منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   (رواية) يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة (https://www.liilas.com/vb3/t203165.html)

ام حمدة 30-11-16 05:17 PM

يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا.... شخباركم؟؟....
بشكر " همس الريح " على فتح المجال لنشر أعمالي على منتداكم
وبتمنى إنها تعجبكم .
روايتي هي اماراتية واللهجة عامية اسمها (يوم اللقا تاهت عناويني)، اجتماعية رومانسية على شوية أكشن.
عارفة إني ما أسهبت بالحديث عنها لأني سأترك الفصول تتحدث عن نفسها.

الملخص...

في دروب الحياة لا تعرف كم اللقاءات والفراقات التي تمر عليك مرور الكرام، فتسير عنها وكأنها شيء مسلم بها، ولكن هناك لقاءات هي في الحقيقة قيود تلتف حولك متشبثة بك فلا تستطيع الفرار منها كسابقيها، فهذه المرة لم تكن أنت من يملك الخيار، بل هو... القدر!!!...، فهل يا ترى ستستطيع الافلات منها أم أنها ستطوقنا وتغوص بنا إلى الأعناق حيث لا مفر؟؟!!.

الغلاف ....

http://a.top4top.net/p_334k9rjd1.jpg

باذن الله راح يكون توقيت التنزيل كل يوم سبت وثلاثاء الساعة 8 بتوقيت الامارات

بتمنى إنكم تستمتعون بين حروفي، وراح أنتظر تعليقاتكم على الفصول
دمتم بخير.

الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصلان السادس و السابع
الفصل الثامن
الفصلان التاسع و العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصلين الثاني و الثالث عشر
الفصلين الرابع و الخامس عشر
الفصول من 16-18 متتاليه
الفصول من 19-22 متتاليه
الفصول من 23-25 متتالية
الفصول من 26-29 متتالية
الفصول من 30-34 و الأخير متتالية

طُعُوْن 30-11-16 05:37 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
حياش الله بيننا .. نورتي الحتة ..

ان شاء الله تلقين التفاعل اللي يرضيش و تستحقينه..
و دام همس الريح دلتش علينا بإذن الله ما نخيبش ولا نخيبها..

كلي شوق للقادم.. و مثل ما يقولون الكتاب باين من عنوانه.. و العنوان
يجذب صراحة..

بانتظارش 💜

~FANANAH~ 30-11-16 05:57 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 

منورة ام حمدة ، حياكَ و بياكَ بيتك ومطرحكَ ^^
وأخيرا رواية إمارتية منورتنا متحمسة مرة ، وما شاء الله دلتكَ هموس علينا على قولتهم
من طول الغيبات جاب الغنايم وأنتي أكبر غنايمها =)

ماشاء الله الملخص جميل وفتانَ ابي اعرف التفاصيل آعع الله يصبر قلبي بس ..
خلاص هانت يومين والفصل الأول .. ^^

همس الريح 30-11-16 06:08 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اررررحبي ترحيب القاع بالمطر
نور ليلاس يالغلا و ان شاء الله تحصل الروايه النجاح اللي يليق فيش و فيها
منووره مره ثانيه و لي عوده للملخص

فيتامين سي 01-12-16 12:07 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 

ياهلا وغلا بأهل الإمارات
وكل عام والإمارات وأهلها بخير مقدما
العنوان والمقدمه شدتني
ومثل مايقلون الكتاب باين من عنوانه
أنا من محبين الروايات الإماراتيه وقرأت كثير منها
أتمنى لروايتك النجاح والتفاعل اللي يسرك
وإن شاء الله أقدر اتابع الروايه معكم

همس الريح 01-12-16 08:56 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
صباحكم نور و سرور
و صباح هل الامارات خير و سعاده و مبارك العيد الوطني
اليوم ان شاء الله هدية الغاليه ام حمده الفصل الاول ...

ام حمدة 01-12-16 05:24 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طُعُوْن (المشاركة 3667885)
حياش الله بيننا .. نورتي الحتة ..
الله يحييج يا قلبي
ان شاء الله تلقين التفاعل اللي يرضيش و تستحقينه..
إن شاء الله حبيبتي
و دام همس الريح دلتش علينا بإذن الله ما نخيبش ولا نخيبها..
تسلمين وإن شاء الله أنا بعد ما أخيب ظنكم فيني
كلي شوق للقادم.. و مثل ما يقولون الكتاب باين من عنوانه.. و العنوان
يجذب صراحة..
الله يخليج وإن شاء الله المضمون بعد يعجبكم
بانتظارش 💜

وأنا بعد راح أكون بانتظاااااار رايج بالفصول
دمتي بخير

ام حمدة 01-12-16 05:29 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ~FANANAH~ (المشاركة 3667888)

منورة ام حمدة ، حياكَ و بياكَ بيتك ومطرحكَ ^^
النور نورج حبيبتي
وأخيرا رواية إمارتية منورتنا متحمسة مرة ، وما شاء الله دلتكَ هموس علينا على قولتهم
من طول الغيبات جاب الغنايم وأنتي أكبر غنايمها =)
الله يخليج يا قلبي وأنا بعد متحمسة أكثر لردودكم
ماشاء الله الملخص جميل وفتانَ ابي اعرف التفاصيل آعع الله يصبر قلبي بس ..
خلاص هانت يومين والفصل الأول .. ^^

تسلمين يا الغلا وإن شاء الله بعد المضمون يعجبج وراح أنزل أول فصل اليوم
افتتاحية مثل ما يقولون وإن شاء الله نثبت المواعيد كل يوم سبت وثلاثاء باذن الله

ام حمدة 01-12-16 05:34 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3667890)
اررررحبي ترحيب القاع بالمطر
نور ليلاس يالغلا و ان شاء الله تحصل الروايه النجاح اللي يليق فيش و فيها
منووره مره ثانيه و لي عوده للملخص

حبيبتي يا همس... تسلميلي يا قلبي
وإن شاء الله الكل يلاقي النجاح يلي يتمناه
تسلمي يا الغلا

ام حمدة 01-12-16 05:37 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيتامين سي (المشاركة 3667915)

ياهلا وغلا بأهل الإمارات
ويا هلا ومرحبا بج يا الغلا
وكل عام والإمارات وأهلها بخير مقدما
تسلمي يا قلبي وإن شاء الله تكون كل الأمة العربية بخير
العنوان والمقدمه شدتني
ومثل مايقلون الكتاب باين من عنوانه
تسلمين يا قلبي وإن شاء الله الأحداث بعد تعجبج
أنا من محبين الروايات الإماراتيه وقرأت كثير منها
أتمنى لروايتك النجاح والتفاعل اللي يسرك
وإن شاء الله أقدر اتابع الروايه معكم

إن شاء الله الكل يلاقي النجاح يلي يبيه ويتمناه
وراح أكون بانتظاااااارج
دمتي بخير

ام حمدة 01-12-16 05:41 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3667946)
صباحكم نور و سرور
و صباح هل الامارات خير و سعاده و مبارك العيد الوطني
اليوم ان شاء الله هدية الغاليه ام حمده الفصل الاول ...

الله يبارك فيج يا قلبي
وإن شاء الله الأمة العربية تكون بخير ديما

ام حمدة 01-12-16 05:44 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخير على الجميع
راح أفتتح اليوم الرواية مع الفصل الأول
وموعدنا راح يكون ثابت كل سبت وثلاثاء باذن الله
فانتظروني بعد قليل مع الفصل الأول

ام حمدة 01-12-16 06:07 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الأول

وقفت امرأة بوسط غرفتها تزعق بصوتها العالي، تكاد أوتارها أن تتقطع من شدة صراخها، وجسدها الممتلئ يتراقص مع كل نداء تخرجه من حنجرتها:
- عنود... يا عنود، أنت يا بت يا عنود!!..
سكتت تحاول التقاط أنفاسها المستعصية، وعادت بعدها تهدد وتتوعد بصوت جهوري دون أن تأبه لمن يسمعها:
- هي راحت فين البت ديه؟؟.. قسما عظما لمورياها نجوم الظهر!!
عادت المرأة للصراخ باسمها لدرجة أن الجيران في البيت الملاصق لهم سمعوا صوت زعيقها، فدعون لتلك الفتاة المسكينة بالنجاة من براثنها.
- انت يا زفت انت!!.. قصما عظما لو مشفتكيش أدامي الساعة دي مش حرحمك!!.
ووقفت ترتجف من شدة عصبيتها التي تفجرت، وكفيها الضخمين مضمومين على شحوم خصرها أو بقايا خصر، فقد امتلأت تلك المنطقة بالكثير من اللحوم والشحوم ليشبه جسدها جسد البطريق.
لحظات هي لتأتي فتاة تمشي الهوينه قادمة من بعيد، كانت فتاة تبلغ من العمر 19 عاما، جميلة جدا، ذات طلة عربية أصيلة، تمتلك وجه ملائكي صغير... بشعرها الأسود الطويل الفاحم والمرفوع ببنسه بلا مبالاة، ترك باقي خصلاتها التي تشابه لجة الليل تتراقص على أوتار نسائم الربيع. وبشرتها ناعمة الملمس قشديه اللون، يتوسط وجهها أنف صغير الحجم لكنه كان ينطق بالإيباء وغرور لا ينكسر، وشفتين... آه من شفتين مكتنزتين ترى الحياة عليهما، فترغب بتذوقها راغبا بالعيش فقط من شهد عسلها، أما عيونها فتلك صورة أخرى.. ألا يقال أن العيون هي منبع الحقيقة؟؟... فقد كانت تحدد شخصيتها الفذة، فبالرغم من مظهرها الخارجي الذي يدل على طفولتها إلى أن من يدقق بداخل مقلتيها التي تشابه بعيونها عيون الغزلان وتحيطها غابة من الرموش الكثيفة نطقت جوهرتيها النفيستين من الياقوت الأخضر بالشموخ وعدم الخوف، قوة تنبثق من أعماقها تتحدث عن ينبوع من الطاقة، والتحدي، والدخول للمعركة للفوز بها مهما كان الثمن.
أما جسدها... فكما يقال طفلة بجسد امرأة بالغة ناضجة... بصدرها العارم، وخصرها النحيل، ووركين مدورين يحيط بجذعها، كانت فاتنة بحق.
غيرة نهشت قلب المرأة لرؤيتها بهذا الجمال بالرغم من ملابسها القديمة، والشقاء الظاهر على ملامحها، إلا أن جمالها لم يضمحل.
بدأت ملامحها بالتقشر والتحول، وأخذت تضرب الأرض بقدمها الضخمة، وهدرت فيها ما أن شاهدتها تقف أمامها بكل برود وغرور لم تستطع كسره إلا الآن.
- كنت فين يا زفت انت؟؟
فردت الفتاة قامتها، ورفعت رأسها تتطلع إليها بعينيها الحادتين دون خوف وقالت تجيبها بهدوء وبرود ثلجي جعل تلك التي تقف معها تزيد من اشتعال نارها.
- كنت قاعدة أسوي كمادات باردة، علشان أخوي مريض عليه حمى، يا مرت أبوي.
اقتربت منها وأمسكتها بكفها الضخم من عضدها وهزتها بقوة.
- وأنا مالي ومال أخوك؟؟.. تغوري انت وهو بستين داهية، المهم هو إني أرجع من برا ألاقي الغدا جاهز، والبيت متنظف.
حاولت سحب ذراعها من قبضتها الحديدية التي حطت راحلها على لحمها الغض والذي بالطبع ستخلف آثار قبضتها التي ستراها بألوان الطيف، وأجابتها وهي تحاول فك أصابعها التي أحاطتها كالكلاب.
- وأنا أقولج ترى أخوي مريض وما قدرت أطبخ وأنظف!!.. جان قلتي لبناتج يطبخون وينظفون؟؟
دفعتها من يدها بقوة كادت أن تقع من شدتها لولا أن أسندتها الأريكة التي خلفها، واحمرت عينا زوجة والدها إلى أن غدت كما الثور الهائج، ونفخت من أنفها بخارا ثائرا، وزعقت بها وهي تشيح بيدها أمامها:
- إنت تجننتي يابت انت؟؟.. بترفعي صوتك بوشي!!.. وكمان بتؤمريني أسيب بناتي هما يلي يشتغلوا!!.. على رأي المثل ( بطلوا دا واسمعوا دا)
رفعت أصابعها الثخينة والمرصعة بخواتم من الذهب، ونقرتها بشدة على رأس عنود وهي تحدثها:
- انت المفروض تحمدي ربنا على إني لسه معأداك معاي في البيت، ولا كان المفترض أرميك أنت وأخوك الجربان ده بالشوارع، تلموا حسنة من الناس، بس هو لأني طيبة لسه مستحملاك معاي، فمتخلنيش أوريك وشي التاني!!.
طالعتها الفتاة بجمود ثم قاطعت ذراعيها، ورفعت حاجبها المقوس بروعة و قالت:
- أولا أنا ما رفعت صوتي عليج، كل يلي قلته خلي بناتج يشتغلون ويساعدوني بشغل البيت، وثانيا أنا قاعدة في بيت أبوي مو في بيتج علشان تهدديني بالطرد وإنج مخلتنا ساكنين من احسانج.
قهقهت المرأة بمياعه، وارتج جسدها مع كل ضحكة وقالت صائحة:
- بيت أبوك مين يا بنت أمك؟؟.. إلا صحيح هو أنت متعرفيش؟؟
تهدلت ذراعي عنود وقطبت حاجبيها وسألتها مستفسرة، وقلبها ينبض بطريقة غريبة كأنه يخبرها بأنها ستسمع خبرا لن يسرها أبدا.
- شو هو يلي ما عرفه؟؟
اقتربت منها زوجة أبيها تتطلع إليها بنصر من أنها ستكسرها الآن فقد انتظرت هذه الفرصة منذ زمن طويل، حاولت فيها بشتى الطرق أن تقنع زوجها بأن يقوم بما تريده، فقالت بحبور، ووجهها يتشدق بابتسامة شامتة.
- أصل بباك يلي هو جوزي كتب البيت باسمي علشان يأمن مستأبلي أنا وبناتي، أصلك متعرفيش الدنيا مخبيالنا ايه، والموت بيزورنا بأي وأت.
صدمة اعتملت ملامحها، وخفق قلبها بوتيرة سريعة كادت أن تشعر به يلامس قفصها الصدري، حاولت أن تزدري ريقها لعله ينعش حنجرتها المتيبسة من قحولة قد اعتنقتها منذ الصغر، لكن هيهات أن تحصل على ما تريد، فالمصائب تنهال عليها من كل حدب منذ أن وطئت قدمي زوجة أبيها أرض دارهم.
وتساءلت بداخلها بألم.. لما يفعل والدها بها هكذا؟؟.. لما يريد سحب بساط أمانها واستقرارها من تحت قدميها؟؟... كانت تستقوي بمنزلها لكن الآن لا يحق لها أن تنبس بأي حرف!!.
اقتربت منها أزهار وهي ترى الصدمة على ملامحها الرقيقة، وغرست اصبعها الضخم بكتفها تدفعه بقوة كي تألمها أكثر مما هي تتألم.
- دلوأتي عرفتي مكانك يا ماما؟؟.. متحاوليش تؤفي ؤصادي، أنت حتة بنت لا رحتي ولا جيتي، تحمدي ربك أني مسكناك معاي علشان بس خاطر أبوك الغلبان .
ناظرتها عنود بتيه لثوان ثم ما لبثت أن عادت عيناها تستعر بنار حارقة ملتهبة من هذا العالم ومن هذه الحياة التي لم ترحم حالها ولا سنها الصغير، وقالت تداري خيبتها بأبيها الذي أهداها صفعة الغدر دون أن يعلم، وتسلحت بقوتها التي بدونها لكانت هي بعداد الأموات مع شقيقها المريض.
- والمطلوب؟؟
- أها.. جينا للمختصر المفيد.
سكتت قليلا ثم تابعت تنفث حقدها عليها:
- تشتغلي بالبيت من سكات، وتخدميني أنا والبنات، أي طلب يطلبوه يتنفذ طوالي من غير منأشة.
نار تلتهم أحشاءها، ويتم تشعر به يتغلغل بأعماقها، كيف تحول بهم الحال هكذا؟؟.. من ملكة تتربع عرش ملكها إلى مكانة تداس تحت الأقدام.
شعت عيناها عند آخر كلمة، ورفض نطقت به ملامحها وزمجرت بها كليلة عاصفة أعلنت عن بدأ هديرها.
- مستحيل!!
قالتها بعلو صوتها، وهدر بها شموخها فأبدا لن تخنع لها، وتنزل من مستواها لمن هم أدنى منها، فأعادت كلمتها من جديد لعل عقل تلك المرأة البليد أن يستوعب ما تقوله.
- أبدا ما راح أكون خدامة لج ولبناتج!!... مستحيل!!.. وأنا لما أشتغل في البيت بس من مزاجي أنا مب علشان أوامرج.
- ايدي الأصوات العلية دي؟؟.. هو إلي بيجري هنا؟؟
التفت رأس واحد للقادمة والآخر بقيت أنظاره مسلطة للأمام، وقالت أزهار ما أن شاهدت ابنتها بتفكه وغضب استعر بداخلها من تمرد تلك الفتاة واعتراضها لأوامرها.
- تعالي يا ابتسام وبصي واتفرجي على يلي بجرى هنا!!
اقتربت فتاة تبلغ من العمر 25 عاما، جميلة بشعرها الأشقر المصبوغ والمرتب بتصفيفة بسيطة، وتملك بشرة بيضاء محمرة، وجهها بيضاوي تملك ملامح هادئة وناعمة، وجسد مكتنز في الأماكن المناسبة.
كان مظهرها ملفتا للنظر.. بملابسها الضيقة وشكلها المغري، فيقع الشخص من أول وهلة أسير جمالها لكن ما أن تتعرف عليها ترى بداخلها شر مطلق مثل والدتها أو ربما أكثر منها.
- هو في ايه يا ماما؟؟.. صوتك وصل للجيران.
ناظرت ابتسام بطرف عينيها المزينة بألوان هادئة ناحية عنود ثم عادت تطالع والدتها وتستفسر:
- هي عملتلك حاجة يا ماما؟؟
- أيوه حضرتها معملتش الغدا، وكمان منضفتش البيت، وأنا أيلاها إنها تعمله وعاوزه أرجع البيت وأشوفه متنظف .
رفعت حاجبيها الرفيعين بتعجب ثم عادت تبتسم بشر وأخذت تصب فوق الزيت ماء.

ام حمدة 01-12-16 06:10 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
- تلائها بتتلحلح هنا وهنا مع صحباتها، وبتتكلم على التليفون، وتجي وتؤلك أنها أعدة مع أخوها المريض.
خبطت الأم على صدرها بفاجعة وصرخت:
- بتكدبي علي يا بت يا عنود!!.. وبتؤوليلي إنك بداوي أخوكي؟؟
وقفت بمكانها تستمع لاتهاماتها المجحفة بحقها، وناظرتها بصمت، لا تعلم لما تكن لها كل هذا الكره وهي لم تؤذها أبدا، لما تحاول أن تسيئ إليها؟؟...
كانت تفكر وتدور بعقلها أسئلة كثيرة دون أن تطالعها إجابات، ولم تلحظ تحرك زوجة والدها باتجاهها سوى بعد أن ارتد جسدها ساقطا على الأرض من شدة الكف الذي حط على وجنتها الرقيقة، ولم تكتفي بهذا بل اندفعت ناحيتها تزعق وتصرخ وهي تركلها بكل قوتها، وبكل مكان تصل إليها قدمها وهي تسبها وتلعنها ووقفت ابتسام تنظر إليها بتشفي واستهزاء!!
حاولت أن تبتعد عن ضرباتها العنيفة، واستطاعت بعد جهد جهيد من أن تتخلص من براثنها، ووقفت تلهث بصعوبة وناظرتها بشرارات أخذت تشع من عينيها العشبيتين.
ابتعدت عنها أزهار بعد أن انهكها التعب وأخذت تحاول التقاط أنفاسها المنسله من الجهد الذي قامت به، وتحدثت:
- يخرب بيتك!!.. أطعتيلي نفسي يا أليلة الرباية!!.
اقتربت ابتسام من والدتها بخوف وهي ترى نظرات عنود المرعبة الشاخصة إليهم وقالت :
- سيبك منها يا ماما، وتعالي نزوغ من هنا، عمو محمد عوزك
قاطعتهما زمجرتها الراعدة، ورفعت اصبعها تشير إليها بوعيد:
- كيف تتجرأين وتمدين ايدج علي؟؟... مين انت علشان ترفعين يدج علي وتضربيني؟؟..
فهمست الأم بمكر لابنتها مستفسرة:
- عمك هنا؟؟... امتى رجع؟؟
فهمست لها الأخرى بصوت خفيض وعيونها تترصد تلك الفرس الهائجة:
- ما أنا كنت جيالك علشان أؤلك إنه هنا وعوزك ضروري، لكن شفتك مشغولة فمحبتش أعطلك.
- أيوه.... ؤلتيلي...
- ناوية على إيه يا ماما؟؟.. ما أنا عرفة دي النظرة لما تطلع أفكارك النيرة.
- بصي وهتعرفي.
لحظات هي.. بل ثواني وارتفع صوت وولولة وعويل من زوجة أبيها جعل والدها يأتي فزعا من هذا الصراخ
- شو صاير؟؟.. شو استوى؟؟...
- الحأني يا بو مايد، بنتك...
تطلع الأب لابنته الواقفة بجمود وملامحها تنطق بالغضب ثم عاد يسأل:
- بنتي شو فيها؟؟... شو سوت؟؟..
- بنتك ضربتني يا بو مايد، وهددتني من انها تؤلك تطلأني وترجعني على بلدي، لو ما اشتغلتش في البيت وطبخت وأمنت على راحتها هي وأخوها.
وبدأت دموعها تنسكب كالوديان على خديها المنتفخين، وعادت تتحدث بنشيجها:
- يرضيك كدا يا بو مايد إن مراتك تتهدد وتصير خدامة لبنتك؟؟.. وأنا عداها زي بناتي وأكتر من كدا والله!!.
جحضت عيناها للخارج، ورأس حالها يرفض ما يقال!!.. وفتحت فمها تحاول الانكار، لكن يد الباطل تطال الحق وتطمسه كما الكف الذي هطل عليها كما السكين الحادة التي اخترقت قلبها الفتي بوالد لم يستمع لدفاعها بل صدق وحكم وصار هو القاضي والجلاد.
ضمت عنود جسدها بوضعية الجنين تحمي نفسها من ضرباته القاسية والمؤلمة، وشعرت بظهرها يكاد يتفتت تحت وطأة ركلاته العنيفة.
تركها بعد فترة من الوقت، وبعد أن شعر أنه أخذ بحق زوجته، وابتعد خارجا مناديا على زوجته:
- أزهار تعالي وراي أبيج بموضوع.
- إن شاء الله يا حبيبي، يا تاج راسي.
رمى ابنته المتكومة على الأرض قبل خروجه بنظرة ومن ثم خرج.
انزوت ابتسامة متهكمة لابتسام على طرف شفتيها الحمراوتين وهي تتطلع لعنود المتوسدة الأرض، لطالما أرادت أن تكسر غرورها الزائف هذا لكنها لم تستطع، فهي تعود دائما وتشمخ بأنفها للأعلى كأنها تخبرها بأنها مهما حاولت وفعلت لن تقدر على دفن أنفها بالتراب .
- تعالي معاي يا بنتي نروح ونعرف هو عايز مني إيه؟؟
تركتاها ملقاه على الأرض دون أن تأخذهم أي شفقة لحالها، ثوان هي حتى أطلت فتاة صغيرة الحجم والجسد تسرع ناحية طريحة الرخام البارد تساعدها بالنهوض، اتكأت عليها عنود غير قادرة على صلب جسدها الواهن، وسارت معها دون حيلة إلى أن وصلا للمكان المحدد...
غرفة صغيرة كانت بالسابق مخزن للأثاث القديم، كانت تحتوي فقط على سريرين، ودولاب صغير للملابس، وكرسي تمزق غطاءه وبلمسة بسيطة من شرشف طرز برسوم جميلة حوله لكرسي فخم، وطاولة قديمة فرش فوقها غطاء طرز هو الآخر بخيوط جميلة ورائعة أعطى مظهرا لائقا للطاولة .
ما أن وضعت جسدها على السرير حتى أنت من الألم، جعلت الأخرى تسارع للاعتذار:
- أنا أسفة يا عنود ماكنتش أقصد!!
- ولا يهمج يا أمون أنت ما لج يد بيلي صار.
عادت تتوجع ألما، وعضت شفتيها تكتم صرخة كادت أن تفلت منها وتوجهت أنظارها للسرير الآخر الذي يتوسده شاب عليل الجسد، فقد تملكه المرض منذ الصغر إلى أن شاب وصار ب16 وظل طريح الفراش دون أن يقدر على مغادرته وإن فعل كان لدقائق فقط، "فقلبه عليل منذ الصغر"
وزوجة والدها رفضت أخذه للسفر للخارج للعلاج، وتعللت لضعف امكانياتهم ليرضخ والدها لأوامرها واكتفى برميها بنظرات قلة الحيلة.
أعادت مقلتيها البائستان تنظر لسقف الغرفة، بل كانت تنظر للأعلى تناجي العلي القدير بأن ينجدها ويساعدها، فما بقي سواه لتدعوه وتطلبه، فكل من حولها تخلى عنها لكن هو من ظل بجانبها ولم يتركها لوحدها.
- أمون حبيبتي روحي من هنا قبل لا تعرف أمج وتسويلج سالفة.
ركعت الفتاة بجانب السرير الصغير وأمسكت بكف يد عنود وقالت بعجز:
- عنود سامحيني يا أختي!!.. مش عارفة ازاي أساعدك؟؟..
أغمضت عينيها بهم اكتنف مقلتيها، وشردت شفتيها بابتسامة واهية، وهمست بدموع أبية رفضت الهطول تعلن عن انكسارها.
- وتعتقدين أن أبوي راح يقدر يوقف أمج عند حدها؟؟.. ويصدقني أنا ويكذبها هي؟؟
تنهدت بحسرة وقالت تتابع حديثها لشقيقتها الصغيرة:
- أمون حبيبتي لا تاخذين بخاطرج مني، غصبن عني والله، عارفة أن يلي أتكلم عنها هي أمج، بس والله غصب عني!!
طبعت آمنة قبلة أخوية على جبهتها وقالت تجيبها بحنان:
- ما تتأسفيش!!... أنا عارفة ماما كويس، وأنا مش صغيرة علشان معرفش أفرء بين الصح والخطأ.
تطلعت عنود لشقيقتها آمنة... كانت رقيقة وحنونة بعكس شقيقتها الأخرى، فهي من قامت برعايتها منذ أن كانت باللفة، وكم كانت سعيدة بهذا.
فهمست لنفسها "سبحان الله ابنتين من رحم واحد لكن تختلفان بالطباع"
ابتسمت لها بحنو وقالت وهي تمسح بظاهر كفها على وجنتها الممتلئة:
- تسلمي يا قلبي، يكفي إني أعرف إنج واقفة معاي، بس حبيبتي بطلب منج طلب؟؟
تلهفت للقيام بأي خدمة تقوم بها من أجل شقيقتها وأجابتها على الفور:
- أنا حاضرة بأي حاجة تعوزيها
- ودي بمسكن ألم، جسمي تكسر، حسبي الله ونعم الوكيل!!.
أشاحت آمنة بوجهها عن تلك الدعوة التي خرجت من أعماق قلب شقيقتها ألا تعلم والدتها بكيف تكون دعوة المظلوم والمقهور؟؟.. ألا تعلم بأن الله يمهل ولا يهمل؟؟... وأن كل ظالم سيأتي له يوم ويعاقب على أفعاله!!.
تحركت خارجة من الغرفة بعد أن شيعت السريرين الذي توسدهما جسدين أنهكهما شقاء الحياة... ذلك منذ ولادته، وتلك لأنها ولدت بهذا المنزل، وخرجت تبحث عن دواء يسكن آلامها ولم تعلم بأن أوجاعها لا دواء لها، ولا طبيب يستطيع مداواتها، فقد اعتمل ذلك الجسد ندوب وجروح عميقة غير قادرة على إلتآمها، فهي لا تنفك تنفتح وتعود تتقيح بصديد مؤلم وموجع للروح والجسد على حد سواء.

- نعم يا خوي؟؟.. عريس لبنتك عنود؟؟... ومالها بنتي؟؟.. ما هي أدامك أهي زي الأمر، بتؤول أوم وأنا أعد بدالك.
- وأنا شو ذنبي!!.. الريال جا وطلبها بالإسم، يعني أقوله لا؟؟
- آه تؤوله لا معندناش بنات للجواز، كمان تئدر تؤول إنا مابنجوزش البنت الصغيرة أبل الكبيرة، يعني ما تعرفش تتصرف؟؟
حركت فمها بحركة سريعة يمنه ويسره، وتطلعت إليه بنظرات شيطانية تكاد تقتله بسبب هذا الخبر الغير سار الذي ألقاه إليها .
- يا بنت الحلال خلينا نزوجها ونرتاح من مشاكلها، مب أنت تبين ترتاحين من دوشتها؟؟... خلاص خليني أزوجها لهذا الريال.
- بس يا بو مايد.......
قاطعها بنفاذ صبر:
- لا تبسبسين... أنا عطيته الموافقة وخلاص، وباجر بي بيملج عليها وبتروح على طول لبيته، بدون عرس ولا طقطقة.
- وليه إن شاء الله؟؟
- يقول عنده حد متوفي من أهله وما يقدر يسوي عرس، وألحين سكروا على الموضوع راسي عورني وبروح أنام.


ام حمدة 01-12-16 06:12 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
قراءة ممتعة
وبانتظاااااااااااار رايكم بالفصل الأول
وموعدنا باذن الله يوم السبت
دمتم بخير.... وأحلام سعيدة

زارا 01-12-16 08:18 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السلام عليكم
هلا وغلاااا بالامااراات واهل الامااارت وكل عام والامااارات وأهلها بالف خير.. وفرووحة قلبي بخير الله يطمني عليها ياارب..
ام حمده شحالج فديتج..
من شفت علم الاماااارت مافكرت مرتين باني ادخل واقرأ هالحكااايه.. كل تجااربي مع الكااااتبتات الاماارتيه كانت قمة بالابداع.. ولووو ان بعضهم الله يسامحه حرمنا من ابداااعه بوقت كانت روايته بعز قوتها ..>>ربعي ياابنياتي انتن طبعا عارفات من اقصد..
الا ياا ام حمده ماتدرين غيث بنت علي وين أراضيه..هخهخهخه
المهم عاد دخلت بس عشان ارحب فيتس واقوولتس انتس ماراح تندمين ابدا يوم نزلتي القصه هنا..
ونشكر الحب همووووس اللي دلتس على منتدانا الغالي .. اللي فعلا مثل الكاتب مايضيف للمنتدانا بعد منتدانا الغالي يضيف للكاتب..
مبروك نزول الروايه وباذن الله تنتهي على خير وتوصل لبر الأمان ونفرح كلنا مع بعض بوصولها للبر ..
دمتي بود ..

همس الريح 01-12-16 10:12 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
فصل اول جميل و ممتع و موجع
العنود الحلوه و معاملة زوجة الاب الظالمه لها
بس ابيها و ضعف شخصيته قدام زوجته
كن بنته هاذي مهيب شعره من وجهه و ربي بيساله عنها يوم القيامه
ما اقول الا حسبي الله بس
ازهار.. جعل ما به ازهار
وش ازهار.. هاذ المفروض اسمها
اسوداد
ايلام
مالت عليها طوفه فوقها طوفه فوقهم فيل
ابا اعرف شوي عن ظروف زواج ابي العنود من عجوز قريح..
و المعرس..
عاد يا ام حمده الله الله في معرسنا المزيون.. فيس متوقعه مزيون من الحين
ابيه زين خلقه و اخلاق
عساه يعوض عنوده عن اللي شافته

امون.. سبحان الله.. يطلع من ظهر الفاسد عابد
و طلع من ام السعف و الليف بنوته عسل تخاف ربها

بارت اول ممتع.. و في انتظارش السبت ان شاء

~FANANAH~ 01-12-16 11:49 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مساءك طِيب وبخور وعود معَتق ..
كل عام وأهل الإمارات بخير وسلامة ..
يا هلا بالحامل والمحمول ام حمدة وأخيرا الفصل نزل ، عتبانه بس لقصر الفصل !

نجي للأحداث آه يا قلبي ، العنود المسكينة خذتها ضرب من أولها وتاليها ، ابي اعرف عجوز قريح ذي من وين جاتها ؟ كيف دي صارت زوجة ابوها ؟! وأمها وش صار عليها ؟؟
بأقرا وقلبي يدق طبول كل الأحداث اللى صارت حسيت بألما ووجعها وانكسارها وفوقهم شموخها اللى عجبني كبريائها اللى مستحيل يحطموه لها ، لكن بعد ما انكتب البيت باسم عجوز قريح وطلب الزواج الغريب كيف حتتعامل مع دا كله ، وأخوها يا حبة عيني مين راح يُطل عليه !
آمون مستحيل تخليها أمها تراعية وابتسام لو عليها بتخليه يعفن لين يأخذ الله عمره ><
لكن في اقتراح دايرن برأسي أنها تخلي شرط الزواج أن اخوها يسكن معها =)
ويا فرحة قلبي لو وافق المعرس المزيون على هالطلب ، مع ذلك حالة وفاة عندهم ؟!
ليش عندهم حد متوفى وجاي يطلب يد العنود ؟ يعني شافها قبل ؟
تساؤولات لكل سطر كتبتيه لكن حبيت القصة حيييل ومتحمسة للفصل الجديد ما ينفع ترسلين لي الفصل بالدسة ههههههههههههه .. لا من شاف ولا من درا ^^

وشيء أخير الله يصبرني على عجوز قريح " أزهار " من الحين !

بركوزار 02-12-16 04:53 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
شكرا جزيلاااااااا

ام حمدة 03-12-16 11:33 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زارا (المشاركة 3668014)
السلام عليكم
وعليكم السلام
هلا وغلاااا بالامااراات واهل الامااارت وكل عام والامااارات وأهلها بالف خير.. وفرووحة قلبي بخير الله يطمني عليها ياارب..
وهلا وغلا فيج يا قلبي، وإن شاء الله كل الأمة العربية تكون بخير
ام حمده شحالج فديتج..
الحمدالله بخير يا عمري... انت شخبارج؟؟.. عساج طيبة؟؟
من شفت علم الاماااارت مافكرت مرتين باني ادخل واقرأ هالحكااايه.. كل تجااربي مع الكااااتبتات الاماارتيه كانت قمة بالابداع.. ولووو ان بعضهم الله يسامحه حرمنا من ابداااعه بوقت كانت روايته بعز قوتها ..>>ربعي ياابنياتي انتن طبعا عارفات من اقصد..
ههههههه
إن شاء الله يرجع الغايب وتنالين يلي تبيه
ومن ناحيتي لا تخافي الرواية كاملة وجاهزة وهي 34 فصل

الا ياا ام حمده ماتدرين غيث بنت علي وين أراضيه..هخهخهخه
ههههههههه
لا اسمحيلي يا اختي ما عرفه بس عرف حمدان الكتبي وراح نتعرف عليه قريب ان شاء الله

المهم عاد دخلت بس عشان ارحب فيتس واقوولتس انتس ماراح تندمين ابدا يوم نزلتي القصه هنا..
ونشكر الحب همووووس اللي دلتس على منتدانا الغالي .. اللي فعلا مثل الكاتب مايضيف للمنتدانا بعد منتدانا الغالي يضيف للكاتب..
مبروك نزول الروايه وباذن الله تنتهي على خير وتوصل لبر الأمان ونفرح كلنا مع بعض بوصولها للبر ..
دمتي بود ..

تسلمين يا الغلا وسعيدة بتعرفي عليج وإن شاء الله الكل ينال يلي يتمناه
دمتي بخير... وبانتظاااااااارك الليلة مع الفصل الثاني
وشكرااااا لمرووووووورك العطر

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3668021)
فصل اول جميل و ممتع و موجع
العنود الحلوه و معاملة زوجة الاب الظالمه لها
بس ابيها و ضعف شخصيته قدام زوجته
كن بنته هاذي مهيب شعره من وجهه و ربي بيساله عنها يوم القيامه
ما اقول الا حسبي الله بس
ازهار.. جعل ما به ازهار
وش ازهار.. هاذ المفروض اسمها
اسوداد
ايلام
مالت عليها طوفه فوقها طوفه فوقهم فيل
هههههههههه أحلا أسماء هههه
ابا اعرف شوي عن ظروف زواج ابي العنود من عجوز قريح..
بتعرفي ان شاء الله سبب زواجه من أزهار بس حبة حبة وكل شي ينكشف
و المعرس..
عاد يا ام حمده الله الله في معرسنا المزيون.. فيس متوقعه مزيون من الحين
ابيه زين خلقه و اخلاق
عساه يعوض عنوده عن اللي شافته
والمزيون راح يكون مزيون بس........ ؟؟
امون.. سبحان الله.. يطلع من ظهر الفاسد عابد
و طلع من ام السعف و الليف بنوته عسل تخاف ربها
سبحان الله في خلقه شؤون وديما بنجوف في عائلات طيبة وسمعتها زينة بس يطلع واحد منهم مثل ما يقولون البطة السودة وأحيانا العكس
بارت اول ممتع.. و في انتظارش السبت ان شاء

تسلمين يا قلبي وشكراااااا لمروووووورك العطر

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ~FANANAH~ (المشاركة 3668035)
مساءك طِيب وبخور وعود معَتق ..
مساك فل وعنبر وريحان
كل عام وأهل الإمارات بخير وسلامة ..
يا هلا بالحامل والمحمول ام حمدة وأخيرا الفصل نزل ، عتبانه بس لقصر الفصل !
ويا هلا فيج يا قلبي... مما عليه هو بس أول فصول الاولى قصيرة شوي كنت بس أجيس النبض مع المتابعات وبعدين ولا يهمج الفصول راح تطول والأحداث راح تشتعل
نجي للأحداث آه يا قلبي ، العنود المسكينة خذتها ضرب من أولها وتاليها ، ابي اعرف عجوز قريح ذي من وين جاتها ؟ كيف دي صارت زوجة ابوها ؟! وأمها وش صار عليها ؟؟
ههههههههه حلوه عجوز قريح هههه
كيف صارت زوجة راح نعرف كيف باذن الله بالفصول الجاية وأمها توفت لو كانت حية ما كانت هذي عيشتها

بأقرا وقلبي يدق طبول كل الأحداث اللى صارت حسيت بألما ووجعها وانكسارها وفوقهم شموخها اللى عجبني كبريائها اللى مستحيل يحطموه لها ، لكن بعد ما انكتب البيت باسم عجوز قريح وطلب الزواج الغريب كيف حتتعامل مع دا كله ، وأخوها يا حبة عيني مين راح يُطل عليه !
آمون مستحيل تخليها أمها تراعية وابتسام لو عليها بتخليه يعفن لين يأخذ الله عمره ><
لكن في اقتراح دايرن برأسي أنها تخلي شرط الزواج أن اخوها يسكن معها =)
ويا فرحة قلبي لو وافق المعرس المزيون على هالطلب ،
بنجوووووف ان شاء الله مين هذا المزيووووون، وبنجوف بعد شو راح يصير بينهم
مع ذلك حالة وفاة عندهم ؟!
ليش عندهم حد متوفى وجاي يطلب يد العنود ؟ يعني شافها قبل ؟
تساؤولات لكل سطر كتبتيه لكن حبيت القصة حيييل ومتحمسة للفصل الجديد ما ينفع ترسلين لي الفصل بالدسة ههههههههههههه .. لا من شاف ولا من درا ^^
يا قلبي.... وأنا متحمسة أكثر لردود أفعالكم مع باقي الأحداث، وفصل بالدس هههههه يلا شدوا الهمة بتعليقاتكم وراح نزيد الفصول بدل الاثنين نخليهم ثلاثة بس يزيد عدد الحضور مع تعليقاتهم

وشيء أخير الله يصبرني على عجوز قريح " أزهار " من الحين !

هانت كل سبت وثلاثاء ما هم ببعيد عن بعض
وتسلمين يا غلاي على التعليق وبانتظاااااااارج اليوم مع الفصل الثاني
وشكرااااا لمروووووورك العطر

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بركوزار (المشاركة 3668085)
شكرا جزيلاااااااا

العفووو حبيبتي
وشكراااا لمروووووووورك العطر

ام حمدة 03-12-16 11:43 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخير على الجميع
شخباركم؟؟... عساكم طيبين؟؟
موعدنا الليلة مع الفصل الثاني من رواية "يوم اللقا تاهت عناويني "
فانتظروني وأحداااااااث جديدة بانتظاااااااركم

ام حمدة 03-12-16 06:23 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثاني

- لا... يا بوي... الله يخليك!!.. ما بي.
صرختها بعلو صوتها، نطقتها من حرقة قلبها، ولكن لا حياة لمن تنادي!!... فقد رمى قذيفته بوجهها وخرج، وتركها تقاسي جور أوامره، ومرارة الحرمان من عطفه، ومن حنانه الذي نضب واتجه مجراه لأشخاص آخرون، تاركا إياهم عرضة للجفاف والوحدة، ولهواجس النبذ وعدم الرضى من أنفسهم.
كما بخل عليهم من الشعور بعواطف جميلة تنعش دواخلهم وتعطيهم دفعه للاستمرار والكفاح بهذه الحياة العصيبة.
خرت باكية شاكية قلة حيلتها على سريرها، والهم الذي ازداد حمله ليرزح كتفيها الصغيرين، ألا يعلم بحالها الكسيرة؟؟.. ألا يعلم ما تمر به من ضغوط وأوجاع؟؟.. ويأتي إليها بهذا الخبر ويصدمها ويرحل بكل برود!!.
ربما لو كانت الظروف مختلفة لكانت الآن تطير من الفرح، فذلك حلم كل فتاة!!.. أن يأتيها فارس أحلامها ويأخذها على حصانه الأشهب ويدخلها لعالم السعادة ويعيشان معا بسعادة إلى الأبد.
لكن ليس كل ما نحلم به يتحقق!!.. ولا كل الأماني تكون سعيدة!!.. فأحيانا تعاكسنا الحياة وتدور بنا لتتركنا نسبح عكس التيار،
فيسحبنا ويعاندنا، فنحاول بكل قوتنا أن نخترقه كي نصل لبر الأمان،
فتعود أمواجه بأحيان كثيرة قوية شديدة تدفعنا وتجرنا للخلف وتعيدنا لنقطة الصفر، كأننا لم نكن.
لمسات حانية حطت على كتفيها المهتزين من أثر نحيبها الصامت.
التفتت إليه بعيون مغرورقه بدموع العجز والانكسار، لقد كسرها والدها!!.. ولم يعد ليبرأ هذا الكسر، بل زاد باعوجاجه لتسمع فرقعته بأقاصي البلاد.
ابتسم برقة وحنان لشقيقته الباكية، لتندفع ناحية صدره تبكي أهوال ما يتساقط عليها من هموم، وأخذت تندب أبا تركهم عرضة لعوامل التعرية والتجوية دون أن يحميهم من طقوسها.
ربتات خفيفة شعرت بها تلامس ظهرها، تهدهدها وتطمئنها بأن الأمور ستكون على ما يرام، تشبثت به تطوق لحضن دافئ يؤويها ويجعلها تشعر بالأمان والاستقرار.
ابتعدت عنه بعد فترة من الوقت وقد كفت عن ذرف دموعها الغالية وناظرت شقيقها بشكر، وعرفان بالجميل.
- لا تبجين يا عنود!!.. ما بي أجوفج هكذا؟؟.. أبيج تكونين قوية شو ما صار.
أجابته بصوت مشحون بضعف وانهزام:
- ميود... انت ما تعرف شو يعني أتزوج وأروح لبيت ثاني؟؟
- بلى حبيبتي أنا عارف وفاهم إنج ما تبين تتزوجين علشاني، ما ني غبي!!.. صحيح أني ما رحت المدرسة، بس أنا أسمع وأجوف.
غامت عيناه بحزن لعدم استطاعته الذهاب للمدرسة كما باقي أقرانه، فقلبه لم يكن يتحمل أي طاقة أو مجهود ولو بسيط، فكان على الدوام يلتزم الفراش.
سارعت شقيقته تحط بكفها على خده الغائر من مرضه الذي اقتات من قوته، وقالت تشجعه:
- ولا يهمك حبيبي راح تروح المدرسة، وتقدر تلعب وتسوي كل يلي خاطرك فيه، بس اصبر شوي واتحمل معاي، أنا كلمت وحدة من ريفيجاتي تكلم ديوان الشيخ عنا، وراح ترد لنا خبر بالموافقة بإذن الله!!
التفت إليها كأنه لم يصدق ما تقوله، وهمس يسألها:
- تتكلمين جد يا عنود؟؟.. يعني أنا بروح أتعالج وبعدين بدرس وبروح المدرسة؟؟
سكت وعاد الحزن يكتنف مقلتيه وهمس بألم:
- بس أنا صرت كبير بالعمر، والمدرسة ما راح تقبلني عندهم!!
أدارت وجهه ناحيتها ومن ثم أمسكت كفيه النحيلين وقالت بفرح لفرحه بهذا الخبر وقد أنساها همها لبعض الوقت:
- لا حبيبي.. تقدر تروح المدرسة، بس مب نفس مدرسة الصغار، لا في مدرسة خاصة للمتأخرين بالدراسة يسمونها "مدارس الكبار"
تشدقت شفتيه بابتسامة متسعة لهذه الأخبار السعيدة، فكانت ابتسامته معدية فقد انتقلت إليها لتنير ثغرها بأجمل ابتسامة حلت عليه بعد أن اكتنف الحزن شفتيها.
احساس بطاقة قوية تندفع بداخلها، وسرت بشرايينها تحثها على القتال وعدم الخنوع، نعم هي ستقاوم كل من يحاول أن يفرقها عن شقيقها.
شعت مقلتيها بعزيمة لا تضمحل، وبريق أخاذ جعل فيروزها الأخضر يشع، فزت من جلستها ونفضت غبار الاستسلام وتساءل شقيقها :
- عنود شو فيج؟؟.. وين رايحه؟؟
ناظرته بقوة وقالت تجيبه بصلابة:
- بروح أتكلم مع أبوي وأقنعه أني ما بي أتزوج.
- لكن يا عنود....
قاطعته....
- لا يا ميود!!... أنا ما أقدر أتزوج وأطلع من البيت وأخليك بحالك مع هذي الساحرة.
- بس يا عنود....
عادت تقاطعه...
- ما في بس يا خوي، هذا قراري النهائي!!.
وخرجت وبداخلها عزيمة ومثابرة على القتال للنهاية، يستحيل أن تترك شقيقها يقاسي الألم وحده، وهي تعيش بسعادة مع زوجها....
تباطأت خطواتها عندما ذكرت زوجها... يعني منزل واستقرار، يعني عائلة وأمان، يعني أطفال وحب وسعادة.
انزوت على شفتيها ابتسامة متكسرة، وهزت رأسها تنفض الأحلام، فهي خيالات لا تشبع ولا تغني من جوع، وسيظل حلم صعب المنال!!.. فأين هي من السعادة؟؟.. فهي بعد السماء عن الأرض.
عادت تشد الخطى ناحية غرفة والدها وقبل أن تصل وقفت بوجهها ابتسام بأبهى حلة كما هي العادة... فستان قصير يصل لحدود الركبة، وليكنز ضيق يحدد ساقيها الرشيقتين، وحذاء بكعب عالي زاد من طول قامتها، وتسريحة بسيطة وجميلة، وملامح فاتنة أتقنت استخدام الألوان عليها.
- على فين إن شاء الله؟؟
- وخري عن طريقي.
تحركت عنود لليمين فتحركت معها، ثم لليسار وفعلت بالمثل، فحدجتها عنود بنظرات حارقة فلم تأبه تلك الأخرى لها، فقالت تحاول استفزازها وتخرجها عن طورها:
- إلا بالمناسبة... مبروك مقدما على الجواز.
لم تجبها ولم تحد عينيها عنها بل استمرت بمجابهتها، فعادت الأخرى تزيد من عيارها الثقيل:
- أكيد قية ترفضي العريس اللؤطة؟؟
وضحكت بمياعة وتابعت باستهزاء تزيد من اشتعال جمراتها:
- ما تزعليش نفسك يا حبيبتي!!.. هما كم سنة ويتوكل على الله، انت بس استحملي سنة أو سنتين وبعدها يزوغ أو يمكن تئدري ترجعيه شباب زي ما بأولوا، أن الراجل الكبير بالعمر لما يتجوز وحدة صغيرة بيرجع شباب، جربي انت كدا وأوليلي النتيجة.
وغمزت لها بوقاحة وعادت تضحك وتقهقه شامتة بها، بزوج كبير بالعمر ويبحث عن عروس صغيرة أو بالأصح ممرضة تساعده بإكمال الباقي الباقية من حياته، أو هي نصيحة في غير محلها بأن الزواج سيعيده شابا.
- خلصتي ضحك، ولا بعدج مطولة؟؟
سكتت ابتسام وقالت:
- حاليا آه خلصت، اتفضلي خوشي، أنا عاوزه أضحك عليك جوه كمان.
ابتعدت عن طريقها لتسير عنود بجانبها ودخلت لغرفة الجلوس حيث يتواجد والدها مع زوجته، يجلسون ويتسامرون ويشربون القهوة، ويتلذذون بكل ما لذ وطاب من الطعام، وهي وشقيقها محرومون من خيرات والدها ولا يصلهم سوى البقايا.
تنهدت بحسرة، لهذه المعاملة السيئة التي تتلقاها هي وشقيقها دونا عن الأخريات.
اقتربت من والدها بألم عندما شاهدت تبدل ملامحه من السعادة للضيق لرؤيتها أمامه، قبلت رأسه ثم بدأت بالحديث:
- أبوي لو سمحت!!.. ودي أتكلم معاك بموضوع خاص!!
تأفف بضيق وقال دون أن يطالعها:
- ما في حد غريب، تكلمي عادي.
تحركت عيناها على المرأتين الجالستين واللتان تناظرانها بسخرية من رد والدها عليها.
لا تعرف متى انقلب عليها الحال هكذا؟؟.. لقد تغير والدها ناحيتها كثيرا، فقد ملأوا رأسه بالكذب والترهات، لقد كان يحبها هي وشقيقها عندما كان صغار بالسن، ولم يكن يرضى بنسمة الهواء تضرهم لكن الآن.......
عادت تزفر بحزن لقد فات أوان العتاب الآن، ولا يمكننا أن نعيد الزمن للوراء، فلو استطاعت لكان العالم قد تغير وتبدل تماما.
أخذت أنفاسا طويلة ثم بدأت بالحديث:
- أبوي أنا ما بي أتزوج!!.
فز من جلسته كمن مسه عقرب، واستشاط غضبا وصارخا بها:
- تبين تكسرين كلمتي يا عنود!!.. ولا لأني مرخي عليج الحبل قلتي خليني على راحتي ألعب لعباني!!

ام حمدة 03-12-16 06:26 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
طالعته بصدمة من انفجاره الهائل، وكلامه المبهم الذي شعرت به كما الخناجر المسننة التي بدأت تنغرس بلحمها بعنف لتدميها وتجرح بشرفها وعفتها الطاهرة.
هزت رأسها رافضة أقواله لكن تلك الكلمات انصبت عليها كما السيل العرم.
- على بالج ما عرف عنج شي!!.. تغازلين وتواعدين ريايل لا وبعد في بيتي، يا خسارة التربية فيج يا واطية!!
- هدي يا بو مايد أعصابك، الضغط هيرتفع، الدكتور محرص عليك لازمن ترتاح.
- وين أرتاح وهذي تبي توطي راسي بالأرض.
كان يشير إليها هي وليس لأحد آخر، إذا الكلام كان يخصها بأنها... صدمة وذهول أشلها ويا لوقع الظلم على الروح عندما تشعر به يغلغلك بقيود متينة وسميكة، فيغطيك لحد الوصول لكتم أنفاسك.
رفض لتلك الحروف التي تخترق شرفها وتفضح عريها، ولسان حالها يردد:
- كذب... كذب... والله كذب!!.
اقترب منها والدها مندفعا ناحيتها والشرر يتقاطر من عينيه، واجتث بقبضته حفنة من شعرها بقبضة من حديد، تقسم بأنه قد اقتلعه من جذوره
- لا تحلفين بالله يا الفاجرة!!.. بنتي أنا يلي ربيتها توطي راسي بالتراب!!.. قسما بالله لأدفنج وانت حية، وزواج راح تتزوجين برضاج أو غصب عنج، وراح تنفذين من جدام ويهي يا الحيوانه!!
ودفعها من يده كشيء مقزز وقذر، وسقطت على الأرض لاحول لها ولا قوة، لقد قسم ظهرها!!.. وآه من احساس فضيع بعدم وجود جدار تتكئ عليه بأحلك أيامك، وآه من سند تراه يغدر بك ويوهمك بوجوده وفجأة تراه سراب وأوهام نسجته أنت بخيالك كي تؤكد لنفسك بأن الأمور على ما يرام، وأن حياتك ما زال يدخلها النور.
ناظرته بضياع وتشكك، ذلك الرجل ليس بوالدها؟؟.. فوالدها مختلف.. هو رجل حنون تظهر على ملامحه سيمات الطيبة، أما هذا ليس بهو؟؟.. هذا وحش كاسر، غادرته الرحمة والرأفة، أين ذهب والدها الحنون؟؟.. أين أختفى؟؟
عادت تتأمله بضياع وتيه، كان يتحدث عن شيء ما؟؟.. وصلها كهمس يأتيها من بعيد ولم تفقه منه أي حرف، وبعدها لا تعرف كيف تحركت؟؟.. وكيف وصلت لغرفتها هل حملها أحدهم؟؟... أم سارت هي لوحدها؟؟.. هي لا تعرف؟؟.
هزه على كتفها توقظها من الجمود الذي دخلت به قصرا، نداء باسمها وهزات ازدادت قوة تخرجها وتجبرها على العودة للواقع القاسي.
تطلعت إلى شقيقتها الجالسة بجانبها والخوف قد زار وجهها الفتي، وبعدها اختفت صورتها من أمامها... هل أصبحت تتخيل وتهلوس بأشياء غريبة أم أنها قد جنت وانتهى الأمر؟؟.. أم هي تلك الدموع التي غطت الرؤية أمامها؟؟
برودة سرت بحنجرتها تخبرها بأنها على قيد الحياة وأن ما اختبرته هو حقيقة وليست بهلوسات.
- عنود انت كويسة؟؟... بليز بلاش ترعبيني كدا؟؟... أرجوك ردي علي؟؟
- أمون... أنت أمون صح؟؟
هزت رأسها وهي توافقها
- أيوه أنا أمون... أختك، حبيبتك.
أغمضت عنود عيناها وندت منها آه طويلة حملت فيها شقاء لن يقدر شخص آخر على حمله، وفرت من خضرتها الباهتة دمعه خائنة تحدثت عن تعب أوهن كتفيها، تحدثت عن هم شاب له شعرها، تحدثت عن يتم كسر لها ظهرها، وآه من آه ملأت جنبات جسدها.
تراجعت للخلف وأضجعت جسدها المرهق على سريرها الذي طالما شاركها أسرارها ودمعاتها، وتكومت على نفسها تحميها أو تحاول أن تحمي البقية الباقية من كرامتها وكبريائها.
رثت آمنة على حال شقيقتها، وذرفت عيناها دمعات قلة الحيلة، هي صغيرة ولا تقدر على الوقوف بوجه والديها ومنعهما مما يفعلونه بها، هي عاجزة عن ردعهما لكن يوجد حل لمشكلتها.. عليها فقط أن توافق عليه.....
اقتربت آمنه من عنود وحادثتها:
- عنود عندي ليك حل علشان تبعدي من هنا .
لم تجبها ولم تفتح عينيها بل ضغطت عليها وبشدة تخبرها باستحالة ما تقوله!!.
- عنود عارفة ان يلي راح أوله صعب عليك، بس هو الحل الوحيد ومفيش غيره، بصي انت لازم توافئي على العريس يلي طلب ايدك.
أفرجت عن مقلتيها لكن ظلت ساكنة تنظر لسقف الغرفة وتابعت الأخرى بعد أن حصلت على ردة فعل لجذب انتباهها:
- بصي... انت لما تتزوجي هيخرجك من هنا ويسكنك في بيت لحالك وترتاحي من مشاكل البيت دا.
أيضا لا جواب ولا حركة سوى رمش عينيها الذي يتحرك برتيبة عادية، تنهدت آمنة لا تعرف كيف السبيل لإقناع شقيقتها بجودة الفكرة، وأنها خلاصها الوحيد من معاناتها.
التفتت تتأمل الغرفة المهترئة والمقشرة من دهانها القديم، ثم وقعت عيناها على سرير شقيقها النائم دون أن يشعر بما يجري من حوله بسبب الأدوية التي يبتلعها، وهنا عادت ترمق شقيقتها ودعاء بأن تكون هذه الفرصة الأخيرة، وإلا لن تخرج منها سوى بكفنها!!
- أنا سمعت من بابا من أن الراجل يلي تأدم ليك راجل طيب وابن حلال، فمتعرفيش يمكن يسعدك بعلاج أخوك.
التفتت عنود تنظر إليها، تحاول أن تهضم تلك الفكرة التي حشرتها برأسها، ونهضت تداري أنين جسدها المتوجع من كفوف الحياة التي تكالبت عليها.
- تعتقدي انه راح يساعدني؟؟
- وليه ان شاء الله ما يساعدكيش؟؟.. هو جوزك وتئدري انت تقنعيه انه يسعدك.
حركت رأسها باتجاه سرير شقيقها النائم وتساءلت هل سيشفى شقيقها من دائه؟؟.. وسيقدر على الخروج واللعب والدراسة كما يحلم ويتمنى دائما؟؟.. وبيدها هي سيفعل كل تلك الأشياء فهمستها دون تردد :
- أنا موافقة
*********************
في صباح اليوم التالي ارتدت عنود عباءتها وشيلتها ثم اتجهت ناحية شقيقها تحتضنه بكل قوتها غير راغبة بتركه، لكن من أجله هو فقط ستفعل المستحيل!!.. حتى لو رمت بروحها للتهلكة!!
أبعدته عنها قليلا وتحدثت معه تغالب نفسها عن البكاء أمامه:
- ميود حبيبتي، تحمل من نفسك الله يخليك!!.. وكمان خذ دواك ولا تنساه!!.. وبعد لا تنسى تاكل وتتغذى زين.
- عنود لا تحاتيني أنا بخير والحمد الله!!.. انت بس عيشي حياتج وتهني فيها.
ناظرته بقوة وضغطت على أكتافه قائلة بتأكيد:
- ميود أنا برجع لك بأقرب وقت، وأخذك علشان تتعالج، وبسكنك معاي.
ابتسم لشقيقته الحالمة و المتأملة بالناس كل الخير، يعلم علم اليقين صعوبة ما تقوله لكن لا بأس ببعض الأمل.
هز رأسه موافقا على ما تقوله، وتأمل وجهها جيدا، وابتسامة تزين شفتيه.
طبعت قبلة طويلة على جبهته ثم تركته والتفتت لشقيقتها آمنة تعود وتنبهها لدواء شقيقها وطعامه، وأن تتابعه بانتظام، وأن لا تهمله ريثما تعود من أجله.
صراخ باسمها يحثها على الاسراع للذهاب للمحكمة، فاليوم زواجها وستضع توقيعها على كفن قبرها.
تركت شقيقتها وعادت تتطلع لشقيقها بعيون تهدد بإخراج ما خلف سدودها، لكنها لن تبكي، فلقد انتهت أيام الدموع وستحل مكانها السعادة والفرح، فالدنيا شرعت لها بابها وهي لن ترفضها أبدا، بل ستتمسك بها وبكل قوة، لفت ذراعيها محتضنة رأسه على صدرها ولسانها يردد:
- برجعلك!!.. صدقني برجعلك، وبتتعالج وبتسوي كل يلي تبيه.
قبلته ثم تركته مجبره وخرجت بسرعة من الغرفة قبل أن تغير رأيها وترفض ترك شقيقها لوحده ولو لعدة أيام.
وغادرت مع والدها دون أن تصادفها زوجة والدها أو ابنتها اللئيمة لأنهما بكل بساطة لا تستيقظان بهذا الوقت المبكر من الصباح.
ركبت السيارة وجلست بهدوء وشرود، والآخر لم ينبس بأي شفه، وهي لم ترد أن تخترق هذا الصمت.
أسندت رأسها على زجاج النافذة وتأملت الحياة تدب رويدا رويدا... السيارات تنطلق لمقصدها، والناس تجري وتسعى لكسب لقمة العيش، وتساءلت كيف ستكون حياتها التالية مع زوجها؟؟..هل ستكون سعيدة؟؟.. وهل بالفعل ستقدر على اقناعه بعلاج شقيقها؟؟.. قطبت حاجبيها هي لا تعرف اسمه بعد!!.. فابتسمت باستهزاء أي زواج هذا!!.. أبدا لم تحلم بأن يكون زواجها بهذا الشكل، فهي حالها حال باقي الفتيات، تتمنى زواج كبير بأفخم صالات الزفاف، وفستان أبيض، وصديقاتها يرقصن، وهي وزوجها سيعيشون بسعادة.
تنهدت وأخذت تستغفر الله وبدأت بتلاوة أذكار الصباح وتحاول أن تهدئ من روعها الذي أخذ ينهش صدرها، بما تخبئه لها الأيام!!.
وصلا للمحكمة وترجلت من السيارة وسارت برفقة والدها للداخل وجرت بعدها الأمور بسرعة... جلست هي بقسم النساء لوحدها ووالدها ذهب لينهي المعاملات ولا أثر لزوج المستقبل، وبعد مرور فترة من الوقت، طرق قلبها بشدة بعد أن أقبل والدها يخبرها بأن القاضي يطلبها ليسألها موافقتها، سارت بجانبه وساقيها تكادان تخذلانها من فرط خوفها، فدفعها والدها بعد أن توقفت راغبة بالعدول عن الأمر، وهمس بأذنيها بوعيد لو أخلفت أمره!!.. فعادت تسير معه وما أن دخلت الغرفة حتى أحنت رأسها غير راغبة برؤية زوجها المستقبلي كي لا تغير رأيها برؤيته شيبا كبيرا بالسن، سألها القاضي موافقتها فأجابته بخفوت بنعم، وبعدها انتهى كل شيء بتوقيعها "لقد أصبحت متزوجة".
خرجت من الغرفة برفقة والدها وسارت بجانبه إلى أن وصلت لسيارتهم فالتفتت إليه متسائلة ليجيبها والدها بسرعة:
- ريلج عنده شغل، وقالي أخذج للشقة يلي بتسكنين فيها .
رفعت حاجبيها بتعجب لهذا الأمر الغريب لكنها لم تهتم لذلك الرجل الغريب قدر اهتمامها بهذا الرجل القريب، وركبت السيارة وانطلقت بهم لوجهتها، ومن طرف عينها رمت والدها بنظرات ألم، وجرحه لها يكبر ويكبر، كيف استطاع أن يهينها هكذا؟؟... كيف قبل بأن يعاملها زوجها بقلة تقدير؟؟... هل هي رخيصة الثمن ليهين كرامتها بهذا الشكل الحقير؟؟.. تساؤلات كثيرة دارت بخلدها، ووجع نبض بخافقها، وروحها قد سئمت آلامها.
وصلوا لوجهتهم وترجل والدها بسرعة يأمرها الاسراع فقد تأخر على عمله، سحب كفها وأعطاها مفتاح الشقة وأمرها بالصعود إليها، وأن لا تخرج ريثما يأتي زوجها.
- راح تتركني لحالي؟؟
- هيه... ما عندي وقت أروح معاج للشقة، وريلج بي بعد شوي.
سلمها المفتاح وأخبرها برقم الشقة وبأي طابق و رحل دون وداع، دون قبلة، دون نصيحة، ودون ضمة حانية تخبرها بأنها ستكون بيد أمينة وسيحافظ على جوهرته الغالية، لا شيء؟؟.. فقط غبار السيارة هو من ودعها، الآن فقط علمت قيمتها الحقيقية عند والدها!!.
سارت دون أن تسير، وتحركت دون أن تشعر، جروحها تعود وتنتكئ فتدميها وتؤلمها، إلى أن ملت أعضاءها جراحها النازفة دون دواء يوقفها عن القيح.
وصلت لوجهتها، وضعت المفتاح بقلب راجف يكاد يتوقف من فرط خوفها، فأخذت أنفاسا طويلة، وتعوذت من الشيطان، وسمت بالرحمن ودفعت الباب وخطت أولى خطواتها لعالم جديد لا تعلم ما هو مصيرها

ام حمدة 03-12-16 06:27 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
معه؟؟. وإلى أين سيأخذها؟؟.. هل سيكون طريقها متعرجا ومليئ بالمطبات أم سيفرش لها الورود ويستقبلها برحابة صدر؟؟.
دارت حول نفسها تتطلع بصدمة للأثاث الفخم من حولها، لا تصدق ما تراه؟؟.. هل ما تراه خيال أم حقيقة؟؟.. ليصلها الجواب من خلفها
- مبروك يا عروس، توه ما نور البيت.
تحرك رأسها بقوة ناحية الصوت الذي أتاها من خلفها ووقفت تناظر الواقف أمامها بعيون جاحظة، وشهقة خافتة انسلت منها.
- ما راح تقولين لي أنا بعد مبروك يا عريس، ولا القطو أكل لسانج؟؟
اقترب منها بخطوات متأنية، يحسبها بدقة، إلى أن وصل إليها، وناظرها بقوة يلتهم ملامحها الجميلة، ثم تحركت يده ناحية شيلتها وفكها دون أن تمنعه فقد شل ادراكها، ولم تستطع الاتيان بأي اعتراض.
رماها بإهمال على الأرض ثم أتبعها بعباءتها وابتعد قليلا يثمن بضاعته التي اشتراها بحر ماله.
جرت مقلتيه على جمال جسدها الظاهر من ملابسها البسيطة، والمكونة من قميص بسيط أبيض اللون، وتنورة طويلة ضيقة بنية تحيط بجذعها تظهر امتلاء أوراكها.
رفع عسليتيه يتأمل وجهها وتلك ما زالت على حالها.. متخشبة كأنها تمثال حجري لا حياة فيه.
أمسكها من عضدها بقبضة من حديد ثم هي لحظات فقط ليحط كفه الضخم على وجنتها بصفعة قوية كادت أن تقتلع رأسها ثم أتبعه بكف آخر جعلها تدوخ وتترنح ليفلتها بعدها بسهولة تاركا إياها تقع على رخام الشقة البارد كما حياتها التي علمت الآن بكيف ستكون معه، دون أن يتلقفها أو يحميها من السقوط.
طالعها من عليائه وهي تحت قدمية مهانة منذلة، ثم مال ناحيتها وهسهس بفحيح مرعب جعل جسدها ينكمش بفطرة الحماية كما اعتادت دوما.
- ألحين حنا تعادلنا، ورديت لج الكف كفين مثل ما وعدتج!!.

ام حمدة 03-12-16 06:29 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
احم... احم ....
بالراحة شوي وهدوا
قراءة ممتعة ههههههههه
وبانتظاااااااااركم يوم الثلاثاء لنعرف سبب تلك الصفعات

~FANANAH~ 04-12-16 01:33 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مساء الخير ام حمدة ^^

نجي للأحداث طولي شكلك تبيني أموت بحسرتي هي تطلع من حجيم لتطيح بهاوية جديدة !
لماذا! مرة لا اللى جالس يصير فيها على الأقل شوي تفاهم شوي لطافة كلهم قالبين وحوش !
عفا الله عن قلبي هههههههه صراحة من بداية الفصل وأنا حاطة يدي على قلبي أقول بنستانس بدا الفصل أثاريه تلطيش بعد ما تغير الحال ><

الأب ماله عذر في اللى يسويه أكيد الاخت ابتسام اللى ما تتسمى فبركت الكلام للموقف اللى صار مع المزيون > خلاص مهما كانت افعاله فهو مزيون ههههه < وحشت الكلام برأس الأب اللى من غبائه صدقة من غير تأكيد من بنته ، كيف يشك من بنته اللى من لحمه ودمه ولا يوصفها بأبشع الألفاظ لكن وش نقول في وقت العصبية ما عاد تدرين وين ربي حاطك !

كانت بوجه المدفع طلقات رصاص أخترقت جسمها من كل مكان من أهلها من زوجها ومن الحياة بكبرها ، ليتها سألت عن الاسم على الاقل ليتها عرفت مع ذلك حتى لو عرفت ما راح تقدر ترفض تحت اصرار والدها القاسي ، لكن مازلت أتامل خيرا فيه ممكن في ذره انسانية تحت طبقات اللامبالاة وممكن تهَرب من الذات وممكن انه مسحور هههههههه وهو اللى ارجحه !

أما عن الأخ يا صبر أولي العزم يا رب ، فديت هالقلب بس اخاف انه يموت من طول الانتظار واخاف عجوز قريح بتسوي له شيء وليش لا دامها تخلصت من العنود بتلحق ميود وراها ><
وأمنيه كانت نصيحتها عين العقل لكن مين كان متخيل بس !!

آه ام حمدة أطالب بفصول إضافية دام فيها حرقة قلب زي كدا اتاري المزيون وحش جديد انضاف لقصتها لكن ما أقول الا تصبري يا العنود " إن الله إن أحب عبداً ابتلاه " وانتي كل البلاوي بتتحذف عليك من كل صوب ، بالنهاية دامك على حق مصير الدنيا تلف وتدور وكلن يلاقي جزاته !

هفف طلعت كل اللى بخلقي من بعد ما قريت الفصل هههههه ..

همس الريح 04-12-16 11:44 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
هلا و غلا و كرتوون حلا


اررررحبي ملايين



تسلميييييييييييييين حبيبتي ام حمده

بارت موجع موجع موجع


و لسان حال بطلتنا ..

جيتك بهم و صار همين
يوم سلامك صار كفين
من العنا و الشقا ضعفين
و ام حمده مطوله لين عقب يومين ..


المعرس شكله له معها موقف اقشر و ما نساه
و كفو عليها حبيبتي اللي لتته بكف ذيك المره
و جعل اصابعه العشره الكسر ..

خل نرد شويه للبدايه

موقف ابيها ما فهمته
شلون تغير بذا الشكل و يصدق عجوز قريح و شينة الحلايا في بنته ؟؟

امون . ربي يرزقش بالزوج الصالح ..بنت زينه مهيب شرا السوسات الباقيات ..

مراسم الملكه كانت موجعه ..و عقبها ابيها اللي يقول لها طلعين روحش
مالت ثم مالت ثم مالت
بكيت وجهه اهو و الكوبرا اللي ماخذنها ..

في انتظار الثلاثاء علي نااار... نبا نعرف المعرس وش فيه علي بنيتنا ..
و بجهز له كم دعوه من دعوات جدتي..
يستاهل الغالي " فيس حاقد عليه "

حروف السكر 04-12-16 06:09 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
متى موعد البارتات بليييييز

همس الريح 05-12-16 09:38 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حروف السكر (المشاركة 3668226)
متى موعد البارتات بليييييز

البارتات كل سبت و ثلاثاء الساعه 8 بتوقيت الامارات
7 بتوقيت السعوديه
:8_4_134:

همس الريح 05-12-16 10:19 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
فتحت دكان توقعات هنا بعد ..
بس ها يالغلا
كل توقع صح هديته بارت ..هههههههههههه ..فيس يتشرط من الحين

توقعي الاول ان عقربة الرمل ساحره لابي العنود
جاها بلا اهي و بنتها ..

عاد ا تقولين غلط .. روحي مستبعدتنه

التزقع الثاني ان المعرس و سالفة الطراق ... دام البنت ما تروح مكان ..يه كانت تفي الجمعيه
يه كانت مع اخيها عند الطبيب
بس بعد مستبعدتنها سالفة الطبيب ..بلفيت بيودونه يعني ..
اكيد ام السعف والليف ما تسمح

بس يطلع لي بارت علي شرف التجربه ..

ام حمدة 06-12-16 09:44 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ~FANANAH~ (المشاركة 3668183)
مساء الخير ام حمدة ^^
مساء النور يا قلبي
نجي للأحداث طولي شكلك تبيني أموت بحسرتي هي تطلع من حجيم لتطيح بهاوية جديدة !
ما المشكلة الفصول الأولى قصيرة بسبب كنت أبي أجس نبض المتابعين هل راح يحبوا الرواية أم لا ولما جفت التفاعل زاد صرت أطول بالفصول
لماذا! مرة لا اللى جالس يصير فيها على الأقل شوي تفاهم شوي لطافة كلهم قالبين وحوش !
عفا الله عن قلبي هههههههه صراحة من بداية الفصل وأنا حاطة يدي على قلبي أقول بنستانس بدا الفصل أثاريه تلطيش بعد ما تغير الحال ><
عيل لو قلتلج القادم أشد وأكبر ......
الأب ماله عذر في اللى يسويه أكيد الاخت ابتسام اللى ما تتسمى فبركت الكلام للموقف اللى صار مع المزيون > خلاص مهما كانت افعاله فهو مزيون ههههه < وحشت الكلام برأس الأب اللى من غبائه صدقة من غير تأكيد من بنته ، كيف يشك من بنته اللى من لحمه ودمه ولا يوصفها بأبشع الألفاظ لكن وش نقول في وقت العصبية ما عاد تدرين وين ربي حاطك !
مثل ما يقول المثل كثرة الدق يفج اللحام
كانت بوجه المدفع طلقات رصاص أخترقت جسمها من كل مكان من أهلها من زوجها ومن الحياة بكبرها ، ليتها سألت عن الاسم على الاقل ليتها عرفت مع ذلك حتى لو عرفت ما راح تقدر ترفض تحت اصرار والدها القاسي ،
هي ما همها مين يكون كثر اهتمامها بأخوها وكيف راح تعالجه فهو أكبر اهتمامها والباقي بعيد عن البال
لكن مازلت أتامل خيرا فيه ممكن في ذره انسانية تحت طبقات اللامبالاة وممكن تهَرب من الذات وممكن انه مسحور هههههههه وهو اللى ارجحه !
كل شي راح يتوضح مين هذا المزيون وش هي سالفتهم مع بعض
أما عن الأخ يا صبر أولي العزم يا رب ، فديت هالقلب بس اخاف انه يموت من طول الانتظار واخاف عجوز قريح بتسوي له شيء وليش لا دامها تخلصت من العنود بتلحق ميود وراها ><
وأمنيه كانت نصيحتها عين العقل لكن مين كان متخيل بس !!
الأخ له الله وآمنة كانت تبي لها الخير وما حد يعرف المجهول
آه ام حمدة أطالب بفصول إضافية دام فيها حرقة قلب زي كدا اتاري المزيون وحش جديد انضاف لقصتها لكن ما أقول الا تصبري يا العنود " إن الله إن أحب عبداً ابتلاه " وانتي كل البلاوي بتتحذف عليك من كل صوب ، بالنهاية دامك على حق مصير الدنيا تلف وتدور وكلن يلاقي جزاته !

هفف طلعت كل اللى بخلقي من بعد ما قريت الفصل هههههه ..

ههههههه ولا يهمج بتجي فصول طلعي فيها كل غلج ههههههههه وما راح أمنعج
طيب شو رايج راح أنزل فصليين من كل يوم
يعني عندنا التنزيل يوم السبت والثلاثاء يعني فصلين يوم السبت وفصلين يوم الثلاثاء؟؟
أظن راح يعجبج اقتراحي
تسلمي حبيبتي على تعليقج الرائع
وشكرااااااااا لمروووووووووورك العطر

ام حمدة 06-12-16 09:54 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3668200)
هلا و غلا و كرتوون حلا
هلا بحبيبتي همس شخبارج؟؟
ما وصلني الحلا!!.. هههههههههه تراني أحب بس شكولالا

اررررحبي ملايين
يا مرحبا فيج يا قلبي
تسلميييييييييييييين حبيبتي ام حمده
الله يسلمج حبيبتي
بارت موجع موجع موجع
و لسان حال بطلتنا ..

جيتك بهم و صار همين
يوم سلامك صار كفين
من العنا و الشقا ضعفين
و ام حمده مطوله لين عقب يومين ..
رووووووووعة تسلمين يا قلبي وصح السانج
وما راح أطول باذن الله


المعرس شكله له معها موقف اقشر و ما نساه
و كفو عليها حبيبتي اللي لتته بكف ذيك المره
و جعل اصابعه العشره الكسر ..
ما عليه كل شي بيتوضح عن أسباب هذا الكف، وشـ هي أسبابه ما عن ما يعطيه الحق بس شو نقول الله يعين ويصبر العنود
خل نرد شويه للبدايه

موقف ابيها ما فهمته
شلون تغير بذا الشكل و يصدق عجوز قريح و شينة الحلايا في بنته ؟؟
بنعرف ان شاء الله ليش هو يعامل عنود جذا
امون . ربي يرزقش بالزوج الصالح ..بنت زينه مهيب شرا السوسات الباقيات ..
أمون حكايتها معانا بعدها ما بدت والمشوار طويل
مراسم الملكه كانت موجعه ..و عقبها ابيها اللي يقول لها طلعين روحش
مالت ثم مالت ثم مالت
بكيت وجهه اهو و الكوبرا اللي ماخذنها ..
ههههههههههه
في انتظار الثلاثاء علي نااار... نبا نعرف المعرس وش فيه علي بنيتنا ..
و بجهز له كم دعوه من دعوات جدتي..
يستاهل الغالي " فيس حاقد عليه "

حبيبتي همس تسلمين على تعليقج الحلو وعلى الخاطرة الروعة
وكل شي راح يتوضح بس شوي شوي
تسلمي وشكرااااااا لمرووووووووورك العطر
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3668282)
فتحت دكان توقعات هنا بعد ..
بس ها يالغلا
كل توقع صح هديته بارت ..هههههههههههه ..فيس يتشرط من الحين
حاضرين.... ما طلبتي شي، غالية والطلب رخيص
توقعي الاول ان عقربة الرمل ساحره لابي العنود
جاها بلا اهي و بنتها ..

عاد ا تقولين غلط .. روحي مستبعدتنه
هههههههههه أيوه خطأ ما في أي سحر ههههه
التزقع الثاني ان المعرس و سالفة الطراق ... دام البنت ما تروح مكان ..يه كانت تفي الجمعيه
يه كانت مع اخيها عند الطبيب
بس بعد مستبعدتنها سالفة الطبيب ..بلفيت بيودونه يعني ..
اكيد ام السعف والليف ما تسمح
أممممممم تقريبا وصلتي نقول الجمعية ههههه
بس يطلع لي بارت علي شرف التجربه ..

وراااااااااااااح يطلع ولج فصليين اليوم وإن شاء الله يكون كل يوم تنزيل بيكون فصليين باذن الله
شو رايج؟؟... بس حبيت سالفة التخمينات هههههههه تعرفي راح أحط أسئلة بكل فصل هههههه
تسلمي يا الغلا وموعدنا باذن الله الليلة مع الفصل الثالث والرابع

ام حمدة 06-12-16 09:57 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السلام عليكم
مساء الخير على الجميع ولو ان المتابعين قليل لكن الحمدالله
انتظروني الليلة مع
الفصل الثالث والرابع
دمتم بخير

همس الريح 06-12-16 10:25 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
افا عليش .. احلا شوكليت من اللي تحبينها بعد ..

يس يس يس يس يسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسس
بارتين .. بارتين .. بارتين

تسلميييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي ييييييييييييييييييييييين

ام حمدة 06-12-16 05:57 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثالث

الدنيا قاتمة، وأبوابها تغلق أمام ناظريها، إلى أين الفرار؟؟.. وإلى أين السبيل للنجاة من الغرق في بحر عاصف وثائر يحاول ابتلاعها بدوامته الضخمة، يحاول سحبها لأعماقه فتتشبث وتتمسك بخشبة للنجاة من غضبه الكاسح الذي سقط عليها كالصاعقة بليلة ظلماء حالكة السواد؟؟
تسبح وتسبح وعندما توشك على الوصول لليابسة تكتشف بأنها ما تزال تدور بدوامة الاعصار، وأن ما كانت تتشبث به ما كان سوى سراب وأوهام!!... لفضها في اللحظة الأخيرة لتجذبها تلك البؤرة المظلمة جارة إياها لأعماق المحيط.
نهضت بانكسار.. لا سند يحميها، ولا جدار تتكئ عليه.
ووقفت مهزوزة كما الورقة اليابسة في فصل خريفي، جفت أغصانه وفروعه فارتأت التخلص من أحمالها الثقيلة، فبزقتها من تحت ظلالها وتركتها تهتز وترتجف من برودة الجو، ومن الوحدة والهجران، وتركتها تعاصر العالم لوحدها، تهترئ وتداس تحت الأقدام مذلوله ومهانة!!
سارت بخطى وئيدة مترنحة، غير قادرة على صلب جسدها الواهن من طعون الزمن، الذي ما انفك يطعنها.. الطعنة تلوى الأخرى...
كم أنت غدار يا زمن!!...
أوهمتني بالسعادة!!...
لأراها أشباه ظلال في رمضاء الصحراء القاحلة.
أبدعت بخداعك، فهنيئا لك روحي عطية.
فقد ملت الجراح، واكتفت من معاندة العالم لها .
فخذها... فلم تعد تحتمل المزيد.
خطت خطوات العجوز، واتكأت بضعف الكهل، تطلعت لما حولها بعيون غشيتها أهوال لا تعرف كيف السبيل للخلاص منها؟؟
اختارت أحد البيبان وفتحته وكان ما أرادته، أغلقته خلفها كما أغلق العالم أبوابه أمام عينيها، ووقفت تتطلع لنفسها بالمرآة وهمست...
يا ترى من تلك التي تطالعني؟؟.. هل هذه أنت يا عنود؟؟.. لا.. لست أنت!!.. فمن أراها عجوز رزحت فوق أكتافها الجبال، وهدت قوتها واجتثتها من أعماقها لتتركها هكذا عارية من صلابتها ومن جبروتها!!
دمعة... تحدثت عن ظلم وقع عليها، دمعة أخرى... تتحدث عن ضعف شعرت به ينخر عظامها، ودموع أخرى.. تشكي مرارة الأيام.
بكت بكاء حارا يفطر نياط القلوب الحية، وخرت متعبة منهكة تفترش أرضية الحمام الباردة، تذرف دموعها الغالية والتي قلما تخرجها، فقط عندما تعرف بأنها غير قادرة على النجاة من هذا الأمر!!.
كلمات وحروف اجتاحت عقلها المتعب، تقتلها، تقتات من بقايا روحها،
تذكرت كلماته الجارحة، التي قالها قبل رحيله، فسافرت للخلف قبل عدة سويعات.......
انخفض لمستواها وسحب ذراعها بقوة، وحادثها ببرود مغلف بوعيد:
- ألحين حنا تعادلنا، ورديت لج الكف كفين مثل ما وعدتج!!
ناظرها باشمئزاز ثم استطرد مكملا تحقيره:
- على بالج إنج تزوجتي علشان تدخلين دنيا؟؟.. وتاخذين راحتج وتسوين كل شي على كيفج؟؟.. لا يا ماما!!.. انت غلطانه!!.. اعرفي قدر نفسج!!.. أنا ما يشرفني آخذ وحدة مثلج، انت وحدة واطية، وبنت فقر، وأنا مستحيل أنزل مستواي لوحدة مثلج حقيرة وما تسوين نعالي!!.
دفع ذراعها من كفه وسحب منديلا من العلبة التي بجانبه ومسحها لتشهق غير قادرة على التصديق ما فعله، ابتسم بتشفي لرؤيتها مذهولة من مدى تحقيره لها، فأكملها برمي المنديل بصندوق القمامة وقال:
- جفتي كيف رميت الكلينكس؟؟.. أنت مثله.. ما تسوين عندي أي شي!!.. تزوجتج بس علشان أراويج مين تتحدين يا بنت.....
توقف عند هذه الكلمة ثم تابع يناظرها من عليائه على كامل جسدها المنبطح على الأرض واستطرد يبثها تجريحه:
- هذا إذا كنت بنت أصلا؟؟... يلي مثلج يبيع كل شي علشان الفلوس، حتى....
وترك كلمته معلقة كما تعلقت روحها بين السماء والأرض، وتحرك من أمامها متجها ناحية كرسي وسحبه مديرا إياه ليكون بمواجهتها، وجلس عليه ووضع ساق على الأخرى لتقابلها نعاله التي تنطق بماركتها الغالية الثمن، وقال:
- أبوج باعج لي وقال لي خذها وسوي فيها ما بدالك.
شهقت ورفضت ما يقوله وهمست بها دون أن تشعر:
- مستحيل!!
انزوت ابتسامة على جانب شفتيه وأكمل:
- بلى.. هو قاللي أنه عجز عن مشاكلج، ورماج علي وقالي أربيج من أول ويديد.
ناظرها بافتتان... بشعرها الأسود الطويل المسترسل بنعومة على كتفها ووجهها وانفرد على الرخام بنعومة، ثم حطت عيناه لخدها المتورم من أثر صفعاته، فقد طبعت أصابعه على وجنتها مخلفه علامات زرقاء ظهرت بسرعة بسبب بياض بشرتها، ثم هبطت مقلتيه على باقي جسدها وتوقفت عند صدرها، فقد انفكت أزراره مظهرة صدرها الناهد...
كانت تتابع ملامح وجهه وعيناه التي كانت ترميها بإشعاعات قاتلة، ثم توقفت عند شيء ما جذب انتباهها، فتابعت إلى أين ينظر؟؟.. لتراه يتأمل صدرها الظاهر من خلف قميصها الذي انكشف اثر شده لها، فسارعت تخفيه عن عينيه المتلصصة، تحمي عفتها وطهارتها، عن رجل غريب اقتحم عالمها دون استئذان... فضحك باستهزاء لحركتها تلك وقال:
- الله يخليج!!.. هذي الحركات مفهومة!!... شو ما حاولتي تغريني بجسمج هذا ما راح أناظرج، لأن بكل بساطة.....
سكت قليلا ثم رمى بقنبلته التي تركتها جاحظة العينين، متخشبة الجسد.
- لأني ما أحب المستهلك، والمنتهي تاريخه!!
وفز من جلسته وقد تحولت عيناه للجمود والبرودة، وعاد يرميها بسيل كلماته اللاذعة:
- انت هنا بس بمزاجي، علشان قلتلج من قبل لا تتحديني وأنت ما سمعتين الكلام، وهذي هي النتيجة!!.. انت راح تظلين هنا لين أنتقم منج وأكسر هذا الخشم يلي رافعتنه، على شو ما أدري؟؟.. وبعدين أرمي ورقتج وترجعين للزبالة يلي كنت تعيشين فيها.
والتفت مغادرا بعد أن رماها بنظراته المستحقرة ولم يهتم للرصاصات القاتلة التي أرداهم فيها، بل تركها هناك وحدها تلفظ أنفاسها الأخيرة.
**************
عادت لواقعها، بل عادت لحياة تتلاطم بها بكل اتجاه، ولا تعلم إلى أي جهة ستركنها بالآخر؟؟.
برودة أثلجت أوردتها، وآلام استعرت بجسدها المنهك، ودموع ما تزال تهطل دون توقف كأنها لم تصدق فتح مجرى خروجها، وبياض تشرب حمرة الوجع والحرمان!!
رفعت جسدها الواهن ليعود ساقطا لمكانه من شدة ثقل رأسها الذي يطن من شدة ألم الصداع الذي يفتك به.
حاولت مرة أخرى النهوض، وهذه المرة استطاعت أن تجبر جسمها أن لا يخذلها.
استندت على حافة المغسلة ثم فتحت الماء وسكبته على وجهها عدة مرات، لم تلتفت لشكلها بالمرآة، فهي لا تريد رؤية قرينتها الضعيفة!!.. لهذا آثرت عدم رؤيتها.
تحركت بثقل خارجة من الحمام تتكئ على الجدار الصلب، ودخلت الغرفة القريبة منها فساقيها غير قادرة على حملها، فالوهن تملك منها، وعندما شاهدت السرير اتجهت ناحيته رامية بجسدها عليه وتكومت على نفسها كما الجنين، ساحبة غطاء السرير متلحفة به لكن كيف السبيل لستر قد سرق منها؟؟.. واتهامات انسكبت عليها تحرقها وتعصرها؟؟... هي الطاهرة العفيفة يقال عنها بأنها مستهلكة؟؟!.. لما؟؟.. ماذا قيل له ليقول هو هذا؟؟
أسدلت رموشها بإرهاق، وتعب استبد بأطرافها، فتعود وتفتحها من جديد عندما يعود زائرها بعيونه التي تتقاطر حقدا وكرها وراغبا بالانتقام!!
لكن ظمأ الراحة يطالبها بإغلاقها، يجبرها على مواجهته حتى بأحلامها، فقد واجهته من قبل فما الذي اختلف الآن؟؟
فتعود وتخبر نفسها بأنه قد اختلف الوضع، فهو أصبح زوجها، وهو حر بما يفعله بها، بعكس الماضي الذي لم يستطع به أن يأخذ بحقه كما قال لأنه لا يملك أي سلطة عليها لكن الآن.. هو قادر على كل شيء!!
عادت للحظة لقائها به .......
كانت بأحد الأيام التي تذهب بها لشراء مستلزمات المنزل من مواد غذائية، فزوجة أبيها ليس لديها الوقت الضائع لتذهب وتؤدي هذه المهمة،
فذهبت تجر عربتها المملوءة إلى أن شعرت بجسد رجل يلتصق بها من الخلف، ويمسكها بإحكام، تجمدت لثوان ثم عاد احساسها إليها لتعلم بأن من يمسكها رجل غريب، وينتهك حرمة جسدها بإمساكه بمفاتنها، شهقت بصوت عالي، وزاغ بصرها من هذا الوضع المشين، وبردة فعل سريعة أفلتت نفسها من قبضته بسرعة قياسيه والتفتت إليه تواجهه ودون أي تمهل رفعت كفها لتطبع أصابعها على وجنته.
حل السكون بالمكان، واختفى رواد السوبرماركت من حولهم، كأنهم هم الوحيدين على هذه الأرض، هو يناظرها بصدمة من فعلتها الرعناء وهي متجمدة من قيامها بصفع رجل لكنها عادت تحث نفسها بأنه يستحق ، فهدرت به زاعقة:
- يا حيوان!!... يا قليل الأدب!!... يا عديم الرجولة!!.. كيف تتجرأ وتلمسني يا قليل النخوة؟؟.
شاهدت تبدله وتحوله من التيبس لنار مشتعلة تعلم بأنها ستحرقها لا محال!!...لكن كبريائها وعنادها وقفوا لها بالمرصاد، وأنه غير قادر على فعل أي شيء يضرها فهو المخطئ بفعلته تلك.
- كيف تتجرئين وتمدين ايدج علي؟؟
انفجرت بوجهه كبركان ثائر رادة على هديره:
- انت كيف تتجرأ وتمد ايدك علي؟؟.. هذي هي التربية يلي ربوك عليه أهلك؟؟.. ما أقول غير يا حسافة الشوارب يلي على ويهك!!
حمم تلظت بداخله تشويه وتلتهمه بسبب تقريحها لعدم تربيته الجيدة، فاستشاط نارا ونفثها عليها:
- جب... أقولج جب ولا كلمة!!.. أنا ريال وغصب عنج وعن يلي خلفوج!!.. وأنا ما كنت .....
قاطعه قدوم رجال الأمن في السوبرماركت مستفسرين عما يحدث؟؟..
ليتحدث هو بعد أن وشوش له رجل ما كان بجانبه عن شيء ما ليهدئ قليلا.
- ما صار أي شي، بس هو سوء تفاهم بيني وبين الاخت.
صرخت ترفض تهربه من مسؤولية فعلته:
- لا... هذا الريال تعرض علي!!.
جز على أسنانه يحاول كبت أعصابه المفلوتة مسبقا، وقال:
- يا بنت الحلال، ما صار شي، انت فاهمة الموضوع غلط!!
لم تهتم لحديثه بل تابعت هجومها الضاري عليه:
- أبدا ما راح أتنازل عن حقي!!... وهذا الريال تعدى علي والكل شاهد على كذا.
هز الحضور رؤوسهم بالموافقة ليمسك الحارس بيد الرجل يقتاده لمركز الشرطة للتحقيق، فتحدث بصلابة ونفوذ شع من ملامحه ناهرا الشرطي بما سيفعله.
- اترك ايدي يا الغبي!!.. انت تعرف مين أنا؟؟.. راح أوديك ورى الشمس!!.
ثم التفت إليها وقد قدت عيناه من صنوان الحجر القاسي قائلا:
- وانت مين تعتقدين نفسج علشان تعلين صوتج وتطلبين منه انه ياخذني للشرطة؟؟
أشارت بيدها ناحيته وحادثته بتهكم:
- و انت مين تعتقد نفسك؟؟.. الشيخ مثلا!!.. حقي وباخذه منك في مركز الشرطة، وما راح أتنازل أبدا.

ام حمدة 06-12-16 05:59 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
طالعها من رأسها لأخمص قدميها وقال بفحيح بارد تسلل لعمودها الفقري راجفا جسدها بخوف من تهديده، فدارت رعبها و ارتدت قناع القوة ووقفت تواجهه بأنف شامخ وكبرياء لا ينكسر.
- انت تتحديني!!
- أتحداك واتحدى طوايفك بعد!!
هز رأسه بالقبول بهذا التحدي، وقبل مغادرته همس لها بوعيد لم تعتقد أبدا أنه سينفذه.
- والله راح أردلج الكف كفين!!.. وما أكون ريال من صلب ريال إن ما سويته!!.
*********************************
رحلت بعدها في بحر من الأحلام المزعجة، وكوابيس حطت عليها تؤرق منامها وتزعج بالها.
وغرقت... نعم شعرت بنفسها تغرق وتغوص لأعماق المحيط غير قادرة على النجاة منه، وقبعت مستسلمة هذه المرة لمصيرها المحتوم، وشاهدت شقيقها من بعيد يناظرها بحزن وألم لخضوعها للانهزام دون أن تقاتل بشراسة كما العادة.
حاولت مناداته وطلب الصفح، لكنه أشاح بوجهه عنها غير قادر على رؤيتها هكذا خانعة لمصيرها دون أن تقاوم.
عادت تناديه وتناجيه وتطالبه بعدم الابتعاد عنها، لكنه سار ليختفي بين ضباب كثيف منعها من رؤيته ولو لآخر مرة.
فقبعت بالأعماق بروح خانعة، ووحدة قاتلة، وجسد ارتجفت أطرافه من هجر شعرت به يغلغل كيانها.
***********************
يجلس خلف مكتبه وينظر للفراغ من حوله بشرود، سيكار بيده يدخنها بروية ومن ثم يتطلع لدخانها الذي نفثه من فمه بقوة ثم بدأ يتلاشى، لقد انتقم لنفسه كم وعد، وقد وضعها بمكانها الصحيح كما رغب.
فبسببها أدخل لمركز الشرطة للتحقيق، ولولم يكن أحد معارفه هو المسؤول هناك لكان الآن اسمه يتوسط الجرائد بسبب دخوله السجن، بسبب فتاة لم تعطه الفرصة لنفي اتهامها، فهو لم يقصد ما حدث، وما جرى كان خطأ عن قصد أجبر عليه بعد أن ارتد عن أحد العربات التي كان يعلب بها أحد الأطفال وكانت هي بالمكان الغير المناسب.
إذا... ماذا الآن؟؟... ماذا سيفعل معها؟؟... لقد تزوجها كي يستطيع الوصول إليها، ومن ثم يأخذ بحقه منها، وبعدها سيرميها مثل الكلب في الشارع، فذلك هو مكانها الصحيح، "مكب النفاية".
عندما يتذكر الكلام الذي وصله عنها عن طريق أحد الموظفين الذي عهد إليه السؤال عنها... تشمئز نفسه منها، ويكاد يتقيأ ما بي جوفه.
لقد اعتقد بأنها فتاة شريفة وعفيفة لهذا كان رد فعلها طبيعيا لكن بعد أن علم طينتها ومن أي صنف هي، حتى تعود أعصابه للثوران والرغبة بتمزيقها، فهي تستحق أكثر من صفعتين على خدها!!.
إذا... لقد اتخذ القرار!!... سيتركها معه لبعض الوقت ليعلمها من هم أسيادها، وبعدها سيعيدها لعائلتها، وعند هذا ابتسم بتشفي، لقد وجد لعبة يسلي بها نفسه، فقد سئم حياته المملة والرتيبة.
قطع تفكيره طرقات على الباب ليأذن له بالدخول بصوته الجهوري
- تفضل
فتح الباب ليسمع بعدها دبدبات صغيرة ركضت ناحيته وهي تنادي:
- بابا
- يا حبيبة أبوها
وقف عن كرسيه وتلقفها من خاصرتها ليرفعها للأعلى ثم يعود ويمسكها، فيعود مرة أخرى ويدفعها للأعلى ويعود ويتلقفها وهي تقهقه بسعادة للعب والدها معها، ثم احتضنها يقبلها بقمة رأسها وابتعد قليلا يناظرها بحب وقال يسألها:
- شخبار حبيبة أبوها؟؟
قطبت وجهها الصغير ذو الملامح الملائكية بشعرها الأسود القصير الذي يصل لحدود أذنيها، ووجه مدور ومكتنز الوجنتين، وعيون تطل منها براءة الطفولة، وأنف صغير، وفم غاضب، ضحك الوالد وقال:
- ليش الحلو معصب؟؟... مين هذا يلي زعله؟؟
- أنا ما راح أكلمك لأني زعلانه منك!!
- أفا... ليش زعلانه مني؟؟
- لأنك قلت بطلعني اليوم الصبح وما طلعتني.
عاد للجلوس على كرسيه وأجلسها على ركبتيه وطالعها بحنان
- حقج علي حبيبتي!!.. اليوم البابا صار مشغول وايد، بس وعد... ها وعد، بكرة بطلعج.
طالعته بنصف عين ثم رفعت اصبعها محذرة إياه:
- تراك قلتها وعد!!.
- وعد، وألحين وين بوسة البابا ولا ما في بوسة ؟؟.
ابتسمت بسعادة وقالت تجيبه بالموافقة بالاقتراب منه وقبلته على وجنته ومن ثم أنزلها وقال لها وقد عادت الجدية إليه:
- حنان وين أخوج عبدالله؟؟
- عبادي قاعد يلعب بلي ستيشن
هز رأسه ثم قال لها:
- خلاص حبيبي روحي ألحين عندي شغل وايد ولازم أخلصه اليوم
انكسرت ابتسامتها، وتهدل كتفيها الصغيرين، وتدلت شفتها السفلى بحزن فهمست برجاء:
- بابا الله يخليك، اقعد معانا شوي!!
فتح أحد الملفات يقرأ فيه وأجابها بشرد دون أن ينتبه لألمها:
- حبيبي مب ألحين، بعدين.. أنا ألحين مشغول، لما أفضى بقعد معاج.
ضربت بقدمها الصغيرة على الأرض بحنق وقالت ناقمة:
- انت ديما تقول بتقعد معانا وبعدين ما تقعد!!
التفت إليها بغضب وهتف:
- حنان!!... هذا اسلوب تتكلمين فيه مع أبوج؟؟
- أنا... أنا....
- انت شو؟؟...
- أنا آسفة بابا!!.. بس أنا.....
قاطعها بنفاذ صبر:
- آخر مرة أشوفج تردين علي بهذي الطريقة!!..وألحين يلا أنا مشغول.
وخرجت مكسورة وهمهمت بأمنية بصوت وصله ليصيبه بالصميم
- ليش أنا ما عندي أم مثل باقي البنات؟؟.. لو كانت عندي كانت ألحين هي تلعب معاي، مب أقعد لحالي
وخرجت مغلقة الباب خلفها ولم تعلم ما خلفته خلفها بكلماتها تلك؟؟
تطلع للباب الذي أوصد، ثم عاد يخرج من العلبة التي بجانبه سيكارا آخر وتأمل الشعلة وهي تومض وتأكل التبغ كما حياته التي تآكلت وتمزقت مثل الأوراق....
لم يدم تفكيره بذكريات الماضي طويلا، فقد عاد الباب للطرق من جديد وهذه المرة لم ينتظر الاذن، فقد فتح الباب على مصرعيه، ووقفت هي هناك تعلن عن نفسها:
- وشفيك مزعل بنتك ومخلي برطمها يوصل للأرض؟؟
- يمه... يا مرحبا بج.
فز من جلسته وأطفئ عود السيكارا الذي لم يمسه بعد، واتجه ناحية جدته ممسكا بكفيها وطابعا على كل واحدا منهما قبلة ثم طبع قبلة أخرى على قمة رأسها باحترام وتقدير.
- حبك ربي يا وليدي، شخبارك يمه؟؟.. عساك طيب ومرتاح؟؟
- الحمد الله يا الغالية طمنيني عنج انت شخبارج؟؟... وأخبار صحتج اليوم؟؟
- لو تهمك صحتي جان ييت وسألت؟؟... أنت تدل غرفتي وين؟؟
سكتت قليلا ثم تابعت عتابها:
- شو هاي الريحة؟؟.. الله يهديك ياوليدي صحتك.
أمسكها يقودها ناحية الأريكة وهو يحادثها :
- اسمحيلي يا الغالية انشغلت شوي باشغيلة صغيرة وما قدرت أمر عليج اليوم الصبح.
تركها متجها ناحية النافذة يفتحها سامحا للهواء العليل أن يسحب الشحنات السالبة المتواجدة بالغرفة وهو يسمع جدته تسأله:
- وهذي الاشغيلة الصغيرة هي يلي خلتك تزعل بنتك؟؟
- يمه.....
قاطعته مؤنبه إياه:
- ليش كذا يا وليدي؟؟.. الشغل ما يخلص، وهذيلا عيالك صغار، يبي من يداريهم، لا تعتمد على الشغالات، تراهم مب مثل أبوهم وأمهم، وما راح يهتمون فيهم.
- عارف يا يمه بس شو أسوي يعني؟؟... دوام بالصباح بالعسكرية، والعصر أجابل الحلال، ما عندي وقت لهم!!
ناظرته بعيونها الصقرية وقالت :
- في حل يا يمه.
ناظرها هو الآخر وعلم الحل، ارتبك وتوتر فأشاح بوجهه عنها كي لا تكشف سره المشين، وقال يجيبها بصوت غليظ لكن على من!!.. فقد لاحظت اختلاجة عيناه وتهربه من التحديق بها :
- حلج ما بيه يا يمه، خلاص... عافني الخاطر من الحريم!!
- بس يا وليدي ترى مب كل الحريم واحد، وأصابعك مو مثل بعضها.
ابتسم بتهكم وهو يتذكرها :
- لا يا يمه، كلهم من طينة وحدة وأخس بعد.
- هذا آخر راي عندك؟؟
- نعم يا الغالية، ودخيلج لا تفتحي الموضوع مرة ثانية، وبحاول إني أفضي نفسي علشان أجابل الأولاد.
تنهدت بقلة حيلة وأجابته:
- براحتك يا الغالي.
نهضت من جلستها وساعدها بالنهوض.
- على وين يا يمه؟؟.. اقعدي معاي شوي!!
- أنت مشغول وما بي أعطلك.
ضحك بخفوت على نغزتها له بعدم وجود وقت لديه فأجابها:
- براحتج يا الغالية
فعادت للسير وهو بجانبها يحتضنها من أكتافها الصغيرة وأخذت تهمهم بالدعاء:
- الله يهديك ويصلح يا وليدي، ويسخر لك الزوجة الصالحة يلي ترجعك مثل قبل.
ضحك لدعوة جدته وقالت ترد عليه:
- لا تضحك علي، الله قادر على كل شي.
- ونعم بالله يا الغالية
وخرج معها ليوصلها لغرفتها.
أكيد تبون تعرفون مين هذيلا الناس، خلوني أعرفكم فيهم.....
- حمدان بن عبدالله أحمد الكتبي عمره 37 سنة، وسيم بمعنى الكلمة من وسامة... بشعره الأسود الكثيف، وعيونه سودة وحادة، وخشمة طويل مثل السيف، وبشرته يلي تدل على أصوله الشرقية، أسمراني وأحلى من السمر ما في، ولحية خفيفة مخنجرة من الأطراف عاطية وجهه جمال رباني، وجسمه المعضل بسبب مكانته العسكرية يلي تطلب منه يكون رياضي، مطلق وعنده ولدين عبدالله وعمره 12 سنة يشبه أبوه بملامحه العربية الأصيلة، عصبي وقت العصبية وما حد يقدر يقرب صوبه، وهادي بكل الأوقات وما له شغل بأي حد، وحنان عمرها 7 سنوات، دلوعة أبوها وتعرفنا على مواصفاتها من قبل، والجدة اسمها فاطمة ( أم عبدالله) عمرها 67 سنة، قوية صلبة تزوجت من كانت صغيرة والله رزقها بولدين وتوفى ريلها مع واحد من عيالها يلي هو أبو حمدان ومعاهم أمه، فتولت الجدة تربيته وعمه حسن ما قصر معاه ورباه مع أولاده وتمنى أنه تكون عنده بنت علشان يزوجها لولد أخوه بس الله ما رزقها غير بالأولاد
***********************
فتح باب الشقة بهدوء بمفتاحه فقد أقفله عليها بعد مغادرته، فهو لا يضمن من ستدخل بمنزله بغيابه.
وقف بوسط غرفة الجلوس ليصفعه الهدوء المريب!!.. الشقة مثلما تركها، لم يتغير فيها شيء... ناظر الأرض شيلتها وعباءتها متوسدتان أرضية شقته إذا هي موجودة!!.... إلا إذا اعتادت الخروج دون غطاء؟؟.
سار بخطى واثقة يبحث بكل مكان إلى أن وصله همس خفيض من غرفة النوم، تمهل الخطى، وأصغى السمع، ليعود الصوت المناغي من جديد.... لتتوحش عيناه، وانطلق الشرر من مقلتيه، واستعرت النيران بداخله، وأخذ قلبه يقصف برعوده العالية منذرا بالويل والعقاب، وهذه المرة لن يرحمها
" فليس كل مرة تسلم الجرة" .
فتح الباب ويرتج على الجدار مصدرا صوتا عاليا يوقظ من في القبور وهناك كانت الفاجعة !!.

ام حمدة 06-12-16 06:00 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
قراءة ممتعة
وبانتظااااااااار رايكم بالفصل

ام حمدة 06-12-16 06:02 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الرابع

يقود سيارته بسرعة جنونية، واشارات الخطر الأربعة تضيئ تخبر الباقيين بالحالة المستعجلة التي لديه!!.
يتجاوز السيارات المنطلقة أمامه، ولا يبالي بالأبواق التي نفخت من أجله تحذره من مغبة قيادته المتهورة، وأحيانا أخرى تبتعد السيارات من تلقاء نفسها عندما ينتبه سائقها للإشارات الحمراء المضاءة، أو أنها تتجنبه خشية على أرواحهم الثمينة.
وبكل مرة يتطلع للمرأة القابعة بسكون كما الأموات على المقعد الجانبي له، أنينها الخافت هو ما يجعله يشعر بالراحة لمعرفة أنها ما تزال على قيد الحياة، وأنها لم تغادر هذا العالم بعد!!
عادت عيناه تطالع لما هو أمامه كي يتفادى الاصطدام بسبب قيادته الصاروخية.
مكابح قوية والتفافة ماهرة، ومنع زهق روحه بسببها، وسبابا أعلنه دون أن يبالي بالأخلاق، وعاد يتطلع إليها والشرر يتقاطر من عينيه، فهمس وهو يعود ويحرك عصى تبديل السرعة، لينطلق من جديد.
- تستاهلين يلي صار فيج يا الغبية!!.. وإن شا الله أردى من كذا!!.
مد يده ناحيته، وضغط على الجرح النازف يمنع الدماء من الخروج بكثرة، فيعود ويسبها ويلعنها، ويهمس لنفسه بأنها ستكون سبب هلاكه!!
وصل للمشفى الحكومي القريب من الشقة، أوقف سيارته عند باب الطوارئ ثم ترجل من سيارته متجها للجهة الأخرى وبداخله غضب عارم لا يعرف كيف السبيل لإطفائه؟؟... لا هو يعرف كيف سيرتاح من المشاعر العنيفة التي يشعر بها تصعقه من الداخل.. بأن يزهق روح من كانت السبب بإشعالها!!.
فتح بابها واقترب منها وضعا ذراعه تحت قدميها والأخرى خلف ظهرها، وقربها من صدره ليميل رأسها باتجاهه فسالت دمائها الغزيرة بعد أن وقعت عنها قطعة القماش التي كانت تمنعها من التدفق بغزارة، لكن الآن.. كأن انبوبا من الماء قد تعطل لترشح الدماء في كل مكان، مغطية دشداشته البيضاء محولة إياها للون آخر لم يعجبه بتاتا!!.. فعاد للعنها وشتمها وهمس أيضا لنفسه بأنها ستدفع الثمن غاليا لما يحدث الآن.
سار بها للداخل وهو ينادي أحدهم ليلتقط عنه هذا البلاء الذي حل عليه.
هب أحد الممرضين مذعورا لرؤيته كم الدماء النازلة من المرأة، فسحب له سريرا متحركا وأمره بوضعها عليه، فوضعها برفق وعلى الفور تحرك بها الممرض لداخل غرفة الفحص مناديا على الطبيب، حتى حضر ذلك الآخر على عجل وبدأ بإجراء الفحوص الأولية كي يعلم ما الذي تسبب بخروج كل تلك الشلالات من الكريات الحمراء؟؟
بقي حمدان بالخارج بعد أن أمره الطبيب بالخروج ليباشر عمله، فخرج ينتظر نتيجة الفحص وجلس على أحد الكرسي واتكأ برأسه على الجدار خلفه، وأغمض عينيه مسافرا للفاجعة التي حدثت اليوم بعقر داره....
كان ذاهبا لتفقدها بعد مرور يومين كاملين، فقد انشغل بعمله وبأطفاله، وبخضم انشغاله بأمور حياته كان قد نسيها وعاد لرتابة حياته اليومية، عمل بالصباح، وعمل بالمساء، ويحاول قدر الامكان أن يعطي من وقته المتبقي لأطفاله، ليكون منهك القوى عند حلول الليل، فما أن يضع جسده الواهن على الفراش حتى يغط في نوم عميق دون أحلام .
وفي اليوم التالي كان قد جلس بمكتبه كما العادة يدرس بعض الملفات تخص تجارته بالمصوغات الذهبية، فهو يملك سلسلة من محلات الذهب بكل الامارات، وقد انتشر صيته بأقاصي الدولة بسبب التشكيلات الحديثة التي لا تتواجد سوى لديهم.
دخل صديقه الوفي سالم وهو أيضا ابن عمه، وبعد السلام والسؤال عن الحال حتى بادره بالسؤال عن حال زوجته، وإلى أين وصل به الحال معها؟؟.. في البداية استنكر قوله؟؟.. وعن أي زوجة يتحدث؟؟.. حتى ضرب جبهته متذكرا إياها " لقد نسيها" فعاتبه ابن عمه سائلا إياه:
- ما اكتفيت بيلي سويته فيها؟؟.. أنت خلاص أخذت بكرامتك، والبنت راح ترجع لأهلها مطلقة من أول أيام زواجها، فشو تبي تسوي فيها أكثر من كذا؟؟
مسح على وجهه بهم وأجابه:
- صح كلامك، وأنا بصراحة ما فيني بوجع الراس، وهذي وراها بلاوي، خلاص أنا باجر بروح وبرجعها بيت أهلها.
وكان هذا قراره ليلا وعندما حل الصباح، اتجه على الفور للشقه، أوقف سيارته الفارهة عند باب البناية، وترجل منها بهيبة، وهيأته تنبئ بمكانته العالية.
مشى بخيلاء وقوة سمعت دبدباتها على الأرض، استقل المصعد للطابق الرابع ووصل، فتح الباب بمفتاحه بعد أن أقفل عليها وهمس لنفسه بأنها ولابد وقد استغلت الفرصة وعاشت حياة الرخاء والعز والفخامة التي لم تجدها عند عائلتها، فهو قد وفر كل مستلزمات المنزل من طعام وأدوات وكل شيء، كي لا ينقصها شيء، فهو لا يعلم كم كانت ستظل معه.
دفع الباب وكان الصمت هو من استقبله، تطلع للمكان من حوله، وكان كل شيء بموضعه لم يتغير، فتساءل هل رحلت وعادت لمنزلها؟؟.. لكن كيف؟؟.. عاد ينفي هذا الشك الذي بدأ يتسلل إليه من أنها ربما آذت نفسها، فمن هو بعيد عن دينه لابد وأنه ضعيف الايمان، ومن السهل لديه أن يتخلص من روحه بسهولة.
لعنها وسبها من أنها سوف تسبب له بفضيحة كبيرة، ومشاكل لا حصر لها. عاد يلعن اليوم الذي قابلها فيه، وأخذ يبحث عنها بالغرف كلها إلى أن سمع همس خفيض ببحة صوت ناعمة، كانت تتحدث، تناجيه وتناديه بلفظ التحبب، بصوتها الناعم كما الأوتار الموسيقية، لم يعرف ما الذي دهاه عندما علم ما يدور بالداخل؟؟.. وصور وخيالات شطح به عقله.
لم يفكر ولم يركز، فعقله قد اشتعل نارا، وطار صوابه، وجنون قد تلبسه بأنها تخونه وبعقر داره، ودون حياء أو خجل!!.
خبط الباب بقوة فرجت صوامعه على إثره، ونطقت عيناه بالرغبة بالقتل ولن يذود عنه!!.
جرت مقلتيه باحثة عن الجسدين المتلاحمين ولم يجد سوى جسد وحيد.
سكون طغى على عقله، وقشعريرة سرت بجسده كما الكهرباء، وشلت حركته وهو يراها بهذا المنظر المؤلم!!.
كانت مرتمية على الأرضية الباردة تهذي ببكاء مرير دون أن تشعر بنفسها وهي تئن وتذرف دموعها الأبية، تنادي باسم ما يبدوا عزيزا عليها، تناجيه عدم الابتعاد، تتوسله عدم تركها، فتعود باكية شاكية فراقهما!!.
اقترب منها دون أن يشعر، فساقاه قادتاه إليها كأنها لديها روح هفت لتلك الطفلة المسكينة.
لحظات هي وأفرجت عن عقيقها المشع لكنه هذه المرة باهت اللون، اختفى بريقه وقد غشيه طوفان من المشاعر المختلطة .
طالعته لوهلة وكأنما رؤيته أمامها أسعدها، فانفرجت شفتيها التي غادرته حمرته وأصبحت متقرحة جافة، رفعت يدها الواهنة بصعوبة ناحيته، إلى أن عادت ساقطة على الأرض من شدة ضعفها.
لكن ليس هذا ما أخافه بل ذلك الوادي الطويل من الدماء الخارج منها هو ما أخافه.
جثى بجانبها والغضب قد تملكه، وأمسك برسغيها يبحث عن الجرح النازف لكن لا شيء فيديها سليمتين، ولا يوجد شريان مقطوع، إذا من أين يخرج هذا الدم؟؟.. جرت عيناه تبحث عن مصدرها وعندما انتبه وركز جيدا، وجد أنها تلهث بشدة، ويديها ساخنتان، فوضع ظاهر يده على جبهتها لتضربه الحرارة الشديدة، بل كان جسدها ينصهر من الحمم، لهذا كانت تهذي وتهلوس.
فأدار وجهها ناحيته، وأبعد شعرها الطويل عن وجهها، ووجد رأسها قد شج بعمق، وقد خمن أن سبب جرحها هو ربما أثناء سقوطها من السرير، فارتطمت جبهتها بالطاولة الصغيرة التي بجانبها.
فعاد يلعنها ويلعن حظه النحس، لا يعلم منذ متى وهي تنزف؟؟.. ما يطمئنه أنها ما تزال على قيد الحياة، لكن إلى متى؟؟.. فنبضاتها خافتة تكاد لا تحس!!.
تركها مسرعا واتجه للحمام ساحبا منشفة صغيرة ثم عاد إليها وانحنى فوقها، وضغطها بقوة على الجرح كي يوقف النزف.
أنت بألم، فعاد يضغط عليها بشدة كي يوجعها أكثر فهي باعتقاده تستحق هذا لتسببها بالمشاكل.
حاول أن يوقفه قدر استطاعته، لكن تدفقه لم يخمد، فلم يعد له خيار سوى أخذها للمستشفى قبل أن تفارق روحها هذا العالم، ويتهم هو بقتلها، فهذا ما كان ينقصه أيضا، فالمرة الأولى استطاع الخروج بسهولة، لكن الثانية ستطير رقبته بسببها.
********************************
التفتت عيناه ناحية الباب ما أن فتح، وهب واقفا بخروج الطبيب المعالج، فبادره قائلا:
- ها يا دكتور بشر؟؟.. كيفها هي الحين؟؟"
طالع الدكتور هيأة الرجل الذي تنطق بالغنى، والقسوة والجمود، فما تبدوا عليه ملامحه بأنه ليس خائف على الفتاة التي بالداخل، إنما خوفه من الفضائح، وكان احضارها للمشفى خارج ارادته، ويشك بأنها لو لم تكن تنزف بهذه الكثرة لما أحضرها إلى هنا!!.. كما أنها تبدوا صغيرة السن وهو كبير بالعمر، فساوره الشك بعلاقتهما فسأله دون مواربة:
- ممكن حضرتك تؤلي ايه صفتك مع البنت دي؟؟.. انت عارف، لازم الاجراءات دين تنعمل؟؟.
فهم مغزى حديثه فقال بكل يسر كأنه اعتاد قولها كثيرا:
- يلي داخل الغرفة هي زوجتي، وأنا كنت مسافر واليوم بس رجعت، وجفتها كذا، وعلى طول جبتها على المستشفى.
طالعه الطبيب دون تصديق!!.. وتساءل أين هاتفه ليتصل ويطمئن عليها؟؟.. فقال:
- ممكن حضرتك بطاءة الهوية وكمان .....
قاطعه حمدان بتهكم واضح من عدم تصديق الطبيب بالصلة التي بينهما:
- وش رايك بعد أجيب ورقة زواجنا علشان تصدق؟؟
سكت قليلا ثم تابع متسائلا:
- أنت قولي بس وشفيها؟؟
ناظره الطبيب بقوة ليبادله المواجهة دون خوف أو توتر، جعله يصدق بأقواله بأنها زوجته، فتنهد وبدأ يقول:
- مراتك عندها حمى ومع النزيف الحاد ارتفعت حرارتها أكتر، الحمدالله انها مممتشه لكن لو فضلت يوم تاني كانت ماتت.
- يعني هي الحين بخير ما فيها شي غير الحمى بس؟؟
تضايق الطبيب من رده البارد وعاد يقول بشيء من النرفزة:
- بؤلك مراتك كانت حتموت لو تأخرت عليها شوي، وأنت بتؤل بس مريضة وعليها حمى.
- انت يلي قلت عليها حمى، وأنا أعيد الكلام يلي قلته.
ثم أشاح بيده منهيا الحديث مع الطبيب الذي طال بينهما وقال:
- ألحين أقدر آخذها معاي البيت؟؟
طالعه الطبيب بذهول، وردد بداخله بأنه مجنون بلا شك!!.. فقال بعملية:
- مراتك لازم تفضل بالمستشفى حتى تخف الحمى، ويخف التهاب الجرح ، وبعدين تئدر تروح معاك وين ما بدالك
- يعني كم يوم تبي؟؟
- يومين أو تلاتة، ودلوئتي لو سمحت ممكن تروح الرسبشن وتعبي البيانات اللزمة علشان مراتك تدخل المستشفى.
هز رأسه بالموافقة ورحل بعد أن أجرى عملية دخولها للمشفى وتركها لوحدها، وعاد هو لحياته الثانية دون أن يأبه لتفقدها أو الاطمئنان عليها، أو إلى أين وصلت بعلاجها؟؟.
كانت هي قد استعادت وعيها ومر على وجودها بالمشفى يومين، وعلمت أين هي؟؟.. ومن أحضرها؟؟.. فابتسمت بانكسار، ونطقتها بالخلاء من حولها، فالغرفة كانت ساكنة.
- ريلي!!
عادت تشخر من اللفظ "زوجها" أحضرها ثم غاب عنها ولم يسأل كيف هي أحوالها؟؟.. كأنها لا تساوي عنده شيء وتلك هي الحقيقة المجردة!!.. فلما الانكار؟؟.. وهو أيضا لا يعني لها سوى زوج يريد استرداد كرامته التي أهدرتها بلحظة كان هو المتسبب بها.

ام حمدة 06-12-16 06:03 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
حركت رأسها تطالع المارة من نافذتها، زوار خارجون وداخلون، يزورون أحبابهم وعائلاتهم وهي؟؟... توقفت عند تلك النقطة، من لديها؟؟.. فما علمته أنها كادت أن تفارق الحياة، وتساءلت؟؟.. لو ماتت هل سيحزن عليها أحد؟؟.. هل سيبكون فراقها؟؟.
انزوت ابتسامة حزينة متألمة تعرف الجواب... "لا أحد"
عادت تتطلع من النافذة للأسفل وبعدها ارتفعت للأعلى للسماء العليا، تنظر لما فوق السماء، هناك من يقف معها ولم يتخلى عنها، كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة لوحدها، مهجورة ومكسورة، لكن بفضله هو جل جلاله أحضره إليها، هو معها ويكفيها، فهمست بشكر لله عز وجل، وناجته عدم التخلي عنها، ووكلت نفسها إليه فهو الأعلم بعلم الغيب .
فتح الباب فجأة دون طرق أو استئذان جعلها تفز بجلستها وتشهق بفزع وهمست:
- أنت!!
دخل بهيبته وغروره، وأغلق الباب خلفه، وعيناه الصقرية لم تحد عنها تتفقدها.... شاحبة اللون، متعبة ومرهقة، عيون حزينة وخائبة الظن، بالمجمل هي تتنفس!!.
سحب الكرسي وجلس ينظر إليها خلف نظارته السوداء التي تحجبها عن رؤية ما يفكر به، طالعته هي الأخرى تتأمله من رأسه لأخمس قدميه.... بحمدانيته التي يلفها على رأسها بإتقان، بدشداشته الناصعة البياض والتي تنطق بماركتها العالمية، وقلم ذهبي اللون يتوسد جيب بجانبه الأيمن، وهاتف من أحد الاصدارات الجديدة بيده اليسرى والأخرى مسبحة تبدوا أيضا غالية الثمن بعقيقها الأخضر كما عينيها، كان وسيما بمعنى الكلمة لكن.....
ابتسم بسخرية وقال يخرجها من تأملها به.
- عجبتج ولا ما ني من الصنف يلي تحبين؟؟
نعم هذي الكلمة يلي تصفه... مغرور، وصنف أناني، وهي لا تهابهم أبدا بل تقف بوجههم، فهي تخاف الله وحده ولا أحد سواه.
ابتسمت ابتسامة ساحرة جذبت أنظاره بالرغم من المرض الظاهر على محياها وقالت:
- تبي الصراحة؟؟... أبدا ما أنت نوعي، وما كنت راح أختارك من بين كل الرياييل.
رفعت كتفيها بلامبالاة وناظرته بكبرياء وتحدي شع على اثره فيروز مقلتيها بنار خضراء متوهجة وأكملت:
- نوعي مختلف تماما عنك، في أشياء تنقصك علشان توصل للريال يلي أبيه.
ملامح مبهمة، وعيون مخفية ولا تعلم ما هو ردة فعله على كلامها، تعرف بأنها تلعب بالنار لكنها الوسيلة الوحيدة لتحمي نفسها من سوطه اللاذع، فالقوة تواجهها القوة، يريد أن يلعب بالنار إذا فله هذا، سيضربها؟؟.. لن تكون المرة الأولى التي تتلقى بها الصفعات والركلات فعلى الأقل ستسترد كرامتها المهدورة.
نهض من مكانه وتحرك متجها للخارج وقبل خروجه قال:
- جهزي نفسج، بخلص الأوراق وبرجع ألاقيج جاهزة.
رمى الكيس الذي بيده وسقط بحضنها والذي لم تلحظة أثناء دخوله، فوجوده قد فاجأها ولم يترك لها المجال لرؤية ما حوله، أغلق الباب خلفه بهدوء مريب، فطرق قلبها بعنف بين أضلاعها، خوف من خنوعه الغريب، دون أن يرد لها الصاع صاعين.
أشاحت ناظريها ناحية السماء من جديد ونادته بخشوع ودعت... ودعت أن يقف معها وأن لا يتخلى عنها وهمست:
- اللهم إني استودعتك نفسي فاحفظني يا رب من كل شر!!.
ارتدت ملابسها على مهل فما تزال متعبة جراء فقدها الكثير من الدماء، وكما علمت بأنها احتاجت إلى الكثير من أكياس الدم والتي حصلت عليها من متبرع، لأن فصيلة دمها نادرة الوجود، ولم تتواجد في بنك الدم.
**********************
انطلقت بهم السيارة ناحية سجنها، يلفهما الصمت المطبق، لم يحاول أحدهم أن يخترقه لكن الذبذبات السالبة كانت تشع منهما محولة داخل السيارة لشحنة من التوتر جعلها غير مرتاحة بجلستها، فتململت عدة مرات تحاول أن تتخذ الجلسة المريحة لكن كل محاولتها باءت بالفشل، فنهرها آمرا إيها:
- اقعدي مكانج وفكينا، ياهل انت ياهل؟؟.. ما ترعفين تيلسين بمكانج؟؟
لم تجبه وجلست مديرة وجهها ناحية النافذة دون أي رغبة بمشاهدته ، وظلت تتطلع للمناظر الخارجية إلى أن شعرت بالنعاس يداعب أجفانها، يتسلل إليها آخذا بها نحو عالم الأحلام وكان بطلها زوجها العزيز، أو نقول بطل كوابيسها.
قاد سيارته بهدوء وروية وأفكاره تتلاطم يمنة ويسرى، وشياطينه تثور وتعلن حربها، انها تعود وتتحداه، اعتقد بأنه استطاع كسرها لكنها فاجأته وأفسدت لنفسها حريتها، هي من اختار الحرب وعليها أن تتحمل عواقب اختيارها!!.
وصل للمبنى الذي يقيم به فقد كانت تلك البناية ملك له وتلك الشقة ملكه متى ما احتاجها ليبتعد من هموم العالم ولكن الآن لا ملجأ له ولا منفذ، فقد احتله شخص آخر ولكنه يمني نفسه بتعويض هذا الاحتلال والاستمتاع بالأيام المقبلة.
التفت إليها وطالعها للحظات ثم بدأ بمناداتها وهزها بسحب طرف عباءتها دون أي اعتبار لتعبها الظاهر من خلال ملامحها الشاحبة.
- هي انت، يلا قومي، وصلنا الشقة.
تململت ولكنها لم تستيقظ، اقترب أكثر وعاد يناديها بصوت عالي ويهزها من عضدها هذه المرة.
- يلا قومي بسج نوم، حاشى من طلعنا وانت نايمه!!.. لا يكون بس تفكرين انج تبيني أشيلج؟؟.
تململت وتضايقت من هذا الذي يفسد منامها وتحركت ملتفة للجهة الأخرى فسقط رأسها بخصلاته المنفلتة من شيلتها فوق كتف حمدان واعتدلت لتتخذ وضعية مريحة لتتوسد أحضانه الدافئة.
تجمد... وسكن جسده كما هو، لم يتحرك انشا واحدا، رأسها على كتفه، وأنفاسها تلفح وجهه، وخصلات شعرها تلامس رقبته.
تهدجت أنفاسه، واستعر جسده بنار حارقة شعر بها تسري على كامل أعضائه، واشتعلت عيناه بنشوة الرغبة.
تحركت أكثر ناحيته تغرس نفسها وروحها الطائقه لحضن دافئ يكون ملاذها لتكون داخل دائرة أحضانه ... فمها يلامس بشرته كأنها تهديه قبلة، وأنفاسها تثير حواسه، وجسدها يعانق جسده بحميمية.
جن جنونه، وهدرت عواصفه الراغبة بالشعور بنعومة جنس حواء على بشرته الخشنة.
حرك وجهه ناحيتها ليواجهها فتقابلت الشفاه.. لا يفصلهما سوى انشات،
تنفس أريج عبق أنفاسها، وصدره يرتفع بوتيرة ضربات خافقه السريعة، وجسده ارتجف برغبة امتلاكها، وأغمض عينيه بانتشاء لملمسها وأحضانها الدافئة, وسافر وغرق بأحاسيسه التي عادت تنطلق من سجنها الذي حكم عليه بالمؤبد والأشغال الشاقة!!.
التفت ذراعيه القويتين حول جسدها، واعتصرها بنية الشعور بها بعد صيام طال الدهر، ندت منه آه وتبعتها آهات أشعلت البقية الباقية من تعقله، واقترب يهفوا إليها، وطاقت نفسه الارتواء من شهد عسلها، والغوص بمحراب جسدها الذي ينادي للخطيئة .
ثارت أنفاسه، وهدر صدره بصواعق لم يشعر بها من قبل، وجنون جسده المثار لم يترك له فرصة للتمهل والتروي واقترب ينوي سحق شفتيها على شفتيه الطواقة لملمسها وكيف يكون مذاقها؟؟
توقف بغتة عن التقدم وأنصت لهمسها عند شفتيه لحظات هي... بل ثواني.. ليدفعها عن جسده دون أي شفقة جعلها تفز مرعوبة وصارخة من الوجع الذي شعرت به على جسدها من شدة الضربة التي تلقفتها من اصطدام جسدها بباب السيارة .
- شو صار؟؟.. شو استوى؟؟
طالعها ورغبة القتل والفتك بها تنطلق من عينيه لم تنتبه لها، فجل اهتمامها منصب بالآلام التي استعرت بها، فقال بعد أن تمالك نفسه:
- انزلي وصلنا
وترجل من السيارة دون أن يلتفت ناحيتها، وارتقى البناية دون أن يهتم بمساعدتها، طالعته وهو يختفي من أمام ناظريها، وتنهدت بحسرة، وتساءلت ماذا ينتظرني معه الآن؟؟
ترجلت من السيارة بصعوبة واتجهت ناحية مسكنها أو السجن الذي سيأسرها دون أن تعلم مدة محكوميتها، وقبل دخولها تعوذت من الشيطان وسمت بالرحمن ودعت ببعض الأدعية ودخلت.
- من اليوم ورايح.. بتطبخين وتنظفين وتغسلين وما تنامين غير لما أنا أقولج...
سكت قليلا يطالعها باستحقار ثم عاد يتابع:
- وما تاكلين غير لما أنا أكل وأخلص، وتوقفين عند الطاولة تتريين طلباتي وبعدين تروحين وتاكلين بالمطبخ
اقترب منها وهو يناظرها من الأعلى للأسفل وأكمل:
- لا تحسبين بأنج راعية البيت؟؟.. لا... انت هنا خدامة تحت انعالي وغير هذي المكانة ما في، وألحين يلا روحي سوي الغدا بروح أنام .
تركها ودخل لغرفته التي كانت تنام بها ثم عاد صارخا عليها:
- تحركي وامسحي الغرفة من وساختج
ظلت واقفه تطالعه بشموخ لم يعجبه، فعاد يزجرها بقوة جعلها تنتفض بداخلها ولكن قناع القوة مازال على وجهها لم يخدشه شيء، وتحركت باتجاه المطبخ وخرجت حاملة بيدها أدوات التنظيف.
وركعت عند قدميه تمسح دماءها المتجمدة، وتساءلت يا ترى كم الدماء التي ستنزفها إلى أن تتحرر من قيودها؟؟.

ام حمدة 06-12-16 06:05 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
قراءة ممتعة
وبانتظاااااااار رايكم بالفصل
ورايكم بحمدان
شو تتوقعون يسوي حمدان بعنود؟؟... هل راح يطلقها أم يتركها؟؟
موعدنا باذن الله يوم السبت مع فصليين من الرواية
دمتم بخير....... وأحلام سعيدة

همس الريح 06-12-16 07:14 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
يطلقها!؟
لاجل اطلق عليه حظيرة السلوقي و عقبها 150 فشقه يكسرون راسه اللي يبي ازين طوفه في الامارات ينصك فيها


تسلميييييبن علي البارتين حبيبتي ام حمده
اشسششوا انهم بارتين و لا وش كان صبرني لين السبت..
برد بتعليق منفصل لكل بارت
اما حمدان..
عساه الساحق و الماحق و الفشق المتلاحق
عزتي لش يا عنوده..

~FANANAH~ 07-12-16 04:00 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3668469)
يطلقها!؟
لاجل اطلق عليه حظيرة السلوقي و عقبها 150 فشقه يكسرون راسه اللي يبي ازين طوفه في الامارات ينصك فيها


تسلميييييبن علي البارتين حبيبتي ام حمده
اشسششوا انهم بارتين و لا وش كان صبرني لين السبت..
برد بتعليق منفصل لكل بارت
اما حمدان..
عساه الساحق و الماحق و الفشق المتلاحق
عزتي لش يا عنوده..

ههههههه حبوه جوجتي وش به هالحمدان حبيته بعد ما توضح السالفة ^^
بس فعلا اللى صاير يأكل العقل وش الشائعه اللى واصله حتى لحمدان !!
وانتي الصادقة قلبي وقف مع الفصل الثالث والفصل الرابع أكل قلبي ><

همس الريح 07-12-16 05:11 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثالث...

جعل يدك الكسر يالبعيد
هاذي كانت ردة فعلي الاوليه
مالت ثم مالت ثم مالت

عساني اشوفك يا حمدان تشاهق و تناهق عشقان هايم ولهان في العنود و اهي حاقرتنك و مهيب معطيتنك وجه..
مالت بس
عاد دعوتي ذي يمكن نصها يتحقق.. بس العنود طيوبه.. بتطبح علي خشمها في حبه
اهم شي انه مزيون
مزيون طل
الرجال مخابر مهوب مناظر
كان خاف الله في بنته
يا قلبي عليها العسل امممووواااح.. حبه لخدها

امه.. حيا الله جدتي.. احس بيكون لها دور في انها تنصف الفقيره المسكينه

هب يد عليه طابوقه.. عسكري يعني طراق واحدلف لها رقبتها..

القفله كانت... موووووجعه
عاد لو ما نرلتين الرابع يا قلبي كان سيرت عليش في الامارات و درت الامارات السبع اماره اماره. لين حصلتش.. ههههههه

ام حمدة 10-12-16 06:19 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الخامس.....

قيل أن " كيدهن عظيم "، فاحذر يا آدم من حواء تحاول أن تكسر كبرياءها!!.. احذر يا آدم من رغبتك بسحق كرامتها بالطين!!.. ألا تعلم بأنها ستسكت وتصمت وتتحمل، لكن عندما يحين الوقت فلا رادع لها، ستتحول، وتتغير، وتتلون كما الحرباءة، فالخدع قانونية وقد وجبت للفوز بالمعارك.
ألا يقال أن الحروب تحتاج لتكتيكات وخدع ماهرة؟؟.
فلا تغتر بأنانية الذكور، وبصنف وجد نفسه يتربع عرش الملوك، فالعرش لم يخلق لك وحدك فهناك من يزاحمك عليه، فكما خلقك الله خلق جنس آخر أكثر دهاء، وأكثر حكمة، خلق حواء ومن صلبك لتكون منك وفيك.
تعتقد نفسك يا آدم منبع القوة ومنبع الثقة والحكمة، لكنك تنسى أو تتناسى أن المرأة هي الأقوى، فالله سبحانه وتعالى سخر بداخلها قوى عظيمة وجبارة لا تمتلكها أنت، فإن خضت ما تخوضه أنت لطالبت بالرحمة وكنت قد تمنيت الموت رأفة بحالك!!.. لكن ماذا نقول لجنس لا يعلم ما قيمة ما لديه!!.
**********************************
متعبة، منهكة، خائرة القوى، لكن بداخل مقلتيها شيء لامع، شيء اعتقدت بأنه قد خمد، بريق التحدي.
وقفت وتنفست الصعداء، وواحد، واثنين و..... طاااااااااخ
وانتظرت تعد بقلب قاصف ثلاثة.. اثنين... و... وهي تدرك أن من "يلعب بالنار يحرق أصابعه" وبدأت الجولة الأولى.... فالرغبة باستعادة كرامتها التي سكبها وسحقها تحت نعله كانت أشد من خوفها من الموت.
فتح الباب بقوة وخطواته على الرخام ينبئها بوصوله، وهدر بصوته الناعس:
- شو صار؟؟..
ناظر الأرضية وشاهد الزهرية أو بقايا الزهرية المحطمة، ثم عاد يرفع عينيه عليها،.... كانت هزيلة متعبة، وشاحبة حد الأموات، كأن دماءها قد جفت من شرايينها لكن بجوف عقيقها المخضر كانت الحياة تدب بداخلهما.
عاد يسألها من جديد:
- شو صار هنا؟؟
رفعت كتفيها ببراءة وقالت ترتجف بخوف مصطنع:
- آسفة والله ما انتبهت!!.. أنا كنت أنظف وطاحت المزهرية.
- طاحت لحالها؟؟
هزت رأسها توافقه، وحدجها للحظات ثم قال:
- انزين كويتي دشداشتي؟؟..
هزت رأسها للأعلى والأسفل، ثم أمرها:
- خلاص روحي يبيها.
كانت أنظارها تعانق الأرض غير قادرة على رفعها والتطلع للرجل الواقف أمامها وهو يرتدي الوزار والفانيلة، صحيح أنها اعتادت رؤيتهما دوما على والدها وشقيقها لكن هو رجل غريب عنها ولم تعتد على مخالطة رجال آخرون.
وسارعت للهرب تحضر ما طلبه ليستر جسده الضخم، فقد كان ضخم الجثة بالنسبة لها، لم ترى من قبل هذا الشكل سوى بالمسلسلات التي قلما تتابعها، فباعتقادها ذلك الجسد المثالي لا يوجد سوى بالتلفاز، لكن هذا الرجل كسر تلك القاعدة.
قدمت له كندورته أو (دشداشته) وبدأت الجولة الثانية..
ارتدى كندورته، وكتمت ضحكة كادت أن تفضحها وتنفست واحد.. اثنين..و ...
- يا حيوانه!!.. شو هذا؟؟.. حرقتي الكندورة؟؟.
طالع كندورته... كانت توجد طبعتين لشكل الكواية، أمسكها من عضدها وهزها بعنف ورأسها يتحرك مع كل هزة للأمام والخلف.
- أنت غبية.. غبية ما تعرفين تكوين؟؟
- لا أنا ماعرف أكوي.
دفعها عنه وحاول التقاط أنفاسه، ثم قال:
- طبعا وحدة مثلج يالسة معززة مكرمة، وتبي مين يخدمها، لأنها ما تتنزل حضرتها وتوسخ ايدها.
توسد كفيها خصرها وقالت بصلابة:
- يوم انك تعرف أني ما أعرف شي، فشو كنت تنتظر مني يعني؟؟
ظل يناظرها وينتظر رؤية الخوف على ملامحها، لكن عيونها كانت مختلفة، كانت ترسل التحدي، والاستهزاء، هو يعرف أن ما تقوله صحيح، فما علمه عنها بأنها فاسدة جدا، وتجعل الجميع من حولها يخدمونها.
فرك رأسه ثم دعك عيناه، كان قد غفى قليلا، فليلة الأمس لم ينم جيدا، لا يعرف ما السبب الذي أرقه؟؟.. فقد كانت ليلته عادية كما باقي لياليه الأخرى ولكن شيء ما أرق مضجعه!!.. وتركه غير قادر على استدعاء سلطان النوم، تثاءب بتعب ثم ناظر ساعته وقال:
- سويتي غدا؟؟
هزت رأسها بالموافقة وتابع:
- طيب حطي الغدا، خليني آكل علشان أروح البيت.
عادت لتهز رأسها فقال شامتا:
- شكلج تقمصتي صدق شخصية الشغالة الهندية، كل ما أقول شي حركتي راسج، باقي بس اليونيفورم وتكتمل الصورة.
وتحرك مبتعدا عنها بعد أن رماها بنظرة استحقار وأمرها:
- اغرفي الغدا
يا آدم لا تولي ظهرك للعدو وخاصة إذا كان من جنس حواء، فستفوت عليك فرصة رؤية ابتسامة الانتصار والترقب.
جلس على طاولة الطعام كما الملك، وأشار برأسه بأن تبدأ بوضع الطعام، وضعت الصحن، والشوكة والملعقة، وانتظر غداءه، ولحظات وكشفت عن الغطاء عن قدرها، وغرفت ما بداخله ووضعته على صحنه ثم ابتعدت كما طلب هو منها، ثوان هي حتى بدأ الجولة الثالثة....
واحد.. اثنين... و...
- شونوا هذا؟؟
اقتربت منه وتطلعت للصحن وأخذت تشير لمحتوياته قائلة:
- هذا الله يسلمك رز
- رز؟؟... يلي أعرفه أن لونه أبيض مب أسود!!.
رفعت كتفيها وقالت متفاجئة:
- صدق!!.. هو لازم يكون لونه أبيض، ما كنت أعرف؟؟
رماها بنظرات حارقة وتابع سائلا، وهو يتجلد بالصبر:
- انزين.. وهذا شو بعد؟؟
- دياية
- دياية؟؟.. أكيد تمزحين؟؟.. هذا عضم فحم...
حركها بشوكته والصدمة تشله عن التعريف بما هو أمامه، بالمختصر كان الطعام لا يأكل.
صمت حل بالغرفة، والترقب قد أكل على أعصابها ولم تنتظر طويلا فقد زجرها قائلا:
- انت جنيتي ولا شو؟؟.. هذا أكل ألحين؟؟
فأجابته ببراءة :
- هي... هذا أكل، أنت شو رايك؟؟
كان قد وصلت أعصابه لذروتها، وتلك الصغيرة لا تأبه لحياتها، ونسي هو سنه وأن من أمامه هي طفلة صغيرة.
هب من جلسته غير قادر على احتواء غضبه، ودفعها ناحية الجدار، فتأوهت بألم، وارتج رأسها مسببا لها الدوار جعلها تترنح بوقفتها، ولوحت بيدها تحاول التمسك بأي جسد صلب، وكان هو أمامها فتمسكت به وأسرع هو أيضا بإمساكها ما أن فقه لبوادر الاغماء، وأسندها بالقرب من صدره، وهو يسبها ويلعنها، ويلعن اليوم الذي التقاه بها.
تراخى جسدها الصغير بين يديه فاضطر مرغما على حملها والسير بها ناحية غرفتها الصغيرة، وضعها برفق على السرير وتطلع لوجهها المصفر، وعاد يلعن نسيانه بأنها كانت توشك على الموت، وكان عليها الراحة، لكن تلك الصغيرة المستفزة تخرج أسوء ما لديه.
تلفت حوله يبحث عن قارورة الماء ولم يجدها، وأسرع خارجا ثم عاد وبيده كأس من الماء، بلل كفه ثم مسح على وجهها، ثم أعاد الكرَ وعند تلك اللحظة من ملامسة بشرتها الناعمة عاوده احساسه ،واستيقظت حواسه الذكورية، وفارت هرموناته الراغبة بأنثى يضيع بين ثنايا أنوثتها، وتغيرت حركة أصابعه وتحولت وتيرتها، وصارت تشكل وجهها، حدود ذقنها، أنفها، عينها، وتوقف على شفتيها وشعر بامتلائها وبطراوتها تحت اصبعه، فتأوه بألم، وضغط بإبهامه على منبع شهدها يستشعر تلك العواطف التي صعقته، وطوفان المشاعر التي أغرقته لحد الثمالة كأنه ذاق من كأس الخمر رشفة، فاستنشق هواء ثقيلا لرئتيه، وازدادت ضربات قلبه، وتغيرت ملامحه، وعيناه تجري نهما وشوقا على جمالها، فأتبع من كأسه رشفة تبعتها رشفات أخرى، ليغدوا مترنحا، منتشيا، شبقا ومتلهفا للارتواء من ينبوع الحياة.
ولم يشعر بنفسه وهو يجلس بجانبها على السرير الضيق، ولم يشعر بنفسه وهو ينخفض ناحيتها وعواصفه تطير بعقله الغارق بجمالها.
انتشى جسده برغبة تملكها، والاحساس بملمس بشرتها على بشرته. ثارت أنفاسه كبركان ثارت قذائفه، وحمم شعر بها تصهر أعضاءه بنية امتصاص رحيقها، فلم يكن له سوى أن يستجيب لما يطلبه منه جسده، وما تطوق له روحه، فترك العنان لنفسه ولم يعد يستطيع السيطرة عليها.
فمال عليها ملثما شفتيها بقبلة مشتاقة راغبة متذوقة، ثم ما لبثت أن تحولت وتمردت وطاقت للمزيد، ليصرخ جسده وينطق بما منعه عنه منذ دهور مضت، فثارت حواسه، ورعد قلبه، وتحدجت أنفاسه، فعاد يقبلها، يتمرغ بخطيئة ثغرها.
غاص وانتشى، ورغب وضاع بين ثنايا أريجها، قبلها بعمق وقوة، استطعم شفتيها وأراد المزيد منها.
شعور غريب قد سرى بداخلها، وعواطف شتى اخترقت حواسها، فمنذ أن تعمدت الاغماء أرادت به الهرب خوفا من بطشه، إلى أنها لم تتوقع بتاتا أن يحملها، وأن تكون قريبة من صدره هكذا، وبين يدي رجل غريب.
أرادت الصراخ عليه بعلو صوتها، أرادت ضربه إلى أن يفارق الحياة لتعديه عليها، لكنها كتمت أنفاسها وتابعت تمثيلها فهي لم ترد أن تنكشف خطتها فتقع صواعقه الغاضبة عليها.
انتظرت ريثما وضعها على السرير وبعدها سيرحل وستتنفس هي الصعداء لكن هذا لم يحدث؟؟.. فقد تحولت الأمور وبدأ يفعل أشياء غريبة بجسدها، ولمسات أصابعه أثارت بنفسها عواطف غريبة، وأشاعت الفساد بنبضات قلبها.
قشعريرة كمس كهربائي سرى بجسمها، ودعت أن لا يلحظ ارتجافتها ولم تكن تعلم بأنه قد كان بعالم آخر.
انتظرت أن يخف ما يفعله بها وأن يرحل لكن لمساته ازدادت جرأة وعندما توقف على شفتيها شعرت بنار حارقة تحرق فؤادها، وشفتيها تلتهب بحممها، لا تعرف ما الذي يجري معها؟؟.. وما هذه الأحاسيس الجديدة التي اعترتها؟؟.
كادت أن تبكي عندما شعرت به ينحني عليها وجسده يلمس جسدها، فشل الخوف حركتها، وظلت صامتة وتدعوا الله أن ينجيها من هذا المأزق العويص الذي وقعت فيه.
وبعدها لم تعرف ما حدث؟؟.. فكل ما تتذكره هي تلك الموجة العنيفة التي اجتاحتها، ذات الفولت العالي التردد التي أطاح بها وجعلتها غير مدركة لما يحدث معها، وبعدها لا شيء فقد غابت عن الوعي، واستكان جسدها تحت سيطرته.
قبلها ولم يعد يطيق الانتظار، فابتعد عنها وقد غشيت عيناه عواصف من الاثارة، جرت مقلتيه على صفحة وجهها الغائب عن الوعي وعندها فقط استيقظ من الغيبوبة التي دخل إليها قصرا، وانزاحت السحب التي غامت

ام حمدة 10-12-16 06:20 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
أمام ناظريه، فابتعد عنها كما الملسوع، ونبض خافقه بشدة كادت أن تودي به للمشفى، وطالعها باستغراب!!.. لما يشعر معها بهذا الكم من المشاعر؟؟.. هو رجل ناضج وهي طفلة صغيرة!!.. كيف استطاعت أن تسلبه تحكمه وسيطرته على نفسه؟؟.. لقد قابل الكثير من النساء، أشكال وألوان، لكنهن أبدا لم يحركن به أي من مشاعره لكن هي.. هي لما هي؟؟..
تراجع للخلف والتفت تاركا إياها ورحل، دون أن يهتم بحالها، فتلك الفتاة تهدد حياته، وعليه بالفعل أن يتخلص منها وعلى الفور!!..
لكن حاليا عليه أن يبتعد عنها لمسافة بعيدة، قبل أن يقع بشركها.
************************
بعد أداء صلاة العصر بالمسجد جلس جميع أفراد عائلة الكتبي بحديقة المنزل، فالجو جميل ورائع، فالشتاء على الأبواب، والهواء لطيف ومنعش، الكل منخرط بالأحاديث والضحكات، هذا يلقي نكتة ما ليقهقه الجميع، والآخر يتذكر موقف مضحك مر عليه هو وأصدقائه، والآخر يقاطعه كي يتحدث، والأطفال يتراكضون هنا وهناك فرحين بهذا اليوم الجميل وبلمة العائلة، فقلما يجتمعون هكذا، فأمور الحياة ومشاغلها هي من يكون لها النصيب الأكبر من الوقت.
ومن يستطيع أن يعترض لأوامر الجدة، فعندما تأمر فالكل يجيب، وهي طلبت اجتماع عائلتها كي تطمئن على أحوالها، ويبدوا أن أمورهم على ما يرام ما عدى شخص واحد يجلس معهم بجسده، وعقله وفكره بمكان آخر.
تأملت ملامحه.. كان مهموم الملامح، وضايق النفس، ومتعب ومرهق، شيء ما يؤرقه ويقضي مضجعه؟؟.. وشيآن فقط ما يتعب الرجل... هما المال.. والمرأة.
عليها إذا أن تقطع الشك باليقين وبدأت:
- شخبارك يا وليدي حمدان؟؟.. عسى أمورك طيبة؟؟.
ضربة من كوع رفيق صغره وابن عمه جعله يتطلع إليه باستفهام ثم ما لبث أن فهم من اشارته أن هناك من يحادثه، فالتفت للأمام ليرى الأنظار كلها موجه إليه، تنحنح وسعل يجلي حنجرته، فعادت الجدة تسأله وعيونها خلف برقعها تنظر إليه بقوة تحاول أن تستشفي ما وراء شروده.
- وشفيك يا وليدي؟؟.. عسى ما شر!!.. شغلك وتجارتك ما بهم شي؟؟
- لا يا يمه كلش بخير والحمد الله، وأموري طيبة وعال العال.
ضربت بعصاها على الأرض كمن بلغ هدفه وقالت:
- إن شاء الله دوم تكون بخير، بس أجوفك هذيلا اليومين ولا بد، عسى مب تاعبنك شي؟؟
ليجيب أحد أبناء عمومته ضاحكا ومشاكسا ابن عمه:
- لا يكون يا ولد العم تحب لك وحدة وعشقاننها؟؟.. ترى حاضرين والرقبة سدادة.
ضحك الجميع على النكتة بأن حمدان يحب امرأة والكل يعلم بمدى كرهه لهن، ولم ينتبهوا للنظرات التي ارتبكت ولا للنظرة الثاقبة التي التقطت تلك الثانية لتختفي فجأة كأنها لم تحدث، فأجابهم ببرود اعتادوه منه دائما:
- لا يا روميو زمانك، تركنا الحب لك ولغيرك، ما لي بهذي الخرابيط، كله كلام فاضي وكذب، يا روميو هذا الزمان زمن الفلوس مب الحب.
سكت قليلا وعيونه تجمدت وتحولت للصقيع، وانزوت ابتسامة شامتة على طرف شفته وتابع:
- بالفلوس أقدر أشتري عشر حريم مب وحدة، وكل وحدة راح تقولي أشعار وغزل وما أدري شو، يعني الفلوس هي يلي تفوز مب الحب.
سكت الجميع ولم يستطيعوا النطق بحرف واحد، يعلمون أن ما يقوله هو نابع من حرقة قلبه، نابعة من كرامته المجروحة، يعلمون بأنه لن يعترف بمكنونات قلبه، فهو رجل وعلى الرجل أن يكتم ما بداخله حتى لو كان سيؤدي بأنفاسه.
- صح كلامك يا ولدي حمدان، بالفلوس تقدر تسوي فيها كل شي، وأي شي صعب تشوفه بسرعة يستوي لكن الفلوس ما تشتري الناس الأصيلة، والنفوس الطيبة، انت تقول أن بالفلوس تقدر تيب فيها عشر حريم وأنا أقول تروم تيب مية حرمة مب عشر، لكن ولا وحدة تسواك يا وليدي، كلهم كلام فاضي وما تعمر بيت، دام جيبك مليان هي بتصب الكلام الحلو فوق راسك لكن لو جيبك فضا كل يلي بتحصله وراها هو صفق الباب.
حقيقة والكل هز الرؤوس عليها، واحتقنت الدماء بالأوردة، وصفعة الحقيقة قد عادت تضربه وتخبره بصحة أقوالها، وتابعت الجدة تزيد على الجرح ملح.
- ويوم انك تختار ذيج البنت الغاوية العاقلة، بنت الأصول، جمالها بأخلاقها وبياضها بدينها، هي يلي تفتح بيت، وتعمر معاك لين الله ياخذ أمانته، وتحفظ دارك وشرفك وعيالك، المهم هو انك تختار صح، ويلي الله كاتبنه بصير غصب عن الكل، المهم انك ما تقطع رزق رب العالمين، هو أدرى بالحال، ويوم يقول كن فيكون، لا انت ولا غيرك يقدر يمنعه.
أشاح بوجهه عنها ولم ينطق بحرف واحد، وناظرته الجدة وأكملت حديثها:
- ها يا وليدي شو قلت؟؟
- عن شو يا يمه؟؟
- الزواج!!
أجابها بهمس بارد كما الصقيع:
- عافه الخاطر يا يمه
- هو ستر لك ولعيالك.
- ما لي بعوار الراس والزن والحن.
وهنا تذكرها، لقد تركها دون أن يعرف هل هي بخير أم ما تزال مريضة؟؟.. لقد تركها غائبة الوعي، يا ترى هل استردت وعيها أم لا؟؟.. وعاد يتذكر تلك المشاعر الصاعقة والمخيفة التي اجتاحته كما الطوفان الجارف، لهذا عليه أن ينتهي من هذا الموضوع بسرعة قبل أن يرتد عليه، ويكتشف أمره، فهو لا يريد الاستمرار بهذا الزواج الذي لا طائل منه، وما أراده منه قد ناله وانتهى الأمر، حزم أمره سيذهب الليلة ويعيدها لعائلتها، وينهيها من حياته للأبد.
ولم يشعر بالعيون الثاقبة التي تقرأ ملامحه، وكما خمنت بالضبط، فلم يشب شعرها من لا شيء، فقد عاصرت الحياة واختبرت عالمها، وحاكت الناس إلى أن صارت خبيرة بقراءة العيون، ومهما كان ماهرا بإخفائهما فهي قادرة على فك طلاسمها، وسر ابنها هو امرأة وستعرفها بالتأكيد!!
مرت بعدها الساعات سريعة على بعضهم وعند أحدهم بطيئة جدا، فقد اتخذ قراره وسينفذه اليوم ولن يغير رأيه مهما حصل.
وبدأ ستار الليل يحل على الجميع، وبدأ النوم يداعب عيون الصغار، فقد أنهكهم اللعب والركض بكل مكان، وحان وقت راحتهم ونومهم، فقرر الجميع العودة للداخل، وانهاء الأمسية الرائعة، على أمل تكرارها مرة أخرى.
أخذ ولديه لغرفهم ثم ذهب لغرفته استحما وارتدى ملابسه وتعطر، وناظر لنفسه بالمرآة لقد خط الشيب رأسه، ولو يعلمون عمر من تزوجها لناظروه بتعجب!!.. المفترض أن تكون تقارب عمر أحد أولاده لو كان قد تزوجا مبكرا.
عاد يناظر ملامحه ثم غادر متجها إليها، لإنهاء أعماله الغير منتهية، فهو أبدا لا يترك عمل غير منتهي، وتلك الصغيرة كان من الخطأ أن ينجرف خلف تحديها له، لا يعلم لما بالأصل أراد معاقبتها؟؟.. كان من الممكن أن يعاقبها بطرق أخرى، فليما الزواج ؟؟
******************************
استيقظت بعد نوم مريح، وهانئ خال من الكوابيس، وظلت على فراشها متنعمه بدفئة ونعومته، لم تتح لها الفرصة من قبل للتمتع بفراش جديد ونظيف، فمنذ أن دخلت زوجة أبيها منزلهم انقلب رأسا على عقب، فقراء بمنزلهم يشحتون الحياة بكنف والدهم.
تمغطت ومددت أطرافها المتراخية، ورفرفت برموشها ثم اعتدلت بجلستها وتحركت باتجاه الحمام، خلعت ملابسها، ثم دخلت تحت رشاش الماء وأدارت المياه، وكم كانت منعشة ومريحة للأعصاب، وسهلة الاستخدام، فلطالما كان استحمامها متعبا وشاقا، فلم تكن لها الرفاهية بوجود كل تلك التقنيات الحديثة، فكل ما كان لها هو حمام عادي وقديم، يوجد فيه مغسلة قديمة قد طار لونها، وصنبور من الماء وضعت تحته دلوا وبداخل الدلو مغرفة تغرفها لتسكب الماء على جسدها.
أما هنا فكانت الجنة كما تقول، وغرفتها كأنها بفندق خمس نجوم.
ظلت تحت رذاذ الماء الدافئ لفترة طويلة ثم خرجت وتلحفت بمنشفة، ولمعت بشرتها بقطرات الماء، وجسدها فاحت منه رائحة الصابون بنكهة اللفندر.
ابتسامة منعشة توسدت ثغرها، وملامحها مسترخية كأن لا هموم ترزح على أكتافها، وقفت بوسط غرفتها بحيرة، وفركت خصلات رأسها بغباء ليس لديها ملابس، ومن المستحيل أن تظل هكذا عارية، كما أنها لا تقدر على ارتداء ملابسها الأخرى فهي وسخة ورائحتها سيئة.
احتارت ما ستفعله وخرجت تقودها قدماها إلى أن دخلت غرفته، ترددت للحظات ثم استجمعت قوتها وهمست لنفسها بأنه لن يعود اليوم، فقد كفاه طعامها المحروق، وملابسه المحروقة، ضحكت وهنأت نفسها بهذا الانتصار، وتوقفت لثوان تسأل نفسها.. متى خرج من البيت؟؟.. فهي لا تتذكر متى غادر ؟؟.
هزت كتفيها بلا مبالاة لا يهمها أمره، المهم هو متى ستتخلص منه وتعود لمنزلها ولشقيقها، لقد اشتاقت إليه كثيرا!!.. كم تمنت أن تراه الآن!!.. وتمنت لو يعود الزمن للوراء لكانت رفضت هذه الزيجة التي لا طائل منها سوى أن زادت من أتراحها، عادت تتذكر شقيقها لا تعرف ما هي أخباره؟؟... وهل تهتم شقيقتها به أم لا؟؟
فتحت دولاب ملابسه والتقطت قميص أسود اللون وارتدته ليصل لتحت ركبتيها، وتدلت أكمامه لتلوح بها كما المجنونة، ضحكت وسخرت من نفسها فما كان منها سوى أن رفعتها بطريقة مرتبة لتصل لكوعها مظهرة ذراعها القشديه ثم خرجت تمشي حافية إلى المطبخ، دارت حولها تفكر بما تريد أكله.
- اسبقيتي
صرخت بالكلمة، وبادرت بطهوها، أعدت الصلصة الحمراء، وطهت عيدان الإسبقيتي ثم خلطت الخليط مع بعضهم ثم وضعت معه شرائح من الدجاج المقلي ونسقتها بشكل جميل، وصنعت لنفسها كأسا من عصير المانجو المخلوط بعصير الموز والشمام، وجلست على مائدة الطعام المعدة والمرتبة بشكل مبهر يسلب الألباب كأنك بأحد المطاعم الرقية.
فركت يدها بشهية، ولعقت شفتيها بتلذذ، واستنشقت رائحتها الطيبة، وسمت بالرحمن وأمسكت بشوكتها وغرستها بالصحن ملتقطة كمية لفتها حول الشوكة ثم رفعتها ناحية فمها ولم تشعر بالعيون الحارقة والمحدقة بها من شعرها الأسود الطويل والمسترسل خلف ظهرها، ولوجهها المنير والمبتسم... أبدا لم يرها سعيدة هكذا، دائما ما تكون أمامه مبتئسة أو فاقدة الوعي، وغاضبة منه على الدوام، وجسدها الأبيض مختفي خلف أحد قمصانه المفضلة، وأمامها صحن من الطعام الذي يفتح الشهية ويؤكل.
اقترب منها كما الصياد الماهر إلى أن وقف بجانبها تماما لتقف الشوكة أيضا بمنتصف طريقها ناحية فمها المفتوح، لينحني ويمسك برسغها ويحرك الشوكة المليئة بالاسبقيتي ناحية فمه، مضغ الطعام بفمه متلذذا بطعمه الرائع، ومستمتعا بمذاقه الشهي.
لم تستطع الحركة، لم تقدر على التنفس، هو هنا، وهي هكذا وتأكل طعام هي أعدته بنفسها، وهي أخبرته بأنها لا تجيد صنع شيء، ولم تدخل المطبخ قط، كما قال هو مدللة وفاسدة.
رفعت رأسها للأعلى وشاهدت عملاقا يجثم عليها وحدقت بعينيه الشبيه بعيون الصقر دون أن تقدر على فك أسرها، وسرحت بوسامته الطاغية وهو قابل نظراتها بالمثل وبعد صمت دار لفترة قصيرة تحدث:
- يعني كنت تجذبين!!
هزت رأسها نافية لتتحرك خصلاتها الفاحمة ومازالت الصدمة تشلها من رؤيته أمامها وقد اكتشف خدعتها.
- أنت وحدة جذابة وأنا خلاص وصل حدي منج!!
طحن أسنانه بغضب وحنق وهو يحاول كبت نفسه من عدم ضربها أو معاقبتها فقاطعته صائحة وقد طفح بها الكيل منه:
- أنت يلي قلت إني ما عرف أي شي، وأخلي الكل يخدمني، أنا سويت مثل ما قلت أنت علشان ما أكسر كلمتك
تبادلوا النظرات بتحدي، والشرر يتقاطر من عيونهم، ومعركة توشك على الاندلاع، "ويا قاتل يا مقتول"
فتح فمه ينوي صب جام غضبه عليها ورنين جرس الباب المزعج قاطعه، ليلتفت ناويا أن يذيق هذا المزعج الأمرين، فقد كان ينوي تأديبها قبل أن يعيدها لعائلتها لتعرف مكانتها ومنزلتها، وأنها يجب أن لا تتحداه أبدا.
فتح الباب وفتح فمه صارخا....
- يا حيو....... يومه!!

ام حمدة 10-12-16 06:21 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل السادس....
كان يستشيط غضبا، أراد تأديبها لوقوفها أمامه دون خوف، الكل يهابه، بل الجميع يخشاه.. صغير وكبير، لكن هي.. تلك الصغيرة وقفت بوجه دون أن ترمش.
اعتقد بأنه قد كسرها، واستطاع كسر غرورها، لكنها فاجأته بأنفها يشمخ ليصل للسماء العالية، ورأسها كما الصخر، فعلا اسم على مسمى.
عاد غضبه يرن ويطرق بأعصابه، بسبب الجرس الذي أفسد ما كان ينوي فعله بها، فتح الباب وصرخ بالقادم:
- يا حيوا.... يومه!!
ناظرها بصدمة، وعقل قد شل عن التفكير، فوجودها أمامه قد باغته وجعله عاجزا عن الاتيان بأي شيء يخرجه من هذه الورطة العويصة.
شاهدت الصدمة على محياه، والفزع قد اعتنق مقلتيه، لقد كشفت أمره!!
- ما راح تقول تفضلي يا يومه، ولا مشغول؟؟
ما زال غير مستوعب وجودها أمامه، وقال بعملية اعتادها دائما معها:
- اتفضلي يومه، البيت بيتج.
دخلت الجدة وهي تتكئ على عصاها، وناظرت المكان بعيون باحثة ومستطلعة، وهنا أمسك قلبه بفزع!.. لقد نسيها، نسي مصيبته الكبيرة، الآن ستراها الجدة وسيقع المحظور!!.
سارع بالتحرك ناحية غرفة الجلوس، ينوي أمرها بعدم الخروج ريثما ترحل الجدة، لكنه توقف على نداء الجدة:
- على وين يا وليدي حمدان؟؟
ارتبك، وتوتر، وهي رأت خلجاته، ولو لم ترى بعينيها لما صدقت أن ولدها حمدان الرجل العصامي الذي يهابه الجميع يتوتر ويخاف.
- ها.. ما بروح مكان، بس بروح المطبخ بسوي لج قهوة.
رفعت عصاها وأشارت:
- المطبخ هناك يا يومه، مب الصوب الثاني.
ناظر جهة المطبخ ثم ناظر لجهة غرفة الطعام، وشعر بجسده يسبح بعرقه، وأفكاره قد تاهت وهربت منه.
- فيك شي يا الغالي؟؟
طالعها ليرى بمقلتيها نظرة المعرفة، هي تعلم، بل كانت تعرف وجاءت تتقصى، وشك اهتدى إليه بمن أخبرها، لكن إن بعض الظن إثم، عليه أن يعرف أولا قبل أن يتهم رفيق عمره.
دار بجسده ناحيتها، وضيق بعينيه وسألها:
- يومه.. مين يلي جابج هنا؟؟
واجهته هي الأخرى بتحدي، وأجابته بقوة:
- ولد عمك سالم.
استعرت النيران بداخله، والخيانة تصفعه من جديد، وتساؤلات لما فعل ذلك به؟؟.. لقد اتمنه على أسراره، وعلى حياته، فكيف... عاد ينفي!!.. يستحيل أن يغدر به سالم حتى لو واجه الموت!!.
عاد ينظر إليها ينوي سؤالها لكنه ما لبث أن توقف جاحض العيون، ومتخشب الجسد، وروحه قد هفت لبارئها.
- حبيبي... مين عند الباب؟؟
بحة صوت ناعمة رقيقة، عذبة الأوتار، يعرفه تماما، لكن نغمة التدليل تلك أبدا لم تسمعها أذنيه من قبل؟؟.. عاد الصوت من جديد.
- حبيبي... العشى بيبرد!!.. يلا بسرعة تعال علشان تاكل.
كانت تقف بجانب الباب وأخذت تناديه، ستموت لا محال، سيقتلها وتعرف هذا، لكن لا بد من المحاولة والخروج من هذا السجن، فنار زوجة أبيها وابنتها أرحم من الذل والتحقير بين يديه.
لقد علمت من هو زائرهم الليلي، فما أن خرج ليفتح الباب حتى لحقت به لتحاول أن تستنجد بذلك الزائر، ومن حسن حظها أن تكون والدته، لهذا كان عليها المحاولة وطلب المساعدة منها، حتى لو بادلتها الكره، بأشد منه.
استجمعت طاقتها، وأخذت أنفاسا طويلة وخرجت تتلحف القوة والعزيمة، فخلاصها بين يدي والدته.
التقطت عيناها امرأة عجوز قد سار عليها العمر، وانحنى ظهرها من ثقل الأيام، وظهرت أخاديد تتحدث عن زمن غابر كانت فيه ملكة جمال، إذا هذه جدته وليست والدته.
ثواني هي فقط درست الوضع وبدأت كأنها لم تنتبه لوجودها وقالت:
- حبيبي العشى.... أه آسفة!!. ما انتبهت إن عندنا ضيوف.
تحركت بدلال، وشعرها يتحرك مع كل خطوة تقوم بها كأنه يتراقص بدل عنها ويخبره بانتصارها.
التقفت كف العجوز وقبلته ثم طبعت قبلة احترام على رأسها وهي تقول:
- هلا يومه، هلا وغلا توه ما نور البيت، حي الله مين زارنا.
وصلها صوتها الذي كان كما الكروان، ودعت أن تكون مثل صوتها الذي يطرب الآذان، وخرجت تتهدى بمشيتها كما الغزال يستعرض رشاقته وجمال تكوينه، يخبر الجميع بأنه لن يتواجد بمن يناطحه الجمال.
جرت عيناها عليها تقيمها، وأول ما أثار اعجابها هو خصلات شعرها الفاحمة والتي تصل لحدود وركها، ثم جمال وجهها وبياضها الذي أظهرته ساقيها الظاهرتان من قميصها، وجسدها الممتلئ، فأبدا لم تستسغ المرأة النحيلة، فباعتقادها أن الرجل يحب النساء الممتلئات، وغبية تلك الفتاة التي تبحث عن خسارة وزنها.
- النور نورج يا بنيتي.
- تسلمين يا الغالية، شخبارج؟؟.. وأخبار أهلج وعربانج؟؟.. عساكم طيبين؟؟.
- كلنا بخير وصحة وسلامة، وانت يا بنيتي شخبارج؟؟.. وعلومج؟؟.
- الحمدالله يا الغالية نحمد الله ونشكره
حادثتها وهي تناظر حفيدها الذي ما زال على صدمته، ووقف كتمثال من الشمع، فلأول مرة تخرج الأمور عن سيطرته، ولأول مرة يخسر.
- مبروك عليج يا بنيتي، واسمحيلي ما حضرت عرسج!!.
- ولا يهمج يا الغلا، أصلا ما كان في عرس، بس كانت ملجة وعلى طول رحت معاه.
- ليش يا يومه ما سويتي عرس؟؟.. كل البنات يبون يفرحون بأعراسهم؟؟
التفتت العنود تناظره وقالت باستهزاء:
- قال عنده ظروف خاصة وما يقدر يسوي عرس، فتوقعنا إن ما عنده أهل.
هي تلعب بالجمر وتثيره لتعيد اشتعاله، ويبدوا أنها تحفر قبرها بيدها، لكن من الممتع أن تسترد كرامتك حتى ولو فترة بسيطة.
فبدأت.. وجه باسم، ورموش مسبلة، وثغر منحني بطريقة مستفزه وشهي، ينادي لمن يقضمه.
- حبيبي... ليش واقف، تعال واقعد مع يدوه لين أجيب الفواله.
- فسارعت الجدة رافضة:
- ما له داعي يا بنيتي، تونا متعشيين والحمد الله، إلا قوليلي انت شو اسمج؟؟.. وبنت مين؟؟
- أنا يا الغالية اسمي عنود بنت محمد أحمد المنيعي
- والنعم فيج وبأهلج يا بنتي
- تسلمين يا الغالية
تحرك من مكانه بعد فترة وعيناه تقطر شررا عليها، لقد غافلته وانتصرت عليه، لكن ليس طويلا فهو حمدان الكتبي.
جلس على الكرسي المواجه لها ورماها باستحقار، وقال يحادث جدته وعيناه ما تزال ممسكة بنظراتها:
- يومه... يلي في بالج لا تخليه يعمر كثير، حده قليل وينتهي.
جابهت الجدة نظراته، واستعرت مقلتيها، وقالت بحكم عمرها، ومكر تعلمته مدى طول حياتها:
- كلامك صحيح يا وليدي، الحرام عمره ما يعمر!!.
انسلت نبضه، وانقبض صدرها، وطارت روحها، هل صارت تعيش بالحرام؟؟.. وتنتهك براءتها من كل من هب ودب؟؟.. هل قالت أنها ستتحمل ما سيقال عنها بسبيل حريتها؟؟..
ولم تعرف بأن الثمن سيكون غاليا عليها!!.
صعق من كلامها!!.. ورفض قولها!!.. فأب لنفسه الحرام، ورفض لغيره وصرخ يدافع عن نفسه:
- أنا تربيتج يا الغالية، تتوقعين مني إني أعيش بالحرام؟؟.
- ولما انه بالحلال، ليش بالدس؟؟... ليش ما جاهرت وطلبت؟؟.. تتوقع إني أرفض؟؟.. يا ما قلتلك إني بزوجك وانت ترفض، فشو يلي خلاك تدس عنا زواجك منها؟؟... شو هي أسبابك إن ما كنت عايش بالحرام؟؟.
سكت ولم يعلم ما يقول؟؟.. هل يخبرها بحقيقته المخزية؟؟.. بأنه أراد الزواج من طفلة لأنها تحدته وأغضبته!!.. هل يخبرها بأنه أراد فقط أن يعاقبها ثم يطلقها من ثالث يوم أو ثاني يوم لزواجهم كي تعود لمنزل، ولعائلتها، وتتلقفها الألسن بسبب عودتها بهذه السرعة؟؟.. وبالطبع سيعرف السبب بسهولة بسبب عودتها المبكرة.
أي خزي هذا؟؟.. وأي عار يستطيع به مداراته عن عائلته؟؟... هو الرجل العاقل الرزين يفعل هذا؟؟.. ماذا ترك للصغار؟؟.
- يومه... اسمحيلي، عادي أناديج يومه؟؟
هزت الجدة موافقة ثم تابعت العنود قائلة:
- هو ما خبركم علشان مب عارف ردة فعلكم على زواجه مني!!.
التفت إليها ما أن تكلمت، كانت تدافع عنه، سترته ولم تفضحه، ولم تستغل الفرصة للنيل منه، واسترداد حقها.
- ليش يا بنتي؟؟.. هذا يوم المنا لما هو يوافق على الزواج!!.
"حلو... هذا يلي ناقصني، أن الريال متعقد من الحريم، وجاي يرمي بعقده علي أنا"
همست عنود هذا لنفسها وهي تستمع للسر الذي يكشف أمامها.
وعادت تكمل حديثها:
- لأن عمري صغير وهو....
طالعته من طرف عينها وابتسامة شامتة توسدت ثغرها وأكملت:
- تراه أكبر عني بوايد.
تأملتها الجدة بدقة، ملامحها توشي بالصغر، لكنها لا تعرف بكم، فسألتها:
- ليش يا بنتي؟؟.. انت جم عمرج؟؟
- أنا عمري 19 يا الغالية
والتفتت الجدة ناحية حفيدها وسألته:
- وأنت جم عمرك؟؟
ماذا أقول يا أماه... عمر طار، وشعر غزاه الشيب، سن خطى عمرها سنين، وقلب شاب قبل شعري، فما تريدين مني اخبارك؟؟.
راقبها وتعلقت عيونهم، وتحدث دون أن يحيد ببصره عنها، يريد أن يرى ردة فعلها عندما تعلم، وابتسم بسخرية، وقال:
- عمري 37سنة يا يومه، والفرق بفرق عمرها، يعني أنا بكبر أبوها.
توسعت عينيها بصدمة، لم تتوقع أن يكون الفرق كبيرا بينهما هكذا، تعلم بأنه كبير لكن ليس لدرجة اقترابه من دخول سن الأربعين.
ثم ما لبثت أن توسعت شفتيها الممتلئتين بابتسامة سلبت لبه، وجعلته يزدري لعابه، فتلك الشفاه شعر بها تحت شفتيه، ذاق من أريجها وعسلها.
لم يستطع أن يبعد عيناه عنها، وظلت حدقتيه تتابع ثغرها الباسم بمكر بشغف، إلى أن حركته دون أن تخرج صوتا بكلمة واحدة فهمها بكل وضوح
- شايب
ثم التفتت للجدة التي كانت تراقب حفيدها بعين ثاقبة، وهزت رأسها بفهم ومعرفة، وبقلب مرتاح، وعادت تناظر عنود ما أن بدأت بالحديث:
- ومثل ما عرفتي ألحين، علشان كذا هو ما كان يبي حد يعرف عشان ما ينتقدونه، لأنه تزوج وحدة صغيرة.
- ما فيها شي يا بنيتي، تراه عادي الريال يتزوج بنت صغيرة، انت ما سمعتي عن الشواب يلي ياخذون بنيات صغار أعمارهم بال 15 و16.
هزت العجوز رأسها منتقدة هذا الصنف من الرجال، بكيف يتزوجون فتيات صغيرات بعمر حفيداتهن، وهم لم يبقى لهم من العمر سوى القليل، والخطأ الأكبر يقع على عاتق الوالدين بموافقتهم على هكذا زواج.
حركت رأسها باتجاهه وقالت:
- يا وليدي ما حد راح يضحك عليك، ويلي بيضحك أقص السانه قص.
الأمور تجري بسرعة، ولا يستطيع اقاف مجرياتها، لقد خرجت عن السيطرة ولم يعد يتحكم بها.
سعل يجلي حنجرته ثم قال:
- يومه... مال داعي نطول السالفة وهي قصيرة، خلاص أنا برجعها ل......
قاطعته الجدة غاضبة:
- ليش هي سيارة وتبي ترجعها؟؟.. ليش الزواج لعبان؟؟.. من متى وانت متزوج؟؟
فرك شعره وقد شعر بقلة الحيلة، فجدته قد حاصرته ولن يستطيع الفكاك الآن من هذا الزواج، وقال بضيق:
- من خمسة أيام
أمسكت الجدة رأسها وصرخت بصدمة:
- وا فضيحتاه!!.. وا خزياه!!.. تبي البنت تموت؟؟.. تبي أهلها يذبحونها والناس تاكلها؟؟.. ليش يا يومه؟؟.. انت العاقل تقول كذا؟؟.. تبي الناس تاكل البنت برجعتها للبيت؟؟.. أظن انك تعرف شو بيقولون لو رجعت بهذا الوقت صح؟؟.
- بس يا الغالية.....
قاطعته كما الصواعق بليلة ظلماء حالكة السواد:

ام حمدة 10-12-16 06:24 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
- لا تبسبس... الزواج ما هو لعبة!!.. متى ما خذيتها ومتى ما بغيت ترجعها، بنات الناس ما هم لعبة تلعبون فيهم أنتم الرياييل، ويلي ما ترضاه بأهلك لا ترضاه بغيرك، فاهم علي يا وليدي؟؟.
نعم هو يفهم ويعلم، وهو يدرك هذا، ولكن شيطانه قد وسوس له ليقبل تحديها، فمنذ أن أخذ لمركز الشرطة بسببها وهو قد أقسم على الانتقام منها.
كان شاردا بفكره، ولم يكن يستمع لما يقال، وعندما انتبه عاد يسأل والخوف بدأ يطرق جنباته.
- نعم يومه؟؟.. شو قلتي؟؟
أعادت كلامها من جديد، كأنها تخبره بأنها تعرف ما ينوي فعله، وهي سبقته بهذه الخطوة.
- قلت روحي يا بنتي والبسي ثيابج علشان تروحين معانا البيت، زواجك ما عاد يكون بالدس، وعرس بسوي علشان الاشهار بين الناس، ما فينا بكلام الناس يا ولدي.
فز من جلسته كمن تلبسه الشيطان، وقال وهو يناظرها بعيون كالجمر:
- لا يا يومه!!.. هي بظل هنا وما راح أخذها البيت العود.
ضربت بعصاها الأرض كمن أصدر الحكم وعليهم بالتنفيذ فقط دون أي اعتراض.
- وأنا قلت كلمتي يا بو عبدالله، وكلمتي ما تنزل الأرض، ولا انت شو تقول؟؟.
أمسكته باليد التي توجعه، لوتها بمكر، وطأطأ رأسه ثم قال:
- حاشا لل الله!!.. كلمتج تاج على راسي.
- خلاص انتهى الموضوع، وروحي يا بنتي عنود والبسي ملابسج وجهزي شنطة ملابسج.
كانت تجلس بهدوء وتستمع للحديث الدائر بين الجدة والحفيد، دون أن تتدخل بالحوار بينهم، فهي تريد أن تعرف إلى أين سيصل بها الحال معهم؟؟.. فهي أصبحت كما الكرة تتقاذف بين أياديهم، لكن الأمور جرت عكس ما كانت تتوقع!!.. فقد اعتقدت بأن زوجها المصون من نوع الرجال الذين يقومون بما يردون فعله ولا يهمهم رأي الباقيين، لكنه قد فاجأها أنه عكس ما توقعت، ويبدوا أن بقائها معه سيطول قليلا، ولا تعرف ما سيحدث الآن معه بعد أن كشف سره وعلموا بوجودها؟؟.. بل لا تعلم ما هو عقابها القادم، بعد قيامها بهذه التمثيلية السخيفة.
هزت رأسها للجدة مجيبة طلبها، ونهضت متجه لغرفتها الصغيرة، لترتدي عباءتها الوحيدة، التي غسلتها قبل قليل، وتأملت دولاب ملابسها الفارغ، وقهقهت بحسرة، من أين لها تلك الحقيبة؟؟.. فهي لا تملك سوى تلك الملابس التي لا فائدة منها الآن بعد أن تلطخت بالدماء، ولا تنفع سوى أن تكون ممسحة للأرض.
ارتدت عباءتها وشيلتها وخرجت متجهة ناحية غرفة الطعام، حملت عشاءها الذي لم تذق منه شيء وسكبته بصحن آخر وأغلقته بإحكام، ثم غسلت الصحون وخرجت، وكان هناك يجلس بجانب جدته والنار تشتعل من حول، لا بل بركان فارت حممه وطفحت تحرق كل ما حولها وهي تتجه إليها الآن، ما أن ينفرد بها لوحدهما، سيسكبها فوقها دون رحمة.
- جاهزة يا بنيتي؟؟.
هزت رأسها موافقة ثم تابعت الجدة متسائلة:
- شو هذا يلي في الكيس؟؟
ناظرت عنود الكيس وقالت:
- هذا زاد عن العشى يا يومه، وحرام أرميه بالزبالة، فقلت نعطيه للحارس أو أي واحد مسكين نجوفه بالشارع.
تنفست الجدة الصعداء، وهمست بكلمات الحمد، وشكرت الله بداخلها وقالت بفرحة لم تخفيها:
- بارك الله فيج يا بنيتي، وفي ميزان حسناتج إن شاء الله.
- إن شاء الله
- خلصتوا ولا بعده في كلام ما انقال؟؟
وقف من جلسته، وتحرك وهو يحادثهم فأوقفته الجدة متسائلة:
- ما راح تشيل شنطة ملابسها؟؟
أغمض عينيه بإعياء، وتساءل؟؟.. آلا نهاية لهذا اليوم المقيت؟؟.. الذي اعتقد بأنه سيكون يوم سعيد لأنه سيرتاح من هم جثم على كتفيه.
وكما العادة أنقذته من محنة الحقيبة التي لا وجود لها بالأصل، فهو لم يتوقع أبدا أنها ستطيل الفترة معه، كان سيكون يوم واحد وبعدها ستعود لعائلتها.
- يومه خليها لباجر، لأن عندي وايد ملابس، ولازم أرتبها بالشنط، وكذا بنسهرج معانا الليلة، وراح تتعبين.
- خلاص براحتج يا بنتي، سرنا على بركة الله!!.
تقدمت عنود وأمسكت الجدة من ذراعها تساعدها بالنهوض والسير، ومشت بجانبها، وخرجتا وأقفل حمدان الشقة وهموم العالم قد تمكنت منه، وجنون الغضب قد تملكه.
نزلا بالمصعد واتجها مباشرة لخارج العمارة وهناك شاهد سالم متكئ على سيارته، وما أن شاهدهم الآخر حتى اعتدل بوقفته وتقدم ناحيتهم، فبادره حمدان قائلا له ببرود:
- ما هقيتك يا ولد العم تطعني بالظهر!!.
صدم للوهلة الأولى من قوله لكنه عاد مسرعا يقول وقد فهم مقصده:
- وما عاش يلي يطعنك يا ولد عمي!!
- وش جزا يلي يخون صاحبه؟؟
انتفخت أوداج سالم، وارتفع سعير الغضب بداخله وأجابه بهدوء:
- الموت!!
ناظره حمدان بقوة ليواجهه الآخر دون خوف وقال بصقيع ثلجي:
- انت حكمت على نفسك ب........
فقاطعته الجدة زاجرة من هول ما سمعته، كاد أن يهدم علاقة ما كانت ستكون لو كانوا من بطن واحد:
- تحمل تقولها يا حمدان!!.. تحمل!!.
أدار وجهه بعيدا عنهم وتابعت الجدة قائلة:
- مب سالم يلي يفتن على أخوه، سالم يفدي أخوه بدمه، وروحه يعطيه هديه، هو يشتري بالغالي ما هوب رخيص.
سكتت تلتقط أنفاسها الهادرة ثم استطردت قائلة:
- أنا بعد ما واجهته بالموضوع أقر بالسالفة، فقلتله ياخذني لبيتك، بس هو رفض، ولما شافني معزمه وكنت بدورك بيت.. بيت، أخذني هو غصب عنه.
التفت حمدان للجدة متعجبا من قولها!!.. فمن كان يعلم بزواجه هو سالم فقط وتلك العنود، وهو يعلم بأنها لم تكن تملك هاتف أو أنها تعرف أرقام هواتف عائلته، إذا من يكون؟؟.. ولم ينتظر طويلا، فالجدة أجابته قائلة ما في جعبتها، تريد الانتهاء من هذا الموضوع.
- جارتنا أم محمد جافتك وانت كنت بالمستشفى، وسمعتك وانت تقول للدكتور بأنها زوجتك وجت تقولي وتسألني عن زواجك، ومتى صار؟؟.. وليش ما عزمناها على العرس؟؟.. بصراحة صدمتني لما قالت لي انك متزوج، وقلت إنها يمكن مخرفة، بس هي تمت مصرة وتقول إنك انت حمدان، وأنا أصلا كنت شاكة بشي وكلامها كان يقولي إن شكج بمحله، فرحت أنا وقلت لسالم بما أنه هو عنده كل شي عنك أنه ياخذني لبيتك وما طاع، ولما نويت أروح مع السايق أو أدور حد من الأولاد ياخذني، انجبر إنه يوافق .
فرك لحيته بخجل ثم نظر لصديقه وشقيقه سالم، واقترب منه قائلا:
- آسف يا خوي، العقل اليوم ما هوب معي، فاعذرني يا خوي!!
- الله يعينك يا خوي، ومعذور!!.. لو أنا بمكانك كنت هجيت من البلاد، ولا أسمع محاضرة اليدة.
قهقه الاثنان واحتضنا بعضهم البعض بحب، وظلت هي تناظره بعين مغايرة، وشعور غريب تسلل إليها لم تعرف ما هو؟؟.. هو يعامل الجميع بحب واحترام إلى هي.
ركب الجميع السيارة، وجلست هي بالمقعد الخلفي، وتحركت بهم السيارة منطلقة لحياة جديدة، ومكان جديد لا تعرف ما ينتظرها هناك؟؟
هل ستقاسي الأمرين معه أو ستفتح لها الدنيا من واسع أبوابها؟؟.. أم أن ما كتب على الجبين يظهر للجميع، بأن حياتها كتبت على المآسي والجراح، وأن عليها أن تقاوم وتصبر وتتحمل كما الجبل الشامخ الذي لا تهزه ريح، ولا يزعزعه اعصار.
*****************************************
- أم سالم وين أمي أنا ما أجوفها بغرفتها؟؟.
طالعته زوجته بتعجب وقالت:
- وين بتروح بعد يا بو سالم، أكيد في غرفتها، هي تصلي العشا وتنام على طول
- أقولج أنا رحت غرفتها وما جفتها هناك.
تلفت حوله والقلق قد نهش قلبه على والدته، فأين يمكن أن تكون؟؟.. فهذه المرة الأولى التي لا تكون بغرفتها، لهذا الشيطان أخذ يتلاعب بعقله بعدة سناريوهات حدثت لها.
ثوان مرت عليهم بخوف وهلع واستغراب، وما كاد يتحرك من مكانه للبحث عنها حتى شاهد الخادمة فنادتها أم سالم بسرعة سائلة إياها:
- كوماري ما جفتي ماما كبير؟؟
هزت الخادمة رأسها وأجابتهم:
- بلى ماما، أنا يشوف ماما كبير وبابا سالم يروح سوا سوا سيارة مال هو"
تطلع الاثنان لبعضهما البعض بدهشة، فأخرج هاتفه بسرعة من جيبه، ونقر عليه ليرن الهاتف، دقائق ليجيب الطرف الآخر ولم يمهله والده السلام ليسأله بسرعة:
- الوالدة معاك يا سالم؟؟
- هدي يا بوي أو شيء السلام عليكم
- وعليكم السلام... اخلص يا ولد، صدق انك رايق!!.. قولي ألحين أمي معاك؟؟
- هيه يا بوي هي معاي وألحين راجعين للبيت.
- ليش أمي بخير؟؟.. صاير فيها شي؟؟
- لا يا الوالد يدتي بخير وسهالة بس....
صمت سالم قليلا، ولا يعلم كيف يصوغ ما سيحدث بعد قليل.
- بس شو؟؟.. انطق يا ولد!!.. هو أنا أشحت منك الكلام ولا شو؟؟
ليقول بعد تردد:
- أقول يا بوي، قول للكل يتجمع، في شي لازم تعرفوه.
خفق قلبه بشدة، وشعر بدوار يعصف برأسه، لتسارع زوجته بإسناده بعد أن شاهدت شحوب وجهه.
- أبو سالم شو فيك؟؟.. شو صار علشان يصير فيك كذا؟؟
لم يعرها أي اهتمام وهمس لولده:
- أمي بخير يا سالم؟؟.. تكلم، وقعت لي قلبي!!.
فسارع ولده بتهدئته بعد أن فهم اللغو الذي حدث:
- يا بوي هدي واليدة ما عليها شر، بس الموضوع يخص حمدان.
تنفس الصعداء، وفك أزرار دشداشته ليستطيع التنفس جيدا، وهمس لولده:
- تعرف تستاهل ضرب بالخيزران يا الحمار، طيحت قلبي!!... حاشى ما تعرف تتكلم انت؟؟.
قهقه سالم بملئ فاهه على رغبة والده بضربه بالعصى، وقال وسط ضحكه:
- أفا يا الوالد تضربني أنا بعد ما خطى الشيب راسي؟؟... وصرت أبو عيال.
وعاد يضحك بصوت عالي، لتنتقل العدوة لوالده ويشاطره الضحك على ما قاله، وبعد مرور الوقت وهدأت نوبة الضحك، سأله والده:
- وش هو موضوع حمدان علشان أمي بكبرها تطلع من البيت؟؟
- بصراحة ما أقدر أقول لك على التليفون، لكن اصبر شوي وانت تعرف، ومثل ما قلتلك الكل يتجمع، فالخبر ما يتفوت.
- لهذي الدرجة؟؟
- وأكثر بعد، ألجين بخليك يا الوالد، قاعد أسوق السيارة وما عندي السماعات، لأني طلعت بسرعة وما أخذتها معاي.
- خلاص يا وليدي، توصل بالسلامة.
وأغلق الهاتف وتطلع لزوجته الواقفة وعلامة الاستفهام بادية على ملامحها، وقال وهو يرفع كتفه دلالة عدم الفهم:
- قال بس ننتظرهم وأن في خبر يخص حمدان.
- يا ساتر!!.. شوفيه حمدان؟؟
عاد يرفع كتفيه وأجابها:
- ما عرف، نصبر شوي ونعرف شو هو الخبر، وياخبر ألحين بفلوس، وباجر يكون ببلاش.

ام حمدة 10-12-16 06:25 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
وهدية من عندي فصليين

ام حمدة 10-12-16 06:26 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل السابع.....

قاد سيارته ما يقارب الساعة تقريبا، والحديث كان يدور ما بين الاثنين وهي كأنها لم تكن موجودة... وكأنها تهتم لحديثهما، فهي كانت بعالم آخر تفكر بكيف السبيل الآن للخلاص؟؟.
استرعى انتباهها دخولهم لمنطقة يقال عنها أنها منطقة للتجار والأغنياء فقط، فبيوتهم العملاقة والفخمة تخبرهم بمدى ثرائهم.
ناظرت الفلل من نافذة السيارة بدهشة واعجاب، كانت أشكال وألوان، وكل واحدة منهن تنطق بالروعة والجمال، وفن هندسي متقن الصنع.
تطلعت للمنازل بانبهار، بالرغم من الظلمة التي أخفت بعض المناظر، إلى أن الأنوار المضيئة بكل منزل كانت تشبه أنوار الأعراس، أظهرت جمال ذلك الصرح الشامخ بجمالية بنائه.
تململ للمرة الأخيرة بمقعده، وأشواك حادة يشعر بها تخزه، احساسه بأنها قريبه منه تغضبه، والأكثر من هذا أنها الآن ستشاركه منزله وعائلته و أنفاسه، وولديه...
"يا إلهي ماذا سيفعل بولديه؟؟.. لا يعرف ما ستكون عليه ردة فعلهما عندما يعلمان بأنه قد أحضر لهم زوجة أب؟؟..."
توقف قليلا عند هذه النقطة وابتسم باستهزاء... "زوجة أب" فتلك أبدا لا يوحي شكلها بزوجة!!.. فليقل بأنه أحضر شقيقه أخرى لهم وليس بزوجه، أو ربما مربية لهم"، سكت قليلا وعقله يدور ويفكر بسرعة ويحسبها "ماذا لو؟؟... بالفعل لو يجعلها مربية لأولاده فهم يحتاجون للرعاية".
فيعود جانبه الآخر وشيطانه يوسوس له.. "وهل ستأمنها على أولادك وابنتك المحبوبة؟؟... إنها فتاة غير مسؤولة باعت نفسها من أجل المال، وأخلاقها مشكوك بها"، فصرخ الأب بداخله... "لا... أبدا... يستحيل أن يترك ابنته معها لتعلمها قذارتها الشائنة، ويستحيل أيضا أن يتركها بمنزله الشريف لتلوثه بقذارتها، يجب عليه أن يخرجها وبسرعة من بيته فلا مكان لواحدة مثلها بينهم".
وأخذ يفكر بكيف السبيل لإخراجها وتقتنع جدته بضرورة رحيلها.
حانت منه التفاته ناحية الجهة التي تجلس فيها خلف جدته يستطلع ما تفعله؟؟.. فشاهدها متكئة على النافذة مغمضة العينين لقد سقطت نائمة، هي متعبة ومجهدة، فاليوم فقط خرجت من المستشفى وهو لم يراعي تعبها.
عاد يرفض ما تختلجه من مشاعر ناحيتها فهي لا تستحق الشفقة، فتلك الصغيرة هي ماكرة لعينة، أنظر إلى أين وصلت بحيلها الخبيثة!!.. فهي قد استطاعت الدخول عقر داره، ولا يعلم أيضا ما تخبئه لهم من خبث، يجب عليه أن يخرجها وبسرعة من حياته.
وصلوا للمنزل وأوقف سيارته وخلفه ابن عمه سالم، ترجل من مقعده واتجه ناحية جدته ليساعدها بالنزول وحانت للأخرى التفاته للفتاة الجالسة خلفها فشاهدتها تغط بنوم عميق وقالت بحنان:
- مسكينة، شكلها تعبانة وايد، وويها مصفر.
سكتت قليلا ثم وكأنها قد تذكرت شيء ما قد غفلت عنه وسألته:
- إلا قولي يا حمدان؟؟
- سمي يا الوالدة.
- لما كنتم بالمستشفى هي كانت مريضة صح؟؟.
جز على أسنانه بغيض، لا يعلم ما يقوله، هل يقول أنها كانت تصارع الموت وهو قد نسي وجودها بحياته تماما.
- هيه كانت تعبانة.
- عسى ما شر، شو هو مرضها؟؟.
- ها....
اقترب منهم سالم وما أن سمع سؤال الجدة وأدرك أن صديقه بورطة حتى هب لنجدته قائلا:
- الله يهداج يا يومه، انت تعرفين إن الوحدة تمرض من أول أيام زواجها، لأن كل شي يتغير عليها، ولا تنسين إنها صغيرة.
طالعت حفيدها تبحث عن شيء مفقود تشعر به، ثم طالعت ابنها الآخر وقالت:
- الله يشافيها ويعافيها
ثم ربتت على كتفه وأكملت بهزل:
- وهلالله هلالله فيها يوليدي، ارحمها شوي، تراها بعدها صغيرة، وأنت صايم من سنين فعونك عليها ما تقدر تتحملك.
شرق بصدمته، وتوسعت مقلتيه، وسعل من حديث الجدة وإلى أين وصل مفهومها بسبب مرضها، وسالم احمر وجهه من شدة كتمه لضحكته وما أن ابتعدت قليلا حتى هدر حمدان قائلا لابن عمه:
- يا ويلك إن ضحكت!!
وكأنه بهذا فتح له المجال ليفك أسرها حتى انفجر بالقهقهة بصوت عالي، لدرجة أنه أمسك ببطنه غير قادر على ايقاف الضحك.
فتحرك حمدان بوعيد ورفع قبضته بغضب مفتعل وتوجه بها لصديقه ليبتعد الآخر هربا منه وصرخ به حمدان:
- روح دخل أمي البيت.
وتحرك سالم وهو ما يزال على ضحكه يساعد الجدة بالسير فيما توجه هو لسبب مصائبه، وكانت نائمة دون أن تشعر بما يحدث حولها.
ظل لبعض الوقت يراقبها من خلف النافذة ثم ما لبث أن تذكر ما حدث بسببها، فضرب زجاج النافذة بقوة أفزعها وجعلها تصرخ ولم يرأف بحالها، طالعته دون فهم ويدها على صدرها كأنها تخشى على قلبها الانفلات من صدرها من شدة ضرباته، فتح الباب وقال بخشونة:
- مطولة الاخت باليلسة؟؟.
طالعته بغيض من طريقته بإيقاظها، وتطلعت حولها لترى بأنهم قد وصلوا بالفعل للمنزل، فقد سرقها سلطان النوم آخذا بها لأحلامها الوردية، ولكنها استيقظت على واقعها الأليم.
فتحركت لتترجل من السيارة وناظرته بقهر وغيض.. كان يسد طريقها فقالت بحنق:
- ممكن تبعد شوي؟؟.
رفع حاجبه وناظرها ثم ناظر المكان الضيق الذي إن مرت فيه فبالتأكيد ستلامس جسده وهو بالتأكيد يلعب بالنار وسيحترق هو قبلها، لكن ماذا نقول لشيطانه الذي استيقظ للتو وينوي الكثير من الأشياء لفعله معها.
- أقول نزلي أحسنلج ولا تبيني أنزلج بطريقتي!!.
تطلعت لعينيه المسلطة عليها، هو قادر وهي لن تتحمل اليوم أي ضربات أخرى، فجسدها قد استهلك كل طاقتها وتريد النوم فما كان منها سوى أن تنصاع لأوامره فلا قوة لديها لمجادلته.
تقدمت للأمام وتطلعت للفتحة الصغيرة ثم لجسده فاجتاحتها قشعريرة غريبة لم تعرف لها سبب.. هل هو بسبب البرد أم شيء آخر؟؟.
وصلت لنهاية المقعد لتلفحها رائحة عطره المسكية القوية، فهذا ما داومت على شمها بملابسه، رائحة مسكرة شذية مختلطة بالعود الأصيل مع المسك، رائحة تجعلك تسترخي وترغب بالتمرغ بها، ولا تنام سوى معها لتكون أحلامك عطرة وجميلة منكهة بالأصالة.
ونزلت ليكون هو كالمارد العملاق وهي لا تصل سوى لحدود صدره وكما توقعت تلامسا بالرغم من محاولتها العسيرة عدم احتكاكها به. صعق جسدها وسرت كهرباء بكامل شرايينها ليصل لخافقها والذي كأنه تلقى موجة من الطاقة القوية ليعمل على سرعة عالية.
شهقت بفزع مما حدث و أسرعت بالابتعاد من هذه الأحاسيس التي تشعل بداخلها شيء لا تفقهه وما لا تعرف ما هو؟؟.. لكن ذراعه كانت لها بالمرصاد، فقد استحكمت خصرها النحيل بقبضة حديدية، فشهقت وتراجعت للخلف لتصطدم بالسيارة فأصبحت أسيرته واحتجزها بجسده الضخم.
فتحت فمها تبغي الصراخ عليه بالابتعاد، لكن حروفها أبت الخروج، فعادت من جديد راغبة بالهرب مما يعتملها من مشاعر تخيفها وتجبرها على الرغبة بالبكاء لما يصيبها، فعاندها لسانها كأنه قد أعجب بما يحدث وأراد أن يطيل الوقت للتنعم بتلك الأحضان الدافئة التي يتعطف بها دون أن يعلم هو بذلك.
ما الذي دهاه ليفعل هذا؟؟... لما لديه تلك الرغبة الكبيرة بسحق جسدها بجسده؟؟.. لما يشعر بالهيجان والاثارة معها هي بالذات دون عن الأخريات؟؟.. فلطالما شعر بالقرب من النساء بالبرود والجمود فييأسن من محاولة جذبه لهن ويرحلن خائبات، لكن معها يشعر بالحرارة، يشعر بالانصهار، بالطوق لها ليتمرغ بين فتنة شبابها.
اشتعلت عواطفه، ونسي مكانه، وأمسكها من خصرها النحيل ليقبض عليه بأصابعه بطوق ولهفة، ثارت أنفاسه وغامت عيناه ببريق الرغبة، فاحتجزها بينه وبين السيارة وهي مستسلمة ليديه يفعل بها ما يريد دون أي مقاومه.
أغمض عينيه منتشيا بهذه اللحظة، واستغرق غائصا بقربها منه بشكل حميمي يتنفس رائحة جسدها العبقة ثم ابتعد عنها بسرعة كما اقترب ليخلف بعده برودة طاغية اجتاحت كيانها وجعلت روحها الفقيرة متعطشة لدفئة وحنانه، وقال بصوت أراد به أن يكون صارما لكنه كان غريبا عليه .
- تعالي وراي
هزت رأسها بارتباك، ولعنت نفسها لسكوتها على ما فعله بها، ماذا سيظن بها الآن؟؟.. هل سيعتقد بأنها تغويه؟؟.. وهو لا ينقصه شيء بما يعتقده فيها.
سارت خلفه وهي تعتزم على الابتعاد عنه ومحاولة الرحيل من هنا بأي طريقة كانت، فهي تريد العودة لمنزلها وإلى شقيقها "مايد" لقد اشتاقت إليه كثيرا.
تنهدت بضيق تريد رؤية شقيقها والاطمئنان عليه، عليها هذا وستحاول أن تتكلم مع هذا الرجل الذي يدعى زوجها ليأخذها لمنزل والدها.
سارت خلفه برأس مرفوع، وأنف شامخ، ودخلت لتقف مذهولة من روعة المكان فهي لم تنتبه لما حولها فوجوده يكفي ليخفي العالم من حولها، فلديه تلك الكاريزما التي تجذبك للنظر إليه دون أن تستطيع أن تحيد بأنظارك عنه، تطلعت لما حولها وقالت بإعجاب:
- ما شاء الله تبارك الرحمن، ربي يزيدكم ويعطيكم من خيره.
كانت تتأمل حديقة المنزل وهي تسمي بالله، كانت حديقة خلابة واسعة لم تستطع النظر إليها كثيرا لكنها وعدت نفسها بالتمشي بها واستكشافها، لطالما حلمت وتمنت أن يكون لمنزلها حديقة حتى لو كانت صغيرة.
- خلصيني عاد، كل مرة راح توقفين، تراني مب خادم عندج علشان أترياج.
عاد للمشي وكرهها له يزداد أكثر فأكثر، سمت بالرحمن وتعوذت من الشيطان وتقدمت بقدمها اليمنى وسارت عدة خطوات وحاولت قدر الامكان أن تتطلع للأمام دون أن تنظر يمنه ويسرة لتبدي اعجابها بما تراه أمامها كي لا يقول عنها بأنها "بنت فقر" ولم ترى الخير بحياتها. توقف لتتوقف هي وتطلعت عيناها للأشخاص الجالسين وعيونهم مصوبة ناحيتها بصدمه، فما كان منها سوى أن أصابها الخجل من تحديقهم المركز بها فتوارت خلفه هاربة من نظراتهم، لتزداد دهشة الجميع مما حدث، ولما تلك الفتاة تقف خلف ابن عمهم حمدان؟؟.. ولما لم يردعها عن فعلتها تلك؟؟.. أسئلة كثيرة دارت بهم ولم يطل انتظارهم فالجدة قد فجرت قنبلتها بوجه الجميع.
- سلموا على حرمة حمدان
شهقات علت إلى أن وصلت لعنان السماء، وملامح مصدومة من هذا الخبر الغير معقول، وعيون شاخصة للأمام تنظر تارة لحمدان وتارة أخرى لتلك الفتاة الواقفة تقريبا تختبئ خلفه.
هل ما سمعوه صحيح؟؟.. هل ما التقطته آذانهم حقيقة؟؟.. أم هي من نسج أوهامهم؟؟.
فتساءل العم قائلا لوالدته ليعلم صحة هذا الخبر:
- يومه يلي قلتيه صحيح؟؟
- ومن متى وأنا أكذب عليكم؟؟.
- العفو يا الوالدة ما قصدي بس.....
ترك جملته وعاد يتأمل ذلك الثنائي، ولد شقيقه الذي نأى بنفسه عن الجنس الناعم، متعبدا بغار وحدته، ناقما على جنس جمعهم بخانة واحدة "خائنات"، يأتي الآن وبيده واحدة منهن كيف حدث هذا؟؟.. وكيف استطاعت تلك أن تعيده لتلك الدائرة المحرم نطقها أمامه؟؟.. فقط والدته القادرة على الوقوف أمامه وبزقها بوجهه.
التفت يتطلع للفتاة.. بها شيء ملفت بالنظر، شيء يجذبك إليها، عينيها الجميلة والتي تظهر مدى قوتها، وأنفها شامخ وينطق بأنه لم يكسره أحد، وملامح ماذا يقول عنها سوى أنها جميلة بتكوينها، فسبحان الله من صورها بأحسن صورة.
حرك رأسه ينظر لابنه نعم فحمدان ولده الذي رباه وقال بحزن:
- أفا يا ولدي حمدان تتزوج ما تخبرني؟؟.
توتر وارتبك، لا يعلم ما الكلمات المناسبة ليرد عليه، كما أنه لا يحب نغمة العتاب وهو بزواجه كأنه صفعهم، وكأن لا عائله له، وهو يستحق تقريعهم له.
شاهد خلجات وجهه والحيرة التي به، وعدم تمكنه من التبرير، فرحم حاله وقال يبدد التوتر الذي انتشر بالغرفة:
- أنا عارف السبب؟؟
صاعقة شلت روحه، وعيونه توجهت ناحية عمه الذي كان يناظره بقوة، وتساءل.. هل هو مفضوح؟؟.. هل علموا ما كان ينوي أن يفعله بها؟؟.. لحظات واسترخت ملامحه عندما بدأ عمه بالحديث:

ام حمدة 10-12-16 06:27 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
- ليكون بس كنت خايف تاخذنا معاك علشان خايف تشوفني أنا وترفضك وتتزوجني، تراك تعرف...
أخذ يمسح على لحيته وشاربه، ثم ملس عضلات ذراعه وصدره، لينفجر الجميع ضاحكين حتى هي استرخت عضلاتها المشدودة من عتابهم وربما رفضهم لها لعدم تلاؤمها مع مستواهم الاجتماعي لكن ما قاله الرجل العجوز كان مختلفا، فقهقهت بسعادة لما قاله فأتبعت دون شعور تجيبه :
- تبا الصدق يا عمي يمكن لو شفتك كنت اخترتك بداله
شمخ العم برأسه للأعلى وضرب على صدره قائلا:
- جفت كيف؟؟.. كل البنات يموتون علي.
وعادت نغمة السعادة ترن بصداها بأرجاء المنزل، ثم نهض العم مقتربا من ابن أخيه واحتضنه بقوة وهو يبارك له.
- مبروك يا وليدي، مبروك يا الغالي يا ولد الغالي، منك المال ومنها العيال
وتوال التبريكات من باقي الأفراد، وتحرك العم ناحية زوجة ابنه قائلا:
- تعالي يا بنتي أنا عمه وبحسبة أبوه يعني عادي تسلمي علي، ولا لا يكون بعدج مصرة أنج تبيني أنا بداله؟؟.
توردت خجلا من حديثه وضحكت بخفوت من جملته الأخيرة وقالت:
- هو عادي بس خايفه أصير لحم مفروم
- أفا ليش؟؟.. انت خايفة منه؟؟.. تخافين منه وأنا موجود!!
وضرب على صدره ببسالة فاقتربت منه كأنها تهمس له بسر والجميع يحدق بهم وابتسامة فرح تتوسد شفاههم مما يرونه:
- لا أنا ما خايفة منه هو!!
قطب العم بتمثيل متقن وهمس الآخر يواكبها بالتمثيل:
- عيل من منوا خايفة؟؟.
- خايفة من الحرمة هذيج يلي تطالعنا
أشارت ناحيتها ليتتبع اشارتها ثم يشهق بفزع وقال بصدمة:
- يا ويلي صادوني... هلا بالغالية، هلا.. هلا بأم العيال هلا..
لم تقدر سوى أن تنفجر ضاحكة على أسلوب العم المرح بالترحيب بها، وانتشر صوت ضحكاتها كما العندليب يتردد بين الجموع المتطلعة لتلك الفتاة الجميلة والمبهرة .
اقترب منها آخذا إياها بأحضانه ومرحبا بها:
- ألف مبروك يا بنتي
فقالت بابتسامة حلوه خلبت ألبابهم والخجل تلون بوجنتيها:
- الله يبارك فيك يا عمي
اقتربت المرأة منهما وقالت وهي تناظر العم بنظرة جانبية:
- يا بنتي بقولج نصيحة.. بعدي عن هذا الشايب وما عليج منه، هو ما يصدق حد يعطيه سالفة يبي حد يمدحه بأي طريقة.
ثم ما لبثت أن أخذتها بأحضانها
- ألف مبروك يا بنتي، منج العيال ومنه المال، وأخيرا ما صدقنا أن حمدان تزوج.
تطلعت لها بنظرة ثاقبة وأكملت بعدها:
- والله وعرفت تختار يا حمدان، ما شاء الله عليج يا بنتي وعلى جمالج، ربي يحفظج من العين يا بنتي!!.
فهمست عنود بصوت خفيض من أثر خجلها لهذا المدح الذي لم تتلقاه أبدا بحياتها، وتلك الدعوات التي انهالت عليها بطول العمر، هطلت عليها من غرباء، وأقرب الأشخاص لقلبها كانت دعواتهم بالموت والرغبة بالفكاك منها، فسبحان الله في خلقه شؤون.
- مشكورة يا خالتي
التفتت عيناها تبحث عنه دون اراده لترى ردة فعله على هذا وشاهدته يقف بجمود ويغتصب ابتسامة رغما عنه وهمست لنفسها " حشى والله إنك شايب"
لم يصدق بما يراه ويسمعه!!.. اعتقد بأنه سينال سيلا من التوبيخات والرفض على زواجه من طفلة صغيرة، لكن ما حدث قد صدمه كثيرا!!..
الجميع أحاط به يهنئه ويدعوا له بالسعادة وبالرفاه والبنين، والكل يقهقه بسعادة، إذا... لما هو يشعر بعدم الراحة؟؟.. لما يشعر بوجودها بأنها كسلسلة تغلغله وتجتث منه أنفاسه؟؟.. ضيق يعتنق صدره، وخوف ينهش فؤاده، هو لا يريد هذا، هو يريد حريته، يريد راحة باله وهناءه، وهو سيتمسك بها بكل ما يستطيع من قوة، وتلك المتطفلة بحياته يجب عليها الرحيل قبل أن تتمكن من الجميع!!.
جلسوا لبعض الوقت مع العائلة، وتناقشوا بأمر زفافهم الذي لا بد من اشهراه.
رفض كان منه لما يريدون فعله، وصمت اتخذته ملاذها، وبداخلها معركة دارت راحها بين رغبتها بالسعادة والاستقرار، وبين شقيقها ورغبتها بالخلاص من هذا الرجل الذي تعرف بأن حياتها معه ستكون شاقة وصعبة، وهنا فاز شقيقها بتلك الحرب فما أن حانت منها نظرة من طرف عينها ناحيته وجدت الوجوم على وجهه، والغضب يشع من عينيه، ووعيد مخيف بأن عقابها قد اقترب لهذا نطقت أخيرا:
- يا عمي ما له داعي الخسر على شي ما يسوى
ناظرها الجميع بذهول وأكملت هي حديثها غير عابئة بصدمتهم:
- يا عمي احنا متزوجين من أسبوع وألحين أنا معاكم في البيت فعلى أي أساس نسوي عرس وطقطقة، خلاص شي ما صار من الأول فما منه فايدة بعدين
- بس يا بنتي عنود الاشهار لازم يصير، وحمدان غلط لما ما خبرنا عن زواجه منج
سكتت تعيد اسمه بداخلها "حمدان"، اسمه حمدان، لم تكن تعلم ما هو اسمه سوى الآن عندما قدمت لمنزله، كانت ستعود لمنزل عائلتها مطلقة وهي لا تعرف اسمه.
خرجت من حديث النفس على صوت الجدة منهية الموضوع تماما ومقربة وقت القصاص.
- خلاص بنسوي عشى بنعزم الكل عليه، وبقول كانت في ظروف منعت نسوي حفلة عودة وهذا آخر الكلام، وألحين تصبحون على خير بروح أريح جسمي أحسه مكسر شوي.
نهضت الجدة وساعدها أحد أحفادها وغادرت ناحية غرفتها، فتبعها الباقون تاركين خلفهم زوجين وكأنهم موشكين على نهايتهم.
تحرك راحلا دون أن يناديها فما كان منها سوى أن تتبعه مجبرة، ارتقى السلالم فتبعته وعيناها تتجول لفخامة المنزل ولأثاثه الذي ينطق بالغلاء وبذوق عالي، التفت لليمين لتفعل مثله ثم فتح باب أحد الغرف وكان بعيدا عن باقي الغرف
دلف للداخل ووقفت هي على عتباتها غير قادرة على اكمالها، فالخوف تسلل إليها، والفزع من القادم نال منها، الشقة كانت كبيرة لكن هنا الوضع سيختلف، ستكون معه، سيراها وستراه، ستضمهما غرفة واحدة وسقف واحد، انتشلها من ضياعها وتيهها صوته الآمر:
- مطولة الاخت، ولا تبيني أشيلج يا عروس مثل الأفلام؟؟.
رفعت رأسها لتطالع سخريته المغلفة بغضب مكتوم، تعرف بأنه سيفلت عقاله ما أن يغلق عليهم باب واحد، وبلحظتها استردت قوتها وهيبتها، أبدا لن تسمح له بأن يخيفها، ستقف بوجهه ولن تتركه يكسرها بعد الآن. بادلته النظرات بشموخ وصلابه وتطلع هو إليها ولعن بداخله تلك القوة التي ما تنفك تعود إليها من جديد أقوى وأقوى.
دخلت بعد أن سمت بالرحمن وتجاوزته قائلة:
- الله يخليك وفر قوتك أخاف لا شلتني ينكسر ظهرك يا.... شايب
وبعدها دارت حول نفسها متطلعة إليه بعد أن سمعت صوت اغلاق الباب خلفها، وعيناه قد اتشحت بالسواد وبشيء آخر مخيف أرعبها لحد شعورها بالدوار، وبوادر الاغماء يلوح حولها كالنجوم التي تتراقص أمام عينيها.

ام حمدة 10-12-16 06:29 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثامن....

النوم عبادة، فبه تنتهي كل مشاكلك، تنتهي همومك وأحزانك، وتتخلص من أحمال ترزح بها أكتافك، تهرب به من واقعك الأليم باحثا عن أحلام تكون بها حياتك جميلة ورائعة ومتنعمة بدفء وراحة بال وهناء تعرف بأنك تستطيع الحصول عليها بسهولة، فأنت قادر على اجتثاث كل ما يؤرق به روحك وتنحه بعيدا عنك وتترك الجيد بها والسعادة تنتشر من حولك كما تريد.
لكن إلى متى تظن نفسك قادرا على الهرب من واقعك؟؟.. فتلك فقط ساعات وتشرق شمس الصباح موقظة إياك من أحلامك التي صبغتها بألوان وردية تخبرك بأن واقعك ينتظرك وأن عليك العودة والغوص به ربما يسحبك لأعماقه غير قادر على الفرار، وربما تستطيع النجاة منه هذه المرة.
رفرفت برموشها الكثيفة تزيح نعاس أثقل أجفانها، وحركت جسدها بخمول للجهة الأخرى ساحبة غطاءها معها متنعمة براحة لذيذة ودفئ أثلج صدرها، واسترخاء سرى بكيانها، تنهدت بانتعاش ونوم عاد يطرق على أبواب جفونها، وحركت جسدها لتغرس نفسها بالحرارة المنبعثة من سريرها، وخرجت تنهدات حارة وساخنة من أعماق قلبها تتحدث عن هنائها، لتفتر على ثغرها ابتسامة مشرقة.
لم تنم هكذا براحة منذ زمن سحيق، لا تعرف متى آخر مرة توسد رأسها وسادتها لتغط بنوم عميق، فما أن تسنده حتى تتقاذفها الأفكار، وتتكالب عليها الهموم بكيف السبيل لعلاج شقيقها؟؟.. وكيف البحث عن الاستقرار بمنزلها؟؟... ولما الحياة قاسية عليهم هكذا؟؟.. ودموعها المتخاذلة تنهمر أنهارا دون أن يعرف بها أحد أو يمسحها ويخبرها بأن القادم أفضل،
تلك كانت أحلامها وخيالاتها التي تشطح بها، فواقعها يخبرها عكس ما تبديه تلك الصور المفبركة من عالم الخيال.
عادت تغرس نفسها وتضجع جسدها بوضعية شعرت بها كأنها الحياة هنا، ثم فتحت عينيها باعتراض لا تريد الاستيقاظ والعودة لجحيم العالم، فهذا المكان كأنه الجنة بنعيمها، لكن هناك شيء يخبرها ويجبرها على فتحهما فانصاعت مجبرة غير راغبة له.
رمشة وضباب، رمشة أخرى فحيرة، ورمشة ثالثة تشوش، ورمشة رابعة ذهول وصدمة، وهي نائمة بالقرب من رجل، لا بل هي تنام ملتصقة بجسده أيضا، ذراعيه تحيط بجسدها بحميمية، ورأسها يتوسد ذراعه اليسرى، بالتحديد هي تنام بداخل دائرة أحضانه، توسعت عينيها بادراك حقيقي لوضعها المشين، وتهدجت أنفاسها، وارتفع صدرها بنشيج باكي وقبل أن تفغر فاهها بصرخة مستنجدة من هذا الغريب، وصلها صوته الأجش إثر نومه:
- يا ويلج إن صارختي!!.. بعطيج راشدي يرجعج من وين جيتي قبل شوي
سكت قليلا ثم عاد يحثها:
- فاهمة علي؟؟.
هزت رأسها بخنوع واستسلام غريب عليها، لا تعرف لما لم تثر أو تدفعه عنها وتقيم العالم فوق رأسه؟؟.. شيء ما بداخلها يدغدغ حواسها الوليدة من هذا الاحتكاك المرغوب والمرفوض بآن واحد.
ظلت عيونها شاخصة على ملامحه القريبة جدا منها بل لا يفصل بينهما سوى انشات بسيطة لتتلامس الأنوف.
وبغريزة فطرية حاولت التحرك مبتعدة عن تلامسهما المثير للحواس بطريقة موترة، فاعتصرها بذراعه القوية يلصقها بجسده العضلي التي أحست بضمته كما الأفعى عندما تعتصر فريستها فآثرت الهدوء كي لا يزيد من تهوره ويزهق روحها.
تأملت ملامحه الوسيمة والفتية كان يبدوا.. شابا مسترخي الملامح، ذو شعر أسود كثيف ترغب بتخلل أصابعك بداخله واللعب به، وعيونه الحادة قد تخلت عن جمودها وصارت تنطق بشيء غريب لم تستطع فك طلاسمها، لم تهتم قدر اهتمامها بأنها شاهدتها على طبيعتها على غير العادة، وشفتيه غير مذمومة كما اعتادت رؤيتها بل كانت تبتسم لها نعم هو يبتسم!!.
عادت عيناها لتلتقط عيناه التي كانت تجري على ملامحها بطريقة زلزلت عواطفها وكيانها، واحساس الأنثى بداخلها انتفخ بغرور من نظرة الاعجاب التي رامها بها، فعادت تتساءل بحيرة.. ماذا يجري لها؟؟.. لما هي مستسلمة له هكذا؟؟.. ما هذا الشعور الغريب الذي يسري بداخلها؟؟.
وهمست :
- هذا انت يا الشايب ولا واحد ثاني؟؟.
وكأن بحديثها فكت السحر الذي غلفهما، كانت تلك فقط لحظات غاصت فيها ببحور دفئه وحنانه كأنه يتصدق عليها بالقليل فقط وبعدها تحول وتغير وهمس بهدوء بارد، معيدا إياها لواقعها المرير:
- أمس قدرتي تهربي مني ومين يلي كنت بسويه، بس خليج فاكرة إن مب كل مرة راح يغمى عليج، يعني مب كل مرة تسلم الجرة.
وابتعد عنها دافعا إياها بعيدا دون أن ينطق بشيء آخر على ما كانوا عليه قبل قليل، كأنهم معتادون على النوم بأحضان بعضهم طوال حياتهم.
ناهض من السرير موليا إياها ظهره لتهمس بداخلها بأسف:
- نعم هذا هو الشايب وشكلي أنا يلي هلوست وخرفت!!.
ثم عادت تضربت جبهتها بلوم وعتاب بعد أن عاد احساسها إليها، وتذكرت ليلة أمس عندما أرادت الهارب من عقابه بادعائها الاغماء ولم تشعر بنفسها إلى وهي تنام بعمق من شدة تعبها، فبعد أن وضعها على الفراش وشعرت بطراوته حتى سبحت منقادة لعالم السلطان، ولم تشعر به وهو ينام بجانبها وإلا لكانت قد أشعلت الليل أنوارا، فهمست تحادث نفسها:
- يا الحمارة كيف تميتي نايمه بحضنه؟؟.. صدق إنج قليلة أدب، في وحدة عاقلة ترضى لنفسها إنها تنام مع ريال بنفس الفراش؟؟.. غبية حمارة، يا ربي الله بيعاقبني ألحين على يلي سويته!!.. شو أسوي ألحين؟؟.. شو أسوي؟؟.
وكادت دموعها أن تظفر لتصلها ضحكاته الساخرة فنهضت متكئة على كوعيها لينفلت شعرها الطويل حول وجهها مغطيا جبهتها ونصف وجهها جعلها مثيرة وفاتنة لعيني رجل لم يرى امرأة منذ زمن طويل بفراشه. تطلع إليها بإعجاب ورغبة كبيرة بالعودة إليها ولكن صوتها أيقظه من رغباته
- ما أظن اني قلت شي يضحك يا الشايب؟؟
اتكأ على اطار باب الحمام وقال وهو يرميها بنظرات مستحقرة:
- إن كنت تعتقدين بكلامج هذا تحاولين تطلعين نفسج البنت الشريفة فأنا أقول إنج غلطانه وما راح أصدق مسرحيتج هذي، وإذا كنت معتقدة بإنج راح تظلين ساكنة في بيتي بعد أقولج غلطانه، إنت حدج الزبالة لأن هذا مكانج الصح، ولا تعتقدين بإنج تقدرين تقصين على يدتي وعمي، لا... أقولج بعد إنج غلطانه، أنا عارف منو انت وراح تطلعين من البيت فلا تحاولين تاخذين راحتج وتتأملين وايد.
خصها بنظرة متعالية ودنونية وهم بالتحرك لكنه توقف وعاد يكمل:
- عيالي ما لج شغل فيهم، وإن جفتج معاهم يا ويلج ويا سواد ليلج!!.. ما بي عيالي يحتكون بالوساخة.
اعتدل بوقفته والتفت ناحية الحمام لتوقفه هي بقوة وصلابة قائلة:
- أقول يا الشايب ليكون مصدق نفسك بأني عاشقتنك وبموت من دونك تراك غلطان!!.. وإن كنت تتوقع إني بظل بهذا البيت فأنا أتريا فرقاه اليوم قبل باجر، وأنا هنا بسببك انت وتقدر تطلقني وتوديني بيت أهلي بأي وقت، قال أحاول أكون معاه قال، وثاني شي لما تعرف بأني مب شريفة كيف رضيت على نفسك بأنك تتزوج وحدة مثلي؟؟.. وثاني شي ليش ما طلقتني من أول يوم وافتكينا من هذي الصدعة وعوار الراس؟؟.. الله يخليك طالع نفسك بالمراية أول شي يا الشايب.
هي بالتأكيد تشعل فتيل البارود الخامد، وبالتأكيد ترفع النار تحت القدر لدرجة الغليان، حسنا... تبادر لذهنها وهي تراه يشتعل بثور هائج بعيونه الحمراء مثل الرسوم التي كانت تتابعها مع شقيقها، حوافره تضرب بالأرض للاستعداد للانقضاض للعلامة الحمراء التي يحركها الفارس ببرود، وبظهر عمودي صلب، واحدى يديه خلف ظهره وكأن ثوران ذلك الثور شيء سخيف جدا ولا يحرك به أي شعرة، وأكملها بتثاؤب ليزيد اشتعال فتيل ذلك الثور الهائج من عدم مبالاة الرجل الذي أمامه ويتوعده بسره بنطحة قوية من قرونه الحادة لن يستطيع النهوض على اثرها.
وهي ضحكت.. وقهقهت بصوت عالي.. والمشهد يتجسد أمامها.. زوجها هو الثور وهي الفارس وأنها تقوم بحركات ذلك الرجل الغير معترف بشراسة الوحش الذي أمامه
صفقت وضحكت بقوة لحد ادماع عينيها، وجسدها ينتفض مع نغمة صوتها التي تصدرها من حنجرتها الرنانة، وظل هو مبهوتا مصدوما من رؤيتها بهذا الشكل، وقف يتأملها بنظرات غريبة عليه كان على وشك الفتك بها لتتحول لضحكات صاخبة جعلت قلبه يترنح ويتزلزل غير قادر على إمساكه من جنون خفقاته.
كانت فاتنة بخصلات شعرها التي تتطاير مع كل حركة تقوم بها محيطة بوجهها البشوش والذي جعله أصغر سنا كأنها طفلة صغيرة شاهدت موقفا مضحكا ولم تستطع سوى أن تعيش الجو معه، كانت خالية البال، وثغرها ذلك الذي يثير جنونه بتلك الحركة الجانبية عندما تتحدث فشفتها السفلة المنتفخة بشكل مغري جدا والتي يرغب بعضها وعدم تركها أبدا تتحرك لجهة اليمين تجعل من يحادثها فقط يركز لشفتها وليس لحديثها،
وهمس بابتسامة توسدت فمه دون ارادة :
- شو يلي خلاج تضحكين؟؟
أمسكت معدتها وقالت بتعب من شدة ضحكها:
- واي ما أقدر أضحك أكثر من جذى، بموت بسبت الضحك .
طالعته ترغب بالحديث فتعود الصورة أمامها وتعود للضحك وقالت وسط قهقهاتها:
- أقول... يا ... الشايب؟؟.
وعند نطقها لذلك اللقب شعر بالغضب العارم يجتاحه غضب رافض لذلك اللقب الذي أطلقته عليه منذ أن علمت بعمره والفرق بينهما، شيء بداخله اعترض لكلمتها، ورغبة كبيرة بخنق الكلمة بداخلها واجبارها باستردادها وارغامها على عدم التفوه بها مرة أخرى.
وتحرك هذه المرة بزمجرة مخيفة ومرعبة جعلتها تشهق بفزع وتصرخ تطلب عونها... ذلك الاسم الذي دائما ما نهمسه بلحظات خوفنا وتعبنا، بلحظات رعبنا وفزعنا، فنحن نعرف بأنها ستكون هناك تلبي النداء مهما كان الخطر المتربص أمامها، ستضحي بحياتها من أجل قطعة منها، نادتها ولطالما نادتها تطلب عونها وهي تعلم وتعرف بأنها بعيدة جدا ولن تلبي نداءها أبدا.
- يومه.
فيبدوا أنها تعدت الحدود وحان وقت العقاب، وتحركت بسرعة تنوي الهرب من براثنه ولكنه كان الأسرع فقد انقض عليها كما الوحش الضاري الذي ينقض على فريسته وأمسكها من قدمها قبل أن تهرب ودارت معركة بينهما، معركة تعلم من الفائز بها لكن لا ضرر من المحاولة.
سحبها من قدمها ليجثوا فوقها بجسده معيقا فرارها، لكنه مخطئ إن اعتقد بأن فريسته سهلة المنال، حاربته بشراسة، وتلوت تحته وهي تدفعه وترفسه بقدمها، فما كان منه سوى أن قيد قدميها بساقه وذراعيها التي كانت كما السيف البتار أمسكها بصعوبة ليرفعهما فوق رأسها، لكنها لم تيأس إن كانت أطرافها مقيدها فأسنانها حرة طليقة، رفعت رأسها وحطت بها تقضم بها عضده جعلته يصرخ ويطلق سبابا لا يليق بمكانته العالية.
ابتعدت عنه تتطلع إليه بأنفاس هادرة وصدر مرتفع وعيون غاضبة
- اتركني يا الحيو.....
ولم تكمل جملتها فقيد شفتيها كان متواجدا، فقد حطت شفتيه عليهما وكما طاق ورغب قبلها بغضب ووحشية قبلة طواقه، قبلة راغبة بهذه التي تشع أنوثة، قبلة معاقبة ورادة لها الصاع صاعين، لتنده منها صرخة مكتومة بسبب الألم الذي شعرت به بشفتها فقد قام بعضها حتى شعرت بطعم الدماء بفمها، حاولت التحرك لكن لا مجال فكل الطرق قد أغلقت، وفمه بفمها مانعا إياها من الاستغاثة وما لبثت أن استسلمت لذلك الفيض من المشاعر التي اجتاحتها كما كل مرة عندما يتلامس جسديهما وتلك القبلة المعاقبة تحولت وتغيرت لشيء خيالي ناعم متذوق ومستطعم لشهد عسلها، غاصا بتلك القبلة وأغمضت عينيها تاركة له حرية التصرف يفعل بها ما يشاء، ليسترخي جسدها وفكت الأغلال متحولة لحضن وضمة واحتواء، ونشوة سرت بأوردتهما آخذه إياهم لمكان بعيد جدا غير هذا العالم الذي يعيشون به، ولم يشعر بتلك اللكمات التي حطت على كتفه ولا البكاء ولا التهديد بإخبار جدتها بما يفعله بوالدتها الجديدة، كان صوتها الباكي يصله كهمس من بعيد، والرؤية قد غامت بعواطف منعته من تحديد الصورة التي أمامه، قلب يطرق بقوة، وجسد ينتفض راغبا بالإحساس من جديد بكيف يكون جسد المرأة الناعم، لكن اغلاق الباب بقوة جعله يستيقظ من الطوفان الجارف الذي سحبهم لأعماق المحيط تاركا إياهم بقوقعة مغلقة.
ابتعد عنها وقد أدرك أن ابنته كانت هنا وقد شاهدتهم بهذا الوضع، سحب شعره بضيق للخلف وهدر بها بقوة عندما شاهدها ما تزال خاضعة لتلك السحابة من المشاعر التي عصفت بهم.
- قومي فزي من مكانج، انت ما صدقتي شو؟؟..
وبالفعل كانت قد تدحرجت للجهة الأخرى بسرعة وتحركت ناحية الحمام ودخلت وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح وبعدها انهارت قدماها غير قادرة على صلب جسدها الواهي من تلك العواطف التي ما تزال تختلجها، ووضعت رأسها بين كفيها هامسة:
- وش صار؟؟.. وش استوى؟؟.

ام حمدة 10-12-16 06:30 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
وأخذت تستغفر الله بسرها وتحركت بعدها ناحية المغسلة وناظرت نفسها لم تتعرف عليها فتلك التي تطالعها كانت من عالم آخر غير عالمها،
تلمست شفتيها ولعنته بداخلها على فعلته الرعناء فقد كانت مكدومة بشكل كبير، وتحولت للون الأزرق المخضر وكما أن شفتيها قد تورمت من....
عضت شفتيها بخجل وأغمضت عينيها تلوم نفسها لاستسلامها وعدم مقاتلته للنهاية وتركته يفعل بها ما يريد.
أفعال لم ترها سوى على التلفاز، تلك القبلة لم تكن تعرف بأنها تحدث بواقعها، فقد كانت تعتقد أنها غير حقيقية وأنها أوهام وخيالات ركبتها عدسة الكاميرا بمهارة كما باقي أحداث الفيلم من حركات ومغامرات غير حقيقية، لكن منذ أن تعرفت على هذا الرجل وهي لم تعد تعرف ما هو الحقيقي وما هو الخيال؟؟.
خلعت عباءتها التي نامت فيها وبقيت بقميصه فلا ملابس لديها لترتديها لكنها لم تفكر بتلك المعضلة طويلا فجسدها المنهك يحتاج لجرعة انتعاش وكان الماء البارد كفيل بإزاحة كل ما يعتمل رأسها من أفكار تناطحها وتجعل تركيزها مشوشا، تنهدت براحة متنعمة تحت رذاذ الماء... أما الآخر فكان عكسها تماما، كان يلعنها ويسبها، ويتهمها بالإغواء وبسحره ليقع بالفخ، والماء البارد لم يفد حالته المتهيجة والتي وصلت لمراحلها الأخيرة، فتح الماء البارد لأقصاه ثم عاد يديره للحرارة محرقا جسده وهذا ما كان يريد أن يحرقه كي يجعل ناره لا تخمد، ويتوعد نفسه بعدم الانصياع لرغباتها .
خرج من الحمام الموجود بغرفة جلوسه يلتحف منشفة حول خصره، ودخل غرفته وطالع الباب الجانبي ليسمع خرير الماء الذي ما يزال جاريا، أشاح بوجهه بعيدا وهو يلعنها ويلعن خياله الذي شطح به بكيف تكون الآن تحت رذاذ الماء، رمى بالمنشفة بغضب وسحب فانيلا داخلية بيضاء، ووزار ربطه بإحكام على خصره ثم فتح باب الدولاب الآخر ليلتقط دشداشة بيضاء ارتداها وأغلق أزرارها ثم اتجه ناحية طاولة الزينة ملتقطا مشطا ليسرح شعره ثم التقط عطره الملكي شيخ الشيوخ بخ عدة بخات ثم اتجه للقبلة يؤدي فرضه، فلأول مرة بحياته منذ أن بدأ بأداء فروضه تفوته صلاة الفجر، ثم خرج متجها حيث عائلته تنتظره على سفرة الطعام، وهناك كانت المفاجأة... فيبدوا أن لكل شيء بداية، ومنذ أن تعرف عليها صار يختبر أشياء لم تحدث قط بحياته.
وما أن دخل غرفة الطعام حتى بدأت الهمهمات والضحكات الخفيضة، ارتبك وشعر بالخجل وحانت منه التفاته ناحية ابنته ليراها تجلس بالقرب من جدته ودموعها تجري على خدها وتناظره بلوم وغضب، اقترب من الجدة مقبلا رأسها ومصبحا عليها ثم عمه وبعدها شعر بالغرفة تضيق به ما أن تحدثت ابنته متهمة إياه:
- هذا هو يدوه شوفيه، يبي أمي اليديدة تروح من البيت.
وعادت تشهق ببكاء شديد كأن غاليا عليها يوشك على الرحيل وتابعت تكمل دون أن تنتبه للوجوه الحمراء العاضة على شفاهها منعا من خروج من يحبسوها بقوة كي لا تفلت من سجنها.
- أنا شفته وهو يعضها بقوة على حلقها ضربته لكن هو ما سمعني.
وهنا لم يستطيعوا سوى فك أسرها لتمتلئ الغرفة بصخب ضحكهم،
أراد الاختفاء، أراد الأرض أن تبلعه، أن تختبر موقف لم تخضه من قبل فهذا شعور مقيت جدا، ولكنه كما العادة تسلح بالبرودة وحادث ابنته بشيء من الحدة يوبخها:
- حنان.. ليش ما استأذنتي قبل لا تدخلين الغرفة؟؟.
- أنا طقيت الباب وبعدين دخلت وشفتك وأنت...
قاطعها كي لا تكمل جملتها.
- بس خلاص!!.. المرة الياية تدخلين لما تسمعيني أنا أقولج دخلي، فاهمة ولا لاء؟؟.
نكست رأسها من تقريع والدها لها فتحدث العم يزيل الحزن من على وجه حفيدته
- لا حنو شاطرة وتسمع الكلام، وهذي المرة الآخيرة وماعاد تعيدها صح حبيبتي؟؟.
هزت رأسها موافقة وقالت بهمس:
- والله ما أعيدها!!.. أنا بس كنت فرحانة أبي أجوف أمي اليديدة.
تشنج جسده من كلماتها التي استشعرها قلبه الحزين لما تريده ابنته وهذا ما كان يخشاه، أن تتعلق بها كثيرا وبعدها لن يقدر على طردها من المنزل، لم يعلق عليها وسكب لنفسه القهوة وتعلق فنجانه بالهواء من سؤال والدته :
- عيل وين حرمتك العنود؟؟.
- ها...
- حرمتك وينها؟؟.. ليش ما يبتها وياك علشان تاكل الريوق؟؟.. روح جيبها وتعال.
شرب فنجانه وتجهم وجهه وناظر الجميع وخصوصا ولديه ابنته المترقبة والسعيدة، والآخر التقط شيء بداخل مقلتيه ليخفيه بسرعة، لطالما كان ولده ماهرا بإخفاء مشاعره ولم يستطع يوما فك أسرها.
نهض متثاقلا رافضا اختلاطها مع عائلته، ارتقى السلالم واتجه لغرفته كان جناح خاص به مكون من غرفتين وحمامين أحدهم داخلي متصل مع غرفة النوم الرئيسية والآخر بغرفة الجلوس، وغرفة لمكتبه ومطبخ تحضيري لم يستخدم قط، وقد فرشت بأحدث المفروشات الفخمة والغالية الثمن، وقد طغى اللون الأبيض على جميع الغرف.
دخل الغرفة بقوة أفزعها وجعلها تقفز من مكانها لتصطدم بالكنبة خلفها لتصدر تأوها بسبب ألمها وقالت وسط وجعها:
- حاشا... ما تعرف تدخل بالهداوة، ديما كذا دفش.
طالعها بنظرات حارقة ونية واحدة تراقصت بداخلها ولن يهنئ سوى بتنفيذها، ازدردت ريقها وأمسكت بالمنشفة بقوة حول جسدها كأنها تخفيه من عينيه التي تجري عليها وتلتهمها، أخفضت رأسها لينسدل شعرها يخفي خجلها لكن ما لبثت أن رفعته بعد حديثه:
- ترى ما تنفع عندي هذي الحركات، وشو ما سويتي ما تحركين فيني شعرة، وألحين يلا البسي وتعالي أهلي يتريونج، وخلي في بالج شو ما سويتي علشان الكل يحبج أنت طالعة من هذا البيت يعني طالعة، وألحين خلصيني بسرعة .
انتفض كبرياءها على السموم التي يقذفها لسانه القذر، أويدعوها هي بالقذرة ولا يرى نفسه؟؟.. وقالت بقوة وايباء شعت من مقلتيها:
- لعلمك.. أنا يلي أبي أطلع من بيتك اليوم قبل باجر، وراح أطلع، صدقني راح أطلع حتى لو ييت أنت وطلبت مني أني ما أروح.
قهقهة بخواء وبرودة وقال باستهزاء:
- حلم ابليس بالجنة، وألحين يلا.
- ما عندي شي ألبسه
وهنا تذكر أنه ليس لديها ملابس فقال بهمس غاضب:
- عيل أمس شو كنتي لابسة
- كنت لابسة قميصك وأكيد مستحيل ألبس قميص وأطلع فيه جدام أهلك.
لا تعرف ما حل به سوى أنها شعرت بلحمها يكاد يفصل من عظامه بسبب أصابعه التي تنغرس بذراعها.
- أقسم بالله سويها والله ما غير أدفنج وانت حية!!.
تركها ورحل لترتخي على الأريكة خلفها برعب استبد بداخلها من نظراته العنيفة، لحظات هي حتى رجع من جديد ومعه جلابية رماها بوجهها وأمرها
- ألبسي هذي لين أشتري لج غيرهم
لا رد فهتف بها:
- تحركي بسرعة
فزت راكضة ناحية الحمام ارتدت الجلابية فكانت واسعة عليها ولكنها لم تهتم لطالما اعتادت ارتداء الملابس الواسعة، وخرجت دون أن تنظر ناحيته ملتقطة شيلتها لفتها على رأسها بإحكام ومرت بجانب المرآة ولم تطالع نفسها، ليتحرك هو خارجا وهي خلفه
وعندما وصلوا لمكان تجمع العائلة سمعت عدة شهقات ولوم من الجدة:
- حسبي الله على ابليسك من ولد!!.. شو مسوي بالبنت؟؟.. تراني قلتلك أمس ترفق فيها، حشى حيوان مب آدمي.
بهت قليلا من كلام الجدة وقال بصدمة غير عالم لما تزجره هكذا:
- وأنا شو سويت علشات تنازعيني جذا؟؟.
- شوفوا الولد وش يقول، ولا جنه مسوي شي، والعضة هذي مين يلي مسونها؟؟.
وهنا تذكرت وشهقت وسارعت لوضع كفها تخفي فمها من أعينهم المحدقة وهو لم يكن حاله أحسن منها، ارتبك وتلون ولعن غباءه ونسيانه لأمر شفتها وقال يداري:
- تراه عادي تونا متزوجين يعني... يعني...
- وخير ان شالله!!.. جذا تسوي بالبنت؟؟.
نهضت زوجة عمه وسحبتها بحنان بعد أن تجمدت بمكانها من الصدمة
- تعالي معاي
تبعتها دون ارادة ودموع الخجل قد تحجرت بمقلتيها، وأدخلتها العمة لجناحها ولم يكن أقل فخامة عن جناحها، فتحت أمامها علبة من أدوات التجميل وأخبرتها أن تستخدمها... طالعتها عنود بتيه وضياع كانت ألوان وأشكال لم تعرف ما هو المطلوب منها وقالت بهمس باكي:
- أنا ما عرف أستخدم مكياج
رأفت بحالها وربتت على كتفها بأمومة وحنان وقالت :
- ولا يهمج يا الغالية أنا أسويلج
وبدأت بعملية وخبره اعتادتها منذ سنوات، بدأت بوضع الكريم ثم وضعت أيشدو ذهبي اللون على جفنيها، وبعدها أتبعته بكحل أسود جعل عيناها الخضراء واسعة وكبيرة، ثم غطت تلك الكدمة بأحمر شفاه وردي اللون، ثم وضعت ملون الخدود لتغدوا آية من الجمال، تأملت نفسها بالمرآه وهمست لنفسها:
- هذي انت يا عنود؟؟.
والتفتت على نداء العمة وغادرت غرفتها متجهة بتوتر إلى غرفة الطعام. ماذا سيقول الآن؟؟.. بل ماذا سيقولون الآن عندما يرونها بهذا الشكل؟؟.. وأخذت تسبه وتلعنه على فعلته تلك، ألم يجد غير شفتيها ليقتص منها؟؟.
صفير علا بالغرفة، واعجاب لم يخفى طغى بين الحضور، جعلها ترغب بالاختفاء من على وجه الكون، أبدا لم تكن محل الأنظار، وأبدا لم يلتفت لها أحد حسنا القليل فقط ولكن ما أن يحصلوا على تلك النظرة النارية من سهام عينيها العشبية حتى يولوا الأدبار.
- تعالي يا بنتي وأقعدي عدالي
مشت على استحياء وجلست على الكرسي الذي بجانب العم والجدة تقابلها وزوجها المصون يجلس بجانبها ولم يلتفت ناحيتها منذ أن دخلت
- ما شاء الله على هذا الزين، حلاة اليوم يومي لما غزال تقعد جنبي، مين قدي أنا بس؟؟.
وضحك الجميع على مشاكسة والدهم لزوجة ابن عمهم ليتابع أحد أبنائه ويدعى أحمد قائلا:
- أبوي.. تحمل ترى الذيب موجود، ومستحيل يترك غزاله لحد ثاني
لم يعلق ولم يرد وتابع تناول لقيماته حتى اقتربت ابنته منه تلكزه بكتفه وحرك رأسه ناحيتها متسائلا :
- نعم حبيبتي بغيتي شي ؟؟.
اقتربت منه هامسة بأذنه ثم ابتعدت بخجل وعلى عينيها رجاء بعدم خذلها وفرحة شعت من مقلتيها، أغمض عينيه بهم ودعاء خالص بحماية ولديه من الشر الذي يراه يتربص بهما، فقلبهما نقي ولا قدرة لهما لتحمل الخداع، ولم يرد خذلها كما أنه لم يرد لفت الأنظار إليه بشك على رفضه الغريب. احتضن ابنته وقبل جبهتها ورفع ابهامه واضعا إياه على أنفه قائلا:
- على هذا الخشم بنتي بس تامر ونحن نلبي.
وأخيرا التفت ناحيتها وكم تمنى أن يظل متجاهلا إياها، وكم تمنى أن لم تطلب ابنته ذلك الطلب، وكم يتمنى المرء ولا يجد مبتغاه، فالأمنية من الصعب تحقيقها.
حدق بها ببلاهة وصدمة من رؤيتها بهذا الشكل المختلف كليا، تاه ببحور ملامحها وضاعت علومه برؤياها، ولم يشعر بالغمزات واللمزات إلى أن نطق أحدهم :
- أقول يا بو الشباب؟؟.. ترانا موجودين، ولا تبونا نفضي المكان عشانكم؟؟.. ترانا حاضرين.
الجميع ينظر إليه بفرح ومرح، وتساءل هو ما باله اليوم؟؟.. تنحنح وسعل يجلي حنجرته ثم قال:
- هذي بنتي حنان، عمرها 7 سنوات.
اقتربت حنان بدلال ومدت يدها لتتلقفها عنود قائلة بفرح:
- هلا بالأميرة، شخبارج حبيبتي؟؟.. ماشاء الله عليج!!.. شو هذا الجمال؟؟.
تلوت حنان بخجل وقالت بهمس سعيد من مدحها لها:
- شكرا وأنت بعد وايد حلوة.
- شكرا حبيبتي
وباغتتها حنان بسؤالها الذي حمل التوسل:
- انت بتصيري أمي صح؟؟.. يعني عادي أناديج ماما؟؟.
طالعته من فوق كتف ابنته وشاهدت الرعب بداخلهما، ذلك السواد الجامد اعتملته مشاعر مضطربة وخائفة لفلذة كبده ومن من؟؟.. منها هي!!.. كم هي الدنيا ساخرة بحقها.
أعادت أنظارها للطفلة الصغيرة المستجديه وقالت:
- حبيبتي انت عندج أم وحدة وما تقدرين تغيرينها أو تبدلينها بأي أم ثانية.
تهدلت كتفي الطفلة الصغيرة، وتدلت شفتها السفلة تهدد بنوبة بكاء مريرة لهذا الرفض الصريح، فأسرعت تقول قبل أن ينهض ذلك الوحش الجالس خلف ابنته ويزهق روحها:
- لكن ممكن أكون صديقتج أو مثل اختج الكبيرة.

ام حمدة 10-12-16 06:34 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مدت كفها ناحيتها بود متابعة:
- هلا أنا عنود ممكن تصيرين صديقتي؟؟.. أنا ما عندي صديقات.
صفقت حنان بحبور صارخة ببهجة لم تستطع مداراتها أو احتوائها وتلقفت كفها محركة إياه للأعلى والأسفل بقوة
- أنا موافقة وبكون أحسن صديقة، وبنسوي مثل ما يسون الأصدقاء بنسهر ونسولف ونطلع وبنسوي كل شي صح.. صح ؟؟.
ضحكت عنود بابتسامة مشعة خرجت من أعماق قلبها لبهجة الصغيرة وقالت تهدئ من بهجتها.
- حيلج يا حنان، إن شاء الله بنسوي كل يلي تبيه بس لازم نستأذن من البابا قبل لا نقرر شو نسوي أوكي؟؟.
- أوكي
كان يتابع بصمت دون أن يبدي على ملامحه أي تأثر، ثم أشار على طفل آخر يجلس بهدوء وسكون على غير عادة الأطفال بسنه وهمس بصوته الأجش:
- وهذا عبدالله، عمره 12 سنة.
نهض الفتى بهدوء وقوة اندفعت منه مشبعة بطاقة خالصة تشبه تلك التي عند والده فمن قال أن هذا الشبل من ذاك الأسد فلهو صادق!!.. ومد يده مصافحا قائلا بوقار:
- أهلا فيج
تلقفت كفه وتذكرت شقيقها لتبتسم بحنان، وأمومة طفقت منتشرة على ملامحها فقالت بابتسامة مشرقة:
- يا هلا فيك ويا مرحبابك، شخباره الشيخ؟؟.. عساك طيب؟؟.
طالعها برفعة حاجب وابتسامة متهكمة وقال :
- أنا اسمي عبدالله مب الشيخ
هزت رأسها وقالت بصلابة، وعيونها بعينيه:
- عارفة.. بس شكلك مثل الشيوخ بهيبتهم وقوتهم ما يخافون أي حد، ذكاءهم يبين من عيونهم، لا تكلم سكت الكل، ولا أمر الكل يلبي، ولا عصب الكل يفز ويبتعد، ويا ويله وسواد ليله لو تحداه أحد.
وسرقت منه ابتسامة لم يستطع والده فعلها طوال عمر صغيره، أما هي بلحظة واحدة جعلته يبتسم ويخجل مبعثرا شعره ثم عاد لمكانه بصمت .
وبعدها سارت الأمور بطبيعية هذا يضحك وهذا يلقي نكته إلى أن تحدثت الجدة:
- يومه حمدان متى بتروح تييب ملابسكم من الشقة، البنت غرقانة بالجلابية ما هي بقياسها ما شاء الله هي مثل العود وحرمة عمك عليها جسم.
- هاو وشفيج يا عموه تراني ضعيفة مثل الغزال
قالتها العمة وهي ترفض صفة التخن، ضحك زوجها وقال:
- مين قال إنج متينة إنت مثل يريد النخل( سعف النخيل)
ناظرته بعيون ضيقة وقالت:
- قاعد تتمسخر علي حضرتك؟؟
- أبد يا ذا العلم، مين يلي يضحك عليج أذبحه ألحين
ضحك الجميع على مناوشات العم مع زوجته وقال حمدان:
- اليوم يومه بروح
- إن شاء الله
هذه فرصتها، هذه لحظاتها وإلا فل تقل الوداع، فمعه لا طائل من الحديث وقالت بثبات:
- يومه ودي بطلب صغير لو سمحتي!!
- أفا يا ذا العلم تم يا بنتي شو ما طلبتي انت بس تامرين أمر
- ما يآمر عليج عدو يا الغالية، هو بس طلب صغير أنا قلت للش...
لم تستطع نطق اسمه الحقيقي وكان لقبه على طرف لسانها فعادت تكمل دون أن تتطلع ناحيته:
- أنا قلت لبوعبدالله أنه ياخذني على بيت أهلي ودي أجوفهم وقال موافق بس قلت لازم أمشي بالأصول بما اني قاعدة معاكم إني أستأذن منكم بعد.
فخر واعتزاز وأصالة واحترام تلك هي المرأة الحقيقية، تلك هي من تعمر بيوت
- يا بنتي يا عنود الدار دارج وأنت صرتي وحدة منا وفينا وتقدري تسوي يلي تبيه
- مشكورة يا الغالية
وعادت تنخرط بحديث مع حنان مواكبة إياها بما تقوله فيبدوا أن الصغيرة كانت تبحث عمن يحتضنها ويخصها باهتمام خاص، وذلك الفتى يجب أن يخرج من القوقعة التي حبس نفسه فيها، وبداخلها شجن ووله لرؤية شقيقها الحبيب، وزوج لم تستطع النظر إليه وإلا لرأت الشياطين تتلاعب به.
يا ترى... ماذا تخبئ لك الأيام يا عنود؟؟

همس الريح 12-12-16 01:44 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السمووووووووحه تاخرت

بس انكرفت .. اختباراتي عقب اسبوع و اكمل تجهيز بعد ..

بس من طول الغيبات حصل الغنايم

ابع بارتات

يم يم يم يمممممي

تو خلصت الخامس


صدق دعيت علي حميدان لمعاملته الراقيه لعنوده

بس حبيت عنوده بعد

كفو يا العنود .. كفو .. جعل امش للجنه ..

اهم شي انه ما هان عليه يخليها تتهنى باللقمه
حشا حششششا .. حاسد الفيره علي اللقمه الزينه ..
مالت بس

الجرس ..و امه .. و اتوقع تلومه و تاخذ عنودتي معها البيت ..

بروح اقرا البارت السادس

همس الريح 12-12-16 01:50 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام حمدة (المشاركة 3668704)
وهدية من عندي فصليين

:dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::danci ngmonkeyff8:

مشكووووووووووووووووره .. انتي كرريمه و حنا نستاهل .. فيس تو قرا السادس و بيقرا الهديه

همس الريح 12-12-16 01:54 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السادس

يا زين التوقعات الصح

و يا زين العنود يوم تشغل مخها

و يا زين جدتي ..اموووووواااااح .. تستاهل حبة الراس الغاليه

اهم شي حميدان يطبخ و يغلي ..
مالت بس

بارت ممتع ممتع .. حبيت العنود و اهي تحل و ترقع لزوجها
هاذي صدق اللي تنحط علي الراس و اليمين ..


سالم .. فيس قلوب قلوب قلوب

ترا لو ما كان معرس و ابي عيال كان خطبته حق امون ..
بس ما عليه ..
بدور لها عريس

تستاهل طيبة القلب

في انتظار وش بيصير في البيت العود

و اهم شي تقبل العيال لعنوده

اتوقع بيحبونها و ذا بيخلي حميدان يبدا يغير فكرته عنها و يشغل اللي ينقال له مخ في راسه ..

همس الريح 12-12-16 02:35 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
يم يم يم يمممممممممممممممممممممممممممممممم

بارتين روعه و حلوين ..

تسلم يدش ام حمده ..

و دخلت العنود عرين الاسد ..
قصدي بيت حميدان
و الحمد لله للحين ما به خساير

ههههههههههههههههههههه .. يستاهل الفسشيله المتوحش العضاض ..
ايامك سودا علي يد عنوده ان شاء الله

احساس اليتم موجع مووووجع ..
حبيت احتواء عنوده لعبودي و حنونه ..
جدتي .. مهيب هينه ..و تدري ان ورا العلوم علوم .. بس ما بتقصر ..بتعينهم اثنينهم .

- يا الحمارة كيف تميتي نايمه بحضنه؟؟.. صدق إنج قليلة أدب، في وحدة عاقلة ترضى لنفسها إنها تنام مع ريال بنفس الفراش؟؟.. غبية حمارة، يا ربي الله بيعاقبني ألحين على يلي سويته!!.. شو أسوي ألحين؟؟.. شو أسوي؟؟.

عاد مدري و ش اقول هنا . فصلت ضحك لين ربيعاتي قالون تخبلت ..


الحين عنوده خذت موافقته علي المرواح لبيت هلها غصب مهوب طيب
عاد حيزبون بتحترق يوم تشوفها
.بس خل حميدان يوديها تسوي شوبينغ اول
اباها كااااااااااااااشخه لاجل تحرهم و تكيدهم ..


في انتظار البارتين باكر ان شاء الله

اممممممممممووووواح

طيف الأحباب 12-12-16 03:05 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
هلا وغلا وكرااااتين حلى ماهو كرتون ع قولة هموسه
هلابك ام حمده في منتدى ليلاس الشامخ
اليوم دخلت الرواية بدعوه من جميلات ليلاس
تبارك الله على ها الابداع قريت اول بارت ماقدرت اوقف
لدرجة تمنيت الروايه كااامله من كمية الابداع ماااشاء الله
الي اسعدتينا فيه
اهم شي لاتقطعينا فينا بالنص ثم بعدها احلف صدق اني ما ادخل روايه الا بعد ماشوف مكتوب كامله
قصة عنود المعاناه الأزليه
زوجة الاب وتحكمها ومنظور الأب لأبنائه من خلال عيونها
وعشان ما اعمم النظريه في منهم اطيب من الامهات لعيالهم
ومن ضمنهم زوجات جدي الله يغفرله ويغفر للي توفاها الله من زوجاته ويعافي الي بقي منهم كانوا احن من الامهات

انا شد انتباهي شيئين عنوان الرواية جميل لكن يخووووف 😭
ان نهاية عنود مآساويه
امابسبب فصيلة دمها النادرة تتعرض لحادث
نزيف وتموت لا قدر الله
او ان حمدان بيرجع يحبها لكن بعد فوات الاوان ويفترقون
دخول سريع ولكن لي عوده بأذن الله بتعليق اخر

طيف الأحباب 12-12-16 05:37 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
دخوووول اسرع عندي توقع
ان بنت زوجة ابوها ابتسام بيكون لها دور كبير في هدم حياة عنوده
وان الاشاعات الي وصلت حمدان عن عنود كان المقصود فيها ابتسام
الي اتوقع انتحلت اسمها او حمدان لما سأل عنها فهم غلط
في حفل الزواج الي بيشهرون الزواج فيه ابتسام ماراح تعديه وبتحاول تجذب حمدان

او احد من افراد العايله
اول ماتم زواجهم توقعت ان حمدان كفل ابو مايد بمبلغ كبير
واعطاه مقابل المبلغ بنته
مايد وضعه الصحي متدهور واخته الي تهتم فيه عنده كيف وهو يصارع المرض لوحده
اتوقع اما انهم ينقلونه مستشفى حكومي بعد ماتتدهور حالته من قل الاهتمام
وحمدان يتكفل بعلاجه بعد مايعرف بوضعه
او انه يتوفى وتعرف عنود بوفاته وتنقطع علاقتها با اهلها

- لعلمك.. أنا يلي أبي أطلع من بيتك اليوم قبل باجر، وراح أطلع، صدقني راح أطلع حتى لو ييت أنت وطلبت مني أني ما أروح

كلام عنود هنا يخوف خلاني اتخيل انها بتخلي لها اثر طيب في بيتهم وحمدان هو الي بعدين يترجاااه تجلس وهي ترفض

اهم شي ام محمد النهايه تكون سعيدة
ولا تفرقين بين عنوده وحمدان
وتكفين التاريخ لايعيد نفسه مع عنود
تحمل عنود وتولد وتموت وحمدان يتزوج ابتسام
وتعامل ابتسام عيال عنود زي معاملة امها لعنود ومايد الله يشفيه ويشفي كل مريض
وابتسام هذي احذفيها من الروايه عاجل غير آجل
كل ماقريت اسمها بالاحداث صدعت
في الانتظار ام حمده

NoOoFy 12-12-16 05:41 PM

روعه روعه روعه ام حمده لي عوده شكلتس بترجعيني للروايات
بعد غياب

NoOoFy 12-12-16 07:42 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
ماشاءالله عليتس يام حمده روايه رجعتنا للذي مضا

نبداء في بيت حمدان يالله اشتهيت أعيش عندهم وشذا العائلة وشذا القلوب والأخلاق من الجده وأبوسالم وزوجته وسالم
بصراحه أبد ما توقعت ردة فعلهم بتكون بهذا السماحه استقبال أكثر من رائع أخير منك يا لشبيه أكرمو البنت وحشموها
مالت عليك لبي قلب الجده بس ليت من حب راسى على اللي سوته مع العنود يازينها كسرت خشمك يالهرم
غصب عليك العنود تدخل القصر وتعيش في العز لان اللي مثلها لائق عليه العز يا لشبيه
وبعدين تعد نفسك ذكي انك جبت خبرها وعععع يا لشبيه إذا آتكم فاسق بنباء فتبينو
على طول حكمت على البنت طيب عطها فرصه عشان تعرف خيرها من شرها بس قرمه العنود لبي قلبها بتجيبها بنت. .......منيب قايله بنت أبوها
ما يستأهل خروف المصرية حسبي الله عليها منيب جايبه ذكرها تخرب جوي جعل جوها يطير الخايسه
المهم استمري عنود الصيد على شغلتس مع الشيبه مالتس عنده إلا خمس أيام وطيرتي مخه من نفوخه
وإذا شفتيه في وسط أهله العبي بمشاعره خليه أضحوكة العائلة وسعي صدورهم على الشيبه
تبي تادبها هاا بتأدبك وتأدب مندوبك هذي عنود الصيد
إيه العنود ليش ماقلتي للجده انتس بنجيبين مايد عندتس ترا هذي فرصتس اللي تبينه اطلبيه عند امه
واهم شئ عياله علقيهم فيتس خليهم يحبونتس ترا إذا حبوتس عياله تخرفن الشيبه العنود تكه بس ويصير أبو عبدالله في مخباتس
وتعتزين وترتزين في العز وأول من تكسيرين خشمه ابوتس والمصرية وبنتها النسره
ابوتس لا عقوق اكرميه مع انه مايستأهل

نجي الحنون والبي قلب حنون صديقت عنوده بس عيب ياماما لازم تستاذنين قبل تدخلين على ابوتس الشيبه
ياشيخه خربتي جوه مصاص الدماء
بس ولله زين دخلتي ولا كان ابوتس كل البنت لحم ورماها عليكم عظم زين جت على الخشه بس

أم حمده اكتب من الجوال وعور عيوني يازين اللابتوب وأيامه من تركناه ضاع النظر الله يخلف
كتبتي وابدعتي روايه طرررر والقادم افضل بس تكفين الله الله بالانتظام في التنزيل
متابعينك بكل شغف ( حلوه شغف) قلوب قلوب قلوب ......ماعندي فيسات

TAOUFIKF 12-12-16 11:06 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
شكرا


.

همس الريح 13-12-16 11:09 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اممما توقعش يخوووف حبيبتي طيف

لا لا لا لا لا .. يا ام حمده ..ما اتفقنا على كذا
فيس ام حمده .. متى اتفجنا اصلا ؟

ما عليش مني . اهم شي السوسه المدسوسه حمارة القايله لا تخرب عرس عنوده و الشايب

بس توقعش منطقي طيف ..
ممكن اللي ما تنذكر تسوي سواد وجهها باسم عنوده .. سود الله رقاعها من بنت
مهيب بنيه .. ام الدويس

طيف الأحباب 13-12-16 12:50 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
والله جبتي اسمها هموسه ام الدويس
مايد احس لاحول ولاقوه الي واضح اذا اخته ماتلاحقت عليه بيصير فيه شي
وخصوص ان ابوه اهمله لادراسه ولاعلاج زي الابوان الي يهتمون لعيالهم خصوصا هو الولد الوحيد
اتوقع ام الدويس بتركض بيديها ورجولها عشان تحصل حمدان
وحمدان ماهو سهل مستحيل بتطيحه
خصوصا ان عنده تجربه سابقه مع زوجته الاولى الي مابعد عرفنا وضعها
وحتى عنوده متوجس منها وهي الواضح منها انها بنت عاقله وماعندها مكر حمدان حذر وانه سنين مافكر يتزوج بيفلت من خططها وماهو سهل تجيب راسه الا اذا
قدرت تلفق له تهمه انه يتحرش فيها مثلا ويشتري سكوتها عن الفضايح
الخوف على سالم واخوانه منها مابعد عرفناهم زين او كيف وضعهم
ام الدويس الله يعجل بخروجها من الرواية وضعها وضع الي بتقلب حياتهم
اهم شي ان عنوده تاخذ اخوها من الجو الكئيب هذا وتقطع علاقتها فيهم
عشان ابتسام ماتحفر لها وتطيحها وابوها اكيد ماهو فاقدهم لافاقد ولده ولا بنته
عنده الي ماليات عينه الباقي بحريقه مادرى عنهم 😠
جدااا النقاش معك جميل هموسه
وفي انتظار ام حمده

همس الريح 13-12-16 03:29 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طيف الأحباب (المشاركة 3668906)
والله جبتي اسمها هموسه ام الدويس
مايد احس لاحول ولاقوه الي واضح اذا اخته ماتلاحقت عليه بيصير فيه شي
وخصوص ان ابوه اهمله لادراسه ولاعلاج زي الابوان الي يهتمون لعيالهم خصوصا هو الولد الوحيد
اتوقع ام الدويس بتركض بيديها ورجولها عشان تحصل حمدان
وحمدان ماهو سهل مستحيل بتطيحه
خصوصا ان عنده تجربه سابقه مع زوجته الاولى الي مابعد عرفنا وضعها
وحتى عنوده متوجس منها وهي الواضح منها انها بنت عاقله وماعندها مكر حمدان حذر وانه سنين مافكر يتزوج بيفلت من خططها وماهو سهل تجيب راسه الا اذا
قدرت تلفق له تهمه انه يتحرش فيها مثلا ويشتري سكوتها عن الفضايح
الخوف على سالم واخوانه منها مابعد عرفناهم زين او كيف وضعهم
ام الدويس الله يعجل بخروجها من الرواية وضعها وضع الي بتقلب حياتهم
اهم شي ان عنوده تاخذ اخوها من الجو الكئيب هذا وتقطع علاقتها فيهم
عشان ابتسام ماتحفر لها وتطيحها وابوها اكيد ماهو فاقدهم لافاقد ولده ولا بنته
عنده الي ماليات عينه الباقي بحريقه مادرى عنهم 😠
جدااا النقاش معك جميل هموسه
وفي انتظار ام حمده

انتي اللي ردودش ممتعه ممتعه حبيبتي

ام الدويس

يا جعل المصايب تنزل فوق راسها شرا المطر و تنشات برا الروايه و نذبح ذبيحه عقبها بعد بسلامة عنوده ..
سالم .. صح ابيه ما سواله شي .. كله من عجوز قريح حرمته ..

عسى عنوده تقدر تقنع حميدان و يوديه يعالج برا ..
حمدان طيب و انسان " فيس يتميلح " بس لو فكر براسه شوي مهوب كذا ثور :lol:

في انتظار ام حمده اليوم ان شاء الله :dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8:

ام حمدة 13-12-16 06:08 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
أولا خلوني أعتذر منكم على عدم ردي لتعليقاتكم يلي أسعدتني
ما شاء الله تبارك الرحمن أجوف وجوه جديدة ههههه أقصد أسماء جديدة
اللهم زدهم هههههههه
اسمحولي يا أخواتي لعدم الرد هذا الاسبوع مشغولة مع العيال بامتحانات المنتصف
فالسموحة منكم ولا تاخذون بخاطركم مني
ويلي سأل عن الرواية علشان لا تقطع حابة أطمنج الرواية كاملة
وفصولها 34 فصل
وشكراااااا للمتابعة

ام حمدة 13-12-16 06:12 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل التاسع....

أتظن أن الحياة غير عادلة معك؟؟.. أتتهمها بالغدر والخيانة؟؟.. وأنها تطعن بالظهر لتخلف خنجرها دون أن تسحبه؟؟... بل تتركه بمكانه ليدميها بجرح عميق نافذ غير قادر أي طبيب أو دواء علاجه.
هل شعرت يوما بإحساس الفراغ يجتاح صدرك وعقلك فيجعلك كمن فقدت رشدك أو بالأصح تكون كمن فقد ذاكرته وأصبح مركز دماغه صفحة بيضاء؟؟.. وهذا ما تتمناه، أن تنسى كل شيء وأن لا تتذكر حياتك كيف كانت!!.
شعور مرير يعتصرها، خواء يفيض بداخلها محملا برياح عاتية تلطم أحاسيسها بعنف قاذفة بها من منحدر حاد وسحيق، كأنما أحدهم رماك من هذا العلو عن قصد، ويا ليته يقتلك أو تنهي حياتك، بل العكس تماما هو يتركك حيا تتنفس هواء محملا بشذرات الألم، يجعلك تقتات من بؤس الحياة، ويجعلك تعاني وتعاني إلى أن تطلب أنت من ملك الموت أن يزورك ليرحم حالك، ولكنه يتركك دون أن يبالي بك فوقتك لم يحن بعد، فيمكن ما يزال هناك بقية لم تختبرها بعد.
تنام على فراشها على وضعية الجنين كأنها تناشده العودة لرحم أمها كي يحميها من هذا العالم البشع الذي لم يرحمها، وما ينفك يأخذ منها كل شيء بلمح البصر دون أن يتركها تتنفس الصعداء.
وهل يستطيع المرء تذوق طعم النوم والعيون قد جافاها سلطانها؟؟... كأنه هو الآخر قد أبى أن يشفق عليها ويأخذها لعالمه كي تشحذ طاقتها النافذة كبطارية قد خلص شحنها ولم تجد ما يعيد لها تيارها الضائع.
عيونها جامدة، خالية، شاخصة تنظر للفراغ، خصلاتها الفاحمة باهتة فقدت بريقها كما صاحبتها، وجهها مصفر شاحب وقد فقد دماءه ومن يراها يعتقد أن بعالمنا يوجد مصاصي دماء يمتصون تلك الكريات الحمراء من شراييننا، ولا يعلمون أن هذا العالم كما مصاص الدماء يمتص من دمائنا قليلا.. قليلا إلى أن تأتي تلك اللحظة التي يمتصها منا دفعة واحدة فتتركك كما الضائع والمشتت لا تعرف من أين قد باغتتك الضربة، فتضطر منصاعا لها وخاضعا ومستسلما غير راغب بالمحاربة.
ينظر إليها من بعيد غير عالم ما يفعله، يطوق لأخذها لأحضانه، لكن هناك شيء ما يمنعه من الاقدام على هذا الفعل.
قدماه متشبثتان بالأرض، وأغلال تقيد حركته من أن يقوم بما أمره به قلبه، وقف فقط يتطلع إليها بتساؤل وشكوك، فهو لا يعرفها، ولا يعلم أين الحقيقة من الكذب، وهل هي تخدعه أم لا؟؟.
لا دموع ولا ألم، ولا أي شيء يظهر تلك الخلجات التي تجتاح أي شخص بوضعها.
هولا يعلم، ولم يختبر ذلك الشعور الذي يغلفك بقوقعة منحيا اياك من هذا العالم حماية لنفسك، وطبيعتك الفطرية والغريزة بداخلك تخبرك من إنها لو تركت العنان لروحها لما استطاع أي شخص احتواءها.
- شخبارها يا وليدي؟؟
رفع كتفيه بعدم معرفة وعيناه ما تزال مسلطة على ذلك الجسد الساكن كما سكون الأموات، ثم همس بخفوت كأنه خائف من زعزعة عالمها.
- مب عارف يومه؟؟.. هذي هي على حالها ما تحركت أبد.
هزت رأسها برفض وتحدثت موجه عتابها لحفيدها:
- مب زين جذا يا حمدان، انت ريلها... جوفها ورمسها، تراه حرام يلي تسويه بنفسها، هذا حكم الله وما نقدر نمنعه.
- شو تبيني أسوي يعني؟؟
- حسبي الله ونعم الوكيل!!.. جوفوا أنا شو أقول وهو شو يقول!!.
وكزته على كتفه بعصاها وتابعت بشيء من العصبية:
- أنت ريلها ولا لاء؟؟
تنهد بضيق وقال بإيجاب:
- نعم ريلها بس...
- خلاص.. الريال يوقف مع حرمته بمصيبتها، يلا أجوف روح وكلمها، أنا بروح أجوف أم سالم تسوي لها شوربة، هي ما كلت شي من وقت ريوقها، الله يعين بس، إن لله وإن إليه لراجعون!!.
ورحلت وهي تردد هذه الجملة وتركت ابنها يقف متجمدا غير قادر على التحرك ناحيتها وتقديم الكلمات المناسبة لها، وأخذته ذكريات هذا الصباح للأحداث التي جرت بعدها......
فبعد أن ألقت قنبلتها برغبتها بالذهاب لمنزل عائلتها على طاولة الافطار دون أن تلتفت لطلب الاذن منه كأنها تفرض عليه طلبها فرضا من خلال جدته، فهي تعلم فبعد أمرها لا مجال للرفض، فكان مجبرا للخضوع لخدعتها الدنيئة بالنيل من مبتغاها.
كان الغضب قد سرى بداخله مثل النار بالهشيم، والرغبة بقتلها تلوح بالأفق، وسيرمي جثتها بالبحر لينهش سمك القرش لحمها الغدار.
- من حقج يا بنتي تروحين لأهلج، وسلمي عليهم وخبريهم بعد عن العزومة يلي بتصير في بيتنا، وإن شاء الله أول ما نحدد اليوم بنتصل فيهم وبنخبرهم .
- إن شاء الله يومه، تسلمين يا الغالية.
نهض من مكانه بصمت مريب فتسلل الرعب لخافقها من التفرد معه بالسيارة، وقالت بسرعة وهي تنظر لطفليه والتي كانت للصدفة ابنته متوسلة للذهاب، فنطقت بسرعة قبل أن يخرج من غرفة الطعام:
- حنان عبدالله شو رايكم تروحون معانا ؟؟.
توقف فجأة عن الحركة، وأغمض عينيه، ما الذي تفعله به هذه الصغيرة؟؟.. هل تلاعبه أم تحاول قتله بالتسبب له بأزمة قلبية؟؟.
هتفت الصغيرة بفرح وهي تقفز مصفقه ببهجة بأنها سترافقهم، وابتسم الجميع بحبور، ولم يعلموا بخفايا الأمور.
ارتدت عباءتها بعد أن غسلتها الخادمة وكوتها فهي لا تملك غيرها ثم خرجت بسرعة من غرفتها غير راغبة بلقائه منفردين، واتجهت ناحية غرفة الطفلة الصغيرة التي دخلت قلبها على الفور ما أن تعرفت عليها. كانت قد انتهت، وارتدت فستان قصير وردي اللون ذا طبعات من الورود الزرقاء الصغيرة عند الأطراف، وأتبعته بحذاء طويل الرقبة أبيض اللون وصل لما تحت ركبتها، وارتدت قبعة فوق شعرها الأسود الناعم، تأملتها بإعجاب وقالت :
- ما شاء الله شو هذا الجمال!!.. عيني عليج باردة، ربي يحفظج من العين.
دارت حنان حول نفسها كما عارضات الأزياء وسألتها بلهفة طفلة تبغي جذب انتباه والدتها إليها:
- صدق أنا حلوة؟؟.. الفستان حلو علي؟؟
اقتربت منها وأمسكتها من جنتيها تعتصرهما قائلة بابتسامة :
- أميرة وما في حد مثلج.
واعتدلت متحركة للخارج ممسكة بكفها الصغير وهامسها بوجل:
- يلا حبيبتي خلينا نروح ونجوف أخوج خلص ولا بعده، قبل لا نتأخر على أبوكم.
خرجتا سوية واتجهتا لغرفة عبدالله وهناك وجداه قد انتهى من ارتداء ملابسه المكونة من دشداشة بيضاء وحمدانية حمراء اللون.

استقل الجميع السيارة وعندما تحرك باتجاه السوق رفضت وطلبت الذهاب أولا لعائلتها، وبالطبع لأنه فاض الكيل منها لم يستمع لطلبها بل زاد من سرعته باتجاه السوق كأنها لم تتحدث أبدا.
وصلا لأحد المولات الكبيرة وظلت جالسة بمكانها مبهوته من هذا المنظر الجديد عليها، أبدا لم تذهب بحياتها لأحد المراكز التجارية ، فالأماكن الوحيدة التي تستطيع الذهاب إليه هو السوبر ماركت والمستشفى، أما هذا فشيء مختلف!!.
فتح الباب وهمس ببرود، وصوت خفيض كي لا يسمعه أولاده:
- بتنزلين ولا شو؟؟
هزت رأسها موافقة ونزلت وطفقت عيناها تنهل من روعة المكان وكأنها قد خاضت احدى أروع الأشياء التي لم تختبرها ولم تحلم بها قط بحياتها. كانت بعالم آخر، عالم خيالي وليس بواقعي، ولولا وجوده معها لكانت بالفعل اعتقدت بأنها تعيش بأحد أحلامها.
وبالطبع قد غاصت بها ولم تسمعه ولم تناظره كي لا يفسده بعينيه الغاضبة، ولا بملامحه المتجهمة، فقط هي والطفلة بعالمهم الخاص كلتاهما تدخلان هذا العالم لأول مرة لكن بطريقة مختلفة.. حنان تختبر الشراء مع أم، وعنود تدخل دنيا غير دنيتها.
دخلوا أحد المحلات الفخمة الخاصة بالجلابيات فطارت عينيها لتلك الملابس والقطع الفنية الرائعة، وعندما اقتربت من احدى الجلابيات أمسكت بورقة مدلاه منها وقرأتها وأعادتها لمكانها وقد ندمت لقراءتها، وعندما هم بالشراء رفضت وخرجت من المحل فأسعارهم بحجم الصرح الهائل الذي يقع به.
داومت على الرفض على الشراء فما كان منه سوى أن قام هو باختيار مشترياتها من ملابس وحاجيات خاصة بها، وأحذية وغيرها من الأشياء الضرورية وخرج الجميع محملين بعدة أكياس، الفتيات سعيدات والرجال متأففين متململين وكارهين لهذه الآفة التي تسمى الشراء، ويتساءلون ما الذي يعجب النساء بالدوران بتلك المراكز طوال النهار دون كلل؟؟.. فهم يصابون بحمى الشراء بمجرد دخولهم السوق، وأحيانا يخرجون من المحل دون شراء أي شيء ويقولون بأنه لم يعجبهم شيء، فيقف الرجال مصدومون وهم ينظرون للمحل الذي يكاد أن يطفح من الملابس التي لديه.
تحركت السيارة بعدها تقلهم لوجهتهم الأخرى وعندما تراءت لها المناظر المألوفة لها عندها فقط بدأ قلبها يخفق بشدة، ولهفتها تظهر على محياها كطفلة صغيرة تاهت بأرض غريبة وقد آن أوان عودتها للمنزل.
ابتسامتها مشعة، وعيناها مبتهجة، وملامحها تنطق بكل معالم البراءة والفرح، وكلما اقتربت من المنزل تسارعت دقات قلبها، ولهفتها بلقاء شقيقها تزداد وبشدة.
عاد لواقعه وهو يناظرها الآن فسبحان الله من كان يراها من قبل يشك من أن من يرقد بهذا الفراش هي ذاتها صاحبة الابتسامة السعيدة.
أشاح بوجهه عنها وأخذ يتأمل الغرفة الساكنة مثل صاحبتها وعادت الصور تتقاذف إليه......
كان يراقبها من طرف عينيه ويلتقط خلجات ملامحها من سعادة لتلهفها ويتساءل ويتعجب لما هي مستعجلة للعودة؟؟.. هل هذا لأنها تشتاق لعائلتها أم لشيء آخر؟؟.. أم هي رغبة بالبعد عنه؟؟.. فغيابها عنهم لم يدم سوى أسبوع واحد فقط، وهنا توقف يتأمل ويتفكر اسبوع واحد فقط وقد تغيرت حياته، وانقلبت رأسا على عقب، ولا يعلم إن كان سيستطيع استرجاعها أم لا؟؟.. في الحقيقة تغيرت حياته منذ أن التقاها.
توقفت السيارة عند أحد المنازل الجميلة نوعا ما، وترجلت بسرعة دون أن تنتظره حتى لإيقاف سيارته، وأخذت تسرع بخطواتها ودخلت المنزل مغلقة الباب خلفها.
ظل يناظر الغبار الذي خلفته خلفها، ولوهلة واحدة فقط بل لأقل من ثانية ساوره شعور بغيض بالحرمان وعاد يثنيه بعيدا راكلا إياه لأقصى مكان يستطيع به إيصاله، فكيف له أن يشعر بها كذا شعور ناحيتها؟؟.
لم يرد النزول والدخول والتعرف على عائلتها فهو بهذا يفتح المجال لعدة أشياء أخرى هو بغنى عنها، لكن سؤال ولده أحرجه:
- ما راح تروح وتسلم على أهلها؟؟.
زفر بضيق، هذا لم يحسب حسابه أبدا!!.. فهو قدوة أطفاله، والأصول هي الأصول.
تلكأ بالنزول وتباطأت حركته وانشغل بعدة أشياء يضيع بها الوقت، وعندما لم يجد بدا من ذهابه خرج فاردا قامته العملاقة وأخرج سبحته من جيب دشداشته كانت بلون العقيق الأخضر ذكرته بعينيها العشبية، التفت لأولاده وأمرهم بعدم النزول فهو لن يتأخر كثيرا فقط سيؤدي التحية وسيبرر بأن أولاده متعبون ويرغبون بالعودة للمنزل سريعا، لكن ما أن وقف عند عتبة الباب حتى وصلته زمجرتها الغاضبة والناقمة لشيء ما لم يتبين ما هو، وما كاد يطرق الباب حتى اندفعت هي خارجة منه وخلفها والدها ينهرها بشدة لكلامها العنيف والغير مقبول الذي رمته بوجه زوجته ويطالبها بالاعتذار.
التفتت إليهم بوجه محتقن، وهدرت بهم بعويل باكي محمل بشحنات ناقمة على هذا العالم أجمع:
- والله.. ما تأسفت!!.. وللموت ما سمعت مني أي كلمة أسف!! .
اقترب منها والدها وجنون أعاصيره تظهر على ملامحه ويبدوا أنه لم يره وهو يقف بجانبه، ونية الضرب تلوح بقبضته التي تهتز على أثرها.
- عنود... بتعتذرين وغصبن عنج وع....
بتر جملته ما أن تحرك طيفه ظاهرا بالصورة بوقوفه بجانبها وهنا ارتبك وتلعثم وهمس:
- أبو عبدالله!!... هلا.. هلا بك، ما كنت أعرف انك موجود؟؟.
رماها بعتاب لم تهتم به فعيونها كانت تعانق الفراغ، فاقرب والدها من حمدان مصافحا.
- تفضل يا بو عبدالله، حياك البيت بيتك.
حياه باقتضاب وقال بصوته الجهوري:
- لا.. مشكور يوم ثاني إن شاء الله، بس شو السالفة؟؟.. صوتكم واصل للشارع؟؟
ارتبك وتحدث بتلعثم:
- لا... ما في شي... بس... بس.. عنود زعلانه شوي، علشان ما خبرناها إن... إن... أخوها مات.
وخفت صوته بنهاية الجملة، والخجل يعتريه من نظرات زوج ابنته المصدومه ثم ما لبثت أن تحولت للاحتقار والاشمئزاز.

ام حمدة 13-12-16 06:14 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
تراجع ناظرا لعينيها الغاضبتين والجامدتين، كانتا للتو مليئة بالسعادة والفرح وخلال بعض الوقت ما بين اختفائها خلف جدران هذا المنزل حتى تحولت وتغيرت وقد توسدت مقلتيها الموت.
أمسكها من عضدها هامسا باسمها برقة لم يعلم بوجوده من أجلها:
- عنود
ناظرته بضياع ثم توحشت وهمست بأوتار صوتية مشروخة:
- انت السبب!!... انت السبب!!... بسببك انت أنا ما شفته!!
ارتفع صدرها وانخفض بسبب انفعالها الشديد كأنها تبذل جهدا مضاعفا كي تنطق جملها.
واقتربت منه تاركة انشات قليلة فقط لتفصل بينهما، وأشارت له وهي تعيد رميه بأنه السبب فتساءل ما الذي تهذي به؟؟.. ولما هو السبب؟؟.
وقفت أمامه تطالعه بنظرات حمراء محتده، وغرست اصبعها بصدره هامسه ببكاء مكتوم وحار:
- شو كان بصير عليك لو وديتني لهم؟؟.. شو كان بصير عليك لو خذتني له علشان أشوفه وأطمن عليه؟؟..
الفتت إليهم صارخة:
- وأنتو ليش ما خبرتوني؟؟.. كيف سمحتوا لنفسكم انكم تخبون عني أخباره؟؟.
اقتربت زوجة والدها قائلة بمداهنة غريبة عليها:
- يا بنتي ما كناش عارفين نمرة تلفونك علشان نؤلك على الخبر دا.
رفعت سبابتها واضعة إياه على أنفها وقالت بأنفاس مشتعلة:
- جب!!... انت جب ولا كلمة!!.. ما بي أسمع نفس واحد منج!!.
زجرها حمدان لأسلوبها الفض بالحديث مع تلك المرأة التي لا يعلم من هي.
- عنود... احترمي يلي أكبر منج.
- ما راح أحترم أي أحد، ما راح أسمع كلام أي أحد، هذيلا يلي تبيني أحترمهم سرقوه عني، أخذوه مني، دفنوه من دوني، وما خلوني أودعه.
سكتت وتهدلت أكتافها وهمست بوجع مبكي :
- راح بدون لا أبوسه، راح بدون لأودعه وأكون معاه، أخذوه مني، حرموني منه.
رفعت عيناه إليه متسائلة وضائعة:
- ليش يسون فيني جذا؟؟.. ليش؟؟.
أشارت لوالدها بانكسار:
- هو يعرف مكاني ووين بيتك، ليش ما جا؟؟.. ليش ما قالي؟؟.
طالعتهم بخواء وضياع ثم التفتت تسير بتيه خارجة من هذا المكان الذي سرق منها حياتها ولم يبقى لها شيء هنا لتحارب من أجله.
تبعها ممسكا إياها من أكتافها وقادها بسهولة ناحية السيارة وأجلسها لتنقاد مطيعة أوامره.
سكت الأطفال عند رؤيتهم لها بهذا الشكل الغريب، فللتو كانت تضحك والآن هي جامدة كأن الحياة قد فارقتها، فآثروا الصمت.

وها هي الآن منذ أن أحضرها وهي تضجع جسدها بهذه الوضعية دون تغيير، وانتشر بين عائلته خبر موت شقيقها وجاؤوا ليعزوها بوفاته، وليحادثوها ويحاولوا اخراجها من قوقعة حزنها، لكن لا حياة لمن تنادي.
وقف يراقبها وما زالت الحيرة تعصف به.. ماذا عن كل تلك الأشياء التي قيلت بحقها؟؟.. هل هي كذب أم أن هذه الصغيرة ممثلة ماهرة؟؟.
هل فعلا تشعر بالحزن لموت شقيقها؟؟.. وما علمه عنها بأنها لا تملك من مشاعر الانسانية أي ذرة، وهل بالفعل تملك مشاعر بقلبها ناحية شخص ما؟؟.
وهمس لنفسه عندما اقترب منها ووقف بالقرب من السرير:
- هذا هو مايد يلي كنت تنادينه يوم مرضتي؟؟.. أنت ما قلتي وما طلبتي؟؟.. فكيف تبيني أعرف؟؟.
طالعها للحظات بتردد، ثم مال ناحيتها مادا ذراعه بمحاولة للمواساة فعاد أدراجه والتفت مغادرا الغرفة.
بعد مرور بعض الوقت دلف للغرفة بعد مغادرة والده، واقترب من سريرها وهو يراها بحالة شبه ميتة لا تتحرك أبدا، جسدها ساكن تكاد لا ترى صوت تنفسها.
خطوة أخرى وجاورها بالفراش وتأملها.. وجهها شاحب، وعيونها جامدة وغارقة بمكان ما، وشفتيها جافة قد غادرها لونها الطبيعي كما غادرتها الفرحة التي كانت قبل قليل تنتعش فيها.
وضع كفه الصغير على وجنتها وقال بحنو:
- ليش زعلانه؟؟
لا رد
- انت زعلانه لأن أخوج مات؟؟.
رمشة.. إذا هي تسمع، وأكمل:
- المفروض انت ما تزعلين؟؟.. لأن أخوج ألحين عند الله.
دمعها تبعتها دموع أخرى تبكي رحيله.
تحرك كفه يمسحها بحنان زاد من تدفقها لتهمس بصوت جاء من مكان سحيق جدا عاصره الجفاف منذ دهور:
- أنا مودعته، وما قلتله اني أحبك.
وأسدلت رموشها تندب موته، فعاد عبدالله يكمل:
- لا تبجين... انت كذا تعذبينه!!.. وانت ما تبيه يتعذب بالقبر صح؟؟.
ندت منها آه ألم وهمست بوجع:
- غصب عني، والله غصب عني!!.. هي لحالها تنزل.
اقترب منها أكثر ويده تحولت على شعرها، وأخذ يمسح عليه بحنية لم تجدها أبدا طوال حياتها، فزاد فيها شعور اليتم بداخلها، واحساس بالمرارة غلف كيانها، وعواطف بالغدر والخيانة تعتصر صدرها، والدها يفعل بها هذا!!.. ألهذه الدرجة يكرهها!!.
- لا تبجين يا عنود، أكيد أخوج يعرف إنج تحبينه، أنا ما عرف شو لازم تسويه بس الأكيد يعني إنج تصلين وتدعين له إنه يدخل الجنة، وإنج ما تبجين وايد، صح يلي قلته؟؟.
حركت رأسها تطالع هذا الفتى الصغير بسنه لكنه كبير بعقله وقلبه، وابتسمت بألم وحب وهمست بصوت قد غادرته قوته:
- صح... كلامك صحيح
ورفعت رأسها قليلا لتوازيه وطبعت قبلة طويلة على جبهته ثم نهضت بمساعدته ووضعت قدمها على الأرض تستشعر البرودة تحت قدميها كما تستشعر الصوت الذي ينادي ويغذي روحها الطائقه للراحة، ولا توجد راحة أكثر من الوقوف بين يدي رب العالمين تناجيه وتطالبه بمدها بالصبر والثبات على هذه المصيبة التي حلت عليها.
نهضت مترنحة دائخة خائرة القوى، مستنزفة لحد الهلاك، لكنها تماسكت ووصلت لدورة المياه دخلت وأوصدت الباب خلفها بعد أن احتضنت الصغير بعاطفة وحنان وشكر لوقوفه بجانبها بالرغم من صغر سنه، أهدته قبلة على قمة رأسه، وشيعته بابتسامة واهنة وهو يخرج من الغرفة.
استحمت جاعلة الماء الدافئ يجتاح جسدها بقوة آخذا معه طاقتها السلبية وخرجت من تحته مولوده جديدة لم تعد تخشى الحياة، فمن كانت تتحمل من أجله البؤس والشقاء قد غادر عالمها، والآن لا حاجة للتذلل .
ارتدت من الملابس التي اشتروها في الصباح، واتجهت للقبلة بقلب خاشع وروح مكسورة لكن ليس بعد الآن.
ظلت تصلي الفروض التي فاتتها فقد حل الليل وأخذت تناجي ربها بالرحمة لشقيقها وبالصبر من أجل فراقه وبعد انتهائها آوت للفراش ونامت .
مر هذا اليوم كئيبا وبطيئا للجميع وخصوصا هو، فبعد أن تركها اتجه لعمله هاربا مما يريدون منه فعله، هو لا يريدها فكيف له أن يواسيها ويشد من أزرها؟؟.. بل كيف يصدقها!!.. فهو لا يثق بها ولا يريد أي صله معها، صحيح أنها زوجته، لكن تلك الصفة ستنزاح من على كاهله قريبا.
أغرق نفسه بالعمل دون راحة، كأن بعمله الدؤوب يبعدها عن عقله. لحظات حتى طرق الباب ودخل سكرتيره وبيده عدة ملفات.
- يا طويل العمر هذي الملفات يلي طلبتها كلها موجودة وجاهزة.
- تسلم يا بو بدر
سكت قليلا ثم عاد يسأل:
- مرزوق اتصل؟؟
- لا يا طويل العمر
- طيب... ألحين ما بي أي ازعاج، واطلبلي قهوة .
- ان شاء الله يا طويل العمر، أي طلبات ثانية؟؟.
هز رأسه نافيا ثم عاد يغرق نفسه بالمزيد من الأعمال وعاد للمنزل بآخر الليل يترنح من التعب والارهاق ودخل جناحه دون أن يقابله أي فرد من العائلة وكان هذا من حسن حظه، فهو قد سئم من المحاضرات بكيف يكون الزواج، وأن عليه أن يقف بجانب زوجته بوقت محنتها .
دخل كما اللص ووقف عند عتبة باب غرفتها ممسكا بأكرة الباب... عقله يخبره بعدم جدوى أفعاله، وفضوله يحثه للتقدم ورؤية وضعها، فغلب عقله المستحكم دائما واتجه للغرفة الأخرى مغلقا الباب خلفه.

حل يوم صباح جديد، صباح لا يتنفسه شقيقها، صباح لن تنهض فيه لتصبح عليه وتتسامر معه.
صباح لن يحل عليهم ليذهب للمدرسة، فهذا اليوم قد انتهى ولا مجال للحلم أبدا.
تطلعت للنافذة التي أشرقت الشمس خلفها ثم تطلعت للساعة كانت تشير للثامنة صباحا، لقد نامت كثيرا وقد فاتتها صلاة الفجر، تضايقت من هذا الأمر أبدا لم يفتها فرض، ومنذ لقائها فيه وقد تغيرت حياتها .
نهضت بجسد متألم ومتشنج، وعادت تستحم بماء دافئ ثم خرجت وارتدت ملابسها وأدت صلاتها وما هي لحظات حتى سمعت طرقات على بابها ثم دخلت الخادمة مخبرة إياها بأن ضيوفا ينتظرونها بغرفة الجلوس.
تعجبت للأمر، فهي لا تملك صديقات كثيرات بسبب حبسها بالمنزل دون القدرة على الخروج وزيارة أحدهم، والصديقة الوحيدة التي مازالت على اتصال معها كانت قد سافرت برحلة، وتساءلت من يعرف بزواجها ويعلم محل اقامتها؟؟..
ارتدت شيلتها وخرجت بتأني وهناك وجدتهما تجلسان، وعلى عيونهما ظهر الطمع والجشع، ومقلة احداهما تتصيد فريستها.

ام حمدة 13-12-16 06:15 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل العاشر....

وقفت تراقب من بعيد لتلك السيدتين الجالستان وعلى وجوههم ابتسامة شيطانية كمن وقع على كنز ثمين أو اكتشفوا مغارة علي بابا.
زوجة والدها تتأمل جمال المنزل وبأثاثه الثمين، وتلك الاخرى ابنتها ابتسام عيونها لم تحد عن المدعو زوجها بدعوة صريحة لا تخطئها عين، وتتلاعب بسلسالها على جيدها القشدي بحركة جريئة جدا، والأخرى عيونها تعانق الأرض بخجل من أفعال والدتها وشقيقتها، وتفرك كفيها بتوتر من اللقاء المترقب.
نعم... هي تعرفها كما تعرف كفها، أليست هي من قامت بتربيتها والاعتناء بها منذ أن كانت طفلة رضيعة؟؟.. الغبية!!.. هي خائفة منها، تخاف عتابها على عدم اعتنائها بشقيقها، وهي واثقة كل الثقة بأنها بذلت كل ما في وسعها للاهتمام به، والعتاب ليس من المفترض أن يكون عليها بل على الآخرين.
ارتدت عيناها بشكل لا ارادي تتأمل القابع هناك كما العادة يجلس بهيبته ووقاره، ويشرب قهوته وعيونه بالطبع هناك عند تلك الفاتنة التي لم تخفي شيء من جسدها، وكما يقال "مستورة ومكشوفة" هي ترتدي عباءة لكنها ليست بعباءة... فتلك تشبه الفستان بلونها الأبيض، مطرزة بشكل طولي من قبة فتحة الصدر إلى أن تصل للأسفل، تضيق عند خصرها بحزام أسود ثم تتوسع بموديل فرنسي.
والحجاب... نعم هي تضع شيلتها، لكن شيلتها بيضاء كما لون عباءتها ووضعتها عند آخر طرف من رأسها، وشعرها الأشقر المصبوغ بعناية قد وضع بتسريحة جميلة كما تعودت منها، وقذلتها الطويلة وضعتها على جانب وجهها، أما ملامحها فكانت مبهرة للنظر بجمالها الهادئ والمثير وأي رجل طبيعي لن يستطيع ابعاد عينيه عن هذا الجمال الرباني الذي هباه لها.
شخرت باستهزاء وقد اكتشفت بأن زوجها طبيعي مائة بالمائة .
دارت مقلتيها للجهة الأخرى والدها يجلس براحة وابتسامة متشدقه تتوسد شفتيه ولا يبدوا عليه الحزن على وفاة ولده قبل أيام فقط، وغامت عيناها بحزن فشقيقها كان كالهم الثقيل على أكتافه وقد انزاح الآن ولم يعد شيء يثقل كاهله، فكلاهما قد غادر منزله..
نار شعرت بها تحرق فؤادها، وحريق يستعر بأحشائها، وغضب كاسح يسري بدمائها ويرغب بالتدمير.. فقط التدمير!!.
وانطلقت مظهرة نفسها وشعاع فيروزها الأخضر ينذر بعاصفة هوجاء التقطه بسرعة بعد أن حانت منه التفاته بسيطة للخلف كأنه استشعر وجودها.
ازدرد ريقه من جمالها المتوحش البري بحاجبيها المعقودان، وعيونها الذباحة والشرسة، وأنفها الطويل الشامخ كالطود العالي، وفمها بالرغم من جموده إلى أنه مازال يملك سحره الخاص، وصفحة وجهها بالرغم من شحوبها إلى أنها ما تزال تملك فتنة أسرت عيناه.
سارت ناحيتهم ببرود غلف جسدها بالكامل واقتربت من والدها ومدت يدها تسلم عليه وابتسامة هازئة تلوح على ثغرها جعلته يشيح بوجهه عالما بمقصدها، ثم تحركت ناحية زوجة والدها التي بادرتها بابتسامة كبيرة وذراع مرفوعة تبغي عناقها.
- ازيك يا بنتي يا عنود؟؟.. وحشتينا وجينا نسلم عليك.
تراجعت للخلف غير راغبة بعناقها الزائف، ورمتها بنظرات متعجبة كأنها تقول" منذ متى وأنت تعانقينني؟؟"
رفعت لها كفها مصافحة إياها ببرود جعل الأخرى ترتبك من الاهانة التي ألحقتها بها، ولم تهتم عنود للتحقير الذي صفعته بها.
تقدمت من الأخرى والتي كانت أذكى بكثير من أن تضع نفسها بموقف لا يحسد عليه، فقط فردت كفها لتسلم عليها وعيناها الماكرتان لمعتا بشدة، وبخبث قد بدأت برمي شباكها على فريستها، أيضا لم تهتم بها واقتربت من تلك الصغيرة والتي ترزح أكتافها بهم أثقل أكتافها الصغيرة بجرم لم يكن لها يد فيه.
ارتخت ملامحها بحنان واقتربت منها محيطة إياها بحضن دافئ تفاجأ الجميع منه، وربتت على ظهرها بأمومة وحنو جعل الصغيرة تتشبث بها وتبكي بصوت عالي، وأخذت تشهق بكلمات الاعتذار:
- والله ما كنش بإيدي!!.. أنا حاولت زي ما فهمتيني ازاي اديلوا الدوا بتاعه، أنا أسفة!!.. سدئيني حاولت إني أساعده لكن......
أبعدتها عن حضنها وابتسمت لها بوهن، وهمست لها بتعب:
- هششششش هشششششش، لا تبجين، أنا عارفة انج ما قصرتي معاه.
مسحت دموع شقيقتها برقة وتابعت تقذف من خلفها حممها ببرود دون أن تبالي بمن معها أو تجرح من:
- العتب مب عليج حبيبتي، العتاب على الكبار يلي المفروض هم يلي يهتمون فيه.
- عنود... خلاص يلي راح راح، خلاص ما له داع هذا الكلام.
وصلها صوت والدها كما صوت النشاز وقد آلم أذنيها، فلم تجبه بل تابعت ما تفعله مع الصغيرة، مسحت على رأسها وقبلت قمة رأسها وقالت دون أن تلتفت باتجاهه:
- ما راح شي، وحق أخوي باخذه إن ما كان بالدنيا راح أطالب فيه بالآخرة، وما راح أسامحكم فيه أبدا!!.
شهقات ارتفع صداها لتصل لعنان السماء من تصريحها القوي، ووجوم حل على أفراد عائلتها، والتفتت كملكة برأس شامخ وعيون محتدة تبرق ببريق مخيف جعلهم يبتلعون لعابهم برعب، وجلست وتربعت على عرش مملكتها بقوة وصلابة كما الجبل الشامخ بعلوه وبهيبته.
لا يعلم ما الذي اعتراه؟؟... أحاسيس زلزلت كيانه، وروحه طفقت تنتشي بلذة قد غادرتها منذ سنين طوال، حياة سرت بداخله مدغدغة عواطفه الرجولية، ناظرها لدقائق ثم أشاح بوجهه مبتعدا عن ذبذباتها القوية التي تجذبه لمحيطها، وهنا استشعر الخطر!!.. خطر من الوقوع وهو قد اكتفى من اللدغ من الجحر ذاته.
- يا بنتي يا عنود مب زين منج تقولين هذا الكلام، الموت مب بيدنا هذا أمر الله، وأخوج هذا يومه ما حد يقدر يأخره أو يقدمه.
- أيوه يا ختي أوليلها، احنا معملناش حاجة، البنت أمون ما أصرت معاه، وقايمة بالواجب، هي دخلت الأوضة بتاعته وشفته انه خلاص مات.
تحدثت بغيض وذراعها تتحرك مع كل كلمة، وغواشيها التي تصل من رسغها لحدود كوعها تتحرك معها مصدرة صوتا مسموعا كأنها تخبرهم أنظروا إلى ما أرتديه.
رمتها بسهام مقلتيها وجعلتها تبلع الباقي من دفاعها الواهي وقالت موجه حديثها للجدة:
- أنا مب معترضة لحكم رب العالمين!!.. أنا معترضة لنفوس البشر!!.. معترضة إنهم استخسروا فيني وداع أخوي الوحيد، إني أناظره لآخر مرة.....
سكتت وتهدج صوتها بنوبة بكاء توشك على الاندفاع، لكنها كتمتها وبشدة وأكملت:
- أخوي مب رايح لسفر وراجع، أو رايح مكان وأقدر بعدين أجوفه.
سكتت تبتلع غصة استحكمت ببلعومها وأكملت بأنين مكتوم:
- يا ناس.. هو رايح للأبد، يعني ما أقدر أجوفه مرة ثانية، وجايين تقولون انه عادي إذا ما جفتيه، وما صار شي.
سكتت قليلا تلتقط أنفاسها المشتعلة بوقود غير قابل للإطفاء.
- والله... والله.. ويلي خلق السما والأرض ما أسامحهم!!.. وهذا أنا حلفت وحقي وحق أخوي باخذه... باخذه!!.
وارتجف جسدها من إنفعالها، واحمر وجهها ليغدوا كما حمم البركان.
طالعها الجميع باندهاش ولمدى قوة كلماتها، فنهض والدها غاضبا لتحقيرها لهم، وعدم احترامها لوجودهم بمنزل زوجها، ليصرخ آمرا بأفراد عائلته بالمغادرة:
- يلا روحنا على البيت، شكل البنت خرفت وما عاد تحترمنا، من يوم تزوجت وجافت حالها فوق واحنا صرنا ما نليق لها.
ناظرتهم بثبات ولم ترخي جفونها، وظلت على هدوءها البارد دون أن تتفوه بحرف واحد تنفي أقواله، ليعود الأب زاجرا هذه المرة بقوة
- قلت يلا روحنا!!.
وانطلق مغادرا وعم حمدان يحاول أن يهدئ من غضبه وافهامه بأن ابنته لا تقصد ما قالته، هي فقط غاضبة من أجل شقيقها، لكن والدها لم يهتم ولم يراعي ما تمر به، بالأصل متى اهتم بما تشعر به وما تحتاجه؟؟.
تبعه الجميع.. زوجة والدها حانقة وتدب بأقدامها الثقيلة بالأرض، وفمها يتحرك بالسباب واللعنات، وابتسام لم تهتم بل تابعت توجيه ابتسامتها بوقاحة ناحية حمدان الذي وقف يناظرهم بصمت، أما آمنة تلكأت بالرحيل وكانت تناظر شقيقتها بشيء من الرهبة، تعرفها عندما تغضب، الكل يهابها عندما تثور حتى والدها.
أرادت الاقتراب منها لكن وجومها واحمرار وجهها وجمودها يمنعها من التقدم.
حركت عنود رأسها باتجاهها وشاهدت بعينيها الكثير من الحديث، والشوق إليها قد أضناها، هي طفلتها التي ربتها، خففت من حدة ملامحها ونادتها بعاطفة استغربها الجميع!!.. لما تكنه لهذه الفتاة دونا عن الأخرين؟؟.
اقتربت أمون منها وركعت عند قدميها لتضع عنود كفها مربته على رأسها وتابع الجميع هذا المشهد الغريب بسكون غير راغبين بقطع هذا المشهد المؤثر.
- عنود الله يخليج لا تزعلين مني!!.. تراني.....
قاطعت جملتها الاعتذارية وهمست لها بشرود:
- قلتلج حبيبتي أبدا لا تتأسفين!!.. ومايد راح لأن يومه جا وما نقدر نسوي شي.
تنهدت بزفرات حارة ساخنه موجعه لقلبها وتابعت:
- صدقيني يا أمون ما كان قصدي يلي صار، لكن هم يلي جبروني على كذا.
- أدري.. والله أدري
ضحكت عنود مغتصبة نفسها وقالت وهي تقرص وجنة شقيقتها:
- أمون... كم مرة قلتلج اثبتي على لهجة وحدة.. يا مصري يا خليجي!!
ضحكت الأخرى ثم ما لبثت تلك القهقهات أن تحولت لبكاء، لتغرس رأسها بحضن اشتاقت له كثيرا.
- اشتقتلج وايد، وصرت أقعد لحالي وما حد يقعد معاي، انت كنت تهتمين فيني ألحين محد يسأل علي مريضة، صاحية، شو فيني أو شو أبي...
سكتت تشهق ببكائها وتمسح دمعاتها التي ما تنفك لتعود تبكي وحدة صارت رفيقتها الدائمة برحيلهم.
رفعت عينان سكنهما وحش الفراغ، وغربة بين أهل استحبوا أنفسهم.
- عنود ما راح ترجع.......
بترت كلمتها وتطلعت لجانبها لتنظر لذلك الصرح الشامخ الذي يناظرها بنظراته المهيبة، فعضت على لسانها غير قادرة على قول كلمتها لكنها كانت مفهومة على الجميع.
انحنت عنود ناحية أذنها وهمست لها بشيء ما جعل تلك الشابة تبتهج بسعادة وفرح، وتنهض معتدلة ومسحت تلك القطرات التي استنزفت طاقتها، ليشرق وجهها بالبهجة والسرور.
قطب حاجبيه وتساءل.. ما الذي قالته لها لتجعلها فرحة؟؟.. وما الذي تنوي فعله تلك الصغيرة؟؟.
- طيب أنا لزمن أروح دلوأتي، خايفة يحدفوني من شباك العربية على تأخيري.
ضربتها عنود على رأسها بخفة، وقالت بعيون ضيقة:
- اللهجة يا بنت، راح تدوري براس الناس، المساكين ما يعرفون يتابعون مصري ولا خليجي.
- أسفة مش أصدي!!.. هي بنفسها بتتغير لحلها يعني هي...
ابتسمت لتبتسم لها، وعانقتا بعض بقوة وغادرت آمنة ولكنها عادت راكضة وقد أخرجت من حقيبتها ورقة مطوية بعناية أهدتها لها ثم رحلت بسرعة فبوق سيارة والدها يكاد يوقظ من في غيبوبة .
طالعت الورقة باستغراب، ورفعت جفنيها تطالع الباب ثم عادت تناظر الورقة بتوجس وخوف سرى بأوردتها من مضمونها، وكأنها علمت وعرفت ممن هي لتكسر دمعة واحدة حدة جمودها مخبرة الكل بأن هناك حياة تقبع بداخلها، لكن مصائب الدنيا جعلتها على ما هي عليه من صلابة.
همست بخفوت:
- اسمحولي تعبانه وودي أرتاح .
لم تنتظر الاذن وغادرت متوجه للطابق العلوي لجناحها وهناك أغلقت الباب خلفها وجلست على سريرها وفتحت الورقة بعد معركة ضارية مع نفسها الخائفة بما تتضمنها حروفه، لتفتحها بعد أن تغلبت عليها أشواقها لسماعه وشرعت بقراءتها.
***************************
- عجبك يلي عملته المحروسة بنتك؟؟.. دي أكلت وشنا أدام الجماعة، حيؤولوا علينا ايه دلوأتي؟؟.
أخذت تسير وتجيء وهي ترغي وتزبد فما فعلته لهم اهانه كبيرة لا تغتفر!!.. والمشكلة كانت أمام عائلتها، عائلة قد علمت مدى ثرائهم وجاءت تستقصي الوضع لترى إن كانت تستطيع أن تستفيد من الأمر، لكن تلك الحقيرة أفسدت مشروعها فعادت ترمي بحنقها على زوجها الذي اسود وجهه من شدة نار غضبه على فعلة ابنته الرعناء.

ام حمدة 13-12-16 06:16 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
- انت مش حتعمل حاقة تردلنا اعتبرنا؟؟.. بنتك أكلت وشنا أدام القبايل، حيؤولوا علينا ايه دلوأتي؟؟.. يخرابي!!.. أنا نفوخي حتنفجر يا عالم.
وأمسكت كفيها الضخمين تفركهما مع بعضهما وصاحت:
- نفسي تكون بين ادي وأطعها حتت.. حتت .
ثم صرخت بزمجرة حانقة وجلست رامية بثقلها على الأريكة.
طالعها زوجها بطرف عينه ثم عادت عيناه تتطلع للفراغ بغموض غريب ثم اختفت فجأة ونهض مغادرا الغرفة، لتضرب أزهار كفوفها وهي تتطلع لظهر زوجها وقالت بتعجب:
- شوفوا الراجل!!.. أنا أعده بكلمه وهو ولا هنا، شكل كلام البنت لحست دماغه، أحسن.. خليهم يحترؤوا كلهم ويولعوا ببتقاز وأنا مالي ومالهم.
ثم التفتت لابنتها لتراها بوادي آخر، تتلاعب بخصلات شعرها وعيونها ساهية بمكان ما، ضيقت الأم عيناها وتابعتها تراقب شرودها ثم همست:
- بت يا ابتسام، مالك انت الأخرى؟؟
لا رد، فعادت تناديها بصوت أعلى:
- ابتسام.. مالك يا بنتي؟؟.
- ها... ما فيش.. مفيش يا ماما
سكتت وتلفتت حولها وسألت باهتمام بالغ:
- هو عمو محمد راح فين؟؟.
- خرج
- طيب وانت قعده هنا ليه؟؟.. ما تروحي تطيبي خاطره بكلمتين من بتوعهم وتكسبي شويتين.
- والله عندك حق يا بنتي، سبيني أروح وأطل عليه، سواني ورجعة.
- خذي راحتك يا ماما
تحدثت وعيناها تقتنص الهاتف المحمول الخاص بعمها على الطاولة، وما أن خرجت والدتها حتى انقضت عليه تبحث فيه عن غايتها.
*************************
هل هناك ما هو أشد من الشعور بالموت؟؟.. وبأن أنفاسك تنسل منك واحدة تلو الأخرى؟؟... بلى هناك ما هو أشد وطأة من تلك الأحاسيس. هو أن تشعر بقلبك يتفتت قطعا صغيرة جدا جدا غير قادر على لملمتها، حسنا ليست هذه المشكلة بل هو أن تكون حيا وتقاسي دون أن تطال الموت ليرحم حالك وتنتهي كل مآسيك دفعة واحدة، بل يتركك تناظر روحك وهي تجتث من جسدك رويدا رويدا وببطء شديد جدا.
ترى حروفه، ترى كلماته، كأنها تراه أمامها، كأنها تجلس وتستمع لصوته الحنون والهادئ.
أمسكت بالورقة وضمتها لصدرها تعتصرها بقوة كأنها تحتضنه هو ولسان حالها يردد كلمات الاعتذار من أنها أخنثت بوعدها له ولم تعد إليه كما وعدته، عادت تردد عبارات الأسف ودموعها تهطل بغزارة كأن سدا قد فجر لتتدفق ما كانت محتجزة خلفه، بكت بكاء حارا موجعا ومؤلما للروح والجسد بآن واحد.
مر بعض الوقت وهي على حالها تبكي رحيله إلى أن هدأت قليلا وأبعدت الرسالة وعادت تفتحها بيد مرتعشة وقلب قاصف بين ضلوعها، تكمل قراءتها، فطالعتها حروفه مشوشة ومبعثرة.
رفرفت برموشها عدة مرات، ودعكت عينيها كما الأطفال ومسحتها بكم جلابيتها ثم عادت عيناها تلتهم حروفه كما المتعطش للارتواء في صحراء قاحلة وجد ينبوع من المياه العذبة بين رمضاء الشمس الحارقة.
**********************
ارتقى السلم تقوده قدماه ناحيتها، لا يعلم لما يريد رؤيتها بهذه اللحظة؟؟.. هل هو فضول ورغبة بمعرفة ما تحويه تلك الرسالة؟؟... أم هو عناد ونفسه تطالبه بمعركة وشد أذنها لفعلتها الرعناء مع عائلتها؟؟.
تعلقت قدمه على عتبة السلم وتساءل... متى صار رهيف القلب وتوقف عن عقابها؟؟... متى تغير؟؟.. لا يعرف!!.. هو فقط لا يعلم ما الذي حل به!!.. فتلك الصغيرة صارت خطر تهدد استقراره!!.
وصل لجناحه ودلف إليه وتوقف عند الغرفة الرئيسية التي احتلتها كما احتلت باقي حياته كما العدو الغاشم، ورفع قبضته ينوي طرق الباب فتوقف بآخر لحظة، متى صار مراعيا ويستأذنها ليدخل محيطها؟؟.. نفخ أوداجه، وفتح الباب بقوة لتحتوي فتحة الباب جسده، ودارت عيناه تبحث عنها، تبحث عن فتاة باكية تكاد تموت من شدة ذرفها للدموع، لكن من وجدها كانت مختلفة عما توقع!!.
كانت تقف عند النافذة تتطلع للخارج، فراقبها بغفلة منها معطيا لنفسه المجال للتدقيق بملامحها الفاتنة، كانت هادئة نوعا ما بالرغم من بقايا احمرار وجهها وانتفاخ عينيها دلالة لبكائها.
لم تشعر به ولم تعرف بوجوده بالأصل فقد كانت شاردة تفكر بعدة أشياء وجب عليها اتخاذ القرارات بها، شردت بالمناظر الخارجية التي لم تلفت انتباهها بالرغم من حبها الشديد للحدائق الواسعة، إلى أن هذه المرة لم ترها ولم تشاهدها فعقلها كان يدور ويدور جالبا الماضي ومفكرا بالحاضر ويخطط للمستقبل، وقرار وجب تنفيذه بالحال، هزت رأسها بتأكيد وعيونها تلونت بتصميم وعزم والتفتت تنوي هي البدء بالتنفيذ الآن أو فلا!!.
صدمت لرؤية من كان شاغل أفكارها ودون إرادة شهقت متراجعة خطوة واحدة من عيونه المحدقة بها بشيء غريب وغامض لم تعرف فك طلاسمه، ثم عادت تشحذ طاقتها وتقدمت خطوة واحدة، وفردت قامتها بإيباء وبنية شن معركتها وتنوي الخروج منها منتصرة، فما عاد هناك ما تخسره بعد الآن.
هو الآخر التقط التحدي بشعاعها المخضر، ليجذبه ويأسره فأبدا لن يمل من النظر لعقيق عينيها، ويتساءل دائما كيف حصلت على هذا اللون؟؟.. فمن النادر وجود عيون ملونه بمجتمعهم الاماراتي، فقط بحالة إن كان الزواج مختلطا مع جنسيات أخرى.
أخرجه من تأمله صوتها الصارم.
- زين انك جيت، كنت ناوية أروح عندك.
رفع حاجبه باستفزاز وقال بتهكم :
- صدق!!.. ترى القلوب عند بعضها، حتى أنا كنت ياي أدورج، في موضوع لازم نتكلم فيه.
هزت رأسها موافقة وأشار لها بالبدء بالتحدث، وتحرك جالسا على الأريكة خلفها جعلها تبتعد عنه بسرعة عندما اقترب منها وكاد أن يلامسها لولا تحركها السريع، لم تعد تطيق تلك المشاعر التي تجيش بها عند كل تلامس بينهما، هي لم تعد تريد هذا، تريد شيء واحد فقط ونطقتها بكل قوتها ما أن جلس واعتدل بانتظارها .
- طلقني!!.
طالعها للحظات مصدوما ثم أخفاه بسرعة البرق وتراجع بظهره متكئا على الكرسي ووضع ساق فوق الأخرى وفرد ذراعيه على طول الأريكة وحدجها بنظراته الصقرية التي أرسلت التوجس لداخلها، لكنها حثت نفسها للوقوف بصلابة والمطالبة بما تريد، فعادت تقول:
- طلقني... ما عدت أبي أكون معاك، الشي يلي كان يجبرني إني أكون حرمتك خلاص راح وانتهى.
وأشاحت بوجهها وارتجفت شفتيها عندما تحدثت عنه بصفة الغائب، فمنذ هذه اللحظة عليها أن تتحدث عنه بكلمة "كان"
- ما راح أسألج عن أسبابج لأنها ما تهمني، لكن عندي سؤال واحد.. وين بتروحين تسكنين؟؟.. أظن بعد موقف اليوم ما أظن حد راح يستقبلج عنده.
تحركت وجلست على السرير وقالت تواجهه بابتسامة مستهزئة:
- أظن هذا الشي بعد ما يهمك، وين أروح أو مين يلي بيستقبنلي.
رفعت كتفيها وسكتت ثم تابعت بعد أن توهجت عينيها ببريق أشعل أنفاسه:
- صدق... يمكن أروح أسكن عند الزبالة، مب هذا كلامك أو يمكن....أممممم أروح عند يلي بعت نفسي علشانه.
قالتها باحتقار واشمئزاز له، واشتعلت عيناها بلمعان مخيف لذلك الاتهام الذي بزقه عليها من ثاني لقاء لهم.
جرت مقلتيها على صفحة وجهه، لا تعرف لما تهتم بتفاصيله مثلا... عيناه العسلية تتحول للبندق القاتم بحالة الغضب، وتكون صافية عندما يكون هادئا، وحاجبه الأيسر يرتفع للأعلى بحالة تعجبه دون حاجبه الأيمن، وهمست بداخلها:
- يا الحيوانه شو صار فيج؟؟... قال ما يهمج قال، وانت قاعدة تفصلينه تفصيل جنج خياطة.
نفضت مخيلتها الخصبة وعادت تناظره لتلتقي الأعين بحديث غريب عجيب، حديث لم تفقه عقولهم المتصلبة، لكن قلوبهم تراقصت على أعذب الموسيقى على أعذب الأوتار الشجية، وكان أول من كسر التواصل هو بحديثه:
- بس انت بعدج ما جاوبتي على سؤالي، وين بتروحين لما أطلقج؟؟.. ما أعتقد أبوج أو حرمة أبوج تاخذج بالأحضان؟؟.
رفعت كتفيها دون مبالاة وشكرته بداخلها لإخراجهم من حالة التوهان التي ما تنفك تسحبهم لدوامتها وقالت:
- وانت شو يهمك فيني؟؟.. انت تزوجتني علشان ترد كرامتك مثل ما تقول وما يهمك شو يصير فيني، إن شالله أروح لجهنم الحمرا، صح ولا أنا غلطانة؟؟.
- طبعا انت ما تهميني بشي، غير إنج خربتي روتين حياتي.
- يعني بطلقني؟؟.
- طبعا هذا بيكون يوم المنى لما أفتك منج، بس في مشكلة وحدة؟؟.
ضيقت بعينيها مغطية فيروزها وقالت متسائلة:
- شو هي المشكلة؟؟.
- أهلي!!.
- شو فيهم أهلك؟؟
- ما راح يرضون بطلاقنا، فالحل إنا نتحمل بعض لمدة أممممممم...... نقول ثلاثة شهور أقل أو أكثر ما عرف، وبعدين نقول لهم إن ما ينفع نكمل مع بعض.
رفعت حاجبها وقالت بشيء من السخرية وقالت:
- والمطلوب مني ألحين أتحملك يا الشايب لمدة ثلاثة شهور؟؟.
انتفض جسده برفض، وبحركة مباغتة منه انقض عليها محتجزا جسدها تحت جسده، وكبل رسغيها بكفيه وهمس بالقرب من وجهها لتلفحها أنفاسه الحارة والغاضبة:
- تراني ما زلت حليم معاج وما استخدمت كل قوتي علشانج صغيرة ومب فاهمة أي شي، وبعد حالتج النفسية ما تسمح حد يعاتبج، لكن إن عدتي هذي الكلمة مرة ثانية راح أراويج شو يقدر هذا الشايب يسوي.
سكت يلتقط أنفاسه وجرت مقلتيه على صفحة وجهها المصدوم من المفاجأة، ودون إرادة منه حطت شفتيه على جبهتها بلمسة طويلة حانية رقيقة متعطشة لهذا القرب الذي يريده بطوق غريب جدا ثم ابتعد عنها بسرعة ما أن سمع طرق الباب، اعتدل وهندم ملابسه ثم اقترب منها وسحبها من ذراعها يساعدها بالاعتدال ومازالت هي على ذهولها، رفع شعرها بحركة غير مقصودة معيدا إياه خلف أذنها ثم عاد شعرها للسقوط مغطيا نصف وجهها فأعاد الحركة مرة أخرى، فهمست بشرود وببحة صوتها:
- لا تتعب نفسك، هو ديما كذا يلعوزني، ما أقدر أربطه.
هز رأسه وأصابعه ما تزال تتخلل خصلات شعرها الفاحمة كأنه يدرك ما تقصده، فشعرها ناعم جدا يضاهي الحرير بنعومته.
تركه مجبرا والتفت ناحية الباب وبصوته الأجش تحدث :
- تفضل
دخل عبدالله بهدوء وملامحه لا تشي بشيء غير الوقار والملوكية كما والده باختلافات بسيطة جدا فهو طبق الأصل من والده وعندما يكبر سيغدو مثله لا محال.
- السلام عليكم
ثم اقترب من والده مقبلا كفه ثم تحرك ناحيتها ممسكا برأسها بكفيه الصغيرين وطبع قبلة دافئة حنونه تركتها تبتسم بسعادة، كم تعشق هذين الصغيرين.
- حبك ربي إن شاء الله
- شخبارج ألحين؟؟.. إن شاء الله أحسن؟؟.
أمسكت كفه الصغير ساحبة إياه للجلوس بجانبها ثم احتوته من كتفه بذراعها وهمست بعد أن طبعت قبلة على قمة رأسه:
- تسلم يا الغالي، أنا بخير والحمد الله.
تلون خدي الصغير بلون الخجل ثم همس:
- إن شاء الله دوم تكونين بخير
جلس الأب وأخذ يراقب ابنه الصغير المتعطش لحضن الأم ويطوق لكلمة طيبة تزيح عن كتفه همومه التي تصيدته بسنه الصغيرة، يعلم بأنه يقاسي بعدم وجود والدته بجانبه فهو يرى سؤاله بعينيه لكنه لا يجرؤ على بزقه خوفا من أن تكون الاجابة " بأنها لا تريدهم " وهو بالمقابل كان يتهرب من الافصاح.
ثوان هي حتى اجتاحت الغرفة بدلالها ورقتها، اقتربت من والدها ورفعت ذراعها للأعلى بدعوة للاقتراب لينحني بجذعه ناحيتها وتحيط هي بذراعيها الصغيرين رقبته وتحط بشفتيها على وجنتيه مقبلة إياه ثم ابتعدت عنه مقتربة من عنود وفعلت بالمثل ومن ثم جاورتها بالجلوس ولفتها بذراعها الأخرى وقبلت قمة رأسها بابتسامة حنونه وأغمضت عينيه منتشية بهذا الدفء، وهذا الحب، فجاءها صوت الصغيرة سائلا إياها :
- عموه عنود... صح يلي يقولنه إنه عندج أخو ومات؟؟.
هزت رأسها وابتسمت بانكسار

ام حمدة 13-12-16 06:17 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
- شو كان اسمه؟؟.
فأجابها والدها معاتبا:
حنان حبيبي مب وقته .....
قاطعته عنود قائلة:
- لا عادي، خلها تسأل ... اسمه مايد، وعمره 16 سنة.
- انزين كيف مات؟؟.. وليش ما ودوه عند الطبيب يعطوه دوى علشان يخف؟؟.
أغمضت عينيها بألم، وانسلت دمعة واحدة، وأجابتها بصوت حزين يقطر مرارة وألما:
- أخوي إنولد وهو مريض بالقلب، كان ياخذ دوى بس ما كان يفيد، كان لازم يسوي عملية علشان يخف.
سكتت تستجمع طاقتها التي شعرت بها تنسل مبتعدة عنها، كأن بحديثها عنه يسلبها قوتها.
- طيب ليش ما سوى العملية علشان يخف؟؟.
كان هذا سؤال عبدالله الذي أصابه الفضول لمعرفة ما حدث، فهو قلما يندمج بحديث يثير فضوله والرغبة بمعرفة المزيد من التفاصيل.
التفتت ناحية حمدان بنظرة خائبة ثم أشاحتها ناحية الصغير وأجابته بجمود:
- ظروف أبوي ما كانت تسمح أنه يسفره على حسابه ويعالجه، بس أنا كان عندي الحل وللأسف كنت متأخرة وايد.
وحل الصمت بالغرفة لم يستطع أحد خدش هذا الهدوء سوى بعد مرور بعض الوقت، وكان هو من كسر حدته موجها حديثه لأطفاله:
- عبدالله حنان جهزتوا شنطكم؟؟.
استغربت ما يقوله وظهر على ملامح وجهها استفهامها ليجيبها:
- بدت إجازة الربيع ومدتها اسبوعين، وديما نروح المزرعة نصيف هناك، وكنت ياي علشان أقولج جهزي شنطتج بس..........
وترك كلمته معلقة لتعض شفتيها باستحياء، هو أراد دعوتها للذهاب معهم للمزرعة، وهي بادرته بطلب الانفصال.
تحولت وجنتيها بلون الكرز، وشفتيها عادت الحياة فيهما لتغدوا كما الفراولة الناضجة.
ابتسم لخجلها ثم نهض مغادرا تاركا لها الغرفة دون أي حرف واحد .
واستأذن عبدالله أيضا بالمغادرة تاركا الفتيات لوحدهن يجهزن الحقيبة من أجل رحلة المزرعة.
************************
دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح، وتطلعت لهاتفها كأن كنزا كبيرا قد وقع بين أصابعها، وسارت الهوينه لسريرها وجلست وابتسامة متشدقة وماكرة تتوسد ثغرها الملون بلون قرمزي، أضجعت جسدها على السرير وعبثت أصابعها بالهاتف لدقائق بتردد بسيط ثم ضربت على الأزرار لسجل المحفوظات وضغطت على الرقم وبدأ بالرنين، ثوان هي حتى رفع الخط ووصلها صوته الرخيم عبر الأثير ملقيا السلام ومتسائلا من يكون متحدثة؟؟.. فهمست بفحيح أفعى وجدت فريستها وتنوي عدم افلاتها:
- أنا ابتسام.

ام حمدة 13-12-16 06:19 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الحادي عشر........
- شو تقول؟؟.. أنا مب موافقة!!.. روح ودورلك على مكان ثاني غير هذا المكان.
لم يهتم لاعتراضها ورمى بحمدانيته على الكرسي الصغير ثم أضجع جسده على السرير مغمضا عينيه، ووقفت عند قدميه عند نهاية السرير مكتفة الذراعين وقدمها تضرب الأرض بوتيرة سريعة، وشفتيها مكورتان بعبوس فاتن لما يريد فرضه عليها.
راقبته وهو ينام وذراعيه تحت رأسه، وملامح وجهه مسترخية، هو لا يبالي بما يحصل معها!!.. بالطبع هو لن يهتم بما تريد، وهذا جعل حنقها يزداد "فأحر ما عندها أبرد ما عنده".
تحركت واتجهت ناحيته وتأففت بصوت مسموع وصل لأذنيه لكنه تابع تطنيشها ثم ما لبث أن شعر بوكزات على ذراعه، فتح احدى عينيه وسألها:
- خير؟؟... في شي؟؟.
- دور لنا على حل ثاني؟؟ .
التف على جنبه الأيسر معطيا إياها ظهره وهو يقول:
- ما في حل ثاني، وتحملي مثل ما أنا متحمل.
ضربت الأرض بحنق كما الأطفال وتابعت اعتراضها:
- هذا مب يوم أو يومين، هذيلا اسبوعين!!.. يعني تبيني أنام معاك بسرير واحد؟؟... مستحيل !!.
- ما نحنا نمنا مع بعض من قبل وما صار شي، يعني الأمور طيبة.
- لا صار شي، وصارت أشياء بعد.
همست بها بداخلها، ومشاعرها الجياشة من تلك الذكرى تجتاح خيالها
التفت ناحيتها واتخذ وضعية الجلوس وتأملها من رأسها بشيلتها المرمية على رأسها بإهمال ترك خصلات شعرها الفاحمة تتناثر حول وجهها بشكل مثير وفاتن ثم هبطت عيناه على ما ترتديه... كانت ترتدي احدى الملابس التي اشتراها لها، جلابية من الحرير الناعم التصقت بجسدها الممتلئ وأوضحت كم أن تلك الجلابية تلائمها كثيرا.
كما أنه أوصى ببعض الملابس المطرزة وستجهز بعد يومين، ستكون جميلة عليها فهي حتى بملابسها القديمة تلك كانت غاية بالجمال، فما بالك بملابس جديدة وذات طراز حديث، وأيضا أراد أن يخرجها من مود الحزن الذي اكتنف مقلتيها، فما كان منه سوى أن غير اتجاه تفكيرها بشيء آخر، فحادثها باستفسار:
- انت من شو خايفة؟؟.
ارتبكت وتوترت، ماذا تقول؟؟.. وكيف ستبرر لنفسها؟؟.. وقالت بارتباك:
- ها.. لا .. ليش خايفة.... يعني... يعني ... عادي.. عادي جدا
رفع حاجبه بتهكم واضح وقال باستفزاز:
- طيب... عيل ليش معترضة؟؟.. خلاص انتهينا من هذا الموضوع لأن أصلا ما في حل غيره، ولا تبين أهلي يشكون بزواجنا إني أروح وأطلب غرفتين علشان حرمي المصون تبي غرفة لحالها، حنا اتفقنا على ثلاث شهور تمثلين دور حرمتي، وبعدين نقدر نألف شي ونقول إنا ما نقدر نكمل مع بعض.
سكت قليلا ثم أكمل:
- عندج اعتراض قولي ألحين؟؟.. ما عندج اسكتي.
وعندما لم يجد رد تحرك مقتربا من حافة السرير ناويا النهوض واستقصد النزول من أمامها، وما أن انتبهت لقربه الشديد منها وتكاد ركبته أن تلامس ملابسها حتى تراجعت مذعورة من عودة تلك الأحاسيس التي تخيفها بل هي ترعبها حد الموت.
شخر باستهزاء للقوة الواهية التي تتمسك بها بحضوره، ورماها من رأسها لأخمس قدميها بعيون جريئة لتنكمش متراجعة تداري جسدها منه واصطدمت بالطاولة الجانبية للسرير.
وجاءت بخاطره فكرة عبث، وجنون اللحظة تعيده لصباه، جاءت في باله ولم يتردد كثيرا بالقيام بها ففجأة قام بالتقدم خطوة واحدة أمامها مع مزامنة مع صراخه ب...
- بووووووووه
ارتعبت وصرخت ليقهقه بصوت عالي ملئ الغرفة بصداه، ظلت تراقبه مصدومة من فعلته الغير متوقعه ثم ما لبثت أن صرخت به:
- صدق إنك شايب وخرفت.
تمالك نفسه بشدة، وقال وسط بقايا ضحكه:
- أقول خلي عنج السوالف وروحي رتبي الملابس بالكبت.
أخذ أنفاسا عميقة ثم أكمل آمرا:
- وبعدين انزلي وساعدي حرمة عمي، هنا ما في خدم علشان يشتغلون بدالج، وينظفون وراج، هنا كل واحد يسوي شي.
عاد يبتسم باستهزاء وتابع:
- يعني اديج الناعمين راح يتوسخون، راح تقطعين البصل، وتغسلين الحمامات، وتغسلين المواعين، وملابسي وملابس عيالي، وملابس عيال عمي مالج شغل فيهم.
تحرك ناحية الباب وأمسك أكرته ثم تراجع مستطردا:
- وإن سمعت إنج ما ساعدتي حرمة عمي بشغلها والله ما تلومين غير نفسج!!.. فاهمة علي؟؟... وثاني شي... يلي في بالج شيليه نهائيا.
وغادر مغلقا الباب خلفه تاركا قلبا يخفق باضطراب.
مر بعض الوقت لتتنهد براحة، وتنفست بعمق وزفرت تلك الموجات السالبة التي تؤثر بنوابض استشعارها بوجوده بالقرب منها.
- حسبي الله عليك يا الشايب!!.. ما غير قاعد تلعب بأعصابي، وما تراعي ظروف حد أبد، مغرور وجايف نفسك.
وتحركت ساحبة حقيبته ناحية الدولاب وهي تهمهم بكلمات غير مفهومة وقامت بتعليق ملابسه وترتيبها، ثم أمسكت بحقيبتها وبدأت أيضا بتعليق ملابسها بجانب ملابسه وبعدها غادرت ناحية العمة لمساعدتها بأعمال المنزل وهناك تفاجأت بوجود 3 من العاملات يقمن بأعمال التنظيف والغسيل فتساءلت بغيض:
- عيل كيف قال إن ما في خدم، ولازم احنا يلي نشتغل؟؟.
- هلا عنود حبيبتي، بغيتي شي؟؟.
اقتربت منها زوجة عمها بوجهها البشوش، وتابعت حديثها بحنان:
- حبيبتي أي شي تبيه قولي لل......
قوطع حديثها من قبل حمدان مقتربا منهما وهو يقول:
- عمتي... عنود قالت تبي هي يلي تقوم بكل شي يخصنا.
أحاط كتفيها بذراعه وتابع دون أن يهتم بما أحدثه بها بهذا التلامس الحميمي الذي جعل كل خلية بداخلها تتراقص وتصاب بالجنون.
- قالت عنود إنها ما تحب حد يخدمها، وتبي هي يلي تهتم بأشيائي من غسيل ملابس، وطبخ.
طالعته العمة بصدمة واستنكار لفعلته، فما كان منه سوى أن غمز وأشار لها بحركات كي تفهم رغبته بإشغالها كي تنسى، هزت العمة رأسها موافقة ثم أدار رأسه ناحيتها وأكمل بابتسامة شيطانية توسدت شفتيه:
- صح حبيبتي؟؟.
اغتصبت ابتسامة وتطلعت للعمة التي تناظرهم بحنان وهزت رأسها موافقة دون القدرة على التفوه بحرف واحد، لتقول العمة بسعادة رافعة يديها للسماء:
- الحمد الله، ربي يخليكم لبعض، ويسعدكم يا رب!!... ويبعد عنكم أولاد الحرام.
وتركتهم مبتعدة لتفلت هي بعدها من احتضانه المزيف وهمست جازه على أسنانها، ورغبة قوية بسحق ابتسامته تلك بلكمة من قبضتها:
- عيل ما في خدم ها!!!.. وكل واحد يشتغل بإيده!!.
رفع كتفه دون مبالاة ثم رفع كفه مشيرا لرأسه بإصبعه بمعنى" بمزاجي"
طحنت أسنانها بقوة كادت أن تكسرها وقالت بغيض وبوجه محمر:
- يا الشايب... قاعد تلعب فيني انت؟؟.
اقترب منها مزمجرا نعتها له بتلك الصفة المقيتة ليقف أمامها دون أن يفصلهما شيء ما، وهي لم تبتعد من أمامه بل ظلت راسخة كما الجبل الشامخ، وهدر بها:
- قلتلج لا تقولين يا الشايب!!.
- بقول وما ني خايفة منك!!!.. وما عاد يهمني شي!!.. سوي يلي تبي تسويه!!.
التقطت مقلتيه شفتيها وهي تتحرك بتلك الحركة المثيرة، ثم تابعت صفحة وجهها، ودون إرادة، ودون تفكير حط بكفيه على ظهرها يثبتها، وشفتيه تحط برحالها على ثغرها بقبلة لا يعلم هل هي عقاب أم رغبة فقط بقضمها وتذوق شهد عسلها؟؟.
تجمدت على تلك الحركة المباغتة على مكامن عواطفها، وجسدها قد أصابته موجة من الحرارة جعله يسترخي ويدخل بحالة من السكر، وشفتها منبع الأحاسيس كانت تشتعل بنار حارقة من عبث شفتيه ولسانه بهما، فما كان منها سوى أن تشبثت بعضلاته لتدعم جسدها الواهي من غارته المفاجأة.
أحاسيس وعواطف غلفتهم بشرنقة المشاعر المكبوتة بداخلهم والمتعطشة للارتواء للحب المفقود من حياتهم.
تمسك بها كما التائه في صحراء قاحلة، ووجد لديها واحة غناء فطفق ينهل من خيراتها التي لم تبخل عليه بالعطاء، وهي فعلت بالمثل، فكم عانت بحياتها!!.. وكم شاقت لها الدنيا من بؤسها!!.. وحرمان قد توسد أضلاعها، لكن معه هو دون عن الآخرين وجدت نفسها تحيا، تنتعش، وتسري بشرايينها عواطف تغذي أنوثتها المسلوبة بين جدران سجن والدها.
فطفقت تنهل من هدايا الحياة لها فقد تعلمت "بأن ليس كل مرة تكون الحياة كريمة معها".
نحنحة تصلهم من بعيد تخرجهم من جنون نشوتهم، ابتعد عنها غير راغب بفراقها، ولكن صوت ما يحثه على الابتعاد.
ظل لبعض الوقت تائها في بحور خضرة عينيها الغائمة بلون غامق تخبره بمدى تأثرها هي أيضا مما يحدث معهما.
أراد بشدة العودة للغوص بين ثنايا أضلاعها، أراد أن يمتص شهد عسلها فلم يصل بعد لحد الشبع، أراد... وأراد، لكن هيهات أن يحصل المرء على ما يريد.
فما أن انزاحت الغشاوة عن ناظريه حتى دفعها عنه وابتعد مديرا ظهره ناحيتها كما أدار لها العالم ظهره وتركها تتلاطم بين أمواجه الهادرة دون أن يرمي لها بطوق النجاة، فماذا تنتظر من شخص كان وسيكون مجرد رجل مر بحياتها وستنتهي هذه الفترة لا محال لتطويه الصفحة ويكون من ذكريات ماضيها السحيق.
تراجعت للخلف ولم تهتم لقهقهات أبناء عمومته المكتومة، فما بداخلها من أعاصير أكثر بكثير من الاهتمام بأنها ستكون محل سخريتهم.
خطوة تسبقها خطوة أخرى إلى أن قادتها قدميها لخارج المنزل وسارت ومشت دون أن تأبه إلى أين ستأخذها ساقيها، فالهرب كان رغبتها، لكن... إلى أين المفر؟؟.
- يا ولد العم اخترعوا غرف النوم لهذي السوالف، مب غرفة اليلسة!!.
وانفجر الجميع بالضحك، فأبدا أبدا لم ولن يتوقعوا رؤية ابن عمهم الصارم والرزين والذي يكره كل ما هو غير مألوف أن يقف بوسط غرفة الجلوس ويقبل زوجته.
فقد كان متزوجا من قبل لكن أبدا لم يروه خارجا عن السيطرة معها بالرغم من الحب الكبير الذي جمعهما، ليكتشف فيما بعد بزيف تلك الكلمة.
فرك لحيته ثم رقبته بخجل غريب عليه، واحمرار طفيف لون وجهه، وابتسامه عابثة شعت بها مقلتيه قبل شفتيه فصرخ أحدهم:
- وااااااااااو وخروا، ولد العم عشقان، يا ويلي ويلاه.
ربت الجميع على كتفه وعلى ظهره بسعادة لتغير حال ابن عمهم فهو يستحق السعادة بعد ما أصابه من زوجته السابقة.
اقترب سالم صديقه الصدوق وقال بلوم وعتاب:
- عاد خف شوي، عندك غرفة فوق سوي فيها يلي تبيه، مب تسوي لنا عرض حي ومباشر، ارحم العزابيه شراتهم، تراه هذا حرام وعذاب لهم.
دفعه حمدان وقال:
- أقول... مع نفسك.
والتفتت عيناه دون ارادة باحثة عن طيفها ليصادفه الفراغ، فهمس سالم يخبره بأنها قد خرجت.
لحظات هي حتى رن هاتفه، أخرجه من جيب دشداشته وتطلع للرقم ثم استأذنهم لثوان وابتعد عنهم مجيبا عليه.
******************************

وفي حديقة المزرعة جلس العم وزوجته ووالدته على مصطب محاط بسور من الخشب الصلب، وفرش بفرش من الجلسات العربية بلون الأحمر مخطط بالأسود بشكل طولي، وأمامهم "الفواله" احتوت على كل ما لذ وطاب من المأكولات الخفيفة والشعبية من... الهريس، والخبيص، وغيرها من المشهيات اللذيذة، وبالجانب الآخر، احتوى على كل أنواع المشروبات الساخنة من... القهوة، الشاي الأحمر، والشاي بالحليب .
- شو رايج يا يومه بيلي قلته؟؟
سكتت الجدة وعيونها على مسبحتها تراقب حباتها وهي تتساقط الواحدة تلوى الأخرى، لتقول زوجة ولدها( خديجة) :
- اسمحلي يا بو سالم أنا مب من رايك، لأن البنت ما خذه على خاطرها وايد من أهلها، أقول خليها تهدي شوي وهذي الرحلة تفرج عن همها

ام حمدة 13-12-16 06:20 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
وتنسيها لين يمر هذيلا الاسبوعين وبعدين نحاول مثل ما تقول إنا نصلح بينهم.
رفعت الجدة ناظريها وقالت:
- أنا مع حرمتك، البنت أعصابها تعبانة وايد، والمفروض إن أبوها يراعيها لكن شكله مب مهتم بيلي يصير فيها، علشان جذا راي من راي حرمتك خلي البنت ترتاح وتنسى شوي وبعدين نجوف كيف نصلح بينهم.
- على راحتكم
رن هاتفه ليلتقطه ويجيب عليه ثم نهض مستأذنا بالخروج فلديه مكالمة عمل مهمة.
شيعته المرأتان إلى أن اختفى ثم اقتربت زوجة ولدها وجلست بجانب عمتها وقالت بهمس خفيض:
- بصراحة أنا مو عجبتني هذي العيلة!!.
شخصت الجدة بناظرها للحديقة التي أمامها ثم التفتت لتراها تمشي وتسير بدروب لا تعرف بأي طريق تسلكه، فهي تسير وكائن ما كان يحمله هذا الطريق ستخوضه مجبرة، عيونها ساهية بكون الله وقدرته فهمست :
- ما حد يختار أهله يا بنتي، علينا لزوم الطاعة وبرهم، وغير جذا ما نقدر نسويه.
- بس يا يومه شي واضح إن زوجة أبوها المصرية متحكمة بكل شي، وشكلها مسيطرة على ريلها وايد.
هزت الجدة رأسها موافقة لكن ليس بيدهم حيلة.
- الله يعينها ويعوضها إن شاء الله!!.. كل شي له حكمة، الله أبد ما خلق أي شي عبث، الخيرة فيما اختاره الله.
- ونعم بالله يا الغالية، ونعم بالله.
نهضت زوجة ولدها من جلستها وقالت:
- اسمحيلي يا الغالية بروح أجوفهم شو بيسون غدى.
- الله معج يا بنتي
وعادت عينا الجدة تتابع تلك الفتاة التي تملكها شقاء الحياة ولم تعرف ولم يدر بخلدها بأن ولدها أيضا كان لها بالمرصاد.
************************


دائما ما نرمي أخطاءنا على غيرنا ونتهم الحياة بما ترميه لنا من مصائب وحزن وألم، ونجلس نتطلع لأرواحنا وهي تغوص لأعماق التخاذل ونصبح فيما بعد اتكاليين، ولكن لما نتهم الحياة بما يحدث معنا؟؟... لما نرمي فشلنا عليها؟؟.. هي لم تفعل لنا شيء!!.. هي فقط ساكنة وثابتة وتجاري الزمن والتطورات التي تحل علينا، وتراقبنا باستهزاء بما نفعله بأنفسنا بغطسها بالأوحال، وتضحك أكثر عندما نزيد بالغرق فيها باختياراتنا الخطئة.
إذا.... من علينا أن نتهم؟؟؟.. الأقدار أم أنفسنا التي تختار؟؟... هل من الصعب معرفة من هو المخطئ؟؟... لا أبدا!!... فقط من السهل رمي أخطائنا لأحد سوانا، فهكذا نتقبل الأمر بسهولة، لأننا لو وافقنا بأننا نحن السبب بما يحصل معنا فمن الصعب أن نتابع حياتنا، فسنركن للضعف والانهزام، ونقبع بدهاليز الظلام الذي اخترناه بإرادة منا دون أن نحاول حتى القتال للخروج مما نحن فيه.
تسير وتناظر وبداخلها تتساءل ما الذي يحدث لها معه؟؟.. ما تلك الأشياء التي تخترق دواخلها وتصيبها بالشلل التام دون الرغبة بمقاومته؟؟... بل هي تتقبل هذا وبرحابة صدر، هل ما يصيبها هو مرض ما؟؟.
لا... هي لا تعرف ما الذي عليها فعله!!.. كل ما تريده هو الابتعاد عنه قدر استطاعتها، فهو خطر يهدد..... وقفت تتساءل يهدد ماذا بالتحديد؟؟؟.
عادت للسير ومحاولة الانخراط بما حولها من جمال للطبيعة، وللسكون والهدوء الذي ناشدته دوما، أغمضت عينيها تتشرب نسمات الهواء العليل، وتشذى أذنيها بأحلى الألحان العذبة، وتنعش صدرها بأريج الزهور الفواحة، إنها جنة الله بالأرض فسبحان الله صنيع ابداعه!!.
ظلت تردد كلمات الشكر والحمد كلما مرت على شيء ما أعجبها إلى أن وصل لمسامعها أصواتهم المحببة، وقفت تستمع إليهم لثوان وتذكرته فهو أبدا لم يغب عن بالها، فكيف لمن أهدته روحها أن يرحل بتلك السهولة؟؟.
تهدلت كتفيها بحزن، وأصبحت الرؤيا ضبابية بسبب دموعها التي تهدد بالسقوط، أحرقت مقلتيها ولكن لم تتركها تنسكب فلقد وعدت ووعد الحر دين!!.
رمشت عدة مرات كي تزيلها، ورفعت رأسها للأعلى، ثم تنفست شهيق وزفير عدة مرات وعادت الأصوات من جديد لمجال أذنيها فرحبت بهذا التشويش، وساقتها قدماها إليهم، إلى من تضيع بعالمهم، عالم البراءة والطفولة، فلا مكان للخداع والكره والحقد والحسد بينهم فقط الحب والاحترام وهذا ما تطوق إليه وبشدة.
- السلام عليكم
- وعليكم السلام، هلا ببنيتي عنود شخبارج يومه؟؟.. عساج مرتاحة والمكان عجبج؟؟.
أضجعت عنود بالقرب من الجدة بعد أن قبلتها، وقالت تجيبها بابتسامة:
- الحمد الله يا يومه أنا بخير ومرتاحة، والمكان ما شاء الله تبارك الرحمن ربي يزيدكم ويعطيكم من خيره!!.
- الحمد الله، الحمد الله كله من فضل رب العالمين.
نهضت حنان من مكانها وجلست بالقرب من عنود لتلفها الأخرى بذراعها وتسكنها أضلاعها وكم كانت فرحة الصغيرة بهذا الحضن الذي طالما تمنته وحلمت به كثيرا، ودائما ما دعت الله بسرها أن يعطيها أم تحبها وترعاها كما باقي صديقاتها، وكم تطوق للعودة للمدرسة لإخبارهم بأنها حصلت على أم جديدة.
وعبدالله جلس فقط يناظر شقيقته وهي تتمرغ بحضنها، تعلم بأنه يرغب وبشدة بأن يفعل مثلها لكن حياءه يمنعه، كما أنه لم يعتد تلك الأفعال.
ابتسمت له عنود بحنان ليهديها بسمة خجولة ثم أشاح بوجهه بعيدا عنها متشاغلا برؤية المناظر من حوله.
وعادت تناظر الجدة واستمعت إليها وهي تحدثها عن عمر هذه المزرعة، وكيف قام زوجها المرحوم بإنشائها من العدم، وانخرطتا بأحاديث أخرى وأثناء ذلك كانت أصابعها تتلاعب بخصلات شعر حنان التي توسد رأسها ساقها، صورة ستتخلد بذكراه، صورة لأم وابنتها، وكم تمنى أن تكون حقيقية وليست بخيال، فتلك الصورة ستختفي كما السراب في يوم من الأيام "فدوام الحال من المحال".
كم يرثي حال صغيريه!!.. لا يعلم ما سيفعله بهما بيوم رحيلها، لا بد بأنهما سيتألمان كثيرا وهذه المرة سيكون طريق شفائهما طويلا جدا بعكس السابق، فعندما غادرتهما والدتهما كانا بسن لا يفقهون ما يحدث حولهم.
تنهد بضيق وأخذ أنفاسا عميقة يزيل تلك الأفكار السيئة فهذا ليس بوقتها، وعندما يحل ذلك اليوم سيكون لكل حادث حديث.
- السلام عليكم
- وعليكم السلام
قشعريرة سرت على كامل جسدها، وخجل تلبس وجنتيها وهي تتذكر ما حدث قبل قليل، أخفضت رأسها هربا من النظر إليه ورؤية الشماتة بداخلهما، وخجل من انسياقها وراء مشاعرها.
غرور زاد على غروره أضعافا مضاعفة، وصدر انتفخ بنشوة قدرته على ترويض تلك القطة الشرسة وجعلها طوع بنانه حتى ولو لفترة بسيطة، إلى أن تحل الجولة الأخرى فيحاول مرة أخرى اخضاعها، وكم يطوق لتلك الجولات التي تعيد لروحه الانتعاش، وكما أسر له ابن عمه سالم بشيء جعله يفكر كثيرا به وتذكر ما قال:
- الحياة فرص يا حمدان واحنا لازم نستغلها بأي طريقة.
- شو تقصد يا سالم؟؟.
- انت ليش ما تفعل زواجك من عنود؟؟... وتكون زوجتك وأم أولادك؟؟.
- انت جنيت يا سالم!!.. تباني أتركها معاي وفي بيتي وانت تدري مين هي.
- لا تظلم حد يا خوي، ولا تتهمها بدون دليل، فالظلم من ظلمات يوم القيامة.
- بس يا سالم....
- فكر يا خوي، فكر زين، البنت أجوفها زينة، ويلي انقال عنها يمكن كذب!!.
أعاد حدقيتيه إليها وهو يفلت شاربه بتفكير عميق ثم قال وهو يوجه حديثه إلى من تحاول الاختفاء من أمامه، ويخمن بأنها تتمنى لو الأرض تنشق وتبلعها ولا تضع نفسها بمواجهته بعد ما حدث بينهما .
- عنود... الذبيحة جاهزة ومغسولة، والباقي عليج ألحين.
رفعت رأسها بصدمه وقالت بشيء من الذهول:
- ها...
- أقولج الذبيحة يلي طلبتيها جاهزة، وتترياج عند التنور علشان تطبخيها، عنود شو فيج؟؟... ليكون نسيتي؟؟.
ظلت تطالعه بعيون جاحظة غير عالمة ما يقوله، وفمها قد تدلى من دهشتها.
كاد أن ينفجر من الضحك لرؤيتها بهذا الشكل، وبشكل عجيب استطاع أن يمسكها قبل أن تفلت من عقالها.
- حمدان يا وليدي ليش تبي تعذب الحرمة؟؟... خلها مرتاحة، هي بعدها تعبانه، وإن كان على الغدا خلى الخدم يطبخونه.
أعاد اشارته للجدة كي يفهما على ما يرمي إليه لتومئ له الجدة بموافقتها وتابع هو:
- بس يا يومه هي يلي طلبت إنها تطبخ، صح يا عنود؟؟
طالعها برفعة حاجب لتستنبط خدعته الدنيئة!!.. لقد بدأ لعبة حربه، وكان لعبه غير قانوني البتة.
فأجابته بعد أن عاد إليها ذهنها ليعمل بسرعة ويخطط وقد حان وقت التنفيذ.
- صح أنا طلبت أطبخ يا الغالية، بس شكلي نسيت وعقلي طار بهذي الخضرة.
- يا عنود يا بنتي، ما له داعي تتعبين نفسج!!.
- أفا يا الغالية ما تبين تجربين طباخي؟؟.. الكل يمدحني ويقول ولا الشيف أسامة، حتى اسألي الشا....
سعلت وتنحنحت وأكملت:
- أبو عبدالله عن طباخي!!.
وكانت الصدمة هذه المرة من نصيبه، وهو يتذكر الآن شكل طبيخها كان لا شكل ولا لون ولا رائحة له، وسكب كل اللعنات التي يعرفها على نفسه من أنه قد نسي من أنها لا تفلح بشي، وأصابته غصة من أن الذبيحة ستغدوا بخبر كان، ولن يستطيعوا اليوم تناول الغداء.
عضت على شفتيها إلى أن آلمتها، وأشاحت بوجهها بعيدا بعد رؤيته بتلك الحالة من الذهول والتذكر بما أعدته له بذلك اليوم، لكن بالنهاية لم تقدر سوى أن أطلقت صوتها الرنان ليصدح صداه كما العندليب بأرجاء الحديقة، ضحكت كما لم تضحك من قبل، كانت ضحكتها نابعة من أعماق قلبها لتخرج منعشة حية وتترسخ بذلك الذي ينبض بقوة ما أن سمعها
- الله يزيدج ويفرحج دوم يا بنيتي!!.. هي يا بنتي اضحكي وافرحي الدنيا بعدها بخير.
حاولت أن تكتمها وتهدئ من وتيرتها فلم تستطع، عضت شفتيها لكنها تعود للانفراج وبالآخر وضعت كفها ما أن شاهدت عيونه الحانقة لكن جسدها أخذ ينتفض بدل صوتها فحمل وسادة صغيرة ورفعها للأعلى بنية رميها عليها لتخرس، فصرخت به:
- لا خلاص، بسكت خلاص، جوف حتى .
وعادت تضع كفيها على فمها ولكن محاولاتها باءت بالفشل، فما كان منها سوى أن فزت من جلستها وقالت وهي تتحرك وضحكتها تخفق بصدره بشدة.
- أحسن أروح أطبخ اللحم قبل لا أكون أن الذبيحة.
نهض خلفها يحاول منعها من افساد الغداء
- عنود لا تطبخين بخلي الشغالة هي يلي تطبخ.... عنود
فنادته الجدة تمنعه قائلة:
- خلها تروح يا وليدي، تتونس شوي، ولا معجبك طباخها؟؟.
- ها....
فرك شعره ولحيته وهمس:
- بلى... بلى هي طباخها فريد من نوعها، بعمري ما شفت مثله.
- عيل خلنا حنا بعد نذوق طباخها الغاوي.
فهمس بداخله بندم... أراد ايقاعها بمشكلة، ليقع هو بدل عنها، صدق من قال "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها"
دخلت المطبخ ووجدت اللحم كما قال بانتظارها، وشمرت عن ذراعيها وبدأت بإلقاء أوامرها على العاملات وبدأت بتتبيل اللحم، كان اللحم بكامله لم يقطع فقط نظف وأخرجت أحشاؤه فقامت بإعداد الحشو لتقوم بحشو اللحم ثم قامت بخياطته، وبعدها تبلته ولفته بالقصدير ثم خرجت لتوقد الحطب وساعدها بذلك أحد أبناء عمه ويدعى علي كان أكبر منها بسنة واحدة، فأخذا يتحادثان سوية عن أمور شتى شاهدت فيه شقيقها لهذا رفعت الكلفة بينهم وأخذت تقهقهة لنكاته ولمواقفه المضحكة، وحادثت نفسها لو كان شقيقها طفل طبيعي لكان مثله بالضبط ولم تنتبه لتلك العيون التي تكاد تشويها وتحرقها بنظراته النارية، فتلك الضحكات تخصه وحده، وحركت شفتيها لا حق لأي رجل بمشاهدتها سواه، وبحة صوتها وجدت له، لم يهتم لجنوح أفكاره بل حركته شياطينه ناحيتهما وقطع وصلة ضحكهم عندما أمر علي بالرحيل وسيحل هو بدل عنه بمساعدتها، تذمر الشاب من طرد ابن عمه له لكن التحذير بعينيه من

ام حمدة 13-12-16 06:21 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
عصي أوامره جعله يغادر بعبوس ثم أدار رأسه إليها يناظرها بعيون انطلق منها الشرار، لم تهتم له والتفتت تتابع عملها دون أن تأبه لوجوده لكن هذا من سابع المستحيل!!.. فذبذباته المشحونة تصلها فتخترق خلاياها وتعيث الفساد بخافقها، فنهرته بشدة لعصيانه لها بقيامه بتلك القفزات البهلوانية التي إلى الآن لا تعرف لما تحدث؟؟؟.
رفعت رأسها وبحثت عيناها عنه لتراه يجلس على كرسي من الخشب ويناظرها بقوة ارتبكت وتوترت، لا تحب تحديقه هذا أبدا، فقالت بشيء من الحدة:
- ليشي يالس هنا؟؟.. تقدر تروح بكمل الطباخ لحالي.
وانتظرت رده إلى أن اعتقدت بأنه لن يجيبها وما كادت تتابع عملها حتى قال:
- بصراحة عاجبتني القعدة هنا، المنظر من هذا المكان حلو، عندج مانع قولي؟؟.
تأملت المكان من حولها ولم ترى هذا المنظر الجميل وهمست لنفسها.. - - هو يتمصخر علي ولا شو؟؟..
ثم ما لبثت أن اجتاحتها فكرة لما هو هنا، فابتسمت بسخرية هو خائف من أنها تفسد الطعام!!.. الغبي لا يعلم بأنها أفسدت طعامه لأنه له، ويبدوا أنه نسي تلك الوجبة الأخرى التي أعدتها قبل أن يتغير كل شيء، فعزمت قوتها لتريه مدى مهارتها بالطبخ.
عادت تكمل وتحركت ناحية القدر الكبير تريد رفعه لوضعه على النار فكان ثقيل بالنسبة لحجمها الصغير، فتلفتت تبحث عمن يساعدها ولم تدرك من أنها أشعلت النار فيه هو بدل الحطب.
شعرت بجسد يحيط بها من الخلف، وعندما حاولت الهرب كان قد احتجزها بجسده وبالقدر.
ارتفعت نبضات قلبها، وازدادت وتيرة أنفاسها، لفحت أنفاسه جانب وجهها، وصوته الرخيم يتغلغل لكيانها ويعيث الفساد بروحها:
- إن عدتيها مرة ثانية إنج تلغين وجودي بحضوري فياويلج!!.. فاهمة علي؟؟.
هزت رأسها بخنوع وهمست بعدها بضعف :
- انزين.. بعد ألحين.
التصق بها أكثر وأحاطها بذراعيه من الأمام فارتعش جسدها برعشات جعلت جسده يهتز ويثور.
غمر رأسه بجوف رقبتها وذراعيه تعتصرها إليه ليتحدا ويكونا كيانا واحدا، فعادت تتحدث بصوت مهزوز من المشاعر التي صعقتها بأعماقها، وترجته أن يتركها!!.. فهي لا تعرف ما الذي يصيبها؟؟.. وهي خائفة لحد الموت مما يصيبها.
- الله يخليك اتركني!!... يمكن... يمكن حد يجوفنا.
فتركها وابتعد عنها وأمرها بصوت أجش غريب عليه:
- بعدي عن طريقي
ابتعدت تحيط جسدها بحماية بذراعيها، وشاهدته يحمل القدر الكبير ويضعه على النار ثم غادر بخطوات سريعة دون أن يلتفت ناحيتها، فتنهدت براحة، ولكن تلك الراحة لم تدم طويلا فقد سمعت أحدهم يستأذن بالتقدم وشاهدت العمة تبتسم باستحياء وبسعادة، اقتربت منها وناظرتها بكل الحب :
- الله يسعدكم يا رب ويخليكم لبعض!!.. جوفي يا عنود، حمدان ريال طيب وحنون، بس يلي صار فيه من زمان خلاه عصبي وراسه يابس وجلف شوي، بس معاج جفته غير، يتحول لانسان ثاني، الحمدالله !!.. الحمدالله!!.
سكتت تتطلع لتجهيزاتها ثم عادت تحادثها بما يمكنها المساعدة فرفضت عنود وجودها وقالت لها بأن كل شي بخير، وغادرت العمة وتركت خلفها عقل يستهزئ من تفكيرهم، هم منخدعون بهذا الرجل!!.. فهو قاسي القلب، ولا رحمة لديه، وعقده تلك التي لا دخل لها فيه قد سقطت على رأسها، فما كان منها سوى أن همست بحنق:
- دواه يستاهل!!.. أكيد سوالها شي خلاها تتركه.
وعادت تكمل طهوها.
انتهت من اعداد الوجبة الرئيسية وقامت أيضا بإعداد بعض الحلويات، والسلطة، والصلصة الحارة ثم ذهبت لغرفتها للاستحمام وأداء صلاة الظهر، وعند عودة الرجال من المسجد قامت العاملات بإعداد سفرة الطعام، وباشر الجميع بالأكل والمدح فيها، وآخرون يصفونها بالشيف، الجميع يتحدث عن طعامها الشهي ما عدا شخص واحد ظل يطالع صحنه دون أن يأكل منه لقمة واحدة، وعندما رفع ناظريه لها كأنه استشعر عيونها المحدقة به وجدت الاتهام بداخلهما فازدردت ريقها وأخفضت رأسها فرارا منه وتشاغلت بطعامها وتبادر لذهنها بأن عقابه سيحل ما أن يستفرد بها بالغرفة، لكن لا ليس بعد اليوم ستقف له بالمرصاد.
انتهى الجميع وشربوا الشاي وتناولوا الحلوى وبعدها حانت قيلولة الظهر وغادر الجميع متجهين لغرفهم فالتعب قد نال منهم، وبما أنهم كانوا مستيقظين منذ الفجر فالنوم قد داعب أجفانهم.
حاولت المماطلة كثيرا، وادعت عدم رغبتها بالنوم لكن طلبه بالقدوم أمام الجميع جعلها تسير معه لغرفتهم مجبرة، وما أن أغلق الباب خلفها حتى استعدت للعقاب الذي سيسقطه عليها، فجاءت المفاجأة بأنه تحرك خالعا دشداشته ورماها على الأرض دون اهتمام وبقي بفانيلته ووزاره ثم أضجع جسده على السرير بصمت، ووقفت هي بوسط الغرفة مذهولة لبعض الوقت حتى تحركت وحملت الدشداشة ووضعتها بسلة الغسيل ثم وقفت تتطلع للسرير والنوم بالفعل قد أوشك على اسقاطها من طولها. بحثت عيناها عن مكان آخر يناسب للنوم فوجدت الأريكة، فيستحيل أن تنام بجانبه.
تقدمت ناحيتها ومددت جسدها عليها وكم كانت صلبة ومؤلمة.
تقلبت مرارا وتكرارا فهذه الأريكة قاسية ولا تصلح للنوم عليها، رفعت رأسها وشاهدته مديرا ظهره ناحيتها، والسرير واسع وكبير ويكفيهما كليهما، فقط لو أنها تنام على الطرف ولن تدخل حدوده، هذا ما أقنعت نفسها به وهي تتحرك بخفة وجلست على السرير وعيناها تتابع أنفاسه المنتظمة دليل نومه، وما أن لامس ظهرها السرير الناعم حتى تنهدت براحة واتخذت وضعية مناسبة لتغمض عينيها تنقاد لسلطان النوم، لكن هيهات فالسلطان قد أمر ووجب التنفيذ، فقد حان وقت العقاب.
فتحت عينيها لترى لجة سوداء كفجوة عميقة تحاول ابتلاعها.

ام حمدة 13-12-16 06:23 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
بتمنى انكم تستمتعون بالفصول
وبانتظار رايكم وهذي المرة باذن الله راح أرد عليكم
باقي يومين على المتحانات وتخلص والله يكفينا من شرها
دمتم بخير .... وأحلام سعيدة

طيف الأحباب 13-12-16 08:00 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اللهم اجعل الامتحانات برد وسلام على الجميع ويوفق ابنائك
الله يسعدك ام حمده طمنتينا ماراح تقطيعين فينا بالنص
زي بعضهم الي عطونا وعود
ووعودهم ذهبت مع الريح
متفائله خير انك بتوصلين الروايه لبر الأمان
ومعذوره ام حمده لعدم تعليقك ع الردود
اهم شي البارتات 😊
الردود ملحوق عليها
مابعد قريت الي نزل
انتي روايتك يبي لها جو
تبااارك الله على ها الابداع
لي عوده بأذن الله بعد القراءه

NoOoFy 13-12-16 10:10 PM

بارت يوسع الصدر ويبرد الخاطر ودي ارد بس النوم سلطان
وعندي دوام فيس يصبح
اعجبني البارت وفيتي وكفيتي لي عوده ان شاءالله

همس الريح 14-12-16 12:36 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
موفقين العيال ان شاء الله حبيبتي ام حمده ..

تراني ببدا الاسبوع الجاي يعني الله الله في البارتات الزينه و بلاها القفلات الموووجعه ..


بارتات ممتعه ممتعه ممتعه ربي يبارك لش

يا وجع قلبي وجعاااااااااااااااااااااااااااااااااااااه
ربي يرحم مايد و يصبر قلب عنوده ..

صراحه ما توقعتهم يكونون بذي القسوة..اقل شي اقل شي اقل شي كان قالون للضعيفه
حسبي الله عليهن عجوز قريح و ام الدويس
عساني اشوفهن مقهورات عاااااجل غير اجل يا الله ..

حزن عنوده اجع قلب حميدان بس بعده ماسك ثوب البرود ..
بس المشاعر الدافئه منحنونه و عبودي ما عليها خلاف ..و ارتباطهم بعنوده بيوقف في وجه مخطط ابيهم بانهم يتركها

جعله ما يتحمل يبعد عنها ساعه ..

لا و البعدا .. فوق شينهم قوة عينهم
مالت بس
و بكل وجه مغسول بكلوروكس مهوب مرق يبون يجون و زعلانين انها فاتنتهم ..
مالت عليهن طوفه فوقها طوفه فوقها فيل

امون . واقليبي عليها ..حاسه بالذنب
مهوب ذنبش حبيبتي
من ريا و سكينه اللي جالسات معش
و ابيها
خليني ساكته بس .. الرجال شيبه ..
بس نظرة الغموض ذي عساها تصحي العرق النايم اللي في قلبه ..

رحلة المزرعه ..
توقعتها اكشن و طلعت اكشنات

هههههههههههههههه
اجل يالشايب تبا توهقها ؟؟ عنوده بليا مبالغه لو تجيب لها قعود مهوب ذبيحه طبخته ..
اثره ايب صدق و نسى الاسباجيتي..هههههه ما الومه ما تهنا باللقمه الا و جدته عند الباب

الحين ابا اعرف .. على وشو ناوي الشايب ؟؟
هدوءه مهوب مريحني ..

و شي ثاني

لا تكون ام الدويس حصلت رقمه ؟؟
عسى الارقام تاقف في حلقها لا تعرف تصد و لا ترد

NoOoFy 14-12-16 08:08 PM

شكرًا أصبع شكرًا أصبع
أبي الأصبع والشكراً اللي تجئ في نهاية الرد بالأزرق هاا فهمتوني بزعجكم لين تحطونها لي فيس يرافس برجلينه يبي شكرًا
بأخواتي علموني وشلون أكبر الخط والون واحط شكرًا في ليلاس الصفحة صمعا ما فيها أي شئ بس ليلاس

نجي للروايه الطر ياويح قلبي بس أم حمده جعل حمده وأخوانها ينجحون ويأخذون أعلى الدرجات
لا يهمتس مستوى عيالتس انتي اكتبي الرواية وحنا بنقنت لعيالتس الله يوفقهم وينجحهم فيس رافع يده يدعي

بما أن الروايه جازتلي وبقوه ببثرتس بردي الطويل وفصله تفصيل
نجي البومايد محمد اللي يسويه في عياله من عقله أكيد الرجال مسحور مافيه اب متبلد إلا فيه بلا
أم حمده انتي مافصلتي لنا عائلة محمد وشلون خذ المصرية وحياته مع أم العنود كيف كانت
وأم العنود وينها حيه ولا ميته وش سالفتها تزوجها قبل المصرية ولا بعدها
والعنود وين خوالها عنها أكيد أمها مهيب مقطوعه من شجره
على العموم محمد اللي تسويه مع بنتك وأخوها لو كنت مسحور مهوب مبرر ياخي انت مالك عيون تشوف البنت تكرف ومع ذلك هي الشينه

أم غوايش مدري أحس شكلها يشبه فيفي عبدو ذهبان وعيون شريره والسان طوله مترين
يمه روعتني وأنا ماشفتها حسبي الله عليتس انتي ما تدرين أن فيه رب يشوفتس
وين تروحين من رب العالمين يا عجوز قريح وجع ومن زين الحلا جايه للبنت في بيتها انتي وش طينتس وجاره معتس بنتس
ليه العنود مالها سند لا يا حبيبتي مهيب العنود الاوله هذي ورآها الشيبه أبو عبدالله ولاهوب أي سند شيخ العرب حمدان بن عبدالله ( مدي اسم أبوه عبدالله بس أكيد مسمي ولده علبه )
توكلي على الله ولله لو تحفرين الأرض حفر بهبديتس انتي وشحومتس مالمستي شعره منها زمن اول تحول ياوليه
تحسبين حالها مثل يوم كانت عندتس لا ياشيخه الله يخلي للحرمة رجالها اللي بياخذ حقها وحق أخوها وحق أبوها منتس
وجع بلا وجع وإذا راح رجع عمى الجدري الله يلهيتس في نفستس وياثر العنود عليتس وتشوفينها في أحسن حال
وتصيرين عندها شاغله الله يشغلتس في نفستس (مسكت خط في الدعاوي )

ولله لو تقوطر سعابيلتس يالداجه يالهايته مهوب كل طير يتاكل لحمه
ليه ابوعبدالله مثل السلق اللي تعرفينهم لا ياحبيبتي هذا شيخ العرب مهوب انتي واشكالتس يجيب راسه
وتراه حط اللي مثلتس تحت رجله وداس عليها ولله لو تجيبين عشر ارقام أرقام له ماجبتي راسه
هو مع حمامة الحرم الشريفة عنوده يمشي بالبركة وشلون أنتي اللي وصاختس تسحبينها وراتس
اجل عبايه بيضاء وطرحه بيضاء الأخت ممرضه داخله مستشفى
أقول ضفي عمرتس ترا الشيخ مهوب ساكت ولله أن يطلع ريحتس ويخليتس تدورون حول عمرتس دوران
ولا من الثقه الزايده تكلم وتقول أنا ابتسام
بس تدرين انتي قدمتي أكبر خدمه للعنود لان ابوعبدالله بيدر منهي البنت ضائعة الشرف اللي في بيت أبو مايد وأكيد سمعتس واصله الإمارات السبع
والكل يحسب أن البنت اللي تلعب بذيلها من بيت ابومايد بنته بس الله بيفضحتس وبيعرف الشيبه منهي العنود ومنهي انتي
إيه مير منهو ابوتس يالهايته انتي قلتي عمي محمد يعني منتيب أخت العنود بنت مصري ولا إماراتي
إذا بنت مصري قولي أمين جعلتس الماحق والبلا المتلاحق اللي يطيرتس مايردتس إلا الغردئه ولا سكندريه

أمون لبي قلب البريئة مدري عندي إحساس أن مصيرتس يبصر عند العنود وأمتس بتروح قلعت ودارين أن شاء الله

مايد لبي قلبه مدري عندي احساس أن موته فيه أن وعجوز قريح وبنتها لهم دخل في موته وشكل ابوعبدالله شيخ الشيبان اللي بيجيب الحقيقة وبيدخل العجوز وبنتها السجن

نجي البوعبدالله طحت ولا احد سمى عليك اجل بطلق اللي يطلق مايلحق البنت وين راحت هذا وانت ماتبيها اجل لو تبيها وش بتسوي
أقول وراك رزقك ورزق عيالك ترا ملاحق ذا البزر مهوب نافعك اكذب اكذب عليك ولله أن قربها بيجيب لك العافية ويفتح نفسك على الشغل ويرجعك عشر سنوات وراء
تدري وش اللي أعجبني في العنود أنها ما حاولت تبرر لك أنها شريفه وانت تكيل عليها التهم خلتك انت تكتشف بنفسك وشي من مره
مهوب معقولة بنت صايعه ضايعه تسوي سواياها من أدب وأخلاق وسنع
بس انتبه لا تسوي شئ يكسر البنت وبعدها تبي قربها ولا تحصله العنود شكلها مهيب من اللي ينكسر بسهول ولا يرضى بسهوله
الشيبه حافظ عليها لا تضيع من يدك الله رائد لك الخير يوم حطها في طريقك وراحم ضعف ذا البنيه حنون ورزقها بأم تعوضها
تعال انت دريت عن الصايعه وعرفت أنها أخت حرمتك وصرت إذا دقت قمت تكلمه برا لا يكون ناويلك على نيه شينه للعنود ترا ماراح يخسر إلا انت
العنود حره عنود الصيد مهيب اي بنت بتراضيها وبترضى لا حاسب على فعلك لا تفلت الامور من يدك

يا قلبي يا قلبي بس جيت للزين شيخة البنات العنود بنت محمد جعل محمد الفلس
ولله بقدر مايوجعني قلبي عليتس بقدر ماتعجبني ردات فعلتس روحي ياشيخه جعلتس تخرفنين الشيبه وتخلينه يمشي يهذي باسمتس
يا عمر عيني عليتس اللي شفتيه ماشافته بنت بعمرتس بس ادري أن الله بالمرصاد الكل من ظلمتس ويأخذ حقتس وياثرتس عليهم وأولهم شيبتس
عندي إحساس انتس بتملكين قلوب أهل البيت كلهم أكبرهم الجده وأصغرها حنان
أشي أشي اللي تعرف تطبخ الذبيحة ذبائح مره وحده يالعنود وين انتي بأي زمن وأي عصر جنستس راح أيام امهاتنا من اللي تعرف في ذا الوقت تطبخ ذبيحه
الحين البنات فطورها وغداها وعشاها من برا وياويله لو قال ادخلي المطبخ وإذا حملت تحس أنها حامل ببعير من زود ماهي تعبانه
المهم خليتس من شغل المطابخ واشتغلي على شايبتس وهبلي فيه المطبخ مهوب جايب راسه بيجيب بطنه فيس يغمزلتس ويقول انتي أدرا وش اقصد

أم حمده بارتاتس توسع الصدر وغنيه بالأحداث
روايه ما تشعرين فيها بالملل ودي اكتب واكتب في الرد بس الظهر تقوس من الكتابه
ولله ان أبطالتس ممتعين وتنجبرين تتكلمين عنهم بإسهاب
في الانتظار يالغاليه

وترا ما نسيت شكراً والأصبع الأزرق حطو لي ولا معاد رديت وتابعت بصمت فيس عيون ادمع ولا علموني كيف أحطه

طيف الأحباب 14-12-16 09:46 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
ماقدرت احط ردي ولا قدرت اقتبس
المشكله من عندي والا من المنتدى

انا مع النوفي
نبي نعرف تفاصيل اكثر عن عنوده
سبب لون عيوها وين خوالها عماتها خوات ابو مايد
كيف قدر الشايب يوصل لعنود وكيف خطبها اصلا
ماشفنا الا خذوه فغلوه
من حق عنود الصيد تعرف

لي عوده بأذن الله برد مفصل ع البارتات
الله يسعدك ام حمده ويسهل اختباراتكم

ريما حرب 14-12-16 10:39 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
ابدعتي ام حمده
كأني قريت في بدايه الروايه ان غويشه المصريه تناديها ببنت الاردنيه اذا مانخبطت على دماغي و ألفتها من عندي
شكرا قد الدنيا

مي نيم 14-12-16 11:22 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السلام عليكم ورحمة الله
اول ماقريت ان الروايه اماراتيه دخلت اقراها بلا تردد لان بداياتنا في الروايه العربيه كانت
من الكاتبات الاماراتيات لكن اختى اسمح لي ب اني اعبر عن صدمتي على محتوى الروايه
مهما كانت الفكره لكن محتوى كتاباتك ابد مايصلح انك تكتبينه ب امكانك تتجاوزين اشياء
مالها داعي والي اشوف انها خادشه لي ك قارئه ولاتنسين ان فيه مراهقين يبحثون
عن الروايات ويقرونها ف جد كش جسمي هنا من مجرد التفكير انهم يقرون هالشي
مشهد البنت تدخل ع ابوها وزوجتها وتروح تخبر العالم ؟ ابد ماحبيته نهائيا واحس
ان جلست اتسائله وش له حاطه هالمشهد اصلا ؟
مشهد عيال عمه ويشوفون موقفه وبكل بروده يقولون وه لك غرفه ترى ؟ عيب والله
من متى هالامور تكون عاديه عندنا ك شعب خليجي ؟ احس ابد مو قادره اكتم الكلام
لاني جد مصدومه من روايتك واتمنى من المشرفات يحطون رقابه ع الكتابه مهما كان
كل شي له حدود ..
قلمك رائع وظفيه بشي رائع يستحق التقدير منا ك متلقين ويجعلنا نستمر في دعمك
واتمنى ماتزعلين ع رائي ف انا ك متلقي ارفض هالشي وابدي رائيه فيه ..
شكرا لكم

ام حمدة 15-12-16 08:30 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مي نيم (المشاركة 3669084)
السلام عليكم ورحمة الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اول ماقريت ان الروايه اماراتيه دخلت اقراها بلا تردد لان بداياتنا في الروايه العربيه كانت
من الكاتبات الاماراتيات لكن اختى اسمح لي ب اني اعبر عن صدمتي على محتوى الروايه
مهما كانت الفكره لكن محتوى كتاباتك ابد مايصلح انك تكتبينه ب امكانك تتجاوزين اشياء
مالها داعي والي اشوف انها خادشه لي ك قارئه ولاتنسين ان فيه مراهقين يبحثون
عن الروايات ويقرونها ف جد كش جسمي هنا من مجرد التفكير انهم يقرون هالشي
مشهد البنت تدخل ع ابوها وزوجتها وتروح تخبر العالم ؟ ابد ماحبيته نهائيا واحس
ان جلست اتسائله وش له حاطه هالمشهد اصلا ؟
مشهد عيال عمه ويشوفون موقفه وبكل بروده يقولون وه لك غرفه ترى ؟ عيب والله
من متى هالامور تكون عاديه عندنا ك شعب خليجي ؟ احس ابد مو قادره اكتم الكلام
لاني جد مصدومه من روايتك واتمنى من المشرفات يحطون رقابه ع الكتابه مهما كان
كل شي له حدود ..
قلمك رائع وظفيه بشي رائع يستحق التقدير منا ك متلقين ويجعلنا نستمر في دعمك
واتمنى ماتزعلين ع رائي ف انا ك متلقي ارفض هالشي وابدي رائيه فيه ..
شكرا لكم

مرحبا أختي
أبدا ما زعلت، بالعكس... كل واحد حر برايه شو ما كان.
وتعرفين... أنا معاج بيلي قلتيه وكنت أصلا ناوية على هذا الشي، البعد عن أي مواقف جريئة بالمستقبل إن شاء الله.
بس تعرفين... في مواقف فعلا تصير بواقعنا، وفعلا أنا صار معي عدة مواقف مع عيالي .
بس حبيت أقولج عن القارءات المراهقات....
ما تتخيلين انهم يقرأون هذي المشاهد !!...
ممكن هذا المنتدى ما في روايات جريئة بس تتوقعين هو المنتدى الوحيد؟؟..
في عدة منتديات وفي مواقع التواصل في أشد وأكثر، والله لو تقرئين يشيب الشعر من جرئتها.
والبنات ما شاء الله لهم بكل بستان وردة... منتشرين بكل مكان...
أنا ما أبرر لكن أقولج بيمتنعون عن روايتي، بس في روايات ثانية وبعدة أماكن .
المهم ...
لو ادارة المنتدى حابة تحذف الرواية براحتهم وأنا أبدا ما راح أزعل
بالعكس هذا مكانهم وأنا مجرد ضيفة في بيتهم
اسمحيلي يا اختي وشكرااااااا لمروووووووووورك العطر

همس الريح 15-12-16 08:43 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مي نيم (المشاركة 3669084)
السلام عليكم ورحمة الله
اول ماقريت ان الروايه اماراتيه دخلت اقراها بلا تردد لان بداياتنا في الروايه العربيه كانت
من الكاتبات الاماراتيات لكن اختى اسمح لي ب اني اعبر عن صدمتي على محتوى الروايه
مهما كانت الفكره لكن محتوى كتاباتك ابد مايصلح انك تكتبينه ب امكانك تتجاوزين اشياء
مالها داعي والي اشوف انها خادشه لي ك قارئه ولاتنسين ان فيه مراهقين يبحثون
عن الروايات ويقرونها ف جد كش جسمي هنا من مجرد التفكير انهم يقرون هالشي
مشهد البنت تدخل ع ابوها وزوجتها وتروح تخبر العالم ؟ ابد ماحبيته نهائيا واحس
ان جلست اتسائله وش له حاطه هالمشهد اصلا ؟
مشهد عيال عمه ويشوفون موقفه وبكل بروده يقولون وه لك غرفه ترى ؟ عيب والله
من متى هالامور تكون عاديه عندنا ك شعب خليجي ؟ احس ابد مو قادره اكتم الكلام
لاني جد مصدومه من روايتك واتمنى من المشرفات يحطون رقابه ع الكتابه مهما كان
كل شي له حدود ..
قلمك رائع وظفيه بشي رائع يستحق التقدير منا ك متلقين ويجعلنا نستمر في دعمك
واتمنى ماتزعلين ع رائي ف انا ك متلقي ارفض هالشي وابدي رائيه فيه ..
شكرا لكم

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

وقفا للصد و الرد في موضوع الجراه في الروايات احب اقول شيئين

الاول .. الموقف اللي نوهتين عنه مره عادي .. بنت درعمت علي هلها و حصلتهم حاضنين بعضهم او بوسه و طلعت تبكي .. ما فيها لا شي يثير الخيال عند المراهقات نفس ما تقولين و لا شي مخجل و يتجاوز الحدود

الشي الثاني تقولين كش جسمش .. ما كان فيها شي و ذا من وجهة نظري كمراقب و قارئه في نفس الوقت

النقد حلو و نرحب بكل الاراء

همس الريح 15-12-16 08:46 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام حمدة (المشاركة 3669094)
مرحبا أختي
أبدا ما زعلت، بالعكس... كل واحد حر برايه شو ما كان.
وتعرفين... أنا معاج بيلي قلتيه وكنت أصلا ناوية على هذا الشي، البعد عن أي مواقف جريئة بالمستقبل إن شاء الله.
بس تعرفين... في مواقف فعلا تصير بواقعنا، وفعلا أنا صار معي عدة مواقف مع عيالي .
بس حبيت أقولج عن القارءات المراهقات....
ما تتخيلين انهم يقرأون هذي المشاهد !!...
ممكن هذا المنتدى ما في روايات جريئة بس تتوقعين هو المنتدى الوحيد؟؟..
في عدة منتديات وفي مواقع التواصل في أشد وأكثر، والله لو تقرئين يشيب الشعر من جرئتها.
والبنات ما شاء الله لهم بكل بستان وردة... منتشرين بكل مكان...
أنا ما أبرر لكن أقولج بيمتنعون عن روايتي، بس في روايات ثانية وبعدة أماكن .
المهم ...
لو ادارة المنتدى حابة تحذف الرواية براحتهم وأنا أبدا ما راح أزعل
بالعكس هذا مكانهم وأنا مجرد ضيفة في بيتهم
اسمحيلي يا اختي وشكرااااااا لمروووووووووورك العطر

الدار دارش حبيبتي ام حمده ..
و اللي ينطرح في واجد روايات سواء خليجيه او عربيه صدق مؤلم و مخزي

تكرم روايتش وو يكرم قلمش

في انتظارش حبيبتي

همس الريح 15-12-16 08:57 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة NoOoFy (المشاركة 3669070)
شكرًا أصبع شكرًا أصبع
أبي الأصبع والشكراً اللي تجئ في نهاية الرد بالأزرق هاا فهمتوني بزعجكم لين تحطونها لي فيس يرافس برجلينه يبي شكرًا
بأخواتي علموني وشلون أكبر الخط والون واحط شكرًا في ليلاس الصفحة صمعا ما فيها أي شئ بس ليلاس

نجي للروايه الطر ياويح قلبي بس أم حمده جعل حمده وأخوانها ينجحون ويأخذون أعلى الدرجات
لا يهمتس مستوى عيالتس انتي اكتبي الرواية وحنا بنقنت لعيالتس الله يوفقهم وينجحهم فيس رافع يده يدعي

بما أن الروايه جازتلي وبقوه ببثرتس بردي الطويل وفصله تفصيل
نجي البومايد محمد اللي يسويه في عياله من عقله أكيد الرجال مسحور مافيه اب متبلد إلا فيه بلا
أم حمده انتي مافصلتي لنا عائلة محمد وشلون خذ المصرية وحياته مع أم العنود كيف كانت
وأم العنود وينها حيه ولا ميته وش سالفتها تزوجها قبل المصرية ولا بعدها
والعنود وين خوالها عنها أكيد أمها مهيب مقطوعه من شجره
على العموم محمد اللي تسويه مع بنتك وأخوها لو كنت مسحور مهوب مبرر ياخي انت مالك عيون تشوف البنت تكرف ومع ذلك هي الشينه

أم غوايش مدري أحس شكلها يشبه فيفي عبدو ذهبان وعيون شريره والسان طوله مترين
يمه روعتني وأنا ماشفتها حسبي الله عليتس انتي ما تدرين أن فيه رب يشوفتس
وين تروحين من رب العالمين يا عجوز قريح وجع ومن زين الحلا جايه للبنت في بيتها انتي وش طينتس وجاره معتس بنتس
ليه العنود مالها سند لا يا حبيبتي مهيب العنود الاوله هذي ورآها الشيبه أبو عبدالله ولاهوب أي سند شيخ العرب حمدان بن عبدالله ( مدي اسم أبوه عبدالله بس أكيد مسمي ولده علبه )
توكلي على الله ولله لو تحفرين الأرض حفر بهبديتس انتي وشحومتس مالمستي شعره منها زمن اول تحول ياوليه
تحسبين حالها مثل يوم كانت عندتس لا ياشيخه الله يخلي للحرمة رجالها اللي بياخذ حقها وحق أخوها وحق أبوها منتس
وجع بلا وجع وإذا راح رجع عمى الجدري الله يلهيتس في نفستس وياثر العنود عليتس وتشوفينها في أحسن حال
وتصيرين عندها شاغله الله يشغلتس في نفستس (مسكت خط في الدعاوي )

ولله لو تقوطر سعابيلتس يالداجه يالهايته مهوب كل طير يتاكل لحمه
ليه ابوعبدالله مثل السلق اللي تعرفينهم لا ياحبيبتي هذا شيخ العرب مهوب انتي واشكالتس يجيب راسه
وتراه حط اللي مثلتس تحت رجله وداس عليها ولله لو تجيبين عشر ارقام أرقام له ماجبتي راسه
هو مع حمامة الحرم الشريفة عنوده يمشي بالبركة وشلون أنتي اللي وصاختس تسحبينها وراتس
اجل عبايه بيضاء وطرحه بيضاء الأخت ممرضه داخله مستشفى
أقول ضفي عمرتس ترا الشيخ مهوب ساكت ولله أن يطلع ريحتس ويخليتس تدورون حول عمرتس دوران
ولا من الثقه الزايده تكلم وتقول أنا ابتسام
بس تدرين انتي قدمتي أكبر خدمه للعنود لان ابوعبدالله بيدر منهي البنت ضائعة الشرف اللي في بيت أبو مايد وأكيد سمعتس واصله الإمارات السبع
والكل يحسب أن البنت اللي تلعب بذيلها من بيت ابومايد بنته بس الله بيفضحتس وبيعرف الشيبه منهي العنود ومنهي انتي
إيه مير منهو ابوتس يالهايته انتي قلتي عمي محمد يعني منتيب أخت العنود بنت مصري ولا إماراتي
إذا بنت مصري قولي أمين جعلتس الماحق والبلا المتلاحق اللي يطيرتس مايردتس إلا الغردئه ولا سكندريه

أمون لبي قلب البريئة مدري عندي إحساس أن مصيرتس يبصر عند العنود وأمتس بتروح قلعت ودارين أن شاء الله

مايد لبي قلبه مدري عندي احساس أن موته فيه أن وعجوز قريح وبنتها لهم دخل في موته وشكل ابوعبدالله شيخ الشيبان اللي بيجيب الحقيقة وبيدخل العجوز وبنتها السجن

نجي البوعبدالله طحت ولا احد سمى عليك اجل بطلق اللي يطلق مايلحق البنت وين راحت هذا وانت ماتبيها اجل لو تبيها وش بتسوي
أقول وراك رزقك ورزق عيالك ترا ملاحق ذا البزر مهوب نافعك اكذب اكذب عليك ولله أن قربها بيجيب لك العافية ويفتح نفسك على الشغل ويرجعك عشر سنوات وراء
تدري وش اللي أعجبني في العنود أنها ما حاولت تبرر لك أنها شريفه وانت تكيل عليها التهم خلتك انت تكتشف بنفسك وشي من مره
مهوب معقولة بنت صايعه ضايعه تسوي سواياها من أدب وأخلاق وسنع
بس انتبه لا تسوي شئ يكسر البنت وبعدها تبي قربها ولا تحصله العنود شكلها مهيب من اللي ينكسر بسهول ولا يرضى بسهوله
الشيبه حافظ عليها لا تضيع من يدك الله رائد لك الخير يوم حطها في طريقك وراحم ضعف ذا البنيه حنون ورزقها بأم تعوضها
تعال انت دريت عن الصايعه وعرفت أنها أخت حرمتك وصرت إذا دقت قمت تكلمه برا لا يكون ناويلك على نيه شينه للعنود ترا ماراح يخسر إلا انت
العنود حره عنود الصيد مهيب اي بنت بتراضيها وبترضى لا حاسب على فعلك لا تفلت الامور من يدك

يا قلبي يا قلبي بس جيت للزين شيخة البنات العنود بنت محمد جعل محمد الفلس
ولله بقدر مايوجعني قلبي عليتس بقدر ماتعجبني ردات فعلتس روحي ياشيخه جعلتس تخرفنين الشيبه وتخلينه يمشي يهذي باسمتس
يا عمر عيني عليتس اللي شفتيه ماشافته بنت بعمرتس بس ادري أن الله بالمرصاد الكل من ظلمتس ويأخذ حقتس وياثرتس عليهم وأولهم شيبتس
عندي إحساس انتس بتملكين قلوب أهل البيت كلهم أكبرهم الجده وأصغرها حنان
أشي أشي اللي تعرف تطبخ الذبيحة ذبائح مره وحده يالعنود وين انتي بأي زمن وأي عصر جنستس راح أيام امهاتنا من اللي تعرف في ذا الوقت تطبخ ذبيحه
الحين البنات فطورها وغداها وعشاها من برا وياويله لو قال ادخلي المطبخ وإذا حملت تحس أنها حامل ببعير من زود ماهي تعبانه
المهم خليتس من شغل المطابخ واشتغلي على شايبتس وهبلي فيه المطبخ مهوب جايب راسه بيجيب بطنه فيس يغمزلتس ويقول انتي أدرا وش اقصد

أم حمده بارتاتس توسع الصدر وغنيه بالأحداث
روايه ما تشعرين فيها بالملل ودي اكتب واكتب في الرد بس الظهر تقوس من الكتابه
ولله ان أبطالتس ممتعين وتنجبرين تتكلمين عنهم بإسهاب
في الانتظار يالغاليه

وترا ما نسيت شكراً والأصبع الأزرق حطو لي ولا معاد رديت وتابعت بصمت فيس عيون ادمع ولا علموني كيف أحطه

وي وي كله و لا الدميعه

شوفين .. اذا داخله من جوال فعلين وضعية سطح المكتب ..
و اذا هج الاصبع و ما عاد شفتينه طلعين من الصفحه كم دقيقه و ردين بتحصلينه رد روحه :8_4_134:

NoOoFy 15-12-16 11:29 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3669098)
وي وي كله و لا الدميعه

شوفين .. اذا داخله من جوال فعلين وضعية سطح المكتب ..
و اذا هج الاصبع و ما عاد شفتينه طلعين من الصفحه كم دقيقه و ردين بتحصلينه رد روحه :8_4_134:



عفون أخت همس ممكن الترجمين
منهو اصبعه اللي ببهج ومنهو اللي أطلعه كم دقيقه أورده ومنهو اللي يرد بروحه ( دي طلاس سحر ولا إيه )
جدجد ولله مافعمت من اللي قلتي شئ ترا عندي صعوبة في فهم التقنيه أنا افتح الجوال واسكره اشرحي أكثر يافندم قلبت أم ابتسام
هموس حطيلي شكراً واصبع انا مسؤله منك يبت
مالقيت الا هذي 👍👍👍👍👏👏👏👏تصلح

همس الريح 15-12-16 01:23 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة NoOoFy (المشاركة 3669102)
عفون أخت همس ممكن الترجمين
منهو اصبعه اللي ببهج ومنهو اللي أطلعه كم دقيقه أورده ومنهو اللي يرد بروحه ( دي طلاس سحر ولا إيه )
جدجد ولله مافعمت من اللي قلتي شئ ترا عندي صعوبة في فهم التقنيه أنا افتح الجوال واسكره اشرحي أكثر يافندم قلبت أم ابتسام
هموس حطيلي شكراً واصبع انا مسؤله منك يبت
مالقيت الا هذي 👍👍👍👍👏👏👏👏تصلح

ههههههههههههههههههههههههه .. فديت قلبش
احلى اصبع و شكرا مني لش دودي

انتي تقدرين تحطين شكر ( اصبع ) للبنات بس لش الا احد يحط لش

بس اوقات الايقونه بكبرها تهج ..تدورينها يمين يسار ، ماشي
تطلعين من الصفحه و تتنين دقايق تحصلينه رد بروحه ( الاصبع )

:8_4_134:

NoOoFy 15-12-16 02:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3669129)
ههههههههههههههههههههههههه .. فديت قلبش
احلى اصبع و شكرا مني لش دودي

انتي تقدرين تحطين شكر ( اصبع ) للبنات بس لش الا احد يحط لش

بس اوقات الايقونه بكبرها تهج ..تدورينها يمين يسار ، ماشي
تطلعين من الصفحه و تتنين دقايق تحصلينه رد بروحه ( الاصبع )

:8_4_134:

طيب انا وشلون أحاطها للبنات
وانتم ليش ماتحطون لي خييييير واولهم انتي هموسه يعني أشوف شكراً عند رد من كلمتين وأنا شكراً مافيه
الله يرحم أيام اول ردودي تأخذ جوائز تكه بس وأخذ جائزة نوبل في افضل رد فيس يغمزلتس بعينه
معاد أبي شكراً ولا أصبع وحتى حطيتو يد مهوب اصبع مابيها فيس زعل وصاد بفيسه

NoOoFy 15-12-16 02:18 PM

وبعدين هموس منهي دودي وين جبتي دودي منه أنا النوفي الانجليزية معروفه عند ليلاس أم المزايين
دودي عضوه ثانيه

طُعُوْن 15-12-16 05:16 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مساء الخير أم حمده.. تو توفرت لي الفرصة اكتب تعليق و ان شاء الله ليلاس
ما يحذفني بكبري .. له يومين يتمنذل معاي و يدخلني بصفحات ويطلعني من غيرها..


المهم..


الشايب.. هو عنده مراهقة متأخرة والا شو.. تصرفاته متناقضة.. الحين من كل عقله
يتزوج عشان بس يرد لها الكف.. تصرف بزران صدق.. يعني عنود وهي اصغز منه ما تسوي
سواته.. طيب هو قالها.. كان يقدر يعطيها كف وكفين بدون زواج.. ليش اختار الزواج
بالذات..؟ و ما فكر وقتها ايش حيصير بعد ما يرد لها الكف..؟ اشوف سبب زواجه تافه
وما يبني بيت.. الحين هو بكبره و يهايط وما تعرفون مكانتي يتزوج عشان كف..! تصرفاته
ما تليق بعمره.. و دام انه وصل عنها كلام مش ولابد ليش استمر بخطته و تزوجها..؟
يمكن عشان عمره ماني مقتنعة بتصرفاته اللي ما تناسب هالشيء..

بس اللي ابي افهمه هو كيف وصله كلام عنها..؟ على خبري انها الزفت ابتسام اللي
سمعتها طايحة.. كمان بكل قوة عين تدق عليه و تقوله انا ابتسام..! ابي اعرف وش قالها..؟
وهل ممكن يشغل عقله التنكة شوي و يعرف السالفة..؟ يعني انو كله كذب اللي وصله عن
العنود..؟

،

العنود.. كيف أهلها ما قالوا لها عن اخوها..؟ اقل شيء امون ليش ما قالت لها..؟
مدري حسيته غريب انو اخوها يتوفى وما يجيها خبر.. يعني نقول اهلها ما همتهم بس
أمون ليش ما خبرتها..؟ و ايش نهاية مصيرها مع الشايب..؟ بياخذ بنصيحة سالم والا لا..؟
واذا ماخذ عنها فكرة سيئة عنها صعب تتغير الا بشيء قاطع..

،

ننتظر الفصول بشوق.. صراحة خلصتها و بعدها بكذا ساعة احس انو فيه شيء
غريب ناقصني او شيء كنت اسويه و فاقدته.. بعدها تذكرت اني كنت اقرأ الفصول
متتابعة..


بالتوفيق لك..

مي نيم 15-12-16 11:35 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام حمدة (المشاركة 3669094)
مرحبا أختي
أبدا ما زعلت، بالعكس... كل واحد حر برايه شو ما كان.
وتعرفين... أنا معاج بيلي قلتيه وكنت أصلا ناوية على هذا الشي، البعد عن أي مواقف جريئة بالمستقبل إن شاء الله.
بس تعرفين... في مواقف فعلا تصير بواقعنا، وفعلا أنا صار معي عدة مواقف مع عيالي .
بس حبيت أقولج عن القارءات المراهقات....
ما تتخيلين انهم يقرأون هذي المشاهد !!...
ممكن هذا المنتدى ما في روايات جريئة بس تتوقعين هو المنتدى الوحيد؟؟..
في عدة منتديات وفي مواقع التواصل في أشد وأكثر، والله لو تقرئين يشيب الشعر من جرئتها.
والبنات ما شاء الله لهم بكل بستان وردة... منتشرين بكل مكان...
أنا ما أبرر لكن أقولج بيمتنعون عن روايتي، بس في روايات ثانية وبعدة أماكن .
المهم ...
لو ادارة المنتدى حابة تحذف الرواية براحتهم وأنا أبدا ما راح أزعل
بالعكس هذا مكانهم وأنا مجرد ضيفة في بيتهم
اسمحيلي يا اختي وشكرااااااا لمروووووووووورك العطر


الشكر كله لذوقك بالرد انتظر منك الكثير وان شاء الله تعدلين فيها
مهما انا قلبا وقالبا مع الروايات العربيه ..

همس الريح الاخت ام حمدة قالت انها ترددت في وضع هالمشهد
يعني ماشافته عادي مثلي في النهايه النقد مو لشخصها بالعكس
هي ع العين والراس لكن نتمنى لها الافضل ..

ام حمدة 16-12-16 05:08 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مي نيم (المشاركة 3669171)

الشكر كله لذوقك بالرد انتظر منك الكثير وان شاء الله تعدلين فيها
مهما انا قلبا وقالبا مع الروايات العربيه ..
تسلمين حبيبتي بس أنا ما أقدر أعدل بالرواية لأنها كاملة وأنا ناشرتنها بكذا مكان
فصعب أني أعدل فيها شي أو أحذف

همس الريح الاخت ام حمدة قالت انها ترددت في وضع هالمشهد
يعني ماشافته عادي مثلي في النهايه النقد مو لشخصها بالعكس
هي ع العين والراس لكن نتمنى لها الافضل ..

اسمحيلي يا اختي أنا لما قلت راح أبتعد عن المشاهد الجريئة لأن فعلا بالرواية في كذا مشهد جريئ. وسالفة بوسة هذي بعد أحسها عادية لأن أصلا التلفزيون مب مقصر بهذا الشي إن كان رسوم ولا أفلام
أما علشان البنت دخلت على أبوها بصراحة ما أجوف فيه أي شي، ويا ما مواقف صارت واستوت
فاسمحيلي وشكرا على رايج

ام حمدة 16-12-16 05:26 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طيف الأحباب (المشاركة 3668964)
اللهم اجعل الامتحانات برد وسلام على الجميع ويوفق ابنائك
أمين يا رب العالمين
الله يسعدك ام حمده طمنتينا ماراح تقطيعين فينا بالنص
زي بعضهم الي عطونا وعود
ووعودهم ذهبت مع الريح
متفائله خير انك بتوصلين الروايه لبر الأمان
لا ان شاء الله ماراح أقطع الرواية جاهزة ولله الحمد، واعذري يلي ما كملوا لأن الغايب عذره معاه، احنا ما نعرف شو هي ظروفهم
ومعذوره ام حمده لعدم تعليقك ع الردود
اهم شي البارتات 😊
الردود ملحوق عليها
مابعد قريت الي نزل
انتي روايتك يبي لها جو
تبااارك الله على ها الابداع
لي عوده بأذن الله بعد القراءه

تسلمي يا الغلا
وشكرااااااااا لمروووووووووورج العطر

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة NoOoFy (المشاركة 3668986)
بارت يوسع الصدر ويبرد الخاطر ودي ارد بس النوم سلطان
وعندي دوام فيس يصبح
اعجبني البارت وفيتي وكفيتي لي عوده ان شاءالله

الله يعينج ويقويج حبيبتي على شغلج
والله يعطيج الصحة والعافية

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3669043)
موفقين العيال ان شاء الله حبيبتي ام حمده ..
آمين يارب والله يوفق الجميع إن شاء الله
تراني ببدا الاسبوع الجاي يعني الله الله في البارتات الزينه و بلاها القفلات الموووجعه ..
أممممممم عاد القفلات اسمحيلي فيها هم مسميني بالشريرة بسبب القفلات
هههههههههههه


بارتات ممتعه ممتعه ممتعه ربي يبارك لش
تسلمين يا قلبي
يا وجع قلبي وجعاااااااااااااااااااااااااااااااااااااه
ربي يرحم مايد و يصبر قلب عنوده ..
تعرفين أحس موته أرحم له وللعنود
صراحه ما توقعتهم يكونون بذي القسوة..اقل شي اقل شي اقل شي كان قالون للضعيفه
حسبي الله عليهن عجوز قريح و ام الدويس
عساني اشوفهن مقهورات عاااااجل غير اجل يا الله ..
بتجوفينهم ان شاء الله بس بعده المشوار طويل عليهن
حزن عنوده اجع قلب حميدان بس بعده ماسك ثوب البرود ..
هههههههه حلوه حميدان، ولعلمج وراح يظل يلبسه لحد راح ييجي اليوم ويندم عليه
بس المشاعر الدافئه منحنونه و عبودي ما عليها خلاف ..و ارتباطهم بعنوده بيوقف في وجه مخطط ابيهم بانهم يتركها

جعله ما يتحمل يبعد عنها ساعه ..
وراح يصير انه ما يتحمل الفراق
لا و البعدا .. فوق شينهم قوة عينهم
مالت بس
و بكل وجه مغسول بكلوروكس مهوب مرق يبون يجون و زعلانين انها فاتنتهم ..
مالت عليهن طوفه فوقها طوفه فوقها فيل
ههههههههههه والله عورني بطني من كثر ما ضحكت على تعليقج هههههههه
امون . واقليبي عليها ..حاسه بالذنب
مهوب ذنبش حبيبتي
من ريا و سكينه اللي جالسات معش
و ابيها
خليني ساكته بس .. الرجال شيبه ..
بس نظرة الغموض ذي عساها تصحي العرق النايم اللي في قلبه ..
راح يصحى بس راح يظل الخوف مسيطر ويخرب عليه
رحلة المزرعه ..
توقعتها اكشن و طلعت اكشنات

هههههههههههههههه
اجل يالشايب تبا توهقها ؟؟ عنوده بليا مبالغه لو تجيب لها قعود مهوب ذبيحه طبخته ..
اثره ايب صدق و نسى الاسباجيتي..هههههه ما الومه ما تهنا باللقمه الا و جدته عند الباب
هههههههههه يا حرمه الريال ضاع من شوفته وهي قاعدة وبقميصه ههههههههه
الحين ابا اعرف .. على وشو ناوي الشايب ؟؟
هدوءه مهوب مريحني ..
راح تعرفين على شو ناوي بالفصل الجاي باذن الله
و شي ثاني

لا تكون ام الدويس حصلت رقمه ؟؟
عسى الارقام تاقف في حلقها لا تعرف تصد و لا ترد

ههههههههههه يا قلي انت يا همس ويا زين تعليقاتج يلي توسع الصدر
تسلمين يا الغلا وشكرااااااااااا لمرووووووووووورج العطر

ام حمدة 16-12-16 05:57 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة NoOoFy (المشاركة 3669070)
شكرًا أصبع شكرًا أصبع
أبي الأصبع والشكراً اللي تجئ في نهاية الرد بالأزرق هاا فهمتوني بزعجكم لين تحطونها لي فيس يرافس برجلينه يبي شكرًا
بأخواتي علموني وشلون أكبر الخط والون واحط شكرًا في ليلاس الصفحة صمعا ما فيها أي شئ بس ليلاس

نجي للروايه الطر ياويح قلبي بس أم حمده جعل حمده وأخوانها ينجحون ويأخذون أعلى الدرجات
لا يهمتس مستوى عيالتس انتي اكتبي الرواية وحنا بنقنت لعيالتس الله يوفقهم وينجحهم فيس رافع يده يدعي
تسلمين يا قلبي والله يوفق عيالنا وعيالكم والرواية ولا يهمج كاملة وجاهزة
علي بس إني أنزلها

بما أن الروايه جازتلي وبقوه ببثرتس بردي الطويل وفصله تفصيل
قولي يلي تبيه حبيبتي أنا أستمتع بردودكم
نجي البومايد محمد اللي يسويه في عياله من عقله أكيد الرجال مسحور مافيه اب متبلد إلا فيه بلا
أم حمده انتي مافصلتي لنا عائلة محمد وشلون خذ المصرية وحياته مع أم العنود كيف كانت
وأم العنود وينها حيه ولا ميته وش سالفتها تزوجها قبل المصرية ولا بعدها
والعنود وين خوالها عنها أكيد أمها مهيب مقطوعه من شجره
كله راح يتوضح ونعرف تفاصيل عائلة عنود، بس اصبري شوي
على العموم محمد اللي تسويه مع بنتك وأخوها لو كنت مسحور مهوب مبرر ياخي انت مالك عيون تشوف البنت تكرف ومع ذلك هي الشينه

أم غوايش مدري أحس شكلها يشبه فيفي عبدو ذهبان وعيون شريره والسان طوله مترين
ههههههههههه لا حرام عليج فيفي عبده بعدها أحلى منها، بس بطريقة هزها لجسمها لما تتكلم وحركاتها ولسانها الطويل أظن كل المصريات يتشابهون بهذا الشي ههههههههه
يمه روعتني وأنا ماشفتها حسبي الله عليتس انتي ما تدرين أن فيه رب يشوفتس
وين تروحين من رب العالمين يا عجوز قريح وجع ومن زين الحلا جايه للبنت في بيتها انتي وش طينتس وجاره معتس بنتس
جارنها الفلوس والجاه والمال، ما كانت تعرف هي كانت متزوجه مين
ليه العنود مالها سند لا يا حبيبتي مهيب العنود الاوله هذي ورآها الشيبه أبو عبدالله ولاهوب أي سند شيخ العرب حمدان بن عبدالله ( مدي اسم أبوه عبدالله بس أكيد مسمي ولده علبه )
ههههههههه هيه اسم أبوه عبدالله على اسم ولده عبدالله
توكلي على الله ولله لو تحفرين الأرض حفر بهبديتس انتي وشحومتس مالمستي شعره منها زمن اول تحول ياوليه
تحسبين حالها مثل يوم كانت عندتس لا ياشيخه الله يخلي للحرمة رجالها اللي بياخذ حقها وحق أخوها وحق أبوها منتس
وجع بلا وجع وإذا راح رجع عمى الجدري الله يلهيتس في نفستس وياثر العنود عليتس وتشوفينها في أحسن حال
وتصيرين عندها شاغله الله يشغلتس في نفستس (مسكت خط في الدعاوي )
لا اتركي شوي من الدعاوي لأن بلاويهم بعدها ما بدت
ولله لو تقوطر سعابيلتس يالداجه يالهايته مهوب كل طير يتاكل لحمه
ليه ابوعبدالله مثل السلق اللي تعرفينهم لا ياحبيبتي هذا شيخ العرب مهوب انتي واشكالتس يجيب راسه
وتراه حط اللي مثلتس تحت رجله وداس عليها ولله لو تجيبين عشر ارقام أرقام له ماجبتي راسه
هو مع حمامة الحرم الشريفة عنوده يمشي بالبركة وشلون أنتي اللي وصاختس تسحبينها وراتس
اجل عبايه بيضاء وطرحه بيضاء الأخت ممرضه داخله مستشفى
ههههههههههههه يا زين تعليقاتج يا اختي، والله وناسة
أقول ضفي عمرتس ترا الشيخ مهوب ساكت ولله أن يطلع ريحتس ويخليتس تدورون حول عمرتس دوران
ولا من الثقه الزايده تكلم وتقول أنا ابتسام
بس تدرين انتي قدمتي أكبر خدمه للعنود لان ابوعبدالله بيدر منهي البنت ضائعة الشرف اللي في بيت أبو مايد وأكيد سمعتس واصله الإمارات السبع
والكل يحسب أن البنت اللي تلعب بذيلها من بيت ابومايد بنته بس الله بيفضحتس وبيعرف الشيبه منهي العنود ومنهي انتي
إيه مير منهو ابوتس يالهايته انتي قلتي عمي محمد يعني منتيب أخت العنود بنت مصري ولا إماراتي
إذا بنت مصري قولي أمين جعلتس الماحق والبلا المتلاحق اللي يطيرتس مايردتس إلا الغردئه ولا سكندريه
هههههههههههههههه الله يوسع صدرج مثل ما وسعتي صدري بتعليقاتج،
يا الله ويني عن منتداكم؟؟... واللهجة الحلوة يلي تبرد الخاطر

أمون لبي قلب البريئة مدري عندي إحساس أن مصيرتس يبصر عند العنود وأمتس بتروح قلعت ودارين أن شاء الله
أمممممممممم تقريبا قربتي بتخمينج عن أمون
مايد لبي قلبه مدري عندي احساس أن موته فيه أن وعجوز قريح وبنتها لهم دخل في موته وشكل ابوعبدالله شيخ الشيبان اللي بيجيب الحقيقة وبيدخل العجوز وبنتها السجن
لا شطحتي لبعيد بس هو في سبب ولكن كل واحد راح ياخذ جزاته تابعي وراح تعرفي كيف
نجي البوعبدالله طحت ولا احد سمى عليك اجل بطلق اللي يطلق مايلحق البنت وين راحت هذا وانت ماتبيها اجل لو تبيها وش بتسوي
بيسوي بلاوي هههههههههه، الرياييل فيهم منكر، يقولون عكس ما يبون
أقول وراك رزقك ورزق عيالك ترا ملاحق ذا البزر مهوب نافعك اكذب اكذب عليك ولله أن قربها بيجيب لك العافية ويفتح نفسك على الشغل ويرجعك عشر سنوات وراء
تدري وش اللي أعجبني في العنود أنها ما حاولت تبرر لك أنها شريفه وانت تكيل عليها التهم خلتك انت تكتشف بنفسك وشي من مره
مهوب معقولة بنت صايعه ضايعه تسوي سواياها من أدب وأخلاق وسنع
كلامج صح، أصلا دفاعها عن نفسها راح يكون ضايع مع واحد أصلا خلاص حاط في باله انها ضايعة، فليش تتعب نفسها وتبرر
بس انتبه لا تسوي شئ يكسر البنت وبعدها تبي قربها ولا تحصله العنود شكلها مهيب من اللي ينكسر بسهول ولا يرضى بسهوله
شكلج عارفة شو بيصير!!.
الشيبه حافظ عليها لا تضيع من يدك الله رائد لك الخير يوم حطها في طريقك وراحم ضعف ذا البنيه حنون ورزقها بأم تعوضها
تعال انت دريت عن الصايعه وعرفت أنها أخت حرمتك وصرت إذا دقت قمت تكلمه برا لا يكون ناويلك على نيه شينه للعنود ترا ماراح يخسر إلا انت
العنود حره عنود الصيد مهيب اي بنت بتراضيها وبترضى لا حاسب على فعلك لا تفلت الامور من يدك

يا قلبي يا قلبي بس جيت للزين شيخة البنات العنود بنت محمد جعل محمد الفلس
ولله بقدر مايوجعني قلبي عليتس بقدر ماتعجبني ردات فعلتس روحي ياشيخه جعلتس تخرفنين الشيبه وتخلينه يمشي يهذي باسمتس
يا عمر عيني عليتس اللي شفتيه ماشافته بنت بعمرتس بس ادري أن الله بالمرصاد الكل من ظلمتس ويأخذ حقتس وياثرتس عليهم وأولهم شيبتس
عندي إحساس انتس بتملكين قلوب أهل البيت كلهم أكبرهم الجده وأصغرها حنان
أشي أشي اللي تعرف تطبخ الذبيحة ذبائح مره وحده يالعنود وين انتي بأي زمن وأي عصر جنستس راح أيام امهاتنا من اللي تعرف في ذا الوقت تطبخ ذبيحه
الحين البنات فطورها وغداها وعشاها من برا وياويله لو قال ادخلي المطبخ وإذا حملت تحس أنها حامل ببعير من زود ماهي تعبانه
ههههههههههه والله كلامج صدق تعالي شوفي بنات ألحين حتى طريق المطبخ بتقولج ما أدله، بس في بنات أمهاتهم ما شاء الله مربينهم صح ومعلمينهم وأولهم أمي جزاها الله كل الخير، وصرنا نطبخ الذبايح بالعزايم.
المهم خليتس من شغل المطابخ واشتغلي على شايبتس وهبلي فيه المطبخ مهوب جايب راسه بيجيب بطنه فيس يغمزلتس ويقول انتي أدرا وش اقصد
ههههههههه ولا يهمج راح تجيب راسه وزود بس هو بغباءه راح نشوف شو بيسوي
أم حمده بارتاتس توسع الصدر وغنيه بالأحداث
روايه ما تشعرين فيها بالملل ودي اكتب واكتب في الرد بس الظهر تقوس من الكتابه
ولله ان أبطالتس ممتعين وتنجبرين تتكلمين عنهم بإسهاب
في الانتظار يالغاليه
تسلمين يا الغالية كفيتي ووفيتي وما قصرتي، واستمتعت بقراءة تعليقج يلي يوسع الصدر
وترا ما نسيت شكراً والأصبع الأزرق حطو لي ولا معاد رديت وتابعت بصمت فيس عيون ادمع ولا علموني كيف أحطه

وشكرج وصل يا قلبي وتسلمين ومشكورة مرة ثانية
وشكراااااااا لمروووووووووووووورج العطر

ام حمدة 16-12-16 06:05 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريما حرب (المشاركة 3669080)
ابدعتي ام حمده
كأني قريت في بدايه الروايه ان غويشه المصريه تناديها ببنت الاردنيه اذا مانخبطت على دماغي و ألفتها من عندي
شكرا قد الدنيا

تسلمي يا الغلا
لا ام العنود مواطنة هههههههههه وسلامة عقلج حبيبتي
هو بس أظن اللخبطة باللهجة المصرية أول مرة أكتب مصري
فاسمحيلي
تسلمي وشكراااااااااا لمرووووووووووورج العطر

ام حمدة 16-12-16 06:15 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طُعُوْن (المشاركة 3669142)
مساء الخير أم حمده.. تو توفرت لي الفرصة اكتب تعليق و ان شاء الله ليلاس
ما يحذفني بكبري .. له يومين يتمنذل معاي و يدخلني بصفحات ويطلعني من غيرها..
فعلا كذا يصير معي وحسبت إن لابي فيه شي، الحمدالله تطمنت إن المشكلة مب باللاب

المهم..


الشايب.. هو عنده مراهقة متأخرة والا شو.. تصرفاته متناقضة.. الحين من كل عقله
يتزوج عشان بس يرد لها الكف.. تصرف بزران صدق.. يعني عنود وهي اصغز منه ما تسوي
سواته.. طيب هو قالها.. كان يقدر يعطيها كف وكفين بدون زواج.. ليش اختار الزواج
بالذات..؟ و ما فكر وقتها ايش حيصير بعد ما يرد لها الكف..؟ اشوف سبب زواجه تافه
لأن لو أعطاها كف كفين بدون لا يكون عليه حق فيها راح يدخل بمساءلات وسين وجيم وفيها سجن وحكم
أما بزواجه يقدر حتى لو اشتكت ممكن يقول ضربتها بلحظة غضب ويصلحون بينهم ويرجعونهم لأن للأسف هذا يلي يصير بواقعنا

وما يبني بيت.. الحين هو بكبره و يهايط وما تعرفون مكانتي يتزوج عشان كف..! تصرفاته
ما تليق بعمره.. و دام انه وصل عنها كلام مش ولابد ليش استمر بخطته و تزوجها..؟
يمكن عشان عمره ماني مقتنعة بتصرفاته اللي ما تناسب هالشيء..
لا هو عارف شو كان بيسوي بيرد لها الكف وبيطلقها كان هذا يلي يبي يسويه بس ما صار وكل شي انقلب ضده
بس اللي ابي افهمه هو كيف وصله كلام عنها..؟ على خبري انها الزفت ابتسام اللي
سمعتها طايحة.. كمان بكل قوة عين تدق عليه و تقوله انا ابتسام..! ابي اعرف وش قالها..؟
ما هو ما يعرف من هم عايلتها والجواب جاه من شخص ثاني ولكن راح تعرفي سبب هذا اللغو، وهل هو صحيح أم خطأ
وهل ممكن يشغل عقله التنكة شوي و يعرف السالفة..؟ يعني انو كله كذب اللي وصله عن
العنود..؟
راح يعرف انه كذب
،

العنود.. كيف أهلها ما قالوا لها عن اخوها..؟ اقل شيء امون ليش ما قالت لها..؟
مدري حسيته غريب انو اخوها يتوفى وما يجيها خبر.. يعني نقول اهلها ما همتهم بس
أمون ليش ما خبرتها..؟ و ايش نهاية مصيرها مع الشايب..؟ بياخذ بنصيحة سالم والا لا..؟
واذا ماخذ عنها فكرة سيئة عنها صعب تتغير الا بشيء قاطع..
أولا كيف أمون تقول لها وهي أصلا ما تعرف وين أراضيها، لأن باليوم يلي زارتهم العنود خبروها بموت أخوها، وثاني شي يلي يعرف وين هي الأب يعني هو يلي ما كان يبي يخبرها
وشهو مصيرها مع الشايب الفصول الجاية راح تخبرنا عنها


،

ننتظر الفصول بشوق.. صراحة خلصتها و بعدها بكذا ساعة احس انو فيه شيء
غريب ناقصني او شيء كنت اسويه و فاقدته.. بعدها تذكرت اني كنت اقرأ الفصول
متتابعة..
حبيبتي.... تسلمين يا قلبي وفرحانة إن الرواية عجبتج وإن شاء الله الباقي بعد يعجبج

بالتوفيق لك..

تسلمين يا الغلا على تعليقج وشكراااااااا لمرووووووووووورج العطر
وموعدنا مع 4 فصول يوم السبت باذن الله

ام حمدة 16-12-16 06:20 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخير عليكم
بشكر كل يلي علقوا وتابعوا
بصراحة مستانسة من تعليقاتكم ومداخلاتكم
الله يديم المودة والمحبة بينا .. والله يزيد المتابعين
ههههههههههههه
موعدنا غدا باذن الله مع 4 فصول أخرى
والأحدااااث بين حمدان وعنود في تطور مستمر
فانتظروني
دمتم بخير

NoOoFy 17-12-16 12:25 PM

هلا ام حمده منتظرين البارتات الاربعه ياعمري
بعدين لا توجعين قلوبنا على العنود قلوبنا ماتتحمل ظلمها
لا تشمتين العجوز وبنتها في بنيتنا
مانبي توجعين قلبها من حمدان ويكسره وبعدين يرمم الكسر
ترا اللي انكسر مايرد حتى لو صب عيونه لها صب

ام حمدة 17-12-16 06:17 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
عندي مشكلة ...
مب قادرة أنسخ الفصل على مربع الرد

ام حمدة 17-12-16 06:38 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
يا جماعة شو السالفة؟؟؟؟؟
الفصل مب راضي ينسخ بالمحتوى حد يقولي شو السبب!!!!!
أو طريقة أنسخ فيها الفصل بمربع الرد

همس الريح 17-12-16 07:44 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثاني عشر
بسواد عينيه الذي يضاهي ظلمة ليل حالكة السواد، وتاهت في بحور مقلتيه العسليتين، وتساءلت كيف لسواد أن يكون مغرقا للروح؟؟.. شاهدته ورأت دواخله، وأبحرت بداخلهما تبغي استكشاف ما وراء غضبهما الدائم؟؟.
أخرجت قصرا من ابحارها الهانئ لتعود لواقع وجوده قريبا منها، وبالتحديد هو يجثم فوقها، ووجهه يملأه التجهم والعبوس.
ازدردت ريقها وفتحت فاهها تنوي زجره أو ابعاده عنها، لكنها لم تستطع التفوه بحرف واحد فعادت لإغلاقه.
أما هو فناظر ملامحها.. من عينيها إلى أنفها لشفتيها ولبشرتها، هي جميلة للغاية، وجمالها هذا يتعبه جدا!.. هو الرجل المقدام التي تتهافت خلفه أجمل الجميلات، وأرقى الفتيات ومن طبقته الغنية، يحاولون بشتى الطرق أن يجذبوه ناحيته، لكنه وقف لهم بعنفوان رجل قد انتهى من هذا الصنف الذي لم يجد منه سوى الغدر والخداع، فيكفيه ما أصابه منهم، فأغلق بابه بوجههم واطمأن بأن ذلك الذي يخفق بداخله قد ركن بركن قصي لن يستطيع الخروج من سجنه أبدا، لكن أبدا... أبدا لم يتوقع أن يعود، ومن أجل من؟؟.. من أجل طفلة صغيرة أهانت رجولته وكبرياءه!!...
وعند تلك النقطة وتذكره ما حدث، وسبب وجودها هنا اشتعلت ذهبية عينيه لتغدوا بركة من العسل الغامق وهمس بفحيح مخيف جعل نبضات قلبها تدق مثل ناقوس الخطر وتمنت أن لا يصل هديره الذي أصم أذنيها إليه.
- عيل الشيف أسامه ها؟؟... وتعرفين تطبخين ها؟؟.
جرت مقلتيها على ملامح وجهه المكفهرة من قريب، وشعرت بذلك الوهن يزورها من جديد كلما كان بجانبها، فيخذلها لسانها وجسدها سواسية، لكن شيء بداخلها، بصيص صغير من شعلتها التي تكاد تنطفئ صرخت بها بهمس خفيض.... بأن تقاومه...
لا.. هي لن تخنع له وتقع تحت وطأة سحره الذي يجعلها ضعيفة أمامه هكذا.
شحذت طاقتها، ونادت قوتها الداخلية التي طالما استجابت لها بأحلك الظروف، وقالت بثبات:
- أنا ما قلت إني ما أعرف أطبخ، انت يلي اتهمتني وقررت إني ما عرف أطبخ.
جز على أسنانه وهمس:
- وذك اليوم؟؟
برق ياقوت عينيها بشيطنة وقالت دون خوف، وابتسامه انزوت على طرف ثغرها:
- عقاب!!
غضب كاسح سرى بشرايينه، وتحدي استشعره من نبرة صوتها، هي لا تهابه، وكانت تتلاعب به، وبخضم شروده بأفكاره بكيف السبيل لعقابها
تحركت هي تحاول الزحزح من تحت جسده القوي تنوي الهروب والفكاك من هذا الاحتكاك الغير مرغوب به أبدا، لكنه أحكم وثاقها ورمى بثقله عليها وركز بأنظاره على صفحة وجهها، فحادثته وهي تحاول أن تدفعه بقبضتيها الصغيرتين:
- قوم من فوقي، ولا قسم بالله لأصرخ وألم عليك أهلك وأخبرهم بكل شي تسويه فيني!!.
- ليش ما قلتي لي إنج تعرفين تطبخين؟؟.
ضربت كتفيه وحاولت شد شعره فاستحكم بقبضتيه رسغيها فرفعهما فوق رأسها وأعاد سؤاله وأنفاسه تصفعها:
- ليش ما قلتي إنج تعرفين تطبخين؟؟.
تلوت وتحركت لكن لا مجال للخروج من تحت هذا الجبل الضخم فما كان منها سوى أن استكانت بهدوء تحاول أن تنضم أنفاسها وقالت وهي تحدق به:
- شو يلي يفرق؟؟.. عرف أطبخ ولا ما عرف؟؟.. كنت بتصدقني يعني لو قلتلك؟؟.
سكت ولم يجب، فأعادت قولها بقوة وبألم من حكمه الجائر عليها:
- كنت بتصدق لو قلتلك إني عكس كل الكلام يلي قلته علي؟؟.
أيضا لا رد، فأجابت هي بدل عنه:
- لا.. ما كنت بتصدقني لأنك حكمت وخلصت وما في مجال للتغيير صح؟؟.. وصلك كلام إني بنت دلوعة وشايفة نفسي والكل خدم حولي، وأنا بس حاطة رييل على رييل وقاعدة أتفرج عليهم.
سكتت وألم حاد اخترق صدرها من تذكرها لأقواله السابقة وأكملت بصوت تهدج، لكنها لم تسمح لها بالخروج:
- أنا وحدة.... أنا وحدة... باعت نفسها...... برخيص
ارتجفت شفتيها ليس من البكاء وإنما من أعصابها التي فلتت من زمامها، بعد نطقها لهذه الجملة التي تمس شرفها، وتساءلت بداخلها بحرقة كيف للبشر أن يطعنوا بالشرف؟؟.. كيف لهم أن يلوثوا سمعة أحدهم بالوحل؟؟.. لما يفعلون هذا؟؟.. ألا يعرفون بأنهم يرجون عرش الرحمن كلما قذفوا النساء المحصنات؟؟... ألا يعلمون بأن الله يمهل ولا يهمل؟؟.. وأن الدنيا تدور وسترتد أقوالك عليك آجلا أم عاجلا؟؟.
ظل يستمع إليها ويحدجها بنظرات مبهمة، يرى شعاع فيروزها الأخضر قاتما ومشبوبا بعواطف الألم والحزن، فهمس بخفوت وتساؤل:
- وليش ما قلتي؟؟... ليش ما دافعتي عن نفسج لما اتهمتج؟؟
أجابته بنار مستعرة حرقت فؤادها قبل عينيها، ونطقت بحروف أوجعتها:
- لأني عيزت!!... طول عمري وأنا أدافع عن نفسي لين مليت وما بقى فيني حيل أدافع، فيلي ينقال ما عاد يهمني، المهم أنا عارفة مين أنا وربي يعلم بالحال فالباقي ....... ما يهمني!!.
سكتت.. فالكلام أبلغ من أن تزيد عليه حرفا واحدا.
مرت ثوان فقط إلى أن ارتخت قبضته من عليها، ثم ما هي إلا لحظات حتى تدحرج عائدا لمكانه معطيا إياها ظهره وأغمض عينيه.
أما هي فلا تعرف لما فك حصارها؟؟.. هل لأنه صدقها أم أن طريقها ما يزال طويلا ليعرف حقيقتها؟؟.. لكن لما تأبه؟؟.. فكل ما يهم الآن أنها قد سلمت من عقابه ولا تدري متى سيحل جنونه وتعود رغباته بإنزال عقابه الذي بدأ يسلك منحنى آخر بداخلها.
********************************
حلت فترة العصر، وأدى رجال العائلة الصلاة بالمسجد القريب من المزرعة والنساء أدوا صلاتهم في جماعة بإحدى الغرف.
وبعدها جلس الجميع على المصطب وأمامهم كل أنواع الطعام الشعبي، وكل أنواع المشروبات الباردة والساخنة، والأطفال يلعبون ويمرحون، الكل سعيد، الجميع مرتاح ينهل من عبق هذه الطبيعة الخلابة بروعتها وخضرتها ورائحتها الشذية التي تنسيك مآسيك وشقاء الحياة الذي يغمرك بغماره الذي لا ينتهي.
توسطت عنود العمة والجدة تحادث هذه تارة ثم تعود وتحادث زوجة العم تارة أخرى، كانت كأنها تعرفهم منذ سنين طوال وليس منذ بعض الوقت
وجلس هو بجهة الرجال ينظر لكل شيء ما عداها، ويحادث الجميع ما عداها، شيء ما حل به!!.. شيء ما قد تغير!.. نعم.. فبعد المشادة الحادة التي حدثت بينهم في الظهيرة جعلت حالة السلام تحل بينهم، وأصبحوا كما الغرباء كما وجب أن يقتضي الحال بينهم منذ البداية لتكون حقيقة، نعم... أسرت لنفسها هم كانوا مثل الغرباء وصاروا أكثر بكثير من هذا. وهذا ما لاحظته الجدة بعينيها الخبيرة، خلاف قد دب بينهما!!.. فهو من جهة وهي من جهة أخرى، عيونهما لا تلتقي، فقط ألسنتهم إن اقتضى الأمر ليجيبا بحديث مقتضب، زواجهما مختلف، وخلفه حكاية وستعرف قصته إن طال الوقت أم قصر.
هزت رأسها بحسرة، وهمست لنفسها.. حسنا لا بد بأن ولدها لم يحسن التصرف كما العادة.
- حمدان يا وليدي.
التفت إلى والدته على الفور ولبى النداء:
- نعم يا الغالية؟؟.
- خذ حرمتك ووديها خليها تجوف المزرعة كلها، وبعدين خذها تركب الخيل.
جمود من ناحيته من صعوبة الطلب، وفرح من ناحيتها لسماع أن في المزرعة توجد أحصنه، لكن ما أن التقت بملامح وجهه الجامدة حتى تلاشت فرحتها وحل مكانها الوجوم، فكيف لها أن تسعد وهي معه؟؟.. فما كان منها سوى أن قالت وهي تلتفت ناحية الجدة:
- ما له داعي يا يومه خلينا قاعدين مع بعض أحسن.
ولن تكون الكلمة العليا سوى لها، وقالت بثبات وكلمة لا يثنيها اثنين:
- لا حبيبتي... حمدان عادي بياخذج بوريج المزرعة، وبيركبج الخيل بعد، تراه هو يركب مع أولاده وما يصير حرمته ما تعرف.
- بس....
قاطعتها موجه حديثها لذلك المنكوس الرأس والذي يتلاعب بفنجان قهوته:
- وشـ قلت يا وليدي؟؟.
رفع رأسه ونطق:
- تم يا الغالية
ونهض يوازي طلبها وقال يأمر لا يطلب:
- يلي يبي يركب خيل يلحقني، وانت تعالي وراي.
ظلت بمكانها ولم تتحرك فيما تبعه أولاده فرحيين، وأخفضت رأسها وأخذت تغمغم ببعض عبارات الاعتراض والتجهم.
لا تريد فرض نفسها عليه!!.. وتريد قدر ما تستطيع البعد عنه، لما يحاولون الصاقه بها؟؟.. لما يجبرونها أن تكون معه؟؟
- يا بنيتي يا عنود روحي ريلج يترياج
- ها...
- حمدان واقف يترياج، وخذي نصيحة مني، شو ما كانت المشكلة بينكم لا تبعدي عن ريلج، وخليج جدامه دوم، واضحكي وخليج عادية ولا كأن شيء صار، وراح تجوفين حتى هو بينسى ولا كأنكم متقاتلين قبل شوي.
وضحكت بصوت خافت، وهزت رأسها وابتسامة تعلوا ثغرها وذكرياتها مع المرحوم زوجها زخر به عقلها يعيدها للزمن الماضي.
تركت عنود مكانها على مضض، وحثت ساقيها للمسير خلفهم ولم تنتبه لحركة العم بمنع أولاده من الذهاب خلفهم، فيبدوا أن ملامح وجههم كشفت ستار أسرارهم .
قدمين ثقيلتين، وقلب مهموم من تكالب الحياة عليها، وصدر ضاق من أحوالها مع رجل لا يطيق النظر إليها، ولسانه اللاذع يجلدها بصوته دون رحمة، وتساءلت من جديد هل اقتنع بما قالته له من أنها ليست كما يقال عنها؟؟... فسكونه غريب!!.. واستسلامه يخيفها!!.
رفعت رأسها للأعلى وتطلعت لظهره العريض ثم لخصره المحدد بقميص رياضي ثم بجذعه الملتحف ببنطال رياضي أيضا يصل لحدود ركبته، وينتعل حذاء رياضي يحمل ماركة عالمية (نايك) كان رشيق الجسد.
عادت تعاتب نفسها لما تدقق بجسده؟؟... ما بالها؟؟.. لكنها ما انفكت وعادت تسأل.. هل يقال للرجل بأنه رشيق الجسد؟؟.. أليست كلمة رشيق تقال للفتاة أم أنها تنطبق للرجل أيضا؟؟.
وغاصت بتساؤلها وبحثها عن المفردة الصحيحة لتوصف جسده العضلي ولم تنتبه لما هو أمامها بخضم حوارها لتصطدم بجدار صلب تأوهت على إثره بألم وأمسكت أنفها.
- آي مين حط اليدار هنا؟؟
ليصلها صوته قريبا ومستهزئا:
- والله لو تجوفين جدامج كان ما دعمتي اليدار.
رفعت عيناها للأعلى والتقت بوجهه الجامد، تركته وبحثت عن الجدار ولم ترى سواه أمامها، ظلت لدقائق أو ثوان تحاول أن تستوعب الأمر حتى شهقت وأشاحت بوجهها بعيدا عنه عندما علمت بمن اصطدمت
وتحركت مبتعدة عنه بل هاربة وهي تلعن شرودها ليوقفها طلبه الغريب.
- روحي البسي بنطلون وقميص وتعالي
ناظرته من فوق كتفها وعلامات التعجب بادية على صفحة وجهها ليجيب لتساؤلها بهدوء مريب على غير عادته بجز أسنانه أو الهسهسة بصوته الغليظ :
- علشان تقدرين تركبين الحصان لازم بنطلون.
أدارت جسدها هذه المرة ناحيته وقالت بصدمة:
- تباني ألبس بنطلون وقميص جدام عيال عمك؟؟
تحرك ناحيتها ووقف أمامها وأجابها:
- أولا بدون بنطلون ما راح تقدري تركبي الحصان، وثاني شي البسي البنطلون وقميص طويل، أنا شريت ليج وايد من هذي القمصان وألحين يلا بسرعة روحي وتعالي ولا تأخرينا، الأولاد يتريون .

همس الريح 17-12-16 07:46 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
و ابتعد عنها راغبا بالذهاب ليصله رفضها الطفولي:
- عيل أنا مابي أركب حصان .
توقف بمكانه، وتنهد بطولة بال ثم التفت إليها وتقدم ناحيتها لتتراجع هي بخوف لا تعرف لما سرى بداخلها، وكلما اقترب كلما تراجعت إلى أن أمسك بذراعها لينتفض جسدها بذعر من أن تنال عقاب كسر أوامره، وانتظرت تلك الصفعة التي ستحط برحالها على وجنتها كما تعودت من عائلتها كلما رفضت أن تجبر على شيء لم ترده، لكن ما حدث زاد من تعجبها وصدمتها، فقد قام بإمساك كفها، وحادثها بصوت هادئ جعل قلبها يطرب ويدق طبوله:
- عنود... اسمعيني زين، أنا مابي عوار راس، وخلينا نستانس بهذي الاجازة، حنا ما قلنا إنا بنكون مع بعض ونمثل جدام أهلي إنا مثل أي زوجين؟؟.
زفر أنفاسا حارة ثم تابع وعيناه التقت بخضرة عيناها وهمس:
- خلينا نكون ريلاكس وطبيعيين مثل أي اثنين توهم متزوجيين.
- بس احنا مب طبيعيين
رفع حاجبه وعضت هي على شفتيها بخجل من نعته بأنه غير طبيعي، وتابعت عيناه تلك القضمات الشرسة على شفتيها ليتأوه بداخله ورغبة قوية حثته على الانحناء والقيام بدل عنها بعضها وتذوقها.
قاوم تلك الرغبة وتابع بأنفاس ملتهبة:
- خلينا نستانس بس بهذي الاجازة، يعني مدة اسبوعين وبعدين لما نرجع البيت سوي يلي تبيه، لأن أصلا ماحد راح يكون فاضي ويتابعنا، لكن هنا الكل موجود وفاضي وما عنده شغل غير يراقب .
لا تعرف لما أصابها الحزن والألم بصدرها، فبداية حديثه ارتفعت دقات قلبها من أنه راغب بأن يكونوا طبيعيين كأي زوجين، لكن بعدها أصابها الاحباط من أنه فقط يريد أن تكون صورتهما أمام عائلته جيدة، فقط من أجل عائلته وليس من أج......
توقفت وشخرت بداخلها من نفسها الطواقة لمن يحبها ويهتم بها لشخصها، كم أنت شحاذة يا عنود!!.. أتشحذين باحثة عن الاهتمام والرعاية؟؟... ألم تيأسي بعد من وجود من يريدك لنفسك؟؟.. استيقظي من أوهامك!!.. فحياتك بنيت على الوحدة ولن تعرفي طعم الحياة والسعادة أبدا.
هزت رأسها موافقة لما يريد وسحبت يدها من دفئ طال كفها فقط، وتساءلت... متى ستصل الحرارة لقلبي البارد والمتعطش للحب؟؟.
وسارت بخطوات بائسة متخاذلة كأن أحدهم قد رماها بأحمال ثقيلة لتسير بتثاقل، تابعها بأنظاره، وانقبض قلبه من رؤيتها بهذا الشكل المحزن، ماذا دهاها لتتغير وتتحول هكذا؟؟.
ظل يشيعها بعينيه إلى أن غابت ودخلت للمنزل ثم التفت وتحرك ناحية اسطبلات الخيول ثم مالبث أن توقف بمكانه بانتظارها، فهي لا تعرف الطريق إلى هناك، وربما تتوه، وجلس بانتظارها ولم تغب طويلا فقد جاءت تسير بخجل واستحياء، ومقلتيها تدور بالمكان وأصابعها تشد بقميصها للأسفل بحياء.
كانت ترتدي أحد التشيرتات التي اشتراها لها.. أبيض اللون وطبعت عليه صورة شفاه حمراء اللون، يصل لحدود لما فوق ركبتها، وبنطال من خامة الجينز أسود اللون، وحذاء رياضي من نفس ماركته وشيلها السوداء على رأسها.
لم يشعر بشفتيه وهي تتوسع بابتسامه سعادة من رؤيتها خجولة ووجهها محمر بشدة من فرط محاولتها مواراة جسدها، مرت من أمامه وهمست له ببغض:
- هو غصب الواحد يركب خيل؟؟
ليجيبها بتفكه:
- والله يلي تأمر به الغالية طلبها يتنفذ.
وسار خلفها ويراقب جسدها الممتلئ يتحرك بنعومة وأنوثة جعله يتلفت حوله باحثا عن عينن متطفلة ترى ما يراه هو، ولم يرقب أمامه ليصطدم بجسدها وكادا أن يسقطا لولا ذراعيه القويتين التي أمسكتاها وجسده القوي الذي وازن جسديهما معا وظلا متعانقين.. ظهرها ملتصقا بصدره وذراعيه تحاوط بصدرها بمسكة حميمية وساقية ملتفة بجذعها.
تجمدا على هذه الوضعية دون حراك أو أن ينبسا بحرف واحد، فقط سكنا بمكانيهما كأن الزمن حليفهما.
تهدجت أنفاسه وارتفع صدره بوتيرة سريعة، وهي ارتبكت واحمرت وضاعت وصار عقلها صفحة بيضاء وكتمت أنفاسها، ونفسها تحثها
تنفسي.. تنفسي وكأن بتنفسها تخشى أن تكسر الغلاف الذي أحاط بهما،
فالدفء توسد جسديهما، وروحهما عانقت احداهما الأخرى، وطوق غريب اجتاح جسديهما ولم يتحركا ولم يريدا أن يبتعدا، كأن جاذبية قوية تمسكهما بقوة وتمنعهما الفراق، وكأن بالتحامهما ستكون هناك الحياة، ومن لا يتمنى أن يعيش؟؟.
لكن لكل لقاء فراق، ولكل رغبة حدود، ولكل حرارة لها نهاية، وقد جاء من يهدم لحظاتهما على شكل نداء:
- بابا... يلا نبي نركب الخيل.
نادتهم ابنته حنان باستعجال لتأخرهم فما كان منهم سوى النفور، كل واحد منهم بجهة، وتحرك حمدان بخطوات سريعة للأمام دون أن ينظر للخلف وتاهت هي بمشاعرها العنيفة وعادت تلعن نفسها لما تفعله بروحها الشريدة الباحثة عن أمان يحتويها.
عدلت من شيلتيها التي لا تحتاج لتعديل وحثت الخطى لتلحق بهم وهذه المرة عازمة على ترك مسافة بينهما بطول السماء عن الأرض .

- ليه التشاؤم داه يا بنتي؟؟.. أنا يستحيل أخسر!!.. دانا ابتسام على سنقة عشرة، وأي واحد يتمنى يكون معاي، وهو يعني حيكون مختلف عن بائي الرجالة؟؟
سكتت قليلا تستمع لمحدثتها عبر الأثير ثم عادت تجيبها وهي تتلاعب بخصلات شعرها:
- ليه يعني؟؟.. ما نا عرفه إنه متجوز، ودي فيها ئيه يعني؟؟.. ما كل الرجالة بيتجوزوا تنين وتلات وأربع، يعني عادي.
عادت تستمع وقطبت حاجبيها الأنيقين برفض لما يقال لها، فاعتدلت من رقدتها وجلست على سريرها ومقلتيها تبرق بوعيد بالنصر وقالت لمحدثتها:
- يستحيل يرفضني!!.. د نا أول للأمر أوم وأنا أعد بدالك، وعلي جمال إنما ئيه، يجي هو ويرفضني!!... دا صحيح حيطلع أعمى وبيشوفش، لكن أنا حكون وراه ومش حكون ابتسام إن ما عملته زي الخاتم بصباعي، وحتشوفي وحتقولي ابتسام قالت.
وأغلقت الهاتف وهي تتأفف فقد أفسدت صديقتها مزاجها ورمت الهاتف بعيدا عنها وأخذت تتلاعب بشعرها الأشقر وعيونها ساهمة بأفكارها الشيطانية بكيف توقعه بشباكها، ولم تشعر بالتي تراقبها والتي استمعت لجملتها الأخيرة ووعيدها .
دخلت الغرفة وأغلقت الباب ووضعت كفيها على خصرها وسألتها دون مواربة:
- مين داه يلي عوزاه يكون زي الخاتم بصباعك؟؟.
صرخت بفزع وجحضت عيناها بخوف من قطع خلوتها واستمع لحديثها، ووضعت يدها على صدرها وتنهدت بعدها براحة وهمست:
- ماما... كده سيبتي ركبي؟؟
دلفت الأم لداخل الغرفة أكثر وعيونها ما تزال مسلطة على ابنتها وما أن اقتربت حتى عادت سؤالها:
- سألتك سؤال وجوبيني عليه؟؟.. مين داه يلي عاوزة تئفشيه؟؟.. ليكون واحد من اياهم الولاد الصايعة والهايفة؟؟.
اعتدلت بجلستها وابتسامة ماكرة تلون بها ثغرها، فمن أفضل من والدتها لتكون حليفتها، وستكون خير مساعد لها برغبتها بالحصول على ما تريد.
جذبت يدها وأجلستها بجانبها وهمست:
- لا... ده قرش مش واحد بتوع الشوارع، بس تعالي وحقولك كل حاجة.
اشتعلت عيناها بطمع، ووشوشت لها:
- طيب هاتي يلي عندك، سكته ليه؟؟.
وأخذت تسر لها بكل ما بجعبتها، وكلما طالت بحديثها وبأفكارها كلما اتسعت ابتسامة الأخرى ولمعت عيناها ببريق المال والمكر والخداع، والجشع اعتلى القمة.
شيطان واحد يكفي لهد بلد، فكيف إن اتحد شيطانان بفكرة واحدة ورغبة واحدة؟؟.
**********************************
صراخ حاد أصم أذنيه، وعسليتيه انجذبتا لذلك الثغر المنادي للخطيئة وهو يتحرك بابتسامة تشدقت به ملامحها:
- حصان... جوف حصان، في أحصنه.
وصفقت وعادت للصراخ والقفز وخضرتيها تتابعان الخيول الأصيلة التي صفت بحضائرها.
أمسكت بذراعه دون أن تشعر، ففرحتها الغامرة برؤية شيء لم تره أبدا سوى بالتلفاز أبهجها وجعلها تنسى كل شيء بلمح البصر.
- حمدان... جوف في حصان أسود وأبيض، وبعد في حصان بني
وتركت ذراعه وأشارت للخيول وتابعت مناداته تخبره وتشير إليه وهو كالأبله يتابع سعادتها التي طفقت تنتشر من حولها، وصورة مختلفة كليا عنها عما كانت عليه قبل قليل، بدت كطفلة صغيرة شاهدت ما هو عجيب وغريب وبدأت تتحدث وتتحدث عما تشاهده كأنه لم يرى ما شاهدته مليون مرة، لكن بفرحتها تلك ونظرتها المختلفة شاهد ما لم يره من قبل كأن عينيه تحولتا واستبدلتا بعيون أخرى.
جذبت ذراعه مرة أخرى دون شعور منها تريد منه الذهاب معها لتقترب من الخيول ثم تركته وهرولت مع الصغار لرؤيتهم عن قرب ووقف هو يتأمل بهجتها وسرورها من شيء بسيط وغير متكلف .
كان يبتسم لابتسامتها، وفجأة اضمحلت شفتيه وغدت مشدودة وذلك الهاجس عاد يتلاعب به... هل ما تبديه عكس ما تضمره؟؟.. وهل ما قالته صحيح؟؟
نحى كل تلك الأفكار السيئة وشاهد أطفاله تصيبهم عدواها، فأخذت ابنته بالقفز معها ومشاركتها برؤية الخيل وطفقت تحدثها عن كل فرس وابنه يراقبهم وابتسامه تشع من شفتيه واندمج معهم يخبرهم بمعلومات كثيرة لا علم لهم فيها، وكانت هي منبهرة وخضرتيها نبضت بهما الحياة.
اقترب منهم وأمر السائس آسيوي الجنسية بتجهيز أربعة خيول،
وعندما أحضرهم ركض كل من الطفليين لخيولهم وساعدهم السائس بامتطائهم، أمسك حمدان بخيلها وتقدم ناحيتها لتتراجع هي بخوف من هذا القرب الشديد للخيل الكبير .
- لا تخافين، هذا حصان هادي ومناسب ليج، تعالي.. قربي والمسيه، خليه يعرفج.
جحضت عيناها للأمام وقالت:
- تباني ألمس الحصان؟؟.. لا ما بي، أنا أخاف، يمكن يعضني؟؟.
- لا هو ما يعض جوفي...
وأخذ يلمس جسده بكفه ويمشط شعره بأصابعه ويحتضنه بكل حب ورقة ليطمئنها بأن لا داعي لخوفها، واستطرد حديثه معها:
- جوفي الحصان ما يخوف، وبعد جوفي الأولاد راكبين الخيل وماهم خايفين، يلا... تعالي وقربي والمسيه.
تطلعت عنود للحصان ولحمدان ثم للأطفال وهم يمتطون خيولهم ويسيرون بها بسعادة ثم عادت تراقب الخيل الواقف بهدوء وحمدان يحتضنه .
أخذت نفسا عميقا ثم سمت بالرحمن واقتربت بخطى وئيدة، تقدم خطوة وتأخر أخرى وعندما وصلت مدت يدها ناحيته ثم سحبتها وتطلعت لحمدان لترى عينيه المطمئنة، وهمسها لها بأنه موجود ولن يصيبها مكروه بوجوده.
قصف قلبها بنبضات قوية وسريعة لهذا الوعيد، وعادت تزدري ريقها وترمق الحصان الجامد بمكانه دون حركة، ومدت يدها من جديد وحثتها للمسه وكان شعورا جميلا ورائعا، ناعم، ودافئ، وطري، تشعر بالحرارة تحت كفك، وقهقهت بسعادة وصرخت:
- لمسته.... أنا لمست الخيل.
- تمام.. جفتي كيف؟؟.. يعني عادي، ولما تركبين بعد بيكون عادي، بتخافين شوي بس لما تتعودين بيكون طبيعي .
تجمدت يدها على الفرس، وتابعته بعينيها.
- ها... أركب.... لا ... لا ما بي أركب، أنا بوقف وبجوفكم .
وتراجعت للخالف ناوية الابتعاد وقد حسمت رأيها بعدم الركوب فتكفي هذه البادرة بلمسه، وليست مجنونة لتركب حيوان بهذا الحجم، لكن ذراع قوية أوقفتها وسحبتها لترتطم بصدره، وشهقت ورفعت رأسها وصرخت بوجهه:
- انت جنيت؟؟.. ليش سويت كذا ؟؟.
- حنا يايين علشانج وانت تقولين مبتركبين؟؟.. مب على كيفج!!.. بتركبين الخيل يعني بتركبين.
فتحت فمها تنوي الاعتراض ليسبقها قائلا:
- غصب عنج بتركبين!!.
أدارها ليكون ظهرها بمقابلة صدره، ووجهها يواجه الحصان، وكفيه العملاقين أحاط بخصرها النحيل ثم أمر بتعجرف:
- حطي ريلج داخل ركب الحصان وارفعي جسمج لفوق، وياويلج إن ما سمعتي الكلام!!.
ارتجف صوتها بخوف وهي تحادثه:
- بس أنا مابي.
وحاولت فك أصابعه التي حطت رحالها على خصرها وبعثرت مشاعرها واكتملت بخوفها من قربها الشديد من الخيل، لكن لا فائدة!!.. فكأنما يديه تحولت لقيد قوي ومتين وصعب فكاكه، وما زاد رعبها أكثر هو رفعه لجسدها بسهولة للأعلى فما كان منها سوى أن تمسكت بالسرج وارتقت الحصان ولسان حالها يردد بهلع:
- حمدان والله خايفة!!... ما عليه يا شايب والله لأخبر عليك يدوه!!.. حمدان والله حرام.. أنا خايفة!!.
وكادت دموعها تطفر وهي تشاهد الأرض من هذا العلو والرعب قد تغلغل لصدرها وبعدها شعرت بجسد صلب يحاوط بجسدها بطوق أشعل حواسها، واقشعر له بدنها، وجعل طبولا هادرة تقصف بين أضلاعها، وتنفسها أمرته بأن يقوم بعمله بعد أن توقف تماما عن القيام بما وجب عليه فعله، ونسيت خوفها من الخيل والتفتت كل حواسها للرجل القابع خلفها.
ذراعيه صارتا كسياج حماية تخبرها بأنها ستحميها من الوقوع، وصدره العريض يخبرها بأمان لن تجده سوى هنا معه وبقربه، وأنفاسه التي تضربها بحرارته تعلمها بأنه موجود على الدوام، وصوته الرخيم بالقرب من أذنها يصلها كذبذبات مهدئة:
- استرخي وطالعي من حولج.
والغرابة بالأمر استجابت لأوامره واسترخى جسدها وسلمه القيادة، وأخذت عيناها تدور بالمناظر الطبيعية التي تراها بعد أن أخذ الفرس بالسير، والتفتت تناظر الأطفال الذين كانوا يسيرون بجانبهم وكل واحد منهم يشير إليها لترى شيء ما جذب أنظارهم، وبدأت رويدا رويدا بالاستمتاع بالجو والتمتع بالمناظر وبركوب الخيل، فإحساسها بأن هناك من يهتم بأمانها جعلها تعيش لحظاتها، فليس كل مرة تعيش هذه الثوان من السعادة .
أخذها لكل مكان في المزرعة، وهرول بها ليصدح صوتها الرنان من فرط سعادتها وتركت الهواء العليل يتلاعب بوجهها وبشيلتها وصرخت به :
- بسرعة.. بسرعه
واستجاب لطلبها بضربة خفيفة تأمر فرسه بالانطلاق ليستجيب هو الآخر كأن عدوتها بالفرح انتقلت إليه أيضا وشعر بما تشعره بوجودها فوقه. فصهل موافقا وانطلق يعدوا بعد أن أمر ولديه بعدم اللحاق به فقط سيأخذها بجولة سريعة ويعود بعدها، ووافقا مطيعين وتوقفا تحت شجرة وارفة الظلال وترجلا من خيولهم بمساعدة والدهم وجلسا ينظران إليهما وهما يعدوان بأقصى سرعة ويدوران بدائرة كبيرة ويعودا بعدها لنقطة انطلاقهما، وصوت ضحكاتها تصل إليهم ليبتسما هما أيضا لبهجتها.
وبعد مرور بعض الوقت وصلا لمكان تواجد الصغيرين وترجل هو بسرعة كبيرة وابتعد عنها يتنفس بصعوبة ويحاول أن يهدئ من مشاعره الثائرة التي جعلت عواطفه تجيش به من التصاقها الشديد به، كان الوضع قاس لعواطفه المتعطشة والراغبة بالشعور بها بين ذراعيه، وطواقة بشدة لتبحر بها وتغوص لأعماقها، ولعن تهوره بركوبه الخيل معها، فلم يدر بخلده بأنه سيعاني هكذا!!.. اعتقد بأنها ستكون جولة سريعة وبعدها يعودان، لكن صوتها الذي أطرب أذنيه ليتغلغل لأعماقه جعله يرغب بالمزيد، ووجودها بأحضانه تركه يطالب بتمديد وقت وجودها بين أضلاعه، ولمساتها العفوية على كفيه جعل حواسه تغيب وعقله يختفي وترك العنان لأحاسيسه لتفيض وتمسك زمام الأمور، لكن لكل شيء حدود، وتلك الحدود وصلت للخط الأحمر، ولم يكن باستطاعته التحمل أكثر من هذا فما كان منه سوى أن رجع وأوقف حصانه وترجل منه وانطلق يسير دون هدف، فالمهم لديه هو أن يبتعد عن حقلها المغناطيسي الذي يجذبه دون وعي ليكون بقربها، فهمس لنفسه بعتاب:
- يا غبي!!.. شو صار فيك؟؟.. هذي هي البنت يلي ما كنت تبيها؟؟.. شو يلي تغير؟؟.
ليجيبه صوت لا يعرف من أين جاء:
- لأنك تبيها، ولأنك تصدق إنها بريئة وطاهرة.
فنفى ما همس به ذلك الغبي، ورد عليه:
- لا... أنا ما أصدقها!!.. وأنا ما بيها!!.
سكت قليلا وهمس بوجع استبد بكامل جسده:
- هي صغيرة علي، وايد صغيرة .
ليصرخ به ذلك الصوت الغريب عليه:
- أبدا ماهي صغيرة، انت بس يلي تتوهم، وما راح تكون أول ولا آخر واحد يتزوج بنت أصغر عنه بوايد.
- لا... أنا ما أتوهم!!.. هي صغيرة علي، صغيرة، وثاني شي أنا ما بيها، وهي بترجع لأهلها مثل ما اتفقنا ومثل ما كانت نيتي من البداية.
هدوء غلف ما حوله واعتقد بأن الغريب قد رحل وتركه، لكنه عاد ولم ييأس من اختراق ذلك الحاجز الذي بناه بقراميد قوية جدا:
- انت خايف منها، خايف من قربها منك، خايف تحبها وبعدين تسوي مثل زوجتك الأولى.
سكت ولم يعتب على حديثه وأكمل الصوت:
- مب كل الحريم واحد، جوف حرمة عمك، جوف حريم أولاد عمك، مب كلهم واحد.
ناظر حمدان الرمال الصفراء ثم همس بتعب ظهر جليا بكلماته:
- ما أقدر... صدقني ما أقدر، لأن هذي المرة لو طحت ما راح أقدر أقوم.
وصمت كأنه بصدد اتخاذ قرار مهم جدا من أجل حياته، وفتح فمه وقال:
- هي لازم تروح وتطلع من حياتي، ما لها مكان فيه أبد.
وبعدها حصل كل شيء بغفلة ورمشة عين....
سمع صهيل خيله واستدار مرغما بعد أن صرخ به هاجس مخيف جعل قلبه ينتفض، وبالحركة البطيئة التفت وهناك شاهد ذلك المنظر المرعب ....
حصانه يرفع قوائمه للأعلى وهي تتراجع للخلف دون أن تكون لها الفرصة بالتشبث بشيء ما، وبعدها صرخة حادة اخترقت صدره بسهم حاد ثم اختفى ذلك الصوت الذي جعل مشاعره تتراقص وتنتعش بلذة الحياة، وبعدها سكون طغى بالفضاء الموحش وقد خلى من عندليبه.

همس الريح 17-12-16 07:49 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثالث عشر.....

حكم القدر يقع ما بين رمشة عين وغفلة، فلا أحد يكون مستعد أو عالما بما سيحدث له، فقط يحدث وينتهي كل شيء بأقل من الثانية.
وأثناء ما ذلك العقرب الطويل في الساعة يتحرك فقط من موضعه للجهة الأخرى حتى يتهافت عليك شريط حياتك منذ الصغر إلى لحظتك
هذه .....
خاضت عنود تلك التجربة، فبعد أن أخذها بتلك الجولة المنعشة للروح وجعلها تطير بين السحب البيضاء أعادها بعنوة للواقع، للأرض الجرداء القاحلة، كأنه يخبرها.. لا تحلمي كثيرا، فنهايتك ستنتهي بأي وقت.
كانا قد وصلا لطفليه وأخذا يلوحان لهما لتلوح لهم هي بالمثل وثغرها حمل أجمل ابتسامة، وعندما أوقف الحصان ترجل منه على عجل وتركها على ظهره تعاني الفراغ، تعاني الوجع الكامن ما بين أضلاعها، وبرودة سرت بجسدها بعد أن كانت تتنعم بحرارة جسده وبأمان صدره، واستقرار لم تشعر به إلى بقربه، لكنه بخل عليها كما العادة وفارقها وتركها للهجر والحرمان، فأي ظلم هذا يا إلهي؟؟.
راقبته وهو يسير بخطوات كبيرة كأنه يجري ويبتعد قدر امكانه عنها، وتسألت بنفسها بانكسار.. متى كنت قريبا مني لتبتعد عني؟؟.
فتحت فمها تبغي مناداته، فخرجت حروفها كحشرجة غريق، فعادت لغلقه وأشاحت بوجهها الحزين والمتألم من بعده، ورفعت كفها وقبضته على صدرها وسألت ذلك الذي كان ينبض بعنف وقوة عندما كانت ذراعيه تحيط بجسدها وتحتضنه كما الطفل الصغير الخائف من ضياعه.
كانت عضلاته قوية تكاد تشعر بها وهي تطحن عظامها، فقط ضغط قوية وتنتهي، لكن في ذلك الحين كانت رقيقة، ناعمة، ساخنة، ومثيرة للقشعريرة اللذيذة وحلاوة لم تتذوق مثلها من قبل، كانت تعيش تلك اللحظات بنعيم الحياة، ومن ثم اختفت ابتسامتها الحالمة التي ما أن بدأت تسترد تلك الصورة التي كانت عليه قبل قليل بإدارة ظهره لها، وهمست تعيد سؤالها لخافقها بعد أن عاد لرتابته:
- شو فيك يا قلب؟؟.. ليش تلعب فيني؟؟... شو سالفتك؟؟.. عجزت عن فهمك!!... شو يلي يصير فيك لما يكون موجود؟؟.. ولما يروح تختفي ولا كأنك موجود!!..
تنهدت عاجزة عن المعرفة وحيرة تلبستها من عدم قدرتها على كشف هذا اللغز العويص.....
عادت لواقعها وخرجت من دائرة تساؤلاتها على صوت يناديها:
- عمو عنود، ما راح تنزلين؟؟
تطلعت للصغيرة وابتسمت إليها بوهن وأجابتها بابتسامة متكسرة، فقد أنزلها للأرض بطريقة قاسية جدا:
- بلى حبيبتي بنزل بس....
والتفتت تتأمل ذلك العملاق البعيد والقريب بآن واحد ثم عادت تلتفت للصغيرين وتابعت:
- شكل أبوكم مشغول بشي، انتوا خبروني بس كيف أنزل؟؟.
سكتت قليلا تنظر للارتفاع وبشكل مخيف صرخ قلبها وانقبض، ولكنها لم تعره أي اهتمام وسمت بالرحمن وألحقت انقباضه بأنها خائفة فقط.
تحرك الحصان وصهل، فازداد خوفها والتفتت للصغيرين ورعبها نطقت به عينيها وقالت على عجل:
- أقول عبود يا بطل، شو رايك تتحول اليوم للفارس الهمام وتنقذ الأميرة من مشكلتها؟؟.
قهقهة الصغيرين بفكاهة من طلبها فعاد الخيل يصهل ويتراجع وقطع وصلة ضحكهم، فما كان منها سوى أن قالت بجزع بدأ ينسل منها كشهقات وحروف مبعثرة:
- عبود.. كيف أنزل؟؟... عبود بسرعة قو......
ولم تكمل ولم ينتظرها القدر طويلا، فقد صار المقدر، وصرخ الصغيرين بهلع وهم يرون الخيل يتراجع ويصهل بطريقة غريبة وما هي إلى ثوان حتى صرخت صرخة مدوية وحادة اخترقت بها الخلاء الموحش عندما رفع الفرس قائمتيه الأماميتين للأعلى ولم تستطع التشبث بأي شيء، فقط أشاحت بذراعيها بحاثه عن جدار يحميها من مطبات الحياة البائسة، لكن أين السبيل لإيجاده والاتكاء عليه وهي بالأصل لم تجده أبدا.
صور تهافتت إليها، وذكريات حلت عليها، ابتسامة شقيقها الحنونة، وهمسه الهادئ، وضحكاتهم، صورة والدها الطيب وهو يضمها لصدره بحنان، ووالدتها التي لا تتذكر منها سوى الشيء اليسير، ثم تحولت حياتها للنقيض والبؤس والشقاء، وتاليا صور الطفلين والجدة وكانت آخر صورة علقت قبل لحظاتها الأخيرة صورته هو وبعدها لم تسمع أي شيء ولم ترى سوى ذلك الظلام القاتم ذو اللون الكثيف يكتم على أنفاسها ويسحبها لعالمه....
***********************************
سرير تخضب بياضه بلون الدم يتحرك بسرعة ويدفعه عدة أشخاص والناس من حولهم تبتعد عن طريقهم ولسان حالهم يلهج بالدعاء:
- لا حول ولا قوة إلا بالله.. الله يستر!!.
ثم دلف السرير لأحد الغرف ومعه فقط المخولون بالدخول أما الباقين فقد منعهم أحد الحرس المواظبين بالوقوف عند هذا المكان بالخصوص،
ووقف هو عاجزا وخصلات شعره الفاحمة تكاد تقتلع من بين أصابعه، وقميصه الأصفر الرياضي قد غرق بدمائها المنسكبة بسببه.
- هدي يا حمدان، إن شاء الله ما يصير إلا كل خير.
ظل يناظر الباب المغلق أمامه يحاول أن يخترقه ليرى ما حل بها، هل غادرت دنياه؟؟.. أم أن هناك ما يزال نفس بذلك الجسد الهامد الذي كان بين يديه للتو؟؟
كف حط على كتفه يجبره على تركها والتفت يتطلع لابن عمه سالم بهم اكتنف مقلتيه، وعجز رزح على كتفيه المهدلين.
- تعال معاي .
أمسك ذراعه وسحبه وسار حمدان معه بخضوع وأجلسه على أحد المقاعد، فرزح جسده الضخم على الكرسي وانحنى رأسه للأسفل ليحتضنه كفيه من ثقل الهم الذي يضغط عليه .
إلى الآن لا يستوعب ما حدث!!.. وليس لديه القدرة على التفكير والتعمق بالمسألة، فرؤيتها مضجعه على الأرض دون حراك شلت تفكيره، ورؤية كمية تلك الدماء الخارجة من حيث لا يعلم أصابته بالرعب، لكن ما يعرفه وهو متأكد من الأمر أنه.. "هو السبب" وهمس بها:
- أنا السبب!!.. كله مني!!.. هي ما تعرف تركب خيل، وأنا خليتها فوقه ونزلت عنها .
تنهد سالم وجلس بجانبه يحاول تقوية عزيمته:
- لا تقول جذا يا حمدان، كله قضاء وقدر .
ليرد عليه ورأسه يرفض ما يقوله:
- لا... انت ما تفهم، أنا تركتها فوق الخيل والمفروض أنزلها قبل لا أنزل، وألحين جوف شو صار فيها.
- وش يا لي صار يا حمدان؟؟
وكان هذا الصوت عمه وهو يقف بالقرب منه بعد أن سمع بالخبر وجاء مسرعا يتفقد الأمر.
ناظره حمدان بضياع ثم عادت عيناه تعانق الأرض بشرود والصور تعود إليه كشريط سينمائي بطيء .......
ترجل من الخيل هاربا من مشاعره ثم معركته مع النفس وبعدها احساس فضيع راوده وتبعه بصرخة حادة اخترقت قلبه كسهم طائر، ورؤيتها تسقط للخلف ويهمد جسدها كأن لا حياة فيه وفرسه انطلق يعدوا دون أي هدف .
توقف عن إبداء أي حركة فالصدمة قد شلت تفكيره، وبصراخ الأطفال أيقضه وأسرع بكل ما يملك من قوة ناحيتها وجثا بجانبها على الأرض وبدت حركات يده عشوائية دون أن يعرف ما يفعله وصوت بكاء ابنته أصابه بالتشوش فما كان منه سوى أن صرخ:
- حنان... اسكتي ولا نفس.
لتخرس ابنته فجأة من صوته الحاد والغريب عليها، فأبدا لم يصرخ بها هكذا !!.
نفس عميق، وهدوء وثبات، هو الرجل العصامي، وبأحلك الظروف هو المتواجد والصامد وكل يعتمد عليه، وبدأت بوادر النباهة تعود إليه، قياس نبضها... كان نبضها يطرق بضعف تحت سبابته ولفت انتباهه خيط من الدماء ينساب على الأرض كما الوادي من تحتها.
دقق النظر وبحث عن المصدر وكان قريبا من رأسها ومد يده ناحيتها فقاطعه نفير سيارة، رفع رأسه وتطلع لابن عمه الذي أوقف سيارته وترجل منها راكضا ناحيتهم فيبدوا أن حصانه قد عاد للحضيرة لوحده فما كان منهم سوى أن خمنوا بأن مكروها قد حدث.
لم يكن هناك وقت للشرح وعليه أن يغامر برفعها وأخذها للمشفى الحكومي القريب من المزرعة.
- شو صار يا حمدان؟؟
- ما في وقت، لازم آخذها للمستشفى.
وما كاد يدخل يده تحت رأسها والأخرى تحت قدمها حتى نهره ابن عمه:
- حمدان... لا ترفعها، يمكن فيها كسر؟؟.
فتوقف عن رفعها وسأله بتعجل، وأنفاسه تهدر بصوت عالي:
- عيل شو نسوي؟؟.. لازم آخذها ولا بتروح من بين ايدي.
عادت عيناه تجري على ملامحها الشاحبة بنهم، وازدرد ريقه وقد استبد الجفاف ببلعومه، وأنفاسه تقطعت بها السبل من خسارتها .
فعادت عيناه تتطلع لابن عمه برجاء:
- سالم شو الحل؟؟.. دبرني يا خوي بسرعة قبل لا تروح عني!!.
التفت سالم وشاهد الصغيرين ينظران لزوجة والدهما وقد غادرت الدماء وجهيهما، فنطق يحاول أن يسترعي انتباههما عن هذا المنظر:
- عبادي... خذ اختك حنان واركبوا السيارة بسرعة، وبتجوف حمدانية بالكرسي يلي ورى جيبها.
هز عبدالله رأسه وأمسك بشقيقته وقادها للسيارة، ساعدها بالركوب وهي بحالة من فقدان الوعي ثم عاد يحمل بيده عدة من الحمدانيات وأعطاها لعمه ثم عاد لشقيقته بعد أن حدج عنود بنظرات غامضة.
التفت سالم لابن عمه وقال:
- خذ حاول تربط جسمها وايدها مع بعض علشان ما نخليها تتحرك، يعني بيكون نفس لما نلف الصغير .
فعل حمدان ما أمره به ابن عمه ولفها برفق، لكن بصلابة كما يلف الرضيع عند ولادته وبعدها حملها برفق وأسندها بالقرب من خافقه الذي يدق كما السنديان العملاق وانطلق بها للسيارة وتحرك سالم بها يقودها بأقصى سرعة ناحية المنزل، وضع الصغيرين في عهدة والدته وبعدها قاما بسباق مع الزمن للوصول للمشفى .
مر الوقت عليهم بطيئا كسلحفاة تحاول أن تجاري وقتها، لكنها لا تلبث أن تسير ببطء وتأني تكة تتبعها تكة أخرى وأعصاب تكاد تفلت من معقلها. تكة أخرى وبركانه يهدر به بالذهاب إليهم ورؤية ما يؤخرهم؟؟..
وتكة أخرى تخبرهم زفراته الثائرة أنه قد بلغ مبلغه.
وتكة ثالثة فز من مقعده واتجه ناحية الباب ليقف الحارس بأهبة الاستعداد بعد رؤيته قادما .
- وخر من طريقي بدخل.
- مستر ما يصير يروح داخل، شوي ويطلع الدكتور .
عيون اجتاحها احمرار، وحمم بركانية خرجت من أنفه وفمه، وبهسيس ووعيد:
- قسم بالله إن ما وخرت من طريقي لتجوف شي ما جفته بحياتك!!.
ارتبك الحارس الآسيوي من لهجته الصارمة والمتوعدة وصورة لعائلته في أقاصي البلاد تجبره على التنحي وخفض الرؤوس، فلقمة العيش صعبة، والغربة من أجلهم أشد وطأة، فما بالك بخسارة مصدر رزقه والعودة فاضي اليدين.
- حمدان يا وليدي استهد بالله واقعد بمكانك وخلي الدكاترة يقومون بشغلهم، وإن شاء الله يطلعون ألحين ويخبرونا شو فيها حرمتك.
تهدلت ذراعيه واستغفر الله ومسح على وجهه وبداخله معركة ضارية... لا.. هو لا يعرف ما بدواخله الآن، هل يريدها على قيد الحية لتبقى معه؟؟... ليعود وينفي.. لا.. فكل ما يريده في هذا الوقت هو أن تكون على تنبض بالحياة.
وما كاد يعود للجلوس حتى خرج الطبيب ليغير مسار حركته والتف للطبيب وسأله بلهفة:
- شخبارها؟؟.. هي بخير صح؟؟.
- انت زوجها؟؟
- نعم.. أنا زوجها، طمني يا دكتور؟؟.
- هي شو صار فيها؟؟.. كيف انصابت؟؟.
- طاحت عن الخيل
هز الطبيب رأسه متفهما ثم قال بعملية وهدوء:
- حرمتك بخير والحمدالله
تنهد الجميع الصعداء ودعا حمدان بالشكر لله من أنها نجت من الخطر، فتابع الطبيب قوله:
- بس فيها عدة كسور بعضد ايدها وجبسناها ولازم تظل فيه لمدة 3 شهور بالكثير، وجرح عميق بالظهر كان هو السبب بالنزيف شكلها طاحت على شي حاد وخيطناه بـ16 غرزة، ورضوض بجسمها، وارتجاج بسيط بالراس، وعلشان كذا لازم نتركها عندنا لمدة أربع وعشرين ساعة علشان نلاحظها ونراقبها إذا ما كان عليها خطر من طيحتها، وبعدين تقدرون تاخذونها معاكم البيت.
سكت الطبيب وسمعت التهليلات وكلمات الشكر من الجميع:
- الحمد الله.. الحمد الله.. لك الحمد والشكر يا رب.
فعاد الطبيب يتابع:
- حمد الله على سلامة المدام وأجر وعافية وما تجوف شر.
وتركهم الطبيب عائدا لعمله أما حمدان فقد استأذن من الطبيب بالدخول إليها وسمح له بذلك مع تنبيه أنها نائمة لاضطرارهم لحقنها بالمهدئ كي يحموها من الألم المبرح الذي كانت ستشعر به لو كانت مستيقظة.
***********************************

همس الريح 17-12-16 07:51 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
و في الجهة الأخرى وبالتحديد في المزرعة جلس صغيرين يندبون فرحة لم تتم، وسعادة لم يعيشوها بعد، وأمومة شعروا بها تفلت من بين أصابعهم، هل كتب عليهم اليتم من دفئ وحنان الأم؟؟.. هل خلت حياتهم من حضن ولمسة وابتسامة تشيعهم وعيون تضمهم؟؟.
التحف الحزن مآقيتهم، وتوسد الألم والبكاء بمقلتيهم، وملامح اكتساها الخسران.
أذرع تواسي بعضها، وحضن لن يكون سوى لهما فقط، فهما وجدا للآخر.
تشبثت حنان بشقيقها ودموعها تتساقط أنهارا وصوت نحيبها يصل لعنان السماء كأنها تطلب العون، كأنها تطلب الرأفة بحالها، والآخر يلف ذراعه الصغيرة بمواساة لشقيقته الصغرى وهو قد اكتنف الألم صفحة وجهه، وعيونه قد احمرت كجمرات نارية قد وصلت لحدها من الاشتعال، وتلك التي وجب أن ترحمه وتريحه لم تنهمر وإنما قد تجمدت بمكانها لتتحول لمرآة مصقولة تكاد ترى ملامحك من خلالها.
أي حزن هذا؟؟.. وأي ألم يكيل بهذين الصغيرين؟؟.
ناظرتهم الجدة بعجز ولسانها قد عجز عن اسكاتهما وادخال الطمأنينة لقلبيهما، فالعيون قد التقطت الصورة والمركز قد خزنها وتوقف شريطها عند تلك اللقطة فقط، عندما أخرسها الكون إجبارا، وسكون طغى على جسدها، فهل من بعد تلك الرؤية حديث آخر؟؟.
- يا يومه.. يا حبايبي.. العنود ما عليها إلا العافية، وبتجوفونها بعد شوي بخير وتضحك.
وجاوبتها شهقات مرتفعة، وأنين موجع للروح والقلب، فتابعت الجدة حديثها لعل وعسى تستطيع تهدئتهما:
- ما يصير جذا.... عبدالله.. حنان
قاطعتها حنان قائلة وبصوت بكائها الذي أتعب قلبها الصغير همست:
- لا... انت... انت... تجذبين علينا!!.... هي... والله ماتت!!... خلاص راحت.. أنا... أنا جفتها لما.... هي... هي.... تموت .
وعادت تنخرط ببكاء حاد يقطع نياط قلوب المحيطين حولها، ودفنت نفسها بحضن شقيقها الذي احتواها بتثاقل وضياع يشعر به ينخر صدره، وروحه تئن تحت وطأة فقد من فتحت له ذراعيها بحب دون أي مقابل.
ظلت عيناه تعانق الأرض الجرداء كما حياته التي عادت كسابقها، لا ابتسامه تخصه، ولا سؤال عن حاله وعما يريد وما يرغبه، لقد انتهت تلك الأيام وولت.
وقف الجميع ينظرون لهذين الصغيرين بعجز، فقد باءت محاولاتهم بالفشل لجعلهم يصدقون بأن عنود بخير .
- يومه.. أم سالم ولي يرحم والديج اتصلي بوليدي حمدان خليه يرمسهم، الأولاد بيروحون من بين ايدينا من كثر بجيهم، اتصلي... اتصلي بسرعة.
- إن شاالله يا الغالية
بحثت بجيب جلابيتها عن هاتفها فلم تجده، فوسط تلك المعمعة التي حدثت لم تجعل بهم أي عقل أو تفكير بحمل هواتفهم، فنطق أحد أبنائها عندما علم بأن والدته لا تملك هاتفها :
- أنا بتصل بحمدان يومه
أخرج هاتفه من جيب بنطاله وضغط على عدة أزرار وانتظر الاجابة إلى أن انقطع الخط، أعاد الاتصال وكان أن انقطع مرة أخرى وثالثة ونفس الشي.
- يومه.. حمدان ما يرد على التيليفون .
- اتصل على أخوك سالم يا سعود
- إن شالله
أرقام أخرى ورنين ومر بعض الوقت ثم فتح الخط وأسرع يهتف:
- سالم.. وينك يا خوي؟؟.. قلوبنا طايحة، طمنا شو الأخبار؟؟.
سكت ينصت وجميع العيون انصبت عليه وقلوبهم تدعوا وترجف بخوف من الأخبار الغير السارة .
- انزين.. حمدان وينه؟؟.. خليه يكلمني أولاده ميتين من الصياح .
سكت يستمع وبعدها تحرك ناحية حنان وعبدالله وركع أمامهما وفتح مكبر الصوت وتابع :
- تكلم يا حمدان هم يسمعونك
- عبدالله... حنان
وعند سماع ابنته لصوت والدها انفجرت ببكاء حاد جعل الطرف الآخر يهلع وينتفض واقفا من مقعده وقلبه يبكي لحال أولاده وقد تذكرهم الآن من أنهم كانوا معه بنفس المكان وشاهدوا ما شاهده .
- حنان.. حبيبة أبوها، كفاية بجي، حبيبتي عنود بخير وما فيها شي، هذي هي جدامي بخير.
ولم يزد الأمر سوى المزيد من الدموع وأوتار قد بحت ونضب مخزونها.
مسح على وجهه واستغفر الله وناشده العون بهذه المصيبة، فهذا ما كان يخشاه، تعلقهم بامرأة حكم عليها بالرحيل ولو لبعد فترة .
- يا بابا كفاية خلاص، صدقيني عنود ما فيها شي، بس ايدها مكسورة وجسمها يعورها .
وجاءه همس خفيض كأنه اعتكف عن الحديث منذ دهور طويلة:
- خليها تكلمنا!!.
أغمض عينيه بتعب، وارهاق قد سرى بعضلات جسده، ووهن أفرغ فوق رأسه.
أفرج عن بؤبؤية وناظرها تتوسد فراش أبيض اللون يضاهي لون وجهها وذكرى أخرى تطفح من ألبوم ماضيه نفس الشكل ونفس الصورة، ولكن هناك اختلاف بردة الفعل بين الحادثتين.
- عبدالله حبيبي هي ما تقدر ألحين تتكلم لأنها نايمه.
- قول إنها ماتت وما يحتاي تكذب علينا .
فصرخ حمدان:
- لا يا عبدالله... لا هي ما ماتت
نفس عميق يهدئ من روع قلبه المنتفض من مجرد سماعه تلك الكلمة، ثم استطرد بهدوء:
- هي نايمه حبيبي، الدكتور عطاها منوم علشان ترتاح .
وظل المنوال على هذا الشكل إلى أن يئس الأب من اقناعهم فما كان منه سوى أن طلب من سعود احضارهم للمشفى ليروها ويرتاح بالهم .
وهذا ما كان، فقد انطلقت السيارة بهم وظلام الليل قد أسدل ستاره نائيا بتعب النهار ومناديا بالرحة، لكن ليس لمن عانقت أرواحهم ذلك الخط الرفيع من الخسارة؟؟.
بعد مرور وقت قصير وصلوا وترجل الصغيرين ممسكين ببعضهم البعض ووجوههم الباكية والحزينة تدعوا للتساؤل؟؟.. والقلوب رقت لحالهم وتساؤل بما حل بهم؟؟.. ودعاء بأن يرفق بحالهم.
تلقفهم والدهم بحضن حار وقبل لكل منهما وهمس بأن كل الأمور على ما يرام، ثم قادهم لغرفتها وهناك وجدوها نائمة كما قال والدهم، وهنا لم يستطع عبدالله سوى ذرفها واخراجها من حجزها، فلم يعد له طاقة بكبتها لفترة أطول، فأطلقها يعلن عما يجيش به صدره.
هرع والده ناحيته وأحاطه بذراعيه والصدمة بادية على ملامحه ليتشبث صغيره برقبته كما الغريق الذي وجد طوق نجاته وكانت هناك تتربع سريرها بنوم عميق ولم تغادر دنياهم كما تراء له.
تركه والده يفضي ما بداخله إلى أن هدأ وكفكف دمعاته الأبية وتطلع لابنته من فوق كتفه ليراها بحضن عمه تتمسك به هي الأخرى، ودموعها تهطل بسكون .
اطمأن الصغيرين عليها ثم غادر الجميع على وعد بالعودة غدا في الصباح الباكر وتكون قد استيقظت من نومها الإجباري .
*********************************
في صباح اليوم التالي الحياة تدب على شعيراتها الكثيفة التي تحيط بعينين قد غابت عن واقعها لتعيش بدنيا الأحلام قسرا، لكن لا أحلام ولا صور ولا شيء، فقط اللاشيء هو ما كانت تعيش عليه .
رمشت وبقوة واهية تحاول بها أن تفرج عن جفنيها الملتصقين بشكل قوي كأن غراء قد وضع بينهما.
عادت من جديد تلتمس قوتها بفتحهما لتظهر فرجة صغيرة، لكنهما عادتا للانغلاق كأن بتلك الحركة قد استنزفت كل طاقتها، ولكن لا مجال للاستسلام.
رمشة أخرى تبعتها غشاوة وضباب أحاط بمقلتيها، فعادت تغلقهما وهذه المرة من أجل أن تزيح ما اعتمل بهما .
الصورة تتضح، والرؤية تظهر سقف أبيض ورائحة تعرفها أزكمت أنفها، وارتجافه جرت بكامل جسدها.
أدارت رأسها ببطئ بسبب الألم الذي غزاها تحركه بكل اتجاه ليصدمها الخواء والسكون، هي لم تمت تعرف هذا فهي ليست بغبية لتقول عكس ذلك، لكن هذا الهدوء يقتلها، والهجر والوحدة عاد يعانقانها، وذكريات تركها وحيدة بالمشفى من قبل عادت تتغلغل بأعماقها، هي لا تريد هذا، تريد الصخب، تريد الشعور بالحياة، تريد الحب والدفء والحنان، تريد... وتريد، لكن هذا .......
هزت رأسها دون أن تأبه للألم ترفض ما يريد اجبارها على الاعتياد عليه، ودون ارادة ودون تحمل سكبتها وهدرتها فلم تعد بها طاقة للعودة بين براثن وحدتها.
شهقة تبعتها شهقة أخرى، ودمعة تبعتها شلالات من الدموع، وأنين خافت تحول لبكاء يرفض واقعه:
- لا... ما بي... والله خايفة!!.. لا... ما بي... ما بي... يا رب ليش تسوي فيني جذا؟؟.
ودخلت الممرضة وسمعت هذيانها فاقتربت منها على عجل وأخذت تمسح على رأسها وتحادثها لعلها تخرجها من الحالة التي هي بها، فذهبت أفعالها بأدراج الرياح، فهمهماتها قد ازدادت، وبكاءها قد تحول وتغير، ورأسها يرفض واقعه الأليم... لا تريد العودة.
وبدأت نوبتها تزداد ويداها تتلاطم بالهواء كأنها تحارب ما يريدون تذكيرها بما كانت عليه من قبل .
- اهدي يا بنتي... اهدي
ولم تستطع الممرضة أن تعيد لها وعيها وكأن مس ما قد أصابها، ابتعدت عنها قليلا وضغطت على أحد الأزرار ثم عادت تحاول أن تكبت نوبة انفعالها التي ازدادت عنفا وأخذت تطيح بكل ما حولها من المحلول الملحي، للأدوات التي كانت على الطاولة الجانبية، والابرة المغروسة بظاهر كفها قد بدأ يتسرب منها خيط رفيع من الدماء، ويدها المجبرة كانت تحط بها بكل مكان .
كانت بلا شعور، فالألم الذي احتل روحها جعلها غير قادرة على ادراك كل ما حولها، وصوتها يعلوا ويعلوا بوجع استبد بكيان قد عاصر الحزن منذ دهور.
فتح الباب بغتة وبهت قليلا لما يراه ثم تحرك مسرعا دافعا بالممرضة بعيدا عنها ثم أمسك برسغيها المتطايرين بحزم ووضعهما على جانبيها ثم احتضنها بقوة بالقرب من صدره وهمس عند أذنيها بحنان:
- هدي.. هدي، انت بخير.
- لا... مابي... ماما أبي أروح عند ماما وعند مايد أخوي.
وأخذت تصرخ باسميهما بأوتار قد غادرتها حبالها من شدة صراخها وبكائها.
- أنا هنا يا عنود، جوفيني أنا هنا وما راح أتركج.
حاربته بعنف ليقاومها بقوة أكبر محيطا بها بعضلاته الفتاكة، وصوته ما يزال يحادثها ويحثها على الاستيقاظ من الكابوس الذي أدخلها بقوقعة نائيا بها بمكان قسي .
- بطلي عيونج يا عنود، أنا هنا وما راح أتركج، عنود....
اعتصرها يبثها حرارة جسده، وشفتيه توزع قبلها بكل مكان تطاله، وأنفاسه الساخنة تضرب صفحة وجهها كأنها تشاركه برغبتها بإخراجها من شرنقتها .
مر بعض الوقت وقد هدأت نوبتها قليلا فقط أنفاسها الهادرة ما تزال تخرج وتدخل لرئتيها بصعوبة، وعينيها مغلقتان، ووجهها محمر، ولؤلؤها الغالي ينسكب على وجنتيها حافرة اخدودا عليهما.
- هشششششش انت بخير.. انت بخير... هشششششش
كفه يتحرك على رأسها للأعلى ثم للأسفل وأصابعه تتخلل خصلات شعرها والأخرى حطت رحالها على ظهرها تربت عليه بحنان ورأسها يتوسط صدره ويدها السليمة متشبثة بقوة بدشداشته .
وقفت الممرضة تنظر للصورة المعبرة التي أمامها، صورة ستطبع بذاكرتها للأبد، صورة لزوج يجلس زوجته بحضنه ويهدئ من روعها فلم يكن هناك حل آخر سوى تلك الطريقة لتكبيل حركاتها الطائشة.
ظلا لدقائق على هيأتهما... هي مسترخية بالقرب من أضلاعه تكاد تخترقهما لتظل بهذا المكان للأبد، وهو يجلس على السرير وهي بحضنه وذراعيه تطوق جسدها وذقنه مستريحة على رأسها وعينيه مغمضتين مستلذة بهذا التلامس، لحظات لتهمس بضياع وشرود:
- لا تتركني... الله يخليك ما بي أكون بروحي!!.
وغرست نفسها بداخله واشتدت قبضتها على دشداشته التي تكرمشت اثر المعركة التي دارت بينهم .
تصلب لثوان من حديثها ثم هدأ وهمس لها بالمثل:
- أنا هنا لا تخافين، ما راح أتركج .
يعلم أنها تهذي فمن سابع المستحيلات أن تطلب هي بذات نفسها أن يكون بقربها، وبداخله شيء انتعش اثر طلبها ثم خبت بعد أن سمع حديث النفس،" فأي أمل ترجوه يا حمدان وأنت تسد كل الأبواب أمامك".
أفرجت عن عقيقها العشبي وتطلعت لوجهه بعيون غشيتها حرقة الهجر والحرمان وتأملته وغرقت بعسليتيه وغاصت ببحرها... كانت تناديها، تضمها بحنية لم ترها قط بحياتها، تاهت وضاعت وانسلت نبضة تلتها نبضة أخرى ليصدح دويها بأذنيها.
شوق واقتراب ورغبة وانتشاء، وصدورهم تهدر بهم طاغية عما حولهم.
لهفة ولفحة ولمسة وتمازج، وشفاه غرقت ببعضها ومن البادئ بتلك القبلة غير معروف؟؟
رقة ولمسة حطت كالفراشة، تذوق وعدم اكتفاء، وتقارب ليصبحا شخص واحدا.
تمازجت الأنفس، وتلاحمت الرغبات، وطوق للمزيد.
تشابكت الأذرع، والتصقت الأجساد، ومعركة ما تزال تدور رحاها وهذه المرة تحولت وتغيرت إلى ما هو أشد، فهذه هي قبلة رجل يرغب بأنثى ويرغب بوسمها باسمه، فمن بين يديه هي زوجته، حلاله، فيحق له بها ما لا يحق لغيره.
ثارت أنفاسهما وقلوبهما ارتفع صداها ضاربا بصدورهم كما الرعود بليلة عاصفة شديدة الظلمة.
ابتعد عنها مجبرا غير راغب بتركها، فقد أدرك مكانه للتو بعد أن ارتطمت أصابعه بجبيرتها لتوقظه من تواهانه وأين هم وما الذي أوصلهم لهذا المكان.
أَنْت برفض لابتعاده فتأوه برغبة حارقة بالعودة إليها والسفر بين ثنايا جسدها الذي يناديه برحابة صدر .
عاد يلتقط شفتيها يتذوقها ويستلذ بطعم شهدها الشهي الذي يكاد لا يشبع منه، فما أن تجربه لمرة واحده ستدمنه للأبد.
ابتعد واتكأ جبهته بجبهتها وأنفاسهما تمازجت ليتنفس كل منهما الآخر عبق شذاهما، فهمس بصوت أجش محمل بعواطف مجنونة:
- هذا مب وقته يا عنود، المكان ما يسمح، وصحتج بعد ما تسمح .
مسدلة الرموش ومشاعرها تعصف بجسدها، وصدرها يرتفع وينخفض، وأحاسيس جميلة تسري بأوردتها كما الدواء المسكن للألم، أرادت المزيد من هذا المسكن، فآلامها مبرحة، وأوجاعها لا دواء لها، فهل يبخلون عليها بشيء يستطيع أن يسكن جراحها؟؟...
صوت من بعيد يناديها ويجبرها على الاصغاء إليه ويخبرها بأن الوقت غير مناسب .
التقى حاجبيها بتلامس متسائل... تعرف هذا الصوت جيدا، ولطالما تلاعب بعواطفها، فما كان منها سوى أن فتحتهما وناظرت من أمامها بتيه ثم عادت تنفضه وتستطلع الأمر، كان قريبا جدا منها، قريبا لدرجة بعده عنها لإنشات فقط.
رمشت عدة مرات ودخلت مرحلة الصدمة ثم مرحلة الهلع وبعدها الغضب، وبعدها:
- انت جنيت؟؟.. شو تسوي هنا؟؟
ذهول من ردة فعلها ثم انزوت ابتسامة مستهزئة على جانب شفتيه وهمس لنفسه :
- نعم.. هذي عنود يلي أعرفها .
وأجابها بمكر:
- بصراحة مثل ما تجوفين، انت نايمة بحضني، وماسكة فيني.
هزت رأسها رافضة لما يقوله وهز هو رأسه موافقا لما قاله وأشار لها لترى بنفسها، فأخفضت مقلتيها وشاهدت جسدها يتوسد حجره، وذراعيه تحتضنانها بحميميه، وتلفتت حولها بهلع ترى إن كان أحدهم يتلصص إليهم كما العادة، فتنهدت براحة بعد أن تأكدت بعدم وجود أحدهم، فحادثها يحاول اغاظتها ولا يعلم لما جاءه هذا الخاطر بمشاكستها:
- بصراحة كانت في ممرضة هنا قبل شوي بس ما عرف وين راحت ألحين؟؟.
شهقت بصوت عالي وعادت تحرك رأسها يمنه ويسرا وعندها علمت بأنه يكذب فطالعته من طرف عينها وقالت وحدقتيها تضيقان:
- جذاب !!.
ووازت قولها برفع قبضتها اليمنى وضربه على كتفه، فتأوه يمثل الألم وأمسك مكان الضربة :
- حاشا مب ايد هذي يلي عليج، عيل لو كنت بخير شو بيصير فيني؟؟.
فقهقهت لقوله وتناست مكانها وأين تجلس وأجابته بصدر منفوخ:
- كنت اترقدت بالمستشفى
- الله!!.. المستشفى مرة وحدة؟؟.. خلاص وأقول لهم يحطون سريري بجنب سريرج ونونس بعض طول الليل .
وغمز لها بعينيه فاحمرت خجلا وأشاحت بوجهها بعيدا بارتباك وهنا شعرت بنفسها، فتحركت مبتعده عنه وبتحركها شعرت بالألم وبوخزات على ظهرها عندما اتكأت على الوسادة خلفها، فارتدت جالسة وعاتبها بهدوء:
- بشويش.. لا تعقين جسمج كذا!!.. جرحج بعده طري ويمكن الخيوط تتبطل.
أمسكها برويه وأعاد جسدها للخلف، لكن بوضعية مختلفة، فقد أنامها على جنبها الأيمن بما أن ذراعها اليسرى مصابة وظهرها أيضا بتلك الجهة مخاط فالأفضل هكذا، ونزل من على السرير وارتجف جسده بقشعريرة خواء وهربت عيناه عنها، لكن بداخلها لمعة برقت بغموض ثم اختفت عندما عاد يناظرها ليراها هي الأخرى تنظر إليه بعجب وسألته ببراءة أسرت عيناه:
- شو صار فيني؟؟.
- ما تذكرين شو صار ؟؟.
- بلى.. كنا راكبين الخيل وبعدين ما عرف شو استوى .
تنهد ومن ثم سحب كرسي وجلس يقابلها وأجابها وهو يحدق بها بقوة :
- انت طحتي من الخيل
اعتصرت عقلها بتفكير فتهافتت لها الصور دفعة واحدة، رحلتهما معا على ظهر الفرس، ثم تركها لوحدها تعاني الحرمان، وبعدها حصل كل شيء بسرعة، وظهر عتابها بقلتيها بأنه تركها لوحدها وما كادت تنطق بها حتى طرق الباب ودخل الطبيب والممرضة التي كانت متواجدة وعلى ملامحها المكر وبعض من الخجل، فقد كانت شاهدة على تلاحمهما، لم يعرها حمدان أي اهتمام والتفت للطبيب محدثا اياه:
- ها دكتور.. طمني، أقدر آخذها معاي البيت؟؟.
- إن شاء الله يا أخوي، بس بالأول تفحص الممرضة الجرح يلي بظهرها، وفحوصات ثانية لازم نسويها ونطمن وبعدين يتحدد كل شي .
هز حمدان رأسه موافقا وتابع الطبيب موجها حديثه هذه المرة لعنود:
- شخبارج مدام؟؟.. شو تحسين ألحين؟؟.
- الحمدالله دكتور أنا بخير، وبصراحة ما أحس بشي غير وجع بسيط بظهري .
- هذا شي طبيعي لأن المخدر بعده موجود بجسمج، بس لما يختفي راح تحسي بالوجع وراح أكتب لج مسكنات ومراهم.
- إن شاء الله
وتابع قائلا:
- راح أسألج كذا سؤال وجاوبيني عليها!!.
وطفق يسألها وهي تجيبه ليتأكد من صحة عقلها وذاكرتها ثم استأذن خارجا لدقائق ثم سيعود بعد فحص الممرضة لها وما أن أغلق الباب خلفه حتى اقتربت منها الممرضة وأزاحت لباس المستشفى ليظهر كتفها القشدي المخضب بكدمات حملت كل ألوان قوس المطر.
اقترب حمدان منها ليتطلع للجرح عن قرب فكادت أن تصرخ به بأن يغض بصره، لكن شيء ما ألجم لسانها عن قول حرف واحد، وما هي إلا ثوان حتى أعادت الممرضة لباسها تغطيها وسألها حمدان باهتمام:
- ها.. بشريني الجرح أوكيه؟؟.
- نعم يا فندم، كله تمام التمام، وأظن إن الدكتور حيكتب لها خروج النهردة بإذن الله.
- مشكورة
- العفو.. على ايه، دا شغلي يا فندم، دنا كمان حاولت أأخر الدكتور علشان أسيبكم شوي مع بعض تخدوا راحتكوا يعني.
شهقت عنود واتسعت مقلتيها، وفرك حمدان لحيته وابتسامة تشدقت بها شفتيه وقال وهو يخرج محفظته ويخرج منها أوراق نقدية:
- مشكورة ويعطيج العافية
أخذتها بسعادة وتكاد دموعها أن تظفر من مقلتيها، فالرزق قد جاءها من غير لا تحتسب، فقد كانت بضائقة وتتفكر بأين ستحصل على المال ليفك كربتها؟؟.. وها هي الآن تمتلك أوراق ذا فئة كبيرة، فهمست دون أن تتمالك نفسها:
- ربنا يخليك وجيزيك من كل خير ويحميك وينصرك، ربنا يرزقك من فضله ويبعد عنك أولاد الحرام، ربنا يكرمك يا فندم ويحميك ويحفضلك المدام ويسعدكم مع بعض .
حضر الطبيب وقرأ الكشف ثم وقع على خروجها، ارتدت الملابس التي أحضرها حمدان معه بمساعدة الممرضة ريثما يذهب هو لصرف الدواء، ثم عاد ومعه كرسي متحرك فماتزال صحتها واهنة على السير لوحدها.
اعترضت في البداية الجلوس عليه، لكن مع اصراره خضعت له وتحركا ناحية سيارته ساعدها بالجلوس وأعاد الكرسي ثم انطلق بها للمزرعة ولعائلته التي تنتظرها بشوق بعد تلقيهم مكالمة حمدان بعدم قدومهم لزيارتها فهي قادمة إليهم.
مر على وقوعها من الخيل ثلاثة أيام استقبلتها عائلة حمدان بترحاب وبالأحضان، شعرت بينهم بالانتماء وبروح العائلة، وأنها ليست بغريبة بينهم، والصغيرين التصقا بها بشكل غريب لم تنزعج منهما بل أحبت وجودهما بقربها فبهما تشعر بوجود شقيقها كأن الله قد عوضه بهما،
لكن ما كان يزعجها هو وجوده هو بجانبها يكاد لا يفارقها أبدا سوى لسويعات أو عندما تكون نائمة، يساعدها ويجالسها ويسامرها، وبوقت العلاج يكون هو من يداويها.
فتتذكر اللحظة الأولى عندما جاء وبيده علبة المرهم ويقترب منها ويحاول فك أزرار قميصها الخفيف .
- انت جنيت شو؟؟.
رفع حاجبيه للأعلى يمثل الصدمة لقولها فهو يعرف ما ترمي إليه، لكن حبه الغريب لمشاكستها أعجبه:
- لا بعدني ما جنيت، وأظن بهذا العمر يلي أنا فيه يعتبر بعدني شباب.
رمقته بنظرات حانقة وحادثته بغضب:
- تستهبل حضرتك؟؟.. انت فاهم عن شو أتكلم!!.
جلس بجانبها على السرير، وحادثها بهدوء:
- جوفي يا عنود، أنا زوجج صح ؟؟.
تبرمت من الاجابة لكنها وافقته مجبرة فتابع :
- يعني تخيلي أطلب من حرمة عمي أو الخدامة هي يلي تحط المرهم، تتوقعين شوبيقولون علينا ؟؟.
سكتت تقلب ما قاله برأسها ولم تستطع اجابته وقال وهو يلتفت لظهرها ويفك أزرار قميصها من الخلف:
- وثانيا.. على شو خايفة يعني على الاغراء مثلا؟؟.. اطمني ما في شي يغري، جسمج كله ملون جن ولد صغير صب كل الألوان عليج.
كادت أن تصرخ عندما همس بأول جملته.. هل عاد يتهمها؟؟.. لكن تكملة الجملة جعلت جسدها المشدود يسترخي، لكنه ما لبث أن عاد يشتد ويرتجف عندما صفعتها برودة المكيف، فهمس بالقرب من أذنيها لتلفحها أنفاسه الساخنة:
- أبند المكيف؟؟.. بردانه؟؟.
لم تجبه وهزت رأسها لا تعرف هل وافقت أم نفت الأمر، لكنه نهض وأغلق المكيف ثم عاد ليضع المرهم على جرحها.
أصابعه تلامس بشرتها بخفة ورقة كما الريشة، وهواء ساخن وحار يضربها بقوة على ظهرها، كانت لحظات عويصة عليها وكأن دهرا يمر عليها ريثما تنتهي.
عادت من تلك الرؤية التي قطعتها غير راغبة بالغوص بعواطفها الثائرة لتلك الثوان عندما تكون بين يديه، وتطلعت للنافذة التي تجلس بقربها تتطلع للأسفل للطفلين ووالدهم يلعبون كرة القدم، راقبته وناظرته وتأملت قامته الطويلة والضخمة، وبشرته السمراء، ووسامته، وهمس خفيض يسألها:
- جوفيج يا عنود؟؟... شو صار عليج؟؟.. هذا هو يلي ما تبيه؟؟.. هذا هو الريال يلي ذلج وأهانج؟؟.. شو يلي تغير؟؟.. تراه هو نفسه نفس الريال!!.
ليجيبها صوت آخر :
- ما عرف شو صار فيني؟؟.. صدقيني ما عرف!!.. لكن كل يلي أعرفه انه ما هو نفس الريال.
وكأنه استشعر من يراقبه فرفع رأسه للأعلى ولوح لها لتشيح بعينيها عنه وحطت على السرير الذي لم يكن باردا بل كان دافئا وحارا بوجود جسده ينام بقربها منذ أن حضروا إلى هنا، وازداد تشبثه بالبقاء بجانبها بعد اصابتها.
*********************************
- ماما عرفتي إلي حصل؟؟
تحدثت ابتسام وهي تدلف لغرفة الجلوس لتسألها الأم وعيناها تراقب شاشة التلفاز ويدها مشغولة بالتقاط المكسرات من الصحن الذي أمامها:
- حصل ايه يا بنتي؟؟
جلست ابنتها بالقرب منها وأجابتها:
- الزفت عنود وئعت من الخيل.
حركت الأم شفتيها يمنه ويسرة بسرعة عالية ونطقت بكل الغل الذي يعتمل صدرها :
- خيل... هي وصلت للخيل كمان؟؟.. كانت فين ووصلت لفين، وحنا الخايبين عئدين وايديني على خدنا، وهي عايشة متنغنغة بين العز والفلوس.
وأخذت تهمهم بعبارات التحقير والدعاء عليها بالموت، وهناك بالجانب الذي ليس ببعيد عنهم كانت تجلس وتستمع إليها دون المقدرة بالوقوف ضدها، فمهما كان هي والدتها وعليها واجب برها وطاعتها، وكل ما تستطيع فعله هو الدعاء لله بأن يحفظ شقيقتها.
فقالت ابتسام وعيونها شعت بانتصار وبمكر أنثى قد اقتربت من نيل مبتغاها:
- ولا يهمك يا ست الكل، مسيرنا حنكون هناك، ولما أتمكن حتشوفي حعملها ايه، بس سيبيه يقع وبعدها لكل حادث حديث.

همس الريح 17-12-16 07:54 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الرابع عشر.........

أن ترى من بين غيومك السوداء والضبابية قبس من شعاع النور فهذا يدل على أن هناك فرصة تدخل في مجال أفقك كي تستغلها أفضل استغلال.
تعتقد بأن حياتك التي تعيشها كاملة وأنها لا تشوبها شائبة فهذا أمر جيد، لكن ماذا لو كانت نظرتك محدودة ولا ترى ما هو حول محيطك؟؟... ماذا لو أنك أغلقت عينيك عن قصد كي لا ترى ما ينقصك وما يكملك؟؟.
أنت بهذا فقط تهرب، خائف من الخوض والعودة لغمار الحياة، فلا تريد اقتناص هذه الفرصة، ولا تريد استغلالها، بل تريد تركها تذهب وترحل بعيدا عنك لتعود على ما أنت عليه بالسابق، ولكن بعدها... بعد أن تستيقظ من غيبوبتك.. بعدها لن يفيد الندم!!.
اختياراتنا هي من تحدد مصائرنا إما أن تأخذنا للأعالي وتمطرنا بوابل من السعادة والرخاء والهناء أو ربما اختياراتنا تسحقنا وتأخذ من أرواحنا الكثير فتدميها وتغرس بداخلها دمامل لا تشفى أبدا، فتسحبنا وتنئي بنا بركن منزوي، فتمر بنا الأيام ولا ترنا كأننا لم نكن معها من قبل، فبكل بساطة تتركنا ليتراكم علينا غبار الدهر والسنون وتقتات الهموم والشكوك من البقية الباقية من نبض الحياة، وهذا يقع من ضمن اختياراتنا فبها نحدد مصائرنا فإما أن ننهض وننفض عنا غبار الاستسلام وإما أن نركن له ونتركه يفعل بنا ما يشاء دون أن نقاوم بل نسايره ونوقع على عقود موتنا بالحياة.
ماذا لو أهدانا القدر فرصة أخرى للنجاة من براثن ما نريد به باختياراتنا؟؟.. هل نتركها تبتعد عنا ونجلس نراقبها وهي تختفي ونعود وننزوي كي نهرم ونذوي لنتساءل بعدها قبل موتنا ونحن نتذكر تلك الفرص التي حبانا الله إياها ونقول ماذا لو ؟؟...
أو نتمسك بها بقوة بين أصابعنا ونحارب ونقاوم كي نبتعد عن ذلك الظلام الذي غلف كياننا وأعيننا عن رؤية ما كنا لا نريد رؤيته!!.
لهذا كل ما علينا فعله هو التمسك بتلك الفرصة النادرة الوجود التي هبانا إياها القدر.
هي فرصة واحدة... إما أن نتلقفها أو نتركها تنسل من بين أصابعنا.
****************************
عشرة أيام قد مرت على وجودهم بالمزرعة، وعشرة أيام تغيرت بها الأحوال، ولو أخبروه من قبل بأن أموره ستتغير ويصبح مختلفا لما صدق!!.. وكان سيتهمهم بالجنون والكذب، لكنه قد اختبر تلك الأمور، وقد عاشها بلحظاتها الحلوة، كانت بسيطة لكن بمجملها وبمكنونها كانت عميقة المشاعر.
يجلس على المصطب لوحده وعيناه شاردة بالفضاء الواسع يراقب شروق الشمس وهي تولد من خلف الجبال العالية تدعوا ليوم جديد أو عمر جديد أهداه الله له.
ورؤية السماء الزرقاء الصافية وهي تتلون وتبدد عنها ظلمة الليل لتغدوا مشعة.
والجو كان جميلا ومنعش للروح والبدن، ونسمات الهواء العليلة تداعب شعيراته الغزيرة التي غطت رأسه وجبهته بهدهدة ناعمة.
أمامه دلة القهوة، والافطار، وفنجانه ممتلئ وينتظر من يشربه، لكن هيهات أن يتذكره وعقله غائب عنه وهارب لمن تملكته وصارت هاجس بخياله، بل أصبحت ترافقه بصحوه وبمنامه، وغدت أرق يقضي مضجعه.
تنهد بحيرة وأشاح بعينيه عن السماء بعيدا وحطت على الأطفال وهم يلعبون بسعادة وهناك على أحد الكراسي البعيدة عنه ولا تظهر سوى كظل تقبع من شغلت فكره وق.....
نفض رأسه عن هذه الخزعبلات فهو لا يؤمن بها، بل رجولتهم تمنعهم من التفوه بهذه الحماقات، والحاق تلك المشاعر التي يشعرون بها ما هي إلا مجرد رغبات !!.
عاد يزفر أنفاسا حارة اعتملت صدره، وجسده ينتفض بثورة ذكرياته معها منذ أن حضرا إلى هنا واحتوتهما غرفة واحدة وسرير واحد، واختلفت أكثر بعد اصابتها تلك.
توسدت شفتيه ابتسامة ناعمة عندما هفت إليه صورها...
غاضبة، ناقمة، وأخرى عابسة رافضة، وبالآخر تنصاع إلى ما يريد .
أغمض عينيه ينتعش بتلك اللمسات والهمسات القريبة منه لحد الهلاك، والبعيدة كبعد الشمس عن الأرض كحد سواء.
كان وقت علاجها عصيبا عليه، فأصابعه تجول بكل راحة على بشرتها القشدية والناعمة كنعومة الأطفال، وشعوره بارتجافه جسدها تحت كفه أنعشت هرموناته الذكورية وجعلتها تنتفض من مكمنها، وحرارة جسدها تصل إليه كالمجال المغناطيسي فتشده إليها رغما عنه، ورائحتها العطرية تدغدغ حواسه كما المهدئ أو كما المخدر عندما يسري بشرايينه ساحبا إياه بالفضاء الشاسع، ومغيبا إياه من عالمه، كم كانت هذي الدقائق عذاب بالنسبة إليه.
أفرج عن جفنيه وقد غامت مقلتيه بعواطف وأحاسيس أشعلت أنفاسه وهدرت بجسده الصائم منذ سنين طوال اعتكف النساء.
التفت ينظر لكل تلك الخضرة اليانعة ليقفز عقيقها المشع أمامه ملون بالخجل وبمشاعر متضاربة، لتعود إليه ذكرى أخرى معها آخذه إياه لعالم آخر....
فبعد خروجها من المشفى أجبرها على التزام الفراش لراحتها، وبما أنه يشاركها نفس الغرفة فكان أن أخذ كامل حريته كما اعتاد دوما دون أن يتفكر بوجود أنثى تشاركه نفس المكان .
كان أن عاد في صباح أحد الأيام من الخارج بعد أن قام بتمارينه الرياضية، ودلف للغرفة وسارع بخلع قميصه القطني المبلل بعرقه ورماه على الأرض لتظهر عضلات صدره النافرة ومعدته مشدودة وقد غط صدره شعيرات ناعمة سوداء اللون وعندما هم بخلع بنطاله حتى صدح صراخها من حوله:
- يا الشايب... يا قليل الأدب!!
فزع للوهلة الأولى واستدار بكامل جسدها ناحيتها وكأنه يراها للمرة الأولى أمامه، تأملتها عيناه لثوان ثم انبثقت منه ابتسامة مذهلة لم تراها؛ لأن كفيها يغطيان عينيها من رؤيتها لرجل عاريا أمامها.
ظل يراقبها وهي تحاول أن لا تراه، ووجهها محمر.. لا يعلم إن كان خجلا أم غضبا؟؟.. وبما أنه قد أصابته لوثة المشاكسة في الفترة الماضية فقد تحرك ناحيتها وجلس على السرير بقربها لتلفحها رائحة جسده المختلطة برائحة عرقه ورائحة البادي لوشن، كانت تركيبة فتاكة أودت بأعصابها المنفلتة، وهمسه عند أذنيها أودى بالبقية الباقية من تعقلها:
- شو فيج؟؟.. عيونج تعورج؟؟
وهدرت به بصوت مكتوم:
- انت ما تستحي على ويهك؟؟.. تتفصخ جدامي يا قليل الحيا.
- أنا ما تفصخت، بس القميص يلي فصخته والبنطلون بعدني ما.....
شهقت من وقاحته ونهرته وما تزال يديها على وجهها:
- يا الشايب يلي ما تستحي على ويهك!!.. كبرت وخرفت، وكل شي صار عندك عادي .
تكتك بلسانه وعيناه تراقب احمرارها الذي ازداد إثر غضبها، وهمس بالقرب منها وأنفاسه تضرب جانب وجهها محركا خصلات شعرها الفاحمة.
- شكله عجبج العقاب؟؟.. علشان جذا تقولين الكلمة وأنا محذرنج منها، وأنا تراني جاهز وتحت أمرج، بس قولي وأنا حاضر.
أزاحت كفها وطالعته دون فهم، وما كادت تنطق بسؤالها عما يقول حتى حط بشفتيه على منبع شهدها بقبلة أطاحت به قبل أن تطيح بها هي.
قبلها مستلذا بطعم شفتيها المنكهة بطعم الفراولة الشهية، أمسكها محيطا إياها بذراعيه العضليين يدنيها من صدره العاري، وعند تلامسهما ارتج جسديهما بتيارات كهربائية خفية سرت بداخل شرايينهم لتثير دمائهم كحمم تفجرت من تحت الأرض .
غاصا وتعمقا وكل منهما يتمسك بالآخر كما طوق النجاة، كأن بالقرب منه تكمن نجاته وببعدها يعود لصحرائه والحال لم يكن بمختلف لديها.
ابتعد عنها بعد مدة من الوقت معطيا المجال لرئتيهما بالتنفس، وألوان الطيف تتراء لهما، وصدرهما يشتعل بآتون حارق.
أخفضت رأسها بخجل هاربة من عواطفها التي اجتاحتها للتو، وهمس هو بأوتار مشحونة من شدة جنون عواصفه:
- قلتلج لا تقوليها!!.. وبتتعاقبين في كل مرة تعيديها.
وفز من قربها بسرعة ودخل للحمام مغلقا الباب خلفه ليخلع باقي ملابسه ويدخل تحت رذاذ الماء البارد ليعيد لجسده الثائر رتابته وسكونه.
عاد من جديد لواقعه وازدرد ريقه وتلك الأحاسيس تعود لتطرق جسده مذكره إياه بما يحصل بالقرب منها، ليجترح أنفاسا عصية عليه وأشاح برأسه بعيدا يهرب مما يجيش به من أعاصير، لينطق به قلبه... و كأنه يستطيع نسيان ما يعتمله من جنون الأحاسيس وهي ما تنفك تزوره دائما.
جرت عيناه ينظر لكل شيء يحاول أن يبعد ما يقصف به من أمواج هائلة تقذفه ببحورها الهائجة، وأعاصيرها لا تستكين، ولكن لا مجال للهرب!!.. فهي قد استحوذت عليه تماما، فعلى الأقل هو يستطيع الفرار منها نهارا، لكن لياليه ......
أسدل رموشه وندت منه آه من أعماق قلبه تتحدث عن حجم همه البالغ بوجودها قريبة منه، بل قريبة بدرجة الفتك به طوال الليل إلى أن يحل بزوغ الشمس.
في البداية تكون الأمور على ما يرام كل منهما يضجع بمكانه مبتعدين عن بعضهم قدر الامكان، بالطبع بعد أن ينال مبتغاه بإغضابها ومناكدتها أثناء علاجها، فيكون جوابها أن تنأى بنفسها بأقصى السرير.
وبعد أن يزورها سلطان النوم ويسرقها لبحر الأحلام يبدأ عذابه هو فيغدوا كما النار الحارقة التي ستشعل كل من يصادفها، فيظل طوال الليل مستيقظا ويجافيه سلطانه، فهي أثناء نومها تتحرك وتغرس نفسها بين أحضانه، وآه كم يطوق لاحتوائها بالقرب من قلبه الذي يعصف به، فبرغم من عذابه بجانبه إلى أنها تكون أجمل لحظاته.
عاد وقد جن جنون نشوته، وأزاح مقلتيه عن طيفها البعيد وأحطه على فنجانه البارد فما كان منه سوى أن حمله وابتلعه دفعة واحدة ليشعر بمرارته وبرودته الغير مستساغة، لكنها كانت الطريقة الوحيدة لإبعاد نفسه عن هواجس رغبته بوجودها بين ذراعيه .
- يا الله يا كريم، أصبحنا وأصبح الملك لله .
التفت ليرى جدته ترتقي الدرجات القليلة فانتفض من مكانه وساعدها للصعود ثم الجلوس على المخدات وهي تلهج بالاستغفار والدعاء ثم سكب لها فنجان قهوة وقدمه لها لتتلقفه وتشربه دفعة واحدة ثم دفعته ناحيته وهي تهزه مكتفية بفنجان واحد فقط .
- شخبارها العنود؟؟.. إن شالله أحسن ألحين؟؟.
- هي بخير يا الغالية، والجرح بدى يلتئم، لكن بعده يباله وقت لين تطيح الخيوط، والجبس بعده وقته طويل .
هزت رأسها وحمدت الله ثم قالت :
- باقي أربعة أيام ونرجع البيت، والعزيمة لازم تصير مثل ما قلنا، بيكون عشا بس لأن أخوها توه متوفي.
رفع أنظاره للأعلى وأجابها بشرود:
- نعم يا الغالية، كل شي بصير مثل ما تبين .
ناظرته بعين خبيرة وشاهدت الحيرة تصول بعسليتيه وعلمت بأنه غارق بهمه وضائع ولا يعرف أي طريق يختاره، هو بكل بساطة... خائف!!.
- يا وليدي يا حمدان الدنيا مب هي نفسها، والأيام أبد مب هي نفسها، كل وحدة شكل وغير عن الثانية، وهذا اليوم حلو والثاني مب حلو، هي جذا الدنيا واحنا نسير وياها ونسايرها، ولا ترانا ما راح نعيش وبنموت قبل يومنا يا وليدي، الله سبحانه وتعالى ما ينسى عبده وشو ما صار فيه من بلاوي، تراه اختبار من ربك يجوفك تصبر وتحمده ولا ما هو انت بصابر، ويعطيك الفرص ويفتحلك أبوابه .
أمسكت عكازها وأخذت ترسم بها على الأرض وتحركها وهي تتحدث، وعيناه تراقب العصى وأذنيه تستمع بإنصات تام :
- جوف يا وليدي، ترى الخير من الله والشر منك، تعرف كيف؟؟
سألته ثم أكملت تجيب دون أن تنتظر اجابته:
- لأن كيف تتصرف هو يحدد شو يصير، و كيف تتعامل مع الناس هو يلي يحدد بعد، يعني انت تختار الزين والشين، وبإيدك كل شي.
هز رأسه موافقا أقوالها والفكرة تكبر وتكبر برأسه وتترسخ بداخله.
**************************
وفي أحد الغرفة من بيت المزرعة جلس أبو سالم شارد الذهن ينظر دون أن يرى، وزوجته تراقبه باستغراب إلى أن دلفت للغرفة متسائلة:
- عسى ما شر يا بو سالم؟؟.. خير وشفيك مهموم ولا جنك موجود؟؟.
التفت إليها وارتبك فقد فاجأه وجودها معه دون أن ينتبه ثم اعتدل بجلسته ومن ثم أولاها كل اهتمامه:
- قلتي شي يا أم سالم؟؟
ناظرته بدقة تستشفي ما به لتعود وتسأله:
- بك شي يا الغالي؟؟.. ترى أوضاعك هذي الأيام ما هي عاجبتني!!.. إذا في شي تراني موجودة ولك كل يلي أقدر عليه .
تأمل ملامحها الجزعة من أجله، ودقق النظر بها، تلك هي زوجته وأم أولاده، أخذها من بيت عائلتها منذ أن كانت بعمر الزهور، وخاضت معه تجارب الحياة، وقفت معه وساندته ولم تبخل عليه بشيء، لا بحنانها ولا بحبها ولا حتى بما تملك، هي شعاع هذا المنزل وبدونها ما كان سيكون قابل للعيش.
فهمس:
- بعدج تحبيني يا أم سالم؟؟... ما نقص منه شي طول هذا العمر؟؟.
ابتسمت بخجل واحمرت وجنتيها وأدارت وجهها بعيدا تداري به استحياءها لفترة ثم عادت تناظره وهمست بكل الحب الذي يعتمل به صدرها ونطقت بها مقلتيها:
- وراح أحبك لين ما أموت.
أخذت أنفاسا عميقه ثم أكملت:
- يا بو سالم انت هلي وناسي وكل شي بالدنيا كلها، ولو تبي أعطيك روحي.
- ياااااااااااااااااه يا أم سالم كل هذا ؟؟.
- وأكثر بعد يا نظر عيني .
وتعانقت عيناهما بحديث طويل مرت عليه السنون وحاكت بهما الأيام إلى أن أشاح هو برأسه بعيدا فاقتربت منه ولمست كفه بحنان وسألته:
- وش فيك يا بو سالم؟؟.. عسى ما شر؟؟
أعاد رأسه باتجاهها وابتسم لها وأجابها بعد أن طبع قبلة على جبهتها ثم أحاطها بذراعه ليغرسها بالقرب من صدره لتحيطه هي أيضا بكلتا يديها
- تعرفين إنج غالية علي حتى أغلى من الأولاد!!.. انت يا خديجة نور حياتي ومن غيرج أنا ولا شي .
ضحكت بخفوت وهمست:
- خلاص يا بو سالم تراني أستحي!!.
ودفنت وجهها بصدره الرحب الذي احتواها منذ أن تزوجا، ليقهقه هو الآخر لخجلها وهمس بالقرب من أذنها بحب عاركته السنون:
- تراني ما قلت شي، وعلشانج يا خديجة أقصدلج قصيدة.
ابتعدت عنه ودفعته من كتفه والخجل قد تلبسها تماما وقالت وهي تهم بالنهوض والهرب من غزله:
- أحسن لي أروح وأجوف أمك وشتبي .
ثم التفتت إليه وسألته:
- ما بتي معاي نيلس برع مع أمك؟؟
- ها.... هي بي بس أنتظر تليفون.....
ورن هاتفه بالحال وتطلع إليه ثم إلى زوجته التي بادرت قائلة:
- خلاص أنا بروح ولما تخلص إلحقني.
- إن شاالله
وما أن أغلقت الباب حتى أجاب:
- ألو.........
****************************

همس الريح 17-12-16 07:56 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الخير يا الغالية، هلا بوليدي حمدان .
اقتربت أم سالم مقبلة الجدة ونهض حمدان وطبع قبلة احترام وود لهذه السيدة التي ساعدت بتربيته واتخذته كأحد أولادها ولم تفرق بينهم قط ، ثم استأذنهم للمغادرة والتصميم وضح على وجهه، وابتسامة قد أنارت طريقها لشفتيه، وعزم شع بعسليتيه وسار بخطوات ثابتة وقوية نحو أمل لا بد وأن يتمسك به ليعود للحياة من جديد.
- وينه أبو سالم؟؟.. ما أجوفه وياج؟؟
- أبو سالم مشغول عنده تيلفون من الشغل ولما يخلص بي وبيقعد معانا .
هزت الجدة رأسها رافضة وقالت تعاتب:
- مب قلنا ما في شغل لما نكون في المزرعة!!.
سكبت أم سالم القهوة تقدمها للجدة ورفضتها لترتشفها هي ثم أجابتها وهي تعيد ملئ فنجانها من جديد:
- ما عليه يا الغالية، قال مكالمة ضرورية وبيخلص بسرعة .
- على خير إن شاالله.
**************************************
ما أجمل أن تعيش وسط عائلة تحبك وتهتم بك وترعاك دون أن ينتظروا منك أن تشكرهم أو تعطيهم ما يقابل اهتمامهم، لا... هنا فقط يكونون يد واحدة، وعلى قلب واحد، فإن أصاب أحدهم مكروه كأن الجميع قد أصيب، فما أجملها من عائلة تجدها بعز حاجتك، تراها بوقت شدتك تشد من أزرك وتخبرك بأن الأمور على ما يرام، ترى ابتسامة حانية، تشعر بربتة دافئة، تسمع كلمة منعشة، فتتمنى بل تتمنى بقوة أن تظل بوسطهم لتتنعم برخائهم، فهنا لا يقيمون الشخص بماله بل بمعدنه، فالمال لديهم هو آفة العصر، صحيح أنهم يملكون الكثير، لكن لا يتمسكون به لدرجة أنهم لا يستطيعون دونه العيش.
تجلس على كرسي ناعم ذا بطانة سميكة أحضره لها حمدان لكي تجلس معهم بعد أن شفيت قليلا واستطاعت التحرك دون ألم، وبالطبع بعد أن فك حصار سجنها وأمر سجانها بإعفائها من باقي محكوميتها بعد أن شفي جرح ظهرها قليلا ولم تعد تشعر به سوى بعد الحين والآخر، وذراعها ستظل بجبيرتها لفترة أطول وهذا ما كرهته فهي لا تطيق ما يعيق حركتها فهي تشعر به كما الأغلال التي تقيدها، لكن هناك أغلال تكون أحيانا مرغوبة .
ابتسمت بحالمية عند تذكره، وارتعش قلبها بنبضات متسارعة كلما حل طيفه أمامها أو همس أحدهم باسمه، فإنها ترتج بداخلها بعنف كما الزلزال العنيف.
أدارت عيناها تنظر لما حولها وصدرها ينتعش بغبطة السعادة من سماع نغمة الحياة تدور حولها....
الصغيرة حنان تجلس مع بنات أعمامها يلعبون بالدمى والألعاب التي كل فتاة تحب أن تلعبها بسنها، "لعبة البيوت" والسعادة تطفق من ملامحهم المبتهجة .
ناظرت الألعاب بشيء من الحسرة... صحون وردية صغيرة وأكواب وضعت عليها بأناقة، وملاعق وشوك، وكعكات صغيرة وضعت بطبق آخر، شردت عيناها للبعيد بحال أخرى لفتاة أرادت وتمنت أن تعيش تلك اللحظات التي تعيش فيها كل طفلة، لا تنكر عدم لعبها مثلهم، لكن باختلاف بسيط، فبدل أن تلعب بدمية صغيرة ذات شعر أشقر ووجنتين حمراوتين وفم صغير وفستان جميل.. هي لعبت بطفل حقيقي اهتمت به ورعته بكل ما يحتاجه من مأكل ومشرب.
ولعبت بالصحون والقدر والأواني والملاعق باختلاف أنها كانت حقيقية وليست مزيفة، فقد تعلمت الطبخ بسن صغيرة.
تنهدت بحرارة وذكرياتها تعيدها للماضي... شقيقها الحبيب.. كم تشتاق إليه وتحن لابتسامته الحنونة، فبرغم من مرضه وتعبه الدائم إلا أن ابتسامته لم تفارق شفتيه أبدا، كان يقوي عزيمتها، ويشد على كفها، ويخبرها دوما بأن الله يترك لنا الأفضل دائما بالآخر، هو فقط يمتحن صبرنا ومدى تمسكنا بأن بعد العسر يسرى، وأن الله لا ينسى عبده، علينا فقط بالتوكل عليه وبالصبر، وبقول الحمد الله دائما، مهما كانت المشكلة التي تواجهنا.
فعادت عيناها تتجول من حولها وهي تردد عبارة الحمد الله، وبداخلها تحادثه وتهمس له بأن الله قد استجاب إليهم أخيرا، وها هي تتنعم بالهناء والراحة.
أسدلت رموشها وهاجت الأمنيات بداخلها وكم كانت تتمنى لو أنه كان هنا ليشاركها هذه الفرحة، ولكان الجميع قد أحبوه كثيرا .
فتحت عيناها ومسحت دمعة فارة من مقلتيها وابتسمت بغبطة وشبع امتلأ به صدرها ولوحت لحنان عندما لوحت لها وأهدتها أحلى ابتسامة، ثم
التفتت للجهة الأخرى وتطلعت لعبدالله وهو يقود دراجته مع باقي أقرانه من أبناء أعمامه، كان يبتسم ويضحك والسعادة تطفوا على محياه لقد تغير قليلا وصار يختلط مع الباقين، لكن بحذر، كأنه خائف على نفسه من شيء ما، وهي ستكتشف ما هو؟؟.
أعادت عيناها للأعلى وتطلعت للسماء الزرقاء الصافية، ونسمات الهواء تداعب بشرة وجهها الصافية والخالية من أي أدوات تجميل، وهناك بالسماء وبين الغيوم طفت صورته يبتسم لها بمكر وعيونه الجريئة تتأملها دون أي خجل، تلونت وجنتيها على استحياء وهي تتذكر كل ما مر بينهما منذ أن عادت من المشفى وإلى هذه اللحظة.
هربت بعينيها عن خياله، ونفضته بقوة من رأسها، لكنه ما ينفك يعود ويتجسد أمامها بكل ركن وبكل زاوية، صار رفيق خيالها، وبطل أحلامها بعد أن كان كابوسها.
زفرت بحرارة، وارتجف جسدها بقشعريرة لذيذة تستشعر أصابعه على جلدها الأبيض وهو يداعبه برقة ونعومة.
قصف صدرها برعوده، واشتعلت أنفاسها والصور والمشاعر تتهافت عليها كما زخات المطر التي تسقي الأرض بعد طول جفاف......
فما كان من جفنيها سوى أن أطبقا لتغوص بسحر تلك اللحظات التي صارت كما الادمان بالنسبة لها، والعجيب بالأمر أنها كانت تنتظر ساعات قربه منها، ليسري أفيونه كما السحر عليها سارقا بها للبعيد...
يدخل فتشعر بوجوده، يقترب فيرتعش جسدها بخيانة الطوق إليه، يقترب منها لتحتضنها حرارة جسده قبل ذراعيه، وتشعر بعينيه تخترق ظهرها، وأنفاسه تفور كما الينابيع الحارة على بشرة ظهرها، فيسترخي جسدها وتضيع بين لمساته، هي ثوان فقط، لكنها تشعر بها كأنها الدهر وبعدها يجتاحها الخلاء والبرودة لبعده عنها، وكم تطوق للصراخ به وتطالبه بالبقاء هنا بجانبها للأبد.
عادت تفرج عن عقيقها المخضر وقد تشكلت عليه سحب وردية ونظرة حالمة بقلوب حمراء تتراقص أمامها فتشيح بوجهها للجهة الأخرى وصور له ولها تتزاحم من جديد برأسها.....
فترة النوم وما أحلاها من فترة، فقد صار صدره مغناطيسا يجذبها إليه بإرادة مسلوبة كأنه مكانها الطبيعي أن يتوسد رأسها صدره.
في البداية تتمنع قربه وترفضه وبعدها يتغير الحال فتنساق لرائحته المسكية التي تجذبها وتسحبها فتتحرك دون أن تشعر لتحط رحالها بين أضلاعه، فتغرس نفسها بداخله بحثة عن أمان واستقرار لم تجده سوى عند سجانها.
رمشت تجلي تلك النظرات الساهمة بملكوت محرابه، وأمنيات ورغبات تصفعها دون هوادة ودون سيطرة، واستيقاظها يكون مؤلما وقاسيا، فواقعها مختلف، وتساءلت دائما بوجل هل تتحقق الأمنيات؟؟... هل في زماننا هذا وبشقاء الحياة يستطيع المرء أن يحلم ويتمنى؟؟... هل سيسمح لها واقعها ويتركها تطلب وترتجي؟؟.
ليأتيها من بعيد الجواب بهيأته الضخمة، وبوسامته الطاغية، وبطوله، وبعضلاته البارزة، وبهيبته التي تطل من عينيه، كم تأسرها رؤيته بتلك الطلة، ذلك هو زوجها هو لها وحدها دونا عن الأخريات .
قصف صدرها بقنابل مدوية، ورعدت أنفاسها بفوران، وارتجف جسدها بإثارة جعلت بشرتها تحمر بإثرها، ظلت تراقبه من بعيد وهو يسير ناحيتها ثم ما لبث أن توقف يحادث ابنه وباقي الأولاد وبعدها انضم إليه أبناء عمومته ووقفوا يتحدثون إليه ويضحكون لشيء قاله أحد المتواجدين وهنا أدركت من أنه ليس لها بل ووجودها بين عائلته مؤقت كما قال لها، فقط لثلاث أشهر وبعدها تعود لبؤرة الحزن والألم، وهذه المرة لن يكون أحد برفقتها بل ستكون لوحدها تعانق الأسى.
غامت عيناها بانكسار، وتلاشت كل تلك الزوابع التي كانت تثار بداخلها وهمست لنفسها بعتاب:
- شكلج شطحتي وايد بحلمج يا عنود!!.. وين انت ووين هو؟؟.. من البداية ما كان يبيج غير علشان يرد صفعته.
لتجاوبها نفسها الأخرى التي تطوق للحب، وتناشدها بكل قوتها:
- لا.. هو تغير وما عاد مثل قبل، حتى جوفي معاملته معاج كيف صارت، وكيف يحضنج ويبوسج.
لتهدر بها نافية قولها:
- انت غبية ولا شو؟؟.. هو يتعامل معاي كذا لأن أهله موجودين معانا، وثاني شي هو مهتم لأنه مثل ما يقول هو السبب بيلي صار فيني.
- بس هو....
قاطعتها بقوة وبشراسة وبرفض لما تريد أن ترسخه بعقلها:
- لا تبسبسين ولا تحلمين وايد، لأن مثلنا المفروض ما يحلمون ولا يتخيلون إن واحد مثل هذا الريال يتزوج وحدة مثلي.
لتهمس الأخرى بخفوت، وبصوت يتلاشى:
- لكن هو....
قاطعتها بنفاذ صبر:
- روحي ما عاد لج مكان هنا، والمفروض إنج تعرفين مكانج وين لأن مثلنا لازم ما يطالعون لفوق.
واختفت وخلفت خلفها دمار شامل وروح قبعت بالظلام بعد أن كانت تهفوا وتتراقص من بهجتها، وخفت بريق عينيها بعد أن كان مشتعلا بالإثارة .
نفسها محقة!!.. فمثلها ما كان يجب أن ترتبط بواحد مثله ولم تشعر بدنوه منها، ولا بعيونه المحدقة بها بتدقيق تحاول أن تستشفي ما بها، فللتو كانت تلمع ببريق أخاذ سلب لبه، والآن حل مكانه ظلال أشباح .
وقف أمامها وأيضا لم تلاحظه كأنها بوادي آخر، جلس بجانبها وظل يراقبها ويتأمل شكلها.. كانت تملك بشرة صافية خالية من الشوائب، نقية طاهرة وبريئة، نعم كانت بريئة من كل كلمة قالها لها، كانت طاهرة من كل تهمه ألحقها بها، كانت.. وكانت، وهو مخطئ بشأنها.
حدجها بنظرات مختلفة وصورتها قد تغيرت بمقلتيه بالكامل.
لمسه من كفه حطت على كفها برقة جعلها تفزع وتنده منها صرخة خافتة ليسارع بتهدئتها:
- هشششش.. هدي، هذا أنا.
زفرت تستوعب وجوده بقربها وهمست:
- خوفتني الله يسامحك .
طالعها ثم قال بغموض:
- يلي شاغل بالج يتهنا به.
أخفضت رأسها تهرب وهمست بداخلها:
- آخ.. بس لو تعرف مين كان!!.
- عنود جوفيج؟؟.. أكلمج، يعورج شي؟؟.
رفعت رأسها وتأملت الخوف الظاهر بمقلتيه، كانت تتحدث بشي مختلف شاهدته بالآونة الأخيرة، لكن وواقعها يتحدث عن شيء آخر وقالت بخفوت:
- أنا بخير ما فيني شي .
سكتت قليلا ثم سألته :
- انت بغيت شي؟؟.
صمت ولم يجبها، وتطلع لما حوله المكان غير مناسب لما يريد قوله ثم عادت تحط عيناه عليها وقال:
- تعالي.. تمشي معاي.
ولم يمهلها الوقت للرفض أو الموافقة فقد نهض من كرسيه ورفع يده ناحيتها ليتلقف كفها ويجبرها على النهوض والسير معه يدها بين كفه الضخم، واضطرابات بدأت تتلاعب بها فما كان منها سوى أن سحبت يدها ليتركها بسهولة ويضع يديه بجيب بنطاله .
سارا لمسافة ولم يهمس أحدهم بحرف واحد واتخذوا الصمت حليفهما،
شعر بالغضب من نفسه لعدم قدرته على الحديث، هو الرجل العصامي والكل يهابه لا يستطيع التفوه بحرف واحد أمام هذه الصغيرة!!.
وهي ارتبكت من وجودها بجانبه يكاد يلتصق بها فابتعدت قليلا عنه وظلت تسير وعيناها تنظران للأسفل إلى أن توقف بغتة لتتوقف هي الأخرى وتطلعت إليه لترى بعينيه حديث لا تعرف محتواه، لكن بالتأكيد هو يخصها، وكان تخمينها صحيحا إذ بدى يقول:
- عنود.. أنا عارف إن بدايتنا كانت خطأ.
سكت وشخص أنظاره للأمام كأنه يبحث عن مصوغ لأفعاله الرعناء تلك، ولم يجد ما يعطيه الحق بما فعله بها .
سعل وتنحنح وتابع :
- عارف إني غلط معاج وايد، وما كان عندي حق بيلي سويته.
عاد يسكت وهي تتطلع إليه دون أن تفقه إلى ما يرمي إليه بذلك الكلام، وتساءلت... هل يعلم أخيرا بأنها بريئة؟؟.. وكل ما قاله لها بالسابق كان محل افتراء؟؟
أكمل يتحدث بكلمات واثقة وصلبة شعرت بها بأنها لا رجعة فيها:
- جوفي يا عنود، يلي راح راح وخلينا بيلي جاي، وأنا قررت إني أعدل وضعنا .
تنفس بعمق ثم زفر الهواء ومعه حروف جعل قلبها يتوقف ويسقط تحت قدميها:
- إحنا لازم ننهي المهزلة يلي احنا عايشين فيها، و......
قاطعه نداء باسمه فرفع رأسه ناحية من يناديه وأشار إليه بأن يتريث، لكن الآخر لم يمهله الوقت وأشار إليه بضرورة الحضور، فالتفت إليها وهمس بسرعة:
- لازم أروح ألحين، وانت فكري بيلي قلته وبنكمل كلامنا بالليل.
وتركها ولم يرى روحها وهي تهفوا خارجة من جسدها، ولا عيونها التي غادرتها نبضات الحياة.
لقد قتلها ولم يأبه لها، لقد تخلى عنها وركلها بعيدا عنه بعد أن تعلقت بعائلته وبه، لقد قال بأنها ستكون ثلاثة أشهر فلما غير رأيه؟؟.. هل تعب منها؟؟.. هل أخطأت معه بشي أو مع عائلته؟؟... لما؟؟... لما؟؟..
وظلت الأسئلة تتقاذف بها يمنه ويسرى وهي تسير وتتخبط بعالم لم تعتقد بأنها ستعود إليه بهذه السرعة، اعتقدت بأنه اختفى وانتهى من حياتها، لكنه عاد إليها يتلقفها بكل الحب والترحاب فاتحا ذراعيه بوسعهما ويخبرها بأنها ابتعدت طويلا عنه وأن حياتها كتبت على الوحدة، وحلمها بعائلة تحبها كان كبيرا عليها ولا تقدر على تحمله.
سارت تتخبط بدهاليز الحزن والألم، ومشت ناحية طريق تعرفه وقد اختبرته كثيرا، لكن هذه المرة سيكون صدرها محملا بأوجاع وجروح لن تندمل أبدا، وفراق قد حان وقته، فقد كتب عليها الشقاء وفراق الأحباب.

همس الريح 17-12-16 07:58 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الخامس عشر..........


جميلة أنت.... وتفردت بين باقي الزهور.
خلابة أنت.... وقد عانقت بسمتك السماء.
جذابة أنت.... بنور وجهك الوضاح .
فاتنة أنت.... وقد غدوت عروس بين الحاضرين.
فهنيئا لك بيومك هذا، وقد ازدنت بأحلى حلة
فاليوم يومك، والليلة فرحك، والسعادة غدت ملك يمينك.

هل استشعرتم يوما تلك السعادة التي تتراقص من حولك وتدعوك لتفعلي مثلها؟؟.. تلك المشاعر التي تدغدغ حواسك وتخبرك بنعمة الفرح، وأن الله سبحانه لا يتخلى عن عبادة، وأن الله مع الصابرين .
فها هو اليوم قد أتى لتجني ثمار صبرها، الليلة ستكون فارقة، وستكون نقلة بحياتها لحياة أخرى، سترمي الماضي خلفها وستخطو نحو مستقبل نثر عليه بالورد والزهور، وأبوابها قد شرعت من أجلها تفتح لها صفحة جديدة.
تكاد لا تصدق نفسها!!.. حتى الآن تتطلع لما حولها بانبهار وذهول، وما تزال تعتقد بأنها تعيش بعالم الخيال، أو بعالم أحلامها المستحيلة.
الورود منتشرة بكل مكان بشكل أنيق أعطى للمكان رونقا رائعا وخلابا، وشذى رائحتها تفوح من حولها مسكرة عقلها آخذا إياها بغيبوبة لذيذة استطعمت وجودها بداخلها كأنها تحلق بين الغيوم البيضاء وتتناقل بينها كما الفراشة .
عادت عيناها تتأمل المكان، الضيوف من حولها سعداء ومسرورين يشاطرون أهل المنزل فرحتهم بزواج قد طال انتظاره، وقدموا اليوم ليقدموا التهاني لهما هي وحمدان على زواجهما الميمون.
حطت عيناها على كل شيء، وما تراه ينطق بالفخامة والغلاء، وهذا كله من أجلها هي فقط، لم يحدث أن فعل أحدهم شيء من أجلها هي، لهذا تشعر بأنها تتوهم كل ما تراه عيناها، لكن صوت الأناشيد تطرب أذنيها، وضحكات المدعوات تخبرها بأنه حقيقة وليس بخيال، هي ستتزوج!!.
تحركت مقلتيها إلى أن توقفت على كفيها، تراهما وقد تزينت بالخواتم الغالية الثمن، ورسغها أحيط بالحلي، ثم تجولت أصابعها على ما ترتديه... كانت جلابية مغربية فخمة عشبية اللون من أرقى دور الأزياء، ذات قماش حريري ناعم.
سارت أصابعها ترسم الخيوط الذهبية التي طرزت من قبة الجلابية لتصل لنهاية الجلابية بنقوش غاية بالروعة ثم حط كفها على خصرها الذي توسده حزام من نفس القماش وطرز أيضا بخيوط ذهبية أظهر خصرها النحيل ثم رفعت يدها للأعلى تتلمس جيدها الذي ازدان بحلة من الذهب الأصفر الخالص أخفى بياض بشرتها، وشعرها الأسود الطويل تركته مسدلا على أحد كتفيها، وقذلتها سرحت على جانب وجهها وزين تاجها الأسود بطوق ذهبي على شكل فراشة، ووجهها خطته ألوان هادئة وناعمة ما عدى عينيها التي أبرزتها المزينة بالكحل الأسود.
كانت مبهرة للنظر، ومشعة كنجمة في السماء العالية، فكيف لا تبرق وهذه ليلتها، ليلة تحلم بها كل فتاة وهي حالها كحال غيرها، نعم... فهذا ما قاله لها، بأنها تستحق أفضل حفل زفاف ولا بالأحلام لتكون تلك هي بدايتهم من جديد.
لتسرقها ذكرياتها لما قبل اسبوع من الآن، وبالتحديد عندما كانوا بالمزرعة، تلك الليلة التي اعتقدت بأنها نهاية بقائها بدائرة العائلة، وأنها ستنبذ وتعود لطريق لم ترد العودة إليه أبدا.......
أن تزورك سكرات الموت وأنفاسك ما تزال تنبض بعالم الأحياء فهذا هو العذاب!!.. أن تشعر بنبضاتك تنسل من خافقك الواحدة تلو الأخرى تودعك بوداع أبدي فهذا هو الهلاك!!.
فتتساءل بحيرة وبصدر مقبوض.. هل كتب عليها الشقاء طول عمرها؟؟... ألا يحق لها أن تتنعم بدفء أسرة حقيقية وتضمها لحضنها لتشعر بأمان بينها؟؟... ألا يجب عليها أن تتكئ خلفها وهي تعلم بأن وراءها جدار وسند سيصلب عودها ولن يجعله ينكسر؟؟.
هزت رأسها تنفضه بقوة وبضعف ترفضه، هي لم تستسلم طوال حياتها بالرغم من النكبات التي توالت عليها فلما الاعتراض الآن على شيء كانت تعلم وتعرف من البداية بأنه لم ولن يكون لها؟؟.
توحشت فيروزات مقلتيها لتبدوا كما العاصفة الهوجاء في ليلة حالكة السواد تنذر بالوعيد لمن تعدى لسلامها الداخلي، وهي قد قررت وانتهى الأمر، فلا مجال للحزن لشيء ما كان سيكون لها أبدا.
أراحت رأسها على ركبتيها المضمومتين لصدرها وذراعيها تحيطان بها كحماية لها ضد من يريد اختراق أسوارها العالية، وشعرها يلتف حولها كغطاء واقي من صدمات العالم المنهكة لروحها الشريدة.
راقبها من بعيد وكما المرة السابقة كانت بعالم غير عالمه، تبدوا عيناها ساهمة ضائعة، لكن هذه المرة غاضبة وناقمة لشيء ما لا يعرفه، ولكنه سيكتشفه وسيسبر أغوارها.
دلف للغرفة ولم تشعر به، واقترب وقلبه يخفق لرؤيتها بهذا الشكل البائس كأنها فقدت شيء غالي عليها، ووقف يراقبها ورقت عيناه لحالها ولم يستطع سوى أن يتقدم ناحيتها ليمسح من على ملامحها تلك النظرة
فهمس باسمها:
- عنود...
كيف لمن ليس بعالمك أن يستجيب؟؟.. كيف لمن حطت الهموم برحالها على أكتاف شابها الانكسار أن تستمع؟؟... أتود أن تجيب؟؟.
اقترب مساقا ناحيتها وجلس بقربها وأصابعه اشتعلت بجمرات خصلاتها الفحمية الناعمة رافعا إياها بعيدا يبغي مرآها.
أزاح درعها الواقي يبغي أن يتشرب من جمالها الفتان، والتفتت دون إرادة كأنما شخص اعتاد تلك اللمسات، فتعانقت الأنظار، وتهامست الأرواح، فأي لغة لا تفهمونها يا بشر؟؟.. أي عقول جامدة تملكونها؟؟.. فها نحن ننطق، نتكلم، نهمس بوله وبشجن، فاستمعوا وانصتوا، دققوا ولاحظوا، فنحن من عالم الأحياء.
- وشفيج؟؟.. في شي يوجعج؟؟
وأغمضت عينيها بإعياء، وصرخت بداخلها بكل ما تملكه من قوة:
- انت من يعورني، انت من يوجعني، فارحم حالي يا ولد الناس، فما عاد في حيلة، وما عاد فيني قوة أتحمل وأصبر.
ابتعدت عن أصابعه وأشاحت بوجهها عنه وهمست بصوت أثقلته الهموم، ولكنه ما يزال ينبض بين ثناياه جذوة من القوة:
- أنا بخير والحمد الله، وما فيني إلا العافية.
ونأت بجسدها مبتعدة عن حرارة جسده فعليها الآن أن تعتاد البرودة التي ستغلف الباقي من أيامها.
حدجها بعيونه الصقرية، وراقب الغضب المشع من ملامحها، شيء ما قد حدث في فترة تركه لها!!...
فقد انشغل مع أبناء عمومته في مشكلة تخص المزرعة المقابلة لهم، فقد استنجد صاحبها بهم لحدوث اصابة بأحد عماله بمزرعته وأراد مساعدتهم لنقله للمشفى، وليس من شيمهم رفض طلب أحد المساعدة.
أخذ يفكر ويفكر إلى أن أصاب ملامح العبس، وتساءل... هل ما قاله لها في الصباح كان صعب الموافقة عليه؟؟... هل ترفض ما طلبه منها بسبب ما فعله بها؟؟.
أبعد الشك والتساؤلات عن رأسه فلربما كان مخطئ باعتقاده!!... فقال بعد مرور بعض الوقت:
- بروح أسبح وبرجع .
لم تجبه ولم ينتظر اجابتها واتجه للحمام بعد أن حمل ملابسه معه هذه المرة وأغلق الباب خلفه لتتنهد هي براحة لابتعاده عن روحها السحيقة المناجية لقربه والمطالبة به، ولكن كيف السبيل لكيان يطالب بشيء لا يخصه أبدا؟؟.
لم تطل راحتها طويلا فقد خرج بعد برهة وهو يرتدي تيشيرت وبنطلون برمودا واسع، وأخذ يجفف شعره بمنشفة صغيرة ليرميها على طاولة الزينة بعد أن أنتهى وأمسك بالمشط وأخذ يسرح شعره الغزير ثم ما لبث أن وضعه على الطاولة ليتلقف زجاجة العطر وبخ عدة بخات وعسليتاه لم تحد عن صورتها المنعكسة بالمرآة والتفت بعدها ليرى ارتباكها لتأملها له ومن ثم محاولة مداراته بتغطيته بترتيب الوسائد خلفها.
سار بخطوات ثابتة ناحيتها وعند اقترابه انكمشت هربا من المواجهة التي ستنهي استقرارها.
ازدادت ضربات قلبها، وانكتم صدرها غير قادرة على ادخال الأكسجين لرئتيها، فالقادم أكبر بكثير من تحملها إياه فما كان منها سوى أن تحركت تنوي الرحيل وهي تتحدث بتبرير واهي وبمحاولة فاشلة لتأخير المحتوم:
- صح... أنا نسيت أجيب ماي.
وما كادت تضع قدميها على الأرض حتى أحبط محاولتها بالفرار بإمساكها من خاصرتها بكلتا يديه وسحبها ناحيته لتغوص بداخل جسده ظهرها ملتصقا بصدره، وبدت الصورة كدب يعانق شاه صغيرة، وهمس بالقرب من أذنيها:
- على وين شاردة؟؟.
ارتجفت وضاعت وتاهت بعناقه هذا الذي شعرت به يشمل جميع جسدها، وأجابته بتأتأة خرجت رغما عنها:
- أنا.. أنا... ما... ما.. شردت، كنت.. بس بـ.. بجيب ماي... عطشانة.
شدد بعناقه لها يغرسها لداخل أضلاعه وأغمض عينيه يستنشق رائحتها العطرة والفواحة من البخور والعطور العربية الأصيلة، ومرغ أنفه بين خصلات شعرها الثائرة وهو يأخذ أنفاسا عميقة ليختزن رائحتها الشذية ثم حادثها بهمس خفيض وغياب عن الواقع:
- لما تبين تكذبين اكذبي بشي يسوى؛ لأن الماي موجود هناك على الطاولة.
لم تنبس بأي شفه ولم يحاول هو أن يستشفي سبب كذبها وظل محتضنا إياها لفترة يعتصرها يستلذ بقربها هذا، وبعدها استطاع بجهد جهيد أن يفصلها عنه فقط لمسافة بسيطة ثم أدارها لتكون بمواجهته وما أن صارت أمامه حتى أخفضت رأسها ليتساقط شعرها مخفيا ملامح وجهها وأيضا لم يثنيه هذا من فعل ما يريد، فقد رفع رأسها للأعلى بإبهامه ثم جمع شعرها مبعدا إياه عن وجهها ليكومه على كتف واحد وهي تلوذ بالصمت الخانق لروحها الطائقة للتمرغ بصدره الواسع القريب من رأسها، وأسدلت جفنيها راغبة بالتوهان برائحة جسده العبقة بعطرة النافذ لأنفها مدغدغا أنوثتها ومنافذ أحاسيسها.
كم ترغب وتتمنى أن تظل هكذا بالقرب منه لتتنفس وتعيش فقط على رائحته، ليأتيها همس من بعيد موقظا إياها من غيبوبة النشوة:
- شو فيج يا عنود؟؟.. جنيتي؟؟... شو هذي الخرابيط يلي تقولينها؟؟.. وين الاحتشام؟؟.. وين شرفج؟؟.. تبينه يحضنج ويبوسج؟؟.. وين الحيا؟؟.. خلاص... بعتيه علشانه؟؟.. يعني يلي يقوله عنج صحيح؟؟.. انت وحدة بايعة شرفها!!.
وهنا انتفضت مبتعدة عنه وانتبهت من أنه قد قام بتجديل شعرها ودون احساس سألته بتعجب:
- انت تعرف تعقص الشعر؟؟
ابتسم لها وأجابها دون أن يغفل لانتفاضتها قبل قليل فقد كانت ساكنة بخضوع لقربه منها وبعدها حدث شيء ما ليجعلها تفزع:
- طبعا أعرف، نسيتي إن عندي بنت؟؟
أمسكت جديلتها الطويلة وهي منبهرة من اتقانه لها وأجابته وعيناها تراقب ابداعه:
- لا ما نسسيت، بس ما اتوقعت إنك انت تمشط شعرها!!.. على بالي تارك هذا الشي للشغالة.
- لا أبدا، عيالي ما حد يهتم بأمورهم غيري أنا أو عمتي أو يدتي بس.
رفعت رأسها تتأمله باندهاش، هو عكس ما يبديه من أفعال، وما ينفك دائما ما يبهرها ويغير رأيها به ويتخذ شكلا آخر صار يخيفها.
أمسك كفيها ليحتويهما بكفيه الضخمين ونطق قائلا بهدوء:
- جوفي يا عنود، أنا ريال ما يعرف يلف ويدور، وأنا كبير بالعمر.
سكت وعاد يصحح:
- يعني مب كبير وايد، هو صحيح في فرق كبير بينا، لكن هذا ما يدل إني... شايب مثل ما تقولين.
ابتسمت وعضت على شفتيها وهي تتذكر ما أطلقته عليه من لقب وراقب هو مداراتها لخجلها فاستطرد مكملا وقد تلبس الجدية وأخذ أنفسا عميقا:
- يا عنود احنا لازم نصلح وضعنا لأن ما يصير نستمر على هذي الحال، لا طايلين سما ولا طايلين أرض.
سقطت ابتسامتها وتهدل كتفيها للحظات ثم ما هي إلا ثوان حتى نفخت بنفسها العزيمة ليستقيم ظهرها وسحبت كفيها من دفئ أصابعه وشبكتهم مع بعضها واعتدلت بجلستها وهمست بصوت مبحوح:
- كلامك صحيح، حنا لازم ننهي هذي المسرحية المهزلة.
***********************
عادت لواقعها وهي ترى الجميع سعيد وفرح لهذا الزواج، ابنته حنان تتراقص طربا بخطواتها المبتهجة بين الحضور، تقف وتسامر صديقاتها وتريهم فستانها الذي أحضره والدها أيضا من دور الأزياء مثلها، وتشير ناحيتها وكما أخبرتها من قبل من أنها ستخبر الجميع بأنه صار لها أم وأنها أصبحت مثلهم، كانت ملامحها تنطق بالسعادة فقد حصلت على أمنيتها أخيرا.
والجدة بالرغم من عدم قدرتها على الوقوف كثيرا على قدميها الوهنتين إلا أنها كانت تقف باستقبال المهنئين بزواج ابنها، فهذه كانت أمنيتها، أن تراه مستقرا بمنزله مع زوجته وأطفاله.
والعمة تتحرك كما النحلة دون كلل أو ملل، هنا وهناك، ترى ما ينقص من الحفل وتستقبل المعازيم، الكل سعيد وفرح لهذا اليوم الميمون.
سلمت على احدى المدعوات والتي كانت من عائلة حمدان التي قدمت من مكان بعيد فقط لحضور هذا الحدث المهم، ودعت لها بطول العمر وبالرفاه والبنين وأوصتها بالاعتناء بقريبها فهو يستحق كل السعادة، وأهدتها هدية قيمة "علبة من المجوهرات" وبعد رحيلها ظلت عيناها تراقب العلبة المخملية وصورته احتلت واجهة العلبة وكان متجهم الوجه كما هي عادته، فذكرها هذا بما كان عليه رده عندما أخبرته بإنهاء هذه المهزلة، وضحكت بخفوت وعضت على شفتيها وتلك الأحداث تعود من جديد لتتوالى أحداثها معيدة إياها لما قبل أيام.......
قطب حاجبيه وسألها:
- شو تقصدين إنا ننهي هذي المسرحية؟؟
ناظرته بقوة وبزقتها بعد أن رمته بعقيقها الأخضر:
- مثل ما قلت انت، ننهي هذي المهزلة، وكلن يروح من طريق وترد الأمور لطبيعتها.
حدقا ببعضهما البعض وكأن الزمن قد توقف تماما عن الحركة، وتجمد كل ما حولهما، حتى أنفاسهما قد فضلت الانسحاب من معركة العيون التي تدور رحاها بداخلهما.
ظلا على هذه الحال إلى أن قطعه هو بنهوضه موليا ظهره لها لتنده منها آه ألم استطاعت كتمها باللحظة الأخيرة قبل خروجها، وراقبته وهو يغادر تاركا إياها خلفه، وشعرت بروحها تلفظها هي أيضا مفضلة الرحيل وعدم بقائها معها لتعيش شقاء حياتها، فقد كانت النهاية!!.
هل شعرت يوما بالروح وهي تنسل من جسدك؟؟.. هل أحسست يوما بقلبك يلفظ أنفاسه الأخيرة؟؟.. هل شعرت يوما برغبتك بالصراخ بأعلى صوتك لكنه يخذلك ليخرج كخرخرة سكرات الموت؟؟.
نعم.. هي فعلت كل هذا وهي تراه يبتعد بخطوات واسعة، خطوة أخرى وسيخرج من حياتها للأبد، وخطوة واحدة وينتهي الأمان والاستقرار الذي أهدتها إياها الحياة، وبكلمة واحدة هي قادرة على منعه، وبحروف قليلة تستطيع إيقافه، لكن لسانها خذلها، وحروفها هربت، وجسدها كأنه أصابه الشلل، فما كان من عيناها سوى أن ودعته الوداع الأخير.
توقفت ساقيه ويده على أكرة الباب فقد قالت كلمتها وليس من شيمه أن يتوسل أحدهم البقاء معه.
أدارها وفتح الباب لتتعلق القلوب مناجية عقولهم المتبلدة بالتروي وهذا ما كان عندما أعاد جملتها بلحظة تأمل وتفكير وتذكر ما قالته للتو:
- "مثل ما قلت انت، ننهي هذي المهزلة".
وتساءل... هل قال هذه الجملة؟؟...
ظل جامدا بمكانه لثوان معدودة حتى ضربه الادراك من اللغو الذي حدث، ومن عقلها العقيم بفهم ما كان يريد التحدث إليها فيه.
التفت ناحيتها وسألها وعيونه تدقق بصفحة وجهها الشاحب كشحوب الأموات:
- متأكدة من قرارج هذا يا عنود؟؟.
ازدردت ريقها تحاول ترطيب حنجرتها التي تحولت وصارت صحراء قاحلة نضب منها ماؤها، وهمست لنفسها بوجع:
- يكفي الله يخليك!!.. يكفي وجع، لازم تذبحني وتجوفني أنزف لين أموت وبعدين ترتاح؟؟.
فأجابته بعد مرور وقت طويل بكلمات خرجت جافة مستعصية:
- انت اخترت وأنا... وأنا....
سكتت غير قادرة على قولها، فهمستها بشق الأنفس:
- وأنا... موافقة.
تحرك متقدما ناحيتها وقد فهم كل شيء وسألها بعيون متقدة:
- بالتحديد على شو انت موافقة؟؟.
وهنا لم تقدر على السكوت، فصرخت به من شدة ألمها، ونهضت من السرير لتقف بمواجهته:
- انت شو تبي بالضبط؟؟.. تراني موافقة على يلي تبيه، شو تبي أكثر من جذا ؟؟.
راقب هديرها العنيف لفراق لا تريده، سوى أن كبرياءها الأحمق هو ما يمنعها الإفصاح، ثم ابتسم بسعادة وتراقصت عيناه وهذا أصابها بالصميم. فتراجعت للخلف وهي تهز رأسها رافضة بهجته بانفصالهما، فاصطدمت ساقيها بالسرير وعاد جسدها يضجع بصريخ الرفض لما يريد، فماج عقلها بجملة أصابتها بمقتل :
- لهذي الدرجة هو يكرهها ويترياها تطلع من بيته؟؟.

همس الريح 17-12-16 08:00 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
قهقه في البداية بخفوت ثم ما لبث أن علا صوته يملأ الغرفة، واقترب منها وهو يردد:
- يا المجنونة... يا الخبلة.
جلس بالقرب منها على السرير ورفع ذراعيه ناحيتها باحتواء رفضتهما وصفعت كفيه فأعاد المحاولة فدفعتهما بعيدا وما يزال يحدثها والسعادة تملأ ثغره:
- صدق يوم قالوا إن الحريم عقلهم صغير.
- بعد عني.. بعد واتركني، مب هذا يلي تبيه؟؟.
وانخرطت بعدها ببكاء حار تبكي هجر يترصد روحها، وشقاء عاد يتوسد جسده، ودموع تجري على وسادتها، فعاد يحتويها بذراعيه وعينيه تحتضنها بحنان.
في البدء عاندت حضنه، لكن في النهاية استسلمت لذلك الاحتواء فهذا ما كانت تريده دائما أن تجد يد ممدودة تتلقفها لتعينها على مطبات الحياة.
احتضنها بالقرب من صدره وتوسد رأسها المثقل بالهموم بالقرب من قلبه النابض، وتشبثت كفيها الصغيرتين بقميصه تنشده الأمان الذي سحبه من تحت قدميها، وسكبت دمعاتها العصية غير آبه بمن يراها فما عاد من شيء يهمها، فالدنيا قد أغلقت أبوابها أمام وجهها، والسعادة قد فرت منها بعد أن جعلتها تتذوق منها القليل، كأنها تخبرها بدوام الحال من غير المحال.
هدهدها كما الصغار وتركها تفضي ما بداخلها على صدره إلى أن هدأت تماما، ثم أبعدها عنه قليلا وأخذ يمسح شلالاتها بإبهامه وهو يقول:
- شو أسوي فيج ألحين؟؟.. ديما متسرعة وما تفهمين الموضوع قبل لا ترمسين، وهذا هو سبب مشكلتنا من البداية.
سكت يتطلع إليها بنظرات مختلفة كانت تبدوا كطفلة صغيرة تائهة وضائعة ولا تعرف كيف السبيل للعودة لأرض الديار، وجه محمر ومبلول إثر لؤلؤها النفيس المنحدر، وأنف صار كما المهرج، وعيون تحول بياضها لاحمرار، وعشبيها صار صافيا متلألأ إثر المطر المغيم عليه، وغدت لوحة جميلة أمام عينيه وهمس:
- آخ يا عنود... كان لازم تفهمين الموضوع بالأول وما كان له داعي لهذي الدموع.
شهقت ببكائها وتطلعت إليه بعيون حمراء ممزوجة بالبراءة والنقاء وهمست بصوت مبحوح:
- شو هو يلي كان لازم أفهمه تراك انت قلت......
قاطعها وسألها :
- أنا شو قلت؟؟
أخفضت رأسها للأسفل مخفية حزنها وعادت تهمس والدموع عادت تحرق مقلتيها:
- انت.... انت... قلت... إنك... إنك....
- إني شو يا عنود؟؟
- إنك تبيني أطلع من بيتكم.
تنفس بعمق ثم زفره وقد ارتاح باله وأجابها بابتسامة أظهرت صف أسنانه المتراصة:
- بصراحة... أنتو الحريم أغبية ومتسرعين دوم، طيب افهمي أنا شو قلت بالأول وبعدين احكمي.
سكتت وتجمدت أنهارها ورفعت رأسها للأعلى بصعوبة بسبب الصداع الذي بدأ يفتك بها وناظرته غير مستوعبة ما يقوله، وجرت حدقيتيها على ملامح وجهه فرد عليها سائلا إياها:
- أنا قلت لج يا عنود اطلعي من البيت؟؟
فتحت فمها تجيبه بالإيجاب ثم عادت لغلقه وهي تحاول أن تستوعب سؤاله وأخذت تفكر بما قاله لها في هذا الصباح بالرغم من الألم الذي ينخر جمجمتها إلا أنها لم تستطع أن تستحضر جملته تلك التي جعلتها على ما هي عليه الآن من دمار.
طالعته من جديد ليهمس هو ويريح تعبها الظاهر من بؤبؤيها المناشد لطلب الراحة:
- انت يا عنود فهمتيني غلط!!.. أنا كل يلي قلته إن لازم نعدل وضعنا وبس.
مسحت دموعها بظاهر كفها وادراكها لحقيقة الأمور بدأت تنجلي أمامها. نعم.. هو لم يقل شيء سوى تلك الجملة وهي من ......
عضت شفتيها بخجل من تسرعها بحكمها الجائر عليه، فعاد يهمس بالقرب من وجهها:
- جفتي كيف ظلمتيني وظلمتي حالج؟؟
رفع رأسها ناحيته وقال بقوة وبأمر قبل أن يكون طلبا:
- أنا قلت نعدل وضعنا، يعني يا عنود نكون أنا وانت مثل أي زوجين طبيعيين.
شهيق وزفير ثم قالها وعيناه تأسر عينيها بسحر كريزميته:
- يعني يا عنود إنا نفعل زواجنا.
**************************
عادت لواقعها على اثر نداء عمتها وهي تسألها إن كانت تحتاج لشيء ما فهزت رأسها تخبرها بأنها لا تحتاج إلى أي شيء، فكل ما أرادته صار حقيقة تتجسد أمامها الآن، فبعد ذلك الحديث بينهما تسارعت الأمور، وفور عودتهم للمنزل في المدينة جرت الأمور للحفل على قدم وساق.
أراد أن يقيم لها حفل زفاف ضخم كما تستحق كل فتاة تتزوج لأول مرة، لكنها رفضت حفل الزفاف والفستان الأبيض والحناء والأغاني وغيرها من الأمور؛ فشقيقها لم يغادر دنياها سوى منذ فترة بسيطة فقط، واحترم الجميع رغباتها.
مدعوة أخرى تهنئها وتبارك لها زواجها وترقيها من العين الحسودة على هذا الجمال الخلاب الذي أسر الحاضرين، فقد كانت غاية بالروعة.
شكرتها بخجل وأدارت رأسها للناحية الأخرى وقلبها يكاد ينفجر من فرط ما يعتمله من مشاعر شتى، الفرح... الأمل... المستقبل... أسرة... دفئ... استقرار... وأمان... والأهم زوج يهتم بها.
سقطت عيناها عليهم لتنحبس أنفاسها للحظات وهي تتذكر لقاءها بهم بعد مغادرتهم للمزرعة وذهابها لمنزلهم لدعوتهم لحضور الحفل، لم تكن ترد الذهاب، لكن اصرار حمدان أجبرها فقد كانت نيته الاصلاح بينهم ورمي الماضي خلفهم، ولم يعلم بأن ما بينهم لا يمكن ردمه .
لم تكن تتوقع أن برؤيتها لهم ستعيد لها الذكريات الحزينة والغضب لما فعلوه بها، لكن وجود حمدان بقربها ساعدها على مجاراة الأمور والانتهاء من هذه الزيارة الثقيلة على صدرها، فرؤية نظرات ابتسام تلتهم حمدان أصابتها بالقرف والرغبة بالتقيؤ، وحديث زوجة والدها بمدحها أصابها بالاشمئزاز، ووالدها لم يكن أحسن منهم فهو لم ينفك يتحدث عن أعمال عائلة حمدان المنتشرة بالدولة كأنه قام بعمل ميداني لدراسة ممتلكات عائلة الكتبي.
أعادت نظراتها إليهم من جديد يجلسون بجانب بعضهم وعيونهم تتأمل المكان وبالطبع سرقت ابتسام الأنظار إليها بملابسها الجميلة بالرغم من خلاعتها، وملامحها التي أتقنت المبرجة رسمه، وزوجة أبيها يبدوا أنها سطت على أحد محلات الذهب؛ فالأصفر قد أغرق ذراعيها وجيدها، وصغيرتها الغالية ترتدي ملابس محتشمة دون أي تبرج سوى كحل أسود خط جفنيها، وتجلس باستحياء تعانق عينيها الأرض وأحيانا تسترق النظر بغفلة من الجميع.
تعلم بأن تهنئتهم لها لم تكن من القلب، فأقنعتهم بحبهم العميق لها خدعت الجميع ما عداها، فهي خير شاهد على الكره والحسد الذي يقطر من مقلتيهما، وأيضا لم تنسى كلمات ابتسام المبهمة التي أسرتها لها وحدها بقرب مغادرتهم من منزلهم:
- ما تخديش أوي على العز .
رفعت عنود حاجبيها وسألتها بفضول:
- شو تقصدين بكلامج؟؟
رفعت كتفيها بلا مبالاة وقالت:
- أصلك بنت فقر، ويلي زيك مينفعهوش العز ده...
سكتت قليلا ثم استطردت:
- أصله بيتوه ومبيعرفش طريئة كويس.
ناظرتها عنود من رأسها المكشوف دون أي استحياء بوجود رجل غريب أمامها، وهبطت عيناها لتتأمل قميصها الضيق والشفاف الذي أظهر ملابسها الداخلية السوداء، وتنورتها الضيقة الملتصقة بجذعها كجلد ثاني لها لا تعرف كيف تستطيع السير بها، وبالطبع كعبها العالي الذي أظهر قوامها الرشيق.
تأملتها جيدا... هذا ما شاهده حمدان للتو، وتساءلت.. ما هو شعوره وهو يرى هذا الجمال أمامه؟؟.. هل هو نادم ويتمنى لو كانت ابتسام بمكانها؟؟.. هل يقارن بينهما الآن؟؟.. وما أجمل هذه الشكوك فهي المفضلة لدى الشيطان، فما أحب إليه سوى غرس الشكوك والوساوس بالنفوس الغير واثقة بنفسها.
عادت لواقعها وتنفست بقوة تدخل هواء نظيفا وتخرج تلك الشحنات السالبة التي تضيق بنفسها، وأزاحت ما هاج به عقلها من أفكار ولم تهتم ولن تهتم اليوم سوى لنفسها فقط، فقد شاهد ابتسام من قبل ولم يعلق عليها أبدا بأي كلمة، ولو أعجبته لكان قد اختارها هي بدلا عنها، لهذا فقد انتهت أيام العذاب، فالمستقبل ينتظرها بغده المشرق، ولن تنظر للخلف أبدا.
بعد مرور الوقت وغدت الساعة الثامنة مساء حتى وقفت خديجة أم سالم بغرفة الجلوس المملوءة بالنساء وهتفت:
- يا جماعة اتفضلوا البوفيه... حياكم اقربوا.
نهضت النسوة وساروا بالجهة الأخرى حيث يقع طعام العشاء ومن بينهم زوجة والدها وابنتيها فتنهدت عنود براحة لخلاء المكان وتنفست الصعداء، فأن تكون محط أنظار جميع العيون فلهوا شيء مربك ومخجل بآن واحد، وهي أبدا لم تكن من محبي الظهور.
اقتربت منها الجدة تتكئ على عصاها وجلست بجانبها وهي تردد:
- الحمد الله ... الحمد الله
والتفتت لزوجة ابنها وحطت بكفها بتجاعيده التي عاصرت الزمن وحادثتها بكل الحب:
- شخبارج يا بنيتي؟؟... عساج مستانسة؟؟.
رفعت عنود كفها الآخر المزين بالمجوهرات الثمينة ووضعتها على كف الجدة قائلة بابتسامة آسرة:
- أنا بخير يا يومه، وما شاء الله كفيتوا ووفيتوا.
وأشاحت بعينيها هاربة تتطلع لكل شيء خوفا من أن ترى الجدة ما بداخلهما، لكنها متأخرة فقد التقطت تلك النظرة وهمست لها بحنان وأمومة:
- الله يرحمه يا بنتي، الله يرحمه، وأكيد لو كان عايش كان تمنى لج إنج تفرحين وتستانسين.
رفعت لها عينان موشحتان بدموع الحزن وهمست لها بصوت مشحون بمشاعر الفقد والاشتياق لأحب الناس لقلبها:
- اشتقت لأخوي يا يومه، كان يحلم بهذا اليوم وقال إنه هو يلي بيزف المعرس، وقال بعد إنه بيرزف و....
وسكتت غير قادرة على إتمام جملتها وغصة حارقة توقفت بحنجرتها معتصرة إياها بألم .
سحبت الجدة كفها وأحاطت به بكتفها وسقط رأس عنود على كتف الجدة باحثة عن عزاء وقوة تستمدها لتتحمل وتصبر على هذا الفقد الشاق عليها.
- يا بنتي يا عنود هذا أمر الله وأللهم لا اعتراض، ادعي له يا بنتي، وهذي هي الدنيا كلنا مروحين عنها وما بيبقى غير رب العالمين .
قاطعهما دخول العمة التي كانت توشك على قول شيء ما وما أن شاهدت هذا المشهد حتى سارعت بخوف ناحيتهما :
- عسى ما شر يا بنتي يا عنود انت بخير؟؟.. يعورج شي؟؟؟
سكتت قليلا تتطلع إليهما ثم تابعت:
- هذي عين ما صلت على النبي، الكل ما غير على السانه حلوة ومن وين لقاها ووين جافها.
عضت عنود على لسانها وهي تتذكر بالفعل أين كان لقاءهما بالتحديد، فقد تقابلا في السوبر ماركت، من سيصدق هذا لو أخبرتهم!!.
انحنت العمة وأخذت تمسح على شعرها وهي ترقيها وتقرأ بعض الآيات القرآنية وأغمضت عنود عينيها منتعشة بهذا الاهتمام الذي لم تره أبدا منذ قدوم الوافدين إلى منزلهما، وبعد نهايتها من القراءة هتفت بسرعة:
- الله يغربل ابليسي، نسيت ليش أنا جاية.
- وجفيج يا بنيتي الأكل ما كفى؟؟... أنا قلت لراعي المطعم إنه يزيد الأكل، ما عليه أنا أراويه!!.. قلتله حسابه كبير إن عرفت إنه ما طبخ أكل يكفي المعازيم، يبي يفضحني ......
وأخذت تهمهم بكلمات الوعيد لصاحب المطعم وقهقهت العمة وعنود على تهديد الجدة فقالت أم سالم بوسط ضحكها:
- الله يهديج يا الغالية، وشتبيه راعي المطعم المسكين؟؟
- كيف ما بيه بشي؟؟.. يعني يفضحني بين الناس؟؟
- هدي يا الغالية هدي، أنا ياية مب علشان الأكل.
- عيل عشان شو ياية؟؟.. وخليتيني أسب بالريال وآخذ ذنوب!!.. حسبي الله ونعم الوكيل فيج من حرمة!!.
قهقهت الاثنتان بملء فاههم على الجدة التي قلبت الموجة وهدرت بزوجة ولدها عند تأخرها بالإفصاح عما تريد.
- قولي وخلصينا وش بغيتي؟؟.
تماسكت العمة قليلا وقالت بعد أن هدأت:
- كنت بقول حمدان بيدخل بعد العشا علشان يلبس العروس.
تجمدت بمكانها ما أن أتمت العمة جملتها، فقد حان الوقت، وقت لم شملهما بزواج حقيقي، هو سيغدو زوجها منذ الآن ولن يفرقهما سوى الموت.
أخفضت رأسها تداري ارتباكها وخوفها من هذه اللحظة، فهي لم تره منذ ما يقارب الخمسة أيام بعد ما أنزلت الجدة فرمان بحقهما لينام كل منهما بمكان آخر إلى أن يحين يوم حفلهما، وبما أنه انشغل بعدة أمور وهي انشغلت أيضا بالتسوق والتجهيز للحفل فلم تقدر على رؤيته أبدا والآن سيلتقيان تحت سقف غرفة واحدة وهذه المرة دون شجار دون حديث جارح أو غيره فقط زوجيين اثنين يخطيان معا نحو طريق السعادة.
لم تنتبه المرأتان لما اعتملها من مشاعر الرعب والتلهف بآن واحد، فقد نهضتا تاركين خلفهم غزال يكاد يسقط من هلعه مما هو مقدم عليه هذه الليلة.
وفي الجهة الأخرى.....
كانت الأصوات تتزاحم وتختلط مع بعضها البعض والضحك يملئ المكان، فالأوضاع تختلف بين الجنسين... فهنا لا مكان للنميمة، فقط الضحك والتسامر، والسؤال عن الأحوال، بعكس النساء اللاتي يذهبن لهذه التجمعات فقط للتقصي عن الأخبار ليكون الحدث الدائر بينهم على مدار الأسبوع إلى أن يحل خبر آخر.
وهناك من بين الحضور يجلس بوقاره وبهيبته، يحادث هذا ويسلم على هذا وأحيانا يتحدث عن الأعمال، ومن يراه ومن لا يعرفه كأن هذا اليوم ليس بيوم عرسه بل هو يوم عادي كأي يوم، لكن من يعرفه ويعرف أدق تفاصيله سيرى بداخل عينيه اللهفة وعدم الصبر، ودقات قلبه تطرق بقوة ويكاد قلبه يخرج من قفصه من شدة إثارته لما سيحدث هذه الليلة، لكن من هذا الذي يستطيع قراءة ما يدور بداخل فكر هذا المارد العملاق؟؟.. فدائما ما كان غامضا ومليء بالأسرار .
اقترب ابنه بهدوء منه كما العادة وبملامحه المبهمة والمختلف عن باقي أقرانه، فألا يقال " هذا الشبل من ذك الأسد"
انحنى ناحية أذن والده وحادثه بشيء ما ثم ابتعد عنه عائدا لمكانه بين أبناء عمومته .
لحظات هي حتى تقدم سالم ينادي للجميع ليتناولو طعام العشاء، وبعد مرور نصف ساعة حان الوقت، فقد أزف اللقاء .
وتحرك بخطوات ثابتة ناحية تلك الصغيرة التي غيرت أحواله وقلبت حياته رأسا على عقب .

همس الريح 17-12-16 08:02 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مساء النور والسرور الغوالي متابعين الرائعه ام حمده

الزر الايمن حق اللصق للي تواجه فيه مشكله تكتب اي شئ في مربع الرد و تظلله بتطلع لها خانة اللصق سيده
و ان شاء الله تنحل المشكله باسرع وقت

الغاليه ام حمده في موعدها حاولت تنزل البارت و لما ما ضبط معها نزلته بدالها

قراءه ممتعه

همس الريح 18-12-16 09:52 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
افااااااااااااااااااااااااااااااا


كل ذا يصير في عنادي ؟؟

لي عوده بتعليقات عقب ما اخلص قراءه

غيرت رايي
انتي شرييييره يا ام حمده

ام حمدة 19-12-16 06:30 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
أفا......
ولا تعليق!!
وباجر بتنزل حلقات جديدة!!
أمممممممممم هموس الشر بعدج ما جفتيه حبيبتي

ام حمدة 20-12-16 06:21 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل السادس عشر.........

أحيانا الأحلام تتحقق، هل تصدق هذا؟؟... أجل إنها تتحقق وتتجسد أمامك كما تريد وتتمنى أن تكون الأحلام دائما.
تسرقك للسماء العالية، تمسك بيدك لتحلق بك بين الغيوم وبين النجوم آخذه إياك لعالم وردي خلاب لا يتواجد به سوى السعادة، وفقط السعادة لا غير.
تشعر بروحها تمتلئ لحد التخمة وتكاد تنفجر من فرط فرحتها، تشعر بكيانها يتمحور ويختلف وكأنه لم يعد ملك لها بل صار لغيرها ولم تكن هي أبدا بل من يتواجد مكانها هي فتاة أخرى.
وكما يتمحور حلمها بـ.... فارسها يأتيها من بعيد بحصانه الأبيض يسرع ناحيتها ورذاذ ماء البحر يتطاير من حوله من شدة جري فرسه، وهو يجلس بظهر مستقيم، وبملامح مهيبة، وعيون شاخصة فقط لها وحدها دونا عن الأخريات.
ينطلق نحو هدفه وهي تقف هناك بفستانها الأبيض كما فساتين الفتيات الأسبانيات الأبيض والمزركش بتطريزات خيطت على يد أمهر الخياطات، وشعرها الطويل يلمع تحت أشعة الشمس الساطعة التي تحتضنها بدفئها وبرقة، وتتناثر حول وجهها خصلاتها الفاحمة بفعل نسمات الهواء العليلة التي تدغدغ بشرتها النضرة والمتفتحة بفعل السعادة.
عيونها ممتلئة بالبهجة، وابتسامتها تشع من بعيد، وفيروزها لا يحيد عن فارسها الهمام الذي سينتشلها من بؤسها ووحدتها.
ترفع يدها ناحيته فيتلقفها بقوة عضلاته البارزة ساحبا إياها للأعلى ومن ثم يضجع جسدها بالقرب من صدره باحتواء متملك يخبر الجميع بأن هذه الأنثى تخصه وحده، وينطلق بها للأمام نحو المستقبل المشرق والملون بألوان الطيف بعد أن يهديها تلك القبلة التي تخبرها بأن الأيام القادمة ستكون ملونة بالقلوب الحمراء.
احساس جميل بالاسترخاء، والهدوء والراحة يلف جسدها، وحرارة تنبثق من حيث لا تدري تحيطها كما الشرنقة برقة وتملك، صدره يبث مزيج من الصلابة والنعومة ومشاعر أخرى تنبثق منه لتتسلل إليها لتستشعرها لأول مرة، لكن الأهم هو الأمان والاستقرار يطغى على كل كيانها، وشيء ما يخبرها أن هذا المكان بالقرب من نبضات قلبه قد خلقت من أجلها، فما أجمله من حلم تتمناه كل فتاة لتخوض تلك المغامرة وتعيشها طوال حياتها، وكما كل قصة تنتهي بنهاية سعيدة إلى الأبد.
*******************************

ابتسامة تشدق به ثغرها، وبشرة تشربت بحمرة خلابة، وجسد تشعر به يؤلمها، لكن هذا الألم منعش ومستساغ للروح فتشعر بها خفيفة كما الريشة.
تحركت تندس أكثر طامعة بالمزيد من هذا الاحساس الجميل والرائع الذي يجعلها كما الذي استسقى من كأس الخمر رشفة لتطير بعقله وتضيعه بعالم آخر لا يوجد بعالم الواقع فيطوق للمزيد، ويرغب بالضياع غير راغب بالعودة، فيرتشف ويرتشف فيحلق جسده بالسماء العالية، وروحه تطير بخفة دون أثقال أو هموم، فيدمن من هذا الكأس الذي جعله يعيش في دنيا غير دنيته، والغوص بتلك الأحلام التي أدمنتها كما الأفيون غير عابئة بأن كثرة الادمان يؤدي للتهلكة.
رائحة مسكية أزكمت أنفها وعبقت تستنشقها لتعبئها برئتيها وتختزنها. أنفاس عميقة لا تنوي افراغها من شذى الرائحة العطرة، شفتيها تلامست بشيء حار وطري لا تعرف ما هو، لكنها لم تمانع هذا الغريب.
تحركت أكثر، وغاصت أعمق وروحها تنتشي بلذة الراحة والهناء. رمشت عينيها توقظها من عالم الأحلام، فعاتبتها غير راغبة بالاستيقاظ والبعد عن هذه السكينة التي تزورها لأول مرة، فعاندتاها عيناها وتحركتا مفرجة عن عقيقها العشبي فرفضت وأغلقتهما عائدة لبحور أحلامها.
عادت نفسها تحثهما على الانبلاج فما كان لها سو الانصياع إليها مرغمة.
أفرجت عن مقلتيها النجلاوتين الموشحتان بالكثير من العواطف الغريبة وصدمتها غيمة بيضاء ملبدة بضباب وردي اللون .
أغلقتهما من جديد عائدة لخيالاتها اللاواقعية التي قلما تكون حقيقية ومجسدة كما الواقع، لكن ذلك الهمس يخبرها بأن تناظر ما هو أمامها ففعلت، ورمشت عدة مرات تزيح النعاس من عليهما لتصطدم بصورة غير واضحة الملامح فلم تستشفي ما هي!!.
جرت مقلتيها لما هو أمامها تحاول أن تتوضح الرؤية وأيضا لم تعرف ما هو!!... وهنا عادت حواسها للعمل، شعرت بثقل على جسدها، وحرارة ودفئ يطوقانها بحميمية.
قطبت حاجبيها دون فهم وتساءلت... ماذا يحدث هنا؟؟.
أبعدت رأسها قليلا عن موطن شعرت به أنه ملاذها، وصوت ينبض برنين عند أذنيها كنغمات موسيقية ناعمة تناديها لتعود وتسترخي وتنسى العالم من حولها، لكن فضولها وشيء ما يخبرها بأن عليها أن تعرف أين هي؟؟.. وما هي تلك الأحاسيس التي تشعر بها بدواخلها كأنها أكلت لحد التخمة ووصلت لحد الاكتفاء؟؟.
رفعت أصابعها تبعد خصلاتها المتساقطة على وجهها وتمنعها من المشاهدة.
وما هي إلا لحظات أو ثوان لتستوعب أين هي، كانت بين ذراعيه بل بالأحرى بالقرب من أضلاعه، وقريبة جدا لحد الالتصاق بعضلاته الصلبة التي أحست بها بشرتها العارية.
رفعت عيناها لتحط على صفحة وجهه وظلت لبعض الوقت تتأمله، كان مسترخي ووسيم جدا، وقد اختلف جدا عما كان عليه من قبل، كانت ملامحه تنطق بالشباب وبصغر السن كأن همومه قد انزاحت، وأحزانه رحلت، بدى رجلا آخر وليس "بزوجها".... وعندها فقط ضربها الإدراك.. هو زوجها، صار زوجها بالأمس.
شهقت وكادت أن تصرخ لولا أنها سارعت بكتمها بكفها، وجحضت عيناها للخارج وهي تتذكر أحداث الأمس وما حصل بينهما، كادت أن تموت خجلا وتمنت أن تنشق الأرض وتبلعها من شدة استحيائها لتذكرها، فتحولت صفحة وجهها وتغيرت من الصدمة إلى الخجل. قضمت شفتيها والصورة تهافتت عليها لما فعله بها.
عادت تناظره بعيون مختلفة وصفحة جديدة، لقد دخلت عالم آخر لم تعرف بوجوده سوى بالأفلام، لقد تحولت ولم تعد كما السابق، فلقد خطت بدنيا الكبار وتركت خلفها زمن الطفولة، فقد غدت امرأة.
تنفست وتسارعت وتيرة ضربات قلبها والأحداث تزاحمت عليها وتذكرها بالحميمية التي تختبرها على يد رجل.
تململ بنومه وكأنه نداء استيقاظ لها بالهرب من أمام عينيه، لكن ذراعيه الممسكة بها قيدت فرارها فما كان منها سوى أن حاولت ابعاد قبضته المستحكمة على خاصرتها كأنه غير راغب بإفلاتها أبدا، ومع رفعها قليلا حتى عاد يتمسك بها ويسحبها ناحية جسده فخرجت من أعماق قلبها آه اكتفاء وغبطة لم تشعر بها طوال حياتها، فالعالم غدى بين كفيها، وما أشد فرحتها بهذا.
ظلت تستعذب هذا العناق الحار والمنعش لروحها الطواقة للحب والحنان، وارتعش جسمها عندما تحرك كفه على ظهرها العاري وعادت تلك الأشياء من جديد تعبث بأحاسيسها وترفعها للسماء العالية وصور الليلة الماضية ما تنفك تزورها تخبرها بما يحدث بين رجل وامرأة، واقشعرت خلاياها وهي تتذكر أصابعه السحرية التي كانت تجول وتصول عليها دون هوادة أو حدود، فما كان منها سوى أن فتحت عينيها وابتعدت عن هذا العذاب الحلو راغبة بالاختفاء قبل استيقاظه، وللعجب قد خرجت هذه المرة بسهولة من بين براثن ذراعه والتفت رأسها يتحرك بكل مكان باحثا عن شيء ما يستر عريها لترى مرادها تحت الغطاء الملقى على الأرض اثر المعركة التي دارت في ليلة الأمس .
عضت شفتيها وأدارت وجهها بعيدا عنه وشعرها ملتف حولها كغيمة سوداء، التقطت قميص النوم وارتدته على عجل ومن ثم ولت هاربة ناحية الحمام دون أن تنتبه للعيون المراقبة لذلك الغزال الفار من بين فكي صياده، لكن ليس لوقت طويل.
تحرك مضجعا على ظهره بعد أن سمع اغلاق الباب وناظر سقف الغرفة، ذراعه تحت رأسه والأخرى تحط برحالها على صدره العاري، وعيناه تتراقص بإثارة عما حدث بينهما بليلة الأمس، وابتسامة تشدقت بها شفتيه، وملامحه نطقت بالفرح وبالهناء، وراحة طغت على روحه التائهة، فلكل شخص معاناته، ولكل واحد منهم شقاءه وأسراره، وليس الفقير فقط من يعاني بؤس الحياة، فالأغنياء أيضا يعانون من طعون الزمن.
يشعر بارتياح، وامتلاء لم يشعر به من قبل، كانت ليلة ولا بالأحلام، ليلة لم يتخيلها أبدا، فأخذته ذكرياته للساعات الماضية، ساعات ستتخلد بذكراه للأبد ........
فبعد أن أخبره ابنه بأن عليه الذهاب للداخل فقد آن أوان لقائهما، فهو لم يرها لعدة أيام لانشغالهما بالكثير من الأعمال.
لا ينكر أنه اشتاق لشقاوتها، ولهمسها الناقم، وللقبها الذي اشتاق لرد عقابه عليها، ولحركة شفتها تلك، وعيونها الذباحة التي تسرقه للبعيد.
ازدادت ضربات قلبه بشدة مع اقترابه من المنزل، فهمس لنفسه يعاتبها على أفعالها الرعناء في الآونة الأخيرة:
- ماذا دهاك يا نفسي لتغدي على ما أنت عليه الآن؟؟.. كأن قطارا سريعا يسير بداخلك، هذه ليست زيجتك الأولى لتبدوا كما الفتى الغر المتشوق لرؤية عروسك الجميلة؟؟.
لتجيبه :
- ولما لا؟؟.. لما لا نعيش الدور؟؟.. فاليوم زفافنا على فتاة رائعة الجمال، كما أننا حرمنا من قرب الأنثى لفترة طويلة جدا فدعنا نتمتع باهتمامها وحنانها ونعومتها، لنعطي لنفسنا مجالا لنعيش حياتنا التي نئيت بها بنا بعيدا عنهن، أترك لنفسك العنان، فاليوم زفافنا.
أخذ نفسا عميقا وقد اتخذ قراره بإعطاء فرصة لهذا الزواج، ولم يكن يدرك بأنه ما أن سيراها سيترك لنفسه العنان كما طلبت من دواخله بالعيش برغد الحياة.
توقف عن الحركة ما أن التقطت عيناه هيأتها الفاتنة والخلابة تقف بانتظاره باستحياء، جرت مقلتيه تفصلها تفصيلا من رأسها المنخفض لأخمس قدميها المختفية تحت جلابيتها، وتلك الجبيرة أبدا لم تفسد جمالها الفتان، فقد غطتها بقفاز مخرم بلون الجلابية التي ترتديها.
سار بخطوات ثابتة ناحيتها بعد أن سمع الزغاريد التي تدعوه للاقتراب من عروسه الجميلة.
سار بقدمين مسيرتين وعيون لا تحيد عن تلك الغزال البهي الطلة التي لم يرى مثلها من قبل، أقبل عليها وقد سمرتها عسليتيه التي غدتا كبركتين صافيتان ممزوجة باللهفة والاثارة.
خطوة أخرة وكان قد صار يضاهيها طولا وضخامة لتبدوا أمامه كما القزمة، لكن من يأبه لهذا فاليوم مختلف، اليوم سيتحد اثنان شاقت بهما الأرض بما رحبت من حزنها وألمها، اليوم سيدخلون عالما سيضمهما معا لينعما بخيرات الأرض.
قبلة طالت على الجبين ولم ترد شفتيه الانفصال بل طاقت للمزيد والسفر بمحراب عشقها.
عيون تعلقت بأنثى استطاعت أن تسلب عقله وروحه سواء، واستطاعت أن تقلب حياته رأسا على عقب، وجسد انتفض بحق الرجولة مطالبا بما صار يخصه أمام الله وأمام الناس.
جلس على مقعده بجانبها وعيناه ما تزالان على أنثاه غير راغب برؤية صور أخرى تفسد هذا الجمال الرباني الذي أهداه الله له.
كان قد أخبرهم من قبل بأنه فقط سيلبسها الخاتم وبعدها سيغادر فهو ليس من محبي هذه الأشياء وقد صار كبيرا على هذه الترهات ولم يعد شابا مراهقا، لكن برؤيتها صار الماضي ماضيا وهو رجل اليوم.
أمسك بطقم الألماس الذي اختاره خصيصا من أحد محلاته لها بعد أن علمت جدته من أنه لم يهديها ولم يلبسها طقم خطوبتها فأمرته بإحضار أغلى المجوهرات التي يملكها بمحلاتهم فكما قالت:
- الغالي للغالي، والجوهرة ما يليق لها غير الغالي.
رفع كفها ناحيته ومقلتيه تحاولان أن تلتقطان فيروزها فأبت إلا أن تحرمه من اشعاعها الأخضر واختارت الأرض أن تهديها بريقها الأخاذ.
برودة سرت ببنصرها لترفع رأسها وترى تلك الألماسة الجميلة التي لمع انعكاسها بداخل عقيقها، كان خاتما ذا ألماسة كبيرة على شكل قلب محاط بألماسات صغيره حوله وبوسطه توسدت ألماسة خضراء تشبه لون عينيها.
رفعت خضرتيها ناحيته لترى بداخل مقلتيه حديث غريب وعجيب، ووعيد لشيء لم تفقه له، لكن هناك بأعماقهما أعاصير تموج بداخلهما أرسلت بأوصالها رجفة فأخفضتهما هربا من المشاعر الشتى التي سرت بداخلهما، وقشعريرة أصابت جسدها من لمسته الناعمة من ابهامه التي تدور بحلقات على ظاهر كفها أحستها كما النار الحارقة فسحبتها منهية هذه الرحلة من العذاب وتركها هو لتفلت منه على وعد بالمزيد، فالأمر لم ينتهي بعد فقد بدأ للتو.
رفع السلسلة من مكانها واتجه بها ناحية جيدها الذي برق الأصفر من عليه ولم يمنعه هذا من زيادة لمعانها لتغدوا كما النجمة المتلألأة في السماء العالية لتحسدها باقي النجمات.

ام حمدة 20-12-16 06:22 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مال ناحيتها ليكون رأسها قريبا من وجهه لتلفحها أنفاسه المثارة بهذا القرب الشديد لكليهما وأغلق السلسال والتي كانت جوهرتها بنفس شكل الخاتم لكن بحجم أكبر ليتدلى القلب بالقرب من صدرها البارز،
وهنا اكتفى من هذا العذاب ليفز من جلسته كمن لدغته عقرب راغبا بالبعد عنها فالمكان ليس مناسبا لفعل ما يريد القيام به، لكن عمته أمسكت به مانعة إياه من المغادرة .
- على وين يا حمدان؟؟
سعل يجلي حنجرته المتيبسة اثر المشاعر التي جاشت به وهمس بصوت خرج مبحوح رغما عنه:
- خلصت وبروح عند الرياييل.
- لا يا وليدي بعدك ما خلصت، باقي التصوير، يدتك طلبت تسوي لكم ألبوم.
ولم يستطع الرفض لأن عمته سحبته قاطعة اعتراضه الذي أظهرته ملامحه وأدخل لأحد الغرف وثوان هي حتى جاءت هي تتهدى بمشيتها البطيئة التي تؤخر اللقاء به على انفراد وهنا انفرجت أساريره لمرآها والخجل ما يزال يزين براءتها وطهارتها التي خدشها دون إرادة منه.
أغلق الباب عليهما وظلت هي واقفة بالقرب منه كأنها تخشى من سينقض عليها لو تقدمت للأمام وتركت الباب .
- مطولة الاخت عند الباب؟؟.. لا تخافين... أنا ما أعض!!.
وعض شفتيه عندما شاهدها وهي تقضم ثغرها الشهي وتحرك دون سابق انذار كأن لقدميه عقلها الخاص ناحيتها وفعل ما تمناه عندما شاهدها في المقام الأول.
رفع رأسها المنخفض والتفت ذراعيه حول ظهرها يدنيها منه وأخفض رأسه باتجاه هدفه آخذا بها بتلك القبلة الممهدة لرحلة ستسافر بها لأول مرة بحياتها.
عاد من رحلته على صوت وقع المياه في الحمام وأغمض جفنيه متخيلا شكلها.. هي تستحم والمياه تجري على جسدها الأبيض والناعم الملمس كما استشعره لأول مرة، فغدت أنفاسه كبركان هائج وهو يتذكر تلك اللحظات التي أشعلت الحمم بداخله وأخرجت كل تلك العواطف المكبوتة على مر السنين، وأخذته أحاسيسه لليلة دخلها وعاش نعيما لم يعشه طوال سنين حياته، فكأنه قد دخل لواحة غناء وأخذ يقطف من خيراتها التي صارت له وملك يمينه، وعاد يكمل البوم صور الأمس....
فبعد انتهائهم من معركة التصوير والتي لم يعتقد بأنها ستكون غاية بالحميمية فالوضعيات صارت مختلفة عما كانت عليه من قبل وغدت جريئة ومثيرة، وعذاب غدى كالحلو والمر، وهي صارت كما الفراولة الحمراء الناضجة الموشكة على موعد القطاف من شدة خجلها والمصورة تتابع عملها دون أن تأبه بما أحدثته من انفجارات بكليهما،
وبعدها خرج ونار صدره قد اشتعلت كأتون حارق ستحرق الأخضر واليابس لا محال.
مر الوقت بين سلام وتهنئة ثم رحل الجميع وقد أزف وقت اللقاء بينهما.
دخل جناحه المضاء وهناك على الطرف التقط طاولة الطعام قد رصت عليها أطباق اشتملت على ما لذ منها وما طاب، لكن ليس هذا نوع الطعام الذي يشتهيه الآن بل نوع آخر طاق إليه بعد أن اعتكفه لدهور.
خطوة خطوتان ووصل لغرفة نومه، بل صارت غرفة نومهما.
توقف بغتة وهو يتذكر شيء ما قد غاب عن باله، شيء مهم لم يدركه سوى الآن.
أغمض عينيه ومسح على وجهه واستغفر الله ودعا بقلبه بدعاء ثم أنفاسا طويلة وعميقة وتركها تخرج مع فتحه للباب ليرى مغيرة أحواله تسير جيئة وذهابا وملامحها نطقت بالفزع والخوف.
رقت ملامحه لحالها وابتسم وهو يشاهدها تفرك كفيها ببعضهما بقوة ويبدوا أنها تهمهم بشيء ما، فخمن بأنها ربما تسبه وتلعنه، فازدادت ابتسامته اتساعا وهو يخمن ما هي الكلمة التي تهذي بها.
ترتدي اسدال الصلاة أبيض اللون مغطيا جسدها بالكامل لا يظهر سوى وجهها الذي خلى من مساحيق التجميل لتغدوا طفلة صغيرة نقية توشك على دخول عالم الكبار.
ازدرد ريقه وسم بالرحمن ودخل دون أن تشعر بوجوده فما يعتملها من هلع طغى على صوت اغلاق الباب، فهدير قلبها أصم أذنيها عن باقي الأصوات.
تقدم منها عدة خطوات ووقف على مقربه منها وناداها بهمس:
- عنود...
توقفت فجأة عن الحركة ما أن سمعت صوته وارتجفت مفاصلها وقصف صدرها ببرقه ورعوده والخوف شل حركتها تماما وغدت كما التمثال.
خطوة كبيرة ناحيتها ما أن شاهد خلجاتها التي تخبره بأن خوفها من القادم كان أكبر من أن يحتمله صغر سنها.
أمسكها من عضدها وضمها لحضنه بهدوء وأخذ يهدهدها ويهمس لها بحنان :
- هششششش هدي ليش خايفه؟؟.. تراه مب أول مرة ننام مع بعض، يعني عادي ما اختلف الوضع أبدا.
سكت وكانت أفعاله أبلغ فقد اعتصرها لصدرها يطمئنها بأن الأمور بخير وكفه يتحرك بهدوء على ظهرها معطيا لها الأمان الذي تناشده.
- تنفسي.. تنفسي لتموتين علي وأبتلش أنا فيج، وتعالي عاد مين يفكني من أمي لو صار فيج شي؟؟.
ضحكت بخفوت لجملته وتخيلها ما كانت الجدة ستفعله به ورفعت ذراعيها دون ارادة تحيط بجذعه ممسكة إياه وأبعدت رأسها تطالعه وقد هدأت انفعالاتها قليلا وهمست:
- بصراحة.. خاطري أعرف شو بتسوي فيك؟؟.
رفع حاجبه وسايرها قائلا :
- يعني تبينها تضربني بالخيزران؟؟.
ضحكت أكثر وهي تتخيل الصورة.. الجدة وهي تضربه وهو يحاول الفكاك منها وقالت بابتسامة مشرقة وعينان تراقصت بالفرح:
- أما كان راح يكون موقف ولا بالخيال، حمدان الكتبي ينضرب!!... واااااو هذا راح يتسجل بكتاب التاريخ ويقولون حدث في مثل هذا اليوم.
أبعدها عنه وضيق عينيه باتجاهها وقال:
- أقول... شكل عقلج شطح لبعيد، روحي أحسن اتوضي وخلينا نصلي بسرعة، تراني ميت من اليوع، ما أكلت شي من الظهر.
لتعود لطبيعتها المرحة بسرعة ونسيت لما كان خوفها وأجابته:
- أنا متوضية خلاص، أصلا اتسبحت وغسلت ويهي من هذي الألوان .
وتحركت ناحية السجادة تفرشها على الأرض وهي تهمهم بصوت عالي ليبتسم لبراءتها:
- بصراحة ما عرف كيف يحطون المكياج طول الوقت على ويهم؟؟... لا وتعال، حطت لي رموش على عيوني والله حسيت فيها ثقيلة كأنها حاطة حصى مب رموش، بالقوة خليت عيوني تكون مفتوحة.
وتركها بعد أن انهت حديثها ودلف للحمام استحم وارتدى ملابس النوم ثم أقام الصلاة وهي خلفه وبعد انتهائهم من أداء الصلاة والدعاء لله بأن يجعل أيامهم كلها سعيدة ومليئة بالخيرات.
وبعدها سارا ناحية طاولة الطعام وهي ما تزال ترتدي اسدال الصلاة ولم يعلق عليها بل تركها تفعل ما تريد.
تناولا الطعام بهدوء وسط بعض التعليقات والأسئلة من ناحيته بمن حضر، وأخبرته هي بكمية الهدايا الثمينة التي حصلت عليها من أفراد العائلة وهكذا إلى أن انتهيا وذهبا لغسل أسنانهما وهنا عاد ادراكها ووعيها وخوفها من المجهول، فهي لا تعلم بما يجري بهذه الليلة وغامت عيناها بحزن وألم من عدم حصولها على عائلة كما باقي الفتيات، وكم تمنت لو أن والدتها على قيد الحياة لتخبرها بما يحصل بهذا اليوم، وعندما همت بسؤال أحدهم خشيت أن يدخلوا بمساءلات لا حصر لها وينكشف المستور .
ظلت بالحمام لفترة من الوقت إلى أن ملت ثم خرجت وهي تدعوا الله بسرها أن يرأف بحالها.
أخرجت رأسها وتلفتت تبحث عنه لتشاهده ينام بجانبه من السرير كما العادة والإنارة خافتة كما يحب أن تكون، كل شيء هادئ وطبيعي ولا يدعوا للرهبة كما كانت تتوهم.
ناظرت إسدالها ثم ظهره وعادت لقضم شفتيها وهي تتذكر ما أعطته لها عمته لترتديه، جحضت عيناها لما شاهدته ثم أسرعت بإخفاء صدمتها فهم يتوقعون من أنها معتادة لهذه الأمور ولا يعلمون بطبيعة الحال بينهما.
ظلت تنظر لظهره ثم لاسدالها الذي ترغب بخلعه للنوم إلى أن التفت وسألها:
- مطولة الاخت بالنوم؟؟.. يلا خلصيني، تعبان واقف من الصبح على ريولي وودي أنام، يلا افصخي ونامي علشان نقوم الصبح، أمي مسوية ريوق ملكي علشانج يالبرنسيسة.
وعاد لوضعه نائما على جنبه معطيا إياها ظهره لتشعر بالغيض يسري بأوردتها وردت عليه ناقمة :
- انزين نام حد مسكك يعني؟؟.
خلعت اسدال الصلاة بقوة ورمته على الكرسي ونسيت ما ترتديه ورفعت الغطاء لتندس تحته وهي تهمهم :
- طبعا تبي تنام مب الشواب ينامون بسرعة مثل الدياي.
ليبتسم بانتصار فقد وصل لغايته فالتفت ناحيتها بغتة ممسكا إياها بقبضة من حديد لتنده منها صرخة فزع:
- جنيت انت ولا شو؟؟
ليجيبها مدشدقا بابتسامة لم ترى بمثلها مثيل:
- شكلج اشتقتي للعقاب؟؟.
قطبت حاجبيها وكفيها حطا على كتفه ووجهه قريب منها لدرجة أن كل منهما يتنفس أنفاس الآخر وكل منهما يستطيع رؤية انعكاس صورته وسألته:
- عن أي عقاب تتكلم؟؟.. أنا ما سويت شي!!.
جرت عيناه على ملامحها بنهم ثم توقفت عند ثغرها وهمس بالقرب منها:
- شايب... أنا شايب؟؟... براويج ألحين شو يقدر يسوي هذا الشايب.
وقبلها كما لم يقبلها من قبل، وضاعا معا بتلك القبلة التي سرقت أنفاسهما، وغاصت أرواحهما بنغمة الحياة التي ولدوا من أجلها.
ضاعوا وحلقا بالسماء العالية وبين نجومها ليستحي القمر من اتحادهما فأسدل ستاره مخفيا إياهما عن العيون المترصدة والباحثة عن كل حبيبين طاقا ليكونا كيانا واحدا .
عاد لواقعه وقد غدت أنفاسه قوية وصوتها يصدح بالغرفة وهو يتذكر كم كانت شهية، نضرة، بريئة لحد الهلاك، لقد استطعم كل شبر منها، وتذوق كل انش من جسدها، وسافر في محراب طهارتها بنشوة لم يسبق أن خاضها من قبل، وكم كانت سعادته بالغة لرجولته بأن يكون الأول بحياتها، وهو شاكر لها لهذه الهدية القيمة التي أهدتها له، ولم ينسى أيضا بكائها لشرف قد انسكب حلالا مخضبا على بياض فراشهما الزوجية.
قطع الماء دليل انتهائها من الاستحمام وهو قد انتهى تماما ونضج تحت نيران الخيالات والصور التي أجاشت بعقله فرغبته فيها لم تنضب بعد، وروحه الطائقة للتيه فيها لم تشبع بعد، فكيف لمن صار ناسكا وقد وقعت بحضنه ثمرة ناضجة ويانعة وقد حان وقت قطافها قد تذوق منها اليسر اليسير أن يعود ويعتكف في كهفه؟؟.
تأخرت وهو قد اشتعل بطوفان عواطفه وانتظر بفارغ الصبر خروجها، فحاول أن يتحكم بما يجول ويصول بداخله فهو لا يريد أن يخيفها فبالأمس كان قد غافلها وأخذها بتلك الرحلة التي بالخيال أما الآن فعليه التروي فيبدوا بأنها لا تملك أي معلومات ولو يسيرة عما يحدث بين الزوجين .
فتح الباب وعاد يمثل النوم ليعطيها الأمان وخرجت خلسة تلتحف بمنشفة كبيرة مغطية جزء من جسدها الأبيض الذي اكتشفه بطول صبر بالأمس.
سارت بخطى خفيفة كما اللص الذي يخشى أن يقبض عليه متلبسا بالجرم المشهود ونسيت أن الصياد لا يغفل أبدا عن فريسته، فقد كان يراقبها ما أن خرجت من ملاذها وما كادت أن تنجح بمسعاها حتى هتف بها بصوته المبحوح اثر نعاسه ومشاعره التي اجتاحت روحه وكيانه بآن واحد:
- صباح الخير
تجمدت قدماها بالأرض كأنما جذورا قد نمت وغرست نفسها بعمق، وكفها اعتصر المنشفة بقوة خوفا من سقوطها وظهور عريها الذي اكتسحه بالأمس بغفلة منها ويا له من اجتياح طغى على كامل عقلها وقلبها.
لم ترد العودة لتلك اللحظات، فيكفي ما حل بها وهي تغتسل وأصابعها تسير على جسدها وهي تعلم بأن رجلا خطى هنا ووصمها ببصمته وكانت له الأولى.
رفعت رأسها لرذاذ الماء والأحاسيس تعود وتتلاطم بها وهي تشعر بذراعيه تحتضنانها بقوة، لكن بلين، وشفتيه آه من شفتيه التي جعلتها تغرق ببحر النشوة والاثارة، وتساءلت... هل كل تلك العواطف تسببها شفتين؟؟.. صحيح من قال بأنها قبلة الحياة!!.
أغلقت الماء كما أغلقت منبع الحرارة التي توهج بها جسدها مما حصل بينهما وخرجت لتتذكر بأنها لم تجلب ملابسها معها ونعتت نفسها بالغباء، فما كان منها سوى أن تدعو الله أن يكون ما يزال نائما لترتدي ملابسها بسرعة قبل أن يستيقظ ويراها، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

ام حمدة 20-12-16 06:24 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
ذراعيه تحيطانها من الخلف، وأنفاسه لفحتها على جانب وجهها، وصوته تغلغل لداخلها آخذا إياها للبعيد فتراخت ساقيها ليمسكها بشدة بالقرب من صدره وهو يهمس:
- صباحية مباركة يا عروس
وأهداها قبلة متعطشة وراغبة بالمزيد من هذه الحلوى الشهية.
لم تنبس بأي شفه ليعود ويحادثها:
- ما راح تقوليلي صباحية مباركة يا عريس؟؟.
وأخذ يستنشق عبق رائحتها العطر اثر استحمامها فشعرها فاحت منه رائحة الفواكه وجسدها رائحة الياسمين فما أجملها من عطور فواحة تسرق الألباب.
مرغ أنفه وشفتيها على جيدها وكتفيها العاريين، وفي كل مرة يطبع قبلة وذراعيه تتحركان فوق المنشفة وهي قد أخرست تماما عن الكلام فأي حديث سيقال في وقت يعلوا بها صوت القلوب وتتلاحم بها الأجساد فما كان منها سوى أن سلمت أمرها له تقودها أحاسيسها وقلبها ينبض بكل قوته صارخا بها بأنه قد عاد للحياة.
فحلقي يا غيوم، وغردي يا طيور، وهبي يا نسمات الربيع، فالوقت وقت السعادة، والتمرغ ببحر المشاعر الجياشة، فإلمعي يا نجوم، وأنير يا بدر البدور فقد همست القلوب، وتناجت الأرواح بتلاحم قد خلق عليه آدم وحواء منذ الأزل.
عاد بها بعد رحلة من الارتواء من العطش والظمأ دام لديه السنين وتنفس الهواء بمزيج من الاكتفاء وليس لحد الشبع، لكن عليه التروي فمازالت عذراء، غضة العود، لم تعتد هذه الممارسات بعد .
أحاطها بذراعه بالقرب من قلبه الهادر وطبع قبلة وهمس بصوت شجي:
- انت بخير؟؟
لا رد سوى رأس اندس بصدره تكاد تغرس نفسها بداخله من شدة الخجل، وضحك لاستحيائها وتنهد براحة وعاد يطبع قبلة أخرى على قمة رأسها وعاد يحتويها وتقبلت هي هذا بصدر رحب، وهمس يحدثها بعد أن انتهت زوابعه:
- يا عنود، يلي يصير بينا هذا شي طبيعي ويصير بين كل اثنين متزوجين.
سكت قليلا ثم تابع:
- ألحين وبعد ما تغيرت العلاقة بينا وصار كل شي مختلف لازم تسمعين كلامي زين، ألحين انت غديتي زوجتي وأم عيالي فما أوصيج بعيالي يا عنود، وأهلي لازم تكرمينهم وتحترمينهم، واحترامهم من احترامي أنا، وآخر شي تسمعين كلامي زين وتودرين عنج شغل العناد، ولو اني عارف إنج ما راح تتركينه، صدق يوم قالوا اسم على مسمى.
قهقهت على آخر جملة.
- تضحكين ها؟؟... تراج عارفة نفسج إنج مستحيل تودرين عنادج.
لتجيبه بصوت مكتوم، وبأوتار دغدغت أحاسيسه من نعومته:
- ترى العناد جزء من شخصيتي، وهو يلي محليني.
- يا ويلي على الغرور.
- صدقني... ما ني أكثر منك مغرورة.
- أقول.. جنا بدينا حط في بعض؟؟.. ترى العقاب زاد وكبر، وأنا تراني جاهز ومستعد لأي زلة.
شهقت من جرأته وقرصته في بطنه قائلة:
- قليل الأدب.
ليجيبها وهو يسحبها ناحيته أكثر رافعا رأسها ناحيته.
- ترى الاعتداء الجسدي له عقاب مختلف ومضاعف، لازم تنتبهين زين.
فصرخت به:
- حمدان.... .
ثم اندست بتجويف رقبته متنهدة براحة وهناء قد زارها أخيرا.
مر بعض الوقت وما زالا على وضعيتيهما إلى أن قطع حمدان صمتهما سائلا إياها وهو يتلاعب بخصلات شعرها:
- شو بخاطرج يا عنود؟؟
- شو تقصد؟؟
- يعني وين ودج تسافرين شهر العسل؟؟.
صمتت غير قادرة على الكلام والصدمة قد ألجمتها تماما، هل ما يحدث لها هي مجرد أحلام وستستيقظ منها؟؟.. أم أنه واقعها وحقيقة أنها تعيش تلك اللحظات الجميلة؟؟
ابتعدت عنه وناظرته بضياع وهمست:
- انت تتكلم جد؟؟.. يعني أنا راح أسافر بأي مكان أختاره؟؟
هز رأسه وهو يرى الحيرة وعدم التصديق بمقلتيها ورحم حالها وأجابها وأصابعه تسرح وتمرح بخصلاتها الطويلة وأحيانا على صفحة وجهها:
- بأي مكان تبين تسافرين له أنا حاضر.
ظلت تحدق به والذهول مرسوم على محياها تحاول أن تستشفي الكذب من عينيه، لكن كل ما صادفها هي الحقيقة المجردة، فهي ستعيش كما الفتيات الباقيات، وتعيش احدى أحلامها، فقالت بعد صمت دام لدقائق:
- يعني لو قلتلك أبي أروح العمرة توديني؟؟.
حدجها بعيونه العسلية والبراءة تقطر من خضرتيها وسأل نفسه:
- هل ما زال بحاضرنا من يمتلك البراءة، وعاش بعيدا عن زيف الحياة ومكرها؟؟
طالعها لتجيبه ملامحها المتسائلة والخائبة قليلا لعدم رده لها بسرعة فقال بعد فترة:
- تم يا عنود، راح نروح العمرة.
شهقت وجحضت عيونها من محجريها وكلماته ترن بأذنها، هو سيأخذها للعمرة لرؤية بيت الله الذي تمنت ودعت كثيرا للذهاب لهذا المكان المقدس وها هو حلمها يتحقق بفضل هذا الرجل.... زوجها.
ترقرقت الدموع من عينيها وما لبثت أن تحولت لأنهار متدفقه، ورمت بنفسها عليه بعناق قوي أودت به شكرها وامتنانها على هذه الهدية القيمة التي سيقدمها لها.
تقبل عناقها بفرح، وطوقها بعناق أشد منه وهتف لنفسه:
- أي بساطة تمتلكها هذه الصغيرة؟؟... فهي ما تنفك تفاجأه دائما.
فقال يبدد هذه اللحظة بمشاكسته:
- لاحظي تراه هذا أول حضن منج بدون لا أن يلي أحظنج.
- حمدان...
همست اسمه بدلال وببحة صوتها ليتأوه بصوت عالي.
- يكفي يا بنت الحلال، شكلج ناوية على نفسج بعقاب ثاني.
تراجعت للخلف هاربة وهي تتساءل:
- وشو سويت ألحين علشان تعاقبني؟؟
ناظرها بعيونه المشبوبة بأحاسيس عادت تطفق تعلن عن نفسها وهمس:
- هذا العقاب من مزاجي.
ولم يكد يعتدل ناحيتها حتى كانت الأسرع بالهرب مبتعدة عنه وهي تقهقه بصوت عالي ومن حسن حظها كان شرشف السرير ملقيا على الأرض التقطته ولفته حولها بسرعة قياسية وأطلقت العنان لساقيها ناحية الحمام وهي تصرخ:
- حاول مرة أخرى يا شايب، مب كل مرة تسلم الجرة.
وأغلقت الباب خلفها عندما شاهدته ينهض عاريا تماما كما ولد لتهدر به قبل أن تغلق الباب:
- حمدان يا الشايب يا قليل الأدب والله لأقول ليدوه.
ليصلها رده على شكل نغمات عالية التي تردد صداها بأرجاء المكان.
اغتسلا وصلى صلاة الفجر ومن ثم خرجا معا بعد أن تأنقت وارتدت جلابية فخمة وتزينت بالكحل العربي ولونت ثغرها بقلوس وردي اللون غطى على انتفاخهما واكتفت بهذا القدر فهي لا تحتاج لتغطي على جمالها الطبيعي وخرجت تتأبط ذراعه التي قدمها لها برحابة صدر وسارا معا للأسفل لغرفة الطعام الذي يدل الضجيج الصادر منها على وجود الحياة تدب بداخلها.
وما أن دخلا حتى هتف الجميع ونهضوا يستقبلون العرسين بالتهنئة والاحتضان وابداء رأيهم لمدى الاختلاف الكبير بحمدان برؤيته قد عاد شابا خالي البال والفرح فقط هو من يتوسد روحه.
- مبروك يا عريس منك المال ومنها العيال.
- الله يبارك فيك يا عمي .
والتفت ناحية عنود ليهتف:
- مبروك يا بنتي يا عنود
لتجيبه بهمس خفيض:
- الله يبارك فيك يا عمي.
- مبروك يا وليدي عساك دوم متهني وفرحان، ويعم بيتك الخير.
طبع قبلة على رأس جدته وأجابها:
- مشكورة يا الغالية، والله يخليج لا تنسينا من دعواتج.
واستقبل باقي التهاني وهي فعلت بالمثل باختلاف أن الخجل قد لون ملامحها بالكامل من أنهم يعلمون ما حدث بينهما ليلة الأمس، وكم رغبت بالاختفاء أو أن الأرض تنشق وتبلعها.
جلس الجميع على طاولة الطعام حنان وعبدالله يجلسان بالقرب من والدهم وعنود والسعادة تملأ وجوههم الصغيرة ليتحدث منصور أحد أبناء عمومته قائلا بشقاوة :
- والله يا حمدان يلي يجوفك ألحين يقول إنك معرس عن جد، وأمس بس كانت ليلة دخلتك.
ليجيبه وابتسامة ماكرة انزوت بجانب شفتيه وعيناه تناظر تلك التي تحاول الاختفاء عن الأنظار من شدة استحيائها:
- ليش شاكك بالموضوع؟؟... ترى أمس كانت ليلة دخلتي .
ليرد عليه ابن عمه مستنكرا:
- أي ليلة دخلة وأي خرابيط يا خوي؟؟.. تراك متزوج صارلك تقريبا شهر.
تلقف حمدان فنجان قهوته وهو يرد عليه بلا مبالاه:
- براحتك تصدق ولا متصدق هذا شي راجعلك.
ثم ارتشف قهوته واستطرد مكملا حديثه:
- يا الغالية ترانا نوينا نروح العمرة أنا والعنود، إذا حابة تروحي معانا خبريني علشان الحجز .
- ما شاء الله على خيرة الله يا وليدي، زين ما اخترت، بلاها بلاد الغرب والكفار مب من حلاتها.
ضحك الجميع على أقوال الجدة فعاد حمدان سؤاله:
- يعني أحجزلج معانا؟؟
- لا يا وليدي تروح وترجع بالسلامة أنا ما أقدر أروح عندي موعد عند الدختور مال العظام وما أقدر أخليه يروح عني ترى ركبتي تعورني وأبيه يجوفها وشفيها.
- على راحتج يا الغالية .
والتفت لعمه أيضا قائلا:
- ها.. وأنت يا عمي شو رايك تروح انت وعمتي العمرة معانا؟؟
- لا يا يوبه تروحون وترجعون بالسلامة، ما أقدر أترك الشغل وانت مب موجود، وإن شاء الله مرة ثانية نروح كلنا.
- تمام.....
ليقاطعه أحد أولاد عمه مستنكرا:
- لا... لا ما هقيتها منك يا ولد العم!!... ترانا موجودين، قاعد تعزم الكل واحنا ما لنا رب ولا شو؟؟
- أقول مع نفسك، أنا رايح شهر العسل آخذك انت معاي ليش؟؟.
ونهض من مكانه بعد أن أجرى مكالمة هاتفية لأحد موظفيه وما هي إلا دقائق حتى عاد وجلس يتسامر مع الجميع، ومرت ساعة ليرده الاتصال يخبره بأن الحجز قد تم وأن عليهم الاستعداد فطائرتهم ستقلع عصرا،
انتفضت عنود غير مصدقة ما يحدث، هي ستسافر لتؤدي شعائر الله وستشاهد الكعبة وستصلي بالحرم .
جهزت حقيبتها وحقيبة حمدان وعندما حان الوقت ودعا الجميع ومن بينهم عبدالله وحنان اللذان ناظراهما بحزن لمغادرتهما دونهما فما كان من والدهما سوى أن وعدهما بسفرة أخرى تضمهم جميعا، وطارت الطائرة محلقة بهما فوق السماء العالية، وحلق قلبها منادي للتعبد بمحراب الملك القدوس وهناك دعت لشقيقها بجنات الخلد، ودعت لنفسها بأن لا ينساها الله وأن يحميها من كل شر ويديم عليها من خيراته.
بقيا هناك لمدة اسبوع واحد وبعدها توالت المفاجأة الثانية بأنه قد جهز لها تذكرة سفر لإيطاليا أرض العشق والجمال والفن الأصيل.
فما أجملها من دنيا عندما تفتح لك جميع أبوابها وتغدقك بخيراتها وتحقق لك أمانيك وأحلامك.

ام حمدة 20-12-16 06:27 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل السابع عشر........

أشرقت شمس الأمل بعد ظلام اليأس.
وابتسمت الدنيا لتنير دروب حياتي.
إضحك ولا تحزن، فإن مع العسر يسرى.
فاليوم عليك، وغدا لك، فدوام الحال من المحال.
عش يومك كأن لا غد لك، فطعم الفرح ينسيك مآسيك.
وَدِع دموع الألم واستقبل البهجة لتتلألأ بسمائها.
تتراقص الفرحة بداخلي وتتفجر السعادة بقلبي.
تحققت أحلامي بفجر يشع ضياء، ونورا يتوسد طريقي.
فالأمس مضى، والمستقبل أتى، وسعادتي بين يدي.

تسير بخطوات رشيقة وجذعها يتمايل بأنوثة وكعبها يرن صداه كالسنفونية بعزفها الرقيق، يتأرجح سواد ليلها على ظهرها يمنه ويسرة اثر مشيتها، وعيونها مصوبة لهدفها وابتسامة تنير شفتيها، فما أجملها من سعادة تتدفق كما ينبوع الماء العذب الذي يروي الضمآن.
فتحت الباب على مهل وبهدوء وحطت مقلتيها للنائم على السرير على جنبه الأيمن وكفه الأيمن تحت رأسه والآخر ينام بأريحية على صدره
العاري.
ابتسمت بخجل وهي تتأمل صدره العريض والواسع كوسع المحيط، وتراقصت عيناها بنغمة السرور، وتقدمت ناحية من شرع لها أبواب الفرح وأدخلها لعالم آخر لم تزره من قبل، واحتضنها بين أضلاعه بكل حنان، وضمها لأسرة تحبها وترعاها وجعلها تتذوق طعم العيش في كنف العائلة.
اقتربت من السرير من جهتها لتصل إليه فبعد أن صار زواجهما حقيقيا غير مكانه ليتخذ الجانب الآخر من السرير، فكما قال.. يريدها أن تكون دائما أمامه.
جلست بالقرب منه وعيناها عانقتا ملامح وجهه وأخذت أصابعها تعبث بشعره الكثيف بخجل، فمازالت بطريق التعلم بكيف تكون زوجة .
انحنت فوقه تتنفس رائحته التي أدمنتها، وأسدلت رموشها منتشيه بقربها منه هكذا دون أن يفسد أحدهم متعتها، وتراقص قلبها بغبطة وجودها معه تتنعم بحنانه ولمساته الساحرة لمشاعرها الفتية، ولا تنسى رقته في التعامل معها.
ظلت تراقبه دون ملل إلى أن شعرت بأن الوقت يسرق من بين أصابعها فما كان منها سوى أن قطعت فترة تأملها وهمست باسمه بنعومة ودلال لم تعرف بأنها تمتلكها أبدا، فقط هو من يستمتع ويضيع بهمسها ومناجاتها له فيصمت راغبا بالمزيد من أوتارها الشجية .
- حمدان... قوم لا تتأخر على دوامك!!.
همهمة خرجت منه وتحرك ناحية الرائحة التي عبقت بأنفه كما زهرة دوار الشمس عندما تدور باحثة عن نور يقودها للحياة وها هو قد وجده عند هذه الصغيرة التي غيرت كل أيامه ولياليه، وعبثت بعقله وبفكره وجعلته شخص آخر لم يعد يعرف من هو؟؟.. لكن ما يهم هو أنه بدأ يستطعم لذة السعادة التي دخلت لحياته.
مرغ وجهه بحضنها والتفت ذراعيه حول جذعها وشدها ناحيته لتعترض بضعف وكفها يحط برحاله على ظهره:
- حمدان.. قوم بتتأخر عن الدوام!!.
لا رد بل استجاب لها بطريقة أخرى أجاد استخدامها دائما... فأصابعه بدأت تلعب لعبتها المفضلة بإرسال تلك الأحاسيس لجميع خلاياها منبه إياهم بأن القادم شيء مثير، وشفتيه وأسنانه تلعب دورا آخر بإعاثة الفساد بجسدها الذي لا ينفك يرتاح من هجومه السابق ليباغتها باجتياح آخر، وهي دائما ترحب بهذه المعارك برفع رايتها البيضاء معلنة استسلامها.
قضمات وقُبل خفيفة انتشرت على فخذها وبطنها، وكفه ما تزال تجول وتصول على ظهرها العاري إثر فكه لزمام جلابيتها، فهمست بضياع ومشاعرها تودي بها كما العادة لدوامة النشوة:
- حمدان... الله يهديك، هذا مب وقته!!.
حاولت عبثا ردعه عن أفعاله التي لا تستطيع الصمود أمامها طويلا. أمسكت بكفه باعتراض واهي عندما سحب قبة جلابيتها محاولا خلعها عنها وعادت لهمسها المشحون بالإثارة:
- حمدان... اليهال تحت يتريوني و.......
صرخت بفزع عندما تحرك جسده فجأة مباغتا إياها بحركة سريعة فوقها ويسجن جسدها تحته قائلا بصوت غليظ:
- اليهال مب صغار علشان تأكلينهم الريوق، وثاني شي باقي وايد على دوامي في وقت ل....
وانحنى يطبع قبلات متفرقة على أنحاء وجهها ويده تكمل ما بدأته بإبعاد ما يعترض طريقها ناحية بشرتها الحليبية المشبعة بحمرة طبيعية.
همست بتيه ومازالت هناك مقاومة، لكنها على وشك السقوط، فالعدو أقوى بكثير من أن تقف أمامه:
- بس يا حمدان ما يصير جذا!!.. أمك وعمتك تحت يتريوني بعد، شو بيقولون عني ألحين لما أتأخر؟؟... يعني رايحة أوعيك من النوم وأتأخر!!.
لم يعر اعتراضها أي اهتمام وأحبط مقاومتها الضعيفة بشبك أصابعه بأصابعها، وناظرها بعمق لتغوص في بحر عسله الأصفر وهمس لها بصوته الأجش ساحبا إياها لعالم الضياع والمشاعر العنيفة التي طفقت تعلن عن نفسها بضرباتها العنيفة بين أضلاعها، وأنفاسا اشتعلت حرارة، وبشرة تشربت بحمرة الإثارة :
- انسي الكل وخليج معاي أنا بس.. بس أنا يا عنود.. بس أنا.
وهزت رأسها موافقة ليسرقها بقبلته لدنيا الكبار، ونشوة المشاعر التي تختبرها لأول مرة بكل حالاتها.
سافر بها وتاه هو بها ولا مجال للعودة لأرض الواقع سوى بعد أن يحلقا بالسماء العالية .
**********************************
وفي غرفة الطعام بعيدا عن الشحنات المتوهجة والمتحدة ككيان واحد، جلست الجدة على الطاولة وبجانبها خديجة زوجة ابنها سالم وأمامها عبدالله وحنان .
- كلوا يا ماما بتتأخرون عن المدرسة!!.
لتجيبها حنان بتذمر وهي تناظر الباب بين الحينة والفينة:
- بس ماما عنود ما يت بعدها، هي قالت بتاكل معانا بس اتأخرت وايد.
قهقهت العمة بصوت خفيض، وقالت بمكر لم يفهمه الصغار فقط الجدة من فهمت جملتها:
- عنود ألحين تتريق مع أبوكم وبتتأخر شوي.
عبست حنان وسألت عمتها:
- يعني هي بس بتاكل مع أبوي واحنا لا؟؟
حدجت الجدة العمة بلوم وأجابت حفيدتها:
- لا حبيبتي هي بتتريق معاكم، بس أبوكم ما يصحى بسرعة من النوم علشان جذا هي اتأخرت.
سكتت الصغيرة عن مساءلاتها وبدأت بتناول الطعام بعد أن أمرها شقيقها بذلك والتفتت الجدة ناحية العمة سائلة إياها:
- حسن أوليدي ما قال متى بيرجع من السفر؟؟
- بلى يا الغالية قال بيرجع بعد ثلاثة أيام .
- يرجع بالسلامة إن شاء الله.
- إن شاء الله.
وخمدت ابتسامة العمة وتجمدت عيناها على صحنها تناظره دون أن تراه وأخذت تعبث بما فيه وألم يجتاح صدرها بغرابة ويقبض على قلبها ويعتصره كأنه يبغي ازهاق روحها، لا تعرف ما بها وما يصيبها من ضيق!!... فمنذ سفر زوجها وهي تشعر بهذه الأحاسيس الغريبة وتساءلت بدهشة.. لم تكن هذه سفرته الأولى، لطالما كان يسافر من أجل العمل عندما يكون حمدان مشغولا، إذا ما هي مشكلتها؟؟...
فتذكرت لحظاته معه قبل أن يسافر، كان غريبا بعض الشيء ولم يكن على طبيعته المعتادة.......
- بتتأخر وايد يا الغالي بالسفر؟؟
لم يصلها أي جواب والتفتت تنظر إليه لتراه يقف عند النافذة بشرود، تركت تجهيز حقيبته وتحركت باتجاهه بقلق، وحطت بكفها على كتفه باستغراب، وسألته باهتمام:
- وشفيك يا بو سالم؟؟.. عسى ما شر؟؟
حرك رأسه ناحيتها وتطلع إليها كأنه يراها للمرة الأولى، فانقبض صدرها لمرآه هكذا وسألته بخوف:
- حمد حبيبي انت بخير؟؟.. فيك شي؟؟.. يعورك شي؟؟.. رد علي؟؟.
وكأنه استيقظ للتو ليشيح برأسه بعيدا ويخفض عينيه ومن ثم تحرك باتجاه الدولاب يفتش عن شيء ما وهو يجيبها:
- ما فيني شي يا أم سالم، بس كنت أفكر بالشغل وما سمعتج.
أخرج علبة كبيرة من المخمل وناداها لتقترب منه وفتح العلبة ليلمع بريق الألماس خاطفا الأبصار من شدة لمعانه، كان طقم فخم مكون من سلسال وخاتم واسواره ذا أحجار كريمة كبيرة جدا.
- حبيبي ما كان له داعي، يلي عندي يكفي ويزيد.
- الغالي للغالي يا الغالية، وانت تستاهلين كل خير .
أغلقت العلبة ووضعتها على السرير القريب منها ومن ثم دست جسدها محتضنة إياه بعناق قوي هامسة بكل الحب:
- ما في أغلى منك حبيبي ويكفي وجودك معاي
احتضنها هو أيضا بسرعة ومن ثم أبعدها يخبرها بضرورة اسراعه للذهاب للمطار ليلحق بطائرته، ودع الجميع ومن ثم سافر.
عادت من ذكرياتها على قبلة على رأسها لتتطلع لحمدان المبتسم لها.
- صباح الخير يا وليدي.
ليناكدها:
- يلي شاغل بالج يتهنابه.
ضحكت بخجل وعدلت من شيلتها وتابع حديثه باعتذار:
- ماعليه يا الغالية سامحيني، كان المفروض أنا يلي أسافر بداله، لكن....
قطع حديثه غير قادر لإخبارها بأنه مشغول بزوجته الصغيرة.
- ولا يهمك، يا ما سافرت انت وشلت الشغل كله على راسك لازم ترتاح شوي، وثاني شي توك معرس ولاحق للشغل وعوار الراس.
قاطعهما عتاب حنان الموجه لعنود:
- ليش تأخرتي؟؟.. انت ما قلتي انج بتاكلين معانا؟؟
انتفضت بخجل، وارتبكت.
- ها.... أنا... أنا...
تطلعت إليه من تحت جفنيها بنار خضراء كان هو سبب اشتعالها لوقوعها بهذا المأزق العويص، وحاولت الافلات من السؤال، لكن أين المفر؟؟.. فرك لحيته ثم قال لينقذها:
- حبيبتي حنو، هي اتأخرت لأني ضيعت شي وهي قعدت ادور عليه.
حركت رأسها بعدم الموافقة وعاتبت والدها هذه المرة:
- بابا.. انت ليش ما تحافظ على أغراضك واتحطها في مكانها؟؟.. يعني تقول لنا نحافظ على أغراضنا وانت لا؟؟.
بهت وتفاجأ، فلم يتوقع أن تهاجمه صغيرته:
- ها....
ضحكت عنود لوقوعه بالمأزق، وحركت شفتيها الممتلئتين باتجاهه دون صوت مشكلة جملة فهمها:
- دواك... تستاهل .
تناولوا الافطار وسط المرح ومن ثم انطلق الجميع إلى أعمالهم.. حمدان إلى عمله العسكري، والأطفال إلى مدارسهم، والجدة والعمة إلى زيارة احدى الأقارب، وبقيت هي.
نظفت جناحها، وغسلت ملابسها وملابس زوجها والأطفال، وبعدها قامت بكيهم بعد جفافها، وأعدت بعض الحلويات، وعندما انتهت من أعمالها خرجت قاصدة زوجة سالم لتجلس معها وتسامرها، لكن الأخرى كانت مشغولة وتستعد للخروج لزيارة منزل عائلتها، ساعدتها بإلباس الأطفال ملابسهم وأيضا بتجهيز حقيبة ملابس صغيرة احتياطي للأطفال وانطلقت خارجة بعد أن ودعتها.
تحركت في المنزل إلى أن شعرت بالملل والضيق فخرجت للحديقة وجلست على احدى الطاولات تفكر بشيء مهم أرادته من قبل بشدة وبسبب ظروفها لم تستطع القيام به، لكن الآن حياتها قد تغيرت وبإمكانها أن تفعل ما تريد دون قيود أو صدود، فطفت صورته بخيالها وابتسمت وهي تتذكر حديثه وهو يحثها على أن لا تنسى بأن تكمل تعليمها فالشهادة مهمه جدا ودونها الشخص لا يساوي شيء، فبها قوته، وبها يستطيع النجاح والعلو بمكانته.
انتعش صدرها بالعزيمة، واصرار نطقت بها عيناها، ستكمل دراستها ولن تذود عن حلمها بتحقيق ما كانت تصبوا عليه بأن تغدوا طبيبة ناجحة تساعد المرضى بالشفاء، فهذا كان حلمها، والسعادة التي تعيشها الآن تعترف بأن الأحلام ليس من الصعب تحقيقها، عليها فقط أن تتشجع وتضع الهدف نصب عينيها وسيتحقق بإرادة الله سبحانه وتعالى.
قفزت بمكانها بفرح ودارت حول نفسها وصفقت، ستنتظر عودة حمدان وبعدها......
تكسرت ابتسامتها وتساءلت بصوت مسموع:
- يعني بيوافق إني أكمل دراستي؟؟
وعادت للجلوس بإحباط وحادثت نفسها:
- تهقين إنه يرفض؟؟.
- لا.. لا ما أظن يرفض.

ام حمدة 20-12-16 06:29 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
- يا الغبية وليش ما تتوقعين؟؟.. انتوا توكم متزوجين من ثلاث أسابيع بس وما مداه يوافق على كل طلباتج ويقول شبيك لبيك.
تهدل كتفيها ووضعت قبضة كفها على خدها بهم وما لبثت أن نفضته رافضة الاستسلام:
- لا... ما راح يرفض، هو بالعكس يشجع على الدراسة.
رفعت كفيها للأعلى ودعت من كل قلبها أن يوافق على ما تريد، وأن يلين رأس زوجها ليوافق على دراستها، وانطلقت للداخل والبهجة لا تسعها.
***********************************
وفي احد البنايات الضخمة جلس بهيبته ووقاره خلف مكتبه يقوم بعمله بحرص واتقان ودقة، فمهمتهم هي بث الأمان بدولتهم وحمايتها من كل عدو ينوي الفتك بها.
أمامه شاشة الحاسوب مفتوحة على أحد الملفات وكوب العصير بجانبه والكثير من الأوراق تملأ المكتب، لكن عيناه لا ترى كل هذا بل ترى صورتها البهية، وعينيها العشبيتين تنظر إليه بدلال، وشفتيها الممتلئتين تتحركان بهمس باسمه.
أغمض عينيه بقوة ثم فتحهما لتختفي صورتها بعد أن أهدته احدى نظراتها القاتلة.
تراجع للخلف متكئ على الكرسي وخرجت من أعماقه تنهيدة عميقة مشبعة بكل المشاعر والعواطف التي يختزنها صدره وحادث نفسه بصمت وتساؤل:
- تغيرت يا حمدان وما عدت مثل الأول!!.
ناظر السقف وعاد يكمل:
- كل شي تغير وما عاد مثل قبل، من يوم التقيتها وحياتك صارت مثل الدوامة تسحبك صوبها.
توسع ثغره بابتسامة وصورتها تعود لتتجسد أمامه بهيئتها الصغيرة والمشاكسة، وبعنادها الذي صار محببا له بسبب ما يوقعه عليها من عقاب، وياله من عقاب.
فتوسع خياله وصار يشعر بها كأنها معه... جسدها حار وساخن، وبشرتها ناعمة تحت أصابعه، ومفاتنها تلهبه وتحرق رجولته.
أَنَ بألم وجسده ينتفض لما تجسد أمامه، طرقات على الباب أوقظته من حلم اليقظة، ومنقذا إياه من خيالاته الجامحة وأعاده إياه لعالم الواقع، وكم كان ممتنا له.
دخل صديقه وهو يحيه بالسلام وبعدها بدأ بمشاكسته:
- أجوفك مليت من ألحين وصرت تشتاق للبيت!!.. الله يرحم زمان أول، ما في غير الشغل وبس.
قهقه حمدان بمتعة وأجابه:
- بدينا بالحسد والغيرة؟؟.. طيب حد ماسكنك روح تزوج.
جلس رفيقه سعيد وهو يجيبه:
- الله يخليك، تجربة وحدة تكفيني، وهذي ها، تاخذ نص الراتب نفقة للأولاد.
- الله يعينك يا خوي، بس شو تسوي تراهم عيالك.
هز رأسه وأجابه بقلة حيلة:
- عارف هذا الشي وأنا مب معترض هم عيالي، بس المشكلة فيها هي ما غير كل مرة ناطة المحكمة تطلب بشي، وبفلوس ازيادة، جن يلي أعطيها ما يكفيها، ما عن يلي تاخذه يكفي يسد أسرة كاملة.
حل الصمت بينهما لثوان حتى قطعه حمدان:
- يا خوي بس مب كل الحريم واحد.
طالعه صديقه برفع حاجبه وهو يبتسم بمكر:
- أقول يا بو عبدالله، نسينا كلامنا الأولاني؟؟.. إن الحريم كلهم واحد وما وراهم غير عوار الراس، وألحين تقول مب كلهم واحد؟؟.... يا ويل حالي شو سوت فيك حرمتك؟؟... أخافك طبيت يا خوي!!.
اعتدل حمدان بجلسته وتناول قلما من على الطاولة وأخذ يحركه بين أصابعه.
- طبيت!!.. لا يخوي شو تقول؟؟.. حرمنا.. هو زواج عادي وطبيعي بين كل اثنين وما راح يعلي مرتبته.
اعترض سعيد:
- ليش تقول جذا؟؟.. من حقك تحب مرة ثانية، ومثل ما قلت مب كل الحريم واحد، وهذي المرة شكلها غير.
وغمز ناحيته ليقهقه حمدان باستمتاع، فاستطرد صديقه قائلا:
- الله يسعدك يا خوي ويهنيك دوم.
- مشكور، وعقبالك إن شاء الله.
- إن شاءالله
خرج صديقه بعد مدة وعاد هو للانخراط بعمله مع بعض الشرود المحبب .
****************************
- يا بنتي يا عنود ليش اتعبين نفسج بالطباخ؟؟... ترانا ياييبين طباخات علشان يريحونا.
أدارت قدرها وقلبت محتوياته وبخار الطعام ينتشر شذاه بالمكان مخلفا رائحة طيبة المذاق، ثم أخفضت النار والتفتت لمحدثتها مجيبة إياها:
- يا عموه يا حبيبتي أنا أحب الطبخ، وثاني شي ما أحب آكل من ايد الشغالات.
ناظرتها العمة من طرف عينها وقالت بتهكم:
- أقول ما يحتاي تلفين وادورين، قولي إنج تبين تملين عين ريلج، تراه مقيولة أفضل طريقة للوصول لقلب الزوج هو بطنه، عاد تحملي لا يطلع الكرش.
قهقهة العمة وتابعت كلامها وسط ضحكها:
- أما عاد راح يكون شكل حمدان تحفة بكرشته الكبيرة.
وشاركتها عنود الضحك وهي تتخيل شكل زوجها وقد ظهرت له معدة كبيرة، دخلت الجدة وهي تسمي وتكبر وسألتهم:
- ما شاء الله قاعدين هنا شو تسون؟؟
لتجيبها العمة بعد أن هدأت نوبة الضحك:
- ياية أقول لعنود إن ماله داعي تطبخ وتعب نفسها في طباخات، بس هي مب راضية تبي تأكل ريلها من ايدها.
جلست الجدة بمساعدة احدى الخادمات وهي تتحدث:
- هي هذي الحرمة السنعة يلي تجابل بيتها، زمن أول كانت الحرمة هي يلي تنظف وتطبخ وتغسل كانت شالة كل شغل البيت والريال لما يدخل يجوف كل شي جاهز وياكل ذاك الأكل الغاوي ويجابل حرمته وعياله وما كان في خدامات من قبل، لكن تعالي ألحين وجوفي، صارت البنات غير، لا يعرفن يطبخن ولا شي، حتى التنظيف والغسيل بتقول يع وما أقدر، وتروح بيت ريلها ما تعرف كيف تدبر أمور بيتها، ولا تشطرط قبل الزواج إن الشغالة تباها قبل لا تدخل هي البيت.
سكتت قليلا تتفكر وتهمهم ببعض عبارات الحسرة ومن ثم أكملت:
- جيل اليوم ما منه فايدة، والبيوت ما عادت مثل الأول.
هزت رأسها واستطردت:
- الله يعينا بس على زمانهم .
والتفتت لعنود قائلة:
- يا بنتي يا عنود الحرمة منا بعد ما تتزوج ما لها غير بيتها وريلها وعيالها، داري بيتج يا بنتي وصبي عين ريلج بأكلج وبأخلاقج وبلبسج، لا تخليه ينظر للحريم، وديما قولي إن شاالله ولبيه، الريال يحب الحرمة يلي تسمع الكلام وما ترادده، واضحكي بويه ولا تكوني عبوس، هم يحبون الحرمة يلي تكون بشوش مب ديما بوزها شبر وطلباتها ما تخلص، وتطنطط من مكان لمكان ولا هي مهتمه في بيتها ولا في عيالها، فاهمة علي يا بنتي؟؟
- فاهمة يا يومه، وإن شاالله ما يصير إلا كل خير.
تحادثوا قليلا وأكملت عنود اعداد الطعام إلى أن انتهت ومن ثم استأذنتهم للذهاب لغرفتها فموعد اقتراب عودة الأطفال من المدرسة وزوجها من العمل قد اقترب.
استحمت وارتدت ملابسها وتأنقت وتزينت وتعطرت ومن ثم جلست تشاهد التلفاز ريثما يصلون، وما هي إلا دقائق حتى عاد الأولاد سلمت عليهم وسألتهم عن أحوالهم ودراستهم وبعدها تركتهم ليغيروا ملابسهم ليستعدوا لتناول الطعام .
خرجت من غرفتهم واتجهت لغرفتها وهي تنظر للساعة تنتظر عودته بفارغ الصبر، فقد اشتاقت لرؤيته، اشتاقت لصوته وحنانه، اشتاقت إلى مشاكسته وحديثه الذي لا تمله، ومناقشاتهم التي عشقتها فقد اكتشفت بأنه ملم بأمور كثيرة، وثقافته عالية.
- آه يا عنود والله وصار لج حد تهتمين فيه ويهتم فيج، صار لج بيت وأسرة.
ودخلت لجناحها وهي تهلل بعبارات الشكر والامتنان لله الذي حباها بهذه النعم، ودلفت لغرفة النوم وما زالت تدعو وتحمد الله إلى أن جاءها صوته:
- مساء الخير
حركت رأسها باتجاهه وشاهدته يقف متكئ على اطار الباب وقد لف المنشفة حول خصره والماء يتقاطر فوق عضلات جسده دليل خروجه من الحمام للتو.
ابتسمت باستحياء واقتربت منه وهي ترد تحيته بابتسامة مشرقة:
- مساء النور، شخبارك؟؟.. عساك طيب؟؟
وقفت أمامه ورفعت أصابع قدمها لتصل إلى وجنتيه لتهديه قبلتها التي اعتادت على فعلها دائما منذ اعلان زواجهما، أمسك خاصرتها يساعدها بالاقتراب منه، وسحبها يلصقها على جسده لتحط بكفيها على كتفيه تتشبث به.
طبعت قبلتها على وجنته برقة ونعومة كما الفراشة وهي تحط على الزهرة بخفة وبعدها حاولت التراجع والابتعاد، لكنه أبى تركها وأمسكها بإحكام هامسا لها بمشاعر مضطربة برؤيتها بهذا الجمال وبهذا القرب:
- وهذي تسمينها بوسة ألحين؟؟.
أشاحت بوجهها بعيد عنه بخجل وهي تعض على شفتيها وحادثته بهمس خفيض يكاد لا يسمع:
- اتركني، بروح أجهز لكم الغدا.
اعتصر جسدها الصغير بين ذراعيه يستشعر نعومتها وطراوتها على صلابة عضلاته واستنشق عبير جلدها مغمضا عينيه، وعاد يهمس بعد فترة بالقرب من وجهها وعيناه تلتقط عقيقها المشع بالإثارة:
- ما راح أتركج إلى لين تعطيني البوسة صح.
- حمدان....
وضحكت بخفوت وأخفضت رأسها للأسفل وتأملت عيناها صدره بعضلاته الساحقة، هذا هو مكانها وأمانها، هنا وجدت استقرارها.
لتتسلل لجسدها موجات من الارتعاشات برغبة الشعور بها وهي تكتسحها، فأرادت الابتعاد عنه قبل أن يعلم ما حل بها، لكن ذراعيه شددت عليها وأنفاسه ثارت بصوت مسموع دليل معرفته بما يجيش بها من أعاصير.
- خلاص خليهم يموتوا من اليوع، ما راح أتركج إلا لين تعطيني بوستي يلي أبيها.
وتحرك يوازي كلامه، ابتعد قليلا عنها وانخفض داسا احدى يديه خلف ساقيها والأخرى خلف ظهرها وحملها.
التفت ذراعيها حول رقبته خوفا من السقوط وعاتبته:
- حمدان اتركني، خلاص تراني عطيتك بوسة!!.
جلس على السرير وهي ما تزال بحضنه وسكنت بهدوء كمن اعتاد دوما البقاء بهذا المكان واتخذه مسكنه للأبد.
رفع رأسها بسبابته وحادثها وعيناه حطت على ثغرها المنادي للخطيئة برغبة بقطف تلك القبلة التي سرقته من واقعه لتدخله بحر الأحلام:
- أعطيني يلي أبيه وبتركج تروحين.
- بس.....
رفع كتفيه بلا مبالاة وتابع:
- خلاص خذي راحتج أنا ما وراي شي، والقعدة هذي عاجبتني وايد.
وسحبها لصدره راغبا بالشعور بدفء جسدها ونعومته، وأحاسيسه تشتعل بنار من هذا التلامس.
أغمضت عينيها تستعذب هذا القرب، تعيش الحياة، راغبة بالضياع بمشاعرها وأحاسيسها التي ازدادت توسعا مع مرور الأيام بتواجدها بقربه.
استرخت وأسندت رأسها بموطن صار ملاذها، وبيت أصبح ملكها، واحتضنته بذراعيها غائصة في بحور عواطفها دون أن تشعر بأفعالها، وهنا لم يقدر على البقاء بانتظارها فما تفعله به ليس له طاقة لتحمله، فقد غدى ضعيفا بجانبها، فما كان منه سوى أن رفع رأسها باتجاهه وهمس بأنفاس لاهثة وصدر مضطرب من إثارته:
- هذي المرة سماح، لكن المرة الياية.......
وقطع جملته عندما شاهدها وهي تناديه بشفتيها ليقتنص منها ويفيض عليها من حلاوة الدنيا، فانقض عليها غير قادر على التحكم بزمام تعقله وأشواقه إليها تلهبه وتحرقه.
لمسة أضاعت فكره، وتذوق ليضيع بنشوته، وتاه وانتهى فما بقي سوى أن يسرقها ويذود بها لنفسه فقد خلقت له ولن تكون سوى له.
فتناجت الأرواح بلقاء تطوق له، وهمست القلوب بنغمات كأوتار موسيقية تخرج من تحت يد فنان، واتحدوا ليكونا كيان واحد.
****************************
مرت الأيام عليهم بالبهجة والسرور، وسعادة طفقت تنتشر بين الجميع، فما أجمله من استقرار وأمان تحس به بعد طول حرمان، فتحاول قدر

ام حمدة 20-12-16 06:31 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الامكان التمسك به، والتشبث بحبل انقاذهم الذي يكمن عند الطرف الآخر، ونجاتهم تعتمد عليهم، لكن يبقى هاجس خفي يزورنا بين الحينة والفينة، والشيطان يتلاعب بمهارة وبفن واتقان، فتعود وتنفيه إلى أقصى البلاد فلا مجال للعودة للشكوك والخوف من زيارة الماضي، فالمستقبل أمامهم مشرق بالأمل والسرور فلما الهواجس؟؟.. لكن مهما فعلنا وحاولنا التغافل عنه والابتعاد قدر المستطاع فإنه سيعلن عن نفسه في يوم من الأيام بلا شك!!.
عاد العم من رحلة عمله وكان التغير واضح عليه كوضوح الشمس، ووافق حمدان على أن تكمل عنود دراستها الجامعية فكم كانت سعادتها لا توصف وهي تستمع إليه وهو يشجعها لتكمل مسيرة العلم وأن تحقق كل طموحاتها.
بكت في ذلك اليوم على صدره وأهدته بعدها تلك القبلة التي أراد أن تبدأها هي أولا، وتغيرت الأحوال وصارت أجمل من ذي قبل، والأطفال تغيرت نفسيتهم وصاروا مختلفين عما كانوا عليه من قبل فقد صار لهم أسرة وعائلة كاملة، فما أجملها من حياة يتمناها كل شخص أن يعيشها هكذا للأبد.
*****************************
دلفت أم سالم لغرفتها لترى زوجها يرتدي أجمل حله ويستعد للخروج. ظلت تناظره للحظات وبعدها دخلت وألقت التحية واقتربت منه وحملت زجاجة العطر وبختها عليه وهي تقول:
- ما شاء الله على هذا الزين، ربي يحميك ويحرصك من كل شر.
سكتت تتطلع إليه بعيون مختلفة وسألته وهي تناظر عيناه المتوارية عنها:
- بتتأخر اليوم بعد؟؟
ابتعد عنها وأجابها:
- هي بتأخر شوي، عندي شغل ضروري.
استكمل هندامه وحادثها وهو يسير ناحية الباب :
- تامرين على شي؟؟
هزت رأسها بالنفي وردت عليه بابتسامة :
- ما يآمر عليك عدو، وترجع بالسلامة يا الغالي.
وخرج وظلت عيناها معلقة على الباب المغلق، وما بين رمشة عين وغمضة فرت دمعة وحيدة لا تعرف لها سبب!!.
خرجت من غرفتها بعد فترة من مغادرته فقد ظلت واقفة تناظر النافذة بشرود وعندما التفتت تتأمل الغرفة صفعها الخواء، فكم تكره الوحدة والفراغ، وقد شعرت بالغرفة تضيق بها وتخنقها، وبرودة تسللت تنخر عظامها وفؤادها.
سارت بخطى سريعة هاربة من شيء ما ومرت بطريقها ناحية المكتب متجهة لغرفة الجلوس وهناك سمعت وعلمت سبب تلك الدمعة، وتلك الأحاسيس التي ما انفكت تزورها وتؤرق لياليها وحياتها، فهي كانت تمهد لها الطريق وتخبرها بما سيحل بها، فالمرأة تشعر، وحاستها تخبرها، والحقيقة مرة تطعنها بالصميم، وطعمها مر كالعلقم، وتساءلت... هل يموت حب دام لسنين طوال بثوان معدودة؟؟.
- الحقني يا حمدان!!... أبوي.
فز حمدان من مقعده واتجه ناحية ابن عمه وهو يسأله بخوف:
- وشفيك يا سالم طيحت قلبي!!... عمي وش فيه؟؟.
- مصيبة يا حمدان!!... مصيبة كبيرة!!.
- يا ريال هدي وخبرني شو صار؟؟.
فرك سالم شعره بقوة يكاد يقتلعه، ومسح على وجهه بهم اكتنف روحه، وقال يجيبه:
- أبوي يا حمدان، أبوي....
وسكت غير قادر على اخراج حروفها.
- سالم بتتكلم زين ولا اطلع من المكتب!!.
ناظره بضياع ليس من أجله بل من أجل امرأة أهدته عمرها وسنين حياتها، وقال بهم:
- أبوي طلع متزوج.
صدمة وعدم تصديق، وحادثه بلهجة حادة:
- مب وقت المزح يا سالم؟؟.
وأكمل الآخر كأنه لم يستمع للهجة التهديد:
- وما راح تصدق مين يلي تزوجها.
سكت وناظره وهو يحرك شفتيه باسمها:
- ابتسام... اخت حرمتك.
والتفت الاثنان وهما يرى جسدها يضجع دون حراك على الأرض، وكانت آخر أمانيها.... "الموت".

ام حمدة 20-12-16 06:33 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثامن عشر........

جروح الزمن تداويها الأيام، لكن جروح القلب وآه من أخاديدها الغائرة التي لا يستطيع طبيب مداواتها، ولا نسيان يقدر على شفائها.
تشعر بفؤادك يعتصرك لآخر قطرة دماء، وروحك تموت وتذوي بداخلك لتخلف شبح كيان كان سابقا مفعما بالحياة.
فتتساءل بحسرة وألم يطفق بداخلك... أيحق لهم أن يكسروك ويحولوك لشظايا؟؟.. أيحق لهم أن يسلبوك روحك كأنها كانت رخيصة ولا قيمة لها؟؟..
لما يفعلون هذا؟؟... لما يجعلوننا كأننا لا قيمة لنا بعد أن أخذوا من عمرنا السنين؟؟... ليركنونا بعدها بركن قصي كأن صلاحيتنا قد انتهت ووجب عليهم تبديل بضاعة صارت معطوبة.
تتقاذفها الأمواج يمنة ويسرى وتشعر بنفسها تقذف لقعر سحيق لا قرار له، تتنفس لكن لا تشعر بنفسها على قيد الحياة، تشعر بأنها مستنزفة ومستهلكة، وصدرها يضيق بها خانقا إياها وكأنها وضعت بصندوق خشبي مغلق المنافذ ولا تصلها ذرات الأكسجين فتجعلها تلهث باحثه عن الهواء، وأحيانا تشعر كأنها تغوص بأعماق المحيط وفجأة خذلتها انبوبة الأكسجين لتتركها تتخبط وتز فر أنفاسها الأخيرة وملك الموت ينتظر روحها ليأخذها معه .
جسد مضجع على الفراش دون حراك، وملامح جامدة، فقط صدرها يرتفع وينخفض دليل تنفسها، وعينان تنظران لسقف الغرفة وهي ترى شريط حياتها يمر أمامها منذ أن كانت صغيرة إلى أن كبرت وخطبت وتزوجت وأنجبت أول أولادها وكيف وقعت بحب زوجها وكيف جعلها ملكة تربعت عرش قلبه واستحكم عليها كليا وجعلها تسير خلفه مغمضة العينين إلى أن سحب البساط من تحت قدميها لتزل وتسقط وتكون لها القاضية .
- يا بنتي يا خديجة ما يصير يلي تسوينه بروحج جذا!!.
سكتت الجدة تتأمل القابعة على الفراش متقوقعة بعالمها الآخر غير راغبة بالعودة لعالم أهداها أول صفعاته، وتذكرت أحداث السويعات الماضية بضيق شديد.....
كانت بغرفتها القريبة من غرفة الجلوس بالطابق السفلي لعدم قدرتها على الصعود على السلالم فما كان من ولدها إلا أن يجهز لها غرفتها بالأسفل. تنام قريرة العين على فراشها إلى أن سمعت ضوضاء وأصوات عالية جعلتها تستيقظ فزعة لاعتقادها أن لصوصا قد دخلوا لمنزلهم.
ارتدت شيلتها وبرقعها وحملت عكازها وسارت بخطوات سريعة ناحية الأصوات وهناك تفاجأت بأحفادها يقفون وعلى وجوههم علامات الغضب، وعندما استفسرت عما يحدث كادت الصدمة أن تشلها.
عادت عيناها تتطلع لزوجة ولدها بحزن وغم، وقلة الحيلة تغلغل يديها، فليس لديها القدرة على منع شرع الله، فتابعت قولها تحثها على المقاومة وعدم الاستسلام:
- تراج غالية علينا كلنا، ولا تخوفين عيالج عليج، جوفيهم كيف مخضوضين وحالتهم حالة، وواقفين يتريون رضاج.
لا رد ولا استجابة فقط عيون ترمش برتابة لتضرب الجدة كفيها ببعضهما قائلة:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل!!.. بتروح الحرمة من بين ادينا.
تطلعت لأحفادها الواقفين حول السرير وعيونهم منصبة على والدتهم النائمة على السرير دون حراك، لتوجه الجدة حديثها لحفيدها سالم:
- وشقال الدختور عن أمك؟؟.. والله دخاترة هذي الأيام ما منهم فايدة، الحرمة مريضة كيف رخصها من الدختر؟؟.
تحرك سالم من مكانه واتجه لوالدته ليضجع بجانبها على السرير وانحنى ملثما جبهتها ثم أمسك كفها وطبع قبلة أخرى وهمس قائلا وعيناه سقطت بألم عليها:
- قال إنها بخير، بس تحتاج للراحة ونبعدها عن أي ضغط أو مشكلة.
- لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب أبوك وينه ألحين؟؟.. وكيف عرفتوا إنه متزوج؟؟.
ليجيبها حمدان:
- يا تليفون لسالم يخبرونه إن أبوه سو حادث سيارة، ولما راح عرف إنه ما كان بروحة وإنه كان مع حرمته، فرجع يخبرني وسمعتنا عمتي وطاحت، ولما نقلناها للمستشفى رحت أجوفه.
لتقاطعه الجدة متسائلة بقلق فمهما عمل ولدها من سوء فيبقى قلب الأم حنونا عليه:
- اتعور؟؟... اتكسر؟؟.. قول وطمني شو صار على حشاشة يوفي؟؟.
اقترب منها وربت على كتفها مطمئنا إياها قائلا:
- ما عليه شر يا الغالية ولدج بخير، بس شوية رضوض وهو أصلا طلع من المستشفى لأنه ما كان يبي يقعد فيها.
تنهدت براحة وحركت رأسها بهم ثم عادت تسأله:
- عرف شو صار بأم سالم؟؟.
تنهد حمدان وأخرج زفرات متعبة وهو يتذكر لقائه بعمه......
كان أن ذهب إليه بعد أن اطمأن على عمته من أنها بخير وهناك وجده يجلس والحزن يكتنف ملامحه وزوجته تجلس بالجهة الأخرى تتحدث على الهاتف وعندما أعلن عن وجوده رفع العم رأسه ليرى من القادم ثم أشاح به بعيدا وبداخل مقلتيه شاهد الخجل من انكشاف سره المشين.
لم يرده أن يكون هكذا، لم يرد له أن يشعر بالذل والمهانة، فما فعله ليس شائنا أو مخل بالأخلاق، بل هو اتبع شريعة الله وتزوج على سنة الله ورسوله فما كان منه سوى أن هتف به:
- ارفع راسك يا عمي ولا تكسره!!.
وضع العم رأسه بين كفيه وأخذ يحركه بغم فتابع حمدان قائلا:
- يا عمي لا تسوي بنفسك جذا، يلي صار.. صار وما تقدر تغيره.
فهمس بصوت حمل الجهد والخوف معا:
- خديجة عرفت؟؟.
زفر حمدان هواء ثقيلا مشبعا بغمامة قد حلت على منزل الكتبي وقال بعد فترة من الصمت:
- عمتي عرفت وهي ألحين بالمستشفى.
رفع العم رأسه ناحية ولد شقيقه وعيونه قد شابها الفزع والهلع، وصرخ بلوعة قلب:
- خديجة بالمستشفى!!... يا ويل حالي، أنا السبب.. أنا السبب.
وهم يبغي الوقوف للذهاب إليها، لكن ما أن وقف حتى انهار هاويا على الأرض ولولا سرعة حمدان بالإمساك به لكان قد توسد الأرض الآن.
حمله وأعاده للسرير وهدر بتلك الجالسة وتناظرهم بصمت:
- بعدج يالسة؟؟.. تحركي ونادي الدكتور!!.
وما كادت تخرج حتى دخلت الممرضة إثر صوته العالي تستشفي ما حدث ليخبرها بما حل بالمريض فأسرعت تنادي الطبيب وكانت النتيجة ضغط منخفض، فأصر عليه الطبيب بالبقاء بالمستشفى فرفض العم ذلك وأراد الذهاب لرؤية زوجته أم سالم، لكن حمدان منعه وأخبره بأن يرجئ لقاءه بها ريثما يسترد الجميع صحتهم، وتكون الأمور قد هدأت قليلا، فهم لا يعلمون ما ستكون ردة فعلها عندما تراه أمامها الآن.
وافق العم على رأيه وغادر برفقة زوجته الأخرى.
- هو شو صار بالضبط؟؟.. حد يفهمني؟؟.
ليجيبها منصور بوقاحة خرجت رغما عنه:
- شو تبين تفهمين؟؟.. ولدج اتزوج على أمي وحدة قد اعياله.
ليلعلع صوت حمدان عنيفا رافضا ما قيل للتو وعيناه اشتعلت بنار حارقة:
- جب ولا كلمة!!.. واحترم نفسك ويلي تكلمها، واحترم أبوك، ولا خلاص ما عاد في احترام ولا تقدير؟؟.. ولا هو ما عاد أبوك بعد ما تزوج؟؟.
سكت يجترح أنفاسا عصيبة واستطرد قائلا:
- قسم بالله إن سمعت واحد منكم قل أدبه على أبوه والله والله وهذا أنا حلفت بالله غير ما أدفنه بالأرض!!.
أخفض ابن عمه رأسه بخجل ثم مالبث أن تحول وتغير لينفث غضبه على من دخل الغرفة يستسقي الأوضاع المريبة التي تحدث، فما أن دخلت عنود حتى تلقفها يرمي بكل غضبه عليها لعله يخرج ما بداخله من حزن وكبت لشيء لا قدرة لديه لمنعه، وردء الوجع عن والدته الحبيبة.
- طبعا يقتلون القتيل ويمشون بجنازته!!.. انت كوشتي على الصغير والثانية على العود، باقي وحدة.. على مين حطيتوا عيونكم عليه؟؟.
بهتت من هذا الهجوم القاسي، والذهول ارتسم على محياها من اسلوبه الفض بالحديث معها، فلأول مرة منذ قدومها لهذا المنزل تعامل هكذا.
- منصور انت جنيت ولا شو؟؟... كيف تتكلم معاها جذا؟؟.. صدق انك تحتاج رباية من أول ويديد.
صدح صوت الجدة قويا مانعة إياه من التمادي، لكن من تحادث وقد صم الغضب أذنيه، فتابع دون أن يبالي وجود الكبار معه بنفس الغرفة:
- هي السبب!!.. كنا بخير وما فينا شي، لكن من دخلت بيتنا جابت معاها البلاوي والمصايب.
ارتفع صدره بهدير عنيف وانخفض دليل وصوله لآخر حدوده وتابع دون أي اعتبار لأي شخص ولا للمرأة التي وقفت وقد جفت عروقها من دمائها وهي تسمع الاتهام الفظيع الذي يقال بحقها:
- انت السبب بيلي فينا ألحين، كنت تخططين انت وأهلج كيف تكوشون على الفلوس.
فهمست دون تصديق مما تسمعه الآن:
- منصور... انت شو تقول؟؟.
تقدم ناحيتها وعاد يرفع صوته:
- طبعا مسوية نفسج البنت الشريفة والبريئة يلي ما تعرف شو السالفة، لكن ولا يهمج أنا أخبرج.
قاطعه شقيقه سالم:
- منصور احترم نفسك واطلع من الغرفة.
لكن الآخر وكأن الشياطين جميعها قد استحوذت عليه، وصار لا يسمع ولا يرى فقط النار بداخله تحرقه ويريد اطفاءها، لكن كيف لا يعرف؟؟.
- تبين تعرفين ليش أمي بهذي الحالة؟؟...
لم ينتظر أجابتها بل تابع ينفث نيرانه:
- أنا أقولج... أبوي تزوج على أمي.
شهقت بفزع وتحركت عيناها لطريحة الفراش، لكن الأمر لم ينتهي بل تابع الآخر قذفها بالمزيد من الاتهامات:
- تبين تعرفي مين هي؟؟... اختج ابتسام بنت المصرية عرفتيها ولا لاء؟؟.
جحضت عيناها للخارج وهزت رأسها دون تصديق وهي تردد بخفوت
- لا مستحيل!!... أنا.. أنا...
قاطعها صارخا:
- انت شو؟؟.. تسوين نفسج مسكينة وما لج شغل بيلي صار، وإن اختج من روحها يلي لعبت لعبتها؟؟.
فهمست بدفاع ضعيف:
- بس ابتسام مب اختي.. ابتسام مب اختي
أمسكها من ذراعها يقوده غضبه الجامح وأخذ يهزها بقوة وفتح فمه راغبا بكيل لها المزيد من الكلمات الجارحة إلى أن شعر بأنه يتراجع للخلف بقوة، وبعدها سمع صوت الصفعة يتردد صداها بأرجاء الغرفة.
- قسم بالله لولا أمك لكنت قطعت ايدك يلي مديتها على حرمتي.
تنفس بصعوبة وجسده يرتجف من شدة أعصابه المفلوته وهو يرى يد رجل آخر تحط على جسد زوجته وهي كانت لا حول لها ولا قوة فقد أخذتها الصدمة دون أن تقدر على الاعتراض أو الدفاع عن نفسها.
وتابع:
- لو رجعت وقلت لها حرف واحد يا منصور، والله ما تلوم غير نفسك!!.
تراجع للخلف وأحاطها بذراعه على كتفها وأخرجها من الغرفة لتنقاد خلفه وما تزال غير مستوعبة ما حصل للتو، فعقلها قد تجمدت خلاياه ولم يعد يدور ليحلل ويفكر ويعطي ردة فعل.
أدخلها لجناحهم ثم تركها متجها لغرفتهم ليوقفه همسها:
- ابتسام مب اختي .
التفت إليها وطالعها بنظرات غريبة، لتشهق وتكتم صرختها خلف كفها، وعادت تهز رأسها وأخذت تهمهم بعبارات الاتهام:
- انت تصدق كل الكلام يلي قاله؟؟... تشك باني مشتركة معاها؟؟
تراجعت للخلف بخطوات مهزوزة ولسان حالها يردد ويبحث عن الانكار.
- انت تصدق عني يلي انقال؟؟.
تقدم ناحيتها وتوقف أمامها وأجابها:
- لا تاخذين على كلام منصور يا عنود، هو بس محروق قلبه على أمه وما عرف كيف يطلع يلي داخله غير عليج انت، منصور ولد طيب وانت عارفة هذا الشي وباجر بتجوفيه بي وبيعتذر على يلي قاله .
ظلت عيناها تدور على وجهه إلى أن حطت على عيناه لتعيد سؤالها:
- انت تصدق يلي قاله؟؟
أمسكها من كتفيها وناظرها بقوة وأجابها لينهي هذه الليلة العصيبة التي حلت عليهم :
- أنا وانت يا عنود نعرف كيف صار زواجنا، وهذي تنهي كل الشكوك، وانسي يلي قاله منصور.
تنهد بتعب ثم تابع:
- تعبان يا عنود وودي أنام.
رقت ملامحها وهي ترى التعب الظاهر عليه فاحتضنته من جذعه وسحبته معها وهي تقول:
- تعال اتسبح وأنا بجهز لك ملابسك وبعدين نام.
أدخلته الحمام وخرجت بعدها لتجهز ملابس النوم ثم ذهبت وأعدت له عصير برتقال وعندما عادت شاهدته قد ارتدى ملابسه وأضجع بجسده على الفراش.
أعطته العصير وشربه ثم ناداها لتجاوره فما كان منها سوى أن لبت نداءه، غيرت ملابسها هي أيضا ونامت بجانبه وسحبته ناحيتها هذه المرة وجعلت رأسه يتوسد صدرها واحتضنته بحنان وأمومة ليغط بعدها بنوم عميق وظلت هي تفكر بما حدث، وماذا سيحل بالمستقبل، وماذا تنوي ابتسام فعله.
************************
حل صباح اليوم التالي غائما وكئيبا على أفراد الأسرة، يجلس الجميع على طاولة الافطار... الجدة، سالم وزوجته، وشقيقيه، العبوس يتحكم بملامح وجههم، وعيونهم ممتلئة بالحسرة، لحظات هي حتى انضم إليهم حمدان وعنود وأطفاله.
نزلت عنود السلالم ببطء وقد شعرت بصدرها يضيق بها منذ أن استيقظت، فالنوم قد جافها وهي تفكر إذا كان كل ذلك الحب الذي يجمع بين العم والعمة والسنين الطويلة التي عاشوها مع بعضهم بحلوها ومرها لم تقف حاجزا أمام زوجها وتمنعه من الاقدام على اختيار امرأة أخرى تتشارك به مع حبيبته، لهذا تساءلت.. ماذا عنها هي؟؟... هل سيفعلها حمدان بها ويتزوج عليها؟؟... فزواجهما كان بحكم الاعدام، والآن لا تعرف ما سيكون مصير زواجهما بالمستقبل، فيبدوا أن كل شيء مجاز للرجال لفعل ما يريدونه مهما تعدى من سنين عمرهم.
وقعت عيناها على منصور ليسارع بإشاحة وجهه عنها، فهو الآخر الضيق قد لازمه طوال الليل، والذنب أخذ يتآكله من رمي اتهاماته المجحفة بحق شخص كان بريئا من كل ذنب، فالحق وحده يقع على والده.
حثت عنود عبدالله وحنان على تناول الافطار بسرعة ليستطيعوا الذهاب للمدرسة، تناولوا طعامهم بهدوء ودون أي كلمة، فالأجواء كانت تنبئ بعاصفة هوجاء قد مرت بمنزلهم.
وما هي إلا ثوان حتى صدح صوتها يرن بأرجاء المنزل معلنة للجميع بأن صاحبته لم تختفي تحت الثرى، وأنها ما تزال هي ملكة عليه ولن يسلبها إياه أي أحد .
وتذكرت أحداث الليلة الماضية وهي تقف وتشاهد جميع أفراد عائلتها يجلسون والألم يكتسح مقلتيهم.
فهي لم تكن بغيبوبة بل كانت واعية لكل كلمة قيلت والخبر المفجع الذي صدمها، هي فقط لم تقدر على الاتيان بأي حركة أو التحدث بحرف واحد، لم تعرف ما حل بها ولما تجمدت هكذا!!... وبعد رحيلهم غاصت بنوم عميق جدا وحلمت بحلم غريب عجيب جعلها تستيقظ من نومها وقد

ام حمدة 20-12-16 06:34 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
عزمت على نيل هذا الحلم وتحقيقه، فالدنيا زائلة، والحياة لا قيمة لها، ويبقى فقط وجه ربك ذو الجلال والاكرام، لهذا لا شيء يستحق أن تخسر حياتها من أجله، وهي ستظل مثلما هي ولن تتغير من أجل شيء دنيوي تعرف بأنه سيزول ما أن تنتهي مدته وحلاوته ويأخذ منها ما يريد، وبعدها سيعود إليها بالطبع سيعود، فهي الأصل.
- صباح الخير، شخباركم يا ولاد؟؟.
التفت الجميع ينظر إليها بدهشة، فقد كانت منعشة للروح والقلب، بشوشة الثغر، وعينيها تملؤهما الحنان و الطيبة كما عهدوها دائما.
تقدمت ناحيتهم وهي تتساءل:
- هاو.. جنكم شايفين جني جدامكم!!.
طبعت قبلة على رأس الجدة وسألتها:
- شخبارج يا الغالية؟؟.. عساج طيبة اليوم؟؟.. فطرتي علشان تاخذين دواج؟؟.
أدمعت عينا الجدة لرؤيتها لزوجة ولدها وهي تكافح لعودة الأمور لنصابها الصحيح، فهي تعلم إن كسر عمود المنزل تهدم فوق رؤوسهم، وهي أساس هذا المنزل ويستحيل أن تفعل هذا بأفراد عائلتها.
انخفضت ناحيتها وطبعت قبلة على كفيها الممتلئين بتجاعيد الزمن، هامسة لها:
- ما عاش يلي يبجيج يا الغالية!!.
- سامحيني يا بنتي!!
احتضنتها لصدرها برقة وعادت تهمس:
- هشششش ما بي أسمع أي شي عن الموضوع يا الغالية كأنه ما صار أبدا.
هدوء حل بالمكان والعيون تترصد تلك المرأة القوية التي وقفت كما الجبل بشموخه وعزته وايبائه، تخبر الرياح العاتية التي حاولت زعزعته بأنها لن تنحني لها أبدا مهما جالت وصالت فهي قد رسخت جذورها بالأعماق ولن يستطيع أي مخلوق اقتلاعه، هي مجرد زوبعة بالفنجان وبعدها ستنجلي بسرعة كما ظهرت فجأة، وستظل هي بالقمة دائما.
فعادت تلتفت إليهم وتقول بصلابة لا كلمة بعدها:
- سامعين... جن ما صار شي والأمور مثل ما هي، ومنصور.... .
- لبيه يا الغالية.
أقبل إليها يقبل رأسها وكفيها بلهفة وحب، وهتف والفرح لعلع بعينيه المتراقصتين برؤية أغلى الناس لقلبه بخير.
- آمريني يا الغالية، ولو تبين روحي أعطيها لج فدوة .
ابتسمت بسعادة لسماعها كلمات أطربت صدرها وأنعشت روحها، فتربيتها لم تذهب أدراج الرياح.
ربتت على وجنته، وقالت له بحنان:
- تسلملي يا روح أمك، بس أنا زعلانه منك يا وليدي، وما هقيتها تطلع منك!!.
علم ما تقصده، فقال وهو يقبل كفيها:
- آسف يا الغالية وما كان قصدي!!.
- الأسف مب لي يا منصور، انت غلط على حرمة ولد عمك فلازم تروح وتعتذر لها.
- إن شاء الله
وتحرك ناحية عنود وقدم اعتذاره بأسف لانفجاره عليها ووضع كل العتب فوق رأسها، تقبلت اعتذاره ومن ثم حثت الأم أولادها لتناول طعامهم والذهاب لأعمالهم.
انطلقوا خارجين بمزاج عالي، وبقيت الجدة وعنود وأم سالم بالمنزل وجلسوا يتحدثون بأمور شتى رامين خلف ظهورهم همومهم وهواجسهم ومخاوفهم، فهم أولاد اليوم، والغد مجهول، ولو يعلمون غيب الأمور لكانوا قد حرصوا وأعدوا له كل ما يستطيعون لحماية أنفسهم.
***************************
يجلس بشرود خلف مكتبه وينظر للا شيء فقط الفراغ هو ما يتطلع إليه أو بالأحرى ينظر لحية رقطاء تلبست هيئة البشر.
يعرف أمثالها وشاهد الكثير من شاكلتها ولم تستطع احداهن ايقاعه بفخها فهو ليس بغبي ليلهث خلفهم كالأحمق، لكنه كان مخطئا بشأنها ولم يعطها قدرها من الدهاء، فعندما لم تستطع اصطياد السمكة الصغيرة حاولت مع الكبيرة وألقت بصنارتها بغفلة منهم لتلتقط السمكة الطعم بعيون مغمضة.
وتساءل متى استدرجته وأوقعته بشباكها؟؟... وأيضا عمه لم يكن من نوع الرجال الساعيين خلف استعادة الشباب بواسطة امرأة صغيرة كما يعتقدون، بل كان عاشقا لحد الثمالة بزوجته ولم ينظر لامرة قط أو أنه يعجب بجمال امرأة أخرى، بل كان يغض بصره وكان قانعا بما لديه، وكما يقول زوجته بكفة وجميع نساء العالم بكفة أخرى، لكن ماذا حدث؟؟.. وما الذي غير رأيه؟؟.. بل السؤال كيف استطاعت تغيير قناعاته؟؟.
ليعود ويسخر من غبائه وتساؤلاته فمثلها تقدر على هدم جبال فما بالك برجل!!.. فمهما كانت قوته بالتحمل والصبر فهو ضعيف أمام جمال امرأة فاتنة مثلها وأيضا داهية وتتلون كالحرباءة.
ولأنه شاهد جميع الأصناف كانت لديه المناعة ضد اغوائها بعكس عمها الذي لم يشاهد سوى امرأة واحدة.
فتذكر همسها له عندما كانا بالمشفى عندما انهار عمه وأعطاه الطبيب مهدئ كي يرتاح، وعند مغادرة الطبيب وخلت الغرفة سوى منهما اقتربت منه بدلال وابتسامة شيطانية توسدت ثغرها الأحمر القاني كلون الدم، ولم تراعي حرمة وجود زوجها بالقرب منهم وهمست له بغنج، وبرموش مسدلة:
- ازيك يا حمدان؟؟.. وحشتيني أوي.
وهامت برجولته الساحقة يكاد لعابها أن يسيل من وسامته الطاغية، وعيناها نطقت بدواخل رغباتها الدنيئة، فحدجها بنظرات نارية واشمأزت ملامحه من أفعالها البذيئة وهم بالمغادرة قبل أن يوسعها ضربا ليجعلها طريحة الفراش بالقرب من زوجها، فأوقفته قائلة:
- كدا احنا صرنا عيلة وحدة، يبقى تعال وزورنا بأي وأقت، بابنا مفتوح ديما للي بنحبه.
زمجر ونفخ كتنين يقذف بحممه وخرج بسرعة تطارده شياطينه.
نفض رأسه والحيرة تستبد به، هل يكتم ما يعرفه أم عليه أن يستشير أحدهم بما يحصل؟؟.
رفع صوت نداء الحق ينادي للمثول أمام الواحد القهار الذي لا يعلى عليه وهو القادر على كل شيء، فنهض من مكانه يستغفر الله وعزم على رمي حمله على من هو العالم بأمور الغيب وخباياها، عليه فقط التوكل على الله وكل مشكلة ولها حل بإذن الله .
*****************************
وفي احدى البنايات الفخمة التي تدل على غنى أصحاب قاطنيها وبالذات بإحدى الشقق هدر صوت غاضب دل على نفاذ صبره:
- انت تجننت يا بنت انت؟؟.. حد عاقل يعمل العملة المهببة إلي عملتيها؟؟
تأففت المرأة الأخرى بملل وتطلعت لأظافرها لثوان ثم قالت:
- وأنا عملت إيه يعني؟؟
ضربت الأم كفوفها ببعضهما ليصدر رنين حليها عاليا بالغرفة وبعدها علا صوتها بزعيق:
- لا يختي ما عملتيش أي حاقة بس سيارة بالشي الفلاني رحتي مطبآها بالرصيف، وكل ده ما عملتيش حاقة.
حركت شفتيها يمنه ويسرة بسرعة عالية وكفيها يضربان بفخذها بحسرة وعينيها تقدحان شررا ناحية ابنتها لتعود وترغي وتزبد:
- سيارة يا ناس، سيارة بالشي الفلاني تجي نص مليون أروح مكسراها، هو أنا ده يلي علمتهولك؟؟....
قاطعتها ابتسام ناهضة من مكانها:
- أف يا ماما، كفاياك بأة، زهتيني!!.
وتحركت جيئة وذهابا ووالدتها تتطلع إليها تكاد تنقض عليها وتعتصر دماغها الصدئ ثم التفتت ابتسام لوالدتها وقد برقت عيناها ببريق الذهب والمال واتجهت لتجلس بالقرب من والدتها قائلة لها:
- ما تبصيش لدوأتي يا ماما، بصي لأدام.
- طب ما تفهميني يا فهيمة زمانك؟؟
- يعني أنا أصدة إني أعمل الحدسة علشان جوزنا يطلع عالنور ما يضلش بالضلمة.
سكتت الأم وأصغت لابنتها وتابعت الأخرى حديثها وقد جذبت انتباه والدتها إليها:
- لما عيلته تعرف إنه متجوزني كده أنا أقدر أعمل يلي أنا عوزاه، يعني دلوأتي نئدر أنا وهو نخرج سوا، مش نضل بالشئة محبوسين بوزنا ببوز بعض، وكمان أقدر أطالب زي مراته ببيت وفيلا زي زيها، فهمتي دلوأتي ولا أزيد؟؟
بهتت الأم من أفكار ابنتها الشيطانية وهمست بشر وعينيها تبرقان بلمعان:
- والله طلعت مش أليلة يا بنت بطني.
ابتسمت ابتسام بظفر وتراجعت للخلف وأفكارها تتحرك بسرعة ألف واط، والخبث برق بمقلتيها، فليس المال وحده ما تريد، فهناك شيء آخر تريده وبشدة بل شيآن تريدهما وستعمل على الحصول عليهما.
أخرجت قصرا من أفكارها الشيطانية على نداء والدتها:
- ؤمال جوزك فين؟؟
أشاحت بيدها بلا مبالاة وقالت باشمئزاز:
- أوه راح يتنيل عند مراته التنية، آل شو.. مش آدر على زعلها.
ناظرتها الأم بتدقيق وتفحيص وسألتها:
- بت يا بت مالك كده بتتكلمي عنه كدا ليه؟؟.
تغيرت ملامحها بتقزز، وهتفت:
- أطيعة يا ماما، دا راجل مؤرف بشكل، ياع.
وانتفض جسدها بإيحاء لقرفها، لتعاتبها والدتها:
- عيب يا بت دا جوزك، وانت يلي اخترتيه.
- بس ما كنتش أعرف إنهم مؤرفين بالشكل ده، ده لما عايز يبوسني ببآ عايزة أرجع عليه.
شهقت الأم بفزع ونهرتها:
- أوعي تكوني عملتيها يا بت يا ابتسام؟؟.
حملت كوب العصير وارتشفت منه القليل ثم أجابت والدتها:
- هو أنا غبية أعملها، دا يبأى جنيت على نفسي.
ضحكت الأم بتهكم وسألتها باستهزاء وحاجبيها يتراقصان بخبث:
- دي البوسة بتعمل فيك كده، ؤمال الحاقة التانية بتعملي فيها ئيه؟؟
- ياع يا ماما ما تفكرنيش، ده مؤرف وببآ بستنى يخلص بسرعة وطوالي بدخل الحمام باستحمى.
ضحكت الأم بشدة إلى أن أمسكت ببطنها غير قادرة على امساك نفسها، وبعد مرور فترة من الوقت وقد هدأت من نوبة ضحكها قالت:
- مؤرف!!.. عيب يا بت دا جوزك لازم تستحمليه، دا مغارة علي بابا وفتحهولك أوعي تضيعيه من ايديك.
- ودا يلي مصبرني عليه، انه مديني يلي أنا عوزاه من غير تردد، وبعد ما انكشف جوزنا حتشوفي حعمل إيه، بس بالأول عندي حاجة لازمن أعملها وبعدها حتنغنغ وأسافر وأدلع نفسي، وحعيش يا ماما وأدخل دنيا .
*******************************
يؤخر قدم ويقدم الأخرى، وضربات قلبه تطرق كما السنديان، والعرق يتصبب من جسده بغزارة، والتردد يتحكم برغباته، وخوف من سماعه ما لا يريده.
ليزوره شيطانه مخبرا إياه:
بأنه لم يخطأ بحقها وأنه تزوج على سنة الله وهو لن يبخسها حقها أبدا، فهي ستكون الأولى دائما.
لتعود نفسه وتعاتبه:
هل تبرر لنفسك تهورك أم أنك تعطي لنفسك الحق بما فعلته؟؟.. زوجتك لم تقصر فيك يوما، دائما كنت الأول في حياتها، وقد أحبتك بإخلاص أكثر من أولادها، أي امرأة تفضل زوجها على أطفالها؟؟.
اتكأ على جدار الباب والهم رزح على كتفيه، ووساوسه تخبره بأنها ستطلب الانفصال وستتركه يتخبط بدهاليز الحياة لوحدة، لينتفض صارخا لنفسه:
- لا أبدا ما راح أتركها، هي راح تزعل شوي وبعدين ترضى، هي قلبها كبير وأنا أبدا ما راح أخليها تتركني، أنا أحبها وهي تحبني فمستحيل أتركها، مستحيل.
وشحذ همته وتنفس بعمق ودلف للمنزل والعزيمة تشع على صفحة وجهه وهناك كانت المفاجأة بانتظاره.

ام حمدة 20-12-16 06:41 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السموحة الفصل الرابع ما طاع ينزل المنتدى منعني وقال راح يلغي عضويتي
المهم
قراءة ممتعة
وبانتظاااااااااااار رايكم بالتحول بالأحدااااث وكان الفصل الرابع يلي هو التاسع عشر
راح يكون قنبلة مدوية هههههههههه
لكن موعدها يوم السبت باذن الله

NoOoFy 24-12-16 12:22 PM

هلا هلا أم حمده ياقلبي ولله أني كم يوم أقراء في الروايه شوي واطلع انشغلت حيل الأسبوع هذا
ومرره أبي ارد قبل ما ينزل بارت السبت
بصراحه أعجبتني سير أحداث الروايه اللي صار بين حمدان والعنود يعتبر تقدم سريع جداً
جعلها الطيحه المباركة والخيل المبارك اللي قرب ابوعبدالله من العنود
مثل ما توقعت تقرب ابتسام
من حمدان عرفه على العنود أكثر وشاف فرق الصين عن الطين
بس هل بزواجها من أبو سالم بيقربها من حمدان
ما توقع لانها مهما سوت حمدان كاشفها وماراح تمشي عليه حركاتها لكن اللي تقدر تسويه هو أنها تفرق بين ابوسالم وعياله وبين ابوسالم وحمدان
أكيد أنها بتتهم حمدان انه يبيها وتوقع بينه وبين العنود

كل شي توقعته ولا أنها ترسم على ابوسالم وذا الشيبه دحدر معها على طول وين الحب لام العيال والعشره سبحان الله رجال مايملأ عنهم إلا التراب
يعني هانت عليك أم سالم لكن اللي بيوجع القلب لو انك أثرت غيرتها مع الحيه وصرت تصدقها وتظلم غيرها
انتبه عائلتك اللي انت تعرفها في الحب والترابط هي عايلتك ماتغيرت لاتخلي الجنيه تفرق بينكم وتخسر عيالك وأمك وزوجتك والد أخوك
بعدها بتنجلط إذا عرفت خبايا الحيه وأمها

العنود ثبتي نفستس مع ابوعبدالله بولد وخليه يتعلق فيتس أكثر واكثر
ولا تصدقين فيه ترا الجنيه بتحاول أنها تخليتس تشكين أن فيه علاقه بينهم جايه الحيه وهي راسمه خطتها على أنها تأخذه

كنت أتمنى أني ارد بعد القرائه على طول أكون متحمسه أكثر تجئ الدعاوي تهل هل فيس يغمزلتس بعينه
منتظرين شئ يفرح قلبنا على أم سالم
ولا تقولين أن المفاجئة اللي تنتظر ابوسالم أن زوجته رحبت فيه وباركت له تكفين أم حمده لاتجلطيني خليها اطنشه وتحقره وتحرق قلبه خروف الحيه

همس الريح 24-12-16 07:20 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مساء النور والسرور
الغاليه ام حمده تسلم عليكن واجد
عندها مشكله ما نزلت معها الفصول
شوي و تكون الفصول عندكن

همس الريح 24-12-16 10:16 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل التاسع عشر
الدنيا اختبارات... فإما أن تخوض غمارها بشكيمة وعزيمة فتفوز فيها أو أنك تدخلها بتكاسل ودون همة فتفشل فيها .
لكن هذا لا يعني أن تخضع لفشلك وتقبع بظلمة أوجدتها أنت بيدك فتندب حظك بالسقوط باختبارك الأول، بل قف وانهض وتسلح أولا بسلاح الصبر ثم العزيمة وضع نصب عينيك هدفك فبدونه أنت لا شيء، وتقدم للأمام دون التطلع للخلف فما مضى انتهى وعليك النظر للأمام، فهناك يقبع نجاحك.
ربما تنجح باختبارك وربما تفشل والنصر هو لمن عاد للوقوف من جديد دون أن يبالي بما حل به، بل يجتهد ليكون أفضل من السابق، ومادمت راغبا بالفوز فاضمن أنك قد نجحت وخرجت من دنياك لتنال جائزتك الكبرى.
مهما طال العمر بنا وقلنا بأننا قد عاصرنا دنيانا وقد غدونا ماهرين بلعبة الزمن فنحن هنا مخطئين!!.. فما دامت رئتينا تتنفس هواء هذا العالم فنحن في كل يوم سندخل بغمار الحياة وبكل مرة سنعتبر ونتعلم، والمهم هو أن نتعلم من أخطائنا السابقة لا أن نعود لنغوص بالوحل ليسحبنا لأعماقه دون أن نقدر بعدها أن نتزحزح من أغلاله، "فالعبرة لمن اعتبر"، "والقناعة كنز لا يفنى" فما دمت قانعا بما لديك فثق بأن حياتك ستغدو للأفضل.
هذا ما كان يحدث به أبو سالم نفسه وهو يجلس بغرفة الجلوس بفترة العصر ويرتشف من قهوته المعدة من تحت يدي زوجته الخبيرة بإعداد ألذ قهوة لم يتذوق مثلها بأي مكان.
وعتاب النفس مازال يجلد روحه، ولكن هل يفيد الندم بعد أن جار شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء؟؟... لا أبدا.
هل يستطيع أن يعيد بالزمن للوراء ليقطع أول بذرة اتصال مهدت نحو طريق ما يشعر به الآن من عذاب ناحية محبوبته؟؟... أيضا، لا أبدا. فالجرح ينزف، والألم يعتصر فؤادها، فكلما عاد من الخارج تنظر إليه تلك النظرة.. نظرة الخائن فتتحول لسهم حاد يخترق به صدره لينغرس بخافقه ليدميه وبعدها تخفيها وتنجلي لتعود كما هي معشوقته ورفيقة دربه.
يعلم بأنها تكابد نزيف قلبها، ويعلم بأنه لن يلتأم بسرعة، فجروح القلب وخصوصا من أحب الناس لقلبك يكون أشد قيحا وألما من أن يغدر بك شخص غريب.
فتذكر صدمته بلقائها بعد معرفتهم بزواجه، لم يتوقع أن تكون ردة فعلها هكذا!!.. لقد أذهلته وجعلته يفقد اتزانه، فقد استقبلته بأذرع مفتوحة وابتسامة مشرقة خلابه بعكس ما كان يتوقع منها فعله من زعيق وصراخ وعتاب واتهام، بل كان مختلفا كأنه كان قادما من احدى سفراته المعتادة.
وجرت الأمور بطبيعية تامة جعلته يتيه ويشعر بكم هائل من الاحتقار لذاته من أنه طعن امرأة عظيمة بظهرها، وغدر بها بعد أن أهدته عمرها وحياتها.
رنين هاتفه أخرجه من جلد روحه وأخفض عيناه عن حبيبة قلبه التي كانت تتحدث مع احدى الخادمات عن شيء ما، كانت رائعة الجمال كأنها عادت فتاته الصغيرة التي تزوجها للتو، وعندما حطت مقلتيه على الشاشة المضيئة تجهم وجهه ثم ما لبث أن زفر أنفاسه بتعب، لقد تلاعب شيطانه بعقله، وقد أخطأ بحق زوجته وبحق نفسه، هو السبب!!.. ولولم يزين له الشيطان طريقه ناحيتها لكان كل شيء يسير بطبيعته المعتادة.
- ألو.... أنا ابتسام.
كان ذلك أول خيط لدخوله بمنحنى حاد بحياته لم يتوقع أبدا أن يخوضه وهو بعمره هذا، كان عليه أن يقطعه من البداية، لكنه لم يكن يعلم، لم يكن يدرك بأنه سيغوص به للأعماق.
كان اتصالها في البدأ هو السؤال عن أحوال شقيقتها.
- أهلا يابو سالم، أنا أسفة لاتصالي بوقت مش مناسب.
- لا ولا يهمج يا بنتي اتصلي بأي وقت.
- دا العشم فيك يا بو سالم، أنا سمعت عنك كتير من عمو، إنك راجل تعرف الحق وفاهم وعاقل وكلك مفهومية.
- مشكورة وماقصرتي، بس ما عرفت سبب اتصالج؟؟.
- أنا زعلانه على أختي عنود، وعاوزة أطمن عليها، وكمان مش عاجبني عمو وهو زعلان من اسلوب بنته بالكلام معاه.
سكت ولم يجب وانتظر الباقي.
- عمو مكنش يؤصد يلي عمله، هو كان أصده كل خير، كلنا عارفين ازاي عنود متعلأة بأخوها وكنا خايفين عليها من ردة فعلها.
- حتى ولو... هذا ما كان يعطيه الحق إنه ما يخبرها بأنه مات.
- أيوا احنا عارفين، بس خوفنا ليحصلها حاجة، فسابته يعمل كدا.
- طيب وش المطلوب مني ألحين؟؟
- أنا عارفة إنك راجل طيب وتأدر بحكمتك إنك تهدي الوضع بين عنود وبباها.
وبسبب طيبته وافق على طلبها ومنذ ذلك الوقت بدأت اتصالاتها، في البداية كانا يتحدثان عن العنود وبعدها تغير مساق الحديث وصار مختلفا، لم يعلم لما لم يخبر زوجته بتلك المحادثات،

همس الريح 25-12-16 08:37 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
لا يعرف لما سكت وصار سره الخاص، وكان سر ينتظر اتصاله بلهفة، فقد أدخلته لعالم آخر لم يزره قط حتى مع معشوقته.
في البداية رفضه وقاومه بشدة فقد كان فحوى حديثها كالدخيل والمتطفل لمفهومه بالغزل، لكن رويدا رويدا صار يطوق إليه، وشيطانه يوسوس له بأنه مجرد حديث فقط ولن يضر بشيء، وكم تمنى بأنه لم ينصت له!!.
كانت تتحدث معه عن أشياء لم يعرفها قط ولقد استغلت جهله دون أن يعرف بمهارة.
رسمت له لوحة عن شبابه ولونتها وتغنت بها بأحلى الألوان.
أعمت بصيرته عن رؤية الطريق الذي يسلكه، وظللته بضحكتها الرنانة وبحديثها المعسول ليتحول بعدها للاغواء العلني وقد تفننت باثارته واشعال فتيل هرموناته ليغدوا طواقا لسماعها وهي تهمس له بأعذب الألحان، ولم يشعر بنفسه وهو يدخل بقدمه لفخ الصياد.
لقد أراد دائما البعد عنها وقد حاول مرارا عدم الرد عليها، لكنه غدى كمن أدمن على أحد الأدوية السامة والمريحة بآن واحد، ليطوق لسريانه بشرايينه، وبغباء منه اعتقد بأنه يبحث عن حل لمعضلته فسأل أحد أصدقائه يبحث عن مشورته بكيف يبتعد ليخبره الآخر بسر لم يعلم به أحد أبدا، ولطالما قام به عدة مرات ألا وهو الزواج "بالسر" !!... ويكون تحت شروط محددة من قبله وينهي زواجه متى ما أراد هو، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
صمت حل بالمكان بعد انقطاع رنين الهاتف وأخذت عيناه تبحث عنها وشاهدها هناك تقف مع والدته تعينها على السير، تلك هي زوجته الحنونة، تلك هي صغيرته وحبيبة قلبه، كيف استطاع أن ينظر لامرأة أخرى غيرها؟؟... كيف استطاع أن يكسر قلبها؟؟...
رنين الهاتف أعاده من شروده، والشاشة تضيئ بنفس الرقم فنهض متثاقلا واتجه ناحية المكتب وهناك فتح الخط بعد أن جلس على المقعد:
- هلا ابتسام شخبارج؟؟
سكت يستمع وبعدها أجاب:
- ما أقدر أروح عندج اليوم، أنا تعبان وودي أرتاح.
أغمض عينيه وصوتها الغاضب يصله عبر الأثير وبعد فترة من الصمت رد عليها:
- اسمحيلي تعبان وما أقدر، انت روحي وين ما تبين، أنا عبيت لج البطاقة الائتمانية وتقدري تستخدمينها.
وأغلق الهاتف ليناظره للحظات ثم وضعه على الطاولة واتكأ للخلف ليتأمل سقف المكتب يتفكر بحياته التي انقلبت رأسا على عقب، لقد كان يعيش حياة مستقرة وهادئة والآن صارت حياته مثل الصاروخ الحربي يتنقل من مكان لآخر مع زوجته التي لا تكل ولا تمل من رغباتها بالتسوق وبالسهر بالخارج والسفر وغيرها من الأمور التي انعكست على صحته بالسلب، فهو لم يعد شابا ليستطيع مجاراتها وهنا أخذ يفكر.. كيف لم يضع عمره بالحسبان عندما أراد الزواج من فتاة بعمر أطفاله؟؟.
وتذكر ما قالته والدته له عندما عاد للمنزل بالمرة الأولى:
- يا وليدي يا حسن انت تشتغل بالذهب، ومن جوفة وحدة تعرف إذا كان أصلي ولا تقليد، لكن شكل نظرك اخترب وما عاد مثل الأول.
تنهد وزفر واستغفر الله فلم يعد الندم يجدي نفعا، ولا الحسرة على ما فات تفعل شيء، عليه فقط لملمة الأمور ووضعها بنصابها الصحيح، هو أخطأ وعليه الآن تصحيح خطئه.
فتح الباب ليطل من خلفه ولده سالم فأقبل على والده مقبلا على رأسه.
- شخبارك يا الوالد عساك طيب؟؟
- الحمدالله يا وليدي أنا بخير، انت شخبارك؟؟.. ما عدت تقعد مثل الأول معانا، ليكون زعلان؟؟
ليسارع سالم بالنفي:
- ما عاش يلي يزعل منك يا بوي.
- أنا عارف إنك زعلان انت واخوانك، وماخذين على خاطركم، بس شو أسوي... .
قاطعه سالم وهو يرى الانكسار والخجل يعتلي ملامح والده:
- أقطع لسان أي واحد يلي يغلط بحقك يا بوي!!.. وانت ما سويت منكر انت أخذت بشرع الله واحنا ما لنا حكم عليك علشان نقولك سوي هذا ولا تسوي جذا.
طالعه بانبهار ونفخ صدره وقال:
- أمكم ربتكم صح، الله يحفظها ويخليها لنا يا رب!!.
- آمين يا رب العالمين
ثم انخرطا بحديث آخر عن الأعمال وأشياء أخرى مبتعدين عن همومهم ومشاكلهم .
*****************************
وفي الجهة الأخرى......
رمت الهاتف على الطاولة بغضب ومن ثم رمت بجسدها على الأريكة وهي تسب وتلعن:
- آل تعبان آل، وأنا عارفه إنه بيتهرب مني ومش عايز يجي عندي علشان المحروسة مراته متزعلش.
- وما له يا بنتي سيبيه يعمل يلي عوزة، متربطهوش وتخليه يزهق منك بسرعة.
فهمست ابتسام بشرود:
- يا ماما حسه إنه بيفلت من إيدي، ومبآش زي الأول.
فسألتها الأم باستفهام:
- ازي يعني مش فهمة؟؟.. إزاي بيفلت من ايدك؟؟.
طالعتها ابنتها وتابعت بهمس خائف ليس على خسارته بل الخوف على خسارة تلك الأموال التي تتدفق عليها:
- كأنه يماما انفك الغطا من عنيه وبص كويس ومعجبهوش يلي شافوه أدامة، ودلوأتي عايز يصلح الغلط يلي عمله.
شهقت الأم وخبطت على صدرها بفزع، وهتفت:
- أوعي يا بت تؤوليها!!.
فركت ابتسام كفيها ثم ما لبثت أن نهضت من مكانها وأخذت ترزح المكان جيئة وذهابا وهي تقول:
- مش عرفة يا ماما بس ده يلي حساه، ولما بيجي هنا بلائيه بيمل بسرعة مش زي الأول، بيؤعد ساعة سعتين وبعدها بيتحجج بحاجة وبيطلع ومبيرجعش.
- يخيبك يبت، وكل ده بيحصل وأنا معنديش أي خبر؟؟
لتجيبها ابنتها بنفاذ صبر:
- ما أنا بالأول مدتهوش سالفة، لكن بعدها حسيت انه بيبعد وبيطول بالعأده عند مراته الأولانيه ومبجيش البيت عندي إلا لما أنا بطلبه.
فسألتها والدتها:
- ومن امتى الكلام ده؟؟
- يجي من اسبوعين تلاته، معرفش يا ماما معرفش!!.
ورمت بثقلها على الأريكة وأكملت:
- هو اتغير من لما راح عندها لما انكشف كل حاجة، ومش عرفة إي هو يلي جرى هناك وغيروا كدا علي، دا مبآش طايئني خالص.
- يا لهوي يا بنت وانت لساتك أعده وحطه ايدك على خدك؟؟.. ما تؤومي وتتلحلحي شوية، هو انت عاوزة حد يؤلك تعملي ايه علشان تسحبي الراجل لعندك؟؟.
ناظرتها ابنتها من طرف جفنيها وأجابتها بدون نفس:
- آل يعني معملتش حاجة!!.. ما أنا عملت وتحركت، لكن الراجل العجوز معدش بيبص علي زي الأول، ويلي خوفني أكتر كان بيبص علي كأنه ندمان.
والتفتت لوالدتها وأمسكت بكفيها قائلة برجاء:
- ماما.. أوليلي أعمل ئيه؟؟.. مش عيزه أرجع زي زمان، الدنيا هنا حلوه ياماما ومش عيزه أرجع للفقر.
وبدأت تولول وتبكي حضها السيء بخسارة تشعر بها تقترب، وحياة الجاه والمال بدأت تنسل من بين أصابعها، وخطط وأحلام بدأت تتلاشا، ظلت الأم صامتة لفترة من الوقت إلى أن قالت بجمود:
- بطلي عياط واسمعيني كويس، ويلي أؤله يتنفذ .
هزت ابنتها رأسها موافقة وأخذت الأم تهمس لها بشر وتناست الحي القدير الذي يسمع ما بداخل النفوس، فما بالك لمن اختار الشر طريقة، وغفل أن الله قادر على كل شيء وأن العدالة ستأخذ مجراها عاجلا أم آجلا، وأنه يمهل ولا يهمل.

همس الريح 25-12-16 08:39 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
ودعتها والدتها عندما حل المساء على أمل اللقاء لمعرفة ما فعلته وعندما همت بالدخول لغرفتها لترتاح قبل أن تنفذ ما قيل لها حتى رن هاتفها بنغمة خاصة تعرفها جيدا لتجيب بسرعة وبشوق كبير وقد تبدل حالها للنقيض تماما:
- وحشتني يا مجنون.
وابتسمت بدلال وهي تستمع لكلمات الغزل من الطرف الآخر لتقول بعدها:
- هو أنا موحشتكش ولا ئيه؟؟
قضمت شفتيها وهي تسمع كلمات أطربت غرورها لتهمس بعدها:
- طب تعال أنا مستنياك.
وأغلقت الهاتف وما هي إلا لحظات حتى سمعت طرقات خفيفة على الباب فسارعت لفتحه ودخل مغلقا الباب خلفه بسرعة قبل أن يراه أحدهم.
تأملته بشبق لم تخفيه، وعيونها تجري على عضلاته البارزة الظاهرة من خلف قميصه، فارتفع صدرها بإثارة وتقدمت ناحيته لتحط بكفها على ساعده تتلمس عضده وهي تهمس بعاطفة مشبوبة:
- وحشتني أوي.
التفت ذراعيه حول جسدها لتشهق بنشوة الاحساس بجسد رجولي وهمس هو عند أذنيها بمكر رجل يعرف كيف يحصل على غايته:
- هو جوزك ميعرفش يشبعك؟؟.
لتجيبه بإغواء:
- أبدا.. دا حتى مابيحسسنيش بأنثتي.
انخفض حاملا إياها وهو يقول:
- وأنا أنفع؟؟
هزت رأسها بالموافقة واقتربت من شفتيه تزيد من اثارته لتصله لحد الجنون من الرغبة بها:
- انت راجل وسيد الرجال.
وساقته قدماه كمن تعرف طريقها دائما ناحية غرفة كانت قد اختيرت لتجمع جسدين بالحلال، لكن ماذا نقول لمن أغلق عينيه عن نور الاسلام، وظنهم أن ستار الليل سيخفي فجورهم، وأن لا أحد يراهم، ولكنهم كانوا غافلون بأن الله يرى كل شيء، وأن معاصيهم تكتب وتسجل بكتاب كبير، وأن الجزاء من جنس العمل.
*********************************

وفي الجناح الخاص لحمدان تربعت عنود الأرض مع الأطفال وانتشرت حولهم الكتب والكراسات.
أحيانا تنظر لحنان لتتابع معها واجباتها وأحيانا أخرى تراقب عبدالله ثم تعود لقراءة الكتاب الذي استعارته من مكتبة زوجها .
- ماما عنود أنا خلصت الواجب.
- عفية على الحلوة، بس خليني أجوف حليتي المسائل صح ولا في أخطاء؟؟.
أعطتها كراسها وتطلعت عنود للواجب بسرعة إلى أن هتفت لها وهي تسحبها لحضنها:
- عفية على بنوتي الحلوة الشطورة، حليتي كل المسائل صح.
اعتصرتها بقوة لتبادلها حنان العناق بالمثل مستنشقة عبير الأمومة التي دائما ما طاقت لها منذ أن فقهت من أنها لا تملك أي أم، والآن هي سعيدة بل تكاد تطير بالسماء من فرط فرحتها بوجود من تحتضنها وتخبرها بأن كل شيء على ما يرام.
أبعدت عنود حنان عنها بعد أن طبعت على رأسها قبلة ثم حادثتها:
- يلا حبيبتي لمي كتبج وأقلامج ورجعيهم للشنطة.
والتفتت لعبدالله محدثة إياه وهي تمسح على شعره:
- وانت حبيبي عبادي خلصت ولا بعدك؟؟
- لا ماما عنود، أنا خلصت الواجب خلاص.
سحبته أيضا لحضنها ولفت ذراعيها حول جسده الصغير هامسة له أيضا:
- عفية على البطل.
طبعت قبلة على رأسه ثم تناولت الكراس طالعته للحظات ثم أغلقته قائلة:
- ما شاء الله عليكم يا أولاد شطار، الله يوفقكم دوم، وينجحكم، وإن شاء الله تاخذوا أعلى المراتب.
كانوا يستمعون لدعواها لهم بابتسامة جميلة مشعة فرحة لسماعهم من يدعوا لهم ويهتم لهم، إلى أن قال عبدالله بشيء من الخجل:
- ماما عنود أنا لما أكبر أبا أصير طيار.
أحاطت كتفيه بذراعها السليمة فمازالت الجبيرة تتملك ذراعها اليسرى فطريق شفائها مازال طويلا.
فتابع يقول وهو يناظرها بعزيمة لا تخطئها عين:
- بصير طيار مثل ما كان أخوج مايد يبي صح؟؟.. انت قلتي قبل أنه كان يحلم أنه يصير طيار لما يكبر؟؟.
غامت عيناها بمشاعر مضطربة وسحبت عبدالله ليتوسد رأسه صدرها وذكراه تعود لتطفوا حولها....
- اختي عنود تعرفين لما أكبر شو أبا أصير!!.
تركت كوي الملابس والتفتت لشقيقها النائم بسريره ووجهه شاحب، وعيناه جاحضتان للخارج، ووجنتيه غائرتان، وجسده هزيل حتى أن عظامه قد صارت بارزة وهذا بسبب صحته العليلة، لكنها ابتسمت له ولم تعر ما شاهدته أي اهتمام، فالأمل بشفائه كان بحجم الجبل بداخلها، وايمانها بالله بأن كل شيء مكتوب ومقدر وما حكم به الله سيحدث، وهي تدعوا لله بأن يشفي شقيقها.
- لا حبيبي ما عرف شو تبي تصير لما تكبر، يلا قولي؟؟
تحركت ناحيته وجلست بجانبه ليطالعها بابتسامة لم ترى لها مثيل وهمس بأنفاس مقطوعة، لكن كانت تحمل الحلم والتمني والرغبة فاليأس أبدا لم يكن يتملكه مهما انتكست صحته:
- لما أكبر بصير طيار.
- وااااو روووعة، وأنا أكون اخت الطيار مايد، يا سلام!!.
ناظرته مضيقة عينيها وقالت وهي تشير بإصبعها بتحذير:
- عاد لا تنساني وما تاخذني معاك بالطيارة !!.
قهقهة بسعادة وأجابها بابتسامة واسعة، والحلم يكبر بداخله:
- أكيد باخذج معاي، ولا انت تشكين بالموضوع ؟؟
رقت ملامحها بحنان وأمومة وأجابته بنعومة:
- لا حبيبي، أنا أعرفك زين، فمستحيل ما تاخذني معاك.
هز رأسه موافقا ثم عاد للهمس فقوته لا تسمح له برفع صوته:
- بس ادعيلي يا عنود وقولي إن شاالله!!
لتردد خلفه بقلب ينبض بكل الأمنيات بأن يشفى شقيقها:
- إن شاالله.
كانت أحلامهم في ذلك الوقت بسيطة، وأمنياتهم غير متكلفة، ولكنهم استيقظوا على واقعهم الأليم، ووقفوا على جنب وهم يشاهدون أحلامهم وأمنياتهم وهي تتكسر أمامهم دون أن تكون لديهم الحيلة لإيقاف تحطمها.
لمسات رقيقة حطت على وجنتيها لتكتشف بأنها كانت تبكي دموع الاشتياق ودموع الحزن على ما فات.
- لا تبجين ماما عنود.
أخفضت عيناها للأسفل لتتطلع للوجه المتألم لألمها، لتجيبه بألم يعتصر فؤادها:
- أنا ما أبجي حبيبي، هي بس طاحت غصب عني .
لتهتف حنان :
- إن بجيتي راح أبجي أنا بعد.
لفت عنود ذراعها اليمنى حول جسد حنان بحرص خوفا من أن تؤذيها بجبيرتها وهمست لها:
- لا حبيبتي لا تبجيني، حتى جوفي ما في دموع .
أخذت أنفاسا عميقة ثم تركتها ثم أعادت الحركة لتعود بعدها لعبدالله محدثة إياه بحب وامتنان وكفها حطت بها على وجنته:
- الله يخليك لي يا رب ويحفظك من كل شر!!.. الله يفرحك دوم مثل ما فرحتني، بس يا عبدالله ما بيك تصير طيار بس علشاني أنا....
قاطعها:
- لكن.....
لتسارع بالقول:
- اسمعني زين يا عبادي، شي حلو إنك تحاول تفرح الناس من حولك، وانك تسوي كل شي يعجبهم، لكن هذا الشي بضيعك انت!!.. راح يجي يوم وتسأل نفسك أنا شو سويت لنفسي؟؟... وبدور حولك لكن ما بتحصل شي، أخوي مايد مات الله يرحمه، ومات كل شي معاه، وهذا ما يعني إنك تروح تبي تصير مثله بس علشان ترضيني.
- بس أنا يا ماما عنود من الأول أبي أصير طيار، ولما قلتي لي عن حلم أخوج، صار بداخلي شي يقولي إني لازم أحقق حلمي وحلمه وحلمج، يعني هذا الحلم علشاني، وعلشان أرفع راس أبوي بعد، ويكون فخور فيني.
احتضنته من جديد بامتنان وشكر وتقدير لهذا الطفل الصغير الذي سيحقق الحلم وسترى به شقيقها.
قبلته بكل الحب الذي تكنه له، ليبتسم باستحياء وهو يستمع لشكرها وامتنانها:
- حبيبي يا عبود، ربي يحميك ويحرسك من كل شر، وإن شاء الله تنال يلي تتمناه!!.
فرك شعره وقال بهمس:
- انزين خلاص.
فضحك الجميع على خجله ولم يشعروا بالعيون المتأملة لهم، ولا بقلبه النابض من قوة مشاعره وعواطفه لرؤيته لأطفاله يتحدثون عن أمانيهم وأحلامهم ويمرحون بعفوية، لم يرهم قط هكذا، لطالما كانوا هادئين وساكنين، لكن الآن.....
تحركت عيناه على من كانت السبب بتغيير أطفاله، بل هذا التغيير قد شمله هو أيضا والكل قد لاحظ هذا التحول وهنأه عليه، لقد صارت عنود مصدر بهجة للعائلة، وصارت عمود لا غنى عنه لعائلته.
ظل لبعض الوقت يتأمل جمالها الذي سلب عقله وجعله تائها في بحور فيروزها العشبي، كانت ترتدي قميص أبيض ذا أكمام قصيرة، ذا قبة مثلثة وله شق طولي من الأزرار فك أول زرين ليظهر غور صدرها البارز، وفوقه جاكيت بني من خامة القماش مخرم بنقوش جميلة، وحزام عريض ذهبي اللون توسد خصرها النحيل، وبعدها تنورة ذا طراز فرنسي تهدلت فوق ساقيها، وشعرها الأسود الطويل رفعته بمقبض على شكل وردة فوق رأسها بشكل عفوي لتتهدل حول وجهها بعض الخصلات المتمردة من قبضتها المستحكمة، وقذلتها تساقطت خصلاتها مغطية جبهتها، وعينيها الوحيدة فقط من أبرزت جمالها الوحشي بكحل أسود، كانت لوحة غاية بالجمال جعلت أنفاسه تنحبس، وصدره يصدر صوتا كحوافر جري الحصان، ولم يستطع البقاء بعيدا عنها ففتح الباب ودخل يعلن عن حضوره :
- السلام عليكم.
وانتفضت لسماعها لصوته الجهوري، وتراقص ما بداخل صدرها كما العادة كلما تناها لأذنيها أوتاره الشجية لتتغلغل لخافقها وتزلزله بكل قوتها، فتشعر بنفسها تتغير وتتحول وجسدها ينقاد له دون ارادة منها، ومازالت تتساءل إلى الآن لما يحدث لها هذا؟؟.. وهل هذا شيء طبيعي يحدث لكل امرأة تكون مع زوجها؟؟.. تريد أن تعرف!!.. تريد أن تعلم لما كل تلك الأعاصير تجول بداخلها فقط من نظرة واحده منه؟؟... ولما تشعر بروحها تطفوا بسلام فوق الورود والزهور وبين الغدران والأنهار تنتشي بلذة الراحة وأمان يتوسد كيانها؟؟.. نعم هي يجب أن تعلم!!.. لكن كيف لا تعرف!! .
لتجيب عليه بهمس خفيض:
- وعليكم السلام
- وأنا مالي نصيب من هذي الأحضان والبوسات؟؟
شهقت بصدمة من قوله وتلون وجهها عندما قهقه الصغيرين وصرخت به:
- حمدان....
لتنهض حنان من جلستها وركضت رامية بجسدها عليه ليتلقفها رافعا إياها لأحضانه، قبلته على وجنتيه وفعل هو بالمثل لتقول له بعدها:
- بابا عيب، ما يصير ماما عنود تبوسك!!.
- ليش يا ماما؟؟.. يعني هي تبوسكم عادي وأنا لا؟؟
- لأن يا بابا البنات ما يصير يبوسوا الأولاد تراه عيب، انت قلتلي صح ولا لاء؟؟
جلس على الأريكة وتقدم عبدالله منه مقبلا إياه على ظاهر كفه ليطبع والده قبلة على رأس ولده ثم عاد يجيب ابنته:
- نعم حبيبتي أنا قلت جذا بس تراه عادي المتزوجين بس يبوسوا بعض،
وأنا وعنود متزوجين مب هي ألحين الماما؟؟
هزت رأسها توافقه:
- هيه هي ماما انت قلتلي عادي أناديها ماما.
- أوكي تمام، يعني ألحين الماما لازم بعد تبوس البابا .
كانت تسمعه وهو يحادث ابنته وتكاد رغبتها أن تطوق كفيها حول رقبته لتزهق آخر نفس منه تجول بخاطرها، وما زاد من رغبتها تلك بتحقيقها هي ما طلبته ابنته منها:
- ماما عنود انت لازم تبوسين البابا ألحين مثلنا، يعني كل ما يدخل البيت لازم تبوسيه.
نهضت عنود بارتباك وتحركت والحنق لمع بمقلتيها مما يريدها أن تقوم به أماما أطفاله، فهي معه لوحدهما ومازالت تستحي منه، فما باله أمام صغيريه!!.
- على وين؟؟
توقفت على سؤاله وأجابته وهي تعود للتحرك:
- للمطبخ بجوف شو بسوي عشا.
كانت تقف عند طاولة المطبخ وهي تهمهم ببعض العبارات التي لم يفهم ما هي، لكنه يخمن ما هي، وبعدها تحركت بأرجاء المطبخ ولم تشعر بوجوده يقف عند الباب ويراقبها.
توقفت تغسل بعض الكاسات لتشعر بعدها بذراعين تحيطانها من الأمام وبقبلة تحط على رقبتها لتصرخ به بعتاب:
- حمدان... الأولاد
قاطعها وأدارها لتواجهه، فأسندت كفيها على صدره العريض ورفعت رأسها ناحيته تنظر إليه وهو يحادثها:
- الأولاد راحوا غرفهم... واحنا صرنا لحالنا.
تاه بها وتاهت به وكل منهما يدوي قصف مدوي بداخلهما، فاشتاق وانخفض، وطاقت وتقبلت، وتلامسا ليغرقا بنشوة أحاسيس لا يعلمون معانيها، فقط أرادوا الضياع، فما أجملها من عواطف تسرقك لدنيا غير دنياك، وعالم لا ترى فيه سوى ينبوع من السعادة لا ينضب .
سطح صلب لامس جسدها وبرودة لفحت بشرتها القشدية وقبل نهمة متعطشة للارتواء انتشرت على كامل جيدها وصدرها فهمست باسمه بمناغاة أطارت البقية الباقية من صبره بالتريث:
- حمدان...
ليجيبها بالقرب من شفتيها المتورمتين إثر قبله بعواطف مشبوبة ودماء قد غلت تعلن عن تخطيها الخط الأحمر:
- لبيه...
لتجيبه بهمس مماثل:
- احنا بالمطبخ
- وإذا......
وقاطع اعتراضها بقبلة أخرست الكون بمحيطهم، ودار الفلك حولهما، وعالم لا يتحدث سوى عن جسدي اتحدا ليكونا كقلب واحد.
***********************************
خرج حمدان مع زوجته وولديه لتناول العشاء بالخارج والفرحة لا تسعهم.
وانطلق بهم لأحد المطاعم الفخمة وهناك تناولوا أشهى الأطعمة وسط ضحكهم ومسامرتهم، كانت ليلة خيالية ورائعة بالنسبة لهم، ومن يراهم يرى عائلة سعيدة ومتحابة .
استأذنت عنود لدقائق للذهاب لغسل يديها وعندما دلفت للداخل غسلت يديها وأخذت تعدل هندامها وتضع قليلا من القلوس على شفتيها النديتين وهناك استمعت لامرأتين تتحدثان واكتشفت سر تلك الاضطرابات التي تشعر بها.
- لموي والله أحبه وأموت فيه.
- تحبين مين يا الخبلة؟؟
فأجابتها الأخرى بهيام وهي تناظر نفسها بالمرآة:
- أحب ولد عمي صلوح، آه يا لموي بس لو تعرفين شو يصير فيني لما يكون عندنا بالبيت!!.
- طاع البنت، طلعت عشقانه!!.
- آه يا لمى أحبه أموت فيه، لو يبي روحي أعطيه له فدوة.
سكتت قليلا ثم همست بضياع:
- آه لو تعرفين قلبي شو يصير فيه جنه بيطلع من مكانه من كثر ما هو يدق، وجسمي يرتجف جني بردانه أو فيني سخونه، وعقلي يطير يا لمى يطير فيني بخيالات وصور لي أنا وصلوح، واي يا لمى حاسة إني بموت لما يكلمني، ولما يروح أحس بداخلي بوجع وخاطري أصرخ فيه وأترجاه لا يتركني ويبعد.
لتجيبها صديقتها وهي تضرب كفوفها ببعضهم:
- لا انت مروحة فيها نهائيا، وخلاص منتهية وطبيتي وبقوة بعد.
ولم تستمع للبقية فما سمعته يكفيها...
هي تحب... هي تعشق زوجها، وتوقفت عند باب الحمام ساهمة وشاردها وقلبها يقصف بشدة، فوضعت كفها عليه تستمع وتسأله:
- علشان كذا انت تدق بسرعة لما يكون عندي؟؟... أتاريك تحب!!.. يعني الحب موجود مثل الأفلام والقصص؟؟
لحظات هي أو ثوان حتى اتسعت ابتسامة مشرقة على ثغرها وكادت أن تصرخ بعدها بفرح من أنها تعشق زوجها وقد اكتشفت هذا للتو.
وانطلقت مسرعة ناحيته ناحية من ملك قلبها دون أن تعلم، وساقتها قدماها ناحية من سرق خافقها بخلسة منها دون استئذان.
آه يا قلبي، لما لم تخبرني؟؟
لما لم تهمس لي بما تشعر به؟؟
آه يا خافقي، أححببت دون أن أعلم؟؟
أوقعت بهوى من كان جلادي؟؟
ألهذا تلونت الحياة بألوان الطيف؟؟
ألهذا أشعر بروحي تطفوا وتحلق بين الغيوم؟؟
أنا أحب، أنا أعشق، آه يا عالم أتسمعون دقات قلبي العاشقة؟؟
جلست على مقعدها بعيون تعانق الأرض خوفا من أن يكشف عشقها بداخلهما، وارتجف جسدها لصوته وهو يحادثها، هي الآن تعلم، هي تعرف، ورغبتها تخبرها بالصراخ بصوت عالي مخبرة الجميع وأولهم هو بما تكنه بداخلها من مشاعر ناحيته .
وسارت باقي الأمسية دون احساس بها فعواطفها قد انشغلت باستكشافها الوليد، ولم تعلم متى خرجوا من المطعم، ومتى عادوا للمنزل، فما علمته للتو كان أكبر بكثير من أن يستوعبه عقلها وقلبها بآن واحد.
ساهمة تناظر نفسها بالمرآة وتفكر بأشياء كثيرا وخصوصا باكتشافها ذلك السر العظيم إلى أن فزت من جلستها كأن عقربا قد لدغها، وشوقها لإخباره قد غلبها.
ارتدت ملابسها ولفت شيلتها حول رأسها أيا كان وأطلقت العنان لساقيها لتسابق الريح ناحية رجل قد تملك عقلها وفكرها وكيانها وقلبها دون احساس منها ووجب عليها أن تخبره قبل أن تنفجر من فرط سرورها.
نزلت السلالم بسرعة والتفتت جهة اليمين تقصد المكتب فقد استأذنها للحظات لإنهاء بعض الأعمال.
توقفت فجأة وتجمدت بمكانها، وأبدا.. أبدا لم تعتقد بأنها ستسمع هذا الصوت وخصوصا الآن.
- إزيك يا عنود؟؟.. وحشتيني وؤلت آجي وأزورك طالما انت معدتيش تزورينا، طبعا ما انت شوفتي نفسك فوق أوي وما عدتيش تبصي لتحت.
التفتت ببطء ناحية الصوت وهمست باسمها وقلبها قد انقبض وانكتم بإحساس فضيع بأن القادم سيكون القاسم بحياتها:
- ابتسام.....
انطلق خارجا من المكتب بسرعة وشوقه لها يقوده ليتعبد بمحراب حنانها ودفئها، صار يطوق لها، وأصبح لا يستطيع النوم سوى وهي بحضنه، لقد غدت جزء لا يتجزأ من حياته.
توقف بمكانه وهو يتفكر متى صارت جزء منه؟؟... لم يهتم ولم يبالي فكل ما يريده هو الغرق معها وما كاد يتحرك حتى تبادر لأذنيه حديث شل حركته وجمد ملامح وجهه وجعل قلبه يلفظ أنفاسه الأخيرة.
استمع وأنصت، وملامح غدت كما البركان المتفجر، وجسد ارتجف من الغضب الجارف الذي سينزل بصواعقه على شخص واحد قد طعنه بخنجره بغدر.
خرج وأعلن عن نفسه والجمود قد تلبسه:
- عنود.....
أدارت رأسها للخلف وشاهدته يقف بعيدا وتراء لها وكأنها ترى ملك الموت يقف أمامها.
- لا.....
صرخت بها بعلو صوتها، هدرت بها من أعماق قلبها، فتوسلته عيناها الاصغاء، لكن هيهات أن يستمع من أصم أذنيه عن سماع الأكاذيب، فقد تجرع من هذا الكأس قديما وما عاد يستسيغ طعمه المر كالعلقم الذي يبقى طعمه الغير مستساغ بمؤخرة بلعومك دون القدرة على ازالته، وما سمعه للتو كان كالإبرة التي قسمت ظهر البعير.
هزت رأسها برفض، وعيناها ترجته، وجسدها تصلب وهي ترى نظراته القاتلة ناحيتها، شعرت بنفسها تموت وروحها تهفوا لبارئها من شرار مقلتيه.
سرت برودة طاغية على كامل جسدها كأن الشتاء قد حل عليهم، وهمست بعد فترة باسمه، لكن هذه المرة خلى من الدلال:
- حمدان...
ليصلها همسه باردا جليديا شعرت به يخترق صدرها ويعتصره بقبضة من حديد كادت أن تزهق روحها:
- الكلام يلي قالته صحيح؟؟
لم تستطع النطق فكأنما حروفها قد هجرتها، وكأنها عادت طفل رضيع يبحث عن لغة للتعبير عما يجيش بداخله، لكن الأعاصير الخارجية منعتها من الإفصاح وهي تشاهدها تتحول وتتشكل لتتخذ منحنا آخر وحاجزا أوسع.
ليهدر بصوت لعلع بطعون الغدر وصرخ بوجع خرج على شكل سيل عارم سيفتك بمن أمامه وخصوصا من أطلق عليه سهام الخيانة.
- ردي علي!!... يلي قالته ألحين صح ولا خطأ؟؟
فخرجت حروفها كخرخرة خروج الروح من جسدها، وكيف لمن هفت روحه للسماء أن يجيب من جاء يبغي اعتصار أنفاسه الأخيرة.
وبعدها لا تعرف ما حل بها سوى احساسها بطوفان هادر قد اجتاحها مقتلعا ما بداخلها قبل أن يجتث خارجها، وسمع دويها بالخلاء فكأنما العالم رحم انكسار يوشك أن يقصم ظهرا كانت قد شدته بقوة كي تحمي نفسها من أجواء التعرية، لكن جاء ذلك اليوم الذي ستسقط به مخفضة عينيها بقهر ناحية الأرض.
سقطت ليتوسد جسدها الأرض من شدة اللطمة التي لامست وجنتها ووقف عند رأسها كالمارد العملاق وأخذ ينفث حممه من أنفه وفمه وعيناه تقدح شرارا وبعدها أطلق رصاصاته التي أودت بها للهاوية
- انت طالق.

همس الريح 25-12-16 08:41 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل العشرين ......

ما باله العالم من حولي؟؟... هل خلا الكون ما عداي؟؟.. لينفك ويرسل لي طعونه الواحدة تلوا الأخرى كأن ما بي لا يكفيني!!.. كأن ما يصيبني ما هو إلا جرعتي اليومية .
لما؟؟... أعود وأسأل لما أنا؟؟.. هل كتب على جبيني بأنني أستقبل مصائب العالم؟؟.
مللت ولم يعد لي طاقة للقتال، تعبت وطاقت نفسي للراحة، فلما تبخل علي براحة تنشدها روحي؟؟.. أعجزتي يا دنيا أن تتركيني لأتنفس الهواء بيسر أم أحببت رؤيتي وأنا أجترح ذرات الأكسجين بألم وغصة؟؟ .
آلمتني يا عالم وصرت مجرد حطام، أوجعتني وما بقي بي من بقايا مجرد أشلاء تنتظر فقط النهاية.
أسير بين الناس كشبح اجتث جسدها بكل قوة ودون رحمة ليبقى فقط طيفه مذكرا إياه بأنه كان في يوم من الأيام يعيش بهذا العالم.
أتسخرين مني يا دنيا؟؟.. أجل.. اضحكِ فقد فزت وتغلبت علي فها أنا أرفع راية استسلامي فلم يعد لي قوة للاستمرار، فجسدي استبده الانهاك، وعروقي قد جفت غدرانها، ودموعي صارت عصية وقد ملت جراحها ونضب ينبوعها فقد زادت آهاتها وكثرت أوجاعها.
آه يا عالم لما لا ترحم قلة حيلتي، وترحم يتما قد عانق طفولتي (( فأما اليتيم فلا تقهر)) لقد قهرتني وكسرتني ولم يعد بأي مكان من جسدي لم تصبه سهام صفعاتك.
أعرف وأعلم بأنك بريء مما يصيبني كبراءة الذئب من دم يوسف، لكن لمن سأوجه اتهامي؟؟.. ولمن أشير إليه رامية بكل ما يصيبني سوى عليك؟؟.. فالبشر قد تعبوا من أحمالي، ونفوسهم قد طاقت لرحيلي، يخبرونني بأنني حمل عليهم ويقذفونني بأحكامهم الجائرة، وأنا تعبت من الدفاع، وأجهدت من الكلام، لهذا صرت أتهمك لعلك تسمعني، لعلك تنصت إلي فتترفق بحالي.
أتريدني أن أتوسل؟؟.. إذا فأنا أتوسلك أن تتركني!!.. أنا أترجاك أن تتصدق علي ولو بالشيء اليسير من رحمتك!!.
أقسم بأنني تعبت!!... أقسم بأغلظ الأيمان بأنني قد أنهكت لحد الهلاك!!.. فما بقي لي سوى أن أطلب الموت رحمة بحالي الكسيرة.
أنا أعتزل عن دنياكم القذرة فابتعدوا عني كما نئيت بنفسي عنكم، دعوني أعيش البقية الباقية من روحي التائهة في عالم الوحدة كما اعتدتها دوما .

"طيف امرأة اختار الرحيل"
**************************
- ها يا بو سالم قدرتوا اطلعوه من غرفته وتعرفوا وشصار؟؟
- لا يا الغالية، ما طاع يفتح لنا الباب، جنه مب موجود داخل الغرفة.
ضربت الجدة كفيها على فخذيها بحسرة وقالت بألم:
- يا ويلي على وليدي من يومين ما طلع من الغرفة، والعنود ما عرفنا وين راحت.
عادت تضرب كفوفها وتندب فرحة لم تتم وسعادة لم تكتمل، وعادت تهمهم:
- يا ويلي على أولادي بيروحون عني وأنا مب قادرة أسوي شي.
اقتربت منها أم سالم تحاول أن تهدئ من حزنها فصحتها لن تتحمل كل هذه الضغوط:
- هدي يا الغالية وإن شاالله تنحل كل الأمور.
لتجيبها بصوت متشحرج ببكاء مكتوم:
- وين تنحل؟؟.. هذاك حابس نفسه بالغرفة ومب راضي يقول لنا شو صار، والثانية طلعت من البيت ولا عرفنا أراضيها .
ورفعت رأسها باتجاهها وهمست بحرقة قلب تشعر بها تصهر صدرها:
- وتبيني أهدى؟؟.
ثم التفتت لابنها سائلة إياه ودموعها تكاد تظفر من معقلها:
- يا بو سالم وش سويت مع العنود؟؟.. ما عرفت وين راحت وين غدت؟؟.
تنهد بتعب وبقلة حيلة وجلس على الأريكة وأجابها:
- لا يا الغالية ما عرفنا وين راحت!!.. رحنا لبيت أبوها قال لنا إنه ما يعرف وين مكانها، وهي أصلا ما زارتهم من يوم جت هي وحمدان علشان تعزمهم للعرس، ولما كنا بنطلع لحقتنا بنتهم الصغيرة أظن اسمها آمنة وقالت إن عنود يتهم البيت وصارت بينها وبين أبوها مشكلة كبيرة فقام وطردها من البيت.
وهز رأسه رافضا ما يحدث أمامه وتساءل بصوت عالي بذهول:
- كيف قدر إنه يطرد بنته من البيت؟؟.. هذي بنت مب ولد علشان يدبر نفسه.
- حسبي الله ونعم الوكيل بيلي كان السبب!!.. حسبي الله ونعم الوكيل!!.. وكلت أولادي لرب العباد وهو رؤوف بحالهم.
ورفعت كفيها المرتعشين بسبب أعصابها المنفلتة وأخذت تدعوا بصلاح الحال وحفظ زوجة ولدها من كل شر وعادت تهمهم:
- كانوا بخير بذاك اليوم ومحلاهم وهم راجعين من برع، شو يلي صار وقلب الحال؟؟
ليهمس سالم بعد فترة من الصمت وهو يستمع لحديث الكبار وفجر قنبلته التي لم يعرفوا بأمرها بعد، فهو كان الشاهد الوحيد عندما نطق بتلك الكلمة وبعدها اجتمع الجميع على صرختها تعلن رفض ما أوقعه بحقها من ظلم، وكان أوان قدومهم قد فات فقد رحلت ولم تخلف خلفها أي أثر.
- أبوي... يدوه.. في شي انتوا ما عرفتوه بعدكم.
التفت الجميع ناحيته وسارعت الجدة بسؤاله بلهفة:
- ها يا سالم انت تعرف شو سبب الضرابة يلي صارت بين عنود وحمدان؟؟.
- لا يا يدوه بس ......
- يا سالم قول الله يخليك أعصابنا ما عادت تتحمل شي.
حل الصمت بالمكان والعيون شاخصة لما سيقال لهم ولم يعلموا بالرصاصة المدوية التي سيطلقها:
أخذ أنفاسا عميقة ثم قالها:
- حمدان طلق العنود.
شهقات رجت أركان المنزل، واستنكار علت وجوههم الرافضة لما قيل للتو، لكن ما يفيد احتجاجهم الآن إذا السيف سبق العزل.
نهضت الجدة تتكئ على عصاها وقالت بعزم وثبات:
- خذوني لغرفته.
***********************************
عيون احتقنت باحمرار شديد شاخصة للأعلى ترى دون أن ترى، ووجه جامد خلا من مظاهر الحياة، وجسد أضجع على فراش يشعر به كما أشواك الصبار تخترق جلده وتؤلمه بشدة كما سهام الغدر عندما تطعنك الطعنة تلو الأخرى فتدميك ثم تتركك إلى أن تنزف لآخر قطرة دماء بعروقك.
يشعر... لا هو لا يشعر بشيء أبدا، لا احساس ولا عواطف، يشعر بأنه متبلد المشاعر، لكن هناك بعقله توافدت له عدة صور، صور من الماضي السحيق الذي تناساه، ولكن ها هو يعود من جديد مخبرا إياه بأن كل جنس حواء ماكرات، ويجري بشرايينهن الخيانة والغدر، وكلهن سواء وكلهن متشابهات.
وعاد لذلك اليوم الذي وجهت له أول طعنه من خناجرهن المسمومة.......

كان أن التقيا في الجامعة، "الجوري" فتاة جميلة ليست بذاك الجمال المبهر، لكنها أعجبته لأدبها وذوقها وكياستها بالتعامل مع الجميع، فأحبها وأرادها زوجه له فما كان منه سوى أن طلبها للزواج فوافقت على الفور وتزوجا بعد أن أنهى تعليمه الجامعي والتحق بالسلك العسكري كما حلم وتمنى، وبعد سنة من زواجهما أنجب ابنه عبدالله وبعد ثلاث سنوات أخرى أنجب ابنته حنان، كانت حياته هانئة وتمشي بروتينية إلى أن جاء ذلك اليوم الذي شطره لنصفين وجعله على ما هو عليه من جمود وكره لهذا الصنف المقيت .
كان أن عاد بأحد الأيام من عمله بعد أن شعر بالصداع وعندما هم بالدخول لغرفته تناها إلى سمعه ضحكتها الرنانة التي أنعشت قلبه وما كاد يضع قدمه ليعلن عن وصوله حتى أخرس تماما وتجمد بمكانه كتمثال شمعي.
- حبيبي حميد اشتقتلك وايد، متى بنلتقي؟؟
سكتت قليلا تنصت لحديثه ثم تابعت:
- شو أسوي حياتي، تراني ما أقدر أطلع، وهو محرص إني ما أطلع إلا معاه.
وضحكت بغنج جعلته يرغب بالتقيؤ واستطردت دون أن تشعر بالمرجل الذي خلفها:
- واي لو تعرف شو كثر يحبني ويسوي يلي أبيه، بس أأشر بصبعي وهو يقول شبيك لبيك.
عادت تقهقه بخلاعة وقالت بدلال:
- علشان تجوف إني مب هينة، وإني أطيح بالطير من السما.
أنصتت لمحدثها عبر الأثير لثوان ثم أجابته:
- ليش تزوجته؟؟.. علشان الفلوس حبيبي، الريال غني وعنده الخير وأنا بصراحة كنت أبي أعيش، هو صحيح أهلي ما قصروا معاي لكن هنا غير، كل شي أبيه أحصله، وهو مغرقني بالذهب والألماس وكل شي، أحلى من هذي العيشة ما في.
عادت تستمع لتقول بعدها:
- مين قال إني أحبه!!.. أنا ما تزوجته إلا عشان فلوسه وبس، ويلي يصير بينا مجرد تمثيل لا حب ولا خرابيط ، ويحمد ربه إني أتحمل كلامه الغثيث.
لتصمت لدقائق وهتفت بجزع:
- لا.. انت مب مثله، انت غير، أنا أحبك وانت تعرف هذا الشي:
لتهتف بعدها:
- هي صح والله إنك نسيتني، خلنا من هذي السوالف وتعال أقولك على شي يهمك، جبت لك الفلوس يلي طلبتها، بس ها شو راح تعطيني بالمقابل؟؟
سكتت وبدأت تئن وتهمس له بكلمات الحب وهناك بالركن القصي قد بدأ يتحرك وقد فك زمام معقله والجنون قد تلبسه تماما وكل ما شاهدته عيناه هو الرغبة بسفك الدماء.
وقف أمامها وهو يلهث بشدة كأنه قطع أميال طويلة وشاقة ليصل حاله بهذا الشكل المخيف، لتشهق بجزع وتسقط سماعة الهاتف من يدها وفغرت فاهها بصدمة من وجوده بهذا الوقت بالمنزل، ولا بد بأنه سمع حديثها ليغدوا كما الشيطان المارد، وما كادت تهمس باسمه حتى بادرها
بشده لشعرها بقوة كاد أن يقتلعه من جزوره، لتصرخ بوجع، لكنه لم يبالي وهمس بفحيح جليدي شعرت به ينخر عظامها:
- تروحين وتلمين زبالتج وتطلعين من بيتي.
فتحت فمها تنوي الاعتراض فقاطعها:
- هشششش ولا نفس، وتنسين إن عندج أولاد، وأقسم بالله لو جفت بس طيفج حولي أو حول أولادي لأدفنج بالأرض بالحيا، ولأوديج إنت وأهلج ورى الشمس وانت عارفة هذا الشي.
ليهدر بها بصوت غليظ:
- فاهمة!!
وانتهى الشريط عند تلك النقطة ليعود لواقعه فما حدث بالماضي ها هو يعود ويتجدد من جديد، لكن بهيأة أخرى .
طرقات على الباب وصلت لمسامعه ولم يبالي بالرد فليس لديه المقدرة على الاجابة على تساؤولاتهم... فماذا يقول لهم؟؟... بأنه رجل غبي والنساء تستطيع خداعه بسهولة ويسر، وأن شخصيته الفذة ما هي إلا قناع يغطي بها غباءه .
عاد الطرق من جديد وهذه المرة تغير الصوت وكان يحمل من الأوامر والصرامة .
- افتح الباب يا حمدان ولد عبدالله.
أغمض عينيه بإعياء ثم نهض بقوة يجتث جسده الميت من السرير وسار بخطى ثقيلة ناحية الباب فتحه ثم تحرك عائدا لمكانه راميا بجسده على السرير.
دخلت الجدة خلفه يساعدها سالم وخلفه والده ووالدته وعندما وصلوا لعتبات غرفة النوم صدموا لما رأوه... فالغرفة لم تعد تلك الغرفة الجميلة والمرتبة والعابقة بتلك الروائح الشذية والعطرة، وأن تلك الأصوات التي سمعوها صادرة من جناحه كان صوت تكسير الأثاث الذي أخذ يحطمه مخرجا ما بداخله من ألم، ليتحول المكان لبقايا أشلاء كما يشعر الآن بنفسه هكذا.
وقعت عيناها عليه وحز بخاطرها رؤيته بهذا الشكل، ولدها القوي سقط وبقوة وهذه المرة تختلف عن المرة الماضية، فعندما طلق زوجته عاد للحياة بقوة وبشموخ دون أن يلتفت للخلف بعكس الآن، وهزت رأسها بحزن لحال صغيرها فيبدوا أن هذه المرة صغيرها قد وقع بغرام زوجته الصغيرة.
- قوم يا وليدي ولا تخلي شي يهز الجبل، قوم ولا تخلي الشيطان يلعب فيك، قوم وتوضا وتوجه لربك هو حلال المشاكل.
ليخرج صوته مهزوزا مريرا جافا كأن جفافا قد عاصره للتو:
- الجبل انكسر يا الغالية.
لتهدر به صارخة:
- ما عاش يلي يكسر جبلي!!.. قوم بالأول واتسبح وتوضا وصلي وبعدين تعال نتكلم.
والتفتت مغادرة ولكنها عادت تقول لا بل تأمر:
- أنا أترياك تحت لا تتأخر علي.
وخرجت بعد أن أمرت زوجة ولدها بأن تهتم بالغرفة.
ظل لبعض الوقت على فراشه ثم نهض يجر جسده الذي صار غريبا عليه كأنه تمرد وما عاد يطيق أوامره بعد مغادرتها.
حمل نفسه وأدخلها تحت رذاذ الماء البارد لعله ينعش روحه الكسيرة، وظل تحت الماء لفترة طويلة وكان أن عادت له بوادر النباهة والتفكير. خرج من الحمام يلتحف بمنشفة حول خصره وسار فوق الأنقاض دون أن يأبه لها واتجه ناحية الدولاب ففتحه لتفوح رائحة عطرية فواحة من داخله كما اعتادت هي دوما فعله بتبخير ملابسه بالبخور والعطور، وكم كان عاشقا لهذه الروائح.
سحب دشداشته بسرعة وأغلق الباب بقوة يمنع ذكرياتها وصورتها من العودة، فلا مجال لها، فما أن يغلق بابه لا يعود لفتحه أبدا، وكانت تجربه فاشلة خاضها عندما أفرج عن فسحة صغيرة من سوره وها هو الآن يجني ثمار تلك الفتحة.
ارتدى ملابسه وخرج من جناحه قاصدا غرفة الجلوس، واتخذ مقعده وشابك أصابعه وانتظر سؤالهم ولم ينتظر طويلا فقد بادرته الجدة سائلة إياه:
- شو صار يا حمدان بينك وبين العنود؟؟
واجابته جاهزة:
- ما صار إلا كل الخير، حنا ما نناسب بعض واتفقنا إن كل واحد يروح بطريجة وهذا كل شي.
لتهتف أم سالم بغضب اكتسحها وهي تسمع حديثه:
- شو هي الدنيا فوضة؟؟.. ما صار لكم متزوجين غير شهر وشوي وتقول ما نناسب بعض!!.
ثم ضحكت بمرارة وأكملت:
- ولا الحريم عندكم لعبة؟؟.. متى بغيتوها خذتوها ومتى ما مليتوا رميتوها.
اعتصره الألم وهو يسمع زوجته تتحدث عما بداخلها، هي تكلمت عن أحاسيسها ومرارتها، هي لم تنسى ولن تنسى ،هي فقط تناست عن قصد فعلته الطائشة كأنها لم تكن، وتتغاضى عن كل ما يصدر منه من خروج ورنين هواتفه هي فقط أغلقت عيناها عما يجري حولها، لكن في باطنها هي ما تزال تنزف وتتقرح.
فأجابها بجمود دون أن يبالي بحرقتها فما به الآن يجعله لا يهتم بحال الآخرين:
- لا يا عمتي أنا ما كنت ألعب وكان هذا اتفاقنا أنا وياها قبل لا نتزوج.
فتحدث عمه بعد فترة من الصمت:
- بس يا وليدي حمدان شهر ونص ما يمديك إنك تحكم على زواجكم، وثاني شي انتوا أصلا كنت زينين وما فيكم شي حتى كنتوا جايين من برع مستانسين، وبعدين تغير الحال، شو يلي صار وخلاكم توصلوا لهذي المواصيل؟؟.
اختلاجة عضلة خدة فقط من استقبلت احساسه لتلك الذكرى ليمحيها بسرعة وينهض من مقعده مصرحا بكل جمود:
- أنا خلاص طلقتها وانتهينا، سكروا على الموضوع كأن شي ما صار، وأظن مب هذي المرة الأولى يلي أطلق!!... فعادي الأمور طيبة.
سكت قليلا ثم تابع:
- وألحين اسمحولي.
وغادر دون أن يزيد حرفا واحدا والجدة ظلت صامتة طول فترة حديثه إلى أن غادر وبعدها أمرت:
- حسن... تطلعلي مكان العنود ولو كانت بتحت الأرض.
- بس يا الغالية سمعتي حمدان وش قال....
رفعت كفها مسكتة إياه واستطردت:
- هذا الولد مب عارف الجوهرة الغالية يلي كانت بين ايده، وصدقني راح يندم على يلي سواه، وراح يبكي دم على فرقاها، لكن ألحين يلي يهمني هذي البنت اليتيمة وين راحت؟؟.. وش تسوي ألحين؟؟... دام إن أبوها خلا قلبه من الرحمة وعق بنته بالشارع فأنا أبيها، هذي بنتي أنا وأنا يلي بتحمل منها.
حل الصمت بين الجميع بعد كلام الجدة والشفقة لحال تلك الفتاة تغشى وجوههم، وتساؤل.. أين ذهبت؟؟
لحظات حتى رن هاتف أبو سالم والتفت الجميع ناحيته بلهفة لعله يحمل الخبر الذي ينتظرونه.
أخرج هاتفه من جيب دشداشته وتطلع للرقم وإذا به يرتبك ويتوتر ورفع عيناه ناحية زوجته دون إرادة لتشيح هي برأسها بعيدا عنه لإحساسها بمن يكون المتصل.
نهض من مكانه معتذرا واتجه ناحية المكتب، ليخلف خلفه قلبا قد سمع دوي تحطمه على الأرض الجرداء فمهما حاولت ودارت هذا الأمر فالدلائل تلاحقها وتحاصرها بركن قصي مخبرة إياها بأن من احتل قلبها وكيانها تشاركها فيه امرأة أخرى.
- ألو...
- ألو... هلا ابتسام شخبارج؟؟
- اخص عليك أنا مخصماك!!.. كدا ما تسألش علي ولا تؤول إن لي زوجة بحبها وهسأل عليها.
تنهد بضيق ثم قال بتعب:
- ما عليه يا ابتسام سامحيني، انشغلت شوي بموضوع خاص وما قدرت أجي أو أتصل.
نهضت من كرسيها بدلال وابتسامة مشعة صرخ بها ثغرها الممتلئ ووقفت تناظر الناس من النافذة كأنها تبحث عن أحدهم بين الجموع الغفيرة، فقالت بعد فترة من الصمت وقد غيرت من ملامحها للحزن:
- انت أكيد بتتكلم عن عنود صح؟؟.. يا حرام أنا زعلت عليها أوي لما عرفت إن جوزها طلأها وطردها من البيت.
قطب حاجبيه بتساؤل وحادثها بذهول:
- وانت مين قالج إن عنود اطلقت؟؟
ارتبكت وتلعثمت وما هي إلا ثوان حتى بادرته بهجوم:
- إيه يا حسن، انت نسيت ولا ايه؟؟
- نسيت شو؟؟
- إن عنود تبأ من عيلتي، وإن ماما تبأ مرات أبوها.
زفر وأضجع جسده على أحد الكراسي ثم قال:
- آسف يا ابتسام ما كان قصدي، بس يلي صار مب شوي، ومستغربين شو يلي صار بينهم.
فسألته بتأني، ورغبة بالمعرفة فالقلق كان أن استبد بها خوفا من كشف أمرها:
- هو انتوا معرفتوش إلي جرى؟؟
- لا ما عرفنا، لا هو قال لنا والعنود مختفية ولا نعرف وين راحت علشان نسألها شو يلي صار.
تنهدت براحة وتراقص قلبها طربا لتقول بعدها:
- معليش يا حبيبي مدايئش نفسك، مسيرها حتطلع، يعني حتروح فين!!.. هي معندهاش أي حد علشان تروحله.
هز رأسه موافقا كأنها تراه فسارعت بالقول:
- معليش يا حبيبي حسيبك دلوأتي أكيد مشغول بحجات تانية مهمة.. باي.
وأغلقت الهاتف بسرعة قبل أن تطلق صرخة اثارة إثر تلاعب صديقها بجسدها، فالتفتت إليه هامسه بالقرب من شفتيه وذراعيهما تلتف حول جسد الآخر، ليلتصق جسديهما ويغديان كجسد واحد.
- يا مجنون!!.
- مجنون فيك.
اتسعت ابتسامتها وعادت تهمس وعيناها تحطان على شفتيه بنهم:
- يا بكاش!!.
تلاعبت أصابعه الماهرة بجسدها ليغدوا كما اللعبة بين يديه يحركه كيفما شاء، وهمس هو الآخر ولا يهمه سوى نيل ما يريد:
- بأول الحقيقة.
- تحلف؟؟
- والله!!.
ثم غرقا بقبلة تحتفل بها بانتصارها على غريمتها التي طالما كرهتها دائما ومنذ لقائها الأول بها، ولطالما أرادت سحقها وكسرها وها هي تفعلها الآن بعد أن رأتها وهي تسقط من غرورها وعليائها إثر كف زوجها الذي جعلها تنتشي بلذة الانتصار لرؤية ذلك الكف يحط على وجنتها، ومن ثم سماعها لتلك الكلمات التي أثلجت صدرها وغادرت بعدها كما اللصة بعد أن نالت مبتغاها من هذه الزيارة، صحيح أنها لم تسر حسب خطة والدتها، لكن ما فعلته تعتبره الأهم بطريق سبيل الحصول على ما تريد وشكرت الله بأن الأمور جرت على هواها ووقفت بجانبها.
*******************************
وفي الجهة الأخرى تحرك ناحية جناحه كأنه ربوت آلي برمج على معرفة طريقه دون أن يتوه ووقف عند بابه ليصله صوت قوي غلبه الغضب والاتهام:
- ما راح أسامحك على يلي تسويه فينا!!.
التفت ناحية الصوت مصدوما لما وجه إليه من اتهام وشاهد ابنه عبدالله يقف وينظر إليه ببرود وجمود.
تأمل طفله الصغير وأخذ يبحث عن ابتسامته المتراقصة بداخل عينيه التي انتشرت مؤخرا ليجد مكانهما جبل جليدي غير قابل هذه المرة للتحطم.
اقترب منه هامسا وراغبا باحتضانه:
- عبدالله....
فتراجع خطوة للخلف رافضا حضنه، فتوقف حمدان والألم يغزوا خافقه من هذا الرفض الواضح من طفله، فهمس برجاء :
- عبدالله يلي صار بيني وبين ......
سكت غير قادر على نطق اسمها ليتابع:
- يلي صار بينا خليه ما يأثر عليك، وخلينا نرجع مثل قبل، بس أنا وانت واختك.
ظلوا يناظرون بعضهم البعض لفترة إلى أن سأله عبدالله:
- ليش ما عطيتها فرصة تدافع فيه عن نفسها؟؟... مو انت تقول لازم ما نحكم على الشخص غير لما نسمع وش عنده؟؟.. ليش تنصحنا بشي وانت ما تقوم فيه؟؟.
لم يعرف ما يقول أو كيف يفهم صغيره بأنها قد وجهت له طعنة خنجر جعلته يسقط من علو شاهق إلى قاع سحيق، ولأول مرة يشعر بالألم يغزوه بالكامل دون أن يكون له القدرة على معرفة من أين ينبض هذا الوجع، ولما بالأصل يتألم؟؟... فبالسابق لم يشعر هكذا فما الذي اختلف؟؟.
- انت لازم ما تتدخل بيلي يصير بين الكبار، وفي أشياء انت بعدك صغير علشان تفهمها.
ليهتف برفض:
- ما ني صغير، وأنا أفهم وأجوف وأسمع وهي كانت تناديك وتترجاك إنك تعطيها فرصة علشان تفهمك الموضوع بس انت ما سمعتها وطردتها من البيت.
تحدث بلوعة الفراق، تحدث بصدر ينبض جراحا على فراقها، ولهث يبحث عن أمان قد فارقه ولم يستطع سوى أن يقول بالآخر قبل أن يعود لغرفته وحيدا دون أن يرى بالداخل من تبتسم له ومن تربت على رأسه وتحتضنه لتخبره بأن القادم سيكون أفضل وأفضل.
- راح يجي لك يوم وتندم على يلي سويته فيها.
- عبدالله.....
لم يأبه لاعتراض والده واستطرد بقلب ينبض ألما:
- ما فكرت إن يلي قالته الحرمة هذيك يمكن كذب؟؟.. تعرف شي... الله راح يبين لك مين يلي يكذب، ولما تعرف شو السالفة ماما عنود أبدا ما راح تسامحك .
والتفت يدير ظهره لوالده ومشى بخطى بعيدا عمن كان السبب بشعوره بالهجر والحرمان.
وقف ينظر لولده وهو يغادر وكلماته تصعق رأسه ولم يستطع التحمل أكثر من هذا فقد شعر بالمكان يخنقه ويضيق عليه، دخل غرفته وسحب مفاتيح سيارته بسرعة وانطلق للخارج دون أن يأبه للنداءات من ولد عمه التي لم يفقه لما يقوله، فما بداخله نار تشتعل، تحرقه وتكويه لحد خروج تقيحات تدميه وتؤلمه.
استقل سيارته وضغط على دواسة البنزين ليدوي صريخ اطاراتها بأرجاء المنزل لينطلق أصحاب المنزل خلفه لعلهم يثنونه عن جنونه، لكنهم متأخرين!!.. فقد أطلق العنان لسيارته وقادها يكاد يحلق بها وانطلق بها للمجهول وكأن الشياطين تلاحقه.
*************************
وفي منزل آخر بعيد عن ضوضاء هذا المنزل الذي بدأت أركانه تهتز وتتزعزع جلست امرأة والخوف اعتلى وجهها، ورجل جلس يقابلها وعيناه تنظر للبعيد وسألته بهلع:
- حتعمل إيه؟؟... مكنش إله لزمه إنك تطردها وتؤلها كل الحجات المستخبية، وخصوصا إن الكل آعد بيدور عليها، خيفة إن كل حاجة تطلع ونطلع إحنا بمولد بلاحمص.
وعندما لم يجبها هزت يده ليصرخ بها وقد نفض يدها ووقف يعلوها:
- شوتبيني أسوي يعني؟؟.. قهرتني وقالت كلام ما قدرت ما أرد عليها، كان لازم أقهرها مثل ما هي قهرتني.
وقفت هي الأخرى والغضب قد تملكها من صراخه عليها:
- يعني معرفتش تديها كفين من بتوعهم وتسكتها؟؟.
- انت ألحين ليش خايفة؟؟.
ضربت كفيها وقالت باندهاش:
- شوف الراجل بيؤولي ليه خيفة؟؟.. لا أنا مش خيفة ولا حاجة بس احنا حنام بالشارع لما ترجع وتطالب بحجتها.
رفع كتفيه بلا مبالاة وهو يعود ويجلس بمكانه ويخرج علبة السجائر من جيبه وبدأ بتدخينها وأخذ يراقب دخانها وهو يعلوا ثم يختفي وبعدها همس:
- بس هي مختفية والكل يدور عليها وما حصلوها، ولو بغت هي حقها كان وقفت وطالبت.
ارتخت أعصابها وناظرته من طرف جفنها وعادت تسأله:
- يعني انت متضنش إنها حترجع لهنا؟؟
تكتك بلسانه وعاد يقول:
- ما أظن انها ترجع بعد يلي صار فيها، عنود أهم ما عندها غير كرامتها وبس، وبعد لا تنسين بعد لما أنا قلت لها من إني مب أبوها.

همس الريح 25-12-16 08:43 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الواحد والعشرون........
تسري بي الأيام في دهاليزها وعمرا ينقضي دون معرفة.
تأخذني بدوامتها فإما أن أخرج منها منتصرا وإما أن أقبع بداخلها منهزما.
فأدور وأدور وأعود لنقطة البداية فأقف وأنظر وأتساءل...
لما لا أستطيع التحرك؟؟.. لما أرى عمري يضيع دون أن أقدر على ايقافه؟؟
توقف بي الوقت ولم أستطع تحريك عقاربها، كأن طاقتي قد نفذت مني.
أغرق وروحي تهدر بي لأبحث عمن ينقذها، فلا أرى سوى سراب يخنقني.
فألوذ بنفسي بعيدا عن غدر الزمن.
من قال أن النساء فقط من تبكي؟؟...
ألسنا بشر من لحم ودم؟؟..
أليس لدينا أحاسيس؟؟
أجل أعرف... نشأنا رجال أقوياء.
والباقي ما هي إلا ترهات قد وجدت للنساء فقط.
أعود وأسأل بالرغم من أنني سرت بطريقي مغلقا عيناي عن كل ما هو حولي ماذا يحدث لي؟؟..
لما ألتفت خلفي كأنني نسيت أحد ما؟؟..
ما به خافقي؟؟.. أكاد لا أشعر بضرباته كما السابق؟؟...
تهت وما عدت أعرف طريقي، ضعت وقد غدا العالم موحشا علي، وما عدت أرى نفسي سوى ظل رجل.
( حمدان )

تمر بنا الأيام وتمضي بنا الأزمان والعمر يضيع وما بيدنا شيء سوى النظر إليه وهو يرحل يوما بعد يوم، وشهر تلوا الشهر، والسنة تتبعها سنة أخرى.
وتساؤل.. هل يرحل الانسان أيضا ويختفي بغير موته؟؟..
هي اختفت كأنها فص ملح وذاب في بحر شاسع كأنها لم تتواجد بهذا العالم أبدا، فقط ذكرى امرأة كانت هنا بالسابق.
أين ذهبت؟؟... الكل يتساءل ويبحث، لكن لا أثر لوجودها أبدا، فقط بقايا أوراق تثبت بأنها ما تزال على قيد الحياة ولم تفارق دنياهم بعد.
مر على تلك الأحداث اسبوع وعادت الأمور لتنتظم بمنزل آل الكتبي، الأولاد في المدرسة، حمدان يخرج ويدخل وكل ما يرون منه هو شبح يسير بين البشر، وأبو سالم يقضي جل وقته بالمنزل وأحيانا قليلة يذهب لمنزله الآخر، والجدة تجلس بصمت كأنها تنتظر شيء ما، والبحث ما زال جاريا عن العنود.
في وقت الظهيرة جلست الجدة وأم سالم بغرفة الجلوس يتحدثون بانتظار قدوم الجميع من أعمالهم أو من مدارسهم وكان أول الوافدين حمدان دخل وسلم عليهم بجمود اعتادوه منه بالآونة الأخيرة وجلس دون حديث أو أي حرف واحد.
لم تهتم الجدة ولا العمة بسكونه وعادوا يتسامرون وبعدها بقليل حضر سعود ومنصور.. سعود بعمر 25 شاب مطيع وهادئ ووسيم، يدرس الهندسة، ومنصور آخر العنقود وسكر معقود كما يقال، شاب وسيم ومرح، يبلغ من العمر 20 ، محب لممارسة الرياضة لينمي عضلاته، ويدرس بالكلية العسكرية، ويعشق والدته كثيرا.
انضموا للجميع وبعد السلام والتحية بدأ منصور بمشاكسته المعهودة واطلاق النكت ليضحك الجميع واخبارهم بالأحداث التي جرت له بالكلية إلى أن دخل الأطفال وخلفهم عمهم سالم، ألقوا التحية بهدوء كان أن اجتاحهم منذ مغادرة من كانت لهم كالحضن الدافئ وعادوا الآن ليلتحفوا جليد الشتاء.
طبعوا قبلة على كف والدهم بصمت والكل يناظرهم بقلة حيلة والشفقة تعانق مآقيتهم على حال هذين الصغيرين وأيضا كبيرهم لم يكن حاله بأحسن منهم، هو فقط أجاد ارتداء قناعه، والتفتوا مغادرين إلى أن أوقفتهم الجدة:
- يا عيال.. بدلوا وتعالوا علشان تتغدون.
التفت عبدالله وأجابها:
- أنا ما بي غدى، كليت فالمدرسة.
لتهمس حنان أيضا:
- وأنا بعد كليت فالمدرسة وشبعانة.
والتفتوا مغادرين لغرفهم والكل يشيعهم بنظراتهم إلى أن اختفوا.
أخفض عينيه وناظر الأرض والضيق عانق صدره مما يحدث مع أفراد أسرته، واتهام نسبه لنفسه، وحقد قذفه لصنف كان السبب بما آل إليه حال أطفاله.
لحظات هي حتى تحدثت الجدة موجهة سؤالها لسالم:
- ها يا سالم شو الأخبار؟؟.. وشصار على موضوعنا؟؟
فرك لحيته ثم أجابها:
- ما في شي يديد يا يدوه، والجماعة يلي وصيتهم يدورون عليها اتصلوا فيني وقالوا انهم ما حصلوها.
تعانق حاجبيه باستفهام، وفضول سرى بداخله لمعرفة عمن يتحدثون، فأنصت يبحث عن اجابات وأكمل الآخر وعيناه التقطت اختلاجات صديقه وابن عمه، فأراد المزيد من هذه التعبيرات ليعود ويتنفس الحياة، ولعله يتحرك.
- ويلي يراقبون بيت أبوها بعد قالوا نفس الشي، هي ما جت عندهم.
انقبض صدره وتراقصت نبضاته بتسارع غريب كأن شيء ما قد صعقها، وتوسعت عيناه بادراك عمن يتحدثون.
رفع رأسه للأعلى والصدمة واضحة كل الوضوح على ملامحه والكل يراقب ويشارك لعل ذلك الغافل يستيقظ من غيبوبته التي أودى بنفسه بها بقوقعة بعيدة عن عالمهم، فجسده موجود بينهم، لكن روحه لم تعد بمكانها وكأنها حلقت لدنيا أخرى غير دنياهم.
لتعقب أم سالم بحزن وأسى لحال لتلك الفتاة التي أحبتها من أعماق قلبها:
- يا ربي وين راحت البنت؟؟.. والله خايفة عليها من أولاد الحرام يس...
فقاطعتها الجدة هاتفة:
- بسم الله على بنيتي!!.. الله يحميها ويحرسها ويرجعها لنا بخير وسلامة.
قلبه صار الآن يطرق بشدة كأن مطرقة عملاقة تضرب به وبكل قوتها على قلبه ليشعر به ينشطر لنصفين، فالحقيقة تنجلي.. عنود قد اختفت!!.
يناظر الجميع ويبحث عن اجابات ولا يرى منهم سوى الصدود وعدم المبالاة بتساؤلاته التي نطقتها مقلتيه.
أراد الصراخ بهم لما لا تتكلمون؟؟.. لما لا تقولون؟؟.. لما الصمت؟؟.
السكون حل بين الجميع، وبركان هائج يموج بداخله ويكاد يطفح من شدة ثورانه، ليصله همس محدثا اياه بعتاب:
- ليش تبي تعرف عنها؟؟.. مب هي يلي خانتك وغدرت فيك؟؟.. خليها تولي، وتستاهل يلي صار فيها، ولو تموت بعد يكون أحسن ونفتك منها.
لترتفع أنفاسه ويلهث صدره يجترح هواءه بصعوبة من تلك الكلمة، وهدر به صوت آخر بكل علو يملكه:
- لا... لا... انت جنيت؟؟.. شو تموت!!.
ليقاطعه صارخا :
- مب هي يلي خانتك؟؟.
- حتى ولو، بس ما تموت، ما تختفي من عالمي.
- انت مجنون؟؟.. وش تبي فيها؟؟.. هذي وحدة "أرخصتك علشان الفلوس، انت كنت عندها ولا شي.
سكت ولم يستطع الرد على محدثه، وأعاد السؤال بعقله عدة مرات " ماذا يريد من امرأة قد غدرت به واتخذته وسيلة لبلوغ هدفها؟؟"
نفض الأصوات بداخله، ورفض شع بمقلتيه، وعندما التفت يبغي السؤال كانت جدته وعمته قد غادرتا دون أن يشعر بهما، فتحرك رأسه تلقائيا ناحية من شاطره أحزانه وأفراحه وفتح فمه يبغي سؤاله فأبت حروفه الخروج كأنها ترفض ما يريد القيام به.
فعاد من جديد ليسأل، هو فقط سيطمئن عن حالها ولا شيء آخر، شيء ما بداخله يرفض غيابها عن محيطه، لكن لسانه عجز عن اخراج ذلك السؤال كأنه يخشى القائه ويسمع مالا يعجبه، فرحم صديقه حاله وهو يطالع ما يعتمله من صراع داخلي، وعلم وفهم هو يريدها لكنه يناقض نفسه، وعليه هو أن يقوده للطريق الصحيح لعله يستطيع ردأ الشق الذي حصل بينهم.
- شكلك ما تعرف شو يلي صار؟؟..
وأكمل دون أن ينتظر إجابة:
- عنود مختفية من يوم ما طلعت من البيت، ولما طلعنا ندور عليها ما جفنها فتوقعنا إنها راحت لبيت أبوها، فلما رحنا نسأل عنها عندهم قال إنها مايت عندهم من يوم ما جت تعزمهم للحفلة، ولما طلعنا لحقتنا اختها الصغيرة وقالت لنا إن عنود كانت هنا وإن أبوها اضارب معاها وبعدين طردها من البيت بنصاص الليالي.
فز من جلسته وقد غلت دماءه بعروقه، وهدر كما الصواعق بليلة ظلماء توشك على كشف ما بجعبتها:
- كيف قدر يطردها بالليل؟؟.. ما يعرف إنها بنت وما هي بولد علشان تدبر نفسها!!.
طالعه سالم بنظرات لائمه ومتهمة وهمست مقلتيه بما لم يبح به لسانه:
- انت بعد طردتها من بيتك بالليل، فليش حلال عليك وحرام عليه.
أشاح حمدان بوجهه بعيد من رؤية الاتهام بعيون الجميع، وقبل أن يتحرك سأله:
- ما سألتوا صديقاتها؟؟.
هز سالم رأسه وأجابه:
- هي ما عندها صديقات غير بنت وحده، وهذي مسافرة وبعدها ما رجعت.
وتحرك حمدان مغادرا باتجاه جناحه بخطوات واسعة وحانقة على تلك الفتاة الغبية والحمقاء التي اختفت دون أي أثر لها، هل تتقصد هذا؟؟.. هل تريد جذب الأنظار إليها؟؟.
رفض تلك الأفكار التي تعبث بعقله فهي ليست من هذا النوع المحب للظهور، ليعود ويستنكر هو بالأصل لا يعرف من أي نوع هي، هو حتى لا يعرفها، بلى هو يعلم من هي، هي امرأة غادرة وخائنة.
دخل لجناحه وتحرك بغرفة نومه جيئة وذهابا كأنه نمر حبيس قفصه ويريد التحرر منه والأفكار تتلاطم بداخله كما الأمواج الهائجة ليتلقف زجاجة عطر من على الطاولة وقذفها على المرآة وهو يصرخ:
- غبية... غبية، وين راحت؟؟.
شد شعره بقوة وناظر نفسه بالمرآة وهمست صورته المشوه اثر تكسر الزجاج:
- انت انسان متناقض يا حمدان، وودي أعرف انت وشتبي ألحين؟؟.
ليجيبها بضياع:
- مب عارف وشأبي، مب عارف.
سكت قليلا واجترح أنفاسا عميقة لتتسلل إليه رائحة فواحة رائحة يعرفها جيدا ولطالما تمرغ بعبقها.
عاد الهدوء إليه واستكان جسده بخدر وعقله قد غاب بذكرى هذا العطر الذي طالما عشقه على جسدها، ليقول بعدها وقد عادت قواه إليه كأن طاقة قد نفذت إليه معطية إياه العزيمة.
- أنا مب عارف يلي أبيه بس كل يلي أعرفه ألحين إني لازم ألاقيها.
وتحرك ناحية الدولاب مغيرا ملابسه العسكرية وبعدها بدأ بإجراء اتصالاته ليجدها أينما كانت حتى ولو كانت بسابع أرض.
*****************************
وبالأسفل حيث بقي الأشقاء سالم ومنصور وسعود يتحدثون.
- طيب لما هو يبيها وخايف عليها كذا ليش طردها وطلقها؟؟.
تساءل سعود بتعجب ليجيبه شقيقه سالم بعيون شابها التفكير والتعمق:
- في شي قوي صار بينهم لدرجة إن حمدان يطلقها ويطردها من البيت، وودي أعرف شو هو؟؟.
ليسأل منصور:
- انزين ولما هو طلقها وما يبيها ليش عصب كذا كان المفروض يسكت ولا يهتم بيلي يصير فيها، يعني حتى إن شاء الله تموت المفروض ما يهتم.
طالعه سالم بحاجب مرفوع وسأله:
- أكيد تمزح؟؟.. جنك ما تعرف ليش هو معصب جذا؟؟.. ما عرف هل هذا غباء منك أو إنك تتغابى؟؟.
فرك منصور شعره الغزير وقال باستغراب:
- لا .. صدق أنا ما عرف!!.
ليجيبه سعود بعد أن صفقه على رأسه بلطمة:
- يا الغبي.. لأنه يحبها .
فرك مكان الضربه وأجاب:
- أها..علشان كذا هو صاير مثل الخبلة
لينهض الشقيقان ناحية منصور والرغبة بدق عنقه على غبائه تظهر على محياهم، ففر هاربا منهما محتميا بالأريكة وهو يحادثهم:
- خلاص يا جماعة هدوا وصلوا على النبي، أنا ما قلت شي.
توقف الشقيقان وناظراه لثوان حتى قال سالم وهو يتحرك مبتعدا عنهما:
- أحسنلي أروح وأيلس مع أولادي أبرك من مجابلة ويوهكم الخسفة.
وانطلق مغادرا ناحية جناحه وفعل سعود بالمثل واستأذن لمغادرة غرفته لطلب الراحة وبقي منصور يناظر خلاء المكان حتى همس لنفسه:
- ويعني أقعد لحالي أكلم الجن؟؟.. خلني أروح أنام شوي والعصر أروح عند الشباب.
وقبل رحيله رن الهاتف ليتأفف من هذا المتصل الذي يتصل بهذا الوقت المتأخر من الساعة فهي تناهز الثانية والنصف ظهرا وبهذا الوقت يأخذ الجميع قيلولة للراحة.
رفع السماعة متوعدا المتصل بالويل ليجيبه صوت طفولي خجول وهامس:
- ألو...
- ألو... مين معاي؟؟
صمت من الطرف الآخر ليعود منصور ويسأل:
- مين معاي؟؟.. وإن ما جاوبتني بسكر التليفون.
لتسارع قائلة:
- لا متسكرش التليفون، أنا.. أنا عوزة طنط خديجة، ممكن تديهالي؟؟.
ليردد منصور خلفها ببلاه:
- طنط خديجة!!.
قطب حاجبيه وعاد يسألها بصوت عالي أخافها قليلا:
- انت مين؟؟.. وشتبين فيها؟؟.
- معليش عوزة أكلمها ضروري....
قطعت جملتها وتناه لأسماعه صوت شهقتها الخائفة وبعدها صوت امرأة تزعق بصوت عالي أصم أذنيه تسألها عمن تكلم لتجيبها بأنها تكلم صديقتها فاطمة، فقطب حاجبيه وأعصابه بدأت تغلي وتساءل ما الذي يجري هنا؟؟.. ولما كذبت الفتاة على المرأة الأخرى؟؟.. وما هي إلى دقائق حتى وصله صوتها النشاز الذي آلم أذنيه:
- مين معاي؟؟.
وتردد ماذا يفعل.. هل يكشف كذب الفتاة وتعاقب تحت يدي هذه المرأة التي لا يعرف من هي أم يساعدها؟؟... أيقظه من تساؤلاته سؤالها الذي أعادته بشي من الصريخ، ليجيبها بصوت أنثى رقيق أتقن تقليده:
- هلا خالتي أنا فطامي صديقتها بالمدرسة.
حل الصمت ولم يعرف ما حدث سوى أن بعد فترة جاءه الصوت الطفولي قائلة ببعض الخشية:
- ازيك يا فطمة؟؟.
حتى تعدل صوتها بسرعة قياسية هامسة بخفوت خوفا من سماعها:
- والنبي تديني طنط خديجة عوزة أسألها عن حاجة مهمة أوي.
- طيب قوليلي أنت وشتبين فيها وأنا أقول لها، لأن أمي مب هنا هي ألحين نايمة.
لا يعلم لما كذب فهو يعلم أن والدته لا تحب النوم في الظهيرة، هو فقط الفضول ليعلم حكاية هذه الصغيرة.
وصلته زفراتها عبر الأثير ليشعر بثقلها عليها كأن هذه الصغيرة تحمل أطنانا من الحمولة على أكتافها، ليعود ويسألها:
- طيب قوليلي وأنا يمكن أساعدج؟؟.
فسألته بخشية:
- انت مين؟؟
- أنا ولدها منصور.
لتسارع قائلة:
- أيوة انت تئدر، يمكن تعرف أي حاجة عن أختي عنود.
وهنا علم من هي وسألها بدراية:
- انت اخت العنود.
- أيوه أنا آمنة أختها، والنبي تؤولي وتريحني، لئيتوها ولا سمعتوا أي حاجة عنها؟؟.
- انت ليش تتكلمين بصوت خفيف؟؟.. خايفة أمج تسمعج؟؟.
لم يصله جوابها سوى أنفاسها المتسارعة دليل صحة سؤاله، ليجيب بعدها:
- لا والله ما سمعنا أي شي عنها، بس صدقيني الكل يدور وما خلينا مكان إلا ودورنا عليها .
عادت أنفاسها تصل إليه وصوت أنين موجع صدر منها كأنها تكتم بكاءها، ليحادثها برقة لعله يدخل الطمأنينة لقلبها:
- لا تاكلين هم، عنود إن شاء الله بنحصلها، وإن شاء الله بتقرين عينج بشوفتها.
لتجيبه بصوت باكي ومكتوم بصعوبة خوفا من خروجه وفضحها:
- طيب متى بجوفها؟؟.. والله اشتقت لها!!.. ولما أبوي طردها من البيت بغيت أروح معاها بس هي ما طاعت.
رفع حاجبه بصدمه من تغير لهجتها، وتذكر لقاءه بها بذلك اليوم عندما قاموا بزيارتهم لأول مرة، لا يتذكر ملامحها جيدا، لكن ما يتذكره هو فتاة خجولة للغاية، وعيناها كانت تعانق الأرض، وعندما هموا بالرحيل تحدثت ويتذكر تغير لهجتها مع العنود ومزاح الأخرى بأن تثبت على لهجة واحدة، فابتسم دون ارادة ليقول لها:
- وانت ما تثبتين على لهجة وحدة؟؟.. اختاري يا إما مصري أو اماراتي.
لتقهقه آمنة بصوت عالي حتى تحول لنشيج باكي آلم قلبه على حال هذه الأخت التي تتوجع لفراق شقيقتها وغيابها المفاجئ عنها، وهمس لنفسه وصورة شقيقتها الأخرى تظهر على صفحة عقله.. شتان ما بين الأختين.
فعاد يحادثها:
- لا تبجين.. إن شاءالله ما يكون إلا كل الخير، وعنود قوية وراح تتحمل من روحها، هي بس تبي وقت علشان تفكر زين وتجمع نفسها.
هدأ البكاء من الطرف الآخر وهمست بحشرجة جعلته بشكل عجيب يرغب بضمها والتربيت عليها إلى أن تهدأ:
- تتوقع جذا؟؟.. هي بس تبي تفكر وبعدين راح ترجع مرة ثانية، صح؟؟.
أرادت التأكيد، أرادت الاطمئنان والتمسك ولو بقبس ضئيل من أن شقيقتها غائبة فقط لأنها تحتاج فسحة ولبعض الراحة وستعود بعدها لساحة القتال كما اعتادت منها دوما.
- هيه عنود قوية وراح ترجع، بس قولي إن شاالله!!.
- والله إني أدعيلها بكل صلاتي إن الله يحميها ويرجعها لي بخير.
- تحبين العنود وايد؟؟.
- أكثر من نفسي. هذي أمي يلي ربتني.
زعيق من بعيد قد جاءه عبر الأثير لتهمس بسرعة:
- طيب أسيبك دلوءتي يا فطمة، ومتنسيش تبلغيني بيلي وصيتك عليه أول بأول.
وعادت تهمس بباقي جملتها:
- بتصل فيكم متى ما قدرت علشان أسأل عليها.
ابتسم لسرعة تغيرها من لهجة لأخرى وأجابها بسرعة قبل أن تغلق الهاتف خوفا من بطش والدتها:
- إن شاء الله ،وراح أنتظر اتصالج بهذا الوقت.
وأغلق الهاتف من جهتها وظل هو يناظر السماعة بغرابة، وكأن بإغلاقها للهاتف قد فقد شيء ما.
نفض رأسه عن هذه التراهات وأوعز الأمر بأنه مشفق على حالها، وأيضا هي طفلة صغيرة فكيف يفكر بها بهذه الطريقة الغريبة عليه!!.. فأبدا لم يدخل بدائرة حياته امرأة حتى ولو مجرد العبث، فوالدتهم قد حرصت على تربيتهم جيدا، وكما أن خوفهم من الله منعهم من الاقدام على القيام بأي شيء يخرج عن التعاليم الاسلامية.
أغلق السماعة وتحرك إلى غرفته ينشد الراحة، ولكن كيف يرتاح وقد زاره طيفها الخجول وقد رسخ نفسه بقاع مركز عقله ولا ينوي الرحيل.
********************************
وفي مكان آخر.....
جلس أبو سالم على الأريكة ينظر لساعته كل حين ومن ثم اعتدل ما أن جاءه صوتها الناعم:
- البيت نور يا حبيبي.
- النور نورج.
وضعت صينية القهوة على الطاولة وحملت فنجان قهوته التركية واتجهت مضجعة جسدها ملاصقا لجسده وأهدته فنجانه ليتلقفه بعد أن شكرها، ولفت ذراعيها حول جسده وأرخت رأسها على كتفه وحادثته:
- كدا يا حبيبي تآطعني ومعدتش تيجي؟؟.. هو انت معدتش تحبيني ولا إيه؟؟.
ارتشف قليلا من فنجانه ثم وضعه على الطاولة وأجابها:
- انت عارفة الموضوع يا ابتسام، وما أقدر أترك البيت بهذي الحالة وأجي عندج.
- ليه هو انتوا لسه معرفتوش عنود هي فين؟؟
- للأسف ما نعرف إلين ألحين هي وين؟؟.. أو وين راحت أو هي مع مين؟؟.
- وجوزها عامل إيه؟؟.. أكيد بيدور عليها هو كمان؟؟.
- حمدان...
ضحك بسخرية ثم استطرد:
- بالعكس ولا هو سائل عنها، وصاير ما يقعد معانا مثل أول، كل شي تغير بالبيت وما عاد مثل حاله.
تراقص قلبها طربا للحال المتردية التي تعيشها الآن عدوتها، وخيالاتها تشطح بها بكيف صارت الآن ذليلة مكسورة، لا سند ولا قوة، ومشردة تطوف الشوارع.
كم تتمنى أن تراها الآن بثياب مهملة وقذرة، وجائعة لتتوسلها وتقبل قدمها فقط لترحم عجزها!!.
توسعت ابتسامتها وارتفع صدرها بغبطة إلى أن قاطعها زوجها قائلا:
- أنا لازم أروح ألحين البيت، أكيد يتريوني على الغدى.
انتفضت صارخة:
- ليه... هو أنا مش مراتك ومن حقي انك تؤعد معاي؟؟.. وكمان تبات زي زيها؟؟.
أصابه الضيق وابتعد عنها ناهضا من مكانه والتفت إليها مجيبا اياها بحزم:
- ابتسام.. لما تزوجنا قلتلج كل شروطي ومن بينها إني متى ما حبيت بي عندج، وقلتلج أم سالم عندي بالدنيا كلها، وهي الأهم وانت وافقتي على كل شي، وقلتي إنج راضية، بس شكل كل يلي قلته صار ما يعجبج، وصرتي تبين أكثر وأنا مب مستعد إني أعطي.....
قاطعته وهي تهتف وتتحرك ناحيته بسرعة:
- لا متؤلش كدا، وأنا أسفة مكنش أصدي.
احتضنته وتابعت وهي تلوم نفسها على انفجارها:
- أنا بس اشتأتلك.
تنهد واحتضنها وتابعت هي بمكر أنثى ترغب وتريد ولن تذود عن تحقيق أمنياتها، واستطردت:
- أنا طلبتك علشان محتاجاك بالفترة دي إنك تكون معاي.
تأفف حسن وأبعدها عنه وهتف:
- بس أنا ريال مشغول وعندي مسؤوليات كثيرة وانت عارفة هذا الشي.
تراجعت للخلف وبتمثيل متقن بدأت لعبتها..
دموع هطلت بمهارة على وجنتيها، ونشيج بدأ يخرج من ثغرها، والتفتت تغادر ناحية غرفتها بخطى بطيئة وهي تهمهم:
- أنا أسفة!!.. خلاص روح وأنا ليا ربي مش محتاجة حاجة منك.
رقت ملامحه، فهو عند دموع الأنثى يتوقف ويتراجع.
لحق بها وأمسكها قائلا بهدوء وحنان:
- أنا آسف يا ابتسام!!.. بس أنا صدق مشغول ووراي أشغال.
أمسكت به وبكت على صدره وهمست:
- بس أنا محتاجاك أكتر بالفترة دي.
أبعدها عنه قليلا وأخذ يمسح دموعها وسألها:
- شو تبين يا ابتسام وأنا حاضر.
توقفت دموعها وقالت بابتسامة ماكرة لم يلحظها:
- مش أنا يلي محتاجة، ده هو يلي محتاجك.
وسحبت كفه ووضعتها على معدتها المسطحة ليسأل حسن دون فهم:
- ما فهمت عليج؟؟.
رفعت رأسها ناحيته وقالت بكل قوة:
- مبروك يبو ..... أممممم انت عايز تسمي ابنك إيه؟؟
بهت قليلا من كلامها ولم يفهم، وظل واقفا يتطلع لوجهها وتارة أخرى لكف يدها وهو يتحرك على بطنها إلى أن زعق بها ودفعها عنه:
- انت جنيتي يا ابتسام؟؟.. أنا مو قلت مابي عيال وكنا متفقين على هذا الشي، شكلج صرتي تلعبي من وراي وأنا ما عرف؟؟.
جزعت وتوترت إلى أن بدأ جسدها يفرز حبات من العرق، والرعب نهش قلبها من أنه قد كشف خيانتها.
ظهرت أمامها بوادر الاغماء أو كما ظنت أن ملك الموت قد جاء ليأخذ روحها، وتحرك من أمامها وأخذ يسير بكل اتجاه إلى أن توقف وعاد يصرخ:
- أجوفج لغيتي كل شي اتفقنا عليه؟؟.
تنبهت حواسها على ما قاله، ثم ارتخت أساريرها وتنهدت براحة من أنه لا يعلم أي شيء، فعادت تحرك رؤوس عقلها إلى أن قالت بألم:
- يعني أنا لوحدي يلي عملته؟؟.. مش انت جوزي ولك يد بيلي حصل؟؟.
- بس كان اتفاقنا انج تاخذين منع.
- وربنا قادر على كل حاجة، يعني أرفض رزق ربنا؟؟.
حل الصمت بينهما ثم أخذت تتراجع والدموع تعود وتظفر من مقليها وهمست:
- اتوقعت انك تفرح، بس متهتمش أنا حعمل يلي انت عاوزه ومش حتسمع عنه أي حاجة، وربنا يسامحني على يلي حعمله.
وجلست على الأريكة وأخذت تبكي بصوت عالي.
أغمض عينيه والهم قد أثقل كتفيه، وصورة حبيبته تتجسد أمامه وتساءل.. هل ستسامحه هذه المرة؟؟.. هل ستسير الأمور بينهم كأن شيء لم يحدث؟؟..
ما بيده حيلة وهو انسان مؤمن بالله ويستحيل أن يقتل قطعة منه ليقول:
- لا تسوين شي يا ابتسام، هذا ولدي ومستحيل أرميه، وإذا ربي أراد أنه يصير فله حكمه منه.
هتفت بفرح وقفزت بسعادة وجرت ناحيته تقبله وتشكره على تفهمه ما حدث، وعيناها تبرقان بانتصار.
*****************************

تكتكت عقارب الساعة وتحركت من رقم لآخر، فتعود وتدور وتكتكت معلنة عن قدوم يوم آخر وهكذا تدور رحاها سارقة من عمرنا الكثير فننهض وننظر لأنفسنا بالمرآة فتطالعنا الحقيقة المرة، فقد غزى الشيب الرأس، واكتسح الهرم أجسادنا وصرنا لا نعرف من نحن؟؟ .
يتحرك هنا وهنا دون هوادة، وبحث لم ييأس منه بعد، وأيام مضت دون أثر ليفز خافقه بهلع بما حل بها، يا ترى هل غادرت دنياه؟؟
ليعود وينفض هذا التساؤل فلا مكان له برأسه، هي موجودة بمكان ما وسيجدها عاجلا أم آجلا .
رفع سماعة الهاتف بسرعة عندما طالعه رقم معين وهتف:
- بشر يا بو غيث!!.
لحظات هي حتى أغلق عينيه والضيق قد اجتاح صدره وهمس لمحدثه بعد فترة:
- مشكور وما قصرت، فيك الخير يا بوغيث، ولو وصلك أي خبر على طول اتصل فيني حتى لو كان بالليل.
وأغلق الهاتف ورماه فوق السرير وبدأ يفك أزرار قميصه العسكري فقد وصل للمنزل للتو وكما صارت العادة الآن لا أحضان ولا قبلات ولا استقبال فقط البرودة هي من تحاوطه بكل اتجاه، وأطفاله صاروا منعزلين عن الباقين ولم يعودوا كما السابق، هذا ما كان يخشاه، ولو لم يستمع لذلك الصوت لكانوا الآن هم بأفضل حال من دونها.
استغفر الله وعاد يكمل خلع ملابسه حتى توقف فجأة عن اكمال خلعه لبنطاله وصوت صريخ هز بدنه وشتائم انهالت عليه ليرفع رأسه وحطت عيناه على السرير بسرعة وذكرى أخرى عنها تطفح بالأفق...
هي تعاتبه لأنه خلع ملابسه أمامها دون خجل أو حياء، وتتوعده باخبار جدته.
رمش عدة مرات ليختفي خيالها لقد صارت أرق يزور لياليه، وهاجس يؤرق منامه، وأحلامه صارت لا تخلى منها.
نفض رأسه بقوة وخلع بنطاله ورماه على السرير بعصبية ومن ثم اتجه للحمام ليستحم وخرج بعدها يلف منشفة حول خصره.
ارتدى دشداشة وبعدها اتجه ناحية طاولة الزينة وأمسك بالمشط وأخذ يسرح شعره لتعود ذكرى أخرى تتجسد من خلال المرآة....
هي تسير ناحيته بقميص نوم مغري والخجل يعتمل ملامحها وابتسامة تسرق أنفاسه، وتقف خلفه ممسكة بالمشط وأخذت تسرح شعره بعبث. أغلق عينيه ينتشي بلمساتها السحرية على جسده المنادي والمطالب بما كان له، وما هي إلا لحظات حتى تداخلت صورة أخرى وهي تهديه طعنتها، وتحول شريط ذكرياته لشريط سنيمائي .....
كان أن انطلق للذهاب إليها ليستمع إلى حديث جعله على ما هو عليه الآن.
- جوزك عارف انت ليه وافقتي على الجواز وانت عرفه انه كبير أوي عليك بالسن؟؟.
كتفت عنود ذراعيها وقالت بسأم:
- ابتسام.. انت شو تبين بالضبط؟؟.
- ولا حاجة، بس حرام جوزك المسكين نايم على ودانه ومش عارف مراته هي تجوزته علشان.... فلوسه.
- هذا الموضوع انتهينا منه من زمان.
- يعني عاوزة تؤليلي إنك ما تجوزتهوش علشان فلوسه ؟؟.
تنهدت عنود بتعب وقالت:
- انت على وين تبين توصلين؟؟.
- طيب جاوبيني بالأول وبعدين حؤولك.
- أيوه أنا تزوجته علشان فلوسه بس ....
وما كادت تكمل جملتها حتى قوطعت من قبله، والشريط أيضا قطع عند هذه النقطة وانتفض بشدة ورمى المشط من يده كأنه أفعى سامة حتى وقع على الأرض.
تجمد بمكانه وجسده ينتفض بقوة وأعصابه تكاد تنفلت والرغبة بالقتل تلوح له بالأفق.
لحظات هي حتى استغفر الله عدة مرات وأخذ أنفاسا عميقة ومن ثم انحنى ليلتقط ما سقط منه حتى لفت انتباهه شيء ما محجوز ما بين الجدار وطاولة الزينة.
سحب الطاولة قليلا حتى اكتشف ما هو هذا الشيء، كان ظرف رسالة!!..
أخذ يقلبه بين يديه باستغراب ثم فتحه وفضه لتسقط ورقة بكفه وعندما فتحها حتى شعر بأنفاسه تنحبس ونبضات قلبه تتسارع، وحرك رأسه بكل اتجاه معتقدا من أنها ستخرج له الآن وتعنفه لقراءته رسالتها الخاصة، فهو يتذكر ذلك اليوم عندما سألها:
- شو كان فيها الرسالة يلي عطتج اياها اختج؟؟.
نهضت من الفراش وطالعته بنظرات مستنكرة وقذفته بعقيقها الأخضر:
- أظن هذا شي ما يخصك، وكل واحد له شؤونه الخاصة، خصوصا إن نحن موجودين مع بعض لفترة بس.
رفعت كتفيها بلا مبالاة وسارت ناحية الحمام مغلقة الباب خلفها وأغلقت تلك الذكرى وعاد يتطلع للرسالة بفضول كبير لم يكن يعلم بوجوده بداخله أبدا، لكن مع العنود الفضول دائما ما يكون معك لتستكشف ما لديها من خبايا.
تحركت قدماه دون أن يشعر وجلس على طرف السرير وبدأت عيناه تجري على الخطوط وبدأت كالآتي...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عنود أو خليني أقول ماما عنود لأنج انت الأم الوحيدة يلي احتوتني، علشان كذا انت تستحقي هذا اللقب لأن الأم مب يلي ولدت الأم هي يلي ربت وانت ربيتيني وعلمتيني وتحملتيني، فأنا لي الشرف إنج تكونين أمي وأشكر ربي لأنه سخرج لي...
شخبارج؟؟.. إن شاء الله تكوني بخير مع ريلج؟؟.. اشتقتلج وايد، وصار البيت من دونج ماله طعم، حتى اسألي أمون وهي راح تقولج إن البيت صار كئيب من بعد ما رحتي.
أنا آسف مب قصدي إني أضايق عليج بس حبيت تعرفي اشكثر غلاوتج عندي لدرجة ما صرت أطيق الدنيا دونج.
ماما عنود أنا حبيت أقولج شي!!.. تعرفي إن هذا اليوم أحس نفسي فرحان وايد، على شو ما عرف!!.. بس أحس إن في شي بيصير وبيكون شي حلو، وبكون مستانس منه، بس كان في شي بخاطري حبيت أقوله لج.. خليج دوم قوية شو ما صار، وإن الله يختبر عبده ويجوفه يشكر ولا لاء، عيشي حياتج مع زوجج ولا تلتفتين لورا، وإن كان على علاجي فما له داعي، ما بي ريلج ياخذ بخاطره منج بسببي، أنا عارف إن زواجج منه كان علشاني أنا.
جوفي.. إذا كان انسان طيب وحنون خليج مني وعيشي دنيتج ويكفي يلي فنيتيه علشاني، يكفي الحمل يلي طاح عليج وأنا مسامحج يا ماما عنود دنيا وآخرة، انت ما قصرتي معاي، وسويتي يلي تقدري عليه وأكثر بعد، انت دفنتي نفسج معاي، واتحملتي مرضي وتعبي، واتحملتي أبوي وحرمته واهاناتهم وضربهم علشاني، وأنا ألحين أقولج يكفي.. يكفي انج تضيعين نفسج على حد ثاني، خلاص عيشي لنفسج مب لغيرج، عمرج راح وانت تضيعيه على غيرج، دوري على راحتج ووناستج وعيشي الدنيا ولا تلتفتي لورا ما حد راح يسأل عنج، فما في غير نفسج وبس.
راح أدعيلج إن ربي يسخرلج ناس يحبونج ويعرفون قيمتج، انت ذهب أصلي ومافي منج، وإن شاء الله ريلج يعرف هذا الشي ويتحمل منج ويهتم فيج، وإن شاء الله تكوني مستانسة معاه.
عيشي يا عنود عيشي وماعليج من حد، وإذا صادفتج مشاكل اوقفي وواجهيها ولا تنكسري أبدا، لا تنكسري!!.. انت الجبل، انت الشموخ، وأبد ما يهزه ريح، وبالأخير ما بي أطول عليج، أتمنالج كل الخير والهنا وتعيشي مرتاحة ومستانسة، واعرفي إني أحبج وأمون بعد تحبج، وإن الله ما ينسى عباده.
ولدج مايد
أخفض الرسالة وهمس بوجع وندم كان قد فات أوانه:
- عنود.......

همس الريح 25-12-16 08:46 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثاني والعشرين........
تجبرنا الحياة أن نخوض غمارها مجبرين أو مطيعين فنلوذ لها خانعين.
نسير بغياهيبها على أمل النجاح، فمهما تكالبت علينا الأيام فالنور سيشع في طريقنا مهما طال به الوقت.
أكررها.. وأعود وأكررها.. ((إن بعد العسر يسرى))
عليك عدم فقد الأمل وعليك التمسك بكل قوتك بأنك ستنجح لا محال.
تقدم للأمام بأفق واسع، وإن كنت ضيق العقل والفكر والروح فحتما ستفشل!!.
دع ايمانك وتوكلك للذي خلقك فهو أدرى بما يخبئه لك، وثق بأن ما قيل هو الصحيح.. (( فعسى أن تكرهوا شيء هو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيء هو شر لكم)).
فآمن بأن الله معك مهما كانت المصائب التي تحيط بك، واعلم بأن خلفها حكمة نحن لا ندركها، علينا فقط السير قدما بحياتنا وأن نعتبر، وأن لا نلتفت للماضي، فما حدث قد حدث ولا يفيد الندم أو قول كلمة لو... .
فالشمس تشرق كل يوم، بمعنى أن الحياة في كل يوم تتغير ولا تعلم بما ينتظرك،
لكن هذا لا يعني أن نضع يدنا على خدنا وننتظر الفرج، عليك بالسعي خلفه وأن تثابر وتقاتل بسبيل العلو والنجاح.
سر بطريقك قدما، وضع هدفك نصب عينيك، وعليك بالنظر للأمام فمستقبلك ينتظرك، فقط عليك أن تفتح له المجال للعبور.
وأخيرا.. الأمنيات ليس من الصعب تحقيقها، فقط عليك أن تصبوا لتبلغ هدفك، وستنجح بإذن الله، وأن لا يأس مع الحياة .
*********************************
تسير بخطى واثقة وثابتة لن تتزحزح عن هدفها مهما جار عليها الزمن، فقد صممت ووضعت هدفها ولن تذود عنه.
رنين كعبها المنخفض يضرب بالأرض بصلابة يعلن عن قوة صاحبته، وعباءة سوداء تلتحف جسدها مخفية إياه عن العيون المفترسة، وشيلتها تلفها باحكام على رأسها مغطية تاجها من تلك الجمرات التي توعدها الله لمن تظهرها للجميع.
بين يديها شيء حلمت بحملها وها هي الآن تنام براحة على ذراعيها، وحقيبة متوسطة الحجم توسدت كتفها.
مشت إلى أن وصلت ووقفت تتطلع بالمكان إلى أن وجدت هدفها تلوح لها.
- عنود... عنود....
لوحت لها صديقتها شهد فسارت ناحيتها بابتسامة مشرقة، سلمت على الفتيات الباقيات ومن ثم جلست بمكانها تتسامر معهن إلى أن تبدأ ما جاءت لأجله، وما هي إلى ثوان حتى دخل أستاذ الحصة وبدأ محاضرته بعلم الأحياء، فعمى الهدوء المكان، والعيون انصبت للأمام، والأقلام تحركت مع كل كلمة يلقيها الأستاذ، ومر الوقت ما بين شرح وأسئلة وكتابة حتى انتهت الحصة وخرج تاركا خلفه طلابا قد اختزنت عقولهم العلوم الكثيرة.
فلعلع صوتها عاليا:
- حشى... ما بغينا يخلص، المادة صعبة وايد.
هتفت شهد وهي تغلق كراسها وتلتفت لصديقاتها، فأجابتها عنود بهدوء وهي أيضا ترفع أقلامها وكتبها لتضعهم في حقيبتها:
- نعم المادة صعبة شوي، بس مع المذاكرة بتكون سهلة إن شاءالله.
لتقاطعهم ميثة قائلة بتأفف هادئ:
- أف.. علينا بعد شوي محاضرة أبو عيون زايغة.
قهقهت الفتيات بمرح للقب الذي أطلقوه لاستاذ الرياضيات، فهو من النوع الذي يناظر الفتيات بوقاحة دون أي اعتبار للحشمة.
فقالت ميثة بصوت خفيض:
- الحمدالله إني مب حلوة وايد علشان يطالعني.
لتردد شهد أيضا نفس عبارة صديقتها:
- وأنا بعد الحمدالله، أنا حلوة وقمر وعسل بس مب ذاك الزود، مب مثل بعض الناس.
وأشارت ناحية صديقتها وأكملت:
- أم العيون الخضر، والشفايف الحمر، والجسم يلي مثل العود، و.... .
قاطعتها العنود بحواجب مرفوعة:
- أجوفج صرتي شاعرة وقاعدة تتغزلين؟؟.. أقول اسكتوا أحسن لكم وخلونا نطلع ونروح الكافتيريا، أنا يوعانة.
وخرجت الفتيات وسط المزاح والضحك إلى أن توقفوا بعد أن وقف أحدهم بطريقهم.
- السلام عليكم
- وعليكم السلام، شخبارك استاذ خليفة؟؟
أستاذ خليفة رجل وسيم بمعنى الكلمة، أسمراني، وعيونه بنية، وخشمة طويل، ولحية خفيفة ومحددة زادت من وسامته، جسمه معتدل الحجم يعني لا ضعيف ولا سمين يمارس الرياضة كل ما حصل وقت، عمره 29 سنة، مدرس بجامعة الطب.
جاوبها وعيونه تسترق النظر لمن سرقت النوم من عينيه من أول مرة شاهدها فيها:
- أنا الحمدالله بخير، إنتوا شخباركم؟؟.. واشلون الدراسة معاكم؟؟.
لتتبرم شهد قائلة:
- الدراسة أرف والحمدالله، وبعد شوي علينا استاذ أبو عيون زايغة.
استغرب الاستاذ الاسم وقاطع تأمله والتفت سائلا تلك الفتاة المشاكسة، فشهد انسانة مرحة جدا وعفوية، ولسانها كما يقال متبرى منه، وميثة فتاة هادئة وخجولة، أما تلك الصامتة ذات الجمال الوحشي قد سلبت عقله منذ أن وقعت عيناه عليها، هي هادئة وصامتة مع الجميع، وتتحدث فقط إن كان ضروريا ويخص الدراسة، كان يعتقد بأنها هكذا دائما، لكنه اكتشف بالصدفة بأنها تختلف عما تبديه أمام الجميع، فهي تمتلك أجمل ضحكة سمعها بحياته، ولديها تلك الحركة بشفتيها جعلته يحلم بها في يقظته، فقناع البرودة لا ترتديه سوى أمام الكل وبغياب الجميع هي تتبدل وتتحول لتكون تلك الفتاة الفاتنة.
- مين هذا أبو عيون زايغة؟؟
- استاذ الماث في حد غيره.
ابتسم للتشبيه وسقطت عيناه على تلك الساكنة التي تقف بتململ واستطرد مجيبا شهد:
- عيب يا شهد تقولي هذا الكلام، الريال كبير بالعمر وبسن أبوج.
- أبوي ما يطالع البنات، وهو انسان محترم مب مثل ها الشايب يلي بينه وبين القبر شبر وبعده متأمل بخيرات رب العالمين.
هز رأسه دون أمل بتلك الفتاة وأجابها:
- ما عليه تحملوه شوي، أصلا وصلتنا شكاوي كثيرة عليه، والادارة تبحث بموضوع نقله.
عادت عيناه تتابع تلك الواقفة بجمود وشرود دون أن تبدي أي رأي مثل باقي زميلاتها، فأراد أن يستمع لصوتها، أن يسمع همسها، لكنها كانت الأسرع وقد بخلت عليه كما كل مرة بروي ضمأه.
- اسمحولي أنا بروح الكافتيريا قبل لا تبدأ المحاضرة الثانية.
وغادرت دون أن تنتظر اجابة أو أي حرف فتبعتها صديقتيها بقلة حيلة، ليتنهد بضيق من رحيلها دون أن يشبع ناظريه بجمالها الأخاذ، وأدار رأسه للخلف ليراها تسير بثقة وغرور يليق بملكة مثلها، وهمس لنفسه بصوت عالي:
- صدق يوم قالوا اسم على مسمى.
وأكمل الباقي بداخله:
- ما راح أيأس يا عنود، وإذا الله كتب راح تكوني لي.
وغادر باتجاه مكتبه والأمل بداخله يكبر ويتسع بأن تكون تلك الفتاة من نصيبه.
*******************************

- انت جنيتي يا عنود؟؟
هتفت بها شهد وهي تحاول اللحاق بصديقتها الغبية التي تفلت من يدها كنز لا يفوت، فكما تقول... الرجال أمثال الاستاذ خليفة قليلون، فهي تعرفه جيدا فهو يسكن مع أسرته بالمنطقة المجاورة لهم والجميع يمدح بأخلاقه والكل يريده زوجا لإحدى بناتهم.
توقفت عنود عن السير والتفتت تحدج صديقتها وسألتها:
- ليش؟؟... وأنا شو سويت علشان تقولي إني خبلة؟؟
- يعني الريال واقف عندج ويبي يكلمج وانت ولا حس ولا خبر!!... يعني أكيد مب واقف علشان سواد عيونا احنا الثنتين!!.
وأسبلت رمشيها تريها عيونها السود لتقهقه العنود وميثة لحركتها تلك، وبعدها قالت عنود بعد أن اتخذت الجدية بالحديث:
- شو كان المطلوب مني؟؟.. يعني أتكلم معاه وأضحك وأتغزل فيه؟؟.
فتحت شهد فمها فقاطعتها عنود متابعة:
- اسمحيلي يا شهد، إن كنتي تبين الصح من الغلط وقفتنا معاه جذا غلط، على أي أساس نوقف ونضحك معاه جذا؟؟.. هو مب من محارمنا علشان ناخذ راحتنا معاه، هو ريال غريب عنا، وهو مب من حقه يوقفنا ويكلمنا إلا إذا شي يخص الدروس وبس، غير جذا يعتبر حرام.
لتستأذن ميثة بالحديث قائلة:
- اسمحيلي يا عنود كلامج صحيح، وصح الصح، بس احنا عارفين هو ليش يوقفنا ويكلمنا، مب علشانا هذا علشانج انت، وكلنا عارفين انه معجب فيج، بس انت الله يهداج ميبسة راسج ورافضة الزواج.
اقتربت شهد من صديقتها وأحاطتها من كتفها هامسة لها بحنان، وتلك الأخرى تعلقت عيناها للأمام بشرود:
- حبيبتي عنود، انسي يلي راح وارميه بحر مثل ما يقولون، والريايل مب كلهم واحد، وفي مثل حشرتني فيه أمي علشان أتزوج إن "أصابعج مب مثل بعض".
تصلب جسدها لذكراه، وعيون تجمدت بمحجرها، والصور تعود وتتهافت بداخلها، والألم يعود ويزور خافقها، فنفضت رأسها غير راغبة بالغرق ببؤسها، وقالت ببرود ثلجي شعرت به صديقتيها:
- أنا عارفة إن الريايل مب كلهم واحد، بس أنا وحدة، ونفسي عافت هذا الصنف وما في ببالي غير دراستي وبس، وبإذن الله أنجح وأحقق حلمي، وغير جذا ما في مجال لأي شخص يدخل حياتي، وألحين ممكن نقفل على الموضوع.
تحركت ثم توقفت وسألت شهد:
- أقول تعالي هنا، قاعدة تنصحيني بالزواج وإن الريايل مب مثل بعض وحضرتج رافضة تتزوجين!!.
لتجيبها :
- أولا.. أنا مب رافضة الزواج لأي سبب، أنا رافضة للرياييل يلي يجون ويخطبوني، يلعن شكلهم يعني مافي ولا واحد يتشاهد.
ثم أكملت بحالمية:
- لو يجيني واحد... جميل، وسيم، عليه جسم معضل يقدر يشيلني ويدور فيني مثل الأفلام الهندية، ويكون مثقف علشان يتغزل فيني ويكتب فيني أشعار.
وعادت تتخذ ملامحها الاشمئزاز:
- استغفر الله كلهم خلقة رب العالمين، لكن ولا واحد جا يخطبني ويكون حلو شكله، ولو جا واحد مثل الدكتور خليفة يتزوجني على طول أوافق وأبصم عليه بالعشرة بعد.
ضحكت الفتيات وتحركوا مغادرين إلى مطعم الجامعة.
مر الوقت سريعا وانتهت محاضراتها وانطلقت عائدة للمنزل بعد أن ودعت صديقتيها على وعد باللقاء غدا.
وقادت سيارتها نحو وجهتها، لكن عقلها عاد يدور بحلقات وحديث صديقتها يتردد صداه بداخلها، ناظرت الطريق فقاد بها للماضي حيث علمت بالطريقة الصعبة أن العالم ليس كل أيامه مرح وسعادة، وأن يوم لك وعشرة عليك، وقد جاء ذلك اليوم الذي يوقظها من حلمها الجميل الذي طال وقته، فسافرت لذلك اليوم الذي أنهى كل شيء، أي قبل ثلاثة أشهر مضت.....
كانت تجري تسابق الريح، كانت تركض تنقاد لقلبها، فحبها هناك ينتظرها لتهمس له بكلمات العشق والوله، لتقول له ما يجيش بصدرها من أحاسيس، ولكنها بوغتت بقنبلة لم تعلم بأنها ستنفجر بوجهها في يوم من الأيام....
- إزيك يا عنود؟؟.. وحشتيني وؤلت آجي وأزورك طالما انت معدتيش تزورينا، طبعا ما انت شوفتي نفسك فوق أوي وما عدتيش تبصي لتحت.
التفتت ببطء ناحية الصوت وهمست باسمها وقلبها قد انقبض وانكتم بإحساس فضيع بأن القادم سيكون القاسم بحياتها:
- ابتسام..
شهقت بتمثيل الصدمة وقالت وهي تتكتك بلسانها:
- تؤ..تؤ.. هو انت لحئتي تنسيني؟؟.. اخص عليك!!.. وده بينا عيش وملح، وتنسيني بالسرعة دي؟؟.
كتمت أنفاسها وقلبها يدوي بصدرها كدوي الرعود كأنه ينبئها بالعاصفة القادمة.
- وشتسوين هنا يا ابتسام؟؟
- لا.. لا كدا بنت الأصول تستأبل ضيوفها؟؟.. أنا لازمن أؤول لحسن جوزي على الاستئبال ده.
فتذكرت أنها قد تزوجت عمها لهذا أجابتها تريد الانتهاء من وجودها، فزيارتها شعرت بها تجثم على صدرها:
- عمي ما هو موجود، وأظن الأفضل إنج تروحين على بيتج وتتريه هناك أحسن.
فالتفتت عنود مغادرة ولم تنتبه لكمية الغل الذي ظهر على صفحة وجه عدوتها، وإلا لكانت قد نفذت بجلدها من مصيدتها التي أودت بسعادتها نهائيا.
فقالت ابتسام بسرعة توقفها قبل أن تغيب عدوتها وتضيع فرصتها بالانتقام:
- جوزك عارف انت ليه وافقتي على الجواز وانت عرفه انه كبير أوي عليك بالسن؟؟.
ونالت مبتغاها بعد أن توقفت غريمتها عن التقدم والتفتت ناحيتها باستغراب لهذا السؤال، ثم كتفت ذراعيها وقالت بسأم:
- ابتسام.. انت شو تبين بالضبط؟؟.
- ولا حاجة، بس حرام جوزك المسكين نايم على ودانه ومش عارف مراته هي تجوزته علشان.... فلوسه.
- هذا الموضوع انتهينا منه من زمان.
- يعني عاوزة تؤليلي إنك ما تجوزتهوش علشان فلوسه ؟؟.
تنهدت عنود بتعب وقالت:
- انت على وين تبين توصلين؟؟.
- طيب جاوبيني بالأول وبعدها حؤولك.
ولم تعرف ولم تراه وهو يقف خلفها والصدمة بادية عليه، فالخداع فن من فنون الحرب وإن لم تنتبه لظهرك فالطعنة ستأتيك من حيث لا تعلم، ولم تعلم بأنها نالت مبتغاها برؤية زوجها يسير ناحيتهم لتستغل الفرصة وتضرب عصفورين بحجر واحد.
- أيوه... أنا تزوجته علشان فلوسه، وانت عا.... .
أغمضت عيناها باعياء وكأن تلك الذكريات قد سلبتها كل طاقتها، ووجع شديد اعتصر فؤادها، وعندما أفرجت عن عقيقها الأخضر المشبوب بمشاعر شتى حتى أحست بالبلل على وجنتيها لتكتشف بأنها كانت تبكي.
تطلعت لما حولها وشاهدت نفسها وقد وصلت لوجهتها دون أن تشعر بذلك، وحمدت الله بأنها لم تتسبب بأي حادث تودي بأرواح أناس لا دخل لهم بما يحصل معها.
ترجلت من سيارتها بصعوبة وسارت بخطى طفل صغير قد تعلم للتو السير وخائف من التقدم للأمام والسقوط، ولم يكن هذا فقط ما يصيبها بالجزع فعندما تفتح البوم الصور فإنها لا تتوقف عند صورة معينة بل تتابع التقليب بين صفحاته لتعود وتنهال عليك أحداث قد أردت أن تطويها في ذاكرة النسيان، وتلك الكلمات التي قتلتها بدم بارد تعود لترن برأسها كأنها حدثت بالأمس فقط...
كان أن ناداها يسألها الحقيقة، ولكنه أغلق عيناه وأذنه عن سماعها، فقد اكتف فقط بما قيل ولم يستمع لها.
اقتربت منه تترجاه الانصات فرفض قربها، توسلته أن يتفهم موقفها، لكنه أبى إلا الاصغاء لما أراد سماعه وانتهى كل شي بلطمة أطاحت بها الأرض مكسورة وذليلة تحت قدميه، فظلت لثوان مصدومة تحت تأثير المفاجأة وبعدها عادت حواسها للعمل بعد أن تحرك مغادرا لتمسك بدشداشته .
- الله يخليك يا حمدان!!.. خلني أفهمك الموضوع وبعدين احكم.
فناظرها من عليائه وأجابها ببرود طغى على وجدانها:
- أفهم!!... شو يلي تبين تفهميني؟؟.. إنج يعني ما تزوجتيني علشان الفلوس؟؟.
نفض يدها وسار خطوتين وعاد يتوقف عندما تقدمت أمامه تمنعه الرحيل، وناظرت عيناه لعلها ترى من وقعت بهواه بداخلهما، لكن كل ما شاهدته هو عينان قد اجتاحها الجليد، وعندما عاد يسألها تجمدت عن الحركة وازدرت ريقها بصعوبة ولم تعرف ما تقوله لتدافع به عن نفسها، فزعق بها:
- جاوبيني... يعني يلي قالته خطأ؟؟... يعني انت ما تزوجتيني إلا علشان اللفلوس!!.
فحركت شفتيها دون أن تخرج صوتا وهي تهز رأسها رافضة ما يحدث:
- بـ.. أيوه..
أغمض عيناه بألم وحرقة تكوي به فؤاده فسارعت بعدما هالها منظره المعذب:
- الله يخليك اسمعني بالأول وخلني أقولك شو هي السالفة.
تركها بعد أن قذفها بأبشع نظرة شاهدتها بحياتها وهمس:
- ليش؟؟.. هو في شي ينقال بعد يلي انقال؟؟.
عضت شفتيها تدميها إلى أن شعرت بطعم دمائها وهمست تستعطفه:
- انت عارف كيف صار زواجنا......
فقاطعها وهو يمسك بكتفها يهزها بقوة دون أن يشعر، فما تملكه ليس لديه القدرة على احتماله، فالوجع يستحكمه يكويه ويصهره:
- وليش وافقتي علي؟؟.. إذا كان زواجي منج كان لهدف إن تشو كان هدفج؟؟.
ألجمت شفاهها عن الحركة، وانسحب لسانها منكفئا على نفسه
وآه من روح تلفظ أنفاسها الأخيرة على يد عاشقها.
وآه من قلب يبكي دموع الرحيل والحرمان من حب لم يكتمل
وتراجع للخلف عندما لم يجد منها أي اعتراض أو دفاع، فالحقيقة واضحة كوضوح الشمس.
وقبل أن يرتقي السلالم كان أن التفت وقال كلمته الأخيرة.... (طالق)
ختمت ماضيها عند تلك الكلمة، وارتقت المصعد باتجاه شقتها، دخلت وهي تستغفر الله وتناشده القوة والتحمل وسارت بقدمين ثقيلتين ناحية غرفتها بعد أن وضعت حقيبتها وكتبها على الطاولة بغرفة الجلوس.
خلعت عباءتها وشيلتها ومن ثم اتجهت ناحية الحمام لتستحم وتزيل كل ما تكالب عليها اليوم من ذكريات، ووجهت ناظريها للقبلة تناشد من خلقها أن يرحم حالها.
********************************
وفي مكان آخر....
جلست بتأفف وبملل وحنق وهي تنظر لزوجها الجالس باسترخاء دون أن يأبه لها، لتقول بعد فترة من الصمت المطبق عليها كما حال ذلك الرجل الذي يكتم على أنفاسها:
- حبيبي.. انت موركش شغل اليوم كمان؟؟
رفع رأسه من الأوراق التي كان يتطلع إليها وأجابها:
- بلى فيه وهذا أنا قاعد أتابع من البيت، والباقي الأولاد يتابعونه.
جزت على أسنانها بغضب مستعر بداخلها من الحكم الذي أوقعه عليها بالحبس بالمنزل والمبرر هو... راحتها، لقد وقعت بشر أعمالها.
- طيب يا حبيبي صار وقت الظهر ولازم تروح البيت علشان مراتك متتعصبش.
أجابها وعيناه تجري على الأوراق التي بيده دون أن ينتبه لما يجول بها من ضيق بوجوده معها:
- لا مب مشكلة، أنا قلت لهم إني بتأخر اليوم فلا تحاتين.
فزت من جلستها بكل قوة وهي تزمجر حتى التفت إليها سائلا إياها:
- وشفيج وقفتي جذا؟؟
انتبهت لنفسها لتجيبه بضحكة واهية:
- ولا حاجة يا حبيبي، كانت في حشرة على الفستان وخفت لتؤرصني فرحت نفضاها.
والتفتت مغادرة باتجاه غرفتها وأغلقت الباب جيدا خلفها وأمسكت هاتفها وضربت على الأزرار ليصلها صوتها عبر الأثير ولم تعطها الفرصة للاجابة وهدرت:
- لازم تيجي وتخرجيني من البلوة يلي وأعتيني فيها!!.
سكتت تنصت إلى سؤالها لتجيبها بشيء من الحدة:
- يا ماما ده كاتم على نفسي ومش أدرة لا أخرج ولا أعمل أي حاجة.
وصلتها ضحكاتها الساخرة لتزيد من اشعال فتيل غضبها المنفلت بالأصل.
- انت بتتريئي علي؟؟.
سكتت لتقول بعدها بشيء من الهدوء:
- طيب أنا مستنياك، بليز يا ماما طلعيني من الورطة دي، دا أنا فكرت إني أطبق بزمارة رأبته وأخلص عليه وأرتاح أنا.
هدرت بها والدتها لتهمس:
- طيب.. طيب أنا مستنياكي، أوعي تتأخري.
وأغلقت الهاتف ورمته على السرير وما كادت أن تجلس حتى تحركت أكرة الباب وصوته يتهادى إليها:
- ابتسام افتحي الباب، ليش قفلتيه؟؟
ضربت الفراش بقبضات متوالية ومن ثم التقطت أنفاسها وتحركت ناحية الباب واستدعت ابتسامة مغتصبة لتزور شفتيها وفتحته .
- معليش يا حبيبي، أصلي تعودت إني أأفل الباب وراي، أصلي مبطمنش للخدم، انت عارف هما بيعملوا إيه.
دلف للداخل وأراح جسده على السرير وناداها لتجاوره فامتقع وجهها باشمئزاز وتبرمت لتقول وهي تسير ناحيته وقد اهتدت لفكره تمنعه مما يريد القيام به.
- آي.. أف... بطني بيوجعني.
نهض مسرعا ناحيتها.
- خير؟؟.. وشفيج؟؟.. وش يعورج؟؟.. أوديج المستشفى؟؟.
أضجعت جسدها على الفراش وأتقنت التمثيل بابداع.
- لا ماتخفش ده شوية مغص، يعني عادي بحلتي ديه، شوية راحة ويروح المغص.
- متأكدة؟؟
- أيوه
- طيب
وابتعد عنها للجهة الأخرى لتتنهد براحة واتخذت وضعية تريح بها جسدها حتى مر بعض الوقت ورن الجرس لتنهض بسرعة هاتفة:
- دي أكيد ماما جت تزورني.
فأوقفها بسرعة وهو ينظر لساعته باستغراب وتساءل:
- أمج!!.. ليشج ياية بهذا الوقت؟؟.
اختلجت عضلات وجهها بارتباك واضح، وكما قيل الهجوم خير دفاع.
- في إيه يا حسن؟؟.. ماما جاية تزورني، فيه حاجة دي؟؟.. وكمان هي بتيجي بأي وقت علشان هي عرفة إني وحدانية وعندي جوز ولا هو سائل عليا، فمكنش غيرها هي يلي أفضفضلها، ولا ده ممنوع كمان؟؟.
والتفتت تمسح دموع وهمية قد نجحت ببث الأسى لداخله على تقصيره معها، فنهض من مكانه وتقدم ناحيتها وأدارها باتجاهه وحادثها:
- أنا ما قصدي شي يا بنت الحلال، بس أنا استغربت ييتها بهذا الوقت، وما كان له داعي إنج تعصبين جذا، وأصلا الزعل مب زين للجنين.
وعندما همت بالاعتراض رن جرس الباب لتنطلق ناحيته فاتحة الباب لأمها، ودخلت وهي تقول:
- كل ده يا بنتي علشان تفتحي الباب؟؟
والتفتت دون أن تنتظر أي اذن لتتوقف بعدها كأنها متفاجأة :
- أبو سالم، ازيك يا بني، معلش مكنتش عرفة إنك هنا ولا مكنتش جيت.
اقترب منها وهو يحادثها ويطبع قبلة احترام على رأسها:
- لا ولا يهمج يا عمتي، البيت بيتج متى ما تحبي تعالي بأي وقت.
- متشكرة يبني ربنا يكرمك ويزيدك من نعيمه.
- طيب أنا أخليكم تاخذون راحتكم.
وتحرك باتجاه غرفة النوم لدقائق حتى خرج منها وقد ارتدى ملابسه.
- أنا رايح، تامرون على شي قبل لا أروح؟؟
- ليه يا بني تروح؟؟.. ولو علي أنا حمشي على طول.
- لا ياأم ابتسام شو تقولين، البيت بيتج، أنا بس كنت قاعد علشان ابتسام ما تكون لوحدها ودام إنج موجودة أنا راح أطمن عليها.
- لا يبني اطمن وحط ببطنك بطيخة صيفة، ابنك بعنيَّ.
هز رأسه موافقا ثم أعاد سؤاله:
- ما تبون شي؟؟
- متشكرة يبني مش عوزين غير سلامتك.
والتفت لزوجته وأعاد سؤاله:
- تبين شي قبل لا أروح؟؟.
- سلمتك.
- طيب انت ارتاحي ولا تتعبين نفسج وايد.
- حاضر
واتجه ناحية الباب مغادرا فلكزت أزهار ابنتها تنبهها لتلحق بزوجها، فامتعض وجهها، ولكنها سارت خلفه تودعه بابتسامة واهية وخرج لتغلق الباب خلفه وهي تهتف:
- ياه... دا كان كاتم على نفسي.
- بت اتأدبي دا جوزك وانت يلي اخترتيه.
تحركت لتجلس على احدى الآرئك وهي تجيب:
- هو أنا كنت عرفة إنه حيلزء كده؟؟.
جلست الأم بجانبها وتساءلت:
- سيبك من ده كله، انت ازيك وازي الحمل معاك؟؟.
- مؤرف يا ماما، ومتعب بشكل، مكنتش عارفه إن الحمل مرهق كده!!.
- معليش... هي الشهور الأولى كده وبعدين مش حتحسي بحاجة.
سكتوا قليلا ودققت ابتسام النظر لوالدتها لترى وجه مرهق ومتعب وسألتها بعيون ضيقة:
- وانت مالك؟؟.. حسه إن أحوالك مع عمو مش كويسة!!.
تنهدت الأخرى بقلق وقالت بحيرة :
- بصراحة مش عرفه!!.. حاسه إنه متغير أوي علي ومعدش زي الأول.
اعتدلت ابتسام بجلستها وسألتها باهتمام:
- ليه في إيه؟؟.
- مش عرفه يا بنتي، مش عرفه، حاسة في حاجة بتحصل من ورايا ومش أدرة أمسك فيها.
ضربت كفيها على وركيها الضخمين بقوة ليصدح الصوت عاليا وعادت تهمهم:
- أنا خيفة يا ابتسام !!.
تطلعت ابنتها لأضافرها وابتسامة تشدقت بها شفتيها وقالت:
- وخيفة ليه؟؟.. المفروض ما تخافيش وتحطي اديكي ورجليكي بمية بردة، لأن كل حاجة متسجلة باسمك، ويعني هو المفروض يخاف ويتحرس ميعملش حاجة وإلا حيكون مكانه الشارع.
تنهدت الأم براحة بعد كلام ابنتها وهي تتذكر بأنه قد كتب كل شيء باسمها بيع وشراء خوفا من يأتي ذلك اليوم وتأتي عنود وشقيقها ليطالبوا بما لهم بعد أن ينكشف سره.
ارتخت أساريرهم، وابتسمت شفاههم، وصفق الشيطان بحبور للشر الذي انطلق بأعماقهم.
فما أجمله من شعور وهو يرى بني آدم وهم يغوصون بآثامهم وذنوبهم، فكما وعد( لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك الصالحين) متناسين وجود الواحد الأحد، وأن لكل عمل جزاء إما الجنة أو النار، وبالتأكيد الجزاء من جنس العمل.
*************************************
تجلس على مكتبها وأمامها الحاسب الآلي وكتبها مفتوحة، وأوراق مبعثرة هنا وهناك، وتناظر أحد الكتب للحظات حتى تعود لحاسبها لتكتب به فعليها تقديم بحث عن عالم الجينات الوراثية.
أمسكت بأحد الكتب التي استعارتها من مكتبة الجامعة وأخذت تقرأ وتتعمق بالجينات والكروموسومات الوراثية التي تتناقل من الأب للأبناء وهكذا حتى سطرت أمامها مجموعة من الصور جعلت جسدها يرتجف بقشعريرة جعلتها تضم ذراعيها حول جسدها.
هل تعرف ذلك الشعور عندما تكتشف بأنك كنت تعيش بكذبة، وأن حياتك ما هي إلا كذبة حيكت بفن ومهارة تحت يد لاعب أتقن فن الخداع؟؟.
نعم... هي عاشت تلك الخدعة وقد كانت هي وشقيقها كلعبة الأرجوز يحركوهما كيفما شاؤوا، وهما كانا ينقادان بكل استسلام خلفهم موعزين بأنه والدهم وله حق البر به.
عيناها تناظر الكلمات التي تتراقص أمامها بحقيقة مرة جعلتها تتجرع العلقم والويلات طوال حياتها.
لقد خدعت وأهداها العالم أكبر صفعة تلقتها بحياتها، والدها لم يكن والدها، بل كان عمها شقيق والدها التوأم .
حاولت النهوض من على كرسيها والهرب من تلك الذكرى المؤلمة لروحها، فقد كانت تلك هي القاضية التي جعلتها تخسر شقيقها ونفسها وتركتها تترنح كما السكرى غير مستوعبة ما قاله لها بلحظة غضب، فأبت إلا أن تعود وتسحبها لذلك اليوم البائس الذي انهالت لها المصائب من كل صوب وحدب ...
فبعد أن توسلته وترجته أن يسمعها ولم ينصت بل أهداها هدية قبل مغادرته موليا إياها ظهره كما فعل العالم معها، توقفت بمكانها كما الجماد الذي لا يملك أي احساس أو أية ردة فعل لما يجول حوله.
وعقلها مازال غير قادر على هضم تلك الكلمات الثلاث التي قالها لها.
لقد سمعت تلك الكلمات كثيرا بالمسلسلات، وقرأتها بالكتب، وشاهدت ردة فعل المرأة بما وقع عليها، لكن أبدا لم تعتقد أو يدر بخلدها بأنها ستذوق من نفس الكأس، وكيف يكون شعور المرأة عندما يتخلى عنها زوجها.
تعلقت دمعتها بين رمشها وقد سكنت بمكانها لا تعلم هل تسقط لتريح صاحبتها أم تقف بمكانها كما توقفت الساعة عن التكتكة.
وما هي إلا لحظات حتى شعرت بشيء يسقط على وجهها خادشا بشرتها لتتطلع إليه بعيون غشاها الظلم والقهر لترى سواد قد توسد الأرض كما حياتها التي تحولت واصطبغت بهذا اللون أيضا، فرفعت رأسها ناحيته ونطق هو بكل برود:
- اطلعي من البيت وما بي أجوف ويهج مرة ثانية.
والتفت مغادرا ولم تعلم كيف انخفضت بذل تلتقط عباءتها ولا بكيف ارتدتها كما التحفت الانكسار، وتحركت مغادرة وقد سمعت تكسر قلبها لأشلاء عدة ويتتفتف ليتحول لبقايا مخلفا ندوب تعرف وتعلم بأنها لن تشفى أبدا.
وانطلقت لمصير آخر لم تعلم بأنه ينتظرها بخنجره ليعمق من جروحها النازفة جاعلا إياه يتقيح غير قادر أي طبيب مداواته.
- عنود.... إلي جابك دلوأتي؟؟.
لم تجبها بل سارت بجمود ناحية طريق تعرفه جيدا فقد فرش لها بأشواك حادة قد خطت به مرارا وتكرارا، هي فقط أعطيت فترة استراحة وها هي قد عادت إليه.
ذهلت أزهار لرؤية عنود بهذه الحال فأبدا لم ترها هكذا قط حتى عندما يكال عليها بالويل والثبور فهي تظل رافعة الرأس والأنف.
فسارعت لزوجها تناديه ليأتي مسرعا ناظرا لحال ابنته فسألها باستغراب:
- عنود... شو يلي جابج بهذا الوقت؟؟
توقفت ولم تجبه، فاقترب منها وأدارها ناحيته ليرى طبعة أصابع على وجهها ليقول بتهكم:
- لا تقولين انج زعلانه من ريلج لأنه عطاج كف وياية زعلانه منه؟؟... تراه عادي وما فيها شي، ريال ويأدب حرمته، وألحين... يلا ارجعي بيت ريلج وتأسفي منه، أكيد غلطي عليه أنا عرفج زين ما زين، راسج يابس وما تسمعين الكلام.
هل يوجد ما هو أوجع من الوجع؟؟.. تظن أنها قد اختبرت كل أنواع العذاب ولم يبقى شيء إلا وقد وصمت به، لكن هذا!!.
أتظنون أن هناك ما بقي بداخلها شيء ليتحطم؟؟... لا.. فهي لم تختبر بعد الضربة الأقوى.
تشعر بنفسها بأنها غدت باقايا أنثى سحقتها الرياح بكل قوتها لتهوي بها لعمق سحيق لا قرار له، فقط هي تشعر بأنها تسقط وتسقط ولا نهاية لانحدارها .
وتساءلت.. وقد كثرت تساؤلاتها.. هل هي الوحيدة بهذه الدنيا لينهال كل شيء على رأسها؟؟.
لتئن أضلاعها صارخة بها، وبروح تهدر بها.....
آه.. وآه من ألم يتخذك وسادته لتنام على دمعة منحدرة وتستيقظ على وجعه.
وآه من مرارة تتجرعها من كأس كان من المفترض أن يكون سندك بالحياة، وأمان تجده متى ما احتجته، وحضن دافئ يحتويك بعز شتاءك القارص البرودة عندما ينخر عضامك.
صفير الرياح تعلن عن الخواء من حولها، وظلام موحش يحيط بها، وهجر صار صديقها الجديد، ووحدة قد تلبستها لتغدوا جزء لا يتجزأ من حياتها.
جمود طغى على كيانها، وبرودة سرت بوجدانها، وصقيع تغلغل بشراييينها، وعيون قد كساها الجليد ليلمع عقيقها وقد بهت اخضراره بسبب الهجوم المباغت لروح قد اكتفت من صدمات الحياة لها.
ناظرت والدها ولم تحد عنه وهمست لنفسها:
- لما يا والدي تكسرني؟؟.. لما تزيد من أوجاعي؟؟.. ألست بابنتك؟؟.. ألست قطعة من جسدك؟؟.. فليما النبذ؟؟.. ولما البعد؟؟.. أولم ترى بي ما تريد؟؟.. أحطمت أحلامك دون أن أعلم؟؟.. آه يا ولدي لو تعلم كم الندوب والآهات التي تحتبس بداخلي!!.. فلو علمت لرأيت طوفانا جارفا من العذاب... آه يا والدٍ كنت لتكون مصدر أماني، لكن أرى بك قاتلي. آه يامن كنت لتكون لي صدرا يدفن صرخاتي، لكن أرى بك سرابا لا يروي ضمأي، فتهت وضعت وما عدت أعرف طريقي، لكن ثق بأنني لم أعد أبالي.
ومن ثم رفعت صوتا خرج بارد مشبع بعواصف رعدية توشك على السقوط على رؤوسهم:
- ليش تسوي فيني جذا؟؟.. ليش تذبحني بايدك؟؟.. ودي أعرف أنا وش سويت علشان تعاملني بهذي الطريقة؟؟..
أشاحت بيدها بعشوائية وتابعت بنفس الجمود:
- انت حتى تعامل بنت حرمتك أحسن مني، وأنا يلي هي بنتك من لحمك ودمك.....
سكتت قليلا تجترح هواء مؤلما لصدرها، لكنها تحتاجه ولو لوقت قليل وبعدها لا يهم إن انقطع أم لاء ومن ثم صرخت:
- ليش؟؟... ليش؟؟... ودي أعرف!!.
ليهتف بها زاعقا:
- اسكتي يا قليلة الحيا!!.. قاعدة تعلين صوتج على أبوج؟؟.. صدق انها طالت وشمخت!!.. أقول روحي على بيت ريلج، يلا.. بلا ليش بلا زفت، يلا روحي ولا عاد تجين مرة ثانية، هذا البيت يتعذرج.
رمشت عدة مرات كأنها تريد أن تعرف أن ما هو أمامها هو حقيقة أم من نسج خيالها المرهق، لكن هيأته متجسدة أمامها، إذا.. هو حقيقة!!.. فما لبثت أن اتسع فمها بابتسامة، وبعدها بدأت بالضحك إلى أن تحولت ضحكاتها إلى قهقهات عالية حتى ظنوا أنها قد جنت.
ضحكت إلى أن آلمتها معدتها، قهقهت حتى أدمعت عيناها، وآه من دموع اليتم عندما يطغى على روح لم ترى سوى القهر والذل.
- انت جنيتي ولا شو؟؟.. روحي واطلعي من البيت انت وجنونج، هذا يلي ناقصني بعد، وحدة خبلة، أنا ماصدقت افتكيت من واحد تطلعيلي انتي بعد!!.
وانخرست تماما كأنها لم تكن تضحك للتو، وسكنت ذرات الهواء من حولها كأن ما قيل قد اخترق قانون اللامنطقي، وبعد صمت لم يدم سوى الثواني حتى قالت وهي تهز رأسها بعدم تصديق:
- يستحيل انك تكون أبو!!.. لأن ما عندك قلب، يستحيل تكون انسان طبيعي!!.. لأن ما عندك احساس.
تحدثت وتحدثت دون أن تشعر، وطفقت تتكلم عن كل ما يعتمل صدرها الحبيس سجنه، وهدرت بجملة ظلت تتردد برأسها ولم تعلم بأنها أسرتها لهم:
- أنت مب أبو، انت ما تستحق تكون أبو.
فاستعر الغضب بداخله مما قالته، وما هدرته عليه من لوم وتقصير بحقوقهما حتى رمى بقنبلته.
- هيه أنا مب أبوج، كلامج صح ويخسي انج أصلا تكونين بنتي!!.. انت المفروض تحمدين ربج على إني متحملنج طول هذي السنين انت وأخوج العلة، وهذا الحمدالله افتكينا منه بس باقي انت، متى تموتين وأرتاح منج!!.
صدمة و ذهول وعدم تصديق، وفم مفتوح يبغي الاستفسار عما قيل للتو ولم يخرج لا صوت ولا حرف، لكن أفعاله أكدت لها أن ما قيل حقيقة، فقد اقترب منها وأخذ يدفعها لتخرج من منزله، دفعة واحدة ومن ثم سألت بهدوء غريب كان من المفترض أن يكون زعيقا:
- إذا كنت مب أبوي عيل وين هو؟؟
ليجيبها دون أي رحمة:
- أبوج مات من زمان لما كنتوا صغار بعد ما ماتت أمج بشوي، واتصلوا فيني علشان أنا أخوه الوحيد، ولما جيت لهنا ناديتيني بأبوي لأن احنا نتشابه .
- طيب ليش سويت فينا جذا واحنا عيال أخوك؟؟.
تغيرت ملامحه، وصار شيطان بهيأة البشر، وهمس:
- لأني كنت أكره أخوي، كان هو الكل فالكل عند أمي وأبوي، وكان هو الناجح وأنا الكسول، أمي وأبوي كانوا يفضلونه علي، وأبوي لما يتكلم كان ما غير على السانه غير ( حمد ) سوى كذا، وحمد اشتغل بالمكان اللفلاني، وأنا ولا شي كأني مب موجود، فطلعت من البيت بعد ما أبوي طردني من البيت لأني مثل ما قال وطيت راسه بالأرض علشان دخلت السجن، ولما عرفت انه مات كنت ما بعطي أي سالفة، لكن لما عرفت العز يلي كان فيه قلت وش عليه أستانس وأعيش من خيره كأنه يعوضني يلي سواه فيني لما كنا صغار، وألحين ياله أعطيني مقفاج ولا عاد أجوفج هنا.
وانقطع حبل الشريط السينمائي اثر طرقات على الباب، ظنت بالبداية أنها تتوهم الطرقات، لكنها عادت تدق، فناظرت رسغها لترى بأن الساعة قد شارفت على الرابعة والنصف وهذا وقت قدوم ضيوفها.
نفضت ما أجاش بها من مشاعر سلبية فقد عاهدت نفسها أن تكون قوية ومقدامة، وستقف بوجه كل من يريد التعدي عليها ولن تأبه سوى بنفسها ومستقبلها، ولن تنظر للماضي، فالمستقبل هو كل ما يهم الآن، والماضي قد ولا وانتهى.
نهضت بسرعة واتجهت ناحية الباب، نظرت من العدسة لرؤية من هو زائرها لتبتسم بسعادة لمعرفتها من يكونون، وفتحته على وسعه تستقبل من كان لها العون والدفئ والحنان، كانوا كما قالوا بأنهم لن يتركوها لوحدها فقد غدت واحدة منهم وفيهم، كانوا لها العائلة التي لم تحصل عليها أبدا، وكما كل مرة إن الله لم يتخلى عنها وأرسلهم لها ليكونوا الجدار الذي تبحث عنه.
باتصال واحد بعتمة الليل الموحش بعد أن ساقتها قدماها إلى أللا مكان، وسارت دون هوادة ودون أي وجهه، وقد اسودت الدنيا أمامها بعد أن أغلقت جميع الأبواب ما عدى باب واحد كان مواريا حتى دفعته بكل قوتها واستدعت الفرسان خلفه ليهبوا لنجدتها.
فتحوا لها أذرعتهم بالترحاب، واستقبلوها بالحب والأحضان والعتاب، وبكت على صدورهم بكاء أدمى عيونهم عليها.
- يا بنتي يا عنود إن ما وسعتج الأرض عيونا توسع لج، انت بنتي يا عنود وأنا عيالي ما أتخلى عنهم شو ما صار.
وعندما حاولت أعادتها لمنزلهم رفضت فكان أن أحضرتها إلى هنا البناء الذي سكنت به من قبل، وقد احترموا رغبتها بعدم إعلام أي شخص بمكانها، ولم يبخلوا عليها بأي شيء.
- هلا وغلا بيدتي وعمتي.
- يا مرحبا بابنيتي.
احتضنوا بعضهم ورحبت بهم للداخل وسؤال واهتمام ورعاية بكيف هي دراستها وصحتها حتى تهادت الطرقات على الباب من جديد حتى قالت:
- هذا أكيد محل الكيك، خبرته إنه ييب حلويات بهذا الوقت، ما كان عندي وقت علشان أطبخ.
لتعاتبها عمتها بحنان:
- ما كان له داعي حبيبتي.
- أفا.. ما يصير، وأصلا أنا خاطري بالحلويات.
ارتدت شيلتها وحملت محفظة نقودها وفتحت الباب ورفعت عيناها حتى شهقت وتراجعت للخلف خطوة واحدة وهمست كأنها ترى شبحا من ماضيها:
- حمدان...

همس الريح 27-12-16 07:49 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مساء النور والسرور
الغاليه ام حمده تسلم عليكن واجد
و تعتذر عن بارت اليوم
لابها انكسر
معوضه السبت ان شاء الله

NoOoFy 31-12-16 01:48 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس الريح (المشاركة 3670074)
مساء النور والسرور
الغاليه ام حمده تسلم عليكن واجد
و تعتذر عن بارت اليوم
لابها انكسر
معوضه السبت ان شاء الله

أم حمدة بنصلحه عل حسابنا بس البارت البارت
مش معقول من السبت اللي طاف إلى الآن حمدان واقف عند باب العنود فيس يداعبتس أم حمدة

NoOoFy 31-12-16 02:01 PM

بالنسبة للي صار للعمود ماراح أتكلم عنه يا شيبة عرعر لين أشوف وش بتسوي معها بالخايس
أبد مهوب مبرر طلاقها منك وانت تحبها عشان كلام الحيه بسيم
اللي يحب مهما صار من حبيبه يدمح الزله له وخاصه إذا سخيفة مثل زلة العنود
طيب انت ليش متزوجها مهوب عشان تهينها ولا نيتك كانت تعيشها بسبات ونبات وتخلف صبيان وبنات
أقول انثبر بس انت ماتفرق عن ابتسام وأمها وأبوها

وخير ياطير متزوجتك عشان فلوسك ليه هي كانت تعرفك قبل ولا تعرف آهلك
خلنا نقول غايتها كانت فلوس
البنت عاشت عندك شفت غايتها فلوس ورغبتها ماديه
شالتك وشالت عيالك وأهلك على كفوفو الراحه
العبره مهوب في قالو وقالت العبره في اللي تشوفه منها والفعل اللي تسويه هي لك وعيالك

عندي إحساس العنود ماراح ترجع لك بالساهل
لكن راح تكتشف أنها حامل والحمل يبكون سبب ردتها

وبعدين أم حمدة بلغي عن حية بليس بسيم وقولي مجرمه وسخه وخايسه
غايتها خراب دمار افه دخيلة على البلد وععععععع الوسخة تخون زوجها ومع واحد من جنسها الخايسه

طُعُوْن 01-01-17 05:51 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثالث والعشرون .......

قالوا إن كيدهن عظيم!!.. فوقعت وما لي بالنهوض كَرَه.
داهيات ماكرات أنتن، وصار الرجل عندكن لعبة.
يا صغيرة السن!!.. أتعبتني وما لي بالجري طاقة.
ضيعتني!!.. وما عاد لعقلي طاعة.
إن ظننتي بفوزك... فأنت مخطئة!!.
الغدر من شيمك، والطمع فيك، والمال منالك.
فلا تحلمي بالفوز، فأنا لك قائما.
(حمدان)
آه يا قاتلي.. أتحكم بما لا تعرفه!!
أجرمت وأعترف، ومن أجل الحب سأفعل.
حكمت، ونفذت، وصرت جلادي، فما عاد لحديثي فائدة.
نفيتني وما سمعت توسلاتي، فما عدت أبالي، وبنفسي أكتفي.
واسمع قراري.......
فالنفي من نصيبك، ومن حياتي أخفيتك.
اخترت المضي، وبأمنياتي أسعى .
فما عاد لك مكان بحياتي فابتعد يا من اخترت البعد راحة.
فما عدت لك ولو أقسمت بعشقي!!.
(عنود)

*******************************
لو قالوا له بأنه سيكون هو من يجدها ويراها سيقول بأنهم مخطئون!!.. ولو قالوا له بأن جهوده ذهبت هباءا وأنها ستظهر آجلا أم عاجلا أيضا سيقول بأنهم مخطئون!!.. لكن اتضح بأنه هو من كان المغفل والغبي، وقد استغبته للمرة الثانية.
تأمل تفاصيلها رغما عن ارادته بلهفة وشوق، فيروزها المشع وأنفها وفمها وبشرتها، جرت عيناه عليها تلتهم ملامحها.
وهي الأخرى ظلت جامدة غائبة عن واقعها بتفاصيله ورجولته الطاغية التي أشعلت حواسها وزعزعت كيانها وجعلتها كما البلهاء واقفة تتشرب ملامحه بتوق واشتياق، وطغت على ذلك الصوت الذي ينبهها من مغبة ما تفعله.
توقف الزمن بهما، وظلا يناظران بعضهما البعض كأنه لم يتواجد أحد بالعلم غيرهما، لكن ما دام الشيطان قرينهما فلا مكان للخير بينهما، خطوة للأمام واستئذان ساخر:
- ممكن أدخل!!.
وهو بالفعل قد دخل وتمركز جسده بمحيطها ليزعزع قوتها التي تلبستها في الأيام الماضية.
تراجعت للخلف بحماية من جسد قد خذلها بالفعل، وحواس قد تخلوا عنها، وعقل اختفى ليحل محله ذلك الخائن الذي يضرب بشدة بين جنباتها .
سار للداخل وتوقف أمام امرأتين وثق بهما ثقة عمياء، امرأتان كانتا له عونا بحياته ولم تخذلاه أبدا، لكن بسببها هي ومن أجلها هي ساروا بدرب الخداع.
لم يتوقع بيوم من الأيام بأنه سيشك بجدته وعمته، لكن سكوتهم الغريب لفت انتباهه، ومنصور أيضا قد لفت انتباهه بأنهما يعانيان من مشكلة ما فهما لم تكونا هكذا منذ اختفائها، كانتا دائمتا السؤال وفجأة حل الهدوء ليجعله يدرك بأن خطبا ما قد حدث!!.. فما كان منه سوى أن يتحقق من الأمر، ولم يدرك بأن ما سيعرفه سيكون صادما!!.
علم بأنهن يخرجن كل صباح بعد مغادرة الجميع إلى أعمالهم وبعدها غيروا توقيتهم ليخرجوا كل عصر من كل يوم، فذهب يستفسر لدى السائق ليجيبه بأنهم يذهبون كل يوم للتسوق لكنهم يعودون خالي الوفاض، وهنا لعب الشك برأسه، فما كان منه سوى أن تبعهم.
استقلوا سيارتهم بعد صلاة العصر إلى أن أنزلهم السائق بالسوق كما قال له، وبعد مغادرته أصابه الجمود وهو يراهم يوقفون سيارة أجرة منطلقين لمكان يجهله، وسار خلفهم وخافقه يضرب بين أضلاعه إلى أن بلغت الصدمة مداها وهو يتعرف على الطريق الذي يسيرون ناحيته وتوقفوا أمام بنايته، وهنا قد علم، والضائع لم يكن ضائعا، بل كان متواجدا وبالقرب منه أيضا.
***********************
ناظرهما بعتاب ولوم لما فعلاه به فأدارت احادهما عيناها بعيدا والأخرى ناظرته بكل قوتها وبصلابة تحسد عليها.
- ما هقيتها تطلع منج يا الغالية؟؟
- وعليكم السلام والرحمة، الناس تسلم بالأول مب تدفش الدنيا، وثاني شي وشو هو يلي ما هقيتها منا؟؟.. ما أظن سوينا شي غلط ؟؟.
ابتسم باستهزاء ثم أجابها:
- لا أبد ما سويتوا أي شي غلط، بس أنا متعب نفسي أدور عليها بكل مكان وانتوا ما تنزلتوا تخبروني بانها موجودة وتعرفون مكانها.
وهي هناك تقف بعيدا وتتأمل قامته العملاقة وقلبها يصرخ طربا لسماعه كلماته، هو كان يبحث عنها، يالي سعادتها الغامرة، لينهرها عقلها بكل ما أوتي من قوة:
- انت نسيتي بهذي السرعة شو يلي سواه فيج؟؟.. نسيتي انه ذلج وأهانج؟؟.. وين وعودج؟؟.. وين كلامج بانج ما راح تتركين أي ريال يكسرج؟؟
تكسرت فرحتها، وانقشعت الغمامة الوردية، والصور تتهافت لتذكرها بالذي مضى، وهنا فردت هامتها هي الأخرى، وبرقت مقلتيها بشعاعها الأخضر معلنا أن الحرب على وشك البدأ، ومن كان يتراقص فرحا خبى واندثر وذكريات جروحه تعود لتنتكئ والسبب هذا الرجل، فهو أيضا قد أقسم بأن لا يرن أبدا فما به من آلام تكفيه للدهور، فأبا إلا أن يشارك صاحبته بمعركتها، فلا مكان الآن له .
- وأنا شو عرفني بانك كنت تدور عليها!!.. كنت أجوفك تطلع وترجع لا كلمة ولا خبر، يعني قالولك إني متبصرة؟؟.
- لا يا الغالية، بس كان المفروض تقولين إنج جفتيها، مب تسكتين وتخليني أنا مثل الأطرش بالزفة.
سكتت الجدة وناظرته لثوان حتى سألته:
- وانت شو يهمك؟؟.. جفتها ولا لاء، مو انت طلقتها وخلاص؟؟.
ارتجف جسدها للحظات وهي تتذكر كمية الألم عندما استعادت ادراكها أنه بالفعل قد تخلى عنها، وهنا زاد اشتعال مقلتيها، وجسدها قد سرت به برودة كما الصقيع، فلا مجال الآن لأي مشاعر الحب.
سكت ولم يعرف ما يقول، وتلك الكلمة تضربه بالصميم، وكل شيء عاد لذاكرته، لقد خدعته!!.. وهاهو الآن يقف أمامها كالمغفل!!.
فالتفت إليها والغضب قد تملكه تماما من شيء لا يعرف ما هو، وإن كان يعتقد بأنها ستخر راجية اياه التفهم كما السابق فهو مخطئ!!.
- وانت حضرة البرنسيسة، أظن كان عاجبنج إنج تكونين محور الكون؟؟.. وأن الكل قاعد يدور عليج؟؟.. بصراحة لعبتي لعبتج صح وخليتي الكل مثل الخاتم باصبعج.
وأخذ يصفق وهو يتابع:
- برافوا عليج، بصراحة قللنا من قيمتج.
ظلت واقفة تراقبه إلا أن قالت تهديه أول نبذه من تغيرها وهي تتحرك ناحية الأريكة وجلست بأنوثة بجلابيتها الملتصقة بجسدها المثير جعل جسده يستجيب إليه بسرعة، لكن حديثها ألجمه عن الغرق أكثر بين مفاتنها.
- والله شو أقول يا بو عبدالله!!.. كان هذا طلبي إنهم ما يقولون لأي حد انهم يعرفون وين مكاني، وثاني شي هم كبار وما أظن وحدة صغيرة مثلي تقدر تتحكم فيهم، والشي الأخير انت ما يخصك طلعت ما طلعت هذا شي راجع لي أنا وبس.
وسكتت ودارت معركة العيون.. غابة استوائية تعلن عن العواصف القائمة بداخلها عن ظلم قد أوقع عليها بغير وجه حق، وعسل قد انصهر ليغدوا كما الصحراء المشتعلة بغدر كان من نصيبه.
بوادر العواصف تتشكل فوق رؤوسهم، والرياح كأنها هبت تصفعهم بكل اتجاه، لكنهم لم يتحركوا ولم يخفضوا عيونهم، وكل واحد منهم يعلن عن التحدي، إلى أن قال بعد فترة من الصمت:
- نعم.. اظهري على حقيقتج وخلي الكل يعرف مين انت؟؟.
- والله كلن يرى الناس بعين طبعه، وبصراحة ما يهمني رايهم فيني.
اعتدلت بجلستها وحركت ساقها بأناقه لتضعها فوق الأخرى وتابعت التحدث ليتابع هو حركة شفتيها كما تعود دائما:
- وإن كان على حقيقتي؟؟.. فما عندي شي أدسه، هم عارفين وأنا عرفة وانتهى الموضوع.
استشاط غضبا على اسلوبها البارد والجاف بحديثها معه، وجلوسها هكذا جامدة وهو من يشتعل حريقا بسببها، فما كان منه سوى أن يؤلمها بقدر ما هي تؤلمه.
- يعني تبين تقولين انهم عارفين إنج حرامية وطمعانة بالفلوس؟؟.
- حمدان.. ماله داعي لهذا الكلام!!.
قاطعته الجدة بعدما استشعرت بأنه سيخطأ بحديثه أكثر ما هو غائص به لحد عنقه.
- وبعدين أظن انك مالك شغل فيها بعد ما طلقتها، ويلي صار بينكم انتهى وخلاص، وكلن راح بطريجة.
ازدرد لعابه بصعوبة وجملة "كلن راح بطريجة" لم يستطع هضمها، أجل.. هم قد انتهوا ولم يعد له حقوق عليها، لقد صارت حرة، وهو كالأحمق يقف أمامها ويعلن عن اهتمامه بها، إذا لما يشعر بالغضب؟؟.. لما ذلك الاحساس بداخله يشويه ويجعله غير قادر على اطفاء ناره؟؟.. هو لا يريد أن يؤذيها، لكن رؤيتها بهذا الشكل يجبره على رميها بسهامه، ما به؟؟.. أولم يرد أن يطلب السماح منها؟؟.. لكن ما الذي يحدث له؟؟... فهمس بعدها بجمود بعكس ما بجوفه من عواطف:
- صح.. كلامج صحيح، احنا انتهينا.
فتراجع للخلف خطوة ثم عاد وبزق جملة جعلت جوفها يتلوى وجعا:
- بس خلوني أنبهكم على شي وأبري ذمتي، انتبهوا زين لنفسكم، الحرامية كثروا هذي الأيام، وانتبهوا لا يغافلونكم من ورى ظهركم.
وغادر مغلقا الباب خلفه بكل هدوء بعكس ما بداخله من أمواج عاتية، وترك خلفه امرأة تتلضى بسهام حروفه.
- لا تاخذين على كلامه يا بنتي، هو معصب شوي ولما يهدي...
قاطعتها عنود مشيحة بيدها قائلة:
- ما عاد يهمني يا يدوه، معصب مب معصب ما عاد يفرق عندي، هو خلاص انتهى من حياتي وما عاد له وجود.
- لكن يا عنود!!.. انت عارفة واحنا عارفين...
وكان الحديث هذه المرة من العمة لتجيبها عنود بكل ثبات:
- لا يا عموه، هذا الشي ما راح يفرق بشي، ويلي بينا انتهى وما راح أتراجع عن كلامي شو ما صار.
- بس.....
أوقفت الجدة العمة عن الاسترسال بحديث لا طائل منه، فالجرح مازال يتقيح ولم يشفى بعد، فقالت بحكمتها المعهودة:
- ولا يهمج يا بنتي يا العنود، ما عليج من حد، لج بنفسج ودراستج وبس، وغير جذا لا تفكرين فيهم، وألحين لما عرف حمدان انج ساكنة هنا مب خلاص خلي الكل يعرف انج بخير؟؟.
لتكمل العمة:
- صح كلامج يا الغالية، اختج آمنة بين فترة وفترة تتصل وتسأل عليج، المسكينة دموعها ما وقفت، وقلبي متقطع عليها، حرام ارحمي حالها!!.
واستطردت الجدة مكملة:
- وبعدين لازم تروحين وتطالبين بحقوقج وما تتركين لهم شي.
امتقع وجهها عندما تحدثت عمن كان والدها لتهمس بوجع ظهر على ملامحها:
- ما بي شي منه يا يدوه، ويلي كان يهمني راح وخلاص، والباقي أشياء أبدا ما كانت همي.
- لا يا بنتي انت غلطانة!!.. هذا شقى أبوج وورثه لكم، وما يصير تتنازلين عنه لناس ما كانوا كفوا يحافظون على أهل بيته.
تنهدت بقلة حيلة وما قالته الجدة صحيح، لترفع رأسها إليهم سائلة:
- طيب.. وش المطلوب مني؟؟.
لتقول العمة:
- محامي شاطر وهو يتكفل بكل شي ويرد حقوقج.
فهزت رأسها موافقة، فكما وعدت نفسها لن تسمح لأي شخص بسلبها ما يخصها.
************************************
رنين الهاتف طغى بنغمته بغرفة الجلوس، وما أن سمعه حتى هب راكضا فوق السلالم يجتازها بخطوتين كبيرتين، وعندما شاهد شقيقه قادم لرفع السماعة صرخ به:
- أنا يلي برد على التليفون.
استغرب سعود لهفة شقيقه منصور للاجابة، ليسارع الآخر قائلا وهو يصل عنده:
- أنا أتريا حد يتصل فيني!!.
ليستغرب شقيقه الأمر، وتساءل:
- يتصلون على تليفون البيت!!... وليش؟؟.. تليفونك وينه؟؟.
فرك ذقنه بحيرة ثم قال:
- ها... تليفوني موجود، بس...
ضيق سعود جفنيه وهو يناظر شقيقه المرتبك، والآخر توترت أعصابه من تحديق شقيقه به ومن رنين الهاتف الذي طالت نغماته وبالتأكيد صاحبه سيمل الانتظار، ولكن ما حدث بعدها جعل قلبه يسقط تحت قدميه، فشقيقه رفع السماعة وأجاب، وعيناه ما تزال تلتقط خلجات شقيقه المتوترة.
- ألو....
سكت وبعدها أجاب، وجعل قلب الآخر يهفوا لبارئه:
- أهلا يا ولد الخال، شخبارك؟؟.. وشعلومك؟؟.. احنا الحمدالله كلنا بخير.
أنصت سعود للطرف الآخر وأدار رأسه للناحية الأخرى بعيدا عن عنه ليتنهد شقيقه براحة ومن ثم جلس باسترخاء.
- ها... منصور!!.. هيه موجود، بس ليش ما اتصلت على تليفونه؟؟.
سكت ومن ثم أجاب وعيناه تسترخي براحة:
- تليفونك ضاع وقلت لمنصور انك راح تتصل فيه من تليفون البيت إذا بغيت شي، لا هو موجود، هذا هو يالس عندي، يلا حياك مع السلامة .
ودفع السماعة لشقيقه الذي ناظره بحاجب مرفوع كأنه يقول:
- ها... إطمنت ألحين؟؟
وتركه وانطلق لغرفته وظل منصور يتحدث مع ولد خالته لفترة وعقله مشغول بمن أخلفت بالاتصال، فقد طالت الفترة ولم تعد لمهاتفتهم وتساءل... هل هي بخير؟؟.. هل والدتها منعتها من استخدام الهاتف؟؟.. أم أنها لم تعد تبالي بالاطمئنان على شقيقتها؟؟.
أسئلة دارت بذهنه ومن ثم عاد من شروده وأغلق الهاتف بعد أن تواعد هو وابن خالته على الالتقاء بأحد الكافيهات ليلا.
جلس لبعض الوقت وانشغل بهاتفه الخليوي إلى أن رن الهاتف مرة أخرى ليجيب بسأم وعيناه تجري على شاشة الهاتف:
- ألو...
- السلام عليكم.
اعتدل بجلسته ما أن سمع ذلك الصوت الرقيق والطفولي وأجابها وقلبه يدق بشكل غريب لم يوليه أي اهتمام، وابتسامة تشدقت به شفتيه ولم يشعر بها، وأجاب:
- أهلا آمنة شخبارج؟؟.. وينج؟؟.. قلتي بتتصلي وما اتصلتي؟؟
وفي الجهة الأخرى ابتسمت بخجل وأجابته بهمس:
- أصل ماما ما كنتش بتخرج من البيت فمأدرتش أتصل، انت ازيك؟؟.. عامل إيه؟؟.. والعيلة كلها كويسة؟؟.
ارتاحت أساريره عندما اتطئن عليها، ثم أجابها:
- كلنا بخير وما فينا إلا العافية.
سكت الاثنان ولم يعرفا ما يقولانه إلا أن همست:
- ما عرفتوش حاجة عن عنود؟؟
- لا ما عرفنا شي، بس إن شاء الله ما عليها شر.
- إن شاء الله.
وعادا للسكوت ولم يدريا بأن قلوبهما قد نبضت وتغيرت وتيرتها، وأن الأرواح تهامست وتناجت بلغة لم يعرفوا بوجودها بعد، فقالت بعد فترة بصوت خفيض:
- طيب.. كدا أنا حقفل السكة.
فسارع رافضا:
- لا.. لا تسكرين!!.
- ليه.. في حاجة؟؟
- ها... لا ما في شي بس انت شخبارج؟؟.. وشلون الدراسة معاج؟؟.. وانت بأي صف؟؟.
طال الصمت من الجهة الثانية، فاعتقد بأنها لا تريد الاجابة، وأنه قد تعدى حدوده.
- أنا بأولى ثانوي والدراسة كويسة .
أراد أن يطيل سماع صوتها الذي تغلغل بداخله وأنعش فؤاده، لكنها بخلت عليه إذ قالت:
- أنا لازم أروح دلوأتي، شكلها ماما جت.
فهمس بغيض:
- وهي شو يلي جابها ألحين؟؟.. ما عرفت تتأخر شوي!!.
- بتؤول حاجة؟؟
- لا.. لا.. ما في شي، قاعد أكلم حد عندي.
- طيب مع السلامة.
- عاد لا تقطعي، واتصلي يمكن يكون في خبر وأنا ما عرف أي رقم علشان أتصل لج فيه.
- أنا معنديش تليفون، ولكن ححاول اتصل، مع السلامة .
- مع السلامة .
وسمع صوت طنين إغلاق الهاتف من الطرف الآخر ليتنهد بضيق ويضع السماعة بمكانها، وبعدها نهض ملتفتا ومغادرا وشيء ما قد حدث!!.. شيء لا يعرف ما هو قد أصابه، ولكنه ولى هاربا منه، فالمجهول دائما مخيف، ولو كنت تعلم المستقبل يا منصور لقلت له أن تمضي أيامه بسرعة كي يحل عليك ما هو أنت موعود فيه.
*********************************
عادت الجدة وأم سالم للمنزل بعد أن اطمأنوا على عنود، وأيضا قد شارفت الشمس على المغيب.
دلفت خديجة إلى غرفة الجدة وساعدتها بالجلوس على سريرها وخلع عباءتها، ومن ثم خلعت الجدة برقعها ووضعته بكل حرص على الطاولة القريبة من السرير والتفتت لزوجة ابنها عندما همت بالحديث:
- تتوقعين إن حمدان راح يمرر يلي صار على خير؟؟
ضربت الجدة بعصاها الأرض ثم اتكأت بذقنها عليها وأجابتها بابتسامة مشرقة وعيون براقة:
- لو سواها راح يطيح من عيني وبتكون العنود ما تسواه وتستاهل يلي أحسن منه، ولو كان مثل يلي في بالي ويلي جفته بعينه راح يعرف قيمة الجوهرة يلي عنده، بس راح يتعب شوي علشان ينولها.
جلست خديجة بجانبها وسألتها باهتمام وأمنية تتمناها:
- يعني تعتقدين إنه بعده يحبها؟؟
شخرت الجدة بصوت عالي وأجابتها:
- لو كان ما يحبها كان ما قعد لين ألحين يدورها، خلينا نقول إنه حَسب نفسه إنه غلط بحقها لما طردها من البيت بالليل وبعدين أبوها طردها علشان كذا كان يدورها، ولو كان ما يحبها، طيب لما عرف هي وين ليش يعصب؟؟.. كان يقدر يعرف إنها بخير وخلاص يبري ذمته منها وكل واحد يروح فطريجة.
وأكملت الباقي بشرود:
- هو بس ما يعرف إنه يبيها، هو ينكر لأنه مب عارف وراح يعرف، لكن متى ما أدري!!... بس إن شاء الله ما يكون متأخر.
- ليش تتوقعين عنود تتزوج حد ثاني؟؟
- البنت حلوه وما عليها عتب فأي واحد يبيها .
- بس يا الغالية انت نسيتي ولا شو؟؟
- لا يا بنتي ما نسيت وإن شاء الله هذا السبب يكون برجعتهم!!.
هزت العمة رأسها موافقة وهمست:
- إن شاء الله الأمور تنصلح بينهم .
ربتت الجدة على قدم زوجة ولدها وقالت بإيمان:
- خلي كل شي لربج يا بنتي، ويلي كاتبنه راح يصير، وما بئيدنا شي نسويه غير إنا نحاول نصلح بينهم، وإن جفناهم ميبسين راسهم خلاص نرفع ايدنا ونكون سوينا يلي علينا والباقي على رب العالمين.
لتهمس العمة بدعاء:
- الله يهديهم ويصلح حالهم ويهدي سرهم ويبعد عنهم الشر.
لتردد الجدة خلفها:
- آمين يا رب العالمين.
- طيب يا الغالية بتركج ألحين وبروح أصلي وبعدين بجوف الشغالات وشـ سوا عشى.
- وأنا بعد بروح أصلي وبريح شوي لين وقت الأكل.
وغادرت العمة تاركة الجدة تصلي وتدعوا لله أن يأخذ بيد اثنين من أطفالها قد فرق بينهم الشيطان، واتجهت العمة لغرفتها وهي تتفكر بعدة أشياء، ودخلت لجناحها بهدوء ومن ثم سارت لغرفتها وهناك تهادى إليها صوته يتحدث، وعندما اقتربت أكثر اتضح فحوى الحديث لتستند بالجدار بصدمة والحقيقة تصفعها بشدة توقظها من الغيبوبة التي وضعت نفسها بها كي تحمي روحها من الألم، وأيضا تحمي الباقين من سقوطها الذي سيكون قاسيا على الجميع، لكن إلى متى الهرب؟؟.. وإلى متى ستحجب نفسها عن الحقيقة المجردة التي كانت تمر أمامها كأنها لا تراها؟؟.. وهاهي الآن تخبرها بأنها قد اكتفت وآن لها أن تعترف بوجود أنثى أخرى تشاركها بزوجها .
- ابتسام.. أنا موقلتلج لا تتعبين نفسج؟؟
زفر بضيق وهز رأسه برفض لحديثها:
- يا ابتسام، الدوارة بالمحلات ماهو بزين لصحتج، والدكتورة قالت لازم ترتاحين بشهور الحمل الأولى.
وضع كفه على خاصرته وملامحه توشك على الانفجار من عدم مبالاة زوجته الصغيرة على طفله المنتظر، والتفت متحركا وهو يحادثها:
- اسمعيني زين يا ابتسام، إن صار شي لولدي......
وألجمت باقي جملته من الخروج، وعيناه تلتقط معشوقته وهي تنحني بانكسار تاركة الرياح تهزمها هذه المرة، لتناظره بعيون قد غشيتها دموع القهر والانهزام.
يا ألم.. أحببت أن أسلك سؤالا.. لما تؤلمنا؟؟.. لما توجعنا وتعتصرنا لحد لفظ أنفاسنا الأخيرة؟؟.. أتحب رؤيتنا نتلوى بحرقة قلب؟؟.. أتبغي التلاعب بنا فقط لمجرد اللهو والمرح؟؟.. لما؟؟.. لما؟؟.. أجبني أرجوك!!.
لتصلها قهقهات ساخرة، عالية، مستهزئة، لتناظر للأمام وتراه يجلس على كرسي كبير وضخم ورجله فوق الأخرى وأجابها:
أنتم البشر مخادعون بالفعل!!.. وتحبون التخلص من غباءكم برميها على غيركم، أتتهموننا نحن بما يصيبكم من عذاب وأنتم سبب وجودنا؟؟... اتتهموننا بأننا نفتتكم وننثر رماد محرقتكم؟؟.. وأنتم من تتسببون بهذا لأنفسكم!!.. لا ياصاحبي، لا تتهمني اجحافا وأنتم من تصنعوننا، تذيقون أنفسكم الويلات وتتفرجون عليه وهو يقاسي وتأتون وتتساءلون لما نتألم؟؟.. أنتم السبب وبيدكم الحلول، فلا تلتفت وتبحث عمن ترمي عليه بأخطاءك.
حرك فمه دون أي قدرة لإخراج حرف واحد يبث من تقف أمامه القوة وهو يراها تخنع وليس بقادر على منع انحناء ظهرها.
جفاف قاتل قد أصاب حنجرته، وأحبال صوتيه قد أخرست كما الأبكم، وكم تمنى بتلك اللحظة بالفعل بأن يصاب بالعمى كي لا يرى هذا المشهد أمامه.
فهمست وخرج صوتها كمن اعتكف الحديث منذ دهور:
- مبروك...
ولم تزد حرفا واحدا وتحركت مغادرة بعد أن حدجته بنظرة أخيرة وخرجت تعلن الحداد على حب قد حان أوان تقاعده .
ولم يستطع منعها وكأنما صار تمثالا لا قدرة لديه على الحركة، وعندما رحلت حتى سقط جسده للخلف بوضعية الجلوس على السرير وعيناه ما تزالان تعانقان مكانها الخالي كما حياته التي ستصبح خاوية من حب عشعش وتمكن من كل مكامنه.
فكيف لمن واضب على الشرب من ينبوعه العذب أن يعيش بعد أن نضب نبعه؟؟.
*******************************
يدور ويدور وكأن العالم لا يكفيه دوران الأرض حول نفسها، ولا حول الشمس، فبداخله نار تحرقه وتكويه وتصهره، فيزمجر غاضبا لشيء لا يعرفه!!.. بداخله أعاصير من الرغبات تفتك به، لهذا يتساءل.. لما الغضب؟؟.. لما هذا الجنون الكاسح برغبته بالامساك بها من رقبتها وازهاق روحها حتى تلفظ أنفاسها بين يديه؟؟.. والرغبة الأخرى تقتله!!.. فهو يريد قتلها، لكن بطريقة مختلفة كليا عن الرغبة الأولى، فكل ما يتمناه أن يقبلها ويقبلها إلى أن يكتفي من شهد عسلها، ويحتظنها بين ذراعيه وأن لا يتركها أبدا.
- صدق إنك غبي وما تتوب، يعني بعد كل يلي سوته فيك، بعدك تبيها؟؟.
عاد يزمجر وينفخ كما التنين الهائج وهو يتحرك بغرفته جيئة وايابا إلى أن توقف أمام المرآة وناظر نفسه ليجيبها:
- أنا أبدا ما أبيها، أنا معصب بس علشان إنها قدرت تغش أمي وعمتي.
لتشخر صورته مستهزئة:
- تكذب على مين انت؟؟.. انت بعدك تبيها وخاطرك فيها.
- لا.. أنا ما بيها، ليش قلة البنات؟؟.. في غيرها أحلى.
- نعم في غيرها أحلى منها بوايد، لكن خلني أسألك.. في حد عنده مثل شعرها؟؟
أغمض عيناه وهمس وهو يتخيل شعرها الأسود الطويل يغطي وجهه ورائحته العطرة تتغلغل لرئتيه:
- لا.. ما في.
- طيب في حد عنده عيون مثل عيونها الخضرة؟؟.
تذكر عقيقها المخضر وهو يشع باثارة عندما يقترب منها ينوي شن هجومه عليها، ليجيبه وقد ثارت أنفاسه:
- لا..
- وشفتها.. جفت أي وحدة من البنات عندها نفس شفاتها؟؟
اجترح أنفاسه بصعوبة وصدره بدأ يرتفع وينخفض وهو يتخيل شفتيها تتحركان بحركتها المثيرة تلك، ليهمس بصوت حمل الأنين:
- لا..
وعندما هم باكمال مدحه لها حتى انتفض من زوبعة خيالاته الجامحة وهو يصرخ لنفسه:
- لا.. لا هي خاينة وما بيها!!.. هذي هي عايشة حياتها بالعرض والطول وما اهتمت تطمن حد عليها، وحقيقتها طلعت من لما جافتني، ولا حست فيني، بالعكس طردتني من بيتها وحياتها لأن خلاص حصلت الممول من مكان ثاني.
- ليش تظلمها؟؟.. والدليل بين ايدك.
أشاح بوجهه بعيدا عن روحه العاتبة وحادث نفسه بصوت عالي:
- هي خلاص ما لها مكان بحياتي، ولازم أبعدها عن أهلي قبل لا تجرحهم!!.. هم ما راح يقدرون يتحملون الوجع، وأنا أقدر أتحمل.
وقرار قد أتخذ، واصرار بالتنفيذ، وحكم قد وقع وبقي التنفيذ، وغدا موعدهما، فالليل قد أشفق لحالها، فالبرغم من قناع القوة الذي تلبسته وهي تحث نفسها على النسيان والتجلد بالصبر وأن الزمن كفيل بمداواة جروحها إلا أن بداخلها ما تزال تئن وتبكي، ولكنها تتأمل خيرا، ولكن لو تعلم بما ينتظرها لكانت بالفعل قد اختارت الفرار من قيد أبدا لن تستطيع الفكاك منه حتى لو أرادت هي ذلك.
***********************
الحياة تدب هنا وهناك، وشمس الصباح تبزغ معلنة عن يوم جديد وقرارات جديدة وأهداف وضعت نصب الأعين .
تقف مع صديقاتها وتتباحث معهن بشأن البحث المطلوب منهن..
شهد تتأفف من كمية الواجبات والدروس المطلوبة، وميثة تبتسم لها بهدوء كما المعتاد، وما هي لحظات حتى التقطت شهد صورته تتجه ناحيتهم بهيبته ووسامته فحركت حاجبها للأعلى والأسفل وقالت بمكر:
- أقول.. جوفوا مين ياي صوبنا.
وماكادت عنود تسأل من هو حتى جاء صوته الوقور:
- السلام عليكم، شخباركم يا بنات؟؟
لتجيبه شهد بمرحها المعهود:
- بعدنا بخير ما متنا، ولكن شكلنا بنموت على جدام لو بقيتوا تعطونا كثر هذي الواجبات والامتحانات، حاشا.. يايين ندرس علشان نعالج المرضى ولا يايين علشان نموت قبل لا نعالج حد؟؟.
وضحك الجميع من حولها على مزحها حتى عنود لم تقدر سوى أن تقهقه لما قالته صديقتها حتى التفت إليها خليفة منجذبا لضحكتها الرنانة التي سلبت لبه ليضحى قتيلا تحت قدميها، وكم تمنى لو ترضى به ليغرق بين خيراتها، ودون شعور منه همس باسمها:
- عنود...
واستطرد بعشق نطقت به مقلتيه وترجمتها شفتيه وهو يقول بوله:
- عنود.. ودي أتكلم معاج بموضوع شخصي إذا ممكن؟؟
ولم تكن قد خرجت من مود استمتاعها حتى التفتت إليه وناظرته بفرح وأجابته بابتسامة مشعة وبحركة شفتيها المثيرة:
- ليش؟؟.. بغيت شي؟؟.
ولم يكد يجيب حتى هدر فوقه طوفان هائج قد تكون منذ أن استيقظ، وكبر وهو يسير بالطريق من منزله لشقتها ليعلم بأنها تذهب للجامعة، فانطلق واللون الأحمر يموج أمامه دلالة الاستعداد للمعركة، وازداد هيجانا وجنونا ليغدوا كما يوم عاصف غدى شديد الحلكة والعنف وهو يراها تقف مع رجل يكاد يلتهمها وهي تقف باستمتاع لنظراته الولهانه.
- وش بغيت من حرمتي؟؟.




طُعُوْن 01-01-17 05:55 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الرابع والعشرون............

أتعبتني وما صرت أعرف ما تريد!!.
أتريد البعد أم القرب؟؟.. أم هي حالة دكتاتورية؟؟.
أنتم صنف مفرطون بالغرور، والتملك تعتقدون أنه من نصيبكم.
اتهمتني وانتهينا، وبحكمك قد مشينا، فليما تعود وتطالب؟؟
وجودك حولي يغضبني!!.. وتسلطك هذا لا أفهمه؟؟.
لكنك أخطأت!!.. وبتجبرك تعلن الحرب، فإليك ما لدي....
ابتعد ولا تعد، در وارحل، فلم يعد لديك مكان بجانبي.
( عنود)

بالفعل إننا لا نعلم بغيب الأمور، وأن بكل يوم لنا حياة جديدة، وبكل نهار حكاية، وعنود لم تعلم بأنها ستخضوض اليوم معركة دامية، فيومها بدأ كالمعتاد... استيقظت، صلت ورتبت غرفتها وأغراضها البسيطة، وتناولت فطورها السريع، واستقلت سيارتها.
روتين اعتيادي بكل يوم، لكن الآن.. وهي تقف وترى ذلك العملاق يقف كما المارد فوق رؤوسهم وبداخل عيناه تنطلق شرارات قاتلة وبالتأكيد كانت تنطق بالموت!!
- وش بغيت من حرمتي؟؟
جملة صدمتها ولم تستطع هضم حروفها، وعقل تشتت بفعل كلمة واحدة، ورددها ليستوعبها:
- حرمتي.. حرمتي...
وما كادت تعترض حتى شعرت بأنها تختفي خلف جسده الضخم، وتساءل خليفة بغضب وهو يرى هذا الرجل العملاق يتدخل فيما لا يخصه:
- منو انت علشان تدخل بينا؟؟.
تأمل حمدان الرجل الواقف أمامه بتفحص كامل ليشتعل فتيل باروده، واحمرت عيناه نتيجة الجنون الذي تلبسه من أفكاره السوداوية بمن يمكن أن يكون، ثم أعلن عن حضوره بصوته الجهوري ملفتا الأنظار إليه:
- ما يهم أنا منو؟؟.. المهم انت وش تبي منها؟؟.. وش هو الكلام السري يلي بغيت تقوله؟؟.
تحركت عينا خليفة باحثا عمن اختفت خلف هذا المارد حتى عادت مقلتيه وقد شع سواد بؤبؤية بلمعة القتال.
- اسمحلي يا خوي، أظن هذا شي ما يخصك علشان تدخل فيه، وعنود هي صاحبة الراي وهي يلي لها السلطة تتكلم معاي أو لا.
استشاط غضبا على رده الوقحة وبنطقه لاسمها مجردا، فجز على أسنانه محاولا تمالك نفسه من الانقضاض عليه وتحطيم أنفه الذي يشمخ به، وقال متهكما:
- اسمحلي يا خوي، أظن ما في شي ينقال هنا، و....
- انت يلي شو تبي؟؟
قاطعه صوت محمل بشحنات سالبة ليس صادرا من أمامه بل من خلفه، وعندما استدار شاهد حجرين من الزمرد الأخضر يبرق بعاصفة هوجاء توشك على فك زمام ما تحمله بداخلها، ووجه محمر من شدة ما تكبته من أعاصير.
كانت فاتنة ومبهرة للنظر، وكل هذا الجمال ناظره الجميع، فما كان منه سوى أن عاد الشرر يتقاطر معلنا هو الآخر عن بداية الحرب، وهسهس لها:
- أظن إن المكان ما يناسب علشان نتكلم فيه.
وقفت تناظره بشموخ وعدم خوف، وقالت بصلابة وثبات دون أن ترمش فما عاهدت فيها نفسها ستفيها حتى لو كان على حساب قلبها:
- ما في كلام بينا علشان ينقال، ولو سمحت ارجع في طريقك!!.
ارتجف جسده بانفعال شديد لردها عليه باسلوب قاسي لم يعهده عليها هكذا من قبل، لطالما كانت تجيبه باستفزاز، لكن هذا كان مختلفا جدا.
- أظن سمعت عنود وشقالت، ممكن تروح ألحين هذا مكان محترم.
لم يسمع جملته فكل ما التقطته أذنيه همسه لاسمها مجددا، وفكرة أن رجل آخر تلذذ بنغمة اسمها، ثارت شياطينه وانفجر البركان مخرجا ما بداخله من حمم حارقة ستحرق شخص واحد.
التفت حمدان ممسكا خليفة من دشداشته وهمس بفحيح مرعب:
- لا تقول اسمها على لسانك!!.
وبدأ يكيل عليه اللكمات الواحدة تلو الأخرى، وانتشر الصراخ بين الجميع، والهتاف من بين الجمهور، ولم يكن خصمه بالسهل فما أن انفكت صدمته حتى استجمع قوته وانقض على الرجل الغريب بوابل من قبضاته السريعة، والتحمت جبهتان متقاتلتان لهدف واحد ألا وهو نيل شرف الأميرة!!.. وهي وقفت بعيون جاحظة تنظر للاشتباك الجسدي بين رجلين، لم ترى بحياتها أشخاص يتعاركون، فما بالك أن يكون هذا من أجلها!!.
سحبتها صديقتيها للخلف خوفا من لطشاتهم، وظلت تراقبهم إلى أن فضت المعركة بسبب رجال الأمن، راقبته باندهاش... ملامح وجهه مكدومة، والدماء تخرج منه، ملابسه لم تعد ناصعة البياض كما يحب، وحمدانيته في مكان ما على الأرض، لم يكن هذا الرجل من أحبته هذا شخص آخر لا تعرفه!!.
فسارت بخطى ثابتة ناحيته وعيناها لم تحيدا عنه، فحاولت صديقتيها اثناءها، لكن لا مجال لردعها الآن، ووقفت أمامه وتأملت قسمات وجهه وهمست وعيناها تلتقط عيناه:
- ليش تسوي جذا؟؟
سكتت تنتظر ولم يجبها سوى لهاثه، فأعادت سؤالها بصيغة أخرى:
- وش تبي مني وانت يلي طلعتني من حياتك؟؟.
أشاحت بيدها باستفسار لا تعلم جوابه، وحيرة طفقت تنهش عقلها:
- أنا مب عارفة انت شو تبي؟؟.. مو انت طلقتني وخلاص، وقلت ما تبي تجوف ويهي وأنا سويت يلي طلبته، لكن انت ما التزمت بيلي تبيه.
صمتت تلتقط أنفاسها ثم تابعت بسخط وحنق أكبر:
- أنا يلي ألحين أطلب منك تبعد ولا تراويني ويهك، أنا يلي ما بي أجوفك، أصلا ما بينا أي كلام علشان ينقال.
واقتربت منه أكثر دون أن تشعر واستطردت بعيون مستشاطة بخضرة قاتمة:
- وإن قربت مني راح أتصل بالشرطة وهي يلي تتصرف معاك.
والتفتت مغادرة بعد أن التقطت حقيبتها وكتبها واستقلت سيارتها باتجاه شقتها وبقي هو بمكانه دون حراك والجميع قد انفض من حوله وعادوا لروتينهم .
ناظر الأرض ثم ناظر ملابسه المغبرة وأخذ ينفضها ويتساءل بصدمة:
- وش صار فيني؟؟.. أنا ليش سويت جذا؟؟.. أنا بعمري ما تضاربت مع أي أحد، وألحين على هذا العمر أسويها، ولا.. علشان منو!!.
سكت ولم يدري ما هو التفسير لما يحصل معه، فبداخله نار تكويه وتحرقه ولا يعرف لها سبب، ولا يعلم كيف يطفئ لهيبها المستعر!!.
رفع رأسه للأعلى وشاهد غريمه يقف أمامه ويناظره وحاله لم تكن بأحسن منه.
- لما انت تبيها وتغار عليها ليش طلقتها؟؟..
وتحركت عيناه للجهة الأخرى ليطالع محدثه وكانت صغيرة الحجم، لم يعرف من هي، ولكن يبدوا أنها تعرف عما تتحدث.
شخرت باستهزاء وتابعت دون أن تبالي بصديقتها ميثه وهي تسحبها من ذراعها وتمنعها من اكمال ما تريد قوله:
- يعني مطلقنها وياي تطالب بشي ما يخصك؟؟.. عنود ما عادت تخصك!!.. ما هي بملكك!!.. ومالك حقوق عليها علشان تعاتبها، كلمت هذا ولا كلمت غيره انت ما يخصك، ما في شي يربطكم مع بعض.
كلماتها طعنته بالصميم، وشعر بروحه تتمزق دون أن يعرف لها سبب ما بها، وما به صدره يؤلمه ويعتصره؟؟.. هل هو مريض؟؟.. هل هذه بوادر الأزمة القلبية؟؟.. وتلك الصغيرة لم ترحم حاله، فقد زادت من وجع خافقه لترديه قتيلا:
- دام انكم مطلقين وَعَدت شهور العدة فمالك حقوق وهي تقدر تتزوج وتعيش حياتها مع ريال يقدر قيمتها، وانت روح في طريقك يا ولد الناس والله يسهل عليك.
وبالفعل سار وغادر ليس من أجل ما طلبته منه بل هربا من سهامها المسممة بكلامها الذي لم يستطع ابتلاعه وتجمد ببلعومه مانعا اياه من التنفس، واحساس فضيع بأنه يغرق ويغرق ورئتيه توقفتا عن العمل عندما لم تحصل على حاجتها من تلك الذرات الصغيرة التي تجعلها من كائنات هذا العالم.
***************************
الاختبارات تأتي على عدة أشكال.. منها ابتلاء بالصحة، وإما بالمال، وإما بالأنفس، وإما البنون، وهنا يرى الله سبحانه وتعلى عباده هل يشكرونه ويحمدونه على نعمه مهما تكالبت عليهم الهموم، أم أنهم ينسونه وينسون أنه هو فارج الهم، والقادر، والكريم، والمعطي، وبيده كل شي؟؟.
علينا أن لا ننسى بأن ما ضاقت إلا وقد فرجت، وأن لكل مشكلة لها نهاية، علينا فقط أن نتمسك بايماننا بأن الله معنا وأنه لن يتخلى عن عباده، علينا فقط بالتوكل إليه فمن يعلم الغيب سواه.
هذا ما كانت تلهج به الجدة من شكر وثناء لله بالرغم من أنها ترى حال عائلتها المتردية، لكنها تدعوا وتناجي ربها أن يحل الغمامة التي حطت برحالها على آل الكتبي.
تحرك مسبحتها وتناظر حجراتها وهي تتساقط واحدة تلو الأخرى حتى سألت من تجلس أمامها بجسدها، لكن عقلها وفكرها بدنيا غير دنياهم.
- عسى ما شر يا بنتي؟؟.. حالج ما هي عاجبتني هذا اليوم!!.
لا رد ولا اجابه، فعادت تناديها:
- يا خديجة يا بنتي...
فالتفتت الأخرى إليها تناظرها بعيون قد غشيها الألم، فتابعت الجدة:
- وكلي ربج يا بنتي، هو القادر على كل شي، واعرفي انه شو ما يصير فينا له حكمة هو الوحيد يلي يعرف شو هي.
وهمست العمة بعد أن طفق لؤلؤها النفيس يتساقط على وجنتيها:
- ونعم بالله يا الغالية، الحمدالله على كل حال، وعسى أن تحبوا شيء هو خير لكم وعسى أن تكرهوا شيء هو شر لكم.
- علميني يا بنتي وشصار فيج؟؟.. تركتج البارحة ما فيج شي وما غير سواد الليل وانت انقلب حالج ونمتي بغرفة ثانية.
أيضا لم تتلقى منها أي رد يشفي رغبتها بالمعرفة، فعادت تستفسر لعلها تصل للب المشكلة.
- ولدي حسن هو السبب، صح؟؟
فأشاحت العمة بوجهها بعيدا ودموعها هذه المرة هطلت بغزارة دون أن تقدر أن توقفها، وعلا نشيجها ببكاء حار موجع للروح والقلب التائهة في حب قد صار الآن يضيق الخناق على أنفاسها ولم تعد لديها القدرة على احتماله.
ضربت الجدة على صدرها بفزع وهتفت:
- واويلي على ابنيتي!!.. وشفيج يا الغالية؟؟
ونهضت بصعوبة بسبب كبر سنها، ولكن من أجل أحبابها تنسى ما بها، وجلست بقربها وسحبتها لأحضانها وتلك الأخرى كأنها كانت تنتظر هذا الحضن ليتلقفها ويحتويها لعله يخفف من مرارة طعم الغدر.
أحاطتها بذراعيها وهدهدتها بحنان وحب لهذه المرأة التي كانت كالابنة التي لم تلدها، واعتصرتها لصدرها تخبرها بأنها موجودة بجانبها ولن تتخلى عنها، وتركتها تفضي ما بداخلها إلى أن همست من بين بكائها:
- حامل... حرمته حامل يا يومه.
أغمضت الجدة عينها وعلمت أن ابنتها قد استيقظت الآن من شرنقتها، فهذا ما كانت تتوقعه أنه سيأتي هذا اليوم وتعترف بما أرادت عدم الاعتراف به.
- تعبانة يا يومه، حاسة اني بموت.
لتسارع الجدة قائلة:
- الله يطول بعمرج ويخليج لنا يا بنتي، لا تقولين مثل هذا الكلام.
وتنهدت غير عالمة ما تقوله لها سوى أن تصبرها على مصابها:
- " إن الله مع الصابرين" ما عليج غير الصبر يا بنتي، ووكلي أمرج لربج.
ابتعدت عنها خديجة وهمست بصوت مبحوح:
- اسمحيلي!!.. قاعدة أشكيلج على ولدج، بس أنا....
أخرستها الجدة ونهرتها:
- اتحملي تقوليها يا خديجة!!.. انتي بنتي وأبديج انت عليه وانت عارفة هذا الشي.
هزت رأسها موافقة وعادت تهمس:
- علشان كذا كان المفروض ما أشكيلج.
- انت حرمة أصيلة يا بنتي ومثلج ما في حد، وولدي غلط غلطة عمره لما جابلج عديلة.
أخذت أنفاسا عميقة وسؤال يحتم عليها نطقه:
- قوليلي قرارج يا بنتي وأنا معاج بيلي تبيه، وحسن شرط أخليه ما ينطق بحرف واحد ويسوي يلي تبيه وهو ساكت.
مسحت دمعاتها وأشاحت بوجهها بعيدا وهناك شاهدت أولادها يقفون بجمود وهم يرون حال جنتهم مدمر، فسارعت بمسح البقية من أنهارها وعدلت من هندامها، لكن إلا متى ستظلين يا خديجة ترتدين قناع القوة؟؟.. فأولادك لم يعود أطفالا كي تداري عنهم، ومن حق كل انسان أن يبدي ضعفه أمام من يحب، ويتكئ عليه بعز حاجته، فما فائدة الأولاد إن لم يعينونا بكبرنا.
وبصوت مشحون بالتعب والارهاق قالت تحاول استدعاء مرحها:
- ما شاءالله ،يايين من وقت اليوم؟؟
فسارع أولادها وأولهم منصور للركوع عند قدميها يقبلهما ويقبل يديها وهو يقول:
- لا تبجين يا الغالية، دموعج تعور قلبي.
وسارع الآخر سعود يركع وهو يقبل رأسها وكفيها.
- ما عليج من حد يا الغالية، وكلهم ما يسونج.
وجلس سالم بالقرب منها وطبع قبلة على رأسها ومن ثم احتضنها وهو يقول:
- اطلبي يا الغالية وطلباتج أوامر وتتنفذ على طول.
سكنت على صدر بكرها وأغمضت عيناها براحة وهي ترى أولادها حولها، هي ليس لوحدها، ويكفيها هم، لكن عليها أن لا تتعجل بأي قرار ستطلبه.
ابتعدت وربتت على وجنة ابنها بأمومة ومن ثم ربتت على رؤوس منصور وسعود وقالت بطلب:
- أبي أروح العمرة.
- تم
صرخ بها أولادها ونهض سالم ليتصل بأحدهم ويجهز كل شيء للسفر وأخذ اجازة من عمله العسكري، وعندما أراد سعود ومنصور التغيب من الجامعة كي يذهبوا معها اعترضت:
- لا حبايبي دراستكم أولى.
- انت الأهم يا يومه وغير ما يهم .
- لا يا منصور، دراستك حبيبي لازم تتابعها، وبعد عليك امتحانات.
وعاد سالم وجلس بجانبها وحادثها:
- حصلت حجز باجر يا الغالية.
هزت رأسها بالايجاب:
- أحسن... علشان أروح وأزور العنود اليوم وأطمن عليها قبل لا أروح.
فهمس الجميع بصدمة:
- عنود...
ليتساءل سالم بدهشة:
- انتوا لقيتوا العنود؟؟.. متى حصلتوها؟؟.. وين كانت؟؟.. وحمدان يعرف؟؟.
لتسارع والدته بالقول:
- هدي يا يومه وبقولكم كل شي.
وسردت عليهم ما حدث وهناك من بينهم قلب يتراقص طربا وفرحا لم يسمعه سوى صاحبه، وبلهفة سينتظر إتصالها على أحر من الجمر.
******************************
- صدق يا يدوه!!.. بنروح لماما عنود؟؟
- نعم يا بنيتي يا حنان، بنروح بعد آذان العصر، يكون انتو خلصتوا واجبات ودراسة.
صرخت حنان بفرح وأخذت تقفز هنا وهناك ثم احتضنت الجدة بقوة وهي تقبلها وتارة أخرى تصرخ:
- هيه... بروح عند ماما عنود.
وتحركت عينا الجدة ناحية الصامت وهذه المرة كانت هناك ابتسامة كبيرة تتوسد شفتيه، وملامحه تنطق بالبهجة والسرور واللهفة لهذا اللقاء الذي يشعر به كأنه مر عليه دهورا طويلة .
- تعال يا يومه يا عبدالله.
وأقبل إليها واندس بأحضانها يلتمس رائحتها بمن كان معها قبلهم.
حلت فترة المساء واستعد الجميع للذهاب.. الجدة والعمة والأولاد وهذه المرة لا يحتاجون للتستر أو التخفي كما اللصوص للذهاب، فقد ظهرت وأعلنت عن وجودها، فليس هناك داعي لأن تظل خلف الظلال.
ركبوا سيارة سالم وانطلق بهم ناحية منزل من كانت غائبة وعادت للظهور، لكن صاحبه من اختفى، فاليوم لم يره أبدا، والعمل لم يذهب إليه، وتساءل أين هو؟؟... وما هي خطوته التالية لاسترجاع زوجته؟؟.. أسئلة كثيرة دارت بخلده وهو يوقف السيارة تحت البناية التي تقطنها ليكتشف بأنه نفس المبنى الذي سكنته في بداية زواجهم، وتساءل لما لم يخطر في بالهم بأن يفتشوا عنها هنا؟؟... فقد كان اعتقادهم بأنها ستبتعد عنهم قدر استطاعتها وليس أن تكون قريبة منهم.
ساعد جدته بالترجل، والأطفال قد أصابهم الجنون وخصوصا حنان التي ظلت تستعجلهم بالسير والتقدم والسرعة، فشوقها كبير للقياها، ولهفة لا تصدق يعتمل صدرها الصغير لرؤية من كانت لهم الأم التي افتقدوها، والآخر ارتدى قناع البرودة واللامبالاة، لكن عيناه فضحتا أشواقه لمن احتوته وعانقت آلمه.
***********************
- يا شهد يا حبيبتي صدقيني أنا بخير وما فيني غير العافية.
أنصتت للطرف الآخر ثم أجابت بسخرية لاذعة:
- شو تبيني أسوي يعني؟؟.. أروح احضنه وأقول أنا راضية تسوي فيني يلي تبيه علشانك حلو.
تبرمت ثم تابعت :
- يا شهد، خلاص احنا انتهينا، هو طلقني وأنا كرامتي ما تسمحلي إني أرجع وأترجاه إنه يرجعني، ترجيته مرة لكن هو ما سمعني.
وشردت بذكرياتها لتتوالى عليها والألم يجتاحها وهمست:
- كسرني يا شهد وما سمعني!!.. سمعها هي وأنا لا.
هزت رأسها برفض وتابعت:
- ما راح أرجع له يا شهد حتى لو يا هو واترجاني.
استمعت حتى قهقهت دون إرادة بسبب مزاح صديقتها:
- والله إنج رايقة!!.. بس كلامج صحيح.. حمدان ما هو من النوع يلي يترجى، هو يطلب ولازم احنا ننفذ.
أشاحت بيدها كأنها تمسح صورته من أمامها واستطردت:
- المهم ما علينا، طرشيلي يلي درستوه اليوم على الايميل.
قوطعت وأنصتت وسألت باستفهام:
- استاذ خليفة!!.. وشفيه؟؟
تنفست بعمق ثم أجابت :
- لا يا شهد، أنا ما أنفع للاستاذ خليفة، وهو الله يوفقه مع وحدة ثانية تناسبة، والله يخليج انتهينا من هذا الموضوع وما عاد نفتحه مرة ثانية، وألحين أخليج، أسمع جرس الباب، هذيلا أكيد يدوه وعموه، مع السلامة .
وأغلقت الهاتف وانطلقت ناحية الباب تطلعت من العين السحرية ثم فتحته على وسعه ووقفت تطالع الصغيرين بعيون حانية ودموع منسكبة، وشوق كبير لطفلين كانا هبة من السماء لها ليسكنوا جراحها.
تأملت ملامحهما الغائبة عن ناظريها بعاطفة وأمومة مشتاقة ومحتاجة، فكل ما تحتاجه الآن من هذا العالم هو البراءة والحب دون أي مقابل.
ولم يكن حالهما بأحسن منها، فالمعاناه بادية على صفحة وجههما، ودموعهما تنزل أنهارا على وجنتين قد شاقت أيضا من بؤس الحياة،
فتحت ذراعيها على وسعهما فالانتظار صعب، والطوق للشعور بجسديهما يقتلها، ونادتهما بكل ما تكنه لهما من حب:
- تعالوا... اشتقتلكم وايد.
وانخفضت تحتضن جسدين ارتجفا بكاء، فبكت لبكائهما، وبكت على ما طالهما من أحزان، عانقتهما بقوة ليبادلاها العناق بأشد منه، قبلتهما تنعش قلبها بلقياهما، وما أحلاه من يوم عندما تعلم بأن أحدهم ينتظرك بصبر، ويذكرك بغيابك، ويكن لك كل الود والمحبة.
أبعدتهما بعد فترة ومسحت دمعاتهما ومسحوا هم أيضا دموعها.
- يلا ألحين ما في دموع بعد اليوم.
لتهمس حنان:
- إذا كنت بتروحين عنا ترانا بنبجي، فلا تروحين عنا.
ربتت على وجنتيها وهمست لها:
- لا حبيبتي أنا ما بروح أي مكان، وتعالوا زوروني متى ما تحبون.
لتعود حنان وتتساءل:
- يعني انت ما بتروحين معانا البيت؟؟
هزت رأسها بالنفي وأجابتها:
- لا حبيبتي، هنا صار بيتي.
ليقاطع عبدالله شقيقته من المتابعة بأسئلة يعرف أجوبتها ولا داعي لشقيقته معرفتها:
- خلاص يا حنان، متى ما بغينا نزور ماما عنود بييبنا عمي سالم ويدوه.
هزت كتفيها دون أن تبالي فما يهم هو أن ترى من صارت كالأم لها.
دخل الجميع للداخل وجلسوا يتحدثون عن كل شي، والطفلين التصقا بها باحثين عن أمان قد عاد إليهم، وحب عاد يتغلغل لروحهم معيدا لها الحياة، فما أجمله من شعور أن يكون هناك من يحبك ويتمنى لك كل الخير والهناء، ويدعوا لك من أعماق قلبه أن تنال كل ما تتمناه.

**************************************

طرقات الباب تعالت بالأرجاء لتفصل الجسدين المتلاحمين، وفزا من مكانهما والخوف قد تلبسهما.
- انت مش ؤولتيلي إن محدش حيجي اليوم؟؟.
- أيوه.. ما أنا تأكدت أبل ما أؤولك تيجي.
عادت الطرقات ترتفع فنهض بسرعة يرتدي ملابسه وهي الأخرى فعلت بالمثل، وحاولت ترتيب نفسها قدر استطاعتها، وخرجت تستطلع الأمر وسألت:
- مين على الباب؟؟
- ابتسام هذا أنا افتحي الباب، أحاول أفتح بس شكلج ناسية مفتاحج بقفل الباب.
خبطت خدودها وولولت بصمت وناظرت حبيبها بخوف وعندما عاد صوت زوجها إليها انتفضت بهلع:
- ابتسام... وين رحتي؟؟.
- ها.. أنا.. أنا هنا، بس استنى علي ثواني، أصلي... أصلي...
أخذت تبحث عن منفذ ليشير إلى ملابسها ووضع كفيه على خده لتصرخ:
- أصلي لبسة خالع، أغير وأرجع، ثواني بس.
وهمس صديقها بتساؤل:
- هو ليه بيندهلك بابتسام؟؟
تجمدت بمكانها ثم ما لبثت أن سارعت بالقول بهمس:
- هو حرام جوزي يدلعني؟؟
وظلا يتحدثان بالاشارة إلى أن أشار ناحية المطبخ للاختباء واندفع إلى هناك دون الانتظار، وعندما اختفى عن أنظارها اتجهت للباب وهي ترتب شعرها:
- أنا جية أهو.
وفتحته ليذلف حسن وقد ظهر الضيق على قسمات وجهه:
- كل هذا تلبسين يا ابتسام؟؟.. وثاني شي أي نوم هذا المغرب؟؟
ارتبكت وتلعثمت وعيناها تدور بكل اتجاه :
- أصلي... أصلي...
- وشفيج؟؟.. مالج مب على بعضج؟؟.. صار شي بغيابي؟؟.
- ها... لا.. لا يعني حيحصل إيه؟؟.. وأنا صيرة بنام بأي وقت أصلي بتوحم، وماما ألتلي شكل ابنك حيطلع مدلع.
ترك الأمر على ما هو عليه وجلس على الأريكة بتعب بدى عليه، وتوترت هي أكثر عندما شاهدت صديقها يشير إليها بأن تفعل شيء ليستطيع الخروج قبل أن تخرج روحه اجبارا على يد زوجها.
فسارعت تقول:
- شكلك تعبان يا حبيبي، ما تروح تريح شوي بالأوضة.
أغمض عيناه باعياء وتنهد بحرقة قلب لحبيبة قد ابتعدت عنه ولم تعد تطيق حتى رؤيته، والخوف من الفراق ينهش صدره، فلا قدرة لديه على بعدها، فكيف لحسن أن يعيش بلا خديجته؟؟.
فتح عيناه ليتطلع للمرأة الواقفة أمامه بكل جمالها وفتنتها، لكنها ليست بجمال زوجته الحبيبة، كيف استطاع الانصياع إليها؟؟.. كيف ترك شيطانه يقوده لهذا الطريق وهو من زهد من الدنيا واكتفى بما لديه؟؟.. صار الآن يقاسي نتيجة اختياره.
زفر أنفاسا حارة وساخنة ومرهقة، ونهض بتعب متجها ناحية غرفته، وما أن اختفى من أمام عينيها حتى أشارت بسرعة لخروج صاحبها، لكن ما هي إلا ثواني حتى تجمد الوقت والزمن، والقلوب قد سقطت من محلها عندما أطل حسن متسائلا عن شيء ما.

*******************************
يدور ويلف بسيارته دون أي هدف، فمنذ خروجه من جامعتها لم يعد لمنزله وهو بهذه الحالة المتردية والمتسائلة عما يحدث له، فالجهل كما يقولون نعمه، لكن بحالته الجهل بما لا يعلمه متعب جدا، وعقله يدور دون أن يخرج بأي نتيجة مرجوه لتريحه.
قاد سيارته ببطئ كما شريط حياته الذي يعاد إليه بحلوه ومره وكم كانت حياته بائسة إلى أن دخلت وغيرتها تماما، لقد أنعشتها وزلزلتها ولم تعد كما كانت من قبل باردة مفترشة بالأشواك، ليعود وينفي... لا.. هي مجرد أمور تحدث بين أي زوجين، لكنك كنت متزوجا من قبل يا حمدان؟؟.
ليعود الاحباط يصيبه بمقتل، نعم.. كان متزوجا ولم تكن حياته أبدا بتصاعد مستمر ومفاجآت لا تعرف من أين تأتيك، فتلك الصغيرة كانت كتلة من الفاجآت السارة بالطبع هذا مختلف، لكن ما هو المختلف؟؟.. ما يميزها عن الباقيات؟؟.
صداع فتك برأسه، وضيق اعتمل صدره، فأوقف سيارته بجانب الطريق وفتح النافذ لعل الهواء العليل ينعشه ويخرجه من دوامة مشاعره المتضاربة.
فسافر عقله بكلمة قد قيلت له... " غيور"
شخر باستهزاء، هو رجل غيور؟؟.. لا.. مستحيل هو لا يشعر بالغيرة من أجلها، هو فقط فعل ما فعله ليسترجع كرامته التي أهدرتها بوقوفها مع رجل آخر غيره... تخاذلت ملامحه، وتهدل كتفيه، فالمبرر لا يقنعه!!.
تطع للخارج ليرى الظلام قد حل، لم يشعر بالوقت وهو يمضي دون هوادة، فأفكاره كانت مشتتة لينظر لما حوله.
تلفت يبحث عن غايته ليرى هاتفه على الكرسي المجاور، رفعه ليرى كم من المكالمات من ابن عمه سالم، فسارع بالاتصال دون أي رغبة لديه بمحادثة أحدهم، لكن لربما يكون هناك طارئ ما.
- هلا سالم شو الأخبار؟؟.
أرجع رأسه للخلف وأجابه بعد فترة:
- أنا بخير، الأولاد بخير فيهم شي؟؟
وانتفض جالسا وهو يصرخ:
- شو تقول؟؟.. هم ألحين عند عنود!!.
ولم ينتظر أي اجابه بل أطلق العنان لسيارته لتحلق كما الصاروخ النفاث والهدف ينوي شن غارته لعدو يوشك على الفتك بأطفاله الصغار، فألا يكفيها ما تفعله به؟؟.. أتريد أن تؤلم صغاره أيضا؟؟
- والله والله ما أخليها حية!!.. كل شي ولا عيالي يا عنود!!.
وتناسى ونسي ما حث نفسه عليها أن يبتعد عنها قدر استطاعته، وشيطانه يتراقص أمامه معميا إياه عن الحقيقة من أنها من المستحيل أن تؤذيهم!!.. وحمدان العاقل يعلم ويعرف هذا، لكن هذا الرجل لم تعرف له هوية!!.. فكل ما يراه الآن.. هي تضحك بصوتها الرنان والرجال من حولها يتأملون جمالها ويكادون يلتهمونها وهي لا تمانع هذا.
ووصل بسرعة قياسة وانتبه سالم إليه متأخرا لركضه الجنوني إلى داخل البناية، فقد طلبت منه والدته أن يشتري لهم طعام العشاء ليتناولونه بالشقة مع العنود.
طرق الباب بقوة فسارع عبدالله لفتح الباب باعتقاد أنه عمه قد جاء بالعشاء، وما هي إلا لحظات حتى دخل كما القذيفة ناحيتها وأمسكها من عضدها وهدر بها كما الصاعقة بليلة ظلماء عاصفة:
- انت زودتيها وتعديتي الخط الأحمر يا عنود!!.. قلتلج من قبل إلا عيالي إلا عيالي!!.
وأخذ يهزها دون أي رحمة بحالها المصدومة من رؤيته بهذه الحال الغريبة، واتهامه البشع على أذنيها، وتحرك رأسها جيئة وايابا مع كل دفعه معه، حتى أصابها الدوار فصرخت الجدة ناهرة إياه ما يفعله:
- حمدان... انت جنيت؟؟.. اترك البنت، بتموتها!!.
وزعقت العمه أيضا وهي تنهض متجه ناحيته لردعه عما يقوم به:
- يا المجنون!!.. اترك البنت بتذبحها!!.
وصرخت العمة والجدة به، لكن الأوان قد فات وهم يرونه يدفعها من يده باتجاه الكرسي بدفعة قوية:
- حاسب.... الجنين.

طُعُوْن 01-01-17 06:00 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الخامس والعشرون.......
من أنا ومن أكون؟؟.. تهت وما عدت أعرف نفسي!!.
روحي شريدة، وأحاسيسي غريبة، وعاوطفي جديدة.
أتعبتني يا صغيرة وما عادت بي طاقة .
سحرتني بسهولك الخضراء، وأبحرت بين ثلوجك البيضاء.
أدمنتك.. وصرت دونك بلا حياة، وما عاد لي دواء سواك.
بشر أنا وأخطئ، ومعك أصير مختلف .
جننتني وما عدت أدور بفلكي، أرقتني وصرت هاجسي .
أيا كحيلة العين، يا زينة العود، يا الشهد المعسول.
صرتِ طيفا بخيالي، وأصبحت لا أنشد غير أنفاسك.
تهت بك.. ولم يعد لي طريق للعودة.
فاستعدي يا من سحرتني بشيء صار يتملك صدري.
فأنت لي، وملك يميني، وما عدت أريد التنحي.
( حمدان )
**************************
هل زارك ذلك الاحساس عندما تعلم أن بيديك تقتل روحك وحياتك؟؟..
لا.. أنتم لا تعرفون ذلك العجز الذي يغلغلكم باديا من الأعماق ثم ينتقل للخارج مقيدا إياكم وأنتم ترون أغلى الناس يفلت من بين أصابعك والسبب..."أنت".
قلبه توقفت نبضاته وهو يراها مسجاة دون حراك، واختفت أنفاسه باختفاء أنفاسها، فألا يقال أن الأرواح تتشارك!!.
العمة جزعة، والجدة مرعوبة، والأطفال انزوا بأحد الأركان وقد أخذت بهم الصدمة من رؤية والدهم بهذه الوحشية مع والدتهم، وهو وقف بجمود والجملة قد شلته تماما.
- عنود حامل... حامل بابني أنا.
هل يفرح أم يصرخ؟؟.. أم ماذا يفعل!!.. هو لا يعرف ما الذي يجب عليه أن يكون؟؟..
- عنود حبيبتي، عنود قومي الله يخليج!!.
وهتفت الجدة بلوعة:
- يا بنيتي يا العنود قومي، حسبي الله ونعم الوكيل!!.. الولد انجن وما عاد بعقله.
سكتت قليلا وتطلعت للفتاة الساكنة ومن ثم عادت تولول بصوت عالي باتجاه زوجة ولدها:
- يا خديجة.. سوي شي، البنت بتروح من ادينا!!.
- هدي يا يومه وخليني أجوف شو أسوي.
والتفتت حولها لترى من كان السبب يقف دون أن يبدي أي ردة فعل وعلمت من أنه لن يفيدها بشيء، وشاهدت والدها لتصرخ به:
- سالم.. تعال وجوف العنود وجفيها!!.
تقدم ناحيتهم لكنه توقف فجأة، فلا يستطيع أن يتقدم خطوة أخرى ناحية امرأة ليست بحلاله.
فتحرك ناحيته وأمسك بذراعه هادرا به:
- حمدان تحرك وجوف حرمتك وشفيها، أنا ما أقدر ألمسها.
وبالفعل شعر بالحياة تدب بأوصاله، وعيناه تلتقط هيئتها المصفرة.
تحرك ناحيتها فشعرت العمة بجسدها ينزاح وجسد آخر يحتل مكانها. جس نبضها أولا ليتنهد بارتياح، هي حية، ومن ثم أمر:
- أعطوني غرشة عطر .
والتفت يتطلع لما حوله وشاهدهم يقفون عند الزاوية وعيونهم جاحظة للخارج، فعدم التصديق بأن والدهم الحنون يفعل هذا فهو شيء لا يصدقه عقلهم الصغير!!.
أغمض عينيه بحسرة والندم يعتصر صدره على الحال المتردية التي أصبح عليها، لكن ليس هذا بوقته.
- عبدالله ... سير غرفة النوم بسرعة وجيب لي غرشة عطر.
ولا رد لطلبه فعاد يصرخ به هذه المرة ليوقظه:
- عبدالله بسرعة جيب لي عطر.
وترك شقيقته وانطلق سريعا كما الصاروخ للغرفة وبحثت عيناه بكل أرجائها باحثة عن الدواء الذي سيعيد له والدته الحبيبة، وهناك وجده، وجرى ناحيته متلقفا الزجاجة وساحبا معه باقي الأشياء وموقعا إياها دون قصد منه ولم يتوقف لينظرما فعله فحياتها بين يديه!!.
أسرع للخارج كما قلبه النابض بسرعة ألف واط، أهدى والده الزجاجة ليأخذها من يده ورش بعض منها على كفه ومن ثم حركه ناحية أنفها ودعاء بأن تستيقظ، لكن كل ما طالعهم هو سكونها الذي أرسل الرعب لقلوبهم المتعلقة بها، فما كان منه سوى أن طالب بعباءة وهذه المرة تحركت العمة وأحضرتها ليلفها حول جسدها ويغطي شعرها أين كان، وسارع بحملها واضعا إياها بالقرب من صدره ومحتويا بجسدها بين ذراعيه القويتين وانطلق بها للخارج، وبلحظة ضربه ادراك من أنه وللمرة الثالثة يحملها ويهرع بها للمشفى، وبكل الحالات كان هو سببها.
وضعها برفق بالمقعد الخلفي لسيارته وعيناه تعانق ملامحها الذابلة والشاحبة وهمس بالقرب من وجهها وظاهر كفه يلامس وجنتها المصفرة برقة:
- آسف يا العنود والله ما كان قصدي!!.. والله مب عارف شو صاير فيني!!.
وابتعد عنها ومقلتيه ما تزالان تشيعانها ثم أغلق الباب قاطعا التواصل ودار حول سيارته واتخذ مقعده وما كاد أن يدوس على عصى البنزين حتى فتح الباب المجاور له وصعدت عمته وأمرت بنبرة جادة:
- يلا بسرعة يا حمدان للمستشفى، وحسابك عسير بعد ما نطمن عليها وعلى الولد يلي في بطنها.
وقذفته بنظرات نارية ليشيح بوجهه للأمام وانطلق دون أن يضيع ثانية واحدة.
أما سالم فقد أشرف على الجدة والطفلين وسار معهم بخطى بطيئة بالرغم من أن الجدة حاولت قدر استطاعتها الاسراع إلا أن للسن أحكامه ولا تستطيع اختراق قوانينه، والطفلين كانا متشبثين ببعضهما وقد شحبت ملامحهما، لينطق سالم مزيحا الرعب من عليهما:
- لا تخافون!!.. العنود راح تكون بخير.
ولم يجيباه بل رفعا عيون قد تحجرت دمعاتها فعاد يقول بسرعة وهو يناظرهما من فوق رأس جدته:
- تذكرون لما طاحت من الخيل وخفنا عليها وايد؟؟
هزت حنان رأسها موافقة وهمست بخفوت:
- هيه... أنا أذكر.. لما حسبناها ماتت.
- نعم حبيبتي بس طلعت بخير، كسر بسيط بايدها وألحين هي بعد بخير بس أغمي عليها.
اقتناع بسيط لاح بالأفق، لكن الاقتناع الأصعب سيكون مع والدهم.
وصلا لسيارته وساعد جدته التي لم تتوقف عن الدعاء بحفظ ابنتها وحفيدها المنتظر باحتلال مقعدها، ومن ثم ساعد الطفلين بالصعود والتفت هو أيضا متخذا مكانه وانطلق ناحية المشفى وكان الصمت رفيق الجميع إلى أن همست حنان ببكاء مكتوم يوشك على اعلان نفسه:
- ليش بابا ضرب ماما عنود؟؟
وتطلعت الجدة وسالم لبعضهم وقبل أن تنطق الجدة لتدرئ الصدع الذي أنشأه والدهم بغفلة منه، هتف عبدالله ببرود أخاف الجدة وعمه:
- لأنه ما يحب حد يكون فرحان، يبي الكل يكون مثله زعلانين.
جزعت الجدة من رده وهتف سالم بصدمة وهو يناظره من المرآة الأمامية للسيارة:
- عبدالله .. انت شوتقول؟؟
سكت ولم يعقب على سؤال عمه وحرك عيناه يناظر المناظر الخارجية، لكن عيناه تتطلع لسيناريوا واحد حتى لو اختلف الزمان.....
اعتقاد رسخ بصغر سنه ولا يفقه من أمور الحياة شيء، ولكنهم غفلوا بأن الصغار قادرون على تخزين صور ومواقف حتى لو مرت عليهم السنون.
هو يتذكر والده ووالدته يتشاجران، ومن ثم قام والدها بطردها من المنزل واختفت من عالمهم منذ ذاك الوقت، والمشهد الآخر ولم يختلف الموقف سوى باختلاف المرأتين.... هو يطرد العنود من المنزل واختفت أيضا، وهذا وقد رسخ بداخله بأن والده قاسي القلب.

********************************
ينسون ويتناسون بأن الله يمهل ولا يهمل وأنه رحيم بعباده، فبالرغم من أخطائهم إلا أنه يعطيهم الفرص لتصحيح مسار حياتهم الخاطئ، فمن هو أرحم بعباده سواه، وهو الأحن من الأم بطفلها، فلما يا بشر لا تعتبرون؟؟.. لما لاتقتنصون الفرص بالتوبة إلا الله؟؟.. فكل شيء زائل، ونحن زائلون ويبقى هو الواحد القهار.
ألا يعلمون بأن هناك حساب وعقاب؟؟... فهيهات لو يعلمون ما ينتظرهم لكانوا قد ظلوا لله ساجدين غير راغبين باضاعة الوقت بشيء تافه، لكن ماذا نقول لمن طمست عيونهم وقلوبهم عن ذكره وتركوا للشيطان سبيلى؟؟..
تسلل سريعا راغبا بانقاذ روحه من الهلاك، وتلك الأخرى تحثه أيضا خوفا من وقوع مالا يحمد عقباه، وغفلوا بأن عيونه ساهرة لا تنام،
وبين غفلة ورمشة وسؤال وسقوط هاتفه على الأرض وهو يسأل:
- ابتسام.. شوصاير هنا بالغرفة؟؟... ووين الشغالة علشان ترتبها؟؟
وكانت ثانية بين الموت أو الحرية، رمى صديقها بجسده خلف الأريكة وبتلك اللحظة رفع حسن رأسه.
- ابتسام......
وتوقف بمكانه وعيونه تتابع ما حل بها من شحوب وعيون زائغة تخبره بأنها على وشك الانغلاق فانطلق ناحيتها قبل أن يسقط جسدها، ولكنه تأخر، فقد توسد جسدها الرخام فجثى بجانبها محاولا ايقاظها والهلع قد تلبسه تماما:
- ابتسام.. ابتسام انت بخير؟؟.. أتصل بالاسعاف؟؟.. ابتسام..
لتئن بألم وحركت رأسها يمنه ويسرة وهمست:
- أنا.. أنا كويسة بس عاوزة أريح بالأوضة.
فساعدها بالجلوس وهو يتابع:
- لا.. أنا لازم أوديج المستشفى علشان أطمن عليج وعلى يلي في بطنج.
- ملوش لزمة، هي شوية دوخة وحتعدي على خير زي كل مرة.
اتكأت عليه وأمسكها من خصرها باحكام وسار بها ناحية غرفتهما وساعدها على اضجاع جسدها على السرير وعندما هم بالخروج من الغرفة صرخت به:
- رايح فين؟؟
- بروح أجيب لج عصير.
فهتفت بسرعة :
- لا.. ملوش لزمة، أنا بس حنام شوية وحرتاح، وانت تعال جنبي ومتسبنيش.
وفعل كما طلبت وارتاح بجانبها وسألها بعدم اقتناع:
- انت متأكدة انج بخير وما يحتاي أوديج للطبيب؟؟
نامت على جنبها معطية اياه ظهرها وأجابتها بأسنان مصكوكة:
- لا يا حبيبي أنا كويسة، بس عوزة أنام.
وأغمضت عيناها وادعت النوم أما هو فقد اتكأ على وسادته، لكن هيهات أن يريح عيناه وعقله يدور بدوامة الخسران، وقلبه يعاتبه ويلومه على خسارة فادحة يمني بها لرفيقة دربه، ولكن هل يفيد الندم؟؟
والتفت يتأمل ظهرها وعاد السؤال، وهل تفيد كلمة لو؟؟.
وتحرك للجهة الأخرى معطيا اياها أيضا ظهره فقد خسر الغالي وما بقي إلا الفتات.
دقائق حتى صدر هاتفها نغمة وصول رسالة، فتحتها لتقرأها ومن ثم مسحتها ونامت قريرة العين فقد فلتت من الموت المحقق ولم تعلم بأن الله يمهلها التوبة والاستغفار.

**********************************

الانتظار قاتل، والوقت لا يمضي وكأنه يعانده ويجبره على الشعور بما اقترفته يداه.
الذنب يتآكله، وعواطفه تسحقه من الأعماق، لقد أخطأ، وأخطأ كثيرا، ولم يعد ذلك الرجل الرزين الواعي لما يحدث معه، هل شخت بسرعة ياحمدان وصرت لا تستوعب المنطق؟؟...
هذا ما كان يخبره به هاجسه وهو يجلس على كرسي الانتظار وعيناه تناظر الباب، والعمة تجلس بجنبه دون أي حرف واحد تهديه الطمأنينة التي ينشدها قلبه، ومن بعيد رفلت عباءة الجدة السوداء وعكازها يضرب الأرض ضربا مصدرا صوتا عاليا غاضبا، وبجانبها سالم يمسكها كي لا تقع من شدة سرعتها، والطفلين يسيران بجانبه بهدوء.
وصلت وهي تلهث ولم تنتظر إلتقاط أنفاسها وسألت:
- ها بشري؟؟.. إن شاالله بنتي العنود بخير هي وولدها؟؟
نهضت العمة وأمسكت بها من ذراعها وسحبتها للجلوس على الكرسي وهي تحادثها:
- هدي يا الغالية وخذي نفس، مب زين لج العصبية، خايفة الضغط يرتفع.
ورفضت الجدة الراحة وهتفت:
- خليج مني وقوليلي شو أخبارها؟؟.. قلبي محروق على بنتي، هاي البنت مو مترقعة بحياتها، قاعدة تلطمها يمين ويسار وما هي مرتاحة.
تنهدت العمة وهزت رأسها بشفقة توافقها الرأي وثم أجابتها:
- الدكتورة داخل وياها وبعدها ما طلعت.
واستدارت الجدة ناحية ذلك الرجل الجالس بظهر مستقيم وملامحه جامدة لا تنطق بدواخله فاقتربت منه ولكزته بعصاها على ذراعه وسألته بغضب جامح:
- مين انت؟؟... وشسويت بوليدي الراكز الواعي؟؟.. يلي جدامي واحد مب عارف راسه من اريوله!!... وين حمدان وليدي الفهيم يلي الكل يدور شورة؟؟... وشصار؟؟.. ليش ما تتكلم وتنطق؟؟.. بنات الناس ماهم بلعبة علشان تاخذهم متى ما بغيت وتعقهم متى ما دقت براسك.
زفر أنفاسا حارة متعبة وهمس بداخله بصوت مشحون بالارهاق:
- ما عدت أعرف مين أنا يا الغالية!!... ما عدت أعرف!!.
وعندما لم تحصل على أي ردة فعل منه ليدافع عن نفسه، عادت تحثه:
- تكلم... قول... انطق... والله ما عاد فيني حيل أتحمل يلي تسويه في نفسك، اتقي الله ياوليدي بروحك وبهذي المخلوقة المسكينة، يلي تسويه بحالك ما هو بزين، والله حرام!!.
نهض من مكانه واتجه إليها واحتضنها وطبع قبلة على رأسها وهمس لها:
- كل شي راح يتصلح يا الغالية .
وهدأت الجدة وسكنت بين ذراعية .
- ما راح تقدر يا وليدي، وما هقيتك تصير مثل اليهال وماتوزن الأمور.
ابتعدت عنه وهزت رأسها وهي تتحرك متجهة ناحية الكرسي وجلست بتعب وقالت له وهي تناظره:
- ما ظنتي تقدر تصلح يلي صار يا وليدي!!.. يلي سويته كبير وما هو بشوي.
جلس بجانبها وأحاطها من أكتافها:
- كل شي يتصلح، وكل مشكلة ولها حل.
ابتسمت باستهزاء وقالت وهي تلتقط عيناه بتحدي:
- بنجوف يا حمدان تقدر ولا لاء.
وما هي إلا لحظات حتى خرجت الطبيبة ليفز الجميع ناحيتها يستعلمون أحوال غاليتهم.
- دكتورة.. بشريني، شخبار العنود؟؟
- انت زوجها؟؟
فتح فمه ليجيبها بالايجاب ليضربه الادراك من أنها ما تزال زوجته ولم ينفصلا، هي زوجته، وما تزال على ذمته، وعندها شع الأمل بداخله والعزم نطقت به عيناه وأجابها بكل قوة:
- نعم أنا زوجها طمنيني؟؟.
- الحمدالله هي بخير والجنين بخير بس هو هبوط بالدم ويلزمها راحة، وثاني شي، ليش تاركها جذا مهملة بصحتها؟؟.
قطب حاجبيه وسألها باهتمام:
- كيف يعني مهملة؟؟.
- يعني تغذيتها سيئة، وشكلها ما ترتاح وتاخذ عدد الساعات المناسبة للراحة.
لتسارع العمة قائلة:
- هي تدرس بالجامعة يا دكتورة.
- أها...علشان جذا، بس لازم ترتاح، ما يصير ترهق نفسها، الجنين ما راح يتضرر، لكن هي يلي بتتعب .
لتقترب منها الجدة وأمسكت بيد الطبيبة وسألتها برجاء:
- يعني بنيتي بخير وماعليها شر هي ووليدها؟؟
ربتت الطبيبة على يد الجدة وابتسمت لها لتطمئنها:
- بنتج ما عليها شر يا الوالدة، بس شوية راحة وأكل صحي وتكون بخير.
ليسألها حمدان:
- يعني تقدر تطلع ألحين؟؟.
- نعم تقدر تطلع، وكتبتلها على فيتامينات علشان تاخذها، ولازم تراقبوا تغذيتها وراحتها وهذا كل شي .
- مشكورة يا دكتورة.
ورحلت الطبيبة ودخلت العمة والجدة لغرفة العنود وشاهدوها تقف وترتدي عباءتها وملامحها لا تشي بشيء.
- سلامتج يا بنتي يا العنود، ما تجوفين شر!!.
قالتها الجدة وهي تحتضنها وتمسح دمعة فرت من مقلتيها لتحتويها العنود وتهمس لها:
- الشر ما ييج يا الغالية.
- سلامتج يا بنتي يا عنود، أجر وعافية .
- الله يسلمج يا عموه، خلونا نروح تعبانه وودي أرتاح .
وخرجوا من الغرفة ولم تتطلع ناحيته بل سارت بعيدا كأنه ليس بموجود.
كان يترقب خروجها بلهفة، وقلبه يطرق طربا لرؤيتها بخير، ولكن كل ما طالعه هو اللاشيء وآه من ألم يعتصرك عندما تعلم بأنك لست بموجود.
ازدرد ريقه بصعوبة بالغة، وأصابه رمح بصدره أرداه قتيلا لعدم مبالاتها لوجوده أو حتى بكلمة تخبره بأنها تحمل طفله بأحشائها، وتساءل.. لما لم تخبره؟؟.. لما لم تقل له من البداية بأنها تنتظر طفل منه؟؟.. لما الصمت؟؟.. وجدته وعمته لما لم تخبراه منذ أن علمتا بحملها؟؟.
لتصفعه الحقيقة المجردة.. وانت كيف جازيتها؟؟.. أوتريدها أن ترد لك الاحسان بالاحسان وهي لم تحصل منك سوى الذل والهجر!!.
توقفت وقد شاهدت الصغيرين ينظران إليها ودموعهما ترقرقت بمقلتيهما، لتقترب منهما وتحتضنهما وفعلا بالمثل إذ التف حول جذعها أذرع صارت كما الطوق الذي لا يريد افلات خشبة انقاذهم.
- هشششش... أنا بخير وما فيني شي.
ربتت على رؤوسهما وطبعت قبلة عليها ثم أبعدت قائلة لهما بحنان بالغ وتأكد:
- أنا بخير وما فيني شي.
لتهمس حنان من بين دموعها المنسكبة:
- عيل ليش طحتي لما انت بخير؟؟.
ابتسمت لها بارهاق وألم استبد بخافقها بسبب من كان موجعها، ولكن أجابتها:
- أممممم.. علشان هذا!!.
أمسكت بكف كل واحد منهما ووضعتها على معدتها المسطحة:
- علشان هنا في نونو هو يلي متعبني شوي.
ليخرج عبدالله من شرنقته ويسألها باستفسار وفضول:
- كيف يعني؟؟.. ما فهمت؟؟
سحبتهما وجلست على الكرسي دون أن تأبه بوجود الآخر الذي ينتظر منها كلمة أوحرفا واحدا ليعينه على شقائه.
- يعني يا حبيبي بيكون لكم أخ أو أخت ولا ما تبون يكون لكم اخوان؟؟.
سكون وترقب، وبعدها انفجر المكان بالصراخ من حنان:
- يس.. يس يعني بيكون عندي اخت صغيرة، يا سلام.
ثم هدأت قليلا وهتفت بفرح عارم:
- ماما عنود أنا أبي بنت، جيبي بنت علشان ألعب معاها وتنام معاي بالغرفة.
ثم تحدث عبدالله وما زال غير مستوعب ما قالته:
- يعني انت حامل وبيكون لنا أخ؟؟
شعت عيناها بابتسامة حقيقية ورفعت كفها ناحيته ماسحة هموم هذا الصغير وهمست:
- هيه حبيبي، ولا ما تبي يكون لك أخ؟؟
ليسارع بابتسامة كبيرة مجيبا إياها:
- بلى أنا ابي أخو صغير علشان ألعب معاه .
احتضنتهما بحب وقبلتهما على وجنتيهما وهي تحادثهما:
- حلو.. بس ها.. ما بي كلام وبس نبي أخ أو اخت وآخر شي ما حد يساعدني واحد منكم عليه!!.
وصرخ الاثنان:
- بلى بنساعدج.
ومن ثم انهالت عليها الأسئلة كما حل كل الأطفال، متى سيأتي؟؟.. وكيف هو شكله؟؟.. وأين هو بالضبط؟؟.. وهل تتألم؟؟.. وإلخ......
وسارت باتجاه السيارة مع الجدة والعمة وصعدت إليها لتعرف بأنها قد أخطأت بالسيارة، فقد اعتقدت بأنها لسالم، ولكن اتضح العكس.
ركبت عمتها والجدة معها، والأطفال غادروا مع عمهم سالم لرغبته بأخذهما لشراء المثلجات وأيضا كانت رغبته الحقيقية هي بابعادهما عما يخمن أنه سيحصل بين والدهم وزوجة والدهم، فيكفي ما رسخ بداخلهما ولا يريدهما أن يشاهدا والدهما وهو يزيد من الطين بله.
انسابت سيارته بحركة ناعمة خوفا من خدش الأم وجنينها،وهو يعلم علم اليقين بأنه قد جرحها بعمق وعليه الآن فعل المستحيل لاصلاح ما فعله بتهوره الطائش، لكن كيف لايعرف!!.
السكون طغى بالسيارة وكأن على رؤوسهم الطير إلى أن وصلوا للمنزل، أوقف السيارة وترجل منها بسرعة فاتحا الباب لجدته وساعدها بالنزول ثم عمته وانتظر الأخرى لتنزل، لكن لم تبدر منها أي حركة دليل رغبتها بالخروج، فدار حول السيارة وفتح الباب الآخر.
- شو حاسة؟؟.. تعبانه؟؟.. مدوخة؟؟.. تعالي بساعدج علشان تنزلين وعلى طول على الفراش ما في حركة.
ومد يده يبغي المساعدة إلى أن لعلع صوتها قويا صلبا قاسيا :
- والله لو لمستني ما تلوم غير نفسك!!.
تجمدت يداه بمكانها واستنكر قولها ورد عليها يحاول افهامها وضعهما الآن:
- عنود.. تراه عادي، أنا ريلج، يعني طلاقنا باطل لأنج حامل.
دماء تغلي كغلي الحمم البركانية، وشيطانها يوسوس لها بقتله والراحة، ولكن كل ما فعلته هو أن تحركت من مقعدها وهذه المرة لا مشاعر ولا أحاسيس تصعقها من قربه منها، فما فعله بها شيء لن تغفر له أبدا!!.
دفعته ووقفت كالجبل الشامخ ورفعت أنفها للأعلى وقالت له بصوت زلزل أعماقه:
- وباقي من الحمل 6 أشهر وطلاقنا بعدين يكون صحيح.
بهت للحظات حتى تدارك نفسه، ماذا كان يأمل؟؟.. أن تشفع له ما أن تراه؟؟... فيبدوا أن الطريق ناحيتها قد ملئ بالأشواك والأسوار العالية، وعليه تخطيها ليصل بهما لبر الأمان .
- أممممممممم.. طيب والولد يطلع على الدنيا أبوه وامه منفصليين؟؟.
ابتسمت باستهزاء وناظرته باستحقار ووجهت الضربة تحت الحزم:
- أظن المفروض متعود انت على هذا الشي!!.. بحكم انك منفصل وهذيلا عيالك عايشين والحمدالله أحسن عيشة.
وتحركت تعكس اتجاهها بعد أن طعنته لتؤلمه كما آلمها، وعندها سأل:
- على وين؟؟.. البيت من هذا الصوب!!.
وتوقفت وفيروزها يلمع ببريق الغضب، وقالت بصوت مجلجل:
- البيت يلي طلعت منه مذلولة ما أرجع له أبدا.
وحثت الخطى ووقف هو بمكانه وجملتها بالفعل انغرست بداخله وهو يتذكر خروجها من هذا المنزل مهانة تحت يديه.
ماذا فعلت يا حمدان؟؟.. فيبدوا أن جرائمك قد طالت الأعماق.
وحرك رأسه باتجاه الجدة يبغي المساعدة فوجد ابتسامة مستهزئة وعلم بأنه سيكون لوحده، وتحركت الجدة لداخل المنزل وقبلها نادت سائقها الخاص وأمرته بأخذ ابنتها وزوجة ولدها لشقة العنود.
- يومه أنا موجود وانت تقولين للسايق ياخذها؟؟
- ما هو بوقتك يا حمدان، البنت تعبانه ومحتاجة ترتاح، وانت قاعد تشعللها أكثر.
وكانت محقة، فهو يعلم بمدى عند زوجته وصلابة رأيها، فهو لن يستطيع أن يقنعها بالركوب معه فتركها ترحل، ولكن ليس لوقت طويل. ناظر السيارة وهي تخرج من منزله ووعد نفسه بأنه سيعيدها إلى هنا مهما طال الوقت، عليه فقط أن يعود لسابق عهده فالمعركة القادمة هي القاسمة بحياته .
***************************************
حل ستار الليل جالبا معه نجومه البراقة وقمره المضيئ وسكونه، وغنت سنفونية الأحلام ساحبة الجميع لعالم آخر هربين به من واقعهم، فالأحلام تتلون وتزدهر بطموحاتهم وتمنياتهم ورغباتهم، فهنا تتحقق، وهنا يرون أنفسهم ذات قيمة، فما أجملها من راحة تسعد الانسان وتزيح همومه وأحزانه وآلامه، لكن أحيانا هناك من يصاب بالحرمان من لذة النوم، فما فيه من أوجاع أقوى بكثير من أن يسحبه سلطانه، فمنهم من يفكر بلقمة العيش الصعبة، ومنهم من يئن ألما وليس بقادر على علاجه، ومنه من تسقط دماعته على فراق الأحبة، ومنهم من تتآكله الحيرة والذنب، ومنهم من يطرب فرحا لبشرى سارة أبدا لم يتوقع حدوثها .
الفراش بارد وقد خلا من الأحبة وأربع رؤوس قد توسدت الوسائد، لكن جافاها نومها، الفراغ يحيط بهم، والألم يعتصرهم، وكلن اختلفت أوجاعه وأفكاره، لكن هناك بين جدران مآسيهم تواجد التصميم والعزم، وقرارات اتخذت وبعدها نادوه لعله يرحم حالهم الكسيرة، وأمنية بأن يكون الغد مختلفا.
خرج من غرفته في الصباح الباكر وقد استعد لخوض أول معاركه ولم يعلم بأن هناك من سيقف بوجهه ندا بند، شخص لم يتوقع أن يكن له كل ذلك الحقد بداخله.
- صباح الخير عبدالله .
ناظره الصغير لثوان ثم اقترب منه وطبع قبلة على كفه باردة كما برودة عيناه الجامدة.
صعق لما فعله طفله لم يكن هكذا قط، وقبل أن يستدير ويرحل أمسك بأكتافه وأداره باتجاهه قائلا له:
- عبدالله... انت مب فاهم الموضوع!!.. يلي صار بيني وبين العنود كان غصب عني.
فأجابه بعد أن أزاح ذراعيه عن أكتافه:
- لا أنا فاهم كل شي، انت تبانا نكون مثلك ما حد يحبنا ولا نحب حد، بس تبانا نكون بروحنا علشان خايف حد يئذينا، بس أنا ما بي أكون بروحي، ما بي أمرض وأموت وما حد يعرف عني شي، انت تبي هذي العيشة كيفك بس أنا ما بي أعيش لحالي وأموت لحالي.
ضحك وتراجع للخلف وهو يهز رأسه برفض ودموعه أخذت تقطر كمدا وأكمل:
- أدري بتقول انت بعدك صغير علشان تفكر بهذي الأشياء، بس أنا أفكر، وأجوف، وما بي أكون مثلك وحيد، وتبعد يلي يحبونك.
صدم ولم يعرف بأن ابنه يفكر بأشياء أكبر من سنه، لقد ظن بأنه يعيش ويفكر مثل باقي أقرانه، لكن اتضح العكس تماما.
أخذ أنفاسا عميقة ومن ثم انخفض ليصل لمتسوى ابنه وأمسكه من أكتافه وحادثه بهدوء وروية:
- أنا آسف يا عبدالله، أنا غلطت بحقك انت واختك وما فكرت فيكم.
تنهد بعمق ثم استطرد:
- صارت أشياء غصب عني وعن الكل انت ما تفهمها لأنك بعدك صغير، وثاني شي مين قال اني أحب أكون بروحي؟؟
سكت يتنفس ثم تابع:
- ما في حد يا عبدالله يبي يكون بروحه، بس تصير أشياء تجبرك انك تكون بروحك وما تبي حد معاك، وبعدين مين قال إني بروحي انت معاي وحنان بعد ويدتك وعمتك وعمك وأولادهم يعني أنا مب لحالي.
اقتناع ولكن مايزال هناك جهل للأمور، وتساءل:
- انزين وماما عنود؟؟... هي كانت تبيك بس انت يلي ما بغيتها وطردتها من البيت.
زفير وشهيق وعذاب الضمير يصعقه فقال يجيبه وقد عزم على حل مشاكله الواحدة تلو الأخرى ولا يبيغي ترك أي شيء خلفه.
- أنا غلطت بحقها ولازم أصلح الخطأ.
فهتف بفرح لم يستطع مداراته:
- يعني انت تبيها ترجع؟؟.
- طبعا يا عبادي أبيها ترجع، بس لازم تساعدني انت وحنان لأن بروحي أنا ما أقدر
هز عبدالله رأسه موافقا.
- أكيد ما تقدر لأن ماما عنود زعلانه منك وايد لأنك ما سمعتها وطلعتها من البيت وهي تصيح.
وهل يحتاج لتذكيره بكيف غادرت منزله فتلك الصورة أرقت لياليه وصارت كابوس يطارده دائما، لكنه يأمل بأنها ستصفح عنه.
غادروا باتجاه أعمالهم ومدارسهم، وقاد هو سيارته باتجاه شقتها وأثناء قيادته أخذ يفكر بعدة أشياء عليه القيام بها وأولهم أن يكون هادئا حتى لو أثارت أعصابه إلى أن وصل لوجهته وهناك نسي ما عاهد نفسه واستشاط غضبا لمعرفته بأنها غادرت للجامعة ولم تراعي وضعها الصحي، وأيضا هناك تلك الصورة المقيتة لذلك الرجل وهو يتأمل زوجته جعلت دمه يفور غليانا بأوردته كما الماء المغلي.
أخرج هاتفه ليلعن ويسب بصوت عالي دون أن يهتم بمن يسمعه فهو لا يملك لها رقما ليتواصل معها، وما هي إلا لحظات حتى طلب رقما.
- السلام عليكم هلا عمتي شخبارج؟؟.
أنصت إليها ثم طلب:
- عمتي... ممكن تعطيني رقم تليفون العنود إذ ما عليج أمارة؟؟
اصبعه يتحرك مع كل رقم يتهادى إليه وبعدها:
- مشكورة يا الغالية
وأغلق الهاتف ثم عاد يضرب عدة أرقام وانتظر صوتها ليأتيه عبر الأثير شجيا طربا ناعما:
- ألو... مين معاي؟؟.
أغمض عينيه يتلذذ بصوتها المنعش وقد دغدغ حواسه وأطرب صدره وهمس لها أيضا يرد إليها وقد نسي كل ما حل بهم:
- ألو....
ليحل الصمت بينهما ولم تسمع سوى أنفاسهما الرافضة والثائرة لجرم لم ترتكبه بحق الحب، فقط غباءهم هو ما يقودهم للعيش بالبؤس.
استجمع قوته واستدرك نفسه وحادثها بشيء من العصبية دون أن يشعر:
- أظن الدكتورة قالت إن لازم ترتاحين!!.. انت ما تهمج صحتج وصحة الجنين؟؟
شعر بها وهي تأخذ أنفاسا طويلة ثم جاءه ردها قاسيا جافا:
- أنا أدرى بصحتي، وثاني شي كنت حامل من ثلاث أشهر ولا انت بداري، فعادي كملها ولكأنك تعرف، وألحين أنا مشغولة ولا عاد تتصل.
وأغلقت الهاتف ليتطلع إليه بذهول، فهذه هي المرة الأولى التي يغلق أحدهم الهاتف بوجه ويبدوا أن معها لكل شيء أول مرة.
- طيب يا العنود انت يلي اخترتي.
ورحل وقد عزم على الامساك بزمام الأمور من الآن فهو حمدان الكتبي ولم يخسر بحياته قط وبالطبع ليس أمامها.

*********************************

أغلقت زر الهاتف بقوة وتجهمت ملامحها، فهذا ما توقعته منذ أن كشف سر حملها.
وضعت كفها على معدتها ومسحت عليه برفق وهي تشحذ همتها للاستعداد لكل محاولاته بعودتها إليه من أجل الطفل، هي لن تعود إليه أبدا.. أبدا.
خرجت من شرودها اثر لمسات صديقتها.
- عنود هدي ولا تعصبين تراه يضر بالجنين، هذا يلي سمعته.
همست ميثة برقة لها تحاول تهدئتها، لتقول شهد باندفاعها المعهود:
- هيه.. كلامها صحيح، حاسبي لا يطلع الولد عصبي وديما مبوز.
ارتخت ملامحها وابتسمت لمزاح صديقتها، لقد توقعت غضبهم لاخفائها لحملها عنهم، لكنها تفاجأت بفرحتهم وبانتظارهم لخروجه للعالم ورؤيته.
- لا.. إن شاءالله ما يطلع عصبي، وراح يطلع حبوب.
لتقفز شهد أمامها سائلة اياها:
- انت عرفتي انه ولد؟؟
- لا بعدني ما أعرف، الدكتورة قالت بنعرف لما أفحص بالسونار، وهذا بيكون بموعدي بعد يومين.
صفقت بفرح وصرخت:
- يا سلام... بصير خالة.
لتستنكر ميثة قولها:
- وإن شاء الله كيف بتصيرين خالة؟؟
لتستند شهد بذراعها على كتفها وعنود تتابع مشاغبة صديقاتها التي لا تنتهي أبدا.
- لأن يا فهيمة عنود تصير اختي صح ولا أنا غلطانه؟؟.. علشان جذا بصير خالة ويا ويله إن ما احترمني وسمع كلامي.
فاستدارت ميثة ناحيتها وهتفت:
- يا سلام.. انت بس اختها؟؟.. حتى أنا بعد، يعني أنا بصير خالة.
أصابتها الغبطة والانشراح لهذا الاهتمام والحب من انسانتين غاليتين على قلبها، وتذكرت كيف التقت بهما هنا بالجامعة بأول يوم دراسي لها كانت متوترة ومتألمة ووحيدة واصطدمت بشهد أثناء بحثها عن صفوفها واعتذرت لتبادرها الأخرى بخفة دمها بالحديث والثرثرة وعرفتها بميثة ومن يومها لم يصيرا صديقات فقط بل شقيقات.
اقتربت منهما بغفلة منهما أثناء انشغالهما بالحديث بما سيفعلانه بالصغير واحتضنتهما بحب وامتنان للمولى عز وجل للهدية الرائعة التي حاباها إياها بعز قتامة عالمها.
- والحمدالله يلي أعطاني أحلى أخوات بالدنيا كلها.
ليتبادل الجميع العناق والضحك، فجاء صوت يقاطع سعادتهم:
- السلام عليكم
ابتعدوا عن بعضهم وأجابوه:
- وعليكم السلام
تنحنح ثم وجه حديثه إلى من ملكت عقله وفكرة:
- عنود.. ممكن أتكلم معاج بموضوع خاص؟؟.
عضت على شفتيها وناظرت صديقتيها ومن ثم عادت إليه وأجابته:
- اسمحلي يا أستاذ أي شي تبي تقوله قوله وهم موجودات لأني ما أقدر أكون معاك لوحدنا.
استجمع طاقته وسألها مباشرة فكل ما يريده هو معرفة الحقيقة، فقد أصابه الدوار من كثرة التفكير بالأحداث التي حدثت بذاك الصباح، وسؤال أطاح بعقله.. هل ما قاله ذلك الرجل صحيح أم خاطئ؟؟... وكان ينتظر أن يحل اليوم التالي ليعرف ويريح باله، ولم يعلم بأنه سينال صدمة قوية.
- صح يلي قاله الريال من انه ريلج؟؟.
سكتت ثم قالتها بعد فترة من الوقت استصعب عليها قولها لكنها الحقيقة التي تحاول أن تغافلها:
- نعم... هو ريلي.
ألم شعر به ينهش خافقه وهو يرى حبه يفلت من بين يديه، لكن ما قالته تلك المشاغبة أعاد الروح لجسده قبل أن تهفوا خارجة منه:
- بس هم بيطلقون!!.
وسأل بسرعة دون أن يشعر بنفسه:
- ومتى بيطلقون؟؟.
ليتلعلع صوتها رنانا قويا رافضا:
- استاذ خليفة.. أنت تدخل بخصوصيات ما تخصك!!.
ليجيبها بقوة:
- بلى... هي تخصني
لترفض:
- لا يا استاذ ما تخصك ولا تخص أي واحد.
نفس عميق ثم استطردت :
- اسمحلي يا استاذ تطلقت ولا لاء ما راح تفرق عندي، لأني اكتفيت، أنا ألحين أبي أعيش لنفسي ولولدي باذن الله غير جذا ما راح أي حد يدخل حياتي، وأظن هذا كلامي ينهي الموضوع.
وغادرت تاركة رجل قد تجمد لسماعه لخبر جعله غير قادر على التفكير بأي شيء آخر، ترى.. هل انتهى حبه عند هذه النقطة؟؟.
مر الوقت سريعا ما بين محاضرات ومحادثات وتسامر إلى أن حل وقت الرحيل، وعادت للبيت منهكة ومتعبة وتبحث عن الراحة على فراشها تنشد النوم الذي فارقها بالأمس، وقبل أن تدلف لغرفتها رن جرس الباب لتتطلع لساعة معصمها لترى الوقت ليس بوقت الزيارة.
نظرت عبر العين السحرية لترى شخص تعرفه فتحت الباب حتى تراجع جسدها للخلف والدهشة تعتمل ملامحها....
حقائب كثيرة توسطت صالة جلوسها، وخادمة تعرفها جيدا فهي تعمل بالمنزل الكبير، والطفلين ينظرون إليها بابتسامة مشرقة، ورجل وقف يبتسم بسخرية وتهكم قائلا:
- ما في مرحبا اتفضلوا؟؟.. ولا أقول.. احنا أهل البيت فما يحتاي حد يقرب فينا.
التفت للخادمة ورماها بعدة أوامر واختفت وهي تجر الحقائب واحدة تلو الأخرى لتسأله والهلع قد أدركها:
- شو السالفة؟؟
وقف يتأمل ملامحها المرهقة والشاحبة ليشعر بالرغبة بحملها وربطها على السرير ويمنعها من مغادرته، لكن لكل شي وقته، وأجابها بلا مبالاة وكفيه على خصريه وهو يتطلع إلى عقيقها الذي اشتاق للغرق به:
- والله مثل ما تجوفين!!.. يوم انج ما تبين تقعدين معانا بالبيت قلنا احنا نجي ونقعد معاج، فكرة حلوة صح؟؟.

طُعُوْن 01-01-17 06:14 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل السادس والعشرون ...........

أرست سفينتي على بر أمانها وسارت تمخر عبابها.
تبسمت الرياح لأشرعتي وغدوت أمرح معها.
وأدركت بعدها أن لا أمان بزرقة وثقت بها لأقود عليها مركبي.
غدرت وغدت بأمواجها كالطود تقذف بي دون أي هوادة.
أيا بحر.. كنت قد ظننت أنك ملاذي لتصير علي جلادي.
أبحرت ببقايا كرامتي مبتعدا عن مظاهرك الخادعة.
فغدوت ناسيا منسيا في عالمك المتلاطم، ولم أدرك مواطن خباياك.
دروبي اختلفت، وعالمي تحول، لتظهر لي من حيث لا أعلم!! .
حورية بحر خرجت تخلب الألباب، بجمالها الفتان، وبخضرة عينيها القاتلة.
سحرتني بروعتها، وصرت بين ليلة وضحاها أسيرها.
أتلومونني لخوفي من مجهول اجتاح كياني؟؟.
أيا بحر.. أسألك أمانا صرت باحثا عنه، وبين يديها مفتاح نجاتي.
ماعدت أطيق الهجر والحرمان، فمن ينبوعها سرت الحياة.
فيا بحر.. أسألك بعدك عن مركبي لأسري به لمرسى الأمان.
وأيا كحيلة الطرف، ترفقي بحالي، فما عدت قادرا على البعد.
(حمدان)
روحي كسيرة، وآلامي كثيرة، وصرت ألملم بقايا أشتاتي.
لما عدت بعد أن مزقت صورتك بخيالي؟؟.
مشيت بطريقي وما عدت أرغب بالعودة.
رأيت بك ملاذي لتغدوا مصدر أحزاني.
أحببتك ومن بعد الهجر ما عدت أطيق الهوى.

فابتعد.... فقد فاض قلبي جراحى.
ودعني أمضي، لعلي أجد مرسى أماني.
( عنود)
****************************
جبهتان متناحرتان وقفتا وجها لوجه... احداهما تقذف شرارا والأخرى تقف بغموض كان رفيقه دائما.
تكتفت وسألت:
- ممكن أعرف شو السالفة؟؟... وليش تسوي جذا؟؟
ناظرته وانتظرت إجابته، ليرد عليها بسهولة:
- أم عيالي وما بيها تكون لحالها .
رفعت حاجبيها للأعلى ووصل لحد منابت شعرها ومن ثم ما لبث أن تحول ليلتصقا ببعضهما وسألته باستفزاز وقهر من سهولة الأمور لديه:
- أها...علشان الولد!!... طيب مو خايف يكون مب ولدك؟؟.
هي تلعب بالنار وتعرف هذا، ولكن من اكتوى بها ما عاد يبالي بلهيبها.
وانتفض هو بوقفته واستعرت أعصابه، ولكنها لم تأبه للتحذيرات التي تطل من عينيه وتابعت تقذفه بجمرات كانت تحرق جوفها وآن أوان خروجها:
- يعني أنا خاينة وكذابة وخدعتك يمكن بعد بهذا.....
ولم تكمل جملتها فقد انقض على شفتيها كاتما تتمتها بأصابعه وهمس بلهيب حارق وعيناه تقدح غضبا جامحا مما تقوله:
- يا ويلج إن قلتيها يا عنود!!... يا ويلج!!.
أبعدت أصابعه التي كانت بالسابق ترسل إليها مشاعر شتى، لكن الآن هي تمقتها وهسهست:
- يوم تبي بتتهم على كيفك، ويوم ما تبي بترفض يلي ما تبيه .
تنفست بصعوبة وألم يرزح على صدرها وتبغي الفكاك منه فتابعت:
- ما عاد كل شي يسير مثل ما يبغي حمدان الكتبي لأن ما عاد يهمني يلي تبيه وما عاد يهمني رايك فيني لأني عارفة قدر نفسي وغير جذا مافي.
وظلا واقفين وكلاهما ينظر بعيني الآخر بتحدي، وبلمح البصر تغيرت النظرات، وتبدلت الأوجاع إلى أشواق وكل منهما يلتهم ملامح الآخر بنهم، وذكريات اجتاحت جسديهما، وخلايا تنتعش بمعرفة من كان صاحبه.
أحاسيس ماجت بهم، وعواطف شبت بداخلهم، وكادت الأرواح أن تتلاقى بعد طول فراق، وعيون غامت بالاشتياق، وأنفاس ثارت باشتعال، وقرب طاقت له الأنفس، لكن هيهات أن يتحدا وقد استيقظت العقول وهاجت الجروح بعتاب النسيان فابتعدت ورفضت أن تخنع بعد أن كسرها، وهذا الذي خفق بداخلها بخيانة عليها نحره إلى الأبد، فلا مكان له بداخلها.
موجة من الصقيع صفعته بالحقيقة المجردة هي لن تغفر وهو يستحق، لكن ليس لفترة طويلا، هي ستعود إلى حضنه.
استجمع شتات نفسه، وأنفاس طويلة تهدء من جسده المستعر، وهمس:
- عنود.. أنا عارف إني غلط بحقج و......
ورفعت كفها دليل طلب سكوته، وأمرته بجمود:
- مابي أسمع منك أي شي، ولو سمحت اطلع من الغرفة
وأدارت ظهرها له ووقف هو مبهوتا للحظات من عنفها الغير معهود حتى مالبث أن قال بوجع:
- تعرفين يا عنود؟؟.. القسوة مب راكبة عليج، انت مب جذا، عنود يلي أعرفها عنيدة بس مب قاسية، عنود رقيقة مب عنيفة.
ودارت بجسدها باتجاهه وشخرت باستهزاء قائلة:
- القسوة مب لايقة علي!!... أممممم البركة فيكم يلي خليتوها تناسبني، وثانيا انت من متى تعرفني؟؟.. خبري ماتعرف غير نفسك وبس، وحمدان يلي يبيه بيصير.
وتحركت ثانية مديرة له ظهرها كما فعل معها بالسابق وياله من ألم يجتاحك مبتلعا إياك تاركا نفسك تتلضى بنار العذاب.
زفر بتأني واقترب منها خطوة واحدة واستطرد:
- عنود... يلي صار صار وانتهى، خلينا بعيال اليوم.
والتفتت إليه بحده وكادت أن تقتلع رأسها من شدة تحركه، وفيروزها يجمح بخضرة ستفتك به لامحال:
- نعم.... خلينا عيال اليوم!!.
ضحكت بخفوت ثم تحولت ضحكتها لقهقهات عالية حتى طفرت دمعاتها وبعدها توقفت فجأة كأنها لم تطربه للتو بنغمات أوتارها التي اشتاق إليها، وجزت أسنانها تكاد تحطمها:
- هو على كيفك متى ما بغيت تطردني ومتى ما بغيت تردني؟؟.. أنا ما ني لعبة بايدك تحركني كيف ما بغيت!!.
أشاحت بيدها وعلامات الدهشة بادية عليها وقالت بهمس:
- أنا بصراحة ما عدت أفهم انت شو تبي؟؟.. اتهمتني وما طعت تسمعني...
فتح فمه يبغي مقاطعتها إلا أنها أوقفته وتابعت:
- طردتني من بيتك من غير ما تعرف شو هي السالفة وقلت ما تبي تجوفني أبدا و.... وطلقتني...
نار تلتهم جوفها، وانصهار يأكل فؤادها، ولكنها استطردت دون أن تأبه للحال التي غدت عليها من جنون قد تلبسها:
- وياي ألحين بكل برود وتقول ننسى يلي فات وخلينا بألحين!!.
هزت رأسها برفض واستطردت بقوة وقسوة غرستها بداخلها دون أي رحمة بمن يضرب صدرها:
- أبدا ما راح أسامحك!!... وأبدا ما راح أرجع لك حتى لو ركعت عند ريولي!!....
وضحكت باستهزاء وقالت:
- وطبعا مستحيل حمدان الكتبي يكون تحت ريول وحدة ما تسوى نعاله.
ارتعش جسدها بوضوح من فرط غضبها واهتزت شفتيها دون أن تقدر على التحكم بها ووقف هو يطالع انفجارها دون أن يعترض وشاهد بوادر ارهاقها ولم يستطع سوى أن يتقدم ناحيتها ليريحها من شقائها فتراجعت للخلف وهي تنهره بشدة:
- يا ويلك إن قربت مني!!.. ما لك حق فيني أبدا.
وأجابها باعتراض واهي:
- أنا زوجج .
وصرخت:
- لا.... انت مب زوجي، انت طلقتني وخلاص، صحيح إن الشرع لغى طلاقنا، لكن أنا ما لغيته وانت محرم علي، باقي بس أولد ويصير كل شي شرعي ويكون طلاقنا جايز.
سكتت تحاول اجتراح أنفاسها العصية، والنجوم بدأت تتراقص أمام عينيها، لكنها وقفت كما الجبل بصموده وتحدثت بعدها بهدوء:
- وألحين ممكن تطلع وتلم أشياءك وترجع من وين ما جيت، مالك حاجة هنا، أنا ماني بحاجتك، ما أبيك، خلاص عفتك.
قالت جملها بكل وضوح وصلابة ووقف هو فقط يتأملها دون أن يرد عليها بأي حرف واحد، وما هي إلا لحظات حتى سمع طرق على الباب ثم فتح دون أن ينتظر الاذن.
- ماما عنود أنا خلاص رتبت شنطتي بالكبت.
تنفست شهيق وزفير ومقلتيها تلتقط هيئة الصغير الفرح، فحاولت الابتسام لتخرج باهتة وأكمل الآخر دون أن يبالي بالجو المشحون وهو يقترب منها ويحتضنها بقوة:
- ما تعرفين شو كثر أنا فرحان إنا راح نرجع نعيش مع بعض.
ورفع لها عينان بريئتان مستجديتان ألا تخذله وبقلبها الحنون ابتسمت هذه المرة بصدق ومسحت على شعره بحب وأجابته بقلة حيلة:
- وأنا بعد فرحانة إنا بنرجع وبنسكن مع بعض.
قبلها على وجنتها وسارع بالابتعاد وهو يقول:
- بروح أجوف حنان وشتسوي.
وقبل أن يخرج تطلع لوالده وغمز ناحيته بمكر وانطلق خارجا مغلقا الباب خلفه.
انفلتت الأمور من بين يديها، والاستقرار الذي بدأت تشعر بها قد خطف منها بلمح البصر، وجاءها صوته هادئا محملا بأوامره:
- روحي ارتاحي يا عنود ونامي شوي، الارهاق مب زين علشان صحتج.
ودار على عقبيه وقبل أن يخرج تحدث دون أن يلتفت ناحيتها:
- أنا ماراح أبعد يا العنود، وعارف إني غلط بحقج، بس شو ما قلت ألحين وحاولت إني أعتذر شكلج ما راح تسامحيني، بس الأيام بينا يا العنود وأنا باقي وما راح أروح.
وأدار أكرة الباب لتوقفه قائلة باستهزاء مشبع بالحزن:
- باجر يمكن يطلع شي علي ونرجع لنفس الموال، فالأحسن تروح من ألحين، وإن كنت تتوقع إني أسامحك على يلي سويته، فانسى ما راح أسامحك طول حياتي، ولو سمحت خذ شنطتك معاك، مالك مكان معاي، ولازم شي تعرفه، إن كنت تظن إنك تبي تلوي ايدي بالأولاد فانت غلطان!!.. الأولاد راح يظلوا بعيوني، لكن بعد ما أولد كل شي راح ينتهي، والشي الوحيد يلي بيربطنا هم الأولاد وبس، ويلي في بالك امحيه تماما.
واتجهت ناحية الحمام مغلقة الباب خلفها واتكأت عليه ليبدأ مشوار سقوط دمعاتها الحبيسة ناعية حب قد وئد منذ المهد وتكسر على شاطئ البحر دون أن يكون له القدرة على اعلان نفسه.
وهناك وقف جامدا وألم ينغرس بداخله لايعرف له سبب!!.. لما يتألم هكذا لرفضها؟؟... لما قلبه يعتصره ويلومه على ما يحدث به؟؟... كم يكره الجهل!!.
خرج ولم يقل اصراره بعودتها إليه، ستعود إليه آجلا أم عاجلا وهو عليه فقط الصبر والتحمل.

******************************
ينام على أحد الأرائك وعيناه تتطلعان لهاتفه يتابع ما ورده من مسجات. وقفت الأم تطالع ابنها بنظرات الأم التي تستشعر بأن هناك شيء ما يشغل باله.
اقتربت منه وجلست بجانبه ليفز من رقدته واعتدل جالسا ومقبلا رأسها، لتبادره:
- شخباره عنقودي؟؟... عساه طيب؟؟.
ابتسم لها وأجاب:
- عنقودج بخير وما فيه إلا العافية، بس راح يشتاق لأمه لما تسافر.
وتحرك واضعا رأسه على حجرها وأخذت أصابعها تمسد رأسه بحنان ونعومة جعلته يغمض عينيه براحة وهناء، فما أجمله من شعور عندما تكون والدتك بجانبك وترعاك وتهتم بك، فمهما كبرت وصرت مستقلا بذاتك فأنت تظل بنظرها طفلها الصغير.
- قولي يا حبيب أمك شو هو يلي شاغل بالك؟؟.
تنهد ولم يعرف ما يخبرها... أيقول بأن طفلة صغيرة لم تتجاوز سنين مراهقتها بعد شغلت باله!!.. أيقول بأن صوتها لا يغادر جدران أذنية!!.. أيقول بأنه ينتظر اتصالها كما المراهق الغر الذي ينتظر محبوبته!!.. ثم ما لبث أن عقد حاجبيه بتكشيرة وتابع... أيقول بأنه اكتشف بأن الحب عذاب وألم وأنه مهما كان الحب عظيما فهو يسقط ويتزعزع!!.. وعاد يبتسم وهو يتذكر خجلها... أيقول بأنها لصة تسللت لداخله بغفلة منه!!.. لا... أبدا!!.. يستحيل!!.. إن كان هو لا يصدق هذا فكيف ستكون نظرتهم إليه!!.
فهمس ولم يدرك بأن همسه مع تنهيدته أباحت ما بداخله:
- ما فيني شي يا الغالية.
ابتسمت وتألقت عيناها بمعرفة صغيرها قد دخل مرحلة أخرى من حياته فقالت وهي تسرح للبعيد وأصابعها ما تزال تتحرك على رأسه:
- تعرف يا منصور إني حبيت أبوك من كان عمري 13 سنة، صح إني ما كنت أعرف شو يعني نحب بس كنت ديما أبي أجوفه، وقلبي كان يدق لما أجوفة من بعيد لبعيد يوم يزور أبوي مع أبوه.
وضحكت وضحك هو أيضا وقال بمشاكسة :
- يا ويلي.. أمي طلعت عشقانه من كانت صغيرة، وين أهلج عنج يلي ماتستحين على ويهج؟؟.. ولا.. طلعتي تغازلين بعد، عيل لا تلوميني لما أنا أروح وأغازل.
قهقهت بصوت عالي وضربته على رأسه وأجابته:
- يلي ما تستحي!!.. اتقول عني هذا الكلام؟؟.
- عيل قاعدة وتترينه وتتمقلين بويهة شو يتسمى هذا؟؟.
عادا للضحك ومن ثم سألها:
- انزين وبعدين شو صار؟؟.. أكيد أبوي جافج واكتشف انج تحبينه وعلى طول تزوجج!!.
عادت تسرح بالماضي الجميل وتابعت:
- لا... جافتني أمي وأنا قاعدة منخشة ورى النخلة وأطالعهم، وزختني وعطتني ذاك الكف خلاني أجوف النجوم بعز الظهر.
نهض من مكانه وهتف متسائلا:
- لا تقولين؟؟
هزت رأسها وابتسامتها تشع من تلك الذكريات الجميلة على قلبها ليسألها هو :
- أي جهة؟؟.
طالعته دون أن تفقه ما يرمي إليه.
- شو تقصد أي جهة؟؟.
- أي جهة أعطتج الكف؟؟
- وش عرفني!!.. هذا صار من زمان .
واقترب منها وطبع قبله بكلا وجنتيها واستطرد:
- جذا خلاص طاح الحطب .
وضحكت وقرصت وجنته وعاد هو لمكانه يلتمس دفئها وعاد لسؤالها:
- وبعدين وش صار؟؟.
- بعدين الله يسلمك منعتني أمي من الطلعة كل ما عرفت إنه جا، لين مرت الأيام والسنين وجا وخطبني واتزوجنا وعرفت إنه هو بعد يحبني وكان بس يترياني أكبر شوي.
أحاطهم الصمت لثوان حتى بادرها بسؤال عجزت عن معرفة اجابته:
- ولما هو يحبج هالكثر ليش تزوج عليج وكسر قلبج؟؟
تجمدت يدها بمكانها كما تصلب باقي جسدها وسؤاله يتردد بداخلها
" ليش تزوج؟؟" وقالت بعد فترة:
- مب عارفة يا منصور بس كل يلي أعرفه إن أبوك بعده يحبني وحبه ماقل أبدا، ولازم تعرف بعد إني صح بعدت عنه إلا إني أحب أبوك وأموت عليه وما أرضى بالشين يصيبه، هو بس.......
وسكتت ولم تعرف ما تقول أو تجيب لأنها لم تعد تعرف أي اجابات لكل أسئلتها، ونهض هو وطالعها ليعينها على آلامها.
- جوفي يا الغالية، أنا صحيح ما حبيت يلي سواه أبوي فيج، وصحيح إن الكل يقول عني متهور وما عرف أوزن الأمور، بس أعرف شي واحد وهذا مستحيل إنا نختلف عليه.
أخذ نفسا عميقا ثم تابع:
- الخيرة فيما اختاره الله، احنا ما نعرف الحكمة من هذا الشي، بس ربج العارف، كل يلي علينا إنا نوكل نفسنا لرب العالمين وهو أدرى بحالنا.
ثم انقلب حاله للمشاكسة وحرك حاجبيه بمكر وتابع:
- وثاني شي هذا هو يطلب رضاج ادلعي واتشرطي واطلبي كل يلي بخاطرج، أقول.. قولي إنج تبين سيارة بورش وانت كريمة وأنا أستاهل ولا تنسين أنا آخر العنقود...
تشدقت شفتيها بابتسامة وهي تسمع كلامه الحكيم سحبت رأسه وطبعت قبلة على جبهته وهمست:
- بارك الله فيك يا وليدي، وخليني أفكر بموضوع السيارة .
ونهضت مغادرة تستعد للسفر للبحث عن النور الذي شعرت به يختفي من حولها وقبل أن تبتعد عادت لمحادثته:
- ما راح أسألك شوفيك، بس راح أنتظر إنك تخبرني بيلي فيك، ولازم تعرف إن كان يلي تفكر فيه ربي راضي عنه فالله معاك، لكن إن كان قصدك شي ثاني فراح أقول ابعد يا وليدي ولا تخلي الشيطان يلعب فيك، وتعوذ منه ترى طريقه دمار وما راح تاخذ منه غير خراب بيوت، ومثل ما قلت الخيرة فيما اختاره الله لنا، ويلي فيه الخير يقدمه رب العالمين.
وغادرت تاركة خلفها قلب يتراقص طربا فهاهي الاجابة لحيرته قد أتته لتريح باله وفكره وما كاد ينطلق خارجا ليشغل باله بشيء آخر غير من احتلت حياته حتى رن الهاتف وتلقفه لتنفجر أساريره من سماعه لمن شغلت عقله وقلبه.
- ألو.....
وتراقصت القلوب، وتناغت الأرواح بحب عذري تشكل بين ظلمة الليل الحالكة، وعاد يجلس على الاريكة وثغره قد توسع بفرح.
- شخبارج آمنة؟؟.. اتأخرتي بالاتصال؟؟.
وأجابته بخجل وهي تسمع لهفته بالسؤال:
- أنا الحمدالله كويسة، ازيك انت عامل إيه؟؟.. كلكم كويسين؟؟
- كلنا بخير والحمدالله.
وحل الصمت بينهما، لكن قلوبهم قد تحدثت بلغة قد حكت عنها العصور الغابرة، وبسببها قد صالت لها الحروب، وهمس لها وصدره يرتفع بغبطة السعادة :
- ليش ما اتصلتي ؟؟.
ارتجفت وارتبكت، ومشاعرها تثور وتنصهر، ويديها قد تعرقت وهمست بخفوت :
- أصل.. أصل ماما لسة خرجة من البيت، فطوالي اتصلت، ليه هو في حاجة جديدة ؟؟.
- أيوه.. عنود حصلوها، أصلا هي ما ضاعت بس ألحين طلعت.
وصرخت ليبعد السماعة من أذنه:
- انتوا لأيتوها؟؟.. فين؟؟... هي كويسة؟؟.. أخبارها ايه؟؟.. حصل لها حاجة؟؟.
ليهتف:
- هدي.. هدي يابنت الحلال صميتي اذني.
لتجيبه بخجل:
- أنا أسفة ما كنتش أقصد!!.. أصلي فرحانة أوي.
- ولا يهمج، وحمدالله على سلامة أختج العنود.
- الله يسلمك، إنزين هي ألحين وينها؟؟.. أقدر أكلمها؟؟.. هي عندك ألحين؟؟.
وقهقه لتغيير اللهجة وأجابها:
- لا للأسف ما هي هنا، هي ألحين ساكنة في مكان ثاني.
لتنطفئ بهجتها وسألته:
- كيف يعني ما هي هنا؟؟.. طيب كيف أكلمها؟؟.. أنا ما أقدر أطلع من البيت إلا إذا....
وتركت باقي جملتها ناقصة وأفكارها تدور بخطة كي ترى شقيقتها فسألها بتوجس:
- إلا إذا شو يا آمنة؟؟.. شو تبين تسوين؟؟
وأجابته بشرود وهي تفكر بخطتها:
- بروح أزورها الصبح لما أروح المدرسة، بطلع من المدرسة وعلى طول بركب تاكسي بس انت عطني عنوان سكنها.
لينتفض من جلسته صارخا ورافضا ما تنوي فعله:
- انت جنيتي ولا شو؟؟... تبين تركبين سيارة لحالج مع ريال غريب!!.
بهتت قليلا من انفجاره الغريب ثم ما لبثت أن نفضته وصرخت:
- ومين حضرتك علشان تؤلي أروح ولا ما أروحش؟؟.. وأمال عاوزني أعمل إيه؟؟... أحط ايدي على خدي واستنى.
وعاد يهدر بها والغضب يعتمله من أنها ستكون مع رجل غريب لوحدهما دون أن تفقه للأخطائر القائمة.
- انت فيج مخ علشان تفكرين؟؟.. انت ما تقرئين جرايم الاغتصاب يلي تصير؟؟.. ما تجوفين الأخبار؟؟.
سكتت ولم تجبه سوى شهقاتها الخفيضة وهمسها بحروف مشتاقة ملتاعة لفراق صار مؤلما عليها، وصمت هو ولم يزد سوى أن استمع لبكائها الصامت، مسح وجهه واستغفر الله ثم قال بعد فترة من الصمت:
- عندي لج حل، أنا برسل سواقنا مع وحدة من الشغالات وهو يلي بياخذج لاختج، على الأقل بطمن عليج معاهم، جذا حلو؟؟.
- تتكلم جد؟؟.. يعني أقدر أروح لاختي العنود وأجوفها؟؟.
ضحك وهز رأسه من هذه الفتاة الغريبة وأجابها:
- هيه.. تقدري تجوفيها، باجر يناسبج؟؟
لتهتف بفرح وسعادة:
- يناسبني!!.. أكيد يناسبني، يا سلام، وأخيرا بجوف ماما عنود.
- تحبينها لدرجة تقوليلها ماما عنود؟؟
تنهدت براحة وأجابته:
- صدقني أحبها أكثر من روحي، هي يلي ربتني وحبتني وتحملت مني فكيف ما تبيني أعطيها التقدير يلي يناسبها .
زفرت وتنفست ثم تابعت:
- مشكور ما قصرت، إن شاء الله في ميزان حسناتك، وربي يكرمك ويرزقك على تعبك.
- أنا ما سويت شي أنا بس أقولج يلي صار.
وعاد الصمت حليفهما، فما بقي يقال الآن وقد زالت أسباب مكالماتهم.
- أنا لازم أسكر ألحين.
- بهذي السرعة؟؟
- أيوه....
- آمنة أنا.....
- نعم...
وسكون، هي بانتظار ما يريد قوله وقلبها يخفق بشدة يكاد يخرج من أضلاعها، وهو حائر خائف لا يعرف ما يفعله وواقعهم يخبره باستحالة وضعهما، فقال بعد مدة:
- باجر بطرش السايق لعندج، شو اسم مدرستج علشان يلاقيج، وبعطيج اسمه بعد ورقم السيارة علشان تعرفيها.
وأملاها كل المعلومات ومن ثم أغلق السماعة ونهض بسرعة من مكانه متجها للخارج هاربا من مشاعر وليدة رجته، ومجتمع غير متسامح، وطبقات مختلفة ستقف حاجزا أمامهما لا محال، وشقيقة كانت دمار عائلته.

***********************************
تمضي بنا الساعات بطيئة رتيبة وتكاد أحيانا أن تخنقنا وأحيانا أخرى تطير بنا ساعات يومنا وكل هذا بسبب الحال التي نكون فيها إما سعداء فتجري بنا عقارب الساعة، وإما بؤساء فنرى عقاربها تكاد لا تتحرك لليمضي هذا اليوم التعس.
غاضبة حانقة ومتوترة وقد تدمر عالمها الذي بنته خلال أشهر مضت، تدور بغرفتها وقد بلغ بها اليأس بكيف ستتصرف الآن مع وجوده هنا بالقرب منها؟؟.. توقفت بغتة وتحرك رأسها يمنه ويسرى وهناك وجدته أسرعت ناحيته وتلقفته واتصلت ليصلها صوتها صارخا كما اعتادت منها، وتساءلت ألا تهدأ هذه الفتاة أبدا؟؟.
- عنودي شخبار القمر؟؟.. لا تقولي اشتقت لي وقلتي لازم أكلمها قبل لا أنام؟؟.
ضحكت دون ارادة وأجابتها:
- هلا شهد أنا بخير، انت شخبارج؟؟.. وثاني شي بعدنا عن النوم توه العصر.
- أفا شو هذا التحطيم، انزين جاملي شوي ما تعرفين؟؟.. وثاني شو تبين ليش متصلة بهذا الوقت؟؟... دخيلج لا تقولين إن في واجبات وبحوث!!.
- الحقيني يا شهد!!.. قال بيسكن عندي.
وتساءلت الأخرى باستفهام واستغراب:
- مين هذا يلي بيسكن معاج؟؟.. خبري ما عندج اخوان غير المرحوم.
وهتفت باسمه والألم يعتصرها:
- حمدان يا شهد حمدان جا عندي الشقة وقال إذا ما تبين تسكنين في البيت العود احنا نسكن معاج.
وهتفت باعجاب:
- واااااااااااااو ريلج يهبل، الله يرزقني بواحد مثله جذا يجي ويعطيني كفين وبعدين يشلني على كتفه وياخذني معاه غصب ويموت فيني وأموت فيه.
وصرخت بها العنود فهذا ليس بوقت الأحلام فمشكلتها عويصة:
- شهد... صدق انج فاضية!!.. أنا أقول شي وهي راحت تشطح لبعيد.
تبرمت صديقتها وسألتها:
- عيل وشتبيني أقولج؟؟.
وجلست عنود على السرير وملامحها تشي بنوبة بكاء قادمة:
- أعطيني حل على هذي المصيبة يلي أنا فيها.
اعتدلت شهد بجلستها واعتلت ملامحها الجدية وأجابتها:
- جوفي يا العنود، ريلج من النوع يلي يبيه لازم يحصله، وشكله وهو جا لحد عندج يعني يعترف بغلطته وهو جاي يصلح يلي صار بينكم علشان ترجعون لبعض.
قاطعتها بقوة وهي تفز من جلستها:
- بس أنا ما بي أرجع له يا شهد، يلي سواه فيني ما هو بشوي، والله ما هو بشوي، كسرني يا شهد والله كسرني ولا سمعني!!.
وعادت للجلوس ودموعها تقطر أمطارا على وجنتين قد حاكت الكثير من الأوجاع، فألا يأتي ذلك اليوم الذي ستكف به دموعها عن الهطول؟؟
- هدي حبيبتي ولا تبجين، البجي مب زين لخلودي تراه بيطلع نكدي بعدين.
وسألتها من بين بكائها:
- مين هذا خلودي بعد؟؟.
- ولدج خالد تراني سميته خالد عجبج الاسم ولا؟؟.
وقهقهت وكما يقال شر البلية ما يضحك :
- نعم جذا اضحكي وماعليج من حد، إن كان كل ما حد يزعلنا نبجي كان ملينا الدنيا كلها دموع، يا عنود خليج ريلاكس وما عليج من حد وعيشي حياتج ولا كأن حد موجود، بس انت وغير لاء، ألحين ريلج عندج وموجود على باله إنه أول ما يتأسف على طول بيطيح الحطب بينكم.
- طيب شو أسوي ألحين؟؟.. باقي ستة أشهر للولادة باقي فترة طويلة لين يصير الطلاق عادي.
سكتت شهد ثم سألتها:
- ما تتوقعين إن حمدان يرفض إنه يطلقج بعد ما تولدين؟؟
وهدرت الأخرى بغضب جامح:
- مستحيل... ومب على كيفه، يعني متى ما يبي هو يطلق ومتى ما يبي ما يطلق، أنا مب لعبة بين ايده!!.
- تمام عيل عامليه ولا كأنه موجود معاج بنفس المكان، وخليه لين يمل وبعدين بروحه بيطلع من البيت .
فسألتها عنود دون اقتناع:
- اتهقين بيصير جذا؟؟.. ترى هذا الشايب ما هوبهين!!.
وسكتت وهي تتذكر ما هو عقابها كلما نطقت بهذا الاسم لتغيم مشاعرها بحزن وضاق صدرها بألم، وقاطع أفكارها هتاف صديقتها:
- الشايب.... حرام عليج يا عنود!!.. إذا هذا شايب عيل مين الشباب؟؟.. أقول يا العنود شو رايج تعطيني إياه وأتزوجه؟؟.
فزجرتها بأعلى صوت والفكرة أنه مع احداهن تشلها:
- شهد انت جنيتي؟؟.. شو هذا الكلام يلي تقولينه؟؟.
وقهقهت الأخرى بسخرية وقالت لها بتهكم:
- تبين تطلقين منه بس بتموتين غيره إن كان مع وحدة غيرج.
ونفت بسرعة:
- أنا ما أغار بس يلي تقولينه ما ينهضم .
- وانت على بالج بعد ما تخليه يمل منج ويطلقج يقعد جذا عزابي؟؟.. لا يماما يلي مثل ريلج يكون لقطة، كنز، وكل وحدة راح ترمي نفسها تحت ريوله وتقول له شبيك لبيك وأنا خدامة تحت رجليك.
هدوء عم المكان بينهما، وجنون أفكارها تقذفها من جهة لأخرى، وصورة واحدة فقط من احتلت الشاشة الكبيرة لتقول بعدها بحزم:
- ما يهمني يا شهد، يسوي شو ما يبي ما عاد يفرق معي، ما راح أسامحه أبدا.
تنهد صديقتها من قلة الحيلة واستطردت:
- على راحتج يا عنود سوي يلي تبيه.
وودعتا بعضهما واستدعت كل قواها لمقاومته، فهدفها لن تحيد عنه ولم تعرف بأن هناك قوى أيضا تشحذ نفسها لشن هجومها الحربي، والهدف هو تطهير ذنوبه.
خرجت وشاهدت الصغيرين جالسين يتابعون احدى قنوات الرسوم وجلست بينهم وقبلتهم ثم سألت:
- حليتوا الواجب؟؟.
لتجيبها حنان:
- حليناها كلها ماما عنود.
- شطار.
وجلست بعدها تصغي لحديث قد طال قوله من بعد ما صار دون ارادة، وما هي إلا لحظات حتى اقتحم عالمها المسالم.
- مساء الخير، ماشاء الله كلكم يالسين .
وجلس بالقرب منها ويفصل بينهما جسد الصغيرة التي غاصت بأحضان كليهما متنعمة بدفئهما دون أن تهتم بما يجول بينهما.
- ماري ... ماري..
وأقبلت الخادمة وأمر:
- جيبي أكل للمدام.
ورفض لفظته بسرعة ليطير أدراج الرياح.
- ما بي أكل يا ماري.
وأشار برأسه لتختفي الخادمة كما أمر سيدها، فقد شدد عليها باطاعته دائما، وصرت بأسنانها وقالت له بخفوت فوق رأس الصغيرة كي لا يسمعها الطفلين:
- ما هو بغصب إني آكل!!.
وكل شيء جائز بالحرب والحب.
- يا أولاد ماما عنود ما تبي تاكل، وأخوكم الصغير يوعان بس هي تقول إنها مب يوعانه.
والتفت إليها الصغار وجزعت حنان قائلة:
- حرام ماما البيبي يوعان وأخاف يمرض!!.
- نعم ماما ما يصير لازم تاكلين علشان أخونا ما يصير فيه شي ولا انت ما تحبيه؟؟
حوصرت بالزاوية ولم يترك لها مجال للتهرب وأجابتهم:
- لا حبايبي أنا أحب أخوكم بس أنا مالي نفس آكل.
وقالت كلمتها الأخيرة بجز أسنانها
- لا يا ماما لازم تاكلين.
وبالفعل جاءت الخادمة محملة بأطباق مالذ منها وطاب، وحمل حمدان طبق وملأة بالفطائر والمعجنات وقدمه إليها بابتسامة خلابة ستسرق أنفاس كل أنثى تحلم بفارس يكون مثله، لكن ليس هي.
أخذت الطبق من يده والعيون جميعها مسددة ناحيتها وتلقفت فطيرة واحدها وأكلت قضمة واحدة لتتبعها أخرى وصوت معدتها قد نبأها من أنها لم تأكل شيء منذ افطارها السريع هذا الصباح.
اعتدلت بجلستها وبدأت بتناول ما على طبقها ووضع أمامها كأس من العصير وكأس آخر من الماء وعيناه لم تحد عنها أبدا، كانت جميلة جدا ومؤلمة للغاية لبعدها عنه، يشتاق إليها ويحن لحضنها ويرغب بشم رائحتها العطرة وتذوق طعمها، لكن عليه الصبر والتحمل.
أشاح برأسه بعيدا فقربها يقتله ويكويه والتقط فطيرة وأخذ يأكلها دون شهية فما يريد أكله صار منيعا عنه.
اتكأت للخلف بشبع وتنهدت بارتياح وابتسامة هانئة تنير ثغرها، وسلطان النوم قد داعب أجفانها بعد هذه الوجبة الفخمة التي تناولتها، فهي قلما تتناول طعاما مغذيا، فوجباتها دائما ما تكون من الخارج وعندما تجلس لتأكلها ينتابها شعور بالوحدة والفراغ، فأن تتناول طعامك لوحدك لايشبع أبدا فتتركها وتبتعد عنها، لكن الآن مع الأصوات المحببة لقلبها تتناهى لمسمعها جعلتها تتخم.
سمعت صوته يناديها بغياهيب حلمها:
- عنود....
لتجيبه وهي تلتفت ناحيته والابتسامة مازالت تشع:
- عيونها...
وانحنى ناحيتها لتشعر بأنفاسه الساخنة تداعب بشرة وجهها، فتوسع جفنيها ليظهر فيروزها الموشحة بمشاعر مضطربة من قربه الشديد.
ظلا يحدقان بعضهما لفترة من الزمن حتى شعرت بنفسها تهزم وتضعف وترغب بأشياء كان لها الحق بها من قبل، لكنه حرمها منها.
- بعد عني.
وأجابها بصوت مشحونة ومتفجرة وراغبة بالمزيد من هذا القرب.
- في على شفاتج.
وأغمضت عيناها تنتشي بقربه، بحرارة جسده، وبعبق أنفاسه، وقد شعرت بنفسها تسير نحو الفخ دون ارادة ودون قدرة على تغيير وجهتها، كأنه قد ألقى عليها تعويذة جعلتها تنقاد نحو مصيدته بارادتها الحرة.
فتحت عيناها من جديد لتراه ينحني وشفتيه تحط برحالها على طرف شفتها لتنده منها آه من أعماق قلبها، لكنها كتمتها قبل أن تخرج وانتفضت مبتعدة وتلفتت حولها لترى الأطفال منشغلون بعالم الكرتون، فالتفتت إليه بشراسة وسألته بأسنان مصكوكة:
- انت جنيت!!... اليهال موجودين و....
قاطعها وعيناه تعانق شفتيها متمنيا العودة ليرتشف من رحيق عسلها.
- يعني اليهال هم يلي خربوا؟؟.. عادي ممكن نروح الغر....
فقاطعته وهي تنهض ومقلتيها تقطر شررا :
- شكلك نسيت يلي طلبته منك يا الشايب!!.
وسكتت كأنها أخطأت بالكلمة وانتظرت كما هي العادة العقاب الذي يسقط عليها كما نسمات الربيع، لكن هذه المرة لم يكن يوجد عقاب بل ابتسامة و....
- شكلج اشتقتي لـ.....
ولم تتركه يكمل بل تحركت راغبة بالهرب مما يفعله بها من تلاعب بأحاسيسها، فأوقفها بصوت عالي لينتبه الصغيرين إليهما:
- عنود... تعالي خذي أدويتج.
فتحت فمها تنوي زجره، لكن رؤية أنظار الأطفال نحوهما جعلها تتراجع وتقترب منه مجبرة وجلست بمكانها، فقدم إليها أدويتها لتأخذها وقد شعرت بالضيق من تدخله بما لايعنيه، وتساءلت.. كيف يستطيع أن يساير الأمور بسهولة كأنه لم يحدث شيء؟؟.. لما يظل يستمر بملاحقتها إن كان لا يصدقها؟؟.. أيظن أن الأمور هينة وتسير على هواه؟؟.
وهنا انتفضت من مكانها فسألها حمدان بسرعة:
- بسم الله عليج وشفيج وقفتي جذا؟؟.
لم ترد أن تجبه، لم ترد أن تراه، ولم ترد الكثير، فقط أرادت القليل فقط من مباهج الحياة وأجابته وهي تتحرك باتجاه غرفتها:
- تعبانه وبروح أرتاح، ولا لازم أستأذنك بعد بهذا الشي؟؟.
وأغلقت بابها كما مشاعرها المضطربة بوجوده هنا بقربها، لما الحب هكذا؟؟.. لما يؤلم ويوجع بالروح؟؟.. أليس الحب هو نعمة من الله؟؟.. لما إذا أشعر بأنه نقمة بالنسبة لي؟؟.
وأضجعت جسدها على السرير تناشد الراحة، ولكن من أين تأتي وسجانها قد عاد يقضي مضجعها.

***********************************
تأففت للمرة المليون ووجوده معها صار يطبق عليها فهو يمنعها من التجول بحرية:
- هو انت مش حتخرج الليلة ؟؟.
قلب صفحة الجريدة وأجابها:
- لا ماني بطالع.
- طيب ماتجي نطلع سوى نروح حتة علشان نتنفس شوية.
صفحة أخرى واجابة باردة:
- افتحي الدريشة واتنفسي براحتج قد ماتبين.
شدت ملابسها وكرمشتها بغضب، وأعصابها قد ثارت من الحياة المقرفة التي تعيشها بظل رجل كبير بالعمر.
اعتقدت بأنها ستتحكم به وسيتركها تعيش على هواها، لكن كانت مخطئة!!.
رن هاتفه فأجاب عليه وتحدث مع محدثه عن الأعمال وبعد مرور بعض الوقت ووضع بعض الخطط أغلق الهاتف وسألته بسعادة اشتعلت بداخلها:
- هو انت حتسافر؟؟
- لا ماني مسافر، ما أقدر أخليج وأروح.
احباط وبرودة طغت بداخلها من هذا الخناق القاتل لها وعادت لسؤاله بأسنان مصكوكة:
- أمال مين حيسافر؟؟... حمدان!!.
واجابة أخرى جامدة كما حياته التي غدت لاطعم لها ولا حياة من غير رفيقة عمره.
- لا واحد من الموظفين بيسافر، حمدان مشغول مع حرمته وما يقدر يتركها بعد وهي حامل.
صاعقة ضربتها، وصدمة قد تلبستها، وصرخت باستفسارها:
- عنود رجعت؟؟.
وهنا ترك الجريدة والتفت إليها يناظرها بتفحص من هتافها العالي:
- وشفيج؟؟... ليش تصارخين؟؟.
ارتبكت وتوترت لكن عليها أن تعرف، وقالت بمكر قد ولدت عليه:
- لا... ما.. ماهو أنا بسأل، مش عنود من العيلة وهي زي أختي.
هز رأسه موافقا وتابعت هي:
- ليه مألتليش إنها رجعت للعيلة؟؟
وضع الجريدة على الطاولة وأجابها بلا مبالاة:
- ما كانت في فرصة أقولج، وأصلا ما عرفنا غير من قريب إنها ساكنة بعمارة حمدان من أول ما طلعت من البيت.
وهمست لنفسها ببغض وحقد قد صار جزء لا يتجزء منها:
- يعني هي ماتبهدلتش ومبكتش من الجوع؟؟.. ومتوسلتش حد علشان تاكل؟؟.. ومانمتش بالشارع وكمان حامل؟؟.. يعني كل يلي عملته ولاجاب نتيجة!!... يا بنت الأبلسة!!.. يعني عيشة ومتهنية مع راجل وسيد الرجالة وأنا أعدة مع العكوز ده!!.
وقالت جملتها الأخيرة بصوت عالي ليسألها حسن مستفهما:
- شو تقولين؟؟
ونهضت من كرسيها وتحركت متجهة لغرفتها وهي تجيبه:
- ؤولت إني تعبانة وعيزة أريح.
ودلفت لعقر شرها وهي تفكر وتحرك تروسها بطريقة تحطم بها غريمتها وعدوتها، وما هي إلا ثواني حتى ضحكت بشر وحملت هاتفها واتصلت لأحد الأرقام:
- ازيك يحمادة وحشتني؟؟.
انصتت وضحكت بخلاعة ثم أجابته:
- يا مجنون... وأنا كمان بشتألك أكتر، بس اديني فرصة بشوف يوم فاضية وحدئلك رنة وانت عارف الطريق كويس.
واستمعت إليه ثم همست له بمياعة:
- بؤول إيه يحمادة، عوزة منك خدمة صغنونة أد كده هو.

طُعُوْن 01-01-17 06:19 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل السابع والعشرون........

ما هو العشق؟؟.
أهو من يتراقص القلب طربا للقيا الحبيب؟؟.
أهو أحاسيس جياشة تطيح بك لتجعلك بعالم آخر؟؟.
أغبي أنا أم أن الغباء تبرأ من غباوتي؟؟.
ما لي ومال الحب ليحتل خافقي؟؟.. فالحب هو الغدر!!.
أم أنه ابتسامة مشرقة تنير ظلمة حياتي؟؟.
أو هو همسة من حبيب تزعزع كياني؟؟.
ولربما هو نظرات تسلب نبضات قلبك؟؟.
احترت بوصفه ومالي بالشعر والغزل!!.
تهت وما عدت أعرف طريقي.
فنوري قد غاب عن دنياي، وعاد البرد يتلبسني.
أهذا هو الحب؟؟... أن ما أشعره من عذاب لبعدها هو الحب؟؟.
أيا صغيرة.. متى احتللتي قلبي وتربعتي بين جدران أظلاعي ؟؟
وصرتي تجري بمجر الدم بالوريد.
أحبك، بل أنا عاشق متيم بك، وما عدت دونك أبغي الحياة.
فترفقي برجل يخطوا أولى خطواته بدروب الحب .
( حمدان )
****************************
صباح جديد ويوم مفعم بالأمل بأن القادم سيغدوا أفضل، وأن الحياة ستعود لتفتح له أبواب السعادة من جديد، وأن الله سيكون معه.
استيقظ على آذان الفجر وظل على فراشه ينظر لسقف الغرفة وهو يردد خلفه وبعد الانتهاء دعا بنية خالصة أن يصلح حاله وحال أهل بيته، لحظات هي حتى شعر بيد تحط على صدره وجسد يندس ناحية جسده وتطلع إليه بعيون حنونة محبة ليرى صغيرته تنام ملئ جفونها وابتسامة تزين ثغرها الصغير بقربها من والدها، وتذكر كم كانت سعادتها كبيرة عندما علمت بأنه سيجاورهم بالفراش لتتقافز فرحة مبتهجة ثم خمدت فجأة وتساءلت:
- وليش ما راح تنام مع ماما عنود؟؟
لم يعرف ما يقول وماذا يجيب، هل يخبرها بأنها لفظته من حياتها وأنها تأبى مسامحته!!.. فأجابها بابتسامة واهية:
- لا ما راح أنام معاها، احنا يايين هنا بشكل مؤقت وبعدين بنرجع البيت العود، يعني اعتبري نفسج بمخيم صيفي واني كله بنام معاكم وبقعد معاكم، ولما نرجع البيت العود كل واحد يرجع وينام بغرفته، تمام؟؟.
وصغر سنها وسرورها الكبير بأنها ستنام بالقرب من والدها لم يجعلها تفقه للحزن القائم بمقلتيه ما عدى صغيره الذي ظل يتأمله حتى انشغلت شقيقته بشيء ما ليقترب منه ويمسك كفه بتآزر.
- لا تزعل يا بابا!!.. ماما عنود بعدها زعلانه، بس شوي شوي ترضى، وانت خلك قوي واصبر عليها، وحاول قد ما تقدر انك تراضيها وما تزعلها .
تأمل صغيره باندهاش من أفعاله وأقواله، كم هو شاكر لله على هذه النعم التي أنعمها إليه، لينخفض ويوازي طول طفله وابتسم له وربت على خده قائلا:
- ما عرف أنا شو سويت بحياتي علشان الله يعطيني ولد مثلك؟؟.. ما شاء الله عليك طلعت أذكى من أبوك.
ابتسم وهز رأسه رافضا.
- لا يا بابا حتى انت ذكي بس لما شي يخص ماما عنود انت ما تتحمل وتصير غير، ما كنت أعرف إن يلي يحب يصير خبلة جذا!!.
وأكمل حديثه دون أن يشعر بالصدمة التي ألحقها بوالده:
- عمي سالم يقول أبوك من عشق عنود وهو صاير مجنون.
وأكمل وهو يقطب حاجبيه وتساءل باندهاش:
- هو يقول انك غبي لأنك ما تعرف إنك تحبها، في حد ما يعرف إنه يحب؟؟
وعاد لواقعه وحديث ابنه يحفر عميقا بداخله ويبحث عن أجوبه، هل هو عاشق متيم بزوجته؟؟.. كيف ومتى حدث هذا؟؟...
لتسرقه ذكرياته معها منذ بداية لقائهم... غضبها، جمالها الساحر الذي سرق النوم من عينيه، عنادها، عقيقها المخضر والبراق، ابتسامتها الخلابة، دلالها، همسها، مشاكستها، ومواقفهما المضحكة والجدية، و صور حميمية، كلها جالت بفكره صورة تلو الأخرى وأنفاسه تستعر ومشاعره تطفح لتعلن عن نفسها، وقلبه يطرق بكل قوته مخبرا إيها بأنه قد عجز عن افهامه بما يحدث معه، لكنه كان غافلا عن كل تلك الاشارات والتنبيهات التي كان يخبره به قلبه، وللأسف علمها بوقت متأخر.
نهض من الفراش بسرعة كمن لدغته عقرب وقام بتغطية ابنته جيدا والتفت يتطلع لطفله النائم قرير العين بالسرير الآخر واتجه بسرعة ناحية الحمام ليسكب على جسده ماء بارد لعله يستيقظ من أوهامه، هو لا يحبها، هو لا يعشقها، هو فقط... هو فقط... هو ماذا؟؟... هو ماذا؟؟... يجب أن يعرف، يجب أن يتكلم وإلا سينفجر من فرط عدم معرفته بما يجول ويصول بداخله، ومن أفضل من شقيقه وصديقه سالم ابن عمه ليخبره بما غفل هو عنه.
ارتدى ملابسه ثم خرج بهدوء قاصدا المطبخ وهناك تجمد بمكانه وهو يرى حوريته قد تجسدت أمامه بلباس نوم قصير يكشف ساقيها القشديتين، ضيق يحدد جسدها، وموضحا رشاقة خصرها ومبرزا نهديها اللذان ازدادا حجما إثر حملها بشكل ملفت للنظر، وشعرها قد كومته بجهة واحدة موضحا وجهها الخالي من مستحظرات التجميل، كانت جميلة، فاتنة، مؤلمة لدرجة صدر منه أنين جعل جسده يستعر وينصهر، وخافقه يعلن عن وجوده، فما كان منه سوى أن اقترب منها دون أن يشعر بساقيه وهي تقوده كأنه قد غيب عن عالمه وصارت هي محورها فقط ولا حياة له دونها.
غاب ورغب، هاج وطاق، اقترب وتنشق، ثار ووزأر، ولمس وانتهى.
احتضنها ومرغ وجهه بشعرها ولتجن جنون عواطفه الصائمة من بعدها وهمس باسمها باشتياق ووله طاق له قلبه وبدنه:
- عنود....
واستنشق عبير شعرها وجسدها وتهجدت أنفاسه وثارت براكين حممه وجالت وصالت ذراعيه على جسدها بطوق ونهم، وأدارها ناحيته ليحيطها بشده جاذبا اياها لجسده، فتأوهت بالرغبة فما كان منه سوى أن صرخ بعدم قدرته على التحمل فانخفض وسقطت شفتيه على موطن خطيئتها ليغرقا منتشيان بلذة التحامهما، لمسها وقبلها، وتحركت أصابعه بمهارة على جسدها كمن يعزف على أوتار الكمان، وشفتيهما كانتا تدوران بمعركة الحياة أو الموت، فتشبث كلاهما ببعض كما طوق النجاة.
وهمس بشجن باسمها عدة مرات كأنه يستلذ به ويستطعمه على لسانه بعد أن غاب طويلا عنه:
- عنود... عنود.. عنود..
اعتصرها بشدة يكاد يدخلها لتكون بين ثنايا أظلاعه، لتتمسك به محيطة ذراعيها حول رقبته تدنيه منها لتستسقي من أمطار الخير ولم يشعرا سوى بأرواحهما التي طاقت للقيا طال انتظاره.
قلوب تناجت وغنت طربا، وجسد صرخ ببهجة السعادة والمطالبة بما له حق به، ولكن عندما يستيقظ العقل من غيبوبة السحب الوردية حتى يعود واقعنا الأليم بأتراحه وأحزانه مخرجا إياهم من بين الضباب الذي التحفهم.
- بابا... أبي ماي، عطشانه .
ووقفت تفرك عينيها والنعاس يغالبها ولم ترى وتنتبه للجسدين اللذان توسدا أرضية المطبخ، ولا الجمود الذي طغى عليهما لثوان فقط حتى ارتدت من كانت تحت جسده تناغيه الاستمرار بما كان يفعله بها حتى تحولت طريقتها من جذبه ناحيتها إلى دفعه وبكل قوة بعيدا عنها ونهضت تداري خزيها بالاستسلام له وقبل مغادرتها رمقته بنظرة استحقار أصابته بسهم حاد جعلته يدرك بأنه رجل مخادع ومستغل.
نهض متثاقلا ملتقطا قميصه من الأرض وعاد لارتدائه وبرودة حلت مكان الحرارة التي كانت تخرج منه للتو وتطلع لابنته فوجدها قد اتكأت على الباب ونامت وهي واقفه.
- شكلي بمرض أنا بهذي الأيام من كثر ما أتسبح.
حمل كأس الماء وسقاها ثم حملها وأعادها للفراش وبقلبه ألم شديد حتى أقسم بأنه شعر به وهو يتفتت لأشلاء، وتساءل وهو تحت رذاذ الماء البارد.. هل هذا ما شعرت به عندما قام بطردها من منزله؟؟.. هل شعرت بنفسها تموت قبل أوانها عندما لم يصغي إليها؟؟.
أغلق الماء ليهمس لنفسه...
- عيل إنت تستاهل إنها ما تسامحك، لأن لو كنت مكانها ماراح أقدر أسامح.
ارتدى ملابسه وخرج مغلقا الباب خلفه بهدوء وانطلق مغادرا من الشقة ومن الشعلة المتوهجة التي تركته يلفظ أنفاسه الأخيرة وحقيقة انجلت أمامه أخافته، لكن أين المفر؟؟.. فما وقع قد حكم عليه، وما تربع على كرسي العرش أقسم أن لا يتزحزح.
فآه من حب لم يظهر للنور بعد.
وآه من حب تقاسيه لوحدك دون رفيق يعينك عليه.
وآه من حب تراه قريبا لكنه بعيد كبعد الشمس عن الأرض.
استقل سيارته بسرعة وقادها لمن هو القادر على اعانته ومده بالصبر والعزيمة، فمن غير الواحد الأحد القادر على اعانته بمصابه.
وبالجهة الأخرى .....
جلست على سريرها منكمشة على نفسها وجسدها يرتجف من فرط غضبها وحنقها على نفسها، لقد استسلمت له من أول لمسة وأول همسة، وانساقت خلف مشاعرها المهتاجة والمحتاجة بطوق شديد له، ونسيت كل ما فعله بها، وتذكرت ما حدث معها ........
استيقظت قبل آذان الفجر بقليل اثر حلم جعلها تغرق بعرقها وجسدها يرتعش من أحداث حلمها الذي احتوى صور مثيرة لشخصين بوضع حميمي وجلست تتنفس ببطئ تهدء من عواطفها المشتعلة، إلى أن سمعت زقزقة معدتها التي أنقذتها من براثن أحلامها.
خرجت من غرفتها متجهة للمطبخ ونسيت بأن هناك من يشاركها خلوتها ووقفت أمام الثلاجة وعيناها تدور بمحتوها حتى شعرت بأحاسيس غريبة تتسلل إليها وخلاياها تخزها، وتقافز قلبها كما الألعاب البهلوانية وما هي إلا دقائق حتى اجتاحها طوفان جارف سحبها لأعماقه سارقا إياها للبعيد وآخذا بها بجنون عواطفها التي أرادت الهرب منها، وها هو الحلم يتحقق!!.
تقبلت تلك الذراعين المحيطة وانتشت بها، نبضت عروقها وفارت دماؤها والرغبة تتملكها، فتاهت وضاعت بغياهيب جنون الرغبة.
خنقت تأوها آخر كاد أن يخرج من أعماق قلبها ووجع استبد بخافقها وعاتبته بلوم....
- إلى متى ستظل خاضعا لجلادك؟؟.. إلى متى ستنوخ تحت الأقدام؟؟.. ألا تعتبر؟؟.. ألا تملك كبرياء لتغني بكل مرة تراه؟؟.. لا أريد أن أذل بسببك!!.. لا أريد أن أخفض هامتي أمام أي أحد!!.. لذا عليك أن تجمد وتتحلى بالقوة، فما عاد له مكان بداخلي.
أسمعها؟؟.. لا تعرف!!.. هل سيخضع لها أم له؟؟.. أيضا لا تعرف!!.. لكن كل ما تعلمه بأنها لن تنحني له أبدا مهما حدث.
*******************************
ارتدت ملابسها على مهل ومن ثم ارتدت عباءتها ولفت شيلتها على رأسها وخرجت تتسلح بالعزيمة للقتال للنهاية .
- صباح الخير على الحلوين.
ليجيبوها بابتسامة خلابه:
- صباح الخير يا ماما
- ها... فطرتوا ولا بعدكم؟؟.
- قاعدين نترياج علشان تاكلين معانا، وبعد أخوي الصغير يفطر معانا .
أجابتها حنان وهي تنظر لبطنها وتابعت:
- ألحين هو كيف ياكل؟؟... هو عنده أسنان؟؟.
جلست عنود بقربهم وأجابتها وهي تسحب لها رغيف من الخبز وتدهنه بالزبدة والمربى ولم تسأل عن الغائب عن الطاولة فقد اعتزمت عدم وجوده:
- هو ياكل لما أنا آكل حبيبتي.
وقضوا الفترة بتناول الافطار والاستفسار عن الطفل المنتظر ومتى سيخرج وعندما حان وقت الذهاب الطفليين للمدرسة قبلتهم ولوحت لهم وعندما همت بالمغادرة هي أيضا بعد أن جمعت كتبها وحقيبتها فتحت الباب لتصطدم به من سرعتها بالخروج لتأخرها، فكادت أن تسقط لولا ذراعيه القويتين اللتان احتضنتاها بالقرب من صدره ولم تترك المجال لأحاسيسها لتتشكل فكأنما أفعى سامة قد واجهتها حتى دفعته بكل قوة بعيدا عنها وصرخت به مهدده:
- يا ويلك إن لمستني ولا قسم بالله ألم عليك الجيران.
ابتسم بتهكم وألم وقال باستهزاء:
- والله ما كان هذا رايج قبل شوي لما كنت تذوبين بين ايدي، وتصرخين إنج تبيني.
أخرسها ولم تستطع الرد فما كان منها سوى أن ترحل محتفظة بالبقية الباقية من كرامتها حتى أوقفها قائلا وهو يهم بالدخول لتغيير ملابسه والخروج لعمله:
- اختج آمنة بتزورج بعد شوي.
وتوقفت بمكانها وهمست باسمها كمن تذكرت للتو بأن هناك من يهتم بها:
- أمون....
وتابع الآخر:
- منصور اتصل وقال هي بتي فما له داعي اليوم تروحين الجامعة.
وبزق باقي جملته ونار تستعر بجوفه فتصهره ولا يعرف مصدرها:
- ولا في حد هناك مهم تبين تجوفينه وما تقدرين على افراقه ولو يوم واحد؟؟.
والتفتت تتطلع إليه وأجابته باستفزاز وهي تعود للداخل:
- تبى الصدق؟؟... هيه في حد ما أقدر يطوف يوم وما أجوفه.
وسكبت الماء على الزيت ووقفت تطالعه بعيون قوية دون أن تأبه للشياطين التي تتقافز أمام عينيه ونية الفتك هي ما تهدر به، ولأنه عاهد نفسه على الصبر عليها وعودته لسابق عهده فما كان منه سوى أن حدجها بعسله الملتهب ومن ثم تحرك بقوة غضبه لغرفته مغلقا بابها بقوة حتى ارتجت له أركان المنزل على اثره.
تنفست بعمق مخرجة ما بداخلها من ضيق ومن ثم عادت أدراجها ناحية غرفتها.

********************************
شوق وحنين، وحب ولهفة، وجسد مهجور اشتاق لحضن يعيد له انتماءه لهذا العالم.
وحدة قد قتلتها، وعائلة قد نبذتها، وأحباء قد غادروها لتترك لهواجس الفراغ والألم والاحباط، ووساوس شيطان أحب التلاعب بأفكارها المتضاربة من مشاعر شتت أحاسيسها...
- لما أنا جئت لهذا العالم؟؟... لما تكونت برحم أم لا تعرف معنى الأمومة؟؟.. لما لم أكن مع عائلة أخرى؟؟.. ولما؟؟.. ولما؟؟...
ليس اليتيم فقط من يعاني من الحرمان من مشاركة عائلته بأفراحها وأتراحها فحتى من يعيش بكنف عائلة يتذوق من كأس اليتم، فمن اختار الشيطان طريقا له واتخذه رفيقا له فلا تنتظر منه أن يلتفت إليك ليعيد قراره، فالأنانية وحب الذات هما من يطغيان أمامهم، ولا يدركون ما خلفوا خلفهم من دمار للأرواح والقلوب النقية.
وسادة قد أغرقت بدموع الضياع فالتقفتها تشاركها همومها وأحلامها بعائلة تكون لها أمان وسند وحب واهتمام، لكنها تعود وتستيقظ بعالم الواقع القاسي ألا وأنها قد جاءت فقط لتكمل عدد ما أو ربما هي غلطة!!.
استيقظت هذا الصباح على غير عادتها... كانت مليئة بالنشاط والحيوية، وعينانها تبرقان بالسعادة، ودارت حول نفسها وهي تحدث نفسها:
- يا سلام اليوم بروح عند عنود، اليوم بجوفها
ورفعت يدها وعيناها للسماء وناجته بتضرع:
- يا رب العباد ارحم حالي وخلني أجوف أمي واختي وكل هلي عنود اليوم، ولا تحرمني من شوفتها.
ارتدت ملابسها المدرسية وحملت حقيبتها وهي تدندن بأغنية ما واتجهت ناحية المطبخ وأخذت رغيف من الخبز ودهنته بالجبن وبدأت بتناوله ولم تلتفت حولها كما العادة لتتطلع للكراسي الفارغة من أصحابها، ولم تفكر وتتخيل كيف تكون العائلة بالصباح الباكر، فاليوم لا وجود للحزن والدموع، فبعد قليل ستلتقي بمن أحاطتها بعنايتها، واحتوتها من براثن الجفاء والجفاف، لقد استكثروا عليها سعادتها بها فنفوها للبعيد.
انتهت وخرجت ولم تنظر للأركان الخالية من ضجيج أصحابها، فدائما ما تخيلت بأن هذا المنزل مسكون بالأشباح فقط .
وبلحظة إلتفاتة صغيرة هربت مقلتيها ناحية المنزل قبل أن تستقل الحافلة وهمست أيضا بأمنية:
- يارب ييجي يوم أطلع من البيت ده وأرتاح.
ركبت الحافلة وانطلقت لوجهتها... المدرسة وهناك ترجلت منها ولم تدخل بل انزوت بركن قصي كي لا يلحظها أحد ما ويجبرها للدخول للمدرسة ويحدث بعدها مالا يحمد عقباه.
انتظرت فَرَسِها لينقلها بسرعة الرياح لمن هفى قلبها إليها، وشاهدت السيارة من بعيد وهي كما وصفها لها.
طرق قلبها بلهفة، وارتفع صدرها بوتيرة سريعة، وارتجف جسدها باشتياق، ستلقاها وستتمسك بأحضانها ولن تتركها أبدا، فبدونها الحياة لا طعم لها.
توقفت السيارة بالقرب منها وما هي إلا لحظات حتى فتحت النافذة ليطل من خلفها شاب بمقتبل العمر وسيم الطلة ونظارة شمسية تغطي عينيه وكانت أحاسيسه مشابه لما تشعر به بفرق أنها كانت متلهفة لشخص آخر، أما هو فمتلهف لرؤيتها كي يحتفظ بصورتها بذاكرته.
ناظرها من خلف نظارته التي حجبت تأمله لها، كان يراقبها من بعيد وهي تتلفت باحثة عمن ستقلها لمن احتوتها دون أي مقابل، ابتسامة كبيرة زينت ثغرها وهي تراها تقترب منها وعندما توقفت سيارته اتسعت شفتيها ثم ما لبثت أن تكسرت وهي تشاهد من بالداخل.
- السلام عليكم.
ولم تجبه بل قطبت حاجبيها وتحركت مغادرة بعيدا عنه عائدة لركنها، فاستغرب الأمر وناداهها:
- شو السالفة؟؟.. تعالي واركبي.
والتفتت إليه والحنق يظهر على ملامحها الفتية وصرخت بأسنان مضغوطة بقوة بفعل غضبها من استهتار شباب هذه الأيام:
- صدق إنك قليل أدب وأهلك ما ربوك صح.
بهت من هجومها وهمس لها:
- شو السالفة؟؟... ترانا متواعدين!!.
نبضت نواذجها، واشتعل فتيل غضبها، وهدرت به دون أن تأبه بمن يسمعها:
- أنا مواعدتنك يا قليل الأدب؟؟.. وتعرف تكذب بعد!!.. روح ودور على البنت يلي واعدتها مب توقف عند بنات الناس المحترمين، وتتبلى عليها.
وما هي إلا ثوان حتى انفجر ضاحكا ومقهقها بصوت عالي وجاء دورها لتستنكر وتندهش من ضحكه الغير مبرر، وظل يضحك دون أن يقدر على التوقف لمعرفته بما دار بخلدها البريئ حتى سألته بصوت غاضب:
- ما أظن إني قلت شي يضحك؟؟
وأجابها من خلال نوبة ضحكه الهستيرية:
- والله إنج ضحكتيني، أي.... بطني يعورني.
رمته بنظرة مشمئزة ومن ثم ولت مغادرة فعاد يناديها وهذه المرة تمالك نفسه:
- آمنة... تعالي يا بنت الحلال، أنا منصور .
وتوقفت بمكانها وناظرته من فوق كتفها وهمست باسمه بتساؤل:
- منصور....
حرك رأسه موافقا وسألته وهي تعود لتقف بالقرب منه:
- انت منصور ولد خالتي خديجة؟؟
وأظهر صف أسنانه الؤلؤية وأجابها:
- هيه أنا منصور ولد خالتج خديجة، وألحين بتركبين ولا؟؟.
- بس انت قلت بطرش السايق، ما قلت انك انت يلي بتحضر ولا ما كنت سبيتك وسبيت أهلك.
وهنا تكسرت جملتها الأخيرة وهي تتذكر ما قالته له والخجل قد لون وجنتيها، لكنها عادت لتهتف مدافعة عن نفسها:
- أصلا تستاهل!!.. انت ما قلت إنك انت يلي بتي.
ظل يراقبها وابتسامة مشعة تتوسد شفتيه حتى قال:
- السايق مرض وما هنتِ علي انج ما تجوفين اختج اليوم، فقلت أنا بجيبج، وما عرف رقمج علشان أتصل فيج وأخبرج بيلي صار.
عضت شفتيها باستحياء من تسرعها بقذفه باتهاماتها واحمر وجهها باحمرار سلب لبه وهمست بتأتأة وعيناها تتأمل التربة:
- أنا... أنا... آسفة!!.. والله مكنتش أعرف!!.
ومازالت شفتيه تتشدق بابتسامته المشرقة ليرحم حالها ويجيبها:
- ولا يهمج
وأكمل الباقي بداخله:
- أنا كذا ارتحت من انج مب مثل اختج.
وتابع بعدها بصوت عالي:
- ألحين بتركبين ولا بطلتي الروحة عند اختج؟؟.
تردد طغى عليها من الصعود معه ليكمل هو وقد علم سبب توترها وترددها:
- أنا جبت الشغالة معاي علشان تونسنا شوي.
ابتسمت له وهزت رأسها موافقة واتجهت ناحية الباب فتحته لتتطلع للخادمة التي بادرتها أيضا بتحية وابتسامة، فجلست بجانبها لتنطلق بها السيارة لمن اشتاقت لحنانها.
يا ربيع الحب قد هللت سهلا وحللت مرحبا.
فاحت عطور الورد تعلن أفراحها.
فسهام الحب تطايرت تصيب أحبابها.
فغردت الطيور بأعذب الألحان .
وتراقصت القلوب على أجمل النغمات .
فما أجمله من حب يولد من بين الركام .
مرآة عينيه لم ترى سوى انعكاس صورتها، وأنفه لم يلتقط سوى رائحتها، وجسده استشعر ذبذباتها المتململة من تلصصه عليها، فأراد أن يخبرها بأن لا يد له بما يحصل معه فقد استحكمت وانتهى أمره.
وصل لوجهته وكم تمنى أن يطول الطريق إلى مال نهاية، فبالرغم من الصمت الذي احتل السيارة إلى أن مشاعرهم قد تناغت وتحدثت بلغة واحدة عرفت منذ الأزل.
توقفت السيارة وهمس لها وهو يناظرها من مرآة السيارة الأمامية:
- وصلنا.
وأجابته بخفوت وهي تخفض رأسها بخجل من تحديقه المستمر بها:
- شكرا
وترجلت بسرعة هاربة من أحاسيس تخيفها، وبنفس الوقت عشقتها وانتعشت روحها بها، وسارت بخطى سريعة ناحية البناء الضخم واستقلت المصعد كما قال لها للدور الثاني وقلبها يدق بداخلها كما السنديان العملاق حتى اعتقدت بأنه سيخرج من مكانه .
فتح الباب وخطت ناحية من اشتاقت لأمومة لم تستشعرها سوى معها هي، وتوقفت عند عتبة بابها وقد اختفت الأصوات من حولها ولم تسمع سوى هدير نغمات قلبها.
رفعت يدها وطرقة خفيفة تبعتها أخرى وبات تنفسها سريعا وواضحا.
وهمست بشوق:
- افتحي الباب يا ماما عنود، أفتحي بسرعة وضميني، خيفة لأموت وأنا لسة مشفتكيش، افتحي يا ماما أنا آمنة، افتحي ونوري حياتي يلي معدتش زي الأول.
وفتح الباب وأطلت من خلفه كما نور الشمس التي أضاءت حياتها الكئيبة والمظلمة، وتأملت ملامحها المشوشة بحنين إثر دموعها المترقرقة التي ماجت بداخل جفنيها وبعدها انفجرت باكية شاكية فراقها، ناعية أم لفظتها وتركتها تقتات الحب من أم بديلة، ليأتي ذلك اليوم الذي اجتثوها من صدرها دون أن تأخذهم رحمه بها.
وهمست لها بصوت شحيح متوسل:
- ماما متسبينيش لوحدي، خيفة لموت ومحدش يسأل علي.
تلقفتها على صدرها الحنون كما تمنت وطاقت له، وتشبثت بها وهي تنعي حياتها البائسة دونها، لتحتويها بذراعيها وتطبطب على ظهرها بكل الحب الذي يحتويه صدرها لهذه الصغيرة، واعتصرتها بتوكيد بأنها لن تتخلى عنها أبدا.
- أمون حبيبتي اشتقتلج يا أغلى الناس، ويا ريحة هلي.
وقف يراقبها من بعيد بعد أن اجتاحته رغبة قوية بمشاهدة هذا اللقاء، ورؤيتها منهارة هكذا اعتصر خافقه بشدة، ورغبة كبيرة بأن يحتل مكان من تعانقها بكل طاقتها ليهديها الطمأنينة التي تنشدها، والسند الذي تبحث عنه، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
وبعدها اختفت عن أنظاره بعد أن سحبتها العنود للداخل وأغلق الباب وعاد هو يسير بخطى وئيدة ويتفكر بالحال الذي وصل إليها، ويتفكر إلى أين سيأخذه هذا الطريق؟؟.. وإلى أين ستصل به مشاعره ناحية الطفلة الصغيرة؟؟.

******************************
يا بحر أنا بسألك عن مبعد الدار
يلي من الأشواق مبرد وخالي
انته طويت بلجتك علم وأسرار
وأنا طرالي من الهوا ما طرالي
عودتلي من ماضي الوقت تذكار
تذكار خلٍ أبعدته الليالي
وأسباب ظرف حط في خافقي نار
سوا لهبها داخل الصدر صالي.
يا ليت يدري ناعس الطرف وش صار
إن جان ما خلانيه بجو خالي.
لأنه يعرف إني من الناس ما أختار
غيره ولا أبدل سواهم بدالي.
ليته ينشد عن حالتي وتيه الأخبار
ويجوف مضنون الحشا كيف حالي
هو نور عيني والغلى وزهوت الدار
في بعدهم ضاق الفضا والمجالي.

كلمات الشاعر... علي بن سالم الكعبي.

وقف يطالع البحر وكلمات الأغنية التي تصدح من مسجل السيارة تتغلغل لأعماقه بحقيقة يحاول تغافلها، فحياته دونها لا تسمى حياة هو يحبها بل يعشقها لحد عدم قدرته للتفكير ببعدها عنه.
تنشق عبير البحر بهواءه المنعش ساحبا هواء نظيفا ثم زفره مخرجا ما يعتمله من ضيق وناظر البحر بزرقته وبأمواجه المتهادية كما راقصة الباليه لتنتهي رقصتها على الشاطئ خاتمة بها جولتها .
- اليوم البحر حلو صح؟؟.
تحدث ابن عمه ليهز الآخر رأسه موافقا ولاذ لصمته فاحترم سالم رغبته ووقف بجانبه يطالع البحر ويتذكر اتصال شقيقه برغبته بحضوره فلبى النداء بسرعة فقلما حمدان يطلبه ويكون هذا فقط للضرورة القسوى، وهذا ما شعر به عندما حضر وشاهده يقف ويراقب زرقة المياه بعيون شاردة، فرفيقه يحتاجه وبشده ليدله لطريق النجاة من براثن وحدته التي اختارها قصرا.
وبعد فترة من السكون تهاد إليه صوته خفيضا لكنه واضح:
- أنا أحبها.
هو يقول حقيقة، ولكنه يحتاج لتأكيد ووصله الجواب:
- هيه.. تحبها، بس ما كنت تنتبه .
شخر من نفسه وقال:
- وأنا يلي كنت أقول مستحيل أحب مرة ثانية وهذا أنا رجعت وحبيت.
فتحدث سالم نافيا ما قاله:
- لا يا ولد العم إنت ألحين حبيت، انت حبيت العنود مب الجوري، حرمتك الأولانية أبدا ما حبيتها إنت تزوجتها بس لأنك جفتها مناسبة لك، أما العنود فهذي شي ثاني.
أخذ أنفاسا عميقة ثم زفرها وعاد يراقب المياه المتلألأة إثر انعكاس أشعة الشمس عليها، وتابع بصوت هادئ:
- أنا ضيعتها من ايدي.
وسارع الآخر رافضا استسلامه:
- كل مشكلة ولها حل يا خوي، عنود محتاجة شوية وقت وصبر علشان تنسى وتسامحك.
- قالت ما راح ترجع شو ما سويت أو تأسفت.
تنهد بحرقة قلب واستطرد بضعف يراه سالم عليه منذ أن دخلت عنود حياته واستطرد متابعا:
- يلي سويته فيها شي كبير يا سالم وصعب ينغفر.
وضع سالم كفه على كتفه بتآزر وهتف:
- لا تقول جذا!!.. وإن شاء الله بتسامح، بس مثل ما قلتلك هي تحتاج للوقت والصبر.
- تتوقع راح يجي اليوم وتسامحني؟؟
وأجابه بواقع يعلمه فحبها لحمدان كبير جدا، هي فقط تحتاج للنسيان ليلتأم جرحها.
- قول إن شاء الله، وتوكل لربك.
ليهمس خلفه:
- إن شاء الله.
******************************
يا سنين حب انتشى بين الأضلاع .
يا فرحة عمر اخترته لينير طريقي .
يا بهجة النفس ويا مهجة الفؤاد.
رفيق دربي كنت ومازلت
واسم تربع على عرش قلبي .
بنيت لك في خافقي قصرا
لأستيقظ على سراب واقعي.
بحثت عنك بين خيالات البشر ولم أجدك!!.
لتصدمني خيبة أمالي .
تهت وما عدت أعرف طريقي .
وضياع أشعر به ينخر عظامي .
ومالي إلا الاختيار !!.
حب سيبقى ويتخلد بين أضلاعي .
لكن.. ما عدت أطيق الصمت هربا .
اخترت دربك وسأختار دربي .
وللـ لله أتوكل، فهو أدرى بشؤوني.

( خديجة )

تناظر حقيبة ملابسها إن نقصها شيء ما وتحركت متجه ناحية طاولة الزينة لتأخذ معها بعض الأشياء وهناك توقفت تتأمل الصورة التي قابلتها، كانت امرأة بآخر الاربعينيات، شعرها ناعم يشابه بلونه غروب الشمس فقد اختارت لونه بدقة وعناية مثل اختياراتها، وقصته بشكل تدريجي ليغدوا كثيفا ومتمردا، عينيها مكحلة بسواد يشابه لون مقلتيها، بيضاء البشرة، جميلة بحكمتها وفطنتها، مبتسمة الوجه لكن بالآونة الأخيرة قد خطفت منها.
تراجعت للخلف قليلا لترى جسدا مكتمل الأنوثة بالرغم من انجابها لثلاث فتيان إلا أنها ماتزال رشيقة القوام، هي دائما ما كانت تهتم بمظهرها من أجله لكن الآن.......
ظلت تتأمل شكلها وتتلمس وجهها وجسدها وتتساءل.. هل كبرت بالسن ولم تعد جميلة؟؟... أهذا هو السبب؟؟... لتعود وتنفي وهي تشمخ برأسها للأعلى
- لا يا خديجة لاتلومي نفسج على غلطة غيرج يلي ارتكبها، انت ماقصرتي معاه ولا مع نفسج فعلشان جذا لاتسألين إذا الغلط بشكلج ولا بسنج.
ولم تشعر بالرجل الواقف خلفها يتأمل رفيقة دربه وحبه الأوحد والأخير.
اشتاق لمرآها، والشعور بحنانها وبحبها، ورغبت نفسه الطائقة للابحار بين قسمات ملامحها المشرقة، لكن يبدوا أن التيار كان عنيفا عليه ليسحبه بعيدا عنها ولم تعد قدرته للمتابعة تعينه على البقاء بجانبها.
فهمس باسمها بعذاب رجل عشق امرأة لحد النخاع، وبيده تركها تنسل من بين أصابعه:
- صدقيني انج جوهرة نادرة ومافي حد مثلج.
وتخشبت بمكانها عندما تهادى إليها صوته، وصاعقة قصفت مصدر حياتها، لم تتوقع أن تراه مرة أخرى منذ ذلك اليوم الذي أصدرت فيه فرمان بحقه بعدم رغبتها برؤيته أمام ناظريها، ومنذ ذلك الوقت قد اختفى بالفعل، كم آلمها بعده، وكم شعرت بالفراغ ينهش أحشائها برحيله بهذه السهوله دون أن يقاومها ويحاربها من أجل البقاء بجانبها، لقد انهزمت وصارت بقايا أنثى لم يرحمها الزمن وهي بهذا العمر.
اقترب منها والأمل يحثه بأن يحاول أن يعيد المياة لمجاريها، وهي ستسامحه لأنها تعشقه:
- سامحيني يا الغالية...
سكت يزدري لعابه بصعوبة والتوتر يشله عن التفكير بماذا يقول ليجعلها تغفر، وعاد يهمس ويرجوا فما فائدة الكبرياء إن كان سيجعله يفقد أغلى ما يملك:
- سامحيني يا الغالية ..
وأغمضت عيناها ترجوه البعد، تتسوله تركها، فجرحه كبير فما عاد ينفعه لا طبيب ولا دواء، وهمست بعذاب:
- أسامح على شو يا ......
ماذا تسميه الآن؟؟.. ما هي الصفة التي تناديه به؟؟.. تحبه ولن تنكر هذا، وتعلم بأنه يستحيل زعزعته من مكانه بهذه السهوله، فحب عشعش بين الأضلاع منذ غابر الأزمان يستحيل أن يتزحزح من مكانه، لكن ما فعله بها لا يغتفر!!.
- أنا آسف!!.. كانت... كانت.....
أشاح بيده يبحث عن تعريف لما قام به لتجيبه هي وقد أدارت جسدها باتجاهه:
- كانت غلطة... كانت تجربة وما كانت راح تطول، بس كل شي تغير، والقوانين يلي حطيتها انقلبت ضدك، صح يلي قلته؟؟
ووقفا يتطلعان لبعضهما بمواجهة قد طال انتظارها، فالهرب من المحتوم لم يكن حلا لمواجهة مشاكلك، عليك أن تقف أمامها وتتصدى لها مهما كانت قوية وغير قادر على تحملها.
تأملته بتفحص لقد تغير ولم يعد كما كان، لقد شاب الأبيض شعره بكثره، والتجاعيد قد ملأت وجهه، والهرم قد ظهر جليا على ملامحه، وظهره قد تقوس بانحناء واضح، لقد غدى كهلا ولم تترفق به الأيام. فهمست بوجع وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه فآلمه صدها:
- شو المطلوب مني ألحين يا بو سالم؟؟.
تقدم خطوة ناحيتها وأجابها بانكسار:
- ارجعيلي يا الغالية، تعرفين شو كثر أنا أحبج وما في بحياتي غيرج انت وبس.
ضحكت بسخرية وسألته بتهكم والعذاب يتقمص صفحة وجهها:
- وهاذيج يلي هناك منو تكون بالنسبة لك؟؟.. والبيبي يلي جاي بالطريق منوا يكون لك؟؟.
هزت رأسها وتابعت:
- ما عدت أنا الوحيدة بحياتك، لأنك اخترت مين يشاركني فيك.
واستعد للخطوة التالية ليكون بالقرب منها، لكن ما قالته بعدها جعلته يتراجع خطوة للخلف، بل خطوات لتطول المسافة بينهما:
- لو سمحت!!.. انت اخترت فخليني أنا بعد أختار الدرب يلي أبيها.
وهتف بحرقة قلب:
- خديجة..... .
وكاد قلبها أن يهفوا إليه فمهما حدث هو حبيب القلب، حبيب الطفولة ورفيق دربها ونصفها الآخر، فبدون سالم لا وجود لخديجة، ولكن صورته مع أخرى جعلت خافقها ينزوي بركن مظلم وأخذ يشاهد من بعيد كأن ما يحصل لا يبت له بأي صلة، وقالت بثبات:
- لو سمحت يا بو سالم!!... اتركني لحالي وخلني أروح بطريجي.
ولم يستطع سوى الهدير بصوت معذب وهو يتقدم ويمسكها من أكتافها:
- وتقدرين تعيشين بدون سالم حبيبج؟؟... تقدرين تنامين بدون صدر سالم؟؟.. تقدرين......
وقاطعته بدفعه بعيدا عنها لتسقط ذراعيه بجانبيه وهي تصرخ بجرح امرأة قد طعنها حبيبها بظهرها:
- وانت قدرت تعيش بدون حبيبتك، قدرت تنام بحضن وحدة غير خديجة، وقدرت... وقدرت....
وصمتت تلتقط هدير أنفاسها واستطردت تشير إليه ثم إليها:
- ليش رضيت لنفسك ولي أنا مرضيت؟؟.. ولا هو حلال عليكم وحرام علينا؟؟.
وضربت على صدرها وزعقت بأعالي صوتها تخرج أنين تقيحها:
- قول لهذا يسامحك على انك خنت عهودك ووعودك له، خنت حبي لك، خنت ثقتي فيك وتركتني بعيون مغشاية وحضرتك كنت تلعب من وراي وما اهتميت فيني وما همك زواجنا، ما فكرت غير بنفسك وبس وبيلي تبيه والباقي ما يهمون.
وأخفض رأسه بانهزام ولسانه ويداه قد قيدتا بأغلال تهوره وعبثه، فشخرت وقالت بجمود:
- ما عاد يهم!!.. يلي صار صار ومحد يقدر يغيره.
ورفع رأسه وبصيص نور يلوح له بالأفق وتابعت هذه المره بهدوء:
- قراري راح أقوله بعد ما أرجع من العمرة إن شاالله، ولو سمحت شو مكان قراري لازم تلتزم فيه وتوافق عليه شو ما كان.
وسمع دوي تحطم قلبه لأجزاء صغيرة سيعجز عن لملمته لا محال وتحركت مغادرة وفؤادها يعتصر كمدا على حال حبيبها، لكن ما باليد حيلة، وقبل خروجها همست:
- الله يسامحك على يلي سويته فينا.
وخرجت مغلقة الباب خلفها لتتركه يتجرع من كأس الحرمان الذي أذاقه إياها.

*************************************
وفي مكان آخر ........
أغلقت الهاتف لتسارع صديقتها متسائلة:
- ها يا شهد شو قالت عنود؟؟.. ليش ما يت لين ألحين؟؟.. هي بخير؟؟
لتجيبها وهي تضع هاتفها بالحقيبة:
- ما عليها إلا العافية، بس تقول إن اختها أمون بتي تزورها وهي مشتاق لها وايد.
فتنفست ميثة الصعداء وهمست:
- الحمدالله حسبت صار فيها شي وهي وحدها في الشقة وما ندري عنها شي.
لتهتف شهد قائلة باندهاش:
- ليش.. انت ما تعرفين شو صار معاها؟؟
قطبت ميثة حاجبيها وسألت:
- أعرف شو؟؟
فسحبتها شهد ناحيتها واحتضنتها من كتفها وأسرت لها بصوت خفيض:
- أنا ما قلتلج إن ريلها رجع لها وهو ألحين ساكن معاها بشقتها لما هي حلفت ما تسكن معاه بالبيت العود.
دفعتها ميثة عنها وهدرت فيها على غير عادتها:
- وشو؟؟... أنا آخر من يعلم!!.. ليش ما حد خبرني؟؟.
تأففت شهد وأجابتها:
- طيب تعالي عندي ولا عاجبنج إن الناس تطالعنا؟؟.
أصابها الخجل وهي ترى الطالبات يناظرنها بفضول وأخفضت رأسها باستحياء لتسحبها شهد قائلة:
- بصراحة الله يعين الريال يلي بياخذج!!.. ترى قالوا "يلي اختشوا ماتوا" وانت حضرتج كله مستحية، عيل شوبتسوين مع ريلج لما تكونون مع بعض؟؟.
وصاحت فيها ميثة واللون الأحمر يغزوا وجهها:
- شهد خلاص، تراني بزعل منج!!.
- انزين خلاص كل شي ولا زعلج يا الخجول، وألحين تعالي أقولج يلي صار للعنود.
وأخبرتها بكل شي لتقول ميثة بعد فترة من الصمت:
- تبين الصدق هو ريلها صح غلط بس الشي الزين انه جا معترف بغلطته ومب مثل باقي الريياييل جنهم ما سو شي.
- كلامج صح بس تعالي قولي يلي راسها اليابس شو يلي يقنعها؟؟.. أنا لو منها وريلي هو حمدان الحلو والله لأرجع له وأنا مغمضة عيوني.
ضربتها ميثة على ذراعها لتنتبه لما تقوله واستطرد قائلة برزانتها المعهودة:
- هو بيقنعها... مثل ما جرحها هو يداويها
لتصفر شهد بمرح قائلة:
- وااااااااااااو والله طلعتي تقولي كلام كبير يا ميثاني.
فعادت ميثة لضربها على كتفها.
- وش قالولج غبية أنا وما عرف أتكلم يعني؟؟.
وما كادت شهد أن تجيبها حتى قاطعها صوت ليس بغريب:
- أهلا شهد ميثة.. شخباركم؟؟.
- هلا استاذ خليفة إحنا بخير والحمدالله.
وسأل دون مواربة بعد أن بحثت عيناه عنها ولم تجدها:
- عنود ما أجوفها يت هي متأخرة؟؟.
لتجيبه شهد وهي تدقق بصدق ملامحه المتلهفة للمعرفة عن حالها:
- عنود ما بتي اليوم، عندها ظرف خاص.
- هي بخير؟؟.. ريلها ما سوى فيها شي؟؟.
لترد عليه:
- انت قلتها يا استاذ ريلها مب حد غريب، ومستحيل في ريال يئذي حرمته!!.
- بس انت قلتي انها بتطلق فأكيد مأذيها!!.
تكتفت وسألته دون لف أو دوران:
- استاذ خليفة بسألك سؤال وأبيك تجاوبني عليه بكل صراحة وعليه يتحدد كل شي.
- اتفضلي.
- انت شو تبي من العنود بالضبط؟؟.
وقالها بقوة واصرار وبقامة مفرودة :
- أبي أتزوجها .



طُعُوْن 01-01-17 06:26 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثامن والعشرون.......

الحب من أسمى المشاعر السامية، فمن امتلكها كأنه ملك العالم ومن لم يجده بعد قد خسر دنياه.
الحب ربما يرفعك للأعالي وربما يأخذك لسابع أرض ومن لم يتقن لعبته فقد حكم لنفسه بالموت .
والعاشق الماهر هو من يتقن لعبة الكر والفر، ولكن من لم يختبره من قبل ولم يذق طعمه أبدا عليه أن يحذر من مغبة أفعاله الغير مدروسة، فعليه التأني وعدم التسرع.
عليه أن يخطو خطوة واحدة وخلفها خطوة أخرى بطيئة لا ألف خطوة سريعة للأمام.
عليه أن يجعلها دائمة الابتسام، فألا يقال إن أردت السعادة عليك أن تسعد زوجتك!!.
تهادوا تحابوا وليس من الضروري أن تكون الهدية ذات قيمة بل تكون أي شيء المهم أن تكون نابعة من القلب.
داوم على قول كلمة "أحبك"، " انت جميلة"، "انت رائعة"، " دونك لاحياة لي" ، أنت نصفي الآخر" أو كلمات أخرى تمدحها بها، فمفعولها كبير ويسري كما الترياق الشافي للعروق الميتة .
اهتم بالتفاصيل، فما أحب لامرأة أن يهتم زوجها بتلك التفاصيل الصغيرة التي لا تلاحظ، فعندما ترى تلك الأشياء الدقيقة فاعلم بأنك قد ملكت قلبها .
والأهم اليأس عدو النجاح، فمهما بلغ بك الهم والخوف من الخسارة، لا تستسلم، فمن يعلم!!.. فما بين رمشة عين يغير الله من حال إلى حال.
*******************************
عزيمة سرت بداخله، وفوز أراده بشدة، وحب تملكه لحد النخاع، ولن يتركه أبدا، فمهما غضبت وطالبت برحيله فهو سيكون هناك معها بجانبها مهما حصل.
هو يحبها ويعشقها، كيف كان غبيا لهذه الدرجة دون أن يلاحظ هذا؟؟.
يقود سيارته منطلقا بها ناحيتها وأفكاره تتلاطم به يمنه ويسرى وتساؤلات تؤرقه... هل ستسامحه في يوم من الأيام؟؟... هل ستغفر له أخطاءه الفادحة؟؟.. يدعو ويتمنى من الله أن يرأف بحاله وأن يلين قلبها عليه وإلا ستكون نهايته الموت دونها.
وقلبه من ناحية أخرى يطرب طربا ويدق مثل الطبول، فالفرحة لا تسعه من معرفته بأنه كان يحبها، وما فعله بها كان نتيجة جرح قلب عاشق لم يتوقع من حبيبته أن تجرحه.
سيذهب إليها ويعتذر، لقد أخطأ بحقها دائما، ومنذ لقائه بها وهي تعاني
تحت يديه كثيرا، وآن أوان أن يتوقف عن ايذائها وأن يمطرها بوابل من السعادة ولا شيء سواها.
*************************
التفتت لصديقتها وهي تهز عضدها.
- شهوده والله فضيحة!!.. جايين للعنود بدون لا نخبرها .
لتسحب يدها بقوة وهي تقول:
- روحي لاه، عادي ما فيها شي، احنا أخواتها ونقدر نزورها بأي وقت.
- بس يا شهد اختها معاها، أكيد في كلام خاص بينهم .
تأففت شهد بملل وأجابتها وهي تهم بطرق الباب:
- أقول ما في اسمه كلام خاص بين الأخوات، سمعتي... احنا أخوات عنود حالنا حال اختها آمنة.
وطرقت الباب بسرعة دون أن تترك لميثة فرصة للمماطلة وما هي إلا ثواني حتى فتح الباب لتطل الخادمة من خلفه متسائلة :
- يس كان أي هيلب يو؟؟
لتبادر شهد قائلة:
- مدام عنود موجودة؟؟.
- يس...
وجاءهم صوتها من بعيد يسأل الخادمة:
- مين عند الباب يا ماري؟؟
فهتفت شهد بصوتها العالي وهي تدفع الخادمة للداخل وتدلف:
- أنا شهد يا عنود .
نهضت لاستقبال صديقتيها واحتضنتهما بحب .
- شو هذي المفاجأة الحلوة .
لتهتف شهد مؤشرة لنفسها بعلياء:
- أكيد حلوة، لأن شهد موجودة فيها.
لتضربها ميثة بغيض فضحكت عنود وأجابتها:
- أكيد... إذا مر يوم بدون لا أجوف شهودة حبيبتي بيكون يوم مب حلو.
والتفتت شهد لميثة قائلة باستهزاء وهي تحرك حاجبيها للأعلى والأسفل:
- جفتي كيف، هذي الناس يلي تعرف تمدح، مب انت ما غير تضربين وبس .
وكردة فعل سريعة لطشتها ميثة على ذراعها لتؤكد الحقيقة وهتفت:
- أقول.. خلج راكزة شوي جدام اختها لا تقول عنج ملقوفة.
وهنا تذكرت شهد وعنود آمنه فالتفتت عنود ناحية شقيقتها معرفة بصديقتيها:
- أمون تعالي بعرفج لرفيجاتي يلي قلتلج عليهم .
وأشارت معرفة :
- هذي شهد وهذي ميثة، أخواتي يلي ما جابتهم أمي.
فمدت آمنة يدها بالتحية على استحياء وهي تقول:
- متشكرين أوي على اهتمامكم بماما عنود، بصراحة كنت خيفة عليها أوي.
فاقتربت منها شهد وأحاطتها من كتفها وسألتها:
- أنا أعرف انج تتكلمين اماراتي فليش تتكلمين مصري معانا؟؟.
عضت على شفتيها بخجل ورفعت كتفيها قائلة :
- إن كنتي بتدايئي ممكن أتكلم معاكم اماراتي.
- لا حبيبتي بالعكس أنا أحب اللهجة المصرية حتى إني فنانة فيها.
التفتت عنود لصديقتيها وسألتهما بتعجب:
- بس ماقلتولي هو مافي محضارات عندنا اليوم؟؟.
لتجيبها شهد بمرحها:
- والله في محاضرات مثل الجبل، بس لما جفناج فلتي منها قلنا ليش احنا بعد ما نزوغ ونرحم عقلنا شوي من زحمة الدراسة
لتشير ميثة ناحية شهد سائلة:
- بذمتكم هذي تصلح تكون دكتورة؟؟.... الله يعين يلي بيطيح تحت ايدها
لتهتف معترضة ويديها على خصرها:
- نعم... نعم... يختي؟؟.. بؤلك ايه، هو يحمد ربنا إني أنا حعلجه.
رفعت كفيها للأعلى وتابعت:
- بصي عليها، دي فيها البركة والشفا باذن الله، وحتشوفي الكل حيجري وراي علشان أعلجه.
لتجيب ميثة :
- صحيح... صحيح، هم أكيد راح يلاحقونج بس الهدف مختلف.
تكتفت شهد وسألتها بعيون ضيقة:
- قولي يا قيلسوفة زمانج علشان شو يلاحقوني؟؟
تراجعت للخلف وهي تجيب:
- علشان يذبحونج.
قهقهة الجميع وبسعادة إلا شهد التي توعدت صديقتها بالعقاب، وانخرطوا بعدها بأحاديث شيقة وممتعة ولم تخلى جلستهم من مواقف شهد المضحكة ولا من حديث ميثة الرزين، كان يوم ولا بالخيال، أنساها همومها وأحزانها، فما أجمله من يوم عندما يلتف حولك أناس يحبونك لشخصك ويهتمون بك دون أي مقابل .
وبعد مرور بعض الوقت صرخت شهد فجأة وكأنها تذكرت شيء ما كان غائبا عنها:
- هي... نسيت أقولج على خبر بمليون ريال.
فز الجميع وأطلقوا صرخة فزع على صرختها وتطلعت شهد إليهم لترى وجوههم المصدومة والجزعة حتى انطلقت ضحكاتها مالئة المكان.
- والله... أشكالكم.... تحفة .
وعادت مقهقة حتى نهرتها عنود بعد أن استدركت أنفاسها:
- شهودة... انت ما تيوزين عن سوالفج هذي؟؟
وصفقتها ميثة على ذراعها وأنبتها:
- انت جنيتي يا شهد!!.. ما تعرفين إن الروعة ما زينه على الحرمة الحامل؟؟
تأففت شهد :
- انزين خلاص، حاشا.. ما تبون حد يستانس؟؟.. أنا آسفة ما كان قصدي بس لما تذكرت السالفة ما قدرت أمسك نفسي .
تحركت من مكانها وسحبت جسدها لتلاصق عنود وأحاطتها بذراعها وكل هذه المواقف تحدث أمام آمنة المستمتعة جدا بهذا اليوم وبصحبة رائعة جعلتها أحاديثهم الممتعة تشعر بأن لها وجود، كما أن سعادتها صارت كبيرة فكما قالت شهد:
- بما إنج مهمة عند العنود وهي اختنا فانت صرت اختنا الصغيرة .
كم شعر قلبها بغبطة وانتعاش، وشعرت بعروقها الجافة تعود للارتواء بضمأ وجود عائلة حولها وأنها لم تعد وحيدة بعد اليوم.
طالعت العنود صديقتها من طرف جفنيها وسألتها :
- عاد إن شاء الله يكون كلام زين مب بالآخر يطلع ولا شي .
- تراني أقولج كلام بمليون ريال.
تحرك بؤبؤي العنود ناحية صديقتها ميثة لتؤكد كلام شهد بهز رأسها لتجيب:
- طيب قولي تراني أسمعج .
أخذت نفسا عميقا ثم...
- الاستاذ خليفة يبي يتزوجج .
وحل الصمت بين الجميع وكل العيون مصوبة ناحية صاحبة الشأن بانتظار رأيها بالموضوع وقاطع هذا السكون آمنة متسائلة بذهول:
- أنا مب فاهمة الموضوع!!.. مين هذا الاستاذ خليفة؟؟.. وكيف يبي يتزوجها وماما عنود أصلا متزوجة من عمي حمدان؟؟
عاد الهدوء يتلحفهم والأنظار توجهت إليها ليروا وجها شابه التجهم وشيء ما لمع لثوان حتى اختفى بين طيات برودتها التي خرجت معلنة عن نفسها.
- أنا وحمدان بنطلق بعد ما أولد، وثاني شي زواج مرة ثانية أنا ما أفكر فيه أبدا، واستاذ خليفة مثل ما قلتلكم من قبل الله يرزقه ببنت الحلال يلي تناسبه، وأصلا هو غلطان إنه جه يقول لكم إنه يبي يتزوج وحدة متزوجة، أصلا حتى لو كنت راح أطلق الغلط غلط وأنا اكتفيت من غرور الرياييل وأظن الموضوع انتهى .
وأكملت وهي تتحدث موجه حديثها لشهد:
- يا انج انت توصلين له كلامي وإنه يبعد أو أنا أكلمه .
لتسارع شهد قائلة :
- هذا آخر كلام عندج؟؟.. ما راح تغيري رايج؟؟.. استاذ خليفة انسان خلوق وراح يحطج بعينه وراح يكون أحسن من ريلج حمدان.
ناظرت للأمام وهذه المرة الألم طغى على ملامحها وذكرياتها معه تعود لتعتلي صفحاتها وعشقها له يصرخ بها، هي تحبه ولن تحب غيره، لكن يستحيل أن تسامحه على ما فعله بها وهمست بعدها بخفوت:
- ما عدت أقدر أتحمل يا شهد، ما عاد فيني حيل إني أحارب مرة ثانية، خلاص اكتفيت بحياتي هذي دراستي وولدي إن شاء الله وعبدالله وحنان وبس، ما عدت أبي صنف الرياييل بحياتي، كل يلي دخلوا فيها حصلت منهم صفعات كسرتني.
أخذت نفسا عميقا وزفرته مخرجة معه شعور الحزن وتابعت:
- أنا ألحين مستانسة من حياتي وما بي أكثر من جذا .
وهنا انتهى الحديث فما عاد له بقية، فما أن أغلقت الكتاب بالمفتاح حتى ألقته بعيدا، ولكن هل نعلم ما يخبئه لنا المستقبل؟؟.
فتحركت آمنة من مكانها وجلست بالقرب من عنود وسألتها بلهفة:
- انت حامل؟؟
حركت رأسها ناحية شقيقتها وقد أخرجها سؤالها من أفكارها، وابتسمت:
- هيه أنا حامل
صفقت آمنة بحبور وفرح وهتفت:
- يا سلام يعني انت بتيبي نونو صغير؟؟
لتجيبها شهد هذه المرة برفعة حاجب:
- يعني مثلا بتييب حيوان!!.. أكيد بيبي صغير .
خجلت آمنة من ردها فنهرت عنود صديقتها بعينيها وتحدثت:
- لا تزعلين من شهد حبيبتي هي جذا دفشة بالكلام باجر تتعودين على دفاشتها.
خبطت شهد على صدرها وصرخت:
- في حد يزعل من شهودة العسولة؟؟.. أبدا لايمكن هذي لاصارت ولا استوت.
نهضت من مقعدها وجلست بجانب آمنة واحتضنتها بقوة حتى كادت عضامها أن تتفرقع، لتصرخ بها ميثة:
- ذبحتي البنت يا الخبلة، اتركيها!!.
تركتها وسألتها:
- ها طاح الحطب ولا بعده؟؟.. ترى الأحضان جاهزة عندي.
لتسارع آمنة قائلة:
- لا متشكرين طاح الحطب يختي.
سكتت قليلا ثم أكملت وهي تتحسس جسدها المكدوم:
- يابنتي عليك حضن ولا أفعى الكوبرا .
وأجابتها شهد بثقة وخيلاء:
- علشان ريلي المستقبلي لا يشتكي من قلة الأحضان، راح أعطيه حضن عن سنة بحالها.
وقهقه الجميع لكلام شهد وعادوا للانخراط بأحاديث أخرى مشوقة ومسلية.

***********************
يطير بسيارته نحوها وقلبه يسابقه للقياها، فنظرته الآن قد تغيرت، ومشاعره قد أسدل عنها ستار أسارارها الدفينه، هو يعشق زوجته، متى حصل هذا؟؟.. لا يعلم!!... لا.. هو يعلم متى، كان هذا بأول لقاء بينهم، أو ربما فيما بعد، هو لا يعرف، لكن المهم أنه يحبها.
ابتسم بتشدق وهو يتذكر لقاءهم الأول، كم أراد سحق عنقها الأبيض الصغير لما فعلته به .
تطلع للأمام وهو يرى الناس تسير بطريقها وبحياة يجهلونها، وهو الواحد الأحد العالم بكل ما يدور بكل نفس، وهو لم يعلم بأن لقاء مع مجهوله سيكون الفارق بحياته، وأن سبيلهما سيلتقيان ليكونا تحت سقف واحد .
ارتخت أساريره وهمس خافقه بخفوت.. ترى... هل ستسامحه؟؟.
تنهد وتطلعت عيناه للبعيد بنظرة غامضة ومصممة... هو لا يعلم، لكنه لن ييأس أبدا.
رفع هاتفه واتصل ليصله صوت الخادمة:
- ماري.. المدام وين؟؟
- ميستر المدام مع فريند.
أصيب بالاحباط قليلا فهو لن يستطيع التحدث معها الآن، فقال بعد فترة من الوقت:
- طيب أنا بطرش غدا من المطعم، أوكي!!.
- أوكي مستر.
وأغلق الهاتف وما أن هم بالاتصال بالمطعم للطلب حتى ورده اتصال من العمل يطالبه بضرورة القدوم إليهم، وافق على الفور ثم غير وجهته ناحية العمل واحتار بما سيفعله بما كان يريد القيام به حتى رن هاتفه من جديد ليرد عليه بسرعة وطلب منه خدمة ايصال الطعام لزوجته ووافق الآخر وأغلق الهاتف وانطلق بها والمواجهة قد تأجلت، لكن الأمل بداخله كبير بعودتها حتى لو طالت الفترة، فالأهم أن تكون له وليس لسواه.

*******************************
مر الوقت سريعا بين ضحكاتهم وقهقهاتهم وأحاديث النساء التي لا تنتهي حتى آمنة عاشت أحلى أيامها بعد طول حرمان ووحدة بين الجدران منزلها الأربع، فهنا الحياة، هنا الانتعاش، وكم تمنت أن يطول الزمن لتقبع بين أحضان من قامت برعايتها طول فترة نموها، لكن ليس كل ما يتمناه المرؤ يدركه.
راقبت الساعة على جدار المنزل وهي تتحرك مشيرة إلى نفاذ وقتها المرح، فأخفضت عيناها هاربة منها وأزاحت الأفكار بعودتها لسجنها وانغمست بأحاديثهم المشوقة وخصوصا مع شهد المرحة حتى حانت فترة الظهيرة ورن جرس الباب لتنادي عنود العاملة:
- ماري... ماري..
لكن لا مجيب فنهضت آمنة قائلة:
- أنا بروح أجوف مين على الباب .
لتقاطعها شهد قافزة ومتحركة من مكانها بسرعة قائلة:
- لا أنا بروح بجوف مين على الباب بطريقي للمطبخ، مت من اليوع وبدور على شي آكله.
واختفى صوتها عنهم ليقهقهوا على صديقتهم المجنونة.
فتحت الباب وهي تتحلطم من الذي يرن الجرس باستمرار كأنه مستعجل أو أنه فقط يحاول العبث مع أصحاب المنزل وصرخت به ما أن أفرجت عن الباب ووقفت ويديها على خاصرتها وقدميها تضرب الأرض بسرعة:
- لا يكون ما عندكم جرس في البيت وياي تلعب هنا؟؟ .
وناظرت الواقف أمامها.. شاب وسيم يرتدي قبعة ( كاب ) على رأسه وتيشيرت أبيض وبنطال من الجينز وحذاء رياضي ويديه مشغوله بحمل أكياس فاحت منها أطيب الروائح، وصرخت ببهجة الأطفال وهي تنظر للأكياس:
- وأخيرا وصل الأكل، أنا مت من اليوع .
ثم أولت اهتمامها للشاب وتحدثت معه:
- هي انت ليش واجد تأخير؟؟.. انت ما يعرف اني أنا جوعان واجد؟؟.
وظل الشاب صامتا ينظر للفتاة المجنونة التي أمامه وأكملت الأخرى دون أن تبالي:
- أها.. شكلك ما تعرف تتكلم عربي، بس تعرف؟؟.. شكلك يهبل مثل أبطال الأفلام الهندية .
وتأملته من رأسه إلى أخمس قدمية واستطردت:
- يخرب بيتك!!.. يا الله كيف الهنود حلوين، عيل ما لهم شبابنا مب حلوين ما غير كرشهم واصلة لحلقهم.
وهزت رأسها وتابعت:
- الله يعينا عليهم بس، والله يرزقنا بريل حلو مثلك .
شاهدت تململه وتأففت :
- أقول... ادخل وحط الأكل داخل .
وتراجعت للداخل موسعة له الطريق ليتبعها هو بصمت وهتفت ما أن شاهدت صديقاتها:
- وصل الأكل يا بنات، ولا.. طالعوا مين يلي جايب الأكل، واحد حلو مثل أبطال الأفلام الهندية.
تطلعت الفتيات للشاب وشهقت العنود بصدمة وسارعت بالحديث وكما عادة شهد لا تترك مجال للحديث:
- يا أختاه... أنا أبي أتزوج واحد مثله، مب مشكلة جنسيته يتزوجني وأنا أعطيه جنسية، المهم ريلي يكون حلو موووووووت.
حاولت عنود مقاطعتها إلا أنها تابعت بهيام وهي تنظر إليه :
- لا تحاتين هو ما يفهم عربي فخليني أقول يلي بخاطري، يا أخي ليش الله ما يرزقني بريال مثله؟؟.. كل يلي يخطبوني أعوذ بالله!!... أما هو .....
وتنهدت بحرارة لتصرخ عنود:
- شهد... اسكتي!!.
والتفتت للشاب وهي تنهض باتجاهه بارتباك:
- أهلا.. أهلا سعود شخبارك؟؟
وتخشبت شهد بمكانها ما أن تحدثت عنود ونطق الآخر بلهجة عربية واضحة وسليمة:
- أنا الحمدالله بخير انت شخبارج؟؟.. حمدان وصاني أجيب لكم الغدى لأنه انشغل شوي.
عضت عنود على شفتيها بخجل وهي تناظر صديقتها المتجمدة بمكانها وهمست:
- مشكور يا خوي تعبناك معانا، ما كان له داعي، كانت ماري تقدر تطبخ .
- لا عادي ما في أي مشكلة، ولازم اكرام الضيف .
وهنا خرجت ماري واتجهت ناحيتهم ليعطيها الأكياس وعاد لمحدثته وعيناه ثابتة على زوجة ابن عمه :
- تامرين على شي ثاني؟؟.. تراني حاضر.
- مشكور ما قصرت .
- يالله مع السلامة .
- مع السلامة، الله يحفظك .
والتف مغادرا وقبلها مال بسرعة ناحية شهد وهمس عند أذنيها:
- المرة الياية اتأكدي مع مين تتكلمي قبل لا تاخذين راحتج بالكلام جدامه.
ورحل بابتسامة وخلف خلفه فتاة قد اعتراها الجنون والخجل بآن واحد مما حدث، ورغبة بالفتك به لأنه كما وسوس لها شيطانها بأنه قد استمتع بالتلاعب فيها وخداعها، وتوعدته بالرد عليه الصاع صاعين.
انتهى الوقت المحدد وآمنة قد تشبثت بعنود باكية فراقها وعنود تحتضنها بكل قوتها وتهدهدها بحنان بعد أن حضر منصور ليعيدها للمدرسة لتستقل الباص وتعود لمنزلها.
- هدي حبيبتي ولا تبجين .
- ما بي أروح البيت .
- لازم تروحين حبيبتي علشان أمج ما تسوي فيج شي .
وعلا صوتها لتكتمه على صدر من كان حضنا دافئا لها ووقف منصور بعيدا يناظرها بشفقة وحزن لحالها، وكم تمنى أن يواجه والدتها ليخبرها بأنها أبدا لا تستحق بأن تكون أما لابنه حساسة مثل ابنتها.
أبعدتها عنود عنها قليلا ومسحت دموعها الجارية على خديها المحمرين اثر بكائها وربتت على رأسها ووجنتيها وابتسمت لها.
- حبيبتي أنا لا يمكن أتخلى عنج أو أنساج، أنا موجودة هنا ومتى ما احتيتي تجوفيني قوليلي وأنا أتصرف وأجيبج .
وهمست الأخرى بألم :
- أنا عرفت كل حاجة... إن بابا مش هو باباك، وإنه... وإنه....
لم تستطع قول باقي جملتها بأن والدها كان قد حكم عليهم بالموت لأنهم فقط أبناء شقيقه، وتابعت:
- ومعرفش إذا انت عاوزة تشوفيني تاني مرة.
لتهتف بها عنود بحنق:
- آمنة ما بي أسمع منج هذا الكلام مرة ثانية فاهمة علي؟؟... وثاني شي عمره ما كان الدم هو يلي يربط بين الأشخاص، وهذا أنا مع شهد وميثة... .
وأشارت ناحية صديقتيها وتابعت:
- والله انهم أخواتي يلي ما جابتهم أمي، وانت مثلهم يا أمون، انت بنتي يلي ربيتها وشلتها من كانت صغيرة وجاية ألحين تقولين إني مابي أجوفج بس لأن ما صار بينا شي يربطنا!!.
عادت دموع آمنة تنسكب لما سمعته وهمست بداخلها:
- كم أنت عظيمة يا أغلى الناس.
ورمت بجسدها بأحضانها وهي تهمس:
- متشكرة.. كنت خايفة تبعديني ومتعوديش تحبيني.
ربتت على ظهرها.
- هششششش خلاص انتهينا من هذا الكلام وما بي أسمعه .
أبعدتها عنها وقالت:
- اصبري شوي .
وتركتها عنود قليلا واختفت بغرفتها لتشعر آمنة بذراع تلتف حول كتفها
لتحرك رأسها وتشاهد شهد وميثة يقفن بجانبها بمواساه .
- لا تخافين حبيبتي دام أنا موجودة أبدا لا تحاتين .
قهقهت آمنة من بين نشيجها وهمست ببحة صوت متهالكة:
- متشكرة، وبصراحة أنا فرحت كتير إن ماما عنود عندها أخوات زيكم .
لتقترب ميثة منها وتحتضنها هي الأخرى.
- وانت بعد ما عدتي لوحدج واحنا معاج .
ابتسمت لهم بمحبة وقلبها يبتهج لشعوره بالانتماء.
مسحت دمعاتها حتى حضرت من كانت كالبلسم الشافي لها وبيدها شيء تمنته كثيرا .
- خذي هذا الموبايل خزنت فيه رقمي، واتصلي فيني بأي وقت .
طالعت الهاتف للحظات وهزت رأسها رافضة.
- لا ما أدرشـ....
قاطعتها عنود بتجهم وهي تسحب كفها وتضع الهاتف:
- ما بي أسمع أي اعتراض!!.
لتقاطعهم شهد وهي تسحب الهاتف من كفها:
- اصبري خليني أخزن رقمي بعد واتصلي بأي وقت وراح أونسج وايد.
وفعلت ميثة بالمثل وخزنت رقمها هي أيضا طالبة منها الاتصال متى ما احتاجت لشقيقة لتحادثها .
ابتسمت بغبطة وودعتهم على أمل اللقاء مرة أخرى وانطلقت بها السيارة وهذه المرة كان جسدها وشفتيها ينطقون بالسعادة وشاب ارتعشت أوصاله وهو يرى كمية السرور بداخل مقلتيها، ليتراقص قلبه فرحا لفرحها.
أوصلها للمدرسة وكانت الحافلات مستعدة لنقل الطالبات لمنازلهم.
- متشكرة جدا على يلي عملته معاي، ده جميل مش حنساه أبدا .
- أنا ما سويت غير الواجب .
ناظرها من المرآة الأمامية وهو يحادثها لتهز رأسها بتحية ثم همت بالخروج من السيارة ليوقفها:
- ما تبين تخزنين رقمي بعد؟؟
توقفت وناظرته بعدم فهم وسألته:
- ليه؟؟
ارتبك ولم يعلم ما يقوله ليبرر رغبته بأخذ رقمها.
- أممممم علشان... علشان إن احتجت حد يوصلج لاختج العنود أو أفكار جهنمية تراني حاضر.
ضحكت لتنتقل عدواها إليه وهمست بخجل وهي تهديه هاتفها.
- شكرا.
واستقبل الهاتف بترحاب حار ثم أعاده إليها وخرجت بسرعة من السيارة ما أن أمسكت هاتفها كأن الحياة متعلقة به.
ظل بمكانه يشيعها بنظراته إلى أن اختفت بالمدرسة وابتعد وتوارى بعيدا عن المدرسة وانتظر حتى رن جرس الرحيل معلنا عن خروج الفتيات وشاهدها وهي تستقل الحافلة واطمأن عندما انطلقت بها ليسير هو بالطرقات من غير هدى وأفكاره تتلاطم به يمنه ويسرى، فأين السبيل لهدوئها والهوى قد اجتاح كل خلية من جسده.

**************************
خرج من عمله متعبا مرهقا بعد عدة اجتماعات في الساعة الرابعة عصرا واستقل سيارته واتجه ناحية المنزل وعندما وصل لوجهته ترجل من السيارة ورفع رأسه للأعلى يتطلع للطابق الذي تتواجد فيه محبوبته، هو يحب... من كان يصدق هذا!!...
سارع الخطى واستقل المصعد وأشواقه تسابقه للوصول إليها ليخبرها بما علمه اليوم فتح الباب وهناك صدم لوجود رجل غريب يجلس مع زوجته وجدته ومنصور، دلف للداخل بتوجس وألقى التحية:
- السلام عليكم .
- وعليكم السلام .
اقترب منهم وعيناه تعانق من هفى لها قلبه، ولكن للأسف أشاحت بعينيها عنه وضاقت ملامحها لرؤيته بعكسه تماما.
تنهد بضيق وأقبل على الرجل مسلما عليه ومن ثم جدته وجلس يتساءل بفضول:
- شو السالفة؟؟
لتخبره الجدة :
- هذا المحامي عمر جاي علشان موضوع عنود.
قطب حاجبيه وعلامة الاستفهام تتضح عليه، والتوجس من رغبتها بمحامي قد أرعبته، هل..... ليشبع المحامي فضوله ويريح باله من الأفكار التي جاشت به، ولكنه لم يعتقد بأنه سيتلقى هذه الصدمة :
- أنا موكل من المدام عنود علشان أرجع لها حقوقها من عمها .
- أي عم؟؟... عنود ما عندها أي عم.
لتجيبه الجدة هذه المرة:
- ما أبوها طلع ما هو بأبوها طلع عمها وسرق كل حلالها .
صدمة... عدم تصديق ومقلتيه تجري على ملامحها المنغصة من الحقيقة المؤلمة وهمس:
- كيف صار جذا؟؟.. عيل أبوها وين؟؟
وحكت له الجدة كل شيء وما تزال عيناه تتابع تلك الصامتة، لكن خلجاتها تعبر عن مدى حزنها مع كل كلمة تقولها جدته، حتى قال حمدان موجها حديثه للمحامي :
- وانت تقدر ترجع لها حقوقها؟؟
- إن شاء الله، أنا ألحين جاي علشان المدام توقع على التوكيل علشان أبدأ الاجراءت للمطالبة بحقوقها .
هز رأسه موافقا والتصميم يشع من مقلتيه.
وقعت عنود على الأوراق المطلوبة وغادر المحامي على أمل اللقاء مرة أخرى لمتابعة مجريات القضية، ولكن قبلها تحدث حمدان معه ومن ثم تركه بعد أن أخذ رقم هاتفه ليتواصل معه وعاد وقد عاهد نفسه ليسعى لاسترجاع ما هو لها، فيكفيها الألم الذي قاسته على يديهم.
طرق باب غرفتها ليصلها صوتها ضعيفا ودخل ليجدها تجلس على طرف سريرها ووجهها حزين ومتألم وبادرته قائلة وهي تشيح برأسها كي لا يرى دموع الغدر والخيانة.
- شو تبي؟؟.
- ما بي أي شي، بس ياي أطمن.
- أنا بخير ومافيني إلا العافية.
اقترب وجلس بجانبها وهتفت بنار مشتعلة:
- انت ليش ياي؟؟.. اطلع من الغرفة، ولو سمحت ما أبي أجوف حد.
وأدارت رأسها بعيدا وغصة تخنقها وتجعلها تموت كمدا، ورغبة قوية تشدها لذرف دموعها لعهلها تريحها.
رفع ذراعه وأمسك كتفها لتلتفت إليه بقوة وصرخت به:
- انت جنيت!!.. قلتلك اطلع برع وما بيك تلمسني.
سحبها إليه فعاندته وبدأت بدفعه.
- اتركني ولا تلمسني، مابيك تلمسني، اطلع من غرفتي.
وأمسكها باحكام وروض حركاتها الواهنة وهمس بحنية:
- هشششششش، هدي يا عنود هدي، هششششششش
واستسلمت له وكأنها كانت تنتظر هذا الحضن لتنفجر باكية عثرات حياتها، وخداع من اعتقدته والدها، لم تبكيه من قبل، لكن الآن وقد فاضت روحها جراحا تركت العنان لنفسها لترتاح ولو قليلا.
تشبثت به بقوة ليعتصرها إليه بشدة مخبرا إياها بأنه هنا ليتلقف دمعاتها، وهذرت هي تخرج ما بجوفها:
- طلع مب أبوي.. طلع مب أبوي، ليش ما قال من قبل؟؟
وعادت أنهارها تنسكب على صدره وتابعت بقلب متفطر وشفاه راجفة:
- ذبحنا وتركنا نموت بالحيا، ذبحنا وتركنا ننزف وما اهتم بحالنا، ليش احنا؟؟.. وش سوينا فيه؟؟.
هدهدها وطبطب على ظهرها برقة وحنان.
- هو مريض يا عنود، انسان مريض نفسي.
ابتعدت عنه وطالعته بعيون منكسرة دامعة محمرة وأشارت لنفسها:
- وأنا شو ذنبي إذا هو كان يحقد على أبوي؟؟.. أخوي مايد شو ذنبه علشان يتركه مريض بالفراش ويموت؟؟.
أعادها لصدره لتنصاع إليه وهمس لها:
- مالكم ذنب، مالكم ذنب، والله بياخذ حقكم منه .
وتركها تفضي ما بداخلها حتى هدأت وبدأت تستوعب مكانها وابتعدت تداري ضعفها وخزيها لاستسلامها للبكاء على صدره ولم يرد أن يشاهد ندمها فسارع بالنهوض قائلا:
- روحي اتسبحي وريحي نفسج، وبخلي ماري تييب لج عصير علشان تهدين وبعدين تعالي .
أرادت أن ترفض وتعانده، لكن روحها المشتتة أبت إلا الانصياع. فنهضت موافقة ودخلت للحمام لتفعل ما أمره وخرج هو وقلبه يقصف بشدة وقبس من النور يتوهج بين الظلمة الحالكة.

****************************
جلست الجدة قليلا معهم ثم نهضت مغادرة مع منصور، فطائرة زوجة ابنها ستنطلق الليلة حتى هتفت عنود قائلة:
- إذا ما عليج أمر يا يومة تمري وتاخذيني معاج علشان أسلم على عموه، تراني ما أدل طريق المطار ولا كنت بروحي بسير.
فقال حمدان بعشق يقطر من عسليتيه:
- أنا أقدر آخذج للمطار.
وكأنه لم يتحدث وكأنه غير موجود معها بالمرة وتابعت:
- إذا ما تقدرون عادي باخذ تاكسي .
جمود قد أصابه، وطعنه تصيبه بخافقه من ردها، وكل هذا كان تحت أنظار الجدة، وتساءل.. ماذا حدث لها؟؟.. فللتو كانت مختلفة والآن..... ليجيب نفسه لأنها كانت تحتاجك، كانت ضعيفة والآن وقد استردت طاقتها وعقلها، فماذا تريدها أن تقول؟؟.
أشفقت لحال حفيدها لكن هو يستحق، فما فعله بها شيء لا يستهان به بالمرة، وكما قالت له من قبل الطريق للوصول إليها طويل جدا وعليه أن يلعب جيدا ليستطيع استرجاعها وبالفعل حدث، فالقوة أحيانا مطلوبة في بعض الأحيان مع عنيدي الرأس مثل زوجته، وقال بصلابة وأمر لا يثنى:
- الساعة خمس كوني جاهزة باخذج للمطار .
ونهض مع نهوض جدته وودعها وتلك الأخرى ربتت عليه بمآزرة وعيناها تناشده الصبر والعقلانية مع زوجته ووافقها الرأي بابتسامة وغادرت وأغلق الباب واتجه لغرفته وعندما همت بالاعتراض لم يعطها المجال للحديث.
- أنا تعبان وبرتاح شوي، خبرج ما قدرت أنام الفجر .
وغمز بعينيه بايحاء لما حدث بينهما وشهقت متراجعة وهي تتذكر أحداث ساعات الفجر الأولى ودخل غرفته وضحكته تتغلغل بداخلها محية قلبها الميت.
فضربت الأرض بحنق وتحركت متجهة هي الأخرى لغرفتها وهي تلعنه وتسبه .
بعد صلاة المغرب خرج حمدان من غرفته بكامل هيبته وخرجت هي أيضا تلتحف عباءتها وشيلتها والأطفال أيضا قرروا الذهاب معهم لتوديع عمتهم الحنون .
صامتة لم تنبس بأي شفه وسارت بجانبه، لكن المسافة بينهما واسعة كوسع المحيط، وعندما وصلوا للسيارة فتح الباب للأطفال وعندما هم بفتح لها الباب الذي بجانبه شاهدها وهي تركب وتجلس بجانب أطفاله.
تأملها لثوان ثم تنهد وأغلق الباب وصعد لمقعده وهو يهمهم:
- اصبر يا حمدان مشوارك طويل معاها.
وانطلق بالسيارة وهي تحاشت النظر إليه فالأفظل برأيها تجنبه قدر استطاعتها والثبات على برودتها وهي بجانبه، لكن كيف السبيل وعطره المركز بالدهن العود يدغدغ حواسها وينعش روحها الشريدة، وحب الانتماء يطغى على كيانها الوحيد.
حاولت أن لا تتنفس فعجزت عن حبس ذرات الأكسجين لفترة طويلة، حاولت أن تثبت من يخفق بداخلها كما الطبول الهادرة وأيضا لم تفلح، فكأنما الجميع انقلبوا ضدها ليقفوا متحدين معه، ودعت بقلب متألم أن تنتهي هذه الفترة دون أن تحصل أي تعقيدات أخرى.
وصلوا للمطار وشاهدوا جميع العائلة مجتمعة لتوديع غاليتهم وهي تنوي البحث عن طريقها الذي انحرف عن مساره، وهناك بالبعيد وقف يناظرها بعيون غشيها الفراق والدمع.
- أي ذنب اقترفته بحق نفسك يا حسن لترى محبوبتك وهي تغادرك دون أن تقدر على وداعها أو نيل عفوها؟؟.

************************************
مرت الأيام بطيئة لبعضهم وسريعة لآخرين....
العنود تذهب للجامعة بعد مشاحنة مع حمدان لتتناول وجبة افطار محترمة، والأطفال سعداء ومسرورين لهذا التجمع الأسري، وعبدالله يحاول قدر استطاعته أن يلم شمل عائلته، فأحيانا يساعد والده بكسب ودها وأحيانا أخرى يجبرها على تقبل عطايا والده، وحمدان يحاول ويثابر لنيل رضاها بسكب كلمات الغزل واهدائها باقات من الورود مع كتابة كلمة على البطاقة " سامحيني ".
في كل يوم وردة وبكل يوم يعتذر، وفي كل مرة يقتنص ضمة أو عناق أوقبلة سريعة تعينه على مشاق بعدها، ولن تخمد همته سوى برجوعها إليه وهي تشتاط غضبا منه، لكن مع اختفائه تجلس لوحدها وتفكر بأحوالها وبما عليها أن تفعله، وهل آن أوان الغفران؟؟.
بعد مرور اسبوع اتصل المحامي يطلب منها القدوم إلى مكتبه وذهبت برفقة الجدة التي طالبت أيضا بالقدوم لمعرفة التطورات بالقضية.
- بشر يا ولدي شو صار؟؟.
- ما صار إلا كل الخير يا الوالدة .
والتفت للعنود وأكمل :
- بصراحة الموضوع كان معقد وايد .
وسألته باهتمام:
- ليش؟؟... شو صار؟؟.. ما طاع يتنازل عن البيت؟؟.
- لا.. الموضوع مب جذا، طلع هو بايع البيت وموهم زوجته انه مسجل البيت باسمها .
لتهمس الجدة :
- حسبي الله ونعم الوكيل!!.. هذا الريال آدمي ولا شيطان؟؟.
ليجيبها:
- للأسف كان عامل كل احتياطاته.
وسألته عنود:
- عيل زوجته وشسوت لما عرفت بيلي سواه؟؟
- بصراحة الحرمة انجنت ويلي زاد باجنانها هو لما عرفت انه طلع متزوج عليها، ما عرفنا نهديها وبالآخر طاحت غشيان عليها وطلبنا الاسعاف وأخذتها للمستشفى .
هزت عنود رأسها بأسف وعادت تسأل:
- وانتوا كيف عرفتوا إنه مب مسجلنه باسمها وانه طلع البيت مبيوع لواحد ثاني؟؟.
شبك أصابعه فوق الطاولة وأجابها:
- بصراحة زوجج الاستاذ حمدان ما قصر، وكان متابع القضية أول بأول وكان هو يراكض ويسأل عن كل شي وهو كان يجيب لي الأوراق وأنا أكمل الباقي.
قصف قلبها برعود شديدة كأنها بليلة عاصفة هوجاء وهي تكتشف بأنه معها ولم يغادر جانبها وأعاد حقها المسلوب.
ارتجفت شفتيها وكتمت آه ألم وهي تتذكر الأسباب التي أودت لانفصالهما وتساءلت... هل يدفع بعمله هذا ثمن أخطائه؟؟... هل يحاول استرجاعة بهذه الطريقة؟؟..
فهل يا ترى سيشفع هذا لحمدان أم أن الطريق ما زال غير معبد أمامه؟؟.

*********************
عاد من الخارج محملا كما جرت أيامه السابقة بباقة من الورود وعلبة من الشكولاه الفاخرة كما تحبه هي.
فتح المصعد وابتسامة سعادة تتدفق على محياه فلربما الصلح قريب، فمن يعلم الغيب سوى الله سبحانه وتعالى.
فتح الباب بفتاحه ودلف للداخل وتوسط غرفة الجلوس ووضع كل ما بيده وجلس يترقب قدومها، ولكن من كان يتسلل بمشيته كما اللص خلف الأبواب الموصدة لم تكن هي بل شخص آخر وهدفه كان الشر وليس سواه.
اقترب وتلفت من حوله، ووقف عند المكان المنشود وتريث قليلا وعيناه تتحركان دون هواده، ثم ما لبث أن أخرج ظرفا من جيبه وانخفض للأسفل و.......







طُعُوْن 01-01-17 06:30 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مساء الخير..


هذي 6 فصول بين يدينكم.. قراءة ممتعة لكم و ردود ممتعة
لكاتبتنا أم حمده..


بإذن الله بكرا نختم الرواية على خير اذا ما صار لي ظرف و منعني
من التنزيل..


دعواتكم💜

طُعُوْن 02-01-17 06:49 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل التاسع والعشرون.....
كل بني آدم خطاؤون، فمهما بلغ بهم الذكاء والحنكة لادارة أمورهم لطريق الصواب فالخطأ قائم إن كان بقصد أو دون قصد، لكن الأهم هو القدرة على التسامح والصفح ومحاولة اعادة الأمور لنصابها.
ربما نكون قاسيين بأحكامنا، فكلن يرى الأمور بعين طبعه، وكل شخص يرى الموضوع من زاويته، وهنا اما أن يتروى بحكمه وينتظر تتمة الأمر أو أنه يتسرع بردة فعله وهنا تكون العواقب وخيمة.
عليك بالتروي بأحكامك، وأن تنظر للموضوع بعقلك وليس أن تتسرع بابداء رأيك دون أن تعلم نهاية الأمر، فبعدها لن يفيد الندم بشيء.
القسوة نوع من أنواع التواصل يبديها الشخص ليظهر ما يشعر به بداخله من غضب، هنا ليس علينا أن ندير ظهرنا ونبتعد عنه ونتركه يتلضى بها بل علينا فقط أن ننتظر ونصبر لتمر تلك الغيمة العاصفة مرور الكرام وبعدها نسأل ونحاول أن نحتوي الغضب الذي بجوفه، وعلينا عدم تركه ليتراكم دون علاج فقد تتفاقم الأمور وعندها لن يفيده أي علاج.
نعلم كلنا أن الجروح النفسية أشد ايلاما من الجروح الجسدية فتلك الأولى تحتاج لوقت طويل كي تشفى أما الثانية فلا تحتاج لوقت لتختفي وتمحى بعكس ما بداخلك من آلام تقاسيها من جروحها الشديدة، فيا ترى كيف يكون علاجها؟؟...
دواءها بسيط جدا ولا يحتاج لأمهر الأطباء ليعالجه فقط عليك أن تتحمل ما ينتج منه من أفعال.... والصبر والتوكل على الله هو الحل الوحيد لمحو ما تقاسيه.
*******************
هذا ما كانت تفكر به العنود وهي تسرح من نافذة السيارة بالمناظر الخارجية، هل عليها أن تسامح على ما فعله بها؟؟... أم عليها أن تثبت على رأيها بالبعد والجفاء!!.. فهو لم يرحم حالها بالسابق ولم يعطها المجال لتدافع عن نفسها، ولكنه اعتذر ومازال يطالب بالصفح كل يوم على مافعله بها، وعادت تتساءل.. متى صارت قاسية القلب هكذا؟؟... أليس هو حب حياتها؟؟.. إذا لما لا تغفر له؟؟... أم أنها لا تحبه؟؟.... قاطعت الجدة استرسالها بأسئلتها التي لاحصر لها:
- الحمدالله إن حقوقج رجعت لج يا بنتي.
اعتدلت بجلستها وأجابتها بعيون شاردة :
- ما يهمني البيت والفلوس يا يدوه، كان الشي الوحيد يلي يهم هو أخوي وعلاجه، لكن للأسف......
وتركت جملتها دون تتمة وهزت رأسها بحسرة لتتلقف الجدة كفها بمآزرة.
- لا يابنتي كله بيد رب العالمين، وأخوج الله يرحمه، لو الله كان كاتب له الشفا كان اتعالج بأي طريقة كانت، بس كل واحد ياخذ نصيبه يا بنتي، والموت لايقدم ولا يأخر.
حركت رأسها موافقة وهمست:
- صح كلامج، بس أنا ما أقدر أسامحهم على يلي سوه فينا.
- وكلي أمرج لربج يا بنتي وقولي حسبي الله ونعم الوكيل، وكلت أمري لربي وهو يلي بياخذ حقوقج منهم، وأخوج ذنبه برقبتهم ليوم الدين.
وعادت لشرودها وتساءلت.. هل هو أيضا سيعاقب على ما فعله بها؟؟.. ليصرخ خافقها معترضا:
- إياك والدعاء عليه!!.. هو من ملكني واستحكم علي فلن أسمح لك بقول مالا أرضاه!!.
لتسأله بلوم:
- أو نسيت ما فعله بنا؟؟.. أنسيت أقواله وأفعاله؟؟... أتسامحه بهذه السرعة؟؟.
ليجيبها بانكسار:
- أعرف وأعلم، وليس باليد حيلة، فقد وصمني بختمه وصرت ملكه حتى لو فرقت بيننا الحواجز، لكن ألا يكفي مثابرته بطلب الصفح؟؟.. ألا تشفع أفعاله لتتخطي ما حدث؟؟... أعلم بأنه قد أخطأ بحقنا لكنه أتى طالبا المغفرة وعهد بأن يعوضنا عما فعل.
سكتت ولم تجبه ولم تستفسر فالمعركة بداخلها قد أنهكتها، وقد أتعبت مشاعرها المتضاربه، فهل ستسامح بهذه السهولة؟؟.
وصلت السيارة للمنزل الكبير ليسارع الأطفال بالخروج والجلوس بجانبها فقد تركتهم بالمنزل كي تأمن عليهم من تركهم وحدهم بالشقة.
ودعت الجدة على أمل اللقاء بيوم آخر وانساقت السيارة بانسيابية بالشوارع دون أن تشعر بها وغفلت عن أحاديث الصغار عما فعلوه حتى وصلت لمكان سكنها وسارت بخطى بطيئة وأفكارها مازالت تتلاطم بداخلها.
استخدمت المصعد بعقل شارد والأطفال استغربوا هدوءها الغريب وعندما فتح تفاجأت بوجود رجل غريب يقف عند باب شقتها فتساءلت:
- بغيت شي يا خوي؟؟.
ارتبك الرجل وتفاجأ ليسحب ما بيده ويخبئه خلف قميصه دون أن تنتبه هي لحركة يده لأن التوجس منه أشغلها عن الملاحظة وسحبت الطفلين لجانبها وهي ترى ملامحه المتوترة.
- لاء... أصلـ... أصل... معلش أصلي بدور على بيت صحبي .
فأشار ناحية منزلها واستطرد:
- مش ده بيت حنفي السيد؟؟
هزت رأسها نافية.
- لا مب هو .
- آسف يا مدام للازعاج ومتشكر لحضرتك .
وابتعد موليا ظهره لها وبدل أن يستخدم المصعد اختار السلالم، تطلعت للصغيرين ليبادلوها الدهشة نفسها ورفعت كتفيها باستغراب ثم عادت تكمل مسيرها وهي تحثهم للدخول .
دخلت لمنزلها دون أن تنتبه للرجل الجالس بانتظارها حتى استرع صراخ حنان انتباهها لتشاهده يقف ويتلقف صغيرته بين أحضانه، لكن عيناه كانتا مسلطتان عليها.
فبادرها بالتحية عندما لم يجد أي مبادرة منها:
- السلام عليكم
فهمست:
- وعليكم السلام
وغرقت بعسله طائقة للابحار فيهما، كما اعتادت سابقا، ومن كان متواريا خلف قضبانه عاد يعلن عن وجوده بضربات قوية كما حوافر الحصان، وأنفاسها قد ثارت بموجات من المشاعر المضطربه لرائحة قد تغلغلت لأعماقها .
كانت تفكر به ولم تتوقع بأن يتجسد أمام ناظريها بهذه اللحظة وهي بهذا الحالة من عدم الاستقرار النفسي، تريده بقربها من جديد، تريده أن يكون جدارها وأمانها، لكن شيء ما يقف حاجزا بينهما يمنعها من الاتلقاء به عند المنتصف.
- عبدالله حنان سيروا على غرفكم .
شاهد خلجات ملامحها التائهة فاقترب منها بعد أن أمر طفليه بالذهاب لغرفتهما والرغبة بمسح ما يعتملها من شعور بالضياع طغت عليه. فانساقت قدماه إليها وعندما هم بامساكها عاد الادراك إليها فتطلعت لقربه الشديد منها لدرجة لا يفصل بينهما سوى خطوة صغيره فقط وتكون بالقرب من قلبه القاصف بمدافعه المدوية ودون أي تردد تراجعت خطوة للخلف مبتعدة عن حرارة جسده الملتهبة بنار لو لمستها تعلم بأنها لن تخرج منها على قيد الحياة.
سقطت ذراعيه بجانبه واعتصره الألم لبعدها فهمس يطمئن:
- انت بخير؟؟
وأجابته وهي تتحين فرصة للهرب:
- أنا بخير ما فيني شي.
وخطوة أخرى بعيدا عنه وعواطفها تتذبذب ما بين رفض ورغبة برمي جسدها بآتون الحمم الحارقة وكان الحل الهروب، وتركته خلفها مديرة ظهرها ليغمض عينيه لضوء قد خبى بعد أن كان يضيئ بشمعة الأمل بالمغفرة .
توقفت قبل دلوفها لغرفتها تلتجئ إليها من براثن مشاعر طواقه للغوص بمن كان لها صدرا حنونا قبل أن يحول كل شيء لرماد تحت يديه.
- مشكور وماقصرت على يلي سويته، بس ماكان له داعي تتعب نفسك، أنا حطيت محامي وأدفع له فلوس علشان يقوم بشغله .
احساس فضيع سرى بدخله وطعمه كالقيح الصدئ عندما تذوقه، ومراجيله تنتفض زاعقة تبغي الانفجار لقسوتها ورفضها له، حتى سرت برودة نخرت عضامه بعد أن كانت تنصهر بكل جنون الانتظار من أنها ستعود إليه ويعيشا بعدها بسعادة للأبد.
يعلم بأنه أخطأ بحقها وقد حاول بكل قوته أن يجعلها تسامحه، لكن الأحلام يبدوا أنها صعبة التحقيق، ورُؤيته للأمور بأنها سهلة المنال قد فشلت تخميناته بها تماما.
تحركت يجتاحها الألم بهمسها لتلك الكلمات، لم ترد أن توجعه هي فقط أرادت الحد مما تشعر به برغبتها بالعودة إليه، هي لم تسامحه ولا تريد، ألم تعاهد نفسها؟؟.
أوقفها صوته الجهوري بغضب مكتوم نفرت لشدته شرايينه:
- باجر الصبح عندج موعد عند الدكتورة فاتجهزي أنا باخذج.
لتسارع بالرفض بعد أن التفتت إليه:
- ماله داعي....
فقاطعها بعيون حمراء كأن الدم قد تكوم بداخلهما:
- أظن إن من حقي إني أطمن على ولدي وانت بعظمة السانج قلتي مالي غير ولدي، صح؟؟
فتحت فمها تنوي الحديث لكنه لم يعطها المجال لتحركه وخروجه من الشقة مغلقا الباب خلفه بهدوء.
أسدلت رموشها مغلقة عقيقها المشبوب بأحاسيس مختلطة، لم ترد هذا كله.. كل ما أرادته عائلة تحبها وزوج يحتضنها وأطفال يجرون حولها، حلمها بسيط جدا فكيف يعاكسها واقعها؟؟.
- انتوا الكبار ليش تعقدون الأمور؟؟
فتحت عينيها ودارت حول نفسها تطالع الصغير بعيون قد غشيتها دموع القيود، وهزت رأسها وكتفيها بعدم المعرفة وارتجفت شفتيها ببكاء يكاد يخرج من مكمنه ليعلن عن السعير الذي بداخلها.
شعر بالحزن على حالها واقترب منها ممسكا بكفها وسحبها ناحية غرفتها لتنقاد خلفه بطاعة، وجلست على السرير وتطلع إليها وسألها:
- لما انت تحبينه ليش ما تسامحينه؟؟.. هو تأسف لما غلط، ليش مب راضية لين ألحين تسامحينه؟؟.
وعندها انسكبت دمعاتها غير قادرة على كبتها وهزت رأسها رافضة الحديث معه عن والده وتابع حديثه عندما لم يجد منها رد:
- انتوا ليش تقولولنا كلام وانتوا بالأصل ما تسون فيه؟؟.. يعني لما نسوي مشكلة مع حد تقولون اتأسفوا ويطيح الحطب ونرجع عادي مع بعض، إنزين انتوا ليش ما تسون جذا؟؟.
وهنا أجابته بعد أن تمالكت نفسها ومسحت دمعاتها:
- لأن مثل ما قلت احنا الكبار معقدين وراسنا يابس وما نقدر نسامح بسهولة .
تنهد بتعب وسألها :
- يعني ما بتسامحيه؟؟.. هو عارف إنه غلطان!! .
ابتسمت من بين ألمها وسحبته ليجلس بجانبها واحتضنته وقبلت رأسه وهمست له:
- لازم تعرف يا عبدالله إني أبدا ما راح أتخلى عنكم، انتم أولادي يلي ما يبتهم وراح تظلون معاي بس راح يكون في أوقات محددة، بس الأهم إن أنا وبابا نحبكم وايد.
فأجابها بخفوت وبمحاولة أخيرة لاصلاح الوضع المتأزم بين أحب الناس لقلبه:
- بس أنا أبيكم مع بعض، مب كل واحد بعيد عن الثاني.
تنهدت بحيرة وتعب اجتث كامل قوتها، واستطردت تحاول بث هذا الصغير الأمان الذي تزعزع تحت قدميه بغفلة من الجميع:
- حبيبي يا عبادي الله رايد جذا، دام الأم والأب مب متوافقين مع بعض ومب مستانسين فالأفضل لهم انهم يبتعدون عن بعض ويدورون بمكان ثاني عن ونساستهم، تخيل لو الأم والأب يكرهون بعض وقاعدين في بيت واحد شو تتوقع يصير بينهم؟؟.
وأكملت هي الاجابة:
- ماراح يعيشوا مرتاحين وكل يوم راح تصير مشاكل وكل واحد يتهم الثاني إنه السبب بيلي يصير والأولاد ما راح يعيشوا مرتاحين، فالحل هو إنهم يبتعدون .
لم يعقب على حديثها وانتهى الأمر عند هذا الحد .
******************************
فرصة تلو الفرصة الأخرى يعطيها الله لمن انحرف عن طريقه، ويمهله الوقت ليرتد عما يفعله بالرغم من انغماسه بالخطايا لحد عنقه لدرجة ادراكه بأنه لن يخرج منها أبدا، لكن عندما يمر الزمن دون أن يرى أي تغير هنا تبدأ عواقب ما جنته يداه فلربما أيضا يعود لطريق الصواب فأليس الله أرحم بعبادة؟؟..
على سرير صغير وبغرفة يطغى عليها اللون الأبيض وتفوح منها رائحة المعقمات ومحلول ملحي معلق وأنبوبه موصل لذراع تتحرك وشحومها تهتز معها مع كل حركة وتشوح بها بكل مكان.
تولول وتندب شقى عمرها وسنينها كما تقول وابنتيها واقفتان بجانبها تتطلعان لوالدتهما التي تغير حالها وشكلها منذ أن وقع عليهم الخبر أو الفاجعة على منزلهم، فقد هزلت بعد أن كانت مفعمة بالحيوية.
- ياخراب بيتك يا أزهار!!.. يا خراب بيتك يا أزهار!!... ضحك علي وسرأني.
وعادت تحرك يدها وتلطم خديها وتارة أخرى فخذيها لتنهرها ابنتها الكبرى:
- بطلي يا ماما يلي بتعمليه بنفسك كده، حرام عليك نفسك .
وتطلعت لابنتها ودموعها تنسكب بحرارة على وجنتي قد غارتا إثر المرض الذي برح جسدها .
- نفسي!!... بتسألي عن نفسي؟؟.. بصي علي كويس وانت حتشوفي إلي جرالي.
وعادت تلطم وهي تهمهم بصوت عالي:
- غشني وكدب علي وألي إنه كتب كل حاجة باسمي علشان يضمن مستأبلنا .
سكتت تنشج ببكائها وعادت تطربهم بعويلها:
- الخاين عايش الدور معاي وسبني بعماي وهو كان عايش مع غيري، ازاي ييعمل معاي كده؟؟... ازاي وأنا وئفت معاه لما مكنش معاه فلوس، ولما جرت الفلوس بايده أعد يلعب بديله من وراي .
وعادت تنظر لابنتها وحادثتها بصوت مبحوح:
- أنا ؤولتك إن في حاجة بتجري من وراي ومسدأتنيش، وأولتيلي حطي اديكي ورجليك بمية برده، أهو بصي على يلي جرالي.
اقتربت منها ابتسام وسألتها:
- طيب بالراحة كده يا ماما وأوليلي إلي حصل.
سحبت أزهار عدة مناديل ورقية ومسحت عينيها وأنفها وغامت مقلتيها بذلك اليوم المشؤوم الذي كان سبب اكتشاف خيانة زوجها لها.....
كان أن طرق بابهم وظهر من خلفه رجل أنيق الملبس والهندام وبيده حقيبة سوداء وملامحه تنطق بالجدية .
- السلام عليكم، هذا بيت محمد أحمد المنيعي؟؟.
وأجابته وهي تتأمل هيأته والخوف قد سرى بداخلها:
- أيوه يافندم هو دا بيته، وحضرتك مين؟؟
أجابته بالايجاب فانقبض قلبها عندما شاهدته يبتسم باستهزاء، وازدردت لعابها وأعادت سؤالها بشيء من التوتر:
- حضرتك مين؟؟.. وعاوز إيه؟؟
- طيب ممكن أدخل؟؟.. لأن مايصير نتكلم على الشارع.
- مأدرش أدخلك لجوه، أصل صاحب البيت مش موجود .
- طيب ممكن تناديه علشان يحضر؟؟.
- طيب ما تؤولي وأنا أأولوا يلي عوزه .
تنفس بعمق ثم قال بعملية:
- يا مدام لو سمحتي ممكن تطلبين من زوجج يحضر وإذا ما حضر راح أجوفه بمركز الشرطة .
ضربت صدرها وصرخت:
- البوليس!!.. ليه؟؟... هو حصل إيه يا فندم علشان تخده على المركز ؟؟.
- اطلبيه وانت تعرفي كل شي.
فسارعت بأخذ هاتفها والاتصال به على وجه السرعة فجاء بعد فترة طويلة متململا وزجرها ما أن شاهدها دون أن يسأل عن حاجتها:
- وشفيج متصلة ومأذتني؟؟.. أنا ما قلتلج لا تتصلين علي لأني مشغول وايد .
فغرت فاهها وجحضت عيناها للخارج وهي ترى هيأته الغريبة، كان يرتدي ملابس أنيقة وحمدانية انسدلت على ظهره وفوقها توسد عقاله بشكل مرتب.
لم يكن هكذا معها من قبل، لطالما كان غير مرتب وغير مهتم بأناقته، لكن الآن....
ضرب خافقها وانحبست أنفاسها والشيطان أحب وساوسه الذي سكبها بكل بهجة بداخل عقلها وهمست:
- مش أنا يلي طلبتك ده.....
وقاطعها صوت رجولي حينها أدرك زوجها أنها لم تكن وحدها:
- المحامي عمر عبدالله الدهماني .
صافحوا بعضهم ثم سأله العم وعيناه تتأمل هيأة الرجل بفضول:
- عسى ما شر!!.. محامي.. خير إن شاء الله؟؟.
- ممكن تيلس علشان نتفاهم.
وجلس الجميع وبدأ المحامي:
- أنا موكل من المدام عنود محمد أحمد المنيعي .
فشخر عمها باستهزاء وقال:
- أها... قول من الأول إنك جاي من طرفها، يعني بنت أخوي جاية تطالب بحقها؟؟.
- نعم....
هز كتفيه بلامبالاه وأجابه ببرود وبابتسامة شيطانية :
- حقها ولازم تاخذه بس للأسف.....
فرك لحيته وعيناه تتراقصان بخبث وتابع:
- للأسف أنا ما أخذت منها شي.
ناظره المحامي من رأسها لأخمس قدميه ورد عليه:
- يعني تقول انك ما أخذت فلوسها يلي في البنك والبيت هذا وأراضي تجارية وأشياء ثانية؟؟.
- أممممممممم بصراحة لأ، أنا ما أخذت منه فلس واحد.
- عيل مين يلي أخذه ؟؟.
- ما عرف، روح ودور يلي أخذه، وألحين اسمحلي أنا ريال مشغول وعندي شغل وايد.
وعندما هم بالمغادرة أوقفه المحامي قائلا :
- يعني يا أخ حمد.. العز يلي عايش فيه ألحين مب من ورث أخوك محمد؟؟.. وأصلا تعرف إنك ارتكبت جرم بانتحال شخصية أخوك المتوفي؟؟.
- مين قال إني انتحلت شخصية أخوي؟؟.. أوراقي سليمة وتقدر تقرأها والكل عارف إني مب أبو عنود ومايد.
وجلست أزهار صامتة على غير عادتها بانتظار شيء ما تجهله، لكنها تعلم بأنه سيخرج للنور قريبا .
- نعم الكل يعرف ما عدى اثنين.....
رفع حمد كتفيه وأجابه:
- مشكلتهم انهم أغبياء وما اكتشفوا الموضوع، وأنا أصلا ما أوهمتهم إني أبوهم، وألحين اسمحلي.
وخطى خطوتين حتى توقف ما أن بدأ المحامي يسرد لائحة:
- فيلا ملك بطابقين في أبوظبي، عمارة في دبي، وشقة بتركيا، وسيارات وأراضي و......
هنا تعلقت القلوب وانقبضت الصدور ونطق بها المحامي وهو يعرف بأنه سيطلق الرصاصة التي ستفضح كل شي.
- وزوجة وثلاث أولاد ساكنين بفيلا على أرض يركض فيها الخيل .
وبدأ الصراخ والعويل ونهضت من مقعدها بقوة لا تعرف من أين جاءتها:
- اتجوزت علي يا حمد؟؟.. أنا تتجوز علي!!.. من امتى؟؟.. وكمان عندك عيال؟؟.. ليه؟؟.. هو أنا عملتلك إيه علشان تجازيني كده؟؟.
واقتربت منه ممسكة بياقة دشداشته وأخذت بهزه وهي تعود لسؤاله حتى فك قبضتيها ودفعها عنه بقوة ووقعت على الأرض ولم يتحرك قيد أنمله حتى يساعدها، وهتف وهو يعدل من هندامه:
- أيوه تزوجت، على بالج بظل معاج طول العمر الله!!.. يلعن شكلج انت شايفة نفسج بالمراية؟؟.
وأشار إليها بتقزز، ونظراته تشي بالاحتقرار والاشمئزاز، فاعتدلت بجلسها وزعقت بكل ما تملكه من أوتار:
- بس انت مانطأتش بأي حاجة؟؟.. جاي دلوأتي تأول إني معقبتك!!.
- أنا أصلا تزوجتج غصب عني لأن ماحد طاع يزوجني بنته، ما كان ودي فيج بس كنت أتصبر وأقول راح يجي اليوم يلي أتزوج البنت يلي أبيها والحمدالله تزوجت وعايش مرتاح معاها ومع أولادي.
وتطلع للمحامي وقال له :
- مشكور يا خوي ما قصرت، زين إنك جيت وفتحت المجال علشان تعرف وأخلص من السالفة، بصراحة كنت محتار متى أقول لها، كانت كاتمة على نفسي الله يلعنها!!.
وقاطعته وهي تنهض وتسبه وتلعنه وهدرت قائلة:
- أنا حوديك بدهية!!.. وأسيبك تتعفن بالسجن .
وضحك باستهزاء وكتف ذراعيه وسألها:
- كيف يعني بتوديني السجن؟؟.
- أنا معاي أوراق البيت يلي كتبتهولي باسمي، وحؤولهم إنك أخدت فلوس أخوك وصرفتها على نفسك وسبت عياله من غير مصروف، وابنه مات علشان مجبتلهوش الدوى بتاعه لما خلص.
وازدادت قهقهاته عاليا حتى أخرست هي وتلفتت حولها غير قادرة على قول حرف واحد والدهشة ألجمتها ليوفر لها المحامي سؤالها قائلا:
- زوجج يا مدام كذب عليج، هو ما كتب البيت باسمج لأن أصلا البيت ما هو بملكه.
وسألته بهمس:
- أومال باسم مين؟؟
- البيت مبيوع لريال ثاني والأوراق يلي عندج مالها قيمة لأنها مب مختومة عند مكتب العقارات، يعني الأوراق مزيفة.
وتمتمت:
- يعني إيه؟؟.. يعني أنا معدش معاي بيت؟؟.. يعني أنا حنام بالشارع ؟؟.
وناظرته بعيون مزغللة ببوادر الجنون ولم تتأخر كثيرا فقد انقضت عليه بالضرب والركل والسب وهو لم يقف ساكننا اشفاقا لحالها بل بادرها باللطم والضرب والصفع، وبالرغم من حجمها الضخم وهو بنحولته إلا أنه استطاع أن يدفعها ويرميها أرضا وساق عليها بالركل والسباب، فاندفع المحامي يمنعه عما يفعله من جرم، فابتعد عنها مكتفيا برؤيتها مضجعة على الرخام البارد وهو يلهث من المجهود، وقال قبل أن يخرج من المنزل نهائيا:
- انت طالق وورقتج روحي خذيها من المحكمة، وارجعي من وين ما جيتي واياني واياج تتصلين فيني.
وولا ظهره ناحيتها وغادر ليتركها تصول وتجول لما حل بها حتى انهارت مغشيا عليها ولم تستيقظ سوى وهي بالمشفى.
- حتعملي ايه دلوأتي يا ماما؟؟
هزت رأسها وأجابتها وأنهارها تهطل بغزارة:
- مش عرفه أروح فين!!.. البيت خلاص معدش بيتنا، بس ممكن نسكن معاك بالشقة لحد ما أتصرف.
نهضت ابتسام من مكانها وهتفت وهي تعلم بأن وجود والدتها معها يعني التوقف عن نشاطاتها، فألا يكفي وجود زوجها في المنزل لساعات طويلة لتأتي والدتها وتمنعها عما تفعله.
- لأ ماقدرش .
- ليه يابنتي؟؟.. أنا وأختك مالناش غيرك، وماشاء الله الشقة تسعنا كلنا .
- ما ينفعش ياماما، كده جوزي حيدايئ.
ناظرتها الأم بعيون قد تفتحت الآن لترى ماكان مخفيا عنها وهمست:
- حيجي عليك يوم انت كمان، لازم تصلحي أحوالك أبل ما يفوت الفوت.
ودارت ابتسام على عقبيها ونفثت شرها:
- تؤصدي إيه ياماما؟؟.
أشاحت الأم بوجهها بعيد وأجابتها:
- انت عرفه كويس أنا بتكلم عن إيه، فأحسنلك تشوفي نفسك أبل ما تحصلي نفسك بالشارع زي.
اقتربت ابتسام من أمها ونسيت أنها أمها وعليها واجب الطاعة وسحبت ذراعها بقوة غير عابئة بالابرة التي خرجت من مكانها لتسيل دمائها، وهدرت بها كما الصواعق الظلماء كما قلبها الموشح بسواد كحلكة الليل:
- انت بتأصدي ايه من كلامك ده؟؟.. انت بتهدديني؟؟.. قسما عظما إن شميت خبر إنك اتصلتي أو حاولتي تشوفي كوزي حسن والله ماتلوميش إلا نفسك!!.
التفتت أزهار لابنتها بصدمة من ردها، وسألتها بدهشة:
- انت بتعلي صوتك علي يا ابتسام؟؟.. أنا ولدتك تعملي فيني كده؟؟.. اخص عليك!!.. يا خسارة الترباية فيك!!.
قهقهت ابتسام بجنون وقالت وهي تترك يدها وتتراجع للخلف:
- ترباية إهيه يا أم ترباية؟؟.
لتنخرس ضحكاتها وتتحول ملامحها لشيطان وتنفست بشر مطلق وهسهست:
- انت أصلا متستحئيش تكوني أم!!.. لأن مفيش أم تبيع ضناها علشان الفلوس!!.. انت بعتيني وبعتي شرفي علشان الفلوس وجاية دلوأتي تؤولي ترباية؟؟.
صفقت الأم بخلاعة وردحت قائلة:
- بيعة إيه ياأم الشرف؟؟.. ليه هو أنا يلي ؤولتلك نامي مع عيال الحارة من عمر 14 سنة علشان شوية فتافيت فلوس؟؟.. فوؤي لنفسك يا ضنايا... انت يلي بعتي شرفك علشان الفلوس، أنا بس ؤولتلك تعلي من مآم الزباين يلي بتروحيلهم بدل عيال الشوارع.
وأخذتا تلومان بعضهما البعض تحت أنظار الابنة المتوارية بالخلف والمنبوذة والمصدومة من رؤيتها لكمية الحقد والكره من والدتها وشقيقتها، وازداد صراخهما وازدادت حركة أيادهما حتى تحولت للدفع والسحب وبعدها تحولت لللطم والشد وكلاهما تهدد الأخرى وتلومها على الحال التي وصلت إليها حتى دخلت الممرضة إثر أصواتهما العالية وزعقت بهما:
- لو سمحتوا احنا في مستشفى مب كزينو!!.. ممكن تراعوا المرضى الثانيين؟؟.
ناظراتا بعضهما بكره ودارت ابتسام حول نفسها وخرجت بخطوات سريعة وهي وتتمنى عدم رؤيتهم مرة أخرى، ووالدتها أعطيت مهدء بعد أن جن جنونها من أفعال ابنتها التي فضلتها دائما ولم تبخل عليها لا بالغالي ولا بالنفيس وهكذا تجازيها.
وبين سكون المكان وخلاء الغرفة من أفرادها حتى استلت هاتفها من حقيبتها بيد مرتعشة وضغطت على زر أحد الأرقام وانتظرت حتى فتح الخط وهمست بأوتار مشحونه ببؤس الحياة وشقائها:
- مخنوقة يا منصور وحاسة إني بموت، تعال الله يخليك ماعدت أقدر، والله ماعاد فيني حيل أتحمل أكثر من جذا.
وانتحت باكية بركنها المنزوي تبكي عائلة مفككة، عائلة لم تعترف بوجودها، وأمان لم تذق طعمه بينهم.
فألا تنتبهون يا بشر على اختياراتكم؟؟.. ألا تتحملون ما تجنيه أياديكم؟؟.. وألا.. تتلفتون خلفكم لتروا ماتخلفونه وراءكم من دمار؟؟.

*********************************

في أحد المقاهي الفخمة جلس يرتشف قهوته بشرود وعيناه تعانق نقطة وهمية بخلاء اجتاحه بالفترة الأخيرة، لكن عقله سافر ببحور عاصفة ذات أمواج عاتية أغرقت قاربه ليتضح بأنه ربان فاشل لم يستطع أن يمسك بدفته ليوصلها لبر الأمان.
ثوان هي حتى ران على سمعه رنين هاتفه فانحنى باتجاه الطاولة ليستطلع المستصل حتى كشر على ملامحه وتراجع للخلف ينظر إليه من بعيد، هي سبب ما يعانيه الآن!!.. هي السبب بحرمانه من زوجته وأطفاله وعائلته!!.. هي السبب بانسحاب السعادة من حياته!!.
زفر بحرقة وتنهد بأنفاس ساخنة ليستغفر الله وهمس:
- يا الله يا حسن شوسويت بنفسك؟؟.. ألحين هي السبب وانت ما سويت شي؟؟.
هز رأسه برفض وتابع يعاتب نفسه:
- انت يلي عطيتها المجال، لو سكرت جدامها الباب كان ماصار يلي صار.
وسكت يزدري ريقه الجاف كما جفاف الصحراء القاحلة وتلقف كأس الماء يروي ضمأه، لكن هيهات أن يشبع ونبعه يبعد عنه أميال طويلة .
عاد الرنين يؤرقه ويزعجه فما كان منه سوى أن فتح الخط وأجاب ببرود كما حياته الخالية من نبضها.
- نعم....
وأنصت لسؤالها حتى أجابها بملل:
- وشتبين يا ابتسام؟؟
وتتطلع لما حوله بضياع وهم وهو يستمع لشكواها بما فعله زوج والدتها بهم، حتى قال بسخرية مريرة:
- يعني مب عاجبنج إن ريل أمج غشها وقص عليها وطلقها وراح واتزوج وحده ثانية، لكن لما كنتوا عايشين من خير اليتامة ما قلتي أي شي، بالعكس.. شجعتوه إنه ياخذ فلوسهم وحلالهم علشان تعيشون انتوا.
وشخر بصوت عالي واستطرد:
- وألحين ياية تتشكين؟؟.
اعتدل بجلسته وهدر بها بغضب جامح قد سكن بداخله لفترة طويلة ويبدوا أنه سينسكب على رأسها لامحال:
- بسبب طمع أمج وعمج مات ولد كان من الممكن إنهم يعالجونه ويخف، بس شو نقول غير إنه نصيبه بالدنيا جذا، بس الله ما ينسى وكل ظالم راح ياخذ جزاته.
ولم يمهلها الوقت لترد عليه فقد ألجمها حديثه القاسي ولم تستطع الدفاع عن نفسها وتابع بعدها بهدوء وجمود:
- أنا ألحين مشغول، وبعد ما أظن أرجع الشقة اليوم، مع السلامة .
ظلت تتطلع لهاتفها بعيون زائغة وهمست لنفسها بخوف قد تسلل إليها:
- يا ترى هل حان وقتها هي أيضا؟؟
فانتفضت من جلستها رافضة الاستسلام والعودة إلى الفقر بعد أن تنعمت بين مباهج الحياة، وتحركت تروسها وتوسعت ابتسامتها وصفق لها الشيطان بحبور لأفكارها الجهنمية، ولقاء قد آن أوانه لابد منه وسيكون غدا، فمن المستحيل أن تعود وتغوص بالوحل من جديد، ولم تعلم بأنها تغرس نفسها بالوحل أكثر وأكثر وهو من نوع آخر يبدوا أنها لن تستطيع الفكاك منه.
****************************
حل اليوم التالي والجو مشحون بشحنات سالبة، عنود صامتة وحمدان يرمي بأوامره فقط دون أن يبدي أي كلمة أخرى زيادة على غير العادة، والطفلين قد انتقلت لهم عدوى السكون.
تغيبت عن جامعتها وهو أيضا أخذ اجازة من عمله من أجل موعدهم بالمشفى.
استقلوا السيارة هو يقود وهي تجلس بالخلف والهدوء حليفهما، وصلا دون حرف واحد وانطلقا للداخل وجلسا بجانب بعضهما دون أن تقدر على الاعتراض أمام الناس.
حان دورهما وعندما نهضت نهض معها فالتفتت معترضة:
- على وين؟؟.
وهمس عند أذنيها ليبدوا كهمس حبيبين:
- بدخل معاج.
- لا....
واعترض:
- مب على كيفج!!.
وأمسكها من ذراعها وقادها ناحية الغرفة بعد أن عاد لهمسه:
- امشي وعن الفضايح.
وجلسا عند الطبيبة وبين سؤال واجابة واستفسار حان وقت السونار الذي طال انتظاره، فقد أجلت موعدها السابق بسبب امتحان مفاجئ لم تقدر على غض النظر عنه فما كان منها سوى أن تخلت عن موعدها، فتذكرت عصبية حمدان عندما لم تذهب وبكل بساطة قالت له:
- يعني طول الوقت ماكنت تعرف إني حامل وألحين هذا الاهتمام المفاجئ؟؟... بصراحة أبدا مب راكب الموضوع .
وغادرت تاركة إياه يشتعل غضبا.
نامت على السرير وجلست الطبيبة على كرسيها ووضعت الجل على بطنها المكشوف لتشعر ببرودة ووضعت المنظار على معدتها وحركته لتسري دغدغة على بشرتها لحظات حتى نادت الطبيبة:
- أخ حمدان تعال اتفضل هنا وجوف ولدك.
كان أن فضل الجلوس بمقعده لرغبة العنود الغير معلنة برؤيتها عارية الجسد، لكن بداخله كانت رغبة كبيرة برؤية طفله يتكون بداخل جسد صغيرته، ونداء الطبيبة كان كمن كسر الدرع الواقي فنهض واتجه ناحيتهم ليراها تشيح بمقلتيها بعيدا عنه، اعتصره الألم لكن كيف السبيل لارضائها؟؟
خرجا من المستشفى والهدوء يغلفهما وعادا للسيارة وانطلق بها والشرود كان من نصيبهما، وكل واحد يتمنى لو كانت الأمور مختلفة بينهما لكان اليوم أسعد أيامهم، لكن الأمنيات هي الأمنيات، وليس بمقدورهم تغيير القدر، رنين هاتفها كسر الجمود الطاغي عليهما، وردت بعد حين:
- ألو.... هلا شهد شخبارج؟؟.
أنصتت ثم أجابت:
- هيه الساعة خمس العصر لازم تكونون موجودين، أنا بترياكم هناك.
عادت للسكوت تستمع لصديقتها وأجابتها:
- لا يا شهد ما يحتاي تروحين الصالون، هذي حفلة صغيرة علشان عموه رجعت من العمرة وحبت يدوه تسوي لها مفاجأة.
ضحكت العنود لمشاغبة صديقتها وهتفت وقد نسيت من معها:
- ولي يرحم والديج خفي علي مب قادرة أضحك أكثر، ودي أروح الحمام، من دخلت الشهر الرابع وأنا شكثر أدخل الحمام .
استمعت ثم سألت:
- مين اسماعيل هذا؟؟.... نعم..... شهودة انت في كل مرة غيرتي اسم ولدي أصلا اشدراج انه ولد يمكن بنت؟؟.
كان يستمع لمناوشتها مع صديقتها وكم اشتاق لسماع ضحكها وأحاديثها المرحة فقد مل من رؤيتها دائمة التجهم والغضب عند رؤيته.
تنهد بضيق وتساءل إلى متى سيستمر بهما هذا الحال؟؟.. هل سيكون مصيرهما الانفصال؟؟.. فعلا لم يتوقعها أبدا أنها بهذا العند!!.. إنه الآن يختبر شخصيتها الأخرى التي لم يرها من قبل، وعاد يتساءل بتهكم.. كم شخصية تمتلك زوجته؟؟
- يلا يا شهد بجوفكم اليوم إن شاء الله انت وميثة.
وأغلقت الهاتف وعادت لنسكها كأنها لوحدها ولايشركها أحدهم المكان إلى أن وصلت لمكان سكنها وترجلت من السيارة وانطلقت لأمانها بعيدا عن رائحته التي أزكمت أنفها، ولا حرارة جسده التي أشعلت حواسها. كادت أن تصرخ به أن يتوقف بالسيارة كي تصعد لسيارة أخرى هربا منه، لكن صديقتها أنقذتها باللحظة الأخيرة.

**************************
سارت بخطوات متأنية بفستان واسع نوعا ما لكن أنيق، وحجاب صغير غطى نصف شعرها الخلفي بعكس الأمامي الذي تركته يرفل فوق جبهتها بكل حرية، وعباءتها.. حسنا إن كانت تسمى عباءة فهي شفافة ومفتوحة لتظهر ما ترتديه تحتها.
دخلت ووقفت تتطلع للثراء الفاحش الذي يعيشه سكان هذا المنزل، وشعت عيناها بالطمع بالعيش هنا ونيل كل ماتبغيه دون أي عناء.
تقدمت ناحيتها الخادمة لتخرجها من دوامة جشعها وسألتها بتكبر:
- ماما كبير موجود؟؟.
- يس مدام .
- طيب روحي واندهيلها.
وماكادت الخادمة تتحرك لتناديها حتى جاءها صوتها ملعلعا:
- شو يلي جابج هنا ؟؟.
- أهلا يا حماتي، مش المفروض انت تبئي حماتي أم كوزي؟؟.
استغفرت الله وتعوذت من الشيطان وأجابتها بعد أن تأملت شكلها المستفز الذي لا تطيقه لفتيات هذا الزمان، فقد اختفت الحشمة وانتهى زمانها، وتأسفت بحسرة لاختيار ولدها وتساءلت... كيف استطاع أن يبدل الأصل بالتقليد؟؟... وأجابتها بعد برهة:
- آمري بغيتي شي؟؟.
لتجيبها بانتصار :
- مش أنا يلي عوزة، دا حفيدك يلي عاوز.
وأشارت لمعدتها المسطحة تخبرها بوجود حفيدها قطعة منها بداخلها.
فتحت الجدة فمها حتى جاء صوت من بعيد يصيح بغضب:
- انت ليش جاية لهنا مرة ثانية؟؟.. تبين أمي وأبوي يطلقون نفس المرة يلي طافت؟؟
والتفتت له الجدة جاحضة العينين ومتسائلة بصدمة:
- عبدالله انت شو تقول؟؟






طُعُوْن 02-01-17 07:03 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثلاثون .......

نسير بدروبنا وتختلف اتجاهاتنا، نتحرك ومهما تعددت اختياراتنا فهي من أحكام القدر، فقد سطرت كل تفاصيل أيامنا في سجل محفوظ خطت فيه متى ولادتنا وكيف ستدور بنا دنيانا ومتى هو موتنا وكل ما يحدث معنا هي من صنع الأقدار .
ومهما ابتعدنا ونأينا بأنفسنا فمصيرنا العودة، فإلى متى الهرب؟؟.. وإلى متى سنحاول أن نتغاضى عن الماضي فهو جزء لا يتجزأ من حياتنا.
صحيح أننا طوينا صفحته إلى أنه مايزال مخلدا بالذاكرة .
هل للقدر يد بما يحدث معنا بكل المصائب أم أن اختياراتنا هي من تحدد لنا حياتنا إما أن تكون فاشلة وإما أن تكون ناجحة؟؟.
فأجيب وأقول أن الله سطر حياة الانسان بكل تفاصيله المملة إلى أنه ترك له حرية الاختيار ليرى ما يفعله بنفسه " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" إذا الانسان هو من يحدد مصيره باختياراته .
*************************
أيا حب لم يكتب لك البلوج.
ووأد كان هو المصير.
أَكُتِبَ علي أن المحبة ليست من نصيبي؟؟
يا زرقة أثلجتي صدري.
ويا أرض مهدتي طريقي.
ويا قمر أنرت عقلي.
فليما يا قلب لم تهنأ باختيارك؟؟
أراك ولا أراك وقلب تقطعت فيه السبل.
أحببتك ومازلت بين الجُنوبِ تتربع عرشي.
أقسم بأنني حاولت النسيان!!.
وأقسمت أنت أنني لن أقدر على النسيان!!.
أوا يرضيك عذابي يامن احتللتني كما العدو الغاشم؟؟
ترفق بقناعي فليس لدي ما يعينني على حروبك سواه .
وما عدت سوى لتزيد أوجاعي.
أوتحبني الآن وقد وقع السيف العزل!!.
حائرة ضائعة أنا، وما بعدي سوى هروب من رغباتي.
فابتعد يا من تملك فؤدي، ولو كان حبك صادقا لاخترت هنائي ببعدك.
********************************
القلوب تراقصت شجنا، والشفاه تغنت طربا، وكلن يغني على ليلاه.
يرتدي ملابسه بتأني واختار أفضل الغتر( الحمدانية) ووضعها برفق على رأسه ليغطي بياضه، وسواد توسد غترته ليثبتها ويعطي لمظهره الرجولة والوقار، وابتسامة متألقة تزين ثغره، ولحن عذب يدندن به لسانه، ولم يتبقى سوى شيء أخير.... تلقف زجاجة العطر وبخ منها ليفوح منها أطيب الروائح وأغلاها فهذا ما تحبه هي، وهمس لصورته المنعكسة بصوت عالي:
- طال غيابج يا الغالية والشوق بداخلي زاد لج، المحبة دوم مخصوصة لج وبين الحنايا تربعت بالقلوب.
وتنهد ثم تابع:
- آخ يا خديجة... تعالي وجوفي شوصار فيني بابعادج لعلج تترفقين بحالي، ما عدت أطيق العيش بلاج.
وطالع صورته بتأني ومسح لحيته البيضاء واستطرد:
- آه يا بو سالم ما انت بعارف إن هي سامحتك وترجع لك أو إنها راح تختار تبعد عنك وتحرمك من جوفتها؟؟.
أغمض عينيه وفرد كفيه على الطاولة والهم قد أحنى ظهره... لقد كسره وبيديه.
رفع رأسه وطالع هيأته التي اختلفت ملامحها، فللتو كان يغدوا شابا مقبلا على عروسته والآن كهلا كأنه ينتظر كفنه.
- وشسويت بحالك وبحال أهلك يا حسن؟؟.. وشسويت بحبيبتك يا حسن؟؟.. وتبي منها ألحين إنها تسامحك على يلي سويته؟؟
سكت ينتظر إيجابة من يتطلع إليه ولم يقابله سوى الصمت كأنه يهديه الجواب، لينتفض متراجعا للخلف وهو يرفض هذا القول.
- خديجة مستحيل تتركني!!.. هي تحبني وراح تجوف لما ترجع.
وخرج وقد أقنع نفسه بما يريد وصلب عوده وسار بخطى واثقة بانتظار زوجته وحبيبة قلبه ليحتويها بين أضلاعه وهذه المرة لن يتركها أبدا.

********************************
خطت للداخل بقلب راجف ودم منسكب وذكرياتها تعود وتطفح معيدة إياها لذلك اليوم المشؤوم الذي أفسد حياتها.
وقفت تستطلع المكان الذي خرجت منه مذلولة مكسورة ومعاهدة نفسها على أنها لن تخنع مرة أخرى لأي رجل وأنها ستعيش لنفسها فقط وتحقق أمنياتها.
لم ترد أن تعود لهذا المنزل أبدا، لكن من أجل من تلقفتها بيد حنونة وصدر رحب ستدوس على كرامتها وجرحها لتكون معها وبجانبها كما فعلت معها من قبل.
تحركت عيناها بكل ركن، وبكل زاوية لها ذكرياتها الجميلة، وغامت مقلتيها ببحور هوجاء تشدوا حبا لم يكن لها أبدا، وأمان قد سلب منها تجبرا، ومنزل لفظها لتكون مشردة بلا ملاذ.
ووقف هو ليس ببعيد عنها يطالع خلجاتها وفيروزها الباهت، هو يعلم ويعرف بأنها تتذكر كل ما حصل وما فعله بها، وكم تمنى لو يعيد به الزمن للخلف كي يمنع جنونه والتحكم به، ولكن هل تفيد كلمة لو؟؟.
والتقت الأعين بعتاب الأحبة بخضرة قد طاقت لصفارها:
- كسرتني... وأنا قد شددت بك عودي .
- أجبرت وماكان لي باليد حيلة .
- أوجعتني.... وقد غرزت خنجرك بخافقي.
- أدميت روحي به قبل أن أصيبك به.
- قهرتني.... وأنا وجدت بك قلبي وروحي
- نادم أنا وأقسم على ندمي!!..
- ومالي سوى بفرصة أخيرة لأثبت لك ندمي.
ترقرقت عيناها بدموع الألم، وحقيقة ندمه تصرخ بها عسليتيه، وهو لم يدخر جهدا بسبيل اخبارها، لكن شيء ما يقف بينهما، شيء لا تعرف ما هو يقف حاجز بين عودتهما!!..
أشاحت بعينيها بعيدا فمشى مسرعا ناحيتها يبغي احتوائها وضمها لصدره بكل قوته كي يدخلها للداخل ويخبرها بأنها ستكون آمنه هناك بين أضلاعه، وقريبه من قلبه.
اقترب يبغي لمسها والهمس لها بكلمات الحب التي يطوق لسكبها لها حتى أتاها صوت من خلفها جعلها تلتفت إليه بصدمة وتهتف بذهول:
- أمون....
توقفت الأخرى تناظرها بعيون غشيتها ظلال القهر والتعب والألم، ووجه شابه الحزن والخذلان، ودموع تحاكي بؤس تلك الصغيرة وما سكبته الدنيا على كتفيها من أوجاع، ونشيج حاولت كتمه بين كفين صغيران فأبى إلى العلوا ليعلن ما في الصدور، وهمست بقلب موجوع:
- تعبت يا ماما عنود وما عاد فيني حيل أتحمل أكثر.
وذرفت دمعات سخية على وجنتين قد حفرت أخاديد دليل وديانها الجارية، وتابعت بصوت قد اعتلاه القهر والحرمان من حضن عائله تحتويه:
- ما عدت أطيق دنيا ما تبيني، مقهورة وحاسة إني أموت وهم ولا همهم.
وهتفت لها بدمعات قد شاركتها بؤسها وألمها، فمن سيشعر بما تعنيه سوى من حاك نفس المصير .
- ليش تقولين جذا يا قلب أمج؟؟.. الدنيا بخير حتى لو قفلت البيبان بويهنا.
فصرخت آمنه بصدر قد اجتث ما بدخله بكل قوة ودون أي رحمة بصغر سن كان المفترض أن يهنأ بسعادة بكنف عائلة محبة ترعاها وتهديها كل الحب والدفئ والحنان:
- لا... لا.. الدنيا ما هي بخير.... ما هي بخير...
وأشاحت بيدها وأكملت بشفاه ارتجفت من برودة نخرت جسدها:
- الدنيا مب حلوه، أنا ما عدت أبيها، ما أطيقها، ودي أموت وأرتاح.
تنفست بسرعة ومسحت شلالاتها لتعود وتحتل مكانها أخريات واستطردت:
- تعرفين يلي كان مصبرني على هذي العيشة؟؟.. انت وميود، ولا أنا كان من زمان كان قلت لهذي الدنيا باي باي، بس علشانج أنا صبرت.
اقتربت منها عنود ومدت ذراعها نحوها لتحتوي عذابها، لتطبطب أوجاعها، ولكن كيف السبيل لتخمده والجروح تتعمق وتنغرس لتثبت جذور عملاقة تأبى التزحزح؟؟.. فتراجعت آمنة للخلف وهتفت:
- لا.. لاتلمسيني، أنا نجسة، أنا مب مثلج، أنا مثلهم هم، أنا ما أستاهل إنج تحبيني.
فصرخت بها عنود بجزع:
- أمون انت شوتقولين؟؟.. انت هدي وريحي وكل شي يتصلح بإذن الله.
وهدرت صارخة كأنها تريد بزق مابداخلها كي ترتاح:
- لا... انت ماتفهمين!!.. دمهم بدمي.
وأشارت لذراعها وتابعت وهي تشير لنفسها:
- يعني أنا مثلهم، كلهم آذوج.. أبوي، أمي واختي، كلهم أوجعوج، وأنا... وأنا.....
وسكتت وبكت الجفون لتنهمر لآلئها، وارتجف جسدها الصغير وهمست لها بعيون قد أظلمت الحياة بداخلها:
- أنا.. أنا خايفة أوجعج مثلهم!!.
وصرخت بها عنود وهي تسحبها لصدرها مخفية إياها:
- أبدا ماراح تسويها، انت بنتي يلي ماجبتها، وبنتي مستحيل تخوني.
تشبثت آمنه بها بقوة وصوت نحيبها يرن صداه بين جدران آل الكتبي والجميع وقف يشاهد المنظر المحزن والمؤلم للروح، وهناك وقف يطالعها وقلبه يتفتت حزنا وكمدا على تلك الصغيرة التي احتلت فؤاده وتربعت عرشه.
أراد الاقتراب، أراد أن يحتضنها ويخفيها عن هذا العالم الموحش الذي لم يرحم حالها الكسيرة، وكم طاقت نفسه لقتل من كان السبب بذرف لؤلؤها الغالي، وتذكر اتصالها الغريب بوقت ليس بوقته، فهي منذ أن قابلت شقيقتها حتى انقطعت اتصالاتها به، شعر بالهجر والحرمان، أحس بأن هناك شيء قد فقد مع غياب رنين هاتفها، ولكن بذلك اليوم وعندما كانت الشمس توشك على البزوغ من مخبئها وهو يوشك على العودة للنوم بعد أن أد صلاة الفجر حتى رن هاتفه بنغمة خاصة قد خصها من أجلها ولم ينتظر طويلا فاللهفة لسماع صوتها الطفولي جعله يكره الاطالة بالرد عليها والتساؤل لما الاتصال بهذا الوقت الغير مناسب، ووصله الجواب بجملة جعلته يتيبس بمكانه.
- مخنوقة يا منصور وحاسة إني بموت، تعال الله يخليك ماعدت أقدر، والله ماعاد فيني حيل أتحمل أكثر من جذا.
وتساءل بعد أن عادت شرايينه تضخ دماؤه بقوة كأن سدا قد فتح مجراه ليصل بأنحاء جسده موصلا له الحرارة ليفز منتفخ الأوداج وقلبه يقصف برعود الشهامة والعشق لمن احتل خافقه:
- انت وين؟؟
وأخبرته باسم المشفى وانطلق ناحية من هفى لها قلبه ووجدها هناك بركن منزوي بظلمة الغرفة الموحشة بسكون سكانها تئن ببكاء حار يقطع نياط قلب قُدَ من صخر.
اقترب من الصوت الخافت وهناك لاحظ ملامحها المختفية خلف أمطارها المتساقطة ليجزع من هيأتها ويسألها على الفور:
- شو صار فيج؟؟.. حد آذاج؟؟.. حد سوالج شي؟؟.. قولي؟؟.. تكلمي؟؟.
ولم تجبه سوى بجملة واحدة:
- طلعني من هنا ولا بموت.
وأخذها بسرعة ممسكا بيدها الممدودة وخرج بها من المشفى آخذا بها لمنزلهم، فهو لم يفكر بما عليه فعله، فحالتها لا تنتظر أن يجلس ويفكر بأين يأخذها ونسي شقيقتها التي ربتها وهناك استلمت الجدة أمرها وأخذتها لأحد الغرف وعندما استفسر بما فيها:
- يدوه.. شو لازم نسوي ألحين؟؟.. وهي شوفيها؟؟.
- مب عارفة يا وليدي!!.. وهي ما قالت لي ما غير بس تبجي قطعت قلبي وما قدرت أسكتها، بس العنود اليوم بتي وبتجوف شو سالفتها.
فسارع للقول:
- وليش ما نتصل فيها ألحين علشان تحضر بسرعة؟؟.
- العنود عندها موعد بالدختر، وراحت هي وحمدان ويابت اليهال عندنا.
- بس يا يدوه....
رفعت كفها منهية الأمر.
- مافينا نروع الحرمة باختها، خلي البنت ترتاح شوي وتهدي من البجي، وبعدين العنود بتعرف كيف تتصرف معاها.
وهاهو الآن يكتشف سر سقوطها المرير.
اقتربت منهما الجدة والحسرة على تلك الفتاتين تعتمل ملامحها، فأي شقاء تعيشانه تلك الصغيرتين، وقالت عندما اقتربت منهما ويدها تهدهد كلتاهما التي طفقت دموعهما تبكي أيامهما العصيبة.
- هدوا يا بناتي واستغفروا ربكم، الصياح مايفيد غير يمرض القلب، هدوا وقولوا لا حول ولاقوة إلا بالله وتوكلوا على ربكم وهو يحل كل المشاكل.
ابتعدتا عن بعضهما وماتزال مياه عينيهما تتدفق دون أن تتوقف وابتدأت عنود بالحديث وهي تمسح دموع من اتخذتها ابنه لم تلدها:
- هدي حبيبتي وما راح يصير إلا كل الخير، ويلي براسج انسيه وارميه بحر.
ونشجت آمنه ببكائها وفتحت فمها تبغي الكلام إلا أن حروفها قد خذلتها وهزت رأسها ترفض ما يقال لها فعادت عنود تحثها وهي تشد على كتفيها الوهنتين:
- أنا ما ربيتج على إنج تستسلمين بسرعة، قلتلج كل ما انقفل باب الله يفتح لنا باب ثاني، بس لازم نصبر ونتحمل وندعي الله إنه يفرج همنا ويخفف عنا البلاء ويصبرنا على مصيبتنا، صح ولا؟؟
أغمضت آمنة عينيها بقوة تعتصرهما وهمست بعدها بصوت متشحرج:
- بس يلي صار مب شوي والله مب شوي.
قبضت كتفيها بشده وتجلدت وعقدت حاجبيها لتقول بثبات:
- ولو.. شوما صار ربج يفرجها، ولا انت مب مؤمنة بربج؟؟.
لتسارع نافية سؤالها:
- أكيد أنا مؤمنة، بس...
- عيل التفكير يلي براسج هذا شوأقول عنه؟؟.
سكتت وأخفضت رأسها هربا.. ألما، فلقد يئست ولم يهديها تفكيرها سوى ذلك الحل لترتاح.
رفعت عنود رأسها وبثتها ابتسامة حنونة ومسحت على رأسها بحب وعدلت شيلتها لتخفي تاج رأسها وقالت:
- يا حبيبتي، لو كل شخص استوت عنده مصيبة وانتحر جان الدنيا كلها فضت ونار جهنم انترست بالناس، وأظن إنج تعرفين مصير كل من ينتحر؟؟.
هزت رأسها بخجل والذنب الآن يتآكلها من رغبتها بما تريد فعله، فقد أرادت أن تودع عنود قبل أن تهدي نفسها الراحة الأبديه التي تنشدها روحها وجسدها.
ربتت عنود على وجنتيها ثم سألتها:
- ألحين بعد ماهديتي قوليلي شويلي صار؟؟.. وأصلا كيف جيتي لهنا؟؟... بس أول شي تعالي وخلينا نيلس ونتكلم زين، وانت بعد يايدوه تعالي وارتاحي الوقفة علشانج ماهي بزينة.
وسحبت العنود الجدة وآمنة وأجلستهما وجلس الجميع أيضا راغبين بالمعرفة لما هذا الانهيار لتلك الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز ريعان مراهقتها.
أهدتها عنود كأسا من الماء ثم أعادت سؤالها:
- ألحين قولي شو صار؟؟.. وإذا ماتبين حد يسمعج خلينا نروح مكان ثاني.
هزت آمنة رأسها بالرفض وأجابتها بعد أن أخذت أنفاسا عميقة وناظرت احمرار كفيها وهي تفركهما بشدة.
- يعني بعد كل يلي جرى مش عيزاني أعيط؟؟
- وش يلي صار يا آمنة؟؟.. أظن إنا تكلمنا بهذا الموضوع وانتهينا منه، شو يلي تغير؟؟
ضحكت آمنة بتهكم وقالت:
- يعني بابا يطلع مش أبوك وأخد حئك وحق أخوك وهو السبب في موت أخوك......
قاطعتها العنود قائلة:
- الموت علينا حق واحنا ما نقدر نأخر أو نقدم في موتنا، كل شي بيد رب العالمين، وأخوي هذا كان يومه.
وأكملت الأخرى وعيناها تعانقان كفيها:
- ماما تعبانة في المستشفى بعد ماعرفت إن بابا طلع متجوز ومخلف كمان، وإنه غشها ومكتبش البيت باسمها، وكمان......
سكتت وتحركت عيناها باتجاه ذلك الرجل الكبير بالعمر الذي ينظر إليها بنظرة غامضة غريبة، كأنه اتهام أو كره أو شيء آخر لم تستشفي ما هو، لكن بالطبع هو الكره!!.. فشقيقتها سبب دمار عائلته، حثتها العنود للمواصلة:
- كملي يا آمنة.
- ماما تخنئت مع ابتسام وآلوا كلام مينألش، علشان كدا أنا مستحملتش وأومت اتصلت بـ.....
وهمست اسمه بخفوت:
- منصور.
واستطردت:
- احنا بئينا بالشارع معدش في بيت، وبابا طلأ ماما وألها متتصلش، وتنساه خالص.
وقهقهت بألم وعيناها تعود لتنسكب آهاتها على كفين قد عانق الشقاء بسن مبكر.
- وأنا محدش سألني ولا كأني موجودة بوسطيهم، لا بابا بصلي ولا ماما بصطلي كأني مش موجودة خالص، بس هم وخلاص والكل آعد بيدور لنفسه ونسيوني.
التفتت آمنة إلى عنود وتابعت بشفاه مرتجفة:
- أنا تعبت إني أكون مش موجودة، أصلا وجودي كان خطأ، مش عرفه أنا ليه اتولد بالدنيا ده!!.
قاطعتها الجدة صائحة:
- استغفري ربج يابنتي ولا تقولي مثل هذا الكلام، كل شي وله حكمته واحنا مانعرف شو هي، ولا لوين راح تاخذنا مشاغل الحياة، يلي علينا نتوكل على ربنا ونستغفر ونطلب منه العون، أما انج تعترضين فهذا شي كبير يا بنتي، استغفري وتوبي لربج هو أدرى بالحال، واشكيله همج هو حلال المشاكل، وأمج وأبوج الله يهديهم ويصلحهم.
وهتفت بحرقة قلب وبعيون قد اشتعل احمرارهما من كثرة ما انسكب منها.
- ماما عايزة ترجع مصر وأنا مش عيزة أروح معاها، مش عيزة يحصلي يلي حصل لابتسام، أنا مش عيزة... مش عيزة.
وانخرطت ببكاء حار أبكى القلوب المتحجرة وجلس هو يطالع انهيارها بقلة حيلة، وقلبه يبكي على بكائها، وياليته يستطيع فعل ما يخفف عنها أوجاعها!!..
طالع الوجوه من حوله وهم يناظرونها دون أن يسكنوا جراحها، وكم اعتصره الغضب لجلوسهم هكذا دون أن يبدوا أي فعل لتهدئتها.
- يا آمنة يا حبيبتي الصياح ماراح يفيد بشي، وانت ماراح تروحي لمصر.
رفعت إليها عينان متوسلتان راجيتان، وحركت شفتيها دون أن تخرج حرفا واحدا فهمتها عنود.
- أنا أوعدج يا آمنة ماراح أخليج ترجعين لمصر، وانت راح تعيشين معاي وأنا أتكفل بكل مصاريفج.
لتنهرها الجدة:
- واحنا وين رحنا يابنتي يا العنود؟؟.. احنا قادرين ببنتنا آمنة ومب عيزانين عنها.
فأجابتها عنود بشموخ وعزة نفس ولدت عليها:
- مشكورة يا يومة وماقصرتي، كفيتي ووفيتي معاي، بس آمنة تحت مسؤوليتي أنا، وإن شاء الله الله يقدرني إني أصون أمانته.
وبركن ليس ببعيد عنها جلس فقط يراقبها بقلب طروب، وعشق لعلع صوته حتى أوشك أن يسمعه الجميع من شده صراخه به، وهمس بداخله بكل الحب الذي يعتليه:
- كم أنت حنونه يا غاليتي.
الحنان فيك والعشق ينبض بداخلك.
أمٌ أنت وبالفطرة ولدتي.
يامن ملكت الفؤاد إني أتوسلك الحب!!.
أشفقي لمن طاق صدره للتمرغ بين ثنايا الأضلاع.
يانبع الحنان... اعطفي لصغير لم يرى الحب ولم يذقه سوى على صدرك.
ضميني واحتويني يامن ملكت كل مشاعر الحب، فبدونك أنا ضائع.
ناظريني وستجدين طفلا يبحث عن حضن أمه لتهديه نعمة الحياة.
تنشرين محبتك على هذا وذاك وتناسيتي وجودي.
أحتاجك.. أنا أشتاقك.. أنا أريدك.. أنا أحبك بل أعشقك يامن ملكتني.
لما البعد؟؟.. ولما الجفاء؟؟.. أقتلت حبك وانتهى من داخلك؟؟.
ألا تسمعين صراخه؟؟... ألا تسمعين أوجاعه وأنهاره المنسكبة؟؟.
لا تبخلي علي بحب أراه يشع من خضرتيك
أجيدي إلي من عطفك وحبك فبه أقتات زاد يومي.

أشاح بناظريه عنها بعيدا وقلبه يصرخ به الرحمه لحال وصلت به للتدهور، لكن ليس بيده شي، لقد حاول وحاول وهي تصده وترفض وجوده.
تحدثت برقة وبحنانها المعهود موجه حديثها لآمنة:
- قومي يا آمنة غسلي ويهج وخلينا نعدل بشكلج شوي ورانا حفلة ومايصير الضيوف يجوفونج جذا، ووكلي أمرج لرب العالمين مثل ما قالت يدوه.
- بسـ......
- لاتبسبسين، وانتهينا من هذا الموضوع.
ليتغلغل صوتها مريحا خافقه الباكي فيهمس له ويقول:
- اصبر ياصديقي فالقلوب ستتحد، عليك بالصبر فهو مفتاح الفرج، وتوكل على الله فهو مقرب القلوب، وهادي الصدور.
وشاهدها وهي تغادر ليحلق خافقه خلفها، فكيف له أن يعيش بلاها.
تنهد بحرقة قلب ليصله صوتها مطمئنا:
- اصبر ياولدي، اصبر وراح تنول، وادعي لربك إنه يفرجها، وإن كان في نصيب فإن شاء الله راح يوفقكم ويسهل لكم الطريق.
وأجابها وعيناه تتابع طيفها:
- ونعم بالله يا الغالية، ونعم بالله.
وانتهى كل شي وعادت الأمور تجري على قدم وساق لتنهي ترتيبات الحفل المقام على شرف عودة ابنة هذه الدار، "خديجة".

*****************************
وقفتا عند بوابة القصر بأفواه مفغورة والصدمة بادية على ملامحهم مما يرونه أمامهم، فالمنزل كان كقصص الخيال التي كانوا يقرأونها منذ الصغر بضخامته وألوانه وزخارفه، فهمست بعيون جاحضة:
- ميثاني.. يلي أجوفه انت تجوفينه بعد؟؟
- هيه يا شهد.
والتفتت إليها صارخة:
- انت جنيتي يابنت!!... وين يايبتنا؟؟.. تبين راعي البيت يركض ورانا ويقول إنا حرامية ويايين نسرق أو يايين نشحت؟؟.
تراجعت ميثة للخلف من هجوم صديقتها وأجابتها بعد أن تمالكت روعها:
- شهد هدي شوي صمختي اذني، وثاني شي أنا ماغلط بالعنوان وهذا هو نفسه يلي أعطتني اياه العنود.
وأرتها الورقة المكتوب عليها مكان المنزل وعادتا تتطلعان للمنزل الفخم بانبهار فقالت شهد:
- وألحين عنود المجنونة رافضة تسكن بهذا القصر؟؟.. صدق انها بنت فقر، بس خليني أجوفها وأنا أراويها.
قاطعتها ميثة قائلة:
- ماحد مجنون غيرج، وعنود بكيفها تسكن وين ماتبي، ولا انت نسيتي شو صار فيها هنا؟؟
أشاحت شهد بيدها وقالت بوجه حانق:
- روحي انت وياها ماتعرفون شي، لو أنا مكانها والله لأسكن وأقعد على قلبه، عيل بيت سياح مياح بهذا الكبر وما أسكن فيه؟؟.. ورايحة أسكن بقوطي صغيرون، لا والمشكلة هناك ماتقدر تشرد منه ماغير حابسة نفسها بالغرفة، لكن لوكانت هنا، تقدر تنخش عنه بأي مكان.
فهتفت ميثة بغضب:
- قولي ما شاء الله بتاكلينهم بعيونج الساحرة.
- خلي عنج، عيوني باردة ومافيها شي، حتى جوفي....
ورفرفت برموشها فتأففت ميثة من صديقتها وأخرجت هاتفها وهي تهمهم:
- خليني أتصل بالعنود قبل لا تحرقين عنهم البيت.
وتهادى إليها صوتها يخبرهم بالدخول وهي تنتظرهم عند الباب، وبالفعل كانت هناك تقف بابتسامتها المشرقة ترحب بهما:
- يا هلا ومرحبا، نور البيت.
لتجيبها شهد على فورها وهي تحتضنها بكل الحب:
- البيت منور بأصحابه .
وبعد الترحيب والتهليل دخل الجميع وبكل خطوة يزيد انبهارهم إلى أن وصلوا لغرفة الجلوس وهناك رحبت بهم الجدة بشدة وحيتهم على وقوفهم بجانب ابنتها العنود بوقت حاجتها، وبمرحها المعهود نطقت:
- ولا يهمج يا يدوه أنا بالخدمة ديما، وإذا انت بعد تبين مين يكون معاج تراني حاضرة بس انت دقي لي رنة راح تجوفيني مترزعة عندج بالبيت.
وقهقه الجميع على خفة دمها وبلحظة التفاتة وابتسامتها تشق شفتيها شاهدته يقف على مقربه منها لم تنتبه له بخضم مشاكستها للجدة، لم تتحرك قيد أنملة بل تسمرت بمكانها وابتسامتها تتكسر رويدا رويدا وعيناها تلتقط هيأته الجديدة.. بدشداشته الناصعة البياض، وحمدانيته الحمراء تتوسد رأسه بشكل أنيق، اختلف المظهر لكن عيناه الهازئة هي نفسها، فما كان سوى أن اشتعل فتيل غضبها، فهي لم تنسى ما حدث بينهما من قبل، والوعد هو الوعد فقط عليها أن تنتظر اللحظة المناسبة.
وبهذه الأثناء خرجت آمنة تتهدى إليهم بجلابيتها العنابية التي اختارها منصور بعد أن رغبت العنود بالذهاب لشراء شيء ما لتلبسه، فتطوع هو للذهاب وكانت أن غدت رائعة الجمال بها، وبألوان هادئة رسمت على وجهها لتخفي الحقيقة المرة التي تعيشها لتصبح آية من الجمال، وبحجابها الذي لفته بشكل عصري حول رأسها لتغدوا أنثى غاية بالفتنة والروعة، جعلته يزدري لعابه ورغبة جامحة باخفائها عن العيون، لكن ليس لديه السلطة ليفعل ما يريد.
- أمون موجودة هنا؟؟.. يا مرحبا.
تحركت شهد ترحب بها بالأحضان وتقبلها ثم أبعدتها قليلا لتتأمل شكلها.
- شو هذا الجمال؟؟.. ما شاء الله تقولين قوم يا قمر وخلني أقعد بدالك.
تلون وجه آمنة من مدح شهد وهمست لها بخفوت:
- كفاية يا شهد، انت بتكسفيني.
- يا ويلي على الكسوف.
فهتفت عنود من خلفهم:
- شهودة.. ارفقي بالبنت ما هي بقدج.
- ليش أنا شو سويت؟؟
- ماتجوفينها غدت مثل جلابيتها أخافها تنفجر لو كثرتي من كلامج.
وقهقه الجميع وانضمت إليهم آمنة محاولة تناسي مخلفات الدهر، فكما قالت لها عنود:
- يا أمون خلي نظرج ديما على جدام ولا تناظرين يلي وراج، هو صحيح يوجع، لكن لازم نتحمل، وجوفيني أنا جدامج، وانت أدرى بالحال يلي أنا فيها، خليني قدوتج وديما تذكري إن الله معانا شو مااشتدت الحال فينا. وانشغل الجميع بالحديث والثرثرة ولم تخلى من مواقف شهد المضحكة حتى خرج أبو سالم وحمدان ومنصور وسعود متجهين لمجلس الرجال ليتركوا النساء ليأخذوا راحتهم، وما لبثت أن التقطت عيناها فريستها تتجه للخارج بتأني وهدوء يحسد عليه فنهضت مستأذنه ولحقت به حتى شاهدته يقف بالخارج بركن منزوي تقريبا، فاتجهت ناحيته وهي تشحذ قوتها وطاقتها لاسترداد كرامتها التي بعثرها.
اقتربت ورفعت يدها دون أن تنتبه لحركتها تلك لاعتيادها عليها وضربته على كتفه وما أن استدار ليرى من هو هادم خلوته حتى بادرته بهجومها العنيف دون أن تترك له المجال لينصدم برؤيتها هنا أمامه.
- انت واحد ما يستحي على ويهه!!.
أجابها برفع حاجبه فاستغاظت أكثر وهدرت:
- ليش بذك اليوم ما قلت إنك مب هندي وخليتني مسخرة جدام ربيعاتي؟؟.
تكتف وانزوت ابتسامة على جانب شفتيه وتأملها بعين جريئة ملامحها الفاتنة بألوانه الهادئة التي غيرت من ملامحها لتغدوا جميلة.
خجلت هي على أثرها وتراجعت خطوة للخلف، لكن ما أن تحدث حتى توقفت بمكانها وعادت للقتال:
- وشو المطلوب مني ألحين يا........
تكتفت هي الأخرى ولم تنتبه من أنها حددت مفاتن جسدها فصرخ بها بشدها لتجزع وتنتفض على اثرها:
- نزلي ايدج ووقفي عدل.
ارتبكت وتوترت لدرجة أن ارتجفت شفتيها ببكاء قد كتمته، فلم يحصل بحياتها أن صرخ بها أحدهم بهذه الطريقة، وأخذت تتلاعب بشيلتها وعيونها تعانق الأرض وعندما همت بالالتفات والرحيل لتلملم كرامتها التي بعثرها من جديد حتى قال:
- وين رايحة؟؟.. احنا بعدنا ما خلصنا كلام، ولا خلاص استسلمتي من أول جوله وخسرتي؟؟.
وكأنه قد شحنها بطاقة نافذة حتى عادت للمعركة بروح قوية شامخة:
- مين قال إني خسرت؟؟.. أنا شهد وبعمري ما خسرت، ومستحيل أخسر جدام واحد مثلك.
وناظرته بقوة تتأمل ملامحه حتى تحول لشيء آخر غريب عجيب لم تشعر به من قبل، كان رجل وسيم بمعنى الكلمة لا يعيبه شيء، فابتسم لتحديقها وهمس:
- ها... بعدني حلو ولا تغيرت حلاوتي من لما عرفتي إني مب هندي؟؟.
شهقت وتراجعت للخلف ووضعت كفها على فمها ودارت على عقبيها وقذفته بجملة وولت هاربة:
- انت واحد قليل الأدب.
قهقه بصوت عالي ليصل لمسامعها وهتف بها دون أن يبالي بوجود أحد ما بالقرب منهم:
- تراني أحلى من الهنود، وأصلح أكون فارس أحلام.
وعاد للضحك وتحرك متجها لمجلس الرجال وابتسامة متألقة تنير ثغره،
يا هل ترى.. هل سنرى حب جديد؟؟... أم هي مجرد مشاكسة بين اثنين
- ههههههههه... " لا.. ما أظن ".

****************************************
ما أجمله من شعور وأنت تعود لأرض الوطن بعد أن تعبدت بمحراب الطهارة، احساس بالخفة والراحة تطغى عليك بعد أن تركع للواحد القهار تشكيه همك وتطلب المغفرة وجنة الخلد، وأن يرفق بحالك، شعور يتلبسك بأنك قد ولدت من جديد بعد أن تترك تلك البلد الطاهر وهذا هو شعورها بعد اسبوعين من الخشوع بين يدي رب العالمين، اسبوعين فقط توجهت لله الواحد القهار ولا أحد سواه، فمن سيبقى سواه والكل فاني .
الوطن هو الانتماء والأمان والاستقرار، هو العائلة والحب، فيا الله كم اشتاقت لأولادها ولمنزلها وللجميع، "وهو" لا تنكر اشتياقها له، لكن......
قطع تفكيرها همس ابنها سالم:
- حمدالله على السلامة يا الغالية، وصلنا البيت.
ناظرت ذلك القصر المهيب بشوق وحنين، هذا منزلها، هنا مكانها ولن تذود عنه.
تسلحت بأسلحتها التي ذهبت تبحث عنها، وتجلدت، فأمامها معركة قاسمة.
ترجلت من السيارة ووقفت تتأمل شكل المنزل وتهادى إليها صوته الهادئ والمشتاق للقياها:
- توه مانور البيت، كان مظلم بغيابج يا نور عيني.
والتفتت إليه بابتسامة متسعة وأجابته بدموع ترقرقت لرؤيته.
- البيت منور بأصحابه يا عمري انت.
واقترب منها متلقفا إياها بين أضلاع صدره ومقبلا رأسها بقوة مشتاقا لها ثم ابتعد وانحنى طابعا قبلة على كفيها وهتف:
- البيت من دونج ماله طعم، يا الغالية لا تبعدين عنا ترانا نضيع من دونج.
- يا بعد قلبي انت ياسعود، ماراح أبعد وماراح يبعدني عنكم غير الموت.
ليسارع قائلا:
- بعد عمرٍ طويل يالغالية، بعد عمرٍ طويل.
وهناك من بعيد وقفت مدهوشة ترقب هذا اللقاء الحميمي بين أم وابنها، لم تتوقع أن يمتلك كل تلك الأحاسيس والحب لوالدته!!.. اعتقدته شاب غير مبالي أو شيء من هذا القبيل، لكن الآن قد تغيرت نظرتها ناحيته ولم تنتبه من أنهم تحركوا للداخل ووقفوا ينظرون إليها باستغراب ماعدا شخص واحد يعلم من هي.
ارتبكت وخجلت من تحديقها به وتساءلت.. ماذا يظن بها الآن؟؟.. فهي دائما ما تراقبه عندما تعتقد بأنه غافل عنها.
- مرحبا يابنيتي.
أخرجتها العمة بصوتها الحنون من خجلها واداركت نفسها لتقبل مقبلة لها وتحيها.
- حمدالله على سلامتج يا خالتي، وإن شاء الله عمره مقبولة.
- تسلمين يابنيتي، بس اسمحيلي ما عرفتج!!.
وابتسمت شهد ونسيت من يقف بجانبها قائلة:
- بس أنا أعرفج وسمعت عنج أشياء كثيرة، بس ما سمحت لنا الظروف إنا نتقابل.
وتساءلت خديجة:
- وكيف سمعتي عني؟؟.. ومين قالج؟؟.
- أنا يا خالتي رفيجة العنود في الجامعة، واسمي شهد.
وهتفت العمة قائلة:
- هيه عرفتج يابنتي، عنود قالتلي عنج وعن ميثة بعد بس مثل ما قلتي ما صارت فرصة إنا نجوف بعض.
- وهذي الفرصة جت اتعرفي علي قد ماتبين وأنا حاضرة وموجودة بأي وقت.
ضحكت العمة ومن ثم قالت:
- والله إنج مثل ماقالت العنود عنج.
قطبت شهد مابين حاجبيها وسألتها:
- وش قالت عني؟؟..
وعادت تهذر بخفة دمها:
- أكيد قالت دمي خفيف وأنا حلوه وكيوت و......
وزادت قهقهات العمة لتأخذها بأحضانها مستمتعة بكلامها، وهمست لها:
- ماقالت عنج إلا كل الخير، تعالي خلينا ندخل
أحاطتها بأكتافها لتلف شهد ذراعها حول خصر العمة وأخذت تحادثها أثناء دخولهما للمنزل وخلفها سعود الذي يستمع بصمت ويناظر هذه الفتاة العجيبة التي خرجت له من حيث لايدري، وسالم مستمتع بسعادة والدته، وبالطرف الآخر وقف متوترا ومشتاقا ومتلهفا للقياها.
أغمض عيناه متلذذا بنغمات أوتارها التي انساقت إليه تخبره بوجودها بمحيطه، وأخيرا بعد أيام شاقة وطويلة كأنها الدهر وأفرج عن مقلتيه ليراها هناك تقف بجمالها وطهارتها ونقائها وبابتسامة مشعة ووجه منير يشع بنور الايمان والسعادة للرؤية الأهل والأحباب، عناقات وأحضان وتمسكت الجدة بابنتها التي لم تلدها ونشجت باكية:
- توه مانور البيت يا بنيتي، البيت مايسوى بلاج يا نور هذا البيت.
أمسكتها العمة دامعة العينين هي الأخرى وانحنت تقبل كفيها بكل الحب والاشتياق لهذا المرأة التي تعدها مثل والدتها.
- النور نورج يا يومه والله يخليج لنا ويطول بعمرج.
رفعت الجدة كفيها لتحيطهما بوجه خديجة وهمست:
- الله لاحرمني منج يا بنتي، وعساج دوم مستانسة ومرتاحة.
واحتضنتها خديجة بقوة وهطلت دموع الفرح بسبب ماتكنه لها هذه العجوز لها من حب، وأقبل الباقي مسلما عليها إلى أن جاء دور منصور الذي وقف بعيدا يتأمل والدته ليرى وجها وضاحا قد فتح الله عليه من واسع أبوابه فاطمئن قلبه واقترب يطالب:
- جذا... أهون عليج يا الغالية وتتركيني لمدة اسبوعين؟؟
وقفت تراقبه وتتأمل قسماته بأمومة، وأجابته:
- حشى والله ماهنت علي بس.....
وقاطعها وهو يقبل عليها:
- كنت أمزح معاج يا الغالية.
والتفت ذراعيه حولها متنعما بحنانها وبدفئها الذي اشتاق إليه كثيرا وهمس لها:
- يا الله كيف اشتقتلج يا يومه، لا تبعدين الله يخليج!!.
واعتصرته هي أيضا مخبره إياها بأنها معه وهمست له :
- أنا معاك يا وليدي، معاك دوم.
ووقفت آمنة تراقب هذا المشهد وعيناها تذرف دموع التمني والرغبات، وأن يكون لها ما يكون له، كم تمنت بأن يكون لها عائلة محبة ترعاها وتخشى عليها!!.. وكم أرادت أن تتعلق بأحدهم وتبحث عنه بغيابه وتشتاق إليه!!.. وكل هذا مجرد أحلام وأوهام، فالواقع مختلف كليا عما نريد.
ابتعد عنها ومسح دمعاتها وهتف:
- لا تبجين عاد، بسج خلاص، ألحين مافي دموع بعد اليوم، واستخدمي شامبو مال الأطفال.
قهقه الجميع على ماقاله ومن ثم حل الصمت بعد أن تكلم، ودارت العيون متجهة صوبه.
- شخبارج يا أم سالم؟؟.. عمرة مقبوله إن شاء الله.
ولم يزد حرفا آخر فلهفة عيناه بها أبلغ من الكلام، لتجيبه:
- تسلم وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
وبعدها بهتت ابتسامته وانكسر بريق عينيه عندما أشاحت بوجهها بعيدا عنه منخرطة بحديث مع الباقيين وكأنها كانت تحادث شخص غريب وليس بزوجها وبحبيبها، وتساءل... ألم تشتق له؟؟.. ألم تتلهف لرؤيته بعد غياب؟؟... والسؤال الأخير ضربه بالوتر الحساس، ألم تسامحه بعد؟؟.
شاهد الجميع ما حدث ولم ينبسوا بأي شفه وغضوا البصر كأن شيء لم يحدث، ووقف حسن مع حمدان بجانب بعض وهم يراقبون نساءهم بعيون حزينة، فلقد اشتركوا مع بعض بايذاء نسائهن ولو اختلفت الطريقة، لكن يبقى العذاب واحد.
استأذنت من الجميع لتذهب لغرفتها لتبدل ملابسها وبعدها ستعود.
فتحت دولاب ملابسها وسحبت احدى الجلابيات الفخمة وبعدها سقطت من يدها عندما سحب جسدها للخلف واحتواها جسد تعرفه كما اسمها تماما أو أكثر، لطالما تنعمت بين أحضانه، ولطالما سكنت إليه فهو أمانها واستقرارها وينبض بداخله قلب قد عشعشت هي بداخله، فقد تملكها كيانا وروحا.
- اشتقتلج يا الغالية، اشتقتلج ياحبيبة حسن.
وأدارها لتواجهه ثم انحنى مقتنصا شفتيها بقبلة أقل ما يقال عنها إنها قبلة الحياة، فقد تعلقت بها أرواح طاقت لها، وجسد استبد به الحنين للقيا الحبيب، فتمازجت الأنفاس واتحدت القلوب وغدا جسديهما كما الكيان الواحد.
اعتصرها بكل قوته وهي بادلته احتضانه، ولكن بعدها عندما يحل الوجع وتنتكئ الجروح يبقى العذاب هو بأعالي الهرم لترتخي ذراعيها بعد أن كانت تتشبث به كما طوق النجاة، وطغت البرودة بجسدها بعد أن كانت تستعر بنار حارقة، وشفتيها بعد أن كانت تعارك بمعركة الحياة غدت جامدة وكأن الموت قد عانقها، وهمست لتكون كما الصاعقة التي ضربته بالصميم:
- بعد عني!!.
وابتعد قليلا فقط وسألها بأنفاس مقطوعة وبقلب راجف:
- ليش أبعد؟؟
- قلت بعد عني وهذي آخر مرة تلمسني فيها.
وعندما لم تجد منه مبادرة دفعته عنها لتسقط ذراعه على جانبيه وهمس باسمها بشجن:
- خديجة...
أخذت أنفاسا عميقة ثم زفرتها وقالت بصلابة وعيون جامدة:
- قلتلك لما أرجع راح أقولك قراري وانت لازم تلتزم فيه.
هز رأسه برفض لما شاهده بمقلتيها، فهو يعرفها... يعلم ماتقوله وماتريده قبل أن تبوح به، وصرخ بها وأمسكها من أكتافها يهزها:
- لا ياخديجة لا تقولينها!!.. أنا غلط بحقج وأنا آسف، والله آسف وندمان، وراح أطلقها بعد ماتولد، أصلا أنا كنت بطلقها لما عرفتي بس قدر الله وما شاء فعل، خديجة بموت إن تركتيني!!.. أنا بدونج ما أسوى شي، أنا أحبج وانت عارفة هذا الشي، أنا آسف يا الغالية!!.. آسف!!.
وأجابته ببرود ودفعت ذراعيه عنها:
- يلي صار صار يا حسن ومايصير الندم ألحين، وأنا ماراح أكثر الكلام وخذ قراري... أنا ماعدت أبيك يا بو سالم، انت جرحتني بقوة وما فكرت فيني لما اخترت وحدة ثانية تشاركك فيني، أحبك صدقني أحبك، وحبك راح يبقى، لكن صعب إني أسامحك على يلي سويته فيني، يمكن كنت أسامحك لو أنا كنت مقصرة بحقوقك، لكن أنا عارفة وواثقة من إني ما كنت قصرت بشي معاك، فما كان لك حق إنك تدور على وحدة ثانية.
ابتلع لعابه بشدة، وصدره بدأ يضيق به، وتراجع للخلف وهو يفك أزرار دشداشته وجلس بانكسار وضعف وهمس:
- تبين الطلاق!!.. تبين تبعدين عني يا خديجة بعد هذا العمر؟؟.
أشاحت بعينيها بعيدا قبل أن تنفضح مشاعرها وأجابته:
- انت يلي بعد يا حسن مب أنا، وطلاق.. لا ماراح أتطلق، أنا عندي أولاد كبار وعلى ويه زواج مستحيل بعد هذا العمر أتطلق والكل يشمت فيهم.
رفع رأسه بأمل وسأل:
- عيل شو تقصدين؟؟.
- قصدي ننفصل وكل واحد بطريقه، مالك حقوق علي ومالي حق عليك، ونترك الأمور على ماهي عليه لين الله يكتب فينا الخير.
- بس...
- هذا قراري يا بو سالم واسمحلي، عندي ضيوف لازم أستقبلهم ما يصير أتركهم لحالهم
وتركته متجه للحمام لتستحم وتبدل ثم خرجت تاركة خلفها قلب يتحطم لفراقها، ياترى... هل انتهت قصة حسن وخديجة أم أن للقلوب والأقدار رأي آخر؟؟

******************************
انتهت الحفلة وعاد الجميع لمنازلهم على وعد بتكرار هذه الجمعة مرة أخرى.
غادرت ميثة وشهد بعد أن قدم والد شهد لأخذهما وغادرت عنود مع الأطفال وشقيقتها آمنة مع حمدان لشقتهما وقبل رحيلهم قامت العمة بالتحدث مع عنود على انفراد، وحسن اختفى تماما، وخديجة أضجعت جسدها على فراشها وحيدة ونامت فهذا مااهتدى إليها قرارها عندما كانت عند بيت الله، والجدة تدعوا بقلب خاشع أن يزيل الغمامة السوداء عن منزلهم وبخضم شرودها وهي على فراشها تذكرت الحية الرقطاء على هيأة البشر التي قدمت اليوم، فسبحان الله لخلقه شؤون، ووكلت أمرها لله الذي لايخفى عليه شي، ودعت من جديد أن يحفظ عائلتها من كل شر.

***************************
وهناك بالجهة الأخرى وبمكان انتشر بمحيطة كمية من الحقد والشر
جلست بالظلام وبعيون شاردة وهي تتذكر الأحداث التي مرت عليها هذا الصباح عندما ذهبت لزيارة والدة زوجها، اعتقدت بأنها ستقف معها إلا أنها كانت واهمة، فقد طردتها من المنزل وأمرتها بعدم العودة إلى هنا مرة أخرى، فبعد أن فضح الصغير سرها لم يعد لها مجال للمطالبة بأي شيء، بل الفزع من أن يعلم زوجها بما فعلته فتكون عاقبتها وخيمة كما قالت لها والدتها، فتذكرت الصبي عندما هدر بها كما الصاعقة شعرت بالرعب يجتث من خافقها، فهي لم تعتقد بأن هناك من شاهدها سوى غريمتها وزوجها وبانفصالهما علمت بأن سرها لن يكشف، لكن كان هناك من شاهد تقديمها للقربان.
- انت ليش ياية مرة ثانية؟؟... تبين أمي وأبوي يطلقون مرة ثانية؟؟.. ماكفاج المرة يلي طافت؟؟
والتفتت الجدة إليه بعيون جاحظة واستفسار صادم:
- عبد الله... إن تشو تقول؟؟
اقترب من جدته وعلى ملامحه جنون قد طغى عليه من وجودها هنا مرة أخرى وأشار ناحيتها وبصوت اعتمله الغضب صرخ:
- هذي الحرمة كانت هنا المرة يلي طافت لما أبوي طلق أمي، كانت هي السبب!!.
مازال الذهول يرتسم على محياها وسألته دون تصديق:
- عبدالله... انت تعرف هذي الحرمة؟؟.
وبعيون حاقدة صوبها ناحية من ارتجفت أوصالها خوفا من انكشاف سرها الذي اعتقدت بأنه قد طمر ودفن.
- لا ما عرفها بس كانت هنا واتكلمت مع أمي وقالت كلام ما عرفت شو سالفته بس أبوي عصب عليها وطلقها، أنا كنت واقف وجفت كل شي.
وصرخت ابتسام بانكار لثقتها بأن الصغار دائما ما يكذبون ولم تعرف بأن هذا الصغير يختلف عن الباقون:
- كذب.... والله الواد ده بيكذب!!.. أنا ماجيتش هنا أبل كده، ودي أول مرة آجي فيها.
- اقطعي السانج يا قليلة الحيا، وولدي ما يكذب أبد، عيل انت سبب البلاوي؟؟.
تراجعت ابتسام للخلف خوفا من نبرة العجوز التي زلزلت أركان المنزل وحاولت بضعف الدفاع عن نفسها:
- أنا... أنا مبكدبش......
تقدمت الجدة منها وهي تشير لها بعصاها:
- ولج عين بعد تنكرين!!.. صدق إنج ما تستحين على ويهج، وياية ألحين تطالبين بشي مالج حق فيه!!.
وعندما تسمع رنين المال تقف بوجه كل من يحاول سلبه إياها:
- لاء.... أنا لي حق هنا و.......
قاطعتها الجدة بشدة:
- هذا بيت بنتي خديجة، ومالج حق فيه ومحرم عليج تدخلينه .
- بس أنا كمان مرات حسن يعني زي زيها، وكمان أنا حامل .
فأجابتها الجدة:
- إذا انت مب قادرة تربين ولدج احنا قادرين نربيه، لكن إنج تعيشين بهذا البيت فاحلمي، ويلي سويتيه بعيالي العنود وحمدان ربي ماراح يسامحج عليه وعقابج راح تاخذيه إن ماكان بالدنيا راح تحصليه بآخرتج.
ثم تابعت بحسرة:
- أسفي على ولدي يلي ما عرف يختار صح، لكن مسيره يعرف مين انت.
ارتجفت من شدة غضبها وعجزها لنيل ما كانت تريده، وهسهست:
- حقي ومستحيل أسيبه.
ليصدح صوته قويا رنانا:
- سمعتي يدتي شو قالت؟؟.. مالج شي هنا!!.. وأمي وأبوي ماقدرتي تفرقي بينهم لأن الله يحبهم ومايرضى بالظلم.
سكت يلتقط نفسا عميقا ثم أمر بنبرة لا تثنى أبدا:
- وألحين يلا برع مالج مكان هنا.
ورفع سبابته للأعلى وهتف:
- والله والله لو جفتج هنا مرة ثانية ماتلومين إلا نفسج وراح أنسى إنج حرمة وضيفة ولج الاحترام لأن يلي مثلج ما له احترام أبد.
وأشار بيده للخارج وهدر بها بحمية حماية عائلته من أي شر يريد أذيتهم:
- قلت برع ولى أتصل بالشرطة وهي تتصرف معاج؟؟.
وخرجت خائبة وخالية الوفاض، لكن كمية الغل انتشرت بداخلها وجعلت الشيطان يتلبسها لتغدوا مثله شر متمكن تجري بدمائه الخطيئة وليس سواها، وعينيها برقت بنيه تدمير كل ماهو طيب وسعيد وأولهم كانت هي.

طُعُوْن 05-01-17 02:08 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الواحد والثلاثون..........
تمضي الأيام وتسري بي الشهور.
وما أزال أقف بمكاني.
أناظرك يا كحيلة الطرف وأراك تبعدين.
أيعقل أن قلبك تحول وتحجر!!
لا... ترفقي بقلب قد استحكمته بغفلة مني .
فقد غدى هشا شحيحا يتوسل حبك.
أيامنا تمضي، وعنادك يزيد، وأنا ضعت بين الدروب.
سعيت ومازلت أسعى، وصرت كما الظل خلفك.
فأتساءل... أهذا هو عقابك؟؟.
ألم تكتفي يا نبض الفؤاد؟؟.
قلبي مريض بحبك وطيفك لا يغادر خيالي.
أقف بين يدي ربي وأدعوه تضرعا لعله يلين قلبك القاسي.
أوتعرفين يا من يجري عشقك في الشريان؟؟..
جرحتك وهذا أعلمه، لكن مالا تعرفينه أني أنزف لجروحك.
آه... لو تعرفين أني مريض بك، ودوائي بين ينبوع شفتيك.
أوتبخلين علي بشفاء أنت سبب سقمه؟؟
ماذا أقول؟؟.. وماذا أفعل؟؟.. فقد ضاقت بي السبل!!.
أتبغين البعد والفراق لتجعليني أتلضى بفراقك؟؟
أعشقك لحد الثمالة وروحي لا تهمس سوى باسمك .
فمالي سوى دعوى.. أن يحن قلبك علي وتترفقي بحالي الضمآنة.
( حمدان )
*****************************
مضت الأيام سريعا لبعض الناس وهم ينتظرون شروق شمسهم لتنير حياتهم والبعض الآخر يراها بطيئة تكاد عقاربها أن لا تتحرك فرغبته بقدوم ضيف قد طال انتظاره تجعل أيامه تمر كما السلحفاة .
تهدهد جنينها وتهمس له بشوق:
- متى بتطلع وتنور حياتي؟؟.. مشتاقة لك يا قلبي.
وعادت لشرودها تضيع بين الهمسات من حولها تفكر وتتفكر بمن سرق منها دون أن يعيد ما أخذه.
وبالجهة الأخرى يجلس خلف مكتبه وعيونه شاردة وحواسه ضائعة يتفكر ويفكر بكيف السبيل لارجاعها إليه!!.. فالوقت يسرقه ولم يبقى الكثير لولادتها، فقد مرت عليهم ثلاثة أشهر أخريات أي بقي على ولادتها شهرين وبعدها..
أغلق عينيه والبؤس يلون حياته، لقد استخدم معها كل الأسلحة والحيل وكل ما هو قانوني وغير قانوني، فهو لم يبخل بكلمات العشق التي أخرجها من أعماق قلبه ليسكبها عليها ويروي جروحها الغائرة لعلها تغفر.
يرى تجاوبها.. من عينيها المتلألئتين إثر غزله.
يشاهد انفعالاتها.. بابتسامتها الحانية والحالمة.
ورغبتها بإسقاط حصونها يستشعرها.. من الحرارة المتدفقة من جسدها وأنفاسها الثائرة.
لكن ماهي إلا لحظات حتى ترتد وترتدي ذلك القناع القاسي والمميت.
لم ييأس ولم يدخر أمواله بسبيل ادخال السرور والبهجة في نفسها، لقد أمطرها بالهدايا القيمة والغير قيمة، يعلم ما تحب فحاول كل جهده أن يوفرها لها فتناظرها بفرح وابتهاج لثوان حتى يعود ذلك البغيض ويقلب الأحوال، فيعود ويحاول أن يلين قلبها ناحيته، لكن النتيجة واحدة... الصد ولاشيء سواه.
- آه يا العنود وشسويتي فيني؟؟.. ماعدت نفس قبل، ليش ما مب راضية تسامحيني؟؟... طال صدج يا الغلا وما عدت أطيقه.
وأخذ يتفكر بحياته معها واسترجع شريط ذكرياته منذ لقائهم الأول إلى هذا الوقت والأحداث التي مرت عليهم لتكون الغلبة من نصيبها، لقد أخطأ بحقها كثيرا منذ البداية وتحملت هي منه الكثير والآن يستكثر عليها غضبها وصدودها منه!!.
لكن ماذا عليه أن يفعل؟؟.. هو يعشقها ويتمنى وصالها ويتمنى عودتها إليه بسرعة.
طرقات على الباب أخرجته من شروده وحزنه، فاعتدل بجلسته واتخذ ملامح البرود والجمود وأجاب الطارق:
- تفضل.
ودخل صديقه وعلى ملامحه العبوس والضيق.
- مرحبا سعيد، شو الأخبار؟؟
وأجابه:
- بصراحة.. الأخبار ما تسر .
التقى حاجبي حمدان باستفسار وهو يرى قسمات صديقه لا تحمل الأخبار السارة .
- اقعد يا سعيد وقول شو السالفة، وكل مشكلة بإذن الله ولها حل.
تنهد صديقه وقال بجمود:
- نعم يا خوي، كل مشكلة ولها حل، ولازم تعرف بعد إن بعض الظن إثم، وانت انسان عارف وفاهم ومايحتاي حد يقولك إنك لازم تفهم الوضع قبل لا تحكم على العنوان.
ازدادت حيرة حمدان وشعور غريب استحكم صدره، وهلع استبد بخافقه فسأله بسرعة:
- سعيد... قول يلي عندك، تراك قاعد تلعب بأعصابي!!.
أخذ سعيد أنفاسا عميقة ثم وضع ظرفا أمام صديقه فتحركت أنظار حمدان ناحية ماوضع أمامه وظلت عيناه تعانق الظرف وقلبه ينبئه بأن ما سيراه لن يعجبه أبدا.
وضع كفه عليه ليسارع سعيد واضعا كفه فوق كفه وقائلا:
- حمدان... لازم تعرف إن يلي راح تجوفه مب حقيقي وإنه مفبرك.
الآن وقد صارت ضربات قلبه كما الطبول الهادرة ووجهه احمر بغضب لم ينفلت بعد وسحب الظرف وفتحه وأخذت أنفاسه ترعد كما الليلة العاصفة.
عيونه تجري عليها دون تصديق، ومراجيله تغلي كما الحمم الحارقة، وهمس بذهول ومازال يتابع ما بين يديه:
- وين لقيتهم؟؟.
- حمدان....
فصرخ به:
- أسألك وين لقيتهم؟؟
- صار حادث سيارة ولما جت الاسعاف علشان تاخذ الريال للمستشفى رفض ما عنه مجروح وهنا استغرب واحد من الدوريات ردة فعله المب طبيعية ولما ركز عليه انتبه إن عيونه ديما على السيارة ورافض حد يقرب منها وهنا تحرك وفتش السيارة والريال يصرخ فيه وجاف الظرف مرمي تحت الكرسي و....
قاطعه وهو ينتفض من كرسيه لدرجة سقوطه مدويا بأرجاء الغرفة وكفه يعتصر ما بيده:
- ووين هذا الحيوان ألحين؟؟.
وقف سعيد أيضا وحاول مداهنته إلا أن صوته الذي ارتجت له أركان الغرفة كانت قاطعة ليجيبه بقلة حيلة:
- للأسف... هرب.

****************************
وبغرفة الجلوس جلست الجدة والعمة وعنود وشقيقتها آمنة وصديقتيها شهد وميثة فعطلة منتصف السنة قد حلت، فلادراسة ولا كتب فقط اللعب والأكل والتلفاز، هذا ما اتخذته شهد قانونا على نفسها .
وما بين حديث وضحك واستفسار عن الحال، استهلت العمة الحديث بجدية بعد أن ولى المرح مخرجة تلك الغافلة عن أحاديثهم من شرودها:
- عنود يا بنتي.
التفت ناحية عمتها وأجابتها:
- آمري يا عموه.
- ما يآمر عليج عدو.
أخذت أنفاسا طويلة ثم تحدثت بعد أن إلتقت عينيها مع الجدة التي أجابتها بالايجاب وبدأت:
- يا عنود.. لين متى العند يا بنتي؟؟
استغربت عنود قولها واعتدلت بجلستها بعد أن كانت مضجعة جسدها المنتفخ على الأريكة وتساءلت:
- ليش يا عموه شو صار؟؟.. أنا شو سويت؟؟
وكلمة واحدة قالتها لتفهم عنود ما تريد قوله:
- حمدان...
وضعت كفيها على بطنها البارز وأخذت تمسده بحنان ورقة كأنها تهدهده وتعطيه الطمأنينه التي تنشدها هي وهمست بوجع وهي تشيح بعينيها عنهم:
- وشفيه؟؟
لتجيبها شهد هذه المرة وقد اتخذت الجدية هي أيضا، فحال صديقتها لايعجبها، تعرف بأنها تعشق زوجها حد الموت، لكن كبرياءها يقف حاجزا وسدا منيعا بينهما:
- وشفيه يا عنود؟؟.. وتسألين!!.. الريال حفى وهو يطلب رضاج، واتأسف مليون مرة على يلي سواه، لا.. والمسكين بعده ما مل، وانت عطيتيه الإذن الصمة.
سكتت قليلا وحدجتها بنظرات قوية وتابعت:
- ماهقيت قلبج قاسي يا اختي يا العنود!!... والمشكلة إنج تحبينه.
شمخت العنود برأسها عاليا وتوحشت خضرتيها لتغدوا غامقة اللون كما غابة استوائية تموج بها الأعاصير، واستطردت العمة قائلة والجدة صامتة تستمع فقط وتتكئ على عكازها بسكون:
- حمدان صح إنه غلط بحقج ووايد بعد، واحنا ما ننكر هذا الشي ويستاهل العقاب، لكن عقابج طال يا العنود، والريال ماعاد مثل أول، هو تغير يا بنتي ومابقى حمدان الأولاني، هو يطلب رضاج، علشان ترجعون لبعض.
جامدة ساكنة وعيناها تناظران الجدار الذي أمامها دون أن تراه، بل صور ولقطات له وهو يطلب الصفح ويسكب عليها كلمات العشق والهوى فهو لم يدخر الجهد بسبيل نيل الغفران.. هدايا قيمة وغالية، بطاقات كتب عليها " أنا آسف "، وعيناه تنطقان بالندم، قاطع ألبوم صورها صوت شقيقتها آمنة:
- أيوه يا ماما عنود أنا معاهم بالكلام، عمو حمدان كل يوم بيطلب منك إنك تسامحيه، أنا بشوفه ديما وهو بيحط البطاءة بالمكان يلي بتعدي عليه علشان تشوفيها، أنا... أنا بؤول كفاية عليه كدا، هو بيحبك وندما يلي عمله فيك.
وسكتت لتكمل ميثة بثقة وحكمة:
- تعرفين يا عنود.. لو واحد ثاني كان تركج من زمان وقال خليها تولي، أنا سويت يلي علي وهي ما رضت خلاص، هو مب عيزان عن ولده وراح يصرف ويربيه عادي، لكن هو يبيج انت.. انت يا العنود وما في غيرج وهذا يدل على إنه يحبج ومتمسك فيج ومتحمل جفاج ويلي تسوينه فيه، هو يلي جرحج يا العنود وخليه هو يداويج بس عطيه فرصة، فرصة وحدة يثبتلج إنج غالية عليه ومستحيل يفرط فيج مرة ثانية.
لم تنبس بأي شفه، لكن بداخلها صراع شديد بين الرغبة بالصراخ بأن يكفوا عن الدفاع عنه وأنه لا يستحق هذا، وسؤالهم بأين كانوا عندما أرادت من يدافع عنها؟؟.. هو المخطئ!! وهو من يتلقى الدفاع عنه!!.
والجهة الأخرى تطلب منها الإكتفاء من الهجران، وأن تلين قلبها ناحيته، فهو حبيبها، وقلبها لم يهمس سوى باسمه فقط، فقالت الجدة بعد فترة من الصمت تنهي الجدال الدائر:
- ماعليج منهم يا بنيتي ويلي تبيه بيصير، أنا ماراح أجبرج إنج ترجعين لولدي حمدان، تبين الطلاق أوعدج إني أخلي حمدان يوافق بدون لا يقول حرف واحد.
اعتصرها الألم وانقبض فؤادها بشدة حتى اعتقدت بأنها ستلفظ أنفاسها الأخيرة، واستطردت الجدة وهي تلتقط خلجاتها:
- وولدي حمدان له الله وإن شاء الله، الله يرزقه ببنت الحلال يلي تناسبه وتداريه.
ودوت الرصاصة القاتلة لتشعر بها تخترق خافقها وتخرج من الطرف الآخر دون أن تبالي بالجرح الغائر الذي تركته خلفها، أيعقل؟؟... هل سيفعلها؟؟.. أسئلة ضجت بعقلها، وطنين طغى بأذنيها، ولم تستمع ولم ترى هلعهم عليها بعد أن شاهدوها وهي تترنح بجلستها .
- عنود... عنود يا بنتي شو حاسة؟؟.. انت بخير؟؟.. أوديج المستشفى؟؟.
تنبهت حواسها وشاهدت عيون الجميع مصوبة ناحيتها وهمسهم، وقرب شهد منها وهي تلعن:
- الله يغربل بليسنا!!.. شكلنا حطين عليها وايد؟؟
فهمست عنود بعد برهة وهي تحاول النهوض:
- أنا بخير، أنا بخير، بس حاسة بشوي تعب، بروح غرفتي برتاح، اسمحولي!!.
ساعدتها العمة وميثة بالنهوض وعندما حاولت شهد قول شيء ما منعتها الجدة، وسارت بخطى بطيئة وعقلها يدور بحلقات مفرغة، ولم تشعر بنفسها وهي تنام على السرير ولم تستمع لحديث ميثة بأن تناديها لو احتاجت لشيء ما، بل أغلقت عيناها وتركت نفسها تغوص بأحلام بلا أحلام.
وفي الخارج.....
لطمت شهد خدها وقالت بجزع:
- حسبي الله ونعم الوكيل!!.. البنت بتروح فيها، شكلنا زودناها وهي ما تتحمل شي.
لتقول الجدة وهي تتجه ناحية الباب:
- لا يا بنتي يا شهد، عنود كان لازم تعرف شو يلي راح يصير، هي على بالها إن حمدان بيتم يلاحقها دوم ونست إنه ريال ويمل بسرعة وما يحب الحرمة يلي دوم زعلانه ومبوزة، صح إنه يحبها ويبيها، لكن كل شي له حدود، كل شي له نهاية، وكان لازم تعرف هي على شو واقفة، ولازم تحط النقط على الحروف مثل ما يقولون.
وحركت رأسها لتناظرهم من فوق كتفها وأمرتهم:
- وألحين كل واحد على بيته و....
قاطعتها شهد:
- ونتركها بروحها وهي بهذي الحالة؟؟.
- هي مافيها إلا العافية، وخليها تفكر براحتها، ويلي الله كاتبنه راح يصير.
تطلع الجميع لبعضهم ثم تحركوا مغادرين تاركين امرأة تحترق بنار العشق وتتساءل.. هل هي حقا قد بالغت؟؟.. هل يستحق حبيبها فرصة أخرى؟؟.. وعادت تتساءل وتفكر وتعيد شريط حياتها معه، ومع كل لقطة تتساقط دمعاتها، ومع كل قبلة يزيد أنين أوجاعها، ومع كل حضنة واحتواء يرتفع نشيج الألم، وهمست باسمه ليعينها:
- يارب.. يارب.
كان أن عاد للمنزل مبكرا وبداخله غضب كاسح يدمره ويعتصره، وملامحه لا تشي سوى بالجمود، وعيناه تنطق بالرغبة بازهاق روح أحدهم.
دلف لغرفة الجلوس ووقف جامدا وعقله يدور ويدور وجنون يتلبسه برغبة اعتصار أحدهم لحد لفظ أنفاسه الأخيرة، وما بين الصراع مع شياطينه تهادى إليه أنين خافت فاعتقد بأن أحدهم يتألم، أو يتوجع فاحتار بمكانه، فأصغى السمع ليعرف من أين يأتي، وعندها علم مصدره، وبسرعة البرق نسي ما به وطار ناحية غرفتها لاعتقاده بأنها لربما قد أصيبت أوتعاني من حملها، وبلحظة تردد بالدخول، لكن صوت نشيجها وبكائها جعله يتخذ القرار وفتح الباب ليتجمد بمكانه وهو يستمع بالفعل لبكائها.
راودته الهواجس والخوف من وقوع مكره بها، فانطلقت قدماه إليها ووقف بجانب سريرها وسألها بلهفة:
- عنود حبيبتي.....
ورفعت له عيون حمراء دامعة باكية شاكية، وخضرة قد فقدت بريق لمعانها، فعاد يستفسر ويداه تجولان على جسدها:
- شو فيج يا قلبي؟؟.. يعورج شي؟؟.. أوديج المستشفى؟؟.
طالعته من خلال غشاوة عينيها وبالرغم من أن الرؤية غير واضحة إلا أن صوته لا يكذب خوفه عليها، وملامحه المتعبة والمرهقة والجزعة لا تكذب، هو يهتم بالفعل!!.. فأرادت الصراخ...
- انت يلي تعورني، انت يلي تسبب بوجعي، آه لو تعرف شو كثر أنا أحبك!!.
وأعاد سؤاله وهذه المرة وهو قريب محيطا بوجهها المبلل بدموعها:
- يا قلب حمدان، قولي وشفيج؟؟. وطمنيني وش يعورج؟؟.
فهمست بداخلها بحرقة:
- قلبي يعورني، حبك يهلكني، مب عارفة أنا غلطانة أو انت؟؟.. أنا قلبي قاسي ولا لاء؟؟.
ومع كل سؤال وهمس يزيد نواحها وسقوط للآلئها، وأجابته بأوتار منهكة وبصوت خفيض وسط بكائها:
- كل شي يعورني، كل شي يعورني.
وبدأت نوبة أخرى من سقوط شلالات عينيها لتدمي قلبه العاشق لهذه الصغيرة التي تملكته تماما، فانتفض مقتربا منها ولم يبالي بطلبها له بالسابق بعدم اقترابه منها.
أخذها بين ذراعيه وسحبها ليتوسد رأسها صدره النابض بحبها، واحتواها بشدة ناحية جسده لتتشبث به وبكائها يزيد، ومع كل صرخة تهدر منها يزيد من احتضانها ولسان حاله لايكف عن قراءة القراءن وهدهدته وبث همسه ليطمئنها.
- هشششش أنا هنا وماراح أتركج، أنا هنا .
ومع انتهائه من كل آية يقبلها على جبهتها كأنه يخبرها بوجوده، وظل على هذه الحال يقرأ ويهديها قبلة إلى أن نامت على صدره كما الطفلة الصغيرة، فقط شهقاتها هي ما تخرج بين الحين والأخرى، ودموعها تجري دون توقف مخلفه أخدودا على وجنتيها المحمرتين.
مسح فيضانها بابهامه وعيناه مسلطتان على صفحة وجهها ويتساءل:
- شو فيها؟؟.. ليش هي جذا منهارة؟؟.. ليكون عرفت يلي صار؟؟.. مين يلي قال لها؟؟.
ليعود وينفي ما اهتداه له عقله وعيناه تجري على قسماتها.
- لا هي ماتعرف، في شي ثاني خلاها جذا.
وهو سيعرفه بالحال.
رفعها ناحيته ليلتقيان بالمنتصف وتلامست الشفاه بخفة كلمسة الفراشة وابتعد عنها واعدا نفسه بأنه سينهل من هذه الثمرة لحد الشبع، فقط عليه الصبر ولا شيء سواه، وهو سينالها بكل تأكيد، فحياته دونها لا طعم لها، حتى لو اختارت البعد فهو أقسم بأنه سيظل على هواها إلى أن تنقطع أنفاسه.
أعادها للفراش ولكنها تمسكت به بقوة وتحرك جسدها ناحيته لتلتصق به غير راغبة بتركه وهمست برفض دون وعي:
- لا.....
فهمس عند أذنيها بحنان:
- ماراح أتركج يا قلبي انت، أنا هنا موجود ما راح أروح بعيد.
ولم تتركه بل شددت بقبضتها لدرجة أنه تألم منها، لكن لذتها كانت قد طغت على الألم، فعاد لهمسه وأنفاسه المتعطشة لقربه منها تعصف على بشرة وجهها:
- أوعدج إني ما أتركج!!.. أوعدج إني أظل معاج!!... هذي المرة يا عنود أعطيني فرصة وحدة علشان أثبتلج إني ماراح أتخلى عنج.
وكأنها بكلماته تلك قد أخذت العهد والأمان والميثاق وأخلت سبيله.
ابتسم لجنونها... حتى وهي نائمة تحنق وتغضب.
مسح على شعرها ورتب خصلاتها المتمردة ثم غطاها وطبع قبلة على قمة رأسها وإلتفت على عقبيه وغادر غرفتها مغلقا الباب خلفه بهدوء ونادى بصوت خفيض:
- ماري.. ماري...
لتقبل الخادمة على عجل:
- يس سير؟؟.
وسألها:
- مين كان هنا مع المدام؟؟.
وأخذت تعدد:
- ماما كبير، مدام خديجة، وصديق مال مدام عنود.
- عيل وين اليهال وآمنة؟؟.
- يروح مع ماما كبير.
وأخرج هاتفه بعد أن أمر الخادمة بالذهاب وأن تعد له القهوة، فقد أصيب بصداع يكاد يفتك برأسه، وانتظر الرد على هاتفه حتى وصله ثابتا رغم عمرها الكبير:
- يامرحبا بوليدي وتاج راسي.
- يا مرحبا بأمي وجنتي وناري، شخبارج يا الغالية؟؟.
- بخير والحمدالله.
- إن شاء الله دوم تكوني بخير.
- وياك يا ربي، آمر يا الغالي!!.
تنهد وأسألها:
- ما يآمر عليج عدوا، بس بغيت أسألج.. شوصار هنا بالبيت؟؟.. وش قلتوا للعنود؟؟.
ضيقت عيناها وناظرت البعيد وسألته:
- وشفيها ابنيتي العنود؟؟.. تركناها بخير.
تردد بالقول، ولكنه يجب أن يعلم.
- رجعت البيت ولقيتها ميتة بجي، فالله يخليج يا يومه وشقلتوا لها علشان تكون بهذي الحال؟؟.
ابتسمت براحة وهناء وتراجعت للخلف متكئة على الكرسي كأن هماً قد انزاح من على كتفيها وأجابته:
- ما صار إلا كل الخير يا وليدي، وعنود ماعليها شر .
- بس يا يومة......
قاطعته:
- ما عليه يا وليدي خلك قريب منها ولا تتركها .
أغمض عينيه باعياء وهمس لها :
- ومين قال إني راح أتركها.
وكأنها لم تسمعه وسألته:
- وشقلت يا يومه ؟؟.
تنحنح وسعل يعيد لنفسه توازنه وقال:
- قلت شو أخبار اليهال إن شاء الله ما أزعجوج؟؟.
ابتسمت وجارته بالحديث:
- عيالك بخير والحمدالله، خلك مع حرمتك ولا تحاتي أبد.
وودعها وتلقف قهوته وابتلعها دفعة واحدة ثم نهض واتجه لغرفة أطفاله أي غرفته وخلع ملابس العمل واستحم وارتدى ملابسه ثم خرج وهذه المرة قاصدا غرفتها.
دخل وسار على أطراف أصابعه وشاهدها على ماهي عليه لم تتحرك من الوضع الذي تركه فيها، وتحرك للجهة الأخرى من السرير وهنا فز شيطانه صارخا به:
- انت جنيت!!.. عارف شوبيصير لو سويت يلي براسك؟؟.
ليخرج الآخر قاطعا الشكوك:
- ماعليك منه، هي تبيك تكون معاها وما تتركها.
فأخفى المعترض واستمع للمتقبل وأضجع جسده المسلوب القوى بجانبها وسحب جسدها لتكون بداخل أحظانه وبين ذراعيه، فخرجت تنهيدة من أعماق قلبه متلذذا بعد طول غياب بقربها منه، وبملمس جسدها وحرارته، ولمست شفاهه جبهتها.
ووضع كفه على بطنها البارز وابتسم وهمس:
- شخبارك يا حبيب أبوك؟؟.. لا يكون انت بعد زعلان مني من زعل أمك؟؟.. خلك ولد طيب واصلحني أنا وياها.
وتحركت يده تتلمس بشرتها وملامحها باشتياق وأكمل:
- ترى أبوك تعبان، تعبان وايد، وأمك عنيدة وراسها يابس، بس تعرف أنا... أحبها.
وأهداها طبعة من شفتيه على شفتيها ونام كما لم ينم من قبل، ونسي كل ما يتآكله ويقضي مضجعه، وكأنها استشعرت الأمان والسكينة فتحركت أكثر ناحيته ولفت ذراعها حول جسده وغطت بنوم عميق، وابتسامة توسدت شفتيهما.

**************************
أغلقت هاتفها ووضعته على جنب وثغرها مازال يحمل علامة السعادة وأغمضت عيناها وتنهدت براحة لتسألها آمنة بفضول بعد أن تركت الأطفال يلعبون وجلست مع الجدة:
- يا تيته هو انت ليه سبتي عنود لحالها وجبتينا معاك؟؟.. مش ممكن يصير لها حاقة لاسمح الله؟؟.
فأجابتها وهي تفتح عيناها وتتأمل سقف الصالة المنقوش بزخارف جميلة ورائعة:
- اختج العنود بخير وحمدان معاها.
ثم حركت رأسها باتجاهها ونهرتها:
- وبعدين شو هذي تيته بعد؟؟.. قولي يدوه، قولي يومه، تيته قالت.
ضحكت آمنة بخفوت وتلونت وجنتيها بخجل وقالت وهي تعتدل:
- طيب يا يومه، انت تركتي العنود علشان تتفاهم مع عمي حمدان صح؟؟.
لتهتف الجدة:
- عيل يامسودة الويه تعرفين تتكلمي مثلنا وقاعدة تقولين تيته وما أدري وش.
وهذه المرة الضحكة جاءت من خلفهم وصوته الأجش يصلها ليدغدغ أنوثتها الوليدة، واستحياء تشبع بها وجهها.
- يا يومه اتركيها، تراها تدلعج بالمصري.
وناظرها بعيون هائمة وتابع:
- وما في حد يكره الدلع، الكل يتمنى مين يدلعه.
أخفضت عيناها وفركت كفيها وعضت على شفتيها بخجل فتشدقت شفتيه بابتسامة خلابة وجلس وعيناه لم تناظر سواها والجدة تراقب ووالدته تقترب هي أيضا وتشاهد الصورة وتبتسم بسعادة وتذكرت حديثها مع ولدها منصور.
تتذكر دخوله لغرفتها بتردد فعلمت بأنه مستعد للحديث الذي كان يشغل باله منذ فترة طويلة، فحثته:
- ادخل يا ولدي، تراني ما أعض.
قهقه بسعادة وأقبل ناحيتها مقبلا إياها وجلس بجانبها على الكنبة، وسألته بعد أن تركت نفسها له:
- قول يا قلب أمك تراني أسمعك وأنا لك ناصحة وأمينة، وسرك في بير.
سكت قليلا ولأول مرة تراه يستحي من البوح، لكنها تركته ريثما يستجمع قواه ولم يلبث طويلا حتى قال بسرعة:
- يومه أنا أحب آمنة وأبي أتزوجها.
صدمت للوهلة الأولى وراقبت لهفته باجابتها وقالت والدهشة ماتزال تعتمل ملامحها:
- أنا ما توقعت تقول هذا الكلام!!.
تكسرت ملامحه واعتمله الحزن وسألها:
- انت ترفضينها علشان اختها ابتسام تزوجت أبوي؟؟.. بس هي غير عن اختها، وأنا أصلا لو جفتها تشبها ما كنت اخترتها علشان تكون حرمتي.
وعندما حاول النهوض ليداوي جروح قلبه، فكما توقع لحبه بأنه لن يكتمل، فهناك عواقب ومطبات تمنع ارتباطهما، فهدرت به والدته:
- أقول ايلس أحسن لك، أنا بعدني ما تكلمت.
وسحبته ليعود لمكانه ونكس رأسه فسارعت قائلة:
- ارفع راسك ولا توطيه، وثاني شي تتكلم انت وتجاوب على كيفك؟؟.. أنا ما تكلمت ولا قلت حرف واحد وحضرتك تكلمت بدالي؟؟.
- بس انت....
- أنا شو قلت؟؟... كل يلي صار أنا توقعت تقول لي إنك معجب فيها بس انت صدمتني من إنك تبي تتزواجها على طول.
وعاد الأمل إليه ليقفز ويمسك كفيها :
- يعني انت مب رافضة أمون علشان.... علشان... تعرفين... اختها ؟؟.
تنهدت وأجابته بابتسامة واهنة:
- لا يا ولدي، أنا مب من النوع يلي يحكم على حد بأخطاء غيره، وأصلا شو جاب لجاب؟؟.. آمنة ماشاء الله تربية العنود، واختها الله يسامحها ويهديها.
وهتف بفرح وهو يطبع قبلة طويلة على كفيها:
- تسلميلي يا الغالية والله يطول بعمرج وتجوفين أحفادج.
ضربته على كتفه وقالت:
- تراني جفت أحفادي ولا نسيت عيال أخوك سالم؟؟
- سالم غير وأنا غير تراني آخر العنقود وعيالي راح يطلعون غير.
وانتهت الجلسة على الموافقة وعويله بالسعادة وبقرب اجتماعه مع من ملكت قلبه قد سلك الطريق ناحيتها.
جلست خديجة بجانب الجدة وانحنت تهمس لها:
- شو رايج يا يومه بآمنة لمنصور؟؟.
لتجيبها وهي ماتزال تشاهد حفيدها يقتنص الفرصة ليتأمل الساكنة وتلك الصغيرة تتهرب من نظراته تكاد تبكي من فرط استحيائها.
- أقول يلي الله كاتبنه راح يصير، وكل واحد ياخذ نصيبة، وزين ما اخترتي.
وعادت العمة تهمس:
- أنا قلت بكلم عنود علشان أخطبها ولما تخلص دراسة نزوجهم ويكون منصور خلص الجامعة واشتغل.
وهنا تساءلت الجدة وقد غاب عن ذهنها شيء ما :
- يا بنتي يا آمنة.
والتفتت إليها بسرعة مرحبة بمقاطعتها لعواطفها التي تموج بها.
- نعم يا يومه.
- أمج وينها ألحين يابنتي؟؟
وانكسرت الابتسامة، وماجت الآلام وانفتحت الجروح، جروح يصعب لانسان بالغ أن يتحملها فمابالك بشابة مراهقة مازالت تتلمس طريقها؟؟.
أشاحت ببصرها وتطلعت ليديها وهمست تجيبها وهي تتتذكر كل ماحدث منذ أن وعدتها عنود بأنها لن تتركها تعود مع والدتها إلى مصر.
- أمي يا يومه موجودة بالمستشفى.
فتسالت العمة والجدة بآن واحد:
- ليش؟؟.. وش صار؟؟
وأكملت العمة تساؤلها:
- على خبري إنها شوي تعبانه وبتطلع وبترجع مصر مثل ما قلتي، هي رجعت ومرضت مرة ثانية؟؟.
وأجابها منصور، فهو يعمل كل ماحدث فقد كان متواجدا معها:
- أمها كانت بخير وكانت بتطلع بعد كذا يوم، بس.....
وسألته الجدة وهي تدقق بملامحه:
- وانت شو دراك بيلي صار؟؟.
ارتبك وتوتر، لكن أين المفر من عواطفه وأحاسيسه التي لا يستطيع الآن اخفاءها وهو قد عزم على سلك الطريق الصحيح.
- أنا أخذتهم للمستشفى لما عنود بغت تتكلم مع أمها.
- وحمدان ما راح معاكم؟؟.
تساءلت العمة لتجيبها آمنة بشرود:
- عمي حمدان انشغل شوي وقال بيلحقنا بعدين.
وأخذتها ذكرياتها لذلك اليوم الحزين على قلبها الصغير، يوم ذهابها لرؤية والدتها مع الأم التي تلقفتها على صدرها الحنون منذ أن كانت بالمهد، وعندما اقتربت من الغرفة التي تتواجد بها والدتها تراجعت للخلف خوفا مما سيحدث وما ستقوله والدتها، وخوفها الأكبر هو الرفض وتكون عواقبه الغوص بالحضيض.
اصطدم جسدها عند تراجعها بشخص ما فصرخت ليسارع بتهدئتها:
- هدي يا آمنة ولا تخافين.
وهمست باسمه بهلع:
- عمو حمدان!!.
أمسكها من أكتافها وأدناها منه قائلا:
- هدي يا بنتي وماراح يصير إلا كل الخير، بس انت قولي يا رب.
ورددتها على عجل وكفيها يعانقان صدرها ودموعها تتساقط:
- يارب.. يارب.. يارب .
وماكادوا يقرعون الباب ليدخلوا حتى تهادى إليهم سؤال أحدهم لتلتفت جميع العيون ناحيته:
- لو سمحتوا!!.. إنتوا من أهل المريضة؟؟.
لتجيب العنود الطبيبة:
- نعم احنا من أهلها، ليش؟؟.. صار شي؟؟
- ممكن نتكلم بمكتبي!!.
وافق الجميع وساروا خلفها وجلسوا بانتظار حديثها الذي لم يطل كثيرا.
- خلوني بالأول أعرفكم بنفسي.. أنا الدكتورة فاطمة أخصائية جراحة باطنية.
- ممكن يا دكتورة تؤوليلي ماما فيها ئيه؟؟.
تطلعت الطبيبة للصغيرة بحزن، لكن ما باليد حيلة سوى أن تخبرهم.
- المريضة جت على الطوارئ بحالة انهيار صح؟؟.
ليهزوا رؤوسهم بالايجاب وأكملت:
- وعملوا لها فحوص وتحاليل وبالشكل الظاهري طلعت إنه انهيار بسيط وبتخف، وتقدر تطلع بعد ما ترتاح، لكن.......
انقبضت الصدور من كلمة "لكن" وهمست آمنة متسائلة:
- ماما فيها إيه يا دكتورة؟؟.
أخذت أنفاس طويلة ثم أجابتهم:
- بعد التحاليل المخبرية اكتشفنا شي فرجعنا وأخذنا تحاليل ثانية علشان نتأكد والنتيجة كانت نفسها.
سكتت قليلا والترقب يقتل الجميع وأخرجت الطبيبة الكلمة بصعوبة فهي تعلم ردة الفعل عندما يعلم أهل المريض بأن حياة قريبهم على وشك....
- طلع عند الوالدة سرطان بالمعدة .
شهقات علت بالمكان، وعدم التصديق يظهر على ملامحهم، وهمست العنود:
- يا ساتر يا رب!!.. رحمتك يا ربي!!.. وهو من أي نوع؟؟.. وهو له علاج؟؟..
وأكمل حمدان باقي حديثها:
- نقدر نسفرها للخارج وهناك تتعالج.
هزت الطبيبة رأسها وأجابتهم بهدوء:
- للأسف هذا النوع الخبيث، وبسبب اهمال المريضة لصحتها وعدم مراجعتها للمستشفى من لما حست بالتعب والمرض السرطان انتشر بداخلها وصعب إنه يروح بالكيماوي أو أي علاج ثاني.
كانوا بخضم مناقشاتهم وبثوان التفتوا ناحية العيون الشاردة ولسانها يردد:
- ده عقاب ربنا على يلي عملته فيك وفأخوك.
ونهضت ومازالت تهذي بعبارات لم تفقه معناه الطبيبة، لكن الباقون علموا عما تتحدث.
- ربنا بعاقبها على يلي عملته بأخوك لما مرضتش تشتري الدوا وسابته يتعذب ويتوجع ويموت، ربنا مابيسبش حد.
وتحركت مغيبة عن هذا العالم الوسخ الذي لم ترى منه سوى الطمع والجشع وحب الذات، لتسارع عنود وقلبها يتفطر لحال هذه الصغيرة وأمسكتها من أكتافها، فتحت فمها تنوي التحدث إلا أن آمنة قد سبقتها:
- ربنا أخد حئك منها يا ماما، وبائي بابا كمان حياخد عقابه من ربنا، وكمان أختي ابتسام، ربنا مابينساش.. مابينساش، وهما نسيوه وهو دلوأتي بيفكرهم إنه موجود.
وانهارت بعدها مغشيا عليها ليسارع حمدان بتلقفها من يدي عنود الوهنة بثقلها وحملها ليضعها على السرير، وعندما أفاقت انتظر الجميع انهيارها وبكاؤها، لكن كل ما طالعهم هو هدوءها وطلبها:
- هو أنا لو طلبت من ربنا يرحم أهلي ويغفر لهم حيسمع مني؟؟.
فأجابتها العنود بدموع حبستها كي لا تفتح المجال لانهيار سد تعرف لو انفتح لن يغلق.
- نعم حبيبتي الله يسمع منج، ولازم ندعي لهم والباقي لرب العالمين.
نهضت من السرير ودخلت الحمام وتوضأت تحت عيونهم المراقبة واستقبلت القبلة وصلت لله داعية بأن يترفق بحال والديها.
عادت للواقع وشعرت بذراع تلتف حولها لترى العمة تمسح دموعها المنسكبة دون ارادتها.
- لا تبيجين يا بنتي، الله يشفيها ويعافيها من كل شر.
واحتضنتها لتندس هي بأحضانها باحثة عن حنان ودفئ تنشده روحها التائهة.
- الله يشفيها ويرحمها برحمته، هو الشافي والعافي.
دعت الجدة بنية صافية لها، فمهما ما فعله الانسان بحياته من أفعال قذرة إلا أن باب التوبة مفتوح والله يغفر الذنوب.
وعادت الجدة تهتف:
- وليش ما حد قالنا علشان نروح ونزور الحرمة المسكينة؟؟.. يعني هي من زمان بالدختر واحنا ما عندنا علم، وانت يابنتي تحملي ما تروحين تزوريها، شو ماسوت فيج تراها أمج وعليج واجب برها، ورضاها من رضا رب العالمين.
ابتعد آمنة عن صدر العمة وكفكفت دموعها وأجابت بصوت متحشرج:
- أنا أزورها وما وقفت عنها، شوماصار تظل هي أمي، وأنا يلي قلت لهم ما يقولون لكم.
- ليش يابنتي؟؟.. تراه زيارة المريض واجب، فكيف إذا كان من أهلنا؟؟.
هزت آمنة رأسها وقالت:
- مب علشان جذا أنا ماقلتلكم، علشان.....
ليكمل منصور جملتها وعيناه تراقب مليكة قلبه وهي تتعذب:
- لأن أمها لما عرفت إنها مريضة اتجننت وقامت تصارخ وتكسر كل شي، فقاموا يعطونها مسكنات ولما تصحى تقعد تصارخ وتسب يلي يدخل عليها وتلعنهم وتدعي عليهم بالموت.
أشاحت آمنة برأسها بعيدا والألم يغزوها، فهمست العمة:
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
وأكمل منصور:
- الأدوية أثرت على عقلها وماعادت نفس قبل، علشان جذا هي ماطاعت تقول خايفة أمها لتقول لكم كلمة مب زينة.....
لتسارع الجدة قائلة:
- لاه يا بنتي، أمج معذورة واحنا فاهمين ومقدرين يلي يصير فيها .
وضربت عصاها وأمرت:
- اليوم العصر يا منصور تاخذنا لعندها بالمستشفى.
ونهضت آمنة من مكانها واحتضنت المرأة العجوز بكل الحب والشكر لاحتوائهم لها وادخالها لمنزلهم دون أي مقابل.
- بحبك يا تيته.
لتهتف الجدة :
- رجعتي تقوليها مرة ثانية؟؟.
- أحبج يا يومة.
وتبسم الجميع وانتعشت القلوب والتمني بأن يمضي الوقت حتى تنسب إليه فيحق له فعل ما يرغبه ويطوق إليه.

*********************************
انبلج عقيقها المخضر صافيا متوهجا فكأنما لم تنم منذ سنوات طوال، وباستيقاظها الآن تشعر وكأنها قد ولدت من جديد.
شعرت بالحرارة تغزوا جسدها ودفئ وأمان يحاوطها، فاستغرقها بعض الوقت لتعلم ما هو السبب بما تشعر به الآن، كان هو!!.. فدائما ما أشعرها بالأمان والاستقرار بالقرب منه.
منذ لقائها به وهي تنجذب ناحيته كما المغناطيس بالرغم من الوضع الشاذ الذي كانوا به.
طالعته وتأملت قسمات وجهه المتعبة والمرهقة، لقد اشتاقت إليه كثيرا. مسحت على وجهه على ظاهر كفها بخفة وهمست بداخلها:
- آه يا حمدان... ماتعرف شكثر أموت فيك، ويلي يصير بينا والله غصب عني، جرحك كبير ومب راضي يخف، مب عارفة شو هو يلي يمنعني من إني أسامحك، شي يوقف ما بينا ومب راضي يختفي.
جرت عيناها على عينيه المغلقة وعلى أنفه ولحيته التي طالت قليلا، وفمه وتوقفت تحدده بأصابعها بشوق كبير للاحساس بطراوتها على شفتيها لترتشف وتنهل من ينبوع السعادة، وأغلقت عيناها لتعيش لحظات تلاحمها، ولم تره وهو يفتح عيناه عند اغلاقها لعينيها وراقبها هو الآخر بطوق كبير ودون شعور اعتصرتها ذراعيه ليدنيها ناحيته، وثارت أنفاسه ليقول بصوت مفعم بالأمل، فيكفيهم بعدا ويكفيهم ألما:
- يكفي يا العنود عذاب!!.. يكفي بعادج عني!!.. أحبج والله يعلم يلي فيني.
وأجابته وهي ماتزال مغلقة العينين:
- جرحتني.. جرحتني يا أغلى الناس وما قدرت أشفيه.
طبع شفتيه على جبهتها ثم أجاب:
- عطيني فرصة علشان أداويه، عطيني نفسج يا قلبي وأنا أعوضج يلي صار.
سكتت ولم تقول له شيء، وفتحت عيناها لترى مقلتيه تسترجيها العفو والصفح، تطالبها بالمغفرة، وهمست له:
- خايفة ترجع وتكسرني، خايفة إني ما أقدر ألملم نفسي وأموت بقهري وأقول يا ليتني....
ليسارع قائلا:
- أموت قبل لا أكسرج، وهذا أنا أوعدج أمام الله وأمام نفسي إني أحطج بداخل عيوني وإني ما أجرحج أبدا.
أتهديه الثقة؟؟.. أتعطيه الفرصة؟؟.. هي تحبه وتعشقه فألا يجب أن تسامح وتغفر؟؟... وهمست ترغب بالمزيد من الطمأنينة وراحة البال:
- ليش قارنتني فيها؟؟.. ليش ماسمعتني وعطيتني فرصة علشان أشرح لك يلي صار؟؟.
عقد حاجبيه دون فهم وتابعت هي وعتاب المحبين يطفوا بينهم:
- أنا قلتلك أول ماتزوجنا ما أحب حد يقارني بوحدة ثانية، أنا غير وديما راح أكون غير .
- مافهمت عن منوا تتكلمين؟؟.. وأنا ماقارنتج بحد ثاني؟؟.. وكل يلي صار بذيج الليلة كان غصب عني، والله غصب عني.
وهتفت بألم ينخر فؤادها:
- بلى قارنتني فيها، هي خانتك وتريتني أنا بعد أسويها، انت ماوثقت فيني، أصلا من أول ما تزوجنا وانت ماحطيت ثقتك فيني وأول كلمة انقالت عني انت ماصدقت وطلعتني من حياتك ورميتني ولا كأني أسوى شي عندك.
وتساقطت دمعاتها تبكي ألمها، تبكي أيام ضياعها، وتبكي حب لم يسمح له بالظهور.
علم عمن تتكلم واعتدل بجلسته وسحبها أيضا لتفعل مثله وتساقط شلال شعرها محيطا إياها بهالة من الجمال والفتنة، أراد أن يدفن نفسه بها، أراد الهرب من واقعه بها، لكن عليه أن ينهي آثار الماضي وعثراته، وبعدها سيعيش حياته، مسح شلالها المنسكب وهمس:
- مين يلي قالج عن حرمتي الأولانية؟؟
- مب المهم مين قال المهم إنك توقعتني إني أكون مثلها غدارة وتريت زلتي.
زفر أنفاسا حارة ثم قال:
- خليني أبدأ من الأول، أنا لما تزوجتج أول مرة كان علشان أردلج كفج على يلي سويتيه فيني....
وابتسمت بوسط وجعها لتلك الذكرى التي تراها بعيدة جدا، وتساءلت... كيف مر كل هذا الوقت؟؟.. بالأصل كيف سامحته من قبل والآن لا تستطيع بالرغم من أنها تعشقه؟؟.. وأكمل هو:
- لو تعرفين شوكثر أنا ندمان على يلي سويته فيج، وأحس نفسي دنيئ وحقير، أنا العاقل والكبير آخذ بكلام بنت صغيرة؟؟.. وعرفت بعدين إنه النصيب وإنج مكتوبة لي وإن مصيرنا لازم يلتقي، عاد الظروف كانت شوي غير.
وضحك الاثنان وسط آلامهما ثم استطرد:
- تعرفين إني كنت عايش معاج أحلى عيشة ما عشتها مع حرمتي الأولى.
كشرت عن ملامحها والغيرة تخزها ليسارع قائلا:
- أنا ما أقارن بينكم أنا أقولج الصدق، ماعني أنا يلي اخترتها إلا إني ما حسيت معاها يلي حسيته معاج.
تنهد ثم قال:
- وذك اليوم لما يت ابتسام بيتنا وسمعتج وإنت تقولين انج تزوجتيني علشان الفلوس وبس، حسيت بغصة، حسيت إني أموت وإني انغشيت فيج ما عن المفروض أنا ما أعصب لأن أنا نفسي تزوجتج علشان أنتقم منج على يلي صار، يعني داين تدين.
فسارعت تقول:
- صح اني تزوجتك في البداية علشان الفلوس بس كان......
ليكمل بدل عنها:
- علشان علاج أخوج مايد الله يرحمه.
وسألته بدهشة:
- مين قالك؟؟.
تنهد والندم يتوضح على صفحة وجهه:
- أنا قرأت الرسالة وعرفت كل شي وكنت متسرع بيلي قلته، بس صدقيني كان غصب عني، ماكان ودي أقول يلي قلته، بس شو أقول غير إن الشيطان وقف جدامي وانمحى كل شي وجفت الدنيا اسودت جدامي وما كان غير إلا إني أأذيج مثل ما آذيتيني، أنا ما كنت أعرف ليش سويت جذا بس بعدين عرفت ليش كنت أنا معصب منج وايد.
تحرك من مكانه ليصبح أمامها وأمسك كفيها واستطرد بلهفة:
- أنا تغيرت يا عنود وما عدت نفس قبل، أنا يا عنود أحبج وماعدت أطيق بعدنا، أنا آسف ومستعد أسوي يلي تبيه، بس ارجعي وخلينا نكمل حياتنا، ووعد مني إني أكون لج الزوج الصالح والأخ والأب والسند يلي تتمنينه، ووعد إني ما أزعلج.
وسؤال كان يؤرقها ويقضي مضجعها وعليها أن تعرف جوابه الآن:
- انت تبي ترجعني علشان الولد ما تبيه ينولد بدون أمه وأبوه؟؟.
حدق فيها بقوة وجرت عيناه على صفحة وجهها المتعب وأجابها وهو يقبل أصابعها برقة الواحد تلو الآخر وعيناه لا تحيد عن عينيها:
- أنا.. أحبج... سمعتين؟؟... أنا أحبج انت يا عنود .
ورفع رأسه وناظرها وأعاد قوله:
- أنا أحبج يا العنود وكنت أحبج من زمان بس أنا كنت غبي وما انتبهت، وأبدا ما كان الولد هو سبب رجعتي.
وعندما شاهد اعتراضها سارع قائلا:
- أحب يكون عندي أولاد منج، عنيدين وراسهم يابس، حلوين والأهم تكون عيونهم خضر مثلج، علشان ما تغيبين عن البال وأجوفج فيهم.
أحط بوجهها بكفيه وهمس عند شفتيها بعشق:
- أنا أبيج انت، انت وبس، انت حياتي انت عمري ودونج أنا ما أقدر أعيش، أنا آسف يلي سويته فيج وراح أظل طول عمري وأنا أتأسف وأعوضج يلي راح.
وبكت..... وأطلقت العنان لدموعها وتركتها تتساقط وهزت رأسها موافقة على طلبه فسحبها ناحيته واحتضنتها ذراعيه بقوة كأنها سلاسل الحب التي تطوقنا بشدة، لكن بحنان، فالحب هو النعمة التي حبانا الله بها فإما أن تكون قيودها ناعمة علينا وإما أن تكون مسلسلة بقيود من النار تحرقنا وتكوينا.
أبعدها عنه قليلا ثم انخفض متلقفا شفتيها بقبلة أودى بها حبه وعشقه لإمرأة احتلت كيانه وعقله وفكره لتصير ملكة تربعت عرش قلبه وهو أهداها مفاتيحه بكل يسر.
ابتعد عنها ليلتقطا أنفاسهما، وهمس بالقرب من شفتيها:
- قوليها، برضاج قوليها وخلي قلبي يرتاح.
فهمست بشجن، وروح عادت تتنعم ببهجة السعادة:
- قولها انت بالأول.
- تراني قلت!!.
ابتسمت وسط دموعها وهمست بدلال وهي ترفع كتفيها:
- قولها مرة ثانية عادي
وناظرته بقوة وهمست:
- قولها دوم ولا تحرمني من إني أسمعها، ثانية وثالثة ورابعة... إلى مال نهاية
- أحبج يا قلب حمدان، روحي انت وقلبي، أحبج وراح أظل أحبج لين الله ما ياخذ أمانته.
وعانقها يهديها قلبه فماكان منها سوى أن أعطته شيء لم يكن لها بالأصل:
- وأنا أموت فيك يا قلبي انت وروحي .
وعاد يقبلها متعطشا ومشتاقا للارتواء من ينبوع عطائها اللامتناهي وبلحظة ابتعد متسائلا :
- هو يصير؟؟.. يعني يصير إنا...
ناظرته بتيه ومكر لألأ بمقلتيها وهمست:
- يا الشايب.
وتوسعت شفتيه بشوق لهذا الاسم الذي ويا اللغرابة قد طاق إليه، وهمس هو اللآخر بهيام:
- شكلج تبين تتعاقبين؟؟... وانت عارفة شو هو العقاب.
ولم يعرف من الذي سحب الآخر ناحيته فطوقهما لتتحد أرواحهما بعد طول غياب كانت أكبر بكثير من التمهل والتريث، وغاصا بعدها متنعمين باتحاد جسدين قد طال الحنين إليه، وهفت عواطفهما تعانق نصفها الآخر .



طُعُوْن 05-01-17 02:11 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثاني والثلاثون.....

بزغ فجر يوم جديد
وألوان الطيف تزين سمائي.
ضياء اخترق ظلمة قلبي ليزيح ستار أحزاني.
رفرفت بسماء العلا والسعادة تطفح من بين أضلاعي.
ظننت بأني لن أرى العالم سوى بسواده
لأعلم بأن بعد السواد بياض ينير ظلامي.
سطرت حياتي ومالي بالغيب علم، فمستقبلي بيد خالقي.
دنوت من السعادة لأرها تنتحي مبتعدة، فصرخت بها أعيدها
لتجيبني بالصبر وماعلي سوى التحلي به .
فانتظرت.. وانتظرت لأمل انتظاري
وأدبرت منكسرة، مطأطئة الرأس، لأراها تقبل بكل أفراحي.
شعاع أنار خافق قد اكتوى بنار العشق، ودموع قد أغرقت فؤاده.
ليهلل طربا، ويتراقص فرحا، وينادي بأن روحه قد هفت عائدة إليه.
تشبثت بقاربي فمالي غيره ليقودني لبر أماني .
أحببته، وعشقه قد سرى بشراييني .
فلي دعوة لا أريد سواها.. فيارب العباد حقق مطلبي...
بحب يدوم إلى الأبد.
وملاذ يضم تيهي.
وصدر يحتوي دمعاتي .
وقلب ينطق باسمي .
وعائلة تهديني أماني.
وعاشق متيم يهيم بي.

********************
احساس أنك تكاد تتفجر من فرط سعادتك لهو شعور في منتهى الروعة. أن تشعر بالسلام الداخلي فهذا يعني أنك قد بلغت أعالي القمم.
عواطفك تشعر بها قد أتخمت من كم الفرح، فأنت بهذا قد نلت مبتغاك وحصلت على مفتاح سعادتك الأبدية .
مضجعة على الفراش وثغرها ينتشي بلذة ابتسامتها، وفيروزها يشع اخضرارا كأن ماء قد أروى عطش عشبه ليتركه نظرا مفعما بالجمال وبالطاقة، وجسد غارق بنشوته ويستكين بكل هدوء وراحة، وخيالها يبحر بعباب زرقة المياه الصافية .
- عنود....
صوته الأجش ينتشلها من سفر الأحلام لتجيبه بتنهيدة حارة دون أن تفتح عينيها استجاب لها على الفور فأدناها منه كأنها كانت بعيدة والآن صارت بمتناول يده وهمس بعشق تحرر ليعلن عن وجوده بين أركان أقفاصه:
- يا قلب حمدان انتِ.
اتسعت ابتسامتها واندست بين منحنى رقبته وهمست بعد أن طبعت شفتيها على رقبته:
- يا لبيه قلب عنود.
تنشقها بقوة كأنه يسحب جملتها ليخزنها بداخله واعتصرها حتى كادت عضامها أن تتفرقع من شدة احتضانه.
فتنفسها يستلذ بقربها، برائحتها، بعبق أنفاسها، فقد اشتاق لحضنها ولحنانها وكل شيء يخصها.
- آه... يا عنود، آه... لو تعرفين شو صار فيني ببعادج.
غرست نفسها أكثر كأنها تبلغه كم هي أيضا افتقدته، واستطرد:
- حاربت نفسي ومشاعري علشان ما أتألم، كنت الوجع يا عنود، وكنت الدوا والعلاج.
وعاد يمرغ وجهه بين خصلات شعرها ويستنشق رائحته المسكية وأكمل ويداه تسبح بسواد ليلها:
- كنت غبي لما حاولت أبعدج عني.
أبعدها عنه قليلا وأمسك خصلاتها الثائرة من على وجهها يعيدها لمكانها ليغرق بجمال ملامحها، وهمس بكل ما بداخله من حب:
- لكن ألحين مستحيل أخليج تبعدين عني يا عنود، سامعة؟؟.. انت لي أنا وبس، وماراح يفرقنا ألحين غير الموت.
لتسارع بوضع اصبعها على شفتيها تمنعه من اكمال حديثه وسارعت تهمس بالقرب من وجهه:
- بعد عمر طويل إن شاء الله .
سكتت الأفواه لكن القلوب تناغت وتحاورت بلغة لايفهمها سواها، والعيون همست بحديث لم تستطع قلوبهم الحديث فيها، وأصابعه تتحرك بكل زاوية من وجهها كأنه يرسم لوحة فنية لتحفة نادرة الوجود.
ابتسم وسأل:
- من متى وانت تحبيني؟؟.
سكت قليلا ثم أكمل بمشاكسة:
- أكيد مب من أول نظرة مثل مايصير بالأفلام الهندية وبالقصص والروايات.
ضحكت ملئ فاهها ليغمض عينيه منتعشا بصوتها الرنان الذي أطرب أذنيه وخافقه من عودة نغمة السعادة إليه، فما كان منه سوى أن كتمها بشفتيه ليس انزعاجا وإنما تواقا لتكون بداخله، بأعماقه لتسري معيدة إلى عروقه المتجمدة الحرارة والحب.
ابتعد عنها بعد فترة من الوقت وأنفاسهما تشتعل بعبق رغباتهما، وأجابته بعد أن هدأت من وتيرة تنفسها:
- أنا أصلا ما كنت أعرف كيف يكون الواحد يحب وعرفت بالصدفة، بس.....
ليسألها متلهفا المعرفة:
- كيف عرفتي؟؟.. ومتى كان؟؟.
شردت بذكرياتها وأجابته وعقلها يغوص منقبا عن تلك الأحداث التي أخذتها للسماء العالية:
- تذكر لما رحنا المطعم مع الأولاد قبل لا.......
وتكسرت جملتها وهي تتذكر الماضي بمواجعه وعذاباته، لتظمحل أيضا ابتسامته ويلتقي حاجبيه بتسؤال.
- شو صار؟؟.. كملي؟؟.
تنفست شهيق وزفير وابتسامه باهتة تلونت بها شفتيها وأجابته وهي تنظر لعينيه:
- عرفت إني أحبك باليوم يلي طلقتني فيه.
تجهم وجهه، وتكسرت بسمته واسودت ملامحه وهمس بعدها بحزن وكره لنفسه:
- يعني بذك اليوم عرفتي انج تحبيني وأنا بنفسي ذبحت حبج لي بنفس اليوم!!.
استكانت على صدره والألم عاد يغزوها، فبالرغم من الصفح إلا أن الجرح لم يشفى بعد.
تحرك من رقدته لتتحرك معه ليصبح فوقها وناظرها بقوة لفترة من الوقت لتبادله التحديق، ليقول بعدها:
- أنا آسف!!.
وانحنى يقبلها على أنفها ثم ابتعد وقال:
- آسف على يلي صار.
وطبع قبلة على وجنتها ثم ابتعد وتابع الحديث:
- وآسف على إني غبي وإن مافي بعقلي ذرة ذكاء.
وابتسمت ليعود ويهبط بشفتيه على وجنتها الأخرى ثم استطرد :
- وراح أظل طول عمري الباقي أعوضج على يلي سويته فيج.
وعاد يطبع شفتيه على جبهتها لتقاطعه:
- باقي مكان بعدك مابستني فيه .
لتتوسع شفتيه بابتسامة خلابة من طلبها وغمز بإيحاء لتصطبغ وجنتيها بحمرة سلبت عقله.
- حاضرين والطلب غالي، انت بس آمري وتدللي.
وسكتت شهريار عن الكلام المباح وتركت الديك يؤذن معلنة عن اسدال الستار لقلبين قد عانا وأخذا من مشاق الحياة الكثير وآن أوان حلول الربيع بعد شتائهما القاسي.

******************************
انتشر خبر صلح العنود وحمدان وعودة المياة لمجاريها بين العائلة باتصال حمدان بجدته مخبرا إياها عن صلحهما، لتنتشر زغاريد الفرح معلنة عن بدأ غد جديد مليئ بالأفراح والمسرات،
وأعلنت الجدة اقامة حفل صغير يضم الأحباب لزوال الغمامة التي حلت عليهم، لكن بقيت غمامة واحدة فقط تجول فوق منزلهم، فهل ستحل عنهم أم ستظل تطوق أعناقهم وتقيد فرحتهم؟؟.
- وشفيج يا الغالية؟؟.. عسى ما شر!!.
جلس سالم بالقرب من جدته التي وجدها ساهمة بملكوت الله والأطفال من حولها يلعبون وشقيقة العنود تجلس على كنبة بعيدة تنظر للأطفال تارة ثم تعود لكتابها باسترخاء تام .
تنهدت الجدة بضيق، وألم الأمومة ينخر أحشائها فمهما كبر الأطفال فهم يظلون صغارا بأعينهم ويحتاجون لمن يعتني بهم.
- وليدي يا سالم، وليدي ما عرف له طريق.
والتفتت له وهمست بدموع توشك للسقوط:
- شو ماغلط يظل حشاشة يوفي.
وأمسكت دشداشته وسألته بدمعات انسكبت تروي حكاية حزنها على بؤس ولدها:
- وين أبوك يا سالم؟؟.. وين راح أبوك؟؟.. وليدي يا سالم راح وماعدت أعرف أراضيه.
ليضمها لصدره مهدهدا إياها:
- هدي يا يومه، أبوي ماعليه إلا العافية وإن شاء الله بنلاقيه.
ليصلهم صوتها هادئا كما اعتادوه دوما وجلست بقرب والدتها تعطيها الطمأنينة التي تنشدها:
- ولدج بخير يا الغالية ولا تحاتين.
ابتعدت عن حفيدها والتفتت لمن ستهديها راحة البال.
- انت تعرفين هو وين؟؟.
هزت رأسها تجيبها:
- ولدج راح العمرة يا الغالية.
- من متى؟؟.. وليش مايا وقالي وسلم علي بدل ما أنا أحاتيه جذا؟؟.
تنهدت خديجة وتذكرت اتصاله المفاجئ بعد أن اختفى تماما منذ أن شاهدته لآخر مرة باحتفال قدومها، ترددت عندما شاهدت اسمه يضيئ على شاشة هاتفها، لكن قلبها كان لها بالمرصاد وأجابت:
- السلام عليكم
ليصلها صوته متعبا ومنهكا من التفكير بمدى تدهور حياته:
- وعليكم السلام، شخبارج يا الغالية؟؟.
كتمت أنين ألمها وأغلقت عينيها بوجع.
آه.. يامن سكنت القلب والروح، أو تسألني ما أحوالي وأنت سبب كل عذاباتي؟؟.. أوتسأل عن قلب قد وأدته بخنجرك المسموم؟؟... ماذا أجيب؟؟.. وماذا أقول؟؟... أأضحك أم أترك العنان لغدراني تحكي جروحي وأوجاعي؟؟.. أوتعرف يامن تملكتني؟؟.. لو تركتها لفاض العالم بدمعاتي.
- أنا بخير والحمدالله
يعلم ويعرف بأنها تكابر قيح ألامها وهمس بوجع استبد بخافقه من أوجاعها:
- سامحيني يا أغلى الناس!!.. سامحيني على كل يلي سويته فيج!!.. أنا غلطت وغلطتي كبيرة بحقج.
سكتت ولم تجب وأكمل بعد أن علم بأنها لن تجيد بما يريد سماعه:
- أنا اتصلت علشان أخبرج من إني مسافر.
ودون ارادة سألته:
- على وين؟؟
تنهد بحرقة قلب وأجابها:
- بروح العمرة، حاسس إن الدنيا اتسكرت جدامي، وقلبي ضايق، تعبان يا الغالية تعبان، وحاسس بصدري مكتوم، احس إن الموت ياي صوبي.
ووصلتها زفراته الحارة لتنسكب تعلن حزنها على حزنه وعضت شفتيها تمنع خروجها وبداخلها صرخت بها:
- بعد عمر طويل.
وهمست بعد أن تمالكت نفسها:
- تروح وترجع بالسلامة، وعمرة مقبولة إن شاء الله .
أغمض عينيه باعياء وهمس بصوت مشحون بالشوق والحنين:
- بدعي لرب العالمين إنه يحنن قلبج علي وتسامحيني، ولازم تعرفين إني مالي غيرج أبد، حسن لخديجة وخديجة لحسن، معادلة مترابطة ومستحيل حد يفكها، وأنا مستحيل أتخلى عنج ومستحيل أبعد، أنا بعطيج فرصة تهدين وبعدين راجعلج يا جوهرتي، راجع.... تسمعين يا خديجة؟؟.. أنا راجع وذيج الساعة مافي قوة بالكون تجبرني إني أتركج.
وأغلقت الهاتف بعد أن انتهت المحادثة على توصيته بالسلام على والدته وطلب الصفح منها لأنه لم يخبرها بسفره، وابتسامة تنير شفتيها والوعد هو الوعد وستنتظره لتبدأ معركة القتال لينال الأمير أميرته الحسناء وكم تطوق لتلك الحرب .
- احم.. احم، نحن هنا.
التفتت لترى أربع أزواج من العيون تحدق بها لتداري ابتسامتها التي اعتلت صفحة وجهها واستطرد سالم قائلا:
- أنا أقول ليش الويه منور اليوم، أتاري الحبيب متصل.
قذفته بالوسادة هاتفة بخجل:
- استحي على ويهك يا ولد.
وقهقهة الجدة والراحة تزورها أخيرا، لكن ليست بالكافية، فالأفعى السامة ماتزال بينهم ووجب التخلص منها قبل أن تعيد شحذ أسلحتها الفتاكة وتصوبها لأحد أفراد عائلتها، فهي لم تخبر أحدا بما حدث معهما بذاك اليوم، وأوصت حفيدها أيضا بعدم إخبار أي شخص ريثما تفكر بشيء ما، فهي لا تريد أن ترتكب اثما بالتفريق بين زوجين، فمهما كان ابنها متزوج من شيطانة إلا أنها تظل زوجته وهي تؤمن بأن الله الوحيد القادر على كشفها، ودعت بقوة بداخلها بأن ينجيهم الله من خبثها.
***************************
حل اليوم التالي وقد أشرقت شمس السماء وقد غدت جديدة لمن شاهد النور من جديد، وانقشع عنه ضباب الحزن والحرمان لتبدوا الآن ملونه بألوان الطيف، والضياء يتوهج أمام ناظريها، فلا حزن بعد اليوم، ولا دموع ولا ألم، فقط السعادة هي من ستكون رفيقة دربها الدائمة.
نهضت بهمة وسعادة والتفتت لجانبها لتراه قد خلى من نصفه الآخر فتهادى إليها خرير الماء لتعود وتضجع بجسدها مستنده على الوسادة للخلف بوضعية الجلوس وقد عانقت روحها السماء العالية، ربتت على بطنها اثر تحرك طفلها وهمست له بحنان:
- شو شعورك ألحين وأنا وأبوك تصالحنا؟؟.. ألحين رضيت علي؟؟
قهقهت بخفوت ثم تابعت:
- عاد ألحين ولي يرحم والديك بلاش ترفيس ولا تلعب كورة داخل ولا بعلم عليك أبوك يجوف صرفة معاك.
- علميني وشسوا فيج وخليني أأدبه.
التفتت ليتحرك شلالها الغزير معها مخفيا نصف وجهها، وسقطت حمالة قميص نومها مظهرا بياضها، كانت صورة متناقضة بين سوادها وبياضها، كانت صورة تخلب الأنظار.
ازدرد لعابه لتتحرك تفاحته وهمس بداخله...
- سبحان من سواج بهذي الصورة.
ولم يكن حالها بأحسن منه فقد التقطت هيئته النارية بجسد تتقاطر عليه قطرات الماء كأنها تسبح بين عضلاته بكل حرية، وعيون حادة صقرية تتطلع إليها بجرأة وبعواطف مشبوبة لم يداريها أبدا جعلت جسدها يقشعر راغبا بكتلة العضلات تلك لتبحر بنعم الله التي هباها لها.
تقدم ناحيتها مسلوب الارادة وراقبت تقدمه بشوق وانحنا ملثما شفتيها المتقدمتان لاستقباله ثم قال وهو يضع كفه على بطنها وهمس لطفله وهو ينحني باتجاهه:
- أقول يا ولد تأدب تراها حرمتي قبل لاتكون أمك، وخلني أجوفك تتعبها .
وشعر بركله تجيبه على رفض أوامره لتنتشر ضحكاتهم معلنة حياة جديد تنتظرهم مليئة بالفرح والبهجة والسرور.
نهضت بمساعدته ودخلت تستحم لتستعد للذهاب لمنزل العائلة فاليوم ستجتمع العائلة لتهنئهم على الصلح .
تحركت هنا وهناك تتحدث على الهاتف وهو فقط يراقبها وبداخله شعور بالغبطة واكتفاء وسلام داخلي بأنه نال كل مايريد ويتمناه، فهاهي معشوقته أصبحت له من جديد.
- شهودة لا ترفعين ضغطي!!.. أقولج تعالي يعني تعالي، بصراحة مب عارفة شو سالفتج انت؟؟.
سكتت تستمع ثم قالت وقد تملكها الحنق من رفض صديقتها للقدوم للحفل.
- تراج انت من الأهل ولا طاحت حقوق الأخوة من قاموسج وماعدت اختج تفرحين لفرحتها؟؟.
تحركت مرة أخرة ووقفت أمام المرآة وأخذت تعدل شعيراتها الطويلة وترتبها وتتأمل مكياجها .
- اسمعي يا شهد، مالج عذر واليوم بتحضرين وخلي عنج سوالف إني مب من الأهل، بنتظرج وإذا ماييتي انسي إن عندج اخت اسمها عنود.
وأغلقت الهاتف وتحركت ناحيته وهي تتأفف، كانت مبهجة للنظر، ومتعة للقلب العاشق.
- أف... ما عرف شو سالفتها هذي؟؟.
أجابها وهو يتجه ناحيتها أيضا ويأخذها بأحضانه:
- خليها على راحتها، يمكن عندها ظروف.
تقبلت عناقه بترحاب وأجابته وهي تلف ذراعيها حول جذعه:
- مين... شهد؟؟.. مستحيل!!.. شو ما كانت ظروفها مستحيل تتخلى عني، أكيد في شي يخليها ترفض.
أبعدها عنه قليلا وداعب أنفها بسبابته:
- وأكيد محقق كونان راح يعرف وشفيها.
أدت التحية العسكرية وهتفت بمرح:
- أكيد يافندم.
وضحكت من أعماق قلبها ليسحبها ويعيدها بالقرب من صدره فلا رغبة لديه بتركها بعيدا عنه ولو لدقائق، لتتقبل ذراعيه وتنهدت لتقول بعدها:
- لازم نسير حبيبي، الكل يتريانا .
تنهد وانخفض واضعا جبهته على جبهتها وهمس بشجن:
- لازم نروح يعني؟؟.. خلينا نأجل الحفلة، احنا بشهر العسل.
أبعدته وضربته على ذراعه وهتفت وهي تضع كفها على بطنها:
- واااااااااو... جوف شهر العسل وأنا بالسابع، أما وناسة بشكل.
صمتت وطالعته وبابتسامة حانية تابعت:
- العمر جدامنا حبيبي علشان نستانس.
هز رأسه موافقا وهمس خلفها:
- نعم.. الأيام كثيرة علشان نستانس .
وخرجا يدا بيد واتحاد يطوقهما مخبرا الجميع بأنه لن يفرقهما أحد.

***************************
- قسما بالله شغلة، يعني هو غصب إني أحضر؟؟.. ما بي أحضر حفلة يا أختي، أنا ما أحب الحفلات والجمعات.
هذا ماكانت تردده شهد وهي تدخل عتبات منزل آل الكتبي وهي ترغي وتزبد وتتوعد عنود على اجبارها بالقدوم.
- يعني مب كافي إني أجوفه بكل مكان، والحمار مب طايع يروح من جدامي، بعد تبيني أجوفه هنا ؟؟.
- مين هذا الحمار يلي يلاحقج بكل مكان وماتبين تجوفينه هنا حتى؟؟.
دارت حول نفسها وهي تصرخ بسبب الصوت الذي أرق لياليها ونهارها
وهاهو الآن يتجسد واقعها، فأين المفر الآن من الحقيقة التي أضجعت منامها.
وضعت كفها على موضع قلبها الخافق بشدة وهتفت:
- خوفتني الله يغربل بليسك، حشى... مافي تنحنيح أو سعله؟؟.. يا أخي قول أي شي ولا عاجبنك إني أطيح ميتة في بيتكم؟؟.
وقف يطالعها بفضول غريب فقلما ما تجذب أنظاره امرأة، تأملها بدقة كانت فتاة ذات جمال عادي ليست فاتنة وليست قبيحة هي معتدلة الجمال، لكن الذي يلفت الانتباه إليها هو شخصيتها الفريدة من نوعها لقد سمع عن بطولاتها من والدته وكيف وقفت مع زوجة ابن عمه بمحنتها واتخذتها شقيقة، وتساءل... هل مازال أمثال هؤلاء الناس موجودين في عالمنا؟؟.. والجواب كان وجودها أمامه يجسد الحقيقة.
- والله أذكر اني كحيت بس الحمار يلي شاغل بالج هو يلي ماخلاج تنتبهين.
ورددت خلفه والصورة تتشكل أمامها....
- حمار...
وانفجرت بعدها ضاحكة بعد أن تخيلته حمارا.
- والله العظيم الشكل لايق.
وعادت تقهقه إلى أن أدمعت عيناها ولم تنتبه لاقترابه منها سوى بعد أن همس قائلا:
- بصراحة.... أنا أحلا بوايد من هذا الحمار.
انخرست ولم تنبس بحرف واحد، وازدرت لعابها بصعوبة من قربه الشديد وبحكم العادات والخجل الفطري الذي ولدت عليه الأنثى من قرب رجل غريب منها أخرت خطوة للخلف، ولكن عيناها عانقتا ملامحه الوسيمة وهو فعل بالمثل إلى أن قطع تأمله الغريب ودار على عقبيه ورحل دون حرف واحد وسارعت هي الأخرى بالهرب من مشاعرها المضطربة التي تعيشها منذ أن التقت به وفكرها يهديها الاجابة لسؤالها:
- مستحيل!!.
وبخضم حروبها الطاحنة مع عواطفها اصطدمت بأحدهم لتصرخ جزعة وتهتف:
- شو سالفتكم اليووم؟؟.. ماغير تروعوني، جن اليوم يوم الرعب.
وسكتت بعد أن تطلعت لمصطدمها وقالت بخجل وتدارك للأمر:
- آسفة خالتي ماانتبهت.
- ولا يهمج حبيبتي، بس مين هذا الأولاني يلي خوفج؟؟.
فتحت فمها تجيبها بحنق إلا أنها توقفت بآخر لحظة من همسها لاسمه وبهتت.
- ها... آآآآآآآ ماحد، تعرفين أنا روحي بس أتحلطم مع نفسي.
وقفت شهد تحت أنظار خديجة المدققة لها وكادت أن تبكي من استحيائها فماذا كان ينبغي أن تقول... أن ولدها قد أشاع الفساد بعقلها، وأنه يستحيل بل من سابع المستحيل أن تتخيله لمجرد التخيل بأن يكون فارس أحلامها، احتضنتها أم سالم بحب من أكتافها.
- تعالي يابنتي الكل موجود وعنود تترياج ومتوعدتنج إن ماييتي الحفلة اليوم بتوريج الويل.
ارتاحت أساريرها وعادت شهد المجنونة بحكاياتها وثرثرتها المعهودة ولم تعلم بأن الأم تفكر وتختار وتهدي أطفالها كل السعادة ليعيشوها طوال حياتهم، وهي قد اختارت لولدها الشخص المناسب له.
تجمع الكل مهنئين حمدان وعنود لرجوعهم وعودة الوصال بينهم وعلت التهاليل والتبريكات والزغاريد، وانتشرت بين الجمع عدوة الابتسام والضحك، فاليوم يوم سعيد ولا مكان للحزن.
ووقفت تراقبهم بعيون ينقصها شيء ما، بل شخص واحد فقط لتكتمل الصورة السعيدة للعائلة، ليصلها همسه قريبا منها:
- وانت يا الغالية، ماصار الوقت علشان تتصالحون؟؟.
تنهدت واتكأت برأسها على سندها وجدارها وهمست له بقلب مشتاق:
- مب عارفة يا ياولدي يا سعود!!.. مب عارفة!!.
- أبوي يحبج وكلنا نعرف هذا الشي، وهو ندمان على يلي سواه وأظن كفاية عليكم جذا، وأصلا هو قالي إنه كان ناوي يطلقها بس طلعت حامل و......
ابتعدت عنه ليسارع قائلا ومعيدا اياها إلى صدره:
- بس بعده على قراره على أنه راح يطلقها بس لما تولد.
- والولد!!.
ليجيبها وعيناه تناظر الجميع:
- تتوقعين إن حرمته ويها ويه تربية أولاد؟؟.
وأجابته بشكل قاطع:
- حتى لو كان، هي أمه، وكان المفروض يفكر بهذا الشي قبل لا يتزوجها.
فتح فمه يعترض ويكمل الدفاع عن والده إلا أنها قاطعته منهية الحديث:
- مب وقته يا سعود، خلنا نستانس اليوم ويصير خير على حكايتي أنا وأبوك.
أخفض رأسه بانهزام فسارعت ترفعه:
- بس خلك فاكر أنا أحب أبوك ومستحيل أتركه، هو بس، أنا.....
أكمل بدل عنها والأمل يلوح بعينيه:
- عارف، انت مجروحة منه وزعلانه ويبالج وقت، هذا المهم انكم ترجعون لبعض وخلي أبوي يحرم يسويها مرة ثانية وانت تدلعي واطلبي يلي تبيه.
ضحكت لما قاله وسألته:
- ها... انت بعد تبي سيارة بورش؟؟.
ضحك بخفوت وأحاطها بذراعيه مجيبا اياها بهدوئه ووقاره:
- أنا مب منصور يا الغالية، والحمدالله مقتنع بسيارتي ومب محتاي شي، ولو بغيت... الراتب موجود والحمدالله، يعني مب ناقصني شي.
التفتت إليه وربتت على خده قائلة:
- ناقصنك حرمة وبيت وعيال.
ودون إرادة تحركت عيناه تبحث عنها بين الجموع لتسقط عليها واقفة وتضحك من الأعماق، طبيعية غير متصنعة، مرحة مشاكسة، محبة وخلوقة.....
نفض رأسه من تخيلاته الخصبة وتساءل... ماذا حل به؟؟.. ولما هي بالذات؟؟.. لتجيبه والدته على حيرته:
- شهد بنت أمورة وطيبة وتصلح لك زوجة، انت هادي وهي خبلة شوي بس تركيبة معقولة وتتناسبون، الطيبون للطيبات، ها... شو قلت؟؟.
سعل يجلي حنجرته ورفض يلوح بالأفق لكن نداء باسم والدته ليتعلق اعتراضه بين السماء والأرض، وعودة لمحيرته يراقبها من بعيد، فهل يعقل ما قيل له؟؟... هل تناسبه؟؟... وضحك بسخرية هامسا لنفسه:
- يعني أنا ديما تخيلت اني أتزوج وحدة تشبهني.. هادية وراقية، مب وحدة.....
وسكت يتأملها... ضحكتها تأسره، ونظراتها المشاغبة تجذبه، وحركاتها العشوائية تجعله راغبا بتطويقها لتهدأ قليلا، وعنفوانها يرغب بترويضه.
ضرب رأسه من خيلاته التي تشطح به وتحرك منخرطا بالحديث مع الرجال لعله ينسى ما ألم به.
وفي الجهة الأخرى وقف حمدان أيضا يتابع معشوقته... ضحكتها، حركاتها، همسها ومشاكستها مع أطفاله وصديقاتها، كم هو شاكر لله لعودتها إليه، فلقد اشتاق للعودة، للشعور بالحياة تدب بداخله، وبالضحكة تنتشر بين أركان المنزل، ودعى ربه بأن يحفظ له عائلته من كل شر.

***************************
توقفت سيارة من نوع ليكزس أمام منزل الكتبي وترجل منها رجل بريعان شبابه، وسيم وبهي الطلة، وأنيق المظهر بلحيته الخفيفة ونظارته السوداء على عينيه ودشداشة بيضاء ناصعة البياض.
ناظر المنزل لثواني ثم دخل كمن يعرف طريقه وقرع الجرس لتخرج الخادمة:
- يس سير؟؟.
- حمدان موجود؟؟
- يس سير مين يقول؟؟.
- قوليله سعيد
ودخلت الخادمة مغلقة الباب خلفها ليتراجع هو للخلف غاضا بصره عن حرمة المنزل وأخذ يتطلع للحديقة بجمالها وألوانها الزاهية وبالجو البديع لتطالعه صورة حية عن الجمال الطبيعي، ثم التفت ما أن شعر بوجود أحدهم يقترب لكن هذا الشخص لم يقف بل وقع بأحضانه مباشرة ولم يكن ذو جسد صلب، بل كان جسد ناعم الملمس وطري وصوت ناعم متألم صدر منه:
- آي.....
بهت لثوان حتى ارتد مبعدا إياها وخجلا من الموقف وسألها ورأسه يعانق الأرض:
- انت بخير؟؟.. صار لج شي؟؟.
ولم يجبه سوى نحيبها المكتوم فرفع رأسه ليجدها تغطي وجهها بكفيها وتبكي، فما كان منه سوى أن اقترب وسألها بجزع من أنه أصابها:
- يعور ج شي تكلمي؟؟.
وهزت رأسها ومازال كفيها يغطيان ملامحها وعاد يسألها باستفسار وبصوت عالي قليلا وقلة صبر وتململ:
- لما انت مب متعورة ليش تبجين؟؟.. ولا هو بس تحبون تبجون منا والطريج؟؟.
وأخذ يهمهم بعبوس وملل من جنس كرهه بشدة وازداد بكائها وهذه المرة أبعدت يديها ليقف مذهولا من رؤية وجهها الطفولي ولم يكمل تحديقه بها إذ حاول الاصغاء إليها وهي تتحدث بصوت خفيض:
- ليش... ليش.. كنت واقف عند الباب؟؟.. يعني يلي صار ألحين زين؟؟.
وهمس قائلا وهو لايدري سبب بقائه حتى الآن معها، فكلما صادفه موقف مع امرأة يحاول بشتى الطرق انهائه ليغادر، لكن الآن وقف وهو لا يعرف سبب اعتراضها .
- أنا كنت واقف أتريا صاحب البيت، وثاني شي لو كنت مب موجود كان ألحين طحتي وتعورتي.
وصرخت به بصوت مبحوح:
- وإذا... خلني أطيح مب من حقك إنك تلمسني وانت ماهو بمحرم علي.
وإذا عرف السبب بطل العجب .
- ها... مب محرم!!.
ارتبك وسعل يجلي حنجرته وأجابها:
- كلامج صحيح أنا آسف!!.. بس ما كان قصدي إني ألمسج، كان مجرد ردة فعل سريعة.
ونظرة سريعة لها وتابع:
- وانت الله يهداج.....
وعاد يتطلع لعباءتها الطويلة وأكمل:
- لابسة عباية طويلة، أكيد بتتعثرين منها وبطيحين.
وهمست وهي تمسح دموعها:
- مايخصك و......
قطعت جملتها وتأففت وهي تسب نفسها :
- أنا أصلا ماعرف ليش واقفة وأتكلم معاك!!.
رفعت عباءتها قليلا وابتعدت بخجل ورأسها يطالع الأرض وتحرك هو يراقبها وعيناه لم تحيدا عنها سوى بسماعه صوت صديقه:
- أقول... أجيب المليج ونسوي حفلة العرس بعد اسبوع؟؟.
أجابه صديقه وهو يشيح بأنظاره عن ذلك الظل الأسود:
- مليج شو يا أخوي؟؟.. وين أنا ووين الزواج عني!!.. صدق إنك فاضي ورايق.
ابتسم له حمدان بشرود وهو يتذكر اللقاء الأول له مع عنيدته وهمس له:
- يا خوي يا سعيد، لما القدر يتكلم ويصدر أوامره ماراح تقدر تهرب منه شو ما حاولت، ويلي مكتوب على الجبين راح تجوفه العين .
تأمل سعيد صديقه حمدان ثم قال ببعض السخرية:
- أقول.. جنك صرت حكيم وصاحب أقوال؟؟.
احتضنه حمدان من أكتافه وأجابه:
- يا خوي يا سعيد الدنيا تعلمنا إن مب كل الناس واحد.
سكت سعيد ولم يجبه لأن هناك ما هو أهم من النساء ومتاعبهن التي لا تنتهي أبدا، وسأل:
- انت ألحين مشغول؟؟.
فرك لحيته وقال بابتسامة واسعة:
- تعال.... صدق، أنا ماقلتك؟؟.
استغرب سعيد وسأل:
- عن شو؟؟.
تنحنح ثم أجابه:
- أنا والمدام رجعنا لبعض، ومسوين حفلة صغيرة للصلح.
ابتسم لسعادة صديقه واحتضنه مهنئا إياه فقد كان عالما بأحواله وحالته المتردية إثر انفصاله عن زوجته، فقد كان كاتم أسراره ويعلم كل خباياه.
- مبروك يا خوي، تستاهل بس ها... حاسب واتحكم بنفسك، لأن المرة الياية إن شاء الله مين ما ادخل مارح ترجع لك.
ليهتف حمدان:
- هو في مرة الياية؟؟.. أعوذ بالله من الشيطان، لا إن شاء الله، الله يكفينا من شرور الناس.
شاهد توتر صديقه وسأله:
- وشفيك يا سعيد؟؟.. جيتك شكلها ماتبشر بالخير!!.
وماكاد يجيب حتى تهادى إليه صوت ناعم ورقيق:
- ممكن أعدي؟؟.
ليجيبها حمدان:
- هلا ميثة، شو تسوين برع؟؟.
فأجابته برأس منخفض وصوت يكاد لايسمع:
- نسيت شي بالسيارة ورحت أجيبه.
تحركت عيناه دون ارادة ناحية صديقه ليشاهد تحديقه بصديقة زوجته.
- كان قلتي لوحدة من الشغالات يجيبونها لج؟؟.
- لا ماله داعي أتعبهم، أصلا حرام كلهم مشغولات وكفاية عليهم شغل الحفلة.
هز رأسه وابتعد عنها ساحبا سعيد معه.
- اتفضلي.
- يزيد فضلك.
واختفت خلف الباب ليتساءل حمدان بمكر:
- ها... شو قلت؟؟.
ليسأله صديقه بشرود بمن توارى خلف الأبواب:
- عن شو؟؟.
- المليج والزواج بعد اسبوع.
استعاد وعيه وأشاح بيده نافيا المسألة تماما وقال:
- خلنا من سوالف الحريم وتعال عندي لك خبر .
امتعض وجهه وسأل:
- أي خبر؟؟.
طالعه صديقه وأجابه ليعيده لواقع قد رحل عنه لسويعات ليذوق به أمتع لحظاته.
- عن... عن الريال صاحب الصور.
وهنا عادت ذاكرته والصور لمحبوبته بأوضاع مشينة تصفع رجولته، لتثور دمائه، وتنفر عروقه، ونبضت أوداجه وهدر بصوت ناقم وغاضب لبشر استبد بهم الشر ويدهم قد طالت كل ما هو بريئ وطاهر.
- حصلتوا الريال!!.
هز سعيد رأسه وأجاب:
- نعم حصلناه، والليلة راح نداهم بيته، أصلا لما سألنا عرفنا إن البيت عليه شبهات.
احمرت عيناه وتصلبت عضلاته وهو يقول والثأر هو مطلبه:
- أنا معاكم الليلة.

******************************
انتهت الحفلة وعاد الجميع لمنازلهم سعداء مسرورين.
حاول حمدان أن يقنع عنود بالبقاء بالمنزل الكبير إلا أنها رفضت وردت عليه:
- لازم أروح وأرتب كل شي علشان نرجع ونسكن هنا.
- خلي الشغالات هم يروحون ويلي يرتبون الأغراض وانت ارتاحي.
- أكيد بخليهم يساعدوني بس في أوراق وكتب الجامعة لازم أنا أرتبها علشان لا تتلخبط وتضيع، انت بس جيب الشغالات باجر الصبح علشان نخلص بسرعة.
وافقها مرغما وغير مقتنع بوجودها بالشقة لوحدها، لكنها عنيدة واستطاعت اقناعه بوجوب وجودها هناك، فأخذها مجبرا وتركا الأطفال وآمنة بالمنزل الكبير مع الجدة .
************************
وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فما كان مؤجلا وجب تقديمه، وما اختبأ خلف ستار الظلام وجب اخراجه للنور، وعندما يصفق الشر طربا ويتراقص مرحا لقروب تحقيق أمنياته فيقف من هو له بالمرصاد ويسقطه بغفلة منه إلى الهاوية التي حفرها لغيره.
ربما هناك ضحايا وربما هناك أبرياء، لكن بالنهاية يقع كل ماهو محتوم.
نادته قبل خروجه بعشق:
- حمدان....
والتفت إليها مجيبا ندائها بكل مايحتويه صدره من حب:
- يالبيه يا قلب حمدان.
عانقته واحتضنته ليحتويها هو أيضا بكل ما يعتمله من حب لها وهمست له:
- أحبك...
أغمض عينيه يستلذ بطعمها وكيف لمفعولها السحري أن يسري بشرايينه كما المخدر، أبعدها قليلا وهمس لها وهو يدني من وجهها لتتلاصق أنوفهما، وتتمازج أنفاسهما ليتنفسا عبق أرواحهما الطربة لقربهما:
- وأنا أموت فيج.
ناظرته بدقة كأنها تحتفظ وتختزن ملامحه بذاكرتها ثم تركت جذعه لتحيط وجهه بكفيها.
- وأنا أعشقك.
ثم أهدته قبلتها ليسحبها لصدره ويكمل ما بدأته، لكن نداء هاتفه قاطعهما وابتعد غير راغب بتركها، لكن رغبته بدق عنق من يريد لهم الأذية كانت أكبر بكثير، والوعد باكمال ما بدأه بعدما ينهي مالديه.
ولو كنا نعلم بغيب الأمور لكنا وقفنا له بالمرصاد، فالشر لن يهنأ إلا بعد أن يقضي على السعادة، ففرحتهم تبنى فقط على تعاسة الباقيين.
وما بين غفلة الشر يحتفل بانتصار وشيك ليغرق حتى أذنيه برذيلة كان الله ساترها لعل وعسى يرتد، لكن لمن نقول ولمن ننادي وقد طمسوا عيونهم وقلوبهم فما كان منه سوى أن يكشف ستار الفسق بعودة لم يحسب لها حساب، ودخول ليسمع أصوات الفجور تخرج من حيث لايتوقع، لينقاد لمذبح هو كان بانيه، وظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
وبالمقابل كان الخير يترصده الشر كل ليلة فقد حان وقت سداد الديون وتسلل بعد خروج حاميها فالغدر دائما ما يطعن بالظهر لمن لم يتملك الجراءة ويواجه الرجال.
طرقات على الباب وصلت لمسامعها لينبض قلبها بعد أن كان منكتما على غير عادته والتفتت بسعادة بعودته دون أن يذهب لموعده المستعجل وسارعت لاستقباله بأذرع مفتوحة وفتحت الباب بابتسامة.
وكم تمنت من أنها لم تفتح وهي ترى الشيطان يقف أمامها ساحقا كل ما هو ينبض بالحياة، فقد غافلها بدفعة للخلف وأغلق الباب، لتنادي الأفواه والقلوب بلحظة واحدة :
- رحمتك يا الله.

طُعُوْن 05-01-17 02:25 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الثالث والثلاثون
كم اللقاءات التي تمر علينا بحياتنا لا تعد ولا تحصى، فإما أن تستمر معنا للأبد وإما أن تنقضي فترتها باختفاء صاحبها فنسري بحياتنا كأنه لم يتواجد أبدا، لكن دائما للأقدار تصاريف أخرى، فاللقاء لم يكن عابرا ولم يكن صدفة فلكل شيء حكمه هو يريدها، فاما أن يؤدي بنا لطريق الصواب وإما أن يكون العكس تماما وهنا تظهر الاختبارات بطريقة خياراتنا، فيتركنا الله ليرى هل نتمسك بعقيدته أم نبتعد ونولي الأدبار مختارين مباهج الحياة، غافلين بأن الدنيا زائلة وأن الآخرة هي الأهم وأنا ما نعيشه هي مجرد اختبارات إما أن تفشل بها أو تنجح .
كررتها دائما وسأكررها كثيرا... الصبر هو مفتاح الفرج وأن بعد العسر يسرى فتلك أبدا لا جدال فيها وأن رحمة الله واسعة فإن أغلق أمامك باب فهو يفتح لك باب آخر، لكن هو يمتحن مدى صبرك.
وإن اعتقدت بأن السعادة ستلازمك للأبد فاعلم بأن دوام الحال من المحال، فيوم لك وعشرة عليك، داوم على الدعاء والحمد والشكر والثناء فبها تفرج الهموم.
وإن اعتقدت بأن حياتك بائسة فانظر للأقل منك حظا فسترى بأنك تعيش بنعيم، لا تنظر لماحولك فعينك ترغب بالكثير، فالقلب يتمنى ويحلم ويرغب فتلك أشياء فطرية وجدت بالبشر.
لا تحكم للشخص من مظهره فدائما المظاهر خادعة، بل تريث وأعطي لنفسك المجال و الوقت لتصدر بعدها أحكامك.
لاتحزن لشيء الله قد اختاره لك، فالخيرة فيما اختاره الله، فعسى أن تحبوا شيء هو شرا لكم وعسى أن تكرهوا شيء هو خير لكم، فارضوا بما رزقكم الله به ولا تنظر ما بيد غيرك.
وآخيرا... بالشكر تزيد النعم، وأن كل شيء مقدر ومكتوب، وكل تفصيلة من حياتك قد سطرت بكتاب عند الواحد الأحد .

*****************************************
يقف عند شاطئ البحر بعيون شاردة ساهية عما حولها، يناظر للافق البعيد كأنه يبحث عن شخص ما أو ذكرى خاصة لعزيز على قلبه، وبلمح البصر تحول سطح البحر لشاشة عرض عملاقة كأنه يهديه ما يريد.. أظهر صورة قد طواها الزمن، لكن بذاكرته مازالت حية راسخة، فبدون ذلك اليوم ماكان سيلتقيها أبدا.
فساقته تلك الصور للبعيد... للقاء لم يعتقد بأنه سيغير من حياته ويدخله لعالم آخر.....
يتذكر بأنه كان مع ابن عمه سالم بأحد مراكز التسوق، واتصال من أطفاله يطالبون منه الحلوى وهناك إلتقاها بلقاء رسخ بعقله وبقلبه لينحت اسمها بداخله للأبد.
ابتسم لتلك الذكرى وأغمض عينيه ينتشي بها متنعما بها.
اصطدم بها بعد أن دفعه أحد الأطفال أثناء ركضه مع أقرانه ليبدأ التعارف بشكل غريب عن المعتاد.
- يا حيوان!!... يا قليل الأدب!!... يا عديم الرجولة!!.. كيف تتجرأ وتلمسني يا قليل النخوة؟؟.
تجمد بمكانه وهو لايدرك ماحدث سوى أنه قد تلقى صفعة للتو وممن؟؟... من امرأة!!.
ووقف يشطت غضبا وشاهدت هي تبدله وتحوله من التيبس لنار مشتعلة تعلم بأنها ستحرقها لا محال!!...لكن كبريائها وعنادها وقفوا لها بالمرصاد، وأنه غير قادر على فعل أي شيء يضرها .
- كيف تتجرئين وتمدين ايدج علي؟؟
وانفجرت بوجهه كبركان ثائر رادة على هديره:
- انت كيف تتجرأ وتمد ايدك علي وتلمسني؟؟.. هذي هي التربية يلي ربوك عليها أهلك؟؟.. ما أقول غير يا حسافة الشوارب يلي على ويهك!!
حمم تلظت بداخله تشويه وتلتهمه بسبب تقريحها لعدم تربيته الجيدة، فاستشاط نارا ونفثها عليها:
- جب... أقولج جب ولا كلمة!!.. أنا ريال وغصب عنج وعن يلي خلفوج!!.. وأنا ما كنت .....
قاطعه قدوم رجال الأمن في السوبرماركت مستفسرين عما يحدث؟؟..
ليتحدث هو بعد أن وشوش له ابن عمه ليهدئ قليلا.
- ما صار أي شي، بس هو سوء تفاهم بيني وبين الاخت.
صرخت ترفض تهربه من مسؤولية فعلته:
- لا... هذا الريال تعرض علي!!.
اختفت الشاشة ومازالت ابتسامته تنير شفتيه لتلك الواقعة، فهي لم تترك له الفرصة ليبرر لها ماحدث.
عاد يناظر البحر والشرود كان حليفه، وتوالت الذكريات بعدها عن كيف حاول الانتقام منها ليرد كرامته التي بعثرتها، وكانت الطريقة... الزواج منها.
وكأنما سمع صوت كفه وهو يحط على وجنتيها الرقيقتين فتطلع لكفه لثوان وحرك شفتيه بأسف:
- أنا آسف!!.
ثم اعتصره بقبضة قوية كأنه يلومه على فعلته الشنيعة تلك، كم هو نادم وآسف على ما فعله بها، كان يقوده شيطانه ولم يتصرف بعقلانية، فهاجس الانتقام منها قد اجتاحه كليا فما كان منه سوى أن ينقاد خلفه.
صورة أخرى طفحت من إلبوم ذكرياته وجنونه بوجودها بجانبه لا ينتهي، فقربها منه يصيبه بهلاوس وعدم التفكير، فقط رغباته هي من تقوده وبسبب جنوحه كاد عدة مرات أن يخسرها، فهو يتذكر حادثة الحصان عندما سقطت من عليه، كم شعر بالرعب من خسارتها وخلاء حياته دون بريق خضرتيها، وعاد يحرك شفتيه:
- أنا آسف!!.
تطلع للبحر لتواجهه عينيها الساحرتين، بعشبها النضر، وشفتيها اليانعتين عندما تتحركان منادية إياه بلقب قد استحله ليكون بوابة اجتياحه لها.
- يا الشايب...
ظلت مقلتيه محاصرة بخيال غاباتها حتى تحولت من الإغواء للخجل فصورتها بحفل زفافهما لم تغادر أعماقه أبدا.
أطبق بجفنيه يعيش تلك اللحظات عندما ارتبط بعنيدته لتكون أنثاه وملك يمينه أمام الله وجميع البشر.
فتح عينيه لتقابله زرقة مياه صافية بعكس ما بقلبه من ضيق وألم يعتصره، فأشاح بوجه بعيدا عندما احتل مشهد آخر لهما عندما اعتقد بأن السعادة قد فتحت له أبوابها من وسعها لتهديه صفعة الغدر بغفلة منه.
تحركت قدماه على الرمال هربا من ذلك اليوم الذي جعله يغوص ببحر من التعاسة، عندما سمع المحادثة بينها وبين من كانت سبب تعاسة الجميع، وكأنما الرمال تحولت لساعة رملية لتعيده لتلك اللحظة التي أراد محوها لتهيم روحه بظلمة موحشة ساحقة تخبره بما جنته يداه، لكن هل يفيد الندم على ما فات؟؟.
- انت طالق وما بي أجوف ويهج مرة ثانية.
كلمة خرجت من داخله كما العلقم المر لمرة واحدة لتجعله يتجرع من كأس الشقاء عدة مرات.
نفض رأسه من تلك الذكريات الحزينة وتحرك يسير بغير هدى على الشاطئ ومياه البحر تضرب قدمه بخفة فتعود متوارية خلف مياهه العميقة خوفا من البعد والضياع، فهكذا كانت حياته دونها... ضائعة، مشتتة، باردة.
لم ينتهي الشريط عند هذا الحد فكأنما أحدهم قد كبس على زر التشغيل لتدور تروسه وتظهر باقي المشاهد السارة والغير سارة إلى أن وقفت عند مشهد واحد تجمدت دماءه بعروقه، وانقبض صدره واستعرت نيرانه، والصورة تحتل مقلتيه إلى أن.....
- بابا.... بابا...
ارتخ اشتداد أعصابه على أثر هزات على ذراعه، وعاد الهدوء يغلف ملامحه وانخفض رأسه يتطلع لصغيره بعيون غائمة بكم المشاعر المتضاربة، فهتف به:
- انت تفكر بماما عنود صح؟؟.
تنهد وناظر البحر لثوان ثم أعاد مقلتيه لطفله وأجابه بهم:
- ليش.. في حد غيرها شاغل فكري!!.
أمسك عبدالله بكف والده الكبير ليغرق كفه الصغير بداخله وهمس له:
- لا تفكر فيها وايد يا بابا، أكيد ماما عنود ماتبيك تزعل علشانها.
غمغم بقنوط وأمر لا مفر منه، لكن القلب يحزن ويتألم.
- كيف ما تباني أفكر فيها؟؟.. وهي دنيتي وحياتي، هي الهوا يلي أتنفسه، هي الدوا لجروحي، هي عالمي، لكن......
وقف يطالع البحر وأفكاره تتلاطم به وتلك الذكرى الموجعة تؤرق منامه وحياته حتى بعد مرور سنتين من تلك الفاجعة التي حلت عليهم.
كارثة ستظل راسخة بتاريخ عائلة الكتبي، فآثارها مازالت تسقيهم من عذاباتها.
احتلت صورتها صفحة مياه البحر وتحولت زرقته لاحمرار قاني قد تسرب من جسدها المضجع دون حراك على الرخام البارد، وتوالت الصور وتقاذفت به الآلم ساحقة قلبه وروحه لما حل بذلك اليوم المشؤوم.
لم يستطع الفرار من التفكير بتلك الساعات التي جلس بانتظار تحديد مصيره.. هل سيعيش سعيدا طول حياته؟؟.. أم سيتلبس رداء السواد من جديد؟؟.
ازدرد لعابه وهو يتذكر هيأته......
يجلس بانكسار وكرجل أشيب قد تصيده العجز بين ليلة وضحاها، وضع رأسه بين كفيه ودموعه قد تحجرت بمقلتيه لتغدوا كالمرآة المصقولة.
- وكل أمرك يا حمدان، وإن شاء الله تكون بخير.
همسها سعيد صديقه يحثه على الصبر والتجلد لمصابه، لكن من يحدث!!.. ولمن يهدهد!!.. فقد انكفأ بعيدا عن عالم لن تتواجد هي به بعد اليوم، وصورتها مرمية على الأرضية الصلبة تحتل مقلتيه تخبره بانطفاء نور حياته.
- حمدان يا خوي مايصير يلي تسويه بحالك!!.. خل ايمانك بالله قوي!!.
ولا رد بل كل ماحصل عليه هو جسد قد تصلب بمقعده بعد أن احتله بوهن، ومن بعيد سمع طرق عصاها كأنها تحثها على الاسراع لعائلة قد أوشكت عدة مرات على فقدها، ووصل صوتها قبل جسدها المتغضن من مرور السنون عليه.
- عيالي... عيالي وينهم؟؟.. وشصار عليهم؟؟.
وسارع سعيد لطمأنتها قبل أن يحدث شي لا يحمد عقباه، فهم لاينقصهم سقوط جسد آخر ليعانق الموت.
- هدي يا الوالده وعيالج ما عليهم شر.
واقتربت من التمثال الحي الميت وعانقته بقوة وأهدته قبلة على رأسه
وسأل سالم بذهول وصدمة من رؤيتهم بهذي الحال... فابن عمه مصاب بعدة كدمات وجروح ودماء تنزف منها، وملابسه ممزقة واللون الأحمر يطغى على بياضها.
- وشصار يا سعيد؟؟.. وليش هذي الجروح؟؟... شو.. كانت عندكم مداهمة ولا شو؟؟.
وأجابه:
- احنا بخير والحمدالله، هي شوية جروح وبتخف إن شاء الله .
وركزت الجدة عيناها لحفيدها وسألت بتوجس:
- حمدان... وشفيك يا وليدي؟؟.
لا استجابه، وابتعدت لتراه كما هو لم يتحرك ولو قليلا، وسألته وعيناها تبحث وتترقب الشخص الآخر لتداري جزعها بمن لاتراه أمام مقلتيها لتهدي قلبها الراحة.
- انت بخير يا ولدي يا حمدان؟؟
لم يجب بل أجابها صديقه يهدء النفوس المرتاعة:
- ماعليه شر يا الوالده، ماعليه شر.
لكن اللون الطاغي على دشداشته قد أرعبها وجعلها تخشى السؤال لتتراجع للخلف خطوة واحدة ورؤيتها لحالته تلك قد جمد ماكنت تريد قوله، فأحاطتها العمة وهي الأخرى قلبها تتلاعب به الظنون، وابنها سالم لم يكن بحال أحسن منها، وناظروا الجدة لثوان بهلع ثم التفتت العمة وسألت حمدان بخشية وقلبها يطرق بشدة:
- العنود وين يا حمدان؟؟.
وكأن بهمسها لاسمها أعاد له حواسه، لكن ما أن رفع لهم وجهه حتى صرخوا جزعا من هول ما رأوه ما تنطق بها.... الموت.
- لا... لا....
وهمس وهو يرفع كفيه المخضبين بالدماء وعيناه لا ترى سواهما.
- راحت عني... راحت عني وماقدرت أحميها مثل ما وعدتها.
وصرخ الجميع بلوعة الفراق وسقطت الجدة ......
سحب عبدالله كفه يحثه للعودة وعدم المضي بتلك الأحزان، فما مضى قد ولا وانتهى، فلا يمكننا أن نعيدها، وكلمة لو والتمني لا تقدم ولا تأخر بالمحتوم، فما وقع قد انتهى، علينا فقط أن نتابع حياتنا وأن نحاول النسيان فهذا هو الحل الوحيد للمضي قدما .
صوتها السعيد يناديهم من بعيد:
- بابا... جوف شو حصلت؟؟.
وجاءت ويديها محملة بأصناف مختلفة من الأصداف البحرية، وسألته باهتمام وعيناها تتحدثان برجاء:
- عادي بابا آخذها معاي وأحطها بحوض السمك علشان يكون بيتهم حلو؟؟.
ابتسم لفرحها وكم تمنى أن يكون مثلها خالي البال والفكر.
- هيه حبيبتي، عادي.
وصرخت مبتهجة، فبالرغم من بلوغها العشر سنوات إلا أنها مازالت متمسكة بطفولتها المرحة.
سحبه عبدالله من كفه وهو يهمس له دون أن تسمعه شقيقته:
- وكل أمرك لربك وقول يارب شكوت لك قلة ضعفي وانت القادر على اعانتي فاعني يارب على مصابي.
تطلع إليه للحظات بفخر فهو شاكر وقوف ابنه معه بمواقف يعجز الرجال الصمود فيها، وهاهو الآن يرى شاب قد بلغ الخامسة عشرة، لكن تفكيره قد شابه الرجال.
سحبه لحضنه وقبل قمة رأسه ودعى له:
- الله يحفظك ويخليك لي يارب، والله يبلغني وأجوفك ظابط طيار ومعرس بإذن الله.
خجل عبدالله وفرك شعره وهمس:
- معرس عاد مرة وحدة!!.. خلني بدراستي الأول ولاحقين للزواج وهمومه.
وقهقهة لخجل ابنه وسار معه وهو يحتظنه من كتفه وتحدثا بأمور شتى حتى توقفا وهما يشاهدان سالم قادم نحوهما ويلوح لهما.
- يا مرحبا بولد العم.
- هلا ومرحبا.
ورحب سالم بالجميع وعادت حنان تبحث عن أصداف أخرى وذهب عبدالله معها وبقي الاثنان لوحدهما حتى بادره حمدان متسائلا:
- خير... أجوفك هنا؟؟.
ليجيبه :
- يعني أنا غلطت لما قلت أي وأقعد مع ولد عمي؟؟.
والتفت يمثل رحيله ليرد عليه حمدان باستفزاز:
- يعني الحين المطلوب مني إني أوقفك وأقول لا دخيلك لاتروح وخلك معاي؟؟.
وعاد سالم إليه هاتفا:
- يا أخي عادي تقول، تراه يمدحون النفاق، على الأقل خلني أعرف شو قيمتي عندك، وشكله طلعت مالي قيمة ولا شي.
- أقول... خل عنك الهذرة الزيادة وقول مين يلي قالك إني هنا؟؟.
نفس عميق ثم أجابه بصراحة وهو يحثه على المسير:
- عبدالله اتصل فيني....
تحركت عيناه باتجاه ولده ليراه هناك واقفا بجانب شقيقته، هو هنا دائما موجود مع الجميع، يشعر بمعاناتهم فيقف بسبيل ادخال السرور لقلوبهم، كم يعشق صغيره ويشكر الله دائما على نعمة وجوده، لكن تلك الأخرى......
زفر أنفاسا حارة وهمس وهو يتطلع للبحر الصافي:
- ما كان له وجودك معاي، أنا بخير .
تطلع سالم أيضا للبحر وهمس يجيبه:
- يا خوي يا حمدان... كل واحد يحتاج حد معاه علشان يعينه ويصبره بظروفه الصعبة، بتقول أنا بخير بقولك انت تكذب، ليش تكابر وانت تعبان؟؟.. ليش تعاند بنفسك والكل حوليك خايف علـ....
قاطعه قائلا وهو يخطوا للامام ناحية موج البحر:
- أنا مب ياهل علشان تخافون علي!!.
- ومين قال إن بس اليهال يلي ينخاف عليهم؟؟.. حتى الكبار يحتاجون حد معاهم ويعينهم.
توقف عن التقدم بعد أن سمع نداء باسمه والتفت والفضول يعتمله من وجوده أيضا.
- وهذا بعد مين خبره؟؟.
والتفت لابنه ليراه يبتسم له ويرفع كتفيه بقلة حيلة ثم يفرك شعره وولى مبتعدا عنه مع شقيقته يتابعان اللعب بالماء، وهتف حمدان بابتسامة جانبية:
- ماشاء الله، اليوم يوم الجمعة .
اقترب سعيد وسلم عليهم وأجابه :
- هي والله اليوم يوم جمعتنا، خلوني أجوفكم ألحين بعدين ما أقدر.
فاستفهم سالم:
- وإن شاء الله ليش ما تقدر تجوفنا بعدين؟؟.
وأجابه بابتسامة واسعة وعينان تتراقصان بهجة وسرور:
- تراني بتزوج ولا نسيت عرسي يلي بيكون بعد ثلاث شهور.
ضربه سالم على كتفه و.....
- وأنا على بالي شي، طلعت مابتجوفنا علشان بتتزوج، وخير إن شاء الله؟؟.. هذا أنا جدامك متزوج وقاعد أطلع وأقابل ربعي.
مسح سعيد على صدره بخيلاء ثم على شنبه ولحيته وهو يتذكر من سلبته نومه وأرقت لياليه بسبب حنانها ودفئها وحكمتها وكلامها الرزين الذي تلمسه بأحلك الظروف، عندما سقط الجميع ينعون ما أصابهم، لكن هي وقفت بجانبهم وحثتهم على الصبر على البلاء وأن لا يتملكهم اليأس وأن يقاوموه بالصلاة والدعاء، لتتملكه دون إرادة بغفلة منه وتأسر قلبه خلف قضبان سجنه وتفك أسره، ليغدوا متلهفا قربها، فتلك هي من ستعينه على الحياة وتمسك كفه لتسير معه قدما، فقال بشجن وابتسامة متألقة:
- بس أنا بكون معرس فرش يعني ما بي أجوف ويه أي واحد منكم.
رد عليه حمدان قائلا:
- أيوه معرس، بس بعد سنتين من التفكير وافق إنه يتزوج.
فرك لحيته وضحك بخفوت وأجابه:
- يا أخي عزوبيتي كانت غالية علي، فكان لازم أودعها.
قهقهة الجميع وأخذوا يتسامرون بعدة أشياء إلى أن حان وقد المغادرة فقد شارفت الشمس على المغيب وحولت بألوانها الزاهية البحر ليغدوا كما النار المشتعلة بداخله، فسبحان الله من أبدع بخلقه.
عادوا إلى منازلهم ونفوسهم تتوق للراحة والانتشاء بلذة الهناء.
ترجل من السيارة وقد سبقه أطفاله بالدخول وتطلع للصرح الشامخ.. فمهما عصفت به الرياح أو الأمطار أو أي من عوامل التجوية والتعرية فهو يقف بصلابة بوجهها وهمس بداخله:
- يا الله تعيني وتصبرني يا رب.
وسار بخطى وئيدة للداخل وتوقف بمكانه يراقب تحركاتها... كاد أن يخسرها، كاد يصبح يتيما مرة أخرى، وساقته ذكرياته مرة أخرى لذلك اليوم الذي قطع أنفاسهم ليتركهم يلفظونها ببطئ.
- راحت عني، راحت عني وماقدرت أحميها مثل ما وعدتها .
وسقطت الجدة فانتشر الصراخ والهلع بينهم، وأمسك سالم ووالدته بجسدها بسرعة قبل أن يتوسد الأرض.
حملها سالم بعد أن أمرته الممرضه بسرعة بادخالها بأحد الغرف وباشرت بسرعة باجراء فحوصاتها ومنادات الطبيب ليأتي مسرعا يلبي النداء.
وقفت خديجة تتكئ بعجز بولدها سالم وعيونها تذرف دموع الخوف من الفقد، وسالم يقف بقلة حيلة وهو يرى جدته بشحوبها تتوسد البياض ويدعوا الله بأن يرأف بحالهم، وشهد وميثة تحتضنان بعضهما وتشاهدان ما يحدث بدموع صامتة، وسعيد يقف عند الباب ويراقب بقلة حيلة، وذاك الآخر... وآه من فقد ويتم تراه يحوم حولك، فليس اليتم قد خصص للأطفال، فالكبار يشعرون، فكيف لمن عانق اليتم طفولته أن يعود ويعاصر هذا الاحساس من جديد؟؟.
- لا تروحين وتتركيني يا الغالية.
يمسك بكفها ويناديها عدم الرحيل، فيكفيه تلك التي غادرته.
- ما لي غيرج يا يومه، دخيلج لا تروحين وتتركيني!!.
وأخفض رأسه بانكسار وعيون غابت عنها الحياة فمابقي له ليحيا وأغلى الناس عانقهم الموت.
الضربات تأتيه من كل صوب وحدب وتقذف به دون أي رحمه لترديه أرضا يصارع من أجل البقاء وصراخ يعتلي بداخله:
- أنا بشر أملك من الأحاسيس ما تجعلني أشعر.. أموت وأحيا، أنزف وأجرح، فترفقوا بحالي الكسيرة، فماعادت تتحمل لطشاتها، فيكفي وجع، يكفي هموم وآلام، أنا بشر... أنا بشر....
ليأتيه صوت لم يستشفي ممن هو:
- وحد الله يا بو عبدالله وقول لا حول ولا قوة إلا بالله، الحزن ما يفيد.
وسكت الصوت ثم آتاه من جديد بصوت قد بحت أوتاره، لكن معانيه أكبر:
- قوموا صلوا وادعوا إن ربنا يترفق بحالنا.
ضغط على كفها يبحث عن نبضه لعله يخبره بنجاتها، وحرك رأسه برفض لما يوسوس به عقله من أنهما قد غادرتاه بيوم واحد، فشعر بجسده ينهار، وقوته تتسرب منه فتقدم سالم منه بسرعة ما أن شاهد عنفوانه يقع ويسقط وأمسكه من عضده.
- حمدان... قم يا ريال واذكر ربك، واليدة ماعليها شر بإذن الله.
ورفع رأسه ليهاله رؤية حمرة قانية أو أشد منها قد استحكمت عيناه لتغدوا كما الحمم الملتهبة، ووجه قد شابه الكهل كأن عمره قد فاق عمره الحقيقي.
ازدرد ريقه لما يراه وهمس له وهو ينخفض لمستواه وقد شاهد معركته لاخراج حروف أبت الانصياع إليه.
- هونها يا خوي وقول يارب!!.. قول يارب إني قد مسني الضر وأنت أرحم الرحمين.
أطبق جفنيه بقوة وحرك لسانه يستغفر الله ويطلب منه العون وتابع سالم:
- قوم معاي وتعال نصلي مثل ما قالت ميثة.
وخرجوا من الغرفة وقد استند على صديقيه سالم وسعيد فجسده قد خارت قواه وماعادت له طاقة للصمود.
توضأ وأقبل بوجهه للخالق الرحيم وكبر وصلى خاشعا داعيا طالبا العون والصبر في مصابه، عادوا بعد فترة وقد أخبرهم الطبيب بأن جدته قد ارتفع ضغط دمها وتحتاج للراحة وقد حقنوها بمهدء كي يريح أعصابها المتعبة، لكن الضربات عندما تبدأ تأتي كدفعة واحدة، فقد فاجعهم أيضا خبر وجود عمه حسن بالمشفى، وتساءل... ألا للأحزان نهاية؟؟

أقبل ناحيتها ورفع كفيها وطبع قبلة شكر وعرفان وحب لهذه المرأة العجوز التي أهدته عمرها.
- شخبارها الغالية؟؟.
ربتت على رأسه وأجابته:
- بخير دام انك بخير.
وبيهمس قال:
- الحمدالله
وجلس بقربها وتلفت حوله ليسأل:
- عيل وين عمتي ما أجوفها؟؟... والباقيين وين راحوا وتاركينج لحالج؟؟.
تنهدت بحرقة قلب أم قد أوشكت أن تدفن وحيدها قبلها، وكم تتمنى كل أم أن تفارق دنياها قبل أن ترى رحيل أطفالها.
- عمتك راحت تعطي عمك الدوا، باجر عندهم موعد بالدختر.
وأخفضت عيناها تداري بها دمعاتها الساقطة ليسارع حمدان محتضنا إياها ويهمس لها:
- قولي الحمدالله يا يومه، قولي قدر الله وما شاء فعل، الحمدالله إنه عايش وأنه بعده موجود بوسطنا.
مسحت شلالها الحادر بشيلتها وحادثته وهي تناظره بعيون قد شابها الحزن فهي أم بالنهاية.
- قلبي يتقطع وأنا أجوفه بهذي الحالة، ولدي العود صار.....
قطعت جملتها ولم تستطع اكمالها ليسحبها على صدره لتدعها تنسكب بكل حرية تبكي ولدها، تبكي حياته القادمة، تبكي شقاءه، فأخذت تهمس وتدعوا بصوت قد بح وتقطعت به السبل ولم يبقى سواه:
- يارب.... يا رب
مر بعض الوقت حتى هدأت الجدة واعتدلت بجلستها ومسحت لآلئها التي قلما تنزل سوى بأحلك الظروف وهمست له بعد برهة:
- وانت ياوليدي شخبارك؟؟.
ابتسم لها بحب فهي لاتنساهم بالرغم ما يتساقط عليها من حمولة ترزح على اثرها الجبال.
- أنا بخير يا الغالية ولا تحاتيني.
- كيف ما أحاتيك يا ولدي، هونها وتهون وقول يارب.
نهض واستأذنها للراحة فغدا سيكون عليه يوما شاقا ومهلكا للروح وللقلب معا، وارتقى السلم بإنهاك كأن أطنانا من الأثقال فوق رأسه، وعقله يدور بدوامة لم يستطع الخروج منها وسخر من نفسه.
- لابد أن اليوم يوم عودة الماضي
وكلما صعد سلمة كلما اجتاحته صورة ثم أخرى وتوالت بعدها كما الهدير العاصف......
كان أن ودعها لينهي ذلك العمل الغير المنتهي الذي كان مقصده تدمير أمان عائلته واستقرارها، والأهم تدمير سمعة معشوقته وهو يعلم ويعرف بأنها بريئة ونقية كنقاء الثوب الأبيض، وهم أرادوا تدنيسه بكل حقارة.
قاد سيارته ناحية نقطة الالتقاء وبعدها سينطلقون لمداهمة المنزل الذي يتواجد به الشخص المطلوب، لم يكن يريد هذا الرجل بل أراد من كان يريد الأذية لحبيبته، فهذا الرجل مجرد عبد مأمور يقتات من بؤس الناس. شعور غريب قد صعقه فجأة، واحساس مريب يتسلل إلى صدره بأن شيء ما سيحدث، انتابه الشك، ووسوس الشيطان وأخذ يتلاعب بأفكاره حتى نهره واستغفر ربه وأخذ يقرأ بعض الآيات القرآنية لتهدئ من نفسه.
تابع سيره حتى عادت الهواجس تضيق الخناق عليه وقلبه يضطرب بغرابة حتى اعتقد بأنه يوشك على الخروج من مكانه.
فتح نافذة السيارة وأخذ يعب رئتيه من الهواء العليل لكن لم يتغير شيء، بل ازداد الخوف وبدأ ينهش خافقه وبلحظة نطق اسمها:
- عنود....
واستل هاتفه بسرعة وضرب أرقامها وانتظر لكن لا مجيب إلى أن قطع، فأعاد الاتصال ونفس الاجابة، حتى التف بسيارته بحركة خطيرة دون أن يبالي بحياته فهناك من روحها أهم من روحه، وانطلق بسيارته كما الصاروخ وهذه المرة روحه تهفوا إليها ودعوة أن تكون بخير وأن لا يصيبها مكروه.
طال الطريق بالرغم من أنه يقود بسرعة جنونية، ولعن وسب وهو يكرر محاولته بالاتصال بها دون فائدة، غير الرقم واتصل بالحارس لكن لم يجبه أيضا.
- يا حيوان... رد علي.
سكت يدعوا وعاد يهمهم بتضرع:
- اللهم إني استودعتك زوجتي عنود يارب احفظها من كل شر يلي لا تضيع ودائعك.
لم يضيع ثانية وهاتفه كاد أن يكسر من شدة قبضته المحكمة عليه ووصل للمبنى الذي يقيم فيه وترجل من سيارته وأطلق ساقيه العنان ومازال لسانه يلهج بالدعاء من أن لا يصيبها مكروه.
تسلق السلالم بدل المصعد وأخذ يعدوا عليها بخطوات كبيرة إلى أن وصل إلى طابقه ووقف عند الباب وأخرج مفتاحه ووضعه بمكانه وقلبه يقصف برعود مدوية وجزع مما سيراه بالداخل.
سكون طغى من حوله ولم يسمع سوى هدير ضخات الدماء بأذنيه، وأدار المفتاح ليصدح رنين الهاتف كاسرا ثقل الهواء الجاثم على صدره، وتلقفه بسرعة بلهفة صارخا باسمها دون أن ينتبه للرقم:
- عنود....
فخاب أمله.
- حمدان وينك تأخرت؟؟.
لم يجبه بل ازدادت وتيرة أنفاسه لتغدوا كما ثوران أنفاس أسد يوشك على الزئير بأي لحظة، ولم ينتظر طويلا فما أن فتح الباب ودفعه حتى هاله ما رآى وتجمدت أوصاله عن الحركة أو ابداء فعل ما.
جسد معشوقته يعانق الأرض ورجل غريب يكيل إليها بالركلات بكل اتجاه.
وزأر بعويل شق السكون من حوله حتى ارتجت الجدران من شدة الغضب والألم... فألا يقال أن قوة الوجع تحطم الفولاذ.

أغلق رشاش الماء كما أغلقه عن ذلك الفيلم الذي عاد يطغى عليه، لا يعرف لما يتذكر الماضي!!.. فقد ولا وانتهى وقد أغلق صفحته للأبد، لكن لما عاد الآن؟؟.
خرج من الحمام وارتدى ملابس النوم ثم توجه ناحية القبلة يدعوا الله بأن يعطيه الصبر وراحة البال ثم حط برأسه على وسادته وتطلع للوسادة الأخرى الخالية من صاحبته وأغمض عينيه يناجي سلطان النوم بأن يريحه من عنائه .

************************
مهما تباعدت الأجساد فالقلوب تتحد برباط الحب الذي لا ينفك مهما تكالبت عليه الأهوال ومهما عاصر الأجواء فهو يظل على وفائه لأن حبه صادق وحقيقي.
صباح آخر يستيقظ أفراده شاكرين على نعمة استيقاظهم فهذه بشرى لبداية جديدة يتمنون أن يقضونه بعمل الصواب ليؤدي بهم لطريق الجنة.
استيقظت بهمة ونشاط صلت الفجر وخرجت من غرفتها متجة للمطبخ تتابع العاملات بشأن افطار العائلة، كل شيء معد وجاهز .
- صباح الخير يا أغلى الناس.
التفتت إليه بابتسامة مشرقة لتتسع ابتسامته ويقبل إليها ممسكا بكفيها مقبلا إياه ثم رأسها.
- صباح الخير حبيبي .
- يوعان يا يومه.
- خسى الجوع حبيبي الحين نجهز السفرة .
- انت كله يوعان؟؟.. بعمري ماجفتك تقول لا أنا مابي.
والتفت الاثنان لمحدثهم وأجابت والدتهم بابتسامة حنونة:
- صباح الخير يا يومه، كيف أصبحت؟؟.
وأقبل عليها سعود مقبلا اياها ومجيبا:
- أنا بخير دام إنج انت بخير .
ربتت على وجنته بحب ليقاطعها منصور:
- أقول... له هو الحب وأنا ولد البطة السودة؟؟
ضحكت بخفوت وأجابته وهي تلتفت ناحيته:
- كلكم عيالي وكلكم واحد .
- عيل أنا يوعان وأبي آكل.
ليجيبه شقيقه:
- حشى... وين يروح هذا الأكل كله؟؟.. أخاف لما تتزوج تاكل حرمتك بعد.
وهنا تكسرت ابتسامته وانزوت ضحكته بركن قصي واحتلت ملامحه الوجوم فسارع شقيقه قائلا:
- أنا آسف يا منصور ما قصدي شي أنا.....
قاطعه وهو يشيح بيده :
- لا... ولا يهمك......
أراد أن يقول شيء ما فخذله لسانه، فما كان منه سوى أن يغادر ليلعق جراحه:
- اسمحولي بروح أغير ثيابي وأجهز علشان الجامعة.
وتركهم يحث الخطى بسرعة هاربا من أحزانه، لكن كيف السبيل للابتعاد عنها وهي تعشعش بالأعماق.
تحرك سعود يتبعه فأوقفته والدته:
- خله يا سعود.
- يومه... أنا كنت أتغشمر وما كنت أقصد شي.
- عارفة حبيبي، عارفة.
وتنهدت بحزن لحال ابنها والتغيرات التي طرأت عليهم بعد تلك الليلة التي سقطت عليهم كما الزلزال الذي زلزلهم كليا، ليتبدل كل شيء
وهمست بعد فترة:
- أبوك وينه؟؟.
وأجابها بشرود وهو يفكر بشقيقه ويتألم لمصابه:
- مع سالم بغرفة الأكل.
- عيل يلا حبيبي خلينا نروح نفطر
وخرجا باتجاه غرفة الطعام وكان الجميع بانتظارهم الجدة وحمدان وعبدالله وحنان وسالم وزوجته وأطفاله وابنها منصور و زوجها
جلست بقربه وبدأوا يتناولون طعامهم بصمت حتى نهض منصور بسرعة:
- سفرة دايمة، اسمحولي بروح عندي امتحان اليوم.
وغادر بعد أن ودع الجميع لتتنهد والدته لتقول الجدة:
- ماعليه يا بنتي، يلي الله كاتبنه بيصير، ويمكن خيرة انت ماتعرفين، وكل واحد ياخذ نصيبه بالدنيا ومنصور ريال كبير ومايحتاي تخافين عليه.
- أنا ماخايفة عليه أنا بس هامني حاله من بعد......
لتقول الجدة:
- خليها على الله يا بنتي وكل واحد راح ياخذ نصيبه ويلي الله كاتبنه له.
وسكت الجميع وتابعوا تناول طعامهم ثم انطلق كل واحد إلى عمله والأطفال لمدارسهم واستقلت خديجة وحسن السيارة مع ولدهم سالم قاصدين المشفى وعند وصولهم ترجلت خديجة من السيارة وسبقتهم للداخل كي تتخذ لهم مكانا وجلست تنتظرهم وما هي إلا لحظات حتى شاهدتهم من بعيد ولدها وزوجها.... غامت عيناها لرؤيته بهذا الشكل المؤلم لفؤادها، فكلما سقطت عيناها عليه وهو يجلس بكرسي متحرك فاقد لاحساسه لنصف جسده وغير قادر على الكلام يعتصرها صدرها وتنزف روحها لأجله، وأخذتها ذكرياتها لما قبل عامين من اليوم عندما كانوا يعانون الأمرين والنحيب قد توسد صدورهم حتى اتتها ضربة قد شعرت بأنها كادت معها أن تفارق العالم.
- يومه لا تروحين خلينا بالأول نتأكد إن كان يلي يتكلمون عنه أبوي ولا لاء
لم تستمع إليهم وأمرت ساقيها بالمسير باحثة عن نصفها الآخر وقلبها يطرق بشدة إلا أن ملامحها باردة تعاكس ما بداخلها من أعاصير.
وصلت وهناك شاهدته يشابه الأموات وكادت أن تصرخ حتى سارع الطبيب قائلا:
- هو حي ما مات
شهيق وزفير وبوادر الاغماء لاحت نجومه أمام عينيها، فسارع منصور وسعود بالامساك بها ومساعدتها بالجلوس، حتى سارعت متسائلة بصوت قد غادرته أوتاره:
- هو شو صار عليه؟؟
ولابد من اجابه فهذا عمله ووجب عليه قول أدق التفاصيل، وكم كان وقع كلماته عنيفا عليهم.
تسلحت بالعزيمة ووقفت بجانبه تقرأ القرآن وتدعي بأن يعيده إليها سالما، حتى فتح عينيه وناظر المكان بضياع.
- أنا هنا يا قلب خديجة، أنا هنا ومستحيل أتخلى عنك.
وكان ردة فعله في البداية عندما علم بما حل به عنيفة ورافض قرب أي شخص بجواره، ولكن بصبرها وقوتها جعلته يرضخ لوجودها ويتقبل ما ابتلاه الله به.
اعتقدوا بأنها مجرد شهور ويعود لطبيعته لكن لم يكن باليد حيله فلا دواء له سوى الدعاء بشفائه والشكر لرب العباد بوجوده هنا معهم.
ابتسمت لهم بترحاب وجلسوا ينتظرون موعدهم ثوان حتى استأذن سالم ليجيب على هاتفه ومن ثم انحنت باتجاهه هامسة:
- اسمحلي شوي يا بو سالم بروح الحمام وراجعة.
هز رأسه بالايجاب وغادرت وظل يراقبها إلى أن اختفت والتفت يراقب الموجودين معه بالغرفة يشاطرونه نفس المصير باختلاف كيف وقع كل واحد منهم عاجز بمقعده.
رفع مقلتيه للأعلى بالتحديد للسماء الزرقاء الصافية كصفاء زوجته الحبيبة التي تلقفته بعز حاجته ومصابه، لم ترفضه ولم تبتعد بل كانت بالمقدمة، كم هو شاكر لنعمة وجودها معه، وكم هو آسف على ما فعله بها، وهاهو يجني ثمار فعلته الطائشة تلك.
وعادت ذكرياته لذلك اليوم الذي سرق من حياته الكثير ليسقط وحيدا ومن بعدها لم يستطع النهوض....
كان أن عاد من سفرته بالبحث عن نوره الذي ضاع وكان الحل أمام ناظريه ليسابق الرياح كي يضع حدا لهذا الوضع الذي كان هو سببه ولم يعلم بأن صفعة الغدرستكون من نصيبه.
همهمات خرجت من غرفته فتحرك ناحيتها والتوجس يصيبه بمقتل وعندما فتح الباب شاهد الفجور يستباح على فراشه الزوجي.
شلل قد استلبس كامل جسده، وكأنه يطالع أحد الأفلام في التلفاز عندما يعود الزوج ويرى زوجته تخونه، اعتقد بأنها تحدث فقط بالخيال لكن أن تراه بأم عينيك وأن تلك هي زوجتك فتلك هي صدمة العمر، وبهمسها باسمه جعلت شياطينه تتقافز، والدماء تتفجر بشرايينه.
- حسن...
- يا الحيوانه، يا الفاجرة، في بيتي أنا تخونيني!!.
أمسكها من شعرها وأخذ يكيل إليها الصفعات ومن كان شريكها بالفسق ولى هاربا دون أن يلتفت بندائها بالمساعدة، فروحه أهم وهناك الكثير من أمثالها التواقات للغوص بالمحرمات.
سحبها ناحيته وصرخ:
- حرمتيني من بيتي وعيالي وحرمتي وبالأخير طلعتي وسخة!!.
وصفعة أخرى قوية على وجنتها لتسقط على الفراش عارية الجسد وعاد يهدر بصراخ الوجع والألم والغدر والخيانة والوحدة والحرمان وعاد يريد امساكها وهذه المرة ازهاق روحها حتى توقف عن الحركة وتراجع للخلف يحاول التقاط أنفاسه المستعصية، وألم يخترق صدره وبالتحديد خافقه حتى سقط وقبلها شاهدها وهي تدبر ظهرها وتولي هاربة.
- حسن حبيبي دورنا جا، يلا ندخل على الدكتور.
ناظرها بامتنان وعشق لهذه الانسانه التي احتوته بظلمة لياليه، ووقفت وقفة الشجعان تمده بالقوة والعزيمة والمثابرة لهزم المرض الذي اكتسح جسده، هو يستحق ما حصل له، فالتهور دائما ما تكون نتيجته سلبيه، وهو الآن يجني ثمار تسرعه ويدفع ثمن رغباته.
وقفت خلفه ودفعت كرسيه ودخلوا للطبيب ليكشف عليه وبعد ساعات من الكشف والفحوصات خرجوا بأمل يلوح بالأفق من عودة الاحساس لنصفه الميت، لكن يحتاج للوقت والمثابرة بالعلاج.
سعادتها كانت لاتوصف بما قاله الطبيب وأخذت تتصل بالجميع تخبرهم بالأخبار السارة وهو ظل يراقبها ويتأملها وهمس لنفسه بدعاء:
- يارب مالي أمنية غير إنك دوم تسعدها .

**********************************
قاد سيارته بهدوء إلى أن وصل لوجهته وترجل منها وناظرا للبناء الشاهق بعيون قاتمة، فقد طغت الذكريات السيئة على هذا المكان وقد آن أوان أن يمحيه ويمضي قدما، فهنا قد بدأ كل شيء وعليه انهائه.
سار باتجاهها وهو يتذكر أول زيارة لهذا المكان، يتذكر طفلة صغيرة بريعان الشباب جميلة بريئة، لكن الزمن قد غدر بها ليأتي هو ويهديها صفعتين ويكيل عليها باللطمات.
ارتقى المصعد وأغلق الباب وارتفع به للأعلى حتى فتح وكأن موجه كبيرة قد قذفت نحوه وكل شيء قد عاد للحياة....
هو يقف عند الباب ولا يعلم ما ينتظره حتى فتح وشاهد ما سرق أنفاسه.
تحرك بقدمين مثقلتين وفتح الباب ليتجسد المشهد أمامه.....
زوجته على الأرض ورجل يكيل إليها بالركلات وهي بلا حول ولا قوة
وزأر وصرخ بكل ما يملكه من صوت:
- يا الحيوان... بعد عن حرمتي.
واتجه ناحيته وتلقفه بقبضة من حديد وانهال عليه بالسب والركل والضرب ليغدوا بين يديه كما الخرقة البالية.
كان أن الشياطين قد تلبسته ليغدوا رجلا آخر، صار متوحشا طواقا لنزف الدماء.
- يا الكلب... تستقوي على الحريم.
وعاد يضربه بشدة حتى شعر بأحدهم يحاول ردعه فما كان منه سوى أن هدر به ودفعه بشدة ليرتطم على الأرض ولم يأبه له وعاد يكمل وصلة الانتقام.
- حمدان... اترك الريال بيموت بين ايدك!!.
لم يسمع ولم ينتبه لوجوده فكل ما تحتل صفحة عينيه... هي غارقة بدمائها.
- حمدان....
حاول سعيد ثنيه إلا أنه لم يستطع فكأنما صديقه تحول لثور هائج لا سبيل لايقافه، ولكن بلحظة همس خفيض كان أن عاد لنفسه وصرخ صديقه به:
- حمدان...... حرمتك تناديك... العنود تناديك.
وهنا أدرك وشعر والتفت إليها ليراها تنظر إليه وتطالبه بالقدوم ولب النداء بهمسه باسمها:
- عنود....
وجثى بجانبها وأمسكها ليدنيها منه وهو يتأمل وجهها المكدوم والدماء المنتشرة لتنده منها آه ألم.
- يعل هذا الوجع فيني، سامحيني يا أغلى الناس!!.. سامحيني وماوفيت بوعدي!!.. قلت بحميج وما حميتج، آسف!!.. أنا آسف!!.
ألم ينهش الفؤاد، وصريخ يعتمل الصدور، ورغبة قوية بتحطيم كل شيء.
حركت شفاهها النازفة المرتجفة بكلمة واحدة فقط، كلمة آخيرة همستها له:
- أحبك.....
لتغلق عينيها ولم تسمع عويل ألمه الذي خرج يبكي محبوبته التي غادرته قبل أن يعيشا حياتهما .
دار على عقبيه وخرج بسرعة وأغلق الباب بهدوء وسار ناحية الحارس وأهداه المفتاح.
- أي حد جاي يبي يأجر الشقه أعطه، هذي خلاص ماله داعي نتركها فاضية.
- حاضر .
وانتهى هذا الفصل، كان عليه أن يغلقه منذ زمن، منذ أن حلت تلك الكارثة، لكن لا يعرف لما احتفظ بها!!... هل لأنه أراد أن يذكر نفسه بأنه انسان فاشل ولم يستطع حماية من يحب؟؟... أم أنه رجل لا يستحق السعادة؟؟... لهذا دائما ما تظهر العواقب أمامه، لكن الآن قد انتهى كل شيء وعليه أن يقفل ذلك الباب الذي تركه مشرعا ليقتات من أنفاسه بكل مرة يتذكرها، عليه الآن أن ينظر للأمام ولا شيء آخر، والماضي قد نحاه بأتراحه .
انطلق بسيارته من جديد ووِجْهَ أخرى عليه الذهاب إليها، ووجهه قد تغيرت معالمه وكأن الغمامة قد انقشعت ليحتل مكانها السعادة والفرح، فالمستقبل ينتظره فاتحا ذراعيه على وسعه، وقد عاهد نفسه بأنه لن يدخر جهدا بسبيل اقتناص السعادة التي تتهافت إليه مهما كانت، وهاهو الآن حر من قيود الماضي، عليه فقط أن ينظر للأمام دون أن تكبله أغلال الحزن، فالأيام تنساق إليه بالبهجة وهو سيستغلها لأقصى حد ليعيش البقية الباقية من حياته براحة بال.










طُعُوْن 05-01-17 02:32 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
الفصل الرابع والثلاثون ( الأخير )

هبت نسائم الربيع تداعب أوجاعي.
وابتهجت الزهور
وتزينت وانتشت بأحلى العطور.
دفئ لون أيامي .
وحب اعتنق طريقي .
وعشق هاج به صدري .
غدت أيام الأحزان وطوت بصفحاتها الآلام.
نثرت الورود بطريقي فقد غدى ينير بسعادتي .
ابتهجت ليلعلع صوت العندليب مغردا أجمل الألحان.
فأطربت أتغنى لتصدح أوتاري بأعذب النغمات.
دروبي اختلفت، وآمالي نضحت، ومستقبلي أشرق بأنواره.
فاض قلبي انشراحا....
وأمان شعرت به يحتل خافقي.
وملاذي رأيته يجتاح كياني.
فيا رب العباد أدم علي نعمك .
ولا تحرمني من لذة هِدايتك .
أجدت إلي بعطاياك
فلا تجتثها مني بعد أن صارت جزء من حياتي .
فلك الحمد كثيرا ولك الشكر كثيرا .
ومالي دعاء سوى الحمدالله على نعمك.

***********************************
تقوده اللهفة، والشوق يكاد يطير به لتعانق روحه السماء، بيده باقة من الورود اختارها بعين عاشق شاهد صورتها بكل زهرة، لتغدوا غاية بالروعة.
متأنق كما اعتاد دوما والعيون مصوبه ناحيته أينما حل، وقف أمام غرفتها وضربات قلبه تعلن عن وصوله قبل أن تتحرك قبضته لتعلن عن وجوده.
تهادى إليه صوتها ليفتح الباب وتتحرك عيناه باحثة عنها فتتعانق العيون، وتتهافت الأرواح بلقيا الاشتياق، وابتسمت الشفاه تخبر الجميع بسعادة لقياهم.
تأملها بعشق من شعرها الأسود المتساقط بكل عنفوان مثل صاحبته على كتف واحدة، وملامحها البهية خالية من مستحضرات التجميل، متعب لكنه منعش للنظر، وتابع تأمله حتى قوطعت متعته بنحنحه أخرجته من مدار انجذابه ثم سمعها تقول:
- نحن هنا، ليكون تبانا نطلع من الغرفة علشان نفضي لكم الجو؟؟.
دلف للداخل وأغلق الباب وهو يجيبها وعيناه ماتزالان على من تملكت قلبه وروحه:
- والله انت أصيلة وتعرفين بالأصول يا بنت الأجاويد.
اقترب ليهديها باقة الورد.
- الورد للورد، وصباحي ما يكمل إلا بجوفة وردتي.
توردت وجنتيها لغزله الصريح أمام الجميع وأمسكت بالباقة لتخفي خجلها خلفها ليتابع هو وعسليتيه مسلطتان عليها:
- شخبارج اليوم؟؟.. عساج بخير؟؟.
وأجابته بابتسامة خلابة أسرت ناظريه وخافقه على حد سواء، وطالعته بكل ما يحتويه قلبها من عشق لهذا الرجل.
- وردتك بخير دام جافتك بخير.
وتشدقت شفتيه بابتسامة واسعة أظهرت أسنانه البيضاء، وعندما هم بإكمال وصلة غزله قاطعه صوت طفولي:
- بابا...
والتفت إليه ليراه قادما باتجاهه ببطئ فتحرك ناحيته وتلقفه حاملا اياه ويرفعه للأعلى ثم يمسك به لتنتشر ضحكات الصغير بأرجاء الغرفة مرسلا ابتسامات على وجوه من حوله لمدى سعادته، ثم أمسكه بالقرب من صدره وطبع قبله على رأسه وحادثه:
- شخبار حبيب أبوه؟؟.. عساه ما تعب الماما؟؟.
لتجيبه وعيناها تطالع الصورة التي أمامها بحنان ورقة:
- لا... حبيب الماما ما يتعبها، وثاني شي آمون ماقصرت معاه هي يلي شالته وتحملت منه.
فناظر تلك الصغيرة التي بلغت من عمرها السنون لتغدوا شابة بريعان صباها، فالعالم لم يرحم حالها هي أيضا وكال لها من صفعاته الكثير لتفوق عمرها بسنين.
- مشكورة يا آمنة ما قصرتي، تعبتي معانا والله يجازيج كل الخير.
خجلت لما قاله وأجابته باحترام وتقدير لهذا الرجل الذي وقف معها وساعدها بتخطي الكثير من الصعاب وساعدها باكمال مشوار حياتها:
- أنا ما سويت شي، ومايد بعيوني الثنتين، هو ولد الغالية .
ليقاطعهم صوتها الغاضب:
- نعم.. نعم.. نعم كل هذا الكلام لآمون واحنا نطلع بمولد بلا حمص؟؟.
والتفت إليها قائلا:
- وانت ديما مستعيلة؟؟.. ما تعرفين تصبرين شوي علشان تسمعين باقي الكلام؟؟.. توي بتكلم.
- ها... يعني كنت بتقول شي؟؟.. تراه عادي قول ألحين.
لتجيبها ميثة بعيون حانقة:
- شوالفايدة؟؟.. تراج حرقتي الكلام.
وأكمل حمدان وعيناه تعود لآسرته:
- الله يعين ريلج عليج يا شهد.
تخصرت وهتفت:
- نعم.... قول الله يعيني عليه......
وطرق الباب ليقاطع حديثها ودخل بهدوئه ورزانته وسلم:
- السلام عليكم.
وأجابه الجميع بالتحية:
- وعليكم السلام .
- هلا سعود شخبارك؟؟.
- الحمدالله بخير، انتوا شخباركم؟؟.
والتفت للعنود بعد أن كان يحادث ابن عمه سائلا إياها:
- شخبارج ألحين؟؟.. إن شاء الله أحسن؟؟.
- الحمدالله بخير .
- متى بتدخلين غرفة العملية؟؟.
- بعد ساعتين إن شاء الله .
- الله يقومج بالسلامة .
وردد الجميع خلفه:
- آمين يارب العالمين .
وبلحظة التفاته شاهدها هناك تجلس بأدب وعيونها تعانق الأرض فقال ومازال يحدق بها:
- شخبارج شهد؟؟... غريبة... أجوفج ساكتة ويالسة؟؟.. ليكون تعبانة أو مريضة؟؟
رفعت رأسها بحدة من استهزائه بها وعندما ناظرته شعرت بأحاسيسها تفور وتغلي من عيونه الشاخصة لها، فتراجعت عن رغبتها بتمزيقه وهمست له بصوت خفيض وبخجل يعتريها بوجوده معها دائما:
- بخير .
رفع حمدان حاجبيه بعجب وقال بمكر :
- ماشاء الله، توه الصوت وين واصل وألحين......
تجهم وجهها من استفزاز زوج صديقتها وفتحت فمها ترد عليه إلا أنها عادت لإغلاقه عندما شاهدت سعود يتأملها أيضا، كأنه ينتظر صريخها فضحك حمدان وقال:
- حريم ما تيون إلا بالعين الحمره .
وهنا فزت من مقعدها دون أن تبالي بمن معها:
- أقول... جنك مصختها!!.. عيون حمره وما أدري شو و.....
بهتت وهي تراه ينظر إليها بغموض حتى اشتعلت وجنتيها احمرارا وهي تتذكر عقابه لها كلما هتفت وصرخت باستعجال وابتلعت لعابها بصعوبة وسمعته يسألها بهدوء يحسد عليه:
- و شو يا شهد؟؟.. قولي وأطربينا بكلامج .
- ها... لا ولا شي بس هو... يعني...
وابتسم سعود على هيأتها المضطربة واقترب منها وهو يستأذن الجميع:
- عادي لو أخذت حرمتي معاي شوي، ودي أكلمها بموضوع مهم.
لتجيبه العنود بسعادة من رؤية صديقتها وقد ارتبطت بمن يستحقها:
- ليش تستأذن يا خوي؟؟.. حرمتك وانت حر فيها.
لتصرخ شهد بصديقتها دون إرادة :
- شو حر هو فيني؟؟.. يعني يذبحني عادي؟؟.
وهمس بالقرب منها وهو يمسك بذراعها:
- مال داعي أذبحج، وأظن إنج حرمتي على سنة الله ورسوله من لما ملجت عليج، بس باقي الاشهار وهذا قريب، يعني ألحين لما أوقول تعالي يعني تعالي.
لم تعرف ما تقول سوى أن حدجت الجميع بغضب وهي تغادر برفقة سعود زوجها المستقبلي والذي سيكون زواجهما بعد شفاء العنود، وقبل خروجها أوقفتها عنود قائلة:
- تذكرين لما قلتي لي أبي........
أسكتتها شهد بسرعة قبل أن تكشف فضائحها أمامه وهي تعلم بأنه سيحقق لها مطلبها بلا شك عندما قالت بهيام أنها تريد زوجا يضربها ويحملها على كتفه لتسقط بهواه.
- اسكتي يا عنود، وش يلي ذكرج بالسالفة ألحين؟؟..
قهقهت العنود بصعوبة لوضعها وأجابتها:
- السالفة جت في بالي ألحين فقلت يمكن بعد تبين تحققين يلي تبيه.
- أم حق حلم!!.. روحي يا الخبلة كان كله كلام مسلسلات.
ليسأل سعود:
- وش هو الحلم يلي تبيه؟؟... تراني حاضر ومستعد.
لتعود عنود منخرطة بالضحك بصعوبة وشاركتها ميثة لتذكرها ما كانت تريده صديقتها وأجابته بوسط ضحكها:
- اسألها وهي تقولك.
التفت يناظر التي بجانبه ليراها ترمي بسهام نارية على صديقاتها ثم قال وهو يسحبها خلفه:
- اسمحولي يا جماعة.
وخرج وبعدها بثوان استأذنت ميثة وآمنة الخروج أيضا ليتركوهم لوحدهم وأخذت معها الصغير لتعود الغرفة لهدوئها وسكينتها.
تطلع إليها بحب ثم اقترب منها وجلس بجانبها على السرير يتأملها بشوق وعشق حتى انحنى مقتنصا قبلة تعينه على الصبر ثم ابتعد عنها معطيا إياها المجال للتنفس وهمس وهو على بعد انشات من شفتيها:
- اشتقتلج وايد يا أغلى الناس.
لتعيد همسه وهي تمسك بوجهه:
- وأنا اشتقتلك أكثر.
طبع قبلة أخرى رقيقة على ثغرها ثم ابتعد عنها وحرك كفه ووضعه على بطنها المنتفخ وأخذ يمسح عليه بنعومة وخفة خوفا من أن يؤذي حبيبته، وقالت له تريحه من أفكاره وهواجسه التي تعلم بأنها تتلاعب به:
- كل شي راح يكون بخير، وكثير حريم يسون عملية قيصرية، وأصلا صار عادي وموضة بعد، ولا تنسى إني سويتها من قبل.
وأجابها بشرود وعيناه ما تزالان على بطنها الكبير:
- بس انت حالتج غير، كان ما يسمح لج بالحمل إلا بعد ما تخفين من يلي فيج.
أمسكت بوجهه وأدارته باتجاهها ليناظرها بهيام وحب شع من مقلتيه.
- حبيبي... الله كاتب إني أحمل، صحيح إنه ما كان المفروض يصير بسبب يلي صار من قبل.....
وسحبتها دائرة الذكريات للأعماق مخرجة أحداث مرعبة ومؤلمة قد دفنتها سحيقا، لكنها تخرج بين الحينة والفينة كلما وقعت مقلتيها على صغيرها "مايد" فقد كادت أن تفقده وتخسر حياتها بسبب حقد لم تتوقع أن يكنه شخص ما لها بهذا القدر.
فتحت الباب لاعتقادها بأن زوجها قد عاد ليكون معها ولكن كانت يد الشر هي من يترصدها، دفعها بغفلة صدمتها وأغلق الباب لتنهره وقد عادت حواسها للادراك من وجود رجل غريب ببيتها:
- مين انت؟؟.. واطلع من البيت!!.
ليتكتك بلسانه قائلا وعيناه تجري على مفاتنها الظاهرة:
- لأ... لأ... ميصحش كده، دحنا ضيوف ولزمن اكرام الضيف، ولا ده مش من الأصول يا مدام؟؟.
وصرخت به والرعب قد تملكها مما يريد فعله بها:
- قلتلك اطلع من البيت ولا بالتصل بالشرطة!!.
وبالفعل اتجهت ناحية الهاتف لكن يده كانت الأسرع حيث أنه قد أمسكها وأحاطها من الخلف بجسده لتزعق به وقد شعرت بالاشمئزاز والقرف فقط من تلامسهما، ودفعته بكل ما تملكه من قوة.
- يا الحيوان!!.. كيف تتجرأ وتلمسني؟؟.
وأشارت ناحية الباب وهدرت به وجسدها ينتفض من انفعالها الشديد:
- اطلع من البيت ولا بلم الناس عليك، اطلع يا حيوان!!.
طالع جمالها الفتان وجسدها المنتفخ بشكل مغري لتزجره على تطلعه لمحرمات لا يجوز له الكشف عليها:
- اقطع بصرك يا الحيوان واطلع من البيت.
وأجابها هذه المرة بهمس أحست معه بالرغبة بالتقيؤ:
- حطلع من هنا بس أبلها لازم أعطيك الأمانه يلي معاي.
ارتجف جسدها بهلع وهي تراه يقترب ومقلتيه التي أجاشت ما بداخله من فجور جعلت أوصالها تنصهر من الرعب، وأحاطت بطنها بحماية فطرية ولدت عليه الأنثى.
خطوة للأمام وخطوة للخلف، وفزع شل لسانها، خطوة أخرى من قبله وخطوة للخلف من قبلها ومع اصطدامها بالأريكة حتى حلت عقدة لسانها ومع أول صرخة حتى حط كفه على وجنتها لتسقوط على الأرض هامسه باسمه:
- حمدان.....
دافعت عن شرفها بشدة عندما حاول أن يغتصبها وعندما لم يستطع النيل منها بسبب شراستها ومنعه مما يريد فعله توال عليها بالصفعات واللكمات حتى باتت لا تشعر بجسدها من شدة ما يكيل لها، وأحست أن روحها تكاد تهفوا لبارئها وسلمت نفسها للذي خلقها، وما بين ظلمة الليل التي توشحت بها خضرتيها التي بدأت تسحبها لعالم آخر شاهدته يعارك من أجلها ويصرخ بأعلى صوته، لكنها لم تفقه ما يقوله، أرادت مناداته فخذلها لسانها، أرادت التحرك فعاندها جسدها، لكن عينيها أبتا الانغلاق قبل أن تودعه الوداع الآخر وقد حصلت على أمنيتها بأن تموت على ذراعيه ويكون آخر وجه تراه يكون هو.
عادت لحاضرها وتأملت قسمات وجهه الحبيبة وأدنته منها وطبعت قبلة رقيقة على أرنبة أنفه وهمست مكملة:
- هذي حكمة رب العالمين واحنا ما نعترض عليها.
وهمس هو أيضا بتشتت وخوف من خسارتها من جديد:
- بس....
مسحت على وجنته بظاهر كفها وحادثته بحنان تطمئن قلبه الملتاع:
- حبيبي.. تكلمنا وايد عن هذا الموضوع، والدكتورة طمنتنا إن ما في خطر علي أو على الأولاد، توكل على ربك وكل شي بإذن الله يصير بخير، وثاني شي.. هذي نعمة من رب العالمين ولازم ما نرفض الرزق يلي يجينا.
تنهد بحرارة وهمس:
- ونعم بالله .
وطوق جسدها بذراعيه لتتكئ برأسها بالقرب من موضع نبضاته، واسترخت بهدوء مسدلة رموشها وأسند فكه على رأسها واستنشق عبير خصلاتها العبقة برائحة الورد، ويداه تجولان على بطنها وقلبه يدعوا بتضرع بأن يحفظها له ويعيدها إليه بصحة وعافية.
فخوفه من التعقيدات التي ستحدث أثناء عملية التوليد هي ما تفزعه، فأخذته لعالم جعلته يعيش فيها أياما عصيبة وعويصة، أيام لم يستطع فيها أن يتذوق فيها طعم الراحة، فبعد أن أغلقت عينيها مودعة إياه شعر بالعالم يغلق عليه أيضا، وأنفاسه تكتم، وروحه تجتث من جسده بقوة حتى أحس به يتفتت إلى أجزاء صغيرة، وعسليتيه انطفأتا ولم تناظر سواها وهي تتوسد ذراعيه دون أن تبدي أي حركة تدل على وجودها معه بهذه الحياة.
- حمدان بسرعة خذها للمستشفى.
كان سعيد يعارك المعتدي ويحاول الإحكام عليه ريثما تأتي المساعدة. تطلع لصديقه وقد غيب ادراكه على ما حوله وهمس بضياع:
- ها.....
احتار صديقه عما يفعل ليخرجه من براثن تيهه!!.. بيده المجرم وصديقه يراه ضائعا فما كان منه سوى أن تلقف مزهرية كانت بالقرب منه ورفعها وأسقطها على رأس المجرم ليخر فاقدا الوعي، وهنا سارع ناحيته وصرخ به وهو يلتفت بعينيه بعيدا عندما انتبه للعنود وهي مكشوفة الجسد بسبب تمزق ملابسها:
- حمدان مب وقته قوم وخذ حرمتك للمستشفى.
طالعها بضياع وهمس:
- راحت عني، راحت....
فزجره صديقه لعله يستيقظ:
- حمدان... إن مالحقت ألحين راح يكون موتها بذمتك ليوم الدين.
طالعها للحظات ثم وكأن طاقة قد هبت به لينهض حاملا إياها ويركض بأقصى ما يستطيع للمشفى وهناك سلمهم كنزه الغالي ليعلم بأنها لم تغادر عالمه بعد، فمازالت تحارب من أجل البقاء.
مر الوقت عليه بطيئا قاتلا والهواء صار ثقيلا غير قادر على اجتراح أنفاسه، ففتح أول زرين من دشداشته، ولكن مازال تنفسه متحشرجا مكتوما كأن لا هواء بمحيطه.
كفيه يعانقان رأسه والأصوات اختفت من حوله فقط همسها وهي تودعه بكلمة أخيرة هي من ظلت تتكرر مرارا.... أحبك.
- أخ حمدان.....
لم يسمع فأعادت نداءها والبقية من حوله أيضا نادوه ليخرجوه من عالمه الأسود الذي أظلم بغيابها، ليرفع رأسه وقد ماجت به كل شتى المشاعر. فرق حال الطبيبة لحاله وقالت:
- الأهم... إن حرمتك العنود حية.
أغمض عينيه وانحنى راكعا على الأرض ساجدا شاكرا لله وجودها معه وظل بمكانه لفترة من الوقت حتى عاد يناظرها لتتم حديثها.
- لازم عملية قيصرية علشان نطلع الجنين وبصراحة لازم تعرف إن احتمال يكون الجنين.....
وأكمل بدل عنها:
- ميت...
هزت رأسها موافقة واستطردت:
- وزوجتك نزفت وايد فمحتاجة نقل دم وفي كسور بالحوض مانعرف بعد شو عمقها.
وأتاها السؤال من العمة هذه المرة:
- وهذا كيف يتجبر؟؟.
- يا الوالده هذا ماله تجبير بس راحة بالسرير بدون حركة ومع الراحة راح يلتئم الكسر، وهناك بعد كسر باليد وظلع مكسور، وحاليا نبي توقيعك على الأوراق علشان نباشر بالعلاج.
وغادرت بعد أن أخذت الموافقة وباشرت عملها ونهض هو وغادر متجها لمن هو القادر والشافي وظل بالمسجد يصلي حتى وصلته الأخبار السارة... زوجته بخير وطفله أيضا نجى بقدرة قادر وبما أنه ولد بغير وقته وضع تحت الملاحظة " أطفال الخدج"
بعد مرور المحنة القوية واستبداد الأمور ظلت عنود طريحة الفراش حتى أخبرتهم الطبيبة بأن عليها عدم الحمل إلا بعد مرور ثلاث سنوات أو أكثر بسبب اصابتها، لكن... قدر الله وماشاء فعل.

*********************************
تجلس على أحد الكراسي المنتشرة على طول الممر بالمشفى وعيناها تراقب الصغير وهو يلعب بالكرة وابتسامة مشرقة تعتمل ملامحها الناعمة، يراقبها من بعيد والشوق يسرقه إليها.... فهتف قلبه بلوعة الفراق....
لما تبخلين علي بحبك؟؟.
لما تهربين من عشقك؟؟.
تملكتني وغدوت نبض شرياني.
فلما الجفا يا من سرقت الفؤاد؟؟.
عيشتني بعالم الأحلام.
لتوقضيني منه بأقسى الطرق.
أتبتعدين؟؟... أتهجرين؟؟
لما الصدود؟؟.
أحاطني الهم وغدوت كما الصحراء القاحلة .
فرشتي طريقنا بالأشواك .
وأقفلتي تديرين ظهرك .
مالي بأخطاء الآخرين؟؟.
أتسمعين صدى صوته يناديك؟؟.
أتسمعين صوت صراخي يرتجيك العودة؟؟.
فترفقي بقلب سقط بمحراب عشقك.
( منصور )

- تدرين إنج راح تكوني أحلى أم!! .
تجمدت بمكانها وتابع هو بحب طفق يعلنه دون خجل:
- عيالج راح يحبونج ويموتون فيج، حتى أبوهم راح يموت بهواج.
نكست رأسها وهمست بألم اتسبد بخافقها:
- بس أنا ماراح أتزوج.
وجلس بقربها لتبتعد عنه ناهرة إياه:
- منصور...
- عيون منصور، وروح منصور، ليش انت قاسية جذا؟؟.. انت ما تحبيني؟؟.
تطلعت إليه وإلى ملامحه المعذبة، فأشاحت بوجهها بعيدا وهي تحرك رأسها يمنه ويسره وتجيبه:
- ما ينفع ننربط يا منصور، صدقني أنا وانت ما ينفع إنا نتزوج.
والتفتت إليه تتحدث بلوعة قلب وغصة تقف ببلعومة غير قادرة على زحزحتها:
- انساني يا منصور وتابع حياتك والله ير.....
ازدرد لعابها والوجع يعتصرها بشدة، تعشقه لحد النخاع لكن....
- الله يرزقق ببنت الحلال يلي تناسبك.
ونهضت تداري دموعها المتساقطة لحب علمت بأنه لن يكتب له الاستمرار، فما حصل كان القاسم لردئهما عن الاستمرار بمشاعرهما. أوقفها عن الرحيل بعد أن كادت تتحرك حاملة الصغير بعيدا عنه.
- هذا آخر قرار يا آمنة؟؟.
احتضنت الصغير بقوة وكتمت نوبة بكائها بصدره وهزت رأسها تجيبه بصعوبة بالموافقة لتسمع صوت حذائه وهو يبتعد حتى انهارت على الأرض تندب حبها الضائع بسبب عائلة قد دمرتها تماما حتى بعد رحيلهم.
- ليش قلتي له هذا الكلام؟؟.. منصور يحبج يا أمون.
رفعت رأسها وهمست لها بعذاب ينكئ جروحها الغائرة:
- لأنه ما ينفع يا ميثة، راح يعايرونه بأهلي، ويلي صار مب شوي، وبالأخير راح يرميني برع حياته ويقول ما بيج بعد ما يمل من الكلام يلي يجلده.
لتقترب منها ميثة وتحتضنها وتهدهدها.
- ليش تحكمين على شي انت مب عارفه شو هي نهايته؟؟.
لتجيبها ببكاء مكتوم، لكن دمعاتها أبت إلا الخروج:
- نهايتنا معروفة يا ميثة... معروفة، ويلي صار مب شوي.
- وشذنبكم تاخذين بذنب غيركم؟؟.
ابتعدت عنها وأمطارها تهطل بغزارة دون أن تكون لها القدرة لايقافها.
- لأن يلي سوته اختي مب شوي وهذاك أبوه صار معوق بسببها وكان راح يموت لولا رحمة الله فيه.
سكتت تجترح دمعاتها وأنفاسها وتابعت بقهر وعجز:
- تعرفين... كل ما أجوفه جدامي أحسه إنه وده يذبحني وينتقم فيني باختي.
لتسارع ميثة رافضة ما تهذر به :
- لا يا آمنة.. أبو سالم ما يفكر جذا!!.
لتقاطعها :
- بلى يا ميثة، صدقيني...
سحبت نفسا طويلا ثم استطردت:
- اختي يا ميثة دمرت حياته وبيته وأهله، يعني كل شي حلو بحياته أخذته اختي، وهو أكيد ألحين يتوقع إني مثلها وراح أدمر ولده لو تزوجني.
- يمكن انت خايفة تكونين مثلها علشان جذا رافضة منصور.
أتاها الصوت من خلفها لترى شهد، وأشاحت بوجهها ولم تعقب، فاقتربت منها وجلست بجانبها بعد أن سحبتها وأقعدتها وحادثتها برقة:
- يا حبيبتي يا آمنة، كم مرة أقولج انج انت غير واختج ابتسام غير؟؟.
مسحت دموعها بقوة ونفضت غبار البؤس وقالت بقوة وبكلمة أخيرة لا رجوع فيها:
- لا يا شهد، دمنا واحد وهي اختي والظفر ما يطلع من اللحم، ومنصور أكيد راح ييجي له يوم ويعايرني بهلي، فليش أفتح المجال له؟؟.. احنا ما نصير لبعض وانتهينا.
تحركت وحملت الصغير وداعبته قائلة:
- نروح للماما والبابا...
ورحلت تاركة خلفها صديقات بل شقيقات عاجزات عن فعل شيء من أجل شقيقتهم الصغرى التي أبت إلا أن تجترح مرارة عائلتها لوحدها.
وساقتها أحزانها وهي تسير بالممرلأيام الشقاء التي جعلتها تكبر بين ليلة وضحاها.
فاجعة هزت أركان المنزل بخبر وجود العنود وحمدان بالمستشفى اثر اعتداء من رجل غريب بعقر دارها.
انطلق الجميع إلى هناك لكنها بقيت بالمنزل مع عبدالله وحنان وظلت تترقب اتصالهم ليطمئنوها، لكن لم يصلها شيء، فما كان منها سوى الاتصال بشهد لتخبرها بما حصل لتنطلق تلك الأخرى للمشفى مع ميثة وظلت هي لوحدها تصارع الخوف حتى استجمعت قوتها وارتدت عباءتها وانطلقت بسيارة أجرى للمستشفى التي ترقد بها الأم التي احتوتها.
اقتربت منهم وهي تشاهد الحزن مخيم على الكل وينتظرون خروجها من غرفة العمليات بصبر، وما هي إلا لحظات حتى جاء أحد ما يحمل أخبارا غير سارة .
- مرحبا... انتوا عايلة حسن الكتبي؟؟.
نهض سالم وأجابه بفزع:
- نعم احنا أهله وأنا ولده العود.
تردد الرجل باخباره لكن لا مفر.
- اسمحلي أقولك إن أبوك هنا بالمستشفى.
صاح به:
- انت شو تقول؟؟... وشـ يلي صار؟؟.. وأصلا أبوي مسافر!!.
- للأسف أبوك موجود هنا بالمشفى وأنا جيت أبلغكم لما عرفت إنكم موجودين هنا.
اقترب منه الجميع وسأله سعود بذهول:
- شو يلي صار فيه؟؟.
- بصراحة ما عرف، ممكن تسأل الشرطة وهي تجاوب.
وبتلك اللحظة جاء الشرطي ليحيطه الجميع متسائلين عما حدث حتى أجاب متأسفا ومجبورا:
- بعدنا ما نعرف التفاصيل، بس كل يلي صار إن الجيران اتصلوا فينا وقالوا إن في واحد طايح بشقته، ولما سألنا إن كان حد معاه قالوا إنهم جافوا حرمته تطلع وهي تركض و......
- الله يلعنها!!.. وشسوت فيه؟؟.. والله لأذبحها الحيوانه!!.
وتحرك منصور والشرر يتقاطر من عينيه حتى أمسكه شقيقه سالم.
- هدي يا منصور وخلينا نعرف شو صار بالأول، الدنيا ما هي بفوضة علشان.....
قاطعه وهو يحاول الفكاك من قبضته المحكمة:
- لا... هي السبب!!.
وقام بدفعهم ينوي التحرر وهي من بعيد تشاهدهم والرعب قد تملكها تماما، ولكن ما نطقه بعدها الشرطي كان الفيصل ليحل السكون بعدها.
- الحرمة يلي تتكلم عنها كانت تركض بالشارع وما انتبهت ودعمتها سيارة وهي ألحين بالعناية المركزة، تعرفون أهلها علشان نتصل فيها؟؟.
وصرختها كانت دليل على صلتها بها.
- لا.....
عادت لواقعها ووصلت لغرفة العنود وطرقت الباب بعد أن استجمعت قوتها ودخلت بابتسامة اغتصبتها، فتلك هي حياتها، مجرد أقنعة ترتديها لتخفي ما بداخلها من أوجاع تقتات منها رويدا رويدا.
- هذيك ماما.
وضعت الصغير على الأرض ليركض ناحية والده ويرفعه ليكون بمستوى والدته لتحادثه بأمومة طفقت على ملامحها وداعبت كفه الصغير:
- ميودي حبيبي، لا تعصب بخالوا آمون فاهم، وخلك ولد مؤدب.
اتكأ الصغير برأسه على كتف والده وهمست آمنة:
- لا ميود حبيبي ولد مؤدب.
طرق الباب ليدخل الجميع... الجدة وأم سالم وميثة وشهد وانخرطوا بحديث عن حالة العنود لتنزوي آمنة بأحد الأركان جالسة على كرسي وتطالع بشرود للخارج من نافذة الغرفة وتتفكر بحياتها، لقد أنهت تعليمها الثانوي وتخرجت بنسبة كبيرة لتلتحق كما والدتها العنود بكلية الطب، وهي تعيش مرتاحة مع عنود ولا ينقصها شيء، ليأتيها همس من بعيد متسائلا:
- ألا ينقصك شيء؟؟..
لتجيب:
- لا.. لينقصني شيء.
- وماذا عن قلبك؟؟.
- ومابه قلبي؟؟.
- أوتسألين مابه؟؟.. أين نصفه الآخر؟؟.. لما غلغلته بسلاسل العبودية؟؟.. لما رميته بأقاصي الأعماق؟؟..
لتصرخ به:
- لأنه اختار الشخص الخطأ، لأنني لا أريد أن أؤذيه، وحبنا مستحيل!!.
- لما مستحيل؟؟.. لما؟؟.
سكتت قليلا ثم أجابته:
- لأني خائفة من الصد والهجران، خائفة من رؤية نظرة اللوم والعتاب ليكون مصيري الوحدة وحطام قلب.
وانتهى النقاش عند هذا الحد بحب لم يكتب له الاستمرار.
**********************
حان الوقت المنتظر وجاءت الممرضة لأخذ العنود لغرفة العمليات. عانقها حمدان بقوة وهمس لها:
- ارجعي لي، فاهمة!!.
ابتسمت وأجابته بخفوت:
- بحاول.
وضحكت تريد ازاحة خوفه لكنه لم يستجب لها، فاحتضنت خده بكفها وهمست له:
- قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، خلي بالك من نفسك، وعيالي أمانه فارقبتك، وأمون آمانة الله يخليك حافظ عليها.
استنشق هواء عميقا ثم زفره وأجابها وهو يعتدل وملامحه لا تشي بشيء:
- أمانتج انت راح تصونيها بنفسج، وإن شاء الله بترجعيلنا بالسلامة.
سلم عليها الجميع ودعوا لها بالخروج سالمة ثم دفعوا سريرها خارجا باتجاه غرفة العمليات وحمدان يسير بجانبها وكفيهما متشابكين، وقبل انفصالهما طبع قبلة على أصابعها وجبهتها وهمس بطلب ورجاء وتوسل:
- راح ترجعين!!.
- قول... يا رب!!.
واختفت خلف الباب المغلق ليشعر بجدته تمسك بعضده وتقوده للجلوس.
- اقعد يا ولدي، راح تطول داخل، وادعي ربك إنه يقومها بالسلامة وإن شاء الله ماعليها شر.
وجلس الجميع بانتظار خروجها وقلوبهم تخشع بالذكر، وهناك من بين ثنايا دعواها وصورة أخرى ومكان آخر احتلت صفحة ذكرياتها...... هي تجلس لوحدها بانتظار خروج أحدهم ليخبرها بما حل بمن في الداخل وقد طال انتظارها، ودموعها تتساقط تحكي واقعها الأليم بعائلة قد تفككت وتدمرت... والدتها توفيت اثر صراعها مع المرض الخبيث، ووالدها أصيب بجلطة دماغية وهو الآن طريح الفراش فاقد الأهلية بسبب خسارته لكل شيء أو بالأحرى بسبب قيام زوجته بسرقة كل الأموال التي يملكها ورحلت عنه بعد أن أخذت الأطفال وسافرت لمكان لا يعلمه أحد، وهاهو دور شقيقتها قد أتى، هذا هو عقاب الله في الدنيا، فما بالهم بالآخرة!!... ألا يتفكرون؟؟... ألا يفهمون أن الشر مصيره الفناء آجلا أم عاجلا؟؟.. وأن الله يمهل ولا يهمل.
خرج الطبيب بعد ساعات قضتها هي بالتحرك من مكان إلى آخر، هناك والدتها التي ربتها تعاصر الموت وهنا شقيقتها أيضا تنازع الروح.
- مين انت؟؟.
وأجابته بصوت قد غادرته أوتاره من شدة بكائها:
- أنا... أنا... أختها.. هي... كويسة؟؟
لم يعرف ما يقول!!.. فهي طفلة بالكاد ستتحمل ما ستعرفه.
- وين أمج وأبوج ؟؟.
- ماما ماتت، وبابا.....
سكتت ولم تستطع الاكمال.
- لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب ما في حد ثاني من العيلة؟؟.. يعني واحد كبير؟؟.
هزت رأسها بالنفي ليتطلع الطبيب من حوله وشاهد الشرطي قادم باتجاهه ليستعلم أخبار المصابة.
- ها يا دكتور، شو الأخبار؟؟.
تطلع للصغيرة لثوان حتى بدأ يتكلم كطبيب أشرف على علاج مريضة.
- بصراحة ما أقدر أقولك إنها بخير، لازم تمر 48 ساعة وبعدين بقرر، لكن حاليا احنا سوينا يلي علينا والباقي لرب العالمين.
لتتدخل متسائلة:
- طيب هي ملها؟؟.
ماذا يقول لها؟؟.. تنهد وقال بعد أن حثه الشرطي للحديث لكي يكتب بتقريره عن حالة المصابة:
- المريضة اصابتها كانت خطيرة، وحاولنا إنا نساعدها بس ما قدرنا، فكان لا بد من إننا نحد من الخطر.
ازدرت لعابها وعيونها احمرت ومازالت دمعاتها تتساقط واستطرد الطبيب:
- الشاحنة لما دعمتها كانت مسرعة فطارت اختج وطاحت بين السيارات، ولأنهم ما انتبهوا فكان مصيرها إنهم يسيروا فوقها، وسبب هذا بترت ريولها الثنتين.
وشهقت ووضعت كفها على فمها تمنع الصرخة التي كادت أن تخرج ورأسها يرفض الصورة وتابع الطبيب بقلة حيلة:
- وصابها نزيف داخلي اضطرينا إنا نوقف النزف وكانت حامل بس الجنين طلع ميت بسبب الضربة يلي تلقاها جسمها، والكلية تفتت فاضطرينا إنا نتخلص من وحده منهم، وجزء من يدها اليمنى كمان بترناها، وجروح عميقة بويهها طبعا تحتاج لعمليات تجميلية إذا الله كتب لها إنها تكون حية، ومن غير العلاج النفسي والطبيعي وأشياء ثانية راح نقررها بعدين لما نجوف حالتها لوين بتوصل.
وتركوها وحيده تعاني الأمرين، دون كتف يعينها، ودون صدر يحتويها، وظلت بمكانها تبكي وتبكي حتى جفت غدرانها وتحركت تمشي بضياع ناحية من عانقت طفولتها وصباها، فتلك هي الأهم، وعندما وصلت وتعانقت عينيها مع من تملك كيانها وشاهدت تلك النظرة التي لم تنساها أبدا وظلت محفورة بذاكرتها ليكون قرارها النفي.
تابعت استرجاع شريط ذكرياتها وهي تنتظر خروج الأم التي احتضنتها ومازالت تكمل مسيرة الاعتناء بها.
تتذكر دخولها لأول مرة لغرفة شقيقتها بعد زوال الخطر عنها بعد أربعة أيام، كم كانت صدمتها كبيرة برؤيتها بهذا الشكل... الضمادات تحيط بجسدها كاملا ولا يظهر منه سوى عينيها، وعندما استيقظت قابلتها بهجوم ضاري لم تتوقعه أبدا:
- بتعملي ايه هنا؟؟... أكيد جاية عوزة فلوس!!.
بهتت ولم تعرف ما تجيبها وتابعت الأخرى:
- ؤولي لأمك إن معنديش فلوس، وؤليلها تروح تشحت أو تبيع نفسها أي حاقة المهم تبعد عني.
وأجابتها بعد صمتها الطويل:
- ماما ماتت.
سكتت تنتظر بكائها أو صراخها أو دمعاتها لكن أن....
- أحسن.. ارتحنا من غتاتتها، وليه أرشانة شرانية...
ثم التفتت إليها قائلة:
- وانت بتعملي إيه هنا؟؟... أكيد عاوزة تسكني معاي لأن معدش معاك بيت، طيب ماتروحي تسكني مع حبيبة الألب عنود
فسألتها آمنة بسؤال لطالما أرادت معرفته:
- انت ليه بتكرهي العنود؟؟.
حل الصمت حتى مر الوقت اعتقدت بأنها لن تجيبها حتى قالت:
- بكرها لأنها شيفة نفسها، يعني حتى وهي يتيمة وأبوها يلي هو عمها بيكسرها بيضل رفعة خشمها، بكرها لأنها نظيفة وحتى أمها مش معاها وأنا أمي....
شخرت ثم أكملت:
- أنا أمي ضيعتني، أمي بتشتمها وبتضربها وعمها كمان لكن مانكسرتش علشان كده أنا بكرهها وحبيت أكسرها وأدوس خشمها ده يلي رفعته بالسما، وأهوه أكيد هي ماتت مع ابنها وأنا دلوأتي حرتاح منها.
فأجابتها آمنة بدموع صامتة وهي تسمع الحقيقة المرة:
- بس عنود ماممتش.
والتفتت صارخة:
- بتؤلي ايه؟؟.. يعني ايه ماممتش؟؟.. أمال الغبي "زينهم" كان رايح يتنيل يعمل ايه معاها؟؟.. أنا موصياه إنه يعزبها أبل ما يموتها.
سكتت قليلا وأخذت تهمهم بحنق ولم تستشفي آمنة ما تقوله حتى تابعت ابتسام حديثها :
- المرة الجاية حتكون النهاية أكيد، ؤمال هو فين دلوأتي؟؟
- البوليس مسكه هو وراجل تاني معرفش اسمه إيه وحكموا عليهم 8 سنين.
ضحكت ابتسام بخفوت واستطردت بعد أن عادت بأنظارها للواقفة:
- أهم حاجة ميجوبوش بسيرتي، واسمعيني يا بنت انت، أنا معنديش مكان ليك، وحسن حـ....
وهنا استدركت ما غاب عن بالها، فقد كشفت حقيقتها.. وماهي إلا لحظات حتى حاولت النهوض وعندها فقط صرخت بأعلى صوتها وهي ترى ما حل بها، وجن جنونها وحاولت اقتلاع الابر وانتزاع الشاش من على وجهها، وثارت أكثر عندما علمت بأنها قد خسرت قدميها الاثنتين وكف يدها فما كان من الطبيب سوى حقنها بمهدئ، ومرت الأيام وحالة شقيقتها تزداد سوء وجنونا، ليضطر الطبيب بحقنها بمهدئ حتى جاء ذلك اليوم الذي فوجئت بأن شقيقتها قد انتحرت وتوفيت إثر جرحها الغائر، فلم يكن بوسعها العيش هكذا ناقصة الجسد ومشوة الوجه، فهذا ما كانت فقط تملكه ليجعلها تعيش وبدونه لا فائدة منها.
كانت نهايتها بشعة، ماتت وهي قد أجرمت بحق نفسها قبل أن تجرم بحق الآخرين، لم تفكر بالتوبة أو العودة لطريق الصواب واختارت الطريق السهل وهو الموت ولم تفكر بأن هناك عقاب وحساب على ما جنته يداها.
وهنا انتهى فصل عائلتها بنهاية آخر فرد من عائلتها وبقيت هي تبحث عن نفسها.
مرت ساعتان وبعدها خرجت الطبيبة ليفز حمدان بسرعة.
- ها.. بشري يا دكتورة؟؟
- عطني البشارة!!.
- لج يلي تبيه، بس قولي حرمتي شخبارها؟؟.
- الحمدالله المدام بخير ومرت العملية بدون تعقيدات.
- الحمدالله
وركع ساجدا لله، شاكرا نعمة عودتها إليه، لتنتشر الفرحة بين الجميع لتقاطعهم الطبيبة هاتفة ببهجة قد انتقلت إليها:
- ماتبي تعرف شو ولدت حرمتك؟؟.
وأجابها بابتسامة مشرقة:
- كله من الله زين، والولد مثل البنت مافي فرق عندي.
- عيل جوك أحلى بنتين توأم مثل القمر.
- الحمدالله.. الحمدالله
************************
بعد 6 أشهر.....
تسير بسرعة وبرشاقة وصوت نقرات حذائها المدبب يرن صداه بالأرجاء، فتحت باب الغرفة ودلفت تتساءل باستعجال وهي تكمل ارتداء حلق أذنيها:
- يله يا ماما حنان بسرعة تأخرنا على العرس .
وقفت حنان بدلال ودارت حول نفسها وهي تتساءل:
- شو رايج يا ماما؟؟... لايق علي الفستان؟؟.
وقف عنود تتأمل صغيرتها وابتسامة حنان تتوسد ثغرها المخضب بحمرة تشابه لون الدم... كان فستانها المنفوش بلونه الوردي، وشعرها المسدل بحرية خلف ظهرها تنام على سواده على جنب وردة بنفس لون الفستان، وألوان هادئة زينت ملامحها الطفولية لتغدوا كما اللعبة الصغيرة، وأجابتها وهي تقترب منها:
- ما شاء الله تبارك الرحمن عروس، الله يطول بعمري وجوفج عروس بفستانج الأبيض.
استحت حنان وهمست :
- ماما... تراني أستحي .
أهدتها قبلة على رأسها وقرأت بعض الأدعية لترقيتها من العين ثم هتفت:
- يا... تأخرنا!!... بتذبحني شهودة، قالتلي لازم أكون هناك بسرعة.
وتحركت خارجة وهي تنادي بصوتها العذب:
- عبادي حبيبي خلصت؟؟.
وخرج يلبي نداءها ووقف بهيبته وهدوئه ووقفت هي تتأمله وهمست:
- صدق من قال من شابه أباه فما ظلم.
فعبدالله يشبه أباه بغموض عينيه وهدوئه ورجاحة عقله، حسنا مرت على زوجها أيام عصيبه جعلته يتخلى عن وقاره، وضحكت بخفوت ليتساءل عبدالله وهو يقترب:
- إن شاء الله دوم هذي الضحكة.
احتضنته وهي تقول:
- يا حبيب قلبي إنت، والله لو نلف العالم كله ما نحصل واحد مثلك، فالحمدالله على نعمة وجودك معانا.
خجل من مديحها ولم يعقب عليه وبالمقابل تهرب قائلا :
- عيل أبوي وين؟؟
مسحت على خده وأجابته بأمومة وحب:
- أبوك قاعد يساعدني ويلبس أخوك مايد.
- والتوأم!!.
- يا قلبي على عهد ووعد نايمين.
وتذكرت سبب تسميته لابنتيها بهذه الأسماء فهو كما قال:
- كل ما أجوف بناتي راح أتذكر كل وعودي وعهودي ومستحيل أنساهم دام عيوني تجوف عيالي.
عضت على شفتيها وتنهدت بحب وقالت بهمس عاشق:
- خليني أروح وأجوفه شو سوى مع أخوك، انت انزل مع اختك حنان وانتظرونا تحت عند يدوه.
هز رأسه موافقا وانطلقت هي لجناحها ترى زوجها وحبيبها يعارك طفلها الصغير لالباسه لحمدانيته، ظلت بمكانها تراقبه بحب وعشق شع من خضرتيها... كم هي عاشقة لهذا الرجل، لقد مرت عليهم أيام عصيبة من قبل، لكن مع انتهاء العقبات عاشوا بسعادة وهناء مع صغيرهم مايد الذي سماه زوجها تيمنا بشقيقها.
لقد أمطرها بوابل من كلمات الغزل والغرام كما عاهدها، ولم يجعل دمعاتها تتساقط أبدا، لقد أغرقها بحبه العميق وهي قابلته بالمثل.
ولم تنتبه لعيونه المحدقة بها تلتهم جمالها الخلاب وفتنتها التي أسرت عسليتيه ... كان شعرها يرفل بعنفوان عنادها يتحدى الرياح أن تبعثره ليقف شامخا مثل صاحبته، أما ملامح وجهها فتلك حكاية أخرى فقد غدت غاية بالجمال، وفستان ذهبي اللون ذا قماش حريري التصق بجسدها ليكون جلد آخر لها حمالاته رصت عليه لآلئ براقة وأحاطت بصدر فستانها من الأطراف، كان فستانها بسيط لكنه جعلها كالملكة التي تنازع ملكات الجمال بالعرش.
- عجبتك؟؟.
اقترب منها وماتزال عيناه تأكلها بشهية من جمالها الفتان جعله يزدري لعابه وأنظاره لا تستطيع أن تحيد عن هذه الحورية التي ظهرت له من حيث لا يعلم.
- سبحان الله من صورج .
ابتسمت ليبتسم واقترب منها محيطا جسدها بذراعيه وهمس بأنفاس مستعرة:
- هو لازم نروح العرس؟؟.
قهقهت بخفوت وأجابته وهي تفرد بكفيها المخضبين بحناء حمراء نقشت على يد أمهر الحنايات .
- إذا تبيهم يذبحونا تراه عادي عندي، دام إني راح أموت بين ايدك....
ليقاطعها بسرعة:
- لا تطرين الموت، والله يطول بعمرج ويعل يومي قبل يومج .
طالعته بهيام وعواطف مشحونة وهمست له:
- ويلوموني بحبك.
اشتعلت أنفاسه إثر تصريحها وانحني يبغي اقتناص قبلة يودي بها عشقه لهذه الأنثى التي غيرت حياته للأبد لكن.....
رنين الهاتف وبكاء الصغار قاطع ما كان ينويه ليبتعد ويهمس بحنق:
- هذي المرة العاشرة يلي يتصل فيها، حشى مب معرس هذا ؟؟.
ضحكت وابتعدت عنه وجسدها يرتعش بلذة الحياة وأجابته:
- ما عليه اعذره حبيبي .
- وهو ليش ما يعذرني؟؟.. تراني أنا بعد معرس اليوم ولا في اعتراض؟؟.
ناظرته بخضرتيها بهيام ثم أجابته:
- لا أبد ما في أي اعتراض، لكن إذا مارحنا ألحين ما راح يكون فيه عرس أو شهر عسل.
وغمزت بعينيها تهديه وعودها.
انطلق الجميع للفندق الذي يقام فيه حفل الزفاف .
- وين راحت هذي بعد؟؟.. يعني أنا قلت لها تكون موجوده قبل الكل وحضرتها ما يت لين ألحين؟؟.
همهمت آمنة بيأس لأسئلة شهد التي لا تنتهي ثم هتفت لها:
- شهد هدي شوي وخلي الكوافيرة تسوي المكياج، ولا بتطلعين مب حلوة.
ففزت من جلستها وصرخت للمزينة:
- والله لو طلعت مب حلوة ما راح تلومين إلا نفسج.
طالعتها المزينة أيضا بغيض وهتفت:
- طيب ماتعدي كويس علشان أحطلك الميكآب منيح.
وأكملت الباقي بهمس:
- ياي.. كيف راح يستحملها هدا الرجال؟؟.. الله يعينه عليها.
وعادت شهد تصرخ:
- تراني سمعتج، ومالج شغل... يتحملني ما يتحمل نصطفل أنا وهو.
وانتشرت ضحكتها تعلن عن وجودها بالمحيط.
- شهد حرام هدي كلتي الحرمة المسكينة، خليها تجوف شغلها علشان سعود ينبهر بهذا الجمال.
وبنطقها بالكلمة السحرية استرخت بمقعدها وابتسمت بحالمية جعل الكل يقف بذهول لتحولها التام.
فهمست المزينة اللبنانية للعنود:
- وينك يا مدام من زمان؟؟.. بصراحة هيدي أول مرة بشوف عروس متلها.
وأعادت عنود الهمس:
- الله يخليج اسكتي لاتسمعج وتسويلج سالفة .
ونادت شهد باستعجال:
- يا الله وينج؟؟.. خلصيني بسرعة بينزف المعرس وأنا بعدني ما خلصت.
رفعت المزينة يدها ودعت:
- الله يعينا على هيدي الليلة .
وعادت تكمل وضع الزينة للعروس المجنونة وبالطرف الآخر وقفت عنود تراقب شهد وماهي إلا لحظات حتى دخلت العروس الأخرى بجمالها الهادئ ونعومة ولدت عليها لتهتف آمنة بانبهار :
- وااااااااااو.. ميثة ماشاءالله عليج، صايرة حلوة .
والتفتت عنود وشهد أيضا يتطلعون باعجاب لصديقتهم التي تقدمت منهم بخجل تريهم ماصنعته المزينة .
- شو رايكم؟؟.. عجبكم المكياج؟؟.
لتهتف عنود:
وبتطلعين أحلى لما تلبسين الفستان، ماشاء الله تبارك الرحمن قمر والله قمر.
لتعترض شهد:
- أقول هيه... وفري كلامج الحلو، تراني أنا بعد عروس ولا نسيتيني؟؟
ضحك الجميع على جنونها ودخلت خديجة تستعجلهم لتقف بابتسامة حانية:
- ماشاءالله عليكم يا بنات، ربي يحفظكم من العين، لا تنسون حبايبي، اقرأوا المعوذات وآية الكرسي.
سكتت تتطلع للجميع ثم قالت:
- عنود حبيبتي إذا مخلصة إنزلي تحت، الضيوف قربوا يحضرون نبي نستقبلهم وخلي المربية تتحمل من الصغارية.
وافقت العنود وحملت صغارها وخرجت وهي تنادي:
- يا الله يا آمنة تعالي لما تخلصين.
- إن شاء الله بس خليني ألبس باقيلي الاكسسوارات وأخلص .
خرجت عنود والتفتت آمنة ترتدي حليها وظلت خديجة تراقبها باعجاب لجمالها، كانت ترتدي فستان أسود اللون ذا حمالات رقيقة أظهرت بياض بشرتها، يحيطه من الصدر بسلاسل بيضاء تدلت براحة على صدرها، وحزام أبيض اللون توسد خصرها ليظهر قدها الممشوق، وأكملته بحذاء بكعب عالي، ورفعت شعرها بتسريحة جميلة وزينته بحلية بيضاء على شكل وردة، وتركت قذلتها تنام براحة على جبهتها، ولونت وجهها بألوان هادئة ما عدى عينيها التي صبغتهما بالسواد لتظهر وسعهما وجمالهما.
اقتربت منها وأخذت تساعدها لتعترض قائلة :
- ماعليه يا خاله لا تتعبين نفسج.
سكتت خديجة ثم همست لها:
- لين متى يا بنتي راح ترفضين؟؟.
تجمدت يدها بالهواء مع سلسالها وجحضت عيناها وتحركت خديجة لتقف خلفها وتمسك بالسلسال وتلبسها واستطردت:
- محد راح يلومج على يلي صار.
وأكملت حديثها:
- وولدي منصور أبدا ما راح يعيرج بأهلج، وصدقيني أنا أول وحدة بوقف بويهه.
تحركت خديجة من مكانها ووقفت أمام آمنة وتابعت الحديث وهي تمسح دموع الصغيرة المتساقطة.
- وأبوه.....
أغمضت آمنة عينيها بألم وحسرة، واستمعت:
- أبوسالم يمكن في البداية كان معترض على ارتباطكم لكن بالنهاية أقر إنج مب مثل......
وتركت الجمله دون أن تكملها لتتنهد أم سالم .
- يا بنتي يا آمنة ماحد يعترض لقضاء الله، وكل واحد ياخذ جزاته لكن هذا مب يعني نوقف حياتنا على شي صار وانتهى، لازم نكمل ونعيش، أنا عارفة إنج تحبين ولدي وهو لين ألحين متمسك فيج وحالف إنه مايتزوج غيرج.
وفتحت عيناها بصدمة لتكمل والدته:
- نعم.. حلف إنه ما يتزوج غيرج لأنج انت يلي في القلب مب وحدة ثانية
وهمست آمنة بشق الأنفس:
- لكن... لكن...
وقاطعتها خديجة وهي تمسك بكفيها:
- ما في لكن يا بنتي، انت بنت خلوقة ومأدبة وماراح ألاقي وحدة تحب ولدي مثلج، فكري يا بنتي وصلي استخارة وتوكلي على الله وانسي يلي راح ولا تخليه يتحكم بمصيرج، عيشي يا بنتي ولاتقتلين نفسج بالحيا.
وتركتها مغادرة تاركة فتاة تعيش بين نارين.. هل تنسى الماضي مع آلامه وجراحه وتطوي صفحته من أجل حب حياتها؟؟.. أم أنها تتركه يقتات منها رويدا رويدا ليتركها شبح بين الأحياء وترى العالم يتقدم للأمام وهي تقف بمكانها؟؟.
مسحت دمعاتها وأكملت ارتداء حليها وخرجت وقد اعتزمت على فعل ما قالته الخالة ألا وهو ترك أمرها لله ليقودها لما فيه خير وصلاح لها.
وصدحت صوت الموسيقى تزف العروستين اللتان ارتدتا أحلى حلة لتغدوان كما البدر المنير، فتلك هي ليلتهما المنتظرة، ليلة طاق فيها كل حبيبين الالتقاء تحت جناح العشق.
ومضى الوقت سريعا حتى حل وقت الرحيل وحمل كل عريس عروسه ومضى بها مشوار حياتهما التي ستتخللها الأفراح والمسرات وأحيانا الأحزان والآلام فهكذا هي الحياة.
أما أبطالنا فقد انطلقا هما وعائلتهما السعيدة يبحثان من بين أركانها عن السعادة التي ينشدونها واختاروا أن يعيشوا اليوم بيومه فمن يعلم الغيب سواه.
دلفوا لغرفتهم بعد أن وضعوا أطفالهم بالسرير متمسكين يدا بيد ووعد بعدم تركها أبدا وكانت المفاجأة تنتظرها بغرفة النوم....
فقد زينها وفرشها باللون الأحمر، وشموع انتشرت بكل مكان، وبالونات حمراء حولت سقف غرفتهما للأحمر، وطاولة صغيرة بمقعدين، التفتت إليه متفاجئة :
- شو السالفة؟؟.. بعده عيد زواجنا أوعيد ميلادي!!.
سحبها خلفه وأدار المسجل من بعيد بالريموت وهمس لها وهو يدنيها منه.
- اليوم يوم عرسنا، وكل يوم راح يكون عرسنا، وانت أحلى عروس جفتها بحياتي، وأشكر ربي على النعمة يلي أعطاني إياها .
وعاد لتقبيلها ثم ابتعد بعد مرور الوقت وحادثها بعواطف مشبوبة:
- تعرفين يا عنود شو هو أحلى يوم عندي؟؟
وهزت رأسها نافية معرفتها وأحاسيسها الملتهبة تمنعها من الحديث فقال بالقرب من شفتيها:
- أحلى يوم كان.... يوم التقينا تاهت فيه عناويني.
وعانقت الأرواح والقلوب باتحاد أبدي لن يزحزحه أي زلزال أو مخلوق، ودعاء وأمنية بأن تطول احتضاناتهما وتطول مسراتهما وأن تكون كل حياتهم هانئة وأن يبعد الله عنهم شر النفوس الضعيفة، وأن يحاوطهما العشق والغرام دائما وأبدا.




تم بحمد الله .






apoaya 05-01-17 11:46 PM

روايه روعه شكرا لكي تحياتي

suzyy 09-01-17 10:07 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
موفق باذن الله

فداء الحسين 11-01-17 10:42 PM

رواية جدا رائعة .شكرا.

Metan 13-01-17 01:12 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
رواية رائعة وبنتظارك شكرا

السياف الرائع 15-01-17 09:01 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
رواية روووووووووووعة

فرحــــــــــة 25-01-17 03:08 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
رواية تستحق القراءة
استمتعت بها وبأحداثها مع ابطالها
وبها الكثير من العبر والمواعظ
لكم منى كل الشكر والتقدير
فيض ودى

مسعمع 29-01-17 08:08 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
لا أعتقد أن رجلا يقبل زوجته أمام الرجال هذا ليس في مجتمعاتنا

fadi azar 20-02-17 11:42 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
مشكورة على الرواية الرائعة

سعيد وبس 28-02-17 03:33 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
[F:lol:/SIZE][/SIZE][/FONT]

ندى ندى 24-03-17 04:21 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
قمة الروعه والابداع والتميز

جميله جدا ما شاء الله

تسلم ايدك حبيبتي ووفقك الله

أنجيلا 24-03-17 04:44 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
:toot::55:

جنة محمود 19-05-17 01:53 AM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
السلام عليكم موفقة بإذن الله

منة منوش 25-05-17 03:50 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
لو سمحتم مممكن لينك pdf

ممريم حسن 27-07-17 05:43 PM

روايه رووعه تسلم يدك ام حمده⚘🌷

خديجة أبوكردوغة 23-02-18 04:17 PM

رد: يوم اللقا تاهت عناويني ( اماراتية ).... بقلمي \ ام حمدة
 
رواية جميلة إلى اﻷجمل بإذن الرحمن


الساعة الآن 05:27 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية