وقاد رالف السيارة ببطء الى الخارج ممر المنزل , وعندما وصل الى الطريق الرئيسي , ضغط على دواسة السرعة حتى اقصاها , فانطلقت السيارة الصغيرة تنهب الطريق , واخفت كاترين شهقة كادت تصدر عنها وصرخت به:
- ماذا بخصوص السرعة المحددة بخمسة وخمسين ميلا؟
وخفف رالف سرعته حتى اصبحت مريحة .
- آسف .. عندما اركب هذه السيارة الطفلة افقد التفكير بكل شيء.
واخيراً اصبحت قادرة على ان ترى مايحيط بها من الأراضي والأشجاء المرتفعة , واستوت في مقعدها وبدأت تتمتع بالنزهة , وبعد فترة اتجه رالف نحو طريق ترابية , ثم اوقف السيارة , ونزل وفتح لها الباب قائلا:
- مارأيك بأن نتمشى ؟
وخرجت كاترين بعد ان امسكت بيده الممدودة اليها , وسارا مع بعضهما ويديهما متشابكتان , بصمت عبر الاشجار , مستمعين لتغريد الطيور , وخطوات الحيوانات الصغيرة , وقال رالف بهدوء:
- يبدو المكان هنا في افضل حالاته في الخريف , عندما تذبل الأوراق وتبدأ بالتساقط, يبدو عندها كل شيء وكأنه مصبوغ بالبرتقالي والأحمر والذهبي والبني .. منظر رائع قبل موسم سقوط الثلج.
ودست كاترين يديها في جيوب سترتها قائلة :
- انا اكره البرد .
- لا يجب ان تكرهيه , افضل شعور هو عندما تكونين في الخارج وتكادين ان تتجمدي, ثم تدخلين لتواجهي دفء النار التي تؤججها اخشاب الصنوبر.منتديات ليلاس
منتديات ليلاس
وشعرت بأنها تستطيع تصور المنزل الذي يصفه رالف .. هي ورالف يلعبان فوق الثلج, ثم يتكوران معاً امام النار الدافئة .. لو ان الأمر ممكن فقط ! والتقطت عيناها حركة سريعة امامها.
- اوه .. رالف ! انظر...
سنجابة ام وطفليها , تسلقا الشجرة , والذيل الرمادي الناعم يتحرك عند كل حركة , وفي لحظات اختفوا .
- هل رأيت شيئاً بهذه الروعة من قبل ؟ لابد انها تعلم اطفالها كيف يخبئون الطعام للشتاء.
واختفت ابتسامتها عندما لاحظت الضوء القائم في عيني رالف :
- لماذا لم تعودي تنظرين اليّ بتلك النظرة ؟ لقد كنت تنظرين اليّ بها ياكاتي اتذكر وجهك يوم عانقتك , عذب وعيناك تلمعان ولكنني يومها لم اكن اعرف انني مع فتاة في السابعة عشر.
- لقد قلت لك إن جدي كان يمنعني من مقابلة اي شاب لموعد .
-موعد؟ أهاكذا ماتسمين تلك الليلة عند الشاطئ.. موعدا بالتأكيد ياصغيرتي وانا كنت وسيلة التجربة الجاهز, ألم اكن كذلك ؟ .
- لست ادري ماتعني .
- اعني انك قررتي ان تكتشفي ماكان جدك يحذرك منه, وليس افضل من رجل منك ومجرب ؟ رجل كان يجب ان يكون ذكياً ويلقي نظرة على شهادة ميلادك , قبل ان يقبل بك.. انا لم اكن اكثر من وسيلة تجربة لك.منتديات ليلاس
- تجربة ! ماذا تعني بالتجربة ؟
- من الواضح ان كل الفتيان في مدرستك كانوا يعرفون بأمر جدك, وكانوا خائفين منه, وهم على حق , وقررتي انني سأنفعك , بما انني لم اكن اعرف شيئاً عنك.. وكان عليّ ان اعلمك حقائق الحياة ..أليس كذلك ؟

- انت كنت من نظر اليّ في حفلة الرقص , وليس العكس.
- ولكنك انت من تجنبتي اي سؤال عن عمرك الحقيقي .. لقد استخدمتيني كنوع من التجارب.
- لا.. انا لم استغلك ابداً.
- لا.. صحيح. ولا حتى لاكتشاف شيء ما؟ لم يكن احد قد عانقك قبلي ..اليس كذلك؟ ولم يلمسك احد هكذا.
ومد يده اليها ينقلها من مكان الى مكان , فذعرت وحاولت ان تسحب نفسها بعيداً عنه , وعن لمساته المهينة.
- توقف هن هذا!!
ولكنه رفض ان يتركها , فقالت بغضب :
- انت تحاول ان تجعلني ابدو وكأنني كنت مراهقة مجنونة .. وانا لم اكن هكذا وانت تعرف !
- ألم تكوني متشوقة لمعرفة لماذا منعك جدك عن الرجال ؟ ألم تقرري ان اعلمك مااردت ان تعرفيه ؟ ألم تدفعيني متعمدة الى اقصى الحدود , وانت متأكدة انني سأتوقف عن الحدود قبل ان تفلت الامور من يدك؟ حسناً ياحبيبتي , انت لم تكوني ابداً آمنة معي , وهذا شيء سأبرهنه لك في الحال !
وجذبها بقوة اليه.. ولم تستطع سوى ان تهمس.ريحانة
- رالف .. لا.. ارجوك لا تفعل هذا .. لن يفيدك هذا التصرف .
- ولماذا لا؟
- انت تعرف جيداً لماذا , بعدما حدث مع إيدي .. الرجال فقط.. فقط .
- فقط ماذا يا كاتي ؟
منتديات ليلاس
- مشكلته انه تصرف معي كالثور الهائج , لم اكن انوي ابداً إبداء مثل هذه المقاومة.
وجذبها ذراعاه اكثر .. وقال :
- لا زلت اذكر تلك الليلة عند الشاطئ , لم تكوني باردة او غير مستجيبة , في الواقع كنت بعيدة عن هذا كثيراً.منتديات ليلاس
وحضرت نفسها لمشاعر الثورة التي شعرت بها مع إيدي , ولكنها لم تظهر , كيف؟ هذا هو الرجل الذي اشعرها بأن مشاعرها حية فيها! فكيف يمكن ان تشعر بالخوف منه؟
- هل اخيفك يا كاتي ؟ هل اجعلك تشمئزين؟
وهزت رأسها , غير قادرة على الكلام او النظر اليه, ثم همست :
- ماتفعله خطأ .. لا يجب ان نقوم به .
- استرخي .. واتركي العنان لمشاعرك , عندما تنظرين اليّ افكر بزهر البنفسج الناعم المخملي , لديك اعماق مخبأة يتمنى الرجل ان يغرق فيها دون ان يعود الى السطح ليتنفس.
وابعدها قليلاً عنه ونظر اليها بارتباك :
- لم تجيبي على سؤالي .. هل اخيفك؟ .
فابتسمت له قائلة :
- انت لم تعطني اية فرصة لأخاف منك.ريحانة
كان امهامها نفس الوجه الذي نظرت اليه يشغف منذ سبع سنوات وهناك خطوط خفيفة حول العينين لم تكن يومها ظاهرة , وخيوط رمادية على صدغيه , ومع ذلك فلا شيء يمكن ان يغير الرجل الذي تتذكره , وابتعد عنها قليلاً , ولكن اصابعهما بقيت متشابكة فهمست :
- لم تغيرت فجأة ؟
- كان عليّ ان انتظر الى الوقت الذي لا اعود اخيفك به , لقد اخافك إيدي كثيراً , وكان يجب ان اعاملك بلطف حتى تستعيدي بعض الثقة بنفسك .. واعترف انني فكرت بك بسوء يا امرأة , لكن لم ارد ان اخيفك ثانية , كما تلك الليلة .

- ولكنك لم تخيفني تلك الليلة يارالف .. وانت تعلم.
- ربما لم اخيفك .. ولكنك اخفتيني بالتأكيد, كنت اعلم انك بريئة , ولكنني لم اكن محضراً لذلك الغليان في دمك..
- لم يلمسني احد مثلما فعلت , من قبل.
- اعلم هذا .. ولذلك هربت منك لأسبح .
ولم تستطع ان تنظر اليه , واحست به يبتسم , وانزلقت يداها تحتضنه وتشد بنفسها اليه, ولكن تعاليم جدها كانت لا تزال متشبثة في عقلها بقوة, وبدأت تشعر بأنها تهوي الى هاوية لا قرار لها ولا رجوع منها, فوضعت يدها على صدره ودفعته عنها , وقالت وهي تلهث:
- لا.. لا مزيد .. ارجوك.
ولم يحاول رالف المناقشة معها , فابتعد عنها ويتنفس بعمق ليسيطر على اعصابه , وجلست كاترين فوق العشب , مريحة رأسها على ركبتيها .. لم تكن قد نسيت ماذا تفعله بها لمسة رالف , ولكنها نسيت تماماً انها معه تنهار بسرعة , وهي لا تستطيع تحمل هذا , ثار جدها غضباً لعد اشهر , لائماً إياها على شيء لم يحدث , وقال لها هادراً:
- الرجال شر! إنهم يرغبون جسدك فقط , وهذه الرغبة هي التي جعلت من امك مستهترة , واستحقت القبر باكراً والأمر عائد لي لأن أتأكد انك لن ترتكبي نفس الخطأ..
واحتجت يومها على كلامه قائلة :
- لم ارتكب اي خطأ ! انا ورالف لم نفعل شيئاً خاطئاً , لماذا لا تصدقني ؟
- لأنك صورة عن امك ..وسينتهي بك الأمر مثلها تماماً .ريحانة
منتديات ليلاس
وتدفقت الدموع من عيني كاترين لهذه الذكريات , فهي حتى الآن تحس بتأثير جدها عليها , وعودة رالف الى حياتها لا يعني انها ستسمح له بأن يمزق قلبها ثانية ويتركها دون ان ينظر وراءه , وكانت هذه الذكريات كافية لأن ترجف قلبها الدافئ.
ونظر اليها رالف متسائلا , فقد اقلقه صمتها الطويل :
- كاتي.
- ألا يجب ان نعود؟
ووقفت برشاقة , دون ان تنظر الى الرجل الذي بجانبها .
- يجب ان افكر بالا ستعداد للحفلة هذا المساء.
كانت تدرك بأنها تتلعثم , ولكنها لم تهتم , كان عليها ان تبتعد عنه قبل ان تنهار مقا ومتها , ومد يده , بعد ان وقف , ووضع ذراعه فوق كتفيها وادارها لتنظر اليه وقال آمراً:
- انظري اليّ! لن ادعك تعودين الى عالمك الجامد , منذ لحظة كنت دافئة ومتجاوبة من كل قلبك .. فلا تعودي لتجلدك الثلجي معي الآن , ياكاتي .منتديات ليلاس
- ألن تتوقع امك حضورنا الى الغداء؟
- ساحطم كل دفاعاتك يا كاتي , وسأجد اسباب هذه الدفاعات , وسأدمرها عندئذ الى الأبد , حتى لا تعودي قادرة على بنائها من جديد.
وعندما وجد انه لن يتلقى منها رد , جذبها اليه وعانقها بقوة مرة ثانية, واخيراً ابعدها عنه قائلاً:
- حسناً.. لقد ربحتي .. سنعود الى المنزل.
وسارا متباعدين قليلاً عن بعضهما نحو السيارة , وعندما فتح لها الباب وضعت يدها على ذراعه.

- رالف .. ارجوك لا تغضب مني , هناك الكثير مما لا استطيع ان اشرحه لك.
وكان في كلماتها استعطاف .
- وهل ستتمكنين من شرحها ابداً ؟
ولم تعلم كاترين ايهما آلمها اكثر كلماته القاسية ام ملامح وجهه المتصلبة القاسية , ودون ان ينتظر الجواب توجه الى مقعد القيادة.
وقالت بصوت متألم وهي تصعد الى مقعدها:
- اوه.. لقد فهمت الآن , كانت لعبة منك طوال الوقت , انت كالآخرين تماماً , ماعدا انك تنفذها بطريقة مختلفة .. عليّ ان اهنئك .
وامتلأ صوتها بالمرارة وهي تتابع :
- لقد اتهمتني باستغلالك , بينما من الواضح انك انت من استغليتني.. كل كلامك المنمق حول مساعدتي للتغلب على الصدمة التي سببها لي إيدي كان غطاء لرغباتك الخاصة .. انت لم ترغب في مساعدتي , اردت مساعدة نفسك فقط.ريحانة
- اهذا هو ماتفكرين به حقاً؟
- اجل..
وساد صمت طويل قبل ان يتكلم :
- إذاً .. ليس هناك مااقوله قد يجعلك تغيرين رأيك .. هيا بنا اذاً نذهب , سأتوقف في المدينة لبضع دقائق , إذا لم تمانعي .
كان يتكلم بصوت بارد , مزق قلب كاترين .
وقاد رالف السيارة نحو المدينة وتوقف امام صيدلية , ثم خرج من السيارة دون ان يسألها اذا كانت تريد الخروج معه , ولكنها تبعته الى الداخل وهي صامتة.
منتديات ليلاس
قد لا يكون رالف يزور اهله كثيراً, ولكنه كان معروفاً للعديد من الناس , وخاصة النساء , نساء شابات وجميلات , وقالت له شقراء , جميلة:
- رالف حبيبي , متى عدت ؟
- الليلة الماضية , انا هنا لأحضر حفلة خطوبة شقيقتي , ثم سأعود الى العزلة من جديد , لأعمل على كتابي الجديد.منتديات ليلاس
وتقدمت امرأة حمراء الشعر طويلة , لتعانقه بحرارة .
- ايها الماكر ! لقد عدت دون ان تتصل بي.. اعتقد انك لم تعد إلا لحضور حفلة جانيت .. سأراك هناك..
- طبعاً..
عند كل قبلة , عناق كانت كاترين تحافظ على تعبير الضجر على وجهها , ولكنها في داخلها كانت تبكي , وبعد ان اشتري كريم حلاقة , ومعجون اسنان , وشفرات حلاقة .. غادرا المحل .
- آسف لتأخيرك.
اعتذار , كان عادياً جداً وهو ينظر اليها بسرعة .
- لا تهتم ..
وتطلعت حولها دون اكتراث , كي لا تتركه يلاحظ المها .منتديات ليلاس
عندما وصلا الى المنزل كانت ماغي وصونيا تتناولان الغداء في الباحة الخارجية المغلقة , وقالت لهما صونيا:
- نتناول طعامنا بسرعة, فماغي وانا لدينا موعد عند مصفف الشعر بعد ساعة.. انا آسف ياكاترين لا اعلم اذا كنت تحبين تصفيف شعرك, اذا احببت سأجعلهم يحجزون لك موعداً.
- لا .. ساصففه بنفسي.. شكرا على كل الاحوال.
وسألتها ماغي , وهي تتفحص وجهها:
- هل تمتعتي بنزهتك ؟
- اجل , الريف هنا جميل.

صوتها كان هادئاً لا يحمل اي انفعال او اهتمام , وقالت لها صونيا:
- ستتأكد الفتيات من حصولك على العديد من شركاء الرقص الليلة, مع انني متأكدة ان هذه ليست مشكلة مع جميلة مثلك, مسكين رالف سيكون مجبراً , معظم السهرة على القيام بواجباته .
وبدا في كلامها نوع من التحذير , تحذير عنت به كاترين , وقاطعتها ماغي :
- لابد ان المسكينة جائعة , اذهبي وتناولي بعض الطعام, ثم اخرجي وانضمي الينا هنا ياكاترين , وانت ايضا رالف .
فقال باختصار قبل ان يختفي :
- لا .. شكراً.. لديّ بعض الأعمال.
واتجهت كاترين الى غرفة الطعام , حيث ملأت طبقاً بالسلطة والدجاج المشوي , وبعد إنهاءها للطعام صبت فنجان قهوة , ثم عادت الى الفناء حيث وجدت ماغي لوحدها , فأشارت ماغي الى كرسي وهي تقول :
- اجلسي هنا ياعزيزتي . صونيا ترد على الهاتف.
- إنها لا تحبني كثيراً.
- لا.. اخشى ذلك .. فهي تشعر بحب الامتلاك تجاه ابنها الوحيد , حتى انها تكدرت في الماضي للتقارب بيني و بينه, وهي تنظر اليك الآن كتهديد كبير لها.
- تهديد؟
- انت امرأة شابة جميلة من الممكن ان تخطفي رالف منها .
- ألا تستطيع ان ترى الحقيقة ؟
منتديات ليلاس
وضحكت كاترين وهي تفكر , بماحدث في الغابة , واضافت:
- إنه مجرد صديق عادي, يحاول ان يساعدني على نسيان اوقات سيئة في حياتي..
- الاصدقاء العاديون لا يتصرفون كما يتصرف هو معك.. يجب ان استعد , استفيدي من الظهر للراحة, سنغادر عند السابعة.منتديات ليلاس
- سأكون مستعدة .
بعد ان تركتها ماغي , صعدت الى غرفتها لتتمتع بمغطس كول دافئ , ومر بعد الظهر بسرعة اكثر مماتصورت وهي مسترخية في المغطس , ثم خرجت وجففت نفسها , ووضعت الطلاء على اظافرها , وبعد ان جففت شعرها , مشطت جوانبه الى الأعلى , وتركته ينسدل الى الخلف بلفافات طويلة , ووضعت مشبكين على كل جانب من شعرها.
وحافظت كاترين على البساطة في مجوهراتها , ارتدت فقط قرطاً من الفضة , ووقفت وهي بملابسها الداخلية , تنظر الى ثوبها الجديد بكل رضى .. هذه السهرة ستعطي هذا الثوب حقه الصحيح , وبعد ان وضعت الروب على جسدها قررت ان تذهب لتضع الماكياج في الحمام.
لو ان بإمكان عيني كاترين ان تتسعا اكثر, لكانتا غطتا وجهها بالكامل , رالف يخرج من تحت الدوش , وبدت عليه الدهشة والذهول مثلها تماماً..
ومد يده يفتش عن المنشفة ليلفها من حوله وهو يعتذر .
- انا آسف ياكاتي.. كان يجب ان اقفل الباب من الداخل.
واحست بالنار تتصاعد الى وجهها , فاستدارت بسرعة تتعثر لتجد مقبض باب غرفتها ثم تدخلها بسرعة .
وجلست على حافة السرير , غير قادرة على إيقاف ارتجاف يديها .. ولم تكن تدري ماصدمها اكثر . هل هو استخدام رالف لحمامها, ام لأنها رأته عارياً.