لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المهجورة والغير مكتملة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المهجورة والغير مكتملة القصص المهجورة والغير مكتملة


رواية لكل شخص حكاية منقولة

لكل شخص حكايه كتبها:N.L Ali الحلقة الأولى اليوم هو آخر يوم لأمتحانات الفصل الثاني لهذا العام. لم تكن

 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 03-09-13, 11:53 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 257857
المشاركات: 33
الجنس أنثى
معدل التقييم: عاشقة القصص1 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 40

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عاشقة القصص1 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص المهجورة والغير مكتملة
Proud رواية لكل شخص حكاية منقولة

 

لكل شخص حكايه

كتبها:N.L Ali









الحلقة الأولى


اليوم هو آخر يوم لأمتحانات الفصل الثاني لهذا العام. لم تكن سعيده كعادتها. في الواقع لم تكن على طبيعتها منذ شهر. هذا ما لاحظته صديقاتها. فلقد أصبحت مجتهده على غير العاده. لم تكن تهتم للدروس أبدا لكنها أصبحت كذلك هذا الشهر. لم تكن عبوسة أبدا, لكنها كذلك هذا الشهر. لم تكن قليلة كلام أبدا, لكنها كذلك أبدا. حتى أن الناظر إليها للمرة الأولى يعلم أنها تحمل هموم الدنيا على رأسها.
قبل الخروج من الكلية أخذتها أحدى صديقاتها جانبا و هي تقول: اليوم بأكلمتس العصر. يا ويلتس لو ما تردين. ما هوب عاجبني شكلتس.
أجابت مرام ببرود: لية؟ وش فيني؟
فصاحت بها صديقتها التي تبدوا في طولها على الرغم من أن مرام تلبس كعبا و هي لا: لا تستهبلين علي. أنا داريه أن فيه شيء صاير لتس. كل الشله ملاحضين. ترانا عطيناتس وجه.
هدأت من نفسها و هي تمسك بكف مرام بهدوء: مرام! حنا صديقاتس. إذا ما ساعدناتس و وقفنا معتس في محنتس متى تبيننا نساعدتس؟
صمتت مرام راسمة على شفتيها أبتسامة هادئة غابت عنها طويلا, ثم قالت: نتقابل في العصر إن شاء الله.
بادلتها صديقتها نوره الأبتسامة و هي تقول: بينا أتصال.
عادتا إلى صديقاتهم و نوره تشير بيدها من خلف مرام كي لا تنتبه لها و هي تطمن الشلة برفعها لأبهامها قابضة أصابعها بإشارة جيد.
كانت خمس دقائق قبل أن تودع مرام صديقاتها اللاتي كن جميعهن يودعن على أمل اللقاء في العام القادم إلا هي. كانت تأمل ذلك, لكن شيء ما داخلها أكد لها أن هذا اللقاء سيكون الأخير.
خرجت من الكلية متجاهلة حافلة المدرسة قاصدة سيارة والدها. كانت والدتها في المقعد الأمامي, و على الرغم من أنه لم يكن يظهر منها سوى عيناها إلا أن القلق الذي كان يعتريها لم يخفى على مرام أبدا. فالتوتر كان مسيطرا على الجو طوال الطريق من الكلية حتى وصلوا إلى المحكمة في أبها. أكثر من ساعتان قضاها الثلاثة في السيارة بصمت تام و الكل يدعوا الله أن يمر هذا اليوم على خير.
توقفت السيارة أخيرا أمام المحكمة. كانت المرافعة بعد خمس دقائق تماما. الكل مرتقب, و لا أحد يعلم ما الذي سيحدث. الوالدين واثقين من الفوز, و مرام متيقنة من الخسارة و قد هيأت نفسها لذلك لأنها تعلم أنها أكثر من سيتضرر في حال خسروا.
أخذت نفسا عميقا و قالت قبل أن ينزل أيا منهما: بوي! أمي!
أجاباها معا دون أن يلتفتا لها فأمها لم تطق النظر إلى أبنتها و هي في هذة الحاله, و أباها كان مشغول في البحث عن بوكة عند أقدامه: نعم!
قالت بثبات: إذا... يعني إذا ما ربحنا. بيأخذوني على طول. أبيكم تدرون أني أحبكم و مستحيل أتخلى عنكم.
بكت والدتها على الفور. لم تكن خائفة, لكن كلمات مرام جعلتها تقلق كثيرا. لم تفكر أبدا أنها قد تخسر أيا من أبنائها في المحكمة أبدا. إلا أن والدها هدأهما بقوله: لا تخافين يابنتي. الله يكتب ألي فيه الخير. أنا متأكد أنا بنرجع سوا.
أبتسمت مرام محاولة تهدأت الأجواء على الرغم من أنهما لا يريان أبتسامتها لكنها أرادت التظاهر بالثقة و هي تمسك بأمها من الخلف قائلة: إن شاء الله. أنا بس أقول...
قاطعها والدها: لا عاد تقولين. كفاية علينا أمس. شوفي أمتس كيف بكيتيها؟
حاولت مرام تهدأت أمها و هي تمسح كتفها من الخلف: خلاص يمه. هدي أعصابتس. حتى لو أيش. انا بنتس مستحيل أنساتس.
فقال والدها منهيا الحديث في الأمر ليواجهوا الأمر مهما كان: يا الله ترانا تأخرنا. الجلسة عاد بتبدأ هذا إذا ما بدت.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تدخل فيها مرام المحكمه, لكنها شعرت بأنه المرة الأولى على الأطلاق. دخل الثلاثة إلى أماكنهم حيث وجدوا خصومهم قد سبقوهم إلى المكان.
ربع ساعة مرت قبل أن تعلم مرام أنها ستفارق والديها إلى الأبد. كانت تجلس بينهما عندما سيطر عليها شعور مجهول. أبتعدت عن والدها و هي لا تزال تجلس على الكرسي. أبتعدت لأنها علمت أنه بالنسبة لها هو الآن غريب. دمعتان نزلت من عينا والدتها التي ألتفتت نحوها و ضمتها إليها بقوة كأنها تريد منعها من الأبتعاد عنها.لم تستطع مرام منعها, أو مقاومتها, أو حتى على الأقل مبادلتها ذات الشعور, و معانقتها. سيطر عليها الجمود خاصة بأنها تعلم بأنها لن تخرج معهما من هنا. تركت والدتها فترة تعانقها قبل أن تتقدم منهم أمرأء أخرى بدت أصغر في السن من والدتها أي في الخامسة و الأربعين من العمر تقريبا. نظرت إلى مرام بشوق لوهلة, ثم قالت و قد أحتارت فيما سيكون أول كلمة بينهما: كيفك حبيبتي؟
رفعت مرام نظرها إلى المرأة التي تسألها. لحظات مرت قبل أن تجيب:الحمد لله.
في تلك اللحظة وقف محمد والد مرام و هو يقول بصوت متألم لم يخفى على مرام: يا الله. خلونا نخرج نتفاهم برى.
وقفت مرام مساعدة والدتها على الوقوف. خرج السبعة من القاعة المحكمة إلى غرفة جانبية. جلس محمد و بجانبة زوجته مع المحامي الخاص بهم, و في المقابل كان هشام مع زوجته و محاميهم. أحتارت مرام أين يفترض بها الجلوس, لكن والدتها لم تترك لها خيارا إذ كانت تمسك بها بشدة. لأنها علمت أن اليوم هو آخر لقاء لهما.
و لأن هشام كان متعجل لرؤية أبنته. فقد أتفق و بناء على أمر من القاضي على أخذ مرام معه منذ الآن. كما أنه سيبدأ في معاملات تغيير الأسم. من مرام محمد إلى مرام هاشم. وستنتقل من بيشة إلى جده المدينة التي لطالما أحبتها. أخذت نفسا عميقا و هي تستمع إلى شهقات والدتها التي لا تزال مرتمية في حجرها, و ترى نظرات وفاء والدتها التي أثبتت المحكمة بعد فحص الحمض النووي أمومتها. كانت وفاء تتمنى لو تأخذ مرام بالأحضان إلا أن مرام لا تزال متمسكة بوالدتها كطفل يخشى الضياع, و لأن وفاء خريجة علم نفس فقد صبرت نفسها منتظرة الوقت الملائم لذلك.
ربع ساعة هو ما كان يلزم ليخرج الجميع من المحكمة. مرام مع والديها الجدد, و محمد مع زوجته وحدهما. سارت مرام مع والدتها التي لم ترى وجهها بعد. بل إنهما لم يتعارفا فالمكان لم يكن ملائم. كما أن مرام لم تسمح لوفاء أو هشام بالحديث معها. سارت معهم و يدها في يد وفاء التي أصرت على الأمساك بها كأنها تخشى أن تفقدها من جديد. نظرت إلى سيارة والديها الجدد. كانت سوداء رياضية(عائلية) نوع ليكزيس. أبتسمت بسخرية متذكرة حوار دار بينها و بين منال أختها الكبرى.

منال: تتوقعين. يعني إذا كنتي بنتهم و ما أنت أختي. كيف بيكون بيتهم؟
مرام: ما أدري؟ ما فكرت.
منال: يا غبية هم من السلماني.(عائلة غنية مشهورة في السعودية<<<< الاسم خيالي)
مرام: و خير يا طير؟ يمكن أنهم من حثالة العايلة.
منال: ما فهمت؟!
مرام: يمكن أنهم عاديين. مثلنا يعني. ما هم أغنياء زي هلهم.
منال: ما أتوقع. هم تجار. ناس شيء. حتى إذا فيه فقرية أكيد بيساعدونهم.
مرام: طيب. نشوف. ألحين ممكن تنقلعين عني أذاكر؟

عادت للواقع عندما سمعت و فاء تقول لها بلهجتها الجداوية: أركبي يا حبيبتي.
ركبت لتكون خلف مقعد السائق. ركب والدتها بجانبها, ثم والدها الذي تأخر قليلا ليسأل عن حقائب مرام مع محمد. أنطلقت السيارة متجهة إلى الفندق على أساس الأتجاه بعد ذلك للمطار متجهين إلى جدة, لكن..
ألتفت هشام إلى أبنته بإبتسامة و هو يقول: طيارتنا بعد المغرب لجدة.
فقالت بجمود و حياء لأنها تتحدث مع رجل حتى و إن كان والدها بالدم فهي لا تعرفه: و أغراضي.
- قلت لهم يرسلوها ليك. بعد أسبوع تكون عندك.
فأجابت بإنفعال: لا. لا. لا. ما أحب أحد يجي أغراضي. أنا أروح أجيبها. نجيبها و نروح جده من بيشة.
ألتفت إليها والديها مستغربان أنفعالها المفاجئ. إلا أن وفاء تفهمت أنفعالها, و قالت بأبتسامة: زي ما تبغي حبيبتي. ـ أستدارت نحو زوجها متابعة ـ نرجع بيشة تأخد أغراضها و من هناك على جدة, و رامي يرجع السيارة لأبها و منها لجدة. أش رأيك؟
لم يستطع هشام أمام الأصرار الذي لحظه في مرام, و رغبته في أرضاء زوجته السعيدة بلقاء أبنتها اخيرا سوى الموافقة.
أربع ساعات تقل أو تكثر ببضعة دقائق قبل أن يدخلوا بيشة. قضتها مرام بالنوم, و قضاها الوالدين بأستقبال مكالمات الأهل و العائلة مهنئين على سلامة أبنتهم, و ظهورها أخيرا.
أستيقضت مرام وهم على مشارف المدينه. حالما أعتدلت رأت وفاء تنظر إليها بحنية. كانت تعلم أنها متعبه فقد أنهت أمتحاناتها اليوم,و أتبعتها بمشوار طويل إلى أبها, و هاهي تعود الآن إلى بيشة في نفس اليوم. أي جسد سيحتمل كل هذا؟
ساد الصمت السيارة للحظات قبل أن تقطعة مرام محدثة والديها برسمية تامه: أحتاج شنطتين سفر على الأقل عشان أغراضي.
أبتسم والدها و قال: ولا يهمك. نروح ألحين السوق بعدين نروح نجيب أغراضك. بس لازم تستعجلي طيارتنا بعد تلات ساعات.
صمتت و لم تجبه بشيء سوى أرشادهم للسوق و بعد ذلك أرشادهم للمنزل الذي أحتضنها طوال التسعة عشر عاما الماضية. المنزل الذي جعلها تعتدل في جلستها متحمسة للنزول شوقا و ولها بعد أن علمت أن هذه قد تكون المرة الأخيرة التي تدخله فيها. عدلت عبائتها على رأسها, و لبست حذائها الذي خلعته حالما ركبت السيارة. أمسكت بحقيبتها التي تحمل ملزمتها بقوة, و كأنها تستمد القوة منها.
لحظات لتتوقف السيارة أمام باب النساء. ترددت مرام في النزول, لكنها نزلت أخيرا على الرغم من الخوف الذي يعتريها من اللقاء الذي سيعقبه فراق. فكرت " أكبد أمي تبكي ألحين. الحمد لله أين علمت منال بجيتنا عشان يستعدون. الله يعيني على الترتيب. ما بأخذ غير لبستين. خليهم يتأدبون. ما هوب يوم كبرت جو يدوروني..."
قاطعت وفاء أفكارها و هي تقول: ما رح تدخلي؟
لم تجبها مرام و أكتفت بالدخول إلى فناء المنزل لتنزع نقابها قبل أن تصل إلى باب النساء الداخلي و هي تطرق الباب بجلافه قائلة بمرح مصطنع: يا عرب! يا هل البيت!
أقبلت إليها منال مرتدية تنورة سوداء و بلوزة ذات أكمام قصيرة حمراء اللون. وقد رفعت شعرها كذيل الفرس. رحبت بأختها بحرارة, ثم أستقبلت وفاء و أدخلتها مجلس النساء. في حين رمت مرام عبائتها على الخادمه و طرحتها و النقاب و هي تقول بعصبية: غسليها و نشفيها و أكويها. ألحين.
أخذتها الخادمة و هي متعجبة من عصبيتها إذ لم تعتاد ذلك من مرام.
أخذ مرام الحقيبتان الفارغتان التان أشترتهما اليوم, و صعدت بهما إلى حجرتها التي تشترك معها فيها منال. فتحت الحقيبة الصغرى و فتحت درج طاولة المكتب الأول الذي كان دائما مغلق بالفتاح. أخرجته من الطاولة نهائيا و قلبته على حقيبتها رامية كل ما يحتوية من أوراق بداخل الحقيبة السوداء الصغير, ثم أتجهت إلى الطاولة الصغيرة بجانب سريرها, و بنفس الطريقة. فرغت الدرج في الحقيبة. فتحت الدرج السفلي أخذت منه مجلة عليها الكثير من الكلمات بمختلف الألوان. كانت قد كتبت فيها هي و صديقاتها في الثانوية. أخذت بضعة أوراق من الدرج السفلي و علبة مجوهرات تحوي عقدين من الأكسسوار و خاتم. كانت هي الأخرى هدية من صديقاتها. رمتها في الحقيبة بإهمال. عادت إلى مكتبها أخذت منه دفتر الجامعة و رمته في الحقيبة. كادت الحقيبة الصفرى تمتلئ أوراقا أخذتها من كل مكان حتى أنها أخرجت بعضها من بين ملابسها. حلاما أنتهت من جمع الأوراق أغلقت الحقيبة بعد أن أخرجت كرت العائلة الذي كان معها في درج الطاوله. نظرت إليه لدقائق, ثم أبتسمت بسخرية و ألم واضعته على طاولة منال.
أتجهت لحقيبتها الأخرى, و قد كانت أكبر من الأولى بكثير. وضعت ملابسها الخاصة أولا, بالإضافة إلى قميص النوم فهي لا تحب النوم في البجامة, و جلابيه, و بلوزتين و تنورتين متناسقتين مع بعضهما البعض. أخذت حذاء أسود ممسوح. وضعته على الحقيبة الصغيرة. أخذت ملابسها الخاصة بالسفر. كانت قد خصصتها لترتديها تحت العبائة لتريحها أثناء السفر. بنطلون أود واسع و بلوزة سوداء خفيفة تكاد تكون بلا أكمام. سحبت المنشفة و أسرعت إلى الحمام. أرادت أن تنتهي سريعا لأنها لم ترد ترك والدتها مع وفاء التي تكون بمثابت العدوة اللدودة بالنسبة لمرام إذ أنها ستأخذ أبنتها منها. أسرعت إلى الحمام لتأخذ دشا سريعا, و في زمن قياسي, و بعد خمس دقائق خرجت مرام بعد أن أخذت أغراضها الصحية لترميها في حقيبة الملابس بعد أن جمعتها في كيس شفاف بإهمال.
لم تكن مرام مهملة لأغراضها بهذا الحد, لكنها كانت متعبة نفسيا و غاضبا على نفسها لذا أهملت كل ما حولها. رمت منشفتها في النشافة. لحظات ثم رمتها في الحقيبة التي أنزلتها الخادمة. بعد أن كوت عبائتها. أرتدت عبائتها سريعا, و ودعت والدتها وداعا حارا لم تسقط خلالة دمعة واحدة من مرام إذ لم ترد أن تتسبب في حزن والدتها التي لطالما أحبتها. لحظات لتركب السيارة مع والديها البيولوجيين متجهين إلى مطار بيشة, و من هناك إلى مطار جدة مباشرة. كان هنالك سائق بنجالي الجنسية بإنتظارهم. حمل السائق حقيبتي مرام و حقيبة أخرى كانت للوالدين. كانت ربع ساعة على الأقل ليكونوا أمام مدخل فلة فارهه. لم يسبق لمرام أن رأت لها مثيل. كان الفرق كبير بين منزل محمد و هشام. فمنزل محمد كأي منزل لشخص من الطبقة المتوسطة, و على الرغم من أنه حديث البناء إذ أنتقلوا إليه منذ بضعة أشهر إلا أنه كان لا يساوي شيئا أمام فخامة قصر هشام الكبير بحراسة و فنائة المزروع, و السيارات الحديثة المتوقفة في الكراج في طرف القصر. توقفت السيارة أمام الباب الرئيسي, فتحت مرام الباب لنفسها في حين فتح السائق الباب من الجهة الأخرى لهشام. أنتظرتهما حتى تقدماها و وفاء تقول لها: أدخلي. لا تخافي. ما أحد هنا. أخواتك كلهم برى.
دخلت مرام بعد هشام و أمام وفاء. فكت نقابها رامية عبائتها و حجابها على كتفيها. ألتفتت لوفاء التي كانت تبتسم لها بشوق و قالت بجمود: أبي تلفون.
نظر إليها هشام بتأنيب. أراد أن يخاطب جمودها, لكن وفاء سبقته بالإجابه: في الصالة التانية.
أشارت إليها. ذهبت مرام إلى الهاتف و جلست على الكنبة بتململ. ضربت الأرقام سريعا... 622. توقفت و هي تتذكر أنها أخطأت. أعادت الرقم 076225871 لحظات لترفع منال السماعة: ألو.
تمنعت الكلمات عن الخروج من فم مرام التي تشعر بأنها تائهه في عالم مجهول. حاولت التماسك و منع دموعها من الخروج و هي تقول: هلا منال. كيفكم؟
كان السرور واضح في صوت منال: أهليييييييييييين مرام. وصلتي.
- توني.
- الحمد لله على السلامة.
- الله يسلمتس. كيفكم؟ كيف أمي؟ إن شاء الله ما تعبت؟
ترددت منال, لكنها قالت: ما عليها بخير.
علمت مرام أنها كاذبة من ترددها فقالت بصرامة: منال!
- ويش؟
- لا تكذبين علي. أقولتس عطيني أياها.
- يا بنت الحلال بخير. جالسة مع أم علي.
- منال! قلت عطيني إياها.
- يووووه. خلاص. تعبت و هي مع بوي ألحين في المستشفى. أرتحتي؟
أخذت نفسا لتتماسك, ثم قالت: خلاص خلي جوالها معتس بأروح أرقد ألحين. متى ما قمت دقيت عليتس.
- طيب.
- لا تنتظريني يمكن ما أقوم إلا فجر. بس خلي الجوال معتس.
- طيب.
- يا الله مع السلامة.
- لحظة. لحظة.
فقالت مرام بنفاذ صبر: خير؟
- أغنياء زي ما قلت, و إلا عاديين.
- يلعن أم الرواقة ألي عندتس يا شيخة.
- المهم. أنا و إلا أنت؟
- لا أنت. خلاص؟ يا الله ضفي.
- يمه! لا تأكليني.
أرتفع صوتها قليلا و هي تقول: طفشتيني. ترى بأسكر. يا الله مع السلامة.
لم تنتظر منها رد إذ أغلقت السماعة و خرجت لهم في الصالة. كانت وفاء و حدها هناك و قد رأت الخادمة تحمل إحدى حقيبتيها إلى الأعلى. ألتفتت نحو وفاء التي بدت متعبة جدا و قالت: أبي أنام.
أبتسمت و فاء و قالت: الشغالة طلعت شنطتك. ألحقيها. هي تدلك.
تبعت مرام الخادمة إلى أعلى دون أن تزيد كلمة أخرى. توجهت الخادمة إلى جزء بعيد من الدور العلوي. كان من الواضح أنه قليل الأستخدام نظرا لقلة الأضائة في هذا القسم عنها في القسم الشمالي. أدخلت الخادمة الحقيبة, لكن مرام منعتها من فتحها عندما همت بذلك, و أمرتها بالخروج. خرج الخادمة مغلقة باب الجناح خلفها.
كان الجناح بسيط جدا. صالة 6×5 بها قطعتين من الأرائك البسيطة بلون البيج. و تلفاز ذو شاشة بلازما. ذو سماعات متفرقة, و دي في دي متصل به بجانب الرسيفر. كما أن هناك أستريوا في الجانب الآخر من الصالة على دولاب أسود محروق. بالإضافة إلى حجرة نوم راقية جدا. كانت صغيرة جدا, لكنها مناسبة لمرام على الرغم من أنها لم تحبذ اللون البيج الذي سيطر عليها, لكن ذلك لم يكن يهمها فكل ما كانت تفكر فية هو النوم. رمت عبائتها و طرحتها و النقاب. فكت الربطة من شعرها المضفر, و تركته دون تحرير. أرتمت على السرير بإهمال, و ماهي إلا لحظات حتى نامت.
في الأسفل كانت وفاء تشرب كوب من عصير البرتقال الطازج عندما رن هاتفها المحمول, و قد كان المتصل أبنها البكر عادل أجابت بشوق: أهلين.
أجابها عادل بصوت مشتاق فقد مر أسبوع لم يرى والدته: السلام عليكم.
- و عليكم السلام.
- كيفك؟ أن شاء الله بخير؟
- الحمد لله.
- مبروك على رجعت بنتك.
- الله يبارك فيك. بعدين هادي أختك. لا تقول بنتك بعدين أزعل.
- و لا يهمك. أختي. كيفها؟
- تعبانه شوي. تعرف اليوم خلصت الأختبارات, و قضية, و سفر.
أنفجر ضاحكا بمرحة المعتاد و قال متشمتا: سمعت أنها شحططتكم؟
- لا. كانت تبغى تجمع أغراضها بنفسها. شكلها ما كانت متوقعه تجي هنا.
أنقلب صوته جديا و هو يقول: كم عمرها ألحين؟ 19 و إلا 20؟
فهمت وفاء ذلك الألم المختبئ خلف الجدية و لكنها تظاهرت باللامبالاة مجيبة: 19 ثلاث شهور تقريبا و تصير 20.
- فينها ألحين؟ جنبك؟
- لا و الله. تقول تبغى تنام.
- طيب. أنت كيفك؟ أن شاء الله مبسوطه.
فأجابت براحه و فرح ظاهر: ما تتصور قد أيش. أحس رجعت لي روحي, و عشان كدا لازم تتجمعوا على الفطور بكرة.
- أمي! بكرة دوام. كيف نجتمع على الفطور.
- أووة. صح نسيت.
- ههههههه ألي ماخد عقلك.
- و الله أنها أتعبتني, و متأكدة أنها حتتعبني أكتر ليما تتعود علينا.
- أسترجعي الأيام الخوالي عليها. خليها تعرف مين هي الدكتورة وفاء.
- روح الله يخليك. من لما عرفتها و أنا أراعي نفسيتها, لكن اليوم أبوك عصب منها لأنها دخلت البيت و على طول على التلفون, و الظاهر تخانقت مع أختها. قال لازم أشد عليها شوية.
- معاه حق. أنت من قبل ما تيجي مهتمه لها. إذا دلعتيها ما حتحترمك.
- يا أبني ليه 14 سنه أدور عليها. كيف ما تبغاني أدلعها.
- شدي على نفسك شوية. ما يصير كدا.
- ما علينا. بكرة على الغداء تكون هنا. خلاص؟
- إن شاء الله.
- لوحدك.
- لا تخافي. أوديها بيت أهلها. أنا نفسي أعرف ليش تكرهيها مع أنك أنت ألي أخترتيها؟
- أنت شوف كيف تعاملني بعدين تعال أتكلم. ما كأني أم زوجها. الظاهر أمها كانت ضابتها قبل الزواج و فلتت معك.
- ماشي. يا الله تأمري شيء يالغالية؟
- سلامتك. بس يا ليت تكلم أخوانك يكون هنا كلهم. ما فيني أكلمهم تعبانه.
- ليش ما هم في البيت.
- لا. طلبت منهم ما يكونوا موجودين ساعة تيجي. كانت تعبانة و ما بغيت نثقل عليها.
- ماشي. بأكلمهم لك.
- يا الله تصبح على خير.
- و أنت من أهلوه.
في مكان آخر, وفي أحد مقاهي الشاطئ كان سعود يجلس مع أصحابة, و كالعادة كان يجلس مع عمر و قهقهاتهم تكاد تصل لأهل الشام. دخل عليهم محمد متأخرا كعادته. فهو لا يأتي حتى تكون الساعة الثانية و النصف على الأقل. ألقى التحية و تابع ساخرا: أشبكم؟ أش صاير؟ ضحكونا معكم.
فصاح به عبد الإله من جهة أخرى: سيبك منهم. من لما دخلنا و هما كذا.
ألتفت له: كيفك أبو عبيد؟
- الحمد لله. تعال هنا.
أتجه إليه و هو يقول: أشبهم هدولا؟
- سعود طلع له أخت. ما أدري من فين.
- كيف؟!
- ما علينا. المهم أن عمر يقول له أنو ما يبغى بنتو بطل ألحين يبغى أختتو. و التاني مرة ينكت و مرة يعصب.
في تلك اللحظة وقف سعود يضرب عمر بمزاح, و عمر يدافع عن نفسة. تابع عبد الإله: شفت.
- و من فين جات أخته هادي؟ ما فهمت؟
- و لا أنا فاهم.
عند الثالثة فجرا دخل فيصل ذو الأربعة و العشرين عاما عائدا من أستراحة الشباب. كان في يدية كيسي أكل. أحدهما من بيتزا هت و الآخر من ماكدولدز. ما إن دخل الصالة حتى أنتبه لصوت في المطبخ. لقد كانت مرام التي أستيقظت للتو. و قد كانت تبحث عن طعام فهي لم تتناول شيئا منذ الصباح سوى كوب من الحليب. تأملها و هو يقف عند الباب قليلا. ثم طرقه طرقتين. ألتفتت نحو الباب فزعة فأبتسم لها و هو يقول: توقعت بتصحين ألحين. ـ رفع الأكياس قائلا ـ جبت لك عشاء.
كانت تتسأل من هذا الذي يتعامل معها و كأنه يعرفها منذ مئة عام, لكنه لم يسمح لها إذ وضع الأكياس على طاولة الطعام التي كانت تتوسط المطبخ قائلا: أنا أخوك فيصل. أكبر منك على طول.
كان من الواضح أنه شخص مرح. هذا ما خمته مرام عندما رأت أبتسامته التي لم تفارق شفتية منذ رأته على الرغم من الجمود الذي تقابلها به.
كانت صامته و لم تعرة أهتماما, لكنه كان يشعر بالملل و قد رغب بالتعرف عليها و هذا السبب في رجعته مبكرا هذا اليوم على غير عادته. لذا حاول جاهدا فتح باب الحوار معها وهو يقول: أجلسي. أنا بأسخنوا ليكي و ناكل سوا. جبت لك وجبه.....
قاطعته بعدم أهتمام: ما أبي آكل. شكرا. بس أبي كفي. وينه؟
- يقولوا ما أكلتي من الظهر. ما يصلح تشربي كافي...
ومرة أخرى تقاطعة: بتدلني عليها و إلا تقلع عني.
تفهم غضبها, و نفسيتها التي سبق و أن أخبرتهم والدتهم عنها مساء هذا اليوم. لذلك حاول شرب غضبها و البعد عنه: أرتاحي أنا أسويها لك.
ردت بأدب هذه المرة: شكرا. أحب أسويها على مزاجي.
- على راحتك. ـ أتجه إلى الدولاب حيث توجد النسكافية و الكفي ميت مع السكر و الشاي و بقية الأغراض . فتحه ـ كل ألي تحتاجيه هنا.
أخذ كوبين من درج آخر. أعطاها واحد, و أخذ الآخر و هو يقول: كل واحد يسوي على كيفه.
أبتسمت له رغما عنها. لقد كان لطيفا جدا معها و تحمل فضاضتها التي لم تعرف لها سببا واحدا.
دقيقة أو أقل و كان كوبا الكفي جاهزان. ألتفت لها و هو يخرج دونات من الثلاجه: نروح نطالع فيلم. مافيه وقت على الفجر.
- على راحتك.
- تعالي معايه. عندي فيلم بيعجبك.
صعدت معه إلى الأعلى متجهان إلى حجرته بعد أن وضع البيتزا والبيغ ماك في الثلاجة. كانت حجرته في الجانب الشمالي من المنزل. لم تهتم للأمر إذ رأت أنه من الطبيعي أن تكون حجرتها بعيدة قليلا عن حجر الأولاد. أخذ شيرطي D.V.D كان من الواضح أنهما لم يفتحا من قبل. خرج من الحجرة و هو يقول: أمي أعطتك أفضل مكان للأفلام. بعد غرفة السينما.
لم تفهم ما كان يقصد فسألت: كيف؟!
- شكلك ما أنتبهتي. غرفتك فيها أكبر شاشة في البيت. كنا دائما نروح هناك لما نتكاسل ننزل لغرفة السينما.
لم تجيبه بل أكتفت بالسير خلفة إلى صالة جناحها حيث شغل الـD.V.D ليبدأ فيلم كارزCars. كان ممتعا, و قد أسعد مرام وجودها مع فيصل الذي كان منغمسا بشدة في الفيلم.
قبل آذان الفجر بلحظات دخل سعود المنزل و سمع صوت التلفاز المرتفع و ضحكة فيصل المعروفة. أستغرب المكان الذي تخرج منه الضحكة. لم يكن يتوقع أنه سيكون معها في مثل هذا الوقت من الليل. طرق الباب فأوقف فيصل الفيلم و هو يقول: تعال سعود.
فتح الباب, و دخل و هناك علامة تعجب كبيرة فوق رأسة: نفسي أعرف أنت كيف تعرفنا قبل ما نتكلم؟
- سلم أول.
- السلام عليكم.
أجابا السلام, ثم تابع فيصل عندما رأى الجمود من كلا الطرفين: الظاهر أختنا العزيزة ناوية على العايلة كلها. يا أمي سلمي علية. هادا أخوكي. ما حيأكلك.
إلا أن سعود تدارك الموقف و قال: سيبك منها. فين كنت من المغرب أدق عليك ما ترد؟
تبدلت ملامح فيصل لغضب مكبوت وهو يقول: لا تسأل و أنت عارف السبب.
- يا أخي خلاص. طفشتنا. مللتنا. قلنا أنتهى الموضوع. خلاص. قفل عليه.
- لا ما أنتهى.
- أش تبغى أسويلك أكتر.
- بعدين نناقش الموضوع. إذا تبغى تتابع الفيلم, و إلا خلينا نخلصة قبل الفجر.
- لا. حنخلص الموضوع ألحينه ترى مللتني.
- الوقت مو مناسب. أجلها شوي.
- ما حأجلها. ممكن تفهمني أيش ألي مو....؟
قاطعة فيصل بغضب و صوت عالٍ نوعا ما:...................





الحلقة الثانية

قاطعة فيصل بغضب و صوت عالٍ نوعا ما: خلاص. قلت ألك بعدين. ما تفهم؟
- لا ما أفهم. أنت أصلا خليت فيني عقل عشان أفهم؟
- و من متى فيك عقل عشان أخلية؟
تكلمت مرام أخيرا إذ أخافتها الأصوات الرجالية الغاضبة و قالت بصوت خائف و هي تقف أمام سعود مانعة ثورانه إذ بدا أكثر عصبية من فيصل الذي لا يزال يجلس في مكانه: هدي أعصابك. بتقوم هلك. ماله داعي يقومون على خناقكم.
حول سعود هجومه إلى مرام: أش دخلك أنت؟ ما هو كله من تحت راسك.
و بذلك تحول موقع مرام من الأصلاح إلى الدفاع: وش سويتلك؟ أعرفك أصلا عشان أتمشكل معك؟ـ تابعت بملل و سخرية لا تلائمان الوضع ـ و الله حاله.
تدخل فيصل بهجوم و صوت عالٍ جدا و هو يقف: سعود. بعد عنها.
- حأبعد. بعدين نتفاهم.
خرج سعود غاضب, و مرام تنظر إلية بتعجب من حالة الغضب الغريبة التي هو فيها.ألتفتت نحو فيصل ناوية الأستفسار, لكنه سبقها بقوله: ما تأخدي فخاطرك. بعدين تفهمي. خلينا نكمل الفيلم.
أجبرت مرام فضولها على الصمت و الغوص مرة أخرى في أحداث الفيلم حتى آذان الفجر إذ أنتهى الفيلم بعد الأذان بلحظات. خرج فيصل ليصلي, و دخلت هي حجرتها لتتوضاء, ثم أجبرت نفسها على النوم.
أستيقضت مرة أخرى عند التاسعة صباحا, و قد كان المنزل حينها فارغا. فهي الوحيدة في إجازة. سامي في جامعته, و البقية في أعمالهم. في حين ذهبت والدتها إلى السوق لتشتري لأبنتها بعض الأغراض الأساسية بعد أن علمت من الخادمة أنه لم يكن لديها الكثير من الثياب. نزلت إلى الأسفل باحثة عن طعام فهي لم تأكل شيء منذ البارحة سوى كوب من النسكافية. كانت ترتدي بلوزة سوداء ثات أكمام طويلة و عليها توب أصفر اللون و تنورة الكلية السوداء. إلا أن أناقتها تناقضت مع الشحاطة الوردية المنزلية لأنها لم تحضر معها سوى الحذاء الرياضية التي أرتدتها قبل خروجها من منزل محمد آخر مرة.
رأتها رئيسة الخدم فيلبينية الجنسية فأتجهت إليها قائلة: do you want breakfast Mrs?
- secure
أتجهت إلى طاولة الطعام حيث جهزت لها خادمة أخرى الأفطار, و قد كان بسيطا. كوبا من الحليب بالإضافة إلى البيض و الجبن و اللبنه, و الخبز.
أخذت الساندوتش بعد أن حشته بالجبنة و كوب الحليب, و جلست أمام التلفاز تتنقل بين القنوات باحثة عن شيء يسليها. لحظات لتدخل والدتها و هي ترمي الطرحة عنها بتعب, و الخادمة خلفها تحمل الكثير من الأكياس.
على الرغم من التعب المسيطر على وفاء إلا أنها أبتسمت حالما رأت مرام أما التلفاز بلبسها الأنيق. كانت تعلم أن هناك بعض الرسمية في لبسها, لكنها رأت أن هذا أمر طبيعي جدا. أقتربت منها بعد أن أمرت الخادمه أن تضع هذه الأكياس في حجرة مرام. جلست على الأريكة في منتصف الصالة و هي تقول: كيفك البوم حبيبتي؟
أجابت مرام بهدوء يظهر فيه أستحياء: الحمد لله.
تابعت وفاء و هي ترى بقايا أفطار مرام: أفطرتي هنا؟!
- أيوه.
- ليش؟ أشبها غرفة الأكل؟
- طفشت لحالي جيت هنا أتسلى.
- طيب. أش رايك تطلعي تجربي الثياب الجديده ألي أشتريت لك هيه؟
- ثياب؟! قالوا لتس حقينتس؟
- أيوه, و متى ما تبغي السواق تحت أمرك.
- ما أخرج مع السواق لحالي.
- ماشي. خدي الشغالة معك.
فقالت مرام بنبرة أستهزاء لم تخفى على وفاء: سمعت أن عندي أربعة أخوان فوق الثمان طعش, و بوي بعد حي. يعني خمسة ما عندهم إلا أنا و أنت. أش فايدتهم؟
أستغبت وفاء و علامة تعجب مرسومة على محياها: ما فهمتك!
- قولي لواحد منهم يوديني السوق. ساعة بالكثير و أنا راجعه. ماب يبقص(= ينقص) من عمره شيء.
لم تفهم وفاء سبب السخرية, لكنها حاولت أن تضل لطيفة لتكسب الفتاة الوحيدة في العائلة: على راحتك, لكن الثياب فوق, و أي شيء ما يعجبك تقدري ترجعيه.
أستحت مرام من تصرفاتها البيانية فحاولت تجنب ذلك بالوقوف و القول: أسمحيلي.
همت بالذهاب, لكن وفاء أستوقفتها: لحظه. ـ أستدارت لها مرام مستفهمه ـ أخواتك بيتجمعوا اليوم على الغداء.
- أش المناسبة.
أبتسمت: أحلى مناسبة. أختهم رجعت.
- خلاص.
- الغداء حيكون الساعة تنتين. إذا تبغي تنامي...
- لا. شبعانه نوم. بأروح أسأل الشلة متى بتطلع النتيجه.
سرت وفاء من تجاوب مرام معها: الله يوفقك.
لم تجب مرام إذ صعدت للأعلى علها تبتعد عن وفاء و تبتعد عن التوتر الذي تشعر به.
دخلت حجرتها لتجدها مرتبة, و الأكياس موضوعة جانبا. أخذتها و أفرغتها على السرير لتبدأ جولة أستمرت ساعتين و هي تنسق بين البلايز و التنانير القصيرة التي لم تعتاد لبسها و لا حتى البناطيل. كانت الملابس بشكل عام جيدة إلا أنه كان لا بد من تبديل بعضها بمقاسات مناسبة و أخرى لم تعجبها فأرادت إعادتها إذ لم تعجبها.
عند الثانية و الربع طرقت الخادمة باب حجرة مرام لتدعوها للغداء. كانت متوترة لأنها ستلتقيهم للمرة الأولى. تمنت لو كان أحدا معها يشجعها و لو كان ذلك هو الأحد وفاء. لم تكد تفتح الباب حتى رأت وفاء التي كانت هم بطرق الباب أمامها. أبتسمت وفاء و بادلتها مرام الأبتسامة مخالطتها بنظرات أمنتنان. تفحصتها وفاء سريعا, و قد كانت ترتدي بلوزة سوداء و عليها كتابات بالفضي, و بلوزتها السوداء التي كانت ترتديها بالأمس في الكليه. رفعت شعها بعد أن أستشورته و رولته. كانت تضع كحلا عربيا و روجا ثابت جاف و القليل من اللمعه. إلا أنها لم تكن ترتدي أكسسوار على الأطلاق إذ لم يكن لديها شيء منه. أخذتها وفاء بيدها و هي تقول: أخواتك ينتظروك تحت.
تنزلان متجاورتان, لكن مرام حالما رأت أخوتها مع والدهم و لاحظت الصكت الذي صيطر على المكان بمجرد ظهورها شدت على يد والدتها بحثا عن الدعم المعنوي.
كان والدها يجلس جانبا في حين جلس عادل و فيصل على أريكة ثلاثية طويل, و سعود على أريكة منفصلة أمام والدة على يمين السلم. الأنظار كلها متجهة للسلم, و الصمت مسيطرا على المكان. قطعة هشام و هو يقف مبتسما, و مرحبا بإبنته: أهلين حبيبتي. أتأخرتي.
فقالت هامسة: معليش.
أقتربت من والدها و قبلت رأسه و هي تقول: كيفك؟
- الحمد لله. أنت كيفك اليوم؟ أن شاء الله أحسن من أمس؟
- الحمد لله.
- قالي فيصل أنك ما تعشيتي لما قمتي بالليل. ليش؟
- ما كان لي نفس.
- مرة تانية تغصبي نفسك. شوفي جسمك كيف؟
- إن شاء الله.
تدخل عادل هنا لقطع الحوار على والده: أيش؟ ما أنتِ ناوية تسلمي؟
كست الحمرة وجه مرام اليت لم تعرف شبابا في حياتها سوى أخوها الأكبر علي. فأبناء أعمامها أصغر منها بكثير, و أكبرهم ذو ثلاثة عشر عاما, و محارمها من أخوال أو أعمام في الأربعين فما فوق. لذا كانت مرتبكة كثيرا لأنها ستقابل شباب. بل إنها ستسلم عليهم و تجلس معهم.
أتجهت لعادل و هي تقول: ما عليش.
صافحها مكتفيا بذلك و هو يقول: أنا أخوك الكبير. عادل.
- أهلين.
- الحمد لله على السلامة.
- الله يسلمك.
أقترب فيصل و هو يقول: سلمي. البارحة ما سلمتي كنت معصبة.
أبتسمت بخجل و هي تقول: قايمة من النوم و أنت تتفلسف. من غير أني أصلا تعبانه.
لا يزال ممسكا بيدها مصافحا: ألي أعرفة أنك توك خلصتي الأختبارات. يعني المفروض حتى لو بتتقطعي من التعب تكوني مبسوطة على الأقل.
- ما تدري. أول مرة في حياتي تمنيتها ما تخلص.
- ليش؟
- أش رايك يعني؟
هي تندمت على تسرعها فالكل فهم قصدها, لكن سعود أسرع في تصريف الأمر بالقول لفيصل: عطونا وجه يا هوه.
ألتفتت ماسحة الأبتسامة التي كانت تنير وجهها. مدت يدها مصافحة بجمود.
لم تغيب تلك الحركة عن فيصل و سعود اللذان يعرفان سبب تصرفها و لا عن والديهما الذان أستغرب تغيرها المفاجئ, لكنهما حاولا تناسي ذلك عندما ألتفتت لوالدتها: ناقص واحد!
فقال عادل بإبتسامة: أكيد بتفقدينو مو توئمك, و إلا لو واحد مننا ما عندك مشكلة.
ظهرت علامات التعجب و الأستفهام على محيا مرام و ألتفتت له سائلة: توئمي؟!
- ليش ما قالوا لك أن سامي توئمك؟
كان ينظر إلى والدية. أجابت: لا. أول مرة أدري!
فقالت وفاء: وفاء(أمها التي ربتها) ما قالت لك؟ إحنا تكلمنا في هدا الموضوع من قبل!
- كانت أيام أختبارات العملي. أول ما بدا الموضوع. إلين جيتكم ما كنت أسنح لأحد يناقشني في الموضوع.
- ليش؟!
- أختبارات, و ما أبي أنشغل. ـ نظرت لعادل ـ فينه ألحين؟ ليش ماجاء؟
أجابها سعود بنظرة ملامة: تعبان شوي.
ربطت بين إجابت سعود و إرتباك فيصل و نظرات والديها, و موقف الأمس. فهمت كل شيءفأبتسمت بسخرية: غير مرحب بي؟! عادي. حتى أنا ما باقي تقبلت الموضوع.
ساد الصمت في المكان للحظات لم يقطعة سوى خروج مرام من المكان متجهة إلى المطبخ. لحق بها فيصل و عادل يقول لسعود: لازم تقول لها يعني؟
- هيه سألت.
فقال والده: سعود! لا تصعبها عليها. إلى الآن و هي مو متقبلتنا. لا تقعد تتمشكل معاها على الطالعة و النازله. أمس سكت عشان أمك, و اليوم عشانها, لكن المرة الجايه ما حيحصل لك طيب. فاهم؟
- أش قلت ألحين؟
فقالت و فاء: سيبها فحالها. سامي معصب بمزاجوا.
- لو ما طلعت....
قاطعته: ما طلعت. إحنا طلعناها. تحسبها فرحانه فينا؟ لا. هي أصلا ما جابت ملابسها من هناك على أساس كلها يومين و ترجع. لسه مو مصدقة.
- يا ليت ترجع و تريحنا.
صاح هشام بصوته الرجولي: سعود!
وقف خارجا: طفشتونا. كل ما قلنا حاجة سكتونا. هي من لما طلعت و إحنا في مشاكل. كيف لما تسكن معنا على طول.
- أسكت يا ولد.
- ساكت, و خارج. أتهنوا بها.
خرج.
أمام المطبخ و قبل أن تفتح الباب قال فيصل: الطباخ داخل.
ألتفتت له متعجبه: طباخ!
- يجهز الغداء.
- طيب. ممكن تجيب لي ماء.
- جيك الموية على الطاوله.
لايزال الأرتباك مسيطرا عليها و هي تجيب: ما أنتبهت.
- ما تفكري في سعود....
قاطعته: خلني لحالي. شوي و ألحقك.
- على راحتك.
عاد ليرى سعود خارجا من الصالة بغضب. تجاهله و دخل. حالما رأته والدته سألت: فينها؟
- جاية ألحين. أش به؟
- يهدا و يرجع. زعلت؟
- يعني. أخذت في خاطرها. تحاول تتماسك.
- الله يصلحوا. ما أدري متى يكبر و يعقل.
تدخل والده: هو كبير ما أعتقد أنوا ممكن يعقل.
أنفجر فيصل ضاحكا و هو يقول: و الله أنك صادق. مستحيل يعقل.
ألتفت له عادل: هو صادق, لكن ليش تضحك؟!
- ما سمعتوا ؟
- إلا. ما يضحك.
دخلت مرام: أحم. فين سعود؟
الكل ألتفت إليها. كان آخر ما يتوقعون هو أن تسألعن سعود, لكن الوالد أجاب: خرج لمشوار.
- ليش ما تقول أنوا زعل و عصب؟ أصواتكم كانت عالية شوي.
مد لها يده و هو يقول: تعالي هنا يا بنتي.
أقتربت منه على أستحياء, و هو يقول: سعود عصبي حبتين, و ما يحب أحد يغلط على أحد. خاصة أخواتوا. أتحمليه إذا عصب. بعدين يرجع يعتذر.
صمتت قليلا تحاول تمالك نفسها, ثم قالت هامسة: إن شاء الله.
- إذا شد عليك خبريني و أنا أوريك فيه.
- إن شاء الله.
دخلت رئيسة الخدم الفلبينية: الغداء جاهز مدام.
وقفت وفاء و هي تقول: تفضلوا.
أتجه الجميع ليتناول الغداء متجاهلين غياب سعود, و سامي.
في المساء عند الحادية عشرة تقريبا. كانت مرام تجلس في الصالة العليا و هي للتو ألتقطت الهاتف. سمعها سعود و هي تقول: ممكن أكلم نورة؟
توقف بعيد. لحظات لتقول: هذي كل ما دقيت ليها نايمة؟ طيب متى تقوم؟.....إذا قامت قولي مرام دقت و تبغاتس ضروري... ضروري تدق علي... سلمي عليها.... مع السلامة.
جلست قليلا سارحة, ثم وقفت متجهة إلى حجرتها. لقد أصبحت تقضي فيها معضم يومها مالم تأتي والدتها لتجلس معها. فتتعرف عليها, و تبحث في حياتها.
أخذ نفسا ثم ظهر أمامها. نظرت إليه لوهله, ثم تجاهلته و هي تتجه إلى حجرتها. تجاهلها هو الآخر بعد أن كان ينوي الأعتذار منها بطلب من والدته.
مرت الأيام طبيعية. لم ترى مرام سامي و لم تسأل عنه بعد ذلك اليوم على الرغم من أنها كانت متشوقة للتعرف عليه, و قد نشرت خبر وجود توأم لها في عائلتها الأصلية كما تسميها, لكنها لم تكن تخرج إلى أي مكان, و لا تعرف أحدا في جدة كلها سوى أخوتها الذين لا تراهم سوى عندما يرغبون في النوم, و والدتها المشغولة مساء طوال أيام الأسبوع. أما والدها فلا تعلم أين يوجد, و لا تراه إلا على الوجبات. أصبحت تقضي يومها على الهاتف الذي كانت تكرهه كرها شديدا, لكنها كانت مضطرة لأنها تشعر بالملل الشديد.
بعد أسبوع ... أستيقضت مرام متأخرة هذا اليوم. كانت الساعة الرابعة عصرا عندما خرجت منحجرتها. أستغربت أن وفاء لم توقضها كالعادة للغداء. أتجهت للتلفاز بعد أن طلبت من ساني إحدى الخادمات أن تحضر لها شيء خفيفا لتأكله ـ كعادتها عندما تكون وحدها ـ و هي تتابع التلفاز. أحضرت لها كوبا من عصير المنجا الطازج و ساندويتش بالجبن. تنقلت بين القنوات طويلا حتى أنها أنهت أكلها قبل أن تجد شيئا يعجبها. مرت بها رئيسة الخدم فألتفتت نحوها سائلة: فين ماما؟
- روهي مأ بابا صباح مافي يرجع.
- الساعة كم خرجت؟
- عسرة.
- طيب... وين الشباب؟ فيصل و سعود؟
- ما يأرف.
- خلاص. روحي.
ذهبت الخادمة في حين بقيت مرام مكانها. كانت تشعر بالضيق الذي تظنه ناتج عن الملل الشديد الذي تعيشة و الروتينيه. أتصلت بمنزلهم, لكن أحدا لم يجيب. قالت بصوت مسموع: ماحد حولي أما في المزرعة و إلا عند آل عبد الله.ـ أخذت شهيقا عنيقا ـ ياااا ليتني معهم.
صعدت إلى الأعلى و هي تتحامل على نفسها. رغبة عارمة بالبكاء تكاد تجتاح كل قلاعها و حصونها لتحطمها. همت بالأتجاه يمينا نحو حجرتها, لكنها بدلت وجهتها إلى اليسار حيث حجر أخوتها الشباب. كانت أبوابهم مشرعة. دخلت أول حجرة. كان السرير و طاولة المكتب و كذلك طاولة الزينه سوداء, إلا أن مفرش السرير و الموكيت كان أصفرا. لم تستغرب ذلك أبدا نظرا لأنها في حجرة فتى, و من لون الحجرة تأكدت أنه أتحادي. تلفتت يمينا و يسارا, ثم أتجهت إلى المكتب على الفور حيث كان هناك حاسب مكتبي أسود اللون, و شاشة بلازما. الفأرة كانت سوداء و عليها لصة بشعار الأتحاد. أبتسمت و هي تتخيل لو كان عبد الله أخاها الذي يصغرها بأربعة أعوام هنا ماذا سيفعل. لم تتوانى أبدا عن تشغيلة. فقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة جلست على الحاسب. لحظات لتظهر شاشة تطلب الرمز السري للجهاز, و بلا تفكير منها أخذت تبحث عن قطعة من الورق في دروج المكتب. ربما لأنها أعتادت على الأحتفاض برمز حاسبها في دروج المكتب لتكون متوفرة إذا نسيت الرمز. لمك تكن سوى لحظات حتى و جدت الرمز في كتاب لتشارلز ديكنز, و قد كانت"fgut8" لم تفهم ما تعنية و لم تهتم لذلك. ضربت الرمز على لوحة المفاتيح سريعا. لحظات ليكون الجهاز مستعدا لأستقبال أوامرها. أتصلت بالنت, و فتحت الماسنجر. كتبت عنوان بريدها الألكتروني بسرعة, و سجلت دخولها بعد أن كتبت كلمة السر. أعتدلت في جلستها و هي تنتظر بريدها ليفتح. تمنت لو كان بيدها قطعة من الكيك مع كوب من الكافي كما هي عادتها عندما كانت مرام أبنت أحمد. فتحت الصفحة أخيرا. كان هنالك خمس فتيات موجودات بالإضافة إلى عمها الأصغر ذو الخمسة و الثلاثون عاما. فتحت ستة نوافذ للمحادثة و أرسلت للجميع "سلااااااااااااااااااااااااااااااااااام".
كان هذا بداية المحادثة. لشدة مللها أخذت تتحدث مع سبعة أشخاص في وقت واحد. فبنات عمها كن منقسمات في منزلين نصف تحدثهن مع نافذة و نصف مع نافذة و في النهاية جمعتهن. أما صديقاتها فقد ضللن مفترقات مراعات للخصوصية فهن لا يعرفن بعضهن. إلا أنها بعد ربع ساعة ضربت بالجميع عرض الحائط و هي تتحدث مع والدها من بريد عمها.
نصف ساعة أو أكثر كان الوقت الذي قضت مرام على الماسنجر. خرج من خرج, و مل من مل, و هي أستأذنت و خرجت. أطفأت الجهاز, و تركت الحجرة كما هي.
كانت تشعر بالغثيان, و نفسيتها التي تحسنت في اللحظات التي ألتهت فيها مع أهلها سأت أكثر و هي تتجه لحجرتها مرة أخرى. فكرت"أرقد شوي يمكن أنسى. طيب يكمن الطفش ذا من النوم. ياربي طيب ذولا وين طسوا" تابعت بصوت مسموع: أفففف.
دخلت حجرتها, و أرتمت على فراشها بملل. لحظات مضت قبل أن تقفز فجأة لتستفرغ ما أكلته في الحمام. تفاجأت من نفسها. كانت جائعة و لم تكن متعبه. ما الذي جعلها تستفرغ. شعرت بالتعب في كل خلاياها فجأه. غسلت وجهها مرة و أثنتين حتى الخمس مرات. عادت لسريرها بتعب, و تمدد عليه مرة أخرى و لم تشعر بنفسها إلى أن أشرقت الشمس.
جلست على سريرها و هي تنظر إلى النافذة المرفوع عنها الستار. كانت الشمس على وشك الشروق. كانت تضنها تكاد تغيب. لحظات مضت و هي ممدة على فراشها لتلاحظ أن الشمس أشتدت. لم يكن حولها ساعة فوقفت متجهة للنافذة, لكنها لم تقتنع أتجهت إلى التلفاز لتفتح الأخبارية. كانت الساعة السادسة و النصف. عادت لحجرتها و صلت ما فاتها, ثم بدلت ملابسها و نزلت للأسفل. سألت الخادمة عن أهل البيت فأخبرتها بأنهم خرجوا باكرا هذا اليوم على الرغم من أنها لم ترى وفاء منذ الأمس.رفضت الأفطار الذي عرضته عليها رئيسة الخدم و عادت إلى حجرتها. لا يزال الضيق مصيطرا عليها, لكنه أزداد مع الحرارة المفاجئة التي غزتها. على الرغم من حرارتها إلا أنها كانت تنتفض بردا. كان لديها حرارة داخلية.
لم تتحرك من فراشها إلا لتصلي, لكنها بعد الغروب أستحمت بالماء البارد لعل الحرارة تخرج من جسدها. أختبأت تحت الغطاء الوثير لسريرها بعد أن أطفأت المكيف و أغلقت النافذه. ما إن شعرت بالإسترخاء حتى صرخ الهاتف مطالبا بإجابته. أخرجت يدها خارج الغطاء. سحبته من مكانه على الطاولة المجاورة للسرير و هي تقول: أنا حالفه أخرجك من الغرفة. أصبر علي. فتحت الهاتف و قالت بصوت يظهر فيه الوهن: ألو!
أجابها صوت لم تتعرف عليه: مرحبا.
فقالت بإستنكار: نعم.
إلا أنه أجاب بثقة و هدوء: السلام عليكم.
حاولت أن تكون مهذبة و هي تجيب بهدوء: و عليكم السلام.
- كيفك؟ اليوم ما شفتك.
- من معي؟!
- سعود. أش بك ما عرفتيني؟
فقالت بإبتسامت واهنه: أهلين.
كشر بوجهه وسأل: أشبو صوتك؟ تعبانه؟
أجابت بصوت مبحوح لا يمكنه إخفاء تعبها: لا. عادي. بغيت شيء؟
أجابها سعود كاذبا: بس أسأل. ماشفتك. خفت يكون صاير فيك حاجة. عندك مانع؟
- لا. أبد. أسأل متى ما بغيت.
- تبغي حاجة. أجيب لك معايا شيء. تبغي عشاء؟
- لا. مشكور.
- أكيد.
أبتسمت مرام بصدق فرح على أهتمامه فقد كانآخر شخص تتوقع منه ذلك: أكيد.
- يا الله سلام.
- مع السلامة.
أغلق سعود الهاتف و هو يقول لعمر الي كان يستمع للمكالمة معه: كلمتها. أرتحت ألحين.
- أنت ليش كارهها؟......



الحلقة الثالثة


سأل عمر بحيرة لا تخلوا من التعجب, و بوجه مكفهر: أنت ليش كارهها؟ أش عملت لك المسكينه؟
- و أنت ليش تدافع عنها؟ لا تكون صدقت بس؟
- و الله أنك مو معقول. يا بني آدم أش عملت لك؟ أنت تعرفها من أسبوعين بس.
- و أنا من عرفت بوجودها و إحنا في مصايب.
- و الله أنتوا ألي صايبين أنفسكم, و إلا أمك و أبوك ما شاء الله عليهم. عمري ما شفت أبوك بالوناسة دي.
- ليتك شفتوا البارحه عشان تشوف الوناسة بحق و حقيق.
- لش؟ أش بو؟
- البارحة الساعة خمسة الفجر أتصل عبد الصمد. صاحب سامي و خبرنا بالحادث.
- صدق. أش أخباروا؟
- يقولوا حيطلع اليوم, أو بكرة. المشكلة أمي معاه من أمس و يظهر أنو البنت ما عندها خبر. أبوي من الشغل على المستشفى و من المستشفى عالشغل. و فيصل ما شفتوا من تلاتة أيام.
- أيوه. قول كدا من أول. عشان كدا دقيت بسرعة, و إلا أنا من أسبوع أترجاك و أنت ولا مطالعني.
- عمر. مو رايق لك بالمرة. اليوم عديتها لك على مزاجي. مرة تانية ما تقرب مني و أنا أكلمها. فاهم؟
- أش بك؟ هادي زوجتي و إلا ما راح تزوجني هيه؟
- عمر! لا تنرفزني.
- خلاص. هدي. ما حأزيدك.
- أففففف.
في مكان آخر و في مستشفى الفقية. كانت حرارة سامي أربعين درجة. كانت والدة متوترة و الطبيب يعمل جاهدا مع الممرضات لخفضها, لكنها أبت. نقل إلى العناية المشدد بعد أن كان في الملاحظة.
الخوف كان مسيطرا على الوالدين و على فيصل الذي كان مع والدته مذ بدأت حرارة سامي في الأرتفاع. وفاء تبكي و الدعاء يخالط الدموع, و فيصل و هشام يحاولان تهدئتها, لكنها كانت منهارة لأقصى حد لأنه كان غاضبا منهم قبل الحادث, و قد تشاجرت معه قبل الحادث بربع ساعة لذا حملت نفسها الذنب, و أزدات الأمر سوء مع تدهور حالته الصحية. بقيت وفاء و هشام في المشفى حتى الصباح عندما أتى الطبيب ليخبرهم بأنه الأن بخير, و حرارته أخيرا أستقرت على 38درجة, و هي في أنخفاض مستمر.
عند الثامنة صباحا عادا إلى المنزل. ليأخذا قسط من الراحة. كلاهما خلد إلى النوم مباشرة متجاهلين الفتاة التي كانت تنام ببجامة مبلولة بعد أن يأست من الفائدة المرجوة من الأستحمام.
عند الواحدة ظهرا أستيقظت وفاء و ذهبت مع زوجها إلى سامي ليتناولا معه الغداء في المستشفى. إلا أنه كان نائما فتناولا غدائهما وحدهما في كفاتيريا المستشفى بإنتظار أن يستيقظ, و قد نسيا أمر مرام كليا. ربما لأنهما لم يعتادا وجودها بعد, و ربما لأن الحادث الذي تعرض له سامي كان قويا على الرغم من أنه لم يتأثر سوى بجروح سطحية إلا أن دخوله في أغمائة منذ دخوله المستشفى جعلهما قلقين عليه.
لحظات ليرن هاتف هشام, و قد كان أتصال من المستشفى. لم يجب بل أتجه مباشرة إلى الأستقبل حيث ألتقى هناك الطبيب المسؤل عن حالة سامي, و أخبرة أنه أستيقظ للتو و يسأل عن أهله. أتجها إليه على عجل بإشتياق ممزوج بخوف و أمل. لم يطرق هشام الباب بل فتحه دون سابق أذن. كان سامي حينها لا يزال متمددا على الفراش و كمامة الأكسجين تغطي وجهه المصفر تعبا, و الشاش يحيط برأسة من أعلى الجبين نتيجة لجرح تعرض له في الحادثة. أقتربت والدته منه و هو يحاول الجلوس, لكنها لم تدع له مجالا إذا عانقته عناقا طويلا رقيقا كي لا تؤذي جروحة. أبتعدت عنه عندما سمعته يقول: أمي! هدي شوي آلمتيني.
- آسفه حبيبي. من خوفي عليك.
- لا تخافي. أنا بخير.
أقترب والده و قبل رأسه و هو يقول: الحمد لله على سلامتك.
- الله يسلمك. كم لي هنا؟
- من يومين. خوفتنا و الله. أمك ما وقفت دموع.
أبتسم سامي لوالدته: تحوبني. تقدر تلومها. أنا آخر العنقود.
تجهم وجه سامي لحظة, و و الدة يحاول إزالة هذا التجهم بالرد عليه: ما أحد يقدر عليكم.
إلا أن سامي كان يفكر في شيء آخر. فسأل مفاجأ والدية: كيفها؟
ساد الصمت للحظات, ثم قال هشام: بخير. تبغى أجيبها.
أجاب سريعا: لا. لا. لا. إذا خرجت يصير خير. .....مرتاحة.
لم تتعجب وفاء كهشام إذ أنها تعلم أنه على الرغم من أبتعادة عنها و عدم رغبته في مواجهتها لا يزال يحبها و يشعر بالشوق لها. لذا كانت هي التي أجابت: ما ندري. لسه ما تتكلم مع أحد, و لا أحد يعرف اش تفكر فيه. الله يستر من ألي جاي.
سأل سامي و الحيرة بادية على وجهة المغطى بالجروح: أش قصدك؟!
فاجاب والده: لا تخاف يا أبني. خلي بالك من نفسك و خلي أختك علينا.
- ابويه! أيش القصة؟ لا تخبي علية. فيها حاجة؟ تعبانه؟ أش بها؟
أجابت والدته: قال لك أبوك لا تخاف. أحنا بس خايفين لأنها طول الفترة ألي فاتت ما تخرج من غرفتها إلا تأكل أو تتفرج في التلفزيون. حتى إذا جلست معاها أنا أتكلم و هيه تسمع. يمكن لسة ما أستوعبت ألي صاير لها. أحنى خايفين من ردة فعلها بعدين.
- فيصل معاها. لما تفهم ألي حولها بيكون معاها.
- ما شاء الله. أنت متابع أخبارها.
- ما يحتاج. هوه دائما يحكي لي عنها. يبغى يشوقني ليها.
- و أنت تسمع.
- مجبر. أش أعمل لو إذا كان مطفشني فكل مكان بسيرتها؟
طال الحديث بهم, لكنه أنتهى بفائدة هي أن وفاء تذكرت أنها لم تخبر مرام عما يجري كما أنها لم تتفقدها منذ يومين و هذا الثالث, لذا حالما عادت إلى المنزل أي بعد ساعتين أتجهت إلى حجرتها بعد أن أعطت عبائتها للخادمة. طرقت باب الجناح, لكن مرام كانت نائمة في حجرتها و كلا البابين مغلقة و لأنها متعبه فما كانت لتستيقظ بالطرق أبدا. حاولت وفاء مرة و أخرى , و ثالثة, و لكنها لم تسمع جوابا فآثرت الرجوع إلى الحل البديل. أتجهت إلى حجرتها و أخذت مفتاح أحتياطي لجناح مرام و حجرتها كانت قد أحتفظت به لتوقعها ردة فعل كهذه من مرام في أي لحظه. عادت مرة أخرى لمرام و فتحتالجناح بعد أن طرقته مرتين لتتأكد من أنها أستنفذت كل محاولاتها. فتحت الباببهدوء و دخلت بهدوء أكبر. كانت غرفة الجلوس مضلمة و ستائرها مسدلة تمنع تسرب النور من أي مكان و تكييفها مطفأ. تجاهلت كل ذلك على الرغم من تعجبها, لكن قلقها على أبنتها كان أكبر.
طرقت باب الحجرة مرتين و في الثالثة سمعت صوت مرام الواهن المغطى بالنوم: مين؟
- أمك. أفتحي يا حبيبتي.
بدون سابق أنذار نزلت دموعها بعنف و هي تهمس بإبتسامة ساخرة: أمي. أمحق. ـ تابعت بصوت عال لوفاء ـ أبي أرقد. ممكن؟
تجهم وجهها دلالة على أنها تيقنت بأن الموضوع سيطول و قالت: طيب أفتحي. خليني أطمن عليك, ثم نامي على راحتك.
لا تزال دموعها تهطل دون إرادتها معبرة عن رفضها لواقعها الغريب. صمتت قليلا ثم قالت: ما أبي. أبي أرقد. إذا قمت بتشوفيني.
تركتها و أتجهت للحمام مغلقة الباب خلفها متجاهلة كلام وفاء. التي كانت ترجوها أن تفتح الباب و هي لا تسمع ردا من أبنتها في النهاية قالت: إذا ما فتحتي حأفتح أنا. مرام! مرام! حأطمن عليك و أخرج. أشوفك بس. مرام! حأدخل.
و عندما لم تسمع ردا فتحت الباب. ما إن دخلت حتى خرجت مرام من الحمام. كانت ترتدي بجامة من الحرير ذات لون وردي يميل للحمي, و شعرها متطاير بإحمال. عيناها ذابلتان, و جسها يُظهر الخمول المسيطر علية. وقفتها متعبه إلا أن الغضب ظهر عليها حالما أنتبهت لوفاء التي أقتربت منها خائفة من المنظر الذي رأت أبنتها الحبيبة به: أش بك؟ من متى تعبانه؟
وضعت ظهر كفها على جبين مرام و هي تتابع: ليش ما خبرتيني؟
أبعدت مرام يد وفاء بتملل و غضب و هي تقول: وخري عني. ليش داخلة الغرفة؟ قلت أبي أرقد. أبي أنام.
تجاهلت وفاء الغضب الذي سيطر على مرام و هي تقول: ليش ملابسك باردة. فيها موية! أش صاير لك؟ ليش كدا؟
خرجت مرام من الحجرة و هي تقول: زين ألي أنتبهتي.
لحقت بها وفاء و هي تقول: ليش زعلانه حبيبتي؟ ملانه.
توقفت مرام عن السير و ألتفتت لوفاء التي تسير خلفها و نظرت إليها بقهر واضح في عيناها المغرورقتان بالدموع. جمدت الكلمات على شفتيها, و عجز لسانها عن النطق لشدة الغضب الذي يشتعل بصدرها. أنتفض فكها عندما تشجع على الحديث و هي تقول: ليش جبتوني هنا؟ ـ علا صوتها و أنهمرت دموعها ـ ليش؟ ليش ما خليتوني عند هلي؟ أبي أرجع. ما أبيكم يا ناس. ما بيكم.
تركتها و ذهبت جريا إلى حجر الشباب كانت واثقة بأن وفاء لا تملك لها مفتاحا أحتياطيا. أتجهت إلى أول حجرة وجدتها مفتوحه. الغرفة الأتحادية كما تسميها. أغلقت الباب بعنف خلفها مقفلته بالمفتاح. أتجهت إلى السرير فورا, و على الرغم من تقززها لأنها في حجرة ولد إلا أن التعب غلبها فتمددت على السرير مبتعدة عن المخدة. نزلت دمعتان مكملتان للمسيرة التي لا تزال مستمرة. أغمضت عينيها بألم. حاولت أن تتماسك إلا أنها كانت تشعر بالضعف بداخلها:" أش ألي قاعد يصير؟ ليش ما يبوني؟ ليش ما يعطوني وجه؟يومين؟! هذا وهم يدوروني من يوم كان عمري خمس سنين؟ـ ضحكت بسخريةـ أجل لو عايشه معهم كيف؟"
زفرت بألم. رغبة بالأسترخاء أجتاحتها, لكنها أبعد ما يمكن عن الأسترخاء. جسمها واهن. عقلها مشغول, و هي في حجرة ليست لها. الآن فقط شعرت بالبرد. تكورت على نفسها باحثة عن النوم علها تنسى كل ما يجري حولها.
في تلك اللحظه كانت وفاء لا تزال واقفت مكانها تلوم نفسها على إهمالها لمرام مع علمها بإنشغال فيصل في العمل, و عادل مع أسرته, و سعود الكارة لها الساعي لتجاهلها دائما كلما ألتقيا. على الرغم من أن لقائتهما كانت تنحصر على وجبة العشاء. لم يكن لديهاحل سوى أعطائها القليل من الوقت لتهدأ أعصابها قليلا, ثم ستعود لتحاول الحديث معها في المساء.
أتجهت إلى حجرتها حيث كان هشام يهم بالخروج. رآى الهم على وجهها فسأل: أش صار؟
- زعلانه كتير. هزأتني شوي, و راحت حجرة سامي.
- لا تخافي. سيبيها تهدى وحتكون بخير.
- ما أدري. خايفه عليها. الأولاد هدولا تاعبيني, و أكتر تنين تاعبيني التوأم ألي مش راضي يتفق. الله يعيني عليهم.
- أنت كلمي فيصل و هو يتكلم معاها. أشوفوا يهتم فيها كتير.
- ماشي. رايح؟
- أيوا. أهملت الشغل الأيام ألي فاتت و وكلتو على فيصل. عاوزوا يرتاح شوي, وعندي أوراق لازم أراجعها قبل الصباح.
- بالتوفيق.
خرج هشام متجها إلى شركته آملا أنهاء عمله باكرا.
أما وفاء فقد أتصلت بفيصل علة يساعدها مع مرام فوعدها خيرا, لكن عندما يعود مساءً.
في المساء و عند التاسعة مساء كان عادل مع سعود على طاولة الطعام يتناولان عشائهما معا, و كالعادة كانت مرام هي المحور الرئيسي للحديث, و كالعادة كان محور الأتهام أما سعود, و أما سامي.
ردد عادل السؤال الذي مل سعود من الأجابه علية في كل مرة: أنت ليش تكرهها؟ يا أخي أنت ما عرفتها إلا من أسبوعين, و أقل كمان.
أجابه سعود مصححا: أعرفها من شهرين تقريبا. أنت ما كنت تسمع أمي كيف كانت تتكلم عنها, و عن أيش تحب و أيش تكرة.
- حتى لو. أنت ماتعرفت عليها شخصيا. لا تحكم عليها قبل ما تعرفها.
- بصراحة؟
- أيوا.
- أنا أشوفها فال شر علينا. من...
قاطعه عادل: خاف الله. ما يصح هدا الكلام.
- و الله صادق. من لما طلعت فحياتنا و أحنا فمشاكل.
- أي مشاكل ألي تقول عنها. ما أشوفها.
- سامي من شهرين في بيت خالتي, و أمي مختلفة مع عماتي, و ....
قاطعه عادل مرة أخرى: خلاف أمي مع عماتي قديم و إلا أنت تتكلم عشان ريهام؟
- سيبك من ريهام.
- هيا الأساس.
- لاهي أساس و لا فرع. أش لها في القصة كلها.
- أمها عمتك, وطبيعي تكون تفكر زيها, و أكيد بتأثر عليك.
- أنا من أسبوع ما كلمتها فلا تدخلها.....
كشر عادل و تحدث بجدية أكبر: خير؟ أش صاير؟
- لا تخاف ما بينا شيء بس أختبارات.
- أيوة. ما قلتلي متى زواجكم؟
- و أنت كل ما تقابلنا تسألني عن الزواج. يا عمي قلنا نهاية الشهر الجاي. ليش ما أنت راضي تفهم؟
- خلاص فهمت. ما حأسألك مرة تانية.
- مادام قلتها يعني حتسأل. كل مرة تقول ما حأسأل و ترجع تسأل.
- المرة الجاية ذكرني ما أسألك.
أنفجرا ضاحكان. لقد غيرت هذه الجلسة جو سعود الكئيب الذي كان يحاصر نفسة به.
بعد منتصف الليل بنصف ساعة عاد فيصل إلى المنزل. كان مرهق جدا, و على الرغم من أنه وعد والدته أن يرى في أمر مرام عندما يعود, لكنه عندما رأى أن الوقت متأخر آثر أرجاء الأمر إلى الغد. أتجه إلى حجرته بعينان نصف مغلقة و قدمان يسحبهما بكسل على الأرض, لكنه توقف أمام باب حجرة سامي عندما سمع صوت بكاء مرام. أخذ نفسا عميقا محاولا أستجماع ما بقي معه من طاقة و ألتفت نحو الباب طارقا إياه.
كتمت شهقاتها لكي لا يسمعها الطارق و هي تحاول أستجماع قوتها لتبقى هادئة فيظنها نائمهز إلا أن فيصل طرق الباب مرة أخرى و هو يقول: مرام! الله يخليك أفتحي الباب.
لكنها لم تجيبه. فتابع الطرق و هو يقول مفربا رأسه من الباب عل صوته يصلها واضحا: أدري أنك صاحية. خلينا نتكلم سوى. مافية شيء يستاهل البكي.
لم تستطع التماسك أكثر. الحيرة تسكنها فهي تجهل السبب الحقيقي الذي يدفعها لكل هذا البكاء. لم يسبق لها أن بكت بهذا الشكل قبل اليوم, و لم يسبق لها أن أبتعدت عن الكل بهذا الشكل قبل اليوم, و لم تشعر بضياع و حيرة كما تشعر بها اليوم. الخوف يجتاحها, والأمان يحيط بها. الكل قريب منها, و هي بعيدة عن الكل. تشعر بالضياع, و التية, و الحيرة, و التردد, و عدم الأستقرار. لا تعلم ما طبيعة المشاعر المسيطرة عليها. عاصفة عنيفة تجتاح قلبها بعنف فتكاد تقتلعة من مكانه. دموعها تنهمر كالسيول الجارفة. برد خارجي و نار تتوقد في داخلها. غضب, أو قهر, أو كرة. لا تعلم. كل ما حولها مجهول. لا تفهم مما حولها شيء, و ليست متأكدة من شيء. الشيء الوحيد الذي تعرفه هو أنها لا تعرف شيئا.
طرق فيصل الباب مرة أخرى: مرام! أفتحي الباب و الله تعبان.
أجابته بين شهقاتها و دموعها: خليني في حالي. ما أبي أكلم أحد, و لا أبي أشوف أحد.
فرح بتجاوبها فقال و هو لا يزال يركي ثقلة على الباب تعبا: ليش؟ أش حصل؟ كيف قلبت كدا فجأة؟
- روح أرقد يا فيصل. ماب أفتح الباب لو تجلس عنده لين بكرة.
أخذ نفسا عميقا و أتجه لحجرته كأنه كان ينتظر أن تصدر عفوها عنه بجملتها الأخيرة. رمى ثوبة الذي يرتدية في شركة والده فقط ليكسبة هيبة بين الموضفين. و كذلك فعل بجزمتة السوداء, و أرتمى على السرير دون أن يطفئ الأضائة حتى.
كان هنالك شخص يراب ما يجري دون أن يعلم أحد, و قد لاحظ نبرة البكاء في صوتها, لكنه غضب لتجاهلها فيصل الذي كاد ينام على الباب فزاد غضبة عليها, لكن لم يكن بيده حيلة فهو يعلم أنه أن تدخل زاد الطين بلة. أمسك أعصابة و دخل حجرته و هو يقول لنفسة:"أقولهم فال شؤم علينا, و ما راضين يفهمو"
في صباح اليوم التالي أخبر فيصل والدته ما حدث بينه و بين مرام علها تكف من قلقها عنها, لكنه لم يذكر أنها كانت تبكي كي لا يزيد الأمر سوءاً.
خرج الجميع إلى أعمالهم عدا سعود الذي كان يعمل على ملف في مكتب والدة الذي كان في الدور الأسفل من المنزل في مكان منزويا قليلا عن الصالة الرئيسية, و وفاء التي كانت قد فرغت نفسها لأربعة أيام منذ أن علمت بحادث سامي, و الآن لديها مشكلة مرام.
كانت تجلس في الصالة و تفكيرها منحصر في التوائم. لا تزال متعبة, لكنها عاجزة عن النوم على الرغم من أن الوقت لا يزال مبكرا. خطرت لها فكرة, لكنها لم تكن تعلم ما إذا كانت ستستجيب لها مرام أم أنها ستصدها كما فعلت في الأيام الأخيرة الماضية. رفعت هاتف الصالة و أتصلت بحجرة سامي.
في تلك الأثناء كانت مرام للتو نامت. فالنوم جافاها منذ أن تركها فيصل. النوم لا يزال مسيطرا عليها, و الأرهاق يسكن جسدها, و الحزن يلف بها. تصرفت بدون وعي. رفعت السماعه: ألو.
سمعت صوت وفاء الملهوف و هي تقول: كيفك حبيبتي؟
لا تزال نائمه: الحمد لله.
أرتسمت ابتسامة صادقة على محيا وفاء و هي تلاحظ تجاوب مرام على الرغم من أستغرابها, لكنها تابعت: الحمد لله. أش رايك تقومي تغسلي و تنزلي تفطري. قالوا لي ما أكلتي شيء من أمس.
تألمت مرام بشدة و هي تسمع وفاء تخطأ بقولها "قالوا لي" فقالت بغضب: ما نيب جويعه. إذا جعت نزلت. أدل المطبخ, و لو سمحتي لا تزعجيني أبي أرقد. سلام.
أغلقت الهاتف دون أن تسمع ردا من وفاء التي أنهارت باكيه. خارت قواها, و ضاع منها الصبر. حتى أنها شعرت بدموعها كالشلالات. لم تحتمل الشعور بالذنب لأهمالها أبنيها, و خوفها عليهما, و الجفاء من مرام. كان متعب بالنسبة لها.
شخص ثالث تابع الأحداث من جهت واحدة و تمنى لو كان الأمر بيده لأعاد تربيتها. ردد في نفسة:"قايل لهم. فال شر علينا. ما أحد راضي يسمع"
خرج سعود لوالدته التي لاتزال تمسك الهاتف و تضمه إليها و هي تبكي بكاء حارا بصوت منخفظ. لم ترد أن يلاحظها أحد, و لا حتى الخدم. أقترب منها, و جلس بجانبها و سحب الهاتف و هو يقول: تبغي أجيبها لك. حأخليها تعتذر منك و رجلها على رقبتها. أنت بس....
قاطعته أمه التي تعلم أنها أن أشارت فقط سيخرجها من الحجرة في ضرف ثواني فالشيء الوحيد الذي يمنعه عنها هو رغبته في رضاها عنه بإبتعادة عنها: لا. لا. لا. سيبها. تهدى و تنزل من حالها.
قال بهدوء رجولي تام: هدا أنت قلتيها. تهدى و تنزل. ليش تبكي ألحين؟!
لا تزال وفاء مستمرة في البكاء: غلطت علها. أكيد تكرهني ألحين و ماهي طايقه شوفتي. أنا...أنا....
لم تعد قادرة على المتابعة. عجزت عن التعبير.
أنهارت صورت والدته أمامه. لطالما رآها الأم الحنونه. القوية. الثابتة. لا يمكن أن تتأثر بما حولها فإن لم يزيدها قوة مستحيل أن تضعف أمامه. والدته قويه. يمكنك أن تعتمد عليها في أي وقت, و في كل وقت, لكنه الآن يراها ضعيفة. ضعيفة جدا تحتاج للعون. تحتاج لمن يقف بجانبها. لم يسبق أن رأها بهذا الحال أبدا. لطالما كانت مصدر قوة لمن هم حولها, لكنها الآن تحتاج لمن يساعدها على التماسك.
شعر بالعجز, و القهر لأنه يعلم أن مرام هي السبب في كل هذا و والدته تمنعه عنها منذ البارحة. كان يعلم أنها لم تنام منذ يومين فأراد أخراج مرام, لكنها منعته. وقف مقررا أخراجها الآن من حجرة سامي رغما عنها.
لم يتحرك خطوة واحده بعيدة عن مكانه لأن وفاء أمسكت به قائلة: الله يخليك سيبها. سيبها. أنت ما سمعت بكاها. طول الليل تبكي. تعبانه.
فقال بغضب على والدته: تعبانه نوديها المستشفى. أما مسألة....
- و الله مانت مأذيها.
- يا أمي....
مسحت دموعها متظاهرة بالقوة من جديد, و هي تقول: هذا أنا بخير. سيبها لحد ما تهدى.
أغمض عينيه محاولا تمالك أعصابه و هو يقول: خلاص. أنا رايح أبدل و خارج.
لكن وفاء لم تقتنع بأنه لن يمر عليها إذا صعد لحجرته فقالت: أول تحلف ما تأذيها, و لا طق باباها أبد. اليوم على الأقل.
عضب سعود من أمه, لكن ملامحة تظهر خيبة الأمل التي سيطرت عليه و هو يقول: ما تأمنيني على أختي؟
فقالت وفاء بحنان: سامحني, لكن أنت...
فقال بجديه: لا تافي. ما حتشوف مني ألا ألي يسرك. و الله ما أذيها. أنت أرتاحي بس.
فقالت و عيناها لا تزال تترقرقان بالدموع: الله يخليك لي يا أبني.
- و يخليكي لي. أعذريني ألحين.
صعد إلى الطابق العلوي معاهدا نفسه على عدم أخلاف وعد لأمه. كان الهدوء يملاء المكان قبل دخولة لحجرته, لكنه عندما خرج سمع صوت بكاء خفيف. ظنها والدته, لكنه أنتبة بأن البكاء يخرج من الحجرة الأخيرة نحو السلمز كانت حجرة سامي. شعر بألم عليها هي أخته في النهايه, لكنه تجاهل الأهتمام الذي وجهه لحجرت سامي بعد أن تذكر وعدة لوالدته,و حث الخطا ليخرج من المنزل.
مرام التي لا تزال في حجرة سامي و تسمع لبطنها صوت يخبر بأنها تكاد تموت من الوع, لكنها غير راغبة بالأكل, و الأشد غير راغبة بالنزول و هي تعلم أن وفاء بالمنزل. أضف إلى كل ذلك شوقها الشديد لأهلها فلأول مرة تفترق عنهم, و الآن مضت أسبوعين دون أن تراهم. كانت تبكي بهدوء. قليل من الدموع و شهقات مستمرة دليل على أن طاقتها نفذت و لم تعد قادرة على البكاء أكثر مما بكت.
صوت طرق على الباب. تماسكت و هي تحاول أن تظهر بمظهر طبيعي. لحظات قبل أن تسمع الطرق مرة أخرى فسألت: نعم؟!
أجابتها الخادمة من خلف الباب: فطور مس.
قالت بصوت واطي: جا في وقته. ما أحد يستاهل أجوع نفسي عشانه ـ بصوت عالِ ـ لحظة.
وقفت. هندمت شعرها فلطالما أحبت الظهور بأناقة. فتحت الباب, و سمحت للخادمة بوضع الأفطار على التسريحة إذ ليس هنالك طاولة أخرى عدى طاولة الكمبيوتر. خرجت الخادمة و أغلقت خلفها الباب.
أخذت مرام الصينية و وضعتها على الأرض و جلست بجانبها مرتكية على السرير خلفها و ممدة قدميها بعد أن وضعت الصينية على يمينها. شربت كوب الحليب مع القليل من الخبز و جبنه. أكلت ما سد جوعها و تركت البقية في الصينية مكانها و عادت لتتمدد على السرير مرة أخرى فالملل يسيطر عليها.
كان من المقرر أن يخرج سامي في المساء, و في حدث كهذا يجب أن تجتمع العائلة. ركب سامي مع سعود و هو يتذكر الحوار الذي دار بينهم في صباح هذا اليوم.
" للتو أستيقظ. حتى أنه لم يتناول أفطارة بعد عندما رن هاتفه النقال. كان سعود هو المتصل. أجاب: هلا سعود.
أجابه سعود بصوت متجهم: السلام عليكم.
رد سامي بأستغراب: و عليكم السلام! أشبك؟ ليش صوتك كدا؟!
- ما في حاجة. بغيت أسألك...
قاطعة سامي: سعود ما هو علي. صاير شيء؟ أهلي فيهم حاجة؟
فقال سعود بنفاذ صبر: ما صاير شيء. ما تفهم؟ متضايق شوي. ممنوع الواحد يتضايق.
- ليش طيب.
- يوووووووه. سيبك مني. اليوم إذا خرجت من المستشفى بتروح بيت عمك؟
أجاب بأستغراب: أيوه. سبق و عطيت أمي خبر. ليش تسأل؟
- أذا قلت لك أنك لازم تجي البيت. ما يصير تأجل المواجهه أكثر حتيجي؟
- ليش طيب؟!
- أقولك بس إذا جيت البيت تعمل حالك ما عندك خبر.
- قول. أسمعك.
- أختك ما كلمت أحد أحد من لما صار لك الحادث. أهلي أنشغلو فيك, و أحنا كل واحد في حالوا. أنا كلمتها مرة أو مرتين. على التلفون بس, و ما أردي عن الباقين. ألي أعرفة أنوا أمي و أبويا أهملوها, و هي راسها و ألف سيف ما تبغى تكلم أحد و لا تحتك فأحد. أمس خرجت من حجرتها لما فتحتها أمي بمفتاح أحتياطي و قفلت على نفسها فحجرتك. و لحد الآن ما خرجت. الصباح كلمتها أمي عشان تفطر و ما أردي أش ردت عليها أختك. لما جيتها كانت تعبانه ـ أستصعب أخبارة أنها كانت تبكي ـ تعبانه كتير, و وجهها متغير, و لما طلعت أبدل أختك كانت تبكي كمان.
- و أنت فينك من هدا كلوا؟
- أمي ما نعتني أتدخل. عارفه أني بأخرجها من الحجرة غصب عنها, و خايفة تزعل البنت منها.
- إذا أمك مانعتك أش تتوقع مني؟
- أنت تومها! كيف أيش أتوقع منك؟! أكيد إذا شافتك بتهداء و تخرج. أنتوا توأم متطابق. نسخة من بعضكم بس أنت رجل و هي مرة. صدقني حتكون عندها غير.
- بس...
- لا تقعد تبسبس لي. أمك تعبانة و أنت الوحيد ألي تقدر تخفف عنها. ما قصرت فيك الأيام ألي فاتت. بتبخل عليها برجعتك للبيت؟ بعدين عارف مرة عمك حتفضحنا أذا رجعت ليهم تاني بعد الحادث.
- خلاص. حأرجع البيت, لكن ما أوعدك أن أصالحهم. يمكن أخرها من الغرفة, لكن...
- أعمل ألي يريحك. أهم شيء تشوفها أمي.
- خلاص.
- أمرك المساء.
- أنتظرك."
توقفت السيارة أمام المدخل الداخلي للمنزل, و سامي يشعر بالأرتباك. لولا مرام لكان الوضع طبيعي بالنسبة له, لكنه يخشى اللقاء.
فتح الباب و نزل من السيارة بهدوء يختلف عن المشاعر المتضاربة بداخلة. فتح الباب و سعود خلفة بعد أن أخذ السائق السيارة ليوقفها بالكراج. أبتسم سامي لوالدته التي أقبلت إلية بشوق كبير كما لو أنها لم تراة منذ عام. حظنته بقوة متجاهلة يدة التي لا تزال معلقة في عنقة و الجبس عليها.
عادل و سعود و فيصل و بالتأكيد والدهم هشام. الجميع مجتمع في الصالة بأنتظار الغداء. العائلة مكتملة لولا مرام اليت لا تعلم عن عودة سامي شيء بناء على رغبت سعود. إذ أراد مفاجأتها به وجها لوجه. مرت خمس دقائق قبل الغداء عندما أستأذن سامي بأنه سيصعد لحجرته.
فقال والدة بتردد: سامي!
أجاب و هو يخرج: راجع. ما حأتأخر.
- سامي! مرام فغرفتك.
- عارف.
صعد للأعلى وسط أستغراب الجميع.
سار بهدوء باذلا جهدة. يشعر بالتعب, و يدة لا تزال تؤلمة عند الحركة قليلا. مشاعرا تنهاه و أخرى تقودة نحوها. لم يستطع تخيل لحظة اللقاء. يعلم أنه مشتاق لها, لكن لا يعلم ما إذا كان سيوضح ذلك لها. أخذ نفسا عميقا عله يتمالك نفسة و يهدء من روعة. توقف لحظة. ألتفت ناحية حجرتها لا يمكنه رؤية باب الحجرة, لكن الصالة المقابلة للحجرتها مضلمة. في الواقع ذلك القسم كله مضلم. أبتسم بسخرية و هو يقول:" لسة ما أستوعبتوا أنها بينكم. كيف تبغوها تحن عليكم؟ الله يعين."
أتجه لحجرته. وقف لفترة طويله نسبيا. سمع صوت حركه بالداخل هذا يعني أنها مستيقضة. طرق الباب فقالت قبل أن يتكلم: قلت لك ما أبي أخرج. ما أبي بالغصب؟
طرقه مرة أخرى, ثم قال: أنزلي. الغداء جاهز. قاعدين ننتظرك.
تجمددت مكانها. بدا لها الصوت مألوفا. مألوفا جدا. تردد, و توقفت مكانها حيث تناولت أفطارها. شعرت بالقشعريرة تسري في جسدها. مشاعرها ملخبطة, و لا تفهم ما يجري حولها.
أنتظر منها إجابة. صوت. سؤال, أو حتى أعتراض, لكن لا شيء.
بعد لحظات سمعت الطرق مرة أخرى فقالت بصوت لا تخلوا منه نبرة الخوف: من!
أجاب: أنا سامي...



الحلقة الثالثة..





الحلقة الرابعة



أجابها بجمود مخفيا أبتسامة الأرتياح التي ظهرت على محياه: أنا سامي.
على قدر المفاجأة كان أرتباكها. لم تتوقع أن تراه على الرغم من أنها كانت تنتظرة دائما, و تتمنى أن لقاؤة. بحركة لا إرادية منها. رتبت شعرها سريعا. نظرة إلا لبسها. لا تزال ترتدي بجامتها منذ الأمس. لا خيار آخر لديها. أتجهت إلى الباب راسمة أبتسامة على محياها. فتحته لآخرة و لا تزال تقف بداخل الحجرة و هي التقول: أهليــ....ــن.
أستغربت من جمودة, و ما أستغربته أكثر هو الجبس الذي كان على يدة اليسرى, و آثار المشوخ السطحية على جبينه.
لحظات خاطفة مرت قبل أن تقول: الحمد لله على السلامة.
إلا أنه قال بجمود محاولا تجاهل مشاعر الشوق التي أجتاحته, و هو يرى توأمة أخيرا. فقال و الشوق طاغيا على عينية العابستين: أمي من أمس تقول لك أنزلي. ما تنزلي لية؟
لم تتوقع منه هذا السؤال أبدا. لم تتوقع منه أن يناقشها في علاقتها بالعائلة قبل أن يعتذر عن غيابه. قبل أن يسألها عن حالتها الصحية. قبل أن يتعرف عليها, لكنه كان غاضبا بل حانقا. كما كان الذهول مسيطرا عليها و هي تقول بلا شعور: هـــاا؟!
لا زال يحاول تمالك مشاعرة. شيء ما منعه عن التعبير عن شوقة لها. ربما يكون طيف أخته التي عرفها في طفولته الذي مر أمامه عندما لاحظ العبوس الذي تبع الأستغراب و هي تسمعة يقول: أخرجي من غرفتي. أخرجي.
أعطته نظرة أستحقار قوية و هي تقول: أعصابك لا يتطق فيك عرق. هم وش يفكني من هلك عاد.
لكنه لا يزال غاضب: بدلي ملابسك و أنزلي ننتظرك.
خرجت من حجرته و هي تبعد عينيها عنه بإشمأزاز: ما أبي. سديت نفسي.
حالما خرجت من الجزء الشمالي نزلت دمعة مسحتها بعنف إذ ملت الضعف الذي سيطر عليها و الدموع التي لا تكاد تتوقف.
دخلت جناحها متجاهلة كل شيء أمامها. أخذت ملابسها و أتجهت للحمام. لم تعد تحتمل أحدا حتى نفسها.
أما سامي فقد ظل مكانه بعد أن خرجت عنه. تلفت في الحجرة كان كل شيء مكانه عدا سريرة الذي يظهر أنها كانت تنام علية و إن لم تستعمل الغطاء, و صحن الأفطار الذي لايزال مكانه. كان لايزال كما هو تقريبا. بدى واضحا أنها لم تأكل الكثير عدا كوب الحليب الفارغ. أما الماء فقد شربت نصف الكاس. أتجه لدولابه الأسود الذي طبع علية بالحجم الكبير شعار الأتحاد. أخرج بجامة سوداء و أرتداها دون أن يستحم. فكل ما يهمه الآن هو الشعور بالحرية قليلا. غسل و جهه و نزل.
كان الكل على السفرة في غرفة الطعام ينتظرون أن يدخل التوئم. لا أحد منهم كان يأمل ضحكا أو قهقهه فكلاهما في حالة نفسية سيئة, لكنهم توقعوا أن يدخلا معا في هدوء تام إلا أنهم تفاجئو بسامي يدخل و هو يقول: لا تنتظروا. خرجت بس لسا معصبة. ـ تظاهر باللا مبالاه ـ كلوا.
مد يدة و أكل قبل أن ينتظر أحدا مأكدا لهم أنها لن تنزل. فما كان منهم إلا أن تناولوا غدائهم في هدوء تام يعكس الجو المتوتر بينهم.
بعد الغداء أتجه كل شخص لفراشة و خرج عادل لمنزلة حاملا هم والدية الذان تلحق بهما المشاكل أينما أتجها, و كلما قالا فرجت أصبحت الأمور أسوأ.
كانت مرام تمشيء في حجرتها الصغيرة وهي محتارة من سامي. من وضعها الغريب في العائلة. من حياتها اليت ترفضها بكل مقاييسها. الغنى لا يهمها. الرفاهية لا تهمها الآن. كل ما يهمها هو الشوق لأهلها الذين تشعر بأنها تركتهم منذ عامين و ليس أسبوعين. أضف إلى ذلك شعورها بالإهمال من ناحية وفاء و هشام في اليومين الماضية.
خطرت ببالها فكرة. كانت جريئة, لكنها بعناد أصرت على تنفيذها على الرغم من الخوف الذي أعتراها لمجرد تفكيرها في ردت فعل أهلها هناك إذا علموا بما فعلته. إلا أنها تجاهلت كل ذلك برفعها لسماعة الهاتف اللاسلكية و ضربت الأرقام و هي تتجه لباب الحجرة تغلقة متجاهلة باب الجناح الذي كان مفتوح على مصراعيه. أنتظرت دقائق قبل أن ترفع عمتها زوجة عمها الهاتف ذو اللون العنابي الذي كان يرن في صالة منزلهم المفروشة بموكيت أخضر فاتح به نقوش خفيفة بلون البيج, و الكنبات على جزئين من الجدار بلون بيج سادة, و المكتب الكبير الذي كان يحوي قليل من الكتب و بعض الأكسسوارات و بالتأكيد تلفاز أسود كبير.
سمعت صوت عمتها أم محمد تقول بعد أن أستغربت الرقم الظاهر أمامها في الكاشف و لم تتعرف علية: ألو!
أجابت بهدوء: السلام عليكم.
لا يزال الأستغراب مسيطرا على أم محمد التي أجابت برسمية: و عليكم السلام.
قالت مرام تظاهرة بالسعادة برسمها لأبتسامة كاذبة تساعدها على تجاهل الآلام النفسية التي تشعر بها: كيفتس يمة هيا؟ أنا مرام.
أجابت هيا بإبتسامة: أهلين و سهلين. الحمد لله بخير. كيف حالتس أنت؟ وش أخبارتس؟ أن شاء الله مرتاحه؟
- الحمد لله ـ بكذب ـ مرتاحة بالمرة. كيفكم أنتوا؟ كيف البنات؟
- الحمد لله كلهم بخير. تعبتهم الأختبارات. بس الله يعين.
- الله يعين. ألا هيفاء خلصت الأختبارات؟
- أيه الحمد لله. اليوم خلصت.
- أخيرا. ما بغت. دائما الكلية الأدبية آخر من يخلص. عاد هي أنجليزي.
- الحمد لله أتاحت.
- ألا بغيت أسأل بوي عبد الله اليوم في جدة؟
- أيه. ليش؟
- بس بغيت أعزمة. أشتقت لكم و الله, و ما دامه هنا لازم يمر يسلم.
- سلمتي. عندكم, وأن شاء الله بكرة ما يمسي ألا عندنا.
- طيب. الله لا يهينتس تعطيني رقم جوالة لأنه ما هوب معي.
- لحظة بس أجيبة من الجوال لأني مانيب حافظته.
- خذي راحتس.
لحظات لتعود برقم الهاتف. أخذته و أنهت الأتصال.
نظرت إلى الرقم الذي كتبته بقلم الكحل على كرتون المناديل الذي كان على طاولة الزينه. ترددت في الأتصال لأنها فكرت أنه قد يكون متعب من العمل قليلا و ربما نام بعد صلاة العشاء كون الساعة الأن التاسعة إلا ربعا, لكنها في النهاية قالت لنفسها:" بأتصل و ألي فيها فيها. راقد يقوم, وش فايدته عم."
كان عبد الله في تلك الأثناء في ردهة الفندق متجه إلى المصعد ليدخل حجرته. رن هاتفه برقم غريب, لكنه لم يتردد في الأجابه عندما لاحظ أنه رقم أرضي. قال بصوته الجهوري الواثق: ألو!
أبتسمت و قد قررت أن تلعب أعصابة قليلا و قالت بصوت ناعم مصطنع مع قليل من الدلع: هاااااي.
توقف قبل الدخول للمصعد بعبوس على وجهه و هو يقول: نعم أختي؟!
لم تصتطع أكمال لعبتها معه فبالقدر الذي كان طيبا و حنونا معهم. كان جديا و رسميا مع الغير؟, و شديد العصبيه عند الغلط فأنفجرت ضاحكة, و مقهقهة أثناء قولها: يا لبي عيونك. و الله ونستني بقوة. رهيب و أنت معصب.
عرفها بضحكتها و نغمتها المميزة. فقال و أبتسامت لطيفة بسيطة ترتسم على شفتيه: هلا براعية ذا الصوت.
قالت بين ضحكاتها: هلا بأبو محمد ألي له ثلاثة أيام في جدة و لا طراه يتصل, و إلا يمر يسلم.
أبتسم و هو يعود ليجلس في الردهه غذ علم أن المكالمة ستطول و لا يمكنه ركوب المصعد.جلس و هو يقول: و الله ما أعرف بيتكم وين, و لا عندي رقمتس. بعدين الحق لي. المفروض تعزميني بدال ما أنت داقة تخانقين؟
- طيب, و ألي يقول لك أنه عازمك على العشاء اليوم بما أنك رايح بكرة.
- كثر خيرة بس أنا متعشي قبل العشاء.
- أووووف. لية عاد؟! كل ذا شوق لهل بيشة؟
ضحك بهدوء و هو يقول: ليش ما أشتقتي لهم أنتي؟
فهمت قصده على الفور. فقد كان يقصد محمد أبنه ذو الخمسة و العشرين عاما. كان قد خطبها إلا أنها لم تجب علية بعد كما أن أحدا لم يتحدث عن الأمر مذ أكتشفوا أنها ليست أبنتهم.
على الرغم من حرجها إلا أن الكلمة خرجت منها عفوية: يووووه. بالمرة.
كانت تقصد أهلها, لكنه فهمها كما يريد, و دل على ذلك قوله: حتى هم مشتاقين. يمكن أكثر منتس.
أصطبغ وجهها بالحمرة و هي تقول: ما علينا. بما أنك تعشيت أش رايك تجي تسمر معي اليوم.
- أخاف أحرجكم. بعدي....
قاطعته: لا أحراج و لا شيء. أصلا البيت كله رجال. ما شاء الله أربعة في عين الحسود.
- الله يخليهم لتس. بس خليها مرة ثانية. صعبه.
- إذا أنت مستحي تجي البيت نتقابل في السوق, أو المطعم. على راحتك في المكان ألي تبي.
- لا ما هيب مسألة....
قاطعته مرة أخرى: ما دامك ما أنتب مستحي تعال. ألحين تجي. ما أقبل أي أعذار.
فقال بضحكة على أسلوبها العنيف: أنت ما تخلين طبعتس؟ كل ما قلت كلمه قاطعتيني. قلنا لتس ما أقدر. بعدين أنا حتى عنوان بيتكم ما أعرفة, و ....
قاطعته للمرة الثالثة: أعطيك رقم بوهم ألحين يدليك الدرب.
قال عبد الله بغضب مصطنع: أنا ما قلت لا تقاطعين؟ بعدين كيف أقول له أبي أجيكم ألحين. لو من المغرب يمكن, لكن....
- ما عليك. أنا بقول لهم أني عازمتك.
بإبتسامة ساخرة قال عبد الله: بو طبيع ما يخلي طبعه. قلت لتس جيه لبيتكم ما ني جاي.
فقالت بسرعه دون أن تعطيه فرصة: خلاص أجل أنا جايتك. خمس دقايق و أنا عندك. باي.
أسرعت إلى خزانه ملابسها. أرتدت أطول تنورة من الجينز الأسود. كانت إلى نصف ساقها. مع بلوزة شفافة بلون أسود تحتها بدي أصفر. لمت شعرها بإهمال, و أرتدت عبائتها بسرعة و هي ترتدي حذائها الأسود ذو الكعب العالي. كانت قد أشترته لها وفاء قبل فترة ليست بالطويلة.
خرجت و حقيبتها بيدها الكبيرة نوعا ما و هي تلف طرحتها حولها و تلتفت هنا و هناك بحثا عن أحد أخوتها. نزلت الدرج و هي تسمع والدتها تجيب على الهاتف الذي كان يرن طوال الخمس لدقائق التي كانت مرام ترتدي فيها ملابسها. سمعتها و هي تقول بإستغراب واضح: مرام؟! من أقول لها؟
أجاب عبد الله و هو يحاول يضبط أعصابه التي تكاد تفلت بسبب مرام: عبد الله. عمها.
- و الله هي.... ـ كانت ستعتذر منه لولا أنها رأت مرام تنزل بسرعة مع الدرج ـ لحظة.
نظرت إلى مرام, و الأستغراب لا يزال على محياها: عمك يبيك.
أجابت مرام: قولي له بتكلمك بعدين. وين الشباب؟
- سعود في مكتب أبوك, و الباقين خرجوا.
ذهبت تبحث عن مكتب هشام و هي تقول: ما أسرع ما خرجوا. تو الأخ يقول حنا على العشاء.
سمعت صوت سعود يتحدث عن العمل مع شخص ما. بدا الأمر مهما قليلا. أتجهت إلى الحجرة التي تسمع منها صوت سعود. كان الباب مفتوحا و هو يجلس أمامه في حين يجلس والدة على المكتب يقرأ بعض الملفات. طرقت الباب و تقدمت إلى الداخل. كانا كلاهما مستغربان من دخولها عليهم, و الأغرب أرتدائها للعبائة و الطرحة. أبتسم هشام مخفيا أستغرابه و هو يقول: أهلين. تعشيتي؟
أجابت و هي تلتفت نحو سعود الذي تجاهلها و تابع مكالمته: أيوة.
جلست أمامه منتظرة إياه لينهي مكالمته. لاحظ ذلك منها فأنهى مكالمته سريعا, و قبل أن يسألها ما تريد قالت: قوم غير ملابسك. أبيك تخرجني.
نظر إليها بإستغراب: نعم؟!
أبتسمت بمكر و قالت بثقة و دلال: يا الله عاد من يوم دخلت بيتكم ما خرجت.
أجاب بجفاف و رسمية: السواق برى. خلية يوصلك.
قالت بإصرار: لا تفكر أني ممكن أروح مع السواق أبد. في حياتي ما خرجت مع سواق. بعدين أنت أش عندك عشان ما تخرجني؟
أستنكر جراءتها و قال: ما تشوفيني قاعد أشتغل؟ تبغي تخرجي كلمي السواق. أنا ما ني فاضي.
تكلم هشام أخيرا: أخرج مع أختك. الشغل لاحق علية.
تابعت: ربع ساعة بس و نرجع. يا الله عاد.
أراد الأعتراض, لكن والده سبقة: قالت لك ربع ساعة. إذا طولت أكثر لا تداوم بكرة. خلاص؟
- أنت ألي عرضت. يالله سلام. ـ ألتفت لمرام ـ أمشي.
- ماب تبدل؟!
نظر إلى ملابسة. كان يرتدي بنطلون من الجينز الغامق مع بلوزة بيضاء كتب عليها danger بالأسود. عاد و نظر إليها: لا. عندك أعتراض؟
- كيفك. يالله.
خرجا من المكتب ليجدا وفاء تهم بالدخول و حالما رأتهما سألت سعود و هي تنظر لمرام: وين رايحين؟!
أجابها بإبتسامة إذ علم بأنها ستسعد بالتغير المفاجأ الذي طرأ على مرام: تبغى تخرج. ربع ساعة و راجعين.
أبتسمت و لمع الفرح في عينيها و هي تقول: لا تنسى تشتري لها جوال بالمرة. أبوك عتبان علينا.
ألتفت لمرام: ليش فيصل كما عطاك هوه؟!
- جوال؟! لا. أصلا ما شفته من البارح.
- عشانك ما تخرجي من حجرتك. ـ تابع محدثا والدته ـ فيصل أشترالها واحد. من يومين.
- ماشي. أنتبه عليها.
- أن شاء الله.
خرجا, و أتجها إلى الكراج معا حيث كانت تقف سيارة سعود الفورد ذات اللون الأسود القاتم. ركب و هي بجانبة. فتح الكراج, و أعاد السيارة إلى الوراء و هو يقول لها: وين رايحين؟
قالت له: عطني جوالك شوي عشان أعلمك.
لم يسأل بما أرادته بل أعطاها إياه بصمت. حاولت أن تتذكر رقم عمها المميز, لكنها فشلت إذ أنها نسيت أخذ الرقم من كرتون المناديل. لم تجد حلا سوى الأتصال بمنزل أعمامها مرة أخرى. هذه المرة أجابتها هيفاء: ألو.
قالت مرام بمرح إذ أنها بدأت مغامرتها: هلا, و غلا , و مرحبا براعيت ذا الصوت.
- مرام!
- وجع. نسيتي. ما ألومتس الأختبارات ضيعت مختس.
- وجع. أسبوعين يالظالمة لا حس و لا خبر.
- ما علية. كنت أتأقلم. نسيت. خارجه من الشر(تقصد أنهائها للأختبارات).
- الشر ما يجيتس. خير داقه؟ دارية أن الترحيب ذا كله ما هوب لله.
- هذا و أنت مسوية فيها مشتاقة. أجل لو زعلانه وش بتسوين؟
كان سعود يسمع نصف المحادثة فقط, و لاحظ أنها ستطول و هو لا يزال يجهل إلى أين هم ذاهبون و قد خرجوا الآن من حيهم فألتفت إليها سائلا: وين بنروح؟
فقالت مرام لهيفاء مقاطعة حديثها لتتجنب تقلبات سعود: أرسلي لي رقم بوتس بطاقة أعمال. ألحينه. بسرعة.
- لية؟
- بعدين أعلمتس. أخلصي علي.
- طيب.
- يالله باي.
- باي.
ألتفت لها سعود سائلا: من كنت تكلمين؟
أجابت دون تحفظ: هيفاء بنت عمي.
- عرفتي وين بنروح؟
- بترسلي رقم بوي عبد الله ألحين و بأسأله.
- أنت فين تبغي؟ قولي و أنا أوديكي. لا تنسي أنا ساكن هنا. أعرف كل متر فجدة.
- أبي أروح لبوي عبد الله في الفندق. فهمت؟
قال سعود بغضب: أيش؟!
أستغربت مرام أرتفاع صوته حتى أنها لم تنتبه لصوت الهاتف يعلن عن وصول رسالة. أختطف الهاتف من بين يديها بسرعة قبل أن تفكر في الأتصال و هي تجيبة: رايحة لعمي. أش فيها يعني؟!
أحتار في ما إذا كان يفترض به إخبارها أم إخفاء الأمر عنها, لكن الشيء الوحيد الذي كان واثق منه فعله. أستدار بالسيارة عائدا إلى المنزل, و هي تصرخ قائلة: أبي أروح لعمي. أش فيك؟
- روحة لعمك هذا ما فيه. سامعه. لما تخبري أمي و أبوي أتكلمي.
- ما رحت أصيع. رايحة أسلم على عمي. له هنا ثلاثة أيام ما شفته. بعدين هو بكرة بيسافر.
- قلت لك ما فيه. و وريني أش حتعملي؟
كانت قد فكرت أن تتحجج بالشوق له ليبقيها معه الليلة وتعود بصحبته في الغد إلى بيشة. تعلم أنهم سيجبرونها على العودة إليهم في أقل من 24 ساعة, لكنها ستكون قد رأتهم على الأقل إلا أن قرار سعود بالعودة إلى المنزل أجبرها على البكاء إذ فشلت خطتها و شعرت بالضعف فأنهمرت دموعها و هي تقول برجاء: سعود تكفى أبي أروح له. بس خمس دقايق. الله يخليك. الله يخليك. أنت معي ماب يصير شيء.
غضب لأنه السبب في بكائها, و غضب لأنها أستغفلته, و غضب لأنها أستغفلت والديه, و غضب لأنها ترجوه بضعف الآن. صرخ بها: خلاص. قلت لك ما فيه روحه. أسكتي.
أقل من أربعة دقائق هو ما لزم ليدخلوا المنزل مرة أخرى, و هذه المرة مع الباب الرئيسي الذي كان مفتوحا. توقفت سيارة سعود خلف سيارة فيصل البانوراما. صرخ بها: أنزلي.
لم تكن قد أنتظرت أمرة. إذ نتزلت و نقابها في يدها. حالما رأى فيصل دموعها سأل بقلق: أش حصل؟
أجابته مرام: فيصل الله يخليك. خرجني من هنا. ما أبي أجلس هنا ثانية وحده. الله يخليك. الله يخليك خرجني من هنا.
كان قد عاد على عجل و يهم بالعودة إلى أصحابه في الأستراحة, لكنه ألغى كل مخططاته عندما رأى بكائها بحرقة. فقال و الدهشة على وجهه: أركبي. أركبي.
فتح لها باب السيارة, و دخلت. أغلق الباب خلفها و سعود يسأل بقلق: فين ماخذها؟
إلا أن فيصل جاوبه بسؤال: أش حصل؟ ليش تبكي؟!
صرخ سعود: فين ماخذها؟
حاول فيصل تمالك أعصابه لكي لا تزداد الأمرو حدة: بأخرجها من هنا. خبرني. أش بها تبكي؟
- تبغى تقابل عمها من ورى أهلي. وديها أي مكان إلا عمها. فاهم؟
- ليش طيب؟1
- بعدين أخبرك. أخرج قبل تجي أمي تشوفها بالشكل هدا.
- الله يستر.
دخل سعود و أتجه إلى حجرته ليستحم كعادته بعد أي مشاحنه. في حين خرج فيصل مع مرام التي لاتزال تبكي, و هو يجهل الطريقة المناسبة لتهدئتها. أخذ يتجول بها بين الشوارع بصمت من ناحيته و نحيب من جهتها. كانت تجهل السبب الرئيسي لبكائها, لكنها تعلم أنها بحاجة للتفريغ. كذلك كان يظن فيصل فتركها لتتكلم متى شائت.
قطع سكونه أتصال من أصحابه أجبرها على كتم بكائها, و أجبرة على الحديث. أعتذر عن العودة إليهم و وعدهم بلقاء في الغد. أقفل الهاتف, ثم ألتفت إليها: حابة نروح مكان معين؟
أجابت من بين شهقاتها: البحر. خذنا لمكان هادي و بعيد عن الناس شوي.
- ماشي.
سارا في هدوء. فقد هدأت مرام, و فيصل صامت أحتراما لسكوتها و هو يفكر في سبب البكاء الحار الذي كانت غارقة فيه قبل لحظات. مرت ربع ساعة قبل أن يقول لها: أفتحي الدرج إذا فيه مفتاح فميداليه سوداء؟
فتحت الدرج الذي أمامها, و وجدت المفتاح المطلوب بين الأوراق و أعطته له. بعد عشر دقائق كانوا أمام شالية خاص كبير. تركها في السيارة و دخل مع الباب الفردي ليفتح باب الكراج. أدخل السيارة و أوقفها بالداخل. ظلا قليلا في السيارة. كانت متكاسلة في النزول, و أراد مواساتها. صمت لعدت لحظات, ثم قال دون أن ينظر إليها: ما في شيء يستاهل كل هالبكي. فترة و تتعودي. أحنا أهلك رضيتي أو ما رضيتي, و أكيد أننا نحوبك. أنت أسمحيلنا نكون جنبك و حتلاقينا.
فتحت الباب دون أن تنطق بكلمة, لكنه تابع: خدي راحتك. مافيه هنا غيرنا.
دخلت الفلة الصغيرة الذي أمامها. كانت الصالة مظلمة. بحثت عن أزرار التشغيل بجانب الباب حتى وجدتها. رمت عبائتها على أقرب أريكة مع حقيبتها. دخل فيصل الذي أغلق باب الكراج و عاد إليها, و أعطاها علبة هاتف نقال من سامسونج وهو يقول: جبتوا من يومين, لكن ما صار فرصة غير اليوم.
أخذته منه ببرود و هي تقول: شكرا.
حاول تبادل الحديث معها و هو يقول: رقمك مميز ما يحتاج, لكن إذا ما عجبك الجوال غيرية.
نظرت إلى شكلة على العلبة: حلو. ما يحتاج.
وضعته على عبائتها المبعثرة على الأريكة و فكة ربطة شعرها و نثرته بعنف نوعا ما, ثم رفعته و ربطة أفضل مما كان علية قبل قليل, و لأن فيصل أرادها أن تخرج من جو الكأبة الذي كانت تحيط نفسها به قال: ما حتفتحيه؟ ـ بإبتسامة مرحه ـ أجبري بخاطري.
أبتسمت رغما عنها و هي تقول: ولا يهمك. كنت أبي أربط شعري بس.
فتحت علبة الهاتف و أخرجته و هو يقول: ما تبغي البحر؟! أمشي.
سحبها من يدها و هي ترمي العلبة على الأرض.
كانت الساحة المقابلة للفلة مظلمة إلا أن قمر منتصف الشهر أضاء المكان, و ضحكة فيصل على مرام التي تحاول سحب يدها منه و هي تقول: شوي. شوي علي. بتفك يدي.
أحيت المكان.
أجابهاو هو يضحك: شكلك رهييييب و أنت محتاسة.
- ضحكت؟ فكني يا دفش.
- أيش؟!
- دفش. عنيف. متوحش. زيك كذا. ـ بعصبية نوعا ما و حي تسحب يدها منه ـ فكني.
تركها فيصل لأنه لم يرد أن يغضبها. سألته: أنت دايم دفش كذا؟
- لا بس معك. لازم تغيري جو.
- الله من التغيير. ما علينا.
سارت عنه إلى البحر و هي تقول: تصدق أنها أول مرة في حياتي كلها أوقف قدام البحر بدون عباية؟
سار معها و هو يقول: وقفتي ألحين.
تجاهلته لتغوص في أفكارها مرة أخرى.
كان هناك جسر خشبي بطول ثمانية أمتار تقريبا يخترق البحر من طرف الشالية. كان فيصل و سامي قد أصرا على تركيبة لأجل الدبابات البحرية التي كانت في تلك اللحظة في المخزن بداخل الفلة. سارت بإتجاه الجسر, لكنها توقفت أمامه و هي تنظر للبحر بعمق. لم يحتمل فيصل صمتها إذ كان مصرا على إخراجها من دوامة الحزن التي عيشت نفسها فيها. دمعة نزلت منها دون سابق أنذار. لم تمسحها, و لم تهتم لها لأنها في الحقيقة لم تشعر بها. سأل فيصل: ليش الحزن هذا كله؟
أجابت بعد صمت لحظات: ماب تفهمني.
وضع يده على كتفها و هو يقول: فهميني.
ضمت جفنيها على عينيها و هي تحاول تمالك نفسها. ألتفتت نحو يده التي على كتفها الأيمن. رفعت رأسها إلية بإبتسامة ساخرة, و قالت: المشكلة أنكم عيال.
أبعدت يده و تقدمت نحو الجسر. بقي مكانه و قال لها: معك تلفونك. كلمي أي بنت تبغي. أهم شيء تنسي الحزن هدا. مافي حاجة تستاهل.
رن هاتفة و كان المتصل هو سعود: السلام عليكم.
أجابة فيصل: و عليكم السلام.
تمدد على سريرة ببجامته و هو يسأل: فينكم؟
سار فيصل بإتجاة الفلة: في الشالية.
- الشالية؟! ليش؟
- تبغى بحر هادي. جبتها هنا. تأخد يومين تغير جو. نفسيتها زفت.
- قلت لأمي؟
- لا. بس قل لي. أش صاير بينكم؟ من فين طلع عمها هدا؟
- ما أدري. جاتني تقول عاوزة تخرج و خرجتها. طلعت تبغى تقابل عمها, و أمي تقول تبغاها تتعود علينا حتى أنها ما عرفتها على أعمامي. تتعرف علينا بعدين تتعود على أهلنا.
- أهلي عندهم خر أنها كانت رايحة لو؟
- لا. ما خبرتهم و لا تخبرهم أنت كمان. أنا أعطيهم خبر أنكم في الشاليه.
- قلهم أنا حننام هنا. بكرة الصباح يرسلوا الشغالات يرتبوا المكان و يجلسوا معها عشان أنزل الشغل.
- ماشي. تامر شيء؟
- سلامتك.
- أنتبه عليها.
- ماني فاهمك يا أخي. مرة كارهها و مرة مهتم فيها أكتر مننا كلنا. أش القصة؟
- هيا أختي أنا كمان, و إلا أش رايك.
أجاب فيصل بإبتسامة: ما حآخد منك لا حق و لا باطل.
أطفأ مصباح حجرته و هو يقول: الحمد لله أنك عارف. يالله قفل. معي أتصال.
ضحك فيصل و هو يقول: عقبالي يا رب.
قال سعود: آمين. بس فارق.
ضحك فيصل: لأنك دعيت لي حأقول مع السلامة.
- أخيرا.
أغلق الهاتف و أستقبل أتصالة أخيرا.
جلس فيصل يتنقل بين القنوات بملل. كان يتمنى لو أنه بين أصحابة الآن, لكنه لم يستطع تجاهل مرام بحالتها تلك, و الآن يريد أن يعطيها فسحة لتتمكن من الحديث مع من شائت بحرية. يعلم بأنها بحاجة للحديث, و يعلم بأنه لو خرج ستنهي مكالمتها على الفور كما كانت تفعل في المنزل عندما تتحدث على الهاتف و يجلس بالقرب منها أحدا و هي في الصالة فهي تصرفة و تغلق على الفور.
مرة ربع ساعة و هو أمام التلفاز و لم يجد شيء ممتع. رأى أنه لا بأس إن خرج الآن و جلس معها قليلا. بالفعل هذا ما حدث. خرج, لكنه لم يجدها أمامه. كانت المساحة خالية أمامه لولا بعض الكراسي. أتجه إليها ظنا منه أنها متمددة على أحداها. إلا أنه لم يجدها هناك. ألتفت في كل مكان و بدأ الرعب يسيطر علية. كان واثقا من أنها لم تدخل الفلة لأنه كان في الصالة و إن دخلت فلا بد أن تمر علية, و ليس من المعقول أنه لم ينتبه لها. هم بالرجوع ليتأكد, لكنه سمع صوت رسالة تصل إلى هاتفها. ألتفت إلى الصوت. رأى الهاتف في الأرض في الطرف البعيد من الجسر الخشبي. أسرع إلى هناك و هو يرى حذائها ذو الربطات مرميا بجانب بلوزتها السوداء الشفافة التي وضعت هاتفها النقال فوقها.
أخافته الأفكار التي خطرت له حينها. تلفت يمينا و شمالا يبحث عنها. لقد مرت ربع ساعة منذ آخر مرة رأها. هل يمكن أن تكون قد آذت نفسها. على هذه الفكرة رأى أطراف شعرها البني تخرج من البحر مع فقاعة هواء فقفز إليها دون تردد......

الحلقة الخامسة




رأى أطراف شعرها البني تخرج من البحر مع فقاعة هواء فقفز إليها دون تردد و هو يتمنى أن لا يكون الأوان قد فات. أمسك بها بعنف و سحبها من الماء, و هي تأخذ نفسا عنيفا رعبا و خوفا مما حولها. تكلمت و هي تلتقت أنفاسها: يمة! أش فيك؟ خوفتني؟
صرخ بها: أنجنيتي؟ صار لك شيء في عقلك؟ تبغي تذبحي أمي؟ إذا حياتك ما هي مهمه عندك فهي مهمه عند ألي حولك.
- أش فيك؟!
- تسأليني؟ أسألي حالك. جايبتني البحر عشان تقتلي حالك؟
- أنا؟! ـ هدأت قليلا بعد أن فهمت ما يعني ـ صاحي أنت؟ قاعدة أسبح. ما طراني أنتحر. ليه في راسي فك؟ وخر أشوف.
كان فيصل يمسك بها و الرعب لايزال مرتسما على ملامحة في حين كانت مرام مستخفة بتفكيرة الغبي. تركها و هو يقول: أحد يسبح آخر الليل؟ أخذتي عقلي.
دفعته بعيدا عنها و هي تقول: أنت ألي خذيت عقلي. قلت صاير مصيبة.
- و الله أنت ألي تبكي من ساعة و ما راضيه تحكي. أروح ألاقيك أختفيتي أش تبغي أظن؟
- أي شيء. أنتحرت مرة وحدة؟! ليش عاد؟ باقي مسلمة ترى.
- و الله لو شايفة الهواء و هو يخرج مع شعرك على البحر تفكري مثلي.
أبتسمت بمكر و رشت علية ما أستطاعت من ماء البحر قائلة: غبية مثلك؟
بادلها الرش محاولا مجاراتها ليخرجها من الحزن المحيط بها و هو يقول: تراك بنت. أغرقك ألحين.
أبتعدت عنه بعد أن رشت عليه بعنف و رددت: أتحداك.
و كان هذا ما حدث. تحول مزاحهم الرقيق إلى لعب عنيف أستطاعت مرام مجاراته ببراعة.
في منزل هشام السلماني في الحجرة الوحيدة ذات الباب الأسود. كانت هي أقرب حجرة للدرج في الجزء الشمالي من المنزل. كان سامي متمددا على سريرة بعد أن أستحم و بدل بجامته التي تناول بها العشاء. شعرة لايزال مبللا, و جسدة متعبا. كان قد حرر يده من الربط المحيط بعنقة. الضوء الأصفر بجانب سريرة خافت جدا. عيناه متقرحتان تريدان النوم, لكنه مصاب بالأرق. كان يلوم نفسة على ما فعلة لمرام. متأكد من أنها تعاني أكثر منه فهي التي أختلف عليها السكن, و هي التي أختلفت عليها المدينه, و هي التي حتى أسمها تبدل. أطفأ الأبجورة و أنقلب للجهة الثانية بهدوء حرصا على يدة. رن هاتفه النقال فأجاب على الفور لأن المتصل هو أحد أصحابه. أراد أن يخرج من عالم مرام بأي طريقة.
في صباح اليوم التالي أستيقظ سعود عند السابعة صباحا على صوت منبه هاتفه النقال. أطفأة و أتجه إلى حمامه ليتابع روتينه اليومي. أستحم, و بدل ملابسة, هم بالخروج من الحجرة و هو يرى هاتفه ينبئ بوصول رسالة منذ الخامسة فجرا. كانت من والدة كتب فيها:"ألحقنا في الشالية كلنا هناك. يمكن نقعد يومين خذ أحتياطك"
قال بملل: هذي البنت حتعفس لنا حياتنا.
أخذ حقيبة سفر صغيرة. وضع ملابس منزل, و بعض الملفات من المكتب في الأسفل و أتجه إلى الشالية. حينما دخل كانت الساعة الثامنه و النصف, و الجميع على طاولة الأفطار في طرف الصالة, لكن الطرف الآخر حيث كان التلفاز كان مظلما بشدة. حتى أنك تظنه حجرة أخرى, و كانت مرام تتمدد على سرير كان فيصل و سامي أصرا على وضعة هناك ليسهرا و يناما هناك عندما يتكاسلان عن الذهاب لحجرتيهما, و الغطاء الرملي الرجالي الفاخريغطيها و يسمح لشعرها المموج ينتثر حولها و هاتفها النقال على الطاولة بجوارها.
جلس سعود على الطاولة و هو ينظر لفيصل الذي كان يرتدي الزي السعودي إستعدادا للذهاب للعمل. أبتيم قائلا: أستولت على سريرك المحظور؟
فهم فيصل ما يعنية سعود على الفور فقال: تأخذ راحتها.
أجابة سعود بسخرية و هو يتناول الخبز: ما هي ماخذه راحتها من دون أذنك.
مدة والدته البيض له و هي تقول: سعود! بطل. كفاية علينا سامي.
دخل سامي و آثار النوم لاتزال بادية على وجهه المجفف من الماء للتو و هو يقول: أش بو سامي.
تدخل هشام محاولا إنهاء الحوار قبل إستيقاضها: حيأكل فطورو و هو ساكت. أختكم تعبانه و نايمه. بلاش مشاكل.
شرب سامي كوبا من الماء دفعة واحده, ثم أجاب: تعبانه؟! هدي تتعب بلد. قال تعبانه.
فيصل بحزم: خلاص. قالوا لكم أسكتوا. أسكتوا. لازم يصرخوا عليكم عشان تفهموا.
ساد المكان هدوء مفاجئ و الجميع ينظر ناحية مرام التي كان هاتفها يرن بنغمة سامسونج العادية. تقلبت نحوة عندما أزعجها و هي تقول بصوت منخفض نوعا ما: لحوج. ما أحد يعطيهم رقم جواله. أحد يدق ذا الحزة؟
نظرة إلى الشاشة, ثم أجابت بصوت يملؤة النوم و الملل: وجع. خير داقة ذا الحزة؟
أجابت صديقتها فاطمة من الجهة الأخرى و هي تجلس في الصالة و عبائتها مرمية بجوارها بإهمال و هي تضع القليل من المكياج الصباحي و قد رتبت شعرها برسمية و الأبتسامة ترتسم على محياها: بعد راقدة يالدب القطبي؟!
لا يزال الصمت مسيطرا على المكان عدا صوت الملاعق, و مرام تجيب محاولة مقاومة النوم: أش رايتس؟ ترانا في إجازة يا هوه.
صرخ فاطمة: يالخبلة صحصحي. جات النتايج.
و بكل الطاقة التي في جسدها أستوت جالسة و هي تقول: كذابة! متى؟
حركتها المفاجئة, و صوتها المتفاجئ جذبت إنتباه كل من في الصالة حتى الخادمة التي كانت مارة نازلة من الأعلى متجهة للمطبخ.
أجابتها فاطمة: تدرين هي نازله من زمان. بس ما عاد رحت إلى اليوم.
أجابت مرام بنفاذ صبر: أخيرا. بشري.
أبتسمت فاطمة و هي تزف إليها البشرى. كلنا ناجحين.
- بالله؟! حتى منيرة.
- كلنا.
- قايلتلكم. مايصحح. بس ما أحد يسمع.
- لا و أزيدتس من الشعر بيت. أنت الثالث على الدفعة.
صرخت مرام بكل ما أوتيت من قوة و هي تقف على السرير لتظهر بجامتها القطنية الملونه: وااااااااااااااااااااااااااو. قولي و الله. قولي و الله.
الخوف عزا قلوب الكل, لكن أحدا لم يقاطع مكالمتها. قفزت و هي تستمع لفاطمة الضاحكة أثناء حديثها: فقعتي أذني. شوي شوي.
كانت مرام تقفز على السرير دون شعور منها و هي تقول: أحبتس. قسم بالله أني أحبتس يا أحلى سحلية شفتها في حياتي. وااااااااااااااااو. ما كنت متوقعة أبدا. أحبتس و أحب خوتس ألي وداتس. أمممممممممممممواح. قسم بالله أني أحبتس. قولي له أني أموووووووت فيه. قسم بالله أني أمووووووووت فيتس.
أجابتها ضحكة فاطمة التي لم تتوقع كل هذه السعادة من مرام التي كان الحزن يغلف صوتها في الأيام الماضية: لو ماخذة الأول وش سويتي؟
لا تزال مرام تقفز على السرير و هي تقول: مبسوطه. وااااااااو. في حياتي كلها ما جبت من الأوائل. أحبتس يا بنت. قسم بالله أحبتس.
في تلك اللحظة ألتفتت إلى الجهة الأخرى و أنتبهت إلى الأعين العشرة المتوجهة إليها. أبتسمت بخجل و أستدارت و هي تهمس في الهاتف: فشلة. بأكلمتس بعدين. باي.
لم تنتظر جوابا من فاطمة إذ أغلقت الهاتف و نزلت عن السرير. رتبت شعرها و هي لا تزال صادة عنهم. أدخلت الهاتف في جيب بجامتها و هي تتجه إلى الطرف الآخر لتأخذ ربطة شعرها. حاولت تجاهل إحراجها وهي تقول لأصحاب الأعين العشرة: صباح الخير.
اجابها الجميع و هي تتجه للحمام. ما إن دخلت حتى قال سعود: شكلها حتجن و تجننا.
أجاب فيصل بإبتسامة و هو ينظر لسامي: ما أدري. ذكرتني بواحد مجنون في العايلة.
لم يعيرهما سامي أدنى إهتمام. بل إلتف لوالديه سائلا: حتنقلوها تكمل هنا؟
أجاب والده: أكيد.
- عندها خبر.
- حنديها خبر. بعدين ماهي معقوله تدرس هناك. ماصدقنا نلقاها. نفرط فيها.
دخلت مرام بوجة مشرق على غير عادتها في الأيام الأخير, و سألت و عينيها على وفاء: جبتوا لي ملابس غير ألي البارحة؟
أجابتها: أفطري بعدين بدلي.
لأول مرة تسمح وفاء لأحد بالجلوس على السفرة ببجامته. كان سامي و مرام التي جلست بجانبة لأنه الكرسي الفارغ الأقرب إلى الأكل.
جلست و هشام يقول بإبتسامة ودودة: أش ألي مفرحك على الصبح؟ ما أنت ناوية تخبرينا؟
ضحكت براحة و هي تقول: أيديكم على جيوبكم. ـ عدلت ظهرها بثقة ـ الشخص ألي قدامكم ماخذ الثالث على الدفعة تقدير ممتاز. أتحدى إذا واحد من عيالك الأربعة قد جابها.
أجابها فيصل: ألي جنبك جابها و هو هندسة.
ألتفتت له و هي تجيب بسخرية مازحة: أزحف. أول ولد مجتهد أقابلة في حياتي ـ أحنت رأسها كتقديرـ تشرفنا.
لم يعرها سامي أدنى أهتمام فتجاهلته و هي تنظر لوالدتها التي تقول: حنعمل لك حفلة أستقبال و نجاح مرة وحدة بعد أسبوع. أطلبي ألي تبغية و تلقية قدامك. أنت أشري بس.
لاتزال مبتسمة: من ناحية باطلب. أنا بأطلب, و أنتوا الله يعينكم. ماعندي و لا همل. إلا ألي أشتريتيها. بس يكون في علمكم الهدايا لا تشمل الثياب و الجوالات والعطور و الساعات إلا إذا تعدت الخمس مية.
أبتسم سامي بسخرية لم تخفى على أحد من الجلوس, لكن مرام لم تعرة اهتماما و هي تتابع: و الكلام للشباب بعد. ماعدا الأخ ألي هنا ـ أشارت لسامي بنظرات أستحقار نوعا ما ـ لأنه بعد طالب, و الطلاب عندهم عفوا ملكي.
إلتفت إليها سامي و هو يقول: بس أنا ما أعطي الطالبات عفو. لازم تهديني.
نظرت لوالدها بنظرات رجاء محتالة: و الله إذا أبو عادل بيكح ألف أشتري لك بها هدية ما عندي مشاكل, لكن من مالي الشخصي. آسفة. فالشخص الذي أمامك على الحديدة.
التغير الجذري في نفسية مرام فاجأ الجميع و على رأسهم وفاء. لم يتوقع أحدا منهم أن تستيقض من النوم مبتسمة. الكل يعلم أن أتصال صديقتها هو السبب. النتيجة الجيدة التي نالتها اليوم كانت هي السبب الرئيسي للسعادة الغامرة التي تشعر بها.
أفطرت مرام بشهية تحت أنظار والديها الفرحان بالتحسن النفسي الذي تعيشة هذا اليوم. أستأذن هشام بعد عشر دقائق و ذهب للعمل بصحبة فيصل. في حين صعد سامي لحجرته, و سعود أخذ له مكانا هادئا من المنزل ليعمل على أوراقة بهدوء تام. فهو لايحب العمل في الشركة بل يأخذ أوراقة للمنزل دائما, و إن لزم الأمر فهو لا يبقى بها أكثر من ساعتين بالكثير.
وفاء صعدت لتسترخي قليلا في حين بقيت مرام تدور في المنزل بلا سبب. فهي سعيدة جدا, و هناك الكثير من الطاقة الأيجابية المتدفقة في جسدها تجهل إلى أين توجهها. رغبة كاسحة بالرقص, لكنها لا تملك مسجلا و لا تريد أن تزعج سعود العامل بالصالة بصوت التلفاز. الشيء الوحيد الذي تفتقت عنه عبقريتها هو الصعود للأعلى و أغلاق إحدى الحجر عليها لتتحدث بحماس مع منال التي كانت هي الأخرى للتو أستيقضت من النوم. كانت مرام تصرخ بحماس في سماعة هاتفها النقال: ياااااااي مستانسة. مستانسة بالمرة. ما توقعت الثالث على الدفعة. ما أدري وش أسوي. أبي أرقص.
منال التي كانت تبتسم و آثار النوم لا تزال مرسومة على وجهها قالت: طيب أرقصي ما أحد كتفتس.
- ما عندي مسجل, و سعود الجني مستقعد في الصالة. ما أبي أزعجة بالتلفزيون. أحس أنه في أي لحظة بينزل حذيانه و يحذفني بها.
- يا ما جرى لذا الولد. من يوم ترفعين السماعة لين تصكينها و أنت تسبين و تسخطين فيه. مع أني أشوفة ما هوب مقصر.
- من ناحية ما هوب مقصر. ما هوب مقصر. بس أني أحسة عصبي مع أنه أهون من سامي. ما علينا من الوجيه النحسة ذي. أنا مستانسة و ذي تهرجني عن شلة المعقدين. الواحد لاقدة مستانس ما تنكدين علية.
- و الله أنت ألي طريتيه.
- طيب غيري السالفة. ممكن؟
- وش بتسوين ألحين؟ أدري بتس ما أنتيب هاجدة لين تخرجين ألي في راستس.
- نفسي أروح الملاهي. إذا وافق فيصل خليته ينزلني اليوم.
- بتكون زحمة. آخر الأسبوع, و أنت ما تحبين الزحمة.
- بالطقاق أهم شيء أستانس. الله يأخذتس نفسي أني في بيتنا ألحين. كان ذا الحين أنا وإياتس نرقص على الأم بي سي أف إم.
- قولي له أبي أرقص, و ماب يقول لتس شيء.
- أستحي. يوووووووه على طاري السحى ما شفتي خشمي مركم منا و إلا منا. تراه ضايع؟
أنفجرت منال ضاحكة و هي تقول: أوف. شكلتس جبتي العيد.
- بالمرة.
- خرجي. خرجي فضايحتس.
أخبرتها مرام بما حدث صباح اليوم, و ركزت على قولها" أحب خوتس ألي وداتس". تابعت: لا و أحب حب فيها مع خشتها, و الأسرة المالكة كــــــــــــــــــــــــــــــــلها وراي. قاعدة أتغزل لدرجة أني شكيت في نفسي. عاد يوم أنتبهت لهم دوري لي. ما دريت وين أودي وجهي.
- و الله أن دريت أنتس بتعيدين يوم. أربهم بس ما كفخوتس.
- لا. أحسهم رخمان. و الله لو أني عند عبد الله الورع أن يسوي في وجهي شوارع.
- شوارع؟! إلا مدينه كاملة.
ضحكت بهستيرية و هي تقول: أحيانا أحسهم خكارية.
- توتس تقولين الجني سعود.
- عصبي بس رخمة.
- ما أدري كيف تجي ذي.
سمعت مرام صوت طرقات وفاء على الباب فأستأذنت منال: لحظة. الباب يدق.
فتحت الباب دون أن تسأل من الطارق. كانت وفاء حينها تقف خلف الباب بإبتسامة أم حنونه جدا أجبرت مرام على مبادلتها إياها لأول مرة منذ تعرفت عليها. تبتسم لها بصدق و هي تقول: بغيتي شيء؟
لا يمكن لأحد وصف الفرحة الغامرة التي تسكن قلب وفاء فلقد رأت مرام اليوم في أحسن حالاتها. لم يسبق لها أن رأت السعادة على محياها كما اليوم مطلقا. تلك السعادة أنعكست على محيا وفاء التي أبتسمت بسعادة غامرة, و هي تقول: نبغى ننزل السوق سوى. عادي؟!
لقد آلمت مرام كثيرا لهجت الترقب في صوت وفاء التي رغم كل شيء لاتزال أمها ولو رفضت, و إن لم تكن قد أعترفت بذلك حتى لنفسها فهي في النهاية أكبر منها. بل إن ما آلمها أكثر هو رؤية القلق في عيني وفاء عندما قالت مرام محدثة منال: منال!
أجابتها منال من الطرف الآخر للأتصال: أيوة! وش كنا نقول؟
نظرات أسف كانت موجهة لوفاء من مرام التي تشعر بالذنب الشديد ناحيتها و هي تجيب منال بإبتسامة تحاول أن تزيل بها أضطراب مشاعرها: كنت أقول ضفي وجهتس وراي مشوار.
- ما عليه. دقي مرة ثانية و شوفي مني يرد عليتس.
حاولت مرام أنهاء مكالمتها بأسرع وقت و بأقل الخسائر من الطرفين: سلمي على الكل و بذات عبود. يالله مع السلامة.
لا تعلم لما لم ترد أن تخص والديها. ألأن وفاء لا تزال تقف على رأسها و لم ترد جرح مشاعرها؟ أم لأنها لاحظت كم تسعى وفاء للحصول على رضاء مرام التي تظهر اللا مبالاة الكاذبة؟ أم أنها خشيت قول أمي لأمرأت أخرى أمامها في حين لم تنطق بها لها يوما منذ تعرفت عليها؟ لا تعلم ما الذي يحدث بالضبط. أغلقت هاتفها بعد أن أنهت مكالمتها و هي تبتسم لوفاء و تقول: خمس دقايق و أجي.
أجابتها وفاء: أنتظرك تحت. ملابسك في الغرفة الثانية. هذي غرفة فيصل.
خرجت مرام من الحجرة خلف وفاء و هي تقول بإحراج نوعا ما: ما دريت.
- لا تتأخري.
نزلت وفاء لتأمر السائق بتجهيز السيارة لهما في حين كانت مرام ترتدي بنطلونها الأسود الذي أمرت بإحظاره بالأمس مع أقصر و أخف بلوزة وجدتها. أرتدت عبائتها سريعا و نزلت و هي ترتدي كعبها الأسود و قد قررت أن تشتري حذائا رياضية في أسرع وقت لمثل هذه الطلعات.
عندما دخلت الصالة وجدت وفاء تجلس بظهر منتصب و قد أرتدت عبائتها التي أشبة ما تكون بثوب واسع قليلا, و قد تحجبت و هي بإنتظار مرام. عدلت مرام القطة و هي تقول: يالله.
وقفت وفاء و هي تلتفت لسعود الذي كان ينظر لمرام بإستغراب لشدة حماسها, و قالت: يمكن نتأخر شوي. إذا أتصل عادل خلية يجي يتغداء معانا هو و أولادة.
تحول أستغراب سعود لوالدته و هو يسأل: حتى أولادو؟!
أجابت وفاء بثقه: أيوا. صار لازم يتعرفوا على عمتهم. ـ نظرت لمرام ـ مو؟
أبتسمت مرام و قد لاحظت ذلك وفاء من عينيها, و أجابت: طبعا. أحلى عمه في العالم. بس لازم نمر البيت.
- حنأخد ألي تبغية من السوق ما لو حاجة نرجع.
- على راحتس.
أشارت وفاء لأبنها: عن أذنك.
ركبتا مع السائق و لم تلحظ وفاء الضيق الذي شعرت به مرام, و حاولت تجاهله عندما علمت أنهم سيذهبون مع السائق, لكن مرام فكرت بما أنهما أثنتان معا فلا يهمها أمر السائق.
كانت وجهتمهم الأولى هي الصيدلية بأمر من مرام, ثم أتجهوا للأسواق التي كانت أغلبها مغلقة, لكن ذلك لم يمنعهما من التسوق الذي أستمر لمدة ساعتين طويلة على وفاء قصيرة على مرام التي أستمتعت حقا بالخروج للسوق بعد حبس دام أسبوعين في المنزل.
عند الحادية عشر و الربع كانت سيارة السائق تتوقف أمام الفلة الصغيرة بداخل الشالية. نزلت مرام, ثم وفاء التي نادت الخادمة, و أمرتها أن تأخذ كل الأكياس لحجرة مرام بالأعلى. دخلتا الصالة معا, و مرام تقول: ألبس البلوزة الخضراء. صح؟
أجابتها وفاء التي على الرغم من التعب الذي تشعر به من التجول في الوق إلا أن السعادة مصيطرة على محياها لتحرر مرام من القيود التي فرضتها على الجميع و وفاء أولهم: أعتقد التركواز أفضل.
- لا الأخضر. أحسها أكشخ و أقل رسمية.
- ماهي رسمية التركواز!
- أيوه بس أنها. كذا ما أدري كيف.
كان سعود لا يزال حيث تركتاه, و سامي أمام التلفاز, و كلاهما ينظران بإتجاه الباب. كان هذا هو الحوار الأول بين وفاء و مرام الخالي من الرسمية, و الهدوء. بدتا كمن تعرفان بعضهما منذ أعوام. بدتا صديقتان حميمتان أكثر منهما أم و أبنتها. ذلك المنظر أسعد سعود كثيرا, لكنه بدا طبيعيا بالنسبة لسامي, لكنه شعر ببعض الغيرة عندما لاحظ أنهما أندمجتا كثيرا و هو يسمع وفاء تتابع حديثها مع مرام قائلة بهدوء أمومي: أنت أول مرة تقابلي نهى. يعني لازم يكون لبسك شوي فخم.
- أشوف الأخضر. أهداء و أفخم, و أرز, و أريح.
- أريح و أهدى يمكن, لكن أفخم؟ ما أعتقد.
قالت مرام بعفوية و هي ترمي عبائتها جانبا في الصالة: كف بكف.
تداركت أنها تحدث والدتها فقالت: أوه! سوري. سوري ـ أبتسمت ـ نسيت.
تدخل سامي بغضب يغطي غيرته: لا تنسي أنها أمك.
ألتفتت له مرام اليت على الرغم من سعادتها لاتزال غاضبة من موقفة السخيف معها بالأمس. نظرت له بسخرية " قال توأم. مالت" قالت له: مالك دخل. بيني أنا و إيها. يا شين اللقافة.
لا وفاء, و لا سعود أرادا أن تنشب مشكلة بين التوأم. فهما يعلمان أن سامي إذا وضع أحدا في رأسة يصعب إخراجة, و أن مرام للتوا أرتاحت بينهم, و المشكلة لن تزيد الأمور إلى سوءاً. لذا حاولا تهدأت الأجواء التي بدت مشحونه بالغضب. نادى سعود سامي: سامي! تعال عايزك تشوف هدي الأوراق شوي.
في حين قالت وفاء: روحي ألبسي خليني أشوف ذوقك.
فهم كلاهما أنهم يريدان أن يمنعا المشكلة قبل نشوبها لذا أفترقا دون مناقشة, و ذلك من حسن حظ وفاء التي لم تكن ترد أن تلاحظ نهى سوء العلاقات الأسرية بينهم هذه الأيام.
جلس سامي بالقرب من سعود و هو يقول: كمل شغلك. طلعت و أنتهت المشكلة.
أجاب سعود بصوت منخفض يخفي غضبة بين كلماته: يعني ما تقدر تمسك نفسك؟ كل ما فرحت, و قالت فرجت ضيقتها؟ حرام عليك.
أجاب سامي بغباء مصطنع لم يخفى على سعود: أش قلت أنا؟
حاول سعود أن يكون أكثر هدوءاً و هو يقول: سامي! ماني غبي تحاول تستغفلني. أمك تعبانه, و تعبانه كثير الشهور ألي فاتت, و كفاية عليها مرام. ما هي ناقصتك تكمل عليها.
أستمر سامي بالتظاهر بالغباء و هو يقول: أش قلت أنا ألحين؟
أرتفع صوت سعود رغما عنه: سامي! قسم بالله لو يتكرر الموقف السخيف ألي قبل شوي ما تلقى خير.
وقف سامي متجها للسلم: يصير خير. إذا أذن الظهر قوموني. رايح أنام.
أخذ سعود نفسا يعبر عن تعبة الغير مجدي مع سامي الذي لا يزال يحاول البقاء بعيدا عن مرام على الرغم من رابط الأخوة القوي بينهما كتوأم إلا أنه لسبب يجهله لا يريد الاحتكاك بها.
حالما وقعت أقدامه على آخر درجة عليا من السلم خرجت مرام من حجرتها التي في آخر الممر بالقرب من حجرته وقد ارتدت بلوزة خضراء كما لون العلم السعودي, و قد كتب عليها بضع كلمات بالأسود. تصل إلى منتصف فخذها, و عليها حزام أسود, و بنطلون جينز باهت اللون. وقد تركت شعرها مفلوتا. أتجه لحجرته و هو يقول بابتسامة أغتصبها ليرضي والدته و ينسيها ما حدث قبل قليل: هذا أحلى من ألي كنت لابستوا قبل شوي.
لا تعلم مرام كيف؟ و متى؟ و لماذا؟ لكنها فهمت ما يعنيه بكلماته. ما تعنيه تلك الابتسامة. ما تعنيه تلك الخطوات المتراخية التعبة. فهمتها منه دون أن يضطر حتى للتلميح لها. سايرته و هي تقول: شفتي! قايلت لتس. هذا أحسن.
الصلح السريع بين سامي و مرام جعل اليوم أجمل يوم بالنسبة لوفاء. سعيدة هي اليوم لأنهما أصبحا أخوين حقا. تزاعلا سريعا و تراضيا سريعا. لا تعرف أمراءة أسعد منها هذا الصباح. أبنتها صادقتها اليوم. لا يمكن أن تكون أسعد مما هي فيه الآن فأبنتها تبتسم منذ أستيقضت بعد حزن أستمر أسبوعين. قلبها يرقص سعادة فأبنتها معها اليوم, و راضية بهم أخيرا. منفتحة معهم. متأقلمة بينهم. تعيش يومها هذا بسعادة أجبرت مفاء على الأبتسام بين دمعاتها. على النشاط بين تعبها.
قالت وفاء و هي تقف: براحتكم. يالله اعذروني عايزة أرتاح شوي قبل الظهر.
ذهبت وفاء لحجرتها لترتاح. رمت عبائتها على الكرسي الجانبي و هي تتصل بهشام لتخبرة بما حدث اليوم فهو الشخص الوحيد الذي سيشاركها سعادتها.
بالنسبة لسامي فقد وقف مكانه حتى أغلقت والدته باب حجرتها خلفها, ثم ألتفت لمرام. كان بإمكانكم رؤية تصادم شرارات الشحنات الكهربائية بينهما معلنه عن حرب باردة وشيكة ستطول مالم يتصارحا. تجاهلته مرام, و دخلت حجرتها بعصبية مصطنعة تحاول بها المحافظة على كرامتها, و شجاعتها. كمن يقول له "أنا أقوى منك, و إن أردت حربا فأعلم أنني ندا لك".
أما سامي فقد دخل حجرته بهدوء و هو يرسم أبتسامة ساخرة لا تكاد تغادر وجهه في الأيام الأخيرة.
في جانب آخر أتصل عادل بزوجته نهى و أخبرها بأن تستعد مع أبنائها لأنهما سيتناولان الغداء في منزل والدية. كان من النادر أن يذهب عادل بزوجته إلى منزل والدية فوالدته و زوجته ليستا على وفاق. في الحقيقة هو لا يعلم من السبب الحقيقي أهو زوجته أم أمه, لكنه و بإقناعا من أصدقائة يرى أن خلافهما الدائم أمر لا بد منه. فهو أمر فطري متجذر بين زوجة الأبن و أمه. فالأم تشعر بفقدانها للسيطرة على أبنها بعد زواجة, و بالتالي فهي ترى أن السبب الرئيسي لذلك هو الزوجة التي تسعى جاهدة هي الأخرى لفرض سيطرتها على ذلك الرجل المسكين المدعو زوجها. هذا الزوج سيقضي عمرة كلة في محاولة إصلاح فاشلة, و لا يمكن تحقيقها للأصلاح بين والدته و زوجته. لذا فالأفضل أن يبعد نفسة عن مشاكلهن. فإن أختلفتا, أو تصالحتا فبينهما.
هذا ما كان يفعلة عادل. فعندما ترفض والدته زيارت زوجته لمنزلها في أيام مرام الأولى. لم يكن يخبر نهى بذلك بل يكتفي بإخبارها بأنه سيتناول وجبته خارجا, و كما عودها فلا حق لها بالسؤال أين. على الرغم من أنه سيخبرها عندما يعود. في الغالب لم يكن يتحدث عن زيارته لبيت أهله ليبتعد عن المشاكل.
اليوم عندما أخبرة أخاة بطلب والدته علم أن والدته تخطط لشيء قريب يجهله. ربما كان ليعرف ما السبب لو قرأ الجريدة هذا اليوم.
كان أول من أنتبه لذلك هو مرام التي أرسلت لها هيفاء على رقم سعود:"مرام أقري جريدة الوطن ألحين."
قراء سعود الرسالة فتوقع أنه أمر يخصهم. لذا تجاهل الرسالة, لكنه عندما رأى مرام تنزل متجهة إلى المطبخ بعد أن سيطر عليها الجوع, و الملل. قال لها: جات رسالة لك.
- أنا؟!
- على جوالي.
- أوووه. أكيد بوي عبد الله. ـ أتجهت إلية ـ هات أشوف.
- أجاب و هو يجمع أوراقة بعد أن أنتهى أخيرا. يقول لك أقري جريدة الوطن.
- الوطن؟! ليه؟
- أش عرفني.
لم تتردد مرام للحظة بل أتصلت بثابت منزل أعمامها لتجيبها هيفاء التي كانت تنتظر أتصالها, لكنها عندما رات أن الرقم غريب أجابت برسمية على الرغم من أنها توقعتها مرام: ألو.
أجابت مرام بحماس: هلا هيفاء. وش السالفة؟
- ما قريتي الجريدة؟1
- لا. حنا في الشالية, و العرب في الدوام, و ما عندي كمبيوتر أدخل النت. عطيتس التقرير, وش في الجريدة.
- لازم تقرينها. حاطين قصتس في الصفحة الأولى.
- تصدقين نسيت. ما توقعت أنها بتطلع في الجريدة.
- أفااااا. قصتس ما تتفوت.
- ما كأنهم أخروها. المفروض منتشرة السالفة من يوم رفعوا القضية.
- صدق. حتى بوي يقولة. المهم. أشتري الجريدة. ضروري تقرين الموضوع. كاتبين أسنتس بالكامل قبل و بعد.
- الله يعين هلي. بيغثونهم بالأتصالات ألحين.
ضحكت هيفاء و هي تقول: جوال بوي ما سكت من ألحين. بس بوي محمد قالة لا تعطيهم وجه.
- كيفهم. علميني طلعت نتيجتس؟
- أيوة. الحمد الله عدينا.
- أنا الثالث على الدفعة. و الله لو شايفتني كيف أنقز اليوم أن تقولين البنت شاربة.
- أنت دائم شاربة.
طالت المكالمة, و مرام على جمر. ما إن أنهت إتصالها حتى توجهت لسعود الذي يهم بالخروج للشركة قبل أن تغلق. جرت إلية في الشمس الحارقة. توقفت أمام شباك السائق الذي أنزلة لها, و هو يقول: نعم!
أجابت مرام التي تغطي عيناها عن الشمس: لا تجي إلا و الوطن معك.
- أيش؟!
- جريدة الوطن.
- ليش؟
- مطلعين قصتي؟
قال بغضب واضح في صوته الذي أرتفع فجأة: أيش؟!



الحلقة السادسة


تراجعت مرام للخلف رغما عنها عندما قال بغضب واضح في صوته المرتفع فجأة: أيش؟!
أجابت بتوجس: وش فيك؟! عادي. بصراحة أنا أستغربت أنهم ما تكلموا فيها من يوم رفعت أمك القضيه. يعني عادي. ليش تنافخ؟
إلا أن سعود كان غاضبا بشدة. فكيف لهم أن يعلموا بالقضية؟ والداة بذلا جهدا مضاعفا لتبقى طي الكتمان. حتى أنهما لم يخبرا أحدا من العائلة بأنهم كسبوا القضية بعد. أرادوا لمرام أن تعتاد عليهم أولا, ثم يعرفوها على أعمامها. كانوا قد أخذوا أمرا من القاضي بالأتفاق مع محمد والد مرام الذي رباها بأن تبقى القضية طي الكتمان مراعاة لمرام حتى بعد ثلاثة أشهر من أنتهائها. الآن لم يكد يمر أسبوعين حتى تنزل القضية في الجريدة. كيف لمرام التي لا تزال متذبذبة نفسيا أن تتقبل ذلك؟ هل ستحتمل هذا الكم الكبير من الضغط؟ بالأصح هل سيحتمل والداها رؤيتها بهذا الشكل؟
كان هذا كل ما يهم سعود الذي توجه إلى شركة والدة بأقصى سرعة مسموحة. عشرون دقيقة مرت قبل أن يوقف سيارته أمام مبنى الشركة راميا مفتاحها على البواب ليختار لها موقفا مناسبا في حين أتجه إلى المصعد, و منه إلى مكتب والدة الذي كان في الطاب الخامس. أعلى طابق في المبنى. كان والدة في أجتماع مغلق مع مدير إحدى الشركات العقارية لتتدبر أمر بناء مجمع تجاري. أضطر أن ينتظر لربع ساعة كانت هي الأطول, و الأثقل في حياة سعود.
ما إن خرج المدير التنفيذي ذو السبعة و العشرين عاما حتى دخل سعود على والدة دون أن يطرق الباب حتى. بالإضافة إلى أن مساعد والدة لم يمنعة لأنه رأى القلق و التوتر على محياة فتركة على راحته. أغلق سعود الباب خلفة بالقفل, و أستدار ناحية والدة الذي كان ينظر إلية بدهشة. إلا أن سعود لم يتح له الوقت ليسأل إذ بادر هو بالسؤال: قريت جرايد اليوم؟!
فهم هشام سبب القلق الكبير الذي يراه على وجه سعود. لطالما كان سعود أكثر أبنائه أهتماما بافراد الأسرة, و أكثرهم سهرا على راحة الجميع. أبتسم و هو يجلس, و قال: هدي نفسك. عندي خبر من البارحة.
تفاجأ سعود بالهدوء المحيط بوالدة. كما أنها المرة الأولى الأولى التي يخفي والدة علية أمرا مهما كهذا. فسأل بتوجس: من البارحة؟!
تفهم هشام قلق سعود فهو يعلم أن همه الأكبر الآن هو والدته التي أصبحت أكثر حساسية في الفترة الأخيرة. لذا أجابة بحكمة الوالد: أجلس و هدي أعصابك. أمك اليوم عزمت عادل و أهله على الغداء, و أن شاء الله نعمل لها حفلة قريب.
أجاب سعود بحيرة و هو يرسم عقدة بين عينية: و مرام! أعمامي ما... أنت عارف كيف كانت رد خالتي لما عرفت عنها, و عمي كان أخس.
- ما لأحد عندنا شيء. مهما كان هذي بنتنا. إلي يرحب فيها نرحب فية, و ما لنا في الباقي.
- هذا كلامك. أش رايها هي؟
- لا تخاف عليها. خاف منها.
- أش قصدك؟! عارف أنها حساسة و مراح تتحمل إذا قالوا لها شيء, أو آذوها بالكلام.
- عمك عارف أنا ندورها من زمان, و ألي ما تعرفة أنو ساعدنا كثير في تعجيل القضية. في النهاية هي بنتنا. رضينا, أو ما رضينا. كمان أختك ساكته بس ما تسكت عن حقها. شوف كيف تجاري سامي. حتى سامي ما يقدر عليها.
- ما فهمتك؟!
- رح تفهم لما تشوف بنفسك. أهم شيء أنت ريح و هي رح تتصرف مع أعمامك و أخوالك. لا تقلق عليها.
لم يقتنع سعود على الرغم من أن كلمات والده هدأته قليلا, و لولا أن والدة مشغول و طلب منه الخروج لما غادر قبل أن يخرج مرام من هذا المأزق, لكن لا حل أمامه. بحث عن جريدة الوطن بين الجرائد الموضوعة على طرف مكتب والدة. أخذها و غادر.
في الشالية كان مرام أمام التلفاز بشعرها المبلول بعد أن أستحمت و صلت الظهر بإنتظار قدوم أخوتها. كانت قد أرتدت تنورة الجينز السوداء التي كانت ترتديها البارحة مع بلوزتها الخضراء التي كانت أختارتها مع والدتها صباح اليوم. كان شكلها رائع و هي تترك شعرها على طبيعته عدا بنستين صغيرتان تمسكان غرتها ناحية اليمين, و وجهها خال من المساحيق إذ أن مكياجها في منزلهم. دخلت وفاء الصالة, و هي ترى أن مرام ترتدي تنورة بدل البنطلون فسألت بإستغراب: ليش لبستي التنورة؟! البنطلون كان حلو.
أبتسمت مرام بحرج نوعا ما و هي تجيب: بصراحة. ما تعودت ألبس بناطيل. خاصة قدام الشباب. عاد عيالتس رجال ما شاء الله عليهم.
جلست وفاء التي ترتدي جلابيه هادئة جدا بجوار مرام: أيوه. لكن همه أخواتك. يعني عادي.
- بالنسبة لتس. أنا ما تعودت. من غير أني أحس.... يعني باقي فيه حساسية شوي بيننا.
- مع سامي. يمكن, لكن البقية حلوين معاك.
- في النهاية هم رجال كانوا قبل شهر أغراب عني.
تفهمت وفاء إحراج مرام فهي تعلم بأن أهل الجنوب متحفضين. فقالت: براحتك. طيب ليش ما تحطي مكياج؟
- في البيت.
- و ليش ما طلبتي؟
- ما له داعي. ظهر.
- لا. لا. عماد و أهلة جايين يعني لازم تحطي لو حاجة بسيطة. تعالي.
أخذتها للأعلى حيث حجرة نومها التي كانت الأكبر في الشالية على الرغم من أنها لا تقارن بحجرتهم في منزلهم بداخل المدينه.
جلست مرام على كرسي طاولة الزينه بأمر من وفاء التي أخرجت مكياجها من الدرج و هي تقول لها: أختاري ألي يعجبك. أهم شيء تكوني حلوه. هذا أول لقاء يعني لازم تتزيني.
- أن شاء الله. بس أعلمتس من ألحين. ما بأبالغ.
- كيفك.
دخلت وفاء الحمام تاركة مرام تضع لنفسها قليلا من المكياج. القليل من الكحل الأسود داخل عينيها و مسكرة و أحمر شفاة وردي بالكاد وجته بين مكياج والدتها. جمعت الأغراض, و خرجت مع وفاء بعد أن أتت الخادمه لتخبرها أن عادل يطلبها في الأسفل.
نزلت وفاء أولا في حين ذهبت مرام لحجرتها لتتعطر مرة أخرى, و تتأكد من أن شعرها لا يزال جيدا. في الواقع لم يكن هناك من داع لتذهب لحجرتها, لكنها أرادت أن تتماسك قليلا, و أن تجمع شتات نفسها قبل ذلك. دقيقة مرت قبل أن تفتح الباب لتتجه إليهم. نزلت مع الدرج و هي تتذكر كيف يكون حالهم عندما يأتي أخاها الأكبر.

في منزل والدها محمد المشابه لكثير من منازل السعوديين. فهم من الطبقة المتوسطة العاملة. السلم ينزوي قليلا عن الصالة فهو لا يطل عليها بل يطل على باب النساء. الفرشة العنابية المنقشة تغطية و تغطي المنزل أجمع ذات الفرشة عدا المجالس. فالمنزل كلة مفروش بذات اللون. صوت علي من أسفل السلم مناديا على أخوته في الأعلى: يا عرااااااااااااب!
لم يكد ينهي جملته حتى تسابقت منال و مرام على النزول, و مرام تنادي بحماس: يا عيال علاوي جاء.
جملتها هذة نبهت أولاد الأسرة الذين يلهون في الغرفة المجاورة لحجرة البنات التي كانت هي الأقرب للسلم. ليتسابقون على السلم. كانت منال هي اولى الواصلين لترتمي علية مرحبه بحماس. تلتها مرام, ثم الأولاد برسمية تامه. فهم رجال لم يعتادوا على التعبير عن مشاعرهم بحرية. بضع كلمات مضحكة تبادلوها بينهم قبل أن تنادي وفاء ليتابعوا الحديث في الصالة على القهوة.

آلمتها تلك الذكريات و لم تسعدها. شعرت بالدمعة تتسلل إلى عينيها, لكنها سبق و أن قررت بأن يكون اليوم هو أسعد يوم في حياتها لذا بذلت جهدها لتقهر تلك الدمعة الحارة. أبتسمت بحزن لاحظة عماد, لكنه يجهل سببه. حاول تغطية الأمر و الترفية عنها إذ لم يردها أن تعود إلى تقوقعها بعد أن أنطلقت أخيرا. عرفها بزوجته نهى و هو يقول: هذي نهى. ام عبودي.
أبتسمت لها مرام و هي تسلم عليها بقبلتان متبادلتان على الخدين. همت بالجلوس بجوار وفاء, لكن عادل الذي لم يرد لوالدته ملاحظة الحزن في أبتسامة مرام قال لها وهو يشير لطرف الأريكة بجواره: تعالي هنا.
لم تستطع مرام الرفض فأتجهت حيث امرها. دلست وهي تسمع والدته تسأل: فين أولادك. لا تقول ما جبتهم معاك.
أبتسم عادل بمرح: و أنا أقدر على زعل أم عادل. راحوا يلعبوا في السوني.
كان البليستيشن(السوني) في حجرة بطرف الصالة. وقف عادل و هو يأخذ بيد مرام قائلا: تاعلي أعرفك على أولاد أخوك.
لم تعترض. سارا معا إلى الحجرة حيث كان عبد الوهاب ذو التسعة أعوام, و فجرذات الثلاثة أعوام معا أمام البلاي ستشن. ألتفت الطفلين للأخوين الداخلين و عادل يقول لهما بأمر: قوموا سلموا على عمه.
كان عادل قد أخبر عبد الوهاب بأن عمته انت تدرس في الجنوب منذ فترة طويلة, و عادت الآن لأنها ستتابع دراستها هنا. بدا له الامر أسهل بهذا الشكل ليفهم عبد الوهاب أنها غريبة عن الكل تقريبا, إلا أنه لم يشرح شيئا لفجر التي لم تكن تفهم كل شيء تقريبا,و لكنها تعلم أن هنالك شخص جديد في منزل جدها.
سرت مرام كثيرا و هي ترى أطفال في المنزل أخيرا. لقد أعتادت على صراخهم و مشاكساتهم في الجنوب, و هم أكثر ما أفتقدته هنا. فالهدوء يسيطر على المنزل طوال اليوم. كان سلامها حماسيا مع الطفلين, و لم يخفى ذلك على عادل. بل إنه سر عندما سمعها تقول لعبد الوهاب الذي كان يستعد ليلعب مرحلة جديدة في كراش سيارات: حط لاعبين. من زمان ما لعبت.
ألتفت لها متعجبا و قال: دوري؟
طوت ساقيها تحتها(تربعت) بحماس, و قالت: دوري؟ وش ورانا؟
عاد عماد لوالدته و زوجته تاركا مرام تلعب مع عبد الوهاب بمزاج عالٍ. فهو وإن لم يعلم ما السبب الحقيقي لأبتسامتها الحزينه تلك فكل ما يهمه هو أنها بخير, و هي سعيدة الآن. فالعائلة الصغيرة كلها أصبحت تعلم أن سعادتها سعادة لوالدتهم.
في الأعلى كان هاتف مرام يرن و بحده. فوالدها محمد في سيارته عائدا للمنزل من جهه, و منال من هاتف والدتها من جهة أخرى, و علي الأخ الأكبر من جهة ثالثة. الجميع يريد أن يطمأن عليها فالصمت الذي سيطر عليها في آخر شهر عاشته معهم لم يكن يبشر بخير. عمها عبد الله, و خالها سلطان الذان كانا الأقرب لها لذا كانا من أوائل من أرسلت لهما الرقم كانا يحاولان الأتصال بها مع البقية. إلا أنها لم تكن تجيب على أحد فهي في الأسفل في حين هاتفها في حجرتها.
رنته المشابهه لرنه ساعة تنبية أزعج سامي النائم في حجرته التي تتقاسم ذات الجدار مع حجرتها. حاول تجاهل أنزعاجة ظنا منه أنها ستجيب الآن, أو بعد قليلو لكن الهاتف أستمر في الرنين, و هي ترفض الأجابه, و الرنه المزعجه التي تكاد تقول لن تهنأ في نومك يا سامي سببت له أنزعاج كبير. خرج من حجرته ببجامته الزرقاء القطنية, و أتجه إلى مصدر الصوت. كانت حجرتها مغلقة فظنها بالداخل. طرق الباب و هو يقول: مرام! ردي على تلفونك. أزعجتيني.
إلا أنه لم يجد ردا من أحد. طرق الباب من جديد, و فتحه. ليجد الحجرة فارغة و الهاتف المزين بأكسسوارات وضعتها له اليوم يرن على طاولة الزينه. أخذ الهاتف ليرى من المتصل. كانت الشاشة تضيء بأسم" ماميتا". كان متأكد بأن المتصل ليس والدته فلا يعقل أن تتصل بها في حين يمكنها إرسال الخادمة لها. وضعة على الصامت. تركه على طاولة الزينه و أتجه إلى الحمام. طرق الباب, لكنها لم تجبه فتح الباب ليجد الحمام خاليا. علم أنها بالأسفل. هم بالخروج, لكن الهاتف رن مرة أخرى. حاول تمالك أعصابه و هو يضم جفنية إلى عينية بشدة, ثم يعود للهاتف ليأخذه. كان المتصل هذه المرة هو "سلطان الغرام". أستفزة الأسم بقوة. لم يكن ليتجاهل المتصل لو رأى ذات الأسم في هاتف أبنة عمه, أو أبنة خالته. إلا أنه و لسبب ما تجاهله الآن على الرغم من الغضب الذي يصطرع بداخله. نزل إلى الأسفل و هو ينادي بصوت مرتفع يخفي ضبة تحته: مرام! مرام!
سمعته والدته فأجابته: لحظة سامي. نهى هنا.
توقف سامي و هو يرسم على محياة أبتسامة مصطنعه. فآخر ما يريده أن يتدخل أحد في علاقاته الأسرية. خاصة إذا كان الأمر يتدخل في توأمة. لحظات لتأذن له والدته بالدخول. أقى التحية سريعا, و برسمية زائدة و الهاتف لا يزال يرن في يده بعد أن وضعه على الصامت كليا, ثم سأل: فينها مرام؟
لم تكد تجيبه والدته حتى سمع صراخها من الحجرة المجاورة: وووووووووووووو. قايلة لك. لا تتحداني. ما أحد يتحداني في كراش.
كانت تصفق هي و فجرالتي تشجعها منذ بداية السباق.
قال عبد الوهاب و هو يستعد لبدأ الجولة الثالثة في السباق: لسة ما خلصنا. قدامك مباريتين.
أجابته مرام بإستهزاء: أشين شيء في الحياة. ولد مهزوم يحاول يثبت جدارته.
فتدخل سامي: و بنت مزعجه ما تخلي الناس تنام بدون أزعاج.
أجابته مرام و هي تنظر إليه بإحتقار: جعلك ما نمت حياتك كلها.
لم يتح له عبد الوهاب الوقت ليجيب إذ أستجار به بقوله: عمو تعال أغلبها معايا. من لما جات و هي تتعاير بيا.
سألت مرام بإستنكار: أيش؟! تتعاير!
أجابها عادل الذي لحق بهم بإشارة من والدته: هوا كذا دائما. كل يوم كلمة جديده.
سر عبد الوهاب برؤية والدة: بويا. تعال أغلبها. تخيل أنا الخامس و هي الأول.
أجابت مرام: خلك منهم, و كمل لعب. ما أحد بيعبرك. بوك شيبة و عمك مكسر.
جلس سامي بجوار عبد الوهاب و هو يرمي عليها هاتفها النقال الذي لا يزال يرن بصمت: تتحديني أغلبك و أنا مكسر؟
قالت و هي تنظر للهاتف: أتحداك...
صمتت و هي ترفع الهاتف فورا عندما رأت أن والدتها تتصل بها: هلااااااااااااا. بأغلى أم, و أحلى أم.
قاطعتها منال بحدة: عله. حتى عله. ساعة عشان تردين؟
ألتفتت لهم مرام: لحظة. ـ أتجهت للخارج ـ تعلتس. قولي آمين. وش فيه؟
- قريتي الجرايد؟!
- لا. بس جاني خبر.
- أشوفه عادي عندتس؟
- بقوة.
- أشوى. كنا خايفين عليتس. هاتس كلمي أمي ريحيها.
أخذت وفاء أم علي السماعة بلهفة: كيف حالتس يمتس؟ أربتس طيبة؟
- هلا يمه. بخير طاب حالتس. كيف حالكتس أنت؟ وش وقعتس؟
- زان وقعتس. علميني يمتس. أربتس ما زعلتي من ألي في الجريده. و الله ما كان ودنا يطلع الخبر غير وش ما نقدر نسوي شيء.
- ما عليه يمه. عادي. و الله عادي, و هذا أنا قاعدة أضحك و مستانسة. كنت ألعب مع هوبي. عبد الوهاب ولد عادل سوني و صياحنا واصل لهل تبوك.
- و الله أنتس ما زعلتي.
- لا و الله. و لا فكرت في الموضوع حتى. عادي يمة, و لا تهتمين للسالفة أبد.
- أكيد؟
- أكيدين.
- طيب ليش ما رديتي علينا من صبح؟
- الجوال كان فوق. نسيته في الغرفة يوم نزلت لعادل. جاي يتغدا عندهم اليوم هو ومرته, ثم ألتهيت في السوني مع عبد الوهاب. معليش يمه.
- دامتس مشغولة. ما عليه. غير لا تخوفينا عليتس.
- أنت ألي تخوفين نفستس. تراني أعرفتس أكثر من نفستس.
- وش أسوي يا أمتس. يومكم عيالي.
- لا تخافين.
- هي الله يستر عليتس, و لا تنسين تكلمين بوتس. و الله أنه خايف عليتس.
- أكلمه ألحين.
- هي فمان الله.
- فأمان الكريم.
أنهت مرام أتصالها بوالدتها لتتلقى أتصالا من والدها الذي كان مستمرا في الأتصال بها على الرغم من أنه كان يجده مشغولا. قالت بمرح لتطمنه فورا: هلا, و غلا, و مرحبا. حيا الله بو علي.
أرتسمت ابتسامة راحة على محيا محمد و هو يبادلها الترحيب: البقاء. كيف حالتس يا بوتس؟
- الحمد لله بخير. الجريده ما قريتها بس دريت بألي فيها, و الوضع طبيعي عندي. ألا فرحانه و ما علي حتى أني كنت أنقز قبل شوي, و أتكركر مع عبد الوهاب ولد عادل, و أنت مطالب بهدية النجاح. بأطلعها من عيونك.
أرتفعت ضحكات محمد الذي أرتاح تماما من كلمات مرام التي جعلته متيقننا أنها بخير, و لم تأثر عليها الجريدة سلبا كما كان الكل متوقعا. حول محور الحديث و هو يقول: هديتس توصلتس و أنا بو علي. أهم شيء رضاتس علينا.
أجابته بمرح: و الله حسب الهدية. إذا زينه رضينا.
- و إذا ما هيب زينه؟
- الله يعينك على زعلي, و إلا هدية ثانيه.
- تستاهلين يا بنت علي.... تستاهلين.
خطأه البسيط وتر الجو قليلا بنهما, لكنهما تجاهلاه عمدا, و هما يسعيان للأبتعاد عن أسباب الحزن. إذ قالت مرام بسرعه علها تمحي تلك الكلمات التي شوهت الجو: ما يجي منك قصور. بس أسمح لي عندنا ضيوف اليوم. إذا فضيت أكلمك العصر أن شاء الله.
- على راحتس.
- سلم على الكل, و طمنهم علي. بخير, و مستانسة, و لا حد حولي.
- الله يحفظتس.
- مع السلامة.
أنهت أتصالها و أتجهت إلى الحجرة مجددا و هي تتفقد الأربعة شر أتصالا التي وصلتها في أقل من خمسة دقائق. كتبت رسالة و هي تقف في منتصف الطريق. قالت فيها:"أنا بخير و ما علي. مشغوله ألحين أكلمك بعد العصر عندنا ضيوف"
أرسلتها لسلطان, و محمد, ثم أغلقت هاتفها.
دخلت لتجد سامي و عبد الوهاب قد أعادا اللعبة من البداية و هم بأنتظارها. كانا قد أختارا نفس مجموعة الطرق التي أختارتها قبل قليل. جلست و هي تقول بإستغراب: ليش عدتوا اللعبة؟!
أجابها سامي: تحديتيني.
- نكمل. ما نعيد.
- نبدأ من جديد.
- براحتك. يالله؟
- يالله.
بدأ السباق, و سامي يمسك بيد السوني جانبا ليستخدم يدة المكسورة في توجية السيارة. كان السباق حماسيا بوجود فجر التي تصرخ عندما تصرخ مرام. سواء كان فرحا أو تذمرا. بالإضافة إلى عبد الوهاب الذي يحاول إرشاد سامي للطرق السرية في كل مرة, و قد يصيب سامي فيدلها, أو يخيب و يتجاهلها. أما عادل الذي يجلس على الأريكة خلف الجميع كان يتابع بإبتسامة مرسومة على شفتية. فالانسجام كان واضح بين التوأمين على الرغم من أنهما يسعيان لتجاهل شعورهما الأخوي القوي.
أنتهت المرحلة الأولى بفوز مرام بالمركز الأول, و سامي بالمركز الثالث. لتتعالى صرخات مرام التي كانت تقفز بحماس و هي تضم فجر لها بعنف. في حين كان سامي هادئ لأقصى الحدود, و عبد الوهاب يقول لهم: لسه. لسة. ما تفرحوا.
أجابته مرام و هي تعود لمكانها قبل أن تبدأ المرحلة الثانية: ترانا ما ننقز على حسابك.
- لا بس خفت تتفشلوا بعد شوي.
- ما عليك. حنا روحنا رياضية.
أجاب سامي بسخرية: نشوف.
بدأت المرحلة الثاني بحماس أكبر من الأولى. و صرخات أعلى تصدر من فجر و مرام لأن سامي كان يرمي عليهما الصواريخ طوال المرحلة. في النهاية فاز سامي بالمركز الأول و مرام بالمركز الرابع لأنها كانت تسير ببطء أذ أرسل عليها سامي ساعة إبطأ. لتتعالى صرخات الأولاد, و مرام و فجر يشاركانهما الفرح ليس لسبب سوى رغبة من مرام أن تستفز صبر سامي.
في تلك الأثناء دخل فيصل و هشام و سعود الذين أستغربوا هذا الأزعاج الغير مبرر. أتجه فيصل إلى الأزعاج بعد أن ألقى التحية علي والدته و نهى من بعيد. كانت المرحلة الثالثة قد بدأت و لاتزال صرخات مرام و فجر تسيطر على الجو. سأل فيصل: كل هذا الأزعاج على لعبه؟
أجاب عادل و فيصل يصافحة: أجلس. و الله التوأم هذا رهيب. مسوين منافسة.
جلس بجوار أخاة و هو يسأل: و من تشجع أنت؟
بمرح ممزوج بضحكه: ما حد. عبد الوهاب في فريق, و فجر في فريق. أحترت و الله.
- أووووه. بنات و أولاد. شجع الأولاد.
- حرام. إذا كلنا شجعنا الأولاد. من يشجع البنات؟
- أمي و مرتك برى. ناديهم يشجعوهم.
صرخت مرام التي أصابها صاروخ موجه من أحد اللاعبين, و لم يكن سامي: الله يكسر رقبتك. قول آمين.
تدخل سعود الذي دخل للتو: هذا أخوك يا بنت.
أجابت: ماني ميده. أقصد بو رقبة. ذا اللي رقبته أطول منه.
لم يستطع سامي منع نفسة من الضحك, و هو يقول: تستاهلين.
- يا رب يرسل عليك خمسة صواريخ ما هوب واحد.
ألتفت سعود لأخوية وهو يقول بأستفسار: أش بهم؟
أجاب عادل: أجلس. أختك هزمت عبد الوهاب, و متحديه سامي.
جلس سعود وهو يقول: على إيش؟
- بس تحدي.
ألتفت سعود لمرام و سامي و هو يقول: المهزوم حيخرجنا اليوم على حسابة.
فقالت مرام بحماس: الملاهي. بصراحة عندي طاقة كبييييييييييييييرة.
قال سامي المركز مع اللعبه: المارينا إذا أنهزمتي.
فقالت: أنا على الحديدة. بس ما علية المارينا. تجهزوا يا شباب نازلين الشلال اليوم. و إلا أقول لكم جنغل لاند.
دقيقة أخرى مرت قبل أن تقفز مرام بحماس: وووووووووووووووو. ما قلت لكم جنغل لاند. ووووووووووووووو.
تقافزت معها فجر, ولم يجلسا حتى بدأ العد التنازلي للعبة الأخير التي أنتهت بفوز مرام في المرتبة الثالثة و سامي بالمرتبة الرابعة.
كانت مرام تقفز بحماس و هي تقول: يالله. كُح. كُح(طلع فلوس). اليوم منزلنا جنغل. ـ ألتفتت لأخوتها ـ كم التاريخ اليوم؟ خمسة و عشرين؟
دخل هشام و هو يقول: ما مليتي صراخ؟
ضحك سامي بإنتصار وهو يلاحظ حرجها: سيبها تفرح شوي. مسكينه.
لم تستطع مرام منع إجابتها العفوية و هي تشير بيدها له بإستغار: أنت المسكين. أنت ألي أنهزمت و إلا أنا؟
- نتقابل بعد شهر. إذا فكيت الجبس حاولي تهزمين.
- قلت لك من البداية و ما سمعت. أهم شيء يكون جيبك مستعد للدفع.
تدخل هشام بحزم أبوي: أش بك على أخوك؟
فقالت بمرح: و الله هو ألي تليقف و قال تحديني. أنا ما جيت عنده.
ساعد عادل على توضيح الصورة: تحدوا بعض على السوني و فازت عليه. رح نخرج اليوم على حسابة.
تدخل عبد الوهاب المصاب بخيبة أمل: أنا مالي شغل. هو ألي حيخرجهم.
ألتفتت له مرام: يا البخيل. أحد جا حولك؟ يكفيك الفشلة ألي خذيتها من سامي.
قال سعود و هو يهم بالخروج: لا تزيدينها علية. إذا فك جبسة ما حتقدري تغلبيه.
أجابت بسخرية: هاهاهاي. لا تنسى بيتنا كان كلة مبزرة مسنترين عن السوني. أربعة و عشرين ساعة في اليوم خمسة أيام في الأسبوع. كان البيت في دوري مستمر.
سأل عبد الوهاب: فين بيتكم؟!
أجاب عادل متداركا الأرم. فهو يعلم أن أمرا كهذا لا يمكن أن يفوت على أبنه, و سيفتح عليهم أبواب لا يمكن إغلاقها: الناس ألي كانت معهم لما كانت تدرس بعيد.
دخلت وفاء: خلصوتا صراخ؟
أجابها هشام بود وهو يلاحظ وجهها المنير منذ الصباح: خلصوا صراخ و حيخرجوا في المساء. أش رايك أعزمك على العشاء.
- ما حأرفض, لكني عازمتكم على الغداء ألحين. يالله.
توجه الكل إلى مائدة الطعام. بالترتيب المعتاد. هشام يترأس السفرة, و زوجته على يمينه. سعود على يسارة, ثم فيصل, و سامي. بجانب عادل يجلس أبناؤة, و مرام بجانب سامي.
الهدوء عم المكان حتى أنتهت الوجبه. توجه كلا منهم إلى فراشة عدا سامي الذي كان قد مل من حجرته و أتجه إلى التلفاز. في حين غادر عادل مع أبنائة و زوجته إلى منزلهم على أساس اللقاء قبل العشاء ليذهبوا إلى جنغل لاند سويا.
في السيارة سأل عادل نهى: ما قلتي. أش رأيك في مرام؟
أجابته بتذمر ظاهر: أحسها متكبرة شوي.
- بالعكس. أحسها مرة منفتحة مع الكل.
- ألحين أنا جاية عشان أشوفها, وهي ما ألتفتت علي من لما دخلت. سلمت و خرجت.
- أنا ألي أخذتها عشان تسلم على الأولاد.
- شافتهم, و جلست معهم, و صراخها واصل لآخر جدة.
- يمكن مو متعودة عليك.
- يعني متعوده عليكم أنتوا؟
لم يخبر عادل زوجته بأمر مرام سوى صباح اليوم على أساس أنها أتت بالأمس فقط لذا لم يستطع التبرير. أكتفى بالصمت فهو خير أجابة.
في المساء كانت مرام أول من نزل بعد أن أرتدت بنطلونها الأسود الذي لا ترتدية إلا عند خروجها من المنزل, و أرتدت فوقة عبائتها. خلفها كان سامي, و يدة لا تزال معلقة بعنقة. في حين كان سعود ينتظرهم في السيارة. ركب سامي بجانب سعود, و مرام خلفة. لحظات ليركب فيصل بجانبها, و ينطلق الجميع إلى الحديقة حيث سيلتقون عادل مع عائلته هناك.

 
 

 

عرض البوم صور عاشقة القصص1   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
منقولة, حكاية, رواية
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المهجورة والغير مكتملة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:04 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية