منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t207718.html)

Rehana 23-08-20 06:25 PM

1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس ( كاملة )
 
https://f.top4top.io/p_1696cnxnk1.jpg

اليوم راح انزل اليكم رواية تستحق القراءة ومختلفة بنوعيتها
اتمنى تنال اعجابكم

الرواية منقولة وتم تدقيقها من قبلي

الغلاف الاصلي للرواية

https://i.gr-assets.com/images/S/com...93l/656992.jpg

الملخص

انتظر جيرالد حريته طويلاً, ولهذا لن يقبل بالاستقرار ولو كان ذلك لأجل صبي صغير حزين ذكرته عيناه البنيتان الكبيرتان بطفولته الشقية, ولكن اعادة الصبي الى جدته لم يكن بالأمر السهل, خصوصاً وفيرونيكا سايكس صاحبة البيت الجذابة تتدخل في الأمر, لم ترد منه فقط ان يكون والد بيتر وانما عرضت ان تكون زوجة جيرالد مؤقتاً, على الأقل.

Rehana 23-08-20 06:28 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فصول رواية

الفصل الاول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عشر والاخير

Rehana 23-08-20 06:30 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
المقدمة

لم تكن فيرونيكا تعتبر نفسها من النوع القابل للزواج حتى جاء جيرالد للسكن في بيتها , ذلك الأعزب الوسيم الخشن الحديث الذي لم يعش قط في بيت حقيقي, ولكن لو سارت الأمور حسب مشيئة فيرونيكا لكانت هي وجيرالد والطفل الحبيب الذي يدعوه بابا أسرة ... أسرتها هي ... والآن كل ما عليها ان تفعله هو أن تجعل جيرالد يقول " نعم "

Rehana 23-08-20 06:32 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل الاول

نزل روني
صعد جيرالد مارسدن في الطريق المتصدع غير المستوى وهو يحجب ما يشعر به من قلق وانزعاج بمشيته المتبخترة تلك بينما عيناه لا تبرحان ذلك النزل, وكان هذا يبدو مريحاً بشرفته الامامية المظللة ونوافذه الواسعة وبابه المحاط بالواح زجاجية مزخرفة بالالوان, كان يبدو من نوع تلك البيوت التي كانت الجدات تعيش فيه... محترماً ودافئاً.
لم يكن يعني انه كان يعلم تماماً عن حياة الجدات وهو الذي لم يعرف جدته قط ... اما بالنسبة للاحترام, فلم يكن تعبيره عنه اكثر من إيماءة بسيطة من رأسه لمعارفه .
وسحب جيرالد نفساً عميقاً, ثم رفع يده يضغط على جرس الباب .
تنحنح ونصب قامته وكان على وشك ان يقرع الجرس مرة اخرى عندما انفتح الباب ووجد نفسه يواجه امرأة متوسطة في السن بيضاء الشعر وممتلئة بعض الشيء, كانت تفتح الباب حوالى العشرين إنشاً وهي تقول بصوت حذر: " نعم "
سألها :" روني؟"
فجاءه جوابها المقتضب: "لا" ما ايقن معه ان المظهر خداع عموماً, فهذه العجوز الصغيرة الحجم قد تمثل ما يتخيله كل شخص عن الجدات, ولكنها ليست بحلاوتهن.

Rehana 23-08-20 06:33 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
سألته " هل انت الشخص الذي اتصل يطلب غرفة ؟"
"نعم, يا سيدتي, اسمي مارسدن جيرالد مارسدن"
لكنها لم تتحرك, ولم توسع فتحة الباب كما انها لم تقدم نفسها مثله, وإنما بقيت تحدق إليه وقد زمت شفتها .
اخذ يشعر بالضيق وهو يراها تتأمله بهذا الشكل واخذ ينقل وقفته من قدم إلى أخرى بينما الثواني تتوالى.
واخيراً تنحنح, ربما هي تنتظر منه ان يقول شيئاً آخر "هل انت صاحبة النزل يا سيدتي "
"كلا" وتراجعت خطوة لكي تتأمله وقد ضاقت عينيها, ثم سالته "كم عمرك ؟ خمس وثلاثون؟ ست وثلاثون, انك لم تذكر ذلك في الهاتف "
"حسناً, الرجال دوماً تحت الاربعين, انني لم اخبرك لأنك لم تسأليني "
"هانذا أسألك الآن"
فهز كتفيه "لا بأس, انا في الثلاثين "
"هم...م....م" وعادت تشمله بنظراتها ,ماجعله يتساءل ما إذا كان ثمة شيء فيه يحمل طابع الـ...
آه ,كلا... عليه ان لا يحصر تفكيره في ذاته فقد كان مايك الكبير قد حذره من ذلك. لقد لوحت الشمس بشرته وتأثرت ملابسه الجديدة بحالة الجو وذلك اثناء الشهر الذي امضاه في لودرديل وذلك قبل قدومه الى اوريغون, لم يكن يبدو مختلفاً عن اي شخص آخر , فلماذا لا تنفك هذه المرأة تنظر اليه وكأنها لا تعلم ما اذا كان عليها ان تسمح له بالدخول ام تقفل الباب في وجهه؟
واخيراً اخذ يفكر في ما اذا كان يريد حقاً النزول في هذا المكان مع امرأة غريبة الاطوار مثل هذه. فابتدأ بالقول " اسمعي ايتها السيدة ..." يبدو انها كانت صممت على رأي فقاطعته قائلة ببشاشة مفاجئة " لا بأس, ادخل, ان ابنة اخي روني ليست هنا حالياً, ولكن حيث انه يبدو ان لا ضرر من دخولك ..." واخذت تضحك وكأن ثمة شيئاً ادخل السرور إلى نفسها, ما جعل الحيرة تتملك جيرالد.
قال وهو يدخل " شكراً " كان المنزل في الداخل كما كان يتصور بالضبط, منظر منزل الجدة... بذلك المكتب ذي الادراج القديم الطراز والممتد على طول الجدار المغطى بورق مقلم, كما كان يملأ الجو رائحة قوية مزيجة من القهوة وشيء يخبز في الفرن.
اخذ ينظر حوله متشمماً تلك الرائحة الشهية فاصطدمت نظراته بالمرأة, منحها ابتسامة ملتوية ردتها إليه بابتسامة عذبة نوعاً ما ,ثم قالت " انا لويزا ابشوت"
"تشرفت بمعرفتك "
"ارجو ان لا تهتم بتلك الضجة" قالت ذلك مشيرة برأسها إلى باب مفتوح قليلاً يؤدي الى حيث كانت ضحكات عالية وثرثرة لا تنقطع تتسرب إلى الردهة ثم تقدمت المرأة تسير امامه الى الطابق العلوي وهي تلهث قليلاً لصعود السلم.
"ان السيدة هينكز وهي الساكنة الوحيدة قبالة الغرفة التي ستراها الآن قد بلغت الخامسة والسبعين هذا النهار ,هي معنا منذ افتتحنا هذا النزل منذ ثماني سنوات, هل تصدق ذلك؟ على كل حال, كانت هي راعية المكتبة العامة في المدينة, لم تنجب المسكينة اولاداً وهي الآن دون اسرة على الاطلاق, هل لديك اسرة ايها الشاب؟"

Rehana 24-08-20 12:59 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
اجاب وهو ينظر الى ورق الجدران على طول السلم والمطبوع عليه ورود وردية اللون"كلا"
"هل انت غير مرتبط؟ "
"نعم " اجاب بذلك وهو ينظر باعجاب الى الستائر البيضاء يحركها النسيم.
وصلا الى باب فتحته لويزا ثم وقفت جانباً مشيرة إليه بالدخول الى غرفة فسيحة مشرقة يحتلها سرير باربعة اعمدة, وهي تقول" كل من عندنا هم اناس شرفاء هادئون, بعضهم وعلى الاخص السيدة هينكز ,هو ضعفاء البنية ما يجعلنا غير قادرين على نقل اثاث ثقيلة إلى هنا "
فقال جيرالد " يمكننى تفهم ذلك " ثم جلس على حافة السرير بحذر ليختبر جودة الفراش, وكان هذا صلباً ثابتاً, ثم نظر الى السقف فلم ير أثراً لبيوت العنكبوت وإنما بياضاً يزيده تألقاً اضواء تتسرب من خلال لمبات ثابتة في السقف. شعر بالفراس صلباً بحيث لم تتدل قدماه من فوق حافته.
وكانت لويزا تتابع قائلة " لا نريد مظاهر غير مهذبة "مشيرة بذلك الى قوامه القوي العضلات ولحيته غير الحليقة وشعره الطويل قليلاً, وكان هو مسروراً لتمكنه من ترك شعره ينمو مرة اخرى, دون ان يهتم بالاناقة وطراز الشعر, وكانت المرأة تنهي حديثها قائلة " هذا اذا كنت تعلم ما اعني "
" نعم يا سيدتى " فقد كان يعلم ذلك جيداً, وكبح ابتسامة عابسة.
فتحت لويزا النافذة قائلة وهي تشير اليه ان يتقدم ليرى " انني اعرف نوع الموسيقى التي تعجبكم ,انتم الشبان, انظر جمال هذا المنظر من هنا " وصرخت في كلب هزيل كان ينبح من فناء البيت المجاور " اسكت يا روفوس " وعندما سكت الكلب ووقف جانباً وهو يهز ذيله تابعت تقول " انه لا يخرج إلا عندما تخرج مارغو لقضاء اعمالها "
اغلقت النافذة دون ان تتوقف عن الثرثرة مع نفسها, ثم ما لبثت ان عادت الى موضوعها الاساسي " منذ سنوات كانت روني لا تمل الاستماع الى موسيقى الروك تلك " عادت تتأمل شعره ووجهه مرة اخرى وكذلك قميصه وبنطلونه الجينز " واظنك كذلك انت ايضاً. هل لديك قيثارة؟ "
"كلا" قال ذلك وشبه ابتسامة تلوح على شفتيه لا شك ان المرأة العجوز هذه تظنه من اولئك المشاغبين "ليس لدي قيثارة حتى ولا ردايو في الواقع "
فبدت عليها المفأجاة "آه"
"ذلك لأنني لست من هنا ,كما ترين انني... حسناً ,انني في سبيل القيام ببداية جديدة في مدينة ساليم هذه "
فعاد إلى عينيها بعض الحذر وهي تسأله "من اين انت إذن؟ "
" من ماين في شرق البلاد "
واخذ جيرالد يفتح ويغلق الادراج متجنباً بذلك نظراتها .فقالت بشيء من عدم التأكد " من ماين؟ ذلك مكان بعيد عن هذه الولاية "
"هذا مؤكد"
" هل عشت هناك طوال حياتك؟"
" آه, كلا " لم يكن في الحقيقة يريد ان يدخل في كل هذه التفاصيل مستجيباً لفضول الآخرين, ومن ناحية اخرى الضرر من الاعتراف بأنه عاش... فى بوسطن؟

Rehana 24-08-20 01:00 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
حدثها بذلك حتى إنه زاد بقوله " من سن الرابعة عشر , وقبل ذلك عشت اغلب الوقت في سبرينغفيلد" ثم قال, متظاهراً بتأمل منظر بحري مرسوم فوق الرف, راغباً بذلك بتغيير مجرى الحديث " هل سبق ان ذهبت الى ولاية ماساشوست؟ "
" كلا, لم اسافر قط إلى أبعد من دنفر ,وهذا يكفي جداً بالنسبة اليّ " وسكتت فتوتر جسم جيرالد, ولكنه عاد فاسترخى عندما سمع سؤالها الثاني " هل لديك مهنة ؟"
وكان جواب هذا سهلاً " نعم " وبعد ان تفقد الحمام, عادت تسأله " انك إذن مصمم على الإقامة في هذه الانحاء؟ "
"لماذا لا ؟"
" هل لديك نقود ؟"
فأومأ يجيب " لدي بعض المال "
" الدفع هنا مقدماً كل شهر ثلاثمئة دولار سكن ومعيشة "
" هذا ما يقوله الاعلان "
" بدون استثناءات "
" اعلم ذلك "
فعادت تسير امامه خارجة الى الردهة , ثم التفتت اليه وقد زمت سفتيها بشدة ,ويبدو انها كانت تراود افكارها فيما لو تقبل بتأجيره غرفة ام لا.
بذل جيرالد جهده ليبدو عديم الاكتراث ,ولكن الحقيقة هي ان حصوله على موافقة هذه المرأة كان شيئاً بالغ الاهمية بالنسبة اليه, فقد اعجبه المنزل حقاً وكذلك الغرفة كما ان فكرة طوافه في المدينة بحثاً عن مسكن آخر, هذه الفكرة بدت له كريهة متعبة, وهذا ما جعله يشعر وكأن حملاً ثقيلاً قد انزاح عن عاتقه عندما رآها تنظر اليه فجأة بابتسامة عريضة " حسناً, يا بني... الغرفة لك, اذا اردتها "
" نعم اريدها فقد اعجبتني "
" هذا حسن " وشبكت يديها معاً ونظرت اليه باسمة وقد بدا عليها السرور " اي اسم يطلقون عليك, اذن جيري ؟"
"احياناً "
عندما بلغ سن النضج, كانوا يسمونه احياناً موس ولكنه لم يكن يريدها ان تعلم ذلك, فقد بدا له الأمر غباءً مطلقاً في حياته الجديدة هذه.
"حسناً, اظن اسم جيرالد يناسبك اكثر " وربتت على ذراعه "اظنك تريد ان تأكل شيئاً, اليس كذلك ؟"
" نعم يا سيدتي "
" حسناً, يا جيرالد, فقد جئت الى المكان المناسب فنحن نقدم في هذا المنزل طعاماً جيداً "
" هذا جميل " لكن الأمر بدا له رائعاً في الحقيقة, فمجرد التفكير في ذلك أسال لعابه, فهو لم يأكل شيئاً منذ تناول طعام الإفطار قبل ثماني ساعات.
وقالت له " هذا حسن " واخذت تنظر إليه بعطف أمومي, ما سبب له حرجاً وغصة في حلقه, وسر عندما استعادت حيويتها قائلة " لا بأس إذن, إنما انتبه, فالمرحاض الى يسارك, اما الحمام فبعده مباشرة إنما لا يوجد دوش بل حوض ومعه رشاش يمسك باليد "
" هذا يكفي "
" سيشاركك به القاضى كانينغهام, انه شخص حبيب "

Rehana 24-08-20 01:01 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
القاضي ؟ وتوتر جسم جيرالد, لقد قابل ما يكفي من القضاة خلال سنوات ولم يجد أياً منهم حبيباً إلى القلب .
وكانت المرأة تتابع قائلة "قد تقاعد منذ إحدى ... كلا بل اثنتي عشرة سنة, انه قاض متجول, لم يتزوج قط, ولكنه الطف شخص يمكن ان يتعرف إليه المرء " واغلقت باب الحمام وهي تتابع قائلة " عليك ان تضع معه برنامجاً لاستعمال الحمام "
" ليس ثمة مشكلة "
ولماذا لا يكون هناك قاض لطيف, كذلك ؟ واخرس جيرالد ذاكرته بشيء من فروغ الصبر لقد انتهى الماضي وهي الآن في الحاضر.
عادت لويزا تقول وهي تعود فتهبط السلم لاحقاً بها جيرالد " هناك حمام آخر تشترك فيه السيدة هنكز مع ليو كومينسكي, كان ليو بائعاً مجوالا ًمسافراً على الدوام "
" هكذا إذن " وبدا لجيرالد وان ليس هناك من يمتلك اسراراً في هذا المكان ما عداه.
" لقد طلقته زوجته لأنها لا تريده ان يسافر طوال الوقت, وقد كبر اولاده الآن, طبعا واحد منهم في مكان ما في ولاية اوهايو ... وهو طبيب اما الآخرون فهم خارج البلاد يعملون في مشاريع هندسية, ماذا قلت عن نوع عملك يا عزيزي ؟"
"البناء "
"احقاً؟ " ووقفت ثم التفتت إليه " كان جورج معلماً في بناء الاسمنت وقد بنى هذا البيت وحده تقريباً وذلك منذ خمسين عاماً, هل انت بناء اسمنت ؟"
" كلا يا سيدتي "
كان جيرالد قد ابتدأ يشعر بالتوتر إزاء كل هذه الاسئلة, ولكنه عاد ففكر في ان السيدة العجوز لم تكن تقصد اي ضرر. فقال " يمكنك القول ان بإمكاني العمل في اية مهنة بشكل كاف"
" آه, هذا إذن ما جعل في ذراعيك كل هذا العضل الشديد "
فأجاب " اظن ذلك " ولم ير سبباً يجعله يذكر لها ان ذلك لم يحدث لمجرد العمل, ولكنه التدريب المتواصل اثناء سنوات من رفع الاثقال والركض المتواصل وتحطيم الصخور ... كل ذلك بنى لديه هذه العضلات, وهو السبب في تمكنه اخيراً من توجيه دفة حياة تراكم فيها الغضب والرغبات الجامحة, وذلك التدريب البدني قد حل مكان تلك الثورة البدنية, ما اصبح متنفساً عندما ابتدأ يفهم الامور.
واذ اصبحا الآن في الطابق الأسفل, إجتازا مكان الاحتفال مرة اخرى, وكان الهدوء يبدو عليهم الآن ,فأسرت اليه لويزا وهي تغمز بعينها " انهم يسترقون السمع الآن, هيا بنا " وفتحت احد مصراعي الباب, ثم اشارت الى جيرالد ليقف بجانبها وهي تقول " ادخل الرسرور إلى انفسهم, ادخل رأسك من الباب وقل لهم مرحباً "
وبشيء من الخجل اطاعها, وإذا به يرى خمسة وجوه مسنة تنظر إليه بفضول من تحت قبعات ملونة من الورق.
" ايها القاضي " القت لويزا بهذا النداء الى اثقل الجالسين وزناً, ذي وجه بريء ضمن هالة من شعر وخطه الشيب " السيدة هينكز , ليو ...وكل شخص, اقدم اليكم جيرالد مارسدن, انني سأمنحه غرفة هنا "

Rehana 24-08-20 01:01 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
تصاعدت الاصوات الرجالية " مرحباً يا بنيّ " وصوت امرأتين " آه " اما القاضي فقد اخذ يحدق في جيرالد رافعاً حاجبه الهائش وقد ضاقت عيناه اللتان بان فيهما الدهاء وبدا عليه التفكير لحظة, ولكن عندما لم يطرف جيرالد بجفنيه ولم يحول نظراته جانباً, ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة, ثم أومأ برأسه وهو يغمز لويزا بعينيه مشيراً إلى موافقته ما جعلها تؤمى مسرورة.
تنفس جيرالد بارتياح, مومئاً هو ايضاً وقد عادت نظراته إلى الاشتباك مع نظرات الرجل العجوز والتي كانت تتضمن وعداً صامتاً لم يستطع ان يدرك كنهه, ولكنه مع ذلك ادرك بشكل ما, ان الرجل الآخر قد تفهم الأمر ,وصحب إدراكه هذا دفئاً غير متوقع.
وإذ تملكه الارتباك لهذا الشعور ,ترك الباب متقدماً إلى الامام وهو يتمتم " إذن فهؤلاء هم المقيمون هنا ,اليس كذلك ؟يا لهم من اناس لطفاء "
فقالت لويزا بزهو " انهم ملح الأرض ,إنما ثلاثة منهم فقط يقيمون هنا, اما الاثنتان الباقيتان فهما صديقتان"
واشارت إلى جيرالد بالخروج من باب آخر والذي وجده يؤدي الى المطبخ, كان ثمة رائحة طيبة تثير الشهية, سرعان ما رأى جيرالد انها متصاعدة من قالب حلوى موضوع على مائدة خشبية قائمة في وسط المطبخ, ومن الأواني التي صنع بها قالب الحلوى التي لم تغسل بعد, عرف انه حديث الصنع.
جذبت لويزا كرسياً قدمتها له وهي تفرك يديها بسرور " تضل بالجلوس, اننا سنبرم عقد الإيجار ونسلمك الغرفة قبل ان تحضر روني "
جلس جيرالد وهو يتساءل عن الداعي إلى كل هذا الاهتمام, بينما هرعت لويزا إلى درج اخرجت منه اوراقاً اسرعت بها الى المائدة فجلست على كرسي قبالته ثم وضعت نظارات على عينيها.
" عليك إذن ان تدفع ثلاثمئة دولار "
"بكل تأكيد " ومد جيرالد يده إلى جيب بنطلونه الخلفي وهو يسأل " هل تقبلين نقوداً ؟ ليس لي حساب في البنك بعد "
" طبعاً يا عزيزى, متى ستنتقل الى هنا ؟" وكانت تقول هذا وهي تكتب, فأجاب " اليوم اذا أمكن "
فهزت كتفيها " الغرفة خالية ويمكنك ان توقف سيارتك في الزقاق الخلفي المسدود "
فقال وهو يخرج النقود من المحفظة ثم يعيدها إلى جيبه الخلفي " شكراً, ولكن ليس لدي سيارة "
نظرت إليه بدهشة " آه, وكيف أتيت إلى هنا إذن؟"
" جئت ماشياً من مستودع محطة الباص وامتعتي هناك في خزينة الأمانات "
"آه"
" ان كل ما أملكه هو ثيابي "
فنظرت إليه مقطبة حاجبيها " اوه, هل كنت في الجيش يا بنيّ؟ "
"كلا "
" في الجامعة؟ "
"كلا " وابتدأ التوتر والخوف يتملكان جيرالد.
" اين كنت إذن؟"

Rehana 24-08-20 01:03 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" أنا ... "وتقبضت يداه حول الأوراق النقدية يكرشها ,كان يرجو ان لا تلقي عليه مثل هذه الأسئلة, فقد كان عاهد نفسه على أنه منذ الآن فصاعداً سيستقيم في حياته, خصوصاً مع اولئك الذين يهمونه.
تباً لذلك ,واغمض عينيه شاعراً بوهن في عزيمته وهو يفكر في انه لن يحصل على غرفة, ما الذي جعله يرفض غرفة يستأجرها له فرانك تيلمان في المدينة ,وينسى كل شيء عن محاولة دفن الماضي؟
جذب نفساً عميقاً, ثم ارغم نفسه على النظر مباشرة في عينى لويزا الزرقاوين, واللتين تبدوان اكثر اتساعاً خلف نظارتيها, وكذلك اكثر رقة ولطفاً, ولكن هذا ما كان جيرالد واثقاً من انه لن يدوم طويلاً.
" أنا ..."
فقالت لويزا وهي تمد يديها نحو يده المتقبضة "جيرالد" اول ما خطر لجيرالد هو ان ينتفض مبعداً يده, ولكنه ارغم نفسه على الهدوء.
" هل انت واقع في مشكلة يا بني ؟"
فجذب نفساً عميقاً آخر " كلا يا سيدتي " هل يترك الأمر عند هذا الحد؟ كان الأمر صحيحاً, ولكن هيا يا رجل, كن مستقيماً وافعلها, وتابع قائلاً " ولكن المسألة هي أنني منذ خمسة اسابيع ..."
آه, ما اصعب قول الحقيقة, وقاطعته المرأة بقولها " لا اظنك هجرت زوجة واطفالاً دون عائل, اليس كذلك ؟"
يا له من أمر سخيف ان يكون هو , العازب ذا زوجة واطفال, وكاد يضحك ولكنه بدلاً من ذلك, اغمض عينيه وهز رأسه ببطء " كلا يا سيدتي, ليس ثمة شيء من هذا القبيل... الحقيقة هي..."
فعادت المرأة تقاطعه بحزم " كلا يا عزيزى لا تقل اكثر من ذلك الآن, هل سمعت ؟ فأنا أرى الحديث عن حياتك يكلفك جهداً, وإذا كنت قد تعلمت شيئاً في حياتي, فهو ان على الانسان ان يحتفظ بأسرار حياته الخاصة, اخبرنى فقط بأنك مستقيم "
فأومأ جيرالد برأسه وهو ينظر في عينيها.
" وأنك غير مرتبط"
فأومأ مرة اخرى.
" وهذا يكفيني, انك فتى ممتاز يا بنى, ممتاز "
وبعد ان ربتت على يده بعطف أمومي, عادت تنهي كتابة وصل الاستلام, وهي تقول " فلننه هذا اولاً, ثم نأكل بعد ذلك شيئاً من قالب حلوى عيد الميلاد "
وفي هذه اللحظة بالذات, تمنى جيرالد لو أن بإمكانه, مهما كان الثمن, ان يخبر هذه السيدة العجوز بمبلغ تأثره بكرم اخلاقها هذه, ولكنه لم يتعلم قط كيف يعبر عن مشاعره باستثناء الغضب, وعندما تعلم اخيراً التعبير عن الغضب ذاك... الغضب على نفسه... على أمه التي لم يعرفها قط, على المجتمع ككل... وذلك بطرق لم تكن مؤذية لنفسه وللآخرين, مازال لديه طريق طويل عليه ان يسلكه, حيث يعبر عن مشاعر مثل الصداقة والمحبة والشهامة واللطف.
وهكذا شاعراً بالتقصير في ايفاء هذه المرأة حقها من الشكر ,قدم إليها النقود وهو يتنحنح " حسناً, اليك بالنقود و...وشكرا"

Rehana 24-08-20 01:04 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فقالت وهي تقدم إليه وصل الاستلام " آه , لا داعي للشكر ,كل ما اريده هو أن لا تجعلني أسف على تأجيرك الغرفة, وهذا كل شيء, هاك الوصل ويمكنك ان تناديني الآن باسمي لويزا "
لويزا... ويالها من سيدة محترمة.
تبادلا ابتسامة تودد, وما أن وضعت النقود دون ان تعدها, في اناء زجاجي مصنوع بشكل هرة جالسة وردية اللون, حتى انفتح الباب الخلفي ودخلت امرأة طويلة القامة قاتمة الشعر, وعندما التفتت بوجهها بدت عيناها الخضروان باهدابهما القاتمة وحاجبيهما المستقيمين, وكانت تحمل بين ذراعيها أكياساً مليئة بمواد البقالة.
بقيت واقفة عند العتبة لحظة, وقد تعلقت نظراتها لحظة قصيرة بنظرات جيرالد عند المائدة.
قالت فيرونيكا مجفلة " آه, مرحباً "
لم تكن معتادة على رؤية رجال مشعثي الملابس غير حليقي الذقن يزينون مائدة مطبخها كل يوم.
كانت طويلة القامة بالنسبة إلى النساء ,كما رأى جيرالد, وذات صوت أح, وبدت له متزمتة محافظة بثوبها المحتشم وشعرها القاتم اللون المربوط إلى الخلف بإحكام.
جعله اتصال نظراتهما الجاف, وشعوره بعدم ترحيبها به, جعله يرد عليها بكلمة مرحباً, ناظراً إلى الجدار بدلاً من رأسها.
وإذ فؤجئت بهذا العبوس والإختصار في الرد عليها, والمتعذر تفسيره, تحولت نظراتها إلى لويزا التي كانت تمد ذراعيها نحوها تتلقى منها حملها, وهي تقول " اهلاً بكِ يا عزيزتي روني " ثم عانقت ابنة اخيها وهي تقدم لها وجنتها تتلقى منها قبلة ترحيب.
" مرحباً يا عمتي لويزا "
وانحنت تقبل عمتها, بينما خففت لويزا عنها بعض حملها وهي تسألها " كيف حال المدرسة اليوم ؟"
" إجرام كالعادة, شكراً " ووضعت بقية الأكياس على منضدة جانبية ثم عادت بنظراتها إلى الغريب الجالس إلى مائدتها, ينظر إليها... وإذ تملكها الارتباك عندما رأته ينظر اليها بنوع من التسلية بدلاً من ذلك الجفاء, إحمر وجهها واستمرت تقول " من حسن الحظ أنني لست مضطرة للتعليم يومياً "
كان الإضطراب يبدو عليها لوجوده, كما رأى جيرالد, تماماً كما تملكه هو الإضطراب لمرآها قبل ان تضع من يدها الأكياس ويرى بقية وجهها. ولم يكن هذا يعني ان وجهها ذاك كان دميماً... كلا أبداً, وإنما كان عادياً تماماً فالأنف عادي, وكذلك الوجنتان والفم, حسب رأي جيرالد.
ومع بساطة تلك التقاطيع, لم تعد عيناها اللتان اثارتا اضطرابه في البداية, لم تعودا تبدوان مشرقتين بالحيوية, كما فقد صوتها الأبح ذاك إثارته واصبح مجرد صوت يبعث الرضا والاستحسان في النفس, وإذ اعجبه تبدل صفاتها هذا, شعر بالإرتياح واستعد للاستمتاع بمظاهر المحبة المتبادلة بين العمة وابنة اخيها.
" ما الذي تقومين به يا عمتي ؟"

Rehana 24-08-20 01:06 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فأجابت لويزا متشاغلة بإفراغ محتويات أكياس البقالة, اجابت باسمة " ماذا اقوم به ؟ لا شيء يا عزيزتي, ما عدا الاحتفال بعيد ميلاد السيدة هينكز ,ثم مجيء جيرالد طبعاً "
" جيرالد؟ " وعادت بنظراتها تتأمل الرجل بنفور واضح, رغم انه لم يكن وسيماً بالمعنى المتعارف عليه, إلا ان رجولة واضحة كانت تنضح منه, ما جذبها وبعث النفور في نفسها في نفس الوقت.
كان في امتزاج براءة لويزا وصراحتها, مع وجود هذا الرجل المقلق, ما جعل الذعر يتملكها, كان هناك شيء ما ... شيء جعلها تحس بأنه لن يعجبها, وبدا لها ان آخر مرة تصرفت فيها عمتها بمثل هذا الشكل المشبوه هو عندما دعت لويزا وبقية النزلاء السيد بيترسن إلى تناول الشاي, وما ان حضر حتى استسلم الجميع إلى غفوة قصيرة تاركين فيرونيكا لتقدم الشاي بالنعناع مع الكعك إلى أثقل الناس دماً على وجه الارض.
وساطة لتزويجها ... لشد ما يرغب نزلاؤها بذلك, فقط لأنها كانت اعلنت ذات يوم ان الزواج لا يناسبها, فهى حقاً تحب الاستقرار في حياتها كما هي الآن, ولكن لأنهم لا يوافقونها على ذلك...
آه, كلا من المؤكد انهم لا يقصدون ذلك ... وكانت عيناها ما زالتا مسمرتين على الرجل الغريب بنفور واضح. بل يقصدون ذلك, بالطبع وازداد الصداع الذي تملكها طوال النهار " عمتي لويزا "
" آسفة يا حبيبتى, كان عليّ ان اعرفكما إلى بعضكما البعض قبل الآن " وتقدمت لويزا نحو جيرالد تقف بجانبه ,فأخذت روني تنقل نظراتها بين الاثنين وقد تملكها الارتباك ,من وجه عمتها الباسم إلى وجه الغريب الذي تسوده إمارات الاعتذار.
"اقدم اليك السيد جيرالد مارسدن يا حبيبتي, اقدم اليك ابنة اخي فيرونيكا سايكس يا جيرالد, وندعوها روني, روني العزيزة " ونظرت إلى روني ضاحكة " انها ابنة اخي الوحيدة, ولكننا انا وجورج ربيناها كأبنة لنا منذ كانت طفلة صغيرة, لم يكن هذا سهلاً على الدوام, ولكن... "
"عمتي لويزا " هتفت روني بذلك وقد داخلها الاقتناع, ليس فقط بسبب لمعان عيني عمتها والمحبة الظاهرة على ملامحها, بل ايضاً لطريقتها المتباطئة في الكلام.
وعندما مدت يدها لتصافح الرجل, بذلت جهداً في رسم ابتسامة مؤدبة على شفتيها وهي تجيبه بقولها " اهلاً وسهلاً يا... " وأنساها التوتر اسمه.
فأجاب الاثنان بصوت واحد " مارسدن" فازداد اضطراب روني إزاء لهفة عمتها.
نهض جيرالد ليصافح صاحبة النزل وهو يقول بهدوء " مسرور بمعرفتك " وضايقه ان يرى روني تجذب يدها من يده بسرعة وكأنها مست سلكاً كهربائياً, ثم اخذت تمسحها بجانب تنورتها.
سألته بكل ما امكنها من البرودة " هل يمكنني تقديم خدمة إليك؟ "
اجابت لويزا عنه " نعم بعد الآن بقليل يمكنك ان توصلي جيرالد بسيارتك إلى محطة الباص "
"آه " إذن فهو راحل, وشعرت روني فجأة بحماقة شكوكها وهي التي لم تكن عادة تفقد اتزانها بسرعة.

Rehana 24-08-20 01:07 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
احمر وجهها وهي تقول " بكل تأكيد " وارتسمت على شفتيها ابتسامة صادقة وهي تضيف " سيسرني ان أوصلك بسيارتي "
اخذ جيرالد يحدق مبهوتاً في التغيير الذي احدثته ابتسامتها في ملامح وجهها, ما أنساه ان يبادلها ابتسامتها هذه, وبقي يحدق إليها بصمت.
حاولت روني تحويل نظراتها جانباً, فلم تستطع وسألته " إلى اين أنت ذاهب؟ "
فعادت العمة لويزا تقول " ان جيرالد ليس ذاهباً إلى اي مكان, فهو قد وصل لتوه قادماً من ماين "
"آه " لم يحدث قط ان نظر احد إلى روني بمثل هذه الحدة والرغبة وكأنها لقمة امام رجل جائع, وكان أحرى بهذا ان يشعرها بالضيق البالغ ولكن هذا لم يحدث.
وكانت لويزا تقول " ان أمتعته ما تزال في مستودع امانات الباص, ذلك ان جيرالد سيسكن معنا فترة "
"آه! "
كانت نظرات روني ما تزال مشتبكة بنظرات جيرالد التي عاد الهزل اليها بشكل لا يصدق عندما قالت لويزا اخيراً " انه المستأجر الجديد ألا تعلمين هذا ؟"
"ماذا؟ "
لم يستطع جيرالد منع نفسه من الضحك وهو يرى الذهول البالغ الذي تملك روني, ما اثبت شكوكه بأن المرأة الطيبة لويزا قد تجاوزت حدودها مع ابنة اخيها بتأجيره الغرفة.
لم يستطع ان يفهم السبب ولكن لشد ما بدا الكدر في وجه هذه السيدة الخضراء العينين.
وكانت فيرونيكا تقول بصوت أبح وهي تشعر ان عمتها هذه المرة قد تجاوزت الحد حقاً " عمتي لويزا, هل تريدين ان تقولي انك ... ان هذا الرجل ..."
فقالت لويزا وهي تحملق فيها ببراءة بالغة " لقد جاء مستجيباً للاعلان يا حبيبتي "
" الاعلان؟ أي اعلان ؟ ولكنني لم أنشر أي اعلان "
وعلى الفور نظرت لويزا الى ابنة اخيها بعينين ملتهبتين, لكنها ما لبثت أن قالت بحزم وهي ترفع رأسها " حسناً, لقد تابعنا العمل ونشرنا الاعلان لأجلك "
" نشرتم؟ "
" أعنى أنا والنزلاء "
اغمضت روني عينيها تحاول تمالك قواها, ( هي والنزلاء...) انها على صواب إذن في شكوكها... وهي ستقتلهم, إنما عليها اولاً...
واخيراً قالت بكل ما استطاعت من شعور بالكرامة, في ظروف كهذه ,وقد رفعت رأسها متجنبة النظر في عينيه, قالت وهي تتجه الى الباب " عمتي لويزا ,هل لك ان تأتي معي الى الردهة دقيقة واحدة من فضلك ؟"
لم يعلم جيرالد ما جرى بين المرأتين من حديث في الردهة تلك, ولكن مهما كان الأمر , فقد عادت لويزا الى المطبخ غامزة بعينها وهي ترفع ابهامها تدعوه إلى غرفة الجلوس لتناول القهوة والحلوى.
كانت تصرفات روني نحوه باردة, وكذلك كانت نحو الآخرين, وفكر جيرالد في انه ربما لديها سبب جيد لذلك حيث ان اعين الحاضرين جميعاً كانت تتفادى مواجهة عينيها, كما كان يبدو عليهم الشعور بالذنب من شيء ما, عدا عن نشرهم اعلاناً في الصحف دون علمها, ولم يستطع ان يعرف الحقيقة إلا وهما في طريقهما عائدين من المستودع إلى النزل عندما سألها.
فأجابت " انهم يقومون بواسطة لتزويجنا "
فنظر إليها ذاهلاً, ثم قال " أتعنين... ؟"
" نعم, أعني تزويجنا من بعضنا البعض "
فشهق قائلاً " الزواج ؟ أنتِ وأنا ؟"
"نعم "
جعله هذا ينفجر مقهقهاً وهو يفكر في وضعه وشخصه " هذا أسخف شيء سمعته في حياتي "
فألقت برأسها إلى الخلف وهي تلقي عليه نظرة هي مزيج من الازدراء وجرح الكرامة, وهي تقول " وهذا هو رأيي أنا ايضاً "

نهاية الفصل

Rehana 25-08-20 04:45 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل الثانى

اخذ جيرالد يفكر وهو ينتظر بصمت ان تناوله فيرونيكا غداءه, فى ان الامور بينه وبين صاحبة النزل لم تتحسن منذ اليوم الأول غير السعيد الذي جاء فيه منذ اسبوع.
طبعاً ما كان له ان يضحك بذلك الشكل عندما كان معها في السيارة, لقد جرح بذلك شعورها ,فقد ظنت انه يرى الزواج منها هذا شيئاً منافياً للعقل, بينما العكس هو الصحيح.
لم يكن هذا يعني انه اخبرها بذلك, او انه اصبح يرى التوسط بالزواج هذا شيئاً معقولاً, كلا ,فهذا لم يحدث. انه في الواقع لم يلمها لنبذه مع اولئك المتطفلين ولكن الذي كان يريد ان يعرفه هو , هل هناك من سبب يجعلها تستمر في معاملته وكأنه مصاب بالبرص؟
لم تحب روني جيرالد مارسدن, ولكنها لم تكن تعرف سبب ذلك بالضبط. كل ما كانت تعرفه هو انها منذ مجيئه ليعيش في النزل, اخذت تشعر بالتوتر وكأنها في دوامة.
كان الرجل يزعجها, ويضايقها لمجرد وجوده وليس لقول او فعل.
كان بالغ الضخامة, متين البنية للغاية وكلما دخل الغرفة يبدو وكأنه يملأها بوجوده وهو يستحوذ على انتباهها حتى ولو لم يقل شيئاً. وكان ما يؤرقها ويجرحها هو شعورها المذل بانه يراها امراة مضحكة بالنسبة الى الزواج منها.
كانت تتمنى لو يرحل.

Rehana 25-08-20 04:46 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
القى جيرالد حمله من الاخشاب على الارض وهو يتأوه, ثم اخذ يمسح العرق عن وجهه بعصابة كان يلفها حول جبينه وعندما عاد فربطها في مكانها, وقف لحظة يستعيد فيها انفاسه. كانت رائحة الاخشاب الحديثة القطع تغطي على شذا ازهار الصيف, ولكن رغم هذا, فقد كان في استنشاق الهواء بعمق متعة بالغة. ومن خلفه كان عويل المناشير تقطعها الشتائم المتصاعدة, ما يشكل شبه جوقة تملأ اذنيه بالطنين, ورأسه يدق كالمطارق.
البناء ... اخذ جيرالد يفكر فى ذلك عابساً... عندما كان لا شيء سوى مجرد عامل بسيط, لم تكن مهنة الجبناء والضعفاء ذلك انه لم يكن جباناً ولا ضعيفاً... وعاد ليحضر حملاً آخر من الاخشاب والعرق ينضح منه في حرارة الشمس, وهو يهز رأسه مشمئزاً من نفسه. كانت كلمات مايك الكبير ما تزال تجاوب في اذنيه " ماذا تفعل هناك ايها الغبي ؟ أهذا ما جعلتك تتعلمه كل تلك السنوات ؟ ان تكسر ظهرك بمهنة كريهة كهذه؟ "
وضم جيرالد شفتيه عابساً. إن كلام مايك الكبير لا يختلف عما يقوله هو لنفسه خمس عشرة مرة يومياً طوال الاسبوعين الماضيين. فهذه المهنة ليست كما لو انه يجلس في مكتب مكيف الهواء, وهو يضع تصاميم فيلات فخمة كهذه بدلاً من ان يقرح يديه في البناء بهما.
ما زال الوقت مبكراً, وهذا كل شيء. فما زال الماضي حزءاً من الحاضر . وما زالت ثقته بمهنته واعتباره لنفسه من الضعف بحيث لا تحتمل اي رفض او نبذ. ولكن لماذا لا يكون صادقاً مع نفسه؟ فقد كان خائفاً.. من ان يواجه يوماً النبذ والتحيز , فيلقى بكل انجازاته من النافذة ويعاود حالته الاولى.
ولكنه هذه المرة لن ينهي عشرة اعوام اخرى في السجن فهذه المرة ستكون حياته كلها.
انقبض قلبه لمجرد التفكير في ذلك, وهكذا حمل نفسه على الاقلاع عن التفكير وكانت هذه عادة نفعته جداً وذلك منذ زمن طويل وهي ان يمنع ذهنه من التفكير وهذا كل شيء.
نظر الى ساعته فشعر بالانتعاش. إن العمل سينتهي بعد ربع ساعة, فهذا هو يوم دفع الأجر ... اول أجر له. وكان قد استمر اسبوعين في نفس العمل. ولو علم مايك الكبير بذلك وهو السجين في ذلك المكان إلى نهاية حياته والبالغ الإصرار على جعل جيرالد يتوجه إلى شيء افضل, لو انه علم بذلك لتملكه الزهو على الأقل.
اقتربت العطلة الاسبوعية, ربما حان الوقت لكي يشتري سيارة لنفسه, فيتوقف بذلك بالاعتماد على مساعدة صاحبة النزل ذات اللسان اللاذع, والتى بإمكانها باعتقاده تجميد اي رجل على بعد خمسين خطوة.
ولشد ما كان يزعجه منها ابتسامتها التي كانت تتلاشى ويستحيل دفئها إلى ثلج كلما اقترب منها او تكلم إليها ولأمر ما ,كان يتمنى لو يراها تخصه بابتسامة ولو مرة.

Rehana 25-08-20 04:47 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
"مرحبا "
فأجفل لصوت مراقب العمال الأجش.
" هل لك ان تنام في وقت الفراغ لا العمل ؟ والآن, إسحب كومة الاخشاب تلك إلى هنا "

*****
هذا رائع! عظيم! إنه سبب يجعل جيرالد مارسدن أخيراً يرى طريق الخروج.
شعرت روني بتوتر في اعصابها إلى حد خافت معه ان تنفجر في اية لحظة كأوتار قيثارة بالغة الشد. وأخذت تروح وتجئ بين باب الشرفة والبيانو القديم الذي طالما عزفت عليه اثناء طفولتها.
ما الذى جرى لتلك الخطوات الكريهة ؟ الساعة السادسة إلا ثلثاً الآن . فلماذا لم يعد بعد ؟
عادت إلى البيانو ملقية ابتسامة مطمئنة إلى الزائر الصامت الجالس على الاريكة, بينما في اعماقها كانت تتمنى لو تمسك بخناق جيرالد وتقذف به الى الخارج.
من حسن الحظ ان العمة لويزا والآخرين كانوا جميعاً في الخارج, ولن يلحظوا مبلغ تكدرها لتأخر ذلك النزيل الذى لا يصلح لشيء. إن اكتشاف العمة لويزا ان ذلك الشاب الظريف والذي تأخذ عنه فكرة سامية وتضع فيه آمالاً كبرى, ذلك الشاب قد ظهر أخيراً انه لا يعدو ان يكون جباناً كذاباً.
أهو صوت وقع خطوات ما تسمع ؟ وهرعت روني الى النافذة نعم ... إنه هو ووقفت نصف ثانية تلتهمه بنظراتها وقد زاد توترها لقوة مشاعرها المتضاربة التي احدثها في نفسها وما لبثت ان تمالكت نفسها.
وقالت بسرعة " عفواً, ها قد حضر الآن " ثم اندفعت خارجة من الغرفة.

****
كان جيرالد قد قطع نصف الطريق الصاعد إلى النزل, عندما انفتح الباب وخرجت منه صاحبة المنزل المزعجة . عندئذ فقط ادرك ان صفة مزعجة هي ما يناسبها بالضبط.
كانت ترتدى شورت قصيراً وقميصاً قطنياً, كانت تندفع نحوه وهي تنفث انفاساً ملتهبة, ما الذي حدث لها الآن ؟
وقفت امامه تعترض طريقه, وقد وضعت قبضتيها على خاصرتيها " اين كنت ؟ هل تعلم انني انتظر عودتك ؟"
" حسناً, ماذا ..."
" انك تترك عملك في الخامسة, ثم تمضي خمس دقائق في جمع حاجياتك, ثم عشر دقائق اخرى لتصل الى البيت"
اثار جيرالد استقبال صاحبة النزل له بهذا الشكل العنيف لتأخره وكأنها زوجته.
" كفى, ما هذا ؟ منذ متى عليّ ان اقدم اليك حساباً عن وقتي ؟ انني أنام وأكل عندك, ايتها السيدة ,ولكنني اذهب و اجئ كما اريد, والآن ارجو المعذرة! "
وإذ أدار لها ظهره غاضباً, ليتوجه إلى الباب, رأت روني باقتي زهور كان يحملهما بيده يخفيهما وراء ظهره.

Rehana 25-08-20 04:48 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
نسيت للحظة غضبها وهي تفكر في مقدار السرور الذي ستعشر به لويزا والسيدة هينكز.
ولكنها ما لبثت ان تذكرت الزائر في غرفة الجلوس, فعادت عيناها تلتهبان مرة اخرى وهي تندفع نحوه تمسك بذراعه بشدة " إياك ان تجرؤ على وضع قدمك داخل المنزل قبل ان اتحدث إليك "
فنفض يدها عنه بسهولة وهو يقول " آه ,نعم, فيما بعد ايتها السيدة "
" بل الآن ايها السيد " وعادت تمسك به مرة ثانية.
إستدار نحوها محملقاً بها " اسمعي, انني في غاية التعب والارهاق من حرارة الجو ,كما انني في غاية من السأم"
" حسناً, وأنا كذلك هل تريد ان تعلم السبب ؟ ساخبرك إذن انت رجل كذاب قذر يا سيد جيرالد مارسدن وإذا كان هناك شيء لا اطيقه ..."
وإزاء اتهامات روني هذه له, اشتد الإضطراب الذي يشعر به ,واخذ يفكر ,شاعراً بالحذر في انها عرفت دون شك... لقد ادركت, بل ادركوا جميعاً وبطريقة ما, كل شيء هذا بينما عادت هي تقول بحرارة " إنك متسلل كاذب, فقد اخبرت العمة لويزا أنك عازب غير مرتبط, بينما انت غير ذلك, ان لديك أسرة, اليس كذلك ؟ ايها القذر كما أنك هجرت أسرتك انت ... انت ..."
وجعلها ازدياد الغضب لا تعرف ماذا تقول فسكتت تنتظر منه إنكاراً لكي تعود فتنهال عليه بالمزيد من الشتائم.
ولكن شتائمها لم تفعل فيه سوى أنها اخرسته عن قول أي شيء ومضى ينظر إليها ذاهلاً وهو يفكر ... ما هذا ؟ ما الذي جعل هذه المرأة تتحدث عن أسرته بهذا العنف؟
وعندما رأته روني يقف محدقاً بها, دون ان يتفوه بكلمة, صرخت فيه تقول " انت رجل حقير يا سيد مارسدن, ويا ليت بإمكاني ان ابعدك عن ذلك الطفل المسكين الذي اهملته "
" طفل؟ أي طفل ؟"
لقد استطاع جيرالد ان يتكلم أخيراً وقد اختلط عليه الأمر كلياً إزاء ذلك الوابل من الكلمات والتصرفات غير المعقولة, ولم يستطع ان يفهم شيئاً بعد ان ادرك ان سره بقي مصوناً, اما بالنسبة لكل هذه الامور الاخرى...
اهتزت ركبتاه, فتهالك جالساً على الدرجات وهو يقول " يا ليتك فقط تخبرينني بوضوح عما تتحدثين عنه"
" إننى اتحدث عن بيتر مارسدن, اتحدث عن ابنك!" وكان صوت روني ينضح بالإزدراء وهي تتلفظ بهذه الكلمات.
وإذ تذكرت ذلك البرهان الدافع على ما تقوله, والجالس داخل بيتها, رأت في هذا الرجل منتهى النذالة وهو يجلس على درجات بيتها, ناظراً في عينيها و...
ومنحها انجار غضبها مجدداً القوة على جذب جيرالد وايقافه على قدميه " ادخل الى المنزل يا حقير ,ادخل وانظر الى ذلك الصبي الصغير واخبره انك لا تعرفه اذا كنت تجرؤ وبعد ذلك يا سيد مارسدن اريدك ان تحزم امتعتك وترحل من هنا "
دار رأسه ولم يقاوم دفعها له نحو الباب, إبنه ؟ هل هذه المرأة مجنونة ؟ إن ليس له زوجة ولا اولاد.

Rehana 25-08-20 04:49 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فمن هو إذن بيتر مارسدن هذا ؟ إن ليس لديه اقرباء, وهو متأكد من ذلك, حتى إنه لا ينتسب الى أسرة تسمى مارسدن وإنما اطلق عليه ملجاً الايتام هذا الإسم.
دخل إلى المنزل وروني في أثره, ملقياً بالأزهار التي احضرها للويزا والسيدة هنكز على منضدة في الردهة, ثم وقف بباب غرفة الجلوس.
نظر إلى إبنه المزعوم بعينين ضيقتين وقد خطر له على الفور ,وبشيء من الأسى, ان وجهه هو لو كان مرتسماً عليه نصف ما يعتمل في نفسه من افكار سوداء , لما كان مستغرباً ان ينكمش هذا الصغير ذو الراس الأشعث بين الوسائد لمجرد رؤيته.
أسرع يمرّ بيده على وجهه وهو يجاهد لاستعادة هدوئه والتخفيف من مظهر التهديد على ملامحه, لم يكن من الغضب بحيث يستمتع بإخافة الأطفال.
قال يخاطب الصبي, رافعاً إصبعيه بالتحية " مرحباً "
ولكن لا جواب, فقد كان كل ما بدا على الصبي على استجابة هو نظرة خوف في عينيه.
رسم على وجهه ابتسامة, ثم تقدم وانحنى امام الصبي " إذن فأنت بيتر ؟"
تردد الصبي لحظة, ثم أومأ بالإيجاب.
" هل ينادونك بيت او بأي اسم آخر ؟"
تواترت الذكريات المؤلمة في نفس جيرالد وهو يرى الحذر والكآبة المفرطة في عيني الصبي وهو يهز كتفيه بمزيج من النفي والإيجاب ألم يجلس هو مثله على كثير من الأرائك عندما كان طفلاً, حيث كان يعتني به ويحقق معه غرباء كبار لم يكن يعرف او يحب أحداً منهم.
نعم, حسناً, ونهض واقفاً وهو يحاول تمالك مشاعره إزاء موجة العطف التي اكتسحته فهو لم يكن الشخص الذي يحتاج اليه هذا الصبي, وهو واثق من ذلك.
" كم عمرك يا بيتر؟"
اجاب بيتر بصوت خافت " خمسة " قال ذلك وهو يدير عينيه إلى يساره حيث جاءت روني تجلس بقربه.
نظر جيرالد إليها, هو ايضاً واجماً وهو يفكر ,خمسة هل سمعت ايتها السيدة ؟ خمسة ... إن هذا يعني انني لا يمكن ان اكون والد هذا الطفل ولو بنسبة واحد في المليون.
" اين والدتك؟ " ألقى بسؤاله هذا وقد تلاشى كل أثر للرقة في نفسه بتأثير ما أخذ يشعر به من إحباط وقهر معظمه يعود إلى عدم تمكنه من مواجهة هذه السيدة بالبرهان الذي يؤكد براءته.
واجاب الصبي " لا أدري "
" ما اسمها؟ "
" ماما "
" من احضرك إلى هنا ؟"
" جدتي "
" ما اسمها الآخر ؟"
" جدتي فقط "
" واين تعيش جدتك؟"
كان اليأس قد جعل جيرالد عديم الصبر مظهراً توتراً في صوته يبدو انه أخاف الصبي وجعل روني تهب واقفة.

Rehana 25-08-20 04:50 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" جيرالد, هل يمكنني ان أراك لحظة في الردهة؟ "
إذن فهو جيرالد الآن؟ وألقى عليها نظرة حاقدة وإذ رأى تكدرها اخذ يفكر في انه هو ايضاً يماثلها تكدراً.
ثم اجابها باختصار "كلا" وعاد يخاطب الصبي وإنما بصوت اكثر رقة " اخبرني اين تعيش جدتك يا بيت؟ "
رفع الصبي بصره على الفور .كانتا واسعتين بنيتي اللون, ما يتناقض تماماً مع لون شعره الأشقر الباهت ووجهه الانمش. وساور جيرالد شعور خاطف بأنه يعرف شخصاً آخر له مثل هذا الشعر والعينين. ولكن هذا الشعور سرعان ما تلاشى قبل ان يركز افكاره جيداً على الصورة.
قال بيتر " في ... في بيستو" وعاد يحدق في يديه اللتين لاحظ جيرالد, شاعراً بطعنة ألم في قلبه, بأنهما صغيرتان قذرتان وممسكتان بكعكة من نفس النوع المحلى بالشوكولاته والذي كان في صندوق غدائه هذا النهار.
لم تعد النظرة التي ألقاها على روني حاقدة عنيفة, ومع ذلك فقد كان سؤاله للصبي اكثر رقة " ألا تريد ان تأكل كعكتك؟"
ارتجفت ذقن الصبي وهو يهز كتفيه بصمت.
فتابع جيرالد كلامه " إن الآنسة سايكس هنا تصنع الكعك لذيذاً جداً " وعندما تابعت نظراته نظرات بيتر الى حيث كانت روني تقف, رأى ملامحها يكسوها نفس الارتباك والرقة ما جعل صوته يتهدج. كان واضحاً ضعف هذا الصبي وشعوره بالضياع, ما كان تأثيره عليها كبيراً, هي ايضاً.18
عاد يسأله " ألست جائعاً يا بيت؟" هز الصبى كتفيه مرة اخرى وتدحرجت دمعة من عينه على الكعكة.
عادت روني تقول وبسرعة " جيرالد, ارجو حقاً ان تسمح لي بكلمة معك " وإذ رأت نفور جيرالد من ذلك, اضافت تقول "ارجوك"
ودون ان تنتظر لترى إن كان سيأتي معها ام لا, غادرت الغرفة ما اضطر معه جيرالد إلى اللحاق بها.
فقال للصبي وهو يربت على رأسه " حاول ان تأكل الكعكة, وساعود حالاً "
****
ما ان اغلق جيرالد الباب خلفه حتى قالت له روني " هذا الصبي لا يعرفك "
" انت تمزحين دون شك"
فقالت عابسة دون ان تلقى بالاً لتهكم جيرالد البالغ " وبدا واضحاً لي انك حقاً لا تعرفه, وانك حقاً لا تظن انك والده"
" إن لدي خبراً لك ايتها السيدة ,وهو انني لست فقط اظن ذلك, وانما انا لست والده على الاطلاق " رد جيرالد عليها بذلك بغضب وهو يضيف قائلاً " هل هذا كل ما جعلك تجرينني الى الخارج؟ "
فقالت مترددة " كلا ... وانما ما اريد قوله هو كيف يمكنك ان تكون متأكداً الى هذا الحد, انك في الثلاثين من عمرك ولا بد انك ... تورطت مع نساء ... اليس من الممكن ...؟"

Rehana 25-08-20 04:51 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" كلا هذا غير ممكن "
"ولكن..."
" اللعنة, قلت لك كلا "
وتخلل شعره باصابعه, ثم عاد يقول " اسمعي, انا آسف ولكن عليك فقط ان تأخذي كلمتي لذلك, وهي ان من غير الممكن ان يكون ابني, هل فهمت؟"
ولكن رغم انه كان يتمنى ان يبقى الامر عند هذا الحد, فقد كان رؤيته لنظرات روني المتشككة, ولأنه لأمر ما كان يريدها ان تصدقه ويكون ظنها به حسناً, سمح جيرالد بأن يطلعها على لمحة من ماضيه فقال عابساً " إسمعي, الأمر هو ان امي هجرتني بعد ولادتي بساعات ولهذا عليك ان تصدقيني عندما اقول لك انني لا يمكن ان اجني على طفل بمثل ما جنت به امي عليّ "
ودون ان يلقي عليها نظرة اخرى, إستدار وهم بالعودة الى غرفة الجلوس لولا ان قالت له بسرعة " انتظر فهناك شيء آخر "
"ماذا؟"
"المرأة العجوز التى احضرت بيتر"
وبخطوتين كان جيرالد بجانبها " هل رأيت المرأة؟"
"نعم رأيتها ولكن..."
" ثم لم تسأليها عن اسمها واين تعيش؟"
" كلا, ولكن لو اعطيتني فقط فرصة اشرح لك فيها... "
اطلق شتيمة, وحملق في السقف وقال " هيا اشرحي لي الأمر "
" قالت لي ان ليس بإمكانها ان تبقى ..."
" هذا معلوم ..."
".... ولكنك ستفهم سبب إحضارها الصبي إليك بعد ان تقرأ رسألتها ..."
فشهق جيرالد واغمض عينيه وهو يسألها بصبر فارغ " تقولين رسالة... اين هي؟ "
سارت روني الى منضدة في الزواية التقطت منها رسالة قدمتها إليه بصمت.
فتح جيرالد الرسالة وبعد ان تبادل مع روني نظرة سريعة عابسة اخذ يحدق في سطورها.
اخذت روني تراقب توتر شفتيه وهو يقرأ, كانت ملامحه عابسة لكنها لم تلبث ان تملكها الجمود وهو يرفع بصره إليها مرة اخرى, ودون ان ينطق بكلمة, ناولها الرسالة, فأخذت تقرأ:
عزيزي السيد مارسدن.
إنك لا تعرفني ولكنك كنت تعرف ابنتي مارسي كمب .وهي كانت والدة بيتر , لقد قتلت في حادث على الدراجة البخارية العام الماضي وتركت لي الطفل لأربيه ولكن حيث انه لم يعد باستطاعتي ذلك فقد حصلت على عنوانك في روريغون عندما اتصلت هاتفياً بقصر الجزيرة...
القت روني نظرة مستفهمة على جيرالد " قصر الجزيرة؟"
فجف فم جيرالد " ذلك موجود في ماين وهو المكان الذي امضيت فيه السبع سنوات الاخيرة" وابتلع ريقه ثم اضاف يقول " هل تعرفين تلك المدينة ؟"
فهزت روني رأسها "كلا".

Rehana 25-08-20 04:52 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
شعر بالإرتياح وهو يتظاهر بهز كتفيه بعدم اكتراث وهو يقول " لم تخسري شيئاً بذلك " بينما عادت تتابع القراءة لقد كانت مارسي وضعت اسم ذلك المكان مع شهادة ميلاد الصبي. وقد طلبت مني ان اتصل بك اذا ساءت الامور معي قائلة انك كنت صديقها الوحيد وانك ستساعدني. وهذا هو السبب في انني احضرت لك الصبي ...
خفضت روني يدها بالرسالة ,ونظرت اليه وإذ لاحظت ما يتملكه من كدر رق قلبها له رغم تصميمها على العكس وقالت له " ماذا يمكنني ان اقول ؟"
" لا شيء, فهناك المزيد" ودون ان ينظر اليها ناولها الورقة الثانية التي كان يقرأها وكانت شهادة ميلاد بيتر .
وعلى الفور وقعت عينا روني على اسم الأب ... الأسم الأخير مارسدن. الاسم الأول جيرالد, فعادت ترفع بصرها اليه.
"هذه تشهد انك والد بيتر "
" اعلم هذا, ولكنه غير صحيحاً "
" لكن..."
" تباً لكل ذلك " وشعر فجأة بأن السر الذى كان يخفيه بكل عناية, قد اوشك ان يفتضح بعد ان وقع في الفخ, لم يستطع ان يحافظ عليه اكثر من ذلك, يا للبؤس, فليس عليه ذلك بعد ان كفر عن ذنبه.
صفق الجدار براحته, ثم استدار يواجه روني وقد امتلأ غضباً ويأساً ثم سألها بصوت هامس خشن قد امتلأ بالوعيد "اتريدين حقاً ان تعلمي لماذا أنا متأكد من انه ليس إبني؟ "
حاولت روني التراجع خطوة وقد اخافتها ثورته.
ولكن جيرالد امسك بذراعها يثبتها مكانها " اتريدين ان تعلمي ما هو قصر الجزيرة, يا آنسة سايكس ؟ , حسناً ساخبرك الآن , فاستمعي إلي ..."
"كلا" وكانت روني تهز رأسها لا تريد ان تسمع اي شيء بعدما رأت في عينيه تلك النظرة الهائلة من الألم والتحطم.
ارادت ان تغطي فمه براحتها لتمنعه من ان يتابع الكلام, ولكنها ما ان همت بذلك حتى كان الوقت قد فات.
كان صوته اجش مليئاً باليأس والكلمات واضحة رغم خفوتها وهو يقول" قصر الجزيرة هو سجن يا آنسة سايكس انه اكبر اصلاحية في الولايات المتحدة, وقد كنت فيه حيث امضيت سبع سنوات "

نهاية الفصل

Rehana 26-08-20 06:25 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل الثالث

جمدت روني مكانها وكأنها استحالت إلى حجر , وهي تنظر الى جيرالد غير مصدقة. كانت واثقة من انها لم تسمع جيداً.
واخيراً استطاعت النطق " ما ... ماذا تقول ؟ انك ...انك كنت ...كنت..."
" نعم سجين سابق, يا آنسة سايكس , هذا ما قلته لك"
" ولكن... لماذا؟ " هزت روني رأسها بعجز.
" تهمتي كانت سطواً مسلحاً, وقد حكموا عليّ بعشر سنوات امضيت منها سبعاً, وقد اطلقوا سراحي بكلمة شرف بأن لا احاول الهرب, وذلك منذ حوالي شهرين "
سطو مسلح ؟ يا للهول؟
رغم انها لم تتحرك جسمانياً, إلا ان شيئاً في داخلها استعاد صورة ذهنية لكلمات جيرالد العنيفة ... صورة هذا الرجل الذي رحبت به عمتها والآخرون من كل قلوبهم واسكنوه معهم ... هذا الرجل يصوب بندقية الى رأس صاحب متجر اعزل و...
كلا... واغمضت عينيها تطرد هذه الصورة المفزعة, ابداً, لا يمكن ان يكون هذا صحيحاً لا يمكن ان يكونوا جميعاً قد اخطأوا في حكمهم على مزايا هذا الرجل.
وعندما رأى جيرالد ما اصاب روني من ذهول قبل ان تغمض عينيها فلم تعد تنظر إليه, مات شيء في داخله بينما شيء آخر لم يكن يعلم بوجوده قد انتعش.
فقال بهدوء " ها قد علمت الآن يا آنسة سايكس, اليس كذلك ؟ لقد اصبحت تعلمين الآن لماذا انا متأكد من ان بيتر ليس إبني "
لم تجب, وببرودة بالغة, استدار جيرالد وعاد الى غرفة الجلوس حيث وقف لحظة طويلة يتأمل الصبي الصغير الذي كان مستلقياً مكوراً على نفسه كلفة الحبال, وذلك في زاوية الاريكة وما زال متشبثاً بكعكته التي لم يأكلها.
ثم اخذ يسأل نفسه " ما العمل الآن ؟"
لقد اصبح دون مسكن يأوي إليه, ذلك ان جيرالد لم يكن لديه ادنى شك في ان روني ما ان تشفى من الصدمة التي اصابتها وتتمالك نفسها حتى تأتي الى هنا لتريه طريق الباب ... فماذا سيفعل بهذا الطفل الذي لا يعرفه ولا يريده؟
لقد كان مداناً سابقاً, وقبل ذلك, كان طفلاً وحيداً تحيط به المتاعب, فما الذي يعرفه شخص مثله عن تربية الاولاد...؟ حتى ولو بلغت به الحماقة ان يحاول ذلك, وهذا ما هو متأكد من عدم رغبته فيه.
تملكه شعور بالحيرة والعجز بشكل لم يعرفه من قبل حتى ولا في السجن ودس يديه في جيبيه واطلق آهة عميقة.
يا لها مشكلة عويصة.
اخذ يحدق في الصبي النائم بعينين ملتهبتين, متأملاً اهدابه المنسدلة على وجنتيه المنقطتين بالنمش ,والجسد الهزيل الصغير في قميصه القطني الواسع ويديه المتسختين وحذاءه الممزق.

Rehana 26-08-20 06:25 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
تملكه يأس بالغ انحنت كتفاه لثقله بعد ان ادرك فجأة ان ليس ثمة سوى طريقة واحدة وهي ان يأخذ الصبي ويسلمه للمسؤولين ,ماذا امامه سوى ذلك ؟ ان يبحث عن الجدة؟ هذا مؤكد, وشخر جيرالد ساخراً, ما اسهل هذا ... إذ ليس عليه سوى ان يعرف في اي مكان تقع بلدة بيستو ,ثم يقتفي أثر امرأة عجوز تدعى جدتي والتي آخر اسم لها هو كمب هذا إذا لم تكن قد عادت فتزوجت شخصاً يدعى جونز او أي شيء آخر...يا لها من ورطة.
شاعراً بالانهاك, متضايقاً من العرق الجاف وغبار البناء, رفع رأسه واخذ يحدق في السقف, تباً لك يا مارسي, ما الذى جعلك تفعلين هذا بي ؟
وفجأة اذا به يسمع صوتاً آخر ... صوت مارسي وكأنه جواب لمحاسبته الصامتة لها ...
كان صوتها يقول منبعثاً من الماضي " انك الصديق الوحيد الذي لدي يا موس, وانت تعلم ذلك "
كانت حينذاك, تزوره في السجن, كما اعتادت بشكل منتظم وكانت هي الوحيدة من بين اصدقائه التي اهتمت بذلك ولا بد ان ذلك كان في السنة الثانية تقريباً من سجنه.
واخذ يتذكر ما كان اجابها به, في ذلك الحين " ما هذا يا مارسي ؟ ان لديك الكثير من الاصدقاء الشبان ... فلماذا تقولين مثل هذا الكلام...؟ "
فقاطعته دون لباقة " اولئك يريدون جسدي, كلهم ما عداك "
" حسناً, نعم " وإذ شعر بالارتباك لأن ما تقوله كان صحيحاً, نقل نظره الى الحارس الواقف جانباً بجمود, ثم الى مجموعة من الرجال كانوا مثله, يتحدثون في الهاتف إلى زائريهم الذين كانوا يجلسون امامهم يفصل بينهم زجاج ضد الرصاص.
" إنني احبك يا جيرالد وما كنت لأبخل عليك بشيء لو انك طلبت مني ذلك "
لقد جعلته الرقة البالغة وهي تتلفظ بتلك الكلمات, جعلته ينظر إليها بحدة, ما الذي كان بإمكانه قوله ؟ انه لم ينظر اليها قط بتلك الطريقة؟ وانه كان يفضل اتباع الحشمة في علاقاته بصرف النظر عن تيار الاباحية الذي كان يدور حوله.
ومع ان هذه هي الحقيقة, إلا انها ما كانت لتفهم لو انه قال لها ذلك ...وكيف بإمكانها ان تفهم ؟ وهكذا لم يقل لها شيئاً كيلا تؤذي مشاعرها, والمحافظة على مشاعر مارسي كانت مهمته منذ ذلك اليوم الذي دخلت فيه ذلك المبنى الذي كان جيرالد ومجموعته قد جعلوه بيتاً لهم.
كانت في السادسة عشرة ,شقراء فضية الشعر بالغة الظرف, قادمة من كالفورنيا, كان يعتبرها وكأنها اختاً صغيرة له , ورغم انه لم يكن يستطيع حمايتها من الشبان الآخرين... إلا انه كان يمنعهم من ان يعاملوها بخشونة, وجزاء له على ذلك, اصبحت مارسي بمثابة ظل له.

Rehana 26-08-20 06:26 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
كانت قالت له وهي تضع كفها على الزجاج الذي يفصل بينهما " كم اتمنى لو انك لم تصبح هنا " لم تعد فتاة في السادسة عشرة وكانت الآن بالغة النحافة, وكان ظرفها ومرحها قد استحال منذ وقت طويل الى مظهر فتاة انهكها الإرهاق والإسراف في, الطاقة وكانت تتابع قائلة " انك لم تفعل شيئاً تستحق عليه السجن "
" لقد سلبت متجراً, يا مارسي"
" ولكن ليس بقوة السلاح, يا موس , اذ لم يكن لديك بندقية قط, وفي الواقع, كنت سمعتك مليون مرة وانت تقول " لا ينبغي علينا استعمال اسلحة, ولا عنف, وان هذا غباء "
فضحك جيرالد بأسى وقال " نعم, واظن ان سام وجوي لم يسمعاني "
" ولكن هل فقط لأنهما ..."
وإذ كان متعباً من مداومة تقليب الأمر في ذهنه مئات المرات من قبل, فقد اسكتها عن هذا الاحتجاج عديم الجدوى "المسألة الأساسية هي ان ثمة رصاصة اطلقت على رجل ثم سلب, وهذا حسب القانون يجعلنى مذنباً مثلهما, وهذه هي القصة كلها , فانسيها تماماً, فأنا في احسن حال "
" أحقاً في احسن حال ؟"
" نعم, انا بخير تماماً " وسكت الاثنان فترة اخذ جيرالد اثناءها يتأمل في زيف ما قاله, بينما بدا على مارسي وكأنها تستجمع شجاعتها قبل ان تندفع قائلة " انا حامل يا موس "
" ماذا ؟"
فأخذت تبكي " سيكون لديّ طفل "
" يا للهول " ووضع سماعة الهاتف من يده وهو يشتم ثم هز رأسه وهو يقول لها " انك لم تسمعي ما كنت انصحك به يا مارسي "
وإزاء مظهرها المفجع, عاد يشتم فترة ثم قال " انك إذن ستتخلصين من الجنين "
فقالت وهي تتراجع الى الخلف " كلا, بل ربما ... ربما افكر في العودة إلى كاليفورنيا, ولكنني ابداً لن ..."
" لا بأس, لا بأس, اهدإي, فقد كنت اسألك فقط " وإذ شعر بالعجز عن القيام بشيء لأجلها, ما زاد في غيظه وغضبه منها لشذوذها عن الطريق المستقيم, ومن نفسه لأنه لم يرغمها على العودة الى بلدها في كاليفورنيا منذ سنوات, اخذ يحدق إليها وهو ينفخ في قبضته " اين هو الأب الآن على كل حال "
فهزت كتفيها متجنبة النظر في عينيه.
سكتا فترة طويلة قالت بعدها " يا ليتك كنت أنت الأب "
فرد عليها ساخراً " نعم, هذا صحيح"
" انا لا امزح يا موس, فأنت اعظم شاب"
انت اعظم شاب!
نعم بكل تأكيد وشخر ازدراء لنفسه, فما اعظمه الآن وهو يقف بعد ست سنوات في هذا النزل الذي يبعد الآف الاميال من ذلك المكان الذي دار فيه ذلك الحديث مواجهاً الطفل الذي كانت امه حريصة على إبقائه معها, ولكن يبدو انها لم تستطع ذلك, وكل ما يريده هو العثور على طريقة يتخلص فيها من طفلها هذا.

Rehana 26-08-20 06:27 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
انك اعظم شاب...
وإذ شعر بالهزيمة والقهر, والارهاق الشديد, تهالك على مقعد دافناً وجهه بين يديه.
اعظم شاب...
واطلق ضحكة قصيرة مرة ,أهو كذلك حقاً ؟ أم انه اعظم فاشل, اعظم غبي, اعظم متورط في المآزق؟

****
وفي الردهة استطاعت روني اخيراً ان تحول عينيها عن باب غرفة الجلوس والذي انغلق خلف جيرالد منذ لحظات لم تكن تدري ما عليها ان تفعل او كيف تتصرف او حتى ما ينبغي ان تكون عليه ردة فعلها نحو ما كاشفها به جيرالد, ونظرت الى ساعتها.
كانت السادسة والنصف, ما زال باقياً على عودة الآخرين من الحفلة التي ذهبوا إليها نحو ساعتين, من حسن الحظ.
نظرت مرة اخرى الى باب غرفة الجلوس, هل ينبغي عليها ان تدخل إليها ؟ ولكن ماذا يمكنها ان تصنع هناك او تقول؟ لم تكن تستطيع في هذه اللحظة التفكير.
دخلت الى المطبخ , وكان بارداً معتماً, ورائحة عشاء الليلة الماضية, والذي كان مؤلفاً من ملفوف ولحم محفوظ, كانت ما زالت عابقة في الجو , فقد كان هذا النهارحاراً, لا يحتمل ان يؤكل فيه طعام مطبوخ , وإذ لم يكن موجوداً سواهما , هي وجيرالد فقد صنعت بعض الخبز الكروي وسلطة تتناسب مع بقايا اللحم من الأمس.
كانت تتصاعد موسيقى ناعمة من الراديو الصغير الموضوع على منضدة, ولكن كل ما كانت روني تسمعه هو ما كان يجول في ذهنها مما كاشفها جيرالد به من امور هائلة.
( امي هجرتني ... بعد ولادتي بساعات ... قصر الجزيرة هو سجن ... سطو مسلح ... حكم عليه بعشر سنوات ... كنت طفلاً مهجوراً ... مهجورا ً...)
كانت حركتها بطيئة متوترة ... فجلست الى المنضدة واخذت تحدق الى صورة تمثل زهوراً وفاكهة معلقة فوقها ولكن بدلاً من الكمثرى المتألقة بوجناتها الحمراء والكرز الغض, وبدلاً من الاقحوان المتألق في اشعة الشمس والازهار كانت ترى مشاهد لطفل تكتنفه الوحدة والضياع, طفل يحبو ... وتمتلئ عيناها بالدموع.
تصاعدت شهقة من بين شفتيها وانهمرت دموعها على المنضدة وهي تتصور ذلك الطفل وهو ينمو ,وما زال وحيداً غير مرغوب به, ما زال محتاجاً الى الآخرين بينما يحاول ان يقوم بتلك الحاجات بنفسه.
كفى!
وكأن هذا الامر قد نطق به صوت عال, اجفلت ورفعت رأسها. وعاد ذلك الصوت فى داخلها يسألها ... ماذا ستفعلين ؟ ان مارسدن رجل ناضج, ومجرم, فكفى شعوراً بالأسف لأجله. ها قد سنحت فرصتك لكي تطرديه.

Rehana 26-08-20 06:28 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
نعم ولكن ... وبدا الاضطراب في نظراتها, واخذت تحدق في الفراغ وهي تحدث نفسها بأنه يحاول ان يبدأ حياة جديدة, وهي فرصتها للقيام بعمل خيرى ... وهو ان تمنح ذلك الرجل فرصة ثانية في الحياة ... فهل بإمكانها ان تفكر في سبب افضل من ذلك ؟ وكذلك تحمي طفلاً آخر ,هو بيتر , من نفس المصير , على الأرجح ... ألا يستحق هذا أي جهد تستطيع بذله؟
وفي الردهة, دقت ساعة جدها الجدارية السابعة, ما جعلها تنهض واقفة كانت حركاتها بطيئة تنم عن تعب في الروح اكثر منه في الجسم ,جهزت المائدة لثلاث اشخاص ثم فتحت الثلاجة واعدت طعام العشاء ,وبعد ان وقفت لحظة تعيد التفكير في ما هى مقدمة عليه, ثم تركت المطبخ.
كانت قد حزمت أمرها, انها ستقدم ما امكنها من مساعدة, وبعد كيف يمكنها ان تدير ظهرها لرجل وطفل محتاجين ؟ كلا, لا يمكنها ذلك.
دخلت غرفة الجلوس دون ان تطرق الباب, ثم وقفت بجانب الباب وقد التاع قلبها الرحيم لمنظر جيرالد جالساً على المقعد ووجهه بين يديه, لقد رفع رأسه بسرعة حالما سمعها تدخل ولكن رغم سرعته في إخفاء نظرة الألم البالغ التي بدت في عينيه إلا ان روني رأتها.
وإذ احست بأنه لا يريدها ان ترى ضعفه وما يرتسم على وجهه من مشاعر, تظاهرت بتركيز اهتمامها على الصبي, فقالت بهدوء وهي تجثو على الارض بجانبه " مسكين هو, يبدو انه بردان وجائع, لقد وضعت العشاء على المائدة, وهو بارد, فلا حاجة إذن للإسراع ... ولكن اذا كنت جائعاً... "
ومدت يدها تزيح برفق خصلة من شعر الصبي عن جبينه, تاركة الجملة معلقة, وسمعت خلفها ركبتي جيرالد تقرقعان وهو ينهض واقفاً من على المقعد المنخفض, ثم وقع خطواته وهو يسير نحو النافذة, فنهضت هي ايضاً, والتفتت تنظر الى ظهره, والذي كان مستقيماً مهيباً وصلباً ايضاً.
قالت وهي تقترب منه " انا آسفة " كان جيرالد يوليها جانبه, ما جعل بإمكانها رؤية جانب وجهه والذي كان الضوء المنساب من النافذة يحدد ملامحه بوضوح, فبدت لها وكأنها قدت من الحجر.
" انا اعترف بأنني صدمت لما حدثتني به, ولكنني اخذت بعد ذلك افكر في الأمر "
" احقا ً؟"
" نعم, لقد قررت ان اجعلك تبقى عندنا, على الأقل إلى ان تتدبر امرك في هذا المأزق "
رأت روني فك جيرالد يتقلص ثم عاد فاسترخى, ثم التفت اليها ببطء وقد ارتسمت المرارة على وجهه " حسناً, هذه شهامة كبرى منك, يا آنسة سايكس "
فتنفست بعمق, متجاهلة تهكمه " نعم, حسناً, فأنا اريد تقديم المساعدة إذا سمحت لي بذلك "
حدق فيها وكأنها فقدت عقلها " أحقاً؟ تريدين ذلك الآن ؟ اتظنين حقاً انني لم أر ما شعرت به نحوي هنالك في الردهة ؟"
" لقد اخبرتك انني صدمت, ومن لا يصدمه خبر كهذا ؟"
" نعم, من لا يصدمه ذلك ؟ كل شخص عرفته شعر بذلك "وتوترت شفتاه.
" ارجوك " ومنعها الشعور البالغ بالعطف الذي تملكها من ان تكمل كلامها, ورفعت يدها وكأنها تهم بلمس ذراعه ولكنه ابتعد عنها قبل ان تفعل ذلك, فانزلت يدها وهي تقول " لا بد ان بإمكاني القيام بشيء يسهل عليكما اموركما, انتما الاثنين"
" انا واثق من ذلك, يا آنسة سايكس " ونقل نظراته الى الارض, ثم عاد ينظر إليها ساخراً " السؤال هو , لماذا تريدين ان تفعلي هذا ؟"
فنظرت روني الى الصبي والذي بدا في نومه غاية في البراءة " لأجل بيتر " قالت ذلك ببساطة رغم انها لم تكن صادقة تماماً فالحقيقة كانت انها شعرت برغبة كبرى في ان تسعده هو ايضاً.

نهاية الفصل

Rehana 02-09-20 09:56 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل الرابع

ساعدت فيرونيكا سايكس جيرالد تلك الليلة بطرق لم تكن تعرفها من قبل, فقد جهزت مكاناً لنوم الصبي, واطعمته بيدها وعندما عادت لويزا مع النزلاء الى النزل, اخبرتهم بالأمر بشكل تمهيدي دون ان تكشف عن أي سر قد لا يريد جيرالد الكشف عنه.
كانت قد قالت له " ان لك أنت ان تخبرهم عن ماضيك, وفي الوقت المناسب الذي يناسبك, واذا لم تشأ ان تنطق بكلمة, فأنا احترم قرارك هذا ايضاً, واعدك بأن لا يعلموا بشيء عن طريقي "
كان جيرالد شاكراً لها كل ما قامت به, طبعاً ولكن الذي جعله مديناً لها مدى الحياة, ذلك الوعد منها بحفظ سره, فالضعف والخوف اللذان كانا يتملكانه جعلاه بحاجة ماسة الى سماع مثل تلك الكلمات رغم انه كان يعلم ان ليس له الحق في ان يتوقعها فقد كانت كلماتها ووعدها له تنبئ عن ثقة لها به, في مزاياه في استقامته, ثقة كانت تفترض... بل تسلم بانه هو المجرم السابق, يمكنه ان يكون موضع ثقة بأن يتصرف بشرف وامانة.
كيف يمكنه ان يشكر فيرونيكا سايكس على ذلك ؟ كيف يمكنه ان يعبر لها بالكلمات عما فعلت ثقتها به وشهامتها ومساعدتها له في نفسه ؟

Rehana 02-09-20 09:57 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
لم يكن يستطيع ذلك, لم يكن يملك من الكلمات اكثر مما يملك من الشجاعة للغوص في اعماق نفسه مفتشاً عنها, ان المرء يصل إلى اعماق نفسه مفتشاً باحثاً, ولكن لا احد يعلم ما عسى ان يخرج منها الى ضوء النهار ليراه الآخرون, وعند ذلك, ما اسهل ان يصاب بجرح في كرامته.
اخذ يحدق الى السقف الذي كان مغطى بنقوش رسمها ضوء القمر بتسلله من خلال الستائر الدانتيل المسدلة على نافذته, وهو يستمع الى الاصوات الخافتة غير المألوفة لأنفاس الطفل الذي كان راقداً في سرير صغير في غرفة جيرالد. وكان هو يعلم ان جرح كرامته هو احتمال متوقع تماماً, ولأنه وجد نفسه يتساءل عما اذا كان الصبي دافئاً تماماً في ذلك السرير , ويفكر في اشياء يمكنه ان يعلمه اياها ويريها له ويشاركه فيها , كل ما كان افتقده هو واشتهاه عندما كان طفلاً... لأنه وجد نفسه يريد ان يمنح هذا الصبي ما لم يستطع هو الحصول عليه فان عليه... فإن عليه ان يكون حذراً للغاية, لأنه اذا زاد من صلته بالصبي واعتاد عليه فكيف سيكون شعوره اذا حان الوقت لكي يعيده الى جدته؟
ان عليه ان يعيده, إذ لم يكن ثمة سبيل يجعله يحتفظ به, فهو ليس والده. واستدار في فراشه عابساً مديراً ظهره لسرير بيتر , فهو لا يريد ان يكون أباً على كل حال.
*****

عندما كانت فيرونيكا مراهقة ثائرة, كانت تكره كالوباء تبادل الأحاديث الحميمة مع عمتها لويزا, ولكنها الآن وقد بلغت السادسة والعشرين, لم يعد لديها مثل هذا الشعور بالكراهية, وفي الواقع منذ سنوات اخذت هي وعمتها باختزان كل ما لديهما من احاديث واقاويل لتتبادلاها ليلاً, وكانتا حريصتين على ان لا تفوتهما, وكانتا تقومان بشكل عفوي ودون أي تخطيط سابق.
قد يحدث شيء ما, او ربما لا يوجد في الأفق ما يمكن توقعه, ولكن ما ان تحين الساعة الحادية عشرة, وكل انسان قد دخل غرفته, حتى تفتح روني باب غرفتها وتتسلل منها على اطراف اصابعها, مرتدية منامتها ومعطفها المنزلى مجتازة الردهة الى غرفة لويزا حيث تجلس بارتياح اسفل سرير عمتها القديم الطراز ,وقد دست قدميها تحت اللحاف, ما عدا ان المرأتين امضتا لحظة طويلة تتاملأن بعضهما البعض بصمت.
واخيراً قالت لويزا " انا فخورة بك يا عزيزتي, فقد تعاملت مع ذلك الصبي المذعور وكأنك مربية محترفة "
" حسناً, فأنا معلمة "
" وكذلك ديك هاريسون ولكن هذا لم يجعله محباً دافئ المشاعر مثلك, ام تراه اصبح كذلك الآن؟ "
" كلا " قالت روني ذلك ضاحكة, فقد كان هاريسون صديقاً, وكان يعلم الرياضيات ولعبة كرة السلة, وكان له تصرفات وخشونة العسكري.
وتابعت لويزا تقول " وكذلك عالجت امر جيرالد ايضاً, انه يبدو لي شاباً بالغ الكدر والإنزعاج "

Rehana 02-09-20 09:57 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
لم تجب روني وماذا عسى ان تقول ؟ فقد كانت لويزا على حق, عضت روني شفتيها وخفضت بصرها, تمنت لو تستطيع ان تفضي الى عمتها بما تعرفه عن ماضي جيرالد, وتسألها المشورة, كان هذا هو سبب قدومها الليلة, كما ادركت الآن, ولكنها عندما وصلت الى هنا, انتبهت إلى انها لن تستطيع التفوه بكلمة , فهي قد وعدت جيرالد ولكن الانزعاج كان يتملكها وكذلك عدم الاطمئنان.
أتراها قامت بالعمل الصائب عندما اخبرته ان بإمكانه البقاء هنا في هذا النزل دون ان تناقش الأمر اولاً مغ لويزا والآخرين ؟ ذلك ان حياتهم ستتاثر سلباً كحياتها إذا ما اخفق جيرالد في العيش تبعاً للثقة العمياء التي وضعتها فيه.
وبالعودة الى بيتر الصغير, أما كان عليها ان تستشير سكان النزل الآخرين قبل ان تسمح له , هو الصبي الصغير ,بأن يصبح شخصاً منهم, هو ايضاً, والسيدة هنكز العجوز لم تنجب اولاداً قط ,ودوماً كانت تظهر نفورها منهم, فكيف سيكون شعورها عندما تجد صبياً صغيراً يلعب امامهم لمدة لا يعرف مداها احد ؟
نظرت روني الى عمتها وهي تتنهد " لا ادري يا عمتى ... أتراني فعلت الشيء الصواب؟ "
" بأي شأن ؟"
" ان تركتهما يعيشان معنا ؟"
" طبعاً, يا حبيبتي, والى اين كانا سيذهبان إذن؟ وبالمناسبة لقد وافق الآخرون على ذلك "
" حسناً, هذا مبعث راحة على كل حال " وسكتت لحظة ثم عادت تقول عابسة " وحتى مع ذلك لا استطيع إلا ان اتساءل... لم تكن الأم هي التي احضرت بيتر إلينا بل الجدة, لقد كان جيرالد اخبرني ان والدة بيتر من كاليفورنيا, فهل سبق وسمعت عن مدينة هناك تدعى بيستو يا عمتي ؟"
فقطبت العمة حاجبيها " بيستو ؟ لا اظنك تعنين مدينة فريستو؟ "
" كلا بالطبع, فالأسمان غير متماثلين لفظاً, وعلى كل حال فقط قال بيتر انه يعيش مع جدته في بيستو " قلبت روني شفتيها وهي تتابع قائلة " حسناً, يمكن ان يكون هذا الاسم في اي مكان آخر " وسكتت وهي تختار كلماتها بعناية كيلا تفضح اي سر " لقد اخبرني جيرالد ايضاً ان صداقته لمارسي والدة بيتر كانت شريفة, وأنها كانت تحبه وتحترمه لهذا السبب "
فلوت لويزا شفتيها ساخرة " يا لها من طريقة تثبت بها امرأة لرجل حبها واحترامها وهو ان تلصق به ولداً ليس من دمه "
فنظرت روني الى عمتها مفكرة " انا اعلم ان هذا يبدو غريباً, ولكنني اظن ان هذا بالضبط ما كانت مارسي تريد ان تفعل وذلك ان تجعل جيرالد مارسدن والد طفلها في شهادة الميلاد ... ان تريه انها تحبه وتحترمه "
فقالت لويزا وكأنها تحدث نفسها " لا ادري إذا كان جيرالد يعتبر هذا الأمر بهذا الشكل "
سكتت المرأتان لحظة طويلة, تفكران, ثم قالت لويزا " هل ما زلت غاضبة مني لأنني اجرت الغرفة لجيرالد يا عزيزتي"

Rehana 02-09-20 09:58 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
نظرت روني الى عمتها بحيرة, فقد كانت افكارها بعيدة عن هذا الموضوع اذ كانت تبحث عن طريقة تريح بها الرجل والطفل في علاقة مشتركة جيدة للطرفين, وقالت " ماذا تعنين ؟"
" لقد كنت تكرهين وجوده تماماً "
فبدا الضيق على وجه روني " آه, كان ذلك لأنني ادركت قصدك "
سألتها لويزا ببراءة " قصدي ؟ وماذا كان ذلك ؟"
" لم يكن قصداً حسناً, وهذا ما يعنيه لي التوسط في الزواج , فأنت تعلمين كم اكره ذلك, يا عمتي اعني لو انني اريد التعرف الى الرجال, اما كان بإمكاني ان اخرج واتعرف إليهم بنفسي ؟ فالرجل لا يدور حول المنزل لكي تأتي انت وجماعتك لكي تقتنصوه من الشارع "
فقالت لويزا بدهاء " ولكن الأمر نجح معنا, اليس كذلك ؟ فأنت تجلسين هنا قلقة بشأنه بينما منذ اسبوعين فقط قلت لي انك تريدين التخلص منه "
" انك حقاً محدودة الذهن يا عمتي, كيف احاول التخلص من رجل واقع في مثل هذا المأزق الواقع فيه جيرالد حالياً؟ ان تصرفي معه الآن مجرد تصرف انساني لا غير "
" وفيما بعد ستقولين ان جيرالد هو فقط احد اهدافك "
فهزت روني كتفيها متظاهرة بعدم الاكتراث " حسناً, انه فقط احد اهدافي "
" اذا كان هذا قولك, فذلك يعود إليك " ما لهذه المرأة تثير فيها كل هذا السخط ؟
وتملكها السام فانفجرت غاضبة " نعم هذا هو قولي, وحيث انني كنت ضد وجوده هنا منذ البداية, فليس هو الذي اغضبني وإنما انتِ, وكذلك الآخرون, كلكم كنتم تعلمون جيداً انني لا اطيق ان يتحايل عليّ احد بهذا الشكل, وكنت اظنني اوضحت تماماً ان حياتي تعجبني تماماً كما هي "
مدت لويزا يدها تمسك بيد روني " ولكنها غير طبيعية يا حبيبتي, انني اتذكرك وانت طفلة تلعبين لعبة البيوت مع الدمى, فتضعين ستارة بيضاء قديمة على رأسك ما يمثل نقاب العروس جارة معك رالفي برمان المسكين, دوماً كنت تريدين ان تتزوجي يا روني, وينبغي لك ذلك, انك مغرمة بالاطفال وهذا ما جعلك تصبحين معلمة مدرسة "
فقالت روني " ولكنني لم أعد اعلم يومياً كالسابق, ان الناس يتغيرون وكذلك الاماني "
" ولكن امانيك لم تتغير إلا بعد ان اتخذنا نزلاء "
" هذا صحيح " قالت روني ذلك بلهجة حسمت فيها الأمر ,وهي تعلم انها إذا لم تضع نهاية لهذا الحديث العبثي فستستمر لويزا في الكلام حول هذا الموضوع الذي هو المفضل لديها, فتابعت تقول " وما حاجتي الى زوج واولاد يبعثون الجنون في عقلي بينما عندي انت والآخرون يقومون بهذه المهمة بدلاً منهم؟ " ثم جذبت يدها من قبضة عمتها المتراخية وهي تضيف " هذا هو الصواب "
" بل هذا خطأ "

Rehana 02-09-20 09:59 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" عمتي "
فقطاعتها لويزا " كلا, بل اسامعي إليّ, لقد خطر لي خاطر مفاجئ الآن وهو " ثم حملقت في ابنة اخيها " هل انت لا تريدين الزواج لأجلنا ؟"
" حسناً... "
" ما معنى حسناً هذه؟ نعم ام لا "
فهزت روني كتفيها عابسة " نعم, ولكن نوعاً ما اعني إذا أنا تزوجت فمن الذي سيرعاكم جميعاً "
فهتفت لويزا " ومن يهمه هذه ؟"
" يهمني أنا " واخذت روني تفرك جبينها شاعرة ببوادر صداع, لم تكن تريد ان تبحث في شوؤن كهذه الليلة او في اي وقت, فقد كانت قررت امرها في هذا الشأن منذ ثلاث سنوات عندما...
سألتها عمتها بحدة " هل ذلك يتعلق بخطيبك السابق سكوت ميلر؟ "
" أنا لا... "
" لا تعبثي بي يا رونىي" ومالت الى الامام تحدق في ابنة اخيها " والآن اريد الحقيقة, هل كنا سبب فصم خطبتك لسكوت ؟"
فتنهدت روني " جزئياً "
" هل لك ان تتكلمي بالتفصيل ؟"
كان واضحاً ان العمة لويزا قد جنت, وكانت روني اكثر حكمة من ان تحاول التملص او المراوغة عندما تكون عمتها في هذه الحال, ومع ذلك فقد حاولت ذلك بقولها " كل ذلك اصبح شيئاً من التاريخ القديم يا عمتي اما ما ..."
" فيرونيكا سايكس ..."
فقالت روني باستياء " آه لا بأس, لقد كان عمل سكوت خارج الولاية, فأخبرته بأنني لا يمكن ان اترك هذا النزل الذي اديره, وهكذا انتهت قصتنا " وحملقت في عمتها " هل انت سعيدة الآن؟ "
لكن لويزا لم تبد سعيدة وإنما العكس تماماً, فقد بدت مسحوقة, وبقيت خرساء لا تستطيع النطق لحظة طويلة, واخيراً اغمضت عينيها وقد توترت شفتاها, ثم اخذ تهز رأسها ببطء, وعندما عادت ففتحت عينيها ناظرة إلى روني, كانتا تتألقان بالدموع.
" آه, يا فيرونيكا... " كان هذا كل ما نطقت به, ولكن بأسى جعل الدموع تنبثق من عيني روني ايضاً, وبصرخة ذعر اندفعت نحو عمتها تعانقها " ارجوك يا عمتي, لا تبكي, فهو امر لا اهمية له "
" بل له كل الاهمية " وغطت لويزا عينيها بيدها.
" كلا, ابداً, اسمعيني " وجذبت روني يد عمتها عن عينيها لكي تستطيع الرؤية جيداً " ما حدث هو الأفضل, صدقيني فقد ادركت منذ مدة طويلة انني لم اكن احب سكوت حقاً, اعني بعد فصم الخطبة هل رأيتني أبكي ولو مرة واحدة بسبب ذلك؟"
" كلا ,ولكن ..."
فأسكتت روني عمتها عن الكلام بإصبعها " ثم, ألم يتزوج هو بعد اربعة اشهر فقط من افتراقنا ؟" وعندما أومأت لويزا موافقة, قالت روني " ترين إذن انه هو ايضاً لم يكن يحبني حقاً, والآن... "

Rehana 02-09-20 09:59 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
واستقامت روني في جلستها قائلة " سأقول هذا مرة واحدة فقط ثم نلغي هذا الموضع من بيننا الى الأبد اتفقنا؟ "
فأومأت لويزا برأسها وقد بان الشك في عينيها " هيا قولي "
" أنت والآخرون تؤلفون اسرتي, وانا احب كل فرد منكم ولا اريد ان افترق عنكم قط "
" ولكن يا روني... "
" كلا يا عمتي, فانا اعرف ما تريدين قوله, وهو انكم جميعاً ستتركونني يوماً ما ,ولكن لن يحدث هذا مرة واحدة, فكلما خرج من عندي احد سيحل مكانه شخص آخر ارعاه واعتني به, قد اكون فتاة غريبة الطباع ولكنني حقاً احب الناس المسنين "
فقالت عمتها وقد بدت المحبة في عينيها " نعم, انت تحبينهم جداً "
" وأنا حقاً احب عملي معهم واريد الاستمرار فيه, والزواج الوحيد الذي اقبل به هو إذا كان الرجل يقبل الانتقال للعيش معنا جميعاً هنا, فبالنسبة إليّ انا اعتبر اننا جميعا ًكتلة واحدة, يا عمتي الكل او لا شيء "
وقبلت روني عمتها وهي تبتسم لها بمحبة وهي تقول متفلسفة " وما دام لا يوجد كثير من الرجال يقبلون بهذه الشروط " وهزت كتفيها " ان حياتي هي هذه, وانا لا احتاجهم على أي حال "
نزلت من السرير وتثاءبت وهي تقول " لشد ما انا متعبة "
ما ان استسلمت فيرونيكا الى الرقاد حتى سمعت طرقاً خفيفاً على بابها, فاستقامت جالسة على الفور, لا بد ان احد النزلاء مريض.
" ادخل " وامسكت بمعطفها المنزلي تضعه فوق قميص نومها وما زال النوم في عينيها, ثم اندفعت تفتح الباب, ولكن لتجد نفسها وجهاً لوجه امام جيرالد مارسدن على العتبة.
همس يقول " آسف لايقاظك من النوم, ولكن ..." ولم يكن من الأسف بحيث يفوته منظرها بشعرها الاشعث القاتم اللون المتناثر حول ملامحها الناعسة وساقيها الطويلتين المتناسبتي التكوين والباديتين من تحت منامتها القصيرة.
وكانت تقاطعه قائلة " ماذا هناك ؟"
كانت آخر بقايا النعاس تتبدد مع خفقان قلبها المتسارع وهي ترى جيرالد مارسدن واقفاً عاري القسم الأعلى من جسمه وقد بدت عضلاته القوية التي صبغتها الشمس .وعادت تسأله " ماذا حدث ؟"
فأجاب وهو يرى انه ما كان له ان يأتى الى هنا " انه الصبي, وهو يحدث جلبة " وتراجع خطوة وهو يرى شعوراً غير مستحب بالرغبة يثور في نفسه نحو روني وهو يراها بهذا المنظر.
" انا ... انا آسف " وعاد يتراجع خطوة اخرى " اظن الأمر غير ضروري, تصبحين على خير يا آنسة سايكس "

Rehana 02-09-20 10:00 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
تصبحين على خير يا آنسة سايكس ؟ وخرجت الى الردهة تناديه " انتظر لحظة, هل قلت ان بيتر يبكي؟ "
" ليس تماماً وإنما يشنج بصوت خافت "
" انا قادمة لأراه " واسرعت تهبط السلم.
" كلا, لا تفعلي " ولكنها في لحظة كانت قد اصبحت في غرفته بجانب سريره, ومع انها كانت تدخل غرفته كل اسبوع لكي تنظفها وتغير ملاءات السرير ,إلا انها شعرت الآن فجأة بالخجل من وجودها هناك بجانبه, وكان هو يقول " لا بأس, يمكنني ان ..."
وإذ رآها لا تستمع إليه, اطلق شتيمة خافتة, تباً لهذا الصبي الذي وضعه في هذه الورطة, ما الذي يبكيه على كل حال ؟ إنه ليس الذي يمكنه ان يتحمل هذه المسؤولية التي لم يكن يريدها ولا يعرف كيف يسير بها.
كلا, ولكنه الصبي, وجد نفسه ملقى في هذا المنزل الغريب مع اناس غرباء ورجل غريب مفروض فيه ان يكون والده, فلو كان هو مكانه, ألا يبكي هو ايضاً ؟
وهكذا وقف يحك رقبته بينما انحنت روني على سرير الصبي وهي تتمتم " هس... يا بيت " ثم اخذت تمر بيدها على جبين الطفل وشعره بحنان وهي تدندن بصوت منخفض باشياء غير مفهومة بدا انها بعثت فيه الهدوء والاطمئنان.
اخذ ينظر إليها مفكراً في كل ما افتقده في طفولته ... وما زال يفتقده حتى الآن ... وخنقته المشاعر المؤلمة, الحب,, الكره, الحنين, الرفض والغضب ... الغضب الرهيب على الدوام ... كل ذلك المزيج من المشاعر كان يشكل في حلقه غصة لم تكن تنتهي ... غصة كبيرة لم يكن يستطيع لا ابتلاعها ولا لفظها. أمه ... كم كان يتمنى لو انها كانت الآن تهلك في تعذيب الضمير.
اين كانت أمه تلك عندما كان يبكي كل ليلة تقريباً, الى ان ينام, اين كانت عندما كاد يموت مرة لإصابته بالتهاب السحايا, ومان يبكي طوال الوقت وينادها ؟
اين كانت عندما كان يطوف الشوارع تأكله الوحدة والجوع والبرد, بينما لم يكن يكبر هذا الصبي بكثير ,وهو يحاول الإبقاء على حياته قدر إمكانه ؟
اين كانت ؟ ولماذا لم ترغب به ؟ لماذا لم تحبه كما تحب كل أم طفلها ؟ ولماذا لم يحبه احد على الإطلاق ؟ ورأته روني يحدق إليها بشكل غريب... غاضب.
" جيرالد؟ "
" ماذا ؟"
حتى صوته بدا غاضباً كذلك.
تركت سرير الطفل واتجهت إليه, ثم وقفت امامه, ولكن ما رأته الآن في نظراته لم يكن غضباً, كما كانت ظنت ,ولكنه كان الماً حقيقياً, ما جعلها تشهق وتوشك ان تمد يدها تلاطفه وترفه عنه لما فعلت مع بيتر الصغير .هذا لا يمكنه سوى ان يحلم بذلك, ويبكي لأجله.
هو وبيتر الصغير...
وهزه هذا ؟ هو وبيتر من نوع واحد ليس في الدم بالطبع, ولكن رغم هذا هما متماثلان في اشياء كثيرة ,هو وبيتر ,وهذه الليلة في هذه الغرفة, لم يكن هو الشخص الغريب من الثلاثة, بل هي فيرونيكا.

Rehana 02-09-20 10:00 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
قال لها بجمود " اشكرك لمجيئك للاطمئنان على الصبي, وآسف لإزعاجك "
" لا تكن سخيفاً " واحكمت معطفها حول جسمها وقد جرحها تغير موقف جيرالد, ولكنها ما لبثت ان اخذت تخفف الامر عن نفسها وذلك بتذكيرها بأن لدى جيرالد الكثير من المشاكل حالياً, ولا يدري احد أي أمر من الماضي يشغله الآن ,وآخر ما هو بحاجة إليه هو ان تمثل امامه دور جريحة الكرامة.
قالت وهي تتجه الى الباب بينما تحول هو جانباً لتمر " اظنه احسن حالاً الآن, وإلا فأرجوك ان لا تتردد في العودة لإبلاغي... "
" بل ساتدبر أنا الأمر "
فقالت باسمة " انا واثقة من ذلك, تصبح على خير "
" تصبحين على خير "

*****
كان إفطار صباح كل سبت في النزل, ادسم من المعتاد, لم يكن يحتوي أياً من الخبز المحمص او مغلي الحبوب او البيض المقلي, فهذه الاشياء يتناولونها يوم الاحد او في ايام الاسبوع, كان إفطار يوم السبت يتألف من الكعك المقلي المنقوع بالقطر ,او السجق وكعكة ثمار الفراولة او انواع العجة المختلفة .كان افطار هذا الصباح يتضمن الكعك المقلي مع الفطر,كان كل شخص جالساً حول مائدة المطيخ, يشرب العصير والقهوة, بينما يتحدثون عن هدوء الصبي وعدم سماعهم أي حركة منه طوال الليل.
قالت العمة لويزا وملامحها تتحدى السيدة هنكز ان تقول العكس " إنه صبي غير مزعج "
فقالت السيدة هنكز " ما زال الوقت باكراً للحكم عليه, فقد رأيت الكثير ممن هم في السادسة اثناء عملي في المكتبة "
" لكن الصبي في الخامسة "
" ودعيني اخبرك انهم اوغاد صغار "
فقال ليو " الأولاد هم الأولاد على الدوام "
فقال القاضى كانينغهام " ولكن طبعاً, ليس كل الأولاد متماثلين, فقد واجهت حالات... "
فقاطعته روني " تعال وخذ كعكتك يا سيدي القاضي, وانت بعده يا سيدة هنكز "
كانت روني تضع على الموقد مقلاتين للكعك, وكانت مشغولة بسكب مزيج الدقيق والبيض والحليب, عندما قالت فجأة "لماذا لا تذهبين يا عمتي لكي تري ما الذي اعاق ..."
" صباح الخير "
وكان هذا جيرالد داخلاً المطبخ وقد زاد الاستحمام من حسن مظهره, ما شتت افكار روني لحظة قالت بعدها وهي تتمالك نفسها " آه مرحباً, ها أنتذا اخيراً, تناول شيئاً من العصير والقهوة ريثما اسكب مزيداً من المزيج في المقلاة "

Rehana 02-09-20 10:08 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" لم يقبل الصبي الخروج من الحمام "
" ماذا ؟"
" لم يقبل الخروج من ...؟"
" ما الذي حدث؟ "
كان الجميع يتحدثون في نفس الوقت, بينما كانت السيدة هنكز تقول بغرور " أرأيتم ؟ ها قد ابتدأ الإزعاج ألم أقل لكم ؟"
بينما العمة لويزا تتمتم بعطف " يا للصغير المسكين, انه خائف "
فقال جيرالد لروني بصوت علا على الصخب الذي اخذ يدور " لقد قلت له ان يذهب الى هناك ويغسل يديه ووجهه ولكنه الآن لا يريد الخروج "
وإذ اخذت تحدق إليه, شمت رائحة حريق فأخذت تشتم واسرعت تقلب الكعك وهي تقول " ما الذي فعلته له ؟"
فقطب جبينه ورفع رأسه " ما الذي تعنينه ؟"
كومت روني الكعك في طبقي القاضي والسيدة هنكز وهي تعض شفتها مذكرة نفسها بأن تتلطف في الحديث " كنت أعني فقط انك اذا كنت وقفت بقربه تحملق فيه بالطريقة التي تحملق فيها الآن في وجهي, فلا عجب اذا هو اختبأ منك"
وكان هذا كل ما أمكنها التلطف به.
فقال عابساً " انا لم اقل انه اختبأ مني كما إنني لم احملق فيه, كل ما قلته له هو ان من الأفضل له ان يخرج من الحمام نشيطاً مرحاً وإلا فلن يحصل على فطور "
" هذا جميل " والقت عليه نظرة ذات معنى وهي تقدم الكعك الى عمتها والسيد ليو, ثم تسكب مزيداً من المزيج في المقلاة, ثم قالت وهي تناول جيرالد الشوكة " خذ هذه وانتبه إلى الكعك بينما اذهب انا لأتحدث إلى بيتر, إياك ان تحرقه فهو لك "
قابلت الصبي في منتصف السلم فجمد الاثنان دون حراك لا تفصل بينهما سوى عدة درجات, فقالت له ببشاشة " حسناً, مرحباً يا بيتر " كانت ادنى منه بدرجتين, ما جعلهما في مستوى واحد من الطول تقريباً, وكان واضحاً تماماً انه مهما كان نوع عمل بيتر في الحمام, فالغسل والتمشيط لم يكونا جزءاً من ذلك العمل, وعلى كل حال فقد كانت آثار الدموع واضحة على وجهه الصغير ,فقالت له برقة بالغة " كنت قادمة لأرى ان كنت تريد مساعدة ما في الحمام "
فتوترت شفتا بيتر ثم نظر إليها متردداً وسكت .
فمدت يدها اليه وهي تقول " أظن ولداً كبيراً مثلك يستطيع ان يغسل وجهه ويديه بنفسه, هل فعلت ذلك ؟"
وعندما عاد بيتر ينظر إليها صامتاً, ابتسمت له مشجعة, عند ذلك هز رأسه وهو يهمس قائلاً " لم استطع "
فكرت روني في ذلك اللحظة, ثم مطت وجهها وضربت جبهتها بكفها " آه انك طبعاً لا تستطيع ذلك, ماذا جرى لي ؟ فأنت بحاجة إلى كرسي صغير تقف عليه اليس كذلك ؟ فتلك الصنابير عالية بالنسبة الى صبي صغير "
وصعدت السلم ممسكة بيد بيتر عائدة الى الحمام وهي تتابع قائلة " عندما جئت الى هنا كنت صغيرة مثلك وقد واجهتني نفس العقبة فوضع لي العم جورج كرسياً صغيراً " وسكتت لحظة وهي تنظر اليه متسعة العينين " هل رأيت مخزناً للاشياء العتيقة ؟"

Rehana 02-09-20 10:12 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فهز بيتر رأسه متردداً, وما زال الخجل مسيطراً عليه, ولكن السرور تملكها وهي ترى الكآبة قد حل مكانها إشراقة الاهتمام.
فقالت وهي تجره الى نهاية الردهة " لا اظن ذلك " وفتحت باباً صغيراً.
" حسناً, احمل من هذا ما تريد, يا بنيّ " وجذبت حبلاً متصلاً بلمبة ثم وقفت جانباً وقد سرها ان ترى ان الفضول قد تغلب الآن على خجل بيتر بشكل كامل, فقالت وهي تبحث عن الكرسي الصغير الذي كان زوج عمتها قد صنعه لها منذ عشرين عاماً, قالت له " كل هذه هي العابي القديمة, من حسن حظك انني كنت احب الشاحنات والسيارات بقدر ما كنت احب الدمى, فإذا كنت تريد يمكنك ان تأتى الى هنا مع ..." وسكتت لا تدري ان كان يمكنها ان تقول " مع والدك او مع بابا او جيرالد "
وجاءهما فجأة صوت رجل من خلفهما " هاي... ماذا تفعلان؟ "
اجفلت روني ثم استدارت فرأت جسم جيرالد العريض يسد الباب بينما ترك بيتر من يده غطاء آلة موسيقية لامعاً, كان ينظر اليه معجباً, وقد بدت في عينيه نظرة مذنبة, ثم خبأ يديه خلف ظهره وكأنه يتوقع ان يضربه عليهما.
ثم قال متمتماً وعيناه على الارض " قالت لي ان بإمكانى ان اتفرج "
فهفا قلب روني اليه وتبادلت النظرات مع جيرالد, ثم انحنت بجانب الصبي واحاطت كتفيه بذراعها تعانقه مشجعة " اتراهم ارسلوا فريقاً للبحث عنا ؟" قالت ذلك ببشاشة ... أي شيء فقط لتذهب من ذهنه ان فظاظة جيرالد لا تدعو الى الرهبة, ثم نهضت واقفة, فحملت الكرسي ثم امسكت بيد بيتر تدفعه الى الباب برفق, وهي تقول لجيرالد " اننا بحاجة الى شيء يقف عليه عند المغسلة ليتمكن من غسل يديه ووجهه, اليس كذلك يا بيتر؟"
وتعلقت عيناها بعيني جيرالد مرة اخرى وكأنها تقول له تحدث مع الصبي برفق " وكنت أري بيتر مكان الألعاب لكي يلعب بها فيما بعد "
فخرج جيرالد الى الردهة فتبعاه, وهي تتابع قائلة " مخزن العتق هذا كان هو المكان المحبب إليّ في الايام الممطرة " قالت ذلك وهي تجر بيتر الى الحمام حيث وضعت له الكرسى وفتحت الصنبور.
قال بيتر " هذا النهار ممطر "
" نعم هذا صحيح " وناولته الصابونة وهي ترمق جيرالد الذي كان يتسكع في الردهة بنظرة انتصار ,فقد تكلم بيتر لأول مرة بجملة كاملة ومدت يدها الى المنشفة لتنشف وجهه وهي تتابع قائلة " هذا لحسن حظك, اين مشطك يا جيرالد؟"
" مشطه؟ "
" نريد ان نمشط شعر هذا الولد المتلبد " ثم خاطبت بيتر قائلة " يمكنك ان تذهب فيما بعد وتشتري مشطاً لنفسك, فتنتقي الذي يعجبك "
ونظرت الى جيرالد الذي بدا عليه التردد كما كان بيتر من قبل بينما كان يفتح الدرج ويناولها المشط.
وقالت تخاطب الصبي " ما رأيك في مشط ..."
وارادت ان تقول (بابا) ولكنها لم تر في ملامح جيرالد ما يشجعها على ذلك, وهكذا تركت السؤال عند هذا الحد.
واكتسحتها موجة مشاعر جعلت عينيها تغرورقان بالدموع عندما اندفع الاثنان, الرجل والصبي يفصحان عن قلقهما بسؤال واحد وفي نفس الوقت " هل ستذهبين معنا الى البحر ؟"

نهاية الفصل

Rehana 03-09-20 12:40 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل الخامس

ادهش بيتر النسوة على المائدة, وادخل السرور إلى قلوب الرجال المسنين حين أكل سبع كعكات يقطر منها الزبدة والقطر وشرب كوبين من الحليب, وذلك بالنظر الى خجله السابق ونقص شهيته الليلة الماضية. كما انه كشف عن طبيعته الطيبة ,فيما بعد, عندما دعا القاضي والسيد ليو ليصعدا معه الى مخزن العتق.
ذهبا معه مسرورين الى حيث يتفرجان على المخزن بينما انطلقت العمة لويزا والسيدة هنكز في الفان الى حيث تتسوقان في السوق القريب.
وهكذا بقي جيرالد وروني وحدهما ينهيان قهوتهما.
جلسا صامتين كل منهما يحدق في كوبه. كان عند كل منهما اشياء كثيرة يريد ان يقولها للآخر ,ولكن يبدو ان ايهما لم يجد طريقة مناسبة لفتح الموضوع.
واخيراً قال جيرالد وهو ما زال يحدق في كوبه " كان الكعك لذيذاً "
فاشرق وجه روني اكثر مما يستحق الإطراء ,وهي تقول " شكراً "
فقال وهو ينظر اليها بابتسامة مرتبكة " كل طعامك لذيذ تماماً. اراهن على ان وزني ازداد كيلو غراماً او اكثر "

Rehana 03-09-20 12:40 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
ودون وعي منها, اخذت عيناها تتاملأن جسمه. كانت كل عضلة في جسمه تبدو واضحة تحت قميصه القطني الضيق, ولم يبد لها أي وزن زائد, فقالت له " اشك في ذلك "
فعاد كل منهما يحول عينيه عن الآخر وعاد جيرالد يحدق في كوبه. كان قد وضع في قهوته قشدة اكثر مما ينبغي وشعر بتوتر في اعصابه فاخذ يتنحنح وهو يحاول جاهداً التغلب على ما يمنعه من الافصاح عما يعتمل في داخله. " انا ... اهه ... اهــ..."
تباً لي من ضفدع... وعبس وهو يرتشف قهوته البيضاء, وكاد يشرق بها فأخذ يكح, ثم تنفس بعمق.
ثم عاد يقول متلعثماً مرة اخرى " انا ... انا اريدك قط ان تعلمي انني ..." ورفع عينيه إليها سهواً, ما جعل روني تلحظ نضاله النفسي.
وتملكها شعور بالأمومة, ما جعلها ترغب في ان تمر بيدها على شعره تخف عنه قائلة بأن كل شيء على ما يرام, وان لا يخاف من كشف ما في نفسه, ولم تكن ابتسامتها المشجعة ثابتة تماماً.
" تباً لهذا ..."
لقد كانت تنظر اليه ربما بالطريقة التي تنظر بها الى تلامذتها في الصف, ما جعله يشعر وكأنه في الثامنة من عمره. كان لسانه معقوداً بشكل غريب. وشعر بالاشمئزاز من نفسه فهز رأسه وهو يتنفس بخشونة " اظنني اريد ان اشكرك, ولكنني لا ادري كيف "
" حسناً, هذا امر جيد " ونهضت واقفة وهي تحاول التظاهر بالمرح تغطي بذلك تأثرها لعدم استطاعته الإفصاح عن مشاعره وتابعت تقول " لأن لا شيء هناك يستوجب شكرك لي, فأنا احب الطهي " كانت تعلم جيداً ان طهيها لا يحتمل النقاش واردات ان توفر على جيرالد المزيد من الارتباك فأضافت تقول " كما انك تدفع مبلغاً جيداً من المال ثمن طعامك "
ولكن جيرالد رفض قبول المخرج السهل الذي قدمته له, فالصنيع الذي قامت به نحوه في اليومين الماضيين هو اكثر بكثير مما يقوم به أي انسان, فكان يريدها ان تعلم انه يقدر لها ذلك, نهض من مكانه ووقف بجانبها عند الحوض, فكانت هي تغسل الاواني وتضعها فوق بعضها البعض بينما هو يضعها في مكانها .كانت هي المرة الاولى التي يساعد فيها بهذا الشكل. وقام بذلك دون وعي منه .ويبدو ان هذا العمل الخفيف قد ساعد في ازالة توتره.
قال " انني اعلم جيداً انك لم تكوني في البداية, تريدينني في هذا المنزل " وإذ رآها تهم بالاحتجاج سارع يقول " لا بأس, ما الذي اريد قوله هو ان ذلك جعلني اقدر كثيراً صنيعك تجاه المتاعب التى سبتتها لك هنا "
" جيرالد ..."
" كلا, دعيني انهي كلامي انني مجرم سابق يا فيرونيكا, وقد حكم عليّ بالاشغال الشاقة جزاء ما سموه جريمة عنف ,ان اكثر الناس ..."
فقاطعته تقول بهدوء " إنك ستعلم, اذا جد الجد, انني لست كاكثر الناس "
" لقد سبق وعلمت ذلك " واخذ ينظر اليها بثبات وقد فارقه عدم الثقة بمشاعره وكلامه, ورأى عينيها الخضراوين الرائعتين جادتين, ووجنتيها حمراوتين لطول عملها منذ الصباح الباكر امام الموقد تقلي الكعك. ولاحظ بشيء من الدهشة ان وجهها المورد وشعرها الاشعث جعلاها تبدو جميلة تقريباً.

Rehana 03-09-20 12:41 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وادرك انه قد ابتدأ حقاً يعجب بصاحبة النزل هذه فابتسم لها, قائلاً " ولكن كما سبق وقلت لك أي شخص غيرك يعلم ان النزيل الذي لم يكونوا يريدونه معهم منذ البداية, هذا النزيل هو مجرم سابق, لأخرجوه من النزل باسرع وقت, ولكنك لم تفعلي ذلك "
فشعرت روني بالاضطراب لحدة نظراته اليها ,فقالت له " لا تجعلني عطوفة يا جيرالد, فأنا لن اتظاهر بأنني كنت سعيدة لأن عمتي اجرتك الغرفة هنا "
" ربما لأنهم اهملوا استشارتك اولاً "
" ربما "واحمر وجهها وتشتت ذهنها إزاء نظراته الدافئة ورقة صوته, فحولت نظراتها عنه الى الأواني التي كانت تغسلها في الحوض وهي تتابع قائلة " ولكنني ايضاً سبق واخبرتك بالسبب "
" وساطة الزواج؟ "
" نعم " وازداد احمرار وجه روني " اظن ما كان لي ان ادع هذا يكدرني, وهو لا يؤثر علي عادة ,ولكن في حالتك انت ..."
وسكتت فجأة عندما ادركت ما كانت تهم بالاعتراف به, ورمقته بنظرة جانبية.
كان هو ينظر اليها هازلاً وقد رفع حاجبيه " ماذا بالنسبة الى حالتي أنا ؟"
وفكرت فجأة في مبلغ وسامته, فواجهته متحدية وهي تقول رافعة الرأس " لكن في حالتك انت, فقد ساءني ان أراك اجمل مظهراً بكثير من كل الذين كانوا يرشحونه للزواج بي, حتى إنني كدت اكرههم "
سألها بعد سكوت طويل " ولكن لماذا ؟"
" لأن... " وهزت كتفيها باكتئاب " أعني, انظر إليّ ..."
فرقت نظراته وقال " ها إنني انظر ..."
وكان هذا عندما عاد إليها عقلها واستطاعت روني وهي تطلق ضحكة قصيرة مرتبكة ان تعيد نظراتها الى الاطباق وهي تقول بجفاء آملة ان لا تكون دقات قلبها عالية بحيث يسمعها " نعم, حسناً, إن اكثر الرجال لا ينظرون إليّ "
وبسرعة, وقبل ان يظن جيرالد انها تريده ان يحتج او يحاول تغيير رأيها ,ضحكت مرة اخرى وهي تهتف " آه, ما الذي جعلنا نصبح عاطفيين سريعي التأثر فجأة, هل يمكنك ان تجد مكاناً لهذا الاناء؟ "
لو انه لم يدرك ان روني ارادت تغيير الموضوع لكان دمية او دون احساس. ولما كان جيرالد لا يعتبر نفسه اياً من هذين, فقد اتبع الاحتجاج المهذب الذي كان على وشك القيام به, وامسك بالاناء الذي كانت ناولته له وهو يقول " كنا نتحدث عن اولئك النزلاء "
" هذا صحيح " وجعلته نظرة الشكر التي رمقته بها يشعر بالسرور للباقته, بينما تابعت تقول " إن بإمكانهم ان يسببوا ازعاجاً كبيراً الآن وفي كل وقت "
" انا واثق من ذلك, لكنني لا امانع في القول انني مسرور لأن اكون واحداً منهم. ليس في هذه المدينة نزل كثيرة مثل هذا"

Rehana 03-09-20 12:42 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" ان النزل هي طراز قديم " وكانت روني تنظف الحوض الآن " وفي الواقع هى تنقرض بسرعة, فليس ثمة طلب كثير لها من اناس في عمرنا " القت عليه نظرة, وهي تقول " انني في السادسة والعشرين "
" وانا في الثلاثين "
لقد اعترفت روني بذلك مع ايماءة من رأسها بينما تساءل هو عما دعاه إلى ان يقول هذا.
تابعت روني وهي تشطف الحوض مرة اخرى, شاعرة بالسرور إذ ترى نفسها قد عادت الى حديث آمن, وتابعت تقول " بعد منازل الأهل والمدارس الداخلية كل معارفي ممن في مثل سني يريدون الاستقلال بانفسهن في غرف مشتركة, او بيوت مشتركة, مع زملاء يعبثون معهم ..."
" ولماذا لم تريدي انت ذلك ؟"
جمدت يدا روني إزاء رقة صوت جيرالد وهو يلقي هذا السؤال, وبعد صمت طويل لم تنظر اثناءه اليه , قالت بهدوء " ومن قال إنني لم اكن اريد ؟"

****
فيما بعد, وهي في غرفتها تغير ملابسها الى تنورة وبلوزة قطنيتين استعداداً لرحلة التسوق مع بيت وجيرالد ,ما زالت روني لا تستطيع ان تصدق انها قالت ذلك حقاً. ولم تدرك كنه الشعور الذي ألجأها الى ذلك إلا بعدان انطلقت تلك الكلمات من بين شفتيها. ولكنها بعد ان قالتها ادركت انها الحقيقة.
كل شيء آخر ,كل الاشياء العقلانية المنمقةالتي كانت يوماً تتدفق بها بكل بلاغة بالنسبة لهذا الموضوع, كان مجرد ... تنميق في الكلام. كلام جميل ارادت به ان تقنع العمة لويزا والنزلاء ونفسها ايضاً. وقد نجحت في ذلك كلهم تقبلوه, بينما الحقيقة كانت ان زرج عمتها جورج مات ولم يكن هناك نقود للذهاب الى الجامعة الى أي مكان آخر , وهذه كل القصة.
لقد حصلت على شهادتها في التعليم بذهابها اولاً الى الكلية المحلية, لتكمل بعد ذلك سنتها الثالثة والرابعة في جامعة ويلاميت بمساعدة منحة حصلت عليها اثناء سكنها في بيتها. وكان تحويل البيت الى نزل هي الطريق الوحيدة التي امكنهما فيها الاحتفاظ بالبيت. ولكن لويزا وحدها ما كانت لتستطيع قط القيام بهذا العمل. وهكذا بقيت روني اولاً للمساعدة, وتدريجياً لكي تتسلم المسؤولية وتدير الامور.
الشيء المخيف كان حسب رأي روني وهي تمشط شعرها دون النظر الى صورتها في المرآة ,ذلك الشيء هو انها, الى ما قبل ساعة, كانت تعتقد بأنها سعيدة راضية تماماً. وخفضت الفرشاة ببطء وهي ترغم نفسها على النظر الى عينيها الخضراوين الرزنيتين في المرآة, وهي تخاطب نفسها " وماذا كنت تخدعين نفسك به يا روني سايكس "

*****
" هلا لك ان تنظر الى ذلك الآن يا ولدي بيتر ؟ هنالك مدينة ملاهي صغيرة بجانب موقف سيارات مركز التسويق فيها زورق يسير في الحوض وغير ذلك, اراهن على انك اذا طلبت ذلك من بابا بلطف..."

Rehana 03-09-20 12:42 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
كان القاضى يقول ذلك لبيتر من المقعد الخلفي لسيارة روني حيث كانا يجلسان في طريقهما الى السوق.
فقاطعه بيتر " ليس لي بابا "
" بل لديك بك تأكيد يا فتى, وها هو ذا امامك " هتف القاضي بذلك وهو يشير له الى جيرالد, ومهما كان رأيه في الموقف, هو وليزا والآخرون, فقد خططوا لما عليهم ان يفعلوه في الليلة السابقة فقط, وهكذا كان كل ما فعله إزاء عناد بيتر هو قوله له ضاحكاً وهو يلمزه بمرفقه " هل انت بحاجة الى نظارات او ما اشبه, هل انت اعمى يا ولد ؟ إنك تبدو مثل ذلك الرجل تماماً ..."
" كلا, لا اشبهه "
" بل حتى إن لديك عضلات مثله, صلبة كالصخر " واخذ الرجل المسن يجس عضلات بيتر ولكنه لم يستطع إضحاكه " وطبعاً اذا كنت تخاف من ركوب الزورق في الحوض ..."
" انا لا اخاف من شيء "
" انت لا تخاف ؟"
" كلا ,لقد قالت لي جدتي هذا "
والقى نظرة متوترة على جيرالد الذي ادار رأسه إليهما ومضى يتفحص وجه الصبي, مقطباً جبينه.
سأله القاضي " وماذا قالت لك جدتك غير ذلك ؟"
" ان لا اتحدث مع الغرباء "
فأومأ الرجل العجوز باستحسان " آه "
فسأله بيتر " هل انت غريب ؟"
فانتفض القاضي وكأنه جرح, وقال " انا, كلا بالطبع, فأنا صديقك, ألم اساعدك في صنع حصن في المخزن وغير ذلك؟"
فأومأ بيتر ولكن بشيء من التردد " ثم ألا اعيش في نفس المنزل معك؟ "
فأومأ الصبي مرة اخرى وباقتناع اكثر قليلاً.
" حسناً اذن, وهذا يجعلني صديقك اليس كذلك ؟"
قالت روني وهي تنظر في عيني الصبي من مرآة السيارة امامها وتغمز بعينيها باسمة " إننا نحن صديقاك ايضاً يا بيتر ,انا وجيرالد, وهذا هو السبب في ان جدتك حضرتك إلينا اليس كذلك يا جيرالد ؟"
لم يجب جيرالد على الفور ,وقد بدت ملامحه تماثل ملامح الصبي كآبة وتشككاً .كان ما زال مصدوماً من رفض بيتر السابق, وإن يكون أباً له, وإن كان لا يدري لماذا اغضبه هذا الامر .وبعد, فهو لا يريد ان يكون والد الطفل اكثر مما يريده الطفل نفسه.
هتفت روني بصوت خافت محذرة " جيرالد ؟"
فرد بحدة " ماذا ؟" وحملق فيها قبل ان يعود فينظر الى بيتر باستياء وهو يقول " نعم هذا صحيح "
نظرت اليه ساخطة وهي توقف السيارة فترجل من السيارة متصلب الجسم دون ان يقول شيئاً, فنظرت الى القاضي الذي ابتسم لها مشجعاً وقال وهو يشير الى بيتر بأن يخرج من السيارة " الوقت ... هذا ما هما بحاجة اليه "
تنهدت روني وقالت وهي تحمل مفاتيحها وحقيبة يدها " اعلم هذا "
خارج السيارة كان بيتر قد اصبح بجانبها على الفور وعندما مدت يدها تشبث بها وكأنها حبل النجاة.

Rehana 03-09-20 12:43 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
نظرت روني حولها وهي تتنفس بعمق تستعيد بذلك حماستها, ثم منحت الجميع ابتسامة مشرقة وهي تقول " والآن ما الذي علينا ان نفعل اولاً؟ التسوق ام التفرج على مدينة الملاهي؟ "
فقال القاضي " انا شخصياً اريد التسوق اولاً, فأنا بحاجة الى جوارب "
قالت روني " وبيتر بحاجة الى مشط وفرشاة اسنان واشياء مماثلة "
فقال القاضي لجيرالد " وإلى ماذا تهدف انت, يا جيرالد ؟"
ليس للأبوة, كما اخذ جيرالد يفكر وهو يغالب استياءه. كان واثقاً من هذا الامر ,ورمق بيتر بنظرة كئيبة وقد توترت شفتاه وإذ لمح الصبي نظرته تلك حول عينيه عنه بسرعة ,فحول جيرالد عينيه هو ايضاً وإذا بهما تصطدمان بعيني روني الخضراوين الملتهبتين غضباً.
آه إنها مجنونة. واشتدشعوره بالضيق فالتفت الى القاضي بسرعة " انا ..." وتنحنح " اظنني اريد شراء بعض ..."
في الواقع لم يكن يريد شراء أي شيء, وتساءل عابساً عما جعله يلحق بهم .وعادت نظراته المضطربة تصطدم مرة اخرى بنظرات الصبي المتوجسة. وشعر بطعنة ندم مؤلمة, وتنحنح مرة اخرى. إنما هذه المرة لم يحاول لا هو ولا الصبي نظره.
"اظنني اريد ان اشتري شيئاً لأجل... لأجل صديقي الجديد هذا ليلعب به "
قال جيرالد ذلك بصوت اجش بسبب الغصة التي كانت في حلقه, ومد يده متردداً يداعب خصلات شعر الصبي "ما رأيك في ذلك يا بيتر ؟ هل تحب كرة القدم ؟"
لكن بيتر اخذ فقط يحدق إليه صامتاً بحذر ,ولكن عندما انحنى جيرالد عليه وامسك بيده يقوده نحو المتجر بينما روني تمسك بيده الاخرى, لم يجذب الصبي يده منه.

****
بعد ان انتهت روني من شراء كل ما يحتاجونه, سألتهم قائلة " حسناً, الآن ماذا بعد ؟ هل نركب في الزورق ام نأكل الآيس كريم ؟"
ابتسمت في وجه بيتر المتألق " بيتر ,هل يمكنك ان تفترق مؤقتاً عن الكرة لكي نركب الزورق؟ "
فأومأ الصبي برأسه وهو يبتسم بخجل " إنني احب ركوب الزورق "
" أحقاً؟ " واخذت تنظم مجموعة اكياس المشتريات المختلفة في صندوق السيارة وهي تتابع قائلة باهتمام مناسب " هل سبق ان ركبت زورقاً من قبل؟ "
هز بيتر رأسه نفياً, وقال وهو يلقي نظرة على القاضي " كلا, ولكنني لا اخاف من ركوبه "
فضحكت واخذت تعبث بشعره " ألا تخاف ؟ اما انا فكنت دوماً اخاف من ذلك "
فقال بيتر " يمكنك ان تأتي معي "
" احقاً؟ يمكننى ذلك؟ " وصفقت باب صندوق السيارة " لا ادري, ربما اذا جاء القاضي كننغهام هو ايضاً ..."
فقال القاضي وهو يتراجع الى الخلف رافعاً راحتيه "كلا يا سيدتي... كلا اعتبراني خارج هذا الأمر "

Rehana 03-09-20 12:43 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
ولم تكن روني تتوقع اقل من هذا, فنظرت الى هدفها الأساسي جيرالد, تتحداه ان لا يخذلها ,وهي تقول " او ربما جيرالد؟ "
رأت ما ارتسم على وجهه الحكم عليها بالفشل, فقالت له بنظرة ذات معنى " إنني ساستمتع بالركوب لو انك جئت معنا"
ابتسمت راضية وهي ترى ابتسامة أسف على شفتيه وقد بدا المكر في نظراته وهو يقول " لا تكوني واثقة من ذلك " ولكن العبوس الذى ساد ملامحه معظم الرحلة تبدد الآن نوعاً ما " دوماً كنت ماهراً في التجديف "
فاحتفى العبث من ملامح روني واحتل مكانه الاهتمام وهي تقول " كان ذلك من زمن بعيد أليس كذلك؟
وارتفع حينئذ صوت القاضي مخاطباً " هيا بنا , يا بني فلنذهب , أنا وأنت لشراء التذاكر"
تابعت روني عندما ابتعد بيتر والرجل العجوز عن مرمى السمع " كان ذلك فيما مضى, اما الآن فالوقت مختلف ,ولم يعد ما يهمك هو شخصك فقط "
وفي فترة الصمت التي تلت, اخذا ينظران الى بعضهما البعض طويلاً, اراد هو ان يناقشها ان يقول لها إنه غير مسؤول عن احد سوى نفسه وانه لم يطلب إلصاق صفة الأبوة به خصوصاً والطفل ليس ولده, واخذه الى ركوب الزورق في هذا الاحتفال الصغير ليس مما يسره.
ولكن هاتين العينين الخضراوين الكبيرتين المتعلقتين بعينيه ما كانتا لتسمحا له بقول هذه الاشياء. فالطيبة والاهتمام والصراحة التي تنطق بها نظرات روني تتحداه بأن يجرؤ على ان يكون هو اقل طيبة واهتماماً مما هي عليه, ومما تقولان له إن هاهنا صبياً صغيراً بريئاً من كل تعقد, ومرتبكاً وخائفاً وشاعراً بالضياع. ذكرتاه بأن عليه ان يتصرف سواء كان هو اباه ام لا.
تنهد باستسلام وفي الواقع, لم يكن جرب قط افراح الطفولة. والتوت شفتاه بابتسامة أسى, وقال وهو ينظر الى القاضي وبيتر اللذين كانا واقفين في الصف امام شباك التذاكر وقد بدت البهجة البالغة على الصبي ,قال " نعم اظنك على حق فالآن لم اعد وحدي في الحياة "
دهش لشعوره بالسرور وهو يدرك ذلك ويعترف به.
وبعد ذلك بدقائق, نادى من مدينة الملاهي رجل يقول " اصطفوا الى اليمين ايها الناس " ودفع روني وبيتر وجيرالد امامه الى حيث دفع روني اولاً الى قارب الغندول وبعدها بيتر والرجل يقول له " هيا, تقدم الى الامام يا بني لكي يتمكن بابا من الجلوس والآخر "
وجلسوا في القارب الذي كان يهتز بهم برفق ومضوا ينتظرون امتلاء الغندول الآخر ومن ثم ينطلقون جميعاً.
اخذ بيتر يمد عنقه ينظر الى القاضي الذي وقف على الرصيف وهو يبتسم له ضاحكاً رافعاً إبهامه مشجعاً, بينما اراح جيرالد ذراعه على مسند روني, ما جعل الدهشة تتملكها.
ومع ان ذلك كان بشكل اضطراري لا خيار له فيه, إلا ان المشاعر المختلفة تملكته , الى ان وقعت عيناه على يد الصبي الصغير متشبثة بيد روني بشدة.

Rehana 03-09-20 12:44 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وتمنى للحظة مجنونية, لو كان هو الذي يتشبث بيتر بيده وان يده هي التي تحتوي على ما تحتويه يد روني من ثقة وطمانينة.
رفع رأسه واذا به يرى روني تراقبه, فقالت برقة :" إمنح ذلك وقتاً " تماماً كما كان القاضى قال لها من قبل, ما جعلها تعلم بما يفكر فيه جيرالد وذلك من الكآبة التي سادت ملامحه ,وتابعت تقول " انك تقوم بعمل رائع "
واذ شعر بخجل احمق, هز كتفيه متظاهراً بعدم الاكتراث وهو يحول عينيه بعيداً, وحوله كان العالم خليطاً من الالوان, موسيقى مدينة الملاهي, نداءات الباعة واصحاب الحوانيت واماكن التهريج مزيج من الروائح المختلفة, البوشار ,غزل البنات, واكثر من كل ذلك عبق الازهار الذي اقترن في ذهن جيرالد بفيرونيكا سايكس.
يا للغرابة, اخذ يفكر في كل هذا وهو يحدق في قبة السماء الزرقاء اللانهائية فوق رؤوسهم ويتنفس بعمق, عندما لا يكون ناظراً الى روني وإنما يشعر بها فقط ويفكر فيها, كان يعتبرها رائعة الجمال, ولكن عندما ينظر إليها...
والتفت إليها يحدق في وجهها من الجانب كان وجهها بأنفها القوي وفمها الصارم وذقنها العنيدة ,رأى فيها مزايا كثيرة رائعة ليس اقلها شعر كثيف لامع قاتم اللون كانت خصلاته القصيرة تتطاير مع النسيم فتمسكها بزاوية فمها.
ودون وعي منه مد جيرالد يده وابعد الخصلات تلك ,وبوجنتيها المتوردتين من الاثارة وعينيها الخضراوين اللتين استدارتا الى عينيه مجفلتين, دهش جيرالد وهو يكتشف مرة اخرى ان فيرونيكا سايكس لم تكن عديمة الجمال كما ظن عندما رأها لأول مرة.
بعد ذلك بخمسة ايام ,وكان يوم الخميس, ذهب في فرصة الغذاء, كالمعتاد لزيارة فرانك تيلمان وهو الضابط المكلف بشؤون السجناء المطلق سراحهم قبل الاوان بكلمة شرف. كان جيرالد يتقدم بخطوات واسعة نحو المبنى الرسمي شاعراً بالنشاط رغم عدم حصوله على معلومات من الصبي بالنسبة الى مكان وجود جدته, ولكنه كان يشعر بأن الحال قد تحسن من ناحية اخرى, فقد اخذ بيتر يبدو اقل خوفاً منه كما كان هو ايضاً اقل خوفاً من بيتر.
وفي الواقع عندما استيقظ الصبي في الليلة الماضية وهو يبكي رأى جيرالد في نفسه المقدرة على معالجة الوضع بنفسه, فبدلاً من ان يصاب بالذعر ويوقظ روني من نومها ,حمل الصبي بين ذراعيه بكل بساطة ثم اخذه الى سريره هو لينام معه.
لم يقاومه بيتر رغم استلقائه جامداً لحظة الى ان ابتدأ جيرالد بالكلام, فأخذ يحدث الصبي وذراعاه معقودتان خلف رأسه وعيناه مغمضتان, اخذ يحدثه كيف كان يخاف مثله عندما كان صبياً صغيراً, هو ايضاً.
ولهذا ليس ثمة ما يدعو الى الخجل من ذلك كما ان لا خجل من شوقه الى جدته.
ولكن كم كانت دهشته كبيرة عندما فتح الصبي عينيه وقال " انا لست مشتاقاً الى جدتي ما دامت روني هنا ,انني مشتاق اكثر الى آرف "
" آرف ؟"
" نعم, وهو كلبي, ثم ان جون لا يحبه و..."
" ومن هو هذا الرجل جون ؟"

Rehana 03-09-20 12:44 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" انه صديق جدتي, وهو يرفس آرف "
فقال جيرالد باشمئزاز " يبدو انه قوي "
ونهض متكئاً على مرفقه ومضى يحدق في الصبي الذي كان الآن مستكيناً اليه متكوراً نحوه.
فقال بيتر برزانة " كلا, فهو ليس قوياً. ان جدتي تقول إنه خامل لا يصلح لشيء "
ما احسنه مكاناً تتركين فيه ابنك, يا مارسي كامب, ربما كانت الجدة من الذكاء بحيث احضرته إليّ ...
واستسلم الصبي اخيراً إلى النوم مستكيناً خلف جيرالد, وكان ما يزال هناك في الصباح عندما نهض جيرالد من سريره متوجهاً الى عمله.
سأله الضابط المسؤول وهو مستغرق في تصفح ملفه " كيف تسير الامور معك ؟ هل العمل جيد ؟"
" جيد تماماً"
" اما زلت غير مهتم في البحث عن عمل افضل ؟ إنك تضيع ..."
فقاطعه جيرالد " ربما كان الأمر كذلك " لم يكن يريد ان يدخل في محاضرة طويلة عن جبنه ... لأن هذا هو السبب وكان هو يعلم ذلك إذا ما اتجه الموضوع الى البحث عن مهنة افضل " ولكنني حالياً راضٍ عما اقوم به فما زال امامي كثير من الامور علي ان اسويها "
" مثل ماذا ؟"
" حسناً, ان لديّ الآن هذا الصبي يعيش معي "
" آه "
شيء في صوت الضابط تيلمان أثار انتباه جيرالد, فسأله: "هل هناك أي مشكلة في هذا الأمر ؟ "
فقال الضابط عابساً: " هل قلت إنه صبي ؟ "
قال جيرالد متململاً شاعراً بعدم الإرتياح :" نعم ." ذلك أن موقف الضابط تغير من شبه الإهتمام إلى الاستفهام والفضول .
" هل هو ابنك ؟ "
" هذا ما هو مكتوب في شهادة الميلاد "
" ولكن... "
لكن جيرالد لم يعبأ بالتفكير قبل أن يجيب , إذ كان يعلم أن مصير بيتر سيقرره الضابط نهائياً إذا هو أظهر أي نوع من التشكك , فقال هازاً كتفيه " : ولكن لاشيء في ذلك , فالصبي هو إبني . "
" والأم ؟ "
" ميتة . "
" آه , فهمت . "
يا له من وغد عديم الاكتراث .

****
لكن جيرالد لم يكن يدرك مبلغ عدم اكتراث الضابط هذا إلا يوم الاثنين التالي عندما اتصل به الضابط تيلمان الى النزل, لم يكن الحديث طويلاً وعندما انتهى, بدا التجهم على وجه جيرالد.
" ماذا هناك؟ " القت روني هذا السؤال عليه بقلق بعد ان لم تعجبها الطريقة الحذرة التي تجنب فيها جيرالد نظراتها المتفحصة وهو يضع السماعة متمهلاً, ولا ارتجاف العضلة في خده كان هو الشيء الوحيد في وجهه الذي تحرك, وهذا ما اقلقها ايضاً. وعادت تسأله " هل ثمة خبر سيء؟ "

Rehana 03-09-20 12:45 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
عند ذلك نظر اليها " لو كان هذا السؤال منذ اسبوعين, لكنت اجبت كلا " شبك ذراعيه فوق صدره واستدار ينظر من النافذة.
" والآن ؟"
فاطلق ضحكة قصيرة جافة " اما الآن فأنا من الجنون بحيث ..." واطلق شتيمة ثم استدار اليها يقول " إنهم يطلبون بيتر "
تراجعت روني الى الخلف " من ؟"
فقال بمرارة " ذلك الضابط ... السلطة لقد قرروا ان مداناً سابقاً غير متزوج لا يصلح لأن يكون والداً "
" و... ولكن ... ولكن كيف امكنهم ان يعلموا ... اعني من هو الذي اخبرهم ..."
" انا من اخبرهم, تباً لي " وضرب بقبضته على راحة يده الاخرى وهو يسير في انحاء الغرفة " لقد اخبرت الضابط بذلك "
فقالت وهي تحاول تهدئة مخاوفها " حسنا " ذلك انها قد اصبحت تحب بيتر الصغير , فكيف تدعهم يأخذونه " أعني ما المانع من ان تخبره ؟ وبعد, فالمفروض فيه ان يساعد "
" ما المانع من ان اخبره ؟" القى عليها هذا السؤال بغضب وهو يقف امامها " ساخبرك لماذا لم يكن عليّ ان اخبره لأنني غير بقية الناس, فكان علي ان اكون اكثر حكمة. هذا هو السبب, أليست هذه السلطة بالذات هي التي جرجرتني طوال حياتي من مكان الى آخر ؟ أليست هي التي وضعتني هنا وهناك , وهي دوماً تظن انهم يعرفون الافضل في حين ان الامر هو العكس "
سكت لحظة وهو يتنفس بمشقة ويحدق اليها. وكانت الكآبة على وجهه اكثر مما تستطيع روني احتماله.
" جيرالد ..."
ولكنه هز رأسه وهو يمسح وجهه بيده ونظر بعيداً وهو يقول " المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالسعادة على الاطلاق, المكان الوحيد الذي شعرت انه بيتي حقاً, اخرجونى منه بعد ثلاثة اشهر فقط لانهم علموا ان الزوجين اللذين اعيش معهما لم يكونا متزوجين كانا في الاربعينات من العمر وكانا امضيا معاً ثمانية عشر عاماً, فقد كانت زوجة الرجل في مصح عقلي تعاني من جنون لا يشفى ولكنه لم يشأ ان يطلقها لأنه كان بالغ الطيبة والشهامة "
اغمض جيرالد عينيه على الألم المدفون في اعماقه منذ زمن طويل, والذي كان يظنه ذهب وتلاشى , ولكنه ما زال باقياً بنفس العنف الذي كان عليه حينذاك " ولكن حسب رأي السلطة, لم يكن ذلك الرجل من الطيبة بحيث يصلح لان يرعى طفلاً يتيماً بليداً مثلي "
شعرت روني وكأن ألم جيرالد ألمها هي, فمست ذراعه تخفف عنه, وعندما فتح عينيه لينظر اليها حاولت ان تبتسم له, فلم تفلح تماماً وقالت بهدوء " أليس هذا الذي تريده ؟ ان تتخلص من الصبي ؟"
حدق جيرالد اليها وكأنها فقدت عقلها ثم قال بعنف " ولكن ليس بهذا الشكل, ليس بأن يأخذوه هم, لقد كنت جربت اساليبهم وأنا أفضل ان احتفظ بالصبي معي طوال العمر ..."
فقطاعته وقد تاأقت عيناها رجاء " هل هنالك وسيلة تجعلهم يسمحون لك بذلك ؟ اتظن أي شيء بإمكاني مساعدتك به ؟"
" أنتِ ؟" وتخلل جيرالد شعره باصابعه وهو ينظر الى السقف ويضحك بخشونة ساخراً من نفسه " آه, هذا مؤكد, هذا إذا نحن ...."
وسمرها بنظراته لحظة ثم تابع يقول " هل تتزوجين ؟"

نهاية الفصل

Rehana 05-09-20 11:53 AM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل السادس

" أتزوج؟ " وتراجعت روني الى الخلف " أتزوجك أنت ؟"
فأجاب جيرالد ساخراً من ردة فعل روني ازاء اندفاعه هذا بطلب الزواج " كلا ,بل من بابا نويل " ذلك انه لم يكن جاداً في الواقع, ولكن هل كان عليها ان تتصرف وكأن ما سمعته هو اكثر الافكار جنوناً ؟
وتابع يقول " تتزوجيني أنا طبعاً, لقد قلت انك تريدين ان تساعديني اليس كذلك ؟ حسناً ..."
وهز كتفيه تاركاً إياها لاستنتاجاتها الخاصة, واخذ يحدق من النافذة.
اخذت روني تحدق في ظهره وخفقات قلبهت تتسارع ,ان تتزوج من جيرالد...
فزعت وهي ترى ان اول ردة فعل لها ان تقول نعم لهذا العرض منه بينما كان واضحاً ان جيرالد إنما يريد بهذا القول ان ينفس عن شعوره بالاحباط.
فقالت " الامر ليس مضحكاً, وانا لا استطيع ان اصدق ان بإمكانك ان تمزح في وقت كهذا "
فقال جيرالد بجفاء وهو واقف بجانب النافذة " ولا أنا "
واضاف بوقاحة وللمرة الثانية وهو يخرج من الغرفة " ثم ما ادراك انني امزح ؟"
ما الذي كان يعنيه بهذا الكلام ؟ اهي مجرد ثرثرة ؟ وهل جن الرجل ؟

Rehana 05-09-20 12:15 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وضعت يداً مرتجفة على جبينها. لا بد انها الحرارة ما جعلته يتكلم بهذا الشكل. تتزوج جيرالد مارسدن؟
واخذ رأسها يخفق مشاركاً بذلك قلبها إنه لم يكن جاداً, بالرغم من رده ذاك الذي تركها غاية في الارتباك, نعم من المؤكد انه كان يمزح.
ولكن روني حدثت نفسها بأنها لا يمكن ان تتزوج جيرالد سواء كان جاداً ام مازحاً حتى ولو كان اروع رجل في العالم... كلا , ليس ثمة ما يجعلها تتزوج منه, باستثناء...
سارت روني نحو النافذة واخذت تنظر منها, دون أن ترى شيئاً, ومن خلف الباب المجاور كان الكلب روفوس ينبح ما يعني ان مارغو بنسون اما خارجة الى مكان ما, واما عائدة . والآن ماذا بالنسبة الى بيتر؟
جذبت نفساً مرتجفاً. اذا اصبح بإمكانها في حالة زواجها من جيرالد ان تحتفظ ببيتر الذي اصبحت شغوفاً به, أفلا تقدم على ذلك؟
واطلقت نفساً آخر مرتجفاً, هل هناك سبب يجعلها تقبل الزواج من جيرالد افضل من حماية بيتر من الغرباء الذين لا يهتمون به, ومن منحه البيت والحب؟ ثم بالزواج من جيرالد, قد يمنحه ذلك نوعاً من الاسرة والانتماء لم يعرفه في حياته؟ أليس هذا السبب شيئاً يستحق ذلك؟
شبكت ذراعيها على صدرها تحجب بذلك توتر اعصابها وهي تحدث نفسها بأن بإمكانها الآن ان تقوم بشيء مفيد, إذا كان جيرالد جاداً حقاً بالنسبة الى زواجهما, وإذا كان ذلك الطريقة المثلى لحماية بيتر من ان تستلمه السلطة . لن يضيرها شيئاً ان تتفحص الامر.

****
قالت روني للمرأة المتعبة المظهر الجالسة خلف المكتب " اريد ان أرى السيد تيلمان من فضلك "
فسألتها المرأة دون ان ترفع بصرها اليها " هل لديك موعد ؟"
" كلا , وقد كنت اتصلت من قبل لكن... "
" هل أنت سجينة سابقة؟ "
" كلا , أنا لست كذلك أنا... "
" ماذا تريدين منه اذن؟ "
" إسمعي " كانت روني تملك مزايا كثيرة حسنة ولكن الصبر على نظام المكاتب لم يكن واحدة منها, هذا الى أنها لم تشأ ان تفضي بأمورها الخاصة الى هذه التي لم ترفع بصرها اليها " هل السيد تيلمان هنا ام لا, لقد اخبروني عندما اتصلت سابقاً انه في الخارج ولكنهم قالوا ..."
" إنه هنا "
" شكراً, هل يمكنني التحدث اليه؟ "
واخيراً اطبقت المرأة الملف الذي كانت تاخذ عنه ملاحظات, ثم رفعت عينيها اليها, كان الارهاق بادياً فيهما كما كان الكحل يلطخ ما حولهما. كل ما يبدو في وجهها كان ينبئ عن يوم شاق. ونظراً لنوع عملها الحكومي, فقد وجدت روني لها عذراً.

Rehana 05-09-20 12:16 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فقالت بحراراة " انني فيرونيكا سايكس اخبرني من فضلك عما إذا كان السيد تيلمان يمكنه استقبالي وفي اية غرفة هو "
" انه في غرفة 305 الباب الثاني الى يمينك "
اشكرك "
وبعد ذلك بلحظة, كانت روني في مكتب تيلمان تعرفه بنفسها مرة اخرى.
" انني لن آخذ سوى لحظة من وقتك يا سيد تيلمان " قالت ذلك وهي تجلس على الكرسي الذي اشار لها اليه الضابط. وتضيف قائلة " إن الأمر يتعلق بجيرالد مارسدن "
أومأ الضابط لها بمتابعة حديثها, بينما كان يتكئ الى الخلف وهو يضع يده على ذقنه وفمه.
شعرت روني بشيء من التوتر إزاء تحفظ الرجل الهادئ ولكنها قررت عدم إظهار ذلك وهي تنظر في عينيه قائلة " انني...انني خطيبة جيرالد وسنتزوج قريباً جداً " وكانت تلعثمت قليلاً وهي تلقي بكذبتها هذه.
" أحقاً؟ " القى عليها الرجل هذا السؤال رافعاً حاجبيه وقد بدا الفضول فجأة في صوته وهو يتفحصها باهتمام.
شعرت روني بارتجاف داخلي إزاء نظراته هذه, بينما تابع هو يقول متأملاً بعد لحظة " كان المفروض ان يأتي جيرالد على ذكر ذلك, أهذا تطور جديد في شؤونه؟ "
فقالت بصوت متهدج, الامر الذي اغضبها من نفسها فتنحنحت بحدة واستقامت في جلستها وهي تذكر نفسها بأنها في سبيل مصلحة بيتر , تصرفها غير سيء وإنما العكس تماماً قالت " تطور جديد؟ "
ورفعت رأسها تقول " إذا اردت ان تصف مدة سنتين بتطور جديد "
" سنتان؟ " قال الضابط ذلك وقد اصبح الآن في كامل اليقظة, فاستقام في جلسته وقد بدا على ملامحه معنى يقول : من تراك تخدعين ؟" يبدو لي ان خطيبك كان منذ سنتين في السجن في آخر البلاد , بينما انت يا آنسة سايكس إذا لم اكن مخطئاً ساكنة هنا وتديرين... " ونظر في الاوراق التي امامه " تديرين نزل روني " ثم عاد بنظراته اليها " أليس هذا صحيحاً يا آنسة؟ "
" صحيح تماماً, يا سيد تيلمان " وازداد استقامة قامتها وهي تقول دون ان تطرف لها عين " لقد كان تعارفنا انا وجيرالد بواسطة البريد لقد تراسلنا لفترة ثلاث سنوات قبل ان يتقدم إليّ خاطباً "
" صداقة قلم ما تعنين, " وبدت السخرية في لهجته.
" نعم كان ذلك في البداية, وعلى كل حال, وفي الوقت المناسب " ومنعت حمرة الخجل والارتباك من ان تلون وجهها ازاء سخرية الضابط الخفيفة هذه بينما استمرت تتابع كلامها " لقد احببنا بعضنا البعض و... "
تنحنحت وهي تفكر في ان جيرالد لو علم هذا لأغمي عليه " وعلى كل حال, فقد قررنا الزواج وان نربي معا ابن جيرالد, تماماً كما هو الامر الآن "

Rehana 05-09-20 12:17 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
"فهمت "
" وهذا ما جعلني أجيء إليك اليوم "
فقال مداعباً بظرف بالغ " والآن, لماذا لم يدهشني هذا ؟" فاهتز قلب روني ربما لم يكن هذا الرجل ذلك الغول المخيف الذي كانت تخشاه. ربما لم يكن حقاً يحيي الليالي وهو يصمم طرقاً لاختطاف الاطفال الصغار من البيوت التي تحبهم.
انحنت الى الامام تقول " إنني معلمة مدرسة يا سيد تيلمان, وانا احب الاطفال, كما إنني احب بيتر الصغير , اما جيرالد مارسدن فقد كفر عن خطيئته تجاه المجتمع وهو رجل طيب كما إنه ..." وابتلعت ريقها وقد تملكها التوتر مرة اخرى " وهو يريد ان يحقق العدل بالنسبة الى الصبي "
وهذا كان صحيحاً بكل تأكيد.
بقى الضابط يفكر , ولكنه بعد لحظة أومأ ببطء وهو يقول " إنني واثق من ان ذلك صحيح يا آنسة سايكس, وصدقيني اذا انا قلت لك ان السلطة تريد اولاً وقبل كل شيء الخير للصبي. وفي اكثر الحالات يعني ذلك ابقاء الطفل او الطفلة في عناية والدين طبيعيين حسب الامكان "

****
وفيما بعد, عندما عادت روني الى النزل بقيت فترة لا تصدق كم كانت نهاية المقابلة حسنة رضية. كانت افكارها تجول في خاطرها بفوضى تقريباً لشدة الارتياح لحل المشكلة, كما كانت متلهفة للانفراد بجيرالد لكي تخبره بما حدث وتبدي استعدادها للزواج منه لأجل بيتر , ولكنها لن تستطيع ذلك إلا بعد انتهاء العشاء, واستحمام بيتر ونومه.

*****
صعد جيرالد السلم الى الطريق الأعلى جاراً قدميه وهو يتذمر غاضباً. ما الذى يعرفه عن غسل الاطفال ؟ لا شيء والاكثر من ذلك, انه لم يكن يفكر في ان يتعلم ذلك, فكيف وجد نفسه متورطاً في هذه المهمة الليلة؟ أي شخص من الآخرين كان يسره تماماً ان يقوم بذلك كما كانت عادتهم منذ وطأت قدما بيتر عتبة هذا المكان.
كانت روني قالت له " إنه ابنك " متجاهلة رده " إنه ليس ابني " وكأنه لم يقل شيئاً وهي تتابع " لقد كنت جافاً معه في اليومين الماضيين ما آلم الصبي, وعليك ان تزيد من التقرب اليه يا جيرالد وإلا فلن يشعر ابداً بعلاقة حميمة معك "
" إنه يخاف مني"
"حسناً, وهل تلومه ؟ إنك إما متجهم مستعد حتى لعضه, وإما متجاهل له تماماً "
" هذا لأننى انا ايضاً خائف منه " لقد ادهش نفسه بهذا الاعتراف اكثر مما ادهش فيرونيكا التي كانت قالت حينذاك " اعلم ذلك, ولكنك انت الكبير هنا "

Rehana 05-09-20 12:17 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فأجابها باكتئاب " انت تظنين ذلك " ما جعلها تضحك وهي تحثه قائلة " هيا تابع, واصعد اليه, فهو في البانيو منذ نصف ساعة يلهو ويلعب و...جيرالد... "
" ماذا ؟"
وبدا عليها الخجل على غير عادة, جاعلة جيرالد يتساءل عما عسى ان يكون هناك.
" هل يمكنني التحدث اليك فيما بعد؟ "
" بكل تأكيد "
حسناً, هذا فيما بعد. لكن الوقت حالياً هو الآن, على كل حال وهو في الحمام في الطابق العلوي دون ادنى فكرة عما عليه ان يفعل.
فتح باب الحمام بحذر وتردد, ولكنه لم يتجاوز العتبة على الفور , وبدلاً من ذلك, وقف ينظر الى الصبي دون ان يلحظه هذا, وهو يعبث في الماء بصحن الصابونة.
كان ظهر بيتر نحوه, ما امكنه ان يتأمل ذلك الصبي الضئيل والذي كان جلداً على عظم. كانت سلسلة ظهره بارزة الفقرات لا يغطيها سوى الجلد.
كان ضئيلاً للغاية, بالغ العجز وهو يجلس في ذلك الحوض, وقبضت مشاعر الألم صدر جيرالد, لم تكن هي المرة الاولى التي تتملكه فيها مشاعر كهذه نحو الصبي ولكنها لم تكن مريحة ولا مقبولة وإنما غاضبة , ما يجعله يكافح للتخلص منها.
قال " إنتهى وقت اللعب " وتقدم نحو الحوض وقد بدا صوته أكثر حزماً مما كان ينوي. وإذ رأى الصبي يجفل ويدير رأسه بعنف وقد بدا الخوف على وجهه, اخذ يشتم في داخله متمنياً لو يعض لسانه. قال مرغماً ملامحه وصوته على تخفيف ما بدا عليهما من حدة " لا بد ان الماء قد برد " ومد يده الى الماء يختبره.
حاول ان يبتسم فلم يستطع وبقي بيتر ينظر اليه بحذر ليقول بعد لحظة " قال ليو إنه سيحضر ليغسلني "
" حسناً, لقد جئت انا لأقوم بذلك بدلاً عنه " ودفع صحن الصابونة البلاستيك باصبعه ثم قال " أي نوع من الزوارق لدينا هنا الآن ؟ أتراه زورقاً بكابين ام شيئاً آخر ؟"
فهز بيتر كتفيه واحنى رأسه قائلاً " هذا شيء غير حقيقي "
ثم جمع الصحن وفرشاة الاسنان وضعهما على حافة الحوض تاركاً جيرالد يشعر بالخيبة وعدم المقدرة على التعامل معا.
" والآن, كيف سنقوم بهذا الامر ؟ هه؟ الشامبو اولاً, اليس كذلك؟ " امسك بالزجاجة واخذ يتأملها " هل هذه هي المادة التي علينا ان نستعملها؟ "
وحيث إنه كان قادراً تماماً على قراءة ما هو مكتوب على الزجاجة, كان سؤاله عبارة عن تحايل منه ليحمل الصبي على الحديث معه. ويبدو انه نجح في ذلك, جزئياً على الاقل, لأن بيتر القى نظرة ساخرة وهو يقول " ان الآخرين يعرفون جميعاً ذلك, فلماذا لا تعرف انت ؟"
وإذ شعر بالارتياح لنجاحه في اخراج الصبي عن تحفظه مرة اخرى, منحه شبه ابتسامة جافة " اظن هذا لانني لم اغسل جسم صبي قط من قبل "

Rehana 05-09-20 12:18 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
تقبل بيتر هذا القول ,وبقى لحظة يتفحص وجه جيرالد برزانة, ولكن الخوف كان قد تبدد من ملامحه وهو يسأله " لماذا؟"
اجاب جيرالد وهو يقابل عيني بيتر الواسعتين, باذلاً جهده عبثاً للظهور بمظهر الاسترخاء, اجاب قائلاً " ربما لأنه لم تحصل لي فرصة لذلك, إذ لم يكن لديّ ولد قط من قبل "
مضت لحظة اخرى من الصمت المتبادل قال بيتر بعدها " وانا ايضاً لم يكن يى بابا من قبل " وبعد قليل اضاف يقول " قالت جدتي ..." ثم سكت وقد بدا ان شجاعته خانته.
فقال جيرالد يشجعه بعد ان كره ان يخسر ما كان اكتسبه من قبل " اخبرني يا بيتر ,ما الذي قالته لك جدتك؟ "
" قالت " وتلاشى صوته وهو يزدرد ريقه وامتلأت عيناه فجأة بالدموع وهو ينظر الى جيرالد " قالت لي انها... انها ستأخذني لأعيش مع... مع... با... بابا ...ولكن... "
وارتجفت شفته السفلى بشكل يدعو إلى الرثاء وتدحرجت على خديه دمعتان كبيرتان .
" ولكن ..." سكت جيرالد وقد كادت شفته ترتجف هو أيضا , وأخذ يتساءل بنوع من العجز والغضب لماذا كان هو أمضى طفولة شاقة لعينة .
سأل نفسه كيف يمكنه أن يجعل طفولة هذا الصبي أكثر سهولة , ولو لفترة قصيرة على الأقل .
وتجاوبت كلمات روني في ذهنه ( إبدأ في تثبيت علاقتك به ) وكانت من الوضوح وكأن روني معه في الغرفة .
" ولكنك لست ... أنت لست ... " ومع أن بيتر كان يبكي الآن ولم يستطع النطق بالكلمات كما يجب , إلا أن جيرالد لم يكن بحاجة إلى سماعها ليعرف ماهي .
أنت لست أبي .
وكان هذا صحيحاً تماماً , فهو ليس والده , كما أخذ جيرالد يفكر وقد تهجم وجهه , ولكنه مع ذلك , لم يجد أي سرور في أن يكرر ذلك , بل العكس , فقد انتبه إلى نفسه وهو يتمنى لو أنه كان حقاً الولد فيضع بذلك حداً لتعاسة الصبي .
وشعر فجأة بألم عميق وهو يرى بيتر يشهق باكياً , ما حطم قلبه , فأخذ يدعك ظهر الصبي الهزيل وهو يحاول أن يقول مؤكداً : " ومن قال إنني لست أباك ؟ "
كان يرى أن المراوغة ليست كذبة تامة , وفي مثل هذه الحالة , هي أكثر رفقاً من قول الحقيقة .
ما لبثت الشهقات أن توقفت : " كلا ... لا ... ليس لي ..."
فأمسك جيرالد بذقن الصبي يدير وجهه إليه : " ما الذي تتحدث عنه , إذن ؟ "
فهز بيتر كتفيه وهو يحملق في وجه جيرالد بعينين بدا فيهما الرجاء : " أنا ... إنك لم تقل ... لم تقل أبداً أن بإمكاني أن أناديك ( بابا ) . "
" أحقاً لم أقل ؟ حسناً ... قل ذلك ... " واستطاع جيرالد , بشكل ما , أن يرسم على فمه إبتسامة ملتوية وهو يضرب هازلاً كتف بيتر الهزيل بقبضته : " كنت أتصور أنك ستدعوني بذلك من تلقاء نفسك , ولكنني أظن أن هذا كان غفلة مني ... هل أقول لك ما ..."

Rehana 05-09-20 12:18 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
أمسك بالمنشفة وأخذ يمسح بها وجه الصبي برفق " دعنا نتفق على شيء , وهو أننا منذ الآن فصاعداً , إذا كان هناك شيء أنت غير واثق منه , أو إذا كان ثمة ما يزعجك , فتعال وتحدث إلي بكل صراحة فنحاول أن نحل المشكلة معاً . ما رأيك في ذلك ؟ "
أجاب الصبي متلعثماً : " هذا ... هذا حسن . " وأشرق وجهه بابتسامة بلغت من التألق حداً جعلت عيني جيرالد تغرورقان بالدموع .

*****
بعد ذلك بحوالي الساعة , كان ليو كومينسكي والقاضي يخوضان معركة على لوحة الشطرنج في غرفة الجلوس . والعمة لويزا والسيدة هينكز العجوز كانتا تقومان بشغل الإبرة وتتحدثان عن حكاية وقت النوم , التي قرأتاها لبيتر الليلة الماضية . فالقرءة للصبي قد أصبحت نظاماً مستقراً كانت المرأة العجوز توليها اهتماماً بالغاً وتنتظرها بصبر فارغ . لقد استطاع بيتر , بشكل ما , أن يتسلل إلى قلبها كما استطاع مع الآخرين .
كانت روني جالسة في الارجوحة على الشرفة وقد رفعت ساقيها على المقعد , رافعة شعرها عن رقبتها بيد , وباليد الأخرى تروح بمجلة على وجهها . كانت تفكر في أفضل طريقة تدخل فيها الموضوع الذي في ذهنها , ولكنها لم تجد طريقة مناسبة .
وهكذا كل ما قالته كان : " الجو شديد الحرارة . "
فقال جيرالد وكان واقفاً عند حاجز الشرفة : " نعم ." كان يضع يداً على الحاجز بينما يدس يده الأخرى في جيب الشورت الذي يرتديه . ومع أنه أجابها على تعليقها هذا إلا أنه لم يسمع بالضبط ما قالت . فقد كان مستغرقاً في أفكار مزعجة وذلك منذ وضع بيتر في سريره .
لم يسبق له قط أن شعر بعاطفة تجمعه بشخص ما , ولم يشأ ذلك قط . فالعواطف كانت تخيفه للغاية . ومنذ إخفاقه ذاك مع الوالدين الوحيدين اللذين سمح لنفسه بأن يحبهما من كل قلبه , واللذين أحباه هما أيضاً وقدما طلباً للسلطات برعايته , لكن السلطات لم تقبل وأبعدته عنهما ...
منذ ذلك الحين لم يسمح لنفسه بأن يبادل أحداً مشاعر المحبة والتقرب حتى ولا مارسي والدة بيتر والتي كانت ضعيفة عاجزة أمام الحياة , كما أنها طيبة حلوة ودود , ومع ذلك لم يسمح لها بأن تدخل قلبه الذي كان تحطم ذات يوم .
وها هو ذا الآن لن يسمح قط لأحد بأن يدخل قلبه , مرة أخرى , إنه يتعهد لنفسه بذلك , وقد تجهم وجه ... ولكن بيتر كان الآن يتسلل الى نفسه ويمتزج بمشاعره .
كان هذا أمراً مخيفاً ما دام ليس ثمة طريقة تجعله يحتفظ بالصبي . فقد كان عليه أن يبني حياته . إن أمامه سنوات وسنوات لكي يتم له ذلك ولهذا . وتباً لذلك , سواء طالبت به السلطات أم لا , ما أن يعثر على أثر لجدته , وهذا لابد أن يحدث , سيخرج الصبي من حياته . ولكنه سيفتقده بجنون ...
تنهد بضعف . ووضع جبهته على العامود , وهو يسأل نفسه عما جعل حياته تتعقد مرة أخرى بهذه السرعة ؟ لقد كان يظن انه ما أن يخرج من السجن حتى تصبح حياته سهلة ميسورة . فيأكل وينام , ويعمل ويبتعد عن التدخل في شؤون الغير ولا يهتم إلا بشؤونه الخاصة . تلك هي النصيحة التي زوده بها مايك الكبير المحكوم بالسجن المؤبد , وهذا ما صمم عليه ... أن تكون حياته بسيطة غير معقدة .

Rehana 05-09-20 12:19 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
ما عدا أنها لم يجد البساطة في حياته منذ أن جاء الى هذا المكان . هو الذي عاش وحيداً على الدوام , يجد الآن الناس يقبلون عليه من كل صوب . والأسوأ من ذلك انهم أناس يحبهم ويهتم بأمرهم ولا يريد أن يؤلمهم . من أين جاؤوه كلهم ؟ يا للبؤس , فهو كان يريد أن يتعود على الحرية والحياة الطبيعية , مهما كان الأمر , وعلى العيش حياة منتظمة .
نهض واقفاً يضرب العامود بقبضته بخفة ويفكر ... لماذا لا يدع السلطات تأخذ منه الصبي الآن , قبل أن تتوقف العلاقة بينهما , وقبل أن يصبح الأمر مؤلماً بالنسبة إليه هو , جيرالد ؟
كان جيرالد يعلم الجواب , وهو أن القسوة ما كانت قط جزءاً من شخصيته .
فأين انتهى به كل هذا ؟ انتهى به إلى محاربة نظام أمضى حياته يحاربه دون أن ينتصر ولو مرة واحدة ؟ وليس ثمة طريقة يمكنه أن يهزمهم بها إلا إذا ...
ورفع رأسه ينظر إلى روني وإذا به يدرك أنها كانت تنظر إليه طوال الوقت , وذلك في ضوء الشفق تلاقت نظراتهما فأخذ جيرالد يفكر , إلا إذا وضع مسألة الزواج في الإعتبار.
سألها : " هل تمانعين في جلوسي بجانبك على الأرجوحة ؟ "
فأفسحت روني له مكاناً بجانبها دون أن تنطق بكلمة . لقد رأت نفسها في وضع مريح غاية في الإسترخاء , بينما هي في الحقيقة , كتلة من الأعصاب المتوترة .
جلس جيرالد بجانبها على الأرجوحة , مدلياً قدميه إلى الأرض , ولكنه مد ذراعه على مسند الكرسي بنفس الطريقة التي فعل فيها ذلك في الزورق . لم ينظر إلى روني ولكن قربه منها حرك مشاعره . أخذ ينظر أمامه , بينما سألته هي : " كيف كان الاستحمام ؟ " وشبكت يديها حول جسمها تغطي بذلك رجفة مفاجئة للمصارحة المتوقعة . ذلك أنها في خلال دقيقة , عليها أن تتحدث عن مقابلتها للضابط تيلمان .
أطلق جيرالد ضحكة قصيرة جافة , دون أن ينظر إليها , ثم قال : " إنني لم أغرق لك الحمام بالمياه . "
فقالت ضاحكة هي أيضاً : " مسرورة لسماع ذلك . ولكن ليس هذا ما كنت أعنيه . "
" أعلم هذا . " ومنحها إبتسامة باهتة : " لا تقلقي , فقد تقربت إليه كثيراً . "
" هذا حسن . أما السبب الذي أردت أن اتحدث عنه إليك ... "
" نعم ؟ "
" أنا ... أنا ذهبت لرؤية ضابط السيد تيلمان , هذا النهار . "
" ماذا تقولين ؟ "

Rehana 05-09-20 12:20 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
هتف بذلك وهو يندفع واقفاً من على الأرجوحة بينما أجفلت روني بشكل ملحوظ . لقد كانت توقعت من احتمال شعور جيرالد بالمفاجأة , ولكنها لم تتصور قط أن يحملق جيرالد فيها غاضباً بهذا الشكل .
قال وكأنه ينفث اللهب : " يا للجرأة . "
فاحتدت بالمقابل , وهبت واقفة هي أيضاً وهي تقول من بين أسنانها المطبقة : " إذا كان هذا يعني الاحتفاظ بالصبي هنا معنا , فإن لدي الجرأة للقيام بأي شيء , أيها السيد . "
" إن تيلمان يخصني أنا . "
" ليس إذا تعلق الأمر ببيتر . فقد جعلت أنت ذلك الصبي يخصني أيضاً . "
رفع ر احتيه معاً وهو يقول : " لا بأس لا بأس , أنا آسف . "
فأومأت برأسها , ثم قالت : " بعد أن أتيت على ذكر الزواج الليلة الماضية ..."
فحملق جيرالد فيها بذهول وهو يقول : " كلا ... قولي إنك لم تحدثيه عن ذلك . "
" بل حدثته . "
غطى عينيه بيده وهو يئن .
" ليس هذا فقط , بل أخبرته بأننا مخطوبان . "
" آه , ياله من كابوس ..."
فتابعت روني متظاهرة بالهدوء , وكأنه لم يقل شيئاً : " المسألة هي , إذا نحن تزوجنا , أنا و أنت , فسيبقي بيتر معنا . "
" هذا رائع " وبقى وجهه مدفوناً بين يديه وشعر وكأن حبلاً يلتف حول عنقه .
" تباً لذلك , يا فيرونيكا .ً." وأنزل يده عن وجهه وقابل نظراتها وقد بان العذاب على ملامحه وهو يقول : " لم أكن جاداً بالنسبة لما تحدثنا عنه الليلة الماضية . "
" أحقاً لم تكن ؟ حسناً ..." وكانت تعلم منذ البداية أنه لم يكن جاداً , ولكنها تابعت تقول : " بالنسبة إلى هذا الظرف , رأيت أن من المفروض أن أدرس كل الاوضاع . "
" الأوضاع ..." هز جيرالد رأسه وهو يقول عابساً : " أتريدين أن تقولي إنك ستقبلين هذا الأمر لأجل بيتر ؟ "
فهزت روني كتفيها وهي تحاول جهدها التظاهر بعدم الاكتراث : " قد أقبل هذا لأجل بيتر . ألا تقبل هذا أنت أيضاً ؟ "
حدق في وجهها الهادىء وهو يفكر , وأجابها بقوله : " بكل تأكيد , فأنا أريد أن أقوم بكل ما في إمكاني . " وقال بعد لحظة صمت : " ولكن الزواج ..."
فالتهب وجه روني وقالت وهي تدير له ظهرها : " لقد كانت فكرتك أنت . لقد كنت أحاول فقط أن أعثر على الامكانيات المختلفة حيث انها الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها وضع قرار ذكي . "
فعاد جيرالد يقول مرة أخرى من خلفها , إنما بصوت ضعيف : " الزواج ... تباً لكل ذلك ..."
دس يديه في جيبي الشورت ثم تقدم نحو حاجز الشرفة مرة أخرى ورفع رأسه يحدق في السماء : " هذا شيء ثقيل يا فيرونيكا . "
" أعلم ذلك " وشعرت فجأة بالإرهاق فعادت تجلس في الأرجوحة إنما دون أن تحركها .
عاد جيرالد يقول بعجز : " تباً لذلك ..."

Rehana 05-09-20 12:20 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فأكملت له الجملة : " ... الارتباط . "
" نعم ... يبدو ذلك وكأنه ... "
" أصبح نهائياً ." ما الذي يفكر فيه يا ترى ؟
فأخذ جيرالد يعبّ الهواء وهو يرتجف قليلاً : " إنها خطوة كبرى في الحقيقة ..."
" بل بالغة الضخامة . إنها مخيفة للغاية . "
" لا تمزحي " وساد بعد ذلك صمت عميق كان جيرالد أثناءه ما زال يحدق في السماء وهو يتنفس بمشقة , بينما لم تجرؤ روني على التنفس على الإطلاق وهي تحدق إليه .
وسألها أخيراً : " هل هناك فكرة عن مبلغ المدة التي سيطول فيها هذا الزواج ؟ "
هزت روني كتفيها وهي تحاول أن تبتلع غصة شعرت بها : " إلى متى يدوم وعد الشرف الذي تعهدت به حين إطلاق سراحك ؟ "
" ثلاث سنوات , تنقص أو تزيد نحو شهرين ."
" حسنا ... إذن ... على ذلك أن يدوم ثلاث سنوات ... أو على الأقل حتى نعثر على جدة بيتر ."
عاد جيرالد يزفر الهواء من صدره , بينما عادت هي تقول : " بالمناسبة , هل أنت تقوم بهذا الأمر ؟ "
كانت تتمنى لو يقول : كلا , ولكنه قال نعم " لقد تحدثت إلى مخبر خاص , وذلك منذ أيام , فأخبرني أنه سيعثر عليها . ذلك لا يعني أن الأمر سهل يسير , فكاليفورنيا ولاية كبرى , كما لا يوجد بلدة تسمي بيستو على الخريطة ."
تنفست روني الصعداء على ذلك , ولكن كل ما قالته هو : " هذا صحيح " وكانت تشعر بتعب بالغ .
أخذ جيرالد يتفرس في يديه . إنه لا يستطيع أن ينكر أن الزواج يبدو في الواقع , السبيل الوحيد للاحتفاظ ببيتر حتى ولو دعا نفسه بالمعتوه لمجرد اتيانه على ذكر تلك الفكرة منذ البداية . الزواج تباً لتلك الخطوة العنيفة المتطرفة .
" ثلاث سنوات ..." وأخذ يتأمل عابساً , فالتفكير في ثلاث سنوات من الزواج سبب له ألماً جثمانياً . إنه يفضل على ذلك العودة إلى السجن .
وألقى على روني نظرة سريعة ...
ماذا عن العاطفة والاخلاص ؟
إنها لن تتوقع منه أن يكون ... مخلصاً لها إلا إذا , طبعاً , كانت هناك اتفاقية بينهما في هذا الخصوص ...
حول نظراته عنها بسرعة ... إن هذا لن يكون بطبيعة الحال ... فما المفروض أن يفعله بالنسبة لهذا الأمر .
قالت روني :" إن ثلاث سنوات زمن طويل "
" هذا مؤكد "
وهو مؤبد , إذا كانت حرية المرء مكبوتة وكذلك مشاعره .
" قد تحدث أشياء كثيرة في تلك الأثناء . "
" نعم " وأطلق ضحكة قصيرة ساخرة , وهو يتابع قائلاً : " فالناس في ثلاث سنوات يتعودون على كراهية بعضهم البعض . "
فقالت تضحك , هي أيضاً , ضحكة قصيرة متوترة : " أو , وهذا يماثل ذلك سوءاً , يمكن أن يقع العكس فيحبون بعضهم بعضا . "
وتلا ذلك صمت تام كان يمكن اثناءه سماع صوت الإبرة الواقعة على الأرض . وبتمهل بالغ , استدار جيرالد ليواجه روني و أخذ الواحد منهما يتأمل الآخر دون كلام وبقيا كذلك لحظة بدت طويلة جداً . كانت روني تنتظر أن يقول جيرالد شيئاً , بينما كان هو يتساءل عما عسى أن يقول .
هل يسألها ؟ هل يقوم بهذا العمل الجنوني ويسألها ؟ هل سيسألها ؟ وهل ستقوم هي بهذا العمل الجنوني , إذا سألها , فتجيبه بنعم ؟
لكنه لم يسأل . وإنما وقف يحدق إليها وقتاً طويلاً وذلك دون أن يلقي ذلك السؤال .
خنقتها مشاعر لم تستطع تمييزها ولكنها كانت حتماً تتضمن تقريعاً للنفس بالغ المرارة لايقاع نفسها في هذا الموقف الحرج .
وأخيراً , وقفت مستقيمة الجسم , ثم استدارت داخلة إلى المنزل .

نهاية الفصل

Rehana 06-09-20 07:51 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل السابع

كان الخميس التالي هو الرابع من تموز ( يوليو ) ومع أنه كان من السهل على روني أن تتجنب الإنفراد مع جيرالد في اليومين الماضيين , إلا ان نزهة نزلاء النزل الأسبوعية التقليدية وضعت حداً لهذا التجنب .
لم تشأ روني أن تكون وحدها مع جيرالد بعد تلك الأمسية في الشرفة , فقد شعرت بالحرج , كما أن كرامتها جرحت , وخاب أملها , وأيضا كانت غاضبة , فتباً لذلك .
ولكن لا بأس ... ربما هي ليست بمستوى ملكات الجمال ... وما توهمت ذلك قط , فقد كانت تعلم أنها بالغة الطول والنحافة , بالغة البياض بالنسبة إلى لون شعرها وعينيها القاتمتين , كما ان أنفها ربما كان اكثر لياقة برجل منه بامرأة .
لم تكن جميلة , وأولئك الرجال الذين أحبوها , وكانوا كثيرين , كان حبهم لها مجرد صداقة ومودة , فهي لم تكن من ذلك النوع الذي يلهم الرجال قصائد الشعر أو يجعلهم مجانين بالرغبة .
مر عليها زمن كانت تتمنى فيه لو كان العكس , ولكن مضى وقت طويل منذ قبلت الأمر الواقع وذلك بنوع من الاستسلام هو نتيجة قناعة علمتها إياها عمتها وزوجها , وهي أن الغيظ مما لا يمكن تغييره لا ينتج في النفس سوى التعاسة . فلديها الكثير من النعم الجيدة منها الذكاء , والصحة , والحنان , كما أن لديها من التقدير لنفسها ما جعلها تعلم بأنها ليست غير محبوبة .

Rehana 06-09-20 07:52 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وفي الواقع , فقد قالت لنفسها انها محبوبة اكثر كثيراً من السيد جيرالد مارسدن وهو الأكثر وسامة وجمال مظهر منها , إلا انه سيء الطباع كما انه ليس بالحسن المعشر الذي يمكن قضاء وقت طويل معه .
أما عن رغبتها في الزواج منه , وإنها ناتجة عن طيبة قلبها والتي تلاءمت مع فكرة طائشة كانت صادرة عنه هو في البداية ... ألم يقل انه لم يكن يمزح ؟ ومع ذلك لم يطلب منها الزواج رسمياً بعد .
كان هذا كثيراً , فمهما كان مقدار ما ينقصها من مزايا , إلا انها تمتلك الكرامة , ولهذا لن تكون هي من يأتي على ذلكر هذا الموضوع , أو أي موضوع آخر , مرة أخرى , ولكن ... وجعلها هذا من الجنون , بحيث أوشكت على البكاء .

****
آخر ما تصور جيرالد نفسه يقوم به في صباح الرابع من تموز ( يوليو ) هو أن يمضي النهار في نزهة برية حمقاء مع فرقة من العجائز , وامرأة غاضبة منه وصبي في الخامسة يزحف يومياً , متسللاً إلى قلبه .
انه ذكرى الاستقلال ... واخذ متذمراً , عند فجر هذه الإجازة , ينقل صناديق الطعام والشراب إلى سيارة الفان حيث وضعها فوق كومة المقاعد والمظلات ومنقل شيّ اللحم , ربما كان الاستقلال هو الهدف من هذا اليوم وذلك بالنسبة لكل شخص آخر , ولكن عدا ذلك الشهر الذي أمضاءه في لودرديل بعد خروجه من السجن , لم يحصل على استقلال خارج السجن أكثر مما كان يحصل عليه في داخله .
تباً لذلك , ألن يأتي زمن يستطيع فيه ان يفعل ما يريده فقط ؟
جبل هود ... ومالذي سيجده هناك غير القراد والحشائش الكريهة الرائحة وذباب الخيل ؟
قال ليو : " ان أحسن مكان لصيد السمك هو في هذه الناحية . " وأخذ يختار بين مكانين للصيد . " واحد منهما للصبي ." وهو يضيف قائلاً : " الصبي لا يعرف سوى الاستماع إلى الحكايات الخرافية وأنا سأعلم ابنك الآن , يا صديقي الطيب , فن الرجال في صيد السمك اليوم . "
فتمتم جيرالد بجفاء , ابنك ...ثم قال بصوت مرتفع : " افعل ذلك , اما بالنسبة إلي فأنا أريد ان آخذ قيلولة طويلة حالما نصل إلى هناك ."
فقال القاضي كيننغهام وهو يصعد درجات الشرفة , حاملاً بطيخة تحت كل ذراع : " شبان هذه الأيام ... أنهم يبتلعون قبضات من الفيتامينات , ويقومون بالرياضة البدنية ساعات , ومع ذلك فليس لديهم قدرة على الاحتمال , عندما كنت أنا في عمرك , يا ولدي جيرالد ... "
وجاءهم صوت لويزا من داخل المنزل تخاطب جيرالد : " هل وضعت الفحم في الفان ؟ "

Rehana 06-09-20 07:54 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" بكل تأكيد , يا لويزا . "
" هذا حسن " واستدارت تبحث عن روني , ثم خرجت من المنزل وصعدت إلى الفان .

****
بالرغم عنه وعما سبق وقاله , فقد أبدى جيرالد مرحاً بالغاً منعه من التفكير في قيلولته , إنما الآن , بعد أن التهم كل شخص مقداراً ضخماً من الهمبورغر وعرانيس الذرة والخبز , بدا وكأنه الشخص الوحيد الذي لم يكن نعساناً .
كان بيتر قد تكور على البطانية بين القاضي وليو كومينسكي اللذين كان الإرهاق قد حل بهما , بينما اضطجعت لويزا والسيدة هنكز على بطانية مدت فوق الأعشاب الخضراء , عاقدتي الأيدى فوق صدريهما .
اما المستيقظان الوحيدان فقد كانا جيرالد وروني .
أما أين كانت روني في هذه اللحظة فقد كان مثار تخمينات الآخرين , ذلك انها بعد الطعام أعلنت انها ستذهب لتتمشى قليلاً , ثم سارت في طريق ضيق كان يتجه نحو اليمين من مكان جلوسهم .
كما كان جيرالد فكر في ان يمط ساقيه قليلاً , فنهض واقفاً تاركاً الكرسي القماش الذي كان تمدد عليه بعد الغداء , ولكنه اختار الطريق الآخر المؤدي إلى الدغل القائم في الناحية اليسري من مكانهم .
ولكن هذا المكان كان مكاناً رائعاً كما تبين له بعد فترة قصيرة وهو يسير في الطريق المتعرج وقد أفعمت خياشيمه روائح أشجار الصنوبر المميزة , و الأزهار البرية والتربة الرطبة ونباتات خضراء لا يعرف اسمها .
لم يكن يعرف حتى الآن ما كان ينقصه وهو ملتصق بمعسكرات المتشردين المكونة من الأسفلت في المدينة , وفيما بعد في السجن الضخم المبني من الأسمنت , لقد رأى هنا عالماً كاملاً مختلفاً ... عالماً لا يحصل لكثير من الأولاد الذين تماثل طفولتهم ما كانت عليه طفولته , لا تحصل لهم الفرصة لاكتشافه .
صيد السمك ... كان هذا حقاً شيئا ًجديراً بالإعتبار , وهو ينظر إلى بيتر وليو العجوز وهما يغوصان في جدول الماء ذاك إلى ركبهما , ثم وهما يقذفان خيط الصنارة , ثم يجذبانه بينما يتحدثان ويضحكان وكأنهما زميلان , رجل وصبي يستمتعان بهذا النهار وببعضهما البعض .
كان عليّ ان اكون أنا مرافق بيتر هناك .
فاجأه هذا التفكير على غير انتظار , يعيده إلى شعور تعس بأنه مرة أخرى , يهجر وحده في خارج الحياة , ناظراً إلى داخلها .
وكذلك كان عليّ ان اكون الشخص الذي ينام بجانبه هذه القيلولة , أيضاً ...
وأخيراً نحى هذه الخواطر التافهة جانباً ... لم يستطع أن يبرر غيظه هذا بينما هو الذي كان يبتعد عن الصبي ... ثم أخذ يضحك بهدوء وهو يتذكر كيف كانت خيوط صيد ليو وبيتر تتشابك مع اغصان الأشجار عندما كانا يلقيان بها إلى الماء .

Rehana 06-09-20 07:54 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
كانت البهجة واللهفة تغمران بيتر عندما كان ليو العجوز ينجح في اصطياد سمكة ... فكان يهتف ويصيح , ويهرع إلي جيرالد يقبض على يده وهو يكاد يتعثر فيقع بسبب اللهفة وذلك ليجره ليلقي نظرة على السمكة الصغيرة الحجم قبل أن يعيدوها إلى الماء .
ما أجمل الشعور الذي تملكه وهو يحس بتلك اليد الصغيرة في يده ... وفي تلك اللحظة بالذات تمنى لو يحمل ذلك الصبي ويضمه إلى قلبه . ويتعهد له بأنه سيكون دوماً آمناً سعيداً , ولكنه لم يستطع أن يفعل ذلك , بالطبع , إذ كل ما كان بإمكانه أن يتعهد به هو ان يسعى لكي لا يسلب القانون هذا الصبي طفولته .
( والسبيل الوحيد إلى ذلك هو أن تطلب يا جيرالد من فيرونيكا سايكس ما كان ينبغى ان تطلبه تلك الليلة لو انك كنت كامل الرجولة ) .
اخذ يحدث نفسه بذلك الشكل وهو مستغرق في تأمل جمال الطبيعة , ويعب ملء رئتيه من الهواء الطلق النقي مفكراً , انه لن يسمح لأي انسان بسلب بيتر الصغير ... كل هذا , وفي الواقع ...
توقف عن التفكير منتظراً رأياً آخر ليناقشه . وعندما لم يرد إلى ذهنه شيء هذه المرة , انتهى الأمر عند هذا الحد , ساوره احساس بأنه سيقابل روني الآن في هذه اللحظة وينهي الأمر .
ولم يكن على جيرالد ان ينظر بعيداً ليراها , لقد كانت روني جالسة على صخرة على ضفة نفس النهر الذي كان بيتر وليو يصطادان السمك فيه , والطريق الذي كان جيرالد اختاره ليتمشي فيه قد استحال الآن إلى جزء من ساحة كبيرة كانت تقع في منتصف الطريق المؤدي إلى مكان النزهة , وكانت هي في منتصف الطريق المؤدي إلى البقعة التي جاء منها .
لم تكن سمعته يقترب , فوقف لحظة ينظر إليها , كانت جالسة تحيط ساقيها الطويلتين الرشيقتين واللتين كان جيرالد يراهما , بعد عينيها الخضراوين الواسعتين أجمل ما فيها , تحيطهما بذراعيها بينما ذقنها مرتكزة على ركبتيها , وخصلة صغيرة من شعرها افلتت من ضفيرتها المنسدلة على ظهرها واخذت تهتز فوق أذنها وصدغها برقة , ومثل قبل كانت حقيقة خلو ملامحها من الجمال تتعارض مع الصورة الذهنية التي كان كونها لها في مخيلته , والصورة الرشيقة الحالمة التي بدت عليها على تلك الصخرة , جعلتها تبدو كحورية البحر التي تجلس على الصخرة وتغني للبحارة الغافلين بصوتها النقي الحنون , فتبعث فيهم النشاط .
الشيء الجنوني هو ان جيرالد تماماً , كأولئك البحارة الذين لم يكونوا قادرين على مقاومة إغراء الصوت , شعر بنفسه ينجذب إلى تلك المرأة الجالسة على تلك الصخرة , يجذبه إليها جاذب غير محدد , وكأن يداً غير مرئية تدفعه اليها .
ناداها بهدوء : " روني " وذلك عندما اصبح على بعد متر واحد فقط منها وما زالت لم تتحرك , لم يشأ ان يجفلها , وكان خرير مياه النهر يختلط بحفيف أوراق الشجر فوق الرؤوس , ما منعها من أن تسمع وقع خطواته , وكان هو يريد أن يحترم وحدتها لا أن يتطفل عليها .

Rehana 06-09-20 07:56 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وعندما سمعت صوته أدارت رأسها إليه وما زالت وجنتها على ركبتيها , ولم تبد عليها الدهشة التامة لرؤيته , وأخذت تتفرس فيه بإتزان عدة لحظات قبل ان تقول : " إصعد إلى هنا , إذا شئت . "
وعندما جلس بجانبها , اضافت تقول : " رأيت المكان مريحاً هنا " واستقامت في جلستها متكئة على يديها وهي تنظر أمامها إلى المياه المزبدة والتلال البعيدة المغطاة بالغابات وإلى الغيوم القطنية البيضاء .. ثم اضافت : " وهادئاً "
تابع جيرالد نظراتها , ثم أومأ موافقاً . " انه عالم جديد تماماً , بالنسبة إليّ , كما تعلمين "
" هذا ما أظنه "
أغمضت عينيها مستمتعة بهذه اللحظة , وإذ كانت تشعر بوجود جيرالد بجانبها , فقد كانت تستمتع بذلك أيضاًَ , وتابعت تقول : " كما انه جديد على الدوام "
" فيرونيكا ... "
لم تجب, وبقيت عيناها مغمضتين .
" لقد أغضبتك تلك الليلة ..."
" لماذا لا ننسى كل هذا ؟ "
" كلا " ووضع يده على ذراعها , وعندما فتحت عينيها ونظرت إليه قال : " لقد جرحتك من بعض النواحي , فقد كان عليّ ان اقول شيئاً ... أردت ... ولكنني ..."
وضغط شفتيه مشمئزاً من نفسه , ثم قال متمهلاً وهو يهز كتفيه : " كنت مذهولاً "
" لا بأس , فالأمر تافه "
فقال بحرارة : " هذا غير صحيح , فالأمر غير تافه ... فأنت لم تكلميني منذ ذلك الحين "
تجهم وجه روني , ولكنها قررت أن تكون صادقة , ان عليهما ان يتصارحا بصدق : " اذا شئت الحقيقة , فقد كنت تألمت أيضاً ... شاعرة بالضيق , وأن من الحماقة ان اتحدث اليك "
فقال عابساً : " حماقة ؟ " لو أن ثمة شخصاً يتصرف بحماقة بالنسبة إلى بيتر , فذلك هو جيرالد , وتابع يقول : " لماذا ؟ لأجل بيتر ؟ "
ضحكت بهدوء : " لقد قلت ذلك لتوك هناك , أليس كذلك ؟ لأجل بيتر " وعندما زاد عبوسه , قالت تشرح الأمر : "ما أعني هو الزواج لأجل بيتر , لقد شعرت بأن إثارة الموضوع أمامك , في تلك الليلة , وبذهابي إلى تيلمان لتفحص الأمر من كافة وجوهه , جعلتك تشعر وكأنني اضغط عليك , وكأنني أنا التي ستتزوجها ... "
ها قد قالتها ... وأخذت تتفحص أسارير جيرالد لكي تعرف مجرى تفكيره وقد بدت غاية في الضعف , بينما سارع وهو يقول : " روني , ألا تعلمين انك المرأة الوحيدة التي افكر فيها فيما لو فكرت يوماً في الزواج ؟ "
" كلا "
فقال عابساً : " حسناً , انها أنت "

Rehana 06-09-20 07:57 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
شعرت بالتوتر في داخلها يتلاشى حتى وهي تنكمش إزاي اختيار جيرالد لكلماته وهو يتابع قائلاً : " اعني ان ليس هناك غيرك ؟ فعدا عن حقيقة انني لا اعرف أية امرأة أخرى , فإن بيتر مجنون بك , وأي أحمق يمكنه أن يرى مبلغ حبك له "
كان جيرالد يدرك أنه كان يتكلم دون لباقة ولكن يبدو انه لم يجد طريقة يعبر فيها عن الأمور بشكل اكثر لباقة وديبلوماسية , وتابع يقول : " هذا عدا عن انك كنت سبق واخبرت تيلمان "
" حسنا , حسنا " وإذ قررت ان الدعابة هي الشيء الوحيد الذي يمكنه ان ينقذ ولو جزءاً من كرامتها , فقد رفعت يديها بشكل استسلام ساخر : " سمعت من هذا الكلام الحلو ما فيه الكفاية , فاستمر والقي سؤالك اللعين وانقذنا نحن الاثنين , من هذه التعاسة "
تملكه الارتباك ولم يعرف بما يجيب , لقد خطر له أنه مهما كانت نتيجة زواجه من فيرونيكا سايكس , فهي لن تكون السأم أو الملل .
تنحنح ثم التفت إليها , وكانت هي تحدق إليه وقد بدت الرصانة على ملامحها .
وبدت ملامحه هو أيضاً كذلك عندما نظر في عينيها وقال : " فيرونيكا , هل تقبلينني زوجاً لك ؟ "
رآها تبتلع ريقها وقد أخذت اجفانها تطرف ... وكذلك وهجاً من الألم في عينيها وهي تؤمي برأسها قائلة برقة : " نعم "
لتحول نظراتها عنه بسرعة .
لقد آلمها مرة اخرى , ولم يعرف جيرالد كيف كان ذلك , كما أنه لم يفهم السبب تماماً , ولكنه أدرك بالغريزة , ان شعورها هذا يماثل شعوره على الأقل , ولكن ربما هو اكثر إيلاماً وصعوبة لروني منه له .
وفكر بإشمئزاز من نفسه بمبلغ نذالته , إذ يشكو لها بمرارة إضطراره للزواج وخسارة حريته وأشياء تافهة كهذه , في الوقت الذي كانت هي فيه التي تقوم بالتضحيات هنا , فهي لم تعرف قط مارسي لكي تشعر بهذه المشاعر المختلطة التي كان هو يشعر بها نحو تلك المرأة ... العطف والشفقة والأسف والغضب . لإلصاق طفلها به , الشيء الوحيد الذي كانت روني تشعر به نحوها هو العطف ولكن مجرد العطف هذا يجعلها تقدم ثلاث سنوات من عمرها لسجين سابق ومشاكله . كم من النساء تقدم مثل هذه المكارم للرجل ؟ قليلات جداً .
ولكن هذه المرأة فعلت ذلك , واستحقت منه ان يجعل هذه اللحظة خاصة , غير عادية .
وبتردد , جزاء كرمها ومودتها لكل الآخرين , نظر إليها قائلا برقة : " روني , هل لك ان تنظري إلي من فضلك ؟ "
فنظرت إليه مرغمة .
قال لها : " اننى أريدك ان تعلمي أنني أقدر حقاً ما تقومين به , انك لن تندمي قط ... "
ولكن عندما أخذت روني تحدق في عينيه الزرقاوين القويتين , اخذت تفكر ... آه , ولكنني ندمت وانتهى الأمر , وأشعر بخوف لم اعرفه قط في حياتي ...
وكان هو يقول : " سنقوم بهذا الزواج حسب أوأمرك بالضبط , فأنا لن المسك أبداً , وأعني ..." بدا الارتباك عليه وأخذ يبحث عن طريقة لبقة ليجعلها تفهم .
" أعني ... الحياة الحميمة التي تكون بين زوجين ... "
وشعر فجأة برغبة عارمة فيها , فتابع يقول : " إلا إذا انت ... "
واهتزت الجملة غير الكاملة بينهما وكأنها سهم في وسط هدفه , وبدا بشكل ما أن من المستحيل عل أي منهما تحويل نظره بعيداً , شاعرين بشيء غامض يجذبهما إلى بعضهما البعض .

نهاية الفصل

Rehana 07-09-20 12:34 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل الثامن


كل ما حدث على تلك الصخرة بجانب النهر حين عرض جيرالد الزواج على روني, حدث بسرعة فيلم سينمائي.
وتملك السرور العمة لويزا والنزلاء لنجاح مسعاهم في التوسط بهذا الزواج الذي انتهى بسرعة, وبقوا اياماً يتناقشون في من هو الذي كانت مساعيه في الوصول الى هذه النتيجة اكثر من مساعي غيره, واذ احتسبت العمة لويزا لنفسها الفضل الاول في ذلك, اصبح ادعاؤها هذا الموضوع نقاش بين النزلاء في غيابها.
لم يقل بيتر شيئاً كثيراً فث البداية, فقد استغرق هذا منحاه يومين لكي يستوعب الوضع الراهن الذي ابتدأ يشعر بالارتياح اليه .وقد منحه جيرالد وروني وقتاً يفكر فيه في هذه الامور قبل ان يأخذاه الى النزهة حيث اوضحا له ان لا شيء قد تغير , لأنه سيتابع العيش في النزل, فهو لن يترك النزلاء الذين اصبحوا جدوداً له شغوفين به.
كما ان روني وجيرالد اجريا بعض الحديث هما ايضاً, تناول جعل موعد الزفاف الاول من شهر اغسطس , والذي كان بعد عدة اسابيع فقط ... وكذلك موافقة جيرالد على العيش في النزل, ما رأوه جميعاً غاية في التعقل, كما ان روني قررت ان النزلاء عموماً, والعمة لويزا خصوصاً, لهم كل الحق في ان يعرفوا ماضيه باجمعه, وقد ذعر جيرالد في البداية ولكنه وافق اخيراً.

Rehana 07-09-20 12:34 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وكما كانت روني تنبأت, فقد استمع النزلاء, والذين كانوا قد اصبحوا يحبون جيرالد ويحترمونه ,استمعوا برزانة بالغة الى ذلك, وفيما بعد على انفراد عبروا عن موافقتهم ومساندتهم له.
اما القاضي كنيغهام والذي كان دوماً المتكلم غير الرسمي باسم الآخرين, ومع ذلك كان محترماً منهم تماماً, فقد اوجز وصف مشاعرهم بهذا الشكل " لقد كنت اعلم منذ البداية انك كنت رجلاً قلقاً ذا ماضٍ مضطرب يا ولدى جيرالد, ولكنني ادركت ايضاً كما رأيت فيما بعد, انك من اولئك الاشخاص ذوي الاصالة والطيبة "
وكانت كلماته هذه افضل هدية زفاف ممكن ان يمنحها لجيرالد وروني.
اما بالنسبة الى حفلة الزفاف نفسها, فقد قرروا ان تكون بسيطة لا تكلف فيها, وقد سبب هذا الاستياء للعمة لويزا التي كانت تحلم دوماً بروني عروساً متالقة في الثوب الابيض, وبنفسها في ثوب أم العروس الازرق , وقد فسرت روني رغبتها في جعل حفلة الزفاف بالغ البساطة . فسرت ذلك بالرغبة في الاقتصاد وليس في نقص العواطف , وحيث أن العمة لويزا كانت امرأة واقعية , فقد اقتنعت بأن هذا هو الأفضل .
ولكنها لم تشأ أن تستمع إلى ما أخذ يبحثه الخطيبان بالنسبة إلى ترتيبات النوم . لقد ذعرت , في الواقع ولم تضيع الوقت فأخذت تطلب من روني موافاتها إلى إحدى اجتماعاتها الليلية في غرفتها لبحث هذه المسألة .
كانت روني تجلس كعادتها في نهاية سرير لويزا , وكان باقياً على حفلة الزفاف أسبوعان فقط , وكانت هذه أول فرصة تسنح للمرأتين للاجتماع للتشاور . وذلك منذ إعلان الخطبة , أو هذا ما قالته روني , أما الحقيقة فهي انها كانت تتعمد تجنب دعوة عمتها لها للاجتماع حتى الآن .
أخذت تعبث بطرف اللحاف كعادتها كلما أخذت تفكر , وهي تتساءل عن أفضل جواب تقابل به عرض لويزا , لغرفتها الخاصة , وهي اكبر غرفة في النزل , على العروسين , بما في ذلك السرير المزدوج الذي كانت تستعمله مع زوجها العزيز الراحل والذي جددت فراشه السنة الماضية فقط .
لم يكن أمام روني من خيار سوى القول ان جيرالد لم يتزوجها إلا لأجل الاحتفاظ ببيتر اما النوم في الغرفة ذاتها فلم يدخل هذه الإتفاقية ...
وبهذا يتحطم قلب عمتها , فقد كانت العمة لويزا تعتبر نفسها وسيطة الزواج هنا وبالتالي فهي تتوقع أن ترى الزوجين , اللذين جمعتهما معاً , يعيشان بأتم سعادة .
ثمة طبعاً , خيار آخر وهو أن تشكر عمتها وتستلم منها الغرفة , ثم تدع الطبيعة تأخذ مجراها .
كان هذا الخيار الأخير مغرياً , حيث أن روني لم تكن تجد من جيرالد أي نفور من هذه الناحية بعد ذلك الاجتماع بينما على الصخرة عند النهر قبيل إعلان الخطبة والذي لمست أثناءه مشاعر جياشة نحوها ما زال قلبها يخفق لذكراها .
لو انها فقط واثقة من أن قلب جيرالد يخفق هو أيضاً لنفس الذكرى .

Rehana 07-09-20 12:35 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
ولكنها لم تكن واثقة , بل العكس تماماً , فقد كانت رأت نظرة ندم في عيني جيرالد بعد أن طلب منها الزواج , كانت تلك النظرة تعبر عن ندم واضح وكأنه قال ذلك بلسانه , ومنذ ذلك الحين لم تجد منه أي تقرب نحوها , كما أنها هي لم تحاول أن تفاتحه في الأمر , ويبدو ان أياً منهما لم يكن واثقاً مما يريده الآخر منه , وحيث ان الظروف كانت بهذا الشكل , فإن تبادل الحديث بينهما بشكل عاطفي لم يكن وارداً .
ولكنهما كانا يتظاهران أمام بقية النزلاء وخصوصاً العمة لويزا , بملاطفة كل منهما للآخر وتبادل الابتسامات المشرقة .
كذلك كانا يشتركان في أخذ بيتر إلى النزهات والتفرج على الألعاب والفرق الرياضية وأماكن التسلية , أو أخذه إلى أماكن السباحة في البحيرات حيث كان ينتهى الأمر بجيرالد إلى لفت نظر كل فتاة فوق الثانية عشرة من عمرها .
أما بيتر فلم يعد ذلك الصبي الخجول الذي كان جاء اليهم منذ حوالي الستة أسابيع , فقد اصبح يتصرف كأي طفل طبيعي ذي والدين محبين , عدا ولع النزلاء الآخرين به .
في حوض السباحة مع جيرالد وبيتر , لم تكن روني تعلم أنها الأنثى الوحيدة التي كانت تثير مشاعر جيرالد , وكانت هي في الواقع تشعر بجاذبية بالغة نحوه , وكانت ترى أن أحسن مزاياه هي قدرته على التظاهر بأنه لا يهتم بأية امرأة ما عداها هي .
كان رجلاً غاية في الرقة , حقاً كما أخذت تفكر حالمة , وكانت فكرة مشاركته غرفة واحدة تزداد جاذبية كل يوم , ولكن لسوء الحظ , الرغبة من طرف واحد لا تكفي لإنشاء علاقة عاطفية أو زواج حقيقي .
وهذا ما جعل روني امام خيار ثالث , وهي مواجهة عمتها الآن , وهذا الخيار هو المراوغة .
وهكذا رفعت عينيها فتقابلتا مع عيني عمتها , وإذا بها تذهل , بدا وكأن لويزا قد كبرت في السن مؤخراً , ما بدت معه أعوامها السبعون واضحة جلية , وبدون النظارات بدت عيناها باهتتين قصيرتي النظر , كما بدا وجهها مليئاً بالتجاعيد .
فقالت تسألها وقد بدت الحدة في نظراتها : " هل أنت بخير يا عمتي ؟ "
فأجابت العمة باستياء : " لا تغيري الموضوع , فقد كنا نتحدث عن غرفة النوم هنا , ولا أدري ما الذي يشغل تفكيرك من هذه الناحية "
" حسناً , سأخبرك , ولكن حالما تردين على سؤالي أولاً "
" أنا بخير "
" ولكنك تبدين مرهقة "
أجابت العمة بحدة : " طبعا أبدو مرهقة , فالوقت يقترب من منتصف الليل , والآن ماذا بالنسبة إلى غرفة النوم ؟ "
" حسنا ..." وتلعثمت روني متمنية لو أنها تحسن الكذب أكثر من ذلك . " في الواقع , فكرنا أنا وجيرالد ... في ان نترك ترتيبات النوم كما هي الآن حالياً و ... "
استقامت العمة لويزا جالسة وقد اسود وجهها غضباً . " ماذا ؟ وفكرة أي معتوه هي هذه ؟ اتظنينني لا أعرف ؟ "
وانحنت إلى الأمام تهز اصبعها في وجه ابنة أخيها . " والآن اسمعي ما أقول , الخجل مع الرجل هو شيء ..."

Rehana 07-09-20 12:35 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" أنا لا اخجل من الرجال , يا عمتي "
فقالت عمتها بحدة وازدراء : " من المؤكد انك لا تخجلين , وهذا هو السبب في أن حشودهم لا تنفك تطرق بابنا طوال هذه السنوات "
" أنا أكره تهكمك , يا عمتي لويزا "
" وأنا أكره عنادك , فنحن متساويتان " ورق صوت العمة فجأة ." اسمعيني يا حبيبتي , ان رجلاً مثل جيرالد مارسدن لا يأتيك كل يوم ."
فكرت روني في أن هذا صحيح , بينما تابعت العمة تقول : " كما انهم لا يطوفون يطلبون من امرأة مثلك أن تتزوجهم , مهما كان السبب "
واضافت الجملة الأخيرة عندما رأت روني تهم بمقاطعتها بحدة بقولها , ماذا تعنين بقولك امرأة مثلي ؟
لقد اسكتها تعديل عمتها لكلماتها النارية تلك , على كل حال . مضت لحظات من الصمت أخذت المرأتان أثناءه تحدقان في بعضهما البعض بكآبة .
وقطعت روني الصمت أخيراً بسؤالها : " ما الذي تريدين قوله , يا عمتي ؟ "
بدا وكأن الإرهاق قد ازداد في ملامح العمة وعينيها فأغمضتهما لحظة , ثم تنفست بعمق : " أريد ان أقول إنني اعلم جيداً أن ثمة شيئاً بينك وبين جيرالد لا تريديننا , أنا والنزلاء , ان نعلم به , وهذا لا غبار عليه , فكل انسان له أسراره الخاصة , كما أقول على الدوام , وأنا لست من نوع الأشخاص الذين يدسون أنوفهم في شؤون الآخرين , إلا إذا كان لذلك علاقة بي أو من لي , ومن لي غيرك ؟ "
وحملقت في روني التي همت بالكلام , ولكن عمتها اسكتتها بقولها : " هنالك المزيد أريد قوله , وأريدك أن تنتبهي جيداً لذلك لأنه مهم جداً , ان الأمور بينك وبين جيرالد ليست كما ينبغي وأنا واثقة من أن هناك سبباً جيداً لذلك , قد اكون عجوزاً ولكنني لست غبية , وأتصور أنكما انتما الاثنين لديكما اسبابكما الخاصة للقيام بهذا العمل , وأتصور أن السبب هو بيتر , وليس لي اعتراض على هذا , أما ما اعترض عليه فهو كيف أنك يا فتاتي تريدين أن تلقي بعيداً بهذه الفرصة التي تجلب لك السعادة مع هذا الرجل... "
" عمتي "
" سبق وطلبت منك عدم مقاطعتي يا روني "
" ولكنك لا تفهمين "
فقالت العمة بحدة : " ألم أقل هذا بالضبط منذ دقيقة ؟ ان ما لا تفهمينه يا فيرونيكا سايكس , هو أنه مهما كان السبب الذي بينك وبين جيرالد معقداً , فإن لديك فرصة لجعله ينجح , فكري يا فتاتي ... وكوني انانية ولو مرة واحدة في حياتك "
أنانية ؟
وتابعت العمة تقول : " لابد انه كان لديك شعور ما نحو الرجل لكي يجعلك تتزوجينه يا روني "
تململت روني بضيق دون أن تقول نعم أو كلا , حتى دون أن تقول ذلك لنفسها , ولكن لويزا لم تكن بحاجة إلى الكلمات , فقد شردت نظراتها ومدت يدها تربت على يد ابنة اخيها وهي تقول : " أريد أن أقول , إذهبي وافعلي كل شيء طالما الفرصة سانحة لذلك " واتكأت إلى الوسائد خلفها وتثاءبت , ثم تمتمت تقول : " وإياك أن تجرؤي على القول ( كل ماذا )؟ "

Rehana 07-09-20 12:36 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
كانت روني متعبة , وفوق كل التمزق النفسي الذي تملكها أثناء الأيام القليلة الماضية , لم تكن بحاجة إلى المزيد من عمتها , فقالت لها " اليد الواحدة لا تصفق يا عمتي "
فتثاءبت العمة مرة أخرى وقالت : " هذا صحيح تمام , ولكن إذا كان المكان مناسباً وكذلك التصرف من ناحيتك , فكل شيء سيتم على خير ما يرام "
ضحكت روني بالرغم مما تشعر به من انهاك وهي تقول : " صدقيني , يا عمتي "
وأخذت العمة تضحك بهدوء , هي أيضاً , ولكنها سرعان ما عادت تقول جادة : " كل ما أقوله هو أن ليس هناك من يستطيع الحصول على سمكة دون أن يضع طعماً في الصنارة ثم ينزلها في النهر , انك فتاة رائعة محبوبة , يا روني , وإذا لم يكن جيرالد يلاحظ هذا فهو أحمق , وكل ما عليك القيام به هو أن تمنحيه وقتاً للإعتراف بذلك لنفسه ولك , هذا إذا كنت تريدينه حقاً "
وهل هي تريده حقاً ؟ ياليت الأمور بهذا الوضوح , قالت : " هنالك أمور كثيرة تتعلق بهذا عدا عن مجرد كوني أريد الرجل , ياعمتي , ان لدى جيرالد مشكلات كثيرة عليه أن يحلها "
"وهل هناك من يساعده على حلها أحسن منك ؟ "
" ما زال ثمة الكثير مما يتعلق به , لا تعرفينه أنت يا عمتي "
" هذا ما فهمته , ولكن ما دمت تعلمين ذلك ما هو الأمر ؟ "
" لقد عاني في حياته كثيراً "
فقالت العمة بحزن : " أعلم ذلك " اضافت وهي ترى نظرة الاستفهام السريعة في عيني روني : " انك لست الوحيدة في هذه الأسرة التي تعطف على ضحايا الظلم , يا عزيزتي , فقد أدركت منذ اللحظة التي وقعت فيها عيناي على ذلك الرجل , انه نال قسطه من الألم في هذه الحياة , وسرعان ما هفا قلبي إليه , حينذاك , فقبلته في النزل "
ابتسمت المرأتان الواحدة للأخرى بتأثر صادق , لتقول روني بعد لحظة : " انك عميقة المشاعر , يا عمتي لويزا , وماكرة أيضاً "
" إذن ستأخذين غرفة النوم ؟ "
فهزت روني رأسها وهي تضحك بهدوء وعجز ... ان هذه المرأة لا تحيد كما تريد . نزلت من السرير , وهي تقول : " تصبحين على خير يا عمتي "

****
في هذه الأثناء , كان جيرالد مستلقياً على سريره في غرفته وقد جافاه النوم , كانت ذراعاه متشابكتين تحت رأسه وهو يحدق في الظلام , مستمعاً إلى أنفاس بيتر العميقة وهو يسائل نفسه كيف وصل إلى هذه المرحلة .
هاهو ذا الآن , بعد ان كان رجلاً كل احلامه هو أن يخرج من السجن بكلمة شرف ليعيش حراً طليقاً , يرى نفسه الآن مرتبطاً بزوجة وأسرة ... كيف حدث هذا ؟

Rehana 07-09-20 12:36 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
ألم يكن وحيداً طوال حياته ؟ ألم يقسم على ان يبقى كذلك ؟ وأن لا يحمل سوى مسؤولية نفسه فقط ؟ وهو لديه فكرة عما وضع نفسه فيه , حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت ؟
نعم , انه يعرف نتيجة كل هذا , وهو ما يبعث الذعر في نفسه , ولا شك أنه فقد عقله , ما جعله يضع نفسه في مثل هذا الموقف .
أخذ يتململ في فراشه بضيق , لقد أقنعته تلك المرأة بالقيام بهذا الدور بما في ذلك الاحتفاظ بالصبي إلى أن يعثر على الجدة , انه ما كان ليبقى الصبي معه لولا نظراتها إليه بتلك العينين المتألقتين , ونواحها على بيتر الصغير المسكين ذاك .
ثم ذهابها من وراء ظهره إلى السيد تيلمان , لتخبره بأكاذيب كان عليه ان يمضي وقتاً شاقاً في محاولة التنصل منها , ما جعله يشعر بالذنب ... ما هي الحاجة إلى كل ذلك ؟
وما كانت حاجته إلى طفل يتعلق بركبته ضاحكاً له , لقد كانت تمثل مكر النساء بأجلى مظهر , تلك الفتاة المشاغبة .
أليست النساء جميعاً كذلك ؟ أليست العمة لويزا والسيدة هنكز كذلك وهما تضغطان عليه , بطريقتهما الحلوة , بخططهما لحفلة الزفاف وحديثهما عن الحب وغير ذلك ؟
وفي النهاية , كان دوماً هناك سبب هذا البلاء ... أمه ...
اما كان بإمكانك ان تمنحيني والداً من زواجك من رجل ثاني , يا أماه ؟ إذن لكانت حياتي غير ما اصبحت عليه , بعد ذلك , وما كان حدث لي كل هذا .
وما كان بيتر وفيرونيكا سايكس يعنيان شيئاً بالنسبة إليه , ولكن ... ما الذي يعنيايه بالنسبة إليك الآن يا جيرالد ؟
وإذ لم يعد يستطيع البقاء مستلقياًُ بهذا الشكل , أو حتى البقاء في الغرفة , نزل من سريره , وهبط إلى الطابق الأسفل على أطراف أصابعه متجها نحو الباب الأمامي ففتحه ثم خرج إلى الشرفة .
أنعشه هواء الليل البارد , فأخذ يعب منه بعمق , ما جعله يشعر بشيء من الإرتياح , ووقف بجانب حاجز الشرفة وأخذ يحدق في البيت المقابل الأرجواني اللون , والذي محا الليل لونه الآن , لحسن الحظ .
تذكر عندما سبق ووقف بهذا الشكل في تلك الليلة التي اعترفت له روني فيها بزيارتها للضابط تيلمان , كانت تجلس على الارجوحة تلك .
وأراح جبينه إلى أحد أعمدة الشرفة وقد غلبه التعب وتشوش الذهن , بعد اسبوعين سيصبح رجلاً متزوجاً ... فماذا بعد ذلك؟ .
" جيرالد ؟ "
سمعها تنطق باسمه في نفس الوقت الذي سمع فيه صرير الأرجوحة ... لقد كانت هنا , وشعر بيدها على كتفه , فاستدار إليها .
تراجعت خطوة , فرأى عينيها في عتمة الشرفة , واسعتين مضيئتين غامضتين .
سألها وقد تملكه سخط بالغ إذ تراه في مثل هذا الضعف و ... الألم .
" ما الذي تفعلينه هنا ؟ "

Rehana 07-09-20 12:37 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
أجابت بحدة مشبكة ذراعيها فوق صدرها وقد رفعت رأسها : " تباً لذلك ... انها شرفتي وبإمكاني أن أجلس فيها متى شئت "
ولأنه لم يسبق لها السباب , فقد رفع جيرالد حاجبيه بعنف ودهشة , وبان الهزل في جانبي فمه : " انك وقحة هذه الليلة , أليس كذلك ؟ "
" نعم , حسنا " ووجدت روني نفسها تقول ضاحكة : " لقد تعلمت طريقة الكلام هذه من الرجال الذين حولي "
" من الرجال الذين حولك هه ؟ "
مال جيرالد على الحاجز ومضى ينظر إليها . انها خطيبته , وحامت نظراته حولها , وفجأة أرخى ذراعيه ووقف مستقيماً , كل ما كانت ترتديه هو قميص متوسط الطول .
فقال وهو يحول نظراته إلى السقف , قال شاتماً : " يا للهول , ألا ترتدين روباً ؟ "
ظنت روني انها لم تسمع جيداً , فقالت له : " أرجو المعذرة ؟ " ما هذا الكلام الذي يقوله رجل لصاحبة النزل الذي يقيم فيه ؟ حسنا لخطيبته ؟
سألها هامسا بغضب بالغ : " كيف تخرجين ليلاً هكذا ؟ ألا تعلمين أن هناك منحرفين يدورون في الأنحاء ينتظرون من هو مثلك لكي ..."
فقاطعته قائلة : " آه , ان من يسمعك يظنني اقوم باستعراض في برودواي , نيويورك , بدلاً من الوقوف في شرفتي الخاصة في مدينة أوريغون الصغيرة "
" نعم " استدار ينظر إلى الشارع , وتراجعت هي خطوة " اظنني سأذهب إلى النوم الآن "
" حسنا , تصبحين على خير "
" جيرالد ؟ "
" نعم ؟ "
" عمتي لويزا تريدنا أن نأخذ غرفتها بعد الزواج "
وقبل ان تنهي جملتها . كان قد أخذ يستدير محدقاً فيها مرة أخرى , لم يعرف ماذا يقول , فقد كان يريد هذا الأمر أكثر من أي شيء آخر . وأخذ يتفحص وجه روني لكي يعرف ما تشعر به , ولكن كل ما استنتجه من ملامح روني الهادئة , على كل حال , هو عدم اكتراث مبطن باللهفة .
وكذلك اشتداد قبضتها على أعلى ذراعها , تدل على انها متوترة , ونظرة في عينيها الواسعتين المتألقتين أقنعته بشكل ما , بأنها تترقب منه شيئاً .
اقترب منها هامساً : " روني ... ما الذي تريدينه ... يا حبيبتي ؟ "
ما الذي تريده ؟
ياله من سؤال .
انها تريده هو .
وفاضت نفسها بالرقة والمشاعر .
عاد وهو يهمس : " انك لن تندمي أبداً , فنحن سننسجم تماماً وذلك طالما دام هذا الأمر بيننا "
طالما دام هذا الأمر بيننا ...
جمدت روني وسرت الرعشة في جسمها وتوقف قلبها لحظة عن الخفقان .
انهما طبعاً سينسجمان طالما دام هذا الأمر بينهما ... كما أخذت تحدث نفسها , فما الذي كانت تتوقعه من رغبة صرفة دون حب ؟
وإذ أحس بالتغير فيها ... إذ بدا وكأنها جمدت فجأة , أخذ ينظر إلى وجهها .
" روني حبيبتي , ماذا حدث ؟ هل جرحتك بكلمة , هل قلت شيئاً ساءك ؟ "
فتراجعت روني عدة خطوات إلى الخلف : " كلا " وبذلت جهداً لكي تبتسم , ولكنها لم تشأ أن يعرف جيرالد بما كانت تشعر به حينذاك , فهو لم يخرج عن انه كان صادقاً معها , على كل حال , بقوله الحقيقة , وليس ما كانت تتمناه , فهو لم يحدثها عن عالم خيالي جميل حافل بالحب والعواطف .
ولماذا عليه ان يقول ذلك ؟ فليس هو الذي سعي وراء هذا الزواج , بل هي .
ولم يكن هو الذي وقع في الغرام , بل هي .

نهاية الفصل

Rehana 08-09-20 04:31 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل التاسع

رغم أن الأيام القليلة التي تلت كانت حافلة بالعمل , إلا أن قلب روني وعقلها كانا فقط على جيرالد , وكانا في صراع بالغ .
لقد قامت بشيء غبي ... فقد وقعت في غرام الرجل الذي سيتزوجها فقط لأجل المصلحة .
أخذ عقلها يحدثها بأن هذا ليس أمراً تافهاً وإنما هو غاية في الغباء ولا يقوم به إلا قلب اعتاد النزف كقلبها .
حدثها عقلها ساخراً أن ليس عليها فقط أن تساعد الرجل في الخروج من محنته ... ليس عليها أن تمنحه شهراً أو سنة أو اثنتين أو ثلاث من حياتها , بل أن تمنحه قلبها , ولماذا لا ؟
قلبها الحنون على الدوام , كان يحثها على حبه , فهو يستحق الحب ويحتاج إلى أن يكون محبوباً , وفي الوقت المناسب , همس لها , قلبها ذاك , بشوق حلو مر , بأن ذلك الرجل ربما , ربما فقط , سيتعلم كيف يبادلها الحب ... إنما مع مرور الوقت .
حدثها قلبها بالمنطق قائلاً إنه رجل عاش مهجوراً غير محبوب طوال حياته ... أولاً , هجره والده , وبعد ذلك أمه وذلك لأسباب لا يعرفها ولكنها لا بد أن تكون باعثة على اليأس , وبعد ذلك دفعه المجتمع , بعد أن أعاقه الروتين الحكومي , إلى أن يصبح فرداً من اولئك الذين عثرت بهم التقدم بعد أن أرغمهم على الخروج على القانون , فعاشوا في المجتمع بصفة أفراد دون انتماء إلى أسرة .

Rehana 08-09-20 04:33 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
لقد حان الوقت لكي يعلم أنه ليس فرداً وحيداً في الحياة . هكذا حدثها قلبها . إنه أنا . إن جيرالد مارسدن محسوب علي .
ثم , وهي تنظر إليه يقذف الكرة لبيتر , أو يقص العشب في فناء المنزل , أو يلعب مع العمة لويزا والسيدة هنكز بينما يعمل في غرفة المخزن بالمطرقة و المسمار , عند ذلك تعدل روني من قولها هذا فتضمنه كل اولئك الأشخاص .
وتقول لنفسها انه محسوب معنا . معي ومع بيتر وكل الآخرين . إننا جميعا نسانده .
وعندما سخر عقلها منها , قائلاً ... نعم , ولكن إلى متى سيهتم بك ؟ أجابت بكلمة جيرالد لإسكاته , والتي كانت ( طالما دام هذا الأمر ).
والذي قد يكون ... من الممكن أن يكون زمناً طويلاً جداً . وفي نفس الوقت لن تدع القلق يتملكها , ولن تنزعج , بل ستبذل كل ما في مقدورها لكي تكون زوجة ومعينة له وأماً لبيتر , وربما , ربما فقط يمكنها ان تجعل جيرالد يبادلها الحب .

****
أول شهر أغسطس ... يوم زفافه .
كانت مشاعره تتأرجح بين الذعر والتوقع المتوتر , وذلك كل ساعة على الأقل منذ تقدم إلى روني طالباً الزواج ... وكان جيرالد عقد ربطة عنقه ثلاث مرات خلال عشر دقائق وهو يسب أصابعه التي كانت تعوزها الخفة بسبب التوتر .
حملق في صورته في المرآة , وازداد سبابه إلى أن أسكته صورة وجه ظهر بجانب وجهه .
سألته روني والتي كانت مصممة على أن تكون سعيدة متفائلة في هذا اليوم الهام . سألته قائلة : " أية مشكلة بالنسبة إلى ربطة العنق هذه ؟ "
لكن الخوف والتوتر لم يسمحا لجيرالد بأن يماثلها شعور , فرد عليها بحدة : " أخرجي من هذا الحمام "
" اسمع , إن من حقي أن أكون في الحمام متي شئت . فأنا التي أنظفه "
قالت ذلك مستجمعة كل ما أمكنها من شجاعة وبشاشة , بينما تكافح في نفس الوقت مشاعرها الهامدة بمركب النقص ازاء مظهر جيرالد الرائع الوسامة بجانبها في المرآة . كان شكله الجميل قد جعل وجهها يبدو لها عادياً أكثر من أي وقت مضى .
فقال ضاحكا : " إنك نسيت أن تشتمي بقولك تباً لهذا , أليس كذلك ؟ " كان مزاجه الغاضب سرعان ما يتحسن عند حضور روني , هذه الأيام . وكان هذا يذكره بأن ما هو مقدم عليه كان شيئاً حسناً تماماً .
كانت رائحتها تشابه رائحة مرج الزهور الذي كانا يتمشيان فيه في الرابع من تموز وضحكتها هذه جعلتها تبدو جميلة حقاً .
وكانت تقول مجيبة : " نعم , حسنا هذا لأنك قد أصبحت تشتم كثير هذه الأيام عني وعنك " ثم أضافت بلهجة حادة : " لم يفت الوقت بعد على تغيير رأيك في الزواج , كما تعلم "
" وهذا أيضاً بالنسبة إليك , يا روني "

Rehana 08-09-20 04:34 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فهزت رأسها : " أنا لست كذلك "
فتأوه من أعماقه : " حسنا .. ولا أنا اريد أن أكون كذلك "
وعاد يحاول عقد ربطة عنقه وقد قطب جبينه .
فسألته : " هل تريدني أن أقوم بذلك لأجلك ؟ "
" كلا , فقد تمكنت منها " واستدار من أمام المرآة " ما الذي تعرفينه عن عقد ربطات العنق , على كل حال ؟ "
" الكثير " وعلقت روني قرب المغسلة المنشفة التي كان جيرالد استعملها , مستمتعة بما تتضمنه هذه المهمة الصغيرة من معنى العلاقة الحميمة بينها وبينه , بعد ساعات قليلة فقط , سيكون عليها رسمياً أن تقوم بمهمات زوجية صغيرة مثل هذه , وذلك طوال الوقت . وقفز قلبها لهذه الفكرة . وقال تجيبه : " إن زوج عمتي كان يطلب مني أن أعقد له ربطة عنقه كل يوم أحد "
" لابد أن زوج عمتك كان شخصية لامعة " وتناول سترة بذلته الجديدة المعلقة خلف الباب فارتداها وهو يقول : " أنت وعمتك تتحدثان عنه على الدوام "
" كان رجلاً محترماً "
" وبناءً محترماً أيضاً , أذا نحن حكمنا عليه من طريقة بنائه هذا المنزل ومن أدواته التي ما زالت العمة لويزا تخبئها "
" الأدوات التي استعملتها , يا حضرة المهندس في بناء الغرفة لبيتر في غرفة العتق تلك "
ثم مدت يدها تمر بها على ياقة سترته وقد بدا في عينيها فيض من الحب والزهو بهذا الرجل , ثم قالت : " ماهي الأسرار الأخرى التي تخفيها ؟ "
وإذ تعلقت نظراته بنظراتها , ورأى فيها مشاعر لم يمكنه سبر غورها , توترت أعصابه وشعر بجاذبية قوية نحوها .
ثم قال بصوت ينضح بالمشاعر : " أظن أن رغبتي فيك لم تعد سراً "
فاغمضت عينيها وهي تقول : " كلا , لم تعد كذلك "
" الليلة ... الليلة لن يكون ثمة أي ممانعة أو تحفظ , أليس كذلك ؟ "
فقالت بصوت مرتجف : " نعم , لن يكون ذلك "

****
وبعد ذلك بأكثر قليلاً من الساعة كان جيرالد قد أنهى عقد ربطة العنق بشكل أنيق جعل جيرالد يدهش لأنه لم يبد بشكل الأنشوطة كما كان يخاف .
قال القاضي لبيتر الصغير والذي كان يبدو نسخة مصغرة عن جيرالد في بذلته المخططة , قال له : " تستطيع الآن أن تقبل أمك ووالدك "
فابستم الصبي بخجل , وهي المرة الأولى التي يظهر فيها الخجل منذ أسابيع , ثم تحول إلى روني التي انحنت أمامه وضمته إلى صدرها , وقد تملكها شعور رائع وهي تضم هذا الجسد الصغير إلى صدرها . ثم نظرت إلى جيرالد الذي كان واقفاً ينظر إليها بهدوء . وخلفه كانت العمة لويزا والسيدة هنكز تمسحان دموعهما بينما القاضي وليو يخرجان منديليهما .
نهضت روني واقفة وما زال بيتر بين ذراعيها , ثم تقدمت به نحو جيرالد . مدت يدها إليه وعندما أمسك هو بها جذبته ليقترب منها . عندئذ التفت بيتر ومد ذراعه يطوق بها عنق جيرالد . وهكذا وقف الثلاثة متعانقين .

Rehana 08-09-20 04:34 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
إنها أسرته .
وانفجرت هذه الكلمة في ذهن جيرالد كالقنبلة . طالما بقيت أسرته هذه , فشعور الوحدة لن يعاوده .
كانا قد تناولا عشاء الزفاف في فندق كارلتون وعدا عن المقيمين في النزل , كان معهم عدد من الأصدقاء شاركوا معهم المناسبة السعيدة . وكانت سارة صديقة روني الحميمة , والتي لم تكن مرتبطة بأي رجل ... كانت هناك تلقي الأرز على العروسين السعيدين , كما فعل ذلك أيضاً مراقب العمال الفظ القوي البنية الذي يعمل في البناء مع جيرالد وكذلك مايك الكبير أرسل برقية تهنئة من سجن قصر الجزيرة فيها : ( ولدي جيرالد . أخرج الآن وكن رجلاً واحصل على وظيفة حقيقية ) .
بعد عشاء الزفاف , صعد بيتر والرجال كبار السن إلى سيارة الفان وعادوا إلى المنزل .
أما سارة ومراقب العمال , واللذان كان انسجامهما معاً واضحاً , فقد غادرا المكان معاً .
ومن ناحية أخري , صعد جيرالد وروني إلى جناح العرائس في الفندق ليمضيا ليلة الزفاف التي قدمتها العمة لويزا لهما هدية العرس .
دخلا إلى الغرفة المترفة حيث كان في وسطها أكبر سرير ممكن أن تسعه غرفة . كانا ما يزالان متوترين مرتبطي اللسان تجاه بعضهما البعض بشكل لم يسبق له مثيل منذ تعارفا . لقد تظاهر جيرالد وروني بأنهما لم يلحظا السرير هذا وهما يتقدمان في الغرفة . وكان كل منهما يحمل حقيبة صغيرة تحتوي على ما يحتاجه لليلة واحدة , ثم وضعاها بجانب الأريكة المواجهة للمدفأة القائمة في آخر الغرفة الفسيحة .
أخذ يجولان في أنحاء الغرفة معجبين بهذا وذاك , متظاهرين بأن اهتمامهما مركز على التحف والديكور بينما الحقيقة أنهما لم يكونا يلحظان سوى بعضهما البعض .
هتف جيرالد وقد بدا الارتياح في صوته وهو يرى ما بدا على وجه روني وهي تبتعد عن النافذة التي كانت تتظاهر بأنها تنظر منها , هتف يقول : " آه , الشراب " ومد يده إلى البطاقة المعلقة في عنق الزجاجة الموضوعة على المنضدة بجانب السرير , فقرأ فيها : " أجمل التهاني والتمنيات من مدير وموظفي الفندق إلى السيد والسيدة ..." وهنا سكت جيرالد وقد خشن صوته , ما جعله يتنحنح لكي يستمر في القراءة . " السيد والسيدة جيرالد مارسدن " .
ألقى نظرة على روني ثم قال بإبتسامة مغتصبة : " هذا لطف منهم , أليس كذلك ؟ "
شعرت روني وكأن لسانها التصق بحلقها . ووجدت من الصعب أن تبتسم وهي تجيب : " بكل تأكيد "
" طبعا ما دمنا ندفع لهم ذلك المبلغ أجرا لليلة " وضحك بصوت خافت بينما كان يفكر متسائلاً بحيرة , عما يجعلهما يقومان بهذه المحادثة التافهة ؟
" هذا صحيح " وتظاهرت بالضحك هي أيضاً , وهي تعبث بعقدة حزام ثوبها الحريري الوردي اللون والرائع الجمال .
أمسك جيرالد بالزجاجة وقد تاهت عيناه بعيني روني , وسألها : " هل يمكنك شرب كوب آخر ؟ "

Rehana 08-09-20 04:35 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
كان يريد بالشراب , أن يساعده على تجاوز هذا الوضع الغريب . تباً لذلك , ما الذي حدث له ؟ إنها ليست المرة الأولى التي يرى فيها امرأة ولكن لم يحدث له قط مثل هذا التوتر من قبل .
" بالتأكيد " أجابته روني بذلك وقد انقبض قلبها وهي تتساءل عما إذا كان كل العرسان بهذا الشكل الغريب من الارتباك وعدم الارتياح , أم أنهما هما فقط كذلك ؟ فالطريقة التي كان جيرالد ينظر بها إليها بهذا النهم , وبهذا ...
وشعرت بجفاف في حلقها , بينما ملأ هو الكوبين بشراب الورد , ثم جاء بهما إليها وهو يقول : " إننا نتصرف كمعتوهين , اتعلمين ذلك؟ "
جعلتها لهجته الجافة تبتسم قائلة : " نعم , أعلم ذلك "
" أرى أن نتوقف عن ذلك حالاً "
" و أنا أري ذلك أيضاً "
فازداد اقتراباً منها وهو يقول : " أريد أن أشرب نخباً , يا روني ..."
أخذ قلب روني يخفق بجنون , متوقعة منه أن يشرب نخب المناسبة , ولكنها دهشت ولم تشعر بأي نوع من الارتباك أو القلق وهي تسمعه يقول بوقار : " إليك , يا فيرونيكا سايكس , يا أكرم امرأة عرفتها "
تملكها التأثر وكذلك الحرج , فهزت رأسها وهي تقول : " وكذلك أشرب نخبك , يا جيرالد مارسدن . يا رجل الشجاعة والحنان والذي يستحق كل خير في هذه الحياة "
رجل الشجاعة والحنان ؟ هو ؟ لقد كان يخاف حتى الموت من كل ما كان يحدث , ويدعو نفسه يومياً بالأحمق لأنه لم يخرج الطفل من حياته حتى الآن .
شعر جيرالد إزاء نظرات روني الدافئة الجادة , بعدم ارتياح . شاعراً بأنه رجل مخادع محتال . وإذ حاول أن يدخل شيئاً من البهجة بينهما , ابتسم لها وهو يستدير إلى الراديو : " فلنستمع إلى شيء من الموسيقى "
وإذ امتلأ جو الغرفة بالأنغام الشاعرية ابتسمت روني وأغمضت عينيها تاركة مشاعرها تسبح مع الموسيقى .
سألها بعد فترة : " إنها رائعة هذه الموسيقى . ألا تظنين ذلك ؟ "
" هممم ... هل تسمع نفس الموسيقى التي أسمعها ؟ "
" لابد أنني كذلك "
مضت فترة أخرى قبل أن يعود فيقول : وكانت هي تشعر بذلك حتى دون أن يقوله بالكلمات ... لقد كان رجلاً وسيماً يحتوى على كل ما ترغب فيه المرأة .
قال فجأة وهو ينظر في عينيها : " إننا متزوجان الآن ..."
وسكت قليلاً ثم تابع يقول هامساً : " وأريد أن أحقق زواجنا بكل معنى الكلمة " وهذا ما كان ...
*****

ابتعدت روني قليلاً ومضت تتأمل وجه زوجها السابح في سكون النوم والذي بدت تقاطيع وجهه الوسيمة أقرب إلى الطفولة .
إنه زوجها ... حبها ... ومدت يدها تلامس شعره المشعث ولكن إذا بملامح جيرالد تتقلص ألماً وهو يتمتم بخشونة , بشيء ما غير مفهوم , ثم يقفز من السرير متوجهاً إلى الحمام .

Rehana 08-09-20 04:36 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
أغلق الباب خلفه بعنف أوضح لروني انها طردت من تلك البقعة الخاصة في نفس جيرالد التي كان سمح لها بدخولها لفترة قصيرة . وإذ أخذت تحدق في الباب المغلق أخذت ترتجف وقد تملكها شعور بالبرد لم يكن ناتجاً عن درجة حرارة الجو وإنما عن الخوف .
الخوف من أن يتحطم قلبها بوقت أقصر كثيراً مما كانت تتوقع ... أو ترجو ... الخوف من أن تتحطم أحلامها في المستقبل حتى قبل أن تسنح لها الفرصة لكي ترى جيرالد مبلغ جمال الحياة مع زوجة وطفل .
أخذت تستمع إلى صوت الدوش في الحمام وقد تملكتها التعاسة , وهي تتساءل كيف سيكون بإمكانها مواجهته عندما يخرج .
عند ذلك أخذ صوت عمتها لويزا يتجاوب في أذنيها ( إياك أن تكوني جبانة ...)
وبسرعة بالغة , اندفعت إلى الأريكة حيث كانت حقيبتها الصغيرة , ففتحتها وأخرجت منها المعطف المنزلي , فارتدته ثم أسرعت إلى المرآة , وما زالت مرهفة السمع نحو الحمام , ثم أخذت تسوي من شعرها المشعت لتتأمل بعد ذلك , نفسها في قميصها الحريري ذي اللون العاجي المتألق . لا يمكن أن تكون هذه صورتها ... وتراجعت خطوة إلى الوراء وهي تتمايل من جهة إلى أخرى , فتبتلع بطنها , وتنفخ صدرها ثم تعيد جسدها إلى وضعه الصحيح وهي تضحك مسرورة ... نعم ... نعم ... هذه صورتي أنا ...
وحدثت نفسها بأنها , إذا كان جيرالد قد وجدها تفتقر إلى الجاذبية هذه المرة فستبذل جهدها لكيلا يحدث ذلك في المرة القادمة .
توقف صوت تدفق المياه في الحمام , فأسرعت روني عائدة إلى السرير , وسوت من الوسائد خلفها بحيث اتكأت عليها ثم أسدلت شعرها على كتفيها واضعة خصلة منه على صدرها , وذلك قبل أن ينفتح باب الحمام ويخرج منه جيرالد وقد التف بمنشفة كبيرة ليتوجه رأساً إل الأريكة حيث ترك معطفه المنزلي . وإذ وقعت عيناه على روني في جلوسها المتكاسل ذاك جمد في مكانه عند باب الحمام وقد ثارت مشاعره من جديد .
وإذا به يبعد نظراته عنها بعنف , كما سبق وقفز من السرير من قبل , ثم سار متجهاً إلى الأريكة أشبه بجندي يسير إلى ساحة المعركة ... عابس الوجه رافع الرأس مسدد نظراته إلى الأمام .
أخذت روني تراقبه وقد توقف قلبها عن الخفقان . كم يبدو نائياً بعيداً جافياً . إنها ستكون مجنونة لو أنها ظنت ... ولكن , كلام ... إنها ستنتظر وترى ما سيكون ...
توقف جيرالد عن السير وذلك في منتصف طريقه إلى الأريكة ... توقف فجأة مخاطباً نفسه , جيرالد مارسدن ... أيها المعتوه عديم الإحساس . إنك تبدي سلوكاً عدائياً غير معقول , والوحيدان اللذان سيتألمان منه هو أنت وهذه المرأة التي تستحق كل خير .
وما لبث تشنج جسمه ان لان , استدار إليها وقد تبدد العبوس من ملامحه وحل محله الإنزعاج وأرغم نفسه على النظر إلى وجهها .

Rehana 08-09-20 04:38 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
لقد أدرك أن عليه , بشكل ما , أن يجعلها تفهم ما يجول في نفسه , وكيف أن حنانها قد أخافه , وأن ظهور عاطفته كان مخالفاً لك تجربة مر بها من هذا القبيل , ما جعل الرعب يكاد يطيح بكيانه .
قابلت روني عيني جيرالد المعذبتين بما أمكنها من هدوء , غير مظهرة اضطراب مشاعرها , ثم انتظرت منه أن يتكلم .
وعندما نطق أخيراً , كان صوته خشناً وهو يقول : " أنا ... آسف ... أنا آسف " وأحست هي , من نظراته أنه يرغب في القدوم إليها .
وإذ امتلأت حباً وحناناً نحو هذا الرجل الفخور بنفسه والذي يذل نفسه لأجلها , فتحت له ذراعيها .
تقدم منه بصمت , ثم قال بعد لحظة : " لم تتملكني مثل هذه المشاعر نحو امرأة أخرى قط من قبل . إنك لا تعرفين كيف كانت حياتي "
فهمست تقول : " أخبرني إذن . ساعدني على أن أفهمك "
أحست بأنه يريد أن يتركها مرة أخرى , ولكنها قالت له : " أبقى هنا "
كان جيرالد يدرك بأن كشفه عن مشاعره وما يجول فيها سيسبب له الألم والذل . كان ما يحثه على الابتعاد عنها وإغلاق مشاعره دونها , مرة أخرى , كان ساحقاً قهاراً ... ولكن احترامه ... واعتباره لهذه المرأة التي أحاطته بكل هذا الحنان جعله يبقي .
كانت رائعة في الحب هذه المرأة التي كان يظنها من قبل خالية من أي جمال وإذا بها تبدو له الآن أجمل مخلوق على وجه الأرض . هذه المرأة التي أصبحت الزوجة التي لم يكن يريدها على الإطلاق , والتي ما زال لا يريدها .
كاد يضحك وهو يتساءل عمن تراه يخدع ؟ فحبها يزداد تملكاً به بشكل أعمق مما كان يريد , وهذا أكثر الأشياء التي صادفها في حياته , إثارة للرعب .
قال : " طوال حياتي كنت أرى النساء عدوات لي . لقد كرهت أمي , كرهت وخفت من كل أنثى , ما عدا مارسي "
" والدة بيتر ؟ "
فأومأ يقول : " نعم . لقد كانت مختلفة عن الأخريات . دوماً كنت أشعر , مع النساء وكأنهن يسلبنني شيئاً , يجردنني من حقوقي . كن دوماً صاحبات السلطة . كن هن اللاتي قررن , من وجهة نظري , من يجب أن أكون , وأين أعيش وكيف ومع من , كن هن من يصدرن المراسيم بالأمكنة التي يمكنني الذهاب إليها والعكس . ولكن مارسي كانت مختلفة عنهن . فقد كنت أراها عكسهن . كانت هي الأضعف . وكنت أنا صاحب السلطة "
فقاطعته متأملة : " من الغريب أنك لم تسيء استعمال تلك السلطة كوسيلة للتوازن "
حدق جيرالد إليها بدهشة : " هذا ما قاله لي رفيقي في الزنزانة في السجن "
" وماذا قلت له ؟ "
" سأجيبك بنفس ما أجبته هو ... ماذا تظنينني ؟ وحش مفترس ؟ "
" كلا " ونزلت من السرير برشاقة واقتربت منه , وقد تملكها السرور للطريقة التي أخذ جيرالد يحملق فيها .

Rehana 08-09-20 04:38 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
اقتربت منه تقول : " أظن انك رجل غاية في الحساسية والاهتمام بالآخرين ما يجعلك تخاف "
" أخاف ؟ " وإذ شعر بالاضطراب وهي تقترب منه بشكلها المغري , أبدى إشارة ساخرة : " لا تخدعي نفسك , أيتها السيدة "
لكنها أنهت كلامها قائلة بهدوء : " إنك تخاف من أن تضع ثقتك في من تراه حساساً مهتماً بغيره من الآخرين "
" نعم , حسنا ... ربما , ولكن هذا يحميني من ازدياد مشاعري "
فقالت تتحداه برقة : " أحقاً ؟ أصحيح هذا ؟ "
إزداد اقترابها منه ... أكثر مما كان يسمح به لأي إنسان , حتى هي . حملق في روني قائلاً : " أرجوك أن تعفيني من هواية التحليل النفسي ... فقد أجري لي في السجن بما فيه الكفاية "
وسار إلى النافذة ينظر منها . كان الظلام قد حل . ومن بعيد كان المبنى الحكومي قد استحال إلى كرة ضخمة من الكهرمان بسبب الأضواء المنسكبة عليه , وكانت حركة المرور الخافتة مسموعة والطريق اشبه بأفعى سوداء مرقطة بنقط من الأضواء المتحركة حمراء وبيضاء , سيارات , اناس رائحون غادون ...من اين , إلى أين ؟ وإلى أين يريد ان يصل بهذه المحادثة مع روني , على كل حال ؟ من المؤكد ان ذلك لن يكون إلى هذا المأزق .
استدار إليها مرة أخرى , فذهل لما بدت عليه من جمال , وشعر بالضعف أكثر من أي وقت مضى ... ثم قال : " اسمعي يا روني ... ربما لم تكن هذه فكرة جيدة "
فقالت بلباقة ساخرة لم تكن تشعر بها في الحقيقة : " ماذا ؟ زواجنا ؟ "
فأطلق ضحكة قصيرة : " اظن هذا غير محتاج إلى كلام , ولكن كلا " وتهجم وجهه . " أعني هذا ... هذا ... "
" الكشف عن الأعماق ؟ "
" نعم " وخفض نظراته إلى الأرض , عابساً , وهو يتخلل شعره بأصابعه . " نعم فهذا ليس شيئاً أحسن شرحه أو استمتع به "
" ولا أي أحد من الناس " كانت تريد من كل قلبها أن تساعده . فسارت إليه ووضعت يدها على ذراعه , وقد أرضاها أنه نظر فقط إلى يدها تلك دون أن يزيحها , بينما تابعت تقول : " ولكن هل تعلم , يا جيرالد ؟ ليس في هذا ما يدعو إلى الشعور بالخزي خصوصاً عندما تفضي به إلى شخص محب "
عند ذلك رفع رأسه فتقابلت اعينهما , كانت المحبة التي تحدثت عنهما تشعان من عينيها , هذا إلى شيء آخر ... شيء أكثر رقة وعمقاً ... شيء جعل انفاسه تتوقف وخفقات قلبه تضطرب .
" روني ... هل لديك فكرة عما تعنيه بالنسبة إليّ ؟ انه أحد الأشياء التي كنت أحاول ان اخبرك به بطريقتي المرتبكة المشحونة بالشفقة على نفسي "
فقالت روني وهي تغظي شفتيه باصابعها : " كلا , لا تقل شيئاً "
فتابع يقول وهو يزيح يدها جانباً : " إنني لم أعرف قط امرأة مثلك , انك لست مثل مارسي ولا مثل أي من الآخريات ... انك ... "
قالت بهدوء : " أنا روني , وهذا كل شيء "
فقال بصوت أجش منخفض : " كلا , لا تقولى أبداً ( هذا كل شيء ) , فأنت اكثر من هذا ... اكثر كثيراً مما أتوقعه أو يتوقعه أي رجل "
وعندما فتحت فمها تحاول الاعتراض سارع يقول : " هس ... دعيني اقل هذا , اعرف انني قد اكون وغداً إذ أدعك تعيشين مع من هو مثلي ... ان هذه الافكار تتملكني ... تماماً كما حدث هذا منذ فترة ... ولكنني أريدك ان تعلمي ان هذا الأمر لا يتعلق بك , انه يتعلق بي أنا , يا روني , لقد تواترت الأمور بسرعة في المدة الأخيرة , ما جعلني احتاج إلى بعض الوقت لكي اعتاد عليه ... على هذه الأمور التي تغيرت عما كانت عليه ... إذن إياك ان تظني انك انت السبب في ذلك , يا عزيزتي " وابتسم في عينيها برقة زائدة وهو يكرر : " إياك ان تظني انك أنت السبب " .

نهاية الفصل

Rehana 09-09-20 02:43 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل العاشر


تحدثا طويلاً بكل رقة وحب , فأفضيا الواحد إلى الآخر , وإنما هذه المرة ,كانت روني هي التي تحدثت وفتحت صدرها له , حدثته عن والديها اللذين توفيا شابين وذلك بحادث مفجع .
كانا هما الاثنين , من علماء الأحياء البحرية , وكانا يقومان بالغوص عند شاطئ في اوستراليا حيث كانا ضمن فريق أبحاث عندما هاجمتهما أسماك القرش وقتلتهما , ولكن روني لم تعرف بتفاصيل الحادث إلا بعد أن اصبحت في سن المراهقة , ما جعلها في خوف دائم من البحر .
عندما تيتمت روني كانت في الخامسة من عمرها فقط , وقد استغرق الأمر سنوات قبل ان تدرك ان والديها لم يهجراها , وانهما لم يقوما بتلك الرحلة كعادتهما ثم اخلفا وعدهما لها بالعودة في أقرب وقت .
لقد صبر جورج ولويزا على الكثير من نزوات روني أثناء سني مراهقتها , ولكن حبهما لها تغلب في النهاية على كل شيء .
وهنا ضحكت روني بخجل لقد تطورت جذرياً من طيش المراهقة وهاجس ( مسكينة أنا ) إلى النضج لتصبح شخصاً أول ما تفكر فيه هو ( ما الذي يمكنني عمله لأجلك؟ ) .
والذي لم يكن جديداً , بالنسبة الى جيرالد , بطبيعة الحال , حيث انه جرب وما زال , كرم نفس روني وعطاءها الذاتي , وإذ شجعته انفتاح روني النفسي ما كان بمثابة دعوة منها لكي يشاركها الافضاء , زال حذره إلى حد اخذ يتحدث فيه عن ماضيه , عن السجن وعما جعله يدخله .

Rehana 09-09-20 02:44 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" لم اقتل أحداً قط في حياتي " قال لها ذلك يريدها أن تصدقه وأن تدرك أنه كان مجنوناً أحمق في تلك الأيام ولكنه ليس سيئاً حقيقة . " كل ما فعلته في ذلك اليوم هو وجودي في مخزن الأشربة ذاك , لمجرد زيادة العدد للمساندة , هل يمكنك ان تصدقي ذلك ؟ "
فأومأت برأسها إيجاباً وقد امتلأت عيناها بمشاعر لم يستطع ان يحتملها كما انه لم يجرؤ على ان يفسرها ويحل رموزها , ولكنه في أعماقه كان يعلم انها صادقة وغير عادية , وبما يتعلق به كانت نادرة مثل الاحجار الكريمة .
حدثها باختصار عن مايك الكبير الذي كان قتل زوجته وأولاده في نوبة سكر عنيفة ولكنه كان بالنسبة إلى جيرالد , كان بمثابة الأب , كان مايك الكبير يشبه كثيراً في صفاته القاضي كينغهام , كما اخبر جيرالد روني , ولو كان بإمكانه ان يحب شخصاً لكان مايك الكبير .
ضحك بهدوء وهو يقول ان الحب موجود فقط في الكتب والقصص الخرافية .
تشبثت روني به بذعر واخذت تبكي , لم يبك احد قط لاجل جيرالد من قبل , ليس بهذا الشكل , ولا تشبثوا به كما تتشبث روني به الآن , أو أحبوه كما تحبه , كانت غير عادية هذه الزوجة التي لم يكن يريدها في الحقيقة .
احتقر نفسه كلياً عندما استسلمت روني للرقاد ووجد نفسه غير قادر على البقاء بجانبها , وهكذا نهض فنزل من السرير وارتدى ملابسه ثم تسلل خارجاً من الغرفة كاللص في ظلمة الليل .
طاف الشوارع متصارعاً مع افكاره . كان أدرك بأنها ليست من اللاتي كن موضع خوفه أو عدم ثقته , لا ولا الإلتزام أو المسؤولية أو حتى خسارته لحريته , كلا فالشيء الذي كان يخاف منه حقيقة , كان هو الحب .
كان الحب من المشاعر الغريبة عليه والتي لم يعرفها في حياته سوى مرة واحدة , وذلك في ذلك البيت الذي كان سكنه منذ زمن طويل , لقد كان احب اولئك الناس , وقد انكسر قلبه عندما تدخلت السلطات ونقلته من بينهم .
لم يعرف امه قط , فقد كان عمره لا يبلغ الساعات عندما تركته في موقف سيارات مخفر للشرطة , وهكذا لم تكن أمه في ذهنه سوى مجرد فكرة , وفي تجواله في هذه الشوارع المقفرة تقريباً , وصل في إدراكه إلى أن هذه الفكرة , علمه بقدرها , هي التي جعلته يمضي طوال هذه السنوات في الكراهية . كان هجران أمه له مؤلماً نظرياً فقط , وإلا فكيف يفتقد شيئاً لم يعرفه قط ؟ ولكن ان يفصل جبراً عن والديه بالحضانة اللذين أحباه , كان شيئاً حقيقياً تماماً , لقد قتلت تلك الحادثة شيئاً في نفس جيرالد , قتلت قدرته على الحب , أو هذا ما كان يظنه إلى أن قابل بيتر وروني .
ابتدأت ظلمة الليل تبهت حين أخذ الفجر يصبغ السماء بألوان البرتقال المتدرجة من الليلكي حتى الأحمر , ووقف جيرالد في واجهة فندق كارلتون ثم رفع بصره إلى النافذة التي ظن أنها قد تكون نافذة غرفتهما , وقد أثقل صدره , وخلفه كان الشارع قد دبت فيه الحياة بسبب أولئك الذين لم يكن نهار الأحد يمثل يوم عطلة لهم , فكانوا يسوقون سياراتهم نحو العمل .

Rehana 09-09-20 02:45 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
مرت حافلة ركاب مخلفة رائحة الوقود في أثره , ومن مطعم الفندق صافحت خياشيمه روائح الصبح اللذيذة ... من القهوة الساخنة والخبز الكروي , والبيض واللحم المقلي .
وتحركت معدة جيرالد تذكره بأن وقتاً طويلاً مضى منذ تناول عشاء الزفاف الخفيف الليلة الماضية , هذا وما زال واقفاً وقد أصعقه أن يكتشف ان قابليته للحب لم تمت في نفسه على الاطلاق وإنما كانت لاتعدو أن تكون هامدة هاجعة . وان تلك المرأة هناك خلف النافذة التي كان يحدق إليها قد أيقظت ذلك الشعور .
أشاح بوجهه عن المبنى , ثم ابتعد يوليه ظهره وكأنه بذلك يولي روني ظهره , والذي كان ما يريده بالضبط , هذا اذا سنحت له فرصة الخروج من ذلك الوضع الذي وضعه الحظ فيه , لم يكن يريد ان يشعر نحو روني بأي شعور عميق , لم يكن بإمكانه احتمال أي نوع من مشاعر الحب , فقد كانت تلك الخسارة الأولى لحبه منذ سنين قد هدت كيانه , وأن يخسر حبه مرة أخرى سيحطمه نهائياً .
فلماذا يغامر إذن ؟ ومن يريد المزيد من الآلام النفسية ؟ من المؤكد انه ليس هو من يريد هذا ... فقد حصد من وراء ذلك كل التعاسة التي يمكن ان يحتملها في حياته , وهو جيرالد مارسدن سوف يبقى بعيداً ... سيضع غطاء على مشاعره ويخرج من حياتها ومن كل هذه الورطة , ما دامت الفرصة سانحة لذلك .

****
" جيرالد ؟ " وتمطت روني في فراشها شاعرة بالسعادة وهي تستيقظ باسمة , انها متزوجة الآن من رجل رائع ... وهي قد أمضت اكثر ليالي حياتها سعادة وذلك بين ذراعي من تحب .
انقلبت على جبنها وقلبها يخفق في انتظار رؤيته , ولكن تلك الخفقان ما لبث أن تلاشى وهي ترى ملاءات السرير مكشوفة والوسادة خالية ... كان قد رحل .
وتملك روني خيبة الأمل وهي تنهض جالسة ... آه , الحمام . فيا للغباء , لابد انه في الحمام .
تصاعدت ضحكة من بين شفتيها ودفنت وجهها في الوسادة وهي تعنف نفسها بقولها ان عليها أن تهجر هذه المشاهد العاطفية المسرحية , وإلا فستصل بنفسها وبزوجها إلى الجنون .
زوجها ... وابتسمت روني حالمة ... زوجها جيرالد ... عادت تنقلب على ظهرها وهي تنصت إلى صوت تدفق الماء في الحمام , وإذ لم تسمع شيئاً أجفلت ... ولكن كلا ... انه سيخرج خلال دقيقة .
وانتبهت فجأة إلى ان منظرها عند الصباح لا يسر , فقفزت من السرير وارتدت معطفها المنزلي ثم اندفعت نحو المرآة .
آه , وتملكها الإشمئزاز وهي تغمض عينيها لحظة وتتساءل لماذا في القصص والافلام العرائس دوماً متألقات رائعات الجمال عند الصباح , بينما تبدو هي وكأن هناك من هاجم شعرها بخفاقة البيض ودعك وجهها بمعجون شاحب اللون .

Rehana 09-09-20 02:46 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
زفرت باستياء وقربت وجهها من المرآة وهي تحرك زاويتي عينيها بأناملها بعنف , ثم تبتلع خديها وتقول بلهجة إغراء : " هذا أحسن كثيراً , يا حبيبي ... " ثم لا تلبث أن تعود إلى طبيعتها وهي تمد يدها لصورتها في المرآة قائلة : " يالك من معتوهة "
أدارت ظهرها إلى المرآة واخذت تفك بإصبعها خصلات شعرها المتشابكة وذلك في الوقت الذي انفتح فيه الباب ودخل منه جيرالد ...
ما عدا انه لم يكن باب الحمام ذاك الذي دخل منه .
أخرست المفاجأة روني , ولكن ذهنها ما لبث ان اخذ يحدثها دون اكتراث ... حسناً , لقد كان في الخارج ... وماذا في ذلك ؟ وبصرخة سرور , اندفعت لترحب به .
" صباح الخير ... يا جيرالد "
كان ثمة شيء غير عادي , تجعد بذلته , قميصه غير المقفل بشكل كامل كما انه دون ربطة عنق , كان جيرالد يبدو منهكاً , متعباً وقد عاد وجهه إلى التجهم .
" مرحبا " ولم يكد يلقي نظرة عليها وكان يدرك ما في تصرفه هذا من قسوة , ولكنه لم يجد طريقة أخرى يبعدها بها عنه وهو يتجه إلى الحمام مباشرة وهو يقول : " لماذا لا تطلبين لنا بعض القهوة ريثما استحم بسرعة , انني اريد الخروج من هنا في أسرع وقت ممكن "
" ولكن... " كان تسليم الغرفة عند الظهر , وكانت ترجو أن ...
" ان عليّ أن أذهب للعمل "
" العمل ؟ " لم يكن على جيرالد أن يعود إلى عمله في البناء إلى حين إشعار آخر , فقد كان العمال يقومون بإضراب ...وكانت خطته ان يستفيد من هذه الفرصة ويقدم طلباً إلى بعض الشركات الهندسية في المدينة .
" ولكن اليوم هو الأحد و ..."
فتمتم يقول : " نعم , حسنا , مازال هناك بعض العمل على ان انجزه في مخزن العتق "
وغابت بقية كلماته وهو يغلق باب الحمام بنفس العنف والحسم الذي اغلقه به الليلة الماضية , وكما فعلت روني حينذاك وقفت الآن تحدق في بياض الباب الجاف والرعب يزحف في كيانها .
لقد حدث أمر سيء , مرة أخرى , فهو يطردها من حياته ... مرة أخرى , ومرة أخرى أخذت تفكر في ما ينقصها .
جمدت مكانها لحظة ما لبثت بعدها أن اخذت تفكر ... كلا , تباً لذلك ... ليس هذه المرة ! ثم دخلت إلى الحمام في أثره .
التفت جيرالد وقد أدهشه أن يسمع الباب خلفه يفتح وروني تدخل قائلة بصوت رنان وقد توهجت عيناها : " والآن ... ما الذي يحدث ؟ "
استمر جيرالد في خلع جوربيه , مبقياً ملامحه جامدة دون أن يبدو عليه اي تأثير عدا عن رفعه حاجبه بخفة , محافظاً على هدوء ظاهري زائف .
تقدمت روني شاحبة الوجه , وأمسكت بكتفه , ما جعله يفقد توازنه , ثم أرغمته على إنزال قدمه , وهي تقول بانفعال : " أريد جواباً , إذا لم يكن لديك مانع "
حدثته نفسه أن يمثل دور الغبي , فاجاب : " جواباً لأي شيء ؟ "

Rehana 09-09-20 02:47 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
أخذت تتأمله ملياً , لقد أمضيا معاً ليلة رائعة , ولكنه الآن ينظر إليها وكأنه ينظر إلى شخص غريب , إنطفا غضبها بنفس السرعة التي اشتعل بها , وفكرت باكتئاب في أن تصرفه هذا ليس إعادة لتصرفه ذاك الليلة الماضية , إنه الآن اكثر جداً وتصميماً وحسماً , عصر الحزن قلبها , ولكن رغم انها كانت متلهفة إلى أن تطلب منه أن يمنحها وقتاً وفرصة , إلا أنها لم تخرج عن أن همست له بألم : " لماذا ؟ "
كان جيرالد , وهو يقف متجلداً أمامها , ينزف دماً في داخله . هو أيضاً , فقد كان منظر روني مرتبكة متألمة , يمزق مشاعره , ولكن كل ما كان بإمكانه ان يفعل , أو بالاحرى ما عليه أن يفعل , هو أن يلتزم موقفه هذا , محتفظاً بالدرع الواقي له والذي كان صمم عليه خلال طوافه الطويل أثناء الليل , فإذا تركها تمزق هذا الدرع مرة أخرى , فهو لن يستطيع أن يعيده بعد ذلك أبداً , وهذا ما سيكون مخاطرة كبرى .
قال بهدوء : " اسمعي , يا روني , إنني أعرف انك لا تفهمين سبب تصرفي هذا , حتى انني أنا نفسي لا أفهمه , وآسف إذ اتصرفت هنا بهذا الشكل , ولكن الحقيقة هي أنني حاولت ولكنني لا استطيع أن اقوم بمشهد المودة والإلفة "
وإذ لم يستطع احتمال تأملها الكئيب به , أدار ظهره إلى الألم الذي كان يتدفق من عينيها ثم فتح صنابير المياه لتتدفق هذه بكل قوتها .
ثم قال يتحدث خلال خرير المياه : " ان ما لدينا هنا هو زواج قائم على مجرد الاقتناع وهو سينتهي حالما يصبح ذلك ممكناً من الناحية الإنسانية , وقد قررت أن من الأفضل لجميع الأطراف المعنية إذا نحن أبقينا زواجنا بشكل صوري أثناء ذلك "
" فهمت "
كان ما دمر كيانه هي الكرامة الهادئة التي تجلت في جوابها هذا , فتهاوت كتفاه وسقط رأسه على صدره وهو يطلق شتيئمة بذيئة : " تباً لكل ذلك , يا روني ... من تراني اخدع ؟ حقيقة الأمر هي ... " والتفت ينظر إلى وجهها وهو يقول : " انني وقعت في غرامك وهذا ما جعل الرعب يتملكني حتى الموت " ولكن روني لم تكن في الحمام وهو يقول ذلك .

****
كان اكثر ما جعل روني تمتنع عن سماع أي شيء قد يقوله جيرالد حينذاك , هو السباب البذيء الذي انطلق من بين شفتيه .
لقد وصلتها رسالة عالية واضحة ... فبالرغم من التقدم الذي أحرزاه في مجال التقارب , أو ربما بسببه , إعتبر جيرالد مارسدن الليلة الماضية غلطة وخروجاً على الطريق الصواب .
كانت أحرى بهذا ان يحطم روني لولا انها استشفت رسالة أخرى ... ذلك أنه رغم كلمات جيرالد الهادئة , وتصرفاته الغريبة , فإعلانه لها ذاك قد سبب لها الألم ... ومعرفتها بذلك قد خفف كثيراً من الألم الذي شعرت هي به , وأحيا في نفسها الأمل في أنه ربما مع الوقت , والمحبة والصبر ...
آه , تباً لذلك ...تنهدت روني وهي تجمع حاجياتها لكي تدخل الحمام في اللحظة التي يخرج فيها جيرالد منه . ربما كانت تخدع نفسها , ولكنها ليست بالتي تتهرب , كما انها واثقة من اسنجامهما معاً الليلة الماضية , ومع ذلك فهي تكذب إذا قالت انها لم تكن تشعر بالتعاسة .

Rehana 09-09-20 02:49 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
خرج جيرالد من الحمام وقد التف مرة أخرى بالمنشفة , فمرت روني بجانبه نحو الحمام دون ان تنطق بكلمة وقد توترت شفتاها وقطبت حاجبيها , بينما ارتدى جيرالد ملابسه والتي كانت عبارة عن بنطلون جينز وقميص رياضي وهو يفكر في ان من حسن الحظ أن روني لم تكن بجانبه في الحمام فتسمع الكلمات الحمقاء التي كان قد ابتدأ بالإعتراف بها . كمن يحضر حبل ليشنقوه به .
كان ثمة شيء واحد مؤكد , وهو أن يضع حلاً لهذه الأمور , ويخرج من ورطة زواجه هذه وذلك النزل , لأن من غير الممكن ان يبقى بجانب روني دون أن تفضحه عواطفه نحوها , وهذا لن ينتهي إلى خير , وهكذا أول ما ينبغي عليه عمله في الأسبوع القادم , هو أن ينهي كل شيء .

****
في التاكسي الذي كان متجهاً بهما إلى البيت , إتفق جيرالد وروني على أن يبدوا أمام العمة لويزا بمظهر حسن وكذلك أمام بيتر والنزلاء , مظهر المودة والتهذيب فقط وهو ما يتوقعون أن يعامل به المتزوجون بعضهم البعض , وقد تكون الليالي أكثر مشقة , إذ انهما ينامان في غرفة واحدة ولكن السرير , من الاتساع بحيث يستطيع اثنان أن يناما فيه .
حول كل منهما نظراته إلى مكان آخر , ثم تجاوزا هذه النقطة بسرعة .
ما أن وقفت سيارة الأجرة امام الباب , حتى كان بيتر ينطلق خارجاً من الباب ليلقي بنفسه بين ذراعي روني وهو يهتف فرحاً : " ها انتما عدتما " واحتضنته بشدة وهي تغالب دموعها حاملة نفسها على الابتسام .
" مرحباً , يا حبيبي " وتراجعت قليلاً إلى الخلف تحدق في وجهه المرقط بالنمش .
" هل كنت تعتني بكل شيء في غيابنا ؟ "
" نعم , وقد حممني ليو وقرأت لي السيدة هنكز قصة قبل النوم وكذلك العمة لويزا , كما انني صنعت كعكاً و ... "
وبينما كان بيتر يثرثر , اتجهت عينا روني إلى العمة لويزا التي كانت تسير نحوهم بهدوء , وهي تنشف يديها بالمنشفة وهي تبتسم وذلك قبل ان تحتضن جيرالد مرحبة .
هذا بينما كانت روني تنظر بعطف مزيج بالمرارة إلى هذين الشخصين اللذين تحبهما اكثر من أي شيء آخر في العالم , وهي تفكر في ان عمتها لو كانت تعلم بما انتهى اليه الأمر بينهما لضربته على رأسه بدلاً من احتضانه بهذا الشكل الحميم .
" ولكنني مسرور بعودتكما على كل حال " كان بيتر ينهي حديثه بهذه الكلمات , بينما كانت روني تطبع قبلة حارة على خده قبل ان تتركه من بين ذراعيها وهي تعود بأفكارها إلى ... اثنين من هؤلاء الثلاثة الذين تحبهم أكثر من أي شيء آخر في العالم .
وأخذت تدعو بحرارة , ألا يعثروا على الجدة كمب .لكن دعاءها لم يتحقق .

Rehana 09-09-20 02:50 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وأخذت روني تحدق , بعينين مغروقتين بالدموع , إلى الشارع وهي تجلس في الأرجوحة على الشرفة الأمامية والتي كانت تهتز برفق , وكان لهذه الحركة أن تخفف عنها , ولكن هذا لم يحدث , فقد كانت من التوتر بحيث كانت مستعدة لانتهار أي شخص يجرؤ على انتهاك عزلتها هذه .
ففي منزل مليء بالناس , كان من الصعب عليها أن تجد مكاناً تخلو فيه إلى أحزانها , ولكن هذه الليلة لاحظت روني ان كلا من النزلاء قد خلا بنفسه في مكان ما , وكان السبب انه أثناء العشاء , هذه الليلة , كان جيرالد قال : " هل يمكنكم ان تصدقوا . في مقابلتي الثانية فقط في شركة ميراشكي للهندسة والتصميم طلبوا مني الالتحاق بهم بصفة مصمم "
فهتفت العجوزان بصوت واحد : " أحقأ ؟ " كما قال ليو القاضي : " إنك محظوظ ونحن نصدق ذلك طبعاً "
لم تحاول روني أن تخفي زهوها بجيرالد , ولا الحب المتدفق الذي شعرت به نحوه , وذلك بابتسامتها المشرقة , ولأول مرة منذ عرسهما منذ عشرة أيام , قابلت نظرات جيرالد بصراحة وهي تقول له بهدوء : " هذا اجمل خبر سمعته تقريباً "
اما أجمل خبر على الاطلاق , فهو إذا قال لها جيرالد كم يحبها .
ولكنها كانت قررت أن لا تدع مثل هذه التأملات تفسد عليها جمال هذه اللحظة . واشتبكت نظراتها بنظراته وهي تقول بابتسامة سعيدة : " تهانئي , يا جيرالد " ولكنه بدلاً من أن يبادلها الابتسام , مظهراً لها وللآخرين سعادته , غامت عيناه وتهجمت ملامحه .
سألته وقد حيرها تصرفه هذا : " ألست سعيداً ؟ "
فكان أن أومأ قائلاً : " نعم , ولكن لدي خبر آخر "
" آه " وشعرت روني بقلبها ينقبض , فسألته : " وما هو ؟ "
" ان جدة الصبي تعيش في عربة قطار مهجورة في بلدة بارستو في كاليفورنيا "
انفجر هذا الخبر بين تلك المجموعة السعيدة وكأنه قنبلة ذرية , جاعلاً كل منهم ينظر بذهول إلى جيرالد بما تبع ذلك من صمت رهيب .
كل شخص ماعدا روني , فقد كان بيتر أول ما فكرت فيه , نظرت إليه برعب وهي تتساءل عن ردة فعله لهذا الخبر , وقد تملكها القلق عليه .
ولكن ما كان لها ان تقلق , لقد كان اهتمام الصبي منصباً على صحن الحلوى الثاني الذي تنازل القاضي له عنه قائلا ً, ولم يكن صادقاً في ذلك , بأنه من البدانة بحيث لا يستطيع تناوله , ولهذا لم يكن منتبهاً إلى الحديث الدائر حوله .
حينذاك سألت روني جيرالد : " ما الذي تنوي القيام به ؟ "
وكانت الدهشة قد تملكتها لاستطاعتها الكلام رغم الغصة التي شعرت بها " هل ... ستعيده ؟ "
لم يجب على الفور , وساد الصمت جو الغرفة كان هو اثناءه يتفحص وجه بيتر وقد اظلم وجهه , فرفع الصبي وجهه وقد تلطخ ما حول فمه بالحلوى , وهو يضحك لجيرالد الذي حول نظراته عنه بسرعة وأخذ يحدق في صحنه .

Rehana 09-09-20 02:52 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وأخيراً قال مخاطباً الجميع دون أن يخص الكلام احداً منهم , وكانوا جميعاً في الأيام العشرة الأخيرة , يراقبون بصمت العلاقة المتوترة بينه وبين روني , ولكنهم كانوا اكثر لباقة من أن يتحدثوا بما يظنونه عن الوضع , والآن أيضا لم ينطق احد منهم بكلمة , ولكن جيرالد بشكل ما , وجد هذا منهم أصعب احتمالاً بالنسبة إليه , مما لو هاجوا وماجوا احتجاجاً , قال : " انكم جميعاً تعلمون جيداً ماذا كان الاتفاق , ولم يتغير شيء " وكان يقول هذا وقد تجهم وجهه .
لم يتغير شيء ...
وها هي ذي الآن تجلس وحدها في الشرفة نصف المعتمة , شاعرة بضحكة مرة على وشك الانطلاق من حلقها , فترفع يدها إلى فمها تمنعها , لقد بقيت عشرة أيام وهي ترجو التغيير , كل يوم وكل ليلة ,كانت تستلقي بجانبه على السرير وهي تحس بمشاعرها تزداد ابتعاداً عنه عما كانت عليه في بداية تعارفهما .
كانت ترجو أنها مع الوقت سيعود جيرالد إلى الثقة بها مرة أخرى , وقد ينمو الحب , في قلبه , لها إنما الآن ...تباً لكل هذا فقد تغير كل شيء مرة أخرى ولكن ليس للأفضل .
اين هو ذلك الرجل ؟ وقفزت من الأرجوحة ثم دخلت إلى المنزل . لم يكن جيرالد في أي من الغرف التي دخلتها , ولكنها كانت على صواب , فقد انعزلت العمة لويزا والسيدة هنكز في زوايتهما المفضلة في البيت وهما تتأملان وتتفجعان على فراق بيتر .
عثرت روني على جيرالد في غرفة عمل جورج زوج عمتها خلف البيت , وكان يضع اللمسات الأخيرة على العربة التي صنعها مع بيتر من صندوق الصابون , وذلك منذ عدة أسابيع .
سألته روني بصوت جارح كالزجاج : " لم يعد ثمة فائدة من انهاء هذه العربة , أليس كذلك ؟ "
لم يرفع جيرالد بصره عن العمل الذي بين يديه وهو يقول : " بإمكانه ان ياخذها إلى بيته معه "
" بيته ؟ " وتنفست بعمق " جيرالد , ان بيت بيتر هنا ... هنا معنا "
عند ذلك واجهها بملامح جامدة وهو يقول : " كان الاتفاق بيننا أن يكون هنا بيته إلى ان نعثر على جدته , يا روني "
فأثارها عناده الهادئ : " تباً لذلك , فنحن نتكلم عن صبي إنسان وليس مادة جامدة تجري اتفاقية بشأنها , ان الصبي يحبنا يا جيرالد , وهو سعيد هنا "
" وقبل ذلك كان يحب جدته وسعيداً معها , انه ليس ابني , يا روني "
"ليس ابنك ؟ "
" انك تعلمين جيداً انه ليس كذلك "
" كلا , هو ليس ابنك لحماً ودماً "
تقدمت نحو الصندوق العربة تمر بإصبعها عليه وهي تتابع قائلة : " ولكنه ابنك من كل النواحي الانسانية والعاطفية "
فانفجر يقول وهو يضرب الجدار بقبضته : " اللعنة , لا تقولي لي هذا "
تخلل شعره بيده وقد تقلص وجهه ألماً ويأساً وهو يحدق إلى روني بعنف : "اتظنينيه امراً سهلاً بالنسبة إليّ "
فصرخت فيه : " ولماذا تفعله إذن ؟ جيرالد ... أرجوك ... "
" لأن عليّ أن افعل هذا ... اللعنة , انني مرغم على ذلك "
قبض على ذراعها وهزها بعنف : " إما هو , وإما أنا , ألا تفهمين ؟ إذا أنا لم أعده إلى جدته , إذا ابقيته هنا , فسأجد نفسي , مرة أخرى , في وضع ليس من صنعي , لقد أمضيت حياتي ألعوبة في يد الآخرين , وهذا يكفيني "
ترك ذراعها بخشونة وهو يشيح عنها بوجهه . " بعد أن خرجت من السجن , كنت أريد أن أمضي حياتي حر التصرف بنفسي لا حكم لأحد عليّ , والآن انظري كيف أصبحت ..."
انخفض صوته ونضح بالسخرية وهو يتابع قائلاً : " ملتصقاً بصبي ليس من لحمي ودمي وزوجة لم اكن أريدها قط "
لم تسمع روني أي شيء آخر إذ اندفعت هاربة من الغرفة وكأنما يلحق بها اللصوص .

نهاية الفصل

Rehana 11-09-20 09:41 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
الفصل الحادي عشر

سريران ومنضدة وكرسيان وضعت جميعاً على سجادة رثة كانت ذات يوم حمراء اللون . يظلل المصباح غطاء لم يعد يحجب الضوء , كانت هذه هي الغرفة رقم 313 من نزل شيدي غروف في بقعة لا اسم لها على الخريطة , وتقع بعد الطريق الرئيسي رقم 99 مباشرة في وسط كاليفورنيا . نظر جيرالد في أنحاء الغرفة قبل أن يعود إلى السيارة ليحضر بيتر .
في رغبته لكسب الوقت , وعدم تبذير نقوده بالبقاء في هذا النزل أكثر من ليلة واحدة وفي رغبته إنهاء هذه المهمة الكريهة في أسرع وقت ممكن , أمضى جيرالد ثماني عشرة ساعة في الطريق . كان يقود سيارة شيفروليه عتيقة كان اشتراها بسبعمئاية دولار منذ أيام قليلة فقط . وحتى الآن يبدو أن الحق مع البائع حين قال إن السيارة صالحة رقم سوء مظهرها .
وقف جيرالد أمام هذا النزل وهو يحدق إلى بيتر الذي كان استسلم إلى النوم بعد عشاء سريع تناولاه منذ مئتي ميل تقريباً ثم تهالك أمام عجلة القيادة لحظة وهو يتنفس بضعف .
ولم تكن الأيام التي أوصلته إلى الوضع هذا , أفضل منها . فقد كانت تعاسة روني الصامتة وعتابها القاسي , حزن العمة لويزا وباقي النزلاء الذين كانت محاولاتهم التي تدعو إلى الرثاء في الظهور بمظهر التفاؤل والبشاشة غير المتحيزة كانت محاولاتهم تلك أكثر مما يستطيع تحمله وكذلك بيتر .

Rehana 11-09-20 09:42 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
كان ارتباك الصبي المؤلم قد تمرد على محاولات جيرالد وروني معاً في محاولاتهما أن يشرحا له الأمر . ذلك أن روني , والحق يقال , لم تدع آلامها وشعورها بالمرارة نحو جيرالد يثبطان همتها في محاولتها جعل بيتر يفهم ما لم تكن هي نفسها تفهمه ... وهو أن عودته إلى جدته هو أفضل ما يمكن أن يفعله جيرالد لأجله .
لكن بيتر لم يفهم , وما زال لا يفهم أكثر من أن بابا الذي كان أحبه لم يعد يريده , وإنه بيتر , لم يعد مسموحاً له أن يبقى مع حبيبته روني وأولئك الناس المسنين الذين أصبحوا أسرته .كان مليئاً بالبهجة والزهو ان أصبح لديه أخيراً غرفة خاصة به في مخزن الأشياء القديمة . وكذلك أم وأب كغيره من الاولاد مع مجموعة كبيرة من الاجداد أيضاً .
كانت مراقبته للصبي وهو يفقد تألقه وصحته التي اكتسبها في الأشهر الأخيرة ليعود إلى ما كان عليه من شحوب وكآبة تجعله يشعر وكأنه اقترف جريمة وفوق هذا كله كان هدوء وبرودة روني نحوه , إلى مظاهر الآخرين الحزينة كل ذلك كان فوق احتماله .
ومع ذلك كان عليه أن يحتمل وقد فعل , وأي خيار كان لديه غير ذلك ؟ فإذا كان يريد أن يكون حراً في ذهابه إلى أي مكان لا تعيق مسؤولية نحو الآخرين وهو نوع الحياة الذي كان صمم عليه أثناء سنوات السجن إذا كان يريد هذا النوع من الحياة , فلن يتمكن من حمل مسؤولية زوجة وطفل .
لو أنه كان أقدم على هذا بإرادته الحرة لاختلف الأمر ولكان الذنب ذنبه لو أنه كان أخطأ مع روني فاضطر إلى الزواج منها ...
ولكن الامور لم تكن بهذا الشكل هنا . فهو ليس والد الطفل هذا . والسبب الوحيد الذي جعله يتزوج روني هو مارسي كمب والتي كانت من السذاجة بحيث ظنت أي أب لأبنها خيراً من العدم .
حسنا , لقد كانت مارسي مخطئة عندما اختصته بهذا الشرف . وهو لم يوافق على ذلك ... ولن يمكنه احتماله .
بدا لجيرالد أن النساء على الأغلب هن اللاتي كن يقررن شؤون حياته . فقد جاء الآن دوره لكي يتسلم زمام حياته ولن يسمح لأحد , لا النزلاء ولا بيتر حتى لا روني , بأن يمنعه من ذلك , ومن العيش كما يريد .
حمل جيرالد بيتر من السيارة إلى الغرفة فأرقده في السرير وغطاه جيداً , ثم رقد هو في السرير كالأموات وقد أرهقه إجهاد نفسه , جثمانياً , بسبب قيادته السيارة ساعات طويلة , وشعورياً لهذا التصرف القاسي الذي ألزم نفسه به .

****
استيقظ وكأن ذلك كان بعد دقائق فقط ليرى أشعة الشمس تغمر الغرفة وبيتر يجلس متربعاً على السرير المجاور , وهو ينظر إليه بعينيه البنيتي اللون , باكتئاب .
جاهد جيرالد ليجلس وسأله وهو يمر بيده على لحيته النابتة : " ما بك ؟ كم الساعة الآن ؟ "

Rehana 11-09-20 09:42 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
وألقى نظرة على ساعته ... إنها الثامنة والدقيقة السابعة ... فأسرع بالنزول من السرير وهو يشتم نفسه لتأخره في النوم مفكراً في أنه إذا كان الحال بهذا الشكل فسيضطر إلى البقاء مع الصبي هذه الليلة في السيارة .
وهكذا حمل بنطلونه ودخل إلى الحمام .
" بابا ؟ ..."
توقف وهو يسمع نداء بيتر المتردد والذي أخذ يجول في كيانه بمرارة حلوة , ثم التفت ببطء : " ماذا ؟ "
وإذ رأى وجه بيتر المنكسر , أخذ يشتم بصمت . لم يكن يريد أن يبدو بهذه الفظاظة ولكن كانت تخنقه غصة كما كان قلبه يقطر ألماً دون أن يستطيع التوقف عن احتقار نفسه لم يهم بعمله بهذا الصبي التعس المتحير والذي لا يطلب منه سوى القليل ... ولكنه كثير بالنسبة لما يمكنه هو إعطاؤه .
وبجهد , لطف جيرالد من صوته : " ما هذا يا بني ؟ إننا في عجلة من أمرنا "
أمكنه أن يرى أن الصبي كان يتكلف من الجهد ليتكلم , قدر ما كلفه هو نفسه الكلام . فقد خفض رأسه متردداً , وأخيراً قال بصوت تخنقه الدموع : " لماذا لم تعد تحبني يا بابا ؟ "
لو كانت أصابت جيرالد رصاصة في القلب لكانت أخف وقعاً من سؤال بيتر البسيط هذا .
أي جواب يمكنه أن يقدمه لهذا السؤال ؟ ما الذي بإمكانه أن يخبر الصبي وكيف يفسر له الأمور ؟ إنه لا يستطيع , ولكن عليه أن يحاول .
وسرعان ما انحني جيرالد أمام الصبي الصغير ورفع الذقن المرتجفة بإصبعه وأخذ يتفرس في العينين الكئيبتين وهو يقول برفق : "الأمر ليس بهذا الشكل , يا بيتر . فهو لا يتعلق بحبي لك أو عدمه "
" قالت لي جدتي إنك بابا "
تبا لتلك المرأة .. تبا لمارسي .
" وكذلك الأمر لا يتعلق بهذه المسألة , يا بني " بني ... وشعر جيرالد بشيء ينقبض في داخله . ما أسهل النطق بهذه الكلمة . وما أحسن استعمال هذه الصفة في الحديث مع بيتر . وكم تزداد سهولتها وهو يفكر وكأن هذا الصبي من لحمه ودمه .
وأن يفكر في روني , وليس في مارسي , أماً للصبي . ولكن هذا كان جنوناً منه . فهو ليس والد هذا الصبي ... كما أن روني ليست أمه طبعاً .
وأخيراً رفع بيتر بصره إليه : " ولماذا عليّ إذن أن أعود إلى جدتي , يا بابا ؟ " وأخرست لهجة الاتهام في هذا السؤال جيرالد .
أخذ يحدق في عيني الصبي بقنوط وعجز . ما الذي يمكنه قوله ؟ كيف يمكنه أن يوضح للصبي أن هذا ليس أمراً هو المعني به ؟ وهنا توقف عن التفكير ... ما هذا ؟ كيف لا يكون صبي معنياً بهذا الأمر بينما هو يهجره إذ يعيده إلى الشخص الذي لم يعد مرتبطاً به , ثم يدعو ذلك أمراً لا يعني الطفل شخصياً ؟
ما الذي كنت تعاني منه إذن طوال هذه السنوات , يا جيرالد ؟ تذكر أن أمك عندما هجرتك لم تكن تعنيك بذلك شخصياً , هي أيضاً . ومع ذلك بقيت طوال حياتك تحتقرها لهذا العمل ...

Rehana 11-09-20 09:43 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
أخذ يحدق في بيتر وهو يسمع ذلك الصوت الداخلي , ما جعل صدره يضيق حتى صعب عليه التنفس . تذكر مشاعره وهو طفل وهم ينقلونه من مكان إلى آخر ومن بيت إلى بيت ولأسباب كان أصغر أو أكثر جهلاً من أن يفهمها ... أماكن كانوا دوماً يجدون ثمة ما ينقصها . تماماً كما تصور جيرالد أن ثمة ما ينقصه .
تباً لذلك ... لا أريد التفكير بهذا الشكل . تفجرت هذه الكلمات بكل العذاب والقنوط الذي يتملكه , معبراً بعنف عن معارضته للقوى خارج نفسه . تلك القوى التي بدت , مرة أخرى , تفوز بالسيطرة عليه .
كلا , فهو لن يسمح به . ليس هذه المرة .
وقال بصوت أجش وهو يضم الولد الخائف إلى صدره : " استمع إليّ الآن . ليس الامر هو إنني لا اريدك . فأنا ... أنا أحبك , أحبك حقاً . وأنا أريد ... أريد لك الأفضل , صدقني "
أخذ يمر بيده على الشعر الأشقر , وطبع قبلة على قمته ثم قال : " إنني ساعطي جدتك بعض المال , وسأرسل إليها المزيد كل شهر وبهذا يمكنها أن تشتري لك كل ما تحتاج إليه "
أثناء احتضانه للصبي شارحاً ملاطفاً , كان جزء منه يبكي , بينما جزء آخر يتساءل هازئاً عمن تراه يحاول إقناعه هنا , الصبي أم نفسه ؟
ولكن جيرالد أخذ يخمد في نفسه كل شعور ومضى يحاول تقديم كل مبرر ومنطق لما يقوم به .
وبعد أقل من ساعة , كان هو وبيتر في طريقهما مرة أخرى قاصدين بارستو .
" مضى وقت طويل لم نتحدث فيه بهذا الشكل , يا حبيبتي " قالت العمة لويزا ذلك وهي تتأمل ابنة أخيها باكتئاب وذلك في جلستهما المعتادة على السرير : " كانت آخر مرة قبل أن تتزوجي " وسكتت وعندما تابعت روني صمتها شاردة الذهن , أضافت تقول : " كنت أراك تزدادين حزناً منذ رحيل جيرالد وبيتر ,انك تفتقدينهما أليس كذلك ؟ "
توتر فم روني وانحدرت زاويتا فهمها وهي تقول بصوت تخنقه الدموع : " إنني أفتقده , أفتقد بيتر فقط "
لم تجبها عملتها على هذا , وقالت : " لقد اتصل جيرالد مرتين هذا النهار "
" أعلم ذلك , فقد أخبرني ليو "
" لماذا رفضت التحدث إليه ؟ "
" ليس لدي ما أقوله "
" يبدو أن جيرالد يظن أن هناك موضوعاً يريد إخبارك عنه "
فقالت ثائرة تقاطع عمتها وهي تنظر إليها بعينين ملتهبتين : " جيرالد , جيرالد ... هذا كل ما أسمعه منكم . إنه الوحيد الذي يهمكم أمره "
" هذا غير صحيح "
" بل هو صحيح . ليس منكم من اهتم مثقال ذرة بأنه حطم قلبي عندما أخذ مني... "
تهدج صوتها ولم تستطع الاستمرار . فعضت شفتها وهي تغطي عينيها وتشهق قائلة : " تباً لذلك " واخذت تنظر إلى السقف تغالب دموعها : " لم أبكي لهذا الامر بعد الآن .لن ... "

Rehana 11-09-20 09:43 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فسألتها لويزا متظاهرة بالقسوة : " ولماذا لا ؟ ما دام يبدو أن ليس لديك ما تفعلينه سوى هذا , هذه الأيام "
وبدا عليها الرضا عندما تشابكت نظراتها مع نظرات روني المتحدية , وأضافت تقول : " إنني لم أر في حياتي حالة إشفاق على النفس مثل حالتك هذه "
نزلت روني عن السرير وهي تقول وقد توترت ملامحها " حسنا ... أرى انني لن اجد أي عطف هنا "
وسارت نحو الباب.
" روني " وجعلت لهجة لويزا روني تقف ويدها على مقبض الباب بينما تابعت العمة تقول " قال جيرالد انه سيكون هنا غداً الظهر ..."
فقالت روني دون ان تلتفت " شكراً لهذا الانذار وحتما ساكون في الخارج حينذاك "
" قال ان لديه مفاجأة لك "
" حسناً وان لدي مفاجأة له كذلك وهي اوراق الطلاق "
وعندما لم تقل لويزا شيئاً التفتت روني من فوق كتفها " هذا ما جئت بشأنه هذه الليلة لأخبرك عنه يا عمتي, لقد ذهبت هذا الصباح لمقابلة المحامي, قال انه لا يظن ان اجراءات الطلاق القانونية ستستغرق وقتاً, لأن ليس ثمة املاك مشتركة بيننا كما اننا نحن الاثنين راغبان في ذلك ..."
" وما الذي جعلك تظنين ان جيرالد راغب في الطلاق يا روني "
فحملقت روني فيها " كيف تلقين عليّ هذا السؤال بينما تعرفين جيداً ما يجرى بيننا منذ حفلة الزفاف ؟"
قالت العمة وهي تعبس في وجه ابنة اخيها " نعم يمكنني ان القي هذا السؤال "
سكتت وبدت الحدة في نظراتها " يبدو لي انه مهما كان السبب في سوء العلاقات بينكما فقد فكر جيرالد طويلاً في المدة الاخيرة, ما جعله يقرر شيئاً يريد ان يخبرك به واظن عليك ان تبقي هنا وتستمعي اليه اليس كذلك ؟"
واذ اقنعها منطق عمتها بالرغم منها اخذ قلبها يخفق وهي تسألها لاهثة " هل ... هل قال لك شيئاً ...؟"
فرقت اسارير العمة الحازمة " قال فقط ان عليك ان لا تتصرفي بشيء قبل ان يجد فرصة يتحدث فيها اليك "
" متى ؟"
لم تكد هذه الكلمة تخرج من بين شفتيها. أي لعبة يقوم بها جيرالد ؟ اخذت تتساءل عن هذا وهي تعود متمهلى الى سرير عمتها ثم تجلس على حافة الفراش.
كذلك تتساءل عن السبب في ان غضبها من غدره لم يعد غضباً حقيقياً وانما مجرد استثارة وكذلك رجاء ؟
" متى قال ذلك يا عمتي ؟"
" اليوم في الهاتف "
" و ... وبيتر ؟ ما الذي قاله عن بيتر يا عمتي ؟"
وإزاء الألم في صوت روني والأمل المرتجف اغرورقت عين العمة بالدموع فاطلقت زفرة " لا شيء يا عزيزتي انني آسفة ولكنه لم يذكر بيتر على الاطلاق "

Rehana 11-09-20 09:43 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
لم يستطع تقرير المخبر الخاص أن يصف عربة القطار المحطمة .. الصدئة القذرة التي أرشدهما إليها السكان الذين يعيشون بنفس الحالة , والكائنة في نهاية طريق يصعد عدة أميال .
عجباً ... هل في هذا المكان القذر أمضى بيتر معظم حياته ؟ وهل منه جاءت مارسي كمب هي أيضاً ؟
تمهل جيرالد في إطفاء المحرك وقد صدمه ما رأى من قذارة وبؤس . العربة المتداعية مائلة إلى جانب , والنوافذ تغطيها خرق بالية جعلته يرى المبنى المهجور الذي كان يسكنه قبل سجنه وكأنه قصر .حتى بيتر نفسه كان ينظر إلى ذلك خائفاً متسع العينين .
قابل جيرالد نظراته الكئيبة بنظرات جامدة , وسأله : " هل تعرف هذا المكان ... يا بيتر ؟ "
فأومأ بيتر برأسه وهو يعض شفته : " هل هنا تعيش جدتك ؟ "
" نعم " خرج هذا الإثبات بصعوبة من فم بيتر وشفته السفلى ترتجف .
أغمض جيرالد عينيه إزاء التعاسة التي بدت على بيتر . لقد عاد إلى ذاكرته الآن كل شيء . مبلغ ما كان عليه بيتر من هزال عندما جاء إليهم لأول مرة ومبلغ رثاثة ثيابه , وقذارتها , وقذارة الصبي أيضاً ومع ذلك فقد كان يتحدث عن جدته بمحبة ...
كانا ما يزالان جالسين في السيارة وقد تجمد بيتر من التوجس والحيرة . وكذلك جيرالد من عذاب التردد وتمرد مشاعره عندما انفتح باب العربة محدثاً صريراً . ووقف رجل كبير السن , قذر الهيئة وغير حليق الذقن وقف في المدخل يحدق في ضوء النهار الساطع شبه مغمض العينين .
ثم قال يخاطبهما بخشونة وهو يتمسك بجانبي فتحة العربة ليحفظ توازنه : " ماذا تريدان ؟ "
فقال بيتر وقد شحب وجهه : " هذا جون إنه جون . العجوز يا بابا , وهو قذر "
وصاح به العجوز غاضباً : " إنزل من السيارة وتعال إلى هنا ... تعال "
كان في هذا , القرار الحاسم بالنسبة إلى جيرالد . كان واضحاً أنه , سواء كانت جدة بيتر ما تزال موجودة أم لا , ليس ثمة سبيل إلى أن يترك بيتر في بيئة كهذه . وبوجه متهجم , شرع في إدارة محرك السيارة .
ولكن في نفس الوقت , وإذا بكلب صغير يندفع نحوهما من خلف العربة كالسهم وهو ينبح ويتقافز مهتاجاً .
" آرف ... " وقبل أن يتمكن جيرالد من التصرف , كان بيتر قد أصبح خارج السيارة وركع على ركبتيه فاتحاً ذراعيه . واندفع الكلب بينهما وأخذ يلعق وجهه بلهفة بالغة . أدار بيتر وجهاً مشرقاً بالسرور والبهجة نحو جيرالد الذي كان خرج بدوره من السيارة .
قال بيتر ودموع تنساب على وجنتيه : " هذا كلبي آرف , يا بابا إنه ما زال يتذكرني " وقبل رأس الكلب . " إنه يحبني "
آه يا بيتر ... وكذلك أنا أحبك . وخنقته غصة اغرورقت عيناه بالدموع وهو يقف بجانب بيتر .

Rehana 11-09-20 09:44 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
فقال له بيتر بابتسامة هي من العذوبة بحث كسرت قلب جيرالد : " يمكن ان تربت على رأس آرف , اذا شئت , فقد اخبرته انك رجل طيب "
" شكراً يا ولدي "
نعم , شكراً له لهذه الثقة به ولحبه هذا له الذي كاد هو أن يكون من الغباء بحيث يفرط به .
مد جيرالد يده المرتجفة كصوته وأخذ يربت على رأس الكلب , ثم قال بعد لحظة بهدوء : " انهم سيحبونه هناك في النزل "
وعندما نظر بيتر إليه محملقاً بدهشة , بدت على وجهه ابتسامة واسعة مرتجفة وهو يقول : " آسف أنني لم اعرف إلا الآن انني احبك اكثر مما تحبك جدتك , في بعض الأحيان حتى الآباء يتصرفون بغباء , هل تسامحني يا ولدي ؟ "
توقف قلبه عن الخفقان واغرورقت عيناه بالدموع عندما كان جواب بيتر لكلماته هذه هو أن أحنى رأسه حتى لامس ظهر الكلب ثم أخذ يبكي بمرارة .
حمل جيرالد الصبي والكلب بين ذراعيه وألق وجهه المبلل بالدمع بوجه بيتر وهو يهمس بصوت مبحوح : " أنا احبك , يا بيتر , احبك كثيراً , وأتعهد لك بأن لا أؤذيك أو اتركك بعد الآن "
ولم يمكثا سوى مدة قصيرة خارج بارستو بعد وصول الجدة , ماري كمب , والتي اصبح اسمها الآن ماري ريسون بعد ان تزوجت صديقها العجوز جون , بعد وصولها في سيارة كانت أسوأ مظهراً من سيارة جيرالد , وما لبث زوجها أن خرج ليقف عند باب العربة جامد الوجه .
كان في لهفتها وحنانها نحو بيتر وهي تعانقه ما بعث في نفس جيرالد مشاعر العطف والرقة نحوها , مهما كان الحرمان الذي عاناه بيتر عندما كان في رعايتها , فهي لم تبخل عليه قط بالمحبة والحنان , لقد أبدت الجدة ماري كل ما في وسعها للترحيب بالصبي وقال انها شاكرة لجيرالد إحضاره لها لأخذ الكلب والذي كان زوجها جون يريد أن يتخلص منه منذ مدة طويلة , ولكنها هي كانت تستمهله دوماً , راجية أن يأتي هذا اليوم .
بعد ان رفضا دعوتها لهما لتناول الغداء , معهما إذ كان جيرالد واثقاً من عدم قدرتها على جعل الوجبة كافية لإشراكه مع بيتر فيها , بعد ذلك دس في يدها كل ما استطاع الإستغناء عنه من نقود كانت معه , وبعد أن وعدها بمداومة الاتصال بها , وعدها هو وبيتر وخرجا .

****
كرر جيرالد محاولاته للاتصال بروني لكي يخبرها بأنه عاد إلى عقله ورأى النور , لقد اكتشف أن بإمكانه أن يحب , انه يحب بيتر , ولكن اكثر من ذلك والأكثر أهمية هو أنه اصبح واثقاً مئة بالمئة من أنه يحب روني , فهو يريدها ... يريدها في حياته في بيت يضمهما مع بيتر .
وذلك طالما دام هذا الأمر بينهما ... إنما هذه المرة كان يعني دوام الحياة ... إلى الأبد .
لم تعد كلمة إلى الأبد هذه تبدو بشكل أبواب السجن تنغلق خلفه , بل هي الآن أبواب الامان تنفتح أمامه ليدخل .

Rehana 11-09-20 09:45 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
ولم تكن روني قد تحدثت إليه بعد تلك المواجهة بينهما في غرفة العمل خلف المنزل , إلا بما هو ضروري , وهذا لا يعني انه كان يلومها , فقد كان أفرغ عليها كل مشاعر القنوط والثورة التي كانت تعتمل في داخله , وما قاله من انه أرغم على الالتصاق بزوجة لا يريدها , كان شيئاً لا يغتفر .
ثم ان هذا غير صحيح , حتى لو كان صحيحاً يوماً ما إلا انه لم يعد كذلك بكل تأكيد , فهو يحبها , حتى إنه كان يعرف هذا في ذلك الحين , ولكنه لم يكن يريد أن يعترف بذلك حتى لنفسه , لقد كان الحب بالنسبة إليه , ولمدة طويلة جداً , مجرد كلمة مؤلفة من حرفين هي مرادفة للآلام التي عاناها في حياته .
وضع معطفه في صندوق السيارة , ثم شد الحزام حول بيتر , وكذلك بالنسبة إلى نفسه , وانطلقا في رحلة العودة إلى البيت , هذا بينما التفكير في روني وحبه لها , ومعرفته بأنها لا شك اصبحت تحتقره وتنفر منه , كل هذا كان يسبب له الألم إلى حد كان يشعر معه بالرغبة في البكاء من شدة ما يشعر به من عذاب .
كما كانت رؤيته لنظرات بيتر إليه والتي كانت تشع حباً وثقة .. كانت هذه الرؤية تجرحه في الصميم وهو يفكر فيما إذا كان حقاً يستحق ذلك , واكثر من ذلك انه كان يعلم بانه لا يستحقه .
ما الذي بإمكانه أن يقدم إلى هذا الصبي وتلك المرأة اللذين يحب ؟ أخذ يتساءل عن هذا وقد ملأت الوحشة نفسه فالمستقبل مع مدان سابق قد يثير مخاوفهما من وقت لآخر , مثلاً ليس كل شخص في شركة ميراشكي للهندسة والتصميم قد قبل بسهولة قضية ماضيه , حيث انه كان اخبرهم جميعاً به , وذلك كيلا يترك شيئاً للصدف , فيعلم فجأة من كان يجهل ذلك الماضي وتكون ردة الفعل ليست مما تحمد عقباه , لقد كان هناك بعض الهمس , والنظرات الطويلة , والتجنبات الملحوظة ... ودوماً ستكون هناك أمور كهذه أثناء عمله , ولن يكون هو الهدف لها على الدوام , بل أسرته أيضاً .
لكنه لم يلبث أن تذكر العنف الذي كانت روني قابلت به ملاحظ البناء الذي سولت له حماقته بأن يذكر ماضي جيرالد , حدث ذلك قبل أسبوع من حفلة زفافهما وقبل بدء الإضراب , إذ جاءت إلى مكان عمله في البناء محضرة له غداءه , ما جعل ملاحظ العمال ذاك يبدي ملاحظة عن عدم العدل في أن يحظى مدان سابق بمثل هذا الطعام الطيب , وما أشبه من الكلمات , كان جيرالد سيترك الأمر يمر دون تعليق . ولكن الأمر لم يكن كذلك مع روني . فقد اندلعت النار من عينيها وغسلت الرجل غسلاً بكلمات منتقاة تركته هدفاً لسخرية كل شخص آخر بقية ذلك النهار وعندما تذكر احمرار وجه ذلك الرجل وما بدا عليه من الخجل والضيق , أخذ يضحك بهدوء.
لقد كانت روني مقاتلة جيدة , ولو تمكن من جعلها تبقى معه , أن تمنحه فرصة وتحبه ... إذن لضمن السعادة في المستقبل .

****
تباً لذلك الكلب . وألقت روني نظرة ضيق نحو حديقة الجيران وهي تدمدم متذمرة من مارغو التي تخرج دوماً الكلب إلى الحديقة كلما خرجت من بيتها , تاركة الآخرين يقلقهم نباحه في الوقت الذي ينشدون فيه الهدوء والسكينة .

Rehana 11-09-20 09:46 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
أخذت روني تحدث عابسة في الأعشاب الضارة بحديقتها وهي تفكر في ما إذا كان توتر اعصابها هو الذي جعلها تسمع نباح الكلب هذا النهار اكثر ازعاجاً وارتفاعاً .
رأت ان هذا محتمل , فالكلب كان يزن أكثر من خمسين كيلو غراماً ويبلغ الثانية عشرة من عمره ما يجعل صوته عميقاً منخفضاً .
انحنت تقتلع بعض الأعشاب العنيدة فوخزتها شوكة , فتراجعت إلى الخلف وهي تطلق صرخة فزع أقوى مما تستوجبه تلك الوخزة .
تباً لذلك , ما الذي جرى لها ؟ دمعت عيناها وهي تضع إصبعها في فمها فتحس بطعم الدم والتراب .
وإذ شعرت بغضب على نفسها وعلى كل ما يحيط بها , غطت وجهها بيديها وهي تتنفس بعمق , وتحدث نفسها بأن عليها أن تنهي كل هذا , ولكن النباح كان يقترب , ولا بد أنها تفقد عقلها بينما جيرالد مارسدن لا يستحق كل هذا .
أين هو الآن , على كل حال ؟ إذا كان ما قالته عمتها صحيحاً , لكان هنا الآن .
وأين بيتر ؟ هل تركه جيرالد في بارستو ؟ وهل حقاً إنها لن تراه أبداً بعد الآن ؟ ولن تضمه إلى صدرها ؟بيتر .
وهبطت كتفا روني بينما اشتدت خفقات قلبها . لشد ما تفتقد ذلك الصغير . حتى الآن , وهي تجلس وحيدة تعسة في فناء منزلها الخلفي , ظنت أنها تسمع صوته يناديها مرتفعاً فوق نباح ذلك الكلب الحاد . لقد فقدت عقلها حقا .
" روني ... " ولكن بيتر فعلاً كان يناديها بصوته الصبياني : " روني , أنا عدت إلى البيت ..."
عدت إلى البيت .
هبطت يدا روني وارتفع رأسها بحدة وهى تستدير مندفعة نحو المنزل . كان صوت بيتر حقيقياً . إنه هنا .
" بيتر ... ؟ " صدر هذا الصوت عنها ما بين الضحك والشهيق .
لقد كان هنا حقاً , إنه يهبط درجات المنزل الخلفية مترنحاً إذ كان يحمل بين ذراعيه كلباً صغيراً كان ينبح متململاً سرعان ما ألقاه أرضاً عندما رآها واقفة عند حوض الزهور .
" روني " واندفع بيتر مجتازاً الفناء ليلقي بنفسه بين ذراعيها المفتوحتين . وسقطت هي أرضاً بسبب اصطدام جسمه الصغير النشيط بجسمها , سقطت على العشب وهي تبكي وتضحك في وقت واحد ... ومرت لحظات كانت أثناءها مستلقية مع بيتر على الأرض وما زالا متعانقين وهما يشهقان وقد اختلطت أصواتهما .
حدث كل هذا بسرعة لم تدع روني تشبع شوقها إلى احتضان بيتر , وكان هذا الآن يكافح في سبيل الخلاص من بين ذراعيها وهو يتحدث مئة كلمة في الدقيقة وهو يعرفها بكلبه آرف الذي كان يهز ذيله بعنف . وبعد أن مرت بيدها على رأس المخلوق الحلو ملاطفة , أخذت تمسح بحذر دموعها التي بقيت بسبب مشاعرها المتدفقة , والتي لم تعد تتوقف , لقد عاد بيتر . وجيرالد ...

Rehana 11-09-20 09:46 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس
 
" بابا "
تركها على الفور وهو يري ذلك الرجل الطويل القامة العريض الكتفين في كنزته الرياضية وبنطلونه الجينز الأزرق والذي كان يقف على الدرجات الخلفية . نهضت روني ببطء لتقف على قدميها . وشيئاً فشيئاً رفعت عينيها الدامعتين إلى أن اشتبكتا بعيني جيرالد الزرقاوين . وقفت جامدة تنظر إليه وهو ينحني على بيتر فيتحدث لحظة ثم إذا به يربت على مؤخرة الصبي يدفعه إلى الأمام فيعدو هذا مع الكلب إلى داخل المنزل .
" الكعك المحلى " قال ذلك بصوته الرجالي الخشن والذي كان أحب لمسامع روني من أحلى الأنغام . ثم تقدم نحوها متمهلاً , أم لعله كان متردداً ؟ كان التصميم في عينيه اللتين كانتا تتألقان بالمشاعر التي لم تجرؤ روني على تحليلها . هذا بينما كان يتابع قائلاً : " والكعك هو أهم رشوة لصبي إذا كانت من صنع البيت ويشترك فيها معه أحب أصدقائه إليه "
وقف جيرالد على بعد قدم منها وهو يضيف قائلاً : " هذا ما أخبرتني به مرة هذا المعلمة البالغة الذكاء التي أعرفها "
عاد قلب روني , والذي كان يبدو متوقفاً عن الخفقان إلى هذه اللحظة , عاد يخفق من جديد . لقد تذكرت متى قالت ذلك له , كان ذلك اثناء الأوقات التي كانت تعمل فيها على التقريب بين جيرالد وبيتر , وقد أرسلت جيرالد إلى غرفة المخزن في الطابق العلوي حاملاً طبق كعك محلى من صنع البيت .
" في ذلك الحين . كنا نحاول أن نجعله يعقد صداقة معك" قالت له ذلك , وعيناها اللتان ما زالتا دامعتين , تتفرسان خلسة وبشوق بالغ في وجه جيرالد فيخفق قلبها وهي ترى إمارات الاجهاد تكسو ملامحه . فقالت له : " ما سبب رشوتك له هذه المرة ؟ "
" لكي يدع لي وقتاً اعقد فيه صداقة معك " قال لها جيرالد ذلك بصوت ينضح بالمشاعر , وهو يمد يده يمسح بإصبعه دمعة انحدرت على وجنتها : " هذا إذا كنت ما تزالين تريدين ان نكون صديقين "
لقد كان كل ما تتمناه هو أن يكونا صديقين بل أكثر من ذلك . لقد كانت خسارتها له بمثابة الهلاك , وليس لأجل بيتر فقط . وإذا كان يريد أن يمكث هنا الآن ...
ثم قالت وقد انهمرت دموعها من جديد : " نعم , أريد ذلك , طالما دام هذا الأمر بيننا "
فقال وهو يوقف جريان دموعها بإبهامه : " كلا , هذه المرة أريدها إلى الأبد "
إلى الأبد ...
نظرت إليه وأهدابها تضطرب : " وهذا ما أريده "
" لقد كنت أحمق , يا روني "
" كلا " أغمضت عينيها كلياً , وأطلقت زفرة مرتجفة . وعندما فتحتهما أجفلت للنظرة التي كان يرمقها بها .
" جيرالد ؟ "
ابتلع ريقه , ولكن عينيه كانتا تحدقان في عينيها دون أن تطرفا . ورغم العذاب الذي كان يطل منهما , كانتا صادقتين وهو يقول بصوت يرتجف بالمشاعر : " أحبك يا روني . احبك "
" أوه , يا جيرالد ... " لفظت اسمه برقة متناهية حملتها كل ما يعمر به قلبها من حب له .
وعلى الدرجات الخلفية , كان بيتر وآرف بين ذراعيه , وخلفه كانت العمة لويزا والسيدة هنكز العجوز تمسحان اعينهما بينما القاضي يتصنع السعال وليو العجوز ينفخ أنفه في منديله .
أخيراً قال القاضي وقد بدا من الزهو والسرور وكأنه هو الذي رتب أمر هذه النهاية وحده قال : " والآن , هل لكما أن تتكرما علينا بنظرة ولو لأجل بيتر ؟ "

تمت

Moubel 22-09-20 08:47 PM

رد: 1105 - أب بالصدفة - ان بيترز- دار النحاس ( كاملة )
 
رواية مؤثرة رائعة شكرا


الساعة الآن 06:36 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية