قاطعها متوتراً:
- مافي شيء أكثر من ذلك، وأرى أنه من الأفضل أن تهدئي أعصابك قبل أن توقلي أي شيء آخر.
وعندما رآها تهم بالكلام، رفع يده:
- هذا يكفي.
تراجعت كارين مكرهة، غير قادرة على مواجهة التحدي، لقد قالت ريجينا إنه مستبد، وهذا صحيح! وتملكها الشك في أن هذا وحده كان كافياً لأن يدفعها نحو رجل آخر، لابد أن هناك سراً آخر.. سراً لم يخبرها به بعد.ريحانة
سمعت حركة عند الباب، فحولت عينيها إليه ، أياً كان عند الباب فقد ذهب الآن، لكن شعوراً قوياً تملكها بأنها بياتريس، إذا كان كلام ريجينا صحيحاً فإن تعليل كراهية المرأة لها أصبح أسهل، وشعرت بالأسف نحو ريموند، وفجأة، شعرت بالتعب فقالت:
- أظن أن عليّ أن أستلقي ساعة.
- بكل تأكيد.
وسألتها ريجينا:
- هل ستنزلين لتناول الغذاء؟ نحن نأكل قرابة الثانية.
كانت الساعة الثانية عشرة، وقالت لترضي الفتاة:
- نعم، سأنزل.
هربت قبل أن تسمع أي كلام آخر، وفي غرفتها وقفت لحظات عدة لتتمالك نفسها، كان ارتباكها نفسياً أكثر منه جسدياً وشعرت باستنزاف كلي.
الاستلقاء منحها قليلاً من الراحة، لكن النوم جافاها، وضعت يديها على بطنها تتلمسها وهي لا تصدق أنها حملت ذات يوم، هل كان الجنين ذكرا أن انثى؟ هل أجهضت هنا أم المستشفى؟ وبقي هذا السؤال يدور في ذهنها، ما أكثر ما تريد أن تعرفه!
تملكها شيء من الارتياح وهي تسمع طرقاً خفيفاً على بابها، لعل ريجينا تجهل سبب مغادرتها غوافادا لكن يمكنها أن تجيب عن بعض أسئلتها، لكن القادم إلى غرفتها لم تكن ريجينا بل لويس مجددا توترها.
قال بشكل غير متوقع:
- جئت لأعتذر، كان عليّ أن أحذر ريجينا من أن تذكر هذا الامر قبل أن تصبحي أكثر قدرة على احتمال الصدمة، اللوم يقع عليّ وليس عليها، كل ما أرجوه هو ألا تعاني مزيداً من الألم بسبب التسرع في إعلامك ببعض الأمور.منتديات ليلاس
اتكأت كارين على مرفقها ونظرت إلى تلك الملامح الجامدة بعينين سرعان ما اتسعتا فجأة بعد أن أدركت أنها ليست الوحيدة التي تعاني من الشعور بالخسارة ، إن خسارته ضعف خسارتها.. فهو لم يخسر طفله وحسب، بل زوجته أيضاً.
قالت بلطف:
- لابد أن ذلك لم يكن سهلاً بالنسبة إليك أنت ايضاً.
أما رأسه :
- كلا , لم يكن سهلاً.. رغم ان الطبيب طمأننا أن مامن سبب يجعلنا نخاف من تكرر الأمر.
- وهل حاولنا إنجاب طفل آخر؟.
- لا، فكرت في أن ننتظر فترة، لو كنت أعلم..
وتوتر فكه مضيفاً:
- إن مالا يمكن تغييره، يمكن احتماله.
فقالت بصعوبة:
- إذا كنت تقصد أنني كنت على علاقة بلوسيو فيرمامديز، فمن المستغرب أن الشخص الوحيد الذي شكك بوجود هذه العلاقة هو بياتريس.
-لطالما كنتما حذرتين من بعضكما البعض عند اجتماعكما، وبياتريس نفسها بدأت تشك في هذه العلاقة قبل أيام من رحيلك .
- لابد أنها حاوت تحذيرك.ريحانة
هز كتفيه:
- ربما لوحاولت، لظننت أنها تحاول الإيقاع بيننا، فزواجنا لم يعجبها قط.
هذا ما أخبرتها به ريجينا من قبل.

استطاعت كارين أن تفهم السبب، أما لم تستطع أن تفهمه فهو كيف تمكنت ، هي وذلك المدعو لوسيو من أن يبقيا علاقتهما سراً، لو أن لويس يتحقق بنفسه من وجود الاسمين في قائمة المسافرين إلى ريو دي جنيرو ذلك اليوم، لساورها الشك في ان بياتريس لفقت القصة كلها لتحقرها في نظره.
وقالت بتعاسة:
- آسفة، أدرك أني يارر الاعتذار، ولكن هذا كل ما أستطيع قوله، أكره أن أفكر في مافعلته بك.. بزواجنا ، كل ما اتمناه هو أن اتمكن بشكل ما من إصلاح الأمور مرة أخرى.ريحانة
أخذ يتأمل جسمها، كاشفاً عن رغبة هزتها من الأعماق، ثم نهض وتقدم ليجلس على حافة سريرها ويأخذها بين ذراعيه.
في البداية ، جاء رد فعل كارين متردداً، إذ لم تكن واثقة من أن هذا ماتريده حالياً، لكن التردد مالبث أن تحول إلى مشاعر اكتسحتها، ورفعت ذراعيها تحيط عنقه بهما، وتشابكت أصابعها في شعره الكث، وامتلأت خياشيمها برائحة رجولته فتملكتها مشاعر عارمة، اذا كان ذهنها لا يتذكر ماتبادلاه من مشاعر ، فإن جسدها لا يعاني من مثل هذه المشكلة.منتديات ليلاس
وعندما لامست يده بشرتها برقة، حبست أنفاسها ثم تأوهت من أعماقها وشعرت بالحرمان عندما ابتعد عنها ثم وقف وقال من دون أن ينظر إليها:
- سأجول بك في أنحاء المزرعة بعد الغداء، اما الآن فأنا مشغول.
عندما أغلق الباب خلفه، جلست في سريرها ثم أخذت تحدق في الباب مصدومة.
لقد تلهفت إلى إحياء الماضي، لكن لوسيو فيرنانديز مازال يقف حولهما، ربما سيتمكن ذات يوم من أن يتخلص من هذه الصورة التي مازالت في خياله، إذا أراد لزواجهما هذا أن يثمر، فعليه أن يفعل ذلك، بل عليهما معاً.
* * *
لم تر بياتريس على مائدة الغداء ، فقد ذهبت لزيارة صديقة لها، وشعرت كارين بالسرور لغياب المرأة ، ثمة أسئلة كثيرة لايمكن لغير بياتريس أن يجيبها عنها، لكنها كرهت أن تطرح الأسئلة هذه خوفاً مما قد تسمع.
كان الحديث مرحاً على الطعام، وسرت ريجينا لفكرة أن لويس سيأخذ كارين في جولة في المزرعة، لعل هذا طمأنها إلى أن الامور أصبحت على مايرام.
تملك كارين الارتياح عندما استقلا سيارة الجيب، فهي على حد علمها لم تركب حصاناً قط في حياتها، سياج المزرعة الذي توقعت رؤيته كان يبعد عن البيت حوالي نصف ميل، ومن خلف قامت مخازن الغلال وبعض المباني، رأت المستخدمين يتولون اعمالاً مختلفة، ووقف لويس يتحدث مع أحدهم، تاركاً كارين تتململ تحت نظرات أولئك القريبين منه.
مادام لوسيو فيرنانديز قد عاش وعمل مع هؤلاء الرجال، فمن غير المعقول ألا يعلم أحدهم بالعلاقة بينه وبين زوجة مستخدمهم.
كان فقدانها لذاكرتها سبب تلك النظرات، فما من أحد في محيط مئة ميل، لم يسمع بذلك.
قالت له بسخرية جافة وهما يعودان إلى البيت:
- بدأت أشعر كأنني مخلوق غريب، هذا ماشعرت به أيضاً في المدينة هذا الصباح، كان الناس ينظرون إلي ويتهامسون.ريحانة
- قريباً جداً سيصبح هذا منسياً.
ابتسم عندما أدرك ماقاله لتوه ثم أردف:
- هذا يعطي الجملة تأويلاً غير مناسب بالنسبة إلى ظروفك.
وابتسمت كارين أيضاً:
- لكن أرجو أن يكون هذا صحيحاً.
وسكتت محاولة أن تجد موضوعاً آخر:
- قابلنا امرأة تدعى دونا فيريز هذا الصباح في المدينة، عرضت عليّ أن تقيم حفل شواء يوم الأحد لكي تمكنني من مقابلة الكل مرة واحدة .

نظر إليها:
- هذه فكرة جيدة منها، ماهو شعورك حيال ذلك؟
- متوترة الأعصاب، ولكن لا فائدة من إظهار ذلك، على الأقل ليس بينهم من...
وسكتت فتابع كلامها بهدوء:
- ليس بينهم من يعرف سبب وجودك في ريو دي جنيرو، هذا سؤال قد يوجه إليّ أنا.
- يمكنك أن تقول إنني كنت أتسوق.
فطوى شفتيه:
- مامن شيء في ريو دي جنيرو لايمكنك الحصول عليه في سان باولو، لكن للنساء نزوات غير منطقية.
أوقف السيارة عندما برزت مجموعة من الفرسان واتجهت نحوهما، تقدم قائدها من سيارتهما من دون أن يترجل عن حصانه.منتديات ليلاس
كان ذا مظهر محترم، وسيماً في الثلاثين من العمر، ورشيقاً وأنيقاً في ملابس العمل الشبيهة بالملابس التي كان لويس يرتديها منذ فترة.
بقيت كارين تنظر إلى الأمام بينما أخذ الرجلان يتحدثان، اذا كان هذا الرجل رئيس عمال المزرعة، فلابد أنه الرجل الذي استخدم لوسيو فيرنانديز، من الواضح أن لويس لا يلومه، ولكن لماذا يلومه؟ وكيف يمكن للرجل أن يتنبأ بماسيحدث؟
وعندما افترق الرجلان ، قالت كارين بفتور:
- أريد أن أعود إلى البيت ، فقد بدأت أشعر بصداع.ريحانة
لم يكن كذبة كبيرة، لكن القلق البالغ الذي أباده لويس جعلها تشعر بالذنب لخداعها له.
قال:
- طبعاً، كان عليّ أن ادرك أن الركوب في سيارة جيب متعب لك.
منتديات ليلاس
لم يكن لسيارة الجيب أي دور في مايؤلمها، لكنه عذر كاف وأغمضت عينيها بينما أخذ يستعد ليعود إلى البيت، آملة أن يفهم الإشارة فلايحاول أن يكلمها، كانت تشعر بانحطاط بالغ.
لدى وصولهما إلى البيت، أشار إليها بأن ترتاح فصعدت إلى غرفتها من دون اعتراض، شاعرة بالرغبة في الانفراد لتتمكن من تمالك نفسها.
الألم الخيفيف خلف عينيها لم يمكنها من التفكير بوضوح.
عندما يرفض ذهنها كشف الغطاء عن ذكريات الأشهر الماضية، عليها أن تتقبل الأمر مهما بلغ آسفها أو حزنها.
كانت تجلس إلى النافذة تتأمل غروب الشمس، عندما سمعت نقراً على بابها، ودهشت عندما رأت بياتريس تدخل، وليس لويس كما ظنت.
أغلقت المرأة الباب واستندت إليه وراحت تحدق فيها متصلبة الملامح ثم سألتها بخشونة:
- ماذا تتوقعين أن تربحي من هذه التمثيلية؟
أجابت كارين بحزم تخفي به اضطرابها:
- هذا ليس تمثيلاً ، فأنا لا أتذكر شيئا مماحدث في الأشهر الماضية، لماذا تشكين في ذلك؟.
فأجابت المرأة بعنف:
- لأنني أعرفك..إذا كنت تأملين..
وسكتت فجأة وهي تعض شفتها وكأنها أوشكت أن تقول شيئاً لم تخطط له، ثم عادت تقول:
- كان لويس أحمق حين تزوجك!.
- ربما كان هذا الزواج حماقة من كلا الطرفين، أخبرني لويس أنك شككت في وجود علاقة بين لوسيو فيرنانديز وبيني ؟
لم تستطع أن تحدد التعبير الذي بدا على وجه المرأة في الضوء الخافت، وعندما جاء الجواب كان بلهجة رقيقة:
- نعم.
- لماذا لم تخبريه إذن؟
أجابت المرأة بعد لحظة صمت:
- لأنه لم يكن لدي دليل ثم خفت من رد فعله، لم يكن لدي أي خيار سوى أن أخبره عندما رحلت أنت.
وعاد صوتها إلى خشونته:
- كان عليه أن يدعك ترحلين لم تستحقي قط أن تحملي اسم اندراد!

حاولت كارين جاهدة أن تتمسك بكرامتها وهي تقول:
- هذا ما يبدو، ولسوء الحظ، لويس لا يؤمن بالطلاق!.
- لكنه أيضاً ، لا يستطيع أن يبقيك هنا رغماً عنك.منتديات ليلاس
كان الضوء قد تلاشى تقريبا ، فأضاءت كارين المصباح الموجود بجانب السرير، ثم حدقت في المرأة مقطبة:
- أتقترحين عليّ أن أرحل مرة أخرى؟.
- هذا هو السلوك الوحيد الجدير بالاحترام، كيف تتوقعين من لويس ألا يشعر نحوك بالإشمئزاز بعد ما فعلته؟ ماهو نوع الحياة التي ستحكمين به عليه ببقائك هنا؟
- وأي نوع الحياة عليّ أن أتوقعه إذا ما فعلت ماتقترحيه عليّ؟ ليس لديّ بيت، أو عمل،حتى أنني لست واثقة من أن لدي ما يكفي من النقوذ لأعود إلى وطني.ريحانة
كانت كارين تتكلم وهي تجاهد لتمالك مشاعرها، فقالت ببايتريس:
- يمكنني أن أساعدك في هذا المجال.
كان الجواب من السرعة بحيث تبين أنها فكرت فيه ملياً، ماجعل الاشمئزاز يتملكها فوقفت لتواجه المرأة قائلة بعنف:
- لماذا؟ سواء حصل الطلاق أن لم يحصل، لن يقصدك لويس ابداً لالتماس العزاء والسلوى.
وعندما همت بياتريس بأن تتكلم ، هزت كارين رأسها بعنف:
- هذا يكفي، أخرجي من هنا، واعلمي أني باقية.ريحانة
عكست ملامح المرأة الجميلة أمامها غضبها الشديد ماجعلها تبدو بشعة، ولمعت العينان البنيتان بالكراهية، قبل أن تخرج فجأة، صافقة الباب خلفها.
عادت كارين إلى مقعدها شاعرة بالخجل لاندفاعها ومقابلتها الاذى بالأذى.
غداً هو اليوم السبت، ويمكنها أن تجد صديقتها جولي في البيت، غداً ستسأل صديقتها ، رغم كرهها لذلك، ما أخبروا به صديقتها ، عندئذ، قد تصدق أنها كانت على علاقة برجل آخر غير زوجها.

نهاية الفصل الرابع

للالالالالالالاريحانة كمليها ارجوك الامور بدأت تسخن