لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-01-16, 12:54 AM   المشاركة رقم: 36
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قاريء مميز


البيانات
التسجيل: Dec 2014
العضوية: 285617
المشاركات: 759
الجنس أنثى
معدل التقييم: مملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1593

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مملكة الغيوم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

اخيرا اتحد الاكاش على كلمه واحده
يبدو طاغار ذو رائ وحكمه وجمع هؤلاء الزعماء على كلمه ليس هينا ولكن هم فى حاجه الى هكذا احاد لصد جيش كامل العدد والعده
كين ما زال خائف ومحتار اين يذهب يبدو ليس امامه الا تتبع الاكاشحتى يعرف الطرق ويعرف كيف يكسب زاده بنفسه
سلمت يداكى خيال ابدعتى دمتى بود ولكى منى كل الحب وفى انتظار الباقى

 
 

 

عرض البوم صور مملكة الغيوم   رد مع اقتباس
قديم 09-01-16, 08:36 AM   المشاركة رقم: 37
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

في الاتحاد قوة بلاشك، لكن المشكلة إذا اختل توازن القوى في المعركة بين الجيشين
والجيش العربي يتفوق بعدة نقاط ولاشك
سنرى في الفصلين القادمين ما الذي سيفعله الأكاشي في تلك الحرب
وسنرى كيف ستشارك ججي في هذه المعركة التي تفوق طفلة لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها
شاكرة لكن أخواتي تعليقكن على الفصول
سأضع الفصل التالي بعد قليل بإذن الله

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 09-01-16, 08:40 AM   المشاركة رقم: 38
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل السادس {يوم اللقاء}


مع فجر اليوم الثالث، كانت الفرق المنتمية للقبائل العشرة قد بدأت انطلاقها في رحلة العودة لمخيماتها.. وفي الآن ذاته، كان قادور يجتمع مع ثلاثة من أخلص رجاله وهو يقول لهم "أنا سأنطلق مع بقية الرجال نحو موقع اللقاء الذي حدده الزعماء قريباً من مخيم قبيلة (نجم الشمال).. عليكم أن تعودوا برسالتي هذه إلى سادر بأسرع ما يمكنكم.. على سادر أن يجمع كل رجلٍ قادرٍ من رجال القبيلة ويزودهم بكل ما يحتاجونه من مؤونة ومن أسلحة ودروع وخيل.. فليحتفظ بخمسين رجلاً لحماية القبيلة وليبقَ هو فيها نيابة عني، وليرسل لي بقية الرجال بكل عتادهم ليلاقوني في الموقع الذي سأحدده لك.."
قال أحد رجاله "سيستغرق هذا بعض الوقت منا يا زعيم.."
قال قادور بحزم "أريد أن أجد الرجال أمامي في مدة أقصاها أسبوعٌ واحد.. مخيمنا ليس بعيداً عن مخيم قبيلة (نجم الشمال)، والوقت ليس ملائماً للاسترخاء والمماطلة.. احرص على أن تجلب لي بضع رجال من قبيلة (نجم الشمال) الذين لجؤوا إلينا سابقاً.. سنحتاج لكل ما يمكننا معرفته عن موقع العدو وما يمكننا استغلاله لهزيمته.."
هز الرجال رؤوسهم موافقين، وغادروا دون إبطاء لتنفيذ أمره.. وعند خروجهم، دخلت ججي الخيمة قائلة "أهي الحرب حقاً يا أبي؟"
أجاب قادور "أجل يا جام.. فهل أنت خائف؟"
جلست ججي قريبة منه وقالت "لا.. لكن، هل ستسمح لي بالمشاركة فيها؟"
نظر لها قادور مفكراً وهي تضيف برجاء "أرجوك يا أبي.. هذه هي الحرب الأولى التي سأشهدها، ولا أريد أن تفوتني فرصة المشاركة فيها.. فاسمح لي بأن أشارككم بكل ما أملك.."
ربت قادور على كتفها قائلاً "حسناً.. سأسمح لك بذلك، شرط أن لا تتعدّى الدور الذي سأرسمه لك.."
هتفت ججي بفرحة ظاهرة "أعدك بذلك يا أبي.. لن أخالف أمرك أبداً.."
فقال قادور "إذن استعد.. سنرحل بعد قليل.."
قفزت ججي واقفة وغادرت الخيمة بحماس شديد.. وفي الخارج، رأت كين يقف بانتظارها وقد قال بذعر واضح لدى رؤيته لها "أصحيح ما سمعته من البقية؟.. أأنتم ذاهبون لمواجهة الجيش العربي؟"
قالت ججي بحماس "أجل.. سنرحل حالاً، وقد وافق أبي أن أشاركهم في هذه الحرب.."
ثم قالت وهي تنطلق نحو الغبراء التي ربطت لجامها في شجرة قريبة "أنا بأشد الحماس لهذه التجربة.. لقد خشيت للحظة أن يعيدني أبي للقبيلة دون أن يسمح لي باللحاق بهم.."
قاطعها كين وهو يصيح "أنت مجنونة.."
نظرت له ججي مقطبة بينما قال كين بعصبية "أنتِ لازلت طفلة.. مهما تدربتِ ومهما أصبحت أكثر مهارة في استخدام السيف، فستظلين أضعف من أن تواجهي رجالاً بالغين في حربٍ شرسة لا تعرف هوادة.."
قالت ججي بغيظ "لا أسمح لك بذلك.. أنا رجل، ولن أكون أقل عن بعض الرجال في هذه الحرب.."
صاح كين بحنق "وما الذي تعرفينه أنت عن الحرب؟.."
سمعا صوت قادور وهو يقول "ما هذا الصياح؟.."
فقالت ججي بضيق "كين يظنني لا أقدر على المشاركة في هذه الحرب، وأنني لن أكون كبقية الرجال أبداً.."
علق قادور قائلاً "وهل تعبأ لما يقوله هذا الغريب؟"
أسرعت ججي تقول بحزم "لا.."
فقال قادور "إذن اذهب واستعدّ كما طلبت منك.."
استدارت ججي مغادرة دون اعتراض، بينما وقف كين شاحب الوجه أمام قادور الذي ثبت نظراته عليه، ثم قال بهدوء "أخبرني أيها الكشميتي.. ما الذي تنوي فعله الآن؟.. ألم تكن ترغب بالرحيل؟"
قال كين بشحوب "وكيف أرحل وحيداً دون زادٍ يكفيني وبلا قافلة أصاحبها؟"
فقال قادور "هذا ما لا شأن لنا به.. نحن مقبلون على حربٍ كما تعلم، ولسنا في وقتٍ يسمح لنا بمنح ما نملكه لغريب.. لذلك، عليك أن تقرر ما ستفعله الآن.. إن كنت تريد الرحيل فارحل، وإن بقيت معنا، فعليك أن تكون مفيداً لنا على الأقل.."
خفض كين وجهه بصمت دون أن يعثر على إجابة يمكنه أن يجيب بها، عندها غادر قادور تاركاً كين غارقاً في حيرة تامة مما عليه فعله في الأيام القادمة مع نذر الحرب الوشيكة..

************************

بعد مسير امتد لأيام طويلة، وصلت فرقة قادور للموضع الذي عسكر فيه رجاله ممن أرسلهم لمراقبة الجيش العربي.. كان ذلك الموضع يبعد مسافة آمنة من موقع الجيش وفي مكان يسمح لهم بالاختباء عن أعين جواسيسه.. وقد كان قادور هو الأول وصولاً من بين الزعماء الأربعة ومن بين جميع فرق الأكاشي التي يتوقع منها الوصول خلال الأيام القادمة..
وبينما عسكر قادور في ذلك الموقع متخذاً إحدى الخيم كمجلسٍ له يتلقى فيه الأخبار من رجاله، فإن ججي قد قضت أوقاتها تتدرب على الرماية بالسهام لتحسين مهاراتها أكثر من السابق.. لم يكن لديها ما تفعله، ولم يسمح لها قادور بالتجوال على ظهر الغبراء لئلا تلفت إليها الأنظار وتثير انتباه جيش الأعداء لوجودهم.. لذلك اكتفت ججي بالتمرين أغلب الأوقات بينما جلس كين يراقبها بصمت لفترات طويلة.. ثم غمغم وقد أشعرته مثابرتها بالضيق "وما الفائدة من كل هذا؟.."
تساءلت وهي تشدّ الوتر بسهم جديد "ما الفائدة من ماذا؟"
قال ملوحاً بيده "ما الفائدة من كل هذا؟.. أتصدقين أن يتمكن رجال الأكاشي بسيوفهم وسهامهم من القضاء على جيش منظم يمتلك بنادق ومدافع ستبيدكم في لحظات؟"
أطلقت ججي سهمها ليصيب الشجرة التي استخدمتها كهدف، ثم نظرت إلى كين معلقة "وما الحل برأيك؟.. أن نستسلم وننزوي في خيامنا حتى يصل إلينا الأعداء ويقتلوننا؟"
فقال كين "يمكنكم الاستسلام ببعض الشروط التي تحفظ دماءكم.."
قالت ججي باعتراض "الأكاشي لا يلجؤون للاستسلام.."
فعلق بضجر "وهل يفعل الأكاشي أمراً إلا القتال وقتل بعضهم البعض.."
نظرت له بسخرية قائلة "وهل يمكنك أنت أن تفعل خيراً من هذا؟.. ما الذي ستفعله في هذه الحرب الوشيكة؟"
ظل كين مطرقاً لبعض الوقت، ثم قال بمرارة "وما الذي يمكنني فعله؟.. لو حاول أحدهم قتلي، فلن أستطيع الدفاع عن نفسي ولو للحظات.."
نظرت له ججي بشيء من الاهتمام، ثم قالت "لطالما قلت إنك بحاجة لشيء من التدريب حتى تواجه المخاطر.. الكثير من التدريب في الواقع.. لكن مع المعركة الوشيكة، لا يسعنا إلا القيام بإجراءات حاسمة لحل هذا الإشكال.."
نظر لها باستغراب متسائلاً "ماذا تعنين؟"
تركته عائدة لخيمة أبيها بصمت وهو يراقبها مستغرباً، ولم تلبث أن عادت حاملة سيفها، وسيفاً آخر قائلة "انهض.."
كان يودّ رفض ما تطلبه منه وهو مدرك أنه لن يعجبه بحال، لكنه لم يعترض وهو ينهض فيقف مقابلاً إياها وججي ترمي السيف عند قدميه قائلة "يبدو لي أن جرح ذراعك السابق قد غدا أفضل حالاً.. لذا، احمل سيفك وبارزني.."
قال بقلق "لا أظنني بحاجة لذلك.."
قالت بحزم "أطِع ما أقوله لك.. بارزني حتى تتغلب عليّ أو تعجز ذراعك عن حمل السيف بشكل تام.. لن نتوقف لأي سبب آخر.."
حمل كين السيف بشيء من التردد.. فقالت ججي "اهجم عليّ.. هيا.."
أمسك كين السيف بيديه الاثنتين بسبب وزنه الثقيل وهو يتعجب من قدرة ججي الأصغر سناً على حمله بيد واحدة.. لكنه بعد تردد اندفع نحو ججي وهو يطوّح السيف نحوها، لكن ججي التي لم تتحرك من موقعها واجهت ضربته بضربة من سيفها أطارت سيفه بعيداً.. تراجع كين خطوة وهو يمسك يده بشيء من الألم بسبب تأثير الضربة عليها.. فقالت ججي "عليك ألا تجعل هجومك واضحاً لعدوك بل تباغته.. حاول من جديد.."
غمغم كين "أيجب أن نفعل ذلك حقاً؟"
قالت ججي بإصرار "استعد سيفك يا كين وبارزني.."
تراجع كين بخطوات مثقلة نحو السيف الذي سقط جانباً، ثم حمله وعاد نحو ججي وهو يقف بشيء من التأهب.. وبعد لحظة اندفع نحوها من جديد محاولاً تسجيل نقطة لصالحه، لكن مرة بعد مرة كانت ججي تفلح في صدّ ضرباته وفي كثير من الأوقات ترمي سيفه بعيداً.. ولم تتردد في إحدى المرات من تجاوز ضربة من سيفه وهي تنحني وتضرب ركبته من الخلف بمقبض سيفها بحيث أسقطته أرضاً على ظهره.. عندها وقفت وقالت "أنت بالفعل بحاجة لجهد كبير.. ألا يمكنك أن تنجح في ضربة واحدة على الأقل؟.. لو كانت الضربات المباشرة صعبة عليك، فيمكنك اللجوء لبعض الحيل كما فعلت معك الآن.."
شعر كين بالضيق، وقال وهو ينهض نافضاً ملابسه "لا أظنني بحاجة لذلك الآن.. لقد اكتفيت من هذه التمرينات.."
واستدار مغادراً ليصل لسمعه قول ججي بشيء من الهزء "يا للضعف الذي أنت عليه.. هل ستهرب حقاً؟"
التفت ينظر إليها مقطباً، فأضافت بابتسامة متسعة "أأنت رجل حقاً؟"
هتف كين بانفعال "أنا رجل.. لمَ تتهمينني بهذا الشكل المهين؟.."
قالت ججي بسخرية "حقاً؟.. أنت لا تملك أي عضلات، وبشرتك أنعم من أجمل فتاة في القبيلة.. كيف تطلق على نفسك لقب رجل وأنت لا تقدر على حمل هذا السيف بذراع واحدة؟.."
نظر لها كين بوجه محتقن وقال "سأقدر على ذلك.. سأثبت لك أنني رجل.."
مالت تجاهه وهي تقول بهزء "أتحداك أن تفعل هذا يا فتاة.."
تزايد احتقان وجهه للإهانات التي يسمعها، والأسوأ أن تأتي هذه الإهانات من فتاة تصغره بالسن.. ففوجئت به ججي يقفز نحوها حتى أسقطها أرضاً وجثم فوقها وهو يتنفس بسرعة متزايدة دليلاً على غضبه الشديد.. ثم قال بحنق "سأثبت لك أنني أفضل منك وأقوى........."
قطع قوله عندما فوجئ بها ترميه على ظهره وتجثم على صدره بدورها قائلة "كيف ستفعل ذلك؟.."
حاول كين مقاومتها، ثم صاح بحنق "أطلقيني.."
قالت ججي بابتسامة جانبية "لو تمكنت من الخلاص مني فسأعترف بأنك خصم لا يستهان به.."
أتبعت قولها بأن وضعت قدميها على يديه وهي تجلس على صدره.. ولعشر دقائق، حاول كين بجسده الضعيف أن يرميها من فوقه ويتخلص من ثقلها ومن ضغط قدميها على ذراعيه، لكنه في النهاية استسلم وهو يقبع في موقعه لاهثاً.. عندها أطلقت ججي ضحكة وهي تقول "يبدو أن الطريق أمامك طويل جداً لتصبح رجلاً فعلاً.. وأنا أرثى لحالك مع المعركة الوشيكة هذه.."
ونهضت لتسمح له بالاعتدال وهو ينظر لها بغيظ شديد، ثم قال بحدة "مهما يكن.. أنت مجرد فتاة.. ولن تكوني رجلاً مهما فعلتِ.."
فوجئ بها تلكمه بكل ما تملك بحيث أعادته للأرض من جديد.. ثم غادرت مدمدمة "أحمق.."
بينما بقي كين في موقعه وهو يهتف بحنق "تباً لكِ.. لقد عضضت لساني.."
وبصق الدماء التي تجمعت في فمه وهو يعتدل جالساً.. كان الضيق في نفسه يتزايد بشدة.. يودّ لو يفر من الموقع كله.. فكيف يمكنه ذلك دون أن يخاطر بنفسه؟.. مع الحرب الوشيكة، فلابد أن السهول تعج برجال الأكاشي الذين سيوجهون أنفسهم لهذه البقعة، لذلك لا يشك أنه سيقابل جماعات منهم لو رحل الآن، ولا يستطيع أن يضمن نفسه منهم حتى لو كان بحماية زعيم هذه القبيلة.. فكم سيبقى ملاحقاً الأكاشي في حربٍ لا ناقة له فيها ولا جمل؟..

************************

بعد عدة أيام، بدأ تدفق الأكاشي نحو الموقع الذي عسكر فيه قادور في الجزء الجنوبي من السهول.. وعند وصول رجال قبيلة (أبناء الذئاب) للموقع، تمكنت ججي من رؤية مينار بينهم وقد جاء على رأس ألفي رجلٍ بكامل عدتهم وعتادهم.. فأسرعت لملاقاته قبل أن ينطلق للقاء قادور، واقتربت منه تحدثه بسعادة تامة وشغف واضح عن هذه الحرب الوشيكة ووعْد قادور لها للمشاركة بها.. فابتسم مينار وهو يربت على رأسها قائلاً "تبدو سعيداً لهذه الحرب يا جام.."
قالت بتعجب "ألست سعيداً أنت أيضاً؟"
أجاب مينار "سأكون سعيداً بالتأكيد عندما نهزم أعدائنا ونعود لمخيمنا سالمين.."
فقالت ججي بحماس "سنفعل ذلك بالتأكيد.."
لم يعلق مينار ولم تبدُ الحماسة على وجهه كما توقعت وهو يربت على كتفها ويغادر بحثاً عن قادور.. لكن هذا لم يُثِر إحباط ججي فهي تعرف أن لمينار رأياً يخالف الجميع في كل أمر.. فما يثير إعجاب البقية يسبب لمينار ضيقاً واضحاً، وما يفرح له بقية الرجال يسبب لمينار توجساً تتعجب له أحياناً.. ورغم أنه يكون على صوابٍ أغلب الأوقات، لكن ججي لم تُرِد إطالة التفكير في الأمر هذه المرة وهي تعود لتدريباتها التي لا تكاد تتوقف..
وعندما اكتمل جيش الأكاشي بانضمام الفرق التابعة للقبائل العشرة ومن والاهم من القبائل، كان عدد الرجال لا يقل عن عشرة آلاف رجل.. ورغم أنها المرة الأولى التي يجتمع فيها هذا العدد الكبير من الأكاشي في موقع واحد، لكن عددهم لم يكن يوازي جيش الملك فارس الذي اكتمل وصوله للسهول وعسكر في موضع يقع شمال مخيم قبيلة (نجم الشمال) المدمر.. كان الجيش العربي يقارب الخمسين ألفاً من الخيالة والمشاة ورماة السهام وفرق المدفعية.. لذلك كان الفارق مهولاً بين الجيشين دفع قادور للتفكير ملياً في الأمر وهو يقف على تلٍ مرتفعٍ يشرف على السهل المكشوف حيث بدأت فرق الأكاشي في إقامة مخيماتها والإعداد للبقاء في هذا الموقع حتى تنتهي الحرب الوشيكة..
طال وقوفه في ذلك الموقع وهو يفكر في حلٍ لتجاوز ذلك الفارق ومنع المذبحة الوشيكة التي تكاد تقع على رؤوس الأكاشي.. مهما كان الأكاشي أكثر قوة ومهارة وشجاعة، فلا يمكنهم التغلب على طلقة مدفع أو رصاص البنادق.. فهو قد رأى في شبابه بعض الحروب التي قامت في الممالك الشمالية وشهد الدمار الذي تحدثه تلك المدافع بالمدن الحصينة، فما بالك بمخيمات هشة ورجالٍ لا يملكون إلا دروعاً حديدية لحماية أجسادهم؟.. وبوصول براد، وهو زعيم قبيلة (الأرقط) صاحبة المخيم الأبعد بين قبائل الأكاشي، فإن الزعماء الأربعة قد اجتمعوا في ذلك الموقع متخذين لهم خيمة تتوسط المعسكر للاجتماع فيها.. فبالإضافة لقادور، كانت القيادة موزعة بين براد وكيراد وشين.. وبينما كان الآخران يتصفان بالهدوء ويلجآان للعقل في كل تشاورٍ مع البقية، فإن براد شكل معضلة لقادور بعصبيته وحنقه من اضطراره للجوء للزعماء الثلاثة في أي أمر يخص هذا الجيش.. والموقف الذي هم فيه لا يحتمل أي خلاف أو شجار بينهم على أي قرار يخص هذه الحرب.. فلو غضب براد لأي أمر أو جدال، فلا يشك قادور أنه قد ينسحب من هذه الحرب معتبراً ذلك الخلاف إهانة له، وهذا سيجعل موقف الأكاشي أضعف بمراحل..
وعندما اجتمع الزعماء الأربعة في الخيمة المنصوبة لهم، في وقت مبكر من ذلك النهار، وقف قادور أمامهم صامتاً للحظات، يفكر مليّاً فيما عليه قوله لإقناع البقية برأيه.. فقال براد بضيق كعادته "لمَ ترفض إخبارنا بما لديك يا قادور؟.. أنت صامت منذ بعض الوقت وترفض الحديث عما يجول بذهنك رغم كل تساؤلاتنا.."
غمغم قادور "ولمَ هذه العجلة يا براد؟.."
قال براد بضيق متزايد "يغيظني صمتك هذا.. هل تستهين بنا؟"
علق كيراد قائلاً "الاتفاق كان أن يتم الأمر بيننا بالتشاور.. ولا يستفرد أحدنا برأيه أبداً.."
جلس قادور عندها وقال "لديّ عرضٌ لكم، وأريدكم أن تفكروا به مليّاً.. كما تعلمون، عددنا لا يصل لربع عدد جنود جيش العدو.. وهذا يعني أن كل رجل من رجالنا سيواجه ما لا يقل عن خمسة من جنود العدو لنتمكن من هزيمته بشكل تام.."
قال براد بسخرية "كما تعلم، كل رجل من رجالنا يساوي عشرة من رجالهم.. لا أحد يتفوق على الأكاشي في القوة والمهارة أبداً.."
فقال قادور بحزم "هذا لو لم نحسب حساباً لما يملكونه من بنادق ومدافع.. أنسيتم أن الجيش العربي لا يحارب بالسيوف إنما يمتلك أدوات أكثر تطوراً وقوة مما نملكه نحن.."
فقال كيراد "ما الذي تقترح علينا فعله؟.. أن نستسلم؟"
قال قادور "وهل أتينا كل هذه المسافة لنستسلم؟.. طبعاً لا.. لكن يجب أن نلجأ للحيلة للتغلب على عدونا، وإلا وجدنا أن ثلثي جيشنا قد قتل دون أن نتمكن من هزيمته.."
فقال شين "هذا ليس من أساليب الأكاشي.. نحن نهاجم بقوة ومباشرة، وستكون لنا الغلبة بالتأكيد.."
هز قادور رأسه معلقاً "قد يكون هذا صحيحاً في حروبنا بين بعضنا البعض، فنحن نتساوى في القوة وفي القدرات.. لكن هذا لا ينطبق على عدونا.. إنه يتفوق علينا في كل شيء.. فإما أن نُباد شر إبادة، أو نتغلب عليهم بالحيلة.."
قال شين باستياء "كما قلت لك، الأكاشي لا يلجؤون للحيلة أبداً.. أأنت مصرّ على إذلالنا بهذه الصورة؟"
قال قادور بحزم "أليس مذلاً أن تُهزم جيوش الأكاشي في أول مواجهة لها أمام عدوها؟.. لن تقوم للأكاشي قائمة لو هُزِمْنا هنا، وسيطوي التراب كل ما تتشبثون به من قوانين وأعرافٍ بالية.."
ساد الصمت للحظات، ثم قال كيراد وهو يعقد ذراعيه أمام صدره "وما هي حيلتك تلك إذاً؟"
مال قادور تجاههم وهو يقول "عدونا يتوقع منا أن نهجم مع بدء نهار الغد، عندما ترتفع الشمس في كبد السماء وتغدو ساحة القتال واضحة أمام أعيننا.. لكنني أرى ألا ننتظر حتى طلوع الشمس.. سنهجم عليهم عندما تغيب شمس هذا اليوم، وعندما يخلد جنودهم للراحة استعداداً للمعركة المنتظرة في اليوم التالي.. وفي ذلك الوقت، ستكون هجمتنا أقوى بمراحل.."
نظر له الزعماء الثلاثة بدهشة وشيء من عدم الاقتناع، ثم قال براد بحدة "كيف سنتمكن من تمييز أعدائنا من رفاقنا؟.. ثم إن عنصر المفاجأة هذا سيمكننا من التغلب على جزءٍ من الجيش، لكن ما إن يدرك الجنود أنهم تحت الهجوم فسيقاوموننا بشدة ولن نحقق شيئاً بهذا الهجوم مع الظلام الذي سيشتت رجالنا.."
قال قادور "لن نهجم مباشرة قبل اتخاذ بعض الاحتياطات، وعند الهجوم المباشر، يمكن لرفاقنا تمييز بعضهم البعض بهذه الخوذات.. الجنود العرب يرتدون خوذاتٍ خالية من القرون التي تميّز الأكاشي، لذلك لن يكون صعباً على الرجال تمييز رفاقهم في هذه المعركة.. كما أن الالتحام المباشر سيكفينا شر مدافع العدو الذي لن يتمكن من استخدامها لئلا يصيب جنوده.. وتبقى هناك البنادق التي يستخدمها الجنود بشكل فردي، والتي علينا إيجاد حلٍ للتخلص منها قبل بدء الهجوم بالفعل.."
علق شين بعدم اقتناع "خطتك لا تزال عائمة وبها الكثير من الثغرات.."
فقال قادور "لازلت أحاول إحكام الخطة، لكني لازلت مقتنعاً أنها أفضل من الهجوم المباشر حينما يكون العدو مستعداً لصدّنا ومتحمساً لهزيمتنا.."
عندها قال براد بصرامة "وهذا يجعلني أكثر شكاً في هذه الخطة.. فلنلتزم بالخطة الأصلية كما اتفقنا عليها مع طاغار.. لقد كانت هذه الخطة باتفاق الزعماء العشرة الذين حضروا ذلك الاجتماع، ولا يحق لك الآن تغييرها بدون سبب وجيه.."
فقال قادور بحزم "لكن طاغار ليس معنا الآن، ولا يمكنه تقييم الموقف من موقعه البعيد مثلنا نحن.. لقد أوكلوا إلينا مهمة قيادة هذا الجيش، وعلينا أن نتخذ التصرف الأفضل الذي لن يقودنا لمذبحة تطيح برجالنا دون فائدة.."
اعترض شين قائلاً "لمَ أنت مقتنع أنها ستكون مذبحة؟.. لمَ هذه الاستهانة برجالنا؟"
قال قادور بحدة "ولمَ هذا الإصرار على موقف واحد حتى لو كانت النتيجة مختلفة عما كنتم تأملونه؟.. الكل يعتبر الأكاشي بدائيين ووحشيين لا يعرفون التعقل، فلا تجعلوا تلك الصورة تثبت في عقول أعدائكم بهجومٍ يخلو من أي تعقل أو تدبير.."
فقال براد بحدة "لن نقتنع حتى نحصل على خطة شاملة ومفصلة.."
دخل أحد رجال كيراد الخيمة في تلك اللحظة، فتقدم من الزعماء الأربعة قائلاً "هناك رسولٌ من الملك العربي برسالة إلى قادة الأكاشي.."
أشار كيراد له ليدخل الرسول، ولم يلبث الرجل أن أدخل رجلاً عربي الهيئة واللباس، يتبعه اثنان من الجنود العرب، وقد وقف وسط الخيمة دون أن ينحني للزعماء وهو ينظر حوله بصمت.. فقال قادور "أأنت رسولٌ من الملك فارس؟"
قال الرسول بعد لحظة صمت "أين زعيم الأكاشي؟"
صاح براد قائلاً بحنق "وما شأنك؟.. أجب عن السؤال أو إئتنا بما عندك وارحل دون إبطاء.."
بدا أن هذا الأمر لم يعجب الرسول وهو يحدق في وجوه الزعماء محاولاً معرفة هوية زعيم الجيش، مما جعل توجس قادور يزداد وهو يسأل بصرامة "أجب عن السؤال يا هذا.. أأنت رسولٌ من الملك فارس؟.."
بعد بعض الصمت قال الرسول "لقد جئت برسالة من قائد الجيش العربي عَرارة......"
قاطعه قادور وهو يميل نحوه متسائلاً "لمَ أرسلك القائد إلينا؟.. أليس من المفترض أن تكون الرسالة مرسلة من الملك فارس؟.. أليس هو من يقود الجيش؟.."
قال الرسول بضيق "لا شأن لي بهوية مرسلها.. إنما أنا رسولٌ عليّ إبلاغكم رسالتي والعودة بالرد للقائد.."
فقال شين بهدوء عاقداً ذراعيه على صدره "لكن هذا أدعى لارتيابنا.. هل يستهين بنا الملك فارس ليقوم بتوسيط قائده لمخاطبتنا؟.."
نظر الرسول حوله بتوتر شديد، ثم قال بصرامة مفتعلة "لا يهمني ما تسألون عنه.. إنما أنا رسولٌ من القائد عرارة، وهو يأمركم أن تستسلموا وتحفظوا دماء رجالكم.."
انفجر براد ضاحكاً بسخرية بينما رفع شين حاجبيه باستهانة واضحة.. فأكمل الرسول بشيء من الحنق "تصرفكم سيحدد مصيركم ومصير قبائل الأكاشي جميعها.. فلو رفضتم الاستسلام، لن يتردد جيشنا في سحقكم وتدمير قبائل الأكاشي جميعها حتى لو لم تشارك في هذه المعركة.. إن جيشنا الذي دحر جيوشاً أضخم وأكثر عدداً وعدة، لن يعجزه أن........"
قاطعه قادور قائلاً للرجل خلفه "خذوهم واستجوبوهم حتى نعرف سبب صمت الملك فارس بهذه الصورة المريبة.."
فوجئ الرسول والجنديان معه بخمسة من رجال الأكاشي يقبضون عليهم، ثم سحبوهم خارج الخيمة رغم مقاومتهم الشديدة والرسول يصرخ بحنق "لا يحق لكم ذلك.. أنا رسول، وليس من حقكم استجواب الرسل في الحروب.. هذا ينافي كل القوانين.."
فقال قادور بصوتٍ واضح "هذا ليس في قانون الأكاشي، لسوء حظك أنت.."
بعد رحيل الرسول والجنديين، قال براد ضاحكاً "أسمعت ما يقوله قائد ذلك الجيش؟.. إنه يجرؤ على المطالبة باستسلامنا دون قيدٍ أو شرط.. من يظننا؟"
علق قادور عاقداً ذراعيه على صدره "لا تستهِن بالأمر.. هذا الرسول كان مجرد جاسوسٍ لتحديد هوية زعيم الأكاشي.. لابد أنه ينوي التخلص من قائد الأكاشي بحيلة غادره، وهو يظن أن الأكاشي ستنكسر عزيمتهم لو شهدوا مقتل زعيمهم أثناء الحرب أو قبلها.."
علق شين بهدوء "لكنه لا يعلم أن هذا الجيش له أربعة زعماء.. لسوء حظه.."
نهض كيراد قائلاً "سأذهب لاستجواب الثلاثة بنفسي.. وبعد أن نعرف حقيقة الأمر، قد يتسبب هذا بتغيير مخططاتنا كلها.."
لم يعلق أي من الزعماء الثلاثة وقادور يجلس في موقعه يحدق في البساط أمامه.. عليه أن يُحْكِم خطته ويتأكد من جميع جوانبها قبل عرضها على بقية الزعماء.. أرواح الرجال في هذا المعسكر، وفي مخيمات القبائل التي تنتظر بقلق، ستتحدد في هذه الحرب.. وأي غلطة قد يرتكبها الأكاشي، ستؤثر فيهم لسنواتٍ قادمة قد لا يحصلون فيها على حريتهم بعدها أبداً..

************************

بعد نصف ساعة، عاد كيراد لمجلس الزعماء والدماء تلطخ جزءاً من ملابسه.. وعند دخوله، قال للبقية "الملك فارس قد رحل من معسكر جيشه.."
نظر له الزعماء الثلاثة بدهشة وهو يضيف "قبل يوم، وصل رسولٌ يحمل أخباراً من وسط المملكة سببت قلقاً كبيراً للملك ودفعته للرحيل مع فرقة من أخلص جنوده.."
تساءل قادور مقطباً "وهل أخبرك بالسبب؟"
أجاب كيراد "يقال إن بعض القلاقل والثورات اندلعت عند نهر يقال له (النهر الأبيض) وسط مملكته.. وقد خشي الملك أن يفقد سيطرته على المملكة أثناء انشغاله بمقاتلة الأكاشي.."
فقال براد معلقاً "هذا يوم سعدنا.. أليس كذلك؟.. مهما كانت هوية القائد الذي يقود هذا الجيش، فبغياب ملكه سيكون من الأسهل علينا التخلص منهم دون عسر.."
قال قادور بتقطيبة "لا.. بل العكس هو الصحيح.."
نظروا له بدهشة، فأضاف زافراً "لو شارك ملكهم فارس، وتمكنا بحيلة من القضاء عليه، فسيتشتت الجيش بالكامل في تلك اللحظة.. وسيغدو من السهل علينا القضاء على الشراذم التي ستولّي هاربة ولن تقوم لها قائمة بعدها.. أما بغياب الملك، فسيصمد الجيش لئلا يخذل الملك الذي ولّاهم هذه المهمة، وسيخلصون له في غيابه على أمل أن يمدهم ببعض الإمدادات لو طال أمد القتال.."
نظر الرجال لبعضهم البعض وقد فاجأهم منطق قادور، بينما أضاف هو "لكن.. علينا فعل ما يمكننا فعله.. لا يمكننا تأجيل هذه المعركة أكثر مما فعلنا.."
ثم نظر إليهم مضيفاً "سأخبركم بخطتي.. ولو كانت لديكم عليها اعتراضات فيمكننا تغيير بعض جوانبها لتلائم الجميع.. لكن أؤكد لكم أننا لن نحقق النصر بهجوم مباشر حيث يمكن للجيش العربي استخدام جميع إمكانياته.."
بعد عدة ساعات قضاها قادور في التشاور مع الزعماء الثلاثة وتقليب الخطة من كافة جوانبها، وبعد أن انضم لهذا الاجتماع بعض الرجال الذين عيّنهم الزعماء كقادة لفرق الأكاشي، خرج قادور من الخيمة زافراً بشدة.. نظر للمخيم حوله، فرأى ججي تجلس على صخرة في جانب المكان بانتظاره.. كانت قد سئمت من التمرين بشكل متواصل وآلمتها ذراعها، لذلك فضّلت انتظار أبيها وسؤاله عما سيجري في هذه الحرب.. فقال لها قادور وهو يشير لها لتتبعه "جام.. لقد طلبتُ من باشتا أن يضمّك لفريق الرماة.. لذلك اذهب إليه لتستمع للخطة التي قررناها والتوزيع الذي سيعتمده أثناء المعركة.."
قالت ججي باعتراض "لكنني أكثر مهارة في استخدام السيف عن الرمي بالسهام يا أبي.. أريد أن أقاتل إلى جوارك في هذه المعركة.."
هز قادور رأسه نفياً وقال "أنا لن أقاتل إلا عندما تستدعي الحاجة لذلك.."
نظرت له ججي بدهشة لهذا الجواب، فوضع يده على كتفها قائلاً "سأكون وسط المعركة مع من سيشارك من الزعماء، لكن لا يمكننا أن نندفع وسط ساحة القتال دون أن نخاطر بحياتنا.. لو مات القادة، فسيعجز الرجال عن معرفة ما عليهم فعله، وسيتفكك الجيش قبل أن نتمكن من النصر على أعدائنا.."
فقالت ججي بحزم "ورغم ذلك، أريد أن أشترك بالمعركة.. لا أريد البقاء مختبئاً في موقع بعيد.. ولن أكتسب أي خبرة من مراقبة الحرب من موقعي الآمن.."
قال قادور بحزم "عليك إطاعتي.. فأنا أفعل ما بوسعي لحمايتك يا بني.."
ثم وضع يده على رأسها مضيفاً بنبرة حزينة "لا أريد أن أخسرك في سنّ صغيرة كهذه.. كما فقدت أخاك سيجان بسبب تسرعي في الاعتماد على قدراته.."
نظرت ججي لأبيها بانفعال، ثم قالت وهي تقف وقفة حازمة "كما تشاء يا أبي.. أنا رهن إشارتك في كل ما تطلبه مني.."
ربت قادور على رأسها بخفة مبتسماً، ثم غادر تاركاً ججي تقف قابضة على سلاحها بشدة.. ثم استدارت بدون تردد وسارت باحثة عن باشتا.. لقد تحددت مهمتها في الحرب الوشيكة، ولا يمكنها أن تخيّب ظن أبيها بعد كل السنوات التي قضتها إعداداً لمثل هذا اليوم.. سترضى بهذا الدور الصغير، وتكبت طموحها الأكبر ليومٍ آخر.. يومٌ قادمٌ في المستقبل القريب بالتأكيد..

************************

في جانب آخر من جوانب تلك المعسكرات التي أقامها الأكاشي على مساحة واسعة، عثرت ججي على ذلك المدعو باشتا بعد بعض البحث، فاقتربت منه قائلة "لقد أرسلني الزعيم قادور لأنضمّ إلى الرماة.. فأخبرني بما عليّ فعله.."
نظر لها باشتا بنظرة استياء واضحة ثم قال لها "انضمّ للبقية حتى أشرح لكم خطتي.."
سارت ججي لتجلس جانباً مع مجموعة من الرماة لا يقل عددهم عن عشرون رجلاً من قبيلتها ومن القبائل الأخرى، والذين يكـوّنون فرقة الرماة الأولى ضمن ثلاث فرق ستشارك في الحرب.. ولم يفتها دمدمة أحد الرجال بصوت واضح "هذا ما كان ينقصنا.. وكأننا بحاجة لحظ سيئ أكثر مما نحن فيه.."
لم تأبه ججي لذلك القول وهي تولي باشتا اهتمامها.. كانت بحاجة لفهم ما يدور حولها، وبحاجة لإثبات نفسها أمام أبيها وأمام القبيلة كلها.. ورغم أن الخطة التي شرحها باشتا للرجال كانت بسيطة، لكن ججي ظلت تستمع له بانتباه وتوتر.. كانت تخشى من أن تفشل فيما يطلب منها، وتخشى أن يتسبب ذلك في إذلال أبيها الذي سعى لرفع منزلتها بين قبيلتها وبين الأكاشي عموماً.. ألن يكون فشلها مادة للسخرية من أبيها زعيم قبيلة (أبناء الذئاب)؟..
بعد أن أنهى باشتا شرح الخطة، قال للرجال "عليكم بنيل بعض الراحة حتى المساء.. قد تطول المعركة لساعات، وعليكم أن لا تستسلموا للتعب وتفشلوا في المهمة المطلوبة منكم.. لذا كونوا مستعدين.."
بدأ الرجال بالتفرق وكل منهم يغادر للخيمة المخصصة له، بينما ظلت ججي جالسة في موقعها بتقطيبة شديدة تفكر في أمر تلك المعركة الوشيكة.. وقبل أن يبتعد الرجال من حولها، شعرت ججي بتلك الركلة التي أصابت ساقها بشكل مؤلم، ولما التفتت للمتهجم عليها بعبوس رأت أحد رجال قبيلة أخرى يقول "ما الذي تفعله فتاة جالبة للنحس بيننا ونحن على أبواب حربٍ كبيرة؟.. هل أتوا بك هنا لتسلية الرجال؟"
نهضت ججي بغيظٍ وهي تضع يدها على سيفها، فضحك الرجل قائلاً "حقاً؟.. أتنتوين إخافتي بسيفك هذا يا فتاة؟"
قبضت ججي على سيفها بشدة وهي مقطبة.. هل تتصرف كما يوحي لها غضبها، أم تصمت وتتغاضى عما يجري أمامها؟.. لقد اعتادت على التغاضي طوال سني عمرها، ولكن أن يتعدّى عليها رجلٌ من قبيلة غريبة لا من قبيلتها هو أكثر من طاقتها على التحمل.. ولما همّت بأن تسحب سيفها بغضب، فوجئت بيدٍ تمسك يدها وصوت كاد القريب يقول بحدة "ألديك اعتراضٌ على جام؟.. لو كان لديك ما يقنعني فسأصمت ولن أعترض، وإن لم يكن مقنعاً، فحاذر من خنجري الذي لن أتردد بقطع لسانك به.."
قال الرجل بحدة "أتهدنني يا هذا؟.. ولأجل من؟.. لأجل فتاة حمقاء؟!.."
قال كاد بغضب "جام جزءٌ منا، وفردٌ من قبيلة (أبناء الذئاب).. لا يمكننا تقبّل إهانة موجهة نحوه، ولا يمكننا الصمت على ما يجري.."
همّ الرجل بالصياح بغضب بدوره، عندما لاحظ عدداً من رجال القبيلة يقفون خلف كاد بوجوه تنضح غضباً، فتراجع الرجل خطوة وهو يقول بحنق "لو خسر الأكاشي هذه الحرب، فلن يكون ذلك إلا بسبب هذه الفتاة التي ستجلب لنا الشؤم.. ولو حدث ذلك، فلن يقدر شخصٌ على حمايتها من سيفي.."
ونظر شذراً لججي قبل أن يغادر وهو يشتم بحنق.. تنفست ججي لتهدئة غضبها وقد أراحها أنها لم تتدخل في ذلك الجدال مما قد يزيد الأمر سوءاً، ثم التفتت إلى كاد متسائلة بشيء من الحيرة "هذا غريب.. لم أتوقع أن تدافع أنت عني.."
قال كاد بضيق "لست أدافع عنك، بل أرفض أن يعامل فرد من القبيلة باستحقار واستهانة.. فهذا سيجرّ المهانة علينا جميعاً لو تجاهلنا الأمر.."
واستدار مبتعداً تاركاً ججي واقفة في موقعها بصمت.. وقبل أن تلحق به لشكره، وقد شعرت أن من واجبها فعل ذلك، سمعت صياحاً في جانب المعسكر جذب انتباه الجميع.. وكما تراكض الرجال من حولها نحو ذلك الموقع، لم تتردد ججي في اللحاق بهم ورؤية سبب ذلك الصياح.. وفي وسط المعسكر، استطاعت ججي أن تدفع نفسها بين جماعة من الرجال الذين شكّلوا حلقة حول ذلك الموقع، ولما تمكنت من رؤية ما يجري لاحظت رجلين غريبين رماهما الأكاشي أرضاً بينما اقترب قادور وبراد من الموقع متسائلين "ما الذي يجري؟"
اقترب أحد رجال الأكاشي قائلاً "لقد قبضنا على هذين الجاسوسين في موقع قريب من المعسكر.. فما الذي نفعله بهما؟"
نظر الرجال للرجلين الذين دارا بعيونهما فيمن حولهما بتوجس، ثم تقدم منهما براد وسأل أحدهما "ما الذي جاء بكما لهذا الموقع؟.. هل أرسلكما الملك العربي للتجسس علينا؟"
لم يجبه أحدهما وهما لا يرفعان بصريهما، فقال براد بحنق "ألن تجيبا على أسئلتنا؟.. هذا لن يؤدي بكما إلا للموت.."
فقال أحد الرجلين بهدوء "ونحن نفضّل الموت على أن نشِيَ بجيشنا ونخونه في مثل هذه الأوقات.."
فتساءل الرجل القريب من الأكاشي "ما الذي نفعله بهما الآن؟"
نظر لهما براد وقال بعصبية "اقطعوا رأسيهما.. أهذا سؤال؟.."
استوقفه قادور قائلاً "لا.. جردوهما من ملابسهما أولاً.."
نظر له الجمع بدهشة شديدة، فقال قادور بإصرار "افعلوا ما طلبته منكم.."
أجبر بعض الرجال الرجلين المتسللين على خلع ملابسهما، بينما قال براد بسخرية "هل أعجبتك ملابسهما يا قادور؟"
أجاب قادور "أجل.. ولا أريدها أن تتلطخ بدمائهما.."
وبعد أن استولى الأكاشي على ملابس المتسللين، أمرهم قادور بقتلهما ودفنهما في جانب المعسكر لئلا يعثر عليهما أحد من الأعداء.. ثم عاد لخيمته مضيفاً "استدعوا لي ريجاد.."
أسرع أحد رجاله لتنفيذ أمره، بينما تبع براد قادور داخل الخيمة وهو يقول باستياء "أنت تتصرف بأسلوب عجيب يا قادور دون أن تقدم لي تفسيراً.. فهل تستهين بي؟"
قال قادور وهو يجلس جانباً "لا.. لكني لم أرد التحدث بالأمر أمام الجموع.."
تساءل براد مقطباً "أتخشى وجود جواسيس أم خونة في جيشنا؟"
قال قادور "لا.. لكن السرية أفضل لنا فيما نريد إنجازه.. ستفهم الأمر بعد قليل فكن صبوراً.."
جلس براد بشيء من الضيق وقلة الصبر، بينما ظل قادور في موقعه يحدق في الملابس الموضوعة أمامه.. هي تختلف في نوعيتها وفي شكلها عن ملابس الأكاشي اختلافاً كبيراً وملحوظاً، ولذا، ستكون مفيدة لهم كثيراً فيما يخطط لفعله بها.. بعد لحظات دخل ريجاد الخيمة قائلاً "هل طلبتني يا زعيم؟"
رفع قادور بصره إليه قائلاً "اجلس يا ريجاد.. أريد أن أوكل إليك مهمة هامة وخطيرة.. فهل أنت لها؟"
قال ريجاد بحزم "طبعاً يا زعيم.. وهل تقاعست يوماً عن تأدية ما تطلبه مني؟"
فقال قادور "لكنك قد لا تعود حياً من هذه المهمة.. فلو راودك أي شك في قيامك بها، أنصحك أن تتراجع الآن.."
ظل ريجاد ثابتاً في موقعه بإصرار.. عندها اعتدل قادور في مجلسه وقال "سأوكل إليك، وإلى كاد، مهمة التسلل إلى معسكر الأعداء.."
نظر له ريجاد باهتمام بينما قال براد بدهشة "كيف يمكنهما ذلك مع التحفز الذي يبدو عليه الأعداء؟"
قال قادور مشيراً للملابس أمامه "هذه الملابس ستساعدهما، وسيتسللان في جنح الظلام وهذا سيخفي الكثير من هويتهما.. كما أن اللغة لن تكون حاجزاً أبداً.."
ونظر إلى ريجاد مضيفاً "المهم ألا تثير الانتباه بأي شكل كان.. على كل واحد منكما التسلل وحيداً والعمل متفرقين عن بعضكما البعض.. فلو سقط أحدكما، عندها قد يتمكن الآخر من النجاة ولا نخسر فرصتنا الأخيرة لتحقيق بعض الأهداف من هذه المهمة.."
فقال ريجاد "اعتمد عليّ يا زعيم في كل ما تريده.. لن نفشل في هذه المهمة مهما استلزم منا الأمر.."
هز قادور رأسه راضياً، ثم شرح له خطته بشكل وافٍ ومفصل.. فبهذه الخطة، يمكن لجيش الأكاشي أن يكسب نقطة تفوق كبيرة على أعدائه الأكثر عدداً وتجهيزاً، ويوفر على نفسه عناء حربٍ طويلة قد تنهكه وتقطع أوصاله.. وبعد رحيل ريجاد، قال براد باعتراض "أنت أرسلتَ رجالك للموت تواً.."
فقال قادور بثبات "المهم أن ينجحا فيما طلبته منهما قبل ذلك.. فالموت سيطال منّا من يطاله دون أن نملك ردعه.. المهم ألا يندحر الأكاشي في هذا الموقع أبداً.. ومهما كانت الخسائر.."
************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 10-01-16, 09:41 AM   المشاركة رقم: 39
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل السابع {ساحة الوغى}


بعد نهارٍ طويلٍ ساده صمتٌ شبه تام في معسكر الأكاشي، ومع غروب الشمس الوشيك في تلك الساعة، بدأت الحركة تشتد وتزداد حدة في المعسكر الذي شغل بقعة واسعة من جنوب السهول التي تلفحها الرياح القارسة..
وفي ذلك الوقت، شعرت ججي بيد مينار توقضها وهو يقول "استيقظ يا جام.. لقد حان الوقت.."
اعتدلت ججي جالسة بسرعة وقد طار النعاس من عينيها وهي تتلفت في الخيمة التي خصصت لأبيها.. ودون ترددٍ ولو لثانية، نهضت من فراشها وغسلت وجهها ثم أسرعت للاستعداد بشكل كامل للحظة الحاسمة.. فتناولت بعض الطعام الذي حمله مينار إليها، ثم ارتدت خوذتها وحذاءها الجلدي طويل العنق والمدعّم بشرائح معدنية تؤمن بعض الحماية لساقيها، وحملت قوسها وكنانة السهام، دون أن تنسى أن تعلق سيفها في حزامها كاحتياط رغم أن دورها لن يتطلب منها استخدامه.. ولما غادرت الخيمة، رأت مينار يقف قرب قادور وهما يتحدثان في أمر المعركة الوشيكة، بينما كان الاستنفار بادياً في أرجاء المعسكر الكبير من حولهما..
ولما رآها قادور، اقترب منها وربت على كتفها قائلاً "أأنت مستعد يا جام؟"
قالت بحزم "بالطبع يا أبي.."
فقال قادور بابتسامة "كن حذراً يا بني.. ولا تدع الحماسة تجرفك في الحرب، وإياك أن تغادر موقعك.."
هزت رأسها موافقة، ثم انطلقت متخطية بعض الخيم القريبة باحثة عن باشتا.. لكن خطر لها خاطرٌ جعلها تتراجع في خطواتها عائدة لخيمة أبيها لتجد كين منزوياً في جانب الخيمة كعادته بصمت، فاقتربت منه زافرة وهي تغمغم "أما زلت مذعوراً كما كنت دائماً؟"
وتناولت سيفاً مما يملكه أبوها، فوضعته في يد كين وهو ينظر إليها بصدمة قائلاً بصوت يرتجف "ما الذي تتوقعين مني فعله؟.."
أجابت بسرعة "لا أتوقع منك شيئاً.. هذه الحرب لا تخصك، ولن تفيدنا بشيء حتى لو رغبت بالمشاركة فيها.. ابقَ هنا لحراسة متاعنا ودافع عن نفسك بهذا السيف ضد أي اعتداء من الجنود العرب.."
ظل كين ينظر للسيف بامتعاض شديد، فقالت ججي "أنت لست منيعاً حتى لو بقيت في هذا الموقع البعيد وحتى لو كنت غريباً عن الأكاشي.. ورغم بقاء بعض الحراسة في المعسكر، لكنهم يعدّون على الأصابع.. فضع في ذهنك أنك قد تواجه هجوماً في أي لحظة وكن على استعداد لصدّه.."
لم تنتظر منه رداً وهي تبتعد بخطوات سريعة، فيما بقي كين رابضاً في مكانه وهو يشدّ قبضته على مقبض السيف ويدمدم "وما شأني أنا بكل هذا؟.."
أما ججي، فقد غادرت الخيمة متجهة نحو الموقع الذي حدده باشتا لهم للقاء، ومن بعده ستنطلق مع بقية الرماة نحو موقعهم المحدد قبل بدء المعركة.. كانت الساعات تمضي والمعركة تقترب، فتتزايد دقات قلب ججي بشيء من التوتر والحماسة لهذا الحدث الكبير في حياتها والذي لم تشهد مثله قط..
ومع تقدم الساعات في الليلة، جلس قادور مع الزعماء الثلاثة وسط المعسكر الذي ساده السكون وهم صامتون وحولهم وقفت جماعة قليلة من الأكاشي.. ساد الصمت المكان والرجال بكامل استعداداتهم للمعركة الوشيكة، حتى جاء أحد الرجال مسرعاً إلى قادور وقال "يا زعيم.. لقد تمكن ريجاد وكاد من اختراق معسكر الأعداء بنجاح.. لقد راقبناهما حتى تأكدنا من ولوجهما المعسكر قبل وقت قصير.."
فتساءل قادور "ماذا عن فِرَق الرجال؟"
أجاب الرجل "كل فرقة في موقعها بأتم استعداد بانتظار رؤية إشارة البدء.."
فنهض قادور قائلاً "إذن.. بقي القليل وتبدأ الحرب.."
نهض بقية الزعماء بينما تحفز الأكاشي مستعدين ليتبعوا الزعماء ويحموهم وسط هذه المعركة.. فحمل قادور خوذته التي كان يضعها بجانبه، بالقرنين البارزين في جوانبها، ثم قال لرجاله "هيا يا رجال.. وحاذروا من إصدار صوت يشي بما ننتويه قبل أن نبدأ الهجوم بالفعل.."
تقدم الرجال بكامل أسلحتهم بينما قال براد بشيء من الضيق "مازلت أظن أنها خطة لن تنجح.."
قال قادور بحزم "سيتضح هذا خلال ساعة يا براد.. فكن صبوراً.."
وسار متقدماً الرجال نحو حصانه مغمغماً "الصبر هو كل ما نحتاج إليه.."

************************

قبل بعض الوقت من هذا، كان ريجاد يسير في أرجاء معسكر الجيش العربي وهو يشدّ يده على السيف المعلق في حزامه.. كان قد ارتدى رداء الجنود العرب، وأخفى ملامحه بلثامٍ بينما تغطي الخوذة التي يستخدمها الجنود شعره الأشقر.. ورغم المراقبة التي كانت موزعة في أرجاء معسكر الجيش العربي، لكن ريجاد تمكن من التسلل متخفيّاً بالظلام السائد ومتفادياً ضوء المشاعل التي تضيء المعسكر..
كانت الحركة قد خفتت في المعسكر بعد أن مرت عدة ساعات منذ غربت شمس هذا اليوم، وبدا أن الكثير من الجنود قد خلدوا للنوم استعداداً للمعركة المتوقعة في اليوم التالي، وإن بقي عدد معقول منهم لحراسة المعسكر ومراقبة جوانبه.. فحاول ريجاد التسلل بعيداً عن أنظارهم متخيّراً المواقع التي لا تلقي المشاعل بضوئها فيها، وبدأ يدقق ببصره في الخيام التي يمر بها محاولاً الوصول لهدفه قبل أن يكشفه الجنود.. كان المعسكر يحتل بقعة واسعة جداً من السهول شمالي مخيم قبيلة (نجم الشمال) المدمر، وقد نصبت الخيام القماشية الواسعة لتضمّ كل واحدة منها ما لا يقل عن عشرين جندياً.. لذلك، أدرك ريجاد أن بحثه سيطول لوقت طويل ولن يتمكن من التجوال في المعسكر كاملاً بدون المخاطرة بكشف نفسه.. عندها اتخذ طريقه نحو قلب المعسكر مخمّناً أن خيمة القائد ستكون في الوسط بالتأكيد لحماية قائد الجيش بشكل أكبر..
كانت الخطة الخاصة بريجاد تتضمن أن يتعرف على خيمة قائد الجيش، فيعطي الإشارة للرماة بموقعها حيث ستكون مهمتهم الأولى هي حرق ذلك الموقع بسهامهم المشتعلة لاحتجاز القائد في هذا الموقع وببعض الحظ التخلص منه.. عندها سيقع الجنود في فوضى عارمة ولن يتمكنوا وسطها من تلقي أي أوامر من قادتهم وستقل مقاومتهم للأكاشي بدرجة كبيرة..
بعد بضع خيام، وجد ريجاد مجموعة من الجنود يجلسون في جانب إحداها متحلقين حول النار وهم يتحدثون ويتناولون بعض الطعام.. لم يتمكن ريجاد من التراجع في خطواته حتى لا يلفت الأنظار إليه، لذلك أدار وجهه محاولاً إخفاء ملامحه وهو يستدير ليتخذ طريقاً آخر.. وبينما ظل يسير بسرعة عادية لئلا يبدو كأنه يحاول الهرب، سمع أحد الجنود يقول متذمراً "ليتني أستطيع احتساء بعض الشراب.. إنه لمن المحزن أن نضطر لمواجهة هذا البرد القارس دون أن نحصل على بعض الشراب لتدفئة أوصالنا.."
علق آخر قائلاً "أتريد أن تخوض معركة الغد وأنت مخمور؟"
فقال الأول بحنق "وربما يكون الغد هو آخر عهد لنا بالحياة.. أفلا يمكنني الحصول على هذه المتعة الصغيرة قبل موتي؟.."
غمغم آخر قائلاً "أشعر أن الملك قد أرسلنا لنموت بالفعل.. فمن يقدر على مواجهة هذه القبائل الهمجية حقاً؟.."
فقال الثاني باستياء "لمَ كل هذا التشاؤم قبل المواجهة الفعلية؟.. أنتما تثيران بؤس الجميع.."
رفع أحد الجنود رأسه ملاحظاً ريجاد الذي ابتعد عنهم، فصاح به "أيها الجندي.. ما الذي تفعله هنا؟.."
أدرك ريجاد أن الحديث موجه إليه، لكنه تظاهر بأنه لم يسمعه وهو يستدير خلف إحدى الخيام القريبة.. عندها نهض الجندي قائلاً "يبدو لي ذلك الجندي مشبوهاً.. لماذا تجاهلني؟.."
سار بضع خطوات تابعاً ريجاد، عندما سمع صوتاً يناديه قائلاً "رافع.. القائد يطلبك في خيمته.."
نظر الجندي للمتحدث، ثم نظر للموضع الذي اختفى عنده ريجاد بينما علق أحد الجنود "يبدو أن التوتر قد أصابك بالوساوس.. هل بدأت تشك بجنودنا أيضاً؟.."
تردد الجندي للحظات، ثم استدار مغادراً وهو يقول لرفاقه "انفضّوا يا رجال.. عليكم الاستيقاظ باكراً استعداداً للمعركة الوشيكة.."
وغادر نحو خيمة القائد بينما تذمر الجنود من خلفه بضيق وحنق.. وفي جانب خيمة أخرى، نظر ريجاد بحذر لذلك الجندي الذي ابتعد بخطوات سريعة.. لقد انتبه لذلك النداء الذي نادى به أحد الجنود هذا الجندي، وأدرك أنه لو تبع الجندي فسيقوده لخيمة القائد بأسرع وسيلة.. لذلك، وبعد أن ابتعد الجندي عن رفاقه، فإن ريجاد بدأ يتبعه من على مبعدة وبخطوات حذرة وصمت تام.. سار متجاوزاً مجموعة من الخيام محاولاً ألا يلفت نظر الجندي الذي يلحقه ولا أي جنود آخرين، حتى لاحظ أن ذلك الجندي قد دلف خيمة كبيرة لكنها لا تختلف في مظهرها الخارجي عن البقية..
وقف ريجاد في موقعه يراقب الخيمة وما حولها، ثم دار حول الخيمة متفادياً مدخلها، وتوجه إلى مشعل قريب فتناوله من موضعه وهو يتلفت حوله.. عاد لخيمة القائد وهو ينظر لأعلاها حيث يمكنه أن يشعل النار في الخيمة دون أن يتمكن أحد من إطفائها، كما أنها ستكون علامة كافية لبقية الأكاشي كما هو متفقٌ عليه.. تراجع ريجاد خطوة وهو يمد يده بالمشعل منتوياً رميه بأقوى ما يملك ليسقط فوق الخيمة ذات السطح المستوي، عندما فوجئ بالألم الحارق الذي اشتعل في يده تلك بينما سقط المشعل من يده رغماً عنه.. استدار ريجاد وقفز للخلف بشكل تلقائي ليجد أنه تجاوز ضربة سيف بشيء من الحظ.. ومن خلفه، رأى ذلك الجندي الذي كان يلحقه وهو يقول بغضب "كنت أدرك أنك متسلل من صمتك وخطواتك المتوترة.. ما الذي تنوي فعله يا هذا؟.."
تراجع ريجاد وهو يمسك ذراعه التي تؤلمه محاولاً إيقاف الدماء المتصببة، بينما تقدم الجندي من جديد وهو يرفع السيف بكلتا يديه قائلاً بحدة "تكلم.. هل تحاول النيل من القائد؟.. ألهذا السبب تسللت إلينا؟.."
لم يجبه ريجاد وهو يراقب الموقف للحظات.. عليه أن يتمّ هذه المهمة بأسرع ما يكون، فلن يتحرك رجال الأكاشي خطوة واحدة قبل أن يروا العلامة التي سيرسلها.. ولو طال الأمد به قبل أن يرسل العلامة، فقد يفطن الجنود لاقتراب الأكاشي منهم ويفقدون بذلك عامل المفاجأة، والذي يهدده هذا الجندي في تلك اللحظة.. تقدم الجندي خطوة وهو يقول بغضب "تكلم يا هذا وإلا قطعت رأسك.."
لكن ريجاد كان قد اتخذ قراره بالفعل، فقفز على الجندي الذي فوجئ بذلك الهجوم فمدّ يده بالسيف محاولاً إصابة ريجاد.. لكن الأخير أمسك السيف بيده غير عابئ بالجرح الذي قد يسببه له، فأبعده من طريقه وهو يلتحم مع الجندي الذي فوجئ بالطعنة تصيبه في بطنه من خنجر صغير يمسكه خصمه.. حاول الجندي ضربه من جديد، فتفادى ريجاد الضربة وهو يركل الجندي بقوة حتى سقط على ركبته، ثم أسرع يدير سيفه في ضربة قوية نحو عنق الجندي أسقطته خلفاً متشحطاً في دمه..
لهث ريجاد بتعب وهو يستشعر الألم في ذراعه التي أصيبت سابقاً بالإضافة للجرح الذي سببه له السيف في راحة يده.. لكنه تجاهل كل هذا وهو يهبّ نحو المشعل وبحركة سريعة يرميه بقوة نحو الخيمة فيسقط فوقها متدحرجاً للحظة قبل أن يسكن في موقعه والنار تبدأ عملها بسرعة ودون أي تباطؤ..
تراجع ريجاد خطوات وهو يتناول السيف الذي سقط من يد الجندي، ثم وقف يراقب النار التي بدأت تستعرّ في رأس الخيمة بوضوح في هذه الليلة المظلمة.. جذب نفساً عميقاً وهو يسمع تصايح الجنود من حوله واقترابهم من موقعه.. ما تزال مهمته في منتصفها، وما يزال ملتزماً بتنفيذها مهما ازداد الوضع صعوبة..

************************

في الجانب الآخر من المعسكر، تسلل كاد بدوره بخفة مستغلاً انشغال بعض الجنود على مبعدة بالتهام طعامهم.. رغم الحرب الوشيكة، لكن الجنود بدوا مسترخين بلا أي حذر أو توجس لما حولهم أو لمن قد يمر بهم.. بدا له بوضوح أن فارق العدة والعدد قد عبث بعقولهم وأوهمهم أن نتيجة المعركة محسومة سلفاً لحسابهم، لذلك لم يملك كاد ابتسامة سخرية ارتسمت على وجهه وهو يشد اللثام عليه ويسير متخيراً المواقع المظلمة التي لن تكشفه للآخرين.. في ظلمة هذه الليلة، لم يكن تمييزه عن بقية الجنود ممكناً رغم أنه لا يرتدي دروع الجنود، لكن كاد بقي متحذراً في سيره وهو يتوغل في المعسكر بصمت حتى وجد نفسه أمام البئر الوحيدة في هذا المعسكر.. كان قادور قد استجوب رجال قبيلة (نجم الشمال) عند انضمامهم إليه، وتفحص تفاصيل هذا الموقع الذي يعرفونه حق المعرفة.. لذلك، ومع إدراكه أن هذا البئر هو الوحيد الذي يزود الجيش بالماء، قرر أن عليه تدمير هذا البئر في حال طال القتال لعدة أيام.. عندها ستواجه الجيش العربي مشكلة حقيقية متمثلة في نفاذ ماء الشرب الصالح للجنود، وستقل عزيمتهم أكثر فأكثر وبالتالي يصبح من السهل التغلب عليهم..
تلفت كاد حوله متفحصاً خشية أن يلمحه أحد، ثم استخرج من ثيابة خرقة قماشية ملفوفة.. ومنها أخرج الجسد الهامد لإحدى الأفاعي السامة المنتشرة في هذه السهول.. فأفرغ محتوى الخرقة في البئر ثم رمى الخرقة جانباً وهو يسمع صوت الماء بعد سقوط الجسم فيه.. عندها غمغم لنفسه "كان هذا سهلاً للغاية.. بقي عليّ البحث عن المدافع وذخيرتها لتنفيذ الجزء الأخير من......"
وجد في تلك اللحظة يداً تقبض على كتفه وجندياً يقول بصرامة "ما الذي فعلته يا هذا؟.."
استدار كاد متوجساً وهو يبعد تلك اليد عن كتفه متراجعاً للوراء، لكن الجندي قبض على ملابسه بشدة وأزاح اللثام عن وجهه قائلاً "من أنت؟.. ولمَ تخفي وجهك بهذه الطريقة المريبة؟.."
سحب كاد سيفه بسرعة وتهديد، لكن لثامه كان قد سقط بالفعل والجندي يصيح "أنت من الأكاشي؟!.."
وجّه كاد ضربة بسيفه نحو الجندي، لكن الأخير تفاداها وهو يقفز خلفاً ويصيح بغضب "كيف تمكنت من التسلل للمعسكر؟.. وما الذي فعلته بالبئر؟.."
لاحظ كاد اقتراب عدد أكبر من الجنود على صياح ذلك الجندي، فاستدار بسرعة محاولاً الابتعاد قبل أن يقبضوا عليه.. لكنه توقف قبل أن يصطدم بجندي آخر اقترب من خلفه، فيما وجه له ذلك الجندي ضربة قوية على يده أجبرته على إسقاط سيفه.. ثم قبض على عنق قميصه دون أن يسمح لها بالفرار قائلاً بتقطيبة "ما الذي تفعله هنا أيها الأكاشي؟.."
صاح الجندي الأول بانفعال "لقد رأيته ينظر من فوهة البئر باهتمام.. أنا واثق أنه قد فعل شيئاً بالبئر.."
فوجد كاد الجندي الذي يقبض على عنق قميصه يهزه بشدة صائحاً "ما الذي فعلته يا هذا بالبئر؟"
نظر له كاد بصمتٍ وتحدٍ واضح، فدفعه الجندي حتى أسقطه أرضاً ووجّه البندقية نحوه حتى لامست فوهتها جبينه، وقال بغضب "سأقتلك أيها الجاسوس.."
استوقفه أحد الجنود قائلاً "مهلاً.. علينا استشارة القائد.. كما أننا لا نعلم ما فعله بالبئر حتى الآن.. يجب أن نستجوبه قبل ذلك.."
قال الأول بحنق "أتظن أن رجلاً من الأكاشي سيستجيب لنا مهما استخدمنا ضده من وسائل؟.. فلنقتله قبل أن ينجح في الهرب ويعود بأخبارنا لمعسكر الأعداء.."
اعترض الثاني قائلاً "ولكن...."
فقال الأول وهو يرفع البندقية من جديد نحو رأس كاد "تباً.. لن أنتظر أكثر من هذا.."
لم يحاول كاد إغماض عينيه وهو يواجه البندقية بصمت وتحدٍ، فقد كان هروبه ميؤوساً منه مع الجنود المحيطين به، وآخر ما يرغب به هو إظهار ذعره أو خوفه من الموت.. وعوضاً عن صوت الرصاصة العالي، فإن ما سمعه كاد كان صوت صياحٍ في جانب آخر من المعسكر.. ولما استدار الجميع نحو الموقع، لم يفُتْهم رؤية النار التي اشتعلت في إحدى الخيام وسط المعسكر.. فقال أحد الجنود بتوتر "أليست هذه النار قريبة من خيمة القائد؟.."
بدت الصدمة بليغة على وجوه الجميع، فحاول كاد استغلال تلك الفرصة وهو يركل الجندي القريب منه بقوة، واستدار مندفعاً نحو ثغرة بين الجنود الذين شُدهوا لما جرى.. لكن الجندي سارع لرفع بندقيته وإطلاق رصاصة أصابت ساق كاد وجعلته يتعثر فيسقط وهو يصيح متألماً.. عندها كان الجندي قد لحق به بخطوات واسعة وهو يصوّب بندقيته نحوه، ولما أدار كاد رأسه نحو الجندي، قبض الجندي على مجمع ثيابه وقال بحنق "كم فأراً تسلل إلى معسكرنا؟"
قال كاد بسخرية "أكثر مما قد تتخيل.."
نظر له الجندي بعبوس وغضب، بينما جلجلت ضحكة كاد وهو يقول "لا تفرح بتمكنك مني.. فقريباً ستفترش جثثكم هذه السهول ككل أحمق يحاول غزونا.."
رفع الجندي بندقيته وأطلق رصاصة نحو رأس كاد قضت عليه في الحال ودماؤه تلطخ ملابس الجندي.. فترك الجندي جسد كاد يهوي أرضاً والتفت إلى رفاقه صائحاً "ما الذي تنتظرونه؟.. ابحثوا عن المتسللين، وليقم بعضكم بإطفاء النيران بسرعة والاطمئنان على القائد.."
لم يكد يتم كلامه حتى سمع صياح الجنود القريبين.. ولما رفع رأسه عالياً، حيث أشار الجنود بأيديهم، رأى عشرات ومئات النيران التي ارتفعت عالياً في السماء قبل أن تهوي على رؤوسهم وعلى المخيم من ثلاث جهات دون هوادة.. وبينما تصايح الجنود وهم يحاولون الاختباء عن تلك السهام التي تتساقط بغزارة، فإن ذلك الجندي تراجع خطواتٍ صائحاً "اللعنة.. هذا هجوم غادر.."
لكنه لم يجد رداً من رفاقه وأحد السهام المشتعلة يصيبه في صدره إصابة قاتلة أسقطته جوار جسد كاد الهامد، بينما بدأت النيران تشبّ في ملابسه بسرعة وشراهة..

************************

في موقع يطل على معسكر الجيش العربي، وعلى تلة تسمح للرجال بمراقبة المعسكر والاختفاء عن أنظار جنوده في آنٍ واحد، قبعت فرقة الرماة الأولى التي يقودها باشتا بانتظار إشارة ريجاد المتفق عليها.. وبينهم، ربضت ججي تتطلع للمعسكر الذي بدا لها ساكناً وهي تمسك بقوسها وبكنانة السهام القريبة بتوتر كبير.. بقيت لحظات معدودة وتبدأ هذه الحرب، وهي الخبرة الأولى التي ستكتسبها ججي في هذا المجال.. لذلك تفاوتت انفعالاتها بين الحماسة للأحداث الوشيكة وبين التوتر لما قد يحدث فيها.. كانت الفرقة التي انضمّت إليها ججي تتكون من عشرين رجلاً من الرماة، وقد تمركزت في الجزء الشمالي من المعسكر بينما تفرقت فرقتين أخريتين من الرماة في الجزء الغربي والجنوبي منه.. بينما بقي الجزء الشرقي منيعاً بسبب الجبال الحادة التي تطلّ على المعسكر والتي لا يقدر الأكاشي على تسلقها بسبب انحدارها الشديد..
وعندما رأى باشتا إشارة ريجاد الواضحة، وهي الحريق الذي شبّ في خيمة قائد الجيش، صاح بمن قربه من الرجال "أطلقوا سهامكم الآن.. وركزوا على الموقع الذي تشتعل فيه النيران.."
كانت كل فرقة من الرماة قد أشعلت ناراً في أسفل التلة في الجانب المعاكس للمعسكر، وفي موقعٍ تغطي جانبه الصخور لئلا يفضحهم الضوء النابع من النيران.. فقام أربع رجالٍ بحمل المشاعل المشتعلة نحو الرماة، ليقوم كل منهم بإشعال مقدمة سهمه المغموس في الزيت، ومن ثم شدّ وتر القوس به وإطلاقه بقوة نحو معسكر الجيش العربي..
بدأ الرماة في رمي سهامهم المشتعلة بكل سرعة ومهارة، وتقاطرت السهام شاقة السماء نحو الخيم القماشية التي أقامها الجيش العربي لجنوده.. فكانت السهام تصيب مواضع متفرقة من المعسكر وتشتعل لها الخيام بسرعة كبيرة مثيرة بلبلة بين جنود الجيش الذين خلدوا للنوم منذ بعض الوقت ولم يستيقظوا إلا على الصياح وعلى دخان النيران.. وبينما تعالت الصيحات واضحة من المعسكر، فإن ججي كانت تشارك في رمي السهام بأسرع ما يمكنها بعد أن تشعل طرفها بمشعل قريب.. بدأت أصابعها تؤلمها من شدّ الوتر بقوة، لكنها استمرت في رمي السهام واحداً تلو الآخر وهي تتخيّر المواضع التي لم تصلها النيران بعد في معسكر الأعداء..
وحسب الخطة التي سمعتها، كان عليهم حرق المواقع القريبة من خيمة قائد الجيش التي فضخ ريجاد مكانها، في محاولة للتخلص من القائد أو منع بقية الجنود من الوصول إليه وحمايته، ومن ثم حرق ما يمكن حرقه من المعسكر وإثارة بلبلة فيه قبل أن يتدخل جيش الأكاشي ويقضي على الجنود المذعورين متخلصاً منهم بأسرع ما يمكنه.. وعند تدخل جيش الأكاشي، يتوقف الرماة عن رمي السهام لئلا يصيبوا رفاقهم ويبقوا على أهبة الاستعداد لاصطياد أي هارب من معسكر الأعداء على ضوء النيران التي أنارت البقعة بشكل واضح..
في تلك الأثناء، كان ريجاد يمسك سيفه بقوة وهو يتلفت حوله في المعسكر الذي بدأت السهام المشتعلة تمطر عليه بغزارة.. ورغم النيران التي شبّت في أكثر من موقع حوله ورغم أصوات الصياح التي تعالت في جوانب المعسكر، لكن ريجاد لم يساوره أي ذعر أو رغبة بالفرار وهو يدرك أن مهمته لم تنتهِ بعد.. تجاوز جثة الجندي التي سقطت عند قدميه، وركض عائداً لخيمة القائد التي شبّت النيران في أعلاها وبدأت تتهاوى، ولما اقتحمها وجدها خالية ولم يعثر على أثر لقائد الجيش.. فقطب وهو يستدير مغادراً متلفتاً حوله.. لابد أن القائد قد هرب عند اندلاع النيران في خيمته أثناء انشغال ريجاد، لكنه لا يقدر على الاستسلام الآن.. عليه أن يعثر على القائد، وأن يقتله بأي وسيلة كانت قبل أن يقتحم جيش الأكاشي المعسكر.. وإلا فإنه سيكون قد فشل في نصف المهمة التي أوكلت إليه..
ركض في جوانب المخيم ملاحظاً أن الجنود لم يعترضوا طريقه وسط البلبلة التي عمّت المكان وقد ظنوه جندياً مثلهم.. وفي موقع لا يبعد الكثير عن خيمة القائد، وجد الأخير واقفاً وسط مجموعة من رجاله قاموا برفع الدروع المعدنية حوله لحمايته من السهام المشتعلة، بينما كان القائد يلقي تعليماته لنائبه وجنوده بحدة وانفعال.. استطاع ريجاد التعرف عليه من هيأته التي تختلف عن البقية ومن إحاطة الجنود له وحمايته بتلك الصورة، مما لا يدع مجالاً للشك في هويته..
ظل ريجاد رابضاً في موقع جانبي يراقب الوضع، محتمياً ببعض الصناديق عن السهام المشتعلة التي تساقطت على رؤوسهم دون تمييز.. وبعد وقت قصير، خفتت حدة تساقط السهام على المعسكر، وبدأ الجنود بإنزال دروعهم من حول القائد الذي صاح برجاله "استعدوا للالتحام مع العدو.. لابد أنهم سيهجمون على المعسكر الآن.."
نهض ريجاد عندها وهو يتحسس الخنجر المخفي في ثيابه، ثم اندفع نحو القائد صائحاً "سيدي القائد.. هناك معلوماتٌ هامة عن الهجوم الذي نواجهه.."
لم يتحفز الجنود لمرآه بسبب ملابس الجنود التي يرتديها، وريجاد يستغل الظلام الجزئي للاقتراب من القائد.. بينما نظر له القائد بتقطيب قائلاً "من أنت أيها الجندي؟.. وأي معلومات تملك؟"
لم يخفف ريجاد اندفاعه عند اقترابه من القائد وهو يقول بانفعال "الأكاشي يتقدمون من الجانب الشمالي للمعسكر.. إنهم على مشارف المعسكر بالفعل.."
وجد جندياً يمد ذراعه ليوقفه قائلاً بحدة "قف مكانك وتحدث دون انفعال يا هذا.."
لم يكن يفصل ريجاد عن القائد إلا متران تقريباً، ولم يكن ليسمح بأن تفشل خطته الآن لأي سبب.. فقام بركل الجندي القريب بقوة، ثم رمى الخنجر الذي يملكه نحو القائد الذي لم يكن قد ارتدى درعه بعد مع تلاحق الأحداث الأخيرة.. أصاب الخنجر جانب عنق القائد دون أن يقتله، فسارع لوضع يده على موضع الإصابة وهو يتراجع خطوة بألم، بينما قفز ريجاد نحوه قبل أن يفلح أحد الجنود بإيقافه.. وبعينين متسعتين، رأى القائد ذلك السيف الذي استلّه ريجاد من أحد الجنود القريبين بغفلة منه، فيما رمى ريجاد جسده على القائد وهو يغمد سيفه بقوة في عنقه وأسقطه أرضاً بعنف..
تدافع الجنود نحو القائد صائحين بغضب، بينما سحب ريجاد السيف بعد أن تأكد أن القائد قضى نحبه.. فطوّح سيفه نحو أقرب الجنود إليه محاولاً إيجاد ثغرة للهرب عبرها.. لكن الجندي أوقف اندفاع السيف ببندقيته، فيما وجد ريجاد أن سيفاً آخر قد غاص بين لوحي كتفيه بقوة شهق لها وترنح في وقوفه.. قبل أن تتبعها ضربات أخرى حتى أسقطته جوار ضحيته وقد انسلّت منه الحياة بسرعة لا تصدق..

************************

عندما صاح باشتا بفرقة الرماة ليتوقفوا عن رمي السهام، أطفأت ججي السهم الذي أشعلته للتو في الأرض، وربضت في موقعها وهي تلهث بانفعال مراقبة ساحة المعسكر الذي اشتعل دون هوادة.. وبعد وقت قصير، وقد كفّ الرماة الذين تمركزوا في الجانب الآخر من المعسكر عن رمي سهامهم كذلك، بدأت ججي تسمع الصياح العالي الذي اندلع من الجزء الغربي للمعسكر.. وفي ذلك الموقع، استطاعت أن ترى المئات والآلاف من الأكاشي يتدفقون نحو معسكر الأعداء على أقدامهم وسيوفهم تلتمع بضوء النيران وهم يطلقون صياحهم المرعب لإثارة فزع الأعداء بكل وسيلة ممكنة.. تخطى الأكاشي الحراسة الواهية أمام المعسكر والتي لم تصمد للحظات، وبدؤوا يقتحمون الخيام ويقتلون كل جندي يمر بهم دون تردد لئلا يمنحوهم الفرصة للمقاومة واستخدام بنادقهم في صدّ الهجوم..
ودون تردد أيضاً، بدأ الجنود باستعادة أسلحتهم ومواجهة هذا الهجوم الذي باغتهم ونشر الفوضى في معسكرهم.. لكن هذه الفوضى بالذات هي ما صعّب على الجنود استخدام البنادق لمواجهة أعدائهم، بينما فضّل الأغلبية استخدام السيوف التي لا يستخدمونها إلا وقت الحاجة في مثل هذه الحروب.. فبدأت عدة معارك تنشب في مواقع عديدة من المعسكر وصليل السيوف يعلو بوضوح في تلك المواقع.. انهالت الضربات يميناً ويساراً، وبدأ بعض الجنود وعدد أقل من الأكاشي يتساقطون جرحى أو قتلى دون أن يتمكن أحد من الالتفات إليهم وسط هذه الأحداث..
ظلت ججي تراقب الموقف بانفعال شديد وهي تودّ لو تهبط وتشارك البقية في القتال.. لم يكن القتل هو ما تهدف إليه، لكنها عجزت عن البقاء في موقعها بصمت مع كل الأحداث التي تجري في المعسكر.. ولولا أوامر أبيها الصارمة في هذا الشأن، لتجاهلت باشتا والبقية وركضت نحو معسكر الأعداء شاهرة سيفها لتشارك في الحرب الدائرة، وهو أمر تعجبت له بنفسها ولم تتوقعه بتاتاً..
سمعت صياح باشتا بهم وهو يقول "انتبهوا لكل شخص يحاول مغادرة المعسكر والهرب منه.. اقتلوا أي جندي عربي يحاول الفرار.."
ظلت ججي متأهبة وهي تراقب الوضع، ولاحظت على رأس تلة تقع غرب المعسكر أن فرقة أخرى من الأكاشي تمركزت في ذلك الموقع تراقب المعركة الدائرة، ورغم بعد المسافة والظلام المهيمن، لكنها أدركت أن تلك الفرقة تضمّ القادة الأربعة الذين أتوا لمراقبة سير المعركة عن كثب وإصدار أي أوامر جديدة تتماشى مع الأحداث الجارية..
سمعت في تلك اللحظة صيحة من أحد الرجال وهو يقول "هناك فرقة صغيرة من الجنود تحاول مغادرة المعسكر.."
فصاح باشتا بهم "أقضوا عليهم.. لا تتركوهم يغادروا المكان.."
بدا بوضوح أن تلك الفرقة التي لا يتجاوز عددها عشرون جندياً، تحاول الوصول للموقع الذي تمركز عنده قادة الأكاشي.. ورغم السهام التي تطايرت نحوهم بغزارة، إلا أنهم اكتفوا بصدّها بدروعهم المعدنية التي شكلت واقياً لأجسادهم وهم يستمرون في سيرهم الحثيث دون أن يعبؤوا لأمر من سقط منهم..
حاولت ججي بدورها إسقاط من يمكنها إسقاطه من الأعداء مستهدفة السيقان التي تبدو واضحة من أسفل الدروع.. ورغم أنها تمكنت من تعطيل اثنان منهم، لكن الفرقة كانت قد ابتعدت عنهم رغم تناقص عددهم الواضح.. فقال أحد الرجال بتوتر "هل نلحق بهم ونتصيدهم بسيوفنا؟.."
قال باشتا مقطباً "لا.. الأوامر واضحة بألا نغادر موقعنا.. مع هذا العدد القليل، سيتمكن الرجال المصاحبين للزعماء من التخلص منهم بسهولة.."
كفّت ججي عن رمي السهام وهي تربض في موقعها منفعلة، وإن لم تتخلّ عن السهم والقوس في يدها بانتظار أن تلمح أي هارب من المعسكر الذي اشتعل وعمّته الفوضى العارمة.. وبينما هي كذلك، سمعت صوتاً خافتاً متألماً من خلفها صاحبته سبّة غاضبة، فاستدارت مدهوشة لترى عدداً من الأعداء يقتربون من موقعهم محاولين التسلل ومداهمتهم باستخدام السيوف، وقد تخلوا عن البنادق في هذه المرة لمباغتة فرقة الرماة.. فمع انشغال الرماة بالمعسكر القريب، كان حذرهم مما يدور خلفهم قد تراجع بشكل كبير حتى سقط عدد من الرجال بأيدي الجنود الذين صعدوا التلة ركضاً..
تلاحقت أنفاس ججي بقوة وهي ترى أقرب الجنود إليها يركض نحوها شاهراً سيفه.. ومع المفاجأة، ارتبكت ججي للحظة وعيناها تتسعان وهي تسمع تصايح بضع رجال حولها بألم، لكنها تداركت نفسها مع منظر السيف الذي انعكس عليه ضوء النيران خلفها، فرفعت قوسها بسرعة وأطلقت السهم نحو الجندي القريب.. طار السهم ليستقر في عنق الجندي ويسقطه خلفاً متدحرجاً نحو أسفل التلة، بينما حاولت ججي تمالك انفعالها وهي تنهض وتشد القوس بسهم جديد وتطلقه على جندي آخر كان يستهدف أحد الأكاشي.. لكن مع التحام أغلب الجنود مع بقية رفاقها، فإن ججي فضّلت استخدام السيف خوفاً من أن تصيب سهامها أحد الأكاشي.. ودون تردد، اندفعت ججي نحو جندي التحم مع أحد الرماة، فلم تتردد ججي للحظة وهي تغرز سيفها في خاصرته بقوة حتى سقط أرضاً، فأغمد رجل الأكاشي سيفه في صدر الجندي وقضى عليه قبل أن يلتفت إلى ججي صائحاً بغضب "لم أطلب منك معاونتي.. أتريني ضعيفاً؟"
صاحت ججي لتتغلب على الصوت العالي حولها قائلة "نحن لسنا في نزال فردي لتخشى أن يعيّرك الآخرون بتدخلي.. يجب أن نتغلب على هؤلاء المتسللين، لنعود لمهمتنا الأصلية.. أم أنك نسيت؟.."
استدار الرجل مبتعداً وهو يدمدم بغيظ، بينما التفتت ججي حولها بحثاً عن صيدٍ سهل بين الأعداء.. كانت الدماء تغلي في جسدها، وتشعر بشيء من التوتر والقلق الممتزج بانفعال تتسارع له دقات قلبها.. وبدلاً من أن تفر مذعورة، فإنها شعرت بحماس وانفعال شديدين وهي تهوي بسيفها على فخذ جندي آخر فتسقطه أرضاً ثم تهرع لآخر.. كان قصرها وحجمها الصغير يجعل الجنود يتغاضون عنها وهم مندمجون في النزال مع الرجال الأضخم والأكبر عمراً.. لذلك كان سهلاً على ججي التسلل بينهم وجندلة من تستطيع الوصول إليه، أو عرقلته بحيث تمكّن رفاقها من القضاء عليه.. ولما سقط الجندي الأخير، وقفت ججي ممسكة بسيفها بشدة وهي تنظر للأجساد الساقطة أمامها، وقد تناقص عدد رفاقها للنصف.. ثم سمعت باشتا يقول وهو يمسح الدماء عن سيفه "الحرب لم تنتهِ بعد يا رجال.. عودوا لمواقعكم حتى تصلنا تعليمات أخرى من القادة.."
مسحت ججي الدماء عن سيفها بطرف قميصها الملطخ بالدماء بالفعل، ثم علقته في حزامها وهي تنظر لجندي قريب سقط بعد أن فصل أحد الرجال رأسه.. ما استرعى انتباهها فيه هو ذلك السيف الذي يقبض عليه بقبضته.. كان سيفه يختلف اختلافاً كليّاً عن سيوف الأكاشي العريضة والخالية من أي زينة.. فسيفه كان ضعيف النصل وطويله، بزخارف بديعة نقشت عليه بالإضافة لمقبضٍ فضي مزخرف جذب أنظارها بشدة.. انحنت ججي وجذبت السيف من يد الجندي، ثم وضعته في حزامها مع سيفها الآخر قبل أن تعود لموضعها السابق متناولة قوسها وأحد السهام باستعداد.. الحرب ما تزال ضارية وسط المعسكر.. ومهما استغرق الجيشان فيها قبل إنهائها بشكل كامل، فعلى ججي ألا تبارح موقعها بتاتاً.. مهما طالت الساعات لتحقيق ذلك..

************************

عندما سقط قائد الجيش العربي أمام جنوده، حدث اضطرابٌ كبير وبلبلة عارمة بين من شهِدَ الأمر من الجنود.. ورغم ذلك، أسرع نائبه لاستلام الأمور وهو يصيح بمن قربه "اثبتوا في مواقعكم يا رجال وتخلصوا من الأكاشي.. يمكنكم تمييزهم بسهولة بسبب خوذاتهم.. استخدموا البنادق ولا تواجهوهم مباشرة.."
اقترب أحد الجنود منه قائلاً بتوتر "سيدي.. لقد حاول جنودنا الوصول للرماة والقضاء عليهم حتى يتمكنوا من الوصول لقادة الأكاشي، لكن تم القضاء عليهم بشكل تام.."
فقال القائد الجديد بحنق "انسَ أمرهم الآن.. لن نستفيد أمراً ما لم نتخلص......."
فوجئوا برؤية ذلك السهم الذي اخترق صدر القائد وأسقطه أرضاً غير بعيد عن القائد الأول.. وعلى خيمة قريبة، وقف أحد الأكاشي معتمداً على الدعامة التي تثبت الخيمة وهو يشدّ قوسه بسهم جديد ويرمي به جندياً آخر دون تردد.. ارتفعت البنادق نحو ذلك الرجل وتطايرت الرصاصات لتلقيه قتيلاً من موقعه، بينما هجمت مجموعة أخرى من الأكاشي نحو ذلك الموقع وهم يندفعون وسط الجنود مطوّحين سيوفهم يميناً ويساراً دون تأنٍ أو تردد..
تراجعت تلك الجماعة من الجنود مع تدفق الأكاشي وهم يتفرقون في الموقع، بينما صاح أحدهم "اثبتوا يا رجال.. لابد أن ننتصر عليهم فنحن أكثر عدداً وعدة.."
لكن الجنود تراجعوا أكثر فأكثر والذعر في نفوسهم يتزايد بشدة.. كانت وحشية الأكاشي تتمثل أمامهم بأقسى صورها.. فالرؤوس المقطوعة والأطراف المبتورة ليست أقل ما يحصل عليه الجنود بسيوفهم، وهم لا يترددون أمام البنادق أو لمرأى عدد الجنود الذي يفوق أعدادهم بمراحل.. تساقط الجنود كالفراش أمام نارٍ متوهجة، وبدأ الفرق يبدو بوضوح بينهم وبين الأكاشي الذين تقدموا في كل مرة بينما تراجع الجنود بشكل متعثر وقد فقدوا القائد الذي يمكن أن يرتب صفوفهم وينظم هجومهم..
ومع توالي الهجمات في جوانب المخيم، انكسرت إرادة الجنود خلال لحظة وانهزموا بشكل تستغربه الأعين ومن بقي منهم يتراكضون نحو الجبال القريبة متخلين على كل أسلحتهم وعتادهم ومتاعهم، بينما لم يتردد الأكاشي في الاندفاع خلفهم واصطياد من تطاله سيوفهم ورماحهم وسهامهم.. بدأت الجيوش المعتدية تتشتت في السهول وهي تهرب عبر الجبال القريبة محاولة العودة لموطنها قبل أن يمسحها الأكاشي عن الوجود.. ورغم أن الأكاشي قد خسروا الكثير من الرجال بالفعل، لكن لم يبدُ عليهم أنهم سينهزمون في وقت قريب..
ومع مرأى هروب الجنود نحو الجبال القريبة، ومع تساقط العديدين منهم بسهام بعض رماة الأكاشي، فإن البقية قد كفّوا عن القتال وملاحقة الجنود وهم يطلقون صيحات احتفالية بهذا النصر الذي جاء أبكر مما توقع كل القادة.. تعالت صيحاتهم في السهول الخالية، ورددت صداها الجبال القريبة مضاعفة بحيث أثارت فزع الجنود المهزومين أكثر فأكثر.. وبينما وقفت ججي متلفتة حولها للرجال القريبين وهي تشدّ يدها على قوسها بانفعال لم تملكه، فإنها وجدت نفسها بعد ذلك تصيح بأعلى صوتها مقلدة الأصوات التي تتردد حولها وهي ترفع قوسها عالياً.. كان ذلك نصرها الأول، وكان شعوراً لا يصدّق ذاك الذي انتابها وهي تجد نفسها وسط جيش الأكاشي تحتفل بالنصر معهم وتتباهى به مثلهم..

************************

مع أولى أشعة الشمس التي أعلنت بدء يومٍ جديد على السهول، كانت الحرائق لا تزال مشتعلة في جوانب المعسكر الذي أقامه الجيش العربي في سهول الأكاشي.. كانت أغلب الخيام قد تحولت لأنقاضٍ متفحمة، بينما ما بقي منها صامداً قد أخذت النيران تأكل أطرافه بسرعة وانعدام صبر.. ووسط المعسكر، افترشت الجثث الساحات وتكومت في جوانب المكان وسط رائحة قبيحة من مزيج الدماء مع رائحة الجثث المتفحمة..
سار قادور وسط المعسكر بصمت متأملاً جوانبه ومقدّراً خسائر الأكاشي في هذه المعركة.. كانت فرق الأكاشي قد خسرت ما يقارب ألفي رجل، وهو عدد غير قليل مقارنة بعدد الأكاشي إجمالاً.. لكنه لا يعدّ شيئاً مقارنة بما خسره الجيش العربي في هذه المعركة.. فجثث الجنود المتناثرة في جوانب المعسكر يقدّر عددها بما لا يقل عن عشرون ألفاً، بينما فرّ البقية منهم بعد أن قتل القائد وأغلب قادة الألوية، ولم يستلم زمام الأمور في الجيش أي رجل بعده.. فاضطرّ البقية للفرار متراجعين عبر ممرات ضيقة تعبر السلسلة الجبلية عائدين لمملكتهم بشكلٍ مخزٍ..
وبينما وقف براد في وسط المخيم منتشياً بالانتصار الذي حققه الأكاشي، وقام شين وكيراد بإلقاء الأوامر لرجالهم بالتقاط ما يمكن التقاطه من غنائم قبل الانسحاب من الموقع، فإن قادور وقف بصمت يتأمل جثث الرجال التي تفحمت وما عاد بإمكان أحد التعرف عليها.. لم يشعر بالحسرة على من فقدهم من الرجال، لشعوره أنهم قد ماتوا بطريقة مشرفة كأكاشي ولضمان حرية السهول من أي اعتداء.. لكنه استاء لظنه أنه قد أخطأ في حساب الخسائر أو أن هؤلاء الرجال قد ماتوا لسوء تقدير منه.. وبعد صمتٍ طويل قضاه متأملاً جوانب المعسكر، استدار إلى كيراد القريب منه قائلاً "هل سنبقى هنا لانتظار عودة الجيش العربي؟"
نظر له كيراد بشيء من الاستنكار وعلق "طبعاً لا.. علينا العودة إلى مخيماتنا بعد أن نجمع الغنائم.. لقد انكسرت شوكة الجيش العربي ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم في هذه السهول.."
غمغم قادور بغير اقتناع "لا أظن ذلك.."
فقال كيراد بضيق "لا يمكننا ترك مخيماتنا مكشوفة أكثر من هذا.. من يعلم ما قد يجري فيها ومن قد يتهجم عليها من القبائل الأخرى مستغلين غيابنا.."
قال شين الذي اقترب والتقط الحديث الدائر بينهما "ألم يقم طاغار بمخاطبة باقي القبائل التي لم تشارك في هذه الحرب؟.. لقد وعد بأن يرسل إليهم الرسل مطالباً بوقف أي حروب داخلية حتى نفرغ من عدونا المشترك هذا.."
علق قادور عليه قائلاً "لا أشك بأنه قد فعل ذلك.. لكن ليس هذا ما يهمّني الآن.. أتظنون أن الجيش العربي قد اندحر حقاً ولن يعاود مهاجمتنا من جديد بعد أن يستجمع شتاته؟.. ربما حاولوا إيهامنا بتراجعهم وهم على ثقة أننا لن نلحق بهم عبر الجبال.."
غمغم كيراد وهو يبتعد "أنت تبالغ.."
فقال قادور بضيق "لا نريد أن يعود الجيش بعد حصوله على إمدادات من الملك العربي فيجد البقعة خالية ومؤهلة لعودته بهذه البساطة.."
لم يجبه أحدهم وكيراد يقول لرجاله "أسرعوا يا رجال.. بعد أن تحصلوا على قسط من الراحة، سنرحل عائدين لمخيمنا بأسرع ما يمكن.."
زفر قادور وهو يرى شين وبراد يحذوان حذو كيراد، بينما اقترب أحد الرجال من قادور متسائلاً "هل سنرحل نحن أيضاً يا زعيم؟"
أجاب قادور باستياء "وهل نقدر على غير هذا؟.. رجالنا وحدهم ليسوا قادرين على مواجهة الجيش العربي في حال عودته، كما أن الاستياء سيغمرهم لرؤية رحيل البقية بينما هم مجبرون على البقاء في هذا الموقع لأجلٍ غير مسمّى.."
عاد الرجل يتساءل "إذن، ما الحل؟.."
تطلع قادور حوله، ثم قال "أخبر الرجال أننا سنرحل بعد أن يحصلوا على بعض الراحة.. واستدعِ لي تبريق.."
استدار الرجل منفذاً أمره، بينما لاحظ قادور ججي التي اقتربت منه راكضة وابتسامة عريضة على وجهها وهي تصيح "أأنت بخير يا أبي؟"
قال قادور بابتسامة "هذا السؤال أوجهه لك يا جام.. ما الذي فعلته في هذه المعركة؟.."
قالت بحماس "لقد تصرفت كما طلبت مني يا أبي.. لكن فاجأنا الأعداء مفاجأة كبيرة.. فقد......."
انطلقت ججي تروي لقادور ما جرى لها مع فرقة الرماة في الليلة الماضية، وما فعلته أثناءها مغلفة كلماتها بحماس كبير وانفعال أكبر، بينما استمع لها قادور بابتسامة صامتة ونظرة رضىً تتبدى في عينيه.. ولما فرغت ججي من حديثها، ربت قادور على كتفها قائلاً "رائع.. ليس أكثر مني فخراً بك الآن يا جام.."
شعرت ججي بالسعادة تكاد تطفح من صدرها وهي تمسك يد قادور اليمنى وتنحني واضعة يده على جبينها بحركة يمارسها الأكاشي وتدلّ على الاحترام الشديد، وقالت بصوت متهدج "لم أكن لأحظى بفخرك ولم أكن لأصبح ما أنا عليه دون تعليماتك وصبرك عليّ يا أبي.."
ربت قادور على رأسها بابتسامة، ثم قال مشيراً لما حوله "ألا تريد أي غنيمة من هذه الحرب؟.. هي حربك الأولى، ولابد أن تحصل على تذكار منها.."
رفعت ججي السيف الذي استولت عليه من الجندي العربي وقالت "هذا يكفيني.."
ثم تساءلت "وأين هو مينار؟.. لم أره منذ انتهت هذه الحرب.. أهو بخير؟"
فقال قادور بابتسامة "ذلك الثعلب لا يمكن لأحد التغلب عليه.. لابد أنه عاد للمعسكر.. عُد أنت أيضاً وخذ قسطاً من الراحة بعد هذا المجهود.. سنغادر مع نهاية هذا اليوم دون إبطاء.."
هزت رأسها موافقة، واستدارت لتغادر عندما استوقفها قادور قائلاً "ما الذي سنفعله بالكشميتي يا جام عند رحيلنا؟"
نظرت ججي له وقادور يضيف "لا يمكننا أخذه معنا إلى القبيلة.. وهو لم يحاول المغادرة ولو لمرة واحدة طوال هذا الوقت.."
قالت ججي باهتمام "ولمَ لا نصطحبه معنا للقبيلة؟.. إنه لا يملك وطناً يعود إليه.. من المحزن أن يبقى تائهاً في العراء وحيداً.."
غمغم قادور "من الغريب أن يلجأ شخص للبقاء مع الأكاشي لوقت طويل.. فسمعتنا لا تسمح للغرباء بذلك.."
فقالت ججي "لكنه أنقذ حياتي سابقاً.. فليبقَ معنا حتى يرغب بالرحيل بنفسه.."
فقال قادور وهو يستدير مبتعداً "لا بأس.. افعل ما يحلو لك يا جام.."
عندها غادرت ججي عائدة إلى معسكر الأكاشي دون إبطاء.. كان قلة من الأكاشي قد لجؤوا للعودة للمعسكر بينما بقي الجزء الأعظم منهم لنهب كل ما يمكن حمله من غنائم من الجيش المنهزم، وتكونت أغلبها من السيوف والدروع وبعض الأطعمة والملابس.. بينما تركوا البنادق في مواقعها لأنهم لا يهتمون بها ولا يعرفون كيفية استخدامها لذلك هي بلا قيمة عندهم، إلا من فكر ببيعها للمدن والقرى القريبة من السهول..
وصلت ججي إلى المعسكر الذي كان شبه خالٍ من الرجال، وسارت فوراً إلى خيمة أبيها لتجد كين نائماً بوضعية الجلوس كما تركته في الليلة الماضية، وقد انتبه مذعوراً عندما سمع صوت خطواتها واعتدل جالساً وهو يقبض على السيف بيده.. ولما رآها، قال بشيء من القلق "هل انتهت المعركة؟"
أجابت ججي بابتسامة "لقد انتهت المعركة منذ أمدٍ بعيد.. وكانت الهزيمة من نصيب الجيش العربي المعتدّ بنفسه.."
رفع كين حاجبيه بصدمة كبيرة لهذا الخبر، وقال مذهولاً "كيف تمكنتم من ذلك؟.. كيف تغلبتم على المدافع والبنادق بسيوفكم ودروعكم فقط؟"
ركعت قربه وقالت مشيرة لعقلها "ببعض الحيلة.. ولكي لا يستهين بنا أعداؤنا ظانين أننا مجرد قبائل همجية بلا عقل.."
ظل كين صامتاً يحاول استيعاب مثل ذلك الخبر الغريب.. كان واثقاً أشد الثقة أن الأكاشي سيهزمون خلال الساعات الأولى، وعندها سيجد أن جنود الجيش العربي سيندفعون نحو هذا المخيم ليقضوا على من بقي من الأكاشي فيه.. وكونه من الكشميت لن يجعل موقفه أفضل في أعين الجنود العرب، فالمودة بين الكشميت والعرب مفقودة منذ بدء تكوين المملكة العربية بقيادة الملك فارس.. لذلك قضى الساعات الماضية مرتعباً في موقعه بانتظار هجوم الجيش العربي على هذا المخيم..
انتبه لججي التي قالت بابتسامة متسعة "كن سعيداً يا كين.. بما أنك لا تملك موطناً ترحل إليه، فلقد وافق أبي على أن تعود معنا لمخيم قبيلتنا.."
لكن كين لم يظهر أي سعادة لهذا الخبر، وهو يخفض وجهه ببؤسٍ واضح، فقالت ججي بابتسامة جانبية "العيش مع قبيلتنا لن يكون سيئاً أبداً.. صدقني.."
غمغم كين "أنتِ تقولين هذا لأنها موطنك.."
فقالت ججي "وهل تملك مكاناً آخر ترحل إليه؟"
صمت كين دون إجابة وهو لا يملكها حقاً.. مع مرور الأيام، تضاءل حماسه للرحيل لمملكة وادي النسور، لكن بقاءه في سهول الأكاشي ضربٌ من المستحيلات أيضاً.. فما الذي يمكنه أن يفعله؟.. هل يعود أدراجه لكشميت ويواجه قدره؟.. هل يهيم على وجهه ويرى أين ستقوده قدماه؟..
قطع تفكيره قول ججي وهي تضرب كتفه بقوة "صدقني هذه المرة.. ستحبّ العيش معنا كثيراً.. على الأقل، لن تشعر بالملل.. وستكون أيامك حافلة بالكثير من الأحداث.."
نظر لها بغير تصديق، فمالت تجاهه مضيفة "سأضمن ألا يحدث ذلك.. سأتأكد أنك ستخوض تدريباً قاسياً، وخلال سنة ستصبح شخصاً مخالفاً تماماً لما أنت عليه الآن.."
تنهد كين مغمغماً "وهل سأبقى هنا سنة كاملة؟"
هل يترك هذه الفتاة التي تظن نفسها رجلاً تسوقه أينما تشاء؟.. هو بالفعل غير مستقر على أمر.. لا يزال يخشى الرحيل وحيداً في هذه السهول، ولا شك أن القوافل ستبقى منقطعة عن هذه السهول مع أخبار الحرب التي لا يشك أن يصل خبرها أطراف الأرض الأربعة.. فحتى متى يستطيع الصمود في هذه السهول الدموية؟..
متى سيقرر حقاً أنه سيغادر هذه القبائل الذي لا يزال يصرّ أنها متوحشة ولا تتصرف بعقلانية؟..
لكن لا يسعه إلا أن يصبر حتى تسنح له الفرصة الملائمة لذلك.. ولا يعلم حتى الآن متى سيكون ذلك..

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 11-01-16, 03:52 AM   المشاركة رقم: 40
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

رائعة خيال متابعة معاك كل فصل بيومه ومتشوقة للقادم وأتوقع كين بيعيش معاهم لسنوات وابيدرب على يد ججي أو مينار ‏

 
 

 

عرض البوم صور برد المشاعر   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:08 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية