الفصل الثاني

علق تشارلز برضى تام بينما انطلقت السيارة الفخمة نحو ساحة القرية:
- كل شيء سار بهدوء, تماماً كما اراده جورج.منتديات ليلاس
تدخلت بيبا قائلة ببرود :
- تقصد تماماً كما اردته انت عندما اعتقدت انك سترث كل شيء, ولو عرفت ان شوان سيرث , لكنت تدبرت امرك منذ البداية.
اعترضت والدتها قائلة:
- ارجوك ياعزيزتي فيلليبا لا تبدأي بالجدال مع والدك في مثل هذه المناسبة.
اجابت بيبا:
- انه لم يحزن لوفاة غرامبس على الاطلاق , وكل مايفكر به هو ابعاد شوان عن طريقه.
أكد والدها بغطرسة واضحة :
- سأفعل يايبيا , أؤكد لك ذلك يا ابنتي.
اجابت بيبا:
- آه اجل كيف؟
- سيكون الأمر صعباً بعد ان برهن انه يملك كافة الدلائل التي تثبته ابناً لغرامبس , وستواجه الصعاب الكثيرة لتثبيت عكس ذلك ياوالدي.
ادارت وجهها لتنظر من نافذة السيارة , لمحت شوان من النافذة يقف امام القبر تماماً كما كان في الدفن , حينها لم يهتم أهلها ولا حتى لها إلا عندما رمت باقة الورد على ضريح غرامبس.منتديات ليلاس

كان يبدو مختلفاً في سترته الرمادية الأنيقة التي لم تخف وسامته الواضحة , كما انه يشبه غرامبس كثيراً والجميع قد لاحظ ذلك وقريباً سيعرفون من يكون .
تساءلت بيبا عن نوع الحياة التي كان يعيشها في كندا, وعن نوعية عمله, ربما كان يصله المال من والده , ولكن هذا مستحيل فلو عرفت جدتها ذلك , لكانت قطعت عنه الا مدادت.
لقد كان محقاً في كره جدتها ولكن ماكانت تخشاه, هو ان يفهمها ان يراها بنفس المنظار.منتديات ليلاس
حضر الى منزلهم معظم من حضروا مراسم الدفن , بعضهم مدراء في شركة مورغن التي كانت تخص غرامبس والبعض الآخر ممن ادعوا انهم من اصدقاء العائلة .
تصرفت بيبا كمضيفة لائقة كالعادة, فدارت بين الموجودين تتقبل التعازي , اما والدتها فقد اهملت الضيوف ودخلت المطبخ وهي تشعر بالجوع الشديد.
فجأة فتح الباب ودخل شوان وبصحبته المحامي غيبون الذي بدا محرجاً لتورطه في مثل هذا الوضع الخطير.
التفتت بيبا الى والدها لترى اذا ماكان سيتمالك نفسه ولن يفتعل شيئاً امام الجمع , فهي تعرفه حق المعرفة , فمتى غضب ينسى كل مايختص بالأدب والتهذيب.منتديات ليلاس.
منتديات ليلاس
كان لشوان التأثير الكبير على الجميع ساعة دخوله .
ثم قال لهم :
- صباح الخير وشكراً على مجيئكم جميعاً.
تابع حديثه يكلم بيبا:
- اتمنى ان تكوني قد تعافيت مماحصل لك صباحاً.
- شكراً , لقد تعافيت كلياً , فقد كان غباء مني ان امتطي فيوري في عرض الطريق , لحسن الحظ لم يحصل أي سوء.
- ان الحظ كان حليفي انا.
لقد هزأ منها ولكنها لم تتوقع ان يذكرها بماحدث , فالتفتت الى المحامي وسألته ماذا يود ان يشرب فإذا بوالدها يقترب بخطوات مسرعة .
ثم قال بحدة :
- آه ياغيبون, لم تستطع الانتظار فجئت مسرعاً لتتأكد اننا لن نأخذ مالا يخصنا.منتديات ليلاس
رد شوان بسرعة:
- لم اعتقد انك ستفعل شيئاً من هذا القبيل , فلو فعلت , تكون قد سرقت , أليس هذا صحيحاً ؟
اكد السيد تشارلز بنبرة لاذعة :
- حسناً , لا تبدأ بالعد فالمعركة لم تبدأ بعد.
قال شوان:
- على العكس , لقد ابلغني السيد غيبون بأنه لن يكون هناك اية صعوبة في الحصول على الأوراق القانونية وفي غضون اسبوعين لا اكثر , اما اذا كنت تنوي التدخل فاقترح عليك إعادة النظر في الموضوع.
شعر السيد تشارلز بالغيظ الشديد وبأنه قد ينفجر في اية لحظة, اذ كل من في الغرفة قد سمع مادار بينهم من حديث سوى زوجته التي كانت ماتزال في المطبخ.

كان شوان في هذه الاثناء يبتسم ابتسامة الساخرة, وناول الكوب الى بيبا قائلاً:
- حسناً , لقد قدمت التعازي وعلي الذهاب , سيد غيبون اذا كنت ذاهباً في طريقي, سأكون ممتناً جداً لو انك توصلني.
- طبعاً , طبعاً ياشوان.
- شكراً آنسة كوربت على حسن ضيافتك, اتشوق الى رؤيتك مجدداً.
تسمرت بيبا في مكانها للحظات تحدق به وهو يبتعد , ثم استدركت ولحقت به بعد ان وضعت الصينية على الطاولة .
- انتظر شوان اريد ان اعتذر عما بدر من والدي هذا الصباح , فقد كان عملاً غير لائق منه.ريحانة
نظر اليها بتعجب ملؤه السخرية والاستهزاء , ثم قال:
- حسناً , ياآنسة كوربت ولكنه انقلاب سريع في تصرفاتك تجاهي , وهذا مايجعلني اتساءل, هل تحاولين لعب الدور الذي لعبته انا.
نظرت اليه بذهول تام وقالت:
- أنا ..أنا لا افهم ماذا تقصد.
ضاقت عيناه بحدة وهو يقول:
- ألا تعرفين حقاً؟ ان الكوربت لم يهتموا لأحد ممن لا ينحدرون من سلالتهم النبيلة إلا اذا احتاجوا له مادياً , وجدتك كانت مستعدة ان تفعل المستحيل لتحصل على مال , ألم تفكري في تبني فكرتها؟
منتديات ليلاس
جاءت كلماته اللاذعة بمثابة صفعة على وجهها , فقالت معترضة :
- كيف تجرؤ على اتهامي بهذا الامر , فأنا لن افكر بك يوماً.
امسك ذقنها بيده واخذ يدير وجهها يميناً وشمالاً يتفحص كل زواية فيه كانه ضمن التركة التي سيرثها قائلاً:
- لابأس بك, كل شيء فيك كوربت , وقد يكون من الممتع تحطيم كبريائك مع الايام.منتديات ليلاس
ابعدت يده عن وجهها وقالت:
- لن تسنح لك الفرصة .
- اتعتقدين ذلك, سوف نرى , قد تكونين وسيلة جيدة للنار من عائلتك وجدتك التي منعت والدي من إعالة والدتي اشتغلت ليلاً ونهاراً حتى ساعة مماتها , لم اعرف والدي يوماً ولم ألمحه سوى مرة منذ خمسة عشر سنة في دفن والدتي.
اردفت بيبا بعناد :
- المشكلة مشكلتك , فأنت من قرر الرحيل الى كندا.
- فعلت ذلك لأن جدتك تضايقت مني وراحت تعكر صفو حياة والدي.منتديات ليلاس
اشارت بيبا عند ذلك :
- كان باستطاعتك زيارته سابقاً, فلقد توفيت جدتي منذ ست سنوات .
لمعت عيناه تنذران بالخطر وهو يقول :
- حاولت ذلك منذ سنتين لكن تشارلز منعني من دخول المنزل .
ضحكت بسخرية وقالت :
- أتحاول اقناعي انك لم تستطع تجاوز تشارلز.
نظر اليها بدهشة وقال :
- ماذا توقعت ؟ ان اضربه , لقد فكرت بالأمر حينها ولكني تراجعت.

- حسناً ياشوان , ولكنك لم تستطع الانتظار اكثر فأسرعت ساعة وفاته.
اردف متجاهلاً تلميحاتها :
- بالطبع , ألم تتوقعي حضوري الى دفن والدي ؟
اضافت على كلامه بالقول :
- اردت المجيء كي تطردنا من المنزل, فلا تحاول انكار ذلك.ريحانة
- لن تصدقي اذا قلت لا, ولكن بما ان الأمر قد حصل فأنا سعيد.
نظرت اليه بغضب مكبوت وقالت:
- لو كنت مكانك لما تحمست كثيراً لأن مصلحة الضرائب ستأخذ نصف التركة تقريبا.
***
كان الحديث الوحيد في تلك الساعة يدور حول حضور شوان وتصرفه , فاعترض السيد تشارلز :
- لقد دخل بكل جرأة وراح يتفحص زوايا المنزل وكأن الملكية اصبحت باسمه.
علقت زوجته للمرة الاربعين :
- مالا افهمه هو كيف ان الحكومة اخذت الأمر بعين الاعتبار , افكر في ان أبرق الى المحكمة لأعرف كيف لطفل غير شرعي الحق في إرث والده.
تدخل السيد تشارلز قائلاً بحدة:
- حسناً سيعرف لاحقاً ان الأمر ليس بهذه السهولة , ولكن الحقير هو غيبون الذي يجرؤ على المجيء به الى هنا, استطيع ان اتكهن الى جانب من هو الآن, سأستشير محامياً آخر لأعرف رأيه بالأمر.
منتديات ليلاس
تساءلت بيبا بصمت , تفكر كيف استطاع شوان ان يعاملها هكذا , فهي لن تسعى للزواج من رجل كي تكسب ثروته يوماً وعلى الأخص هو بالذات , انها لم تقابل يوماً رجلاً بمثل غروره واعتداده بنفسه , على كل حال في المرة المقبلة ستفهمه من هو بالنسبة اليها.منتديات ليلاس
كانت تفكر كم كان من المخيب للأمل ان لا تحظى بالفرصة المناسبة لتتحداه , هذا بالاضافة الى انها كانت في ذهول تام ولم تتمكن من الاجابة بما هو يناسب ومنذ ذلك الحين وهي تفكر باختيار الكلمات المناسبة التي تجعله يرى الامر بعقلانية اكثر.
تابع السيد تشارلز يقول:
- عليه ان يقاتل بقوة ليتمكن من الحصول على المال, سأر فع القضية الى مجلس النبلاء اذا تطلب الأمر وانا عازم حقاً على ذلك.
قالت بيبا بحدة:
- ألا تستطيع نسيان الأمر لدقيقة واحدة يا والدي, حتى لو استطعت منع شوان من الحصول على الثروة فهذا لا يعني بأنها ستتحول اليك بسرعة , لأن المحكمة ستنظر بأمرها اولاً, وهذا ما سيجعلك تتكبد مصاريف انت بغنى عنها.ريحانة
فسألها والدها بحدة :
- ولكن ماأدراك أنت؟ ماعليك سوى ان تأملي بأن تجري الأمور كما نتمناها يا ابنتي , فالثروة في النهاية ستؤول اليك ولا تقولي ان هذا الأمر لا يسعدك.
وقفت بيبا وقالت :
- في الواقع , لست مهتمة بالثروة وقريباً سأصبح فقيرة.. ارجوك خذ منها علبة الدخان , فهذه العلبة الرائعة حتى الساعة ماعدا ما دخنته منذ الصباح الباكر.

صرخ والدها في وجهها:
- فيليبا كيف تجرؤين على مخاطبة والدتك هكذا.
- آه يا والدي كلنا نعلم انك تدخن كثيراً فمابك تقف مكتوف اليدين , افعل شيئاً بدل تجاهلك للأمر .
قال والدها :
- تناسى الموضوع فيليبا فنحن نتناول الطعام , وإذا كنت غير قادرة على ذلك , فمن الأفضل ان تتركي الغرفة .
اجابته بوقاحة:
- هذا ماسأفعله, فلم أعد احتمل المكوث معكما , سأنزل الى الاسطبل فعلى الأقل سأجد رفقة مسلية ومتفهمة هناك.
بقيت بيبا متوترة وهي في طريقها الى الإسطبل, متأسفة على فظاظتها مع والدها لكنها لم تستطع شيئا آخر , انما ما أذهلها حقاً هو ان شوان لم يأت لاجل المال ويبدو ان لديه اعمال في كافة المجالات .منتديات ليلاس
كانت الاسطبلات توحي بالدفء والهدوء , وعندما لمحها فيوري وليدي اسرعا للقائها , فقد كانا يعلمان جيداً بأنها جاءت اليهما بتفاحتين , جلست بيبا تراقب الحصانين وهما يأكلان بسعادة الأمر الذي جعلها تنسى مشاكلها.
منتديات ليلاس
قالت تحدثهما:
- ربما قد حان الوقت ليكون لي مسكني الخاص, فأنا في الحادية والعشرين ولكن أين سأضعكما ياجواديّ العزيزين؟ سأفتش لكما عن اسطبل آخر ولكنه لن يكون اجمل من هذا البيت.
عادت بيبا الى عملها في اليوم الثاني للجنازة , لقد كانت تملك متجراً لبيع الزهور هي وصديقتها مارغوري, انهما في هذا العمل منذ ثمانية عشر شهراً , وهذا المبنى يقع في مبنى قديم يعود الى العصور الوسطى, قرب كافيتيريا صغيرة ومحل العمل في المتجر ناجحاً بسبب موقعه الذي جذب كافة السائحين حتى انهما قررتا ان تفتحا فرع ثان للمتجر.
كان نهاراً مضنياً عندما حانت ساعة الاقفال , في ذلك الوقت قرع الباب ودخل شاب يطلب من مارغوري المساعدة في اختيار باقة زهور كي يرسلها الى فتاة , ولم تلتفت بيبا لانشغالها في إعداد طلب لزبون آخر.ريحانة
لكن لفت انتباهها صوته عندما قال:
- اريد باقة من الأزهار لارسلها الى احدى السيدات , الورد ربما .
فأدارت رأسها لتلمح شوان الذي كان يتابع كلامه وكأنه لم يرها ابداً.
وفكرت بيبا بأن مجيئه الى هذا المتجر ليس صدفة , بل حضر عمداً كي يغيظها , وتساءلت لمن يرسل الزهور ياترى, ليس لصديقة في كندا بالطبع , كما انه من المستحيل ان يكون لديه صديقة ولم يمض عليه سوى يوم واحد في انكلترا.
انتشلها الزبون من افكارها قائلاً:
- آنستي , عفواً, ايتضمن السعر ثمن الآنية؟
اجابت على سؤال الزبون:
- آه.. اعذرني , طبعاً يتضمن الآنية , كما ان اجرة التسليم داخل المنطقة تكلفك 2.95 جنيه , اتريدني ان ارسلها غداً؟