" في أحد الأيام التي أرسلك فيها بارت الى تنغافيل لأحضار بعض الكتب والحاجيات الأخرى , وكان أختصاصي القلب هذا قد وصل بالطائرة في اليوم السابق وأقام معي في مسكني لوساكا , وكما قلت , فأن بارت هو الذي أصر على أخفاء الحقيقة عنك , وقد أظهر تشددا بالغا في رفضه تعريضك لأي شعور بالقلق عليه , فأخذت الطبيب الى مسكن كاتانيا حيث أخضع بار ت لفحص دقيق قرر بنتيجته أن هناك مجالا لأجراء العملية , علما بأن بارت من جهة ثانية قد يفارق الحياة وهو على طاولة العمليات , أما بقية القصة , فتعرفينها لأنني رويتها لك".
قالت وكأنها تحدث نفسها :
" كان ذلك قبل زواجنا".
تطلع روك اليها مستفسرا , وقال:
" حدث ذلك قبل زواجنا بالتأكيد ,ولكن , أحب أن أعرف ما الفرق في ذلك".
تنهدت كيم , ودنت منه خطوة أخرى قبل أن تقول وقد أبيضت شفتاها:
" أذن, كنت تعرف قبل زواجنا أن أمام بارت فرصة للبقاء حيا؟".
أجاب بعبوس وتجهم:
" أجل , على أني آمل يا كيم ألا أتعرض لمجموعة من كلماتك وأسئلتك المبهمة".
منتدى ليلاس
كان يمكن أن تبتسم كيم لقوله الذي ذكرها بروك القديم وتهكمه ونظرته اللائمة اليها , ألا أنها لم تبتسم
بل قالت بهدوء:
" أسمع , لقد عرفت أن بارت طلب منك الزواج بي....".
" أنت تعرفين ؟ كيف؟".
" لا تشغل بالك بالطريقة التي عرفت بها ذلك الآن , بل قل لي يا روك لماذا تزوجتني".
نظر روك الى كيم وقد ضاقت حدقتاه وظهر الأرتباك فيهما هنيهة , وما لبثا أن أتسعتا تدريجيا حين بدأ روك يفهم بعض الأمر
وقال وهو يرفع يده بحركة آمرة تمنعها من مقاطعته:
" قلت الآن أنني تزوجتك بناء على طلب بارت , الآن أصبح عندي مبرر للقول بأن عقلك البسيط جعلك تقررين أنني تزوجتك حتى أرضي بارت ..".
ثم توقف ليضحك ضحكا عاليا أجبرها على أن تصم أذنيها بيديها , وقال:
" هكذا تتصورين أنني رجل يتصرف بمثل هذه البلاهة؟".
هزت كيم رأسها , وأنزلت يدها الى جنبها وهي تجيب:
" كلا... يا روك...".
وتقدمت خطوة أخرى بأتجاهه , لكنه ظل واقفا في مكانه بصلابة وصرامة وقالت:
"آه , أظن أنني أرتكبت ... أرتكبت خطأ ...".
بلعت كيم ريقها المتجمع في حلقها وأضافت:
" شنيعا".
شد روك ذراعيه الى جسده , ثم أمرها:
" تعالي الى هنا".
ولما لم تتحرك , هددها بالقول :
" كيم ,أنني مستعد لضربك ضربا يوجعك مدة أسبوع , فتعالي الى هنا".
أطاعت فورا , وقد تغير لونها بسرعة , وقالت جوابا على أستفسارها :
" أنني آسفة".
" آسفة , هل تظنين أن كلمة واحدة صغيرة تكفي لأزالة كل المعاناة التي فرضتها عليّ؟ صدقيني يا كيم أنن سأجبر نفسي بعد عودتنا الى المنزل أن أزرع فيك بعض الأحساس , أما الآن , فقولي لي فورا كيف عرفت أن بارت طلب ألي أن أتزوجك".
" وأخيرا أدركت أن رافيلا أرادت أن أتنصت عليها ".
هكذا أنهت كيم كلامها وهي تتمنى لو تشيح بنظرها بعيدا عن وجه زوجها العابس , ألا أنها لم تجرؤ مخافة أن ينفذ تهديده , وقال ساخرا:
" أنه لذكاء خارق أخيرا حقا أن رافيلا أرادت أن تتنصتي عليها , وهل يمكنني أن أسأل لماذا لم تحضري الي وتستوضحي الأمر مني ؟ أذكر أنني طلبت منك أطلاعي على ما كنت تفكرين به ذات مرة , ولو أنك فعلت, لجليت أمورا كثيرة".
" أجل .... لقد فعلت , ولأتمنى لو ... لو أنني أكترثت لك...".
وتوقفت قبل أن تصيح صيحة أحتجاج أذ هزها زوجها الذي لم يستطع السيطرة على أعصابه , هزا عنيفا فأصطكت أسنانها
ثم قال:
" أخبريني بقية القصة , أخبريني بكل شيء حتى نستطيع الرجوع الى البداية من جديد".
أرتعشت كيم وقد بللت الدموع أهدابها :
" ليس هنالك ما يذكر سوى أنني كنت عازمة على هجرك فور ... بارت".
هزها ثانية بحيث تذكرت قوله أنها ستندم أن هي أغضبته
وقال متسائلا:
"تهجرينني ؟ تهجرينني , أليس كذلك؟ وبهذا تفضحينني أمام أصدقائي , صدقيني أنني كنت سأسترجعك بطريقة تمنعك من العودة الى هذه المجافة".
فتحركت مبتعدة وقالت بعد أستردادها شيئا من النشاط:
" أذا تابعت تهديدك لي بأستعمال العنف ضدي , فأنني لن أعود الى ... اليك".
" لن تعودي؟".
" لا ... بل أقصد ... الآن".
" هل ترغبين في الأنفصال؟".
" الأنفصال؟".
منتدى ليلاس
ولم يكمل الفريقان تفسيراتهما ألا بعد وقت طويل وذلك أثناء العشاء على ضوء الشموع في زاوية منعزلة من مطعم الفندق , فعلمت كيم أنه على رغم طلب بارت من روك أن يتزوجها , فأن الأخير أكد للأول أنه واثق أن كيم هي الفتاة التي خلقت له , وقال روك بأبتسامة ندم ونظرة حنو قابلت نظرة كيم عبر الطاولة :
"أقر أنني قاومت ميلي للزواج بك , لأن عزوبيتي كانت مريحة وخالية من التعقيدات فلم أرغب أن تقتحم أي أمرأة حياتي , غير أنني سرعان ما أدركت صعوبة تجاهل تأثيرك علي , وعلى رغم مقاومتي , فقد عرفت أن معركتي لا بد خاسرة".
وألتمعت عينا روك مرحا أذ علت وجه كيم الحمرة فيما قهقهت قائلة :
" كم أنا سعيدة لأنك خسرت المعركة يا روك".
" وأنا كذلك يا حبيبتي".
" فقط لو كان بارت بخير .... لأصبح العالم من حولي غاية في الكمال".
" ليس بوسعنا يا حبيبتي ألا أن نعيش بالأمل , أما أذا أخفقت العملية فسأكون أنا زوجك بجانبك لأواسيك كما سأفعل دائما في المصائب والصعوبات".
" أعرف ذلك يا روك, وأنني هنا لأواسيك أنت أيضا".
ولما فرغا من عشائهما , سارا قليلا في حديقة الفندق قبل أن يصعدا الى الحجرة حيث رقدا هانئين.
مر أسبوع كامل قبل أن يتلقيا الخبر الذي طال أنتظارهما له : بارت سيعيش .
ولما خرجت كيم من الجناح الخاص وهي تقفز لللحاق بزوجها في ممر المستشفى , قالت:
" ألا يبدو على ما يرام ؟ هل تعلم يا روك أنني لم أره في مثل هذا الشباب وهذه العافية على ما أظن ؟ وهذا كله من فضلك , فكيف يمكنني أن أوفيك حقك من الشكر؟".
منتدى ليلاس
أجابها روك بحماسة وهو يرجع رأسه الى الوراء ويحدق بحنو الى وجه زوجته:
"لا تشكريني , فقط , أقيمي على حبي الى األأبد".
ثم خرجا من المستشفى النظيف المكيف الى حرارة الشمس الأفريقية الساطعة , وهناك بلغ مسامع روك صوت زوجته الهادىء الخفيض وقد ملأته رنة الحب يقول:
" هذا أبسط ما يمكنني فعله طوال حياتي يا حبيبي, يا روك".
النهاية