش وحيدة ..لتضيف أنها كانت تتعرض للعديد من المعاكسات ومحاولات بعض شباب الحي حيث كانتا تقيما ... التعرف عليها وإبداء إعجابهم بجمالها ..ورغم أنها كانت تعيش معها لم يردع ذلك بعضهم ...عن محاولات التطاول والتجاوز ...فما بالك لو كانت وحدها"
...لا يدري لما شعر بالضيق لسماعه أن هناك من كان يراها جميلة أو يحاول ملاحقتها ...
كان يسبها بصوت مسموع رغم خفوته وهو ينعتها ..بالمتطفلة اللعينة ...السارقة ليفاجئه الصوت القادم من الخلف ليستدير بغيظ فيجد سبب شقائه مستندة بكتفها على باب الحجرة ..
كانت قد أنهت مع خالتها ترتيب حاجياتها بالحجرة الجديدة التي أعجبتها جدا...بل إنها لا تبالغ إن قالت أنها لو كانت تختار بنفسها لاختارتها ..فهي بألوانها التي تجمع بين الأبيض والوردي بتداخل رقيق وسرير متوسط الحجم.. وخزانة ملابس ملحق بها رفوفا جانبية بشكل هندسي يوضع بجانب منها ألعابها الأثيرة ذات الفراء وعرائسها التي تعشقهم وبالآخر ..كتبها ...بينما المنتصف يمثل صوان الملابس ..وأيضا تلك المرآة الرائعة الملحقة بمنضدة ذات أدراج بمقابض تشبه عرائس عالم ديزني الذي تعشق قصصه.. كل هذا جعلها غرفة أحلامها ووقعت بغرامها بجنون
لقد كانت رافضة فكرة الانتقال بالبداية عندما عرضتها عليها خالتها والعم أشرف.. وكانت مصرة على البقاء وحدها ...لكن رفضهما البات من ناحية .....وإبلاغ أمها لها برفض أبيها لبقائها بمفردها وتصميمهما على عودتها لهم ..جعلها تفكر بالموافقة... وخاصة أن والدتها أخبرتها أن والدها اضطر لإبداء موافقة تحت ضغط الإحراج من العم أشرف على إقامتها لدى بيت خالتها .... فالعم أشرف هاتفه طالبا إبقاءها معهم ومؤكدا على كون ياسر لن يعيش معهم بنفس الشقة ..وضغط على والدها ...خاصة عندما اتهمه بعدم الثقة به عندما رفض بالبداية ....مما اضطر أبيها للرضوخ للأمر ...والقبول بانتقالها لديهم ...إن هي وافقت ..معتمدا على قدرة والدتها على التأثير عليها ليكون الرفض منها وتعود إليهم ....كل هذا جعلها تفكر بالقبول فهي ما كانت لتعود أبدا .... وكانت معرفتها باعتراض ياسر وغضبه من الأمر.... عندما سمعته أثناء ذهابها لزيارة العم أشرف يصرخ بغضب هادر برفضه الانتقال من الشقة لتستولي هي على مكانه... متهما إياها بسرقة مكانه ..وناعتا إياها بالمتطفلة ...ما أشعل غيظها ..فحسمت ترددها بالموافقة للانتقام منه من ناحية ...وعدم العودة أو تنفيذ رغبة والدها الغير معلنة من ناحية أخرى....
لقد طلبت منها خالتها الحضور لمعاونة ياسر في ترتيب حاجياته حتى تعد هي بعض الطعام لهم ..لتفاجئ به يرغي ويزبد ...مما أسعدها بقوة ...لا تدري سر شعورها بالمرح والحبور كلما أخرجته عن طوره ..وأشعلت مراجل غضبه ..لتقول له بمكر وتشفي:
"هل جننت رسميا لتحدث نفسك يا أبن خالتي ...ولو إنني لست مستغربة ..فجنونك كان ظاهرا منذ البداية ..فقط لا اعرف كيف لم يكتشف حالتك أحد إلى الآن فحالتك صعبة وواضحة ....لكني أرغب أن أعرف من تلك التي تسُبها وتتهمها بالسرقة ..وما هو الذي سرقته منك بالضبط؟!!"
ليقترب منها أكثر مما يجب ..حتى اضطرها للاعتدال والتراجع وهو يميل عليها حتى لم يعد يفرق بين جسديهما إلا مسافة إصبع وهو يقول من بين أسنانه المطبقة:
"أنت تعرفين جيدا من اقصد ..فكفي عن خبثك والأفضل لك أن تبتعدي عن نظري الآن حتى لا أريك شيئا من جنوني ..فصدقيني أنت لم تري شيئا منه بعد"
لترفع إصبعها في وجهه وهي تقول له بحدة وعناد:
"لا تهددني يا ياسر ..فأنا أكثر منك جنونا ...وأنت الذي لم ترى شيئا من جنوني بعد ...ولا تظن أنك تخيفيني بضخامتك وتهديداتك ..فهي لا تعني لي شيئا ..وكف عن الاقتراب مني كلما أردت محادثتي ..التزم بالمسافة بيننا ..فاقترابك لا يليق" لترفع رأسها وهي تمد أطراف أصابع يدها لإبعاده ..لتجده ينفض يدها ولتعجبها ينفجر ضاحكا وهو ينظر لها من أعلى لأسفل ويقول بسخرية مهينة:
"ماذا؟!! أظننت أني أتعمد الاقتراب منك لغرض سيئ مثلا ..ربما وصل بك الجنون لتظني أني والعياذ بالله معجب بك مثلا ...أو...لا قدر الله أنظر لك كأنثى.. لا تقلقي على نفسك يا ابنة الخالة ...لست يائسا لتلك الدرجة "
كانت عينيه تمسحها صعودا وهبوطا باحتقار وانتقاص أثناء حديثه ..مما أثار غضبها لتقول بغضب حاد ممزوج بالكبرياء:
"بل أنا من لا أريدك أن تنظر لي ..فأنت لا تملأ عيني ..ولست الشخص الذي تقبل به فتاة رائعة مثلي...يطلب ودها الجميع " لترفع عينها ورأسها بتكبر
لتجده ينظر له بسخرية وهو يقول قبل أن يتركها مغادرا إياها لخارج الحجرة:
"أرى أيتها الرائعة أن تنظري لنفسك أولا بالمرآة قبل أن تشمخي برأسك بكل هذا التكبر ...قال رائعة قال ....ها"
كانت أنفاسها تتسارع بغيظ خاصة أنه غادر بسرعة دون أن تأخذ حقها منه ..لتجد نفسها تتحرك لداخل الحجرة لتقف أمام المرآة ..قبل أن تتسع عينيها بذهول وصدمة وهي ترى شكلها ألذي يشبه خادمة ببيت معلم جزارة بمنطقة شعبية ..فهذا المنديل ذي الألوان الفاقعة الموردة الذي أعطته لها خالتها لتربط به شعرها حتى لا يتسخ أثناء التنظيف والترتيب.. وهذا الجلباب القديم المتسع ذي اللون الرمادي الكئيب الباهت الذي لا تدري من أين أحضرته خالتها لترتديه هي فوق ملابسها لنفس السبب ..لتقوم هي بتجميع قماشه الزائد لتربطه على جانب واحد لترفعه و تتفادى الوقوع نتيجة طوله الزائد مما جعلها تشبه المهرجين...كما أن هناك عدة لطعات على الثوب جعلته يبدو كملابس متسول ألقى أحدهم عليه طعاما مليئا بالزيوت ..وأيضا وجهها مليئا بلطخات من الغبار وبعض الخطوط السوداء الناتجة على الكحل والماسكارا التي سالت من عينيها لأنها كالعادة عندما تندمج بأعمال المنزل تدعك عينيها ناسية أنها سبق وزينتها ..لتقول لنفسها بغيظ :
"يا الهي ..لا عجب أن يقول لي تلك الكلمات" ...لتستطرد بعد لحظات وهي ما زالت محدقة بوجهها البائس بالمرآة ...."لا المهم القالب ..والحلو حلو مهما ارتدى أو لطخته القاذورات ..المهم الثقة" ....لتشمخ بأنفها وهي تقول بتوعد ..."سأريك يا ابن خالتي ...فقط انتظر قليلا وسأجعلك لا تكلم نفسك فقط ...بل تقف بالشرفة تصرخ كالمجانين حتى يقذفك الأطفال بالحجارة وهم يهتفون ( المجنون أهو)
--------------------------

كانت بحاجة لهذه الضمة ..بحاجة لحضن دافئ وصدر عطوف وعقل متفهم ...فلم تجد سواها لتذهب إليه.. ترتمي بين ذراعيها باكية تفرغ على صدرها همومها ..وشعورها بالألم ...بالنقص ...وبالغبن ..فلا يسبب تلك المشاعر شيئا أكثر من استهانة وجرح أقرب الناس ..لتظل تهذي على صدرها... وهي تسألها عن سبب ما يحدث لها ..هل العيب فيها ليهجرها أباها صغيرة ..ويتركها أخاها بلا سند ..وتهنها أمها كأنها لا تساوي إلا قيمة الرصيد البنكي لمن يتقدم لها ..بغض النظر عن مشاعرها هي ..كانت تبكي بحرقة بين ذراعيها ..وهي تفرغ ألمها حتى فقدت القدرة على المتابعة من قوة نشيجها ..وارتعاد جسدها ...لتضمها زوجة خالها أكثر وهي تطمئنها بكلمات مهدئة و تربت على شعرها بحنو ..حتى بدأت تهدأ ..لترفع رأسها ماسحة عينيها بأصابعها وهي تنظر لها بهدوء وبسمة حانية بينما تخبرها بتأكيد حازم:
ماهي ...صغيرتي ..كفي عن البكاء والنحيب.. لن تحل الأمور بهما "
لترفع إليها عينين تحولتا للون الأحمر ووجه محتقن رطب بالدموع ..لتقول بصوت متقطع بفعل النشيج:
"ماذا أفعل خالتي سمية ...أمي وافقت على عاصم هذا دون أن تهتم حتى بسؤالي عن رأيي.. بل وحددت معه موعد حفل الخطبة ...ومن يدري ربما الزفاف أيضا... كما لو كنت جارية تبعها لمن يدفع أكثر ..وأخي اخذ جانب أمي كعادته ..وأنا.. وحدي ..أحارب بمعركة اعرف مقدما أنها خاسرة ...فلن أقوى طويلا على المقاومة ...لقد تعبت ..حقا تعبت ..أحيانا أفكر بالاستسلام لهم ..ليفعلوا ما يريدون ..فلم يعد شيئا يهم "
لتنظر سمية بعمق لعينيها بينما تسألها بمكر وترقب:
"أحقا تفكرين بالاستسلام ..وترك نفسك لهم؟!! ..وماذا عن رغبات قلبك يا صغيرتي "
لترتبك ماهي وتحاول التفلت من يديها المطوقة لوجهها وهي تهرب بعينيها بعيدا بارتباك ...بينما تسألها بتلعثم عن ما تقصد ...لتضحك سمية بهدوء وهي تقول بمكر:
"أتحدث عن فتى مشاغب ...مهندس شاب ...بطباع نارية ..مندفعة ..ولسان يحتاج للتقويم ..خاصة وهو ينطق بعكس ما تظهره عيناه ولغة جسده ..أتحدث عن شاب ينظر لك بعشق ممزوج بالغضب ..ويكاد يشتعل غيرة إن رأى خالد يلمس يدك بسلام عابر "
لتخفض عيناها هربا من تلك النظرات الفاحصة بينما توقفت عيناها عن ذرف الدموع وخف نشيجها قليلا وهي تقول بتهرب:
"عمن تتحدثين خالتي ...لا أفهم ؟"
لتعيد سمية رفع وجهها بيدها وهي تنظر لعينيها لتقول بصراحة ووضوح:
"أتحدث عن سامح يا ماهي ..أنت تعرفين جيدا انه من اقصد ..مشاعر كلاكما واضحة للأعمى ..أنت وهو بينكما رابط عاطفي واضح لمن يراكما ..شيء يفوق الإعجاب بمراحل ..لا استطيع أن أؤكد انه حب ..فأنتما فقط من تستطيعان تأكيد ذلك ..لكني أظنه كذلك "
لتعود ماهي للارتماء بصدرها وتقول بتنهد وحشرجة بكاء ومزيد من البوح تحتاجه لتخرج من هذا العناء:
"بل هو الحب خالتي ...من ناحيتي أنا على الأقل ..أما هو فلا أدري ..أحيانا.. أشعره يبادلني مشاعري فرغم سلاطة لسانه ..وطريقته الحادة معي.... لكن تلك الغيرة التي أراها بعينيه ..هذه النيران التي تنطلق منه و التي تحذرني من أن أتجاوز مع أي ذكر بمحيطي ..تجعلني أكاد أوقن انه يبادلني الحب ...لأعود بأحيان أخرى فاكذب نفسي ..واعتبرها مجرد خيالات وتمنيات مني .. خاصة عندما أراه يتباعد ..كما أني أشعر أحيانا انه يرفضني .. كأنه يرغب بخنقي وإزالتي من محيطه تماما...لا افهم لماذا ؟!.. "
لتقاطعها سمية وهي تربت على شعرها:
"ليس رفضا لكِ ...بل محاولة للهروب من مشاعره ناحيتك يا صغيرة"
لترفع ماهي رأسها ثانية وهي تنظر لها بتعجب وتساؤل:
"ولما يهرب خالتي.... ألا يحبني؟!! ..فلماذا لا يردني ..لما لا يقترب كما ينبغي؟!"
لتبتسم سمية بشرود وهي تقول باسمة:
"لأنه شقيق همس ...يملكان نفس العقلية والطباع ...إذا كانت هي أثارت جنون خالد برفضها وهربها منه خوفا من فرق المستوى الاجتماعي ...ونظرة الناس لها كباحثة عن الذهب ...فما بالك بشاب له نفس التفكير ..الأمر سيكون أقوى وأصعب لديه ...فالمرأة تعيش بكنف زوجها ...هو من ينفق عليها لينقلها لمستواه ...أما الشاب فهو المسئول عن توفير المستوى اللائق والمناسب لمن يرتبط بها ....فإذا كان مستواه اقل منها ولن يستطيع أن يوفر لها الحياة التي اعتادت عليها ..فسيشعر بالنقص... والغضب.. والنفور من مشاعره...وشاب بكبرياء سامح لن يحتمل هذا ..لذا يهرب منك ومن مشاعره ..بل قد يقسوا عليك وعلى نفسه أيضا "
لتعترض ماهي قائلة:
"لكنى لا اهتم خالتي ..أنا لا يعنيني أن أعيش معه بحجرة صغيرة ..ببيت أهله...بالعكس سأسعد بذلك ..فانا شعرت لديهم بدفيء لم اشعر به في بيتنا الأشبه بالقصر... لكنه بارد يكاد يخنقني ويملئني صقيعا"
لتربت سمية على خدها بمحبة وهي تقول لها بتقرير:
"عزيزتي كلامك كلام نظري... لكن عند الجد قد لا تتحملينه ..أنت الآن تأخذك فورة العشق والتضحية لأجل الحبيب ..لكن صدقيني الأمر ليس سهلا... لا عليك لتحتملي حياة لم تعتاديها ...ولا عليه لأنه سيشعر بنقص قدرته عن توفير مستوى لائق لك ...وقتها ستزداد المشاكل بينكما ..لتقاطع محاولتها الاعتراض وهي تضيف ..."لا أقول لك هذا لتبتعدي عنه ...بل لتفكري جيدا فيما ستواجهينه معه إن حدث بينكما ارتباط يوما ما ... وإن وجدت في نفسك القدرة على التحمل ..دون إحساس بالتنازل والتمنن من جهتك ...قد يستشعره هو يوما ... إن شعرتي أن حبك له قادر على احتمال ليس فقط ضغوط فرق المعيشة.... بل أيضا نزقه ..غضبه ...مشاعره المضطربة ...شعوره بالنقص أحيانا الذي قد يجعله حادا شديد الحساسية ..إن وجدت انك قادرة على تقبل كل هذا واحتوائه وفهمه والصبر عليه ...عندها حاربي لأجله ..ولأجل حبك.. حتى لو حاربته هو نفسه ..وأنا سأساعدك ... الآن اذهبي للحجرة التي سبق وأقمت بها لتنالي قسطا من النوم والراحة ..واضح انك تحتاجينه بقوة .. ارتاحي حتى موعد العشاء وعودة همس وخالد ..لتقاطعها ثانية ...بلا أي اعتراض ماهي ..لن تذهبي لمكان الآن... لأعلى يا فتاة ...أم تظنين انك كبرت علي "
لتقوم ماهي وهي تنظر بحب وراحة لزوجة خالها ..لتنحني مقبلة وجنتها وهي تهمس لها بامتنان " شكرا"
---------------------

أخذ يقود سيارته بسرعة على غير عادة ..يتنفس بقوة حتى تكاد أنفاسه تخرج من جوفه مشتعلة ...بينما يضرب مقود السيارة بكفه كل دقيقة ...لقد كانت مواجهة من الجحيم بينه وبين عمته ...التي بدلا من أن تتراجع وتعترف بخطئها تمادت أكثر وأكثر في غيها لتتهمه بأنه السبب فيما فعلت ..وأنها سافرت هربا من العار الذي سببه لها أمام الجميع عندما هجر ابنتها بعد أن كان الجميع يعلم أنها مرتبطة به ..وان سمعة ماهي ساءت وتضررت بسببه ..ولم يعد أحد يتقدم لها لذلك وافقت على عاصم ..الذي استغل حالتها السيئة لتوريطها بالديون ...لقد حملته كل خطاياها ..بوقاحة أثارت جنونه ...لترمي الكرة بملعبه ..مخبرة إياه انه لو أراد إنقاذ الموقف ..فعليه أن يسدد ديونها ...ويحل مشكلة الفيلا ..ويتزوج ماهي ..فهو فقط من يجرؤ ويستطيع الوقوف أمام شخص كعاصم ..إما هذا ...أو يبتعد عنهم ويتركهم وشأنهم ...كان رأسه يشتعل من الغيظ والتفكير ..لتأتي تلك الإشارة المروية لتجبره على التوقف وإرجاع رأسه لمسند مقعده مغمضا عينيه بإرهاق وهو يتساءل بداخله .. إن كان يوجد حل آخر سوى الذي يفكر فيه ..فما يفكر فيه سبق و تلافاه سابقا ..ورفض اللجوء إليه ..رغم كونه يسهل له الكثير ..ليفكر بقلق أكثر في رد فعل همس ... هل ستتقبل همس فعلا كهذا منه ..والأهم هل ستتفهم الأمر وتغفر له ..أم انه سيخسرها في سبيل محاولته إنقاذ عائلته وشركاته وتلك المنازل المفتوحة لمئات العاملين لديه ..والذين يعولون بدورهم أسرا تحوي أضعاف أعدادهم .. ليخرجه من شروده صوت آلات التنبيه التي انطلقت بحدة لتنبهه لفتح الإشارة المرورية... لينطلق للمشفى ليطمئن على سامح ويعيد همس للمنزل فقد كان يوما طويلا على الجميع ..وكلهم بحاجة للراحة ...دون أن يتصور أن اليوم لم تنتهي مفاجأته الصادمة بعد...
----------------------------

تنفس المتواجدون الصعداء أخير بينما استطاعوا بشق الأنفس التخلص من سعيد وجعله يغادر المنزل مع البقية وهو يثرثر بكلمات وقحة ...ويخبرهم أنه سينتظر شقيقته وأبنائها ليخبرهم حقيقة هند المشينة ... ليلتفت الجمع بعدها لأكرم الجالس بإنهاك على احد مقاعد منضدة الطعام .. مطأطئ الرأس يضع يديه بين ساقيه ويميل برأسه لأسفل ..ليرفعها مع نداء الشيخ مرسي بحزم وهو يسأله:
"الآن يا دكتور ..نريد أنا والرجال هنا أن نعرف ما حدث ..وبالتفصيل ..دون إخفاء أو مواربة ..وثق أن ما سيقال هنا بيننا سيظل بيننا ..لكن لابد أن نعرف الحقيقة "
ليرفع أكرم رأسه ناظرا للرجال الأربعة بتفكير حائر بين إخبارهم بما حدث وما رآه وبين إخفاء الأمر والتمسك بالقصة التي رواها للجمع المتجمهر على صوت الفضيحة التي أشعلها سعيد ..لتحيد عيناه ناحية أبيه ..فيجد بعينيه نظرة تحثه على الكلام ..فيتنهد بخفوت وإرهاق ويبدأ بسرد كل ما حدث منذ انزل أبيه من السيارة حتى تجمع الناس على عويل أم محمود وصوت سعيد ..
ليسود بعد انتهائه صمت واجم على الجميع ... كما لو أن على رؤوسهم الطير ..كان ينظر لهم بتدقيق ..باحثا عن رد فعل يشعره بالراحة ..وأنهم صدقوه ..ليزفر براحة وهو يرى نظرة أبيه الواثقة منه ...و يسمع الشيخ مرسي وهو يقول:
"أنا أصدقك يا فتى ...ليس فقط لأنك كبرت أمام عيني واعرف أخلاقك جيدا ...فحتى الرجل الخلوق قد يغلبه الشيطان إن تواجد وحده مع فتاة بمكان وحدهما ...لكن لأن الملابسات حول الموقف تؤيد كلامك ...لقد رأيتك وأنت تجري منذ قليل بالشارع ..ليؤيد كلامه الحاج شعبان ..الذي قال وأنا أيضا رأيته وكدت الحق به لأسأله لكني تراجعت ظنا انه قد يكون متعجلا لأمر يخص عمله ..ويؤيد كلامهما المعلم عامر قائلا ..لقد اخبرني الفتى شحته الذي يعمل لدي أيضا بأنه رآه يجري منذ قليل ...ليضيف الشيخ مرسي:
"أيضا حالة هند الغريبة التي كانت عليها تؤيد ما تقول ..وإن كنت لا افهم كيف وصلت لتلك الحال ..فلو خدرها كان يفترض أن تسقط نائمة ..ولو كانت يقظة كان يجب أن تصرخ مستنجدة "
ليقول أكرم مفسرا حالتها حسب ظنه:
"اغلب الظن انه وضع لها نوعا من حبوب الهلوسة ..نوع من المخدرات يجعلها فاقدة للقدرة على التفكير ..أو التصرف بشكل طبيعي ...بل تكون فاقدة لعقلها رغم كونها ليست نائمة ..فقط لا تكون واعية تماما لأفعالها وأقوالها أو قادرة على صده ..أغلب الظن انه أضيف لشيء أكلته أو شربته ..وأظنها لم تأخذ منه الكثير أو ربما كانت جرعة مخففة لأنها كانت رغم حالتها تقاوم بنوع من الضعف ...حسب ما رأيت...فقط لا أدري كيف فعلها !!"
لينظر الشيخ مرسي لعينيه وهو يسأله بتوجس:
"أكرم هل أنت واثق أنه لم يستطع أو يلحق أن يفعل شيئا لها ..هل لديك ما يؤكد أنه لم يكمل اعتدائه عليها قبل حضورك "
لينتفض أكرم واقفا وهو يؤكد الأمر:
"بالطبع واثق ..رغم حالتها ومحاولته أن ينالها فقد استطعت الحضور قبل أن يستطيع لمسها أو....ليبتلع لعابه بصعوبة ..وهو يضيف بصوت خافت غاضب ...يجردها من ملابسها "
ليقول المعلم شعبان معقبا:
"أليس الأفضل أن نتأكد من الأمر تحسبا "
لينظر له أكرم بقلق وتوجس وهو يسأله:
"ماذا تعني بنتأكد وكيف"
ليقول بحسم "أحضروا قابلة الحي لتتأكد من كون الفتاة ما زالت بكرا ..فالأمر ليس بهين ..والتصرف سيختلف لو كان هذا الحقير نالها بالفعل "
لينتفض أكرم بغضب صارخ وهو يقول رافضا:
"لا وربي لن يحدث هذا وفي عرق ينبض ...لن أهين هند بتلك الطريقة ..أو أشكك بشرفها هكذا واعرضها لامتهان كهذا ...كيف تقول هذا؟! ..بل كيف تطلبه؟!! "
ليحاول الشيخ مرسي امتصاص غضب أكرم وتهدئة الموقف وهو يقول:
"اهدأ أكرم المعلم قلق عليها ويرغب بالاطمئنان لا أكثر ..مثلنا جميعا ...خاصة وانك عندما دخلت عليهم كان هو حسب كلامك جاثما فوقها"
ليمسح أكرم وجهه ويأخذ بضعة أنفاس عميقة ..قبل أن يقول لهم بهدوء مفتعل لا يملك ذرة منه:
" ..أنا واثق مما أقوله .. لعدة أسباب ..أولا أن ما بين حديثي الهاتفي معها والذي أخبرتني به أنها ترى سعيد يفتح عليها باب الشقة... وما بين حضوري إليها لم يمر إلا بضع دقائق ...لن تكفيه مع مقاومتها ليفعل فعلته البشعة ..ثانيا رغم ما ظهر على وجهها إلا أنها كانت ما زالت بملابسها وكذلك الوغد ..مما يعنى استحالة حدوث ما تقلقون منه "
ليطرق الجميع رؤوسهم مفكرين بينما يتحدث للمرة الأولى ...الأستاذ مصطفى المحامي الكبير عمرا ومقاما بحيهم ...رغم كونه ليس من ذوي الصيت والغنى فهو ما يسمونه محامي المساكين ...يهتم بالدفاع عن الفقراء والمظلومين ويرفض أي قضايا يشك بتورط المتهم فيها بارتكاب أثم فعلي:
"المشكلة الآن أن ما تقوله يا أكرم رغم ثقتي بك وبكونك تقول الحقيقة ..إلا أنه يصعب ...بل يستحيل إثباته ...ستكون كلمتك أمام كلمته ... وبوجود أم محمود معه كفته سترجح ..وبالإضافة لكونك أصلا أنكرت ولم تشر لأي صلة له بالموقف بالبداية... بل أخبرت المتجمهرين على صوته وصوت أم محمود قصة أخرى"
ليقول أكرم بحيرة وقد أسقط بيده:
"لقد كنت أحاول المحافظة على سمعتها ...لم أشأ أن تلاك سيرتها إن انتشر خبر محاولة تعدي هذا الحقير عليها ...تعرفون طبيعة الناس هنا...سيضيفون المزيد من الأحداث ..وقد يظنون أنه نال منها فعلا ..وهذا سيسيء لها "
ليرد الأستاذ مصطفى ساخرا:
"ما فعلته أساء إليها أكثر ...لو قلت ما حدث بوقتها لكان الناس أميل لتصديقك ..فهم يعرفون من تكون ومن يكون هذا السعيد ..أو على الأقل ستكون الكفة أرجح لصالحك ..بينما الآن لن يمكننا أن نغير ما قلت ..لأننا سنظهرك كاذبا ..والمشكلة أن الكفة الآن في صالح هذا الوغد"
ليتبادل الجميع النظرات الحائرة قبل أن ينتفضوا على الدخول العاصف لحسين ..بينما يتبعه سعيد يدعي أنه يحاول الإمساك به ...ليهجم الفتى على أكرم بقوة ..محاولا النيل منه وضربه ..بينما يقذفه بمزيج من السباب والإهانات هو وأخته ..بينما تتبعه نبيلة مولولة يلحق بها حسن الباكي .. ومعاذ المرتعب ..لينهض الأستاذ مصطفى بسرعة حيث كان الأقرب للفتى والأسرع برد الفعل ...مانعا إياه من الالتحام مع أكرم ..وإبعاده عنه عبر تقيد يديه ليقف الشيخ مرسي أمامه ناهرا إياه بحدة وهو يقول :
"اهدأ يا فتى ..لم يحدث شيء ..أختك من اشرف الفتيات ..وكذا الدكتور أكرم ..هناك سوء فهم بالأمر"
كاد الفتى يهدأ قليلا بينما تهدر أنفاسه قبل أن تزداد اشتعالا مع الكلمات الخبيثة التي انطلقت من فم خاله:
"ألم اقل لكم ...سيقومون بطبخها بينهم ليخفوا الأمر ..ويضيع شرفك يا أبن أختي ..لقد هربوا الفتاة لمنزل الشيخ حتى يضحكوا على عقلك "
ليعود حسين للجنون محاولا التفلت فيحكم الأستاذ مصطفى قبضته على الفتى المراهق مانعا إياه من التملص من بين يديه بينما يصرخ بجنون:
" سأقتل تلك ال***** ..التي أضاعت سمعتنا" ..ليهدر به أكرم معنفا:
"لا تهنها ...لا تقل عنها كذلك ..هي اشرف من عرفت ...كيف تصدق هذا الكلام الحقير على أختك"
لترد نبيلة بخبث وحزن مفتعل:
"طبعا ...لابد أن تدافع عنها حتى تداري فعلتك ..والله اعلم بما يحدث بينكما في العيادة ...ولو لم يراكم أخي ويكشف ستركم ..كنتم ستظلون تستغفلونا أكثر ..وتمرغا شرف أبنائي بالوحل "
ليقول أكرم وقد انفلت ذمام أعصابه:
" إياك أن تقولي هذا عنها ...هند لم تفعل شيء ...بل أخيك الحقير ..هو من حاول الاعتداء عليها " ليتسمر حسين للحظات قبل أن يصرخ به سائلا عن ما يعني بكلامه لتضيع صرخته وصت صراخ أمه بأنه يحاول إلصاق التهمة بأخيها ليبرأ نفسه ..بينما يحاول الرجال تهدئة الموقف بلا فائدة ...ليصمت الجميع تماما مع صوت سعيد وهو يقول هاتفا:
"سأتزوجها لأداري الفضيحة "
لترد نبيلة بسرعة:
"حسنا وأنا موافقة ..لكن عرفيا حتى لا ينقطع معاش أبيها ...فنحن نحتاجه ..ويكفي انك ستستر عليها "
ليشحب وجه أكرم بينما يقطب الواقفين وجوههم بوجوم وملامح تجمع بين الغضب والاستنكار ...قبل أن يصدح صوت الشيخ مرسي قائلا:
"كيف تتهمها بشرفها وتطلب أن تتزوج منها ..ألا ترى انك تناقض نفسك "
ليقول بخبث وهو يدعي التنازل:
"لأجل شقيقتي ...وأولادها وسمعتهم ...وحتى لا يضيع حسين نفسه ومستقبله بسبب أفعال أخته المستهترة "
ليسأله الشيخ مرسي ساخرا:
"حقا!! كم أنت شهم ...ولكن كيف ستنفق عليها وعلى تعليمها وأنت لا تعمل "
ليرد بسماجة وهو يبتسم بسخرية:
"أي تعليم هذا يا شيخ!! ... وهل أنا مجنون لأتركها تخرج للشارع بعد فضيحتها ...لن تكمل تعليمها يكفي أنى سأستر عليها وأتزوجها أمام الناس لأداري فضيحتها"
لتقول شقيقته بسرعة" سيكون زواجا صحيحا معلنا لكن عرفيا دون تسجيل حتى لا ينقطع المعاش"
لينقل الأستاذ مصطفى الذي ما زال مقيدا لذراعي الفتى الصامت بغضب:
"إذا فأنتم تنوون التزوير بالأوراق الرسمية ..ولن تكتفوا بتضييع حقها بعدم توثيق الزواج.. لكن أيضا ..تضيع مستقبلها" لترد نبيلة بحدة وغيظ:
"أي مستقبل ..وأي حق ...هي تستحق القتل ... فهي مجرد فتاة قذرة ..."ليقاطعها أكرم هادرا:
"إذا تلك هي خطتكما الحقيرة ...هذا هو الهدف من تلك اللعبة القذرة ..أن تنتقمي منها وتضيعي مستقبلها ..أنا الآن صرت واثقا انك مشتركة مع هذا القذر بتلك اللعبة الحقيرة" لينتفض حسين صارخا:
"إياك أيها الحقير النجس أن تتجاوز بحق أمي ..أنا موافق على زواج الحقيرة الأخرى من خالي وعلى كلام أمي ...ولا تظن أني سأتركك ..بل سأشرب من دمائك القذرة"
ليرد عليه أكرم بغضب وحدة:
" القذر هو خالك الوضيع الذي خدر أختك ..وحاول الاعتداء عليها لولا أن لحقتها أنا باللحظة الأخيرة ..اسأله ما وضع لها ..أو أسأل أمك ماذا سقتها أو أطعمتها لتجعلها بحالة هلوسة " لتصرخ نبيلة به نافية وهي تسبه ويبدأ الجميع بتبادل الشجار والسباب وسط محاولات تهدئة فاشلة ...من المعلم شعبان والحج عامر بلا طائل .. دون أن ينتبه أحدهم سوى والد أكرم للطفلين المرتعبين بجانب باب الشقة ..معاذ المنكمش بلا فهم لما يحدث ..وحسن الباكي بانهيار وهو يهز رأسه نفيا يمينا ويسارا برفض لما يسمع ...ليقترب منه دون أن يشعر به أحد ...و يجثو أمامه وهو يسأله بصوت خافت :
"حسن يا صغيري ...لا تخاف ...هل تعرف شيئا عن هذا الأمر ؟!"
ليهز الفتى المرتعب رأسه إيجابا ...فيأخذه بحضنه ويربت عليه مطمئنا وهو يسأله:
"هل تعرف ما تناولته شقيقتك وجعلها تبدو بحالة غير طبيعية"
ليهز الفتى رأسه ثانية بإيجاب متردد بينما يزداد ارتعاد جسده وضوحا وهو ينقل عينيه بين وجه العم محمد المطمئن له ..وبين ظهر أمه وخاله المستمران بالشجار والسباب مع أكرم والباقين... ليقول له العم محمد بصوت هادئ :"أخبرني بسرعة ولا تخف لن يفعل لك أحد شيء فأنا سأحميك منهم" ..ليزداد تردد الفتى وضوحا قبل أن يميل لأذن الحج محمد ويهمس له بسرعة وارتعاب عن الكيس الذي أعطاه خاله لأمه لتضع منه بالقهوة السريعة الخاصة بهند وأن أمه وضعتها لها قبل خروجهم"
ليربت الحاج محمد على كتف الفتى مطمئنا ...قبل أن يلتفت للجميع وهو يصرخ بهم طالبا الصمت ..ليقترب من مكان وقوف نبيلة وهو يقول لها:
"يا أم حسين ..نحن ضيوف ببيتك ..ألا يجب أن تضيفونا أولا ..وبعدها سنفعل ما يرضيكم... " ليصمت الجميع وهم يناظرون والد أكرم بتعجب ..بينما يضيف بسخرية ماكرة:
"لا يصح أن لا نشرب شيئا ببيتك ..نحن نعلم أنكم بيت كرم ...لذا نريد أن نشرب من يدك قهوة ..لكن ليست القهوة التركية المعتادة ...بل تلك القهوة السريعة التي يحبها الشباب الآن ..لقد أحببناها أنا والرجال منذ قدمها لنا المعلم شعبان بقهوته.. كان الجميع ينظرون له باندهاش صامت.. ازداد مع حالة الارتباك الذي اصمت لسان سعيد والرعب الذي ظهر على وجه نبيلة.. بينما يروها تتراجع لخطوة وهي تجيب بقلق وصوت فقد حدته وتقطعت حروفه:
"أي قهوة ...هذه ...نحن ...لا نعرفها...ولا نملك ...منها ...و ..و ..هل ..هل ...هذا..وقت ضيافة...وقهوة"
ليلتفت الحج محمد لحسين الذي بدأ يهدأ بعض الشيء ورغم ذلك لم يفلته الأستاذ مصطفى ...وهو يسأله:
"أليس لديكم منها يا بني ..فأنا والرجال بحاجة لنشرب منها ...بعدها سنفعل ما يرجع الحق لأصحابه"
لينقل حسين بصره بينهم بتوجس وعدم فهم بينما يقول:
" هند لديها علبة منها تحتفظ بها بحجرتها "
ليطلب منه أن يحضرها لهم.. فيتركه مصطفى... ليتجه إلى حجرة هند ويعود بعلبة القهوة ..التي زاد شحوب نبيلة وارتباك سعيد ما أن رأياها لتحاول الاقتراب من ابنها لأخذها ليسبقها الحاج محمد ويتناولها من يد الشاب ..بينما ينظر للأستاذ مصطفى سائلا:
"أستاذ مصطفى ..بحكم مهنتك لابد تعرف شكل أو رائحة المواد المخدرة فهل يمكن أن تشم محتوى تلك العلبة وتؤكد أن كان بها شيء منها:
" ليتناول الأستاذ مصطفى العلبة ويفتح غطائها واضعا بعض الحبيبات من داخلها بكف يده لينظر لهم عن قرب بتدقيق قبل أن يقربها لأنفه .. ليبعدها بسرعة ما أن استنشق تلك الرائحة التي يعرفها جيدا منذ أيام عمله كضابط شرطة قبل أن يصاب بحادث تبادل إطلاق نار مع مجموعة من المشتبه بهم ببداية حياته العملية ..تسبب له ببتر لساقه اليسرى التي استعاض عنها بطرف صناعي...و نقل على اثر هذا الحادث للعمل الإداري ليفضل عندها الاستقالة والعمل بالمحاماة ...ورغم أن رائحة القهوة تكاد تخفي رائحة المخدر.. وتطغى عليها ..لكنه ما كان ليتوه عنها أو يغفلها.. ليستغفر الله ...قبل أن ينظر بتعجب للحاج محمد وهو يقول "هذه القهوة مخلوطة بمخدر الهيروين ..أنا استطيع تميزه رغم اختلاطه بالقهوة"
لتعم ملامح الذهول وجوه الحاضرين ما عدا نبيلة التي ظهر الارتعاب على وجهها وسعيد الذي حاول مداراة ارتباكه بكلام أخرق وهو يقول:
"هل تتعاط أيضا الهروين ..يعني ***** ومدمنة ..ونعم التربية " ليقاطع صوت المعلم شعبان صرخة أكرم الغاضبة وهو يقول بسخرية لسعيد :
"وكيف ستتمكن هند بظروفها التي نعرفها جميعا من شراء الهيروين ..هذا يحتاج لمال وفير ومعرفة بعالم تجار وموزعي الصنف"
ليرد سعيد بوقاحة:
"ربما يساعدها هذا الطبيب الذي تقيم معه علاقة ..يمدها بالمال أو ..المخدر"
ليقاطع كلماتهم وقوف الحاج محمد بمواجهتهم وهو يضع حسن أمامه معطيا ظهره لنبيلة وسعيد بتعمد ومخفيا حسن عن مجال عينيهما حتى لا يرهباه ...بينما يربت على كتف الفتى مطمئنا وهو يقول:
" ...حسن بني أنت تحب شقيقتك هند أليس كذلك ...ليومئ الفتى برأسه ..فيقول له ثانية وتريد أن تظهر الحقيقة" ..ليحاول الفتى الالتفات ..فيميل الحاج أمامه مانعا التقاء عينيه بأمه الصارخة تنهرهم وتخبرهم بالابتعاد عن ابنها ...ليعود لسؤاله بعد أن أشار برأسه للمعلم شعبان والحاج عامر ليحاوطا الفتى حتى لا يحاول خاله أن يهدده بنظراته :
"إذا أريدك أن تخبرني ثانية بما قلته لي منذ قليل" ...ليقول الفتى بتردد ونشيج باك ..وخوف يرعد جسده الصغير ويقطع حروف كلماته ..لكنه رغم ذلك أخذ يبوح راغبا بمساعدة أخته الحبيبة :
" لقد ..أعطى... خالي... سعيد ...أمي... كيسا... منذ ...يومين... لتضعه ....لهند ...بقهوتها... وطلب ...منها أن تخبره ...عندما تشرب منه ...وتجعلنا نتركها ...وحدها بالمنزل ...لقد حاولت إخبار أخي.. حسين ..بما قاله ..خالي لأمي...لكنه...لم يستمع ..لي ..وكاد ..أن يخبر أمي.. وأخبرت هند ...أن القهوة ..سيئة ومضرة ..ولا تشرب.... منها ..لكنها ...لم تفهمني ..أو تستمع لي.."
كانت نبيلة تحاول طوال الوقت اختراق جمع الرجال الملتف حول ابنها بلا فائدة ..بينما تصرخ هاتفة بإنكار لكل ما يقال...بينما سقط حسين جالسا على الأرض بصدمة وعدم تصديق ..وهو ينظر لأمه بذهول .ويهتف باستنكار ذاهل:
"لا يمكن ..لا اصدق أن تفعلي ذلك ..تتفقي مع خالي...على تضيع شرف أختي ..أعرف أنك تكرهيها ..لكن ليس لهذا الحد ..ليس لتلك الدرجة ..كيف تكوني بهذا الشر ..كيف يمكن ....كيف؟!" ورغم محاولات أمه الإنكار ..إلا أن النظرات الغاضبة للمحيطين بها ..مختلطة بصوت نشيج حسين الذي جلس أرضا ثانيا ساقيه ملقيا برأسه عليهما ليدفنها بينهما وهو يحيطها بيديه ..وصوت بكاء حسن المرتعب خوفا من رد فعل أمه على إفشائه السر ..ومعهم صوت معاذ الباكي لبكاء من حوله دون فهم لما يحدث...جعلها غير قادرة على صياغة دفاع مقنع ..ليفيق الجميع على صوت إغلاق الباب ..ليلتفتوا حولهم فيجدوا أن سعيد ..عندما شعر بانكشاف خطتهم قد غافلهم جميعا وتسحب فاتحا الباب بهدوء وهاربا من بينهم دون أن يشعروا به ...ليرفع حسين رأسه باحثا عنه وهو يصرخ بأنه سيقتله ...ليربت الحاج عامر والأستاذ مصطفى على كتفه مهدئين وهم يطلبون منه التفكير بحل للمشكلة لا تعقيدها ...ليطلب الشيخ مرسي من الجميع الجلوس بهدوء للتفكير بحل للموضوع ...لينظر بعدها لنبيلة الواقفة بتوجس قلق ..ليقول لها بصوت جاف ..وهو ينظر لمعاذ الصغير المنكمش بجوار الباب :
"خذي الطفل وادخليه لينام بالداخل ...حتى نرى حلا لتلك المصيبة التي سببها حقدك وقلبك الأسود وتحالفك مع أخيك العاطل.. وثالثكم الشيطان ..بل لقد تفوقتم على الشيطان نفسه "
لتهرول ساحبة معاذ وداخلة لحجرتها مغلقة الباب ورائها بحدة ..بينما اخذ الحاج محمد حسن وضمه إليه ورفعه ليجلسه على ساقه وهو يربت عليه مهدئا حتى خف نشيجه الباكي..
ليتحدث المعلم شعبان قائلا:
"لا حول ولا قوة إلا بالله .. حقا إن كيدهن عظيم ..المصيبة الآن أن سمعة الفتاة تضررت ..ومهما فعلنا وقلنا ستظل السمعة السيئة ملتصقة بها ...فلو قلنا الحقيقة ...سيظن الناس انه قد نال منها ..كما سيشكك الباقين بما قيل ..هذا غير سمعة أم حسين التي ستتضرر ..مما سيؤثر على حياتها وحياة أبنائها بالحي...ولو تمسكنا بقصة أكرم التي حاول مداراة الموقف بها ..فلن يصدقنا احد خاصة بعد أن رأوا حالتها وملابسها وشكلها وسيظنون بها وبأكرم الظنون وأننا نداري عليهما...لا أدري ما الحل؟!! "
ليضيف الحاج عامر:
"هذا بالإضافة لأن عودة هند للإقامة هنا مع زوجة أبيها لن تكون ممكنة ..ولا يمكن أن نأتمنها عليها ثانية ...والفتاة لا مكان آخر لها ..وجميعنا لدينا أبناء ذكور فيصعب أن يأخذها احدنا لديه ..وحتى لو لم يكن ..فخروجها من بيت أبيها لتقيم ببيت آخر بالحي سيثير الأقاويل السيئة حولها أكثر"
كان الشيخ مرسي مطرقا برأسه بينما أخرج مسبحته من جيب جلبابه وبدأ يسبح بهدوء قبل أن يرفع عينه لأكرم الصامت بإطراق .. لينظر له للحظات قبل يسأله:
" ..وما رأيك أنت يا دكتور ما هو الحل المناسب من وجهة نظرك"
...ليرفع أكرم عينيه للشيخ وينقلها بعدها لأبيه بينما وجهه يحمل مزيجا من الحيرة والألم ليقول بصوت متردد.. لا أعرف ..كلامكم كله مضبوط ..ولا اعرف ما الحل الأنسب ..كيف يمكن أن نحميها ..ونحمي سمعتها بآن واحد ..ونرد اعتبارها بين الناس ..دون أن نؤذي ...زوجة أبيها التي لا تستحق ..لكن فقط ..لأجل إخوتها"
ليقول الأستاذ مصطفى "أظن الحل الأمثل لها هنا ..هو أن نزوجها من شخص جيد نثق فيه ونأمنه عليها ..فهي بالأول والآخر ابنة صديقنا وأمانته التي تركها بأعناقنا ...وأنا مستعد لأن أعرض الأمر كاملا على أبنائي وأطلب منهم أن يتزوجها احدهم" ...لينتفض أكرم هاتفا برفض وهو يسمع المعلم شعبان يؤيد هذا الرأي بقوله انه سيفعل ذلك أيضا .....ليصرخ بهم:
" هل ستدللون عليها بين أبنائكم ..وماذا لو لم يردها أيا منهم ..هل ستجبروهم ..وهل هذا سينفى الأقاويل ...أم سيقول الناس أنكم داريتم الفضيحة "
لينظر له الشيخ مرسي بهدوء ويسأله:
"وهل لديك حل آخر ..إن كان لديك اخبرنا ...وان لم يكن ...فللأسف ..كلام الرجال سيكون الخيار الوحيد المتبقي لدينا لحفظ الفتاة ..وإلا ستكون عرضة لكلاب الشوارع في رواحها وغدوها ...بعد أن ساءت سمعتها ...زواجها سيكون درع حماية لها ..رغم أنه للأسف جميع أبنائنا الغير متزوجين يعيشون معنا ..ولا يملك أيهم شقة خارج هذا الحي ..وإلا لكان حلا مثاليا لإبعادها عن المنطقة لفترة"
ليقف أكرم هاتفا:
"إن كان زواجها هو الحل الوحيد فسأتزوجها أنا ...سيكون زواجا موثقا.. لكنى لن أقربها ...بل سأمنحها فقط حق حماية اسمي حتى تنهى تعليمها ..وتقرر ما تريده بحرية ...ودون ضغط ...وسأجعلها تقيم فترة مع شقيقتي همس حتى تهدأ الأمور ...ويمكن لها بعد أن أسافر أن تقيم مع أبي وأمي ...وسامح بإمكانه أن يستأجر أي غرفة شاغرة بالحي ...فهو لن يمانع "
ليعارضه المعلم شعبان قائلا:
"لكن زواجك منها سيؤكد أنه كان هناك بالفعل شيء بينكما ..ويسيء لسمعتها أكثر " ليخرج أكرم صوتا ساخرا وهو يقول بمرارة غاضبة:
"سمعتها يبدو أنها ساءت بكل الأحوال ..وأيا كان الحل المطروح فلن يقضي على الشائعة التي انتشرت ...نحن للأسف نقتات على الشائعات والفضائح .. ولا نهتم بالبحث عن الحقائق ورائها"
ليقول له الأستاذ مصطفى:
" صدقت بني ...لكني اعلم أنك خاطب ...بل عاقدا لقرانك أيضا "
ليطرق أكرم برأسه مفكرا وهو يقول ...سأخبر خطيبتي بالأمر واترك لها حق الاختيار ..إن وافقت على الاستمرار معي فكان بها ..وإن رفضت فهو حقها ...لكني بجميع الأحوال لن اترك هند أو أتخلى عنها ...لقد كانت طوال عمرها كهمس شقيقتي عندي وقد اعتنيت بها لزمن طويل ..كنت دوما مسئولا عنها وعن مراعاتها ...ولم ولن اتركها يوما "
ليرفع رأسه لعيني أبيه ..فيجد بهما قبول ورضا حذر ..
ليرد حسين الجالس أرضا بصمت منذ بدأ النقاش بصوت جمع بين شعور الحزن والخزي:
" وأنا موافق على زواجها من الدكتور أكرم ..حتى لو كان متزوجا بأخرى ...فلن يظلمها ..وسأكون مطمئنا عليها معه"
ليحسم الشيخ مرسي الأمر قائلا:
" ابعثوا لمأذون المنطقة الآن وفورا وأنا سأكون وكيلها فأنا رغم الصلة البعيدة من أقارب أمها" ....ليقف طالبا من الرجال البقاء بانتظاره هنا هاتفا بوالد أكرم ...تعال معي يا حاج محمد ..أرجو أن تكون هند أفاقت بشكل كافي ...فلدينا مهمة لن تكون سهلة بإقناعها ...........
ليقف والد أكرم للذهاب معه ..ليلتفت من أمام الباب ناظرا لأكرم ليقول له بأمر:
" هاتف شقيقتك وزوجها ليحضرا حالا ..دون أن يخبرا أمك وسامح بشيء" ليلتفت للشيخ مجاورا إياه بطريق لبيته وهو يجيبه عن سؤاله عن سامح بأنه تعرض لحادث بسيط وسيبقى يومين بالمشفى وأمه معه ..
-------------------------------

فتح عينيه وهو يحرك جسده بإرهاق ...ويحاول تحريك رأسه ليشعر بألم رقبته وتصلب عضلات جسده ليبدأ في الاستفاقة ملاحظا الظلام المحيط به ..لينتبه أنه قد نام بالسيارة ...نظر لساعة هاتفه الملقى أمامه على تابلوه السيارة ..ليفتح عينيه بذهول ...لقد نام ما يزيد على الثلاث ساعات ...لا عجب بتصلب عضلاته ...فهو لم يخرج من سيارته منذ الصباح تقريبا ...أنه بحاجة لتحريك ساقيه ...كما هو بحاجة ماسة لتلبية نداء الطبيعة ...فتح الباب وخرج محركا عضلاته المتخشبة وهو ينظر للمحيط الصامت حوله على الطريق الشبه مظلم ...فمعظم عواميد الإضاءة محترقة ...ولولا أضواء المشفى المقابل ...لكان المكان مهجورا ..خاصة مع مكان المشفى خارج نطاق المنطقة السكنية ...ليلقي نظرة مفكرة على باب المشفى فهو بحاجة ماسة لدخول الحمام ...لكنه لا يشعر برغبة للولوج للمشفى ...فقد يسوء حظه و يقابل سارة ... صحيح أنه لا يعتقدها ما زالت متواجدة حتى الآن...لكن لو كانت وصادفها ماذا يمكن أن يقول لها لو تقابلا وجه لوجه بعد كل تلك السنوات .... وأيضا قد يقابل أحد أقارب زوجة خالد ...لقد سبق وقابلهم جميعا تقريبا أمس أثناء انتظاره مع ماهي بعد إصابة سامح ..ولن يجد لديه ردا مقنعا إن سأله احدهم عن سبب وجوده ...فلابد أن موعد الزيارة انتهى ...ليقول لنفسه بضيق:
"أتمنى أن لا أقابل أيا منهم بطريقي "
ما أن ولج لداخل المشفى حتى أوقفه الأمن فأخبرهم بأنه يرغب بزيارة سامح ...فاعتذروا لانتهاء موعد الزيارة ..فطلب الذهاب للحمام ..فأشار أحدهم له عليه ...ليخرج بعدها بدقائق ... كان يشعر بحاجة لاستنشاق بعض الهواء وتحريك عضلاته قليلا ..فقرر المشي حول المشفى لبعض الوقت قبل العودة للسيارة ...
لفت نظره أثناء مروره بجوار الحائط الجانبي للمشفى تلك السيارة الربع نقل التي يجلس بها شابين أثارا ارتيابه ...لم يكن ليلاحظهما أثناء مروره مع ظلام هذا الجانب لولا أن سمع صوتهما ..ويبدو أنهما يتجادلان على شيء ما ...ليتجاهلهما ..ويمضي حتى وجد مجموعة أشجار متشابكة ليلتف حولها ويقف قليلا مستندا إليها ومستنشقا الهواء بعمق ...وبعد قليل من الوقت بدأ يشعر بالاسترخاء وهم بالعودة ...ليلفت نظره ضوء إشعال سيجارة... وصوت همسات خافتة أخفى الظلام والأشجار ملامح قائليها الواقفين بالجهة المقابلة للأشجار التي يقف خلفها...شعر بداية بالإحراج أن يكونا من العاملين بالمشفى ..ويضطر لتفسير سبب وجوده.....لذا تعمد التخفي ..وعدم إصدار صوت أو إظهار نفسه ...ليتسمر بذهول وبعض همساتهم تصل له بوضوح لكونه يقف قريبا منهم لا يفصلهم إلا الأشجار التي تخفيه خلفها ...ليستمع لأحدهما يقول ...
"سيد سليم ..حامد اخبرني أن نستعد فالفتاة أمرت أحد رجال الأمن بوضع الحقائب التي جاءت بها صباحا مع أبيها بسيارتهم التي أحضرها السائق منذ بعض الوقت.. وترك مفاتيحها لدى الأمن ...و تقف بالجراج الجانبي للمشفى .. وهي ستهبط قبل أبيها بعدة دقائق لتأخذ المفاتيح وتدير السيارة التي ستقودها بنفسها ...فقد صرفت السائق" ... ليسمع الرجل المدعو سليم يقول:
"حسنا هل تأكدت من إفساد بطارية السيارة حتى لا تستطيع إدارتها... ليرد من معه بالإيجاب قائلا: "نعم فمن الجيد أن السائق قد ركنها بجانب المبنى البعيد عن الإضاءة وعيون الأمن الجالس باستقبال المشفى "
فيؤكد عليه الآخر "يجب أن يتم الأمر بسرعة وبلا أدنى صوت .....سنقوم بتكميمها من الخلف وتخديرها ووضعها بسيارتنا بسرعة ...لا أريد أخطاء ..وأبلغ حامد أن يهبط من المشفى ويخلع ملابس عامل النظافة التي يرتديها بسرعة حتى لا يلفت الأنظار.. وينتظر نزول أبيها وما أن يقترب من السيارة يباغته من الخلف ويكمم أنفه بالمنديل المخدر ويحضره لسيارتنا "
ما أن تحركوا مبتعدين حتى ظهر مدحت من خلفهم وهو يشعر بقلق وانقباض ...لا يدري لما ظهرت أمامه صورة سارة وهي تهبط من سيارة الأجرة التي تحمل شعار المطار مع الرجل الكبير الذي رجح كونه والدها ...بينما ينزل السائق حقائب تناولها منه أحد رجال امن المشفى ...أيعقل أن يكون هؤلاء الرجال يتحدثون عنها ...لتنتفض عضلة قلبه ويشعر بالهلع ...الأمر يبدو مرعبا .. فهؤلاء الرجال يبدون خطيرين ..وسواء كان شكه صحيحا وكانت سارة المقصودة أو غيرها ..فهو لا يستطيع تجاهل الأمر ...ليلعن نفسه وهو يفكر بهاتفه الذي تركه بالسيارة ..ومسدسه المرخص الموجود بها أيضا ... ليتحرك بخفة يتتبع حركتهم بحذر حتى لا يكتشفوا وجوده ...ليراهم يستقلون سيارة همر سوداء دون أن يحكموا إغلاق أبوابها ...لينتبه على شكل فتاة تسير وحيدة مقتربة من سيارة بنتلي بيضاء تقف أمام الهمر بينما تضع هاتفا على أذنها ...أخفى نفسه خلف سيارة صغيرة تقف بالخلف بينما يحمل له نسيم الليل صدى صوتها الآسر لنبضات قلبه وهي تقول:
"لا تتأخر أبي لقد سبقتك لأدير السيارة حتى تلحق بي" ..وما أن هم بالتحرك ليستبق هؤلاء الذئاب الذين يضمرون الشر لحبيبته ..حتى تفاجأ هو وهي وهم أثناء فتحها لباب السيارة بهاذين الشابين الذين خرجا بسرعة من تلك العربة الربع نقل والتي كانت تقف جهة الأمام من السيارة البنتلي تبعد عنها فقط بضع أمتار...قطعها الشابين بسرعة بينما ينادي أحدهم باسم سارة ..التي التفتت لهم بقلق واضطراب و ملامحها متفاجئة لاحظها هو رغم ضعف الإضاءة .....ليتساءل بقلق إن كانا هاذين مع تلك العصابة التي تنوي خطفها أم هم معارف لها ...لكن ما حدث تاليا قطع شكه وهو يرى الشاب الأقصر طولا والأكبر عمرا كما يبدو من ملامحه.. يقترب منها بشدة رغم تراجعها وهي تسأله عن من هو وما يريد منها ليجذب يدها بعنف و يلتف حولها بسرعة لافا يده حول جذعها مقيدا يديها بيد وكاتما صوتها الذي حاولت إخراجه بالآخر بينما الثاني يرفع ساقها عن الأرض.. محاولين أخذها ناحية سيارتهم .. ليجن قلقا وغضبا وما أن هم بالتحرك حتى تسمر وهو يرى الاثنان اللذان كاد ينسى أمرهما ..بالسيارة الهمر يخرجان بسرعة ليشتبكا مع الشابين محاولين سحبها من بين يديهم ..ليفلتها الشابين فتنطلق صرخة لم تكتمل من فمها حيث عاجلها سليم بضربة أسقطتها أرضا بأنين مكتوم...ليجن جنونه فيخرج من مكانه بسرعة منطلقا إليها عيناه لا ترى سواها ...متجاهلا الشجار الدائر بين الأربعة ...ليسحبها بسرعة من الأرض ويرفعها ضاما إياها لصدره لتنظر له بعينين غائمتين بالألم ...ليشكر الله أنها بخير ولم تفقد الوعي رغم حالتها ...لتلتقي عيناهما بنظرة كأنما اختصرت سنوات الابتعاد في ثواني نظرة حملت خوفه عليها... شوقه إليها ...لهفته لها ...وجيب قلبه العاشق لذهبتيها ..وحملت ذهولها ...تفاجئها ..ألمها الذي لا يعرف إن كان بسبب الضربة التي تلقتها أم بسبب ماضيهما معا وهي تنادي اسمه بصوت ضعيف وعيون متفاجئة ( مـــدحــــ ت) لتضرب حروف اسمه الخارجة بتقطع مؤلم من شفتيها جدران قلبه المشتاق ..لكنه تجاهل مشاعره الهادرة...وحاول الخروج من حالته وهو يسحبها بسرعة بعيدا عن المتعاركين باتجاه واجهة المشفى أملا بالوصول إليها حتى يمكن أن يشير للأمن قبل أن ينتبه المعتدين ...لكن أمله فشل وهو يسمع صوت سحب إبرة مسدس من خلفه مترافقة مع صوت الرجل الذي يدعى سليم وهو يقول له بتحذير:
" من الأفضل لك أن تتركها فورا ...وتبتعد عنها... إن أردت أن تبقى على قيد الحياة ...ليضمها لصدره وهو يلتفت إليه ...يبتلع ريقه بصعوبة وعيناه تلتقط صورة الشابين مطروحين أرضا ...يبدوا أحدهما وهو الأقصر فاقدا للوعي أو ربما ميتا ..هو لا يدري...والأخر ملقى بجواره يئن بينما تسيل الدماء من رأسه ...ليزداد خوفه وهو يضم جسدها المرتعد إليه أكثر ويتراجع خطوة لم تكتمل مع تحذير هذا المقترب منهما محذرا إياه من إعادة التحرك ...إن أراد أن يبقى على حياتهما ...ليسمع همسها المذعور بصوت خافت مرتعد ..."مـــدحــــ ت ...ما ذ ا ..يحـــدث ...من ..هؤلاء " ..ليرد عليها سليم ببرود وهو يقول ...أرجو أن تهدئي آنستي ...نحن لا نريد إزائك ...فقط أرجو أن تأتي معنا بهدوء ..ودون مشكلات ...فوالدتك تريد رؤيتك ...نحن مكلفين بإيصالك لها لا أكثر ...لذا أرجو أن ترافقينا ... برضاك ..حتى لا يتأذى أحد" ...لتحاول الاعتدال والابتعاد عن ذراعي مدحت وقد بدى أنها بدأت تعي لوضعها بين أحضانه ...كما بدأت تستعيد اتزانها ...لتجيب المتحدث أمامها ببرود رغم صوتها الواهن ." وهل هذا المسدس ...وهؤلاء الذين حاولوا أخذي جبرا ..هو طريقة الطلب المهذبة من والدتي لدعوتي لزيارتها " ليهز سليم رأسه بنفي بينما يجيب:
"لا هاذان لا صلة لنا بهما...حقا لا أدري من يكونان ...يبدو أنهما كانا يريدان اختطافك ...يجب أن تكوني ممتنة لنا لإنقاذك منهما ..فلا أظن صديقك هذا كان بقادر على فعلها ...فالشابين قويين حقا ...لكن ..ليهز كتفه بما يعني ...ليس مثلنا"
كانت عينا مدحت تجوبان المكان آملا بظهور أو انتباه أحد لما يحدث ... فهو لا يفهم أي زيارة تلك وأي أم التي ترسل مسلحين لجلب ابنتها بتلك الطريقة ...هناك أمر خاطئ ولا يريحه ...لذا رفض ترك سارة ..أو نزع يده بعيد عنها رغم محاولتها الحثيثة للابتعاد عنه ...فقط خفف من اقترابه منها تاركا مسافة صغيرة منعت تلامسهما الكامل كالسابق ....لكن ظلت يده تحوطها ..بينما يسمعها ترد بغضب وحدة:
"ابلغ السيدة إيفا رفضي للزيارة ..ولطريقتها بالطلب ..واغرب عن وجهي ...قبل أن أنادي الأمن للقبض عليك " ليقترب منهما سليم دون أن يخفض مسدسه ...ليجد نفسه يعود لضم سارة قريبا منه بقلق خاصة وهو يشعر بارتعادها رغم ادعائها الشجاعة ..ليقطع الصمت رنين هاتف سارة الذي يظهر جزء منه من جيب حقيبتها الخارجي التي ما زالت معلقة بشكل عكسي على كتفها وجزعها ..ليختطفه سليم بسرعة بيده الحرة قبل أن تمتد له يد سارة ..لينظر بطرف عينه لشاشته ..قبل أن يرفع مسدسه لأعلى وهو يقول ..إنه والدك ...ردي عليه واخبريه انك بانتظاره ولا تحاولي لفت نظره للأمر إن لم ترغبي أن تزين رأس صديقك هذا رصاصة بمسدسي الكاتم للصوت "
ليفتح بعدها سماعة الهاتف الخارجية ليقربها من وجهها دون أن يعطيها الهاتف ..ليصدح صوت أبيها قائلا باعتذار:
"عفوا صغيرتي ..أعرف انك انتظرت كثيرا بالسيارة وقد تأخرت عليك رغما عني ...لقد أوقفني ..والد احد المرضى ليسألني عن أمور تخص حالة ابنه ..ولم استطع تركه فالرجل كان منهارا ..لأن حالة ابنه حرجة ...لحظات وأكون عندك " كان يشعر بتعالي صوت تنفس سارة ..وجاءه شعور شبه مؤكد أنها ستفعل شيئا أو تحاول تنبيه أبيها لكي لا يحضر ..ويبدو أنه لم يكن الوحيد الذي شعر بذلك ..فما أن فتحت فاها لتقول "أبي" حتى كان سليم قد أغلق الخط ..لينظر لها وهو يقول "سيظن أن الخط قطع ..أو ربما يقلق ويحضر أسرع ....فهو مدعوا معنا للزيارة " ..كان سليم معطيا ظهره للشابين الملقيان أرضا والواقف بجوارهما رجله الآخر مستندا على السيارة وممسكا هو الآخر بمسدسه بيده.. وهو يتابع ما يحدث عندهم بتيقظ وترقب ..مما جعله على ما يبدو يغفل من مراقبة الشابين الذي أفاق أكبرهم.. دون أن ينتبه ليحدث لحظتها ..ما جعل الموقف يرتبك بسرعة ...فقد جذب الشاب الملقى أرضا ...ساق الرجل الواقف بجواره ليتسبب بإسقاطه ووقوع المسدس من يده ليحاول هو الوصول له ..لتجعل الضجة سليم يلتفت بسرعة فيحاول مدحت استغلال إدارته لرأسه ليدفع بسارة خلف ظهره ويحاول الهجوم عليه .. لانتزاع سلاحه ...لكن سليم المدرب جيدا ..استطاع تفادي الهجوم بسرعة وإطلاق رصاصة بمسدسه المزود بكاتم للصوت اخترقت صدر مدحت ..لتنطلق صرخة مدوية من فم سارة باسمه بينما تحاول إسناده ...تزامنت مع ظهور والدها ... الذي فوجئ بما يحدث أمامه فجرى نحو ابنته هاتفا باسمها ...ليعاجله حامد الذي ظهر خلفه متفاجئا هو الآخر بما يحدث .. بمحاولة تقيده وتكميمه ...لكن مع الحركة السريعة لوالد سارة ومقاومته العنيفة ...ارتبك حامد الذي لم يتصور أن يرى تلك الحرب الدائرة أمامه مما اسقط المنديل المخدر الذي كان يمسكه بيده أرضا قبل أن يطوق به فم الدكتور خليل الذي أخذ يصرخ بأعلى صوته ...ليجد سليم أن الأمر قد أصبح مكشوفا فيحاول الانسحاب بأقل الخسائر مناديا رجاله للذهاب للسيارة وساحبا سارة بعنف جارا إياها معهم في نفس اللحظة التي ظهر بها عدد من رجال الأمن ...من بداية سور المبنى ..لكن مدحت الذي لم يكن قد فقد وعيه بعد ...رغم الدماء النازفة من جرح صدره ...تشبث بسارة بقوة وهو يرتفع على ركبتيه مانعا سليم من أخذها مما أسقطها أرضا ..ليلقي بجسده عليها في نفس اللحظة التي أطلق بها سليم رصاصته الثانية التي اخترقت ظهره ..قاضية تماما على مقاومته ووعيه ليكون آخر ما يسمعه قبل انطفاء الضوء بعينيه صوت ذهبتيه المكتوم مناديا باسمه............
-------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 09-09-18, 01:56 AM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 


الفصل السابع عشر

قامت بتعديل الوسائد خلف ظهره وهي مقطبة .. وما أن حاولت الانسحاب حتى جذب يدها لتسقط جالسة على الفراش ورأسها ترتطم بصدره ..كتم شعوره بالألم ..فما زال جرح العملية يؤلمه لحد ما ..لينظر لها وهي تعتدل بارتباك وتقضم شفاهها بحركة يعرفها جيدا عندما تحاول منع نفسها من قول شيء ,, يعي قلقها الذي صدعت رأسه به منذ أصر على
الخروج من المشفى واستكمال علاجه بالمنزل ضد رغبة طبيبه الذي كان يفضل بقائه في المشفى للمزيد من الوقت ...لكنه اكتفى ..حقا اكتفى من البقاء بعيدا عن بيته ..اكتفى من وجوده بمحيط مفتوح لا يسمح له بالخصوصية معها ...ليس وكأنه سيتمادى ...فما زالت حالته لا تسمح له بمزيد من الحميمية ..ليكتفي فقط بإرواء عطشه إليها ببعض القبلات .. يروي ظمأ السنوات من شهد رضابها محاولا تعويض وجع الفراق من كرز ثغرها ...لكن هذا الارتواء لم يزده إلا عطشا وجوعا.. يعتصر منه الروح والجسد ليتركه بعد كل قرب أكثر تضورا ..لكنه بالنهاية بشر ..مهما كان حجم رغباته ..ومدى عزيمته ..إلا أنه لا يستطيع تجاوز حدود قدرات جسد أوهنه المرض ..وما زال بطور الشفاء ...يحتاج وقتا ...الكثير من الوقت ...ثواني بحجم سنوات من شدة شعوره بالتوق ...لقد ابتعد عنها عشر أعوام كاملة..استطاع فيها تطويع جسده على البعد والجفاف ..لكن ما أن عادت إليه ...حتى بات يشعر بأن الثلاثة أشهر التي منعه الطبيب بها من ممارسة حياته الطبيعية كزوج ..ستمر عليه كثلاثين عاما ..لم تعد مسكنات القبل تجدي نفعا ...بل ربما زادت الأمر سوءا..فما عاد لديه قدرة على الصبر أكثر ..يحتاجها ...يحتاج وصالها ...ٌيحتاج للشعور برائحتها تحوطه ..بأنفاسها تعانق أنفاسه .. لأن ينام على صدرها ..ويداه تحوطها ..ليستيقظ على وجهها الناعم ....ليزفر بقوة بينما يهتف داخله متى الشفاء من عشقك يا امرأة تسكنني كداء بلا دواء ...ليسخر من نفسه وهو يتساءل بداخله ..وهل يريد حقا الشفاء ؟ من قال أن كل مرض يلزمه شفاء ...ليغمض عينيه هامسا لطيفها الساكن خلف جفنيه ..بعض المرضى معذبتي يتطهرون بالأنين والبكاء .. فالحب يا صغيرتي أجمل ألم ..وأعذب شقاء ..ومريضه أبدا لا يطلب العلاج أو يرغب بالشفاء...فرفقا بقلبي و كفي عن تعذيبي ..فأبدا لن اسمح لكِ بالتباعد ..أو التجاهل ..أو الجفاء" ليخرجه صوتها من تيهه بها ..الذي زاده وجودهما معا ببيتهما بعد سنوات الفراق وهي تقول بقلق :
"أشرف ...هل أنت بخير ...وجهك شاحب ...لا أدري سببا لتصميمك على الخروج قبل اكتمال شفائك ..الطبيب قال..."
ليقاطعها بصرامة يتبعها معها مؤخرا كأسلوب تعامل لم تعتده منه يوما ...لكنه يحتاجه حاليا لتأسيس أسلوب حياة مختلف عن السابق:
"تقى الأمر انتهى ..الطبيب لم يقل أن الأمر ممنوع ...بل فقط غير مفضل ..خوفا من أن اعرض نفسي للإجهاد ..وهو ما لن أفعله ..وأظنك ستكونين قادرة على متابعة مواعيد أدويتي ..والتغيير على الجرح ..فقد قارب على الالتئام ولم يعد يحتاج لمتخصصين للتغيير عليه ..وسأعود كل فترة للمتابعة والكشف ...لا داعي لاستمرار بقائنا هناك"
..لتحاول مجادلته ليرد عليها بحزم مانعا إياها من المزيد من المجادلة .. بنبرة لا تقبل المزيد من النقاش...لم يكن يهنها أو يجرحها ..لكنه لم يعد يسمح لها بتجاوزه ..أو تنفيذ رغباتها على حسابه ..يعلم أن معاملته معها الفترة الماضية تربكها ...فرغم كثرة تواصلهم الحسي ..وإن كان غير مكتمل ..إلا أن تغير أسلوب معاملته معها من الحنان والرضوخ لطلباتها الذي اعتادته منه سابقا للحزم الجديد عليها آنيا يربكها....لكنه اكتشف بعد كل هذه السنوات أن حمقائه الحبيبة ..ليست أكبر من مراهقة نزقة رغم سنوات عمرها ..تحتاج بعض الشدة والحزم .. ليحاول تجاوز الموضوع وهو يسألها إن كانت أبلغت ياسر بأمر خروجه حتى لا يذهب للمشفى بعد نهاية دوامه ..لتهز رأسها إيجابا وهي تقول ببسمة رقيقة جعلت عيناه تتعلق بثغرها :"نعم ..لقد صُدم وأنا أخبره ..خاصة أنه لم يكن لديه فكرة ...كان يرغب بأخذ إذن من العمل والعودة ..لكني أخبرته أنك سترفض وتغضب إن فعلها ..وأننا لن نذهب لمكان ..كما يجب عليه البقاء حتى يعيد تقى معه " لتتنهد بقوة وهي تقول بقلق مشفق :" صغيري المسكين ..أعرف أنه سعيد لعودتنا معا ..وكان يمني نفسه بأن يجتمع شمل ثلاثتنا معا بالمنزل وبقائه خارجا ..حتى لو كان بالشقة المجاورة يحزنه ويغضبه ..لتهز كتفيها بقلة حيلة وهي تكمل
" لكن الضرورة تحكم ..فليس بالإمكان ترك الفتاة بعيدا ..ورغم أني أحاول قدر استطاعتي الاهتمام به وتدليله حتى لا يشعر بالبعد والنبذ ..إلا أنه لا يكف عن إبداء رفضه للوضع ويتعمد إشعار تقى بالأمر ..أنهما لا يكفان عن الشجار كالأطفال ..حتى تعبت من فك اشتباكاتهم معا ..و...آآآآه "
لم يكن يستمع لهذرها من فترة ...فقد تاه في عمق عينيها وحمرة ثغرها ليجذبها إليه وهو يقول بصوت أثقلته العاطفة ليخرج خشنا:
"دعك منهما ..وتعالي لنستغل الوقت قبل عودتهما ..فأنا بحاجة لبعض الاهتمام والدلال ..أكثر من صغيرك هذا ..ليبدأ رحلة عذاب ارتوائه الغير مكتمل ....
-------------------------

صرخت بألم من قوة الضربة التي القت بها أرضا لتغيم أمام عينيها أبراج منهاتن الظاهرة من نافذة شقتهم بوسط نيويورك ..تلك الشقة التي عادت لها منذ عدة دقائق فقط بعد أن قضت عدة أيام بفرنسا ..حيث فوجئت قبل أسبوع ...تحديدا بالليلة التي كان يفترض فيها قيام سليم بتنفيذ خطة جلب سارة وخليل لها ... باتصال ديمتري بها ثائرا بينما هي منتظرة أخبار من سليم الذي تأخر عليها لدرجة أقلقتها... ليأمرها بصوت صارخ ونبرة غاضبة جعلتها تتوجس خيفة.. أن تجهز فورا لمغادرة البلاد على أول طائرة مغادرة يستطيع تدبير تذكرة لها عليها ...لتكون طائرة فرنسا هي الأقرب ...لتكون على متنها بعد أقل من أربع ساعات من مهاتفته لها لتبقى هناك لعدة أيام حتى يجد حلا للمصيبة التي تسببت بها لهما حسب قوله ..وحتى يتأكد من عدم معرفة أحد بدورها فيها وخاصة الزعيم ..لتحاول مراوغته ومهادنته ... ليقاطعها صارخا بما افقدها القدرة على النطق وسحب الدماء من وجهها ليتحول لشحوب الموتى وهو يخبرها بالقبض على سليم ..لم تعرف ما حدث ..ولا كيف عرف هو بالأمر .. وها هي عادت لتتلقى عقابها على تجاوزها إياه..وتعديها على قوانين المنظمة التي تقضي بعدم قيام أي من المنتمين إليها بعمليات خاصة ....تتسبب بكشفهم أو كشف أيا من رجالهم ...لقد أخبرها كارل بالأمر كله وهو يحضرها من المطار ...فيبدو أن أحد رجال سليم كان عينا عليه ..وهو من ابلغ كارل ..الذي سارع بإبلاغ ديمتري ..فكعادة المنظمة ...لا ثقة مطلقة ..ودوما كل رجال المنظمة ..يكونون تحت العين ...وهناك عيون عليهم لضمان الولاء المطلق .. قيامها بالأمر دون علمه ستدفع ثمنه بعنف هي أدرى الناس به ...عاد لسحبها مرة أخرى بعنف لتقف أمامه وهو يقول لها من بين أسنانه:
"أيتها الحمقاء الغبية ...كيف تجرئين على التصرف دون إذني...بسببك فقدنا رجلنا الأول بالشرق الأوسط ...أتعرفين ما سيحدث لي ولك إن علم الدون بما فعلته ...ولماذا؟! ها ...لأجل رغبة غبية ظهرت بعد سنوات لرؤية ابنتك اللعينة "
حاولت التماسك رغم ما نالته من ضربات وصفعات على يد ديمتري ...لتقول بصوت حاولت إخراجه باردا بصعوبة:
"أرجوك ديم ...حبيبي...أنا لم أقصد أن افعل شيئا من ورائك...فقط أردت رؤيتها وهي كانت ترفض ...لم يكن مفترضا أن يحدث شيء يلفت النظر...الغبي هو من حولها لحرب ...وأطلق النار وتسبب بكل تلك الفوضى ..حتى أنه فشل بالهرب ليسقط مع من استأجرهم "
ليصرخ بها بعنف .."أنا لا يهمني تلك التراهات ..هذا الغبي الذي تتحدثين عنه ...كان هو من يدير أعمالنا هناك بأكملها ...يعرف أدق أسرارنا ...هو الواجهة لنا ..أتعرفين كم يكلفنا تدريب أمثاله والثقة بهم ..لقد أخطأت حين وثقت بك ..وجعلت كارل يجعله بخدمتك ...بسببك أنا اضطررت لإعطاء الأمر بتصفيته قبل أن ينطق"
لترفع رأسها وتقول بثقة مفتعلة:
"لم يكن ليقول شيئا أنت تعرف ..رجالنا لا يتحدثون للشرطة ..يعلمون ما سيحدث لعائلاتهم إن فعلوا.. والرجال الذين كانوا معه ..لا يتبعونا ..ولا يعرفون شيئا ...فقط كانوا ينفذون تعليمات سليم "
لينظر لها بغضب وهو يقول بسخرية:
"أتظنين أني قد أمرت بقتله خوفا أن يتحدث مع الشرطة أيتها الحمقاء" ...ليقترب منها ثانية ممسكا برقبتها بين يديه ضاغطا عليها حتى أحتقن وجهها وبدأت تشعر بانسحاب الهواء منها ..." بل حتى لا يتواصل مع رجالنا نحن ..فيصل الأمر للدون ...ويعرف أن زوجتي الغبية هي السبب بسقوط رجلنا بالشرق الأوسط ...لقد اضطررت للكذب على الدون للمرة الأولى بحياتي ..مخبرا إياه أن سليم كان يعمل لحسابه ..وكشف نفسه بعملية خاصة به ...لذا تم تصفيته حسب العادة لمن يخالف الأوامر...ادعي إيفا ..ادعي أن لا ينكشف الأمر ..وإلا سأكون أنا من ينفذ بك قانوننا الخاص وأقتلك بنفسي"
ليقذف بها بعيدا وهي تحاول استنشاق أنفاسها الضائعة بصعوبة ...لتسمعه يقول بحدة: "أنسي أمر ابنتك تلك تماما ...وقسما إيفا لو علمت أنك حاولت التواصل معها أو فعل شيء بدون علمي وإذني ...لأحضرنها لك لتودعي جثمانها قبل أن تجاوريها في نفس المقبرة "
ليتركها خارجا وهو يعطي كارل تعليماته بعدم السماح لها بالخروج أو التواصل مع أحد..
لترتمي هي على المقعد بإنهاك ..لتترك العنان لدموعها النادرة بالنزول...تفكر أنها قد خسرت فرصتها مع ابنتها للأبد ..لترفع رأسها بعد لحظات ..وهي تمسح دموعها بيد مرتجفة من فوق وجنة حملت أثار ما نالته من ضرب وعنف زوجها..لتقرر أنها لن تخسر تماما ...فإن فقدت سارة ...فلتتمسك بديمتري ...وموقعها المميز لديه ...ستعود لاكتساب ثقته ...وتتعامى عمدا عن خياناته ...وتساعده بالأعمال ..ستعود إيفا بدون قلب ..أو ذكريات ...أو حنين لطفلة تحمل ملامحها ..لكن ليس قلبها ..أو طباعها ...ربما كان هذا للأفضل.. حتى لو شعرت..بحنين .. بألم ..بشوق... بافتقاد لنظرة عيني طفلتها الذهبية ...لخواء بصدرها التائق لضمة منها ...لكنها بداخلها تعلم أنها فقدت هذا الحق منذ زمن بعيد ..والاقتراب الآن ..أصبح محفوفا بالمخاطر لها ولصغيرتها ...لذا فلتبتعد كالماضي .. ولتتمسك بما اختارته قديما ...فلن تخسر كل شيء
-----------------------------

دخل على أستاذه بحجرة مكتبه ..ليجده ساهما.. شاحبا بوضع صار معتادا...منذ ما حدث من أسبوع ..ومحاولة اختطاف سارة التي علم بها عندما هاتفه أحد زملائه بالمشفى ليبلغه بالأمر.. في تلك الليلة التي يبدو أنها لم تكن ليلة عادية في حياة الجميع ...كان قد أوصل هند توا مع خالد وهمس لمنزلهما.. هند التي ركبت بجواره في المقعد الخلفي لسيارة زوج شقيقته ..وسط تجمهر أهل الحي ..ونظراتهم التي حملت مزيجا من الإهانة و الإدانة وكلماتهم التي وصلهم بعضا منها..همسات حقيرة تتهمها بالتلاعب به لإيقاعه ..لقد شعر بالغيظ ...فرغم أنه من المفترض أنه مدان مثلها حسب ظاهر الأمر ..إلا أنها هي من كانت هدف الانتقاد واللوم ..وكأنها هي المخطأة وحدها ..ليشعر بالاختناق من جور مجتمع يحمل الأنثى تبعة كل خطيئة ..كما لو كانت هي وحدها الملومة على كل خطايا الكون ... لقد ألتزمت صمتا خانعا أقلقه بينما تجلس ملتصقة بجانب الباب متلافية تماما التقاء نظراتهما أو النطق بحرف واحد ..لتستسلم ليد همس التي أسندتها ما أن وصلا لتتركه دون نظرة أو كلمة لتتبع شقيقته برأس منكس ..أثار داخله شعورا بالغضب ..ورغبة بجرها إليه ..ليضمها لصدره ..ويمسح على رأسها طالبا منها أن ترفعها ..وأن لا تخفضها يوما... فهي لم ترتكب إثما ..أن لا تهتم وإن أدانها العالم أجمع ..فهو يعلم أنها أنقى وأشرف من عرف ...لم ولن يغير نظرته إليها شيء ...لكنه للأسف لم يقل شيئا ...لم ينطق وهو يراها تختفي مع شقيقته خلف الأبواب ..بينما التزم هو صمتا موجعا دون قدرة على محاولة الاقتراب منها مفضلا منحها بعض الوقت لتلملم شتات روحها المعطوبة ..ونفسها المنكسرة ..واعدا نفسه بمحاولة الاقتراب بعد حين ..لتطبيب الجرح ..وإصلاح العطب ...فقط قليل من الوقت يحتاجه كلاهما ... وهو بخاصة ..حتى يعلم خطوته التالية ...فهو لن يستطيع أن يغفل عهدا يقيده لأخرى ..لا يحق لها جرحها والغدر بها ... ليظل للحظات واقفا مكانه بجوار سيارة خالد .. الواقف بجواره بصمت مشفق ..ليخرجه رنين الهاتف حاملا له أنباء تلك المصيبة المتعلقة بسارة ..ليهرع للمشفى قابلا عرض خالد بمرافقته ..ليفاجئ كلاهما بما يحدث وبتلك الكارثة التي أذهلته ..وقيدت لسانه عن البوح بما حدث ..فلا الزمان ولا الظروف حتى الآن تسمح بوضع مزيد من الهموم على أكتاف خطيبته ووالدها ...ليتنهد بعمق عائدا من ذكرياته وهو يجلس أمام مكتب والده الروحي ليسأله بهدوء:
" ما أخبار التحقيقات ...وماذا فعلت مع أقاربك ...لقد رأيتهم يخرجون منذ قليل هم والمحامي الخاص بك"
ليجبه باقتضاب:
"لقد سويت المسألة معهم "
تنفس بعمق وهو ينظر لوجه خطيب ابنته ..ليوضح له الأمر ..فمن حقه معرفة ما أتفق عليه معهم :
"رتبت مع المحامي أن نقول أن الشابين كانا بانتظاري بناء على اتفاق مسبق معي.. وأنهم رأوها عندما هاجمها الثلاث رجال الذين قُبض عليهم محاولين اختطافها ...فحاولوا التدخل و سحبها لسيارتهم لتخليصها منهم ..ومقابل هذا الاتفاق .... الذي سيضمن تخليصي لولديهم من السجن ..قاموا بتوقيع عدد من الشيكات وإيصالات الأمانة بمبالغ طائلة ..يحمل كلا منها توقيع واحد منهم .. وفي حالة محاولة أيا منهم الاقتراب منا ثانية سأقوم بسجنهم بها ...لقد تعمدت أن تتعدى قيمة الشيكات ..قيمة نصيبهم بتركتي بعد موتي ..واتفقت مع المحامي ..أن يحفظها لديه ..وفي حالة وفاتي ..يتم تحصيل قيمتها من نصيبهم الشرعي ..وبهذا لن يحصلوا على شيء ..لكني أوصيت أيضا أن يتم استخدام المال لبناء مدرسة ومسجد ومستوصف صغير بالبلدة ويكون لهم ولأبنائهم أولوية العمل بتلك المشاريع .. لا أدري مدى شرعية الأمر ..لكني لا استطيع السماح لهم بالتمتع بمالي بعد فعلتهم ..وفى الآن نفسه أخشى عذاب الله لو حرمتهم نصيبهم الشرعي ..لذا سيسلم إليهم نصيبهم .. لكنهم سيضطرون لدفعه كتعويض لقاء ما اقترفته أيديهم ..ليتنهد بعمق راميا رأسه للخلف وهو يغمغم ..فليسامحني الله ..
ليعاود أكرم سؤاله بقلق:
"والثلاثة الآخرين ..ألم تعرف شيئا عنهم ..الم توضح التحقيقات سببا لاستهدافهم سارة تحديدا لمحاولة خطفها"
ليغمض خليل عينيه مرجعا رأسه للخلف ..بينما يجيب بغموض :
"لا ...المحرض وجد مقتولا صباح اليوم التالي بزنزانته ..ورجاله لا أحد منهم لديه فكرة عن شيء حسب كلام المحقق معي ...فهو استأجرهم مؤخرا ..أحدهم عامل نظافة لدينا ..والآخر مسجل خطر ..وكلاهما لم يكن لديه معرفة مسبقة بالمدعو سليم ..لقد أقروا انه تواصل معهم عارضا عليهم مبلغا طائلا مقابل مساعدته بخطفي أنا وابنتي .. ولم يعرفوا أو يسألوا عن المزيد ..فقد كان شرطه عليهما أن لا يسألا عن شيء"
ليقول أكرم بحيرة :
"لكن الأمر غريب ومقلق ..لابد أن هناك من هو وراء ما حدث ..بدليل حادث قتل رئيسهم هذا ..هل هناك عداوات بينك وبين أحد ما ..يمكن أن تصل لحد محاولة إذائك ..أنت وسارة " ليرد عليه بمواربة وهو يطمئنه:
" أنت تعرف أن لا إنسان بلا أعداء ..لكن بالتأكيد ليس لدي أعداء يمكن أن يصلوا لدرجة الخطف والقتل ..ربما كانت محاولة للابتزاز ..وطلب الفدية ...من يدري ...على كل حال لا تشغل بالك ..فأيا كان ,,لا أظنه يجرؤ على تكرار المحاولة "
ليقاطعه أكرم بقلق:
"لكن دكتور ..لابد من التوصل لمن خلف الأمر ..فالأمر مقلق وغير مضمون و.."
ليقاطعه منهيا النقاش بحدة أثارت عجب الجالس أمامه:
"أخبرتك أن الأمر انتهى أكرم ..لا أريد مزيدا من الحديث فيه" ..ليضيف بمهادنة بعدما لاحظ ملامح أكرم المتفاجئة من حدته الغير مبررة:
"عفوا بني ..تعرف حالتي وما أعانيه طوال هذا الأسبوع ..خاصة مع حالة سارة المنهارة "
ليقطب أكرم وهو يقول مؤيدا :
"عفوا أستاذي معك حق ..لا تهتم ..أنا أيضا قلق على سارة ..أنها مرابطة أمام حجرة الرعاية تكاد ترفض مغادرة بابها ..أنا أفهم شعورها بالذنب ناحية الشاب قريب خالد زوج أختي ..الذي خلصها ..لكن ألا ترى أن حالتها وتصرفاتها مبالغ بها ...أنها ترفض مغادرة المستشفى منذ أسبوع ..ولا تكاد تتناول الطعام .. بل لا تكاد تشعر أو تستجيب لأيا منا ..لقد حاولت معها لأكثر من مرة أن تعود للمنزل لتستريح ..بلا فائدة ..حتى استراحة الطبيبات لا تكاد تستريح بها ساعتين لتعود ثانية للجلوس أمام حجرة الرعاية ..الأمر تجاوز المنطق "
تنهد خليل بضيق وهو يسبل عينيه مخفيا نظراته عن الجالس أمامه ..يتفهم عدم فهمه لموقف وأفعال ابنته ..يكاد يرى نظرات التعجب والتساؤل بعيون الجميع ..حول تصرفاتها ليحاول إقناعهم بأنها تشعر بالذنب ناحية الشاب..وأنها ما زالت تعاني صدمة ما حدث لتوجه انهيارها نحو هاجس الاطمئنان على من أنقذها ..كلمات وإن تقبلوها بالبداية فلا يظن أن تظل قادرة على إقناعهم بمرور الوقت واستمرار ابنته على حالتها وملازمتها لباب الرعاية منذ خروج مدحت من حجرة العمليات بعد استخراج الرصاصة الأولى التي تلقاها بصدره ..والتي لحسن حظه تجاوزت منطقة القلب بمسافة صغيرة ..لتظل الرصاصة الثانية والتي استقرت بمنطقة حساسة من عموده الفقري هي المشكلة التي لم يستطيعوا حلها إلى الآن ..خاصة مع الغيبوبة التي سقط بها الشاب ولم يفق منها حتى اللحظة ...يعرف أنها تتسلل ليلا فترتدي الزى المعقم وتدخل إليه بعد انتهاء موعد الزيارة وذهاب أقاربه..لقد أبلغته الممرضة الليلية المسئولة عن الحالة ..وهو أكد عليها أن تدعها تدخل إليه وان لا تخبر أحدا بالأمر...لحسن الحظ أن تلك الممرضة كتومة ومحل ثقة .. ..لكن الأمر يقلقه ..ويحيره ..ليغمض عينيه متذكرا تلك اللحظات الرهيبة التي لا تنفك تطارده ككابوس رهيب في صحوه ونومه ..وهو يرى هذا الحقير المدعو سليم والذي عرف من سارة أثناء انهيارها بين يديه بحجرة مكتبه التي ادخلها إليها فور إنقاذها ...أن أمها من أرسلته لخطفها ..ليطلب منها التكتم وعدم ذكر الأمر ..لتدخل بحالة من الهستريا والصراخ وهي تخبره عن هذا المدحت..وأنه كان زميلها بالجامعة ..كانت منهارة لظنها أنه مات ..فالدماء التي كانت تنزف بقوة من جراحه ..والتي ما زالت تخضب ملابسها هي .. تعطي هذا الانطباع ..لقد عانوا بشدة ليفصلوها عنه ويدعو الأطباء والممرضين الذين هرعوا على أصوات ما يحدث ينقلونه من خارج المبنى لداخله ..بينما هي تشبثت به وهي تصرخ باسمه وتهتف أنه أنقذها وفداها بحياته ..وما أن ابلغها انه ما زال على قيد الحياة لكن حالته خطرة .. حتى أصيبت بانهيار حاد وهستيريا اضطرته لحقنها بمهدئ أسلمها لنوم مضطرب لساعات عدة ..كانت كفيلة له للتقصي حول الشاب الذي أبلغه الأمن أنه جاء ليسأل عن إمكانية زيارة سامح شقيق الدكتور أكرم ..وأنهم رفضوا لانتهاء وقت الزيارة ..ليطلب الذهاب للحمام ويخرج بعدها ..وكان هذا قبل الحادثة بوقت قصير ..هو لا يعرف يقينا سبب بقاء الشاب حول المشفى بعد خروجه ..وهل كان الأمر مجرد مصادفة .. أو انه كان بانتظار سارة لسبب ما ..أو أن هناك شيء آخر ..لكنه يجزم ..أن هناك ما يربط هذا الشاب بابنته ..خاصة مع استرجاع ذاكرته لأحوالها المضطربة وقت دراستها بالجامعة ....ليحاول الهرب من الأفكار التي تقلقه ..ويعود من شروده للجالس أمامه ..والذي أصبح ارتباطه بسارة والذي كان حلما يتمناه... محل قلق له ...فقد أبلغه زميله الدكتور عبد السميع اليوم صباحا بأن قرار البعثات صدر ..وأسم أكرم تصدر القائمة لبعثة لندن ...يعرف أن لندن بالذات حلم أكرم ..وهي المكان الأمثل لتخصصه ...لكنه بعد ما حدث ...يستحيل أن يقبل بسفر أبنته لهناك ...لن يسمح أن يرسلها بيده لمعقل أمها وزوجها المجرم .. لقد حاولت خطفها وهي هنا بجواره و وسط بلاده ..وكادت تنجح لولا رحمة الله ...فكيف سيكون الوضع وهي لديها هناك ...ليتنحنح مجليا صوته وهو ينظر لأكرم الساهم أمامه قائلا:
"أكرم أخبرني الدكتور عبد السميع أنه أبلغك بأمر صدور قرار البعثات "
ليعتدل أكرم وهو يجيب أستاذه بوجوم ..تعجبه خليل ..فهو كان واثقا انه سيكون بقمة السعادة لتحقق أمله :
"نعم دكتور ..لقد أبلغني بضرورة تجهيز أوراقي ..وأوراق سارة بما أنها سترافقني كزوجتي ...في موعد أقصاه شهرين أو شهرين ونصف على أقصى تقدير "
ليطرق خليل للحظات قبل أن يقول بصوت متردد:
"أكرم ..ما رأيك أن أحدثهم باللجنة لاستبدال لندن بألمانيا ..لا أظن زميلك الذي نال بعثة ألمانيا سيرفض التبديل ...فألمانيا الدراسة بها أسهل ..ومدتها أقل"
لينظر له أكرم بتعجب ذاهل وهو يقول:
"ماذا؟!! بالتأكيد لا ..إن لندن حلم كل طبيب عظام ..فهي الأفضل بهذا التخصص وبها جمعية العظام الملكية ..أقوى واكبر جمعيات العظام بالعالم وكل أطباء العظام يحلمون بالانتساب لها....بالإضافة لأني أجيد اللغة ..وهو ما سيسهل الأمور علي.. أنا متعجب لكلامك هذا أستاذي..كنت أظنك ستفضل هذا ..خاصة وسارة معها الجنسية الانجليزية مما سيسهل لنا الأمور "
ليطرق خليل برأسه للحظات قبل أن يرفعها مواجها عيني تلميذه وابنه الروحي وهو يقول آسفا :
"سامحني بني ..أعرف أني اتفقت معك على مرافقة سارة لك بالبعثة ...لكني بعد ما حدث ..أشعر بعدم قدرتي على مفارقتها ...لن استطيع تركها تسافر معك ..أعرف أنه يحق لك الرفض ..فطبيعي أن تحتاج زوجة معك بسنوات غربتك ..لذا فأنا أمنحك حرية اتخاذ القرار المناسب لك ...وصدقني ..أيا كان قرارك ..فلن يؤثر على علاقتي بك ومشاعري نحوك ..ستظل دوما ابني الذي لم أنجبه "
ليقاطع محاولة أكرم للتحدث:
"لا أريد رأيك الآن بل فكر جيدا واتخذ قرارك ..وللعلم أنا لم أتحدث مع سارة بعد ..فحالتها لم تسمح ..لذا ..فالأمر هو طلب خاص ..بل ورجاء مني أنا ..وكما قلت ..سواء قررت أن تسافر وحدك وتتركها حتى تعود ..أو تنفصلا وترتبط بمن يمكنها أن تسافر معك ..فالأمر لن يؤثر إطلاقا بعلاقتنا ..لكني في جميع الأحوال لن استطيع مفارقة أبنتي ...فكر بني وأبلغني قراراك "
ليومئ أكرم برأسه وهو يستأذن مغادرا
------------------------

تجلس ساهمة بحجرة مكتبها بالمشفى ..وجهها ازداد نحولا وشحوبا .....عينيها غائمتان بالحزن والألم .. لا تكاد تشعر برغبة بفعل شيء ..فقط تفكر بهذا الغائب عن الوعي منذ أسبوع ..لقد أصرت على معرفة تفاصيل حالته ..لتصدم بكون الرصاصة المستقرة بعموده الفقري قد أصابت النخاع ألشوكي وهناك احتمالية كبيرة لفقدانه القدرة على الحركة بل وربما أسوء أيضا ربما يفقد القدرة على الإحساس بالمنطقة السفلى ...لقد سمعت قريبه خالد و والدته وهم يقترحون نقله للخارج ..لكن أباها وباقي فريق الأطباء رفضوا محذرين من مغبة تحريكه ..التي قد تسبب مضاعفات اكبر ..كما أن عدم استيقاظه حتى الآن يحيرهم ويقلقهم ,,هم يحتاجون لإفاقته لتحديد مدى سوء الوضع ...هي لا تستطيع تخيل مدحت ..بكل عنفوانه ..وحيويته ..ونشاطه ..عاجزا ..وبسببها هي .. إنها حتى الآن لم تخرج من صدمة رؤيته أمامها بعد هذه السنوات ...ومتى .... في أسوء لحظات حياتها ..ليفديها بنفسه ..كانت تظن أنها نسيته ...دفنته عميقا بداخلها ..منعته قصرا أن يطفو على سطح ذاكرتها ..أوهمت نفسها أنها تخطت مشاعرها تجاهه ...لتنفجر بأعماقها فجأة ..وينتفض قلبها من سباته في نفس لحظة سقوطه فوقها مدرجا بدمائه ..لتشعر برغبتها بأن تفتديه بروحها .. لتعترف لنفسها أنها لن تستطيع الحياة لو أصابه مكروه ..تظل تراقبه ليلا..بعد مغادرة كل أقاربه..لتجد ملامحه ما زالت محفورة بداخلها ..لم تنساه كما أوهمت نفسها ..لم تتخطى حبه رغم جرحه لها كما ظنت ...ما زال يسكنها ..لتنهمر دموعها رغما عنها ..دموع مزجت الألم .. الخوف ..والذنب ..ذنبها ناحية رجل رائع ارتبطت به برضاها ..رجل يستحق وفائها المطلق ..لا يجوز لها خيانته بفكرها أو بمشاعرها ..لكنها غير قادرة على منع نفسها ..ليقاطع أفكارها دخول سبب وجع ضميرها..ليحيها بهدوئه المعتاد ..بينما تشعر هي بلسانها ثقيلا كما لو كان مقيدا بفمها ..لتتهرب من نظرات عينيه المتفحصة بينما تسمعه يقول:
" لقد تركت الدكتور خليل منذ قليل .. ربما لم تعرفي بعد ..لقد ظهرت نتائج البعثة ..والمفترض أن نبدأ بتجهيز أوراق السفر ...لكن والدك أبلغني بعدم رغبته أو قدرته على مفارقتك ..خاصة بعدما حدث ..وترك لي حرية القرار ..وبما أن هذا القرار يشملنا معا ..فكان لابد لي من التحدث معك "
كلامه أشعرها بالارتباك والضيق ..فلم تنتبه لعينيه الهاربة ولا ارتباكه الغير معتاد ..فجل ما كانت تفكر فيه ..هو ضرورة اتخاذ قرار حاسم ..فهي لا يمكن أن تسافر مع أكرم ..مدحت سيحتاجها بجواره ..وهي لن تتركه ...ليس وهو قد أصيب بسببها ستظل بجواره ..حتى لو كان لا يحبها ... أما أكرم فلن يمكنها البقاء مرتبطة به ..فتلك خيانة لا تقبلها لنفسها ..أو له "
لتنظر له بعيون غائمة بالدموع وهي تقول بصوت يحمل مزيجا من الأسف والرجاء:
"أكرم .. يعلم الله أني كنت دوما أراك نعم الرجل ..وكنت فخورة بارتباطي بك ..فأنت رجل تتمناه كل فتاة ..خلوق ..شهم ..وسيم ...طموح ..وينتظرك مستقبل باهر ..لكن ... سامحني ...رغم إعجابي الكبير بك ..إلا أنني لن أستطيع أن أكمل معك " ليقاطعها بتردد وارتباك :
"إن كان السبب عدم رغبتك بمفارقة والدك ..فلا مشكلة ...بإمكاني السفر وحدي ..وترك الوقت لك ..هناك فقط موضوع أرغب بإخبا.."
لتقاطعه بحسم:
"لا أكرم ..ليس للسفر دخل بما أطلبه ...فقط أن ما حدث لي جعلني أراجع مشاعري ..أكرم أنا معجبة بك ...وبشدة ..أنت تمثل لي صورة تشابه أبي كثيرا ..ودوما ما تمنيت أن ارتبط بمن يشبهه ..لكن القلب لا يخضع لأهدافنا التي نضعها لحياتنا .. أنا لا أشعر نحوك بتلك العاطفة التي تستحقها ..أنت تستحق من تحبك بقلبها وعقلها وكل مشاعرها ...لا تراك فقط زوجا جيدا و مناسبا ومشابها لأبيها ..سامحني أكرم ..ولو كنت تحمل لي معزة .. أنه ما بيننا الآن ..أرجوك ..أرحني من قيد يشعرني بالذنب ..ولا تسألني عن الأسباب ..أرجوك ..."
أخذ يحدق بها للحظات عدة قبل أن يقول بهدوء:
"ألا تريدين المزيد من الوقت للتفكير أو .."
لتقاطعه بلهفة وهي تقول .."لا...لا ... فقط أنطق الكلمة التي تنهي ارتباطنا ..حررني أكرم ..أرجوك ..أنا بحاجة لتحررني .. وبحاجة أكثر لتؤكد لي أن علاقتك بي وبأبي لن تتأثر بفراقنا..عدني.. عدني أن لا تتركنا ..أو تترك المشفى ..عدني أن لا تتأثر علاقتك بأبي ...عدني.. أن لا تكرهني ...أنت.."
لتغمض عينها بينما تزداد انهمار دموعها وهي تكمل .. "غالي عندي جدا..إن كنت مضطرة لخسارتك كزوج ..فلا أريد أن أخسرك كأخ وصديق "
كانت دموعها تجري وصوتها يتهدج بقوة ..لتغمض عينها هربا من نظراته المتفحصة ...رغم أنها لم ترى فيها لوما أو غضبا ..فقط بعض الأسف الممزوج بالفضول ..لكنها بحاجة لسماع كلمة الطلاق منه ..بحاجة لتكون حرة من قيود الذنب التي تكبل روحها ..لتستطيع الاقتراب من ذاك الغائب الحاضر ..لتسمع صوت أكرم يمنحها صك الحرية والغفران معا وهو يقول:
" يكفي سارة ..والدك كان وسيظل والدي الروحي ومن أعز وأقرب الناس لي وسأظل أبنا له حتى لو لم يربط بيننا نسب ..وأنت ستكونين منذ اللحظة أختا لي ..ودوما سأكون سندا لك .. ستجديني بجوارك متى ما احتجتني ..وأبدا لن أتخلى عنكما "
لتنظر له بامتنان وبعض الندم ..لتغمض عينها بينما تطلب منه بحزم.. انطقها أكرم ..من فضلك ...طلقني "
نظر لها للحظات ..ليقول لها بخفوت " سارة ...أنت.. طالق"
------------

يحدق بساعة يده ..يكاد يستعجل الوقت حتى ينتهي اليوم ..فمنذ هاتفته أمه لتخبره بعودة أبيه للمنزل ..والتي كانت مفاجأة صادمة له ..خاصة مع معرفته برغبة الطبيب بقائه لفترة أخرى ..إلا انه لا يكاد يطيق صبرا للعودة ..فسيجتمعون معا لأول مرة بمنزلهم منذ عشر سنوات كاملة ..عشر سنوات فقد فيها إحساس الأسرة ..حضن أمه ..ضحكات أبيه ..تجمعهم معا ..وحدهم بمكان واحد ...حسنا ليس وحدهم تماما ..وليس بمكان واحد تحديدا ...فهناك علقة تحول دون اكتمال الحلم كاملا ..لكنه لن يسمح لها بتكدير فرحته ..وسيستمتع بكل لحظة يقضيها وسط والديه ...لن يترك شقتهم إلا عندما يحين موعد نومه ..وبإمكانها أن تضرب رأسها بالحائط ... فهو راغب بالتخلص منها ....!! ليتجاهل صوتا بداخله يسخر من كذبه على نفسه ..فقد جاءته فرصة ذهبية للتخلص منها ..لكنه رفضها ...بل ما زال يشعر بالغضب كلما تذكر ما حدث ..دون أن يحاول حتى معرفة سبب غضبه ..لتعود ذاكرته لهذا اليوم من أسبوع عندما توجه لموعده مع علي الذي ما فتئ يذكره به طوال اليوم ..مرة صباحا وهو يمر بمكتبه ..ومرة قبل موعد الاستراحة وهو يرسل له رسالة تذكير ..ليغمض عينيه و يتكأ برأسه للخلف مسترجعا لقائه به
(جلسا على إحدى طاولات مقهى الشركة متواجهين ، ياسر مستقيم بصلابة ينظر بشرر يتطاير من عينيه وعلي يحني رأسه بحرج يزدرد لعابه بتوتر سببه نظرات ياسر النارية
كان أول من تحدث هو ياسر الذي تمتم بنزق : هل سأنتظر النهار بأكمله لتخبرني عم تريد ؟!
كح علي وهو يشحذ همته ليجيب بهدوء : بالطبع لا ، فقط اخبرني ماذا تشرب سأدعوك علام تريد ؟!
__ تدعونني عليه ، هل نحن صديقين لتدعوني على مشروبي المفضل ؟! زمجر ياسر ليتبع بحدة - تحدث من فضلك وأخبرني عم تريد وإلا سأتركك واذهب إلى عملي.
كح علي بحرج وهمهم : فقط أريد .. كح مرة أخرى وهو يخفض نظره للأسفل : كنت أريد أن أوضح لك علاقتي بابنة خالتك
اتسعت عينا ياسر بغضب يتطاير من حدقتيه : علاقتك بابنة خالتي؟! ، هل أنت على علاقة بابنة خالتي ؟!
امتقع وجه علي وهتف بسرعة وحروفه تتشابك : أبدا والله أننا زملاء عمل فقط فهي إنسانة جميلة وخلوق و ....
قاطعة ياسر بحدة وهو يضرب كفه في عنف على سطح الطاولة : هل أتيت بي إلى هنا لتعدد على مسامعي محاسن ابنة خالتي يا هذا ؟!
هز علي رأسه في نفي وهو يجيب بسرعة : لا لقد طلبت مقابلتك لتحدد لي موعدا مع عائلتكم فأنا بعد إذنكم أريد الارتباط بالآنسة تقى .
ارتجف ياسر بغضب غير مبرر ليهتف بلهجة قاطعة وهو ينهض واقفا : لا يوجد لدينا فتيات للزواج يا هذا ، وهذا الأمر انساه تماما فابنة خالتي لن تتزوج منك أبدا.
ارتسم الذهول على ملامح علي ليشحب بخوف حينما انحنى ياسر إليه ليقبض على تلابيبه ويهمس بتهديد فاح بنبراته : وإياك أن تقترب منها مرة أخرى .
نفضه بعنف ليتركه ويغادر بخطوات متسارعة وشياطين غضبه تلاحقه يتوعد تلك المائعة التي دفعت هذا المتحذلق للاقتراب منها وجرأته على طلب يدها ليتمتم من بين أسنانه : سأريك يا تقى .)
ليجد نفسه يفتح عينيه وهو يضغط على نواجذه غيظا لا يدري سببه بينما يردد لسانه سأريك يا تقى ...لينتفض واقفا ..متجها إليها ...فقد حان موعد العودة للمنزل ..وموعدهم اليومي للشجار ..الذي يبدأ ما أن تركب بجواره بالسيارة ..حتى يحين موعد ذهابه للنوم .....الغريب أنها لا تبدأ شجاراتها معه بالصباح أثناء ذهابهم للعمل ..فيبدو أنها لا تكون قد أفاقت جيدا بعد ..ولا هو كذلك يستفزها صباحا ...ربما لأنه يكون بحاجة لعقله صافيا لأداء عمله ..بينما في الإياب ... لا تكف عن استفزازه ..ولا يكف عن إغاظتها .... لقد بدأ يعتاد وجودها المشاغب بحياته ..وأصبح يستمتع بشجاراتهما ...ربما كان نوعا من إدمان الصخب ...بعد مرور سنوات قضاهم بهدوء وصمت ..

-----------------
تقف أمام زجاج حجرة الرعاية ..تراقب بقلب واجف وعيون دامعة ووجه شاحب ..هذا الجسد المسجى بلا حول ولا قوة ..أيام عدة مرت وهو على وضعه ..لا يتحسن ..ولا يستجيب ..غائب عن وعيه ..ليتركها للهواجس والظنون ..بقلب مرتجف خوفا من مزيد من الفقد لن تحتمله ..قد لا يكون نعم الأخ الحنون المراعي الذي تتمناه كل فتاة ..لكنه يظل أخاها الوحيد ..الأخ الذي لم تعي مقدار حبها وحاجتها إليه إلا عندما كادت تفقده ..تكاد تموت خوفا من أن يسرقه الموت منها ..لن تحتمل ..تقسم إنها قد تموت لاحقة به لو حدث ذلك ... ليتخشب جسدها بنفور ورفض ما أن شعرت بتلك الكف التي وضعت على كتفها مصاحبة لهذا الصوت البغيض الذي يكاد يشعرها بالاختناق وهو يقول:
"عزيزتي ماهي ...يجب أن تذهبي للراحة قليلا ..والدتك تقول إنك لا تتركين المشفى إلا مرغمة وقت انتهاء الزيارة ..بإمكاني أن أطلب حجز جناح لك هنا لتستريحي فيه أو .."
لتلتفت له قائلة بحدة:
"أتظنه فندقا ستحجز به جناحا ..إنها مستشفى .. وأنا لن أترك مكاني لأذهب لأي مكان آخر..ولا داعي لتتعب نفسك بالزيارة اليومية ..فكما ترى ..الزيارة ممنوعة ..والوضع بدون تغير"
ليرد عليها بمهادنة لا تخلو من التحذير:
"لا بأس ..أقدر قلقك على وضع أخيك الذي يجعلك تتحدثي معي بتلك الحدة ..والتجاوز ...لكنك تنسي أني خطيبك ومن حقي.."
لتقاطعه بحدة ورفض:
"لست خطيبي ..ولا حقوق لك عندي ...كيف تعطي لنفسك حقا لم أمنحك إياه..وتضفي عليك صفة لم ولن تحدث ..أنا لست موافقة على طلبك ..كما لا أظن الوقت ولا المكان يسمح بما تقول ...لتلتفت ناحية الزجاج ناظرة لجسد أخيها لتضيف بحزم " سيد عاصم ..اعرف مدى انشغالك ..لذا أرجو أن لا أعطلك أكثر "
لينظر لها بحدة بينما يقول باستخفاف لا يخلو من تهديد :
"أظنك لم تفهمي بعد أبعاد الموقف كاملا.. ..لكن كما قلت ..لا الزمان ولا المكان يسمح بمزيد من النقاش حاليا ..لكني أنصحك بسؤال والدتك قبل أن تندفعي بكلام ..قد لا أسامحك عليه ...كوني فتاة عاقلة ..واعلمي أنك خطيبتي وستكونين زوجتي قريبا ..فلا داعي لتمرد لا طائل من ورائه ..بالإذن يا ....يا خطيبتي" ليربت على خدها بأطراف أصابعه .. فتبعد وجهها بحدة و تنظر له شذرا بينما يلتفت مغادرا.. لتزفر بضيق وغيظ وهي تتبعه بعيناها قبل أن تنتفض على صوت غاضب يأتي من خلفها و يسألها بحدة:
"كيف يجرؤ على لمس وجهك هكذا ؟!... بل كيف سمحتِ أنت له ..ألا حدود لتفلتك" ..لتلتفت له متجاهلة ملامحه المتحفزة الغاضبة وقد فاض معين صبرها فتصرخ بوجهه :
"كيف تجرؤ على إهانتي ..ألا تكف عن اتهامي ..ألا تراني دوما إلا فتاة منحلة ..ما ذنبي أنا إن كان هو شخص وقح ..منح نفسه حقوقا لا يملكها ..وفاجئني بتصرف لم أجد فرصة لأمنعه عنه ...لكنك كالعادة ..حاكمت ..وأدنت وهاجمت ..دون حتى أن تمنحني حق الدفاع ..أتعرف اذهب للجحيم سامح ...فقد تعبت ولم أعد أحتمل "
قالتها بحدة بينما تشمخ برأسها وهي تحاول تجاوزه بسرعة قبل أن تهزمها دموع عينيها ..لتوقفها كفه التي التفت على رسغها تمنعها المغادرة ..بينما يقول بندم لا يخلو من نبرة ضيق وغيرة:
"أسف ماهي..لم يكن يحق لي مهاجمتك هكذا ..لكن هذا الرجل ..منذ أسبوع وأنا أراه حولك ..يكاد يلتصق بك بطريقة غريبة ..أنا لا أفهم وضعه . فهو.حسب ما فهمت .. صديق للعائلة ..لكني أراه يتصرف بطريقة تتجاوز ذلك ...يأمر وينهي ..أمك تعامله كما لو كان هو المسئول عنكم ..حتى أني سمعتها تتشاجر مع خالد عندما رفض أن يدعه يدفع حساب المشفى ..وتخبره أن الطبيعي أن يدفعه هو!!! ..كيف يكون هذا هو الطبيعي لا افهم؟؟!! ..ولولا أن الدكتور خليل حسم الأمر بتصميمه على أن يتحمل هو كافة التكاليف باعتبار ما حدث لمدحت نتيجة لمساعدته ابنته لتحول الأمر لشجار كبير بين خالد من ناحية ..وأمك وهذا العاصم الذي لا أفهم موقعه من الإعراب من ناحية أخرى "
لتنظر له للحظات بغموض ..بينما تمر بعينيها على تلك الجبيرة التي تغطى كامل فخذه مما يضطره لارتداء ثوب المشفى الذي يبدو فيه كأبطال مسرحية العيال كبرت بالمشهد الذي يرتدون به الجلابيب القصيرة ..ولولا ما تعانيه من الم وحزن لكانت ابتسمت على هيئته ..خاصة وهو يتكأ على تلك العصا التي تحمل وزنه نتيجة لعدم قدرته على التحميل على ساقه ..لكنه عنيد ويرفض الجلوس على الكرسي ذي العجلات ..ويصر على ترك حجرته و المجئ للبقاء معها يوميا منذ الحادثة ..هي حتى متعجبة من استمرار بقائه في المستشفى حتى اليوم ..فالمفترض أن يخرج ليكمل علاجه بالمنزل .. وتميل للظن انه بقى لأجلها لكنها تخشى أن تكون مجرد أمنية لديها تخادع بها نفسها وتمنيها بما تريد ..لتقرر إخباره بما يرغب بمعرفته ..فربما تعرف هي أين موقعها لديه ...لتنظر لعينيه بتركيز بينما تقول بهدوء خادع:
"هو وأمي يظنان أن له حقا باعتباره خطيبي ..أو هذا ما يأملان به على كل حال "
ليتسمر الواقف أمامها ..وتتسع عينيه غضبا ..بينما يقول باستنكار:
"خطيبك ؟!! كيف ...وما معنى ما يأملون به ..ما هذا الهراء ..هل أنت مخطوبة له؟!..ومنذ متى و.."
لتقاطع تساؤلاته الحادة ببرود وتلاعب جعله يزداد غضبا وهي تقول :
" لم أقل أنى خطيبته ...بل قلت... أنهما يأملان بذلك "
ليصرخ بوجهها :
"ما الذي يعنيه هذا الهراء ..كفي عن اللف والدوران وأجيبي دون مواربة "
لتنظر له بسخرية وهي تسأله:
"وما الذي يغضبك هكذا ؟ ولما يهمك الأمر من الأساس " لتظل مركزة عينيها عليه وهي تراه يضغط على نواجذه حتى بان النبض الصارخ بفكه وأحمر وجهه بينما لا يكاد يعرف بما يجيبها لتقرر إنهاء تلك اللعبة ..فهي ليست قادرة نفسيا ولا جسديا على تحمل المزيد لتقول بخفوت وصوت منهك :
"سامح أرجوك لا داعي لكل ذلك ..كل ما في الأمر أن عاصم تقدم لطلب يدي قبل حادثة مدحت بعدة أيام ...ورغم أني أبلغت والدتي برفضي ..لكنها رفضت إبلاغه ..بل وتصر على أن أوافق عليه ..تراه عريسا مثاليا حسب معايرها ... بل أنها كادت تحدد معه موعدا للخطبة رغما عني لتضعني أمام الأمر الواقع"
ليقول سامح بغيظ بينما تزداد أنفاسه تهدجا:
"ولماذا لم تبلغيه أنت برفضك ..لماذا تتركيه يتصرف كما لو كان يملك سلطة أو حقا عليك"
لتجبه بتعب:
"ومن قال أنني لم أفعل ..لقد أبلغته منذ دقائق قبل حضورك مباشرة ...لكنه وللغرابة الشديدة يبدو مثل أمي .. غير مهتم برأيي ..لا أدري ما الذي يعنيه أو يدور بعقله ..ليجعله يظن انه سيتزوجني سواء قبلت أو لم أقبل "
ليرد سامح بعنفوان غاضب:
"ماذا!! ..من يظن نفسه هذا الرجل ..لا أريدك أن تتعاملي معه ثانية ..وإن كان يظن أن بإمكانه إجبارك على شيء ..فانا كفيل به ..ولن اترك جانبك عندما يحضر ..وليرني ماذا سيفعل ..ولو اقترب منك ثانية خطوة واحدة ..أو حاول وضع يده عليك سأكسرها له"
لتنظر له بعيون رغم ألمها وذبولها لكنها تفيض عشقا لتسأله بخفوت مترجي : "لماذا سامح؟! ..لماذا ستفعل ذلك ..وتقف بوجه رجل كعاصم ..ليس بهين ..وقد يؤذيك؟!"
ليقول بحدة لا تخلو من تهرب:
"من هذا الذي يؤذيني ..أتظنيني ضعيفا ..لا يغرك تلك العصا ..فقد واجهت من هم أعتى منه ولم اهتز أو أتراجع ..لقد أصبحت مصفحا من كثرة المواجهات ...ثم أنك قريبة خالد ..صديقي ...وزوج أختي... أي أنك دخلتي نطاق عائلتي ..وأنا أحمي عائلتي بحياتي .."
لتغمض عينيها للحظات بإجهاد قبل أن تعيد سؤالها بنبرة تكاد تكون متوسلة لإجابة تريح خافقها الذي أضناه التعب والحيرة ..ويحتاج لواحة أمان يستريح بها من ما يعانيه من خضوب :
"تلك ليست إجابة تقنعني ...فلماذا سامح ؟ ..لماذا.. أجبني؟!! ...أحقا لمجرد كوني أصبحت مقربة لعائلتك ..مثلي مثل أي احد ..أم أن هناك ما هو أكثر ؟!"
لتتعلق عيناها المستجديتين لبوح تتمناه.. بعيناه المثقلتين بنظرة عشق واضحة ورغم ذلك يرفض أن ينطق بها لسانه ...لتشعر بقلبها تتسارع دقاته وهي ترى عيناه تلتمع ..ولسانه يوشك على البوح وهو يفتح فمه ويغلقه مرارا قبل أن يقول بتردد:
" بل أكثر ماهي فأنا أأأأ...ليقاطعهم صوت أمها وهي تقول بحدة متجاهلة سامح الواقف أمامها كأنه هواء :
"ماهي ..لقد قابلت عاصم بالأسفل ...وقد أشتكى منك ومن تعاملك معه ..كيف تهنين خطيبك وتعامليه بهذا الجفاء يا فتاة ..وهو من يترك أعماله الهامة ويأتي يوميا لمساندتنا والوقوف بجوارنا ..رغم ضيق وقته ..أنسيت من يكون هو..إنه ليس شابا عاطلا ...لا يجد ما يشغله إلا التسكع و التسلية وتمضية الوقت هنا وهناك .. فلا تعودي لتجاوز حدك معه بالحديث "
لتصرخ ماهي بغضب ..زاده اشتعالا وجه سامح الذي لاحظت امتقاعه بعد تجاهل أمها وكلماتها المهينة والمبطنة له "
" بل أبلغيه هو أن لا يتجاوز حده معي ...وأخبرتك كما أخبرته ..هو ليس خطيبي ولن يكون ...ثم هل هذا كل ما يشغلك ..أنسيت هذا الراقد خلفك ..لتشير على حجرة أخيها ...هل أصبح لا يشغلك سوى عاصم هذا و رضاه ..وأخي الراقد بغيبوبة لا ندري بعد متى و كيف سيستيقظ منها ألا يهمك ..أم اكتفيت ببكائك وثورتك واتهاماتك للجميع يوم الحادث ..لتكتفي بعدها بتلك الدقائق التي تمرين بها يوميا على المشفى لمتابعة حالته كأي غريب "
لتقول أمها بهسيس غاضب :
"كيف تجرئين على التحدث معي هكذا ..وكيف تتهميني بعدم الاهتمام بأخيك ...لعلمك عاصم يقوم باتصالات بأكبر أطباء العالم ...واخبرني أنه سيرسل تقاريره للخارج ..ويرى إمكانية نقله ..وإن لم يمكنهم نقله ..فسيحضر هو له هنا أكبر وأفضل الأطباء لعلاجه ..وعلى نفقته الخاصة "
لتقول ماهي بهسيس مماثل وهي تقرب وجهها منها :" وأنا لن أقبل عطايا وإحسان السيد عاصم ...وخالد يقوم بكل ذلك وأكثر ..فأريحي نفسك واخبريه أن يوفر وقته وجهده وماله ..فلا نحتاج إليه ...ولن ينال ما يريد ..مهما حدث "
لتتركها مهرولة للخارج.. متخطية سامح الناظر لأمها بغضب بينما يعض على نواجذه غيظا وعيناهما تتقابل بتحدي ..قبل أن يلتفت تاركا إياها ليعرج محاولا اللحاق بتلك الغاضبة ...بينما التفتت هي لتنظر لابنها فتغلبها الدموع وهي تراه مسجى بلا حول ولا قوة ...تكاد الحياة تتسرب من بين أنفاسه ..........
-----------------------

تجلس بالفراش ملتفة بالشرشف بينما تشخص عيناها بالفراغ دون أن ترى شيئا....تحبس نفسها بتلك الحجرة التي لم تحلم يوما بأن تشاهد مثلها خارج شاشات التلفاز ...لكنها لا تراها حقا ..لا تهتم بكل ما يحيط بها ...بل لا تشعر به ..هي لا تكاد تشعر بشيء من الأساس ..فقط الخواء ..كما لو كانت مفرغة من كل شيء ..إنها حتى لا تشعر بالغضب .. أحيانا تتساءل إن كانت ما زالت مخدرة ...هي نفسها لا تفهم لما هذا الفراغ بداخلها ... أليس من المفترض أن تكون غاضبة ...ثائرة ..مقهورة ..فلم لا تشعر بذلك ...فقط ترغب بأن تنام ......لقد قضت معظم الأسبوع نائمة ..تكاد لا تستيقظ إلا رغما عنها تحت ضغط همس ..وحماتها ..تلك السيدة الراقية الرائعة التي اقتحمت منزلها دون سابق معرفة ..ورغم ذلك تعاملها بمنتهى الحنان ...حنان لم تستشعره منذ زمن طويل ... أتراها ما زالت حقا تحت تأثير المخدر..لتبتسم بسخرية من نفسها ..أي مخدر هذا الذي يستمر تأثيره لأسبوع ...لقد بدأت تفيق من تأثيره بعد أن وضعتها الحاجة اعتماد زوجة الشيخ مرسي بملابسها تحت مرش الماء بالحمام لتسقيها بعدها عدة أكواب من القهوة ... لن تقول أنها أفاقت تماما ..لكنها كانت واعية بما يكفي لتستمع لكل ما قاله العم محمد والد أكرم والشيخ مرسي عن ضرورة موافقتها على الزواج من أكرم ..ومغادرتها الحي لفترة.. كانت واعية وهي تنكس رأسها بصمت لتوافق على زواج تحت وطأة مداراة فضيحة ..لتعي بعد أن أفاقت تماما ..أنها قد أثبتت على نفسها بقبول الزواج تلك الفضيحة المدوية ... لكنها عندما أفاقت بما يكفي لتعي هذا كانت قد أصبحت زوجة لأكرم بالفعل ..أكرم حُلم عمرها منذ طفولتها.. وصباها.. ومراهقتها ..الأمل والحلم الذي تحول عند تحقيقه لكابوس يكاد التفكير به يطبق على أنفاسها ..لذا ترفض التفكير تهرب منه ..ومن الجميع ..لا ترغب برؤية أحد ..وخاصة هو ...لا تعرف كيف ستواجهه ..وماذا يمكن أن يقولا لبعضهما ...لذا رفضت كل محاولاته لرؤيتها طوال الأسبوع ..بل رفضت أن تغادر تلك الحجرة .. تكاد لا تترك الفراش إلا للذهاب للحمام والصلاة ..وتستجيب تحت الضغط لتناول بعد اللقيمات من تلك الأطباق المتنوعة التي لا تكف همس وحماتها عن إحضارها ..لتعود للنوم ..رن هاتفها بجوارها فألقت نظرة لا مبالية عليه ...هي تغلقه معظم الوقت ...لكنها لا تدري لما فتحته منذ قليل ..لتتوالى الاتصالات والرسائل التي تجاهلتها كلها ... من أكرم ...ومن بعض زميلاتها بالكلية ...ومن حسين ..الذي عاد للاتصال ثانية لتمد يدها وتغلق الهاتف تماما وفمها يلتوي ببسمة مريرة وهي تجد أن أخاها يتصل بها من الهاتف الذي أحضرته له برقم شبه مميز وسهل الحفظ ...لقد ظلت لأعوام تحاول التقرب من حسين دون فائدة ...فدوما ما كان نافرا منها ..متخذا جانب أمه ضدها ...لتتذكر ما حدث منذ أشهر قليلة عندما أحضرت له هاتف قديم الطراز ومستعمل ..بعد أن تكررت شجاراته مع أمه لرغبته بهاتف أسوة بمعظم أصدقائه ..لترفض نبيلة لضيق اليد وعدم وجود مال ...لتستغل هي مكافأة صغيرة منحها لها أكرم بعد أسبوع مربح بالعيادة لشراء هاتف له ...كانت تحاول مراضاته والتقرب منه ..لكنه بدلا من أن يشكرها ..أخذ يهزأ من هديتها ...ويتهمها بأنها ترغب باهانته أمام أصدقائه بحمله تلك العدة التي عفا عليها الزمن ولم يعد أحد يستخدمها فلا تتوافر فيها تقنيات حديثة ...بل حتى لا يوجد به كاميرا ..مجرد أداة اتصال فقط .. وكاد يرميه بوجهها لولا أن ظلت تهادنه وتحايله لقبوله مؤقتا حتى تستطيع توفير مال يمكنها من شراء واحد أفضل .. الآن أصبح يستخدمه ..ويحاول الاتصال بها ...بل لقد حضر لها منذ يومين مع والدة أكرم ...لكنها رفضت لقاء أحد وتحججت بتعبها ورغبتها بالنوم ... لم تعد تشعر برغبة في مواصلة الحرب لتكسب قلوب إخوتها .. ولم تعد تريد أن تناضل لنيل شهادتها ..لتحقق حلمها فتصبح الدكتورة هند ..لترى نظرة إعجاب بعيون أكرم ..وتسير بحيهم رافعة رأسها تيها وفخرا ...لتبتسم بخواء ...وهي تفكر أنها لم يعد بإمكانها أن ترفع رأسها بحيهم بعد أن فُضحت .. سمعت صوت أقدام تتوقف أمام بابها سبقت صوت الدقات عليه ..فسارعت لتتمدد بالفراش مغطية وجهها بالمفرش ...ومدعية النوم ...هاربة من الجميع ..و أولهم نفسها
-------------

صرخت بقوة وهي تنتفض واقفة أمام زوجها المضجع بنصفه العلوي بفراشهما بينما قدماه تلمسان الأرض بوضع مائل ... لينظر لها بهدوء وهو يقول بحزم:
"لا ترفعي صوتك همس ..أنت طلبتي أن لا أخفي عنك شيئا ..وأنا أخبرك بما فعلته ...لقد طلبت لقاء منصور التهامي وطلبت منه بشكل مباشر التدخل ..وإيقاف تدخلات عاصم مهران ومحاولاته النفاذ لمشاريعي وأعمالي ..وإبعاده تماما عني ...فإن كان هناك من يقدر أن يفعلها ويوقفه فهو منصور ..منصبه وعلاقاته ..ونفوذه ..ستحجم عاصم وتبعده ..بالإضافة لأن نفوذه يفوق نفوذ حلمي الشامي ..رغم كونهما بمناصب متشابهه ..لكن تشعب علاقات ونفوذ منصور تجعل عاصم وحلمي يصنعون له ألف حساب ...لن يخاطروا بإغضابه وعداوته إن أعلن مساندته لي .."
لتقاطعه همس بغضب ثائر:
"ومقابل ماذا خالد ..فلن يساندك منصور مجانا ..كلنا نعرف أنه فاسد للنخاع ...رغم منصبه وواجهة الشرف الخادعة التي يتبناها ...هل ستدفع له رشوة ...ليكون صمت خالد وشحوبه إجابة سؤالها فتصرخ بجنون وقد فقدت كل قدرتها على لجم لسانها ..."لا اصدق ..لا أصدق أنك تلجا لهذا الرجل ..وتلك الطرق الملتوية الحقيرة التي ..."
لينتفض خالد واقفا ليواجهها بثورة مشابهة وقد فقد قدرته على ادعاء الهدوء:
"وماذا كان بإمكاني أن أفعل ...نعم هو فاسد ..ونعم لن تكون مساعدته مجانا ....بل سيحصل على نسبة 2% من صافى أرباح المشروع ..وفوقهم شقة باسم ابنه به ...لكن في المقابل سأحمي نفسي ..سأمنع انهيار مجموعتي ..وأقسم لا أفعلها لأجل نفسي ...بل لأجل مئات العاملين الذين يعتمدون على بقاء أعمالي و شركاتي قائمة ليستطيعوا إطعام أسرهم ..هل تفضلين أن أعاند وأحارب بجميع الجهات بوقت واحد ..سيكون غباء كمن يحارب طواحين الهواء ... أنا شبه متأكد أن عاصم وراء ما حدث لي ..وهذا يعني انه لن يتوقف ...لدي الآن مصائب لا تعد ولا تحصى ..أولها ضرورة الحصول على تمويل للاستثمار بإعادة البناء دون اللجوء للبنوك حتى لا تفتضح حقيقة أزمتي المالية ...ومشكلة عمتي وتلك الشيكات التي وقعتها ولا تملك ما تسدده ...ومدحت الملقى بين الحياة والموت ومصيره بعلم الغيب ..وهناك احتمال أن يفقد قدرته على الحركة إن لم يفقد حياته كلها ...ماذا تريدين مني أن أفعل ؟!!"
لتصرخ بغضب ودموعها تنهمر بغزارة :
"تحارب ..تحارب الجميع وأنا معك ...لا تستسلم للضغوط ...لا تسلم رأسك للشيطان فتسلك سبيل الفاسدين لتتحول لفاسد مثلهم يدفع الرشاوى لتسهيل أعماله "
ليصرخ بها باستنكار غاضب :
"اهكذا تريني ...فاسدا !!...لمجرد أني انحنيت للريح حتى لا أكسر ...أنا لم أطلب ما ليس لي ..لم أخذ حق احد ...لم أتعد على مال عام أو خاص .... فقط أحفظ نفسي وعملي ..ومصدر رزق عمالي ..فهل أكون فاسدا بنظرك ؟؟!! "
لترد بحدة "فماذا تسمي ما فعلته ..المبادئ لا تتجزأ ...والرشوة رشوة أيا كان سببها ...استعانتك بفاسد لمواجهة فاسد يدخلك دائرتهم شئت أم أبيت ..الحرام بين والحلال بين ..والحق والصواب لا فصال فيهما"
ليرد بسخرية مريرة :
"إذا فالحل أن أحاربهم رغم علمي بكونها حربا خاسرة ..لينتهي بي الأمر مفلسا وربما ملقى بالسجن ... ويشرد مئات العاملين عندي ..وقد أضطر أن أخضع بالنهاية لابتزاز عاصم ..وعندها ستكون مشروعاتي مجرد واجهة لأعماله الحقيرة ..ومنفذ غسيل أموال من جعلوه واجهة لهم بالسوق ..أسف همس ...لقد اخترت أهون الشرور .. واقل الإضرار ..ربما تريها أنت فسادا ..لكني أراها موائمة للظروف وانحناء لريح عاتية ..أنا أعي حدودي ولا أتخطاها ..اعرف حتى إن اضطررت للخطأ أين أقف فلا أغوص أكثر ..الحياة ليست ابيض واسود ..وخاصة بعالم الأعمال ..بل هي غابة يؤكل بها الضعيف ..وتحتاج لبعض التنازلات ..المهم أن لا أتجاوز الحد "
لتقول همس برفض وحدة :
"هذا منطق معوج لا أقبله ..أسفه خالد أنا ارفض هذا ..لن اقبل أن أعمل أو أعيش مع رجل يقبل بمبدأ الرشوة ..أيا كان السبب "
لينظر لها خالد للحظات طويلة قبل أن يقول بصوت حمل مرارة الخذلان:
"وأنا لن أقبل أن تجبري نفسك على الحياة مع رجل فقدت احترامك ونظرتك الجيدة له همس .. فلتخبريني ما تريديه ..وسأنفذه لكِ الآن و فورا ....
-------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 09-09-18, 02:07 AM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل الثامن عشر
يتجاهل بتعمد النظرات المتفحصة لوالدته الجالسة أمامه على طاولة الإفطار ...لقد رغب أن يخرج بسرعة دون أن يراها ..لكنه لم يشأ أن يشعرها بشيء .. يكفيها ما هم فيه ...لكن يبدو أنها كالعادة لديها قدرة على استشعار ما يحدث معه دون كلمات ...حاول إنهاء قهوته التي اكتفى بها ليخرج بسرعة قبل أن تبدأ جلسة الاستجواب.. وما أن هم بوضع فنجانه والتحرك حتى أوقفه صوتها المتسائل:
"ما بك خالد؟ ...لا تبدو بخير ..هل حدث شيء جديد؟! "
ليحاول التهرب وهو يجيب بمواربة :
"وهل كل ما يحدث يمكن أن يجعلني بخير أماه ..مشاكل العمل وأزمة السيولة الخاصة بالمشروع ...مصيبة مدحت التي لا ندري ما سيكون وضعه ..وعمتي واتفاقها الشائن مع هذا ألعاصم ..والمبالغ التي تدين بها له ..ليقطب بينما يتذكر أمرا فيرفع عينيه لها سائلا:
"هل استطعت الاتصال بالعم عز الدين لأجل إخباره بموضوع الفيلا ..أحتاج أن يرسل عقدا ابتدائيا موقعا منه بتاريخ قديم يبيع به الفيلا لعمتي ..حتى إذا ما حاول عاصم استغلال العقد الذي باعت هي به الفيلا له واتهمها بالتلاعب أو النصب يكون لدينا ما نرد عليه "
لتتنهد بضيق وهي تقول بقلق:
"لا أدري أين اختفى ..الأمر مقلق ...لقد أعتاد على الاتصال بي والتواصل معي كل عدة أشهر ليعرف أخبار أبنائه... ويطمئن عليهم من خلالي بعد رفض عمتك الرد عليه ..والتواصل معه ..وموقف أبنائه الرافض ..فيكتفي بإرسال المال لحسابها لأجلهم ..ومعرفة أخبارهم مني ..لكنه لم يتصل منذ أكثر من ستة أشهر على غير العادة ..وحاولت الاتصال أكثر من مرة مؤخرا بلا فائدة ..هاتفه مغلق ..لقد تركت له عدة رسائل ,,أتمنى أن يراها قريبا"
ليقطب خالد بينما يقول بضيق :
"المسألة لا تحتمل الصبر والانتظار ..سأكلف بعض معارفي بالسفارة هناك لمحاولة معرفة أخباره والتواصل معه ..لابد أن يظهر أو يتصل بسرعة ..يجب أن ارتب أوراقي واستبق أي تصرف من عاصم "
ليقاطع حديثه صوتها الخافت على غير العادة.. وهي تلقى التحية بينما تدخل لحجرة الطعام و تسحب الكرسي المجاور له لتجلس عليه ..ليقف هو بسرعة جامعا متعلقاته من هاتف ومفاتيح بينما يقول موجها حديثه لأمه متجاهلا إياها تماما:
"لقد تأخرت ..أمي ...سنكمل حديثنا لاحقا ..فلدي مواعيد هامة هذا الصباح ..وأيضا بعد الظهر وحتى في المساء ..لذا سأتأخر ..لا تنتظريني فلا اعرف متى سأعود"
ليتحرك بسرعة ..متجاهلا إياها...ليوقفه صوتها بينما لحقت به أمام الباب الخارجي وهي تقول بارتباك "خالد ...ألن تنتظرني ..أنا جاهزة ..فقط سأحضر حقيبتي وآتي معك"
ليتلفت ناظرا لها ببرود وحاجب مرتفع بينما يقول بصوت ساخر:
"تأتي معي أين سيدة همس؟! ..أنا ذاهب للعمل بمجموعة الراشد ..وعلى ما أتذكر ..أنت لا يمكن أن تعملي بمكان كهذا ..يديره شخصا فاسدا مثلي ..لا أظن الأمر يتوافق مع أخلاقك الرفيعة "
ليتجاهل محاولات مقاطعتها لحديثه بينما يقول بحدة :
"عفوا سيدة همس ..لا مكان لك معي.... لقد كلفت أمس ياسين بتولي الملفات التي كانت بحوزتك ..على أن يتولى محمود و ياسر ملفاته هو ..لذا لا تشغلي بالك ..وبإمكانك إراحة نفسك وضميرك ..فهناك من تسمح أخلاقهم بالعمل مع الفاسدين أمثالي"
ليتركها مندفعا للخارج ليدير سيارته وينطلق بها بسرعة..بينما وقفت تنظر لها و هي تتلوى ألما وحزنا ... وتقضم شفاهها ندما على ما تفوهت به بلحظة اندفاع منفعل ...لتدمع عيناها قهرا وهي تتذكر مخاصمته لها منذ ليلتين ..فمنذ تلك المواجهة بينهما ..والتي سألها بنهايتها عن ما تريده لينفذه لها ..لتنتبه لحظتها لفداحة ما تفوهت به ..فهي لم تقصد المعنى الذي وصل إليه من حديثها ..فتحاول توضيح وإصلاح الأمر .. لتخبره أنها لم تعني أنها ترفضه هو... هي فقط ترفض تصرفه ..لكن يبدو أنه أغلق عقله ..وكلما حاولت أن توضح له ما تعنيه كان يبدو أنها تزيد الأمر سوءا .. ليتركها بعد دقائق من محاولاتها الفاشلة للتوضيح ... ويتجه لأحدى الحجرات الخالية ليقضي الليلة بها بعيدا عنها للمرة الأولى منذ زواجهما ..وبالأمس غادر مبكرا دون أن ينتظرها ..تاركا أمرا مع الخادمة لتبلغها أن لا تحضر للمجموعة ...ولم تره طوال اليوم ..حتى عندما عاد ليلا تجاهلها ...ووجه حديثه لوالدته فقط حيث كانتا تجلسان معا بحجرة المعيشة... بانتظاره لتناول العشاء.. ليخبر والدته بعدم رغبته بالطعام وانه يرغب بالخلود للنوم مباشرة..وما أن لحقت به حتى وجدته خارجا من جناحهما حاملا ملابسه واحتياجاته متوجها لنفس الحجرة التي قضى بها ليلته السابقة ..ليتجاهلها رغم ندائها المتوسل عليه ...نائيا بنفسه عنها .. لتفيق من نظراتها التائهة على ربتة حانية على كتفها فتلتفت لحماتها لترتمي بأحضانها باكية ...بجسد مرتجف ونشيج متصاعد لدرجة أفزعت سمية... التي أخذت تهدئها وتربت على ظهرها وهي تسألها بقلق عن ما يحدث ..لتنتبه كلتاهما على صوت نحنحة محرجة صاحبت رنين جرس الباب المفتوح لتلتفتا للحاج محمد الواقف أمام الباب الخارجي برأس مطرق لأسفل وصوت نحنحة منبه لهما ..لتترك همس ذراعي حماتها و تنطلق لترتمي بين ذراعي أبيها وهي تناديه بنشيج باكي ...واندفاع كاد يوقعه للخلف على درجات سلم المدخل لولا أن تدارك الأمر بصعوبة وهو يتمسك بالحاجز بإحدى يديه بينما يلفها بالأخرى ..وعينيه تحمل تساؤلا قلقا للسيدة سمية الواقفة خلفها ..تبادله التحديق بحيرة ..وهى تحرك يديها بمعنى لا اعرف ما بها ...بينما تتحرك للأمام داعية إياه للدخول
-----------------
تكاد تتجاوز السرعة المسموحة للقيادة بهذا الطريق عائدة للمشفى ...يسبقها قلبها الملتاع خوفا على من تركته منذ ليلة أمس جبرا تحت ضغط أبيها الغاضب ...لم ترد أن تزيد من نقمته خاصة بعدما أخبرته بأمر طلاقها وأنها من أصرت عليه ..وأن الأمر لا علاقة له ببعثة أكرم ... ولا خوفا أو قلقا من السفر للندن عند أمها ..فهي كانت ستطلب الطلاق منه بكل الأحوال ..بعد أن أيقنت أنها لا تحمل له المشاعر الكافية للاستمرار معه كزوجة ..ورغم تأكيدها على أبيها أن أكرم تفهم موقفها ..وأنه لا يحمل ضغينة أو ملامة لكلاهما ......لكنها استشعرت حزنه وقدرته ...لذا لم تستطع أن تعارضه عندما أصر عليها أن تعود للفيلا للراحة وتكف عن الإقامة باستراحة الطبيبات .. محذرا إياها أنه لن يحضر لها المزيد من الملابس أو يقبل بمزيد من تجاوزاتها التي أصبحت تضعه بمواقف حرجة ..لقد فهمت ما يعنيه دون سؤال ..لكنها لم تستطع أن تعده بعدم تكرار الأمر والذهاب لزيارة مدحت بعد ذهاب أسرته ..مخالفة قوانين المشفى وأوقات الزيارة بالرعاية.....لتزفر وهي تتذكر حوارها معه.. ...حيث واجهته بتصميم لا يخلوا من رجاء وهي تقول:
"عفوا أبي ...لا تطلب مني الابتعاد عنه ...لا تحملني ما لا أطيق ...لن أستطيع ..أرجوك"
لا تدري إن كانت عيناها الراجيتان المليئتان بالدمع ..أم مشاعرها التي فاضت من كل جوارحها هي ما جعلته يلين ..ليقول بتنازل :
"فقط زيارة واحدة غدا ليلا بعد هدوء المستشفى ..ودون أن تطيلي "
لتومئ برأسها وتحاول الابتعاد ليوقفها صوته بنبرة سمرتها مكانها لما تحمله من اتهام :
"هل كان على موعد معك ليلة الحادث ...هل وجوده وقتها كان مقصودا ليراك "
لتلتفت لأبيها رافعة له عينان مصدومتان لتقول بنبرة تحمل من الخذلان مقدار من تحمله من إباء وكبرياء وهي تقول بنبرة لا تقبل التشكيك:
" ليست سارة خليل ..من تواعد شابا وهي على ذمة آخر ...ليست تربية يداك أبي من تخون أو تخدع ..أو حتى تسمح لقلبها قبل عقلها أن يتجاوز بحقك أو حق من ارتضته شريكا ...أنا فوجئت به ليلتها ...وفي اللحظة التي شعرت فيها أني قد أخون عهدي بفكري ..لا أكثر ..طلبت الطلاق من أكرم "
لتنظر لأبيها بحزن قائلة:..قد أكون ابنة إيفا ..لكني تربية يداك أبي ...فلا تخشى من جيناتها ..لن أكون يوما مثلها ..فلدي من الخلق والدين ما يمنعني عن ذلك "
لتدير ظهرها له محاولة الهرب من شعورها بخيبة الأمل ..لتمسكها يد أبيها ..تديرها إليها ضاما إياها لصدره ..لتنفجر باكية بين أحضانه بعد أن خذلتها قوتها لتستسلم لأوجاعها ..ما بين شعورها بالذنب ناحية أكرم ..والخوف على مدحت ..والصدمة من كلمات أبيها التي أعلمتها أنها رغم كل ما حاولت منحه له من حب و طاعة على مر السنوات ..لم يكفي ليمنحها ثقته
ويبدو أنه شعر بما يدور بداخلها ..ليقول لها بنبرة معتذرة نادمة.. بينما يربت على شعرها وهو يضمها مواسيا :
" ليست عدم ثقة ..أنا واثق بأخلاقك وتربيتك ..لكن ..ظننت... ربما كان هو من حاول الاقتراب ...يبدو واضحا أنه كان بينكما شيئا ما بوقت زمالتكم بالجامعة ..لذا ظننت انه...ربما كان يحاول لقائك أو ..."
لتقاطعه دون أن ترفع رأسها :
"ما جمعني بمدحت بالماضي ..هي مشاعر حب من طرفي فقط ..مشاعر ظننت لفترة أنها متبادلة رغم انه لم يصرح لي بها يوما ..لأكتشف بعدها أني واهمة ..مدحت لم يحاول يوما أن يتجاوز حدوده معي أبي ... ..حتى وأنا زميلته التي تفضحها عيناها بمشاعرها نحوه ..فكيف سيفعلها بعد سنوات لم أره فيها أو أعرف عنه شيئا ..أنا لا أعرف ما جاء به يومها ...لقد فوجئت به أثناء محاولة الاختطاف ..لكن ...ما شعرت به لحظتها ..جعلني أعي أن إكمال ارتباطي بأكرم أمر مستحيل ..بغض النظر عن ما سيحدث ..لترفع رأسها ناظرة لأبيها ..لتضيف بوجع ..أنا أكره الخيانة أبي ...لا أطيقها أو أقبلها ..حتى بالعقل ..وما أن شعرت أن عقلي وقلبي يخونا عهدي لأكرم ..حتى أصررت على الانفصال عنه...سامحني أبي ,,أعرف كم كنت تتمنى أن أرتبط به ..وأنا اقسم أني كنت معجبة به ..وعلى أتم الاستعداد للزواج منه ..لأني أردت إرضائك أولا ...وأردت الزواج بمن يشبهك ثانيا ..كنت أظن أني تخطيت مشاعري ناحية مدحت ..لأجد أنني فقط دفنتها عميقا دون أن تموت ...لتطفو للسطح رغما عني بعد ما حدث "
ليربت أبيها على وجنتها وهو يتنهد قائلا :
"لا تعتذري بنيتي ...سبحانه مقلب القلوب ..بيده وحده أمر قلوبنا ..لا نستطيع أن نجبر أنفسنا على حب أحد مهما حاولنا ...وأنت أصبت بإنهاء ارتباطك بأكرم ما دام هذا شعورك ....ورغم حزني للأمر .. لكني لا استطيع سوى الموافقة عليه ...لكن هذا لا يعني شيئا آخر ..فمدحت .."
لتقاطع أباها بسرعة وهي تقول :
"أرجوك أبي ...ليس الآن ...لا داعي لنتحدث عن أي شيء يخصه الآن ..فلنطمئن عليه أولا "
خرجت من أفكارها لتجد أنها وصلت أمام المشفى لتناور بسيارتها لتجد مكانا تضعها به بالقرب من البوابة ..لتلمح والدة مدحت تترجل من الباب الخلفي لسيارة فاخرة ويترجل معها رجلا أنيقا تبدو عليه سمات السلطة ..و يتوجها معها للداخل ..لتتنهد بضيق وخيبة ..فقد كانت تمني نفسها بذهابهم حتى تستطيع الدخول إليه ...فهي لم تره منذ مساء الأمس ..لترتكن برأسها على مسند مقعدها وهي تتمتم ..يبدو أنه ما زال أمامي مزيدا من الانتظار لأراك وأطمئن عليك يا مالك قلبي وسبب شقائه ...منذ تعلم الحب والألم على يديك"
---------------------
دخل حجرة أخيه وأغلق الباب خلفه... ليتجه بصمت للفراش المستلقي عليه فيزيحه بلا مبالاة ويرتكن جواره بجزعه... و يرفع إحدى ساقيه ليريحها على الفراش.. متجاهلا استنكاره وصوت تأوهه الناتج عن احتكاك ساقه بساق أخيه المصابة ..ليغمض عينيه للحظات بإرهاق ..حتى وصله صوت سامح الساخر مستهزئا :
"ما بال طبيبنا الهمام زوج الاثنين هل تعب مبكرا هكذا ...إن أوان التعب لم يأتي بعد يا شهريار ...مازال أمامك معارك مستقبلية وأنت تحاول مراضاة كلا منهما ..وتتساءل أين تركت ملابسك وأين"
...ليقاطعه أكرم بنزق:
"كف عن سخافتك سامح ...لا أحتملها حاليا ..وللعلم ...لم أعد زوجا لاثنين ...فقط واحدة "
ليعتدل سامح بجزعه وهو يجلس على الفراش سائلا شقيقه بتوجس:
"ماذا تعني ..هل طلقت إحداهما ؟ ...إياك أكرم أن تكون طلقت هند ..ليس بعد ما حدث ..أقسم أن أضربك لو فعلت ذلك "
ليفتح أكرم عينيه وينظر لأخيه بتمعن وهو يسأله :
" ولماذا ظننت أني أقصد هند تحديدا وقلقت عليها ولم تهتم بسارة ؟ "
ليرد سامح بينما يقطب باستنكار: "أي سؤال غبي هذا!! ...بالطبع لأن هند واقعة في مصيبة كبرى.. الحقير تسبب بتدمير سمعتها تماما ... يا إلهي ..كلما تذكرت ما أخبرتني به أنت وأبي ... أشعر بالغضب والجنون لدرجة أني أمنع نفسي قسرا من الذهاب إليه وتغير خارطة وجهه وتركه بعاهة مستديمة ..ولولا أني لا أضرب النساء ...لكنت فعلت ذلك بالحقيرة نبيلة أيضا ...لكن أقسم لن يفلت هذا الدنيء من يدي... فقط أقف على ساقي جيدا ..وسأريه كيف يتهجم على هند و.."
ليقاطعه أكرم بتحذير حاد وهو يعتدل :
"إياك سامح ...لقد نبهك أبي قبلا ..أي تصرف منك ..سيسيء لسمعة هند أكثر ..ويعيد فتح قصة نرغب بأن تندثر وتنسى "
ليشخر سامح بسخرية وهو يقول بغيظ :
"أي نسيان هذا ؟!..أتظن الناس بمنطقتنا سينسون الأمر بهذه السهولة ...سيظلون يثرثرون ويضيفون المزيد من البهارات والإختلاقات.. ويزيدون في القصة ..وكل منهم يضيف عليها ما يريد لتتحول لرواية أكثر حقارة ..وكلها ضد المسكينة هند ...سيلوكون سمعتها أكثر ويحولونها ل***** متلاعبة بلا أخلاق ..متناسين أنها ابنة حيهم التي تربت أمام أعينهم ..ويعرفون أخلاقها .. أنت تعرف كيف يكون الأمر ..ما لم تظهر الحقيقة وتبرأ ساحتها ..ستظل موصومة بالخزي "
ليرد عليه أكرم بحدة :
"وكيف يمكن تبرئة ساحتها ..ها ..للأسف لا يوجد طريقة ...مهما قلنا ستظل كلماتنا أمام كلمات الوغد وأخته ..وأم محمود التي لا أستطيع لومها لأنها تثرثر ما تظن نفسها رأته ..ليتنهد مضيفا بإرهاق ..
"أرجوك سامح ..كف عن حماقتك ..وإياك وفعل شيء ...يكفي ما نحن فيه ... ليضيف ساخرا ..." بالإضافة لأنك لم يعد لديك مكان يمكن أن تُضرب فيه أكثر"
ليرد سامح باستنكار:
"أضرب ؟!! أنا ؟! ومن مَن ..هذا السعيد؟! ..إنني أستطيع دهسه بقدمي المصابة دون أن يستطيع رفع إصبعه حتى "
لينظر له أكرم بنصف عين وهو يقول مستهزئا:
" تظن نفسك فتوة المنطقة بهذه العضلات المنفوخة ..يا أحمق ..أمثال سعيد لا يواجهونك مباشرة ..هم أجبن وأضعف من ذلك ..الخوف منهم أكبر... لأنهم يتربصون بالخفاء ,,,قد تسحقه في مواجهة مباشرة ...فينتظرك ليلا ليطعنك من الخلف ..دون أن يستطيع أحد رؤيته ..أو إثبات شيء عليه ..وقبل أن تجادلني ..لا تظن نفسك محصنا ..جسدك لم يعد فيه أماكن أكثر تتحمل المزيد من الإصابات ..ليضيف بابتسامة ساخرة ..أبقي جزءا منك سليما ليصلح للزواج"
ليقطب سامح متذكرا فيسأله:
"لقد أخذت تلف وتدور ولم تجب علي ...من تركتها منهما؟!"
ليزفر أكرم بعمق ..وتتلون نبراته ببعض الأسف والذنب:
" سارة .. هي من طلبت الطلاق ..وقد نفذت طلبها وطلقتها ..واليوم صباحا أنهيت الإجراءات الرسمية"
ليطرق سامح وهو يقول بإقرار "لابد أنها رفضت موضوع هند ..كنت متوقعا ذلك ..لا يوجد فتاة مهما شرحت لها قد ..."
ليقاطعه أكرم موضحا:
"لا ...سارة لم تعرف بأمر هند "
ليفغر سامح فاه متعجبا ..وهو يسأل:
"ولماذا أرادت الطلاق إن لم تكن قد عرفت بأمر هند؟!! لا أفهم "
ليجيب أكرم بغموض :
"هي شعرت أننا غير متناسبين معا ...وأنا لا أخفي عليك ..لم أحاول أن أناقشها أو أقنعها ..بل شعرت أني سجين حُرر من قفص ..دخله بإرادته ليكتشف أنه لا يحتمل البقاء فيه "
ليلاحظ أكرم صمت ووجوم سامح فينظر لوجهه سائلا :
"ما بك ..لماذا هذا الوجه الخشبي؟!..فأنا أعرف أنك منذ البداية لم تكن ميالا لارتباطي بها "
ليرد سامح بصوت أجوف وملامح ساهمة:
"كانت تبدو سعيدة بارتباطكما ..و راضية بك رغم اختلاف المستوى ..حتى أني كدت أظن أن هناك أملا أن تكون هناك في تلك الأوساط فتيات مختلفات...لكن يبدو أن لا فائدة ..هن يتلاعبن بالشاب الذي يعجبهم لفترة..وعندما يشعرن بالملل .. أو الاكتفاء بعد تحقيق هدفهن ..يرمون باللعبة التي فقدت أهميتها بعد حصولهم عليها "
لينتفض واقفا فجأة وهو يقول بغضب مكتوم:
"أرغب بالخروج من هنا..لقد أصبحت بخير"
ليرفع أكرم حاجبيه وهو يرد ساخرا:
"حقا !! أصبحت بخير وترغب بالخروج ؟!! لم أكن اعرف ؟؟ عزيزي إنك بخير وجاهز للخروج من أسبوع ..لكنك من ترفض وتلتصق بالمشفى ..مكلفا إياي وحماي السابق أجر الخصم الخاص بحجرتك ..التي أصر هو على تحمل تكلفة إقامتك بها كاملة ..وأصررت أنت على الدفع رغم ارتفاع التكلفة ..لأتحمل أنا بالنهاية أجر الإقامة بعد أن استفدت بالخصم الخاص بي كطبيب وتنازل كل الزملاء المتابعين لك عن أجرهم مجاملة لزميلهم ..الذي هو أنا !! ..لقد كان المفترض بك المغادرة من أكثر من أسبوع ..وأنا كنت سأهتم بالتغيير على الجرح بالمنزل ..لكنك أصررت على البقاء هنا..وأظننا أننا نعرف السبب"
ليتحرك سامح بعرج ناحية الشباك معطيا ظهره لأكرم بينما يقول بخفوت:
"يبدو أني كنت غبيا ...وقد آن أوان أن أفيق من أوهامي"
ليزفر أكرم بعمق بينما يتحرك ليجاور أخاه الساهم بعيونه الشاخصة للخارج بينما يكاد يقسم انه لا يرى شيئا من المشهد أمامه... ليربت بمؤازرة على كتفه وهو يقول:
"أخي كف عن أحكامك المتسرعة ...سارة لم تكن متلاعبة ..وليست كل الفتيات متشابهات ...هناك في كل وسط اجتماعي ..الوفية والخائنة ..الخلوق العفيفة ..والمتلاعبة ..الأمر ليس حكرا على وسط دون آخر ولو فكرت هكذا ..إذا فأنت غبي " ليلتفت سامح لأخيه قائلا بحدة:
" إذا أتظن أن فتاة عاشت وتربت بالقصور .. بإشارة بيدها يتم تجهيز طعامها وملابسها ...وتنظيف منزلها ..فتاة قد لا ترتدي ثوبها مرتين ..ولا تحتاج لمراجعة ميزانيتها قبل أن تخرج لشراء ثوب أو حذاء جديد..و لا تهتم بالنظر لورقة السعر للتأكد إن كان الثمن يتناسب مع ميزانيتها وتستطيع تحمل الشراء أم لا ..مثل هذه الفتاة أتظنها قادرة على أن تنتقل لتعيش وضعا مناقضا ..حيث تكتفي بالحياة مع شاب لا يكفي دخله مصاريف صيانة سيارتها وتعبئتها بالوقود ..لا يستطيع دفع اشتراك ناديها الفخم ..أو ثمن أثوابها المبهرة غالية الثمن ..لا يمكن أن يجعلها تحيا بمستوى مشابه أو حتى مقارب لما تربت به ..بل سيكون محظوظا إن استطاع توفير شقة قد لا تصل مساحتها كاملة... لمساحة غرفتها الخاصة ببيت أسرتها ..وطبعا يستحيل أن يوفر لها خادمة بل سيكون عليها أن تطهو وهي التي ربما لا تجيد صنع كوب شاي أو سلق بيضة ..هل تتخيل فتاة كتلك تقف في سوق الخضار لتفاصل بائعة الخيار على تخفيض سعره لتوفر عدة قروش ..أو تقف بطابور الخبز بأكشاك البيع المدعومة لأن الميزانية لن تتحمل شراء الخبز..الفاخر أو التوست و.."
ليقاطع أكرم الهذر المتألم لأخيه:
"أما زلنا نتحدث عن سارة يا سامح ..أم عن ....ماهينار؟!!"
ليظل ناظرا لأخيه الذي التلفت محدقا به بحدة وملامح متفاجأة:
ليقول أكرم ساخرا :
" ماذا أتظننا حمقى ..وعميان ..لا نسمع ولا نرى ..إن مشاعرك ناحيتها واضحة ..- ليلكزه بكتفه وهو يضحك ساخرا من نفسه - وهذا لحسن حظك ..لأني كنت بدأت اشك انك تحمل مشاعر ما لهند .... وكدت أبرحك ضربا حتى أغير خارطة وجهك الوسيم " ليتجاهل ارتفاع حاجب سامح المتفاجئ وهو يضيف:
" سامح قد يكون ما تقوله به جانب كبير من الصحة ..فالتكافؤ أمر مستحب بين الزوجين ..لكنك أيضا تغفل حكم القلوب ..وقبل أن تعارضني سأخبرك رأيي..نعم ...يمكن لأثنين بهذا الاختلاف أن ينجحا ..لكن فقط أن جمعهما حب كبيرا وقدرة على المرونة لتجاوز بعض العقبات التي ستواجههما ..خاصة إن كان الطرف الآخر مهندسا ..وسيما ..طموحا ..يمكن أن يوفر لها قدرا مقبولا من الحياة اللائقة...قد لا تشابه أو تقارب ...ما توفره لها حياتها السابقة ..لكن سيعوض عليها بحبه واحتوائه ..وإذا كانت هي فتاة عاقلة وعاشقة ..ستتحمل معه ظروفه ...ستتعب بالبداية ..لكن بمعاونته ستعتاد ..وتقدر "
ليضيف لملامح أخيه الساهمة ..على كل حال أنت بالفعل ستخرج اليوم ...لقد وقعت أمر خروجك ...فبقائك أكثر أمر غير لائق ..ويعد استغلالا غير مقبول ..ويمكنك المجيء ...... كزائر لمن تريد... إذا شئت طبعا..سأنهي مناوبتي مساءا وأصطحبك معي للمنزل"
ليتركه متجها للباب قبل أن يتوقف للحظة وهو يقول بتعمد:
"لقد رأيت والدة ماهينار ..ومعها هذا الرجل الذي يرافقها دوما قبل حضوري إليك واقفين معها ...ويبدو أنهم كانوا يتجادلون حول أمر ما ...فوجه ماهينار كان متجهما وتبدو غاضبة بشدة"
ليغلق الباب خلفه متجاهلا هذا الذي تشنج بوقفته المستندة على إطار النافذة
---------------------
يجلس بحجرة المعيشة الصغرى مع ابنته الساهمة ....بعد أن استأذنت حماتها تاركة إياها معه وحدهما بعد تقديم الضيافة والترحيب به ... لتمنحهما الخصوصية ...لقد حكت له همس ما حدث بينها وبين زوجها ..وتفاصيل الخلاف وأسبابه ...ورغم أنه ممن يفضلون عدم إفشاء أسرار الزوجين والتدخل بينهما من قبل الأهل ...لكن حالة ابنته المنهارة والتي ارتمت على صدره لتجهش ببكاء هستيري جعله يضطر للتغاضي عن مبدأه هذه المرة ... ليحرك حبات مسبحته بهدوء بينما يطرق برأسه بصمت للحظات بعد انتهاء ابنته من كلامها ..متجاهلا إياها للحظات
ليرفع رأسه ناظرا لوجهها المطرق ونشيجها الخافت ويديها التي تدعكهما
ببعضهما كعادتها دائما عندما تكون مضطربة ...ليسألها بهدوء:
"همس ...سأسألك عن خالد رئيسك ..وليس زوجك ..هذا الذي عملتي معه ما يزيد عن العام حتى الآن ...ما رأيك به "
لتنظر لأبيها بتعجب وهى تجيب بصوت متقطع بحشرجة البكاء :
" لا أفهم سبب السؤال؟!"
" أجيبي وسأفهمك لاحقا"
قالها وهو يحرك حبات مسبحته ويركز عينيه عليها بينما تجيب بخفوت :
"رجل أعمال بارع من الطراز الأول ...عادل ..ومحترم ...قاسي قليلا ..لا يقبل التجاوز ولا الوساطة ولا المحاباة ...لكنه في الوقت ذاته ...يقدر الظروف القاهرة والضاغطة للعاملين لديه ...بل ويحاول أن يوفر لهم ما يحتاجونه ..لقد أنشأ صندوقا خاصا لمساعدة العاملين هو الممول الأكبر به .....إذا علم أن أيا من العاملين يعاني من مشكلة ..أو أحد من أهله مريض ..أو هناك من سيتزوج منهم يجعلهم يصرفون له ما يحتاجه من الصندوق ...وغالبا يكون هو من يدفع لأن الصندوق والذي يعمل بنظام خصم واحد بالمائة من كل موظف لا يغطي كثرة الطلبات والاحتياجات للعاملين ..لكنه دوما ما يغطي النقص دون أن يشعر أحد ....حتى لا يشعرهم بأنه يتفضل عليهم أو يمنحهم مساعدة ...بل يحفظ كرامتهم بكون ما يتقاضونه من مساعدة حق من حقوقهم..أيضا قد يكون قاسيا بعض الشيء بإدارة أعماله ...فيستخدم أحيانا بعض الرجال الأشبه برجال العصابات في حراسة مواقعه أو من يطلق عليهم هو حراسة خاصة معظمهم تابعين لشركات أمنية يثق بها .. لكن هذا مجرد استعراض للقوة لإخافة وتحذير من يرغب في التعدي على عمله ..لكنه أبدا لا يبدأ بالإيذاء ..أنا لم يعجبني هذا الأسلوب... لكني أعترف أنه كان ضروريا في بعض الأحيان ..خاصة عندما تعرضت بعض مواقع العمل للسرقة ومحاولات التخريب ..كما لم أره يسئ استخدام قوته أو يطلب من هؤلاء الرجال أمورا بها تجاوز وإساءة استخدام للسلطة أو تعدي على غيره من المنافسين "
ليطرق أبيها برأسه للحظات قبل أن يرفعه ناظرا بعينيها بحدة ليقول بحزم:
"إذا... أنت تقولين أن خالد رجل الأعمال هو رجل شريف ..عادل ...لا يتعدى حدوده ..ولا يتعدى على حقوق غيره ..حتى من يحاول التعدي عليه ..يكتفي بإيقافهم ..وإظهار قوته دون أن يسئ استخدامها "
لتهز برأسها إيجابا وهي تنشج بأنفها وتمسح دموعها بظاهر يدها :
لينظر أبيها حوله حتى يرى علبة مناديل قريبة فيقف مقتربا منها ليأخذ بعضها ويعود ليناولها لها لتمسح أنفها ووجها .. ثم يترك مكانه الأول بجوارها ليجلس على الكرسي المواجه لها ليقول لها بلوم :
"وهل رجل مثله يمكن أن يقال عنه فاسدا . ...ولاحظي أني ما زلت أتحدث عن رئيسك لا زوجك .. لأن زوجك ...الرجل الذي عشت معه طوال الأشهر السابقة ..وخبرتيه عن قرب .. لن يقبل أن تقول زوجته عنه فاسد ... هل خالد رئيسك أو زوجك رجل فاسد ..مرتشي ..يقبل أن يأخذ حقا ليس له يا همس "
لتقاطعه مجادلة بعناد رغم نشيجها الذي خفت وتيرته:
"لم أقصد انه فاسد أو مرتشي ..لكن تصرف كالذي قام به ..سيجعله..."
ليقاطعها أبيها بحدة وصوت غاضب رغم انخفاض نبراته:
"يجعله رجلا مضطرا ..رجلا يحمي أقوات من يعملون عنده ...يحافظ على مصالحهم ولقمة عيشهم ...يسعى لدفع الضرر الأكبر ولو بقبول ضرر أصغر يتحمله ضميره رغما عنه ...يجعله أشبه بالمضطر ..والمكره وليس على المكره حرج ..ألم تسمعي قوله تعالى في كتابه الحكيم (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ..إن زوجك يا ابنتي كان مضطرا .. ..خالد لم يبغي على أحد ..لم يأخذ حقا ليس له ..لم يطلب أن يتعدى أو يتخطى غيره ...لكنه دخل معركة لابد أن يحارب فيها بكل ما يستطيع ليحمي ماله وأقوات من هو مسئول عنهم ..والحرب خدعة ..هو بحث عن أداة تجعله ينتصر بحرب مشروعة هو فيها المعتدى عليه وليس المعتدي ...يحق له أن يدافع عن نفسه ..وكان المفروض والذي يتوقعه أي زوج أن يجد زوجته بجواره ..تأيده وتآزره"
لتقاطعه وهي تقول بنزق :
" أأيده حتى لو كان مخطئا "
لينفعل أبيها قائلا بحدة غاضبة جعلتها تنكمش أمامه:
" نعم ..إذا اخطأ الزوج ...لا تحاربه الزوجة ..صارخة بوجهه ..متهمة إياه بالفساد ..لأنه وقتها سيعاند ..ويصر على موقفه ..وينفر منها ..لكن تأتيه باللين ..تناقشه بالحسنى ...تنصحه بالعقل والحجة ..هذا إن كان مخطئا ..وزوجك ليس مخطئ..بل أنت من أخطأ ..ويبدو أنني قد أخطأت أيضا لأني لم أربيك كما يجب ...لم أعلمك وأمك حق الزوج على زوجته كما ينبغي ..وكيف يجب أن تقف معه وتسانده بالضراء قبل السراء ..ليس بالوقاحة وطول اللسان ..لكن بالحب والتحمل ..نحن كنا نتركك تتجاوزين بالعناد والاندفاع كثيرا ..ويبدو أننا لم نحسب حساب يوم تستخدمين به عنادك وصلابة رأيك واندفاعك ..ضد زوجك ..ونفسك قبل الجميع ..أنت أخطأت ..وزوجك يحق له حماية مصالحه بالأسلوب الوحيد المتاح أمامه ..وهو ليس بمخطئ ..وأنت يا همس خسرتي كثيرا من مكانتك لديه بما قلته وفعلته ..ونصيحة يا ابنة زينب ..الحقي نفسك وحاولي الاعتذار وإنقاذ مكانتك بقلبه قبل أن تفقديها باندفاعك وأفعالك ..فالمحبة تزداد وتنمو بالمودة والمساندة وحسن العشرة ..لا بالمجابهة والعناد وطول اللسان .."
لتقول بارتباك كطفلة مذنبة:
"أنا يا أبي؟!! أنا طويلة اللسان"
ليرد عليها بغضب مكتوم:
"أعندك شك بهذا !!...من تقول ما قلته لزوجك ليست فقط طويلة اللسان ..بل قليلة الأدب ..ولم يحسن أهلها تربيتها .. وأقسم يا همس لولا حملك ..لضربتك على رأسك حتى أعيد عقلك للعمل وتعرفي قدر وقيمة زوجك ..ولو أني أظن أن خالد من سيعيده لك ..ونصيحة مني ..أيا كان ما سيفعله معك في الفترة القادمة ..فتحمليه وحاولي أن تجدي طريقة لمراضاته والاعتذار له ..فأنت أخطأت بحقه خطا يصعب على أي رجل غفرانه ..قسما لو أن أمك قالت لي يوما أني فاسد ..لأعدتها لبيت أسرتها بعد أن أكسر رأسها ...لكني لم اسمع منها يوما كلمة تهيني بها أو تنتقص من قدري ..حتى بعز شجاراتنا وخلافتنا ...لم تتجاوز يوما بحقي " ليمد يده ساحبا إياها حتى جاورت كرسيه ليرفع يده ممسكا أذنها وهو يهتف بها:
"كيف تفعلين ذلك بزوجك في ظروفه هذه ..وتضيفي فوق همومه هما بدل أن تحمليه معه ...الم تتعلمي شيئا من أمك التي ساندتني دوما ..واحتوتني حتى عند غضبى "
لتحاول التملص من يد أبيها مخلصة أذنها وهي تقول بألم :
"آآآآه أذني أبي ..كفى أنت تؤلمني ...حسنا ..أنا مخطأة اتركني... سأحاول إيجاد طريقة لمصالحته"
لينظر لها أبيها بسخرية وهو يقول:
"لا أظن الأمر سيكون سهلا ...فبقدر الحب يكون الجرح وتصعب المسامحة فاستعدي لتحمل نتيجة أخطائك واندفاعك الأرعن ..واصبري على ما سينالك من غضب زوجك الذي تستحقيه بجدارة ..والآن اذهبي لتنادي لي زوجة أخيك ...فقد كنت قادما لأجلها أساسا"
لتنظر له ببلاهة وهي تسأله بتعجب:
"زوجة أخي من؟!!"
ليضرب أباها كفا بكف .وهو يتحوقل :
"وكم زوجة أخ تقيم لديك ...هند ...تلك التي أرسلناها لتقيم لديك من أكثر من أسبوع ...هل تذكريها أم نسيتها وسط شطحات جنونك"
لترد بنزقها وهي تقطب:
"أبي أنت منذ ساعة لا تكف عن إهانتي وشتمي ...لقد تفاجئت فقط ...فلم اعتد مسألة كونها زوجة أخي ..الأمر ما زال صادما لي ..وغير مستساغ حتى الآن"
لينظر لها أبيها بضيق ..فتقول بارتباك كطفلة مذنبة تداري أخطائها :
"حسنا ..حسنا ...لا داعي لتلك النظرة ...لم أقصد شيئا ...سأذهب لمناداتها ..عسى فقط أن تستجيب ..ولا ترفض أو تدعي النوم كعادتها"
لتخرج بسرعة مبتعدة عن أبيها الغاضب...لتعود بعد دقائق لتقول له بضيق ..كالعادة ادعت النوم ولا ترد علي رغم أني حاولت أن أناديها مرارا وأهزها بلا فائدة ولولا أني لاحظت انكماشها وإغماضها المبالغ لجفنيها لظننتها مغمي عليها ...هل تحب أن اسكب فوق رأسها كوب ماء حتى تقفز من الفراش ولا تقدر على الادعاء"
ليتنهد أبيها بعمق بينما يقول بقنوط :
" لا داعي لأفعالك المتطرفة ...سأذهب الآن فلدى عدة مشاوير يجب أن اقضيها بمنطقتكم ...ولي صديق قديم يسكن مع ابنه بمكان قريب من هنا وعلمت انه مريض ...سأذهب لعيادته والاطمئنان عليه ..وأعود آخر النهار ..لن تظل نائمة طوال اليوم ..تابعيها وما أن تفتح عينيها ابلغيها أني أرغب برؤيتها ولن اقبل رفضا ولا إدعاء "
حاولت همس إبقائه معها دون جدوى ...ليحي حماتها أثناء خروجه معتذرا منها عن إثقالهم عليها بإقامة هند .. لتقابل كلماته بابتسامة حنون وهي تخبره بأن كل من من طرف همس مرحب بهم والبيت بيتهم ..ليشكرها ويخرج مؤكدا على همس ضرورة إبلاغ هند بعودته للقائها مساءا "
----------------
أغلقت الهاتف وهي تدلف لحجرتهما ..لتجد اشرف الجالس بالفراش يغلق المصحف بعد أن أنهى تلاوته ...لتنظر له بعشق ..كم تحب صوته وهو يرتل القرآن .. يمتلك نبرات عميقة تشعر السامع بالرهبة والخشوع ...لتلتقي نظراتهما ..فيرفع نظارته عن عينيه ليضعها بجوار مصحفه على الكومودينو بجواره ويشير لها بالاقتراب ..لتجاوره واضعة رأسها على كتفه وهي تتنهد بعمق .. لترتفع يداه للتلاعب بخصلات شعرها المجموعة بأعلى رأسها ..فينزع رابطة شعرها لينسدل على كتفيها ويبدأ بتخليله بأصابعه ..وهو يسألها عن المتصل ..لتقول بقلق:
"إنها مها ...لقد أخبرتني أن مسعد قرر أخيرا وبعد سنوات من رفض النزول لمصر أن يأتي ..سيحضر في الإجازة بعد شهر من الآن "
ليقول بتعجب:
"وما الغريب بالأمر ..طبيعي أن يأتوا ..على الأقل لرؤية تقى والاطمئنان عليها معنا .. لينظر لوجومها بعمق ويسألها باهتمام ...ماذا هناك حبيبتي ..هناك ما يقلقك ولا تخبريني به "
لترفع رأسها ناظرة له بلهفة وهى تسأله :
"هل قلت حبيبتي ..آآآه أشرف أخيرا قلتها ..منذ عدنا معا وأنا مشتاقة لسماعها من بين شفتيك ..كنت دوما تقولها لي بالماضي ..الآن أصبحت شحيحا وتضن علي بها "
ليسبل عينيه بغموض وهو يقول :
"دعي الماضي للماضي تقى ...واخبريني عن سبب قلقك من حضور مسعد ومها لمصر"
ظلت تنظر له للحظات قبل أن تتنهد بيأس وتعود لإلقاء رأسها على كتفه وهى تقول :
"لست قلقه من حضورهم ...بل من ردة فعل تقى عندما تعرف.." لتضيف بتوجس قلق:
"أخشى أن تعاند وترفض لقاء أبيها ..هناك أمر ما حدث جعل العلاقة بينهما سيئة ..هي ترفض أي تواصل معه بأي صورة ..لقد حاولت مرارا معرفة ماهية الأمر دون فائدة ...تلك الفتاة تجيد الكتمان وقتما تريد ...حتى مها رغم ثرثرتها المعتادة ..تأتي على هذا الموضوع وتتحول للغموض وهي تدعي عدم معرفتها بالأسباب ..وأنا أكاد اجزم أنها تعرف لكنها لا ترغب بالبوح "
لترفع رأسها ناظرة إليه بينما تسمعه يقول بحسم رغم علامات التعجب على وجهه:
" تقى ..البيوت أسرار ..وما دام أصحاب الشأن غير راغبين بالبوح ...فلا تلحي ..فقط لنقم بما علينا تجاههم ..ليضيف إجابة على سؤالها الغير منطوق ..المساندة والنصح ..وفقط ..ليضيف بتفكير بينما يرتكن برأسه على ظهر الفراش :
"أتعرفين ..كنت واثقا بان هناك أمرا ما حدث لابنة أختك ..فتقى الطفلة التي كنت اعرفها كانت شديدة المرح والصخب ..تشع حياة وشقاوة ..بينما من قابلتها بالمجموعة عند عملها معنا ..كانت هادئة لدرجة الكآبة ..هناك شيء أنطفئ بها ...جعلها تبدو اكبر من عمرها ..ليضيف بينما تشتبك عيناه بعينيها القلقتين " أتدرين لما أرفض أن أتدخل بشجاراتها هي وياسر ..وأطلب منك أن تدعيهما مهما ازداد صخبهما وعنادهما ..وتحولوا لأطفال مشاغبين يعاندان بعضهما بعضا"
ليبتسم لوجها المقطب الحائر وهو يكمل:
"لأنني أشعر أنهما يعوضان ما فاتهما بشكل ما " ليغمض عينيه مكملا بحزن " عندما انفصلنا ورفضت أن تقتربي منا أنا وياسر ..تأثرا بجرحي وألمي ..لم انتبه وقتها لتأثير الأمر على ياسر ..لقد أخذ مني الأمر وقتا طويلا لأنتبه لما يحدث معه" ليزفر بألم الذكري
" ياسر الفتى المشاغب ..شديد الحيوية والعناد والصخب والشغب ..أنطفأ ..تحول للنقيض ..هادئ ...صامت ...منطوي ..كأنه فقد روحه برحيلك ..المشكلة أنني كنت من الأنانية والجرح لدرجة لم تجعلني أقبل بالسماح لك بالتواصل معه ..حتى لأجله هو .. الأمر كان فوق طاقتي ...لذا عندما عدتي لحياتنا ..شعرت أن ياسر عاد ..أحس انه يعوض مع تقى ما فاته من جنون وصخب لذا أتركهم يتقاتلون كقط وفار ..أشعر أن هذا ما يحتاجه كلاهما ..نوعا من التعويض والعودة للماضي ..ليعيشوا مراهقة ضاعت منهما ..قد لا أعرف سبب ضياعها من تقى ..لكنى واثق انه أمر جلل ..لذا أنا سعيد بان يفرغوا كبت وطاقة السنوات الضائعة لديهم ولو عبر الشجار "
لم تكد تحاول الرد حتى انتفضا على صوت إغلاق الباب الخارجي للمنزل بعنف مصاحب لصوت الشجار المتعالي .. بين القطبين المتنافرين ..لتزفر تقى بغيظ بينما تقول لأشرف بعتب:
"إن كنت تتمنى أن يعوضوا الماضي ..فجد حلا يرحمني أنا مما ينالني من صداع وألم وأنا أحاول فك الاشتباكات والتوفيق بينهما بلا طائل ...إنهما يثيران جنوني ويفقداني صبري ..هما لا يعوضا فترة المراهقة المفقودة ...بل عادا للروضة " لتنطلق ضحكات أشرف وهو يضمها لصدره ليربت على ظهرها بمواساة بينما تتعالى الأصوات بالخارج دون أي دلالة على الانتهاء قريبا
-----------------------------
يجلس ساهما بسيارة أخيه ..بينما تتقاذفه الظنون ويفتك به القلق ...لقد حاول تجاهل ما أخبره به أخاه ..وعدم الذهاب إليها ...لكنه لم يستطع الصمود سوى لدقائق معدودة ليجد نفسه ينطلق إلى الطابق الموجود به غرف الرعاية ..وما أن وصل إليه حتى لمحها تتحرك بسرعة تكاد تهرول في الاتجاه المقابل له ..ولاحظ وجود والدتها وهذا ألعاصم ينظران إليها دون أن يحاول أحدهما اللحاق بها ...ليمر هو بجوارهما دون أن يهتم بالنظر ناحيتهما ..يكاد يجزم أنهما لم ينتبها له فقد كانا مشغولان بالحديث معا ..حيث التقط سمعه كلمات أمها وهي تقول ..لا تهتم بما قالته ..ستوافق وتنفذ ما نريده" ليجد نفسه يسارع الخطى قدر استطاعته محاولا اللحاق بها ...لكن للأسف ..قدمه المصابة لم تسعفه ...فرغم تحسن حالته لدرجة استغنائه عن العصا التي كان يرتكز عليها سابقا ..إلا انه لم يستعد بعد كامل قدرته على الحركة ..وما زالت حركته بطيئة وتنتابه الآلام إن حاول الضغط عليها كما فعل بمحاولته الوصول إليها قبل استقلالها للمصعد ...لقد حاول حتى أن يلحق بها بالأسفل لكنه ما أن وصل للأسفل وخرج لمدخل المشفى باحثا عنها ..حتى لمحها تنطلق بسيارتها بسرعة أثارت قلقه بقوة ...ليزفر بعمق جعل أكرم يلتفت له مقطبا وهو يسأله عن ما به ...ليحرك يده بمعنى لا شيء ...وهو يفكر بأنه لا بد أن يعود غدا لمعرفة ما يحدث ...لقد وعدها بأن يقف معها ..وبغض النظر عن أي أمر آخر ...هو لا يستطيع تركها في مواجهة هذا المغرور الذي يظن أن بإمكانه أن يجبرها على الزواج منه رغما عنها
ليفيق من شروده على الإيقاف المفاجئ للسيارة مع هتاف أكرم القلق ..ما الذي يحدث هنا"
ليرفع عينيه على الأصوات المرتفعة من حوله ..ليجد أنهم على أبواب حارتهم ...ويبدو أن هناك مشاجرة ما بين مجموعة من المراهقين ..وهناك بعض الناس بدأت بالتجمع محاولين فك الاشتباك دون فائدة على ما يبدو ...ليلمح نبيلة قادمة من بعيد وهى تصرخ منادية باسم حسين ...ليترجل بسرعة لاحقا بأكرم ...الذي كان قد سبقه مخترقا الجموع ...ليتسمر كلاهما على المشهد الذي حدث بسرعة لم تمكن أيا منهما من تداركه ..فالفتى الذي كان يشتبك مع حسين أخرج من جيبه مطواة فتحها بسرعة طاعنا إياه ببطنه .. ثم يدفع به بعيدا غارقا بدمائه قبل أن يلوذ بالهرب بسرعة مستغلا حالة الذهول التي أصابت الجميع
------------------------------------

تدخل لغرفة المعيشة بتردد ..تكاد قدماها لا تحملاها ...تناظر الأرض بانكسار..لتتوقف بجوار الباب ..غير قادرة على التحرك أكثر ..لا تشعر برغبة أو قدرة على رفع عيناها لتلتقي بعيني العم محمد ...تشعر كما لو كانت عارية ...لا شيء يسترها ...ترغب بالاختفاء عن العيون ..تشعر بان الجميع سينظر لها إما بشفقة أو باحتقار ...وهي لا تطيق الأمرين ..كل ما تريده أن تختفي ...تنزوي بركن بعيد لا مرئي ...حيث لا يشعر بها أحد ...ولا يسأل عنها أحد ...لم تعد تريد شيئا ..تقسم لولا الخوف من الله لأنهت حياتها ..وتخلصت من هذه الدنيا التي أشبعتها ظلما منذ كانت طفلة فقدت حضن أمها التي فضلت مجابهة الموت بحثا عن حلم إنجاب ذكر عن الاكتفاء بها ...حتى الحلم البسيط الذي عاشت تعافر ظروفها لتحققه ..أن تتخرج يوما و تكون طبيبة ...وتلفت عيون أكرم فيبادلها الحب ...ويتزوجها ...تحول لكابوس مريع ..لتخسر حلمها ..رغم عقد الزواج الذي ربطها به ...فبدلا من نظرة الحب والفخر ...أصبحت حالة ستر عورة ...عورة عراها الظلم ..وهتك سترها قساة القلوب ..لتتحول لحالة إنسانية ...يتسابقون لنيل ثواب سترها .. رغم أن الستر لم يعد ذا نفع بحالتها ...فقد خسرت سمعتها وشرفها ...نعم ..هي ترى نفسها منتهكة الشرف ... فالشرف ليس فقط بضع قطرات دماء تشكل غشاء عذرية ...بل الشرف أيضا سمعة تحفظ للفتاة كرامتها لتمشي رافعة رأسها وسط الناس ...وهي نُكست رأسها..وضاع شرفها وسمعتها ....وصارت علكة تلوكها الألسن ..وتلعنها حتى المنحلات ومدعيات الشرف بحيها ... ..حتى ولو لم يكن ما حدث لها تم بإرادتها ...لكن الناس ليس لها إلا الظاهر ..وظاهرها أصبح ملوثا مهتوكا ...لم تعد هند عبد السلام ..إلا فتاة منحلة ...جلبت لأبيها العار بتربته .. ليحاولوا مدارة فضيحتها وعريها بورقة توت تسمى عقد زواج...لكنها لا تريد تلك الورقة ...فقط ترغب بالاختفاء ...فلماذا لا يتركوها ...لعل الله يرحمها ..ويمنحها خلاصا من هذه الدنيا ...ويأخذها لجواره ...فتنال رحمة الموت ...بدل عذاب الحياة
..لم تعي نظرات هذا المراقب لانكسارها بشفقة ممزوجة بغضب لأجلها ... يلتوي قلبه ألما على فتاة كانت كالزهرة ..وأصبحت اقرب لشبح ...فتاة يشعر أنه قصر بحق العناية بها ..وبحق وعد أعطاه لأبيها رحمه الله ...صديقه وجاره لسنوات طويلة ..أن يرعى ابنته إن أصابه مكروه ...وحتى زواجها من أكرم ...لم يشعر بعده بأنه أدى الأمانة ... فسمعتها تشوهت ..والسنة الناس لا تكف عن رجمها ..ومهما حاول وهو من يعرفون الحقيقة معه الدفاع عنها ..إلا أن الناس لا ترحم ...زوجته أخبرته عن أقوال الناس التي تنهش سمعتها بالباطل ..وكيف يتجمعون حولها بالسوق ما بين مدعية المؤازرة وهي تلقي سموم لسانها عن حظ ابنها السيئ الذي جعله يضطر للزواج من فتاة لعبت عليه لتوقع به ...وما بين من تتساءل عن إن كان ينوي الاستمرار أو سيطلقها قريبا بعد أن تزوجها مرغما حسب كلامهم ...ورغم محاولات زوجته الدفاع عن هند ..إلا أنها غير قادرة على مجابهة كل هذه الافتراءات ...حتى الشيخ مرسي ...رغم تخصيصه خطبة الجمعة بالمسجد عن حرمة رمي المحصنات ...وعظم الذنب لمن يلوك سمعة الغير بالباطل وبلا بينة ,,,إلا أن الأمر يزداد ...لقد علم من زوجته ..إن نبيلة زوجة أب هند تُذكي الشائعات بكلام مغرض عن هند ... دون أن تراعي أن الأمر يمس أبنائها قبل أن يمس هند...لقد علم ..أن حسين توقف عن الذهاب لمدرسته ودروسه من كثرة ما يعانيه من إهانات واتهامات تطال أخته ..الفتى يكاد لا يكف عن الشجار كل يوم ...أكثر من مرة تدخل هو والشيخ مرسي والمعلم شعبان ..وغيرهم لفك الاشتباكات بينه وبين صبية ومراهقين يتعمدون إلقاء الكلمات السامة والمهينة التي تمس أخته أثناء مروره ... ليزفر بعمق ويقف مقتربا منها بعد أن يأس أن تقترب أكثر ..ليقول بينما يضمها بحنو :
"كيف حالك يا ابنتي ..اشتقت إليك ...وكلما حضرت ترفضين رؤيتي"
لتقول بخفوت مكسور دون أن ترفع عيناها عن الأرض:
"عفوا عماه ...لم أرفض ...فقط ...فقط "
ليقاطع ارتباكها وهو يبتعد خطوة دون أن يفلتها ..فيمسك كتفاها بين يديه ليناظر رأسها المنكس وهو يقول بحزم آمر:
"أرفعي رأسك هند ..ارفعيها يا ابنة عبد السلام ..ارفعيها ولا تنكسيها أبدا ...فلم ترتكبي ما يشينك لتنكسي رأسك يا زوجة ابني "
لتنتفض بين يديه وترفع له عيناها المتألمتان وقد امتلأتا دمعا بينما تقول بخزي:
"زوجة ابنك ..تلك الكلمة وحدها تستدعي أن أنكس رأسي عماه ...فلست زوجة لأبنك ...لست زوجة أرادها هو أو انتم ...لم تأتوا لتطلبوا يدي كأي فتاة تُطلب للزواج ...فأتدلل ...واطلب مهلة لأفكر ...وبعدها اقبل فتتعالى الزغاريد بالبيت ..وتعلق الإنارة على شرفتنا ...واجلس معه وسط تجمع أهل الحي الضاحكين والمهنئين وحتى الحاسدين...لم تدور صواني الشربات والأغاني ... بينما يلبسني حلقة الخطبة ...ويأتي المأذون ليسألني رأي فأنكس رأسي خجلا بينما انطق بالقبول ...لم يسألني احد عماه ...لقد جلست منكسة رأسي خزيا لا خجلا ...لا أكاد أذكر إن نطقت القبول أم فقط هززت راسي كالطير الذبيح وهو يعاني سكرات الموت بعد الذبح ...لم اسمع الزغاريد بل السباب ....لم أسمع التهاني بل اللعنات على السافلة التي أسقطت الطبيب بحبائلها لتخطفه من خطيبته ابنة الحسب والنسب ..وتناله بعد أن تلاعبت به واستدرجته لبيتها حتى توقعه بفخ الزواج "
كانت الكلمات تنساب من فمها بحرقة القهر بحروف مكسوة بالألم :
ليهتف بها محمد سائلا:
"وهل فعلتها هند؟! ...هل تلاعبت بأكرم لتوقعيه بحبائلك ...هل تعمدت ما حدث؟!!"
لتنتفض مبتعدة خطوة بينما تقول بنفي مرتعب :
"لا عماه ...أقسم لم يحدث ...لم أفعل يوما ...لم أقم يوما بما يسئ لسمعتي واسم أبي الذي أحمله ...دوما ما حافظت على سمعتي ..وخفت من ربي ...لم أفعل شيئا عماه ...لم أفعل ...أقسم بالله لم افعل "
كان صوتها يتعالى حتى وصل لحد الصراخ بينما تضم جسدها بين يديها محتضنة إياه وهي تنثني بألم على نفسها
ليقترب منها محمد ضاما إياها لصدره بينما يشير بعينيه لهمس وحماتها اللتين جاءتا على صوت الصرخات ..فتعودا من حيث جاءتا دون أن تشعر بهما هند ...ليسحبها هو للداخل وهو يضم جسدها المرتعد داخل صدره ..ويغلق باب حجرة المعيشة بإحدى يديه بينما تضمها الأخرى ...ويظل يجذبها وهي ترتعد فاقدة للشعور بما حولها حتى أجلسها على أريكة مزدوجة ليجلس بجوارها ضاما رأسها لصدره ليربت على رأسها بينما يقول بحنو:
"أبكي هند ...أبكي حتى تخرجي من صدمتك ..اخرجي ألمك بالبكاء والصراخ حتى تكتفي ...وبعدها ارفعي رأسك عاليا ...واجهي الجميع برأس مرتفع لا ينحني ...طالما لم ترتكبي خطأ فحدقي بعيون كل من يرميك بالباطل ..و اعلمي يا ابنتي انه حتى لو ظلمك الناس اليوم ...فرب الناس مطلع ..وسيعيد لك حقك ولو بعد حين ...آمني أن الظلم مهما طال ومهما احتكمت حلقاته حتى تشعرين أنها ستطبق عليك ...فهي تكون إشارة لانفراج قريب ...الم تسمعي قول الإمام الشافعي رحمه الله (ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج ُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ)
فرج الله قريب وحقك سيعود يوما فقط قولي حسبي الله ونعم الوكيل ..دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ...وستظل عند ربك حتى يعيد حقك ...فقط لا تقنطي من رحمته ... و أحسني الظن بالله فهو عند حسن ظن عبده به ...ولا تظني أن حقك سيعود بالاختباء ...أريدك أن تفيقي ..أن تقومي من عثرتك ...ما زلت صغيرة ..وستقابلك في الحياة عثرات وعثرات ..أريدك قوية لا تكسرها الخطوب ...أريدك فخرا لأبيك ...فيكفيك أنك تعلمي انك لم تخطئ ..ولو أتهمك كل البشر فيكفيك أنك ونحن نعلم انك لم ترتكبي خطأ ...يكفي ضعفا ...أفيقي لنفسك ...لقد أضعتي وقتا طويلا ...وأنا لن اسمح لك بالمزيد ..أتفهمين يا هند ..أنا من لن أسمح لك بمزيد من هذا الخنوع ...ستفيقي لنفسك ...ستعودي لكليتك ...وتعودي لتعيشي معنا ...بحينا ..وتجابهي الجميع ...برأس مرفوع لا تنحني مهما قالوا"
لترتعد ويشحب وجهها ..وتنسحب من بين ذراعيه وهو تقول بتردد وارتباك::
" لا عماه ..أرجوك ...لا استطيع العودة ...اعرف أني أثقلت على همس ..وعائلة زوجها بمكوثي عندهم بغير وجه حق ولا سابق معرفة ...فقط لو تسمحون لي ببعض الوقت ...سأبحث عن مكان لأقيم به وعمل و.."
ليقاطعها محمد ساخرا :
"حقا هند ...ستبحثي عن عمل ..وتتركي كليتك التي لم يتبقى لك بها سوى أقل من عامين وتتخرجي كطبيبة وتحققي حلم أباك ..و أي سكن هذا الذي ستجديه ومن أين ...وكيف تعيشين وحدك ..حتى لو حدث المستحيل و وجدته ..كيف ستأمنين على نفسك من ذئاب البشر "
لترد بارتباك وتشوش:
"ربما أعمل كممرضة بأحد المشافي ...نعم ...وهم لديهم مناوبات عمل ...سأطلب العمل بكل المناوبات ..بحيث لا أحتاج للعودة أو.. البحث عن مكان إقامة ,,,فأقيم بنفس المشفى الذي سأعمل به و... ونعم ..سأحاول أن ..أن ....لا ...لا ربما مستشفيان نعم اثنين واحدة اعمل بها نهارا والأخرى ليلا ..و...و"
ليقاطع هذرها الغير مترابط.. بصوت ساخرة وهو يقول لها :
"حقا هند ...ستعيشين بلا نوم ...ولا طعام ...ولا مأوى ...لابد انك ستصبحين خارقة" ..ليضيف بحدة وصوت صارم غير قابل للنقاش جعل الفتاة أمامه تنكمش رعبا:
"اسمعي يا فتاة ...كلام كثير لا ارغب بأن أسمع ..وإن ظننت أن ظروف زواجك بأكرم تجعل زواجك منه مجرد حبر على ورق ..فأنت واهمة ... ولا تخبريني بتلك الفلسفة الفارغة عن الشفقة والعار ..فكل هذا هذر لا يهمني ...أنت كنت قبلا ابنة صديقي ومن كان بمنزلة أخي ..وأمانته التي استأمنني عليها ..و الآن صرت زوجة ابني ..ومسئولة منى ...أصبحت حماك وأباك ...شئت أم أبيت ...تفاصيل ووضع علاقتك بأكرم نحسمها فيما بعد ...لكن هذا لن يغير من كوني بت المسئول عنك ....ولن تكسري لي أمرا ...سأتركك هنا أسبوعا آخر ...لا غير ..وبعدها ستأتي للإقامة معي ... وهذا أمر لا نقاش فيه "
لتنظر له بقلق لا يخلوا من رفض ..وتقول بتردد :
"عماه"
ليقاطعها بحدة أربكتها ولجمتها
"لا" ليلف جذعها بذراعه جاذبا إياها لصدره وهو يقول بينما يمسك بذقنها ليرفع رأسها إليه بسبابته وإبهامه:
"من هذه اللحظة ستناديني أبي ..لا عمي ..هل تفهمين يا هند ..أنا أباك ...كما أنا والد أكرم زوجك "
لتزداد ارتباكا وتهرب بعينيها منه وهي تحاول تخليص وجهها بتنكيسه بينما تقول برفض مقهور :
"لأكرم زوجة أخرى عم...أقصد أبي ..زوجة أحق مني ..زوجة اختارها بنفسه لم يُجبر عليها أو ...يضطر ل ...ل "
ليقاطعها محمد قائلا بغموض وهو يعيد رفع وجهها الذي نكسته:
"لم يعد لأكرم زوجة غيرك يا ابنتي"
ليراقب اتساع عينيها وارتباك نظراتها وتلك الدموع التي بدئت تملأ مقلتيها لتسيل على وجنتيها وهي تقول بانكسار مقهور :
"يا إلهي ..لقد دمرت له حياته ...لابد أن سارة رفضت وجودي ..أنا السبب ...لابد أنه يكرهني.. أرجوك عماه ...قل له أن يطلقني ...أنا سأذهب لسارة واخبرها بحقيقة الأمر وأن أكرم كان فقط يحاول مساندتي وستري ..زاد نشيجها بينما تقول بتقطع ...فقط هو كان شهم ..وحرام أن يخسر ..الفتاة ألتي يحبها بسبب شهامته معي"
ليرد عليها محمد ببسمة حانية وهو يقول لها بتأكيد:
"لست أنت السبب يا هند ..الأمر لا علاقة له بك...لتهز رأسها رفضا ..ترفض التصديق وهي تنشج صارخة
"بل أنا السبب ..أنا السبب ...أرجوك عماه ...دعه يطلقني ..لن احتمل المزيد أقسم لن احتمل يكفيني ما أشعر به وأعانيه "
لينهرها محمد بحدة طالبا منها الصمت والنظر إليه ليقول لها بتأكيد حازم :
"هند ..هل عاهدتني كاذبا يوما ما"
لتنظر له بارتعاد من بين نشيج البكاء للحظات قبل أن تهز رأسها نفيا ...فيقول بتأكيد:
"إذا عندما أقول لك ...أن سارة طلبت الانفصال عن أكرم دون أن تعلم بأمرك ..أو يكون لك شأن بالأمر ..من قريب أو بعيد ...إذا يجب أن تصدقيني " لتنظر له بارتباك وذهول وهي تقول بعدم تصديق :
"لكن لما؟ ..كيف؟! ...لقد كانت تبدو متعلقة به ..لابد أنها عرفت شيئا أو"
ليقطعها بنفاذ صبر:
"هند ..أمر سارة انتهى ...ولا شان لك به ...وموضوعك مع أكرم أيضا ليس مجال نقاشنا الحالي ...فهذا الأمر سيكون لنا فيه حديث في وقته ...فما بينك وبين أكرم عقد قران ..ولن يتزوجك إلا بعد أن تُنهي تعليمك ..وفقط إن وافقت أنت وارتضيت به زوجا ..وسيتزوجك كما يليق بابنة عبد السلام صديقي ...الدكتورة هند ...بزفاف ومهر ..وكل ما تناله العروس من حقوق دون أن يبخسك شيئا ...بل سأكون أكثر تعنتا معه من أبيك لو كان حيا ..فانا أبيك الآن ..وكما قلت أسبوع وتنتقلين للعيش معي ومع أمك زينب"
لتقول له بحيرة:
"لكن كيف أبي ..سامح وأكرم لن يشعرا بالراحة بوجودي سأقيدهم و"
ليقاطعها مطمئنا"
"لن تقيدي احد ...سامح سينتقل للحجرة الخالية بسطح بيت الحاج مرسي بجوارنا ...لقد أستأجرها منه ...وبهذا ستكونين براحتك ..وسيقيم بها معه أكرم مؤقتا ...فهو سيسافر قريبا ..خلال شهرين على الأكثر ...وعندما يعود من بعثته ...ستكونين قد أنهيت دراستك ...وأصبحت مخولة لتقرري ما تريدين ...آه وقبل أن أنسى ...لقد أخبرني أكرم أن أخبرك أنه قد قام بتقديم اعتذار لك عن المادة التي كان موعد اختبارها هذا الأسبوع ..حتى لا تفقدي تقديرك بها ..ولكن يجب أن تستعدي جيدا للمادة القادمة أمامك خمس عشرة يوما قبل موعد اختبارها وهي مدة كافية لتراجعيها حسب قوله ..وبإمكانك اللجوء إليه إن وقف أمامك شيء ..آه وقد أحضرت لك كتبك وجدول الاختبار وأعطيتهم لهمس لتضعهم بحجرتك ...يكفي خمولا وكسلا ..سأذهب الآن ..وأعود بعد أسبوع مع أكرم لأخذك ..فلابد أن تدخلي الحي معنا ..تدخليه برأس مرفوع ..وأنت تتجاهلين كل ما سيقال ..وتجابهي أعينهم بقوة" لتنظر له بخوف وهي تقول بحزن :
"أرجوك عماه ..لا أريد العودة لهناك .. ليس الآن على الأقل ...لن أستطيع مواجهة الناس أرجوك آآآ"
ليقاطع كلامها رنين هاتفه ..ليرد بينما ينظر لوجهها بتمعن وهو يذكر اسم المتصل ليبتسم على ارتباكها وهو يقول مازحا:
"نعم أكرم ..هل حدث شيء ..فأنت لا تهاتفني إلا عند المصائب "
لتتحول البسمة لعبوس بينما يستغفر وترتبك عيناه وهو يناظر هند بنظرات وجلة جعلتها تقول بصوت مرتجف :
"ماذا هناك عماه ؟ّ!! ماذا حدث ؟"
ليستغفر بينما يغلق الخط وهو يناظرها بقلق ويقول بخفوت:
"الأمر يخص أخاك ....حسين...
-----------------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 09-09-18, 02:33 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 


الفصل التاسع عشر

تجلس بجوار العم محمد بسيارة الأجرة التي تقلهم بطريقهم للحي ...يرتعد جسدها دون قدرة على أن تتحكم به ...تكاد تشعر بروحها تنسحب من جسدها ... لولا تلك الكف التي تشد على يدها بحنو... ربما انهارت تماما ...يا الله كانت تظن نفسها فقدت الشعور والاهتمام ..تظن مشاعرها غلفت بطبقة من البرود ...لكن أحداث الساعة الأخيرة أثبتت لها كذب ما أوهمت نفسها به ...فبمجرد ما أن عرفت بإصابة أخيها حتى شعرت بداخلها يشتعل بنيران الرعب ..برعشة الخوف ...رغم كل ماضيها مع حسين ..ووقوفه الدائم بصف أمه ..وبروده وصلفه بالتعامل معها ...يظل أخيها ...قطعة من روح أبيها ..تحمل بعض ملامحه ورائحته ...وهي ببساطة تعشقه رغم كل شيء ... لم تعي مقدار حبها له ..إلا باللحظة التي نطق بها العم محمد باسمه ناظرا لها بقلق بعد إغلاقه الهاتف ...رعبها من أن تكون فقدته كما فقدت أبيها وأمها قبلا ... جعلها تفقد القدرة على الوقوف لتخذلها ساقاها فتقع على الأرض ......لم تعرف كيف ولا متى خرجا من القصر أو ركبا تلك السيارة ..كانت فقط غارقة بذكرى يوم مولد حسين... يومها كان أبيها معها يخبرها أن الله سيمن عليها بأخ جديد يكون لها سندا وحصنا..يكون أبا ثاني لها رغم كونه الأصغر ..سيكون حمايتها وأمانها ..كان يخبرها أنه سيكون بجوارها يرعاها من غدر الزمان بعد حفظ الله سبحانه ...وما أن أنجبته نبيلة حتى دخلت مع أبيها ملهوفة لتراه ..ورغم نظرات نبيلة الكارهة والرافضة ..إلا أن أبيها حمله ووضعه بين يديها الصغيرتين متجاهلا صراخ نبيلة المعترض ..وكلماتها التي حاولت منعه بها وهي تخبره أنها صغيرة و ستوقعه ..ليرد عليها بأنها لن توقعه أبدا ...بل ستكون له أما ثانية تراعيه وتحميه ...لتنتشي فخرا وفرحا وهي طفلة لا تكاد تصل سنواتها للثماني سنوات ...وتضم الوليد ذي الملامح المتغضنة لصدرها بخوف وحنو ..فتتفجر مشاعر حبها له لحظتها ...آآآآه كيف لم تصن وصية أبيها ...كيف ابتعدت عنه ..
حتى لو كانت نبيلة توغر صدره ضدها ..تبعده ...تجعله يتنمر عليها ..كان يجب أن تتقرب هي منه ...تتحمله ...تزرع حبها زرعا بداخله ... لقد قصرت بحقه ...ولم تراعي وصية أبيها بإخوتها ...كانت دموعها تسيل ...وذكرياتها تطاردها فتضيع منها كلمات العم محمد الذي يطمئنها بأنه بخير ...تخاف أن يكون الأمر خطير وهو يهون عليها فقط ...كانت شاردة خائفة ... فلم تنتبه لتفاصيل المحادثة التي كان يجريها العم بجوارها لأكرم ...طالبا منه انتظارهم على أول الحارة ..حتى تدخل للمنطقة بصحبته أمام الناس ...لم تفق من تيهها إلا على ربتة من يده على كفها ينبهها لوصولهم ..لتنظر حولها بقلق وتشعر برعبها يزداد وهي تنظر للمنطقة التي عاشت عمرها بأكمله بين جنباتها ...لتشعر لأول مرة بالخوف ...بالغربة ...بالرغبة بالهرب بعيدا عن هنا ...ترغب أن تخفي وجهها فلا يراها أحد ...فقط لو لم تكن مضطرة ..وخوفها على حسين يقيدها ويجبرها ..لم تكن لتحضر ...على الأقل الآن ...لتنتفض على فتحة الباب بجوارها فترفع عيناها بوجل لتسقط على عينيه ..وآآآه من عينيه التي عشقتهما عمرها كله ...كم كانت تتوه سارحة بهما ...كم تمنت أن يكون من حقها النظر لهما بحرية ودون قيود ...لكنها الآن ..ما أن وقعتا عليها ....حتى هربت بنظراتها منهما والدموع تملأ عيناها ..نكست رأسها خزيا ... لتنكمش وهي تشعر بيده تمتد ليدها التي قبضتها بحجرها ..لكنه تجاهل الأمر وجذبها من ذراعها ليخرجها من السيارة ..ويبدو انه شعر بعدم قدرة ساقيها على حملها ...لتجده يقترب منها ..كما لم يفعل من قبل ...ليلف ذراعه حول جذعها ...ضاما كتفها مسندا ثقلها إليه بشكل جانبي ...لتجد أباه يقترب من جانبها الثاني بعد انصراف السيارة فيمسك يدها يلفها حول ذراعه فتجد نفسها محاطة بكلاهما ...لم تستطع رغم انكماشها وارتعاش جسدها الواضح والتي تجزم أن كلاهما شعرا به ...إلا أن تشعر بمزيج من الامتنان والأمان بينهما ..أمان وامتنان لم يكفي ليغطي على مشاعر الخوف على أخيها ..والقلق من مواجهة أهل الحي ...والنفور من الدخول لشقتهم ..حيث المكان الذي شهد ذلها ..ومحاولة انتهاكها ..والتي رغم أنها لا تذكر تفاصيلها بوضوح ..فالتشوش يسود ذكرى ما حدث ...لكنها تذكر مشاعرها الرافضة ...إحساس الانتهاك ..والقذارة من لمسات سعيد لجسدها .. لمسات لم تستطع أن تمنعها عنها ..أو أن تقاومه بما يكفي ...ليسكنها مزيج من الغضب والقهر ..منه ومن نفسها ..تشعر أنها كان يجب أن تقاوم أكثر ..مهما حاولوا تغييب عقلها ..لكنها كان يجب أن ترفض وتحاربه أكثر فلا تدعه يلمسها ..يلوث أجزاء من جسدها بفمه القذر ...لم تعرف كيف وصلت لباب الشقة ...كيف لم ترى شيئا من الطريق ..ولا حتى كيف دخلت وصعدت السلم ...لتتسمر قدماها قبل الباب بخطوتين مجبرة مرافقاها على الوقوف ...بينما تتعالى أنفاسها ويزداد إختضاض جسدها ..
يتبادل النظرات مع أبيه ..بينما يذوب قلبه حزنا وقلقا وشفقة عليها ...لكنها شفقة المحب ..لا شفقة المتعاطف ...نعم ...يعترف ...هو يحبها ...لو كان لديه شك سابقا ...فقد انتهى باللحظة التي رآها بها لحظة توقف سيارة الأجرة ...كان بانتظارهم منذ هاتفه أبيه ...يكاد قلبه يسبقه شوقا لرؤيتها ...لتتعلق عيناه بها ...يكاد يتشرب تفاصيلها رغم الإضاءة الخافتة التي تجعل ملامحها غارقة بالظلال ..لولا أضواء المحلات بالشارع وعامود إنارة ظل يناضل احتراق إضاءته أسوة بباقي زملائه ...لم يكن ليرى منها شيئا ..لكنه رآها ...لينتفض الخافق بجانب صدره هادرا ..كما لم يفعل من قبل إلا مرة واحدة عندما كان يسابق الزمن للوصول إليها بعد حوارهما الهاتفي الأخير الذي أخبرته فيه بدخول الوغد سعيد عليها بالمنزل...
..وما أن لمس يدها ..شعر لحظتها بأنها ملكه ...رغم انكماشها ..وتخشبها ...إلا أنه لم يكن ليسمح لها بالابتعاد ...لكن غضبه كان يزداد طوال الطريق حتى المنزل وهو يلحظ النظرات المستهجنة ...والكلمات الخبيثة التي تلقى هنا وهناك ...لينظر لها فيجدها ساهمة لا تكاد تشعر بما حولها فيحمد الله على ذلك ...لكنه شعر بالقلق عندما وجدها تتسمر مرتعدة قبل باب الشقة ...ليضربه الإدراك بأنها لابد تتذكر ما حدث ..وما أن هم بمحاولة قول ما يواسيها ويشجعها حتى وجد أباه يسحبها لصدره ليربت عليها وهو يقول بحنو:
" نحن معك ..بجوارك ...لا تخافي ...لن يمسك مخلوق بأذى بعد الآن ..أرفعي راسك ولا تحني هامتك يا ابنتي ..وتذكري انك ابنة عبد السلام ..ولم تفعلي ما يشينك يوما ...فلا تهتمي بما يقولون ..أتفهميني يا هند ..اشمخي برأسك عاليا ...وانظري بعيون الجميع بثقة ...فلم تخطئ لتنكسيها "
حسنا لقد قال أبيه ما أراده وأكثر ...فلما يشعر بالغيظ والضيق ..هل لأنه أراد أن يكون صدره هو من تلقي برأسها فوقه كما فعلت مع أبيه .. اللعنة هو لا يغار من أبيه قطعا ...لكنه يغار من سرقة هذا الحق منه ..حقه وحده بمساندتها ودعمها ...نظر لها وهي تبعد رأسها عن كتف أبيه ..لتمسح عيناها بظاهر يديها كطفلة صغيرة ...وترفع رأسها محاولة التماسك ..ليراها لحظتها كأميرة متوجة على عرش قلبه ..أميرة تفوق كل النساء جمالا وبهاء ورفعة ...رغم ثوبها القاتم المجعد ...وملامحها العادية وعينها المحتقنة وانفها الحمراء ...رآها أجمل الفتيات وارقهم ..وهي ملكه ...رغم الطريقة التي حدث بها الأمر .. ليفكر أنه ربما كان كل ما حدث رغم صعوبته ..هو الضربة التي احتاجها ليفيق من غفلته ...على ما كاد يضيعه من يده ...لينتبه على فتح الباب الذي دقه أبيه ..ليقطب بضيق على صوت شهقة أم محمود التي فتحت الباب ... ويرى نظراتها المتفاجأة بهند وفمها الذي أخذ بالإلتواء يمينا ويسارا بحركة سيدات الحارة المعهودة عند الاستهجان ..ليعلو صوتها مناديا نبيلة وهي تقول :
"تعالي يا أم حسين لتري من أتى..." ليزداد غيظه وضغطه على نواجذه وهو يسمعها تضيف بينما تعطيهم ظهرها "- صحيح اللي اختشوا ماتوا - ولها عين لتأتي هنا ثانية "
ليمد يده ويلف كف يدها الأيسر بكفه الأيمن متجاهلا رد فعلها المتخشب بينما يقترب منها ليواجه عيني نبيلة التي ناظرتهما بنفور وضيق وهي توسع لهما الطريق للدخول ...ليضغط على يدها بتشجيع ..وهو يجاورها ليدخلا معا مباشرة لحجرة حسين يلحقهما أبيه الذي سمعه يلقي التحية على عدد من نساء الحارة المجتمعات بصالة المنزل ..أما هو فلم يهتم حتى بالنظر باتجاههم ..خاصة مع صوت الشهقات وتمتمات الكلمات المسيئة التي تصل إليهم عن هند ومدى بجاحتها للقدوم ووجها المكشوف بلا حياء ..وكونها قتلت القتيل وتمشي بجنازته ..وغيرها من الجمل المتجنية و المهينة الذي يثق أنها لابد تجرح حبيبته كحد سكين ثلم ..ليشعر بالرغبة بالالتفات ورد كل إهانة وجهت لها لحلق قائلتها صارخا بهم أن صغيرته اشرف منهم جميعا ...لكنه فضل تجاهل الأمر ...فلم يكن مثله ليدخل بمهاترات لا فائدة منها مع حفنة من النساء...لقد كان هنا منذ قليل فهو من حمل حسين للشقة وأرقده بسريره بعد أن أخذه لعيادته حيث طهر له الجرح وقام بتقطيبه بعدة غرز .. يحمد الله أنه كان جرحا سطحيا...ولم يحتاج لنقله للمشفى ..وهو ما فضلوه منعا للدخول في مشاكل استدعاء الشرطة والتحقيق ..والذي سيكون نتيجته الإساءة أكثر لسمعة هند مع انتشار سبب الشجار...ليتصل بعدها بابيه ويخبره بما حدث ...ويصعد مع سامح لشقتهم حتى جاءه اتصال أبيه ...لقد نزلت أمه لشقة نبيلة للقيام بالواجب لكنها عادت للصعود بعد وقت قصير وهي غاضبة ومنفعلة ...ليعرف منها أنها تشاجرت مع نبيلة وبعض النسوة حيث كانت نبيلة تخوض بسيرة هند مع النساء متهمة إياها بأنها السبب بما حدث لأبنها نتيجة فسوقها ...لتشتاط أمه غضبا وتسب نبيلة مخبرة إياها أنها لن تكف عن فعالها وظلمها حتى يقتص الله منها بأغلى ما عندها ..ثم تتركها وتصعد بعد أن عجزت عن احتمال وقاحتها بإلقائها اللوم على هند....

لا تدري لما هذا الشعور بالغربة عن المكان الذي ولدت فيه وعاشت جل عمرها بين جدرانه ...لما تشعر أنها نافرة منه ...ليس الأمر تلك الكلمات المهينة التي تصل لأسماعها فتتجاهلها دون أن تنظر أو تجيب ...بل هو شعور داخلي بالنفور من المكان ...رغم أنها كانت تعشقه سابقا .. وتجد فيه روح أبيها ....لكنها لم تعد تشعر فيه بتلك الروح أو الذكريات ...بل تشعر به يخنقها يطبق على صدرها ..تكاد تغمض عينيها هربا من النظر لتلك المنضدة التي كادت تنتهك فوقها ...وتترك نفسها مستسلمة ليد أكرم ليقودها حتى شعرت بفتحه لباب حجرة إخوتها وإغلاقها خلفهم ..لتحمد الله انه عزلهم عن الجالسات خارجا ..فتفتح عيناها ببطء لتقابلها عيون إخوتها ...حسين النائم على سريره ينظر لها بعيون دامعة ..وحسن الذي انتفض صارخا ما أن رآها ليترك جوار أخيه وينطلق ليرتمي بحضنها فتنحني بتلقائية تاركة كف أكرم لتتلقاه بين ذراعيها باحتضان دافئ ..لتنطلق آآآه مخنوقة مجروحة من داخلها وتنهمر دموعها التي كانت تحبسها قصرا لتغرق شعر أخيها المتشبث بأحضانها وهو يخبرها بكم افتقدها وبرغبته بان تعود للعيش معهم ...لتنتقل عيناها من فوق رأس حسن لحسين الذي يسلم عليه العم محمد متحمد له بالسلامة ناصحا إياه بعدم التهور والانجرار للمشاجرات ...وأنه يجب أن يتجاهل أي كلمات حقيرة والترفع عنها ...لكنها تشعر أنه لا يسمع شيئا ..عيناه معلقة بعينيها ...ولأول مرة ترى بهما عيني أبيها ...تري فيهما تلك النظرة المحبة الدافئة ..لكنها كانت ممزوجة بندم وشعور بالضعف والخزي ...لأول مرة ترى في أخيها سندها بالدنيا كما اخبرها أبوها يوما....لتجده بعد لحظات ينكس رأسه بعيون دامعة ..لينتفض داخلها رفضا لتلك النظرة المنكسرة بعينيه ..لتترك حسن وتقترب من فراشه ..لتجلس بجواره فيرفع رأسه إليها مناديا اسمها بحزن وشوق:
"هن.. د "
فتضمه بقوة وتتعالى أصوات النشيج والبكاء من كلاهما ليشاركهما بها حسن الذي اقترب ضاما نفسه اليهما بعد أن تسلق الفراش ...ليلحقه معاذ الذي كان جالسا منزويا صامتا على الفراش الثاني بالحجرة فيصعد هو الآخر جاذبا يد هند لتلتفت إليه لتضمه أليهم ..
أخذ ينظر للإخوة وهم يلوذون بأحضان بعضهم بينما تتعالى شهقات بكائهم ...ليسمع صوت حسين يقول بنبرة نادمة:
"سامحيني هند ...لم أحمك ...لم أفعل ما طلبه مني أبي رحمه الله وأكن بجوارك ...لم امنع أذى أمي عنك ...رغم علمي بكم كانت تؤلمك وتتجاوز بحقك ...لكني اقسم لم أتخيل يوما أن يصل الأمر لمثل ذلك ...وقسما لن أترك حقك ليضيع ..وسأقتص لك من الحقير ..ولن يهمني كونه خالي ..ولن اسمح بأن تلوكك الألسن و ..." لتقاطعه هند صارخة :
"كفى ..إياك ..إياك حسين أن تفعل شيئا ...أو تحاول أن تتواجه مع هذا الحقير ...هو معدوم الأخلاق والضمير وقد يؤذيك"
ليرد صارخا بعنفوان غاضب :
"أنا لا يهمني ..وسأحطمه على ما فعل ..ما أن اعرف طريقه فهو مختف منذ فعل فعلته السوداء ...حتى جداي لا يعرفا عنه شيئا"
لتمسك كتفيه قائلة بحدة غاضبة:
"أتظنني سأسعد أو افرح وأنت تؤذى نفسك ظنا انك بهذا تعيد حقي ...أنا متنازلة عن هذا الحق ...يكفيني أن أراك بخير ..أن تبقى بجواري ..أن تكبر وتنجح لتحقق حلم أبي فيك ...وتكون عونا لي ..لا يهمني لو اتهمني كل العالم ..طالما إخوتي يعلمون الحقيقة ..وطالما انتم بخير ..لتقرب رأسها منه وهي تقول :
"أرجوك أخي ..لا تفعل ما يؤذيك فأنت تؤذيني بذلك أكثر ...أنتم من بقي لي ..أنتم عائلتي كلها ..أنت وحسن ومعاذ كل من بقي لي بهذه الدنيا ..ولن احتمل أن يصيب أحدكم مكروه ..أرجوك أخي ..إن أردت أن أسامحك على ما فات ..عدني أن تهتم بدراستك وتنسى كل ذلك "
لينظر لها بتمرد ويدير وجهه فتهدر به صارخة :
"انظر إلي وعدني وإلا سأضربك أنا دون أن اهتم بجرحك "
لتجد الباب يفتح ويصلها صوت نبيلة الكريه وهي تقول بلؤم :
"ما هذا ..هل تصرخين عليه وهو مريض ..أتريديه أن ينتكس ..ألا يكفي أنه أصيب في شجار بسبب سمعتك الملوثة التي جعلت كل من هب ودب يعايره بها " لتنتفض واقفة غير عابئة بصرخة حسين الناهرة لأمه التي انكمشت للخلف من صوت ابنها الغاضب .. واقترابها هي منها ..لتقف أمامها ناظرة بعينيها لتقول لها بخفوت محتد:
"لن أرد عليك ..فقط لأجلهم ..مشيرة لأخوتها ...فلولاهم لكنت أخذت حقي منك بأظافري يا ناكرة العشرة ...لكني لم ولن أسامحك ..وسآخذ حقي منك ومن الحقير الآخر عند ربي ..فأنا بكل صلاة ارفع يدي داعية أن يقتص لي منكما " لتضيف بحرقة من بين أنفاسها المتسارعة ولمرات متتالية :
"حسبي الله ونعم الوكيل ...حسبي الله ونعم الوكيل ...حسبي الله ونعم الوكيل"
لتنكمش نبيلة وتسارع بالخروج ..لتقف هي للحظات قبل أن تقول بخواء ..عمي محمد ..أريد العودة لو سمحت ...لقد اطمأننت على حسين ..وأرغب بالمغادرة:
" ليقترب منها مربتا على كتفها وهو يقول :
"لا بأس يا ابنتي ...لنصعد فقط لدقائق لتسلمي على خالتك أم أكرم ...ثم سيعيدك أكرم بسيارته لمنزل همس "
لتسارع بالرفض قائلة:
"لا داعي عماه لتتعب أكرم ...فقط أخبرني بالعنوان ..أو أوقف لي سيارة أجرة من أول الشارع وسأعود وحدي لهناك"
ليقترب أكرم قائلا بحدة:
"ماذا؟ أتريدين أن تستقلي سيارة أجرة وحدك بهذا الوقت ولهذا المكان البعيد ..هل جننت؟!! ..ثم ماذا سيقول الناس إن رأوك عائدة وحدك بهذا الوقت وأنا ..زوجك موجود"
لتنظر له قائلة بنبرة ممزوجة بسخرية مريرة :
"الناس !! أي ناس ...أهل حارتنا؟!! ...هل بقي لديهم شيئا لم يقولوه بحقي بعد ..لا يهم إن أضافوا بضع كلمات أخرى "
ليقاطع محمد حوارهم الغاضب وهو يقول بحسم :
"هند .. كلام أكرم مضبوط ..لن تعودي بهذا الوقت بمفردك ..إما هو أو أنا من سيعدك ..وهو أفضل ..حيث سيوصلك ويعود بسيارته ..هيا لتسلمي على إخوتك ونصعد لتسلمي على خالتك زينب وسامح ..وبعدها يوصلك أكرم"
----------------

يجلسون معا حول طاولة الطعام المستديرة لتناول العشاء ...كان سعيدا لكون أبيه يشاركهم الطاولة مؤخرا ...فقد سمح له الطبيب بالحركة وبعض النشاط ...لكن بنطاق ضيق ودون إجهاد ...لكنه رغم سعادته بتجمعهم معا ...يشعر بشيء يغيم على الأجواء ..هناك حالة من التوتر الغير مفهوم له تسود في المكان ..أمه تنظر لتقى بقلق ..وأبيه يناظرها كل فينة بترقب ..وهي هادئة صامتة ...تتلاعب بطعامها دون أن تتناول منه شيئا على غير عادتها ...فهو مما لاحظه طوال الفترة السابقة .. فابنة خالته النحيلة الضئيلة تلك ..نهمة للطعام لدرجة الشراهة ...يكاد يجن وهو يتساءل أين تذهب بكل هذه الكميات التي تأكلها ...ليقرر مناكفتها قليلا لكسر تلك الأجواء فيقول بسخرية:
"هيا تقى ..ما بالك على غير العادة لم تقضي على ما أمامنا و وتمسحي الأطباق وتتركينا نتضور جوعا بعد أن تملئ طبقك عدة مرات دون اهتمام بمن يأكل معك"
ليشعر بقلق حقيقي وهو يراها ساهمة لا ترد عليه بحدة كعادتها :
لينظر لأمه فتهز رأسها إليه بلا معنى ..ليعود ثانية لتلك الشاردة مصرا على اقتحام عزلتها الغريبة تلك ليضيف بإغاظة:
" لقد عرفت السر ...لابد انك أنت من طهيت اليوم ...لذا لا تطيقين تذوق طعامك ...لكن مهلا ..هذا الطعام مذاقه جيد ...إذا هو طهو أمي ....همممم إذا لابد انك تسللت للمطبخ كعادتك والتهمت كميات كبيرة من الطعام من الأواني مباشرة ...لدرجة لم تعودي تقدرين على تناول المزيد ..ولو أن هذا لم يوقفك سابقا ...لكن يبدو أن معدتك استجارت أخيرا طالبة الرحمة "
كان طوال الوقت ينظر لها وهي تتلاعب بشوكتها وترفع عينيها إليه ثم تعيدها للطعام بلا اهتمام ودون أن تبدي رد فعل على ما يقول ..ليزداد حيرة وقلقا..قبل أن يأتيه صوت أبيه الناهر:
"كفى ياسر ..دع ابنة خالتك وشأنها وكف عن مضايقتها "
ليسمعه يوجه لها الحديث بحنو :
"تقى صغيرتي .. تناولي طعامك ...فانا أريد أن أتحدث معك بأمر هام بعد الطعام ..حول الموضوع الذي حدثتك به خالتك منذ قليل "
لتلتقط عيناه إجفالها ..وارتباكها وهي تنظر لأبيه بخجل..فيقطب بقلق وهو يتساءل عن ماهية هذا الموضوع الذي حدثتها فيه أمه ..ويريد أبيه مناقشتها فيه ..ويجعلها هي على هذا الوضع من الارتباك ...لتتسع عيناه هلعا وهو يفكر أتراه موضوع علي ..هل هاتف أبيه طالبا يدها ...متجاهلا تحذيره له ....لتنقبض يده الممسكة بالشوكة بقوة قبل أن يلقي بها بعنف فوق طبقه مصدرا صوتا جعل الجالسين يناظرونه باستنكار وتساؤل ..ليتجاهل نظراتهم بينما يسأل أبيه بحدة دون أن يشعر:
"أبي ..هل هاتفك علي الذي يعمل بقسم الحسابات " ليقطب أبيه بحيرة وهو يسأله :
"علي؟! ..لا ...لماذا ..أهناك شيء يخص مستحقاتي المالية؟!"
ليتأكد لحظتها أن الأمر لا يخص هذا الأحمق فيزفر براحة وترتخي تشنجات وجهه وجسده الذي لم يشعر بتصلبهم إلا لحظتها بينما يرد علي أبيه مراوغا :
"لا فقط كان يسأل عنك ويرغب بمهاتفتك للاطمئنان عليك"
ليعود للامساك بشوكته لإكمال طعامه متجاهلا نظرات أبيه التي تنطق بعدم الاقتناع بما يقول..قبل أن يرفع عينيه لينظر لتقي التي ألقت شوكتها ووقفت بتوتر تاركة طعامها لم يمس وهي تقول متهربة ..سأدخل للنوم فانا متعبة"
ليجد أبيه يعود بكرسيه للخلف قائلا:
"انتظري تقى ..أخبرتك أني أرغب بالحديث معك ..تعالي لنجلس بحجرة المكتب لنتحدث بينما تصنع لنا خالتك الشاي من يدها الجميلة"
ليتابعهما بعينيه بحيرة حتى اختفيا خلف باب حجرة المكتب ..ليعود بنظره لأمه وهو يسألها بتوجس :" ما الأمر أمي ..ما الذي يريد أبي تقى فيه على انفراد؟! "
لتقول أمه بتهرب ومراوغة
"إنه أمر يخص تقى وحدها ياسر ..فلا تتدخل بما لا يعنيك ...فهي مسالة خاصة وحساسة ..ولا تعني إلا ابنة خالتك ..ولا شأن لك بها"
...لتتحرك جامعة بعض الأطباق من أمامها متجهة للمطبخ... تاركة إياه يرغي ويزبد وهو يفكر بقلق ..حول ماهية هذا الأمر الخاص ..فلا يجد عقله جوابا ..إلا أن يكون هناك عريس جديد متقدم لها ...ليشعر بالنيران تشتعل بداخله ..دون أن يفهم لها سببا ويجد يده تضرب المنضدة أمامه بعنف اهتزت له الأطباق وكادت تتحطم ..وهو يدمدم ...لابد أن اعرف الأمر ..ويا ويلها لو كان هناك آخر غير هذا العلي .. فلن تأتي لتنغص علي حياتي وتربكها ...ثم تتركها بسهولة وتذهب ....
---------------

تكاد تجن وهي تتحرك ما بين حجرتها والشرفة وهي بانتظاره ...لقد تأخر كثيرا ...ترغب بالاتصال به ..لكنها تخشى أن يحرجها أو يمتنع عن الرد عليها ...لتنتفض مسرعة ما أن سمعت رنين الهاتف الموضوع على الكوميدينو بجوار السرير لتتنهد بإحباط ما أن طالعها اسم ريهام على الشاشة ...فرغم اشتياقها لصديقة عمرها لكنها كانت تتمنى أن يكون خالد المتصل ..لتفتح الخط مرحبة بصديقتها ..وهي تجلس على الفراش ..وتلومها بتلقائية على اختفائها بتلك الصورة ...فترد ريهام مبررة بالانشغال الشديد ما بين العمل بالشركة مع زوجها صباحا ...وبطفليها مساءا ..وتعتذر عن تقصيرها ..وتسألها عن حالها والأسرة ...كانت همس تجيبها بعقل شارد ...حتى أنها لم تنتبه لغموض إجابات ريهام ومراوغتها وهي تسألها عن حالها مع حماتها وكيف هي معها مؤخرا ... لتبرق بعقلها فجأة فكرة أن تستعين بريهام فتقاطع ما كانت تقوله وهي تسألها مباشرة:
"ريهام كيف تصالحي احمد إن فعلت أمرا خاطئا أغضبه بشدة وقاطعك أو رفض التعاطي معك ..."
ليسود الصمت للحظات قبل أن يأتيها صوت ريهام اللائم متسائلا عن ما فعلته من حماقة لتجعل زوجها المتيم يغضب منها ويقاطعها ...فترد عليها بانفعال قائلة :
"ريهام ...بدون مواعظ أو لوم ...إن كنت تعرفين طريقة أخبريني ...أعرف انك رومانسية وتجيدي الملاطفة ...بعكسي ...ودون أسئلة سخيفة ودخول بتفاصيل لن أخبرك بها "
لتأتيها ضحكة ريهام الهادئة بينما تقول :
"حسنا أيتها العصبية ..عامة الأمر يختلف من رجل لآخر ...و موقف لآخر أيضا حسب مدى سوء فعلتك "
فتتنهد همس بضيق وهي تقول:
"دون فلسفة اخبريني بعدة أشياء للمصالحة ... لأرى ما يناسبني أو يناسب موقفي"
فتقول ريهام بجدية" أسمعي إذا كنت مخطئة فالاعتذار المباشر أفضل ...وإن ظل غاضبا استخدمي حيل ومكر النساء .. قومي بإغرائه ...ثوب نوم فاضح مع زينة مميزة ...بعض الدلال والملاطفة ..أنت تفهمين طبعا ..وهناك فكرة قرأتها مرة برواية لكاتبتي المفضلة (حسن الخلق) عندما تغضب البطلة بالرواية البطل كانت تصالحه عن طريق الأغاني ...ترسل له أغنية أو أكثر تكون كلماتها معبرة عن الحالة ..اعتذار مراضاة ...حب ..هكذا .......
تركز بكلمات ريهام بينما تتحرك ثانية للشرفة بسرعة عند سماعها زمور سيارة أمام الباب الخارجي لتنظر بتركيز منتظرة الحارس ليفتح البوابة ...بينما تقول لريهام:
"حسنا ريهام تعرفين أني فاشلة بموضوع الأغاني هلا أرسلت لي بعض الروابط لأغاني تحمل معنى الأسف والاعتذار والرغبة بالمصالحة ..وأنا أيضا سأبحث على الانترنت عن بعضها"
...لتتنهد بإحباط وهي تراها سيارة أكرم ...لابد أنه يعيد هند ...لقد أطمئنت على حال شقيقها عبر الهاتف من والدتها ..كم تشفق على تلك الفتاة ...لكنها حاليا مشغولة بحالها هي ولا تستطيع التركيز مع هند ..لتتراجع للداخل وهي تنهي الحديث مع ريهام وتبدأ بالبحث عبر وسائل التواصل عن أغاني مناسبة ..بينما تسمع وصول إشعارات لروابط ترسلها لها ريهام...
----------------------

ما أن حاولت النزول من السيارة التي ركنها قبل المدخل المؤدي للسلم الخارجي ببضعة أمتار ..حتى أوقفها صوته وهو يقول بخفوت بينما يستند برأسه للخلف :
"انتظري هند أرغب بالتحدث معك قليلا"
لتقول بتهرب :
"أنا متعبة ألا يمكن تأجيل الأمر :
"فيرد بتصميم خافت :
"لا ....نحتاج للتحدث"
تتنهد بتعب مستسلم وهي تعي أن التأجيل كما فعلت أثناء زيارتها لشقتهم ..وهي تتهرب من البقاء معه بمفردهما لم يعد يجدي ... لقد شعرت برغبته بالبقاء والحديث معها ..خاصة بعد أن انسحب سامح ووالديه بعد السلام عليها والجلوس معها قليلا ..ليدعوهما معا بصالة الشقة ..فتصر هي على العودة فورا متحججة برغبتها بالنوم وشعورها بالإرهاق ...لقد استجاب لها ..واحترم صمتها طوال الطريق رغم طول المسافة ...خاصة مع تعمدها إغماض عينيها وإدارة رأسها مستندة بها على حافة شباك السيارة ..بإيحاء واضح على عدم رغبتها بالحديث ...لكن يبدو أن المواجهة قد حانت ولم يعد بالإمكان تأجيلها أو التهرب منها ...لتقرر حسم الأمر رغم إنهاكها الواضح فتعيد غلق الباب الذي كانت قد فتحته جزئيا وتجلس معتدلة بصمت بانتظار ما سيقوله ...لم تكن تنظر إليه ...وكانت سعيدة بتلك الظلمة التي تحيط بهم إلا من إضاءة خافتة موزعة هنا وهناك حول الحديقة والباب الداخلي ...لكنها ليست قوية لتكشف عن ملامحها المنهكة والمتألمة
أدار رأسه لينظر لوجهها ...ورغم أن ملامحها ليست واضحة تماما إلا أن الإضاءة الخافتة أضفت عليها ظلال ذهبية جعلتها تبدو لعينيه كمخلوق أثيري ..ليتنهد داخليا وهو يرى هشاشتها الظاهرة ...لكنه رغم ذلك واثق أنها ستقف ثانية وتعيد بناء من انكسر بداخله وعلاج ندوبها ...لكنه يرغب أن يكون جزءا من هذا العلاج ..أن يساعدها لتقف ..أن يشدها لتخرج سريعا من تلك الهوة التي تحبس نفسها بداخلها ...يعي صعوبة مع حدث على فتاة معتزة بنفسها كهند .. ليمد يده فيمسك كفها المنقبض بحجرها ويشد عليه متجاهلا محاولتها لسحب يدها ليلتفت بكامل جزعه نحوها وهو يقول:
"هند اعرف أنك تظنين أنني تزوجتك إنقاذ للموقف ..أو شفقة ..أو أي تفسيرات أخرى قد يصل لها عقلك بحالته المشوشة ...لكني أريدك أن تعرفي أمرا وتعيه جيدا ...قد يكون الموقف فرض الزواج بهذا الوقت وتلك الطريقة ...لكني واثق أن المسألة بيننا كانت فقط مسألة وقت "
لتلتفت مقطبة وهي تسأله بحيرة وصوت متألم:
" وقت لماذا بالضبط؟!!"
ليمد كفه الآخر ويضم كفها الصغير بينهما وهو يقول بصوت خافت ثقيل ممتلئ بعاطفة صادقة
" وقت لأعرف أنك نصفي الثاني ..المرأة المخلوقة مني ...من ضلعي ..أنك من أحبها ...بل وأحببتها دوما ...لكني كنت أعمى... وغبي ...فلم أفهم مشاعري إلا عندما كدت اخسرها"
لتزداد وتيرة تنفسها ..وعنف حركتها لسحب يدها ...
شعر بتزايد انفعالها وهي تصرخ به أن يترك يدها التي شعر بارتعادها بين كفيه ...بينما تتقول بهسترية غاضبة ما أن خلصتها من يده وبصوت لم يخفي البكاء نبرة اللوم والألم فيه:
" حقا!!.. اكتشفت فجأة انك تحبني ...ومتى كان هذا؟!! ...وأنا انتهك تحت يد الحقير سعيد ..أم حين ألقيت بنفسي على صدرك هاتفة بحبي كحمقاء بينما أنا تحت تأثير ذاك المخدر اللعين ..أم وهم يطالبوك بالزواج مني وستري .....هل من المفترض أن أصدقك الآن ..وأصدق انك اكتشفت _ ليختنق صوتها بينما تضيف بتقطع _اكتشفت حبي فجأة ...لقد ..كنت ..أمامك... طوال.. عمري ..ومع ذلك لم تنظر لي يوما إلا كحالة إحسان تساعدها ..أو بأفضل الأحوال جارة بمنزلة أخت ..أرجوك أكرم توقف عن محاولة إضفاء عواطف كاذبة لتجميل وضعي المقيت معك "
كان نشيجها يزداد ..وصوتها يختنق ..فلم يستطع تمالك نفسه ليجذبها إليه قصرا يضمها لصدره ...كانت تتلوى بين ذراعيه وهي تبكي وتنشج وتضربه ..لتحاول الإفلات بلا فائدة بينما يطبق هو ذراعيه حولها محاولا امتصاص ألمها وغضبها وهو يقول بمراضاة :
"اهدئي... أرجوك حبيبتي ..اهدئي قليلا"
لتزداد عنف حركتها وهي تحاول الخروج من اسر ذراعيه بينما تهدر صارخة :
"لا تقل حبيبتي ...لا تنطقها ...أنت كاذب ...لست حبيبتك ..ولم أكن يوما ...حبيبتك تلك الشقراء التي اخترتها زوجة ..هي فقط حبيبتك.. ..تلك الجميلة ذات الحسب والنسب ..تلك التي لا أساويها أنا .. ..حتى الشيء الوحيد الذي كنت امتلكه وهو سمعتي فقدته ..هيا ابتعد عني ...لا يحق لمسي ..اذهب إليها هي ...هي حبيبتك ...لا أنا "
يصر هو على الاستمرار بضمها وتحمل تلويها و محاولاتها للإفلات منه وضربه على كل ما تطاله يداها... لاعنا بسره هذا الحاجز بين مقعديهما بالسيارة والذي لا يتيح له ضمها إليه بصورة كاملة ..ينهت بقوة من محاولة السيطرة على انفعالها من ناحية و مشاعره المتصاعدة نحوها من ناحية أخرى ... ليهدر قائلا بعواطف مثقلة :
"بل أنت ..أنت حبيبتي .. حبيبتي ..وزوجتي ..ونصيبي منذ لحظة ميلادك ...كنت غبيا وتهت عن الطريق لفترة وكدت أضيعك مني ..."
...ليمسك بيديها التي تضربه بين يده ويرفع وجهها الذي يلتفت يمينا ويسارا بنفي ليثبته وهو يذرع عينيه بعينها ويقول بتأكيد :
" أسمعيني جيدا وافهمي ما أقول ..أنا لم أحب سارة يوما ...كانت اختيار عقل دون عاطفة ...لم يجمعني بها مشاعر عاطفية أبدا"
لترد عليه بحدة رغم الدموع التي تغرق خديها واختضاض جسدها
" وما زالت هي الاختيار الأمثل ..هي من تناسبك ..من تستحقها ...بجمالها ورقيها ..وسمعتها الناصعة"
ليهزها هادرا بغضب:
"كفي عن الانتقاص من نفسك ...سمعتك لن يحطمها إشاعات مغرضة... مهما قالوا عنك ..تظلين أنقى وأرقى واطهر فتاة عرفتها ..أنت زوجتي وحبيبتي ..انسي سارة ...لقد كانت مرحلة بحياتي وانتهت للأبد"
لتصرخ بصوت منكسر مشروخ وهي تغمض عينيها:
"بسببي ..تركتها بسببي "
ليترك يدها بعد أن شعر باستكانتها المجهدة ويضم وجهها بين كفيه وهو يقول بخفوت:
"أنظري لي هند ..أنظري لعيني ..حتى تعرفي أني صادق ولا أكذب عليك ...لم أفعلها يوما ..ولن ابدأ الآن "
لترفع عينيها المحمرتان النازفتان بدموع القهر ليقول بتأكيد وهو ينظر لهما بحزم :
"أنا لم أنفصل عن سارة وأطلقها بسببك ...سارة من طلبت الطلاق ...قبل حتى أن تعرف أو أخبرها بأمرك ..وهذا لا يعني أني كنت سأكمل معها ..فأنا منذ فترة كنت قد بدأت أشعر بخطأ ارتباطنا معا ..أتعرفين متى تأكدت من أني يجب أن انهي ارتباطي بسارة .."
لتنظر له بتساؤل ودموعها تنهمر بصمت ..فيميل برأسه ليستند بجبينه فوق جبينها وهو يقول بعاطفة :
"عندما وجدتني لا أراها كما أراك أنت ..كنت أحفظ تفاصيلك ..ماذا ترتدين ..كيف تصففين شعرك ..كنت انتبه لأي تغير في مزاجك ......بينما هي لا اذكر عنها شيئا ...تختفي من عقلي بمجرد ذهابها من أمام عيني. ...بينما أظل مشغولا أفكر بك أنت ..أتساءل هل وصلت منزلها بخير ...هل تضايقها نبيلة ... ومؤخرا بت أتساءل ... هل هناك من بات يشغل عقلها أو قلبها ..لأجد الفكرة تجعلني أضطرب ..وأختنق ..وأشعر بالرفض والنفور بل والجنون من مجرد تخيل أن يشغل بالك رجل ما دون أن أفهم سبب الحالة التي تعتريني ...يا الله كم كنت أعمى وغبي ..لقد كنت احبك دون أن أعي ..أغار عليك بلا فهم أو وعي ..أتتبع تفاصيلك بلا وعي ..أتعرفين أني أحفظ ملابسك قطعة قطعة ...بينما لا أذكر شيئا من ملابس سارة "
لترد بألم ساخر وهي تحاول إبعاد وجهها فلا يسمح لها:
"لأن ملابسي محدودة العدد ...أكرر ارتدائها كل يوم تقريبا...بينما هي لا تكاد ترتدي الثوب مرتين ..فلا تلحق أن تتذكره"
ليقول نافيا بابتسامة:
" بل لأني لم أهتم ..لم أشعرها امرأة تخصني رغم العقد الذي كان يربطنا .. لكنك كنت تخصيني رغم غبائي وعمى عيني ...كنت اشعر بالغضب من بنطالك الجينز عندما ترتدين فوقه البلوزة القطنية السوداء لأنها قصيرة وتفصل جسدك ...فأشعر بالاشتعال وأنا أتتبع نظرات المرضى من الرجال بالعيادة إن لاحظت عيني أحدهم تنظر لك ..وارغب أن أضربك وأمنعك ان ترتديها ثانية أو ترتدي هذا البنطال ..فهو يفصل جسدك بإثارة ..لتنظر له بذهول وهي تقول متعجبة بينما بدأت الدموع تجف بعينيها:
"إثارة!!! أنا؟!! هل أنت اعمي ..أم تحاول أن ترفع معنوياتي..إنني نحيلة كالعصا ..وجسدي أشبه بالصبيان .. وأيضا لست جميلة ..ولا أمتلك ..آآآ" لتخفض وجهها إحراجا ما أن انتبهت على ما كادت تقوله ...فيعيد رفعها وهو يقول بصوت مثقل بالعاطفة والإثارة:
"بل لديك جسد رائع . ...يشعل نيراني ...ولديك تضاريس أنثوية صغيرة ..مثيرة " لتتسلل إحدى يديه لتلامسها بتوق ..فتمر أصابعه على خدها مرورا بعنقها لتنخفض أكثر ملامسة مكامن الأنوثة بها:
لتنتفض خجلا وذهولا وتدفعه بعنف وتستدير لتفتح باب السيارة بارتباك وهي تصرخ به :" أيها الوقح القليل الأدب ...بل عديم الأدب ...أين أكرة الباب اللعين"
كانت تحاول فتح باب السيارة بفشل بإحدى يديها بينما تدفع يده بالأخرى وهي تصرخ به بينما كان هو يحاول منعها بينما ينفجر ضحكا ..لينفتح الباب أخيرا وتخرج منه راكضة ..ليلحقها بسرعة قبل أن تصل لجرس باب المنزل وتدقه ..فيديرها إليه وهو يضمها متجاهلا محاولاتها دفعه وسبابها له واتهاماتها بأنه وقح وغير مهذب:" ليقول لها بصوت ممزوج بالضحك والعاطفة:
"أنت زوجتي يا حمقاء ..لا يوجد شيء غير مؤدب فيما حدث "
لتتسمر لحظات بسكون ..وترفع له وجها غائما بالألم وهي تقول :
"لست زوجتك ..ما بيننا عقد فقط ..تم تحت ضغط الظروف ..وحتى لو كنت ..هل العقد يتيح لك أن تفعل ما تشاء ..لتضيف بتقطع وصوت خافت .."هل ..هل ..أقصد ...لقد كنت عاقدا أيضا على سارة .. اعني..."
ليقاطع ارتباكها بصوت جاد فقد رنة الضحك السابقة:
" ترغبين بمعرفة إن كنت تماديت معها كما أحاول أن أفعل معك بما أنه كان بيننا عقد أيضا ..أليس كذلك ؟!...لا هند ...لم أفعل .. أو أحاول ..أو أهتم "
لترفع رأسها إليه سائلة بتحسر:
"لأنك كنت تحترمها ..ولا تريد أن .........."
ليقطعها بغضب :
"بل لأنني لم أشعر ناحيتها بعواطف.. ولا رغبة كالتي أشعرها نحوك ..افهمي يا حمقاء ...المسألة لا علاقة لها بالاحترام ..نعم كنت احترمها ..لكني احترمك مثلها وأكثر ..لكني اكتشفت أني لا اشعر نحوها بعاطفة كالتي أشعرها نحوك ..كل جمالها لم يحرك قلبي ولا رغباتي كرجل ..لم استطع النظر لها كأنثى تثير رغباتي .. كما تثير حس الحماية بداخلي .. أنت.... أنت فقط من تثيرين بي كل شيء ..مشاعري كرجل ..رجل راغب بأنثاه .. وفى الوقت نفسه راغب بحمايتها ورعايتها ...راغب بان تكون هي وحدها شريكة حياته ..أم أطفاله ..أنا لا استطيع تصور أبناء لي ..إلا منك أنت "
لتخفض عينيها وتقول بتردد وخفوت :
"أرجوك أكرم أنت تربكني ..أشعر أني غير قادرة على التفكير .. لا استطيع التعاطي معك ..ولا فهم ما يحدث معي ..احتاج لوقت ......للتعافي... وللاستيعاب"
لتضيف وهو يقترب منها بينما تتراجع هي ..حتى التصقت بالجدار المجاور للباب بينما يحاوطها هو ... لا يكاد يفصلها عنها إلا مسافة اقل من عقلة إصبع :
"لقد تصورت ..أن زواجنا سيكون مجرد عقد مؤقت لمداراة الفضيحة و وبعدها بفترة ننفصل بعد أن .."
ليهدر بها بغضب رغم عدم ارتفاع صوته وهو يمسك كتفيها يضغطها بين كفيه:
"إنسي هند ...إنسي أن أتركك يوما ..أن أفك قيدك مني ...قد نكون تزوجنا تحت ظروف خاصة ..وقد تحتاجين وقتا لتخطي ما حدث ..كل هذا أعيه وسأمنحك الوقت الذي تريدين ...لكن بالنهاية كوني على ثقة أنك ستظلين زوجتي ...بعد شهر أو بعد سنة أو أكثر لا يهم لك كل الوقت لكن النهاية محسومة "
لتنظر لوجهه القريب بارتباك.... ورغم رؤيته للبريق اللامع بعينيها ..وشعوره بعاطفتها التي تحاول إخفائها ...إلا أنها ما زالت تعانده وهي ترفع رأسها لتقول بممانعة وتحدي :
"الأمر ليس بيدك وحدك ...ما زلت لا أصدقك ..واحتاج للوقت ..والتأكد انك تحبني ...لا مجرد شعور بالشفقة ظننته أنت حبا ...أو تعويض عن خطيبتك التي قررت تركك لا ادري لماذا ؟ لذا ..لا يوجد شيء محسوم "
لينظر لها للحظات قبل أن يقول بغموض :
"إذا لأمنحك شيئا يساعدك على التفكير "
لتنظر له بحيرة وقبل أن تفتح فمها لتسأله عن ما يعني كان يميل عليه مغلقا إياه في قبلة هي الأولى لكلاهما ...قبلة جعلت جسد كلاهما يختض بعنف المشاعر .. ورغم عدم خبرته وتخبطه وهو يتلمس شفتيها برقة كلمسة فراشه أولا...ثم تزداد قبلته عمقا ليبدأ بتذوقها على مهل ...يقترب بجسده منها حتى احتواها تماما دون أن يرفع فمه عنها ..يشتعل جسده اشتياقا فيضمها أكثر وأكثر ..بينما تنتفض هي بين يديه كعصفور صغير ..سمرتها المفاجأة للحظة ....ليتخبط قلبها بقوة وترتعش أطرافها... تكاد تفقد القدرة على تحريك أي منها ...كانت تنتفض من الداخل والخارج وتذوب بين يديه دون قدرة على منعه أو دفعه ..عقلها توقف عن العمل ..وقلبها يكاد يقفز من صدرها من قوة خفقانه ...قدماها أضحتا كهلام سائل ..ولولا الحائط خلفها ويديه حولها لسقطت أرضا .. تشعر بأنفاسها تختنق بصدرها حتى كادت تفقد الوعي لتشهق بقوة ما أن أبعد فمه وإن لم يبتعد جسده الملتصق بها .. يزداد ارتجافها وهى تسمع صوته اللاهث بالعاطفة يقول بخفوت مثير بينما يستند بجبينه على جبينها :
"آآآه يا الله ..كيف سأحتمل بعدك أكثر ..كنت انوي أن اترك لك وقتا كافيا ..خاصة مع اقتراب موعد سفري ..كنت سأدعك هنا لعدة أشهر حتى تنهي عامك الحالي وربما إن أردت أنت القادم أيضا ..وبعدها تنهي أوراقك لتكملي معي هناك العام الأخير لك ...لكن... لا أظنني سأحتمل بعدك كل ذلك..أنا احبك هند ..وأريدك ...يا إلهي ...لقد ظننت أني محصن ضد انفلات المشاعر والرغبات الحسية ...ظننت دوما آني قادر على تحجيم حواسي لتخضع لعقلي ...لكنك اثبت لي الآن أني مخطئ ..فانا معك أكرم آخر ...لا أعرفه ..كيف فعلت بي ذلك ..ومتى ...أحمد الله أني لم أكتشف سلطانك هذا على حواسي إلا بعد أن عقدت عليك "
لتحاول إبعاده بكف مرتعش وهي تدفع صدره بعيدا عنها بينما تقول بصوت متقطع مرتعش :
"أرجوك ...أكرم ..كفى ..ابتعد قليلا...هذا لا يصح ..لا يجوز ..أنا ...أنت ...نحن ...يكفي ..ابتعد"
ليمسك كفها وهو يقول بينما يميل ثانية ناحية فمها :
"صدقيني ..أنا غير قادر على الابتعاد"
لكنه اضطر للابتعاد ..بينما هي ألتفتت بخجل وقلق لتدق الجرس وتحاول تعديل هيئتها عندما سمعا صوت سيارة تدخل باحة البيت من الباب الذي تركه الحارس مفتوحا عندما دلف أكرم قبل قليل ..وما أن التفت أكرم ليرى القادم كانت الخادمة قد فتحت الباب لتدخل هند بسرعة ويتلفت ليراها تهرول دون أن ترد عليه ..ليتنهد بينما يمرر يده بشعره ..ويحاول مداراة ارتباكه ومشاعره المشتعلة ...ليهبط لملاقاة زوج أخته ..مخبرا إياه انه كان يوصل هند .....ويعتذر منه على عدم استطاعته للدخول ..لتأخر الوقت .. وهو يحاول أن يبدو طبيعيا أمام خالد ...لكنه يشعر أن حالته ومشاعره مكشوفة ..خاصة مع تلك النظرة الخبيثة بعيني زوج أخته ليتنهد براحة ما أن وصل إشعار لخالد على هاتفه ووجده ينظر له بتعجب ...فينسحب بسرعة لسيارته معتذرا تاركا خالد يحدق بتعجب بالرسالة التي وصلته ...
-------------------------

أخيرا استطاعت الدخول إليه ..طوال اليوم تكاد تجن حتى تصل لهذه اللحظة ...ارتدت الرداء المعقم والحذاء المخصوص ..وأغلقت الستارة المعدنية التي تعلو الحائط الزجاجي الذي يكشف الحجرة للزائرين بالخارج لتمنح نفسها الخصوصية معه ...لتقترب من جسده النائم ...تنظر له بعيون دامعة ..وتقرب الكرسي من فراشه لتجلس عليه ...تمد أطراف أصابعها دون قدرة على منع نفسها ..فتتلمس أطراف أصابعه الساكنة بجواره ...تناديه بخفوت وصوت مثقل بالمشاعر وهي تخبره بما يعتمل داخلها ...تعلم أنه لا يسمعها ..ولا يشعر بها ...لكنها كانت بحاجة للبوح ...بحاجة لإخراج مكنونات صدرها ...بحاجة لإخباره هو دون سواه بما تشعر به ...دون أن تخجل ..أو تخاف من ردة فعله ...تنظر لأصابعها التي تتلمس بخفر أصابعه للحظات قبل أن ترفع عينيها لوجهه الشاحب الساكن وهي تقول:
"الم تكتفي من النوم ...مرت أياما طويلة على نومك هذا ...قد يحسبها الناس والأطباء أياما تحسب بالساعات لكنها مرت علي كسنوات طوال ...أفق مدحت ..أفق أرجوك ...أفتح عينيك وانظر لي ...أنا احتاج لأرى عينيك لأسمع صوتك ...لا يهم ما ستقوله لي ..حتى لو كان كلاما جارحا ككلامك آخر مرة تحدثنا فيها ... فقط أفق وتحدث ... تحرك إبهامها برقة فوق يده محاذرة أن تمس إبرة الحقن .. والمشبك المتصل بجهاز رسم القلب ...تهذر بالكلمات التي تحكي له بها عن ما حدث طوال اليومين السابقين ...تخبره عن فك ارتباطها بأكرم ,,عن شعورها بعدم استطاعتها الإكمال معه بينما قلبها معلق به هو ...تخبره كيف شعرت بأنها لم تنسه يوما ما أن وقعت عينيها عليه بجوار المشفى ..كيف تموت رعبا وقلقا لنومه الطويل ..كيف تحتاج إليه ..كيف ستبقى بجواره حتى لو طردها أو رفضها ...تخبره أنها ستمنع أي أنثى من الاقتراب منه ..كما ستمنعه هو من الاقتراب من أي فتاة غيرها ...ستحاربه هو نفسه حتى تمنعه من النظر لغيرها ..لتميل على فراشه تستند برأسها على حافة الفراش بينما تضيف بإرهاق وخفوت :
"لن أتركك ثانية شئت أم أبيت ...لقد تأكدت انك تحبني ...رأيتها بعينيك وأنت تحميني ...سمعتها بصوتك وأنت تناديني قبل أن تغطيني بجسدك متلقيا عني طلقات الرصاص ..لا ادري لماذا فعلت ما فعلته معي سابقا لتبعدني عنك ...ولم تعد تهمني أسبابك التي لابد غبية مثلك لتعذبنا وتبعدنا سنوات عن بعضنا ...على كل لا يهم ...سأقتص منك ما إن تتعافى على كل الوقت الضائع ..بعد أن اعرف أسبابك التي لن تغير شيئا ...فانا أصبحت قدرك وأنت قدري..فقد اكتشفت أني لن استطيع أن أحب سواك ..ليخفت صوتها رويدا وتذهب بالنوم مستندة برأسها على حافة الفراش بينما تلف إصبعها السبابة حول إصبعه الوسطى كما لو كانت تبحث عن اتصال ما بينهما ..كانت مرهقة لدرجة لم تنتبه أو تشعر بتغير صوت الجهاز المتصل به والذي يقيس معدلات الاستجابة لديه ونبضاته ..لتفيق فجأة على دخول أبيها يتبعه الممرضة والطبيب المناوب لينظر لها بعتاب ولوم بينما يطلب منها أن تخرج من الحجرة ليتم فحص المريض لترفع عينيها إليه بارتباك وجزع فتجد عينيه نصف مفتوحتين ورغم ذلك تحدقان بها ... لتلاحظ حركة ضعيفة لوسطاه على سبابتها ...قبل أن تسحبها يد والدها فتضطر للخروج ..لكنها تتلكأ قليلا لتنظر إليه بعيون دامعة لتجد عيناه معلقة بها بينما تسمعه يقول بضعف وحشرجة أنه يشعر بالعطش ..لتنتبه لنظرة والدها الزاجرة لها فتخرج بسرعة ...
ظلت ما يزيد على الساعة تنتظر خارجا ...بينما ترى انضمام المزيد من الأطباء للداخل ...قد لا تكون طبيبة لكن عملها هنا اكسبها الكثير من الخبرة ..تعلم أنهم يخضعونه حاليا لفحوص عدة لتحديد مدى الضرر ...كما لابد أنهم سيقومون بعد قليل بالتصوير الإشعاعي خاصة مع وضع الرصاصة الموجودة بظهره والتي يتخوفون منها ....كانت تروح وتجيء في الرواق بقلق ..ورغم معرفتها أن أبيها سيغضب لبقائها... لكنها لم تكن قادرة على الابتعاد ...لترتكن للحظات على الجدار المقابل لباب حجرة الرعاية قبل أن تعتدل ما أن رأت بابه يفتح ..والجميع يخرج ما عدا الممرضة ...كانوا يتناقشون معا لتجد قدماها تأخذها بقربهم كما لو كانت مسيرة ..ليلمحها أبيها فيقترب أخذا بيدها ساحبا إياها بضع خطوات للخلف بعيدا عنهم وهو يقول من بين أسنانه:
"سارة ما تفعلينه لا يصح ...أنت تعرضين سمعتك وسمعتي للقيل والقال "
لتنظر إليه بتوسل وعيون دامعة وهي تقول باعتذار:
"آسفة أبي سامحني ...لكن أرجوك ..لا تطلب مني الذهاب ....أرجوك "
ليزفر بضيق بينما يقول :" لقد ناداني قبل أن نخرج وطلب مني أن اقترب منه وهمس لي برغبته برؤيتك ...لقد فوجئت بكونه يعرف أني والدك ..لا ادري إن كان تذكرني من الدقائق الأخيرة قبل الحادث ...أم كان يعرفني مسبقا ...على كل لا يهم ...لابد أن أسرته سيحضرون مبكرا ما أن نبلغهم بإفاقته ...لذا يمكنك أن تذهبي لرؤيته الآن ..وبعدها أريدك أن تبتعدي تماما سارة..لا أريد أن يلمحك أحد أفراد أسرته بجواره دون وجه حق ..ولا أريد جدالا أو مناقشة في الأمر ..وإلا لن اسمح لك برؤيته " لتتنهد بعمق وضيق وهي تومئ برأسها باستسلام قبل أن تسأله بخفوت عن حالته:
"ليقول مطمئنا ..لحسن الحظ أننا اطمأننا على كون الرصاصة التي بالظهر لم تؤثر بشكل كلى على إحساسه بكامل الإطراف ...فيديه لم تتأثر ..كذلك مراكز الإحساس لديه ما عدا الساقين .....فهو فاقد للإحساس بهم بشكل كلي ولن نعرف مدى الضرر قبل التصوير الإشعاعي ...ارجوا أن لا يكون أصيب بشلل كامل بهما ..لتلتمع عينيها بعزم وهي تقول ...


"بإذن الله سيكون بخير" ...لتضيف بداخلها ..واقسم حتى لو أصيب بالشلل فلن اتركه ..مهما فعل ..لتزدرد لعابها بينما تسأل أبيها بقلق :
"هل علم بوضعه ...و...بحالته "
لينظر لها أبيها بعمق للحظات قبل أن يومئ مؤكدا وهو يقول:
"لقد أصر على معرفة وضعه بالتفصيل ...وهو يعي أن هناك احتمالية كبرى لإصابته بالشلل ...وأنه بجميع الأحوال سيخضع لجراحة خطرة لإزالة الرصاصة التي بظهره ...لكنه رفض أن نقوم بالاتصال بأسرته الليلة وطلب أن يتم الاتصال غدا صباحا وبأشخاص محددين قال انه سيخبرنا عنهم لاحق " والآن اذهبي وسأنتظرك بمكتبي... ولا تتأخري مفهوم"
فتهز رأسها بينما تتحرك باتجاه الحجرة يكاد قلبها يسابق خطواتها ....ما أن دخلت إليه حتى لاحظت أن الممرضة سعاد تمرر قطنه رطبة بالماء على شفتيه لترطيبها ...لتقترب منها وهي تقول بهدوء :
"سعاد اذهبي لتستريحي قليلا وسأبقى أنا معه وسأستدعيك بمجرد خروجي " لتنظر لها سعاد وتهز رأسها بإيجاب وقبل أن تتحرك للخروج أخبرتها بهدوء:
"سأكون بحجرة التمريض آنسة سارة ..فقط اطلبيني من الهاتف الداخلي بالرواق وسأكون عندك" ..لتخرج بعدها مباشرة تاركة إياها معه ...
كانت تهرب بعيناها من عينيه التي تناظرها بحدة وملامح مقطبة رغم شحوبه ..لتسمعه يناديها بصوت مجهد لكنه حازم:
"سارة ..اقتربي واجلسي على الكرسي بجواري فانا ارغب بالحديث معك"
لتقترب وتجلس كما طلب ..ورغما عنها وجدت عيناها تسترق النظرات لوجهه لتقع اسيرة نظرته اللامعة بعينيه العسليتين اللتين وقعت أسيرة لهما منذ النظرة الأولى قبل سنوات ..ويبدو أنهما ما زالتا قادرتين على أسرها لتسمعه يسألها:
"كيف حالك سارة ..هل أنت بخير؟ ..هل أصابك شيء أثناء الحادث؟!"
لتهز رأسها نفيا بينما تجيبه:
"لا ..لقد حميتني بجسدك ..لم اصب إلا برضوض بسيطة نتيجة السقطة وقد تعافيت تماما خلال الأيام السابقة"
ليزفر بارتياح ..بينما يسألها بقلق عن إن كانت الشرطة قد أمسكت بهم.. وإن كانت تعرفهم وتعرف لما حاولوا اختطافها مع أبيها ...لتطمئنه بان الشرطة أمسكت بهم وأنها لا تعرفهم شخصيا لكن تعرف من ورائهم وأن بالأمر قصة طويلة ستحكيها له فيما بعد ...لتسأله إن كان يريد منها أن تتصل بأحد من أسرته ..ليجيب بالنفي قبل أن يسألها إن كانت تعرف من يحضر لزيارته ومتى يحضرون عادة:
لتقطب من السؤال بينما تجيبه:
"نعم اعرف ...شقيقتك تحضر كل يوم ..وتبقى من الصباح من حوالي الساعة التاسعة تقريبا وحتى المساء ...ورغم أن الزيارة ممنوعة إلا للحظات بسيطة بمنتصف النهار لكنها تصر على المجيء والبقاء ..ووالدتك تحضر بمنتصف اليوم وأحيانا يحضر معها رجل يبدو من معارفكم أو أقاربكم يبدو مهيبا وترافقه حراسة خاصة "
ليقول بتساؤل"خالد؟" بينما بداخله يكاد يجزم بهوية الشخص الذي تتحدث عنه سارة ..وهو بالتأكيد ليس خالد ...لكنه أستمع
لردها النافي :
"لا ....ليس خالد فأنا اعرفه جيدا فهو زوج همس شقيقة أك..."
لتصمت متداركة بينما ترفع عيناها إليه بارتباك لتجده يحدق فيها بحدة بينما يقول ببرود:
"لماذا صمت ..تعرفينه جيدا لأنه زوج شقيقة زوجك " لترد بنفي متسارع
" ليس زوجي" فيقول بسخرية مريرة :
"عفوا ..اقصد خطيبك ..ولو أن الأمر قريب ..فقد علمت أنكم معقود قرانكم"
لتهز رأسها بنفي وهي تقول ..لا لم نعد ..لقد طلبت منه أن ننفصل ..وهو قد وافق ..وأنهيت ارتباطي به"
ليرد بذهول:
"ماذا؟!! . ...لماذا؟! ..اعني متى؟ ..أقصد ما السبب؟ "
لتقول بتحدي بينما تنظر لعينيه :
"لأنني لا استطيع أن أكمل ارتباطي برجل ..وأنا ما زلت متعلقة برجل آخر"
لينظر لها للحظات قبل أن يقول ساخرا رغم شعور الراحة والسعادة الذي اكتنفه ما أن علم بكونها صارت حرة:
"ومن هو هذا الذي ظهر فجأة وجعلك تتعلقين به في عدة أيام ...فحسب ما عرفت أنت ارتبطت بهذا الطبيب من عدة أشهر ..وكان قلبك خاليا "
فتجيبه بتأكيد " لا لم يكن خاليا ..لكنى ظننته كذلك ... ظننتني نسيته ..لكن أحمد الله انه ظهر أمامي بالوقت المناسب .. لأكتشف من مجرد نظرة إليه أني لم و لن أنساه يوما ...ولم أكن لأظلم رجلا رائعا كالدكتور أكرم بالارتباط بفتاة قلبها معلق بآخر ..فهو لا يستحق خيانة كتلك "
ليرد عليها مدحت باستهزاء قائلا:
"ألا ترين انك تسرعت ...ماذا لو كان من تظنين نفسك ما زلت تحبيه لا يحبك ..أو ارتبط بغيرك ..أو لا يرغب بالارتباط بك"
لتنظر له بتركيز وترفع حاجبها بسخرية وهي ترى عينيه تتهرب من عينيها فتجيبه بتأكيد حاسم:
"لا لم أتسرع ... لترتكن بكوعيها على ركبتيها وتستند بوجهها بين كفيها وهى تضيف: "وأنا واثقة من مشاعري ناحيته ..ومشاعره ناحيتي رغم انه أحمق وما زال يعاند ويكابر ويتفوه بالحماقات ...لكن حتى لو لم يرد الارتباط بي ..لا مشكلة "
ليقطب بعدم فهم وهو يسأل :
"لا مشكلة؟؟؟ ألا تهتمين؟" لتنظر له بسخرية وهي تقول:
"بالتأكيد اهتم ..ولا أقصد بلا مشكلة أني لن ارتبط به ...بل سأفعلها حتى لو لم يوافق"
ليجد نفسه يبتسم مرغما وهو يسألها بفكاهة:
"هل ستقيديه وتسحبيه للمأذون ..أم ستسقيه شرابا اصفرا حتى يتزوجك مرغما"
فتبتسم برقة وهي تنظر له بهيام وتقول:
"بل سأحاصره بحبي... وأطارده بمشاعري ..والتصق به حتى يضطر للزواج مني ليتخلص من مطاردتي له"
لتطل من عينيه نظرة عشق لم يستطع السيطرة عليها رغم تعبه وألم رأسه المتزايد ..الذي يكاد يدفعه لإغلاق عينيه ..لكنهما ظلا يحدقان بأعين بعضها للحظات قبل أن يتدارك الموقف ويقول بجدية:
"سارة ...لن أراوغ أكثر ..نعم أنا أحبك ...لكني لا استطيع الزواج بك" لتقاطعه غاضبة وهي تقول بنزق:" إياك أن تستخدم أسلوب الأفلام وتلك الكلمات التافهة عن كونك ستصير معاقا ولا تريد أن تظلمني معك ..و "
ليقاطعها قائلا:
"رغم أن هذا سبب مهم ..لكنه ليس السبب الوحيد...سارة أنا ارفض الزواج ..فكرة الزواج تخنقني ..تخيفني ..حتى لو كنت سليما معافى ..دوما عرفت أنني لن أتزوج يوما ...لن أدخل لتلك المؤسسة الكريهة حيث يموت الحب ..وتبقى الأحقاد ويتعذب الأبناء ...لهذا ابتعدت عنك سابقا ..علمت انك تريدين الزواج والأبناء ..وهي أشياء لن استطيع أن أحققها لك ...رغم عشقي الكبير لك وقتها والآن .. لكني لا استطيع تغيير قناعاتي"
لينظر لها منتظرا ردها فتفاجئه بقولها:
"ما أن نعرف تفاصيل حالتك غدا بعد الفحص الإشعاعي ..ستطلب يدي من أبي ..وتصر على عقد القران قبل موعد عمليتك ..أيا كان وضعك ومهما حدث غدا ومهما قال الطبيب ..لن تدخل غرفة الجراحة إلا وأنا زوجتك ...هل فهمت مدحت ...أما عن كلامك التافه ..وجبنك الذي يبدو ناتجا عن عقدة ما ...فانا كفيلة بحل كل عقدك لاحقا "
لينظر لها بذهول وهو يقول " هل جننت سارة ..ما هذا الذي تقوليه ..ماذا حدث لك ..أين ذهبت سارتي الذهبية ....تلك الفتاة الرقيقة الخجول التي كنت أعرفها "
فتقترب من وجهة وهي تقول " سارتك الذهبية أكتفت من جبنك وتخاذلك ..ولن تسمح لك بالهرب ثانية وإضاعة الباقي من عمرنا .... بل ستلتصق بك كالغراء شئت أم أبيت و آه قبل أن أنسى ... لتقترب من وجهه وهي تقول بتحذير ...لو رأيتك تنظر بعينيك لفتاة أخرى سأقتلعهم لك ...عصر تفلتك وأيام انحلالك انتهت ..والآن قبل أن أذهب ..هل تريد شيئا مني ..فأبي بانتظاري" ..ليقول لها بعد لحظات من الصمت الذاهل " لم ننهي حديثنا " فترد عليه بعناد:
"أنا أنهيته ولا مزيد عندي "
ليقول بضجر وحدة " سارة أفهمي أنا ...."
فترد مقاطعة إياه وهي متجهة لباب الخروج:
"لن افهم شيئا أنا خارجة "
فيناديها بحدة "سارة سنؤجل الحديث حاليا لكني لن أغير رأيي ... حاليا أريد منك خدمة "
لتلتفت إليه وهي ما زالت واقفة عند الباب بينما هو يتابعها بعينيه وهي تتكتف منتظرة ما سيقول:
"ليزفر بضيق ويقول بصوت ظهر به الإجهاد واضحا ..
"أريدك ان تهاتفي خالد وتجعليه يحضر لي باكرا ..وأكدي عليه أن لا يخبر أحدا ..واخبريه أني أريده أن يُحضر معه سامح قريب زوجته ..فانا أريده أيضا ..أريدهما هنا مبكرا جدا ...قبل حضور أي زائر آخر ...ولا تخبروا أحدا آخر بإفاقتي ..هل يمكن أن تفعلي ذلك " لتنظر له للحظات قبل أن تومئ برأسها وتتركه خارجة فيستكين هو برأسه مستسلما للألم والإجهاد الذي كان يقاومه طوال فترة وجودها ..لكنه يشعر به يتزايد ...وما أن رأى الممرضة تدخل بعد دقائق حتى طلب منها بخفوت إعطائه مسكنا ما يساعده على النوم ...فهو سيحتاج لكامل تركيزه غدا "

----------------

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
قديم 09-09-18, 02:41 AM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2009
العضوية: 121032
المشاركات: 242
الجنس أنثى
معدل التقييم: سيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداعسيمراء عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 331

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سيمراء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سيمراء المنتدى : رومانسيات عربية
افتراضي رد: رواية ، خلف أقنعة الذكريات ،الجزء الثاني من سلسلة خلف الأقنعة ،بقلم رغيدا المصرية

 

الفصل العشرين

يهتف باستنكار وبتعجب..."هل أنت مجنون ...ما هذا الذي تقوله ...أي زواج هذا الذي ترغب أن نسارع به ...وتريده اليوم ...هل أثرت الإصابة على عقلك"
ينظر لوجه ابن عمته الساكن بغموض ليراه يسبل عينيه كما لو كان يريحهما ..فيصمت للحظات هو الآخر بينما يفكر بما حدث منذ استيقظ على رنين هاتفه ...و كيف سارع للمشفى ما أن تلقى اتصال سارة ..ورغم تعجبه من كونها هي من هاتفته ...ليزداد تعجبه من الطلبات الغريبة التي نقلتها له من مدحت حول طلب مجيء سامح معه وعدم إخبار أحد ...إلا أن سعادته وشعوره بالراحة لإفاقة ابن عمته طغت على كل ما عداها ...لقد تناسى تعبه الجسدي نتيجة غفوته الغير مريحة على أريكة غرفة مكتبه ...ليسارع بالذهاب للمشفى مع خيوط الصباح الأولى فور تلقيه الاتصال غير عابئ حتى باستبدال ملابسه التي يرتديها من اليوم السابق ..واكتفى بإنعاش نفسه بسرعة بالحمام الملحق بمكتبه بالمنزل وأداء صلاة الفجر ...ليخرج بعدها دون أن يخبر أحدا حتى أمه ...لقد هاتف سامح وهو بالسيارة وأيقظه طالبا منه اللحاق به بالمشفى دون إعطائه تفاصيل أخرى ..وكيف يُفهمه ما لا يفهمه هو...ولحسن حظه يبدو أن سامح لم يكن قد استيقظ تماما ليسأله عن الأسباب و سارع هو لإغلاق هاتفه تماما ...فلم يكن يريد أي اتصالات تشتته حتى يفهم ما يحدث ...وخاصة تلك الإشعارات المتكررة من حبيبته الحمقاء التي تستخدم أسلوب أنثوي لا يليق بها بل يشبه طرق المراهقات ...فهي ترسل له كل فترة أغنية ما تعبر عن رغبتها بمصالحته ويبدو أنها تعشق شادية ..فهي ترسل له فيض من أغانيها فمرة أغنية (وحياة عنيك )ومرة (مخاصمنى بقاله مدة ) و ( أصالحك بأيه ) لقد جُنت زوجته!!! ...لكنه لا ينكر سعادته بجنونها هذا ... لكن لو كانت تظن انه سيلين ويسامحها لمجرد بضع أغنيات فهي واهمة ...فهو رغم شوقه إليها الذي يؤلمه أكثر منها ...وتلك النظرة الكسيرة بعينيها والتي توجعه بقوة ...ورغم أنه لم يرغب أو يظن أنه يوما سيكون سببا لذرعها بعتمة الليل بحدقتيها التي يعشقهما ...لكن همس تمادت جدا ..ولابد أن تتعلم درسها للنهاية ...يجب أن تفكر قبل أن تلقي الكلمات جزافا ...فبعض الكلمات تجرح جروحا يصعب أن تُشفى أو تُنسى...
ليخرجه من شروده صوت مدحت المنادي له بنزق ..ليعود بنظره لهذا الراقد أمامه ...وهو يزفر بعمق وضيق مذكرا نفسه بان مشكلة ماهي أهم حاليا من مشاكله مع رعنائه القصيرة.. ليسمع مدحت يسأله:
"أين سامح شقيق زوجتك ..ألم اطلب منك أن تحضره معك؟"
ليقطب خالد بينما يسأله بتوجس:
"وهذا الأمر أيضا لا أفهمه ...لماذا تريد رؤية سامح ...لا أظنكم أصدقاء ...أظنك لم تلتقيه سوى مرة واحدة أو ما شابه ...فلماذا تريده؟!!"
ليرد مدحت بغموض :
"لقد استرحت له كثيرا ...وأرغب بأن نكون أصدقاء ..ألم تطلب مني دوما البعد عن أصدقائي الفاشلين حسب رأيك ...واختيار أصدقاء جيدين ...أم لا تظن أن سامح جيد بما فيه الكفاية ؟!!"
لينظر خالد لمدحت بتمعن يحاول سبر أغوار عقله ...فكلامه ورائه سبب ونية ما ..و يحمل أكثر من مجرد سؤال عابر...إن ما يقوله لا يقنعه مطلقا ...بل لا يقنع حتى طفلا صغيرا.. فلا الوقت ولا المكان مناسب لعقد صداقات جديدة ...ليعاجله مدحت بتغيير الموضوع وهو يقول :
"خالد .. ...عاصم لن يرتدع ..وأمي لن تستسلم ...سيضغطون على ماهي بقوة وسنجدها متزوجة من هذا الحقير قبل أن نحرك ساكنا ...صدقني اعرف أمي جيدا ...إن لم تأتي المهادنة والمحايلة بنتيجة لإقناع ماهي فستبدأ بالضغط بكل قوتها حتى لو ابتزت مشاعرها لها وخوفها عليها ...ستستخدم موضوع الدين ...والخوف من السجن والفضيحة ...وماهي مهما أبدت رفضا أو صلابة بالمواجهة إلا أنها شديدة الحساسية ...وحبها لأمي قوي رغم ما يشوب علاقتهما من توتر و خلافات مما سيجعلها تستجيب لها بالنهاية ...فأمي قادرة على استدرار شفقتها وخوفها عليها ...لديها أساليب ناجحة صدقني "
ليمرر خالد يده بشعره بضيق وهو يرد على مدحت بغضب مكبوت:
"كنت أظن أني بعد أن أفشلت هدفه بالتسلل لأعمالي ومشاركتي بالمجموعة ....سيصرف نظر عن موضوع الزواج ...لأفاجئ بوالدتك أمس تهاتفني لتبلغني برغبته بتعجيل الخطبة وعقد القران ...حتى قبل أن تستفيق أنت من غيبوبتك ..متحججة بحاجتها له لمساندتها وماهي في وضعك المرضي" ...ليشخر بسخرية وهو يضيف ...أمك تخيرني بين أن أتزوجها أنا أو تُزوجها للحقير "
لتلتمع عيني مدحت ..بينما تلتقط أذناه صوت فتح الباب الذي يعطيه خالد ظهره ليسارع بالقول بتعمد : "الحماية الوحيدة لماهي حاليا ستكون زواجها وبسرعة كما قلت لك .. ... فإما أن تتزوجها أنت خالد ...أو توافق على أحد المتقدمين لها ...ممن تثق به ...بشرط أن يتم الأمر فورا ...ودون معرفة أمي "
للتتسع عين كلا من خالد وذلك المتنصت دون قصد بجوار الباب .... والذي فقد قدرته على الاحتمال ما أن سمع جملة مدحت ... ليقتحم الحجرة بغضب وهو يقول ثائرا ...ما هذا الذي تقوله ...خالد متزوج من أختي ..وإن كان هناك من سيتزوج ماهي فسيكون أنا ..وأنا فقط "
لينظر له مدحت بمكر وهو يخفى بسمته بينما يرد عليه بعد لحظات مدعيا التفاجؤ:
"مرحبا سامح ...تفضل"
...ليضيف بتساؤل ماكر" هل ترغب بالزواج من شقيقتي حقا ؟!...أم فقط لتمنع زواجها من خالد ؟!!!..أممممم.. أظنك فقط راغب بمنع زواجها من خالد لأجل شقيقتك ...آسف أنا لن أزوج أختي إلا لمن يرغب بالزواج منها فعليا"
ليقاطعه سامح ثائرا باستنكار :
"وهل خالد راغب بالزواج منها فعليا؟!!!" ليرد مدحت ببداهة :
"ربما لا ...لكنه ابن خالها مما يمنحه أفضلية بالظرف الحالي ...كما انه الأكثر قدرة على حمايتها ....وهو لن يهنها يوما ..وسيرعاها إن لم يكن لشيء فلصلة القرابة بينهما "
لتزداد وتيرة أنفاس سامح سرعة بينما يحمر وجهه وهو يحاول التحكم بغضبه بينما يرد بحدة وصوت بات:
" أنا قادر على حمايتها ...وليكن بعلم كليكما ...لن يتزوجها غيري"
ليرد خالد بصوت مهدئ بعد أن رمق ابن خالته بنظرة لائمة ..وقد فهم لعبته أخيرا:
"اهدأ سامح ...للأسف زواجك من ماهي أمر صعب الحدوث ...على الأقل في الوقت الحالي ...فسامحني إن رفضت زواجك منها "
ليستدير إليه سامح هاتفا بجنون غاضب :
"ماذا تعني ؟ هل ترفض لكونك تريديها لنفسك؟!! ...أم لأنني فقير ولا أليق بنسب عائلتكم العظيمة ؟؟!!"
ليغمض خالد عينيه ويضغط على نواجذه بينما ينتفض العرق بجانب فكه غضبا وهو يدمدم "
"غبي وأحمق ومتسرع كشقيقته ...فلما أتعجب!!"
ليزفر محاولا تمالك نفسه قبل أن ينظر للثائر بجواره قائلا بهدوء لا يشعر بشيء منه داخليا:
"سامح ....أنا لن أحاسبك على كلماتك الغبية هذه الآن ...ولن اقبل تلك الاتهامات ...ماهينار كانت وستظل دوما كشقيقة صغرى لي ...لكننا نعاني من وضع صعب ...لا تعرف أنت عنه شيئا ..ولا يخصك من قريب أو بعيد "
ليكتف سامح ذراعيه بينما يقف فاتحا ساقيه وهو يقول بتحفز :
"عفوا ...أنا أختلف معك ...الأمر يخصني تماما ...فمن ناحية أنا راغب بالزواج منها ..ومن أخرى لن اقبل بان تتزوج على أختي ...لذا أيا كان الوضع ...فأنا جزء منه ولابد أن أعرف كل شيء "
ليقاطع رد خالد الحاد صوت مدحت المتابع للحوار باستمتاع يحاول إخفائه وهو يقول بادعاء تردد وجدية:
"بشمهندس سامح ...أعرف أننا لا نعرف بعضنا جيدا ...لكن صدقني نسبك يشرفني ويسعدني جدا ..ولولا الوضع الدقيق الذي نتعرض له لقبلت بك فورا ...فلن أجد لماهي زوجا أفضل ...لقد سمعت عن نجاحك بعملك وإخلاصك وبطولتك بمواجهة تلك العصابة التي كانت تحاول سرقة وإفساد مشاريع ابن خالي ...لكن المشكلة أننا هنا أمام رجل يريد الزواج من شقيقتي وهو ليس برجل هين ... فلديه علاقات متشعبة بأشخاص نافذين ، كما أنه للأسف يمتلك ضدنا بعض أوراق الضغط القوية التي تضعنا في موقف ضعف أمامه"
ليكمل خالد قائلا بمهادنة وهو ينظر لملامح سامح المتحفزة برفض :
"سامح صدقني زواجك بماهي أمر سيسعدني جدا .. لكن للأسف حدوثه حاليا قد يعني أننا نضحي بك ...فعاصم قادر على إيذائك دون أن يرف له جفن ...أو يثبت عليه شيء ..أضعف الأمور هو يقدر على تلفيق تهمة ما لك ... تلقى بك بالسجن لسنوات طويلة ..وصدقني مثله لا ضمير ولا خلق يردعه على فعل شيء ...لذا أنا ارفض,,,لن أعرضك للمزيد من الأذى بسبب عائلتي ...يكفي ما نالك بسبب عملي"
ليهتف سامح باستنكار غاضب:
"أتظنني سأخاف؟! ..أو أتراجع بعد كلامك هذا ...للعلم إن كنت راغبا بزواجها قبلا فقد أصبحت الآن أكثر تصميما ولن يردعني شيء ...وأريد أن اعرف الآن ما هي تلك الأمور التي يمسكها عليكم هذا ألعاصم ...ليس لأن الأمر أيا كان سيغير رأيي.. بل فقط لأعلم ولا أتفاجئ بأي شيء "
ليتبادل كلا من مدحت وخالد النظرات أحدهما يحمل بداخله سعادة ورضا.. والآخر قلق وخوف ليجيب مدحت بمواربة:
"رغم أن الموضوع شخصي ومحرج لكن بدون تفاصيل يكفي أن تعرف أن هذا الحقير عاصم خدع أمي ... واستطاع إدخالها ببعض المشاريع الوهمية وجعلها تخسر ليس فقط ثروتنا كاملة ...لكن أيضا ورطها بديون كبيرة جدا ...ليساومنا بعدها على زواجه من شقيقتي مقابل اعتبار الديون مهرا لها ..وللعلم ..ماهي لا تعرف شيئا عن أمر خسارة ثروتنا و الديون بعد ...فقط هي تعرف برغبته بالزواج منها ...لكنها تظنه مجرد متقدم سمج لا يقبل بالرفض ..ويعتمد على موافقة أمي التي تظنها موافقة لكونه رجل غني ذي منصب مرموق "
لتتسع عيني سامح غضبا ويهدر بحمية:
"الحقير ..أيظن انه سيتزوجها وفاء لدين تسبب به هو ..ويجعلكم تخضعون لابتزازه ..لا وربي لن يحدث ولو قتلني الأمر - ليضيف بتصميم - مدحت أنا راغب بالزواج من شقيقتك والآن فورا ...لو لم يكن لك علي اعتراض ..وخاصة على ظروفي الاجتماعية ووضعي ...فأنا مجرد مهندس بسيط لا املك مالا أو جاها ..وربما لا أتناسب مع أوساطكم الرفيعة ..لكني أحب شقيقتك ..وسأحميها بحياتي" ..ليقاطعه صوت شهقة ناعمة فاجأتهم جميعا لينظروا لتلك المتسمرة قرب الباب وعينيها معلقتين بسامح بذهول ...

كانت تنظر له بدون تصديق وهي تسمع طلبه ليدها ..بل ويصارح أخيها وابن خالها بحبها ...تشعر بقلبها يكاد يقفز من صدرها من شدة السعادة ...لم تتخيل وهى قادمة إلى هنا بنفسية حزينة وقلب قانط ..خاصة مع شجارها مع أمها صباحا قبل قدومها بخصوص هذا ألعاصم ...أن تتلقى مفاجئتين كلاهما أكثر سعادة من الأخرى ..إفاقة شقيقها وانتقاله لحجرة عادية ...وطلب سامح ليدها ...لقد جاءت ملهوفة تجري ما أن أخبرتها إحدى الممرضات برقم غرفته الجديد بعد أن كادت تفقد عقلها رعبا عندما فوجئت بعدم تواجده بالرعاية ...لتجد الباب مفتوحا وتستمع لسامح يطلب يدها ..لتجد نفسها ترفع يدها من فوق فمها بينما تهمس له بتساؤل :
"حقا سامح ؟!! أتحبني حقا؟!!"
لتراه يقترب منها دون أن تحيد عيناه عن عينيها التي غامت بالدموع لتسمع كلماته التي جعلت خافقها ينتفض وداخلها يغرد بسعادة :
"وهل لديك شك بهذا ماهي؟! أظن جميع أهل الأرض أصبحوا يعلمون أني عاشق لك ...متيم بعينيك الرائعتين ...اللتين تشبهان حبات الفول الناضجة التي تلتمع بعد أن يضيف لها عم عبده قطرات الزيت ..قبل أن يهرسها "
لتتسع عينيها ذهولا من غزله الرهيب الذي لا تظن أن هناك من نالت مثله قبلا... قبل أن يخرجها من حالتها صوت ضحكات مدحت القوية وخالد الهادئة وهو يضرب كفا بآخر بينما يقول:
"سامح ..بعيدا عن كون مغازلتك لها أمامنا أمر غير لائق ...لكني سأتجاوز الأمر هذه المرة... ونصيحة مني ...لا داعي لتعيدها فأنت فاشل تماما بالغزل يا صديقي ...فول؟؟!!! هل هناك رجل يشبه عيني حبيبته بالفول ؟!! أنت أحمق وأغبى مما تخيلت ... رغم ذكائك كمهندس لكن يبدو انك تحتاج الكثير من التعلم في فنون الغزل ..وأنا من كنت أظنك دون جوان عصرك "
ليلتفت له سامح متخصرا وهو يقول بنزق :
"وما به الفول أيها المرفه ..لعلمك أنا اعشقه ..ولا استطيع بدء يومي إلا بعد أن أتناوله ...فهو يمنحني إشباعا وطاقة ليوم كامل ...أم سيكون الغزل لائقا أن شبهت عينيها بالكراميل مثلا رغم أني لا أحبه"
ليتنحنح مدحت محاولا إخفاء ضحكاته وإعادة المحادثة لنصابها بقوله:
"عفوا شباب ... هذا لا يهم الآن ...بإمكاني أن أعطيه دروسا لاحقة بموضوع الغزل اللائق هذا "
ليرد عليه سامح باستنكار :
"ماذا؟!! ..أنا لا احتاج لمن يعطيني دروسا بالغزل ..ليعتدل بوقفته ... بينما يسوى ياقة قميصه بزهو وهو يضيف ..فانا خبير به "
ليشحب وجهه ويظهر الارتباك جليا على ملامحه مع صرخة ماهي المستنكرة بغضب وهى تقول :
"ماذا؟؟ أعد ثانية ما تقول !!... واشجيني سيد سامح بمآثرك بالغزل ..يا كزانوفا عصرك وزمانك "
ليقول بارتباك وتردد :
"لا ..ليس كما فهمتي ..أنا اقصد " ليقاطعهم مدحت بنزق فعلي وهو يقول بحدة :
"أرجوكم لندع تلك التفاصيل التافهة الآن ونعد للمهم ...ماهي... سامح طلب يدك للزواج ...وطبعا تعلمين أن أمي سترفض لأنها ترغب بتزويجك من عاصم ...أنا موافق علي سامح ..بينما خالد قلق خوفا من رد فعل كلا من أمي وعاصم ..ويخشى أن لا تستطيعا تحمل الضغوط اللاحقة "
لترفع رأسها بكبرياء بينما تقول بشجاعة أثرت في المراقبين لها خاصة هذا العاشق المترصد لكل ما تقول :
"أنا لا أخشى شيئا ..وإن كان سامح راغبا بالزواج مني وغير مهتم بما يمكن أن يحدث لاحقا من مشكلات ..فانا سأكون مساندة له "
ليهتف مدحت بحبور متجاهلا زفرة خالد و ملامحه القلقة :
"إذا خير البر عاجله ...حتى نستبق أي رد فعل من أمي أو عاصم ..وخاصة أني ارغب بالاطمئنان عليك قبل موعد عمليتي ...فقد اخبرني الأطباء بضرورة الإسراع بها والفريق الجراحي الألماني سيصل غدا ...وعلى الأغلب سأجريها باليوم التالي أو الذي يليه على أقصى تقدير .. لذا أفضل لو نعقد لكم فورا ..حتى قبل معرفة أمي بإفاقتي :
"ليقطب خالد بقوة وهو يقول باستنكار :
"كيف فورا ...الأمر يستدعي إجراءات وأوراق وتحاليل " ليقاطعه سامح بلهفة:
بل يمكن ...أعرف شخصا بالمحكمة سيساعدني بالأوراق ...ومأذون حينا يعرفني وأسرتي ويمكن أن يعقد فورا ونكمل له أي نواقص لاحقا ... كما أن أخي أكرم سينهي مسالة التحليل بسرعة وهنا بالمشفى "
كان ينظر لماهي بتلهف دون أن ينتبه لملامح خالد المنقبضة بقلق ..وامتعاض مدحت ما أن أتي بذكر أكرم ...الذي يبدو أنه يملك حاسة سادسة جعلته يدلف للحجرة لحظتها ...ليحييهم جميعا بهدوء ... بينما ينظر بتعجب لسامح ويسأله عن سبب تواجده مبكرا ..ولما لم يمر عليه أو يخبره بوجوده ..ليستأذن سامح منهم بينما يجر أخيه المتعجب للخارج وهو يقول بسعادة وسرعة :
"تعالى أكرم سأخبرك بكل شيء ... وأريدك أن تساعدني لتكلم أبي ونقنعه بإحضار...."
ليختفي صوته رويدا تاركا خلفه الثلاثة أحدهم يشعر بالراحة والأخرى بالسعادة والثالث بالقلق من القادم...

-------------------
تسيل دموعها مدرارا على وجنتيها بعد أن تعبت من محاولة إقناع أبيها بلا فائدة ...فقد كان رفضه باتا ...لتسمعه يجادلها قائلا:
"سارة أنت ابنتي الوحيدة ..لقد عشت حياتي كلها لأجلك ..احلم باليوم الذي أزوجك فيه رجلا آمن عليك معه ...رجلا خلوقا يحميك ويساندك بعدي ...رجلا اعتمد عليه ..في الحفاظ على مالك والقدرة على إسعادك"
لتقاطعه بلهفة وهى تقول بتأكيد:
"مدحت هو هذا الرجل يا أبي صدقني " ليرد بنفي قاطع :
"لا ليس هو ...ففضلا عن حالته الصحية الحالية ...فمما جمعته من معلومات سريعة عنه ...وجدته غير مناسب لك ...فرغم انتمائه لعائلة كبرى ..ومستوى مادي جيد ...إلا انه شاب عابث لاهي ..لا هم له سوى الحفلات والسهرات المشبوهة ..غير متدين أو ملتزم ...يشرب الخمر ويقيم العلاقات الغير شرعية و .."
لتقاطعه بمحاولة يائسة لإقناعه:
"لقد تغير أبي صدقني ...هو لم يعد .."
لتنتفض على صوت أبيها الرافض والمترافق مع خبطته كفه القوية على المكتب أمامه بينما يقول باستنكار:
"تغير متى؟!! ...خلال أيام الغيبوبة ..وما أدراك انه تغير .."
ليزفر بضيق بينما يستغفر الله ..ليصمت هنيهة قبل أن يقول محاولا إقناع تلك العنيدة أمامه
" اسمعيني سارة ..أنت أبنتي الوحيدة ...أعيش على أمل أن أرى أحفادي منك ..ومدحت فضلا عن كونه ليس الرجل الذي اطمئن عليك معه ..أيضا هناك احتمال وبنسبة كبيرة أن يعيش معاقا ...فاقدا للقدرة على الحركة .. والإحساس بنصفه السفلي ..وحتى لو تخطى العملية بنجاح رغم ضعف تلك الاحتمالية سيحتاج فترة طويلة من التأهيل والعلاج الطبيعي ليستطيع المشي وممارسة حياته بشكل طبيعي ..وهناك احتمالية لكون الحادثة قد تؤثر على قدرته على الخصوبة"
تجاهل أبيها احمرار وجهها وتبنى واجهة الطبيب وهو يكمل:
"لقد جاءت الرصاصة بمنطقة حساسة في العمود الفقري... وأصابت النخاع ألشوكي بأضرار ..لحسن الحظ جاءت الإصابة به جزئية ...لكن يظل الخطر واحتمالية الضرر الكلي قائمة عند إزالة الرصاصة خاصة مع موقعها ...فلو تخطينا نسبة موته.. ليضيف عندما لاحظ انقباضها وشحوبها ..الأعمار بيد الله لكنها احتمالية قائمة وبنسبة ليست هينة ...هناك أيضا الاحتمال الأكبر وهو فقدانه القدرة الحركية والحسية كاملة أثناء إزالة الرصاصة ..ولو تخطي الأمرين ..ستظل حالته حرجة لفترة قد تمتد لأشهر طويلة ..وعلاج قد يمتد لسنوات ...ابنتي الموضوع ليس سهلا ..ولا بسيطا ...لن تستطيعي الاحتمال ..ولن أستطيع أنا أن أقبل أن أضعك بهكذا موقف يفوق قدراتك ...و"
لتقاطعه بصلابة بينما توقفت عيناها عن ذرف الدموع :
" يبدو... أنك نسيت يا أبي ..أن كل تلك المضاعفات المرضية المحتملة والمتوقعة لحالته جاءت نتيجة محاولته إنقاذي ..وأنه لولاه بعد فضل الله لكنت الآن تناقش حالتي أنا ومضاعفتها ..هذا لو كنت نجيت من الخطف... أو القتل أو ما هو أسوء ..فهل وقتها سيكون رأيك أيضا أنه لا يحق لي الزواج ..ولا يحق لي أن يكون هناك من يحبني ويساندني ويصر على البقاء معي أيا كان وضعي ......أم أن الأمر يكون مقصورا على الغير ..لكن عندما يتعلق بنا تتغير أولوياتنا "
..نظر لها بضيق وقد اسقط في يده ...ليقول بزفرة ضيق محاولا إنهاء النقاش غير المجدي من وجهة نظره:
"سارة... أرى أن نؤجل الحديث الآن ...على كل حال الأمر كله سابق لأوانه ... لحسن حظ الشاب أن دكتور الكسندر سيحضر غدا بالزيارة السنوية المقررة حسب بروتوكول التعاون بيننا ..وهو الأفضل في العالم في إصابات العمود الفقري والنخاع ألشوكي ..تحديدا بالحالات المشابهة لحالته ...لنرى ما سيحدث بعد إجرائه للجراحة ...لقد أتصلت به منذ قليل بمجرد أن احضروا لي نتائج الأشعة المختلفة و فحص التصوير النخاعي ..وشرحت له الوضع بالتفصيل ...وهو سيضعه على صدر قائمة الجراحات التي سيجريها ..بعدها ...لكل حادث حديث"
لتنظر له بصمت وملامح مغلقة قبل أن تقول بحسم :
"عفوا أبي ...أنا لم اخرج عن طوعك يوما ...لكني غير موافقة ولن استجيب لأوامرك هذه المرة ...لو دخل مدحت العمليات ولا قدر الله حدث له شيء ما لن يقبل مطلقا أن يتزوجني ..وسيرفض بحجة عدم ظلمي ..وبما أني يستحيل أن أتزوج غيره يوما ...فلن أتزوج بشخص وأنا أحب آخر ..فالأمر محسوم ...يجب أن يتم الزواج قبل إجراءه الجراحة "
ليقف أبيها بحدة وهو يدفع كرسيه للخلف حتى اصطدم بالجدار بقوة وكاد ينقلب بينما يهتف :
"هل أنت مجنونة ..أم حمقاء ..المسألة ليست لعب أطفال ..أنه زواااااج !! ..حياة كاملة ...لا يكفى الحب.. أو الشفقة... أو التعاطف ...أو الذنب لتسارعي بربط نفسك بعلاقة قد تدمر الباقي من حياتك ..أفيقي من جنونك هذا "
لترد بعنف مماثل لم تعتد التعامل به مع أبيها مما أدهشه وأغضبه:
" أنا أعي أنها حياة كاملة ..أنا أحب مدحت ...أحبه من سنوات طويلة ... حبي له لم يقتله بعده عني أو جرحه لي سابقا .. كنت سأرتكب خطا فادحا بارتباطي بأكرم فقط لإرضائك .. لأسعدك ...كنت أفعلها من أجلك أنت ...الآن أريد الزواج من اجلي أنا " ليرد أبيها بغضب يكظمه بقوة:
"وماذا إن مات أثناء الجراحة ..أتريدين حمل لقب أرملة بالإضافة للقب مطلقة وكلاهما خلال أسبوع واحد "
لتعود دموعها للانحدار على وجهها بينما تقول بحزن وتصميم:
"عندها سيموت وأنا زوجته ...ليكون زوجا لي في الجنة ...فإن لم يقدر لنا الحياة معا بالدنيا ...فسأعيش على ذكراه ..وأدعو الله أن يجمعني به في الجنة...لا تحاول أبي ...لن أتزحزح عن قراري ..فأرجوك وافق وساندني"
..ليتهدج صوتها أكثر ويزداد انهمار دموعها وهي تقول مرارا
"أرجوك ...أرجوك أبي ...أرجوك "
ليظل أبيها يناظرها بصمت رافض ...رغم النظرة المتعاطفة المطلة من حدقتيه ...لتستدير في النهاية تاركة إياه لتقول من خلف ظهرها بخفوت ..قبل أن تغلق الباب ورائها :
"فكر ثانية أبي ..فأنا لن أتراجع ....لا تجعلني أفعل شيئا ضد إرادتك ...لم افعلها قبلا ...فأرجوك لا تدفعني لها الآن ..أرجوك أبي"

-----------------------
حاولت قدر استطاعتها إخفاء معالم البكاء من وجهها الذي غسلته مرات عديدة ووضعت وجهها وعينيها تحت الصنبور لدقائق عدة حتى تخفي معالمه فلا يراها مدحت ..قبل أن تتجه لحجرته ..وما أن دلفت حتى فوجئت بماهي تجلس بجواره لتقف مرحبة بها ما أن رأتها رغم دهشتها الظاهرة بصوتها من وجودها بحجرة أخيها :
"مرحبا سارة ...سعيدة بلقائك ثانية ... وآسفة للخبر الذي سمعته مؤخرا عن فسخ ارتباطك بالدكتور أكرم ...لقد حزنت كثيرا من أجلك ..فدكتور أكرم رجل رائع و .."
لتقاطعها سارة برقة بينما تقول وهي ترنوا لهذا المقطب المستلقي خلفها:
"لا داعي لحزنك ماهي ...فأنا من طلبت من أكرم الانفصال"
لتضيف بخبث وهى ترمق مدحت بطرف عينيها
"أتفق معك طبعا أن أكرم رجل رائع" ..لتزداد ابتسامتها ما أن لاحظت تشنج ملامحه ..والنظرة الغاضبة التي لم يستطع أن يخفيها بسرعة وهو يغمض عينيه .. لتضيف ما جعله يعيد فتحهما ناظرا لها بذهول وعدم تصديق لجرأتها :
"لكني اكتشفت أني لا أحبه إلا كأخ وصديق عزيز ..وأظنه هو أيضا يبادلني نفس الشعور ....لذا وافق بسرعة وبلا غضاضة على الانفصال ...بينما قلبي كان ولا زال معلق بحب أخيك ...لذا تركت أكرم لأتزوج من مدحت"
كادت تضحك على ملامح كلاهما ...فماهي تدلى فكها حرفيا .. وفاضت ملامحها بمزيج من البلاهة والذهول وهى تردد بعدم تصديق ..
"من ...ماذا؟ من تحبين وستتزوجين ؟!! مدحت أخي؟؟!! ..متى؟ .. كيف ؟.."
لتضحك برقة وعيناها معلقة بعيني مدحت الحاملتان لتعبير غامض وهى ترد :
"متى؟ ..منذ سنوات ...عندما كنا زملاء بالجامعة ...وكيف؟ ..عندما أسر قلبي بنظرة عينيه ...لكنه كان أحمقا وضيعني لفترة ...حتى قررت أنا مؤخرا أني اكتفيت من الحماقة ..فإن كنت غير قادرة على تغيير الماضي ..فما زال أمامنا المستقبل لنلحق به"
أخذت ماهي تنقل نظراتها الحائرة بينهما بلا تصديق قبل أن تقول بذهول:
"كيف لم أعرف أو انتبه للأمر سابقا ...لقد كنت زميلة لكما أيضا "
ليأتيها صوت مدحت طالبا منها تركهما وحدهما بعض الوقت..لتنظر لهما باسمة وتهز رأسها مستجيبة وهى تتجه للباب مغلقة إياه خلفها بهدوء ... لتتركهما معا رغم أن الذهول لم يفارقها بعد...

-------------------
ما أن أغلقت الباب خلفها والتفتت حتى كادت تصطدم بسامح الواقف خلفها بعيون لامعة وبسمة متسعة ...سرعان ما توارت لتتحول نظراته لغضب لم تعرف سببه قبل أن يقول بغيظ من بين أسنانه :
" ما هذا الذي ترتدينه ..ألم يكن هناك سترة ما فوق تلك البلوزة الوردية منذ قليل أين ذهبت؟!!"
لترد بتعجب:
"خلعتها فالجو دافئ ...لقد ارتديتها صباحا لأن الجو وقتها كان باردا ...وما أن شعرت بالدفئ نزعتها لأنها باتت تخنقني"
ليقول بنزق:
"فقررت أن تستريحي أنت وأختنق أنا غيظا ...اسمعي ماهي ..عودي للداخل وأعيدي ارتداء تلك السترة ...ولا أريد أن أرى ذراعيك مكشوفتين ثانية أبدا ...ولا هذه المعالم المغرية ...يا إلهي ...إن بلوزتك قصيرة وتبرز تضاريسك بوضوح"
ليحمر وجهها وهى ترى وجهه يميل بزاوية للخلف .. و نظراته تمر علي مؤخرتها لتقول بنزق وخجل:
"سامح ..احترم نفسك ...ما هذا الذي تقوله ...وللعلم ملابسي لائقة ومحتشمة " ليرفع حاجبه ويرد عليها هازئا:
" حقا ؟!! ونعم الاحتشام!!...كامل ذراعاك الأبيضين البضين اللذان يكادا
أن يضيئا بالظلام مكشوفان ...يغريان الجميع بالنظر ..وجسدك مجسم تماما بملابسك الضيقة..التي لا تترك للخيال شيئا ..وتدفع كل ذكر ما بين العشرة من عمره للتسعين للنظر إليه بتوق ....وكيف يمكن لذكر يحمل دماء حمراء مقاومة النظر لقوام ينافس قوام فينوس جمالا ..وما المفروض أن أفعله أنا وقتها ..ابتسم كأبله على رأسه قرون ..أم أسير ورائك لأضرب كل من ينظر إليك رغم أنهم معذورون بالنظر لجمالك الفتان"
أخذت تنظر له بذهول ومشاعر متضاربة ظهرت بكلامها وهي تقول:
"هل تغازلني.. أم تهني ..أم تعطني أوامر تخص ملابسي التي هي أمر يخصني بالمناسبة..ولا أقبل بالتدخل بها"
لينظر لها بتمعن وهو يقول بجدية رغم العاطفة القوية المطلة بنظراته :
"إسمعينى ماهي ..أنا شاب غيور ...تربيت بحارة شعبية بوسط اجتماعي مختلف ...له عادات وتقاليد قد ترينها أنت تخلفا ..أو رجعية ..أو مبالغة بالتزمت ...لكن هذا أنا ..ولن أتغير ...لن أقبل أو احتمل أن ترتدي حبيبتي التي ستكون خطيبتي وزوجتي ملابس مثيرة أو كاشفة ...لن اطلب منك الحجاب رغم أني أتمني أن ترتديه يوما ...لكني سأطلب منك مراعاة أسلوب تربيتي.. وعاداتي ..وغيرتي ..فإن كنت غير قادرة على ذلك ..ابلغيني الآن ..ونحن ما زلنا على البر ...فبعد أقل من ساعتين سيعود أكرم مع أبي والمأذون ..وسيكون ارتباطنا أبديا ...فهل أنت على استعداد للقبول بي كما أنا ..بأفكاري المتزمتة ..وطباعي الحادة ...بغضبي ..وتسرعي ...غيرتي ..وفوق كل ذلك حبي وعشقي لك"
لتغيم عيناها بعشق وهي تقول بدلال لم تتعمده:
"سامح .. أنا اقبل بك بكل عيوبك التي ذكرتها ...لكنك أيضا يجب أن تتحملني قليلا ..فليس سهلا أن أتغير بين ليلة وضحاها"
..لتقول بغنج أشعل نبض وعين المستمع لها بإنصات :
"يجب على كل منا أن يتنازل للآخر قليلا ..ويحتمل اختلافه ..بعض الوقت ..حتى نعتاد على طباع بعضنا ..ونصل لمنطقة وسط مرضية لكلانا "
كاد يرضخ صاغرا لتلك النبرة المغوية بصوتها لولا مرور أحد الأطباء الذي لمح سامح تحديقه ونظراته الوقحة التي تكاد تلتهم تلك الواقفة أمامه بابتسامتها المشعة بالدلال ...ليبادله التحديق بحدة وتحذير دفع الآخر لغض بصره والإسراع بعيدا عن هذا المتنمر الواقف مع تلك الحسناء
ليعود سامح بنظراته لتلك الغافلة عن ما حدث لتتراجع بقلق من تلك النظرة الإجرامية بعينيه وهو يقول بحدة من بين أسنانه المطبقة ..بينما ينتفض العرق بجانب فكه بقوة
" هناك ما لن اقبل التهاون أو التنازل به ماهي ..ما لم تكوني راغبة بتأجيل زواجنا حتى أخرج من السجن نتيجة التشاجر مع كل من ينظر لك ..فالأفضل أن تدخلي فورا وترتدي سترتك اللعينة بلا نقاش ..وتعودي لنجلس قليلا في مقهى المشفى حتى موعد حضور الجميع لعقد القران ..."
كانت راغبة بمجادلته ..لكن تسارع أنفاسه وحدته جعلتها تفضل المهادنة والتراجع ..وتنفيذ طلبه حاليا ...فلا تريد شجارا يفسد عليها أهم يوم بحياتها ..اليوم الذي سيرتبط أسمها فيه باسم الرجل الوحيد الذي أحبته...لتستدير طارقة الباب طرقة واحدة قبل أن تدخل لإحضار سترتها وهى تتحلطم بضيق وكلمات غير واضحة...
----------------------

ظلت تنظر لملامحه المغلقة التي لا تستطيع قراءتها بسهولة حتى سمعا صوت إغلاق الباب خلف شقيقته ليشير للكرسي بجوار فراشه بينما يقول بهدوء جعل مشاعر التوجس والقلق تزاد بداخلها :
"اجلسي سارة ...فانا أريد التحدث معك ...فهناك بعض الأشياء تحتاج للحسم فورا"
ليتنهد بعد جلوسها بعمق ويدير عينيه بعيدا عن وجهها ليحدق بسقف الحجرة وهو يقول :
"سارة ...لقد أحببتك منذ أول لحظة وقعت عيناي عليك بها ...لكنني كما أوضحت سابقا كنت ولا زالت غير صالح للزواج ...لدي كما قلت أنتِ عقدا كثيرة ...ليست سهلة الحل أو التجاوز ..هذا بالإضافة للتعقيدات الجديدة ...ورغم تأكدي من صدق حبك ومشاعرك لي ...لكني لم أكن لأقبل أن أظلمك معي أكثر..لن أعيش لأرى حبك يتحول لشفقة إن لم أستطع العودة للسير ثانية ..أو أكون يوما حملا ثقيلا عليك ...صدقيني أنا أناني لدرجة أن أقبل عرضك فرحا بتضحيتك حاليا ..لكنني سأموت إن رأيت نظرة العشق بعينيك تخبو ...لتتحول لعطف أو شفقة أو ضيق بي وبحالتي ...وحتى لو نجحت الجراحة واستطعت السير فقد علمت أني سأحتاج لوقت طويل لأعود كما كنت ..وفوق هذا وذاك ..أنا يا عزيزتي عاطل ..مفلس ...لا أستطيع أن أنفق عليك ..ولن تقبل كرامتي أن تنفقي أنت علي .. لذا سامحيني صغيرتي ..وأرجوك...أرجوك ابتعدي عن طريقي وانسيني ..عيشي حياتك ...تزوجي ..أنجبي ...واسعدي ..وصدقيني سأكون سعيدا لأجلك"
ليلتفت ناظرا لها بتعجب ذاهل مع تلك الضحكة الهازئة التي أطلقتها بينما ترد عليه بسخرية ووقاحة لم يسمعها منها يوما:
"هل أنهيت هذا السيناريو العربي القديم الذي تردده ..أم ما زال لديك المزيد من تلك الجمل المستهلكة ..لأني سأريح ضميرك القلق بأنني لو لم أتزوجك فلن أتزوج غيرك يوما وهذا ادعي لتأنيب ضميرك أكثر ...وبالتالي لن أنجب أبدا ..لأنني لن أتزوج من رجل لا أحبه وأنا لن أحب سواك...فأنا فتاة لا أحب إلا مرة واحدة ..ولن أتزوج رجل وأنا أحب غيره فليست الخيانة طبعي ..وبما أني أكثر منك أنانية فتأكد أنني لا أتزوجك شفقة أو عطفا ...لذا أرح نفسك من تلك الناحية ..ولا تقلق لن أشعر بالشفقة والعطف عليك ..حتى لو أصبحت مقعدا عمرك كله ..يكفيني وجودك معي ..وحتى لو لم تستطع منحي طفلا بالطريقة الطبيعية ..هناك دوما الطرق الحديثة للتلقيح ..فأنسى أن أنجب من غيرك يوما "
لتتسع عيناه ذهولا وهو يقول بحيرة:
"كيف ومتى أصبحت بتلك الوقاحة ؟!"
لترد عليه بمزيد من الوقاحة بينما تكتف ذراعيها :
"منذ أحببت منفلتا عابثا ...أضاع سنوات عمري بلا طائل وهو يلهو هنا وهناك ويقضي وقته بين أحضان ال******.. وما أن اجتمعت طرقنا ثانية بحكمة قدرية حتى قرر فجأة أن يعيش دور المضحي ...وآه بالنسبة لمسألة العاطل والمفلس ...اطمئن ..لن تكون عاطلا ...فانا أدرى الناس بعبقريتك في مجال الحواسيب ..أنسيت انك من كنت تصمم لنا كافة البرامج سواء الدراسية أو الترفيهية بالجامعة ...بإمكانك إن لم ترد العمل معي هنا بالمشفى ...أن تستغل موهبتك بتصميم البرامج .. وخاصة أنها لن تحتاج لذهابك إلي أي مكان فقط جهاز لوحي وبطاقة ائتمان ...و يمكنك العمل وأنت قابع على كرسيك ..يعني حتى لو لم تستطع السير سيظل بإمكانك العمل من المنزل ...وهناك العديد من الأعمال التي أصبحت تمارس عبر الحاسوب ..طالما تملك البراعة ستستطيع التفوق فيها ..وهى أعمال مربحة جدا كما سمعت ...لذا بعد حللنا مسألة فيلم التضحية بالنفس ... ومسلسل العاطل الفقير والأميرة الثرية ..متى ستطلب يدي من أبي؟!! ...يجب أن نتزوج خلال يومين على الأكثر ...فلن يمكن تأجيل جراحتك أكثر "
ليصمت للحظات غير قادر على الرد على تلك المتحدثة بحزم وتصميم أذهله وأفقده القدرة على المجادلة...ليريحه من حيرته بإيجاد رد مناسب اقتحام شقيقته المكان وهى تغمغم بغيظ عن غباء الرجال جميعا وعنادهم وحمقهم ليجد ذهبيته التي لم تعد رقيقة ..تؤمن على أقولها
......................

خرجت من حجرة مديرها خالد وهى تزفر بضيق ...لقد استحقت تعنيفه لها ...رغم مبالغته وعصبيته ...لكنها بالفعل مخطأة ...لقد تسببت حالتها العصبية وشرودها بخلط موعدين هامين معا .. لتلقي جسدها بوهن على كرسيها وتشبك يديها معا لتسند وجهها عليهما وهي تفكر بحزن أنها لن تستطيع الاستمرار بالعمل بحالتها تلك ...فقد ارتكبت العديد من الأخطاء منذ بدء اليوم ...لقد اكتشفت معظمها وقامت بتصليحها وهي تراجع الملف قبل مجيء السيد خالد الذي تأخر اليوم لحسن الحظ
..لكن يبدو أنها أغفلت أمر الموعدين ...المشكلة أنها لن تستطيع الاستئذان ...ففضلا عن استنفاذها لكل إجازاتها سابقا ..فالسيد خالد اخبرها أنه لن يبقى طويلا وسيخرج بعد ساعتين لأمر شخصي وعليها متابعة العمل بدونه ..وأيضا هي لا ترغب بالعودة للمنزل ومواجهة خالتها وزوجها مرة أخري ...يكفي ما حدث أمس ...لتخرج آهة لم تستطع كتمها وهى تتذكر حوارها مع زوج خالتها بالأمس والذي جاء بعد معرفتها أخبار العودة القريبة لوالديها ونية خالتها وزوجها بعرض بقائهم لديهم طوال إقامتهم بمصر ..حيث يعود ياسر ليبقى معهما... وتبقى هي مع عائلتها بالشقة المقابلة حتى سفرهم ...يعود بعدها الوضع كما كان ...لتنتفض وقتها صارخة ورافضة ...و تصر على العودة للإقامة بمفردها بمنزل جديها..ويحدث خلاف وجدل كبير بينها وبين خالتها ... يبدو أنها نقلته لزوجها الذي أصر على الانفراد بها بعد العشاء ليحدثها بنبرة حملت مزيجا من اللوم والأمر وهو يخبرها أنه أيا كان سبب الخلاف بينها وبين أسرتها فيجب أن تتجاوزه ..وتتحدث معهم وتصفي الأمر ...مخبرا إياها انه لا يرغب بالتدخل في خصوصياتها أو معرفة أسرارهم العائلية ما لم يكونوا راغبين بذلك ...لكنها يجب أن تتعلم أن الأبناء لا يجوز أن تقاطع والديهم ...وأنه لا يحق لهم محاسبتهم أو لومهم .. وليس لهم أن ينؤن بأنفسهم بعيدا عمن أنجبوهم مهما كان الخلاف بينهم ...مذكرا إياها بعظم ذنب من يفعل ذلك ويعق والديه ... وذاكرا الأحاديث والآيات التي تنهى عن قطيعة الوالدين وقطع صلة الرحم ..ليتركها بحيرة وتيه أكثر من السابق ...فمن ناحية هي غير قادرة على المواجهة ...أو النسيان والصفح ...لكنها أيضا خائفة من عظم الذنب .....كما أنها اشتاقت لأمها وأشقائها ...لتغمض عينيها بألم بينما تحاول الهرب من ذلك الصوت الهاتف بداخلها أنها اشتاقت له أيضا ...لقد مر ما يقرب من ستة أعوام على آخر مرة رأته بها ..أو سمعت صوته ...تخاف أن يحدث شيء لأيهما دون أن تراه ... لكنها تخاف أكثر أن لا تستطيع مسامحته ...أن تعود الذكرى لتقتحم عليها اللقاء فتدمر الشعرة الباقية بينهما للأبد...لتعتدل جالسه بعينين شاردتين لم تنتبها لذاك المراقب لها منذ دقائق لينسحب مبتعدا دون أن تراه
----------------

لم يعد يستطع البقاء أكثر ...لا يستطيع التركيز أو العمل رغم تراكمه عليه خاصة مع غياب السيدة همس والذي تسبب بإعادة توزيع العمل بإدارتهم ليناله المزيد من الأعمال فوق ما لديه بالفعل ... لذلك لم يجد بدا من اللجوء للكذب حتى لا يتسبب بمصيبة نتيجة ارتكابه المزيد من الخطاء ...وطلب من رئيسه الأستاذ ياسين إذنا لمدة ساعتين متحججا بمتابعة طبية لوالده يجب أن يصاحبه بها ...طبعا كان يعلم أن مجرد ذكر اسم أبيه سيكون كافيا لمنحه الأذن الذي يريده ...ورغم شعوره بتأنيب الضمير... خاصة مع معرفته بكم الأعمال المتراكمة والمطلوب إنجازها بسرعة... ليحاول إسكات صوت ضميره وهو يعد نفسه بالبقاء لوقت إضافي لإنهاء الأعمال المتراكمة ...لكنه يحتاج للفهم ...يحتاج لمعرفة ما تخفيه تقى ويعرفه كلا من أبيه وأمه ....لقد حاول استدراجها بالكلام صباحا أثناء قدومهما معا بلا فائدة ...لقد كانت غريبة ...صامتة ...منغلقة على نفسها بحزن وشرود أقلقه ...ولم تستجب لكل محاولاته حتى للشجار ...الأمر سيصيبه بالجنون إن لم يفهم ما يحدث....ليتجه بعزم للخارج وهو يعد نفسه بأنه سيجعل احدهما يخبره بما يحدث دون أن يهتم بتفسير الأسباب التي تجعله مهتم بالأمر لهذه الدرجة

----------------------------------

يقبلها بشغف ويداه تتلمسانها بشوق بدأ يفقد قدرته على التحكم به ... ليلعن بداخله الطبيب وأوامره ..فلم يعد قادرا على تحمل كبت مشاعره أكثر من ذلك ..ليجد نفسه فاقدا للسيطرة وغير مستعد للتوقف فقد بلغ شوقه إليها منتهاه ...
ما أن شعرت بتماديه أكثر ويداه تتخطى الخطوط الحمراء الآمنة حتى انتفضت محاولة التراجع وهى تدمدم باسمه إلا أنه تجاهل محاولتها وهو يعيد ضمها بقوة كاتما دمدمتها المحتجة بفمه بينما يداه تخلصها من ثوبها ...ليفيق من تيهه بها وذوبانه برحيقها العذب الذي يرتشفه بنهم عطش طال ظمأه ... على صوت إغلاق عنيف لباب الشقة صاحبه صوت ياسر الصارخ بنداء أمه ...ليزفر أشرف بعمق وهو يسب ابنه... بينما تفلت تقى من بين يديه ... تحاول إعادة ملابسها وترتيب نفسها بسرعة و ارتباك ووجهها يشتعل احمرارا مما كاد يحدث ... لتسمع صوت طرقة على باب الغرفة صاحبها فتح مباشر للباب جعل أشرف يرغي ويزبد قبل أن ينفجر صارخا بوجه ياسر الناظر لهم بذهول ....
ليقطب مع سيل السباب الغير مفهوم سببه بالنسبة له والمنطلق من فم أبيه ليقول له بحيرة:
"أبي لما أنت غاضب هكذا ؟!! ماذا فعلت لتسبني؟!!"
لينظر له أبيه بوجه محتقن غيظا وهو يضغط فكه خاصة عندما لمح محاولات زوجته كتم ضحكاتها رغم ملامحها الخجلة لتنكس رأسها فينسدل شعرها حولها مخفيا ملامحها ومثيرا مشاعره أكثر بينما يسمع ابنه الغبي يسأله باتهام:
"أبي ...هل كنت تتشاجر مع أمي ... وجهها أحمر وحالتها غير طبيعية؟!!"
لينظر لابنه بذهول وهو يتساءل بداخله ...هل هو أبله أم يدعي البلاهة ...لكن تعابير وجهه الجامعة بين الحيرة والتساؤل والقلق أكدت له أنه لا يدعي...ليضرب كفا بكف مستغفرا بينما يقول له بغيظ:
"أيها الأحمق ألم تتعلم شيء طوال سنوات دراستك عن طبيعة العلاقة بين الزوجين ...ألم تكبر وتصل للسن الذي تتعلم فيه أنه لا يجوز أن تدخل على زوجين حجرة نومهما حتى لا يكونا بوضع حرج أو وسط علاقة زوجية"
لتقاطعه صرخة زوجته الناهرة بخجل وهى تحاول منعه من الاسترسال أكثر ...لينظر لوجهها الذي تحول ليقطينة ناضجة بينما يقول بنزق وغيظ :
"ماذا؟؟؟ كفى عن ضرب جنبي بكوعك لقد كدت تتسببي لي بعاهة به ..كما أن هذا الأحمق لم يعد بالروضة ليكون أبلها بهذا الشكل ..وإن كان جاهلا فلابد أن يتعلم أساسيات الحياة ..إنه على وشك الزواج ويبدو جاهلا بأبسط القواعد والبديهيات " لتقاطعه بغيظ ناهر:
"كفى أشرف أرجوك ...أنت تحرجني أمام ابني ..هذا لا يصح"
ليرد عليها باعتراض:
"وهل دخوله علينا بهذا الشكل هو الذي يصح؟!! "
لينظر لوجه ابنه الصامت بذهول ووجه محتقن والذي ينقل نظراته بينهما ..ويبدو انه أخيرا بدأ بالفهم ليسمعه يقول بإحراج وتلعثم :
"آسف ..لكن .. ..أنت مريض ...اعني ...ظننت ...عفوا سأغادر"
ليوقفه صوت أبيه سائلا بحدة :
"أنتظر ...ما الذي عاد بك الآن .. نحن ما زلنا قبل الظهر ...هل عدت لإهمال عملك ثانية"
ليقول بارتباك وهو يعطيهم ظهره قبل أن يتوجه للباب سريعا ..لا فقط أردت سؤالك عن شيء ...سأعود للعمل الآن وأسألك لاحقا "
ليوقفه صوت أبيه للمرة الثانية هاتفا بأمر:
"ياسر ...لا تدخل الحجرة علينا ثانية قبل أن تطرق الباب وتنتظر لنسمح لك ...لم تعد طفلا "
ليهز رأسه مغمغما بكلمات غير مفهومة قبل أن يخرج مسرعا ليسمعوا بعد لحظات صوت الباب الخارجي يغلق بعنف مشابه للعنف الذي أغلقه به لدى حضوره ...ليعود أشرف لزوجته وهو يقول محاولا استكمال ما بدأه سابقا
" والآن أين كنا "
...لتنفض تقى يده وتقف مبتعدة عنه بثورة غاضبة وهي تهتف بغيظ :
"كيف تقول للفتى هذا الكلام .. وتضعني بهذا الموقف المحرج أمامه ...كيف سأقابله واضع عيني بعينيه بعد ذلك" ...لتضيف بصراخ غاضب :
" يا إلهي ...أشعر أنني سأموت من الإحراج ..لن استطيع النظر إلي ابني ..أنت لا تطاق"
..لتتركه خارجة بغضب وهي تدمدم بينما تغلق الباب بعنف مشابه لابنها ...لينظر أشرف للباب وهو يضرب كفيه معا ويهتف بغيظ مناديا عليها بلا فائدة فيعود لسب غباء ياسر وأمه معا .......

------------------------------

"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"
ما أن نطقها المأذون حتى اتسعت ابتسامته وأكرم يخطف المنديل الموضوع فوق يديه الممسكة بيد مدحت المبتسم رغم استلقائه بسرير المشفى
انطلقت زغرودة مجلجلة من فم والدته لم تقطعها رغم النظرة اللائمة لها من أبيه ...لقد أصرت على الحضور مع أبيه ما أن اخبرهم أكرم بالأمر فلم تكن لتفوت عقد قران صغيرها ...فيكفي انه سيتزوج بمشفى.... لقد تعاطفت مع شقيق الفتاة خاصة بعد أن أوضح لهما أكرم أنه سيخضع لعملية خطرة باليوم التالي ورغب بالاطمئنان على شقيقته لذا ما أن طلبها سامح وأعلنت هي موافقتها حتى أصر على عقد القران فورا ..وقد تقبل كلا والديه التبرير ورأوه مقنعا وإن كانا استغربا عدم وجود والدتها ...لكن الوقت لم يكن مناسبا للأسئلة ... ما أن غادر المأذون برفقة الحاج محمد الذي أصر على النزول لإيصاله والوقوف معه حتى يركب عربة أجرة ...حتى تحولت الحجرة الصغيرة إلى قاعة احتفال صاخب ... فهمس وريهام أخذتا تغنيان وتصفقان دون اهتمام بالمكان ...وهما ترددان ( كتبوا كتابك يا نقاوة عيني ) (والليلة ليلة هنا وسرور ) بينما تتبادلان احتضان ماهي المشعة بمحبة... لقد هاتف خالد أمه وطالبها بالحضور وإحضار همس التي هاتفت ريهام مخبرة إياها لتتجمعن لمشاركة سامح وماهي عقد القران رغم ذهولهم من سرعة وطريقة حدوث الأمر ...لكن يبدو أن قدر تلك العائلة كلها هو الزواج بظروف غريبة وغير تقليدية ... وبينما كان احمد يشاكس سامح ويتوعده بأن يريه بعض ما كان يفعله به في فترة خطبته لريهام ...كان خالد أكثرهم هدوءا... فهو لم يستطع التخلص من مشاعر القلق ...رغم رضوخه للأمر... كان احد شهود العقد مع أكرم الشاهد الثاني ...أما والدته فكانت تبتسم بسعادة وهي تحتضن ماهي ....بينما سارة التي حضرت هي الأخرى فقد هنئت سامح وذهبت لتقف بأريحية بجوار أكرم تحدثه بصوت خافت .. أثار غيرة وغضب هذا الراقد ...والذي تحولت بسمته لتكشيرة غاضبة بينما هي تتجاهله بتعمد ... ليجن بينما يرى أكرم يهمس بشيء بإذنها جعلها تنظر له بتعجب وذهول ليشتعل بغيرة حارقة وهو يراها ترد له همسه بهمس مماثل وهى تحدق بعينيه بتساؤل... ليهتف مناديا لها بنزق وصوت مرتفع أثار تعجب وصمت الجميع لينظروا له بتوجس جعله يشعر بالحرج والاحتقان والذي سرعان ما تحول لنار مشتعلة عندما لاحظ تجاهلها له وتلك البسمة التي وجهتها لأكرم بينما تهمس له بشيء ما جعله يبتسم بسعادة ...ليجد نفسه يقول بتسرع ودون تفكير أو روية :
"بما أننا في مناسبة سعيدة فأحب أن أبلغكم بباقي الأخبار السعيدة ...لقد خطبت سارة وسنتزوج نحن أيضا غدا"
....لتنطلق كلمة ماذا بصوت متكرر ذاهل من أكثر من شخص ...لكن الصوت الأكثر بروزا كان لتلك الواقفة بذهول متسائل على باب الحجرة تناظر هذا الجمع بتوجس ...لتنطلق كلمة "أمي" من فم مدحت وماهي معا
.........................

 
 

 

عرض البوم صور سيمراء   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أقنعة, المصرية, الأقنعة, الذكريات, الثاني, الجسم, بقلم, رغيدا, رواية, سلسلة
facebook




جديد مواضيع قسم رومانسيات عربية
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:02 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية