لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المهجورة والغير مكتملة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المهجورة والغير مكتملة القصص المهجورة والغير مكتملة


رواية لأنني أحبك

نبذة عن الرواية ؛ ليلى ، طفلة في الخامسة ، تختفي في مركز تجاري في لوس أنجلوس ، و الوالدان المكسوران تنتهي علاقتهما بالانفصال ، خمس سنوات بعد ذلك

 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 08-07-14, 07:44 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jun 2014
العضوية: 268285
المشاركات: 34
الجنس ذكر
معدل التقييم: مسلوب الإرادة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مسلوب الإرادة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مسلوب الإرادة المنتدى : القصص المهجورة والغير مكتملة
افتراضي رد: رواية لأنني أحبك

 

2
المختفية
" إننا لا نشعر ، في أي يوم من أيام حياتنا ، بأننا غير محصنين ضد الألم إلى هذا الحد إلا عندما نحب " .
فرويد
بروكلين ، في الضفة الأخرى من النهر ، في الرفاهية الناعمة لمنزل صغير من العصر الفيكتوري ، مزخرف بأبراج صغيرة و ميازيب …


نار مظطرمة تطقطق داخل المدفأة ، كان مارك هاثواي ممدداً على كنبة الصالون ، يلف غطاءاً سميكاً حول ساقيه ، كان لا يزال في غيبوبة ، وكانت الدكتورة سوزان كينغستون تنحني فوق كتفه موشكة على الانتهاء من تقطيب جرحه .
_ جرح سطحي ، أوضحت لنيكول وهي تنتزع قفازيها ، إن ما يقلقني هو صحة مارك العامة على الأرجح ، لديه التهاب حاد في الشعب الهوائية ، و جسده مغطى بالأورام الدموية و التشققات .
حينما تلقت سوزان مكالمة من جارتها نيكول هاثواي ترجو منها المجيء للاعتناء بزوجها الجريح ، كانت تتذوق بودنغ عيد الميلاد وسط أفراد عائلتها ، ولم يكن قد مضى وقت طويل منذ بداية الأمسية العائلية .
على الرغم من دهشتها ، لم تتردد ثانية واحدة في تلبية النداء ، فقد كانا ، زوجها وهي ، يعرفان حق المعرفة مارك ونيكول ، كانت العائلتان على وئام قبل وقوع الحادث المأساوي قبل خمس سنوات ، و غالباً ما كانتا تخرجان معاً لتجربان المطاعم الإيطالية لحي بارك سلوب ، واحداً تلو الآخر ، هازئتين من تجار الأثريات في بروكلين هايت ، وفي نهاية الأسبوع تركضان على مروج بروسبكت بارك الفسيحة .
ذلك الزمن يبدو بعيداً اليوم ، غير واقعي تقريباً .
وبينما تثبت عينيها على مارك ، لم تستطع سوزان أن تقي نفسها الشعور الرهيب بالتورط .
_ هل كنت تعرفين أنه يعيش في الشارع ؟
أومأت نيكول برأسها ، عاجزة عن الكلام .
ذات صباح ، منذ عامين ، أخبرها زوجها أنه سيغادر ، لأنه لم يعد قادراً على العيش (( هكذا )) ، ولأنه لم تعد لديه الطاقة لذلك ، حتى ذلك الوقت ، كانت قد فعلت كل شيء من أجل الاحتفاظ به ، لكن أحياناً ما يكون كل شيء غير كافٍ ، ومنذ ذلك الحين لم تعد تصلها أي أخبارٍ عنه .
_ أعطيته جرعة من المهدئات و كذلك مضادات حيوية ، أوضحت سوسن وهي تحزم أغراضها .
رافقتها نيكول إلى الباب .
_ سأمر غدا صباحاً ، وعدت سوسن ، لكن …
توقفت في وسط الجملة ، مستحية و مرعوبة في الآن ذاته مما كانت ستتفوه به :
_ …… لا تدعيه يغادر في هذه الحالة ، أتمت كلامها ، وإلا … سيموت فيها .
*************************
_ إذاً ؟
_إذا ماذا ؟
_ ماذا سنفعل بزوجك ؟ سأل إيريك .
كان المحامي يذرع المطبخ جيئة وذهابا وكأس من الويسكي في يده .
نظرت نيكول إليه بمزيج من الإجهاد والنفور ، ماذا كانت تعمل مع هذا الرجل منذ ما يقارب العام ؟ كيف حدث أن تركته يدخل حياتها ؟ و لماذا تعلقت به ؟
_ إذا سمحت ، غادر ، تمتمت .
هز إيريك رأسه .
_ لا يخطر ببالي أن أتخلى عنك في لحظة كهذه .
_ عندما كانت السكين في حلقي ، لم يعقك ذلك عن التخلي عني !
جمد في مكانه و أعوزته بضع ثوان قبل أن يحاول التبرير :
_ لكن لم يكن لدي الوقت ل… لم يتسن له إتمام جملته
_ اذهب كررت ببساطة .
_ لو كان هذا بالفعل ما تريدنه … لكنني سأتصل بك غداً ، أضاف قبل أن يغرب عن وجهها .
وقد تخلصت منه انتاب نيكول شعور بالارتياح ، فعادت إلى داخل الصالون ، أطفأت كل الأضواء ، ومن دون أن تثير أدنى ضجة ، دنت من إحدى الكنبات كي تكون قريبة من مارك .
كانت الحجرة التي لم يعد يضيئها سوى الوميض البرتقالي لجمر المدفأة تسبح في جو هاديء الآن .
منهكة وتائهة ، وضعت يدها على يد زوجها و أغمضت عينيها ، لطالما عرفا أوقاتاً سعيدة في هذا المنزل ! ابتهجا إلى حد الجنون في اليوم الذي عثرا عليه ، كان واحدا من تلك المنازل التي شيدت في نهاية القرن التاسع عشر ، بواجهته من الأحجار السمراء و الحديقة الرئعة ، ولقد مرت عشر سنوات منذ شرائهما إياه ، بالتحديد قبل ميلاد طفلتهما التي أرادا لها أن تنشأ بعيداً عن جنون مانهاتن ، على رفوف المكتبة ، كانت بضعة صور مؤطرة تذكر بالأيام سعيدة ، في البدء ، بنظرات متواطئة و حركات ولهى ، رجل و امرأة واليد في اليد ، إجازات رومانسية في هاواي و اجتياز جسور ، بالدراجة النارية ، لجراند كانيون ، ثم صورة إيكوغرافية لطفل في الرحم ، وبعد بضعة أشهر ، صورة لوليد ذي وجه دائري ، يحتفل بأول عيد رأس سنة ، على النسخ الأخيرة ، الوليد و قد صار فتاة صغيرة خسرت أسنانها الأولى ، وهاهي ذي تضع الطعام أمام زرافات حديقة برونكس ، و تعيد ضبط قبعتها تحت سحب مونتانا وتعرض على عدسة الكاميرا سمكتيها - المهرجتين ، إرنيستو و كابوتشينو ، كانت الروائح العطرة للأيام السعيدة قد اختفت للأبد …
عطس مارك في نومه ، فسرت في جسد نيكول قشعريرة ، لم يعد الرجل الذي ينام على الكنبة يمت بصلة إلى ذلك الذي تزوجته ، وحدها الشهادات الجامعية و التكريمات التي تغطي الجدار مثل الغنائم تشهد أن مارك كان ذات يوم عالم نفس شاب و شهير ، فقد جرت العادة أن تقوم الوكالة الفيدرالية للملاحة الجوية ووكالة الأمن القومي باستدعائه عند وقوع كوارث جوية أو اختطاف رهـائن وذلك باعتباره متخصصاً في ردود الفعل الارتكاسية ، وعقب 11 أيلول / سبتمبر، شارك في وحدة علم النفس التي أنشئت بهدف متابعة عائلات الضحايا وموظفي برج التجارة العالمي ممن نجوا من الكارثة ، وذلك أن المرء لا يخرج متعافيا من مأساة كهذه ، بل يظل جزء منه على الدوام حبيس الصرخات و النيران و الدم ، وربما تكون أنت قد نجوت من الموت ، بيد أنك تستم في الشعور بأنك تلوثت ، يتآكلك الشعور بالإثم ، و يلتهمك الضيق الأصم ، و يجتازك السؤال الهائل الذي لن يعرف إجابة أبداً : لماذا نجوت أنت وليس الآخرون ؟ أنت وليس ابنك ، زوجتك ، أبواك …
قبل ذلك ، بالتوازي مع عمله كعالم نفس ، نشر مارك تجاربه في مجلات علمية تصدر بطبعات كبيرة ، و ألزم نفسه في هذه المقالات بأن يقوم بالتعريف بطرائق العلاج الجديدة - أدى الدور ، التنويم المغناطيسي …- التي كان يشتغل عليها رائداً مع شريكه و صديق طفولته كونور ماك كوي ، وشيئاً فشيئاً صار مارك عالم نفس رائج يشاهد على شاشات التلفزة ، ولقد دفعت هذه الشهرة المفاجئة بهما ، هو ونيكول ، إلى صدارة المشهد الإعلامي ، ففي عددها للثنائيات الأكثر شعبية في نيويورك ، كرس لهما اللامع فانيتي فاير مقالة من أربع صفحات مع صور رائعة لتأييد ما ذهب إليه ، وذلك نوع من التبجيل .
لكن حكايةالجنيات هذه على الورق الصقيل تطايرت في شظايا من اليوم إلى الغد ، ففي عصر أحد أيام آذار / مارس، اختفت ابنتهما الصغيرة ليلى ، ذات السنوات الخمس داخل مركز أورونج كاونتي التجاري في جنوب لوس أجلوس ، وكانت آخر مرة شوهدت فيها بينما تحدق في الألعاب أمام واجهة ديزني ستور ، وكانت حاضنتها الشابة ، أسترالية مقيمة ، قد تركتها بمفردها لبضع دقائق ، بما يكفي بالضبط كي تجرب بنطال جينز مدفوع الثمن في محل دييزل المجاور …
كم مر من الوقت قبل أن تلحظ اختفاءها ؟ « ليس أكثر من خمس دقائق » هكذا أكدت الحاضنة للمحققين ، وهذا وقت طويل ، فكثير من الأشياء يمكن أن تحصل في خمس دقائق ، إن الساعات الأولى التي تلي اختفاء طفل هي ساعات حاسمة ، ذلك ما نعرفه من التجربة ، فخلالها يكون هنالك حظ أكبر في العثور عليه حياً ، لكن هذه الاحتمالات تنخفض على نحو خطير بعد مضي ثمانية و أربعين ساعة .
كانت تمطر بغزارة خلال 23آذار / مارس ذاك ، وفي حين حدث الاختفاء في وضح النهار وفي مكان يغص بالناس ، وجد المحققون صعوبة في قطف شهادات موثوقة ، ولم تفض الاستفادة من ذلك إفادات الحاضنة ، المتهمة بالتقصير في المراقبة ، لكن ليس باختطاف طفلة .
في الأثناء ، تتالت الأيام …
خلال أسابيع ، مشط أكثر من مائة رجل بوليس ، تساندهم الكلاب المدربة و المروحيات ، المنطقة بالتفصيل ، لكن لم يتم العثور على أي أثر ملموس يتيح تحديد مكان وجود الصبية .
… ثم الأشهر …
ضلل غياب الأدلة البوليس ، كما لم يتصل أحداً طالباً الفدية ، ولم يبن أي سبيل موثوق ، لا شيء …
… والسنوات …
كانت صور ليلى لا تزال منذ خمس سنوات معلقة في المحطات و المطارات و مكاتب التوظيف ، إلى جوار صور أطفال آخرين اختفوا .
لكن ليلى لم تظهر .
تبخرت .
بالنسبة إلى مارك ، توقفت الحياة 23آذار / مارس 2002
باختفاء ابنته غرق في ضيق مطلق ، وتحت تأثير الزلزال الداخلي من الألم و الذنب انقطع عن مهنته وزوجته وصديقه .
خلال الأشهر الأولى ، جند أفضل المخبرين السريين ليقوموا بالبحث مجدداً في أدق التفاصيل ، لكن دونما نتيجة ، والحال كذلك ، ارتمى هو نفسه في استقصاءات عبثية ، استمر البحث المنذور للفشل ثلاث سنوات ، بعدها اختفى مارك بدوره ، من دون أن يترك أي خبر ، لا لزوجته ، ولا لصديقه كونور ، لم تعرف نيكول انحرافاً مماثلاً ، في البدء ، ضاعف من قنوطها شعور خاص بالذنب : كانت هي من ألحت على ليلى كي ترافقها إلى لوس أنجلوس ، حيث كانت تقدم سلسلة من الحفلات الفنية ، كما كانت هي أيضاً من جند الحاضنة التي تسبب تقصيرها في حدوث المأساة ، ولمواجهة الأسوأ ، لم تجد استعراضاً آخر غير مضاعفة النشاط ، فراحت تنظم الحفلات الموسيقية و التسجيلات ، موافقة حتى على استدعاء مأساتها على الصحف أو في التلفزيون ، كضحية راضية بالفرجة غير السوية ، مع ذلك لم تمر بضعة أيام حتى صار الألم لا يحتمل ، وحينما لم تعد نيكول قادرةً على مقاتلةً أفكارها المرضية ، استأجرت غرفة في فندق ولزمت مرقدها تحت الأغطية كما لو كانت في حالة سبات شتوي ، على المرء أن يبقى على قيد الحياة بقدر ما يستطيع …
*****************************
فجأة ، فرقعت حطبة داخل المدفأة ، فبدرت عن مارك حركة مفاجئة فتح معها عينيه ، هب جذعه منتصباً بعنف ولثوانٍ راح يتسأل عن المكان الذي يوجد فيه و عما حصل له ، بينما ينظر في وجه نيكول ، عاد وعيه إليه ببطء
_ هل جرحتِ ؟ سأل امرأته .
_ لا ، بفضلك .
للحظة ، بدا كما لو أنه عاود السقوط في وهنه قبل أن ينهض بوثبة واحدة .
_ ابقَ مضطجعاً أرجوك ، أنت بحاجة إلى الراحة !
كما لو لم يكن يسمعها ، تقدم بضع خطوات نحو الواجهة الزجاجية ، خلف الحاجز الزجاجي ، كان الشارع يتلألأ ناصعاً وساكناً
_ أين ملابسي ؟
_ رميتها ، كانت متسخة يا مارك .
_ وكلبي ؟
_ أتيتٌ به هنا معك ، لكن … هرب .
_ سأغادر ، صرخ وهو يتقدم مترنحاً باتجاه الباب .
اعترضت طريقه بهدف إعاقته عن التقدم .
_ اسمع ، الوقت ليل و أنت مجروح ومنهك … لم نر بعضنا منذ عامين ، ينبغي أن نتحدث ،
مدت ذراعيها ناحيته ، لكنه دفعها ، تشبثت به ، فراح يتخبط مصطدماً في طريقه بالأرفف ، سقط إطار على الأرض مصدراً ضوضاء زجاج يتحطم ، التقطه مارك وأعاده مكانه ، انزلقت نظرته على صورة ابنته ، بعينين خضراوين ضاحكتين وبابتسامة على الشفتين ، كانت تلهم السعادة و بهجة الحياة .
حينئذٍ ، تحطم شيء ما في أعماقه و انخرط في النشيج بينما يسند ظهره إلى الحائط ، بدورها تكورت نيكول على صدره ليبقيا هكذا وقتاً طويلاً ، خائرين في أحضان بعضهما ، يكابد كل منهما الضيق نفسه ، بشرة رقيقة إزاء بشرة خشنة ، الرائحة النفاذة لعطر جيرلين تختلط بنتانة أولئك الذين يحيون في الشارع .
************************************************************ ****************
أمسكت نيكول يد زوجها وقادته باتجاه صالة الحمام وفتحت له رشاش الدش قبل أن تتوارى ، ثمل بالرائحة المسكرة للشامبو ، بقي مارك ما يقارب النصف ساعة تحت وابل المنزلي الكاوي والمجدد للنشاط ، كان الماء لا يزال يقطر من جسده حينما تدثر بمنشفة كبيرة و خرج إلى الرواق مخلفاً وراءه مع ذلك غدراناً صغيرة من الماء على الأرضية الملمعة ، فتح خزانة ملابسه فتأكد له أن أثوابه لا تزال في مكانها ، لم يلق أي نظرة على بدلاته القديمة التي تحمل ماركة أرماني و بوس و زيجنا ، بقايا حياة لم تعد حياته … مكتفياً فقط بارتداء كالسون و بنطال جينز من كتان سميك وقميص بأكمام طويلة و كنزة واسعة .
نزل السلم كي يلتحق بنيكول في المطبخ ؛ الذي هو مزيج من الخشب و الزجاج و المعدن ، بحيث يبدو شفافاً ، وكان سطح أفقي فسيح بخطوط انسيابية يمتد على طول الجدار ، بينما جزيرة مركزية جيدة التجهيز تدعو إلى الشروع في الطهي ، قبل ذلك بسنوات ، كانت هذه الحجرة تردد أصداء البيئة المرحة لوجبات الإفطار العائلية ، لتصبيرات الفطائر ، ولوجبات العشاء الغرامية ، لكن منذ وقت طويل لم يٌعِد أحد وجباته هنا بالفعل .
_ أعددت لأجلك عجة البيض و شرائح من الخبز المحمص ، صرحت نيكول فيما تصب القهوة في قدح ، القهوة يتصاعد منها البخار .
ما إن جلس مارك أمام طبقه حتى نهض في الحال تقريباً و قد بدأت يداه في الارتعاش ، كان يجب عليه أن يشرب بعض الكحول قبل أن يلمس طعامه .
تحت نظرات نيكول المندهشة ، فتح بتهيج أول قنينة نبيذ وقعت في يده وأفرغ نصفها في جرعتين طويلتين ، وقد هدأ مؤقتاً … تناول وجبته ملتزماً الصمت إلى أن تجرأت نيكول فسألته أخيراً :
_ أين كنت يا مارك ؟
_ في صالة الحمام ، أجابها من دون أن ينظر إليها .
_ لا ، أين كنت خلال هذين العامين ؟
_ في الأسفل .
_ في الأسفل ؟
_ داخل أنفلق المترو ، في البالوعات ، في أنابيب القنوات ، مع المشردين .
والدموع في مآقيها ، هزت زوجته رأسها لعدم الفهم .
_ لكن لماذا ؟
_ أنت تعرفين لماذا ؟ ، قال رافعاً صوته .
اقتربت نيكول منه كي تمسك بيده .
_ لكن لديك زوجة يا مارك ، مهنة و أصدقاء ……
سحب يده ناهضاً عن الطاولة .
_ دعيني بسلام !
_ وضح لي أمراً ، صرخت كي تستبقيه ، ما الذي حملك على العيش متشرداً ؟
نظر إليها بحدة .
_ أحياناً هكذا لأنني لا أستطيع أن أحيا بطريقة أخرى ، أنت تستطيعين ، أما أنا فلا ...
_ لا تحاول أن تشعرني بالذنب يا مارك .
_ أنا لا ألومك على شيء ، أعيدي بناء حياتك ، إذا كان هذا يلائمك ، أما أنا ، فإن الألم هو ما لا أستطيع أن أتجاوزه .
_ أنت عالم نفس يا مارك ، ساعدت الناس على تجاوز كل نوع من أنواع المصائب .
_ هذا الألم ، لا أريد أن أتجاوزه ، بما أنه الشيء الوحيد الذي يبقيني على قيد الحياة ، إنه كل ما بقي لي منها ، هل تفهمين ؟ لا تمر دقيقة واحدة من دون أن أفكر بها ، من دون أن أسأل نفسي حول ما يمكن أن يكون قد فعله خاطفها بها ، هذا من دون أن أسأل نفسي أين يمكنها أن تكون بالضبط في هذه اللحظة .
_ لقد ماتت يا مارك ، تخلت عن نيكول ببرود .
كان ذلك يفوق طاقة مارك على التحمل ، فرفع يده باتجاهها ، وأمسك بعنقها كما لو كان سيخنقها.
_ كيف يتسنى لك أن تتلفظي بشيء كهذا ؟
_ مضت خمس سنوات يا مارك ! صرخت وهي تخلص نفسها .
خمس سنوات من دون أدنى دليل ، خمس سنوات من دون أي طلب لفدية !
_ يظل هناك حظ دائماً …
_ كلا ، يا مارك ، هذا الأمر انتهى ، لم يعد هنالك أي أمل للتشبث به ، لن تعاود الظهور بين ظهيرة وضحاها ، هذا لا يحصل أبداً ، أتفهم ، أبداً !
_ اخرسي !
_ إذا تم العثور على شيء فسيكون جثمانها ، لا شيء أكثر .
_ لا !
_ بلى ! ولا تعتقد أنك الوحيد الذي سيتألم لذلك ، ماذا يجب علي أن أقول ، أنا التي ، علاوة على البنت ، فقدت زوجاً أيضاً ؟
من دون أن يجيب ، خرج مارك من المطبخ مهرولاً ، لحقت به نيكول وقد قررت تهاجمه داخل معقله الأخير :
_ ألم تفكر قط أن بوسعنا امتلاك أطفال آخرين ؟ ألم تقل لنفسك قط أن الحياة يمكنها أن تتخلق من جديد داخل هذا المنزل ؟
_ قبل أن يكون لدينا أطفال آخرون ، أريد أن أستعيد ابنتي .
_ دعني أتصل بكونور ، منذ عامين و هو يبحث عنك في كل مكان ، بمقدوره مساعدتك على الكف عن الاستسلام للانحدار .
_ لا أريد أن أكف عن الانحدار ، ابنتي تتألم و أريد أن أتألم معها .
_ إذا كنت ستثابر على الحياة في العراء ، ستموت ! هل هذا ما تريده ؟ إذاً ، اذهب ! أطلق على نفسك رصاصة في الرأس .
_ لا أريد أن أموت ، لأنني أريد أن أكون هنا في اليوم الذي سيجدونها فيه .
كانت نيكول بحاجة للمساعدة ، أخذت هاتفها النقال و أدخلت رقم كونور .
ارفع السماعة يا كونور ، ارفع السماعة !
في مكان ما من الليل ، ترددت بضع رنات في الفراغ ، أدركت نيكول أن كونور لن يرد و أنها خسرت المعركة ، إذ بمفردها لم يكن بوسعها أن تتوصل إلى استعادة زوجها .
في الصالون، اضطجع مارك على الكنبة و نام بضع ساعات إضافية .
نهض مع بزوغ النهار ، والتقط حقيبة رياضية من داخل خزانة الملابس كي يضع داخلها غطاء و سترة و علب بسكويت ، وبضع قنان من الكحول .
توجت نيكول هذه العدة بهاتف محمول و بطارية و شاحن .
_ إما أن تقرر إجراء مكالمة مع كونور أو أسعى أنا للإنضمام إليك …
عندما دفع مارك باب المنزل كان الثلج قد توقف و كانت أضواء النهار الاولى تلون المدينة بانعكاسات زرقاء .
بمجرد أن وضع قدمه على المعطف الثلجي ، كما لو بفعل السحر ، ظهر اللابرادور الأسود من وراء صندوق قمامة تاركاً نباحاً يفلت منه ، فرك له مارك رأسه علامة على العرفان ، نفخ داخل يديه ليمنحهما بعض الدفء قبل أن يضع حقيبته على كتفه و يسير باتجاه بروكلين بريدج .
من على عتبة الباب نظرت نيكول إلى رجل حياتها وهو يبتعد في الصباح ، حينئذٍ ، تسمرت وسط الشارع ورفعت صوتها بالصراخ :
_ إنني بحاجة إليك !
مثل ملاكم مترنح استدار مارك على مسافة عشرات الأمتار أمامها ، بحركة عريضة ، باعدما بين يديه كما لو ليعرب لها عن أسفه .
ثم اختفى في ركن الشارع .

 
 

 

عرض البوم صور مسلوب الإرادة   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لأنني, آحبك, رواية
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المهجورة والغير مكتملة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:04 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية